Professional Documents
Culture Documents
2 5233223474704562885
2 5233223474704562885
المقدمة
ش ّكل سقوط بغداد بيد المغول (1258م) وما لحقه من تنازع سياسي وعسكري
للسيطرة على بلدان المشرق العربي ومغربه ،مرحلة جمود وتراجع ّ
مطرد في
مختلف الجوانب الحضارية التي شهدتها المنطقة خالل المرحلة التاريخية المحصورة
بين ظهور اإلسالم ونهاية الحكم العباسي المتمثّل بسقوط بغداد.
ولم تكن الحركة األدبية بمعزل عن ذلك الجمود والتخلّف الذي أصاب المنطقة؛
بل لعلها كانت من أكثر الجوانب تأثرا ً بالتحوالت السياسية واالجتماعية المصيرية،
والتي كان من تداعياتها الكبرى انتقال العالم أجمع من تاريخ العصور الوسطى إلى
العصور الحديثة (مع سقوط القسطنطينية بيد العثمانيين عام 1453م).
أهم التحوالت السياسية والعسكرية التي شهدتها المنطقة العربية بعد سقوط الدولة
العباسية تمثّلت -باإلضافة إلى تفتّت األقطار بين القوى المسيطرة -بكل من الغزو
المغولي وحروب الفرنجة (الحروب الصليبية) وبروز أطماع الدول األوروبية
وخصوصا ً بعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح ،وصوالً إلى انتقال السيطرة في معظم
بلدان العالم العربي إلى اإلمبراطورية العثمانية عقب انتصارها على المماليك في
معركتي (مرج دابق 1516م) في الشام و(الريدانية 1517م) في مصر ،وقبلها على
الصفويين في معركة (جالديران 1514م) في العراق.
عانت حركة األدب العربي بمختلف فنونه من الركود واالنحطاط طيلة ما يقرب6
قرون ،ولم يطرأ أي تجديد أو نشاطٍ ملحوظ عليها .وبالنسبة للشعر العربي ،فقد ظ ّل
المهتمون والمختصون به يكررون ما صدر عن شعراء العصور التاريخية السالفة
(الجاهلي ،صدر اإلسالم ،األموي ،العباسي) ويقلدونهم سواء في شكل القصيدة أو
مضامينها وأغراضها.
وبقي األدب عموما ً والشعر على وجه الخصوص على هذه الحالة وصوالً إلى
حقبة الحملة الفرنسية -حملة نابليون بونابرت -على مصر وبالد الشام في الفترة ما
بين 1801 – 1798م (ويعدها بعض المؤرخين األوروبيين بداية التاريخ المعاصر
بينما يرى بعضهم أن الفاصل بين التاريخ الحديث والتاريخ المعاصر هو الحرب
العالمية األولى) حيث الحت بوادر عصر جديد أُطلق عليه بعد عقود قليلة مس ّمى
"عصر النهضة العربية" الذي تجلى ببروز شعراء -وخاصة في الشام ومصر -بدءا ً
من منتصف القرن الـ ،19أسهموا في وضع القواعد األساسية للشعر العربي الحديث
ّ
االطالع على اآلداب األوروبية التي أفرزتها النهضة والمعاصر ،وذلك نتيجة
األوروبية والثورة الصناعية فيها ،إال أن أشعارهم بقيت ملتزمة بأوزان الشعر
وبحوره باستثناء النثري منها.
فالشعر العربي الحديث هو الشعر العربي الذي كتب في العصر الحديث .وصفة
(العصر الحديث) يُقصد به اإلطار الزمني الذي تتميز فيه معالم الحياة عن األزمنة
السابقة .
تميّز الشعر العربي القديم /التقليدي ،الذي سار على نهجه شعراء الجاهلية وصدر
اإلسالم والعصر األموي والعباسيِ ،بسِمات وخصائص تختلف عن الشعر الحديث
مرت به،
الذي ظهر منذ منتصف القرن التاسع عشر الميالدي بعد فترة الركود التي ّ
بالرغم من التزام أكثر شعرائه بضوابط ومعايير الشعر العربي القديم من ناحية
الوزن والقافية والعروض ،بل والتزم بعضهم بأغراض ومضامين الشعر القديم أيضا ً
حتى بات يُطلق على شعراء النهضة العربية بـ "الشعراء الكالسيكيين" .وتميّز شعر
المرحلة األخيرة بسمات وخصائص جديدة مثل:
االعتماد على الكلمة ودورها في نهضة البالد ،حيث زادت المواضيع التي •
تتحدث عن الثقة بالنفس ،وآمال وتطلعات اإلنسان العربي.
عدم االلتزام بالقافية الموحدة. •
كبير.
االعتماد على الخيال بشك ٍل ٍ •
التنوع :حيث زادت فنون الشعر العربي الحديث ،وألوانه ،وأغراضه. •
كلمة انبعاث أو نهضة تذكرنا بالحدث التاريخي العظيم الذي عاشته •
أوروبا الغربية ابتداء من القرن السادس عشر والذي يتمثل في خروجها من
ظلمات القرون الوسطى إلى عهد من التحرر الفكري والتوسع في ميادين
المعرفة والحضارة.
وقد عرف العرب في تاريخهم نفس التطور ،إذ بعد نهضتهم الكبرى التي •
منها إال مع بداية القرن التاسع عشر ،ولذلك فقد عرف هذا الطور
األخير بعصر ﺍلنهﻀة.
• مراحل النهضة األدبية في العصر الحديث
• لقد اجتازت هذه النهضة أطوا ار ومراحل حتى وصلت لدرجة البزوغ الكامل .
ففي عصر االنحطاط ،كان العرب يعيشون جنبا إلى جنب مع أوروبا
الناهضة دون أن يشعروا بتزايد هوة التباين بينهم وبينها ودون أن يدركوا أنهم
في حالة من النقص والتخلف ستجعلهم لقمة سائغة في يوم ما لحركة التوسع
االستعماري األوروبي
• ولم يدخلوا في حالة الوعي بذلك إال عندما تسلط الغزو األوروبي على بالدهم
في القرن التاسع عشر ،وبدأ يكتسحها واحدة تلو األخرى .فسقطت مصر
تحت أيدي االحتالل الفرنسي واإلنجليزي ،وسقطت تونس والجزائر والمغرب
.تحت االحتالل الفرنسي
وبدأت البلدان العربية تسقط واحدة تلو األخرى تحت غزو استعماري شامل ، •
• -المدارس
1
• كان للمدارس الفضل الكبير في الرقي بالبلدان العربية ونشر العلم فيها ،ففي
لبنان عرفت المدارس انتشا ار كبي ار جدا ،وأنشأت و ازرة المعارف المدارس
الرسمية إلى جانب المدارس الخاصة ،فضجت البالد بالعلم ،وكان لبنان
.من أرقى بالد العالم ثقافة
• أما في مصر فقد قام محمد علي بنهضة علمية تجديدية ،فأضيف إلى
األزهر طائفة من العلوم الحديثة ،وقومت مناهجه تقويما يجاري الحركة
وجعل التعليم فيه ثالث درجات :ابتدائي وثانوي وعالي
.التقدمية ُ ،
• وكان فضل األزهر على اللغة العربية كبي ار ،إذ كان معقلها الحصين في
عصور االنحطاط ،وقد اعتمد محمد علي عليه في انتخاب رجال النهضة
التي رمى إليها ،كما اعتمد على أبنائه في نقل بعض كتب العلم وصياغتها
في قالب عربي متين ،ومن األزهر أخذ طلبة البعوث التي أرسلها إلى أوروبا
.
• أما في سائر البالد العربية فقد بقية سوريا بال جامعة حتى انتهت الحرب
العالمية األولى بتتويج فيصل ملكا عليها ،فأسست في عهده الجامعة
السورية .ثم انتشرت المدارس االبتدائية والثانوية في جميع البالد العربية
.وتعهدتها الحكومات بالعناية الخاصة فآتت ثمارها
•
-2الطباعة
• الطباعة من أكبر الوسائل لنشر المعارف بين جميع طبقات األمة .وقد
اخترعت في القرن الخامس عشر الميالدي .ولم تظهر الحروف العربية
.مطبوعة إال سنة 1514في بلدة فانو اإليطالية
• وفي منتصف القرن السادس عشر عرفة اآلستانة الطباعة .وأول مطبعة
دخلت البالد العربية هي المطبعة التي أنشئت سنة 1610في دير قزحيا
بلبنان ،وكانت سوريا أسبق البالد العربية إلى الطبع بالحروف العربية .فقد
ظهرت الطباعة في حلب نحو سنة ، 1702ومنذ ذلك الحين أخذت المطابع
.تنتشر في لبنان وتشمل بعدها الشرق كله
• -
3الصحافة
• كان لتأسيس الطباعة وتقدمها فضل في ظهور الصحافة وتقدمها .وكانت
مصر المهد األول للصحافة العربية ،فقد أنشئت جريدة ” الوقائع المصرية ”
الرسمية في عهد محمد علي سنة ، 1828والتي كانت تنشر أخبار الحكومة
.بالتركية والعربية
• وفي سنة 1855أنشأ رزق هللا حسون الحلبي في القسطنطينية جريدة
أسبوعية سياسية سماها ” مرآة األحوال ” وذكر فيها وقائع حرب ” القرم ” بين
الروس واألتراك ،وأخبار سوريا ولبنان ،لتعرف الصحافة العربية بعدها
.انتشا ار واسعا في شتى البالد العربية
• أما أثر الصحافة فكان واسعا ،فقد أيقضت روح الوطنية والقومية ومحاربة
االستبداد وطلب الحرية ،ونقلت إلى الشرق حضارة الغرب ونظمه
االجتماعية والسياسية ،واختراعاته العلمية ،وانفتحت على ثقافاته األدبية
.والفكرية
• العلمية الجمعيات
-4واألدبية
• تعددت كذلك الجمعيات العلمية واألدبية في البالد العربية وكانت من عوامل
تقدم العلوم والثقافة ألنها كانت تحمل األدباء والعلماء على التكتل وتبادل
اآلراء ،وكانت تسهل لهم سبل الدرس والبحث ،وتيسر لهم طرق النجاح في
.مهامهم
• ومن أشهر هذه الجمعيات ” ،المجمع العلمي العربي ” والذي أسس بدمشق
سنة ، 1919وكان يهدف إلى إحياء اآلداب العربية وتلقين أصول البحث
.للدارسين وفق الطرق الحديثة في الدرس والتأليف
• وتم إنشاء ” المجمع الملكي للغة العربية ” سنة ، 1932والذي كان يهدف
إلى الحفاظ على سالمة اللغة العربية وأن يجعلها وافية بمطالب العلوم والفنون
في تقدمها ،وأن يوضع معجم تاريخي للغة العربية ،وأن ينشر أبحاثا دقيقة
.في تاريخ بعض الكلمات وتغير مدلوالتها
• -5
المكتبات
• كان من ثمار االحتكاك بالثقافة الغربية ،إنشاء المكتبات العامة والخاصة ،
وتنظيمها تنظيما حديثا ونشر الفهارس المختلفة ،مما يسهل المطالعة وورود
.معين العلم
• ومن أشهر المكتبات ” المكتبة الظاهرية ” بدمشق ،وقد أنشئت سنة 1878
وضمت عددا كبي ار من المخطوطات النفيسة ؛ والمكتبة الخديوية بمصر ،
وقد أنشئت في عهد محمد علي ؛ والمكتبة األزهرية ،
•
التمثيل -6
• وعمل كذلك التمثيل على نشر الثقافة والفنون وعلى تهذيب العقل والذوق ،
وكان المسرح أهم قبلة يستعرض فيها الكتّاب واألدباء والشعراء قصصهم
وملحماتهم الحية على خشبته وأمام جمهور يتفاعل عقله وفكره أمام حبكة
وسير األحداث .ولقد خصصنا موضوعا بأكمله حول نشأة هذا الفن
• -7االستشراق
• أن أكبر العوامل في إحياء اآلداب العربية اشتراك األجانب أنفسهم في
دراستها ونشر كتبها .وقد بدأ األوروبيون ينصرفون إلى دراسة اللغة العربية
وآدابها منذ القرن العاشر للميالد .واشتدت تلك الحركة في القرون الوسطى
النصراف الكثيرين إلى دراسة اللغات السامية ،وفتحت مدارس تعلم لغات
.الشرق وال سيما العربية والسريانية والعبرانية
• ولما كان القرن التاسع عشر اشتدت حركة االستشراق اشتدادا عظيما لقيام
الحكومات الغربية بتأسيس مدارس تعلم لغاة الشرق ليسهل عليها حكم
.مستعمراتها
• ولقد مهدوا السبيل أمام الباحثين بنشرهم المخطوطات الثمينة في طبعات أنيقة
مصححة ،مزودة بتعليقات نفيسة ،وبفهارس تيسر االطالع وتجمع
.األشخاص واألماكن والموضوعات
نشأ الحبوبي على ما ينشأ عليه لدّاته في المجالس العلمية واألدبية في النجف
األشرف وال يخفى ما لهذه النشأة من أثر كبير في تكوين شخصية اإلنسان ،فهذه
البيئة العلمية والمحيط األدبي قد رفدا العالم اإلسالمي بالمئات من كبار العلماء
األعالم وفحول الشعراء واألدباء والمفكرين و النوابغ والدعاة فضالً عن ذلك فقد
اجتمعت لدى الحبوبي الكثير من المواهب والمؤهالت التي راحت تع ّد له سبل
الرقي والنبوغ العلمي واألدبي.
