You are on page 1of 62

‫الشعر العربي الحديث والمعاصر‬

‫المقدمة‬

‫ش ّكل سقوط بغداد بيد المغول (‪1258‬م) وما لحقه من تنازع سياسي وعسكري‬
‫للسيطرة على بلدان المشرق العربي ومغربه‪ ،‬مرحلة جمود وتراجع ّ‬
‫مطرد في‬
‫مختلف الجوانب الحضارية التي شهدتها المنطقة خالل المرحلة التاريخية المحصورة‬
‫بين ظهور اإلسالم ونهاية الحكم العباسي المتمثّل بسقوط بغداد‪.‬‬

‫ولم تكن الحركة األدبية بمعزل عن ذلك الجمود والتخلّف الذي أصاب المنطقة؛‬
‫بل لعلها كانت من أكثر الجوانب تأثرا ً بالتحوالت السياسية واالجتماعية المصيرية‪،‬‬
‫والتي كان من تداعياتها الكبرى انتقال العالم أجمع من تاريخ العصور الوسطى إلى‬
‫العصور الحديثة (مع سقوط القسطنطينية بيد العثمانيين عام ‪1453‬م)‪.‬‬

‫أهم التحوالت السياسية والعسكرية التي شهدتها المنطقة العربية بعد سقوط الدولة‬
‫العباسية تمثّلت ‪-‬باإلضافة إلى تفتّت األقطار بين القوى المسيطرة‪ -‬بكل من الغزو‬
‫المغولي وحروب الفرنجة (الحروب الصليبية) وبروز أطماع الدول األوروبية‬
‫وخصوصا ً بعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح‪ ،‬وصوالً إلى انتقال السيطرة في معظم‬
‫بلدان العالم العربي إلى اإلمبراطورية العثمانية عقب انتصارها على المماليك في‬
‫معركتي (مرج دابق ‪1516‬م) في الشام و(الريدانية ‪1517‬م) في مصر‪ ،‬وقبلها على‬
‫الصفويين في معركة (جالديران ‪1514‬م) في العراق‪.‬‬

‫انعكاس التحوالت السياسية في العصور الحديثة على الشعر العربي‬

‫عانت حركة األدب العربي بمختلف فنونه من الركود واالنحطاط طيلة ما يقرب‪6‬‬
‫قرون‪ ،‬ولم يطرأ أي تجديد أو نشاطٍ ملحوظ عليها‪ .‬وبالنسبة للشعر العربي‪ ،‬فقد ظ ّل‬
‫المهتمون والمختصون به يكررون ما صدر عن شعراء العصور التاريخية السالفة‬
‫(الجاهلي‪ ،‬صدر اإلسالم‪ ،‬األموي‪ ،‬العباسي) ويقلدونهم سواء في شكل القصيدة أو‬
‫مضامينها وأغراضها‪.‬‬
‫وبقي األدب عموما ً والشعر على وجه الخصوص على هذه الحالة وصوالً إلى‬
‫حقبة الحملة الفرنسية ‪-‬حملة نابليون بونابرت‪ -‬على مصر وبالد الشام في الفترة ما‬
‫بين ‪ 1801 – 1798‬م (ويعدها بعض المؤرخين األوروبيين بداية التاريخ المعاصر‬
‫بينما يرى بعضهم أن الفاصل بين التاريخ الحديث والتاريخ المعاصر هو الحرب‬
‫العالمية األولى) حيث الحت بوادر عصر جديد أُطلق عليه بعد عقود قليلة مس ّمى‬
‫"عصر النهضة العربية" الذي تجلى ببروز شعراء ‪-‬وخاصة في الشام ومصر‪ -‬بدءا ً‬
‫من منتصف القرن الـ‪ ،19‬أسهموا في وضع القواعد األساسية للشعر العربي الحديث‬
‫ّ‬
‫االطالع على اآلداب األوروبية التي أفرزتها النهضة‬ ‫والمعاصر‪ ،‬وذلك نتيجة‬
‫األوروبية والثورة الصناعية فيها‪ ،‬إال أن أشعارهم بقيت ملتزمة بأوزان الشعر‬
‫وبحوره باستثناء النثري منها‪.‬‬

‫نسية عام ‪1798‬م‬


‫الشعرّية عند العرب منذ الحملة الفر ّ‬
‫النهضة ّ‬
‫ظهرت بوادر ّ‬
‫ثم بدأ عصر البعث واإلحياء مع بدايات‬
‫ابية عام ‪1880‬م‪ّ ،‬‬
‫العر ّ‬
‫إلى بدايات الثورة ُ‬
‫عصر التّجديد‬
‫َ‬ ‫الشعرية‬
‫النهضة ّ‬‫الكبرى عام ‪1916‬م‪ ،‬تالهُ دخول ّ‬‫الثّورة العر ّبية ُ‬
‫عد‬
‫والتّطور منذ بداية الثورة المصرّية عام ‪1919‬م إلى ثورة عام ‪1952‬م‪ ،‬ويُ ّ‬
‫الشعر العربي الحديث؛ حيث بدأت معه حركات التّطوير والتّغيير‬ ‫البارودي هو رائد ّ‬
‫ّ‬
‫الشعراء الُقدماء أُنموذجاً ال‬
‫بي الحديث‪ ،‬واتّخذ في أسلوبه من ّ‬ ‫الشعر العر‬
‫الحقيقي في ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫حديث‬ ‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫المتنبي والبحتر ّي‪ ،‬لكن‬ ‫أن شعره يحتوي على روح‬
‫ّ‬ ‫قالباً‪ ،‬لذا يُالحظ ّ‬
‫شعره المزيد من التأّلق وروح الحداثة‬
‫مما أعطى َ‬ ‫وعصرٍّي؛ ّ‬

‫فالشعر العربي الحديث هو الشعر العربي الذي كتب في العصر الحديث‪ .‬وصفة‬
‫(العصر الحديث) يُقصد به اإلطار الزمني الذي تتميز فيه معالم الحياة عن األزمنة‬
‫السابقة ‪.‬‬

‫خصائص الشعر الحديث والمعاصر بين ‪1939 -1850‬م‬

‫تميّز الشعر العربي القديم‪ /‬التقليدي‪ ،‬الذي سار على نهجه شعراء الجاهلية وصدر‬
‫اإلسالم والعصر األموي والعباسي‪ِ ،‬بسِمات وخصائص تختلف عن الشعر الحديث‬
‫مرت به‪،‬‬
‫الذي ظهر منذ منتصف القرن التاسع عشر الميالدي بعد فترة الركود التي ّ‬
‫بالرغم من التزام أكثر شعرائه بضوابط ومعايير الشعر العربي القديم من ناحية‬
‫الوزن والقافية والعروض‪ ،‬بل والتزم بعضهم بأغراض ومضامين الشعر القديم أيضا ً‬
‫حتى بات يُطلق على شعراء النهضة العربية بـ "الشعراء الكالسيكيين"‪ .‬وتميّز شعر‬
‫المرحلة األخيرة بسمات وخصائص جديدة مثل‪:‬‬

‫اإلقالل من المواضيع التي تتسم بالتفا ُخر الشخصي‪.‬‬ ‫•‬

‫االعتماد على الكلمة ودورها في نهضة البالد‪ ،‬حيث زادت المواضيع التي‬ ‫•‬
‫تتحدث عن الثقة بالنفس‪ ،‬وآمال وتطلعات اإلنسان العربي‪.‬‬
‫عدم االلتزام بالقافية الموحدة‪.‬‬ ‫•‬

‫كبير‪.‬‬
‫االعتماد على الخيال بشك ٍل ٍ‬ ‫•‬

‫ظهور سمة جديدة في هذا الشعر تعتمد على "الرمز"‪.‬‬ ‫•‬

‫أصبح كأنه وسيلة لتعبير اإلنسان عن أفكاره‪ ،‬ومشاعره بدقة‪.‬‬ ‫•‬

‫التنوع‪ :‬حيث زادت فنون الشعر العربي الحديث‪ ،‬وألوانه‪ ،‬وأغراضه‪.‬‬ ‫•‬

‫النهضة العربية الحديثة‬ ‫•‬

‫كلمة انبعاث أو نهضة تذكرنا بالحدث التاريخي العظيم الذي عاشته‬ ‫•‬

‫أوروبا الغربية ابتداء من القرن السادس عشر والذي يتمثل في خروجها من‬
‫ظلمات القرون الوسطى إلى عهد من التحرر الفكري والتوسع في ميادين‬
‫المعرفة والحضارة‪.‬‬
‫وقد عرف العرب في تاريخهم نفس التطور‪ ،‬إذ بعد نهضتهم الكبرى التي‬ ‫•‬