درس الحبوبي األخالق والرياضيات عند العالمة الكبير ميرزا حسين قُلي،
ودرس الفقه واألصول عند األستاذ الكبير الشيخ محمد حسين الكاظمي ،وبعد وفاة
هذا األستاذ حضر الحبوبي دروس الشيخ محمد طه نجف ،وقد أشاد هذا األستاذ
الكبير بعلمية شاعرنا و منزلته بكلمات كثيرة ،ثم انقطع الحبوبي للتأليف والتدريس
وقد تخرج على يديه الكثير من طالب العلم وكبار العلماء والمجتهدين ،كما ترك
آثارا ً وكتابات في األصول والفقه لم يطبع منها سوى ديوان شعره.
وإذا رأينا الحبوبي طودا ً في علمه وفقهه فإننا نلفيه بحرا ً زاخرا ً بأدبه وشعره ويشهد
له ديوانه ذلك السفر األدبي على صدارته الشعرية في عصره بالرغم مما كانت
تضم مدينة النجف االشرف في ذلك الوقت من فطاحل الشعر ونوابغ األدب أمثال
السيد جعفر الحلي والسيد موسى الطالقاني والشيخ عباس القرشي والشيخ محسن
الخضري وغيرهم.
ثم تلقى تعليمه عن عدد من علماء عصره ،ودرس األدب والشعر على خاله
عباس األعسم ،وقرأ العلوم األخالقية على حسين مكي الهمداني ،كما زامل
المصلح الشهير جمال الدين األفغاني أربع سنوات أثناء الدّراسة.
تولى التدريس فصار إما ًما في الصحن الغروي بمسقط رأسه.
كانت له مجالس أدبية ومحاضرات مفيدة.
يذكر أنه انقطع عن نظم الشعر حين بلغ األربعين من العمر .مما يعني أنه لم
شعرا في القرن العشرين
ً ينظم
.
اإلنتاج الشعري :
له ديوان محمد سعيد حبوبي النجفي ،طبع أربع مرات:
األولى :عُني بإعدادها للطبع :عبدالعزيز الجواهري -المطبعة األهلية -بيروت
131هـ1912 /
والثانية :طبعة تجارية مصورة عن سابقتها من إعداد :إبراهيم زين عاصي في
الخمسينيات.
والثالثة مزيدة ومنقحة من إعداد :عبدالغفار الحبوبي -وزارة الثقافة واإلعالم
العراقية -مطابع دار الرسالة -الكويت.1980
أسرته، إصدار من والرابعة
.1983 بغداد - العسكرية المطابع سابقتها - مصورة عن
األعمال األخرى:
-أشارت بعض المصادر إلى أن له كتابًا في الفقه وآخر في األصول.
يعد نتاجه الشعري صدى لدوره التجديدي في الشعر العراقي في النصف الثاني
من القرن التاسع عشر .غلب على نتاجه الموشحات التي لفتت إليه أنظار النقاد
والدارسين .فليس من شك أن هذه الموشحات جميعًا من أفضل ما أنتجت قرائح
الوشاحين القدماء ،على أن قدرته في نظم القصيدة ليست دون قدرته على نظم
الموشحات.
امتاز شعر الحبوبي بدقة الوصف وجودة السبك وحسن االختيار في
الصورة الشعرية إضافة إلى ذلك جمال األسلوب وجزالة التراكيب كما
كان متميزاً باختياره لمطلع القصيدة ليكون لوحة رائعة متكاملة فلنستمع
إلى مطلع مرثيته للسيد حيدر الحلي بقيثارته الحزينة والتي ال يخالج
القارئ الشك في أنه يستمع الى مرثية ألحد كبار شعراء العصر
العباسي .
قصيدة ما لقلبي تهزه األشواق
خبرينا أهـكذا العـــــــــشاق ما لقلبي تـــــــــــهزه األشــواق
ودموع على الطــلول تراق كل يوم لنا فـــــــــــــــؤاد مذاب
ولدمعي بجيـــــدها أطـواق عجبا كيف تدعي الورق وجدي
شفه الوجد بعــدكم والـفراق فأرحمي يأمــيم لوعة صـــــــــد
أن تحاماه في الوداع العناق كاد يقـــــضي من الصبابــة لوال
كل ذلك دفع الشاعر إلى أن يتعرض لها كاشفا مثالبها ،مما اضطره أخي ار أن ّ
ثم يعود ثانية
ثم إلى أبو شير في الخليج العربي ّ
سر ،الى البصرة ومن ّ
يغادر بغداد ّا
ليستقر به المقام أخي ار في مصر.
ّ الى العراق ليبدأ من جديد رحلة إلى إيران فالهند ،
وهناك تزوج من فتاة تونسية تدعى عائشة ،وهي ابنة الثائر التونسي محمود أحمد
وتعسفهم الفرنسيين ظلم بسبب مصر إلى لجأ الذي ، .الحسين
حفلت حياة الكاظمي بأحداث مهمة أثناء إقامته في مصر ،من أبرزها اتصاله
وقدم له يد المعونة والمساعدة ،
بالشيخ محمد عبدة ،الذي شمله برعايته واهتمامه ّ
حبب له البقاء فيها ،ولما توفي الشيخ محمد
مما ّ
منذ أن وطأت قدماه أرض مصر ّ
خصص له راتبا شهريا يدفع له من
عبدة ،أخذ سعد زغلول على عاتقه رعايته ،بأن ّ
.خزانة األوقاف
ذاع صيت الشاعر عبد المحسن الكاظمي في األوساط األدبية ،فأصبح يلّقب
المكارم وأبو ، واإلرتجال البداهة وبشاعر العرب بشاعر
وحظي باحترام وتقدير الشخصيات األدبية في مصر ،فقد نشر عنه الكاتب
المصري محمد رشيد رضا مقاال بعنوان (القديم في الحديث واالول في اآلخر) في
:المجلد الثالث لمجلة المنار :
ذهبت بالغة الشعر العربي بذهاب دول العرب حتى صار القرن يمضي كله وال ((
يظهر فيه شاعر عربي األسلوب بليغ الكالم ،وحتى صرنا نعد وجود مثل سعادة
كأن السليقة
محمود سامي باشا البارودي من قبيل ما يسميه الحكماء بالرجعة ّ ،
العربية رجعت إليه بالوراثة ألحد أجداده األولين من غير عناء في كسب ملكتها
أن
أن بالد العراق ال تزال أقرب الى السليقة العربية من أهل هذه البالد ،و ّ
والظاهر ّ
النابغين فيها أكثر منهم في غيرها ولقد وافى هذه البالد من أشهر رجل فاضل جدير
وقل الجدير به في العصر ،أال وهو الشيخ أبو المكارم عبد المحسن
بلقب ( األديب) ّ
الكاظمي( نسبة إلى الكاظمية بلدة في ضواحي بغداد) لقيناه فلقينا األدب الصحيح
واألخالق الحسنة من الشاعر المفلق ،العذب المنطق ،الذي ناهز المقدمين ،
وخاطر المقرمين ،ومن السجايا الفاضلة الظاهرة فيه اإلباء وعزة النفس ،حتى ّأنك
.ال تشعر في أول عهدك به بما عنده من لطف المعاشرة ورقة الطبع ولين العريكة
قال صاحب السعادة اسماعيل باشا صبري وكيل الحقانية وأحد أركان األدب في
مصر( إنني عندما لقيته أول مرة ظننت ّإنه ال تطيب معاشرته ،فلما خبرته علمت
ـ )) ّأنه ال تطيب مفارقته )
أن الشاعر محمود سامي البارودي ، ومما هو معروف في مجالس األدب ونواديه ّ ،
كل اإلحترام والتقدير بحيث أنه لم يق أر شيئا من شعره في حضوره
يكن للكاظمي ّ
كان ّ
، ابراهيم وحافظ شوقي بأحمد ويقارن يذكر اسمه وأصبح
عرف الكاظمي ببداهته وقدرته على ارتجال القصائد الطويلة ،التي تربو على المائة
حظي الكاظمي بتقدير أعالم األدب والفكر في زمانه ،وشهد له القاصي والداني
بسمو األخالق والعفة واإلباء والصدق فيما يقول ويعمل .يقول شاعر العرب األكبر
ّ
محمد مهدي الجواهري عنهّ (( :
إن أهم الميزات ،التي تتجلى في حياة الكاظمي وفي
شعره أيضا ـ وهو صورة صادقة عن حياته ـ كونه مرآة صافية لجيله ومجتمعه ،
وعلى غير هذا القياس يصعب في رأيي المقارنة بينه وبين شعراء العراق اآلخرين
حتى من الذين عاصروه كالزهاوي والرصافي والشبيبي والشرقي وهناك ميزة ثانية هو
)).كون شعر الكاظمي ذخيرة من ذخائر اللغة العربية النقية ومفرداتها الجميلة
إن قصيدته التي مطلعها :ويقول عنه العالمة اللغوي المعروف مصطفى جواد ّ (( :
ـع
بالجزِع أدمـ ُ
ْ بلقع ** أما شغلت عينيك ُ الدار
الطرف و ُ ْ جيل
إلى كم نُ ُ
وصحة
ّ تصلح ألن تكون ( المعلقة الثامنة ) في أسلوبها وفصاحتها وطرازها البدوي
مبانيها وقوة
ّ )معانيها .
مكانته األدبية
جاء في المقالة ،التي كتبها الشاعر واألديب المشهور مصطفى صادق الرافعي ،
قسم شعراء وأدباء مصر المعروفين إلى ثالث طبقات .تشمل الطبقة األولى
الذي ّ
أما
ثم شاعر النيل حافظ ابراهيم ّ ،
ثم محمود سامي البارودي ّ
عبد المحسن الكاظمي ّ
كالً من اسماعيل صبري وأحمد شوقي وخليل مطران ،أما
الطبقة الثانية فتشمل ّ
أخرى وأسماء المنفلوطي فتضم
ّ الثالثة .الطبقة
في اليوم األول من أيار من العام 1935توفي الشاعر عبد المحسن الكاظمي ،
بناء على رغبته وحسب وصيته ،التي أوصى وقد دفن في أرض الكنانة ( مصر) ً ،
أن الحكومة العراقية بنت له ضريحا يليق
بها في حياته في مقبرة مصر الجديدة ,إال ّ
بمنزلته في مقبرة اإلمام الشافعي في القاهرة .وفي 1ـ 3ـ 1947نقلت رفات الشاعر
إليه
كان للكاظمي طريقته وأسلوبه في نظم الشعر فقد جمع بين فخامة اللغة وجمال
ورقة المعاني ،فلشعره نكهة مميزة ،لم يعهدها شعراء وأدباء مصر لدى شاعر آخر
.
أحب الكاظمي وطنه ،فكان العراق حاض ار على الدوام في ذهنه وذكره يجري على
ّ
الحب ،الذي يربطنا بالبشر ،لكن حب الحمى
ّ لسانه في حّله وترحاله .قد يضمحل
( :الوطن) ال يضمحل ،فلنق أر له هذه األبيات ،التي تفيض عذوب َة
فهوى الحمى ال يضمحل يضمحل ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوى المهاّ إن
هم المعالي ليس يخل ـ ــو
ّ لب فم ـ ــن
ولئن خال قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ
ليس يسلو ِ
وأخو الصبابة َ قالوا س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـال أوطانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ
وقلّـ ـ ـ ـوا كثروا فوجدتهم ولقد حسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبت أحبتـ ــي
أخ وخ ـ ــل
الوداد ٌ
َ نســي وذكرتهم في ح ـ ـ ـ ـ ـ ـين قـد
َ
أرحل أو أحل ُ اي
ذكر َ الصبا وطن يا ذك ـ ـراك
معروف الرصافي
الرصافة ،وتلّقى
الشاعر معروف الرصافي عام 1875م ببغداد في منطقة تسمى ّ ُولد ّ
يستطع الحصول علىْ ولكنه لم
الرشيديةّ ،االبتدائية في الكتاتيب ،والمدرسة ّ
ّ دروسه
العالمة محمود شكلي اآللوسي ،وخالل فترة
الشهادة ،فترك المدرسة والتحق بدروس ّ
تلقيه الدورس كثّف جهوده في دراسة علوم اللغة العربية والمنطق ،وبعد أن أكمل
عدة أماكن ،ومن هذه األماكن
الرصافي تعليمه ،وأتقن اللغة العر ّبية عمل محر اًر في ّ
جمعية االتحاد والترقي ،ومجلة "سبيل الرثاء" ،ثم انتقل بعد ذلك للعمل في مهنة
السلطانية ،والوعاظ.
ّ اقية ،ومنها
عدة مدارس عر ّ
تدريس للغة العر ّبية في ّ
تقّلد الرصافي بعد ذلك منصب نائب الرئيس للجنة الترجمة والتعريب ،وفي عام
اليومية ،واستمر في التنقل بين الوظائف
ّ 1923م تولّى إصدار جريدة "األمل"
المختلفة حتى أُسند إليه منصب المفتش العام في المعارف ،وأصبح مدرساً للغة
ثم انتقل بعد ذلك لرئاسة لجنة اإلصالحات العر ّبية وآدابها في دار المعلمينّ ،
الحكومية ،وانتُخب عضواً في
ّ العلمية ،وفي عام 1927م استقال من جميع الوظائف
ّ
ات ،وقد توفي الرصافي في مسقط رأسه في بغداد مجلس النواب العراقي خمس مر ٍ
ّ ّ
وصيته التي قال فيها" :كل ما كتبته من نظ ٍم ٍ
ونثر لم ّ عام 1945م ،وقبل وفاته كتب
الشخصية وإنما قصدت به منفعة المجتمع".
ّ أجعل هدفي منه منفعتي
اكتسب الرصافي شهرة واسعة بلغت اآلفاق بفضل القصائد واألشعار التي
ظمها ،إذ لم يترك غرضاً من أغراض الشعر إال وتناوله؛ فنظم شع اًر في المدح،
نّ
هاوي
والفخر ،والرثاء ،والغزل ،والهجاء ،وعاصر الرصافي الشاعر جميل صدقي الز ّ
وتبارى معه في الهجاء فترة من الزمن ،وسعى للمزج بين العلم واألدب ،وإلى نشر ما
ينجح في ذلك ،إال ّأنه أجاد طرح المواضيع
ْ ولكنه لم
اكتسبه من نظريات وعلومّ ،
وصور ببراعة مشاهد الشقاء والبؤس وحاالت الفقر التي كان
ّ االجتماعية،
ّ السياسية و
ّ
يعاني منها المواطن العراقي ،وكانت هذه الصور الشعرّية مستمدة من عمق الواقع
االجتماعي البائس آنذاك؛ فنادى بالتغيير ،ونبذ الجهل ،ونشر العلم ،ومناصرة قضايا
التعصب الطبقي والظلم ،وإنصاف الطبقة البائسة ،ورغم شعوره
ّ المرأة ،والقضاء على
أن أسلوبه كان خالياً من العاطفة ،وسعة الخيال ،وقوة التعبير،
الوطني المتأجج إال ّ
ومما قاله في هذا
أن هذه الثورة اتّصفت بالهدوءّ ،
ورغم ثورته على كل قديم إال ّ
األدبية أقبح".
ّ "أما التقليد إن كان في األمور العقلية قبيح فهو في المسائل
الصددّ :
ويرجح
ّ -1الشعر القصصي أو الروائي تناول الرصافي القصة الشعرّية في شعره،
ّ
بأن صياغة الشعر على ٍ
نحو مباشر الدارسون ّ
أن السبب في ذلك يعود العتقاده ّ
المرجوة؛ األمر
ّ ٍ
مآس ال يؤدي للنتيجة وتقرير ّي ،لتصوير الواقع وما يحدث فيه من
الذي دفعه لنظم الشعر القصصي؛ ليحقق ما يسعى إليه لخدمة المجتمع وقضاياه،
وقد منحت هذه الخطوة للرصافي الفرصة بأن يصبح رائداً لهذا النمط األدبي ،ومن
ّ
العوامل التي ساعدت في اتّجاهه لهذا النوع الشعري تأثّره بالمذهب الواقعي ،فكان
ّ
أن
االجتماعي ،وخاص ًة ّ المصلح
يقل مكان ًة عن دور ُ ٍ
كشاعر ال ّ دوره اإلصالحي
ّ ّ
مستمدةً من البيئة
ّ قصص الرصافي كانت تتسم بالواقعية البعيدة عن الخيال؛ كونها
ّ
التي عاش فيها ،ومما سمعه ورآه بنفسه أيضاً ،ومن هذا الشعر القصصي :قصيدة
ّ
"الفقر والسقام" ،و"المطلقة" ،و"اليتيم في العيد" ،وقد امتازت هذه القصص بالحبكة
الفنية ،والعاطفة الصادقة.
ّ
قام الرصافي الشاعر والمف ّكر بدور المصلح االجتماعي في المجتمع الذي عاش
فيه ؛ ناقداً للظروف الحياتية المحيطة به ،وداعياً إلى إصالحها ،وقد أشارت
الصحافة العر ّبية إلى أنه مبتكر الشعر االجتماعي ،وذلك بعد نشر ديوانه األول،
ّ
ومن مالمح شعر الرصافي االجتماعي ما يلي:
إن المتصّفح لديوان الرصافي يجد فيه قصائد كثيرة من شعر الحكمة ،بحيث
ّ
يظهر فيها الرصافي بمثابة المعلم والمرشد ألبناء وطنه ،وإن كانت تنقصه الرؤية
أن تلك األشعار صيغت النفسي إال ّ الفلسفية العميقة ،والقدرة على التحليل
ّ
بعاطفة صادقة وهدف نبيل قصد منها الرصافي أن يلعب دور المف ّكر ،وقد كانت
أشعار الرصافي في الحكمة متعددة األغراض ،معظمها كان منتش اًر على ألسنة
حياً على
وتعد هذه األشعار مثاالً ّ
ّ العامة من أصحاب الخبرة ،وأهل المعرفة،
الطريقة التي كان يف ّكر بها ،والتي تعكس قناعته التامة بالمبادئ التحررّية التي
نادى بها ،ومن هذه االشعار نذكر ما يلي:
من مر َّ
الشقاء يجرع
ُ إنه يكفيه ما
ديوان معروف الرصافي
عد ديوان الرصافي من الموسوعات الشعرّية للعصر الذي عاش فيه؛ فقد تناول فيه يُ ّ
قضايا هامة ،ومنها :قضية أثر الطالق االجتماعي على المرأة ،واالهتمام باألطفال
سياسية ،وطالب
ّ وخاصة األيتام منهم ،كما أشار إلى ضرورة إجراء إصالحات
الحض على العلم ،وفتح المزيد من المدارس ،ودافع عن الدين التطور ،و ّ
بالنهضة و ّ
ثاء
بأنه كان عائقاً أمام التقدم ،وورد في ديوانه ر ً
مبيناً رفضه لما نُسب إليه ّ
اإلسالمي ّ
للعديد من الشخصيات ،مثل :الشاعر أحمد شوقي ،والحسين بن علي الذي أسماه
مرة سنة 1910في
أن ديوان الرصافي نُشر ألول ّ
بأبي الملوك ،ومن الجدير بالذكر ّ
يخيات،
الكونيات ،والتار ّ
ّ توزع على أربعة أبواب ،وهذه األبواب هي:
بيروت ،وقد ّ
الثانية في عام 1932زادت
ّ الوصفيات ،وعندما صدرت الطبعة
ّ االجتماعيات ،و
ّ و
الفلسفيات،
ّ االجتماعيات ،و
ّ الكونيات ،و
ّ أبوابه وبلغت أحد عشر باباً ،وهي كاآلتي:
السياسيات ،والمقطعات،
ّ يقيات ،و
الوصفيات ،والمراثي ،والحر ّ
ّ يخيات ،و
والتار ّ
النسائيات.