‫انطلقت مع اإلسالم واستمرت مع الدولة األموية والعباسية إلى القرن الثالث‬


‫عشر الميالدي ‪ ،‬دخلوا في طور من االنحالل واالستسالم وفقدوا استقاللهم‬
‫السياسي وفقدوا مع ذلك قابليتهم لالبتكار والتقدم والتجديد ‪ ،‬مما دفع‬
‫المؤرخين إلى تسمية هذه الحقبة بعصر االنحطاط‪.‬‬
‫قد عاش العرب في هذه الوضعية المتردية طيلة قرون ولم يشرعوا في الخروج‬ ‫•‬

‫منها إال مع بداية القرن التاسع عشر ‪ ،‬ولذلك فقد عرف هذا الطور‬
‫األخير بعصر ﺍلنهﻀة‪.‬‬
‫•‬ ‫مراحل النهضة األدبية في العصر الحديث‬

‫•‬ ‫لقد اجتازت هذه النهضة أطوا ار ومراحل حتى وصلت لدرجة البزوغ الكامل ‪.‬‬
‫ففي عصر االنحطاط ‪ ،‬كان العرب يعيشون جنبا إلى جنب مع أوروبا‬
‫الناهضة دون أن يشعروا بتزايد هوة التباين بينهم وبينها ودون أن يدركوا أنهم‬
‫في حالة من النقص والتخلف ستجعلهم لقمة سائغة في يوم ما لحركة التوسع‬
‫االستعماري األوروبي‬
‫•‬ ‫ولم يدخلوا في حالة الوعي بذلك إال عندما تسلط الغزو األوروبي على بالدهم‬
‫في القرن التاسع عشر ‪ ،‬وبدأ يكتسحها واحدة تلو األخرى ‪ .‬فسقطت مصر‬
‫تحت أيدي االحتالل الفرنسي واإلنجليزي ‪ ،‬وسقطت تونس والجزائر والمغرب‬
‫‪ .‬تحت االحتالل الفرنسي‬
‫وبدأت البلدان العربية تسقط واحدة تلو األخرى تحت غزو استعماري شامل ‪،‬‬ ‫•‬

‫فزاد من تدهورها ألنه ( أي االستعمار ) أضاف إلى مظاهر االنحطاط‬


‫مظاهر العبودية والخضوع التي ترافق بالضرورة كل نظام استعماري ‪ ،‬لكنه‬
‫في نفس الوقت كان عامل إيقاظ ونهضة بما خلقه من رد فعل وطني داخل‬
‫الشعوب العربية على اختالفها‪.‬‬
‫ومن هنا ‪ ،‬فإن هذه النهضة العامة التي شملت الحياة السياسية واالقتصادية‬ ‫•‬

‫واالجتماعية تمخضت في ميادين األدب والفكر عن نهضة عميقة أعادت‬


‫للغة العربية شبابا جديدا وفسحت المجال ألجيال من الكتاب الذين تحرروا‬
‫من الجمود ومن عقلية التواكل واالستسالم وأرادوا أن يعيشوا في عصرهم‬
‫وبروح عصرهم‪.‬‬
‫•‬ ‫عوامل النهضة األدبية في العصر الحديث ومظاهرها‬

‫•‬ ‫‪-‬المدارس‬
‫‪1‬‬
‫•‬ ‫كان للمدارس الفضل الكبير في الرقي بالبلدان العربية ونشر العلم فيها ‪ ،‬ففي‬
‫لبنان عرفت المدارس انتشا ار كبي ار جدا ‪ ،‬وأنشأت و ازرة المعارف المدارس‬
‫الرسمية إلى جانب المدارس الخاصة ‪ ،‬فضجت البالد بالعلم ‪ ،‬وكان لبنان‬
‫‪ .‬من أرقى بالد العالم ثقافة‬
‫•‬ ‫أما في مصر فقد قام محمد علي بنهضة علمية تجديدية ‪ ،‬فأضيف إلى‬
‫األزهر طائفة من العلوم الحديثة ‪ ،‬وقومت مناهجه تقويما يجاري الحركة‬
‫وجعل التعليم فيه ثالث درجات ‪ :‬ابتدائي وثانوي وعالي‬
‫‪ .‬التقدمية ‪ُ ،‬‬
‫•‬ ‫وكان فضل األزهر على اللغة العربية كبي ار ‪ ،‬إذ كان معقلها الحصين في‬
‫عصور االنحطاط ‪ ،‬وقد اعتمد محمد علي عليه في انتخاب رجال النهضة‬
‫التي رمى إليها ‪ ،‬كما اعتمد على أبنائه في نقل بعض كتب العلم وصياغتها‬
‫في قالب عربي متين ‪ ،‬ومن األزهر أخذ طلبة البعوث التي أرسلها إلى أوروبا‬
‫‪.‬‬
‫•‬ ‫أما في سائر البالد العربية فقد بقية سوريا بال جامعة حتى انتهت الحرب‬
‫العالمية األولى بتتويج فيصل ملكا عليها ‪ ،‬فأسست في عهده الجامعة‬
‫السورية ‪ .‬ثم انتشرت المدارس االبتدائية والثانوية في جميع البالد العربية‬
‫‪ .‬وتعهدتها الحكومات بالعناية الخاصة فآتت ثمارها‬
‫•‬

‫‪-2‬الطباعة‬
‫•‬ ‫الطباعة من أكبر الوسائل لنشر المعارف بين جميع طبقات األمة ‪ .‬وقد‬
‫اخترعت في القرن الخامس عشر الميالدي ‪ .‬ولم تظهر الحروف العربية‬
‫‪ .‬مطبوعة إال سنة ‪ 1514‬في بلدة فانو اإليطالية‬
‫•‬ ‫وفي منتصف القرن السادس عشر عرفة اآلستانة الطباعة ‪ .‬وأول مطبعة‬
‫دخلت البالد العربية هي المطبعة التي أنشئت سنة ‪ 1610‬في دير قزحيا‬
‫بلبنان ‪ ،‬وكانت سوريا أسبق البالد العربية إلى الطبع بالحروف العربية ‪ .‬فقد‬
‫ظهرت الطباعة في حلب نحو سنة ‪ ، 1702‬ومنذ ذلك الحين أخذت المطابع‬
‫‪ .‬تنتشر في لبنان وتشمل بعدها الشرق كله‬
‫•‬ ‫‪-‬‬
‫‪3‬الصحافة‬
‫•‬ ‫كان لتأسيس الطباعة وتقدمها فضل في ظهور الصحافة وتقدمها ‪ .‬وكانت‬
‫مصر المهد األول للصحافة العربية ‪ ،‬فقد أنشئت جريدة ” الوقائع المصرية ”‬
‫الرسمية في عهد محمد علي سنة ‪ ، 1828‬والتي كانت تنشر أخبار الحكومة‬
‫‪ .‬بالتركية والعربية‬
‫•‬ ‫وفي سنة ‪ 1855‬أنشأ رزق هللا حسون الحلبي في القسطنطينية جريدة‬
‫أسبوعية سياسية سماها ” مرآة األحوال ” وذكر فيها وقائع حرب ” القرم ” بين‬
‫الروس واألتراك ‪ ،‬وأخبار سوريا ولبنان ‪ ،‬لتعرف الصحافة العربية بعدها‬
‫‪ .‬انتشا ار واسعا في شتى البالد العربية‬
‫•‬ ‫أما أثر الصحافة فكان واسعا ‪ ،‬فقد أيقضت روح الوطنية والقومية ومحاربة‬
‫االستبداد وطلب الحرية ‪ ،‬ونقلت إلى الشرق حضارة الغرب ونظمه‬
‫االجتماعية والسياسية ‪ ،‬واختراعاته العلمية ‪ ،‬وانفتحت على ثقافاته األدبية‬
‫‪ .‬والفكرية‬
‫•‬ ‫العلمية‬ ‫الجمعيات‬
‫‪-4‬واألدبية‬
‫•‬ ‫تعددت كذلك الجمعيات العلمية واألدبية في البالد العربية وكانت من عوامل‬
‫تقدم العلوم والثقافة ألنها كانت تحمل األدباء والعلماء على التكتل وتبادل‬
‫اآلراء ‪ ،‬وكانت تسهل لهم سبل الدرس والبحث ‪ ،‬وتيسر لهم طرق النجاح في‬
‫‪ .‬مهامهم‬
‫•‬ ‫ومن أشهر هذه الجمعيات ‪ ” ،‬المجمع العلمي العربي ” والذي أسس بدمشق‬
‫سنة ‪ ، 1919‬وكان يهدف إلى إحياء اآلداب العربية وتلقين أصول البحث‬
‫‪ .‬للدارسين وفق الطرق الحديثة في الدرس والتأليف‬
‫•‬ ‫وتم إنشاء ” المجمع الملكي للغة العربية ” سنة ‪ ، 1932‬والذي كان يهدف‬
‫إلى الحفاظ على سالمة اللغة العربية وأن يجعلها وافية بمطالب العلوم والفنون‬
‫في تقدمها ‪ ،‬وأن يوضع معجم تاريخي للغة العربية ‪ ،‬وأن ينشر أبحاثا دقيقة‬
‫‪ .‬في تاريخ بعض الكلمات وتغير مدلوالتها‬
‫•‬ ‫‪-5‬‬
‫المكتبات‬
‫•‬ ‫كان من ثمار االحتكاك بالثقافة الغربية ‪ ،‬إنشاء المكتبات العامة والخاصة ‪،‬‬
‫وتنظيمها تنظيما حديثا ونشر الفهارس المختلفة ‪ ،‬مما يسهل المطالعة وورود‬
‫‪ .‬معين العلم‬
‫•‬ ‫ومن أشهر المكتبات ” المكتبة الظاهرية ” بدمشق ‪ ،‬وقد أنشئت سنة ‪1878‬‬
‫وضمت عددا كبي ار من المخطوطات النفيسة ؛ والمكتبة الخديوية بمصر ‪،‬‬
‫وقد أنشئت في عهد محمد علي ؛ والمكتبة األزهرية ‪،‬‬
‫•‬