ّ والحر ّبيات ،و
محمد مهدي الجواهري
ُولد محمد مهدي بن الحسين بن عبد علي بن صاحب الجواهر الشـيخ محمد حسن
في النجف في سنة 1899ودرس في المدرسـة العلوية ثم أخذ علوم اللغة واألدب
عن كبار مشايخ الغري ،ونبغ في الشعر مبك ار
تحدر من أسرة نجفية محافظة عريقة في العلم واألدب والشعر تُعرف بآل الجواهر ،
ّ
نسبة إلى أحد أجداد األسرة والذي يدعى الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر ،
والذي أّلف كتاباً في الفقه واسم الكتاب "جواهر الكالم في شرح شرائع اإلسالم " .
وكان لهذه األسرة ،كما لباقي األسر الكبيرة في النجف مجلس عامر باألدب واألدباء
. والعلمية األدبية الشخصيات كبار يرتاده
ق أر القرآن الكريم وهو في هذه السن المبكرة وتم له ذلك بين أقرباء والده وأصدقائه،
درسين كبار ليعلموه الكتابة والقراءة ،فأخذ عن شيوخه النحو
ثم أرسله والده إلى ُم ّ
والصرف والبالغة والفقه وما إلى ذلك مما هو معروف في منهج الدراسة آنذاك ...
وخطط له والده وآخرون أن يحفظ في كل يوم خطبة من نهج البالغة وقصيدة من
ديوان المتنبي ليبدأ الفتى بالحفظ طوال نهاره منتظ اًر ساعة االمتحان بفارغ الصبر ،
وبعد أن ينجح في االمتحان يسمح له بالخروج فيحس انه ُخلق من جديد ،وفي
المساء يصاحب والده إلى مجالس الكبار
أظهر ميالً منذ الطفولة إلى األدب فأخذ يق أر في كتاب البيان والتبيين ومقدمة ابن
خلدون ودواوين الشعر ،ونظم الشعر في سن مبكرة ،تأث اًر ببيئته ،واستجابة لموهبة
. كامنة فيه
▪ كان قوي الذاكرة ،سريع الحفظ ،ويروى أنه في إحدى المرات وضعت أمامه
ليرة ذهبية وطلب منه أن يبرهن عن مقدرته في الحفظ وتكون الليرة له .فغاب
الفتى ثماني ساعات وحفظ قصيدة من ( )450بيتاً واسمعها للحاضرين وقبض
. الليرة
كان أبوه يريده عالماً ال شاع اًر ،لكن ميله للشعر غلب عليه .وفي سنة ،1917
توفي والده وبعد أن انقضت أيام الحزن عاد الشاب إلى دروسه وأضاف إليها درس
البيان والمنطق والفلسفة ..وق أر كل شعر جديد سواء أكان عربياً أم مترجماً عن
.الغرب
وكان في أول حياته يرتدي العمامة لباس رجال الدين ألنه نشأ نشأةً دينيه محافظة ،
واشترك بسب ذلك في ثورة العشرين عام 1920م ضد السلطات البريطانية وهو
.مرتدي العمامة
بدأ الجواهري بنشر قصائده في بغداد منذ سـنة 1921وفي سنة 1923نشر كتيباً
عنوانه "حلبة األدب" يتضمن معارضاته لقصائد متنوعة لعدد من كبار الشعراء
.المعاصـرين
عمل الجواهري فترة قصيرة في بالط الملك فيصل األول عندما توج ملكا على
العراق ,واستقال عام 1930وأصدر صحيفة "الفرات" .ثم ألغت الحكومة امتيازها
.فبقي من دون عمل حتى عين معلما بمدرسة المأمونية في بغداد أواخر عام 1931
وفي سـنة 1932توفي أحمد شـوقي وتزاحم الشعراء في كل قطر عربي لوراثة لقب "
أمير الشعراء" ولم تكن إمارة الشعر منصباً يتحتم ملؤه إذا ما أصبح شاغ اًر بوفاة
شاغله وإنما هو لقب شـخصي منح ألحمد شـوقي وانتهى بوفاته .ومع ذلك فقد تزاحم
الشعراء على هذا اللقب وكثر المرشـحون له .أما الجواهري فقد أرسـل باقة من شـعره
إلى الدكتور طه حسين ليقرأه ويزكيه عله يرشـحه لإلمارة الشاغرة .وكان ذلك من
مظاهر طموح الشاعر الشاب وثقته بنفسـه .وعلّق " الزيات " على ذلك قائـالً إن طه
.حسـين أعجب بشعر الجواهري وبقي هذا اإلعجاب يتزايد حتى آخر أيام طه حسـين
بعد خروج الجواهري من السـجن اختار لجريدته اسـماً جديداً هو " الرأي العام" وكانت
و ازرة بكر صدقي قد اسـتقالت بعد مقتل قائد االنقالب بكر صدقي وأُقيمت لياسـين
الهاشـمي حفلة تأبينية كبرى شـارك فيها عدد من كبار شـعراء العربية وخطبائها
وطلب الجواهري أن يلقي فيها قصيدة في رثاء ياسـين فرفض طلبـه .وأيد الجواهري
حركة أيار (مارس) 1941المعروفة بحركة رشـيد عالي الكيالني فلما فشلت الحركة
سافر إلى إيران ثم عاد في السنة نفسـها واسـتأنف إصدار " الرأي العام" ونهج فيها
نهجاً يسارياً واضحاً ،وعوتب الجواهري في حينه القتصاره في قصائده على مدح
.الجيش األحمر وانتصاراته
عاد الجواهري إلى بغداد في تموز سنة 1957وفي السنة التالية وقع االنقالب
العسكري بقيادة عبد الكريم قاسم فتحمس له الجواهري وأيده بشعره وأعاد إصدار
"الرأي العام" وانحاز إلى اليساريين وساير الشـيوعيين وانتخب رئيساً التحاد األدباء
ونقيباً للصحافيين .وواجه مضايقات مختلفة فغادر العراق عام 1961إلى لبنان ومن
.هناك استقر في براغ ضيفاً على اتحاد األدباء التشيكوسلوفاكيين سبعة أعوام
عاد إلى بغداد في تشـرين األول (أكتوبر (سنة 1968فأُعيد انتخابه رئيساً التحاد
األدباء العراقيين عند إعادة وخصصت له الحكومة راتباً تقاعدياً قدره 150دينا اًر في
.الشهر
في عام 1969صدر له في بغداد ديوان "بريد العودة" .في عام 1971أصدرت له
و ازرة اإلعالم ديوان " أيها األرق" .وفي العام نفسه رأس الوفد العراقي الذي م ّثل
العراق في مؤتمر األدباء العرب الثامن المنعقد في دمشق وفي العام نفسه أصدرت
"له و ازرة اإلعالم ديوان"خلجات
.في عام 1973رأس الوفد العراقي إلى مؤتمر األدباء التاسع الذي عقد في تونس
بلدان عديدة فتحت أبوابها للجواهري مثل مصر ،المغرب ،واألردن ،وهذا دليل على
مدى االحترام الذي حظي به ولكنه اختار دمشق واستقر فيها واطمأن إليها ,كرمه
الرئيس الراحل «حافظ األسد» بمنحه أعلى وسام في البالد
وما الشعر إال صفحة من حياتها *** وما أنا إال صورة لبالدي
وكان وقع خبر وفاته كبي ار خصوصا على العراقيين والمثقفين واألدباء من العرب
كيف ال وقد لقبه النقاد بشاعر العرب األكبر ومتنبي العصر وصناجة العرب في
القرن العشرين
▪ وقد ولد الجواهري وتوفي في نفس الشهر ،وكان الفارق يوماً واحداً مابين عيد
ميالده ووفاته .فقد ولد في السادس والعشرين من تموز عام 1899وتوفي في
.السابع والعشرين من تموز 1997
األرو ِع ــج ِع َت َن َّـوَر باألبَلـ ِج ِ
▪
َ اك من َم ْض َاء لمثو َ ف َد ً
َﻀ َـو ِع نـان ُر ْو َحاً ومن ِم ْس ِكها أ ْ بأعبق من َن ِ
فحات ِ
الج ِ
▪
َ
▪ ألرﻀ َك ِمن َم ْص َـر ِع ور ْعياً ليو ِم َك يومِ “الطُّفوف” وس ْقياً ِ
َ َ ََ َ
س النفوس على َن ْه ِج َك َّ ِ عليك ِب َح ْب ِ
▪ الم ْهَيـ ِعالنّي ِـر َ َ وح ْزناً
ُ
ِ
▪ اآلن لم ُي ْش َفـ ِع ين َف َّـذاً ،إلى َ الوْتُر في الخالد َ فيا ُّأيها ِ
وب ِ ِ
▪ قبـر َك من َم ْف َـز ِع ـور َك ُ للحتوف ُ تعاليت من ُم ْف ِز ٍع َُ
▪ ام ِـة ِم ْن َب ْل َقـ ِع الكَر َ
يـم َ
يم َنس ُ
الن ِس ِ
اك َف َه َّب َّ ُ َش َم ْم ُت َثَر َ
اء َّكأن ي َداً ِم ْن ور ِ
اإلص َبـ ِع
ـورَة ْ اء ” َم ْب ُت َ الض ِري ِح حمر َ ََ َّ َ ▪
من الثقافة الغربية الحديثة ،مستلهمين منها امورا ً كثيرة ،والسيما حداثة الشعر
الغربية ،والرؤية الشعرية الغربية ،ثم اتخذوا النقد مجاالً يحققون من خالله
حريتهم ،ويؤسسون حركتهم النقدية ...فثاروا نقديا ً على مبادئ ما سماه عدد
من النقاد (الكالسيكية المحدثة) واحتجوا على اصحابها والسيما (أحمد
شوقي) ,محاولين تحطيم قيودها ,وجاءوا بمبادئ جديدة مناقضة ،مشابهين
بذلك ما فعله الرومانسيون حينما بدأوا يعلون من شأن الخيال والعاطفة
ويزدرون العقل ،فشددوا على الشعر بوصفه تعبيرا ً فنيا ً يقوم – بحسب
مايرون -على العاطفة ويستلهم الخيال ويعبر عن التجارب الفردية ،في حين
تهدف الكالسيكية إلى المحاكاة والتقليد.
ويعد ارتباط شعراء الديوان بشعراء الرومانسية الغربية أمرا ً طبيعياً ،على ▪
الرغم من أنه لم يكن مقصورا ً على التأثر واإلعجاب ،ألنهم وجدوا أن
الحركة الرومانسية هي الوعاء الذي يحتضن قيمهم وأفكارهم الحديثة ...وقد
أكد (العقاد) سعة اطالعهم على آداب الغرب عامة ،وأدب االنجليز خاصة,
و كان اطالعهم على اآلداب األوربية واطالعهم على المذاهب األدبية المختلفة
،حافزا ً دفعهم إلى كسر نطاق القديم واالنطالق نحو أجواء التجديد والحداثة .
وكان سببا ً في امتالكهم نظرة نقدية متقدمة على النظرة النقدية ▪
تنفصل ولم تستقل تماما ً عن الشعر العربي القديم اذ احتفظت بعناصر من هذا
الموروث ولم تنكره – مع انها كانت اوثق ارتباطا ً بالموروث الشعري
الغربي من ارتباطها بالموروث الشعري العربي – أصبح من البديهي ان نعد
ما قام به شعراء الديوان بالثورة على القديم ،انسجاما ً معه ،وتكملة له،
والسيما ان عددا ً من اسالفنا ادركوا أهمية التجديد ،وحاربوا في سبيله،
وكسروا اطواقا ً كثيرة ،ومهدوا له.
ولما كان أصحاب الديوان شديدي االعجاب بشعراء المدرسة ▪
الشعرية
حين شعر جماعة الديوان بأهمية ما يحملون من افكار تجديدية تغاير ▪
ليشكال منها طريقة إرسال من خالل كتابة مقدمة فكتبها (العقاد) وعبّر فيها
عن آراء نقدية كثيرة محدثا ً هزة في دنيا األدب والنقد في مصر ،راسما ً
لنفسه ولغيره منهج مدرسة التجديد
واستغل (العقاد) هذه الطريقة مرة اخرى حينما كتب مقدمة للجزء الثاني ▪
من ديوان (شكري) مهتما ً بمفهوم الشعر .وقد تصدى (المازني) بنفسه لكتابة
مقدمة الجزء الثاني من ديوانه ،ومقدمة ديوان (العقاد) ،عارضا ً فيهما جملة
من أفكاره النقدية.
ولم يكن (عبد الرحمن شكري) بمنأى عن كتابة مقدمات الدواوين ،فقد ▪
طرائق لعرض افكارهم ،بل زادوا عليها أيضا ً طرائق اخرى ،وكان الكتاب
النقدي طريقة مهمة منها وقد تمثل عند (العقاد) و(المازني) بالكتاب المشهور
(الديوان) الذي مثل صدوره بداية الصراع الحقيقي والتحول الجوهري بين
القديم والجديد في االدب والنقد ،ويعد الديوان كتابا ً نقديا ً تطبيقياً ،جسّد فيه
(العقاد) و(المازني) فلسفتهما الشعرية الثائرة في وجه القديم ،وحدّدا فيه عددا ً
من المفاهيم األدبية الجديدة ،وحدّدا فيه وجهتهما في اإلبانة عن المذهب
الجديد في الشعر والنقد والكتابة ،وتمثل الكتاب النقدي عند (المازني)
بـ(حصاد الهشيم) و(الشعر غاياته ووسائطه) ،موضحا ً فيهما آراءه النقدية،
ويمثل كتابه الثاني (الشعر غاياته ووسائطه)-الصادر عام 1915كتابا ً نقديا ً
نظر (المازني) فيه إلى الشعر وطبيعته واهدافه نظرة جديدة من خالل آراء
النقاد الغربيين .
-واستغلوا الشعر نفسه طريقة إلرسال دعواتهم التجديدية ,ونفهم من هذا ▪
إن حداثة مدرسة الديوان انمازت بأفكارها التحديثية التي جاءت بطرائق ▪
ارسالهم المختلفة ،وقارئ مادة هذه الطرائق يجد بأن افكارهم هذه ال تبتعد
عن المرجع األوربي والمرجع العربي ،لكنها لم تكن في المرجعين مرتبطة
بعالقات فيما بينها في ضمن بنية واحدة ،والذي قام به شعراء الديوان هو
عملية مزاوجة بين افكار المرجعين لتكوين بنية واضحة تتألف من مجموعة
من العناصر التي تقوم عليها حداثتهم .واهم عناصر بنية مفهوم الحداثة عند
مدرسة الديوان هي:
.1الذاتية: ▪
إ ن الذاتية التي طالب بها (العقاد) تعني ان يعبر الشاعر عن ذات نفسه ▪
بكل دقة وصدق بحيث يستطيع المرء ان يكتشف شخصية الشاعر من خالل
شعره ،ولذلك يرى ان شعر الصنعة في شعر (احمد شوقي) ارتفع إلى
ذروته العليا وان شعر الشخصية هبط إلى حيث ال تبين لمحة من المالمح وال
قسمة من القسمات التي يتميز بها انسان عن سائر الناس .
.2الصدق واإلخالص : ▪
صب (العقاد) اهتماما ً كبيرا ً على قضية الصدق واالخالص في مقدمته ▪
لديوان (المازني) ،وأكد "ان شعر الطبع واالخالص غير شعر الصنعة
والتقليد واهتم بهذا المبدأ ايضا ً في كتابه (شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل
الماضي) اذ أراد من الشاعر أن يعبر عن ذات نفسه بكل دقة وصدق بحيث
يستطيع المرء ان يكتشف شخصية الشاعر من خالل شعره ،وأن يعبر عن
العواطف االنسانية الصادقة الن "الشاعر من يشعر بجوهر االشياء ،ال َمن
يعددها ،ويحصي أشكالها والوانها.
.3مهاجمة التقليد والمحاكاة : ▪
هاجم (العقاد) التقليد والمحاكاة في الشعر ،وجعله أحد مثالب شعر شوقي ▪
ورأى في تكرار شوقي للقوالب اللفظية والمعاني تقليدا ً ,ورأى (العقاد) أن
آفة التقليد والمحاكاة في االدب العربي قتلت فيه البراعة والصدق ،والشاعر
المصاب بهذه اآلفة ما هو اال من ينسى نفسه وشعوره الداخلي ،ويأخذ برأي
غيره ،من غير نظر وبصيرة ،خالف الشاعر التلقائي الذي يأتي بشعر صادق
الشعور وبتعابير جميلة ولهذا نقد (العقاد) شعراء التقليد المعاصرين له في
مقدمته لديوان (شكري) ،اذ قال" :ليس لشعر التقليد فائدة قط ،وقل ان يتجاوز
أثره القرطاس الذي يكتب فيه او المنبر الذي يلقى عليه ،وشتان ما بين كالم
هو قطعة من نفس ،وكالم هو رقعة في طرس.
.4إعالء شأن الخيال والعاطفة : ▪
لم يرق شعر شوقي للعقاد ألنه يزخر بالصنعة وال يعبر عن العواطف ▪
للقصيدة ،اذ جاء فيه" :ان القصيدة ينبغي ان تكون عمالً فنيا ً تاماً ،يكمل فيها
تصوير خاطر أو خواطر متجانسة كما يكمل التمثال بأعضائه ،والصورة
بأجزائها ،واللحن الموسيقي بأنغامه ،بحيث اذ اختلف الوضع ،أو تغيرت
النسبة أخل ذلك بوحدة الصنعة وأفسدها" ,وأريد بتلك الوحدة أالّ تكون
القصيدة أشبه بحبات الرمل بحيث يمكن نثرها ،أو يمكن التقديم والتأخير
واعادة تشكيلها كما فعل (العقاد) مع احدى قصائد شوقي وهذا يعني انه دعا
– في مجال بناء القصيدة العربية الحديثة – إلى رفض التفكك الذي يحيل
القصيدة إلى مجموع مبدد ال تربطه وحدة معنوية صحيحة .
ومن المبادئ االخرى التي اهتمت بها جماعة الديوان: ▪
ان نص (العقاد) السابق في كتابه المشترك مع أ .الوحدة الموضوعية: ▪
في شعره ،وبشعر من يصف تلك االشياء مثل ابن الرومي ,وقد اخرج
(العقاد) ديوان (عابر سبيل) عام ،1937واصدره بمقدمة في (الموضوعات
الشعرية يقول في مقدمته " :ليست الرياض وحدها وال البحار وال الكواكب
هي موضوعات الشعر الصالحة [ ]...كل ما نخلع عليه من احساسنا ونفيض
عليه من خيالنا ونتخلله بوعينا ونبث فيه من هواجسنا وأحالمنا ومخاوفنا هو
شعر وموضوع للشعر ألنه حياة وموضوع للحياة .وعلى هذا الوجه يرى
(عابر سبيل) شعرا ً في كل مكان اذا أراد .
ج .الشمولية :م ن االفكار التي ناقشها (شكري) في مقدمته لديوانه الخامس ▪
(الخطرات) ،فكرة الشمولية اذ يرى ان على الشاعر ان يكتب لكل النفوس في
كل عصر ،واينما تكون ،وأالّ يقتصر على امة او قرية ،وان يكتب لكل يوم
وكل دهر.
▪ عبد الرحمن شكري
▪ سسي مدرسة الديوان ال ّ
شعرية، صري ،وأح ُد ُمؤ ّ شاعر م ْ
ٌ عبد الرحمن شكري:
اعر الذي أنز َل العق َل من على
ش ُ صفتْه الدكتورة «سهير القلماوي» بأنه ال َّ و َ
يرفض حدو َد الزمان والمكان.