‫التمثيل‬ ‫‪-6‬‬
‫•‬ ‫وعمل كذلك التمثيل على نشر الثقافة والفنون وعلى تهذيب العقل والذوق ‪،‬‬
‫وكان المسرح أهم قبلة يستعرض فيها الكتّاب واألدباء والشعراء قصصهم‬
‫وملحماتهم الحية على خشبته وأمام جمهور يتفاعل عقله وفكره أمام حبكة‬
‫وسير األحداث ‪ .‬ولقد خصصنا موضوعا بأكمله حول نشأة هذا الفن‬
‫•‬ ‫‪ -7‬االستشراق‬

‫•‬ ‫أن أكبر العوامل في إحياء اآلداب العربية اشتراك األجانب أنفسهم في‬
‫دراستها ونشر كتبها ‪ .‬وقد بدأ األوروبيون ينصرفون إلى دراسة اللغة العربية‬
‫وآدابها منذ القرن العاشر للميالد ‪ .‬واشتدت تلك الحركة في القرون الوسطى‬
‫النصراف الكثيرين إلى دراسة اللغات السامية ‪ ،‬وفتحت مدارس تعلم لغات‬
‫‪ .‬الشرق وال سيما العربية والسريانية والعبرانية‬
‫•‬ ‫ولما كان القرن التاسع عشر اشتدت حركة االستشراق اشتدادا عظيما لقيام‬
‫الحكومات الغربية بتأسيس مدارس تعلم لغاة الشرق ليسهل عليها حكم‬
‫‪ .‬مستعمراتها‬
‫•‬ ‫ولقد مهدوا السبيل أمام الباحثين بنشرهم المخطوطات الثمينة في طبعات أنيقة‬
‫مصححة ‪ ،‬مزودة بتعليقات نفيسة ‪ ،‬وبفهارس تيسر االطالع وتجمع‬
‫‪ .‬األشخاص واألماكن والموضوعات‬