ُ تحر ٌر عرشه في إلهام ال ُّ
شعراء؛ فش ْع ُره خيا ٌل ُم ّ َ
فتحو ْ
لت به من َّ شعر العربي؛أشعاره نَقلةً ت َجديديةً في مضمون ال ّ ُ وقد أحدث َ ْ
ت
.شاطئ العقل إلى بحر الخيال
▪ عام ١٨٨٦م ،ألسرةٍ ذات أصو ٍل
ُول َد «عبد الرحمن شكري عيَّاد» ببورسعيد َ
ُ
حيث كانَ لزوجة أخيه «أحمد ور ُمؤث ّ ٌر في حياته؛
َمغربية ،وقد كانَ لها َد ٌ
شكري» — ال ُمولَعة برواية الحكايات واألساطير — ٌ
دور في إثراء خياله،
شعر .كما كانَ في مكتبة أبيه ما يُرضي نَ َه َمه من َدواوين ال ّ
▪ شهادة َ االبتدائية ،ث ُ َّم انتق َل
ص ًال من عُمره م َع أبيه ببورسعيد حتى نا َل ال َّ قَضى فَ ْ
ت
سنوا ٍ ظ َّل بها أرب َع َ إلى اإلسكندرية ليَلتحقَ ب َمدْرسة رأس التين الثانوية التي َ
شهادة َ الثانويةَ (البكالوريا) ،ثُم ْالت َحقَ ب َمدْرسة الحقوق إبَّانَ احتدام لينا َل منها ال َّ
ف على «مصطفى كامل» زعيم الحركة التعر َ
ُّ ْ
أتاحت له الحركة الوطنية التي
حر ًرا بجريدة «اللّواء»، أن يعم َل ُم ّ ب منه ْ الو ْقت ،والذي طلَ َ
الوطنية في ذلكَ َ
ع ْونًا له في أن َيلتحقَ بمدرسة ال ُمعلّمينَ ف َينه َل من َمعينها ليكونَ َ ص َحه ْ ون َ
صحافة َ .ميْدان ال َّ
▪ عط َر «عبد الرحمن شكري» َر ْوضةَ األدب بالعديد من دواوينه َّ وقد
و«آللئ األ َ ْفكار» ،و«أناشيد َ ض ْوء الفَجر»، وقصائده ،ومنها :ديوا ُن « َ
طرات» ،و«األ َ ْفنان» ،و«أ َ ْزهار الربيع» ،و«ال َخ َ َّ صبا» ،و«زَ ْهر ال ّ
الخَريف» ،ونُشر ديوانُه الثام ُن بع َد َموته ضمنَ األعمال الكاملة .بَدأ َ شاع ُرنا
عام ١٩٥٨م َ أن صا َده الموتُ عام ١٩٥٧م ،إلى ْ صيف َ َ عه م َع المرض صرا َ
األستاذ عبد الرحمن شكري ( 1886ـ )1958هو في حقيقة األمر الضلع ▪
األول في مثلث مدرسة الديوان التي ضمت معه األستاذين عباس العقاد
وإبراهيم المازني فقد كان عند نشأة المدرسة أكبرهم سنا وأكثرهم ثقافة كما
كان أكثرهم اطالعا حسب وصف األستاذ العقاد نفسه ،لكنه كان صاحب نفس
شفافة هشة سهلة الكسر إذا ما قورنت بنفس األستاذ المازني العابثة المتقلبة،
وإذا ما قورنت بنفس األستاذ العقاد المعتدة المتجبرة ،وقد هزمته الحياة من
ثغرة هذه النفس الشفافة الهشة التي كانت أميل لالنطواء وأميل للحزن وأميل
للغضب ،ومن ثم كانت أميل إلى االعتزال والغربة وخصام المجتمع.
ولد األستاذ عبد الرحمن شكري في مدينة بورسعيد التي كانت حين ولد ال ▪
تزال في شبابها الباكر إذا علمنا أنها تأسست مع حفر قناة السويس ،وكان
والده موظفا في المدينة ،وكان رجال مثقفا ُمحبا للشعر العربي القديم ،وقد بدأ
األستاذ عبد الرحمن شكري دراسته في الكُتّاب ثم في المدرسة االبتدائية
وحصل على شهادتها 1900وانتقل إلى اإلسكندرية مع أسرته وحصل على
البكالوريا من مدرسة رأس التين 1904فانتقل إلى القاهرة والتحق بمدرسة
الحقوق.
كتاب "الذخيرة الذهبية" ▪
درس األستاذ عبد الرحمن شكري في مدرسة المعلمين العليا كتاب "الذخيرة ▪
بما تزود به منذ طفولته الباكرة والمميزة من الثقافة العربية األصيلة ،وهكذا
فإنه استطاع أن يضع أقدامه وأقدام زمالئه المصريين وأقدام تالميذه وتالميذ
زمالئه والقراء جميعا على أبواب التجربة اإلنسانية القادرة على التعبير عن
آفاق وأحداث وتفصيالت لم يكن لألدب العربي عهد بها بحكم اختالف
المجتمعات ،كما أنه كان قادرا على أن يفتح العيون على أنماط جديدة من
مقاربات الفلسفات والحياة االجتماعية في مجتمعات ال ُمستعمرين اإلنجليز
على نحو يُعنى بالتجربة اإلنسانية ذاتها .
اعتزاله الحياة ▪
على كل حال فإن األستاذ عبد الرحمن شكري عاش العقدين األخيرين من ▪
أما شعر األستاذ عبد الرحمن شكري فشعر متميز سابق لزمانه ،يتفوق في ▪
وكما نقول في وصف الصياغةُ ،منتجا كامل الجودة ظاهر الشخصية حائزا
للتميز ،لكنه في الوقت ذاته لم يكن مثيرا للمعارك أو الهجوم أو العدول .ومما
يُذكر لألستاذ عبد الرحمن شكري ارتياده للشعر المرسل في ديوانيه األول
والثاني ،فقد نشر في ديوانه األول قصيدة من الشعر المرسل ونشر في ديوانه
الثاني أربع قصائد مرسلة" :نابليون والساحر المصري" "واقعة أبي قير"
"لجنة الخراب" و"عتاب الملك البنه أمرئ القيس "
▪
النصف الثاني من القرن التَّاسع عشر كثُرت الهجرة من بالد الشام والتي
مع بداية ّ
تشمل لبنان وفلسطين وسوريا إلى بالد المهجر وهي أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية
الدولة العثمانية في تلك اآلونة
في تلك الفترة ،ويعود سبب تلك الهجرة إلى ضعف ّ
فإنه لن يكون لها القدرة على إدارة البالد وأمور ّ
الناس الدولة في نهايتها ّولما تكون ّ
ّ
بشكل صحيح ،فشاع الظلم و ّأدى ذلك إلى رغبة النَّاس بالهجرة من الوطن واالستقرار
لما وصل النَّاس إلى ٍ
أمانا يستطيعون الهروب به من شظف العيشّ ,
في بلد أكثر ً
تلك البالد لم يجدوا المستقبل الوردي الذي كانوا يحلمون به ،وانقسم ّ
الناس إلى
فالتم األدباء على بعضهم
األول في أمريكا الشمالية والثاني في الجنوبيةّ ،
قسمين ّ
فكل ٍ
أدب خرج المغتربين ّ
ونشأت لديهم فكرة ظهور مدرسة جديدة خاصة بالمهاجرين ُ
من عندهم كان هو أدب المهجر؛ ألنَّه كان نتاج ُ
المغتربين عن أرض الوطن ،وهذا
هو الجواب عن سؤال لماذا سميت مدرسة المهجر بهذا االسم؟ فكان رائد مدرسة
المهجر في أمريكا الشمالية هو جبران خليل جبران وأطلقوا على أنفسهم اسم الرابطة
أما التي ظهرت في أمريكا الجنوبية فقد أُطلق عليها اسم العصبة األندلسية
القلميةَّ ،
أسسها شكر هللا الجر.
وقد ّ
أسباب ظهور مدرسة المهجر ما األمور التي دعت المهاجرين إلنشاء مدرسة
لألدب؟
موضوعية
ّ انقسمت خصائص مدرسة المهجر إلى قسمين ،خصائص
وخصائص فنيَّة ،وتفصيلها فيما يأتي:
الرابطة القلمية
يمكن تعريف الرابطة القلمية على َّأنها جمعية أدبيَّة َ
جمعت العديد من األدباء
والشعراء الذين هاجروا إلى أمريكا الشمالية والجنوبية منذ نهاية القرن التاسع
عشر وبدايات القرن العشرين ،بدأت فكرة الرابطة القلمية عام 1916م إال أنَّها
تأسست رسميًّا عام 1920م في نيويورك من قبل بعض كبار األدباء والشعراء
العرب في المهجر وعلى رأسهم :جبران خليل جبران ،إيليا أبو ماضي ،نسيب
عريضة ،ميخائيل نعيمة وغيرهم وذلك بعد جلستين جمعت أولئك األدباء مع
آخرين ،األولى كانت في منزل عبد المسيح حداد والثانية في منزل جبران
بحضور األدباء الذين حضروا الجلسة التمهيدية وتمت الموافقة على دستور
مستشار لها
ًا عميدا لهذه الرابطة القلمية ،وميخائيل نعيمة
ً الجمعية وانتُخب جبران
والخازن وليم كاتسفليس .وقد تميَّز نتاج هؤالء األدباء بكثرة التأمل في أسرار
الحياة والوجود إضافة إلى التعمق في الذات اإلنسانية والنفس البشرية وتعلقهم
عمر
أن َ بأوطانهم ،وكذلك فقد تميَّز نتاجهم باستخدام الرمز في تعبيراتهم ،إال َّ
بمجرد موت جبران خليل جبران عام
َّ طل فقد انحلَّت الرابطة َّ
وتفككت الرابطة لم ي ُ
1932م.
جمعت الرابطة القلمية األدباء الذين عاشوا في المهجر وتأثروا بالبلدان التي
كبير على كتاباتهم وأشعارهم ،فاجتمعوا في رابطة
تأثير ًا
استقروا فيها ،فكان لذلك ًا
أدبية واحدة تجمع وتوحد مساعيهم في سبيل اللغة العربية وآدابها ،وكان لهذه
الرابطة العديد من المبادئ التي تميَّزت بها ،وفيما يأتي بعض أهم مبادئ الرابطة
القلمية:
-استخدام اللغة السهلة البسيطة التي تميَّز بها الشعر الحديث ،وابتعادهم بذلك
عن تعقيد الصور وعن أساليب الكتابة العربية التقليدية.
-المبالغة في التأمل في الحياة وأسرار هذا الوجود والنظر إلى جوهر األشياء.
شاعر لُبناني ،وواحد من أشهر شعراء المهجر ومن مؤسسي الرابطة القلمية
ّ
في نيويورك في الواليات المتحدة األمريكية ،ولد إيليا أبو ماضي عام 1889م،
ثم دخل
ونشأ في بدايات حياته في عائلة بسيطة فقيرة ،درس االبتدائية في قريته َ
مدرسة المحيدثة ،وقد سافر إلى مصر عندما َّ
اشتد الفقر عليه عام 1902م ،وفي
مصر التقى برجل اسمه أنطون الجميل وهو الذي أسس مجلة الزهور في مصر
مع رجل اسمه أمين تقي الدين ،وفي هذه المجلة بدأ إيليا أبو ماضي ينشر
ثم طبع باكورة أعماله الشعرية الذي كان بعنوان "تذكار الماضي"
قصائده األولىَ ،
عام 1911م.