‫تاريخ نشأة مدرسة البعث واإلحياء‬


‫نشأت مدرسة البعث واإلحياء في أواخر القرن التاسع عشر‪ ،‬وقد كانت النظير‬
‫المرادف للمدرسة الكالسيكية التي نشأت في الغرب ‪ ،‬وأطلق عليها عدة تسميات‬
‫نظرا لمحاوالت روادها‬
‫ً‬ ‫كمدرسة اإلحياء والتراث ‪ ،‬والمدرسة اإلتباعية اإلحيائية‬
‫في إحياء التراث القديم ‪ ،‬والمدرسة الكالسيكية العربية إزاء الكالسيكية الغربية ‪،‬‬
‫نظرا ألن نشأتها لدى العرب كانت إثر حركة النهضة‬ ‫ً‬ ‫ومدرسة النهضة األدبية ‪,‬‬
‫القومية التي اقترنت بمرحلة من التذمر االجتماعي واالضطراب السياسي وما نتج‬
‫عنها من ثورات نهضوية تسعى إلزالة الظلم واالستبداد ‪ ،‬وسعى روادها للوصول‬
‫إلى مستوى اجتماعي وسياسي وثقافي يتصف بالمثالية‪.‬‬
‫لقد كانت مدرسة البعث و اإلحياء كردة فعل على حالة الضعف والتدهور التي‬
‫مرت بها الحركة االدبية والثقافية العربية ‪ ،‬حيث سعى روادها للنهوض باألدب‬
‫والثقافة من خالل محاولة إعادة إحياء الميراث األدبي والثقافي القديم ونسج ثقافة‬
‫الحاضر من خالله ‪ ،‬وقاموا بنشر النماذج األدبية القديمة من العصر الجاهلي‪،‬‬
‫والنماذج األدبية البارزة لشعراء العصر العباسي أيضًا‪ ،‬وقد عمدوا إلى محاكاتها‬
‫لمقاومة تدهور األدب وانحطاط أساليبه الفنية ‪ ,‬انطلق رواد مدرسة البعث واإلحياء‬
‫في نظرتهم لألدب والشعر من األدب العربي القديم‪ ،‬فكانوا يقيسون آدابهم عليه‬
‫ويقيمون نتاجاتهم الشعرية واألدبية تبعًا لمقاييس النقد العربي القديم‪ ،‬وكانوا‬
‫يحرصون في نظمهم الشعري على خلق انسجام بينه وبين الموروث العربي القديم‪،‬‬
‫وإن أحدث ذلك فجوة بين واقعهم الحي وما ينظمونه من شعر‪ ،‬فتبدو نتاجاتهم األدبية‬
‫وكأنها حصيلة قراءات في األدب القديم ‪ ،‬كما تبعد عن الذاتية وتذوب فيها التجارب‬
‫الشخصية حد التالشي ‪.‬‬
‫قد تميز أدب مدرسة البعث واإلحياء بمحاكاتها للطبيعة اإلنسانية ‪ ،‬ويقصدون بها‬
‫القيم المثلى التي ينبغي لإلنسانية التحلي بها لالرتقاء بالمجتمع اإلنساني ‪ ،‬لذلك فقد‬
‫سلطوا األضواء على النمطية اإلنسانية الجمعية أكثر من الفردية ‪ ،‬وتض ّمنت‬
‫صورا للنماذج اإلنسانية ‪ ،‬ورأوا أن هذه الصور المثلى قد تكونت‬ ‫ً‬ ‫نتاجاتهم األدبية‬
‫على الصورة الصحيحة في األدب القديم ‪ ،‬لذلك فقد عكف اإلحيائيون على محاكاته‬
‫من حيث األغراض الشعرية والموضوعات واألساليب وحتى في توظيف المفردات‬
‫والتراكيب اللغوية‪.‬‬
‫وقد يتبادر لألذهان سؤال‪ :‬ما الفرق بين مدرسة اإلحياء ومدرسة الديوان؟ فهما وإن‬
‫كانتا من أوائل مدارس األدب العربي إال أنهما متباينتان فكريًا‪ ،‬فقد تفردت مدرسة‬
‫البعث واإلحياء عن سائر المدارس األدبية التي نشأت في العصر الحديث بتمسكها‬
‫بقيم الماضي وتقاليد األدب العربي القديم‪ ،‬وهذا كان قد أثار المدارس األدبية‬
‫األخرى ال سيما مدرسة الديوان التي بدت في ظهورها كردة فعل على المدرسة‬
‫اإلحياء ‪ ،‬حيث ثارت على كافة قواعدها وأفسحت المجال لكل جديد وحديث من‬
‫المعاني واألساليب الفنية ‪ ،‬كما أنها قد عنيت بالذاتية والفردية بعكس مدرسة اإلحياء‬
‫التي صبت اهتمامها على القيم التربوية والتعليمية وما يقدم النفع والفائدة للمجتمع‪.‬‬
‫أسباب ظهور مدرسة البعث واإلحياء كيف أسهم اإلحيائيون في الحفاظ على‬
‫الهوية العربية؟‬
‫‪ -‬الغزو الثقافي والسياسي األجنبي‪ :‬فقد شكلت مدرسة البعث ردة فعل ثقافية تدعو‬
‫إلى الحفاظ على الهوية العربية واستحضار معالمها الحضارية‪.‬‬
‫‪ -‬حركة النهضة السياسية‪ :‬فقد اتخذت في الدول العربية احتجا ًجا على سياسة‬
‫التتريك والظلم التي اتبعها الحكام في الدولة العثمانية‪.‬‬
‫‪ -‬ضعف اللغة العربية وانحطاط الثقافة وتدهور الحركات العلمية والدينية‪ :‬ذلك‬
‫بسبب توالي الحكام العثمانيين الذين ال يجيدون العربية على حكم الدول العربية‪.‬‬
‫‪ -‬ازدهار حركة الطباعة والنشر وإنشاء مجمع اللغة العربية‪ :‬باإلضافة إلى دار‬
‫الكتب المصرية ودار المعارف في مصر‪.‬‬
‫‪ -‬ظهور حركات اإلصالح اإلسالمية‪ :‬التي سعت إلعادة ربط الناس بالدين‪،‬‬
‫باإلضافة إلى نشوء الجمعيات واألحزاب السياسية‪.‬‬
‫قضايا الشعر اإلحيائي ما موقف اإلحيائيين من العقل والمنطق؟‬
‫العقل‪ :‬أولت مدرسة البعث واإلحياء اهتما ًما بالغًا بالعقل ومسائل المنطق باعتباره‬
‫األساس األول للكمال واالتزان والتناسق‪.‬‬
‫‪ -‬الموهبة والصنعة‪ :‬أكدت مدرسة اإلحياء على أهمية الصنعة والمراس واالطالع‬
‫واالستعداد المسبق لدعم الموهبة األدبية والفنية‪.‬‬
‫سام كاألخالق وجعلته أولوية من‬
‫‪ -‬الهدف‪ :‬حرصت هذه المدرسة على وجود هدف ٍ‬
‫أولوياتها‪ ،‬بينما عدت المتعة من الكماليات الفنية‪.‬‬
‫‪ -‬االحتكام للنموذج‪ :‬اتخذت هذه المدرسة النماذج األدبية القديمة قدوة لها وسارت‬
‫على نهجها وحاكتها باعتبارها اللون األدبي األفضل‪.‬‬
‫‪ -‬التقديم للقصيدة‪ :‬عمد اإلحيائيّون إلى اتّخاذ مقدّمات طللية وغزلية في قصائدهم‬
‫وإن خالفت الواقع وذلك باعتبارها جز ًءا أساسيًّا من القصيدة‪.‬‬
‫خصائص مدرسة اإلحياء ‪:‬‬
‫الحفاظ على نهج الكالسيكية في الشعر العربي من حيث بناء القصيدة حيث‬ ‫‪-‬‬
‫ألتزموا بوجود القافية ‪ ,‬وتقيدوا ببحور الشعر القديمة مع عدم التجديد ‪.‬‬
‫التمسك بإحكام وضبط صياغة األلفاظ ‪ ,‬فكانت ألفاظ فصيحة وأساليب‬ ‫‪-‬‬
‫شعرية بالغية كانت منتشرة في العصور القديمة للشعر العربي ‪.‬‬
‫أتبعوا القدماء في األغراض الشعرية ‪ :‬من رثاء ومدح ووصف وغزل ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫استحداث بعض األغراض الشعرية التي لم تعرف في الشعر العربي القديم‬ ‫‪-‬‬
‫معتمدين في نظمها على األسلوب الخطابي ‪ ,‬مثل الشعر اإلجتماعي والشعر‬
‫الوطني وكانوا مفرطين في االهتمام بالصياغة البيانية دون اعتناء بمضمون‬
‫الشعر أو االهتمام بصدق التجربة ‪.‬‬
‫اتبعوا نهج الكالسيكية في تعدد األغراض في القصيدة الواحدة ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫معارضة روائع القصائد الشعرية القديمة ‪ ,‬وتقليدها بنظم قصائد مماثلة لها‬ ‫‪-‬‬
‫في الوزن والقافية ‪ ,‬اوفي موضوع القصيدة وككانت تسمى بالمعارضات‬
‫وكانت هذه السمة لدى الكثير من شعراء مدرسة االحياء والبعث ‪.‬‬
‫تهجير العديد من أغراض الشعر التي كانت تمأل العصر العباسي مثل ‪,‬‬ ‫‪-‬‬
‫التأريخ الشعري ‪ ,‬شعر التصوف ‪ ,‬مع التقليل من الفخر والهجاء في الشعر‬
‫كونها ليست مناسبة للظروف السياسية واالجتماعية في العصر الحديث ‪.‬‬
‫مآخذ النقاد على مدرسة البعث واإلحياء ما أبرز االنتقادات التي نسبت لألدب‬
‫اإلحيائي؟‬
‫البعد عن الواقع‪ :‬بسبب التكلف في تمثيل الماضي في األدب والشعر في‬ ‫‪-‬‬
‫األساليب الفنية والتوظيف البالغي والموضوعات المختارة‪.‬‬
‫التقيد بالتزام الوزن والروي الواحد في الشعر‪ :‬وتقسيم القصيدة إلى عدة‬ ‫‪-‬‬
‫سيرا على نهج الشعر العربي القديم‪.‬‬
‫أغراض ً‬
‫الندرة في التجديد الموضوعي‪ :‬فقد كان شعراء مدرسة اإلحياء ينظمون في‬ ‫‪-‬‬
‫الموضوعات التقليدية كالمدح والفخر والهجاء‪.‬‬
‫مظاهر التجديد ال تتجاوز تلك اإلسقاطات الحضارية‪ :‬وال تتجاوز إضافة‬ ‫‪-‬‬
‫بعض مفردات التكنولوجيا الحديثة كالطائرات التي تبدو غير منسجمة مع‬
‫اإلطار القديم‪.‬‬
‫التكلف والصنعة والبعد عن الطبع‪ :‬وذلك بسبب تكلفهم في اتباع نهج ثقافي لم‬ ‫‪-‬‬
‫يخلق لعهدهم‪ ،‬ومحاوالت تتبعهم ومحاكاتهم للسابقين‪.‬‬
‫البعد عن العاطفة‪ :‬والحرص على كبت الخيال وكبح العواطف‪ ،‬وهذا ما‬ ‫‪-‬‬
‫جعل مدرسة الديوان تهاجمهم وتثور عليهم في محاولة منها إلطالق العنان‬
‫للذات والعواطف‪.‬‬
‫البعد عن الذاتية‪ :‬حيث ّ‬
‫إن الغاية من شعر اإلحيائيين كانت تتصل بالطبيعة اإلنسانية‬
‫ال بالمؤلف ومزاجه‪ ،‬كما ّ‬
‫أن أشعارهم قد اتخذت طاب ًعا تعليميًا وتربويًا‪.‬‬

‫محمود سامي البارودي‬


‫هو محمود سامي بن حسن حسين بن عبد هللا البارودي المصري المولود في‬
‫السادس من أكتوبر من عام ‪ 1839‬م‪ ،‬شاعر مصري من أسرة مصرية عريقة‪ ،‬لها‬
‫صلة باألسرة الحاكمة في مصر آنذاك‪ ،‬التحق البارودي بالسلك العسكري واطلع‬
‫على التراث العربي واألدب العربي‪ ،‬فقرأ الكثير من الدواوين وحفظ الكثير من‬
‫الشعر‪ ،‬وكان شديد اإلعجاب بأبي تمام حبيب بن أوس الطائي والبحتري والشريف‬
‫رواد مدرسة البعث واإلحياء في الشعر‬ ‫الرضي والمتنبي‪ ،‬وقد كان البارودي أحد َّ‬
‫العربي الحديث‪ ،‬وجدير بالذكر َّ‬
‫إن البارودي كان زعي ًما من زعماء الثورة العربية‪،‬‬
‫كما تولَّى وزارة التربية في مصر ث َّم استلم منصب رئيس الوزراء‪ ،‬وقد توفّي‬
‫البارودي في الثاني عشر من ديسمبر من عام ‪1904‬م‪.‬‬
‫حياة البارودي‬
‫عمل البارودي في وزارة الداخلية وانتقل إلى األستانة عام ‪1857‬م‪ ،‬وهناك أتقن‬
‫اللغة التركية واللغة الفارسية وتع َّمق في آداب اللغتين‪ ،‬ث َّم عمل في قلم كتابة السر‬
‫في الخارجية التركية‪ ،‬واستمر في هذا العمل سبع سنوات‪ ،‬منذ عام ‪1857‬م حتَّى‬
‫عام ‪1863‬م‪ ،‬ث َّم وبعد أن سافر الخديوي إسماعيل إلى العاصمة العثمانية ألحق‬
‫الخديوي إسماعيل البارودي بحاشيته فعاد إلى مصر وت َّم تعيينه معينًا في إدارة‬
‫المكاتبات بين مصر واألستانة‪ ،‬وبعد أن م َّل البارودي وضاق من رتابة العمل في‬
‫دواوين الدولة‪ ،‬انتقل إلى الجيش برتبة بكباشي فاشترك في عام ‪1865‬م في الحملة‬
‫العسكرية التي خرجت لمساندة الجيش العثماني في إخماد فتنة في جزيرة كريت‪،‬‬
‫وبقي في هذه المهمة عامين كاملين‪ ،‬كما شارك في حروب الدولة العثمانية مع‬
‫مديرا لمحافظة‬
‫ً‬ ‫روسيا وبلغاريا وأوكرانيا وغيرهم ‪ ،‬وفي عام ‪1878‬م عمل‬
‫ظا للقاهرة‪ ،‬كما تولَّى البارودي نظارة الحربية عام ‪1881‬م‪ ،‬وتولَّى‬ ‫الشرقية ث َّم محاف ً‬
‫س ّميت وزراته باسم وزارة‬ ‫منصب رئيس الوزراء وكان منتخبًا من قبل الشعب و ُ‬
‫الثورة‪.‬‬
‫تجربة البارودي األدبية‬
‫كان محمود سامي البارودي رائدًا من رواد مدرسة البعث واإلحياء‪ ،‬أعاد للقصيدة‬
‫العربية القديمة هيبتها في الشكل والمضمون وزلزل القصيدة العربية زلزالها‪ ،‬فكان‬
‫ي السبك والصياغة‪ ،‬يعيد القارئ إلى عرامة ابن الرومي والبحتري‬ ‫في أشعاره قو َّ‬
‫والمتنبي‪ ،‬ويُعد البارودي صاحب السبق في كتابة مقدمة لديوان شعري في العصر‬
‫وقوة بالغية منقطعة النظير‪ ،‬وقد‬
‫الحديث‪ ،‬وكان يملك لغة خيالية رفيعة المستوى‪َّ ،‬‬
‫جعل للشعر أهدافًا وسعى إلى تحقيقها‪ ،‬وأبرز هذه األهداف‪:‬‬
‫تهذيب النفس وتنبيه خواطر الناس والدعوة إلى مكارم األخالق‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وكان قد تأثر البارودي في شعره بالنهضة األدبية في العصر الحديث‪ ،‬ومال‬ ‫‪-‬‬
‫إلى القديم في الشعر ودافع عنه في الحرب التي قامت في القديم والحديث في‬
‫الشعر العربي‪،‬‬
‫كثيرا باتصال الحضارة العربية مع الحضارة الغربية‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ولم يكن ممن تأثروا‬ ‫‪-‬‬
‫ظا على‬‫فعلى الرغم من اتصاله بعديد اآلداب غير العربية َّإال أنَّه بقي محاف ً‬
‫التراث الشعري العربي في ّ‬
‫كل تجربته‪.‬‬
‫البارودي في ميزان النقد‬ ‫‪-‬‬
‫لقد كان الشاعر محمود سامي البارودي محط اهتمام عدد كبير من النقاد‬
‫العرب‪ ،‬دفعهم شعره وإبداعه وطريقته والمدرسة األدبية التي انتمى إليها إلى‬
‫الغوص في أعماق شعره والبحث في قصائده وإلقاء نظرة على نتاجه األدبي‬
‫الذي كان ول َّما يزل منارة يهتدي بها الكالسيكيون في األدب العربي‪ ،‬فقد كان‬
‫أحد أهم األسماء الشعرية في العصر الحديث التي مثَّلت مدرسة البعث واإلحياء‬
‫إلى جانب ك ٍّل من‪ :‬أحمد شوقي والشاعر بشارة الخوري أو ما يعرف باألخطل‬
‫الصغير وغيرهم‪.‬‬
‫حق محمود سامي البارودي ما‬
‫ومن أبرز الدراسات النقدية التي كُتبت في ِّ‬
‫يأتي‪:‬‬
‫دراسة بعنوان "البارودي حياته وشعره"‪ ،‬لنفوسة زكريا‪ ،‬صدرت في القاهرة‬ ‫‪-‬‬
‫عام ‪ 1992‬م‪ .‬مختارات من شعر محمود سامي البارودي صدرت من مكتبة‬
‫األسرة في القاهرة عام ‪2005‬م‪.‬‬
‫محمود سامي البارودي شاعر النهضة لعلي الحديدي‪ ،‬صدرت عن مكتبة‬ ‫‪-‬‬
‫األنجلو المصرية في القاهرة عام ‪1969‬م‪.‬‬
‫البارودي رائد الشعر الحديث لشوقي ضيف صدرت عن دار المعارف في‬ ‫‪-‬‬
‫القاهرة عام ‪1988‬م‪.‬‬
‫شواهد من شعر البارودي في ختام الحديث عن الشاعر محمود سامي‬ ‫‪-‬‬
‫البارودي‪ ،‬ال ب َّد من المرور على بعض األمثلة من شعره‪ ،‬فشعر الشاعر‬
‫مرآته التي يُرى من خاللها والطريق األقرب إلى نفسيته وشخصيته‪.‬‬
‫قصائد الشاعر البارودي‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫قصيدة قلدت جيد المعالي حلية الغزل‪:‬‬ ‫‪-‬‬
‫عن ْال َهزَ ل‬ ‫َوقُ ْلتُ في ْالج ّد َما أ َ ْغنَى َ‬ ‫قَلَّدْتُ جي َد ْال َم َعالي ح ْل َيةَ ْالغَزَ ل‬ ‫‪-‬‬
‫ع ٍة ْال َمجْ د سحْ ُر األ َ ْعيُن النُّ ُجل‬
‫ع ْن ش ْر َ‬
‫َ‬ ‫ي قلب ال يمي ُل به‬ ‫يأبى لى َ الغ ُّ‬ ‫‪-‬‬
‫عن غرة النصر‪ ،‬ال بالبيض في الكلل‬ ‫ْ‬ ‫أَهي ُم ب ْالبيض في األ َ ْغ َماد بَاس َمةً‬ ‫‪-‬‬
‫عن الث َــــــ ّ َمل‬‫ع ْن طالب ْال َمجْ د غَان َيةٌ في لَذَّة الصَّحْ و َما يُ ْغني َ‬ ‫لَ ْم ت ُ ْلهني َ‬ ‫‪-‬‬
‫طــــــلَل‬ ‫علَى َ‬ ‫َوبَيْنَ ُم ْعت َكفٍ يَبْكي َ‬ ‫ب يدعو لمكرم ٍة‬ ‫ك ْم بينَ منتد ٍ‬ ‫‪-‬‬
‫التِّعريف بالشاعر أحمد شوقي‬
‫أحمد شوقي هو أحد أعمدة الشعر العربي الحديث‪ ،‬ورائد النهضة الشعرية‬
‫العربية‪ ،‬اعتلى عرش الشعر العربي فلُقب بأمير الشعراء عام ‪1927‬م‪ ،‬وكان‬