انتقلت اهتمامات إيليا الشعرية إلى الشعر السياسي الوطني ،فالحقته بعض
ْ ثم
َّ
مما دفعه إلى الهجرة إلى الواليات المتحدة األمريكية ،عام
السلطات العر ّبيةّ ،
ثم انتقل إلى
استقر في أيامه األولى من المهجر في والية أوهايو َّ
1912م ،و َّ
نيويورك ليشارك في تأسيس الرابطة القلمية مع شعراء المهجر في تلك الفترة وهم:
ثم في عام 1929م أصدر إيليا أبو ماضي
جبران خليل جبران ،ميخائيل نعيمةَّ ،
مجلة "السمير" التي كانت المصدر الرئيس إلنتاجات إيليا األدبية ،وهي إحدى
استمرت هذه المجلة تصدر إنتاج أدباء
َّ مصادر األدب المهجري بشكل عام ،وقد
المهجر في الشعر والنثر حتَّى نهاية حياته ،وقد َّ
تزوج إيليا أبو ماضي من
دوروتي دياب في الواليات المتحدة وأنجب منها ثالثة أوالد ,وقد وافته المنية في
الواليات المتحدة األمريكية في عام 1957م.
كانت حياة الشاعر إيليا أبو ماضي مليئة بالعمل والتعب ،فقد اهتم بتجربته
كبيرا ،فكتب الشعر والنثر ،وكان من أشهر دواوين إيليا أبو اهتماما ً
ً األدبية
ماضي ,ديوان "الخمائل" وديوان "تبر وتراب" وديوان "الجداول" ،وفيما يأتي نبذة
عن أبرز مؤلفات الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي األدبية:
-تذكار الماضي :ديوان شعري صغير نشره عام 1911م في مصر في مدينة
اإلسكندرية.
إيليا أبو ماضي شار الحب والجمال ،الشاعر الذي أضاف للقصيدة العربية
فينبت العشب
ُ موسيقاها الخاصة ،وجعل النص العربي آلة موسيقية تعزف
باسما،
ً ضاحكا
ً متفائال
ً شاعر
ًا األخضر على أطراف البيت الشعري ،وكان
لكل عليل ُمكتئب وحروفه شفاء لليائسين ،ومن أجمل ما كتب إيليا ِ
قصائده دواء ّ
أبو ماضي قصيدة "قال السماء كئيبة" وفيما يأتي بعض من أبيات القصيدة:
السما
قلت :ابتسم ،يكفي التجهم في َّ وتجهمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا
َّ السماء كئيبةٌ
ُ قال:
ِّ
المتصرما األسف الصبا
ُ يرجع
َ لن قال :الصبا ولى! فقلت له :ابتـ ِـس ْم
صارت لنفسي في الغ ـ ـ ـ ـرام جــهنَّما قال :التي كانت سمائي في الهوى
أتبســما!
قلبي ،فك ـ ـ ـيف أط ـ ـ ـيق أن َّ خانت عـ ــهوِدي بع ـ ـدما ملكـ ـ ـ ــتها
َكأََّنها قد ُح ِبَلت ِب ُ
الرجوم
الشاعر ِ
مخد ِعه ِ كان ال َفتى
ُ َ
َدم ِعه
لب في أ ُ َيبكي َفَيجري َ
الق ُ
سم ِعه ِ
ِشع اًر َيعيه ُ
الحز ُن في َم َ
جرِته
الش َم َع ُة في ُح َ
َوكاَنت َ
ساع ِته ع َك ِ
المِّيت في َ
نز ُ َ
َت َ
يء ِمثُلها ال َيدوم
َكل َش ِ
أ ُّ
المد َف ِن
الوحد ُة َك َ
َ َوكاَنت
سك ِن
الم َ ِ ِ
موح َش ًة في ذل َك َ
َعي ِن
وم َعلى األ ُ
َوَقد َسطا الَن ُ
الزمان دام ِ
يات َ َكأََّنها من ِ
حز ِن وت ر ِ
ش ُم ِ
اع ٍ ص ٍقال ِب َ
َ
أنشئت ،العصبة األندلسية في شهر يناير عام 1833ميالديا ،وأول من ترعرع في هذه العصبة ،
وقائدها هو الشاعر اللبناني ميشال المعلوف ،وكان يساعده في ذلك داود شكور ،ونظير زيتون ،
ويوسف البقيني ،وكل واحد منهم كان له مهامه الخاصة به ،وانضم إليهم بعد ذلك نخبة من أشهر
.األدباء ،والشعراء العظماء حتى أصبحت العصبة هي مقرهم الرئيسي
وتم إنشاء مجلة سميت باسم العصبة ،وأصبحت هذه المجلة نوراً مضيئا لهم حتى عام 1914ميالديا
،حيث توقفت هذه المجلة عن الصدور بناء على طلب رئيس الجمهورية البرازيلي ،ولم يتم نشر أي
منشور من هذه المنشورات ،التي لم تكن بلغة هذه البالد الرسمية ،ولكن سرعان ما تغير ذلك
بمجهود شاق من شفيق المعلوف في نفس السنة ،وصدور منشورات مرة اخرى من مجلة العصبة ،
ولكن سرعان ما توقفت مرة اخرى نهائيا على يد رئيس التحرير حبيب مسعود في سنة 1914
ميالديا
.لقد تميزت العصبة األندلسية ،بعدة خصائص ،وهي ؛ النزعة االجتماعية واإلنسانية
• .الحزن
النزعة التأملية
فهم دائما ً يفكرون في حالهم ،ومصائبهم ،وما يواجههم من صعوبات الحياة ،ويتأملون في الطبيعة
التي تعبر عن أنفسهم ،وما يدور حولها ،وكل هذه المصائب من المعاناة ،والظلم ،والبؤس الذي
تعرضه له في حياتهم ،وكذلك فإن العاطفة لديهم تلعب دور هام جداً في تكوين شخصيتهم ؛ حيث
.أصبحت بمشاعرهم ،عاطفية جياشة ،فيشعرون بآالم غيرهم
كانوا يميلون إلى الطبيعة مثل الغابات ،واألشجار ،األنهار ،الجبال ،ويتكلمون مع األزهار ،
ويغنون مع الطيور ،وذلك ألنهم يخففون من آالمهم ،ومصائبهم التي تسكن في أنفسهم ،ويعبرون
بذلك عن شوقهم ألوطانهم ،والحنين إليه فيقول الشعراء إن أحسن طريق لتهذيب اإلنسان هو
.محاكاته مع الطبيعة لتهذيب نفسه
فعندما يكون اإلنسان بعيداً عن وطنه يبعث في نفسه القلق ،والحزن ،واليأس ،وعدم المقدرة على
حل تلك المشكالت ؛ ألن في هذا الموقف ال يجد أحداً جانبه ال صديق ،وال أخ ،وال حبيب ال أحداً
وحتى إن كان ينظر إلى نفسه على إنه شاعر كبير ،وعظيم ،وكل ذلك سوف يتغلب عليه ،ويرجع
إلى وطنه في يوم من االيام ،حيث يحل عليه التفاؤل واألمل مرة اخرى ،ويذهب التشاؤم ،ومثاال
:لهذا عندما يقول الشاعر إيليا أبي ماضي في قصيدته
طريقا ً فمشيت قدامي أبصرت ولقد * أتيت ولكني أين من أعلم ال جئت
وسأبقى ماشيا ً إن شئت هذا أم أبيت * كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟
تأمل النفس اإلنسانية
ويتميزون أيضا ً بتأمل ذاتهم ويكشف ذاته بما فيه من أسرار ،وهذه الصفة يتميز به شعراء المهجر
.الشمالي أكثر من شعراء المهجر الجنوبي
لقد امتاز ادب العصبة األندلسية بالعديد من الخصائص والسمات ،والتي سوف نتناولها بالشرح فيما
:يلي
فيتقربون من أسلوب الهمس للتعبير به بدالً من أسلوب الخطاب المباشر ،حيث أن معانيها ،
.وكلماتها تدخل قلب القلب ،والنفس
االبتعاد عن التكلف
االبتعاد عن اللغة الغير مفهومة ،والغريبة ،واللغة الغير مالئمة للعصر ،ألن ألفاظ هذا العصر
.كانت تتميز بالبساطة والرقة ،والجمال ،واالبداع في التصوير وبراعته
حيث أن الصور هي الوحيدة القادرة عن التعبير عن عواطف الشاعر وأحاسيسه ،حيث أن معظم
.قصائدهم كانت تغلب عليه العواطف ،والمشاعر واألحاسيس المليئة بالحياة ،والحركة
يقلدون هذه الخصية كما كانت في الموشحات األندلسية وكانوا يتمردون على األوزان المعروضة،
.فترتب على ذلك أن معظم قصائدهم كانت من المطوالت
حيث كانوا يعتمدون على القصة كوسيلة للتعبيرعن ما يدور بداخلهم من صراعات وحوارات تدور
.داخل أنفسهم ليعبروا عن تكوينهم الداخلية
الحزن
.حيث زاد شعور الحزن في هذه الفترة بسبب الغربة التي كان فيها معظم الشعراء
الوحدة العضوية
التي كانت تدور حول وحدة الموضوع ووحدة الجو النفسي ،ومان يظهر أيضا ً في ترتيب األفكار،
.ولكنها تظهر أيضا ً في الشعر القصصي مثل قصة التينة الحمقاء إليليا أبو ماضي
يظهر هذا الشعور في تجربة الشاعر عندما يمتزج وختلط بالطبيعة ،في عبر عن الطبيعة بأسلوب
.جديد لم نراه من قبل
حيث أن شعراء هذه الخصية حاولوا التجديد في القصيدة واتبعوا نظام المقطوعات ،كمان اتجه
.بعضهم إلى نظام التفعيلة أيضا ً
• فالبد من أن تكون اللغة سهلة ،وبسيطة ،وال يوجد فيها تعقيد والتهاون في بعض األحيان في القواعد اللغوية
.والنحوية والصرفية
• .يجب اإلكثار من األسلوب القصصي في القصيدة كمان هو الحال لدى الشاعر إيليا أبي ماضي
• .وكانت من أهم خصائصهم هي الميل إلى القديم والتجديد في طرق االبداع
التسامح الديني
إن الشعراء كان يلتقون بعضهم مع بعض من بالد اخرى مثل سوريا ولبنان ومصر وكل منهم له
دينه الخاص به وكل منهم تعصبهم الديني واللغوي والوطني واالنقسامات القبلية أيضاً ،وكل ذلك
ينتج عنه إثارة عاطفة جديدة في نفوسهم وهي الحرية الدينية ،فحيث نرى لحد األن أن لكل شخص
حريته في اختيار دينه
فوزي معلوف
هو شاعر لبناني ولد عام ،1899وتوفي عام ،1930حيث كان يظهر في طبعه ،الروح الشرقية
التي كانت تغلب عن الروح الغربية ،وتميز هذا الشاعر بعبقريته الشعرية ،وكان معظم شعره مليء
بالتشاؤم ،حيث انه كان شخصية متشائمة دائما ً وكئيبة طول الوقت ومن أهم أشعاره “ملحمة على
.بساط الريح” وقد حصل على وسام االستحقاق اللبناني
إلياس فرحات
وهو شاعر لبناني أيضا ً ولد عام 1893وتوفي عام ،1978كتب كثيراً من الدواوين الشعرية ،وكان
.يسميها بأسماء فصول السنة تأثراً بالطبيعة
مولده ونشأته :هو الشاعر العبقري ،النجل الثاني للعالمة المرحوم عيسى إسكندر
معلوف ،ولد في زحلة يوم 31آذار سنة 1905م وتلقى دراسته في كلية زحلة الشرقية،
وقبل نزوحه إلى الب ارزيل دخل معترك الصحافة ،فتولى رئاسة تحرير جريدة (ألف باء)
الدمشقية زمن حياة
صاحبها المرحوم األستاذ يوسف العيسى ،وكان يوقع مقاالته بإمضاء مستعار تارة
(أحدهم) وطو اًر (فتى غسان) وهو الذي ابتدع في الجريدة المذكورة زاوية (مباءة نحل) وهي
الزاوية االنتقادية الشهيرة التي ال تزال فيها حتى اآلن.