‫قبل ذلك قد نُفي إلى إسبانيا في الفترة الممتدة بين عامي ‪1919-1914‬م‪ ،‬وحين‬
‫عودته سيطر على الساحة األدبية في مصر‪ ،‬وقد عُرف شوقي بغزارة إنتاجه‬
‫الشعري‪ ،‬كما امتاز شعره بغرابة األلفاظ وسهولة األسلوب‪ ،‬وكتب مسرحيات‬
‫حاكى بها نماذج الشعراء الغربيين من أمثال‪ :‬شكسبير‪ ،‬وكورني‪ ،‬وراسين‪.‬‬
‫نشأة وحياة الشاعر‬
‫أحمد شوقي ولد أحمد شوقي علي أحمد شوقي بك في القاهرة عام ‪1869‬م‪،‬‬
‫نشأ وترعرع فيها‪ ،‬وقد حمل اسم جده ألبيه ولقَبُه أحمد شوقي‪ ،‬وانحدر الشاعر‬
‫أحمد شوقي من أسرة اختلطت دماؤها بأصول خمسة‪ ،‬هي‪ :‬الكردية‪ ،‬والشركسية‬
‫‪ ،‬والعربية‪ ،‬واليونانية ‪ ،‬والتركية‪ ،‬فجده ألبيه كردي األصل تولى عدة مناصب‬
‫إدارية في زمن سعيد باشا كان آخرها أمين الجمارك المصرية ‪ ،‬وجده أل ّمه‬
‫تركي األصل واسمه أحمد حليم النجدلي‪ ،‬وكان وكيالً لخاصة الخديوي‬
‫إسماعيل‪ ،‬أ ّما جدته أل ّمه فكانت يونانية وتعمل وصيفة في بالط الخديوي‪ ،‬وقد‬
‫تولّت أمر رعايته في طفولته‪ ،‬فنشأ في ظل القصر نشأة ارستقراطية‪ ،‬ما جعله‬
‫يتفرغ للشعر ويخلص له‪ ،‬فال يشغل باله غيره‪ ،‬وكان محاطا ً بعناية العائلة‬
‫بأكملها‪ ،‬ال سيما أنّه كان وحيد والديه‪.‬‬
‫تلقّى أحمد شوقي علومه األولى في سن الرابعة في كُت َاب الشيخ صالح‪ ،‬وأنهى‬
‫تعليمه الثانوي في سن مبكرة عام ‪1885‬م‪ ،‬ث ّم التحق بمدرسة الحقوق حيث‬
‫درس القانون‪ ،‬وإلى جانبه درس ترجمة اللغة الفرنسية‪ ،‬وانتهى من دراسته عام‬
‫‪ 1889‬م‪ ،‬وأثناء دراسته كان يتتلمذ علوم األدب على يدي حسين المرصفي‪،‬‬
‫والشيخ حفني ناصف‪ ،‬والشيخ محمد البسيوني البيباني‪ ،‬وبعد تخرجه من مدرسة‬
‫الحقوق أرسله الخديوي توفيق إلى فرنسا إلتمام دراسة الحقوق‪ ،‬حيث قضى‬
‫أربع سنوات في مدينة باريس ومونبلييه‪ ،‬ث ّم عاد إلى مصر عام ‪1892‬م‪ ،‬ومن‬
‫أن شوقي كان قد تزوج من السيدة خديجة شاهين وله منها ثالثة‬ ‫الجدير بالذكر ّ‬
‫أبناء‪.‬‬
‫مصادر ثقافة الشاعر أحمد شوقي‬
‫كان أحمد شوقي مثقفا ً ثقافة متنوعة األركان ‪ ،‬فقد انكب على قراءة كتب‬
‫األدب العربي وداوم على مطالعتها‪ ،‬ال سيما كتب فحول الشعر أمثال‪ :‬أبي‬
‫نواس‪ ،‬والبحتري‪ ،‬والمتنبي ‪ ،‬وأبي تمام‪ ،‬وكتب كبار األدباء ككتاب الحيوان‬
‫للجاحظ‪ ،‬إضافة إلى كتب اللغة ‪ ،‬والفقه‪ ،‬والحديث‪ ،‬وإلى جانب ثقافته العربية فقد‬
‫كان متقنا ً للغة للفرنسية‪ ،‬بسبب الفترة التي قضاها في فرنسا والتي م ّكنته من‬
‫االطالع على آدابها‪ ،‬والنهل من فنونها‪ ،‬والتأثر بشعرائها وأدبائها الذين كان‬
‫متصالً بهم اتصاالً مباشراً‪ ،‬إضافة إلى إتقانه للغة التركية والتي اكتسبها من بيته‬
‫وعائلته‪ ،‬وتأثر الشاعر أحمد شوقي من إقامته في إسبانيا أثناء المنفى حيث اطلع‬
‫على مظاهر الحضارة اإلسالمية هناك‪ ،‬واستشعر خسارة المجد العربي‬
‫اإلسالمي الزائل فيها‪.‬‬
‫بواكير الشاعر أحمد شوقي في الشِّعر‬
‫بدأ الشاعر أحمد شوقي بنظم الشعر أثناء دراسته الحقوق ‪ ،‬وحين كان يتتلمذ‬
‫على يدي األستاذ محمد البسيوني البيباني شاعر توفيق باشا‪ ،‬فكان أحمد شوقي‬
‫يطلع على قصائد البيباني‪ ،‬ويقوم بمراجعتها وتنقيحها وتهذيبها‪ ،‬ما أسعد أستاذه‬
‫كثيرا ً بذلك‪ ،‬إذ رأى في شوقي مشروع شاعر مبدع وتوسم فيه خيراً‪ ،‬فقدمه‬
‫للخديوي توفيق وأخبره عن موهبته الفذة‪ ،‬فاستدعاه الخديوي واطلع على شعره‪.‬‬
‫مؤلِّفات الشاعر أحمد شوقي‬
‫‪ -‬ديوان الشوقيّات هو ديوان يتألف من أربعة مجلدات‪ ،‬طبع أول مرة بين‬
‫عامي ‪1889-1888‬م في مطبعة اآلداب والمؤيد‪ ،‬ث ّم أُعيد طبعه عام‬
‫‪1911‬م دون أيّة إضافة إليه‪ ،‬كما وقُسّمت الشوقيات إلى أربعة أجزاء‪ ،‬طبع‬
‫الجزء األول ‪1926‬م دون أيّة إضافة إليه ‪ ،‬ث ّم طبع الجزء الثاني عام‬
‫‪ 1930‬م‪ ،‬وبعد وفاة أحمد شوقي طبع الجزء الثالث الخاص بالرثاء عام‬
‫‪1936‬م‪ ،‬ث ّم طبع الجزء الرابع عام ‪1943‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الروايات كتب الشاعر أحمد شوقي ثالث روايات‪ ،‬هن‪ :‬عذراء الهند‪ :‬هي‬
‫رواية عن تاريخ مصر القديم أيام الملك رمسيس الثاني‪ ،‬وقد ألفها عام‬
‫‪ 1897‬م‪ .‬الدياس‪ :‬كلمة (الدياس) تعني آخر الفراعنة ‪ ،‬وهي أيضا ً عن‬
‫تاريخ مصر القديم‪ ،‬وتعكس حالة مصر قبل القرن الخامس الميالدي‪ ،‬أي بعد‬
‫عهد بسمافيك الثاني‪ .‬ورقة اآلس‪ :‬هي أيضا ً رواية تاريخية وقعت أحداثها‬
‫في زمن سابور ملك الفرس‪ .‬مذكرات بنتاؤر‪ :‬هي رواية تدور حول معتقد‬
‫أن بعض الناس بإمكانهم التكلم مع الطيور والتعبير عنهم‬ ‫مصري قديم وهو ّ‬
‫بألسنتهم‪ ،‬فكانت الرواية عبارة عن حوار دار بين طائر الهدهد الذي يرمز‬
‫إلى الشاعر ذاته وطائر النسر الذي يرمز إلى الشيطان الذي كان يسكن‬
‫بنتاؤرو الشاعر المصري القديم‪.‬‬
‫‪ -‬المسرحيّات اعتُبر الشاعر أحمد شوقي رائد المسرح العربي‪ ،‬إذ مأل فراغا ً‬
‫في األدب المعاصر‪ ،‬فوضع عددا ً من المسرحيات الشعرية تناولت مادتها‬
‫األولية من التاريخ القديم ومن الحياة االجتماعية المعاصرة‪ ،‬وجعل لكل‬
‫مسرحية من مسرحياته هدفا ً متمثالً باتجاه معين أو عبرة أو قيمة أخالقية‪،‬‬
‫وقد اتسم أدب شوقي المسرحي بتأثره باألدب األوروبي‪ ،‬حيث استفاد من‬
‫مطالعاته األدب الفرنسي واإلنجليزي‪ ،‬وهذه المسرحيات فهي‪ :‬مسرحية‬
‫مصرع كليوباترا ومسرحية قميز‪ :‬تناولتا تاريخ مصر القديم‪ ،‬واعتمد في‬
‫كليوباترا االتجاه الوطني وامتازت بكثرة الغنائية الشعرية‪ ،‬أ ّما مسرحية قميز‬
‫فاتجاهها التضحية الوطنية‪ .‬مسرحية علي بك الكبير‪ :‬استقى الشاعر مادتها‬
‫من تاريخ مصر القريب‪ ،‬واعتمد فيها االستقالل الوطني‪ ،‬لكنه غير في بعض‬
‫أحداثها الحقيقية‪ ،‬إذ زاد من صفة الخير للشخصيات بشكل مناقض للواقع‬
‫التاريخي‪ .‬مسرحية الست هدى‪ :‬استوحى الشاعر أحداثها من الحياة‬
‫االجتماعية المعاصرة‪ ،‬وهي مسرحية ساخرة انتقد فيها النفعيين‬
‫واالنتهازيين‪ .‬مسرحة عنترة ومسرحية مجنون ليلى‪ :‬استلهمهما أحمد شوقي‬
‫من تاريخ العرب القديم‪ ،‬وأكثر فيهما من الغنائية الشعرية‪ ،‬وركز في‬
‫مسرحية عنترة على العفة في الحب‪ ،‬وعلى التقيّد بالتقاليد في مسرحية‬
‫(مجنون ليلى)‪ .‬مسرحية أميرة األندلس‪ :‬كتب الشاعر هذه المسرحية بطريقة‬
‫نثرية‪ ،‬وهي مستوحاة من التاريخ العربي‪ ،‬وأساسها الوفاء وااللتزام بالعهد‪.‬‬
‫مسرحية البخيلة‪ :‬تُع ّد مسرحية كوميدية ناقدة مستوحاة من الحياة االجتماعية‬
‫المعاصرة‪ ،‬وقد اتجه شوقي فيها إلى طبقة البسطاء أو األشخاص العادييين‬
‫مبتعدا ً تماما ً عن تلك الطبقة االرستقراطية‪ ،‬فالبخيلة هي امرأة عادية تدخر‬
‫الثروة وتحرم نفسها من كل شيء‪.‬‬
‫الكتب‬
‫لم يكتب الشاعر أحمد شوقي الكثير من الكتب‪ ،‬واقتصر على كتابين هما‪:‬‬
‫كتاب أسواق الذّهب‪ :‬هو عبارة عن نصوص نثرية بمفردات صعبة ألمير‬
‫عرفها في مقدمة الكتاب‬ ‫الشعراء‪ ،‬تناول فيها أمورا ً متعلقة بالحياة البشرية‪ ،‬وقد ّ‬
‫قائالً‪( :‬إنما هي كتاب‪ ،‬اشتملت على معان شتى الصور وأغراض مختلفة الخبر‪،‬‬
‫جليلة الخطر‪ ،‬منها ما طال عليه القدم‪ ،‬وشاب على تناوله القلم‪ ،‬وألم به الغُفل من‬
‫الكُتاب والعلم‪ ،‬ومنها ما كثر على األلسنة في هذه األيام وأصبح يعرض في‬
‫طرق األقالم وتجرى به األلفاظ في أعنة الكالم؛ من مثل‪ :‬الحرية‪ ،‬والوطن‪،‬‬
‫واألمة‪ ،‬والدستور‪ ،‬واإلنسانية‪ ،‬وكثير غير ذلك من شؤون المجتمع وأحواله)‪.‬‬
‫‪ -‬كتاب دول العرب وعظماء اإلسالم‪ :‬يُع ّد هذا الكتاب عالمة بارزة في تاريخ‬
‫األدب العربي‪ ،‬فهو عبارة عن أراجيز مزدوجات تتألف من ألفي بيت‪،‬‬
‫نظمها الشاعر أحمد شوقي بإبداع‪ ،‬تحدث فيها عن سيرة سيدنا محمد صلى‬ ‫ّ‬
‫هللا عليه وسلم‪ ،‬وسيرة الخلفاء الراشدين‪ ،‬وسير رجال آخرين‪ ،‬وذكر دول‬
‫العرب في العصور األمويّة‪ ،‬والعباسيّة‪ ،‬والفاطميّة‪.‬‬
‫‪ -‬خصائص شعر الشاعر أحمد شوقي‬
‫أغراض شعر أحمد شوقي نظ ّم شوقي الشعر في عدة مجاالت مختلفة‬
‫ومتنوعة‪ ،‬حيث كتب الشعر السياسي والوطني‪ ،‬باإلضافة إلى شعر الرثاء‪،‬‬
‫نظمه حتى صعد إلى‬‫والمدح‪ ،‬والغزل‪ ،‬والوصف‪ ،‬والحكمة‪ ،‬وقد أبدع شوقي في ْ‬
‫القمة‪ ،‬ومن خالل شعره كان يعكس الشاعر أحمد شوقي ما في نفسه من حب‬
‫للوطن‪ ،‬والدين‪ ،‬والحياة‪ ،‬والحرية‪ ،‬وقد جاء متسما ً بقوة العاطفة‪ ،‬وسعة الخيال‪،‬‬
‫وسالسة األلفاظ وعذوبتها‪ ،‬وقوة التراكيب‪.‬‬
‫األخالق في شعر الشاعر أحمد شوقي‬
‫أكثر الشاعر أحمد شوقي من ذكر األخالق في شعره والحث عليها‪ ،‬فبها تحيا‬
‫األمم‪ ،‬وبها يسعد األفراد‪ ،‬وقد شغلت قضية األخالق بال شاعرنا فكانت بالنسبة‬
‫إليه قضية مهمة سعى جاهدا ً إليصالها إلى الناس بطريقة إبداعية مميزة ما‬
‫جعلهم يُحسون به ويتفاعلون معه ويدركون أه ّميتها عليهم وعلى من سيأتي من‬
‫بعدهم‪ ،‬وقد حقق شوقي مبتغاه إذ جعل من موضوع األخالق هدفا ً إنسانيا ً مهماً‪،‬‬
‫فعبر عن ذلك بمفردات واضحة المعنى والمغزى‪.‬‬
‫التأثيرات اإلسالميِّة في شعر الشاعر‬
‫أحمد شوقي ظهر تأثر الشاعر أحمد شوقي بالجانب اإلسالمي بقوة في شعره‪،‬‬
‫ال سيما تأثره بالقرآن الكريم الذي يُعتبر المرجع األول لكافة المسلمين بما فيهم‬
‫الشعراء واألدباء‪ ،‬فآيات القرآن الكريم هي المصدر األول الذي استقي منه أمير‬
‫الشعراء استشهاداته على ما وصف في شعره‪ ،‬والتي يرى شوقي فيها السبيل‬
‫لحفظ كرامة المسلمين وإقامة العدل الذي أمر هللا بإقامته‪.‬‬
‫ي في شعر الشاعر‬
‫اللغة واإليقاع الموسيق ِّ‬
‫أحمد شوقي كان الشاعر أحمد شوقي متمكنا ً لغوياً‪ ،‬فقد امتلك ثروة لغوية‬
‫غزيرة‪ ،‬كان لها أثر في شعره‪ ،‬إذ أكسبته السمات اآلتية ‪:‬‬
‫‪-‬المعرفة الجيدة بالتراث العربي والعمل على إحيائه واالستلهام منه‪ ،‬فقد نَ َ‬
‫ظ َم‬
‫قصائد استلهمها من العصر العباسي وعارض بها شعراء أمثال البحتري‪.‬‬
‫‪ -‬هدوء العاطفة وضبط النفس‪.‬‬
‫‪-‬تجلي الموسيقى في شعره وقدرته على استخدامها بذكاء إلظهار المعنى ال ُمراد‬
‫إيصاله‪.‬‬
‫‪ -‬انبثاق صور فنية عديدة من الصورة الفنية العامة للعمل الفني‪.‬‬
‫مرض ووفاة الشاعر أحمد شوقي‬
‫أصيب أمير الشعراء وهو على أعتاب الستين بمرض تصلب الشرايين‪ ،‬وفي‬
‫عام ‪ 1930‬م أصيب بمرض آخر مفاجئ أنهك قواه وألزمه الفراش لمدة أربعة‬
‫أشهر‪ ،‬ورغم مرضه وضعفه ّإال ّ‬
‫أن قريحته للكتابة كانت قَويَة وزاد إنتاجه‬
‫الشعري‪ ،‬فقد ألّف في تلك الفترة القصيرة‪ :‬مجنون ليلى‪ ،‬وقميز‪ ،‬وعلي بك‬
‫الكبير‪ ،‬والبخيلة‪ ،‬والست هدى‪ ،‬وفي مساء ‪ 13‬تشرين األول‪/‬أكتوبر عام‬
‫‪1932‬م أفلت شمس الشاعر المبدع أحمد شوقي‪ ،‬وسلّم الروح وسط ذهول‬
‫الحاضرين عنده والذين حاولوا إنقاذه من ضيق النفس ونوبة السعال التي‬
‫أصابته‪ ،‬وتلقى العرب في جميع األقطار نبأ وفاة شوقي بالحزن الشديد‪ ،‬ونعته‬
‫الصحف والمجالت‪ ،‬وظلوا يتحدثون عن شعره وعن حياته لفترة طويلة‪ ،‬كما‬
‫ورثاه األدباء والشعراء بكل ألم وأسى‪ ،‬وحين دُفن كُتب على قبره بيتان من‬
‫قصيدة (نهج البردة) التي نظمها في مدح رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬إذ كان‬
‫قد وصى بذلك قبل موته ‪.‬‬
‫ومن قصائده في حب الوطن ‪:‬‬
‫كأني قد لقيتُ بك الشـــبابا‬ ‫أيا وطني لقيـتك بــعد يأس‬
‫إذا ُرزق السالمة واأليـــبا‬ ‫وكل مسـافر سيــئوب يوما‬
‫عليه أقابل الحتم المجابـــا‬ ‫ولو أني دعيـت لكنت ديني‬
‫إذا فهمت الشهادة والمتـابا‬ ‫أدير إليك قبل البيت وجهي‬