هجرته :نزح إلى الب ارزيل ملتحقاً بأخيه الشاعر العبقري الخالد المرحوم فوزي ،وخاله
الشاعر المجيد المرحوم ميشال المعلوف ،وتعاطى األعمال التجارية فكان مثاالً حيًّا
للنشاط والصدق واألمانة في الحقل التجاري ،وتوصل بفضل كفاحه واستقامته إلى الثراء
الحالل.
آثاره األدبية :لقد نشأ هذا الشاعر الملهم في كنف والده العالمة ،وورث عنه النبوغ
الفطري ،وهو شاعر من الطراز األول ،يستمد من الطبيعة صو اًر شعرية جميلة ،ويطلق
قوافيه حرة صافية ،ويعبر عن دقائق العواطف بلغة جليلة مستحبة وأسلوب رائع ،وهو
رئيس العصبة األندلسية في سان باولو الب ارزيل التي أسسها خاله المرحوم الشاعر ميشال
المعلوف فضمت شعراء المهجر.
مؤلفاته :أصدر 1ـ عبقر ،طبع مرتين ،وقد نقده الفيلسوف المرحوم أمين الريحاني سنة
1927م ،وأظهر في بعض قصائده التنافر في الوصف ،فقال ما نصه :فتحت كتاب
(عبقر) وأنا أتصور فيه الخير األكبر األصفى ،أو أتأمل أن يكون في األقل حامالً لبني
آدم الذين يجتازون في هذا الزمان أشد وأظلم العقبات المفجعة شيئاً من نور العطف
واألمل ،وأشياء مواسية منعشة من وراء سجـوف الغيـب ،فكـان غيـر ما تصورت ،وغير ما
أملت ،وأردف الناقد قوله :وال تظن أن هذه الحال النفسية حالت دون تقديري محاسن
شعرك واستيطابي إنتاج عبقريتك ،وقد أجاب صاحب عبقر الريحاني وناقش نقده فقال:
(لقد جاز لي أن أجاذبك الرأي فيما كتبته ال حبًّا مني للجدل ،بل طمعاً باالستزادة من
ترشف معين حكمتك ،واالستفادة بجليل آرائك ،وآمل أن ال تعد مصارحتي تحامالً مني
على رأيك ـ وقد يكون فيه كل الهداية والخير ـ وما دبجه قلمك النزيه ،وهو جواب مرض
فيه أروع معاني النبل.
3ـ لكل زهرة عبير ،من الشعر الوجداني ،طبعه سنة 1951م.
4ـ نداء المجاذيف من شعر الحنين والشعر الوطني ،طبعه عام 1953م.
5ـوألف عبقر باللغة البرتغالية ،وقد ترجمها أحد شعراء الب ارزيل.
6ـ عبقر باللغة اإلسبانية ،وقد ترجمها أمير شعراء اإلسبان فرنسيسكو ميالسياسا.
7ـ مجامر الصندل ،وهو شعر.
شعره :وإذا أسعد القارئ الحظ وتصفح ديوانه (لكل زهرة عبير) يجد في مطاويه قصائد
رائعة يعجز اللسان ويقصر البيان عن اإلحاطة بما يحويه من بدائع ،وفي قصيدته (األم)
الدليل الحي الواضح على عبقريته الشعرية الخالدة ,وتعد قصيدة (خرائب بعلبك) خريدة
فريدة ،وقد أجمع النقاد على أنها أحسن وصف جادت به قريحة شاعر ،وفي ديوانه نفحات
إنسانية تدل على سمو أخالق هذا الشاعر العبقري ونبله ،وفي قصيدته (بسمة) كان داعية
للخير قال:
باهلل أتراحاً على أتراحه كن بسمة بفم الضعيف وال تزد
وهو شاعر لبناني أيضاً ولد عام 1887وتوفى عام 1984وكان يلقب بالكثير من
.األلقاب وكان أشهرهم هو الشاعر القروي
سبب التسمية
ذكر الشاعر نفسه في أحد دواوينه بأن الشاعر يعقوب العودات (البدوي الملثم) ،قد
سأله كيف اخترت لقب الشاعر القروي ،فقال بعد أن أنزلت ديوان رشيديات ،لم يُرق
للناقد قسطنطين الحداد ،فظل الحداد لفترة ينقده في جريدة تسمى بـ المؤدب ،وفي
أحد المرات ق أر رشيد الخوري أحد النعوت التي قد نعت بها من ِقبـَل الحداد وقد كان
النعت الذي أعجبه الشاعر القروي ،وقد وجد الشاعر رشيد سليم الخوري ضالته في
هذا النعت فأرده حتى كان له ما أراد .وقد دعا في أكثر من قصيدة بين التحاب
األخوي بين المسلمين والمسيحيين
ان المديح الشعري الذي يقال في نبي اإلسالم ،محمد صلى هللا عليه وسلم ،الذي
تحل ذكرى والدته الشريفة ،الثالثاء ،غرضاً قديماً ومن أبرز أغراض الشعر الديني،
من أيام الدعوة حتى كل الفترات التي تلتها ،وصوال إلى عصرنا الحديث
ولم تكن المدائح النبوية أو مدح النبي ،حك اًر على الشعراء المسلمين ،بل تألّق شعراء
مسيحيون عرب فيما قالوه يمدحون نبي اإلسالم ،من قصائد صارت من عيون
الشعر العربي ،من مثل الشاعر جورج صيدح ،وميخائيل خير هللا ،وخليل مطران،
وإلياس قنصل ،وغيرهم كثير.
وكان الشاعر اللبناني المهجري رشيد سليم الخوري ( )1984-1887للميالد ،واحداً
.من أهم الرواد الذين كتبوا في النبي أجمل القصائد
وال أدل على مدى االمتزاج الروحاني الذي عاشه الخوري ،ما بين ديانته المسيحية
كاهن،
ٌ وتأثره باإلسالم ونبيه ،أكثر مما أوصى به ،بعد رحيله ،من أن يصّلي عليه
وشيخ .بل إن الشاعر القروي ،وهو لقب الخوري األشهر ،أوصى بتفاصيل على ٌ
قبره ،تظهر الدين اإلسالمي ،كما تظهر الديانة المسيحية ،مؤكداً على وجود هالل
شدد على قراءة الفاتحة على قبره ،أيضاً
.في ضريحه ،مثلما ّ
أي أديب يهيمووصل تعلّق الخوري بنبي اإلسالم ،إلى الحد الذي قال فيه" :و ّ
يخر ساجداً للحديث الشريف ومعجز القرآن!" .بل إنه قال في كلمة لهبالحكمة ،ال ّ
في إحياء ذكرى هجرة النبي محمد" :يا محمد ،يا نبي هللا حقاً ،يا مجد العرب ،يا
حبه للنبي عليه الصالة والسالم
مجد اإلنسانية ،دينك دين الفطرة" حتى إنه أُخذ بحال ّ
لموقن أن
ٌ "إني
ورسالته ،في تلك المناسبة ،فهتف داعياً لما أرسل إليه ابن عبد هللاّ :
اإلنسانية بعد أن يئست من كل فلسفاتها وقنطت من كل مذاهبها ونظرياتها ،سوف
ترى أن ال مخرج لها من مآزقها وال راحة لروحها وال صالح ألمرها إال بارتمائها في
".حضن اإلسالم
لمحمد ،أن اتهمه البعض بأنه ترك المسيحية ودخل في اإلسالم.
ّ ووصل تعّلقه وحبه
إال أن الخوري الذي من ألقابه (قديس العروبة) كان يفخر بالنبيين على حد سواء،
ومحمد السالم، عليه المسيح السيد
وما ترك الخوري مناسبة إال وأطل على اسم نبي اإلسالم ،بمديح شعري صار من
عيون الشعر العربي ،وكان يتفاخر بأن محمد صلى هللا عليه وسلم ،نبي هدى طلع
من الشرق ،فصار مصدر تفاخر الشاعر ذي األصل المشرقي حتى ولو هاجر إلى
الب ارزيل وعاش فيها الزمن األطول من عمره ،إال أن تعلق روحه بالشرق روحاً ونبياً
للنبي حبه
ّ على ومات حياته، كل به اتصلت
ٍ
شاعر تكريم العيد هذا أ ِّ
ُكرم
ظ ِم
النبي المع ّ يتيه بآيات
ّ
عبر عنه الخوري في إلى أن يقول داللة منه على مدى االمتزاج الروحي الذي ّ
تدينه في المسيحية ،وتمجيده لنبي اإلسالم
:شعره ،ما بين ّ
نسج عيسى وأحمد إلى َعَل ٍم من ْ
ولشدة هوى نفس الخوري بالنبي محمد فقد اعتبر يوم والدته ،يوماً للبشرية جمعاء،
بمختلف أديانها وألوانها ومشاربها .وفي قصيدة من أجمل القصائد العربية ،وتعد من
:روائع شعر مدح النبي ،يقول الخوري متحدثاً عن ذكرى والدة نبي اإلسالم
ِ
المولد النبوي عيد ِ
عيد البرية ُ
ُ
في المشرقين له والمغربين دوي
عيد النبي ابن عبد هللا من طلعت
ُ
شمس الهداية من قرآنه العلوي
ُ
بدا من القـــــــــــــفر ،نو اًر للورى وهدى
عم الكون من بدوي
يا للتمــــــ ّدن ّ