‫محمد سعيد الحبوبي‬


‫ولد السيد محمد سعيد ابن السيد محمود ابن السيد حمزة ابن السيد مصطفى (جد آل‬
‫الحبوبي) في النجف األشرف سنة (‪ 1266‬هـ ‪ 1850 /‬م) وأسرة الحبوبي أسرة‬
‫عربية ينتهي نسبها الشريف إلى اإلمام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليهما‬
‫السالم) وينحدر أصل هذه األسرة من الحجاز حيث ال يزال الكثير منهم يسكن‬
‫هناك‪ ،‬أما في العراق فهم ينتشرون بين السماوة والنعمانية والنجف وغيرها من‬
‫المدن العراقية‪ ،‬ومعظم رجال هذه األسرة يمتهنون التجارة‪.‬‬

‫نشأ الحبوبي على ما ينشأ عليه لدّاته في المجالس العلمية واألدبية في النجف‬
‫األشرف وال يخفى ما لهذه النشأة من أثر كبير في تكوين شخصية اإلنسان‪ ،‬فهذه‬
‫البيئة العلمية والمحيط األدبي قد رفدا العالم اإلسالمي بالمئات من كبار العلماء‬
‫األعالم وفحول الشعراء واألدباء والمفكرين و النوابغ والدعاة فضالً عن ذلك فقد‬
‫اجتمعت لدى الحبوبي الكثير من المواهب والمؤهالت التي راحت تع ّد له سبل‬
‫الرقي والنبوغ العلمي واألدبي‪.‬‬

‫درس الحبوبي األخالق والرياضيات عند العالمة الكبير ميرزا حسين قُلي‪،‬‬
‫ودرس الفقه واألصول عند األستاذ الكبير الشيخ محمد حسين الكاظمي‪ ،‬وبعد وفاة‬
‫هذا األستاذ حضر الحبوبي دروس الشيخ محمد طه نجف‪ ،‬وقد أشاد هذا األستاذ‬
‫الكبير بعلمية شاعرنا و منزلته بكلمات كثيرة‪ ،‬ثم انقطع الحبوبي للتأليف والتدريس‬
‫وقد تخرج على يديه الكثير من طالب العلم وكبار العلماء والمجتهدين‪ ،‬كما ترك‬
‫آثارا ً وكتابات في األصول والفقه لم يطبع منها سوى ديوان شعره‪.‬‬

‫وإذا رأينا الحبوبي طودا ً في علمه وفقهه فإننا نلفيه بحرا ً زاخرا ً بأدبه وشعره ويشهد‬
‫له ديوانه ذلك السفر األدبي على صدارته الشعرية في عصره بالرغم مما كانت‬
‫تضم مدينة النجف االشرف في ذلك الوقت من فطاحل الشعر ونوابغ األدب أمثال‬
‫السيد جعفر الحلي والسيد موسى الطالقاني والشيخ عباس القرشي والشيخ محسن‬
‫الخضري وغيرهم‪.‬‬

‫ثم تلقى تعليمه عن عدد من علماء عصره‪ ،‬ودرس األدب والشعر على خاله‬
‫عباس األعسم‪ ،‬وقرأ العلوم األخالقية على حسين مكي الهمداني‪ ،‬كما زامل‬
‫المصلح الشهير جمال الدين األفغاني أربع سنوات أثناء الدّراسة‪.‬‬
‫تولى التدريس فصار إما ًما في الصحن الغروي بمسقط رأسه‪.‬‬
‫كانت له مجالس أدبية ومحاضرات مفيدة‪.‬‬
‫يذكر أنه انقطع عن نظم الشعر حين بلغ األربعين من العمر‪ .‬مما يعني أنه لم‬
‫شعرا في القرن العشرين‬
‫ً‬ ‫ينظم‬
‫‪.‬‬
‫اإلنتاج الشعري ‪:‬‬
‫له ديوان محمد سعيد حبوبي النجفي ‪ ،‬طبع أربع مرات‪:‬‬
‫األولى‪ :‬عُني بإعدادها للطبع‪ :‬عبدالعزيز الجواهري ‪ -‬المطبعة األهلية ‪ -‬بيروت‬
‫‪131‬هـ‪1912 /‬‬
‫والثانية‪ :‬طبعة تجارية مصورة عن سابقتها من إعداد‪ :‬إبراهيم زين عاصي في‬
‫الخمسينيات‪.‬‬
‫والثالثة مزيدة ومنقحة من إعداد‪ :‬عبدالغفار الحبوبي ‪ -‬وزارة الثقافة واإلعالم‬
‫العراقية ‪ -‬مطابع دار الرسالة ‪ -‬الكويت‪.1980‬‬
‫أسرته‪،‬‬ ‫إصدار‬ ‫من‬ ‫والرابعة‬
‫‪.1983‬‬ ‫بغداد‬ ‫‪-‬‬ ‫العسكرية‬ ‫المطابع‬ ‫سابقتها ‪-‬‬ ‫مصورة عن‬
‫األعمال األخرى‪:‬‬
‫‪-‬أشارت بعض المصادر إلى أن له كتابًا في الفقه وآخر في األصول‪.‬‬
‫يعد نتاجه الشعري صدى لدوره التجديدي في الشعر العراقي في النصف الثاني‬
‫من القرن التاسع عشر‪ .‬غلب على نتاجه الموشحات التي لفتت إليه أنظار النقاد‬
‫والدارسين‪ .‬فليس من شك أن هذه الموشحات جميعًا من أفضل ما أنتجت قرائح‬
‫الوشاحين القدماء‪ ،‬على أن قدرته في نظم القصيدة ليست دون قدرته على نظم‬
‫الموشحات‪.‬‬

‫امتاز شعر الحبوبي بدقة الوصف وجودة السبك وحسن االختيار في‬
‫الصورة الشعرية إضافة إلى ذلك جمال األسلوب وجزالة التراكيب كما‬
‫كان متميزاً باختياره لمطلع القصيدة ليكون لوحة رائعة متكاملة فلنستمع‬
‫إلى مطلع مرثيته للسيد حيدر الحلي بقيثارته الحزينة والتي ال يخالج‬
‫القارئ الشك في أنه يستمع الى مرثية ألحد كبار شعراء العصر‬
‫العباسي ‪.‬‬
‫قصيدة ما لقلبي تهزه األشواق‬
‫خبرينا أهـكذا العـــــــــشاق‬ ‫ما لقلبي تـــــــــــهزه األشــواق‬
‫ودموع على الطــلول تراق‬ ‫كل يوم لنا فـــــــــــــــؤاد مذاب‬
‫ولدمعي بجيـــــدها أطـواق‬ ‫عجبا كيف تدعي الورق وجدي‬
‫شفه الوجد بعــدكم والـفراق‬ ‫فأرحمي يأمــيم لوعة صـــــــــد‬
‫أن تحاماه في الوداع العناق‬ ‫كاد يقـــــضي من الصبابــة لوال‬

‫ولد عبد المحسن الكاظمي في مدينة الكاظمية ـ بغداد ـ في العام ‪ 1865‬من ٍ‬


‫أب‬
‫أم‬
‫يتصل نسبه بمالك األشتر النخعي ‪ ،‬صاحب اإلمام علي عليه السالم ‪ ،‬ومن ّ‬
‫عمل في التجارة أسوةً بوالده ‪ ،‬الذي‬
‫يتصل نسبها بشاعر الطالبيين الشريف الرضي ‪َ .‬‬
‫ثم امتهن الزراعة ‪ ،‬التي لم يفلح فيها ‪ ،‬فانصرف عنها ‪ ،‬قاصدا‬‫كان يعمل فيها ‪ّ ،‬‬
‫وجهة جديدة وهي مطالعة كتب األدب ‪ ،‬حيث كان يقضي معظم وقته متنقال بين‬
‫حلقات األدباء ومكتبات الكاظمية ‪ ،‬ينهل األدب من خزائنها ‪ ،‬فحفظ الكثير من‬
‫الشعر ويقال أنه حفظ أكثر من ‪ 12000‬بيت من الشعر ‪ ،‬كما خصص بعضا من‬
‫أمهات الكتب في اللغة والنحو بهمة ال تعرف الكلل والملل حتى أصبح‬ ‫وقته لدراسة ّ‬
‫ملما بعلوم العربية وأسرارها ‪ .‬لم يكن الكاظمي يفكر يوما بأن يغادر‬
‫لغويا كبي ار ‪ّ ،‬‬
‫لكن استبداد السلطات العثمانية المحتلة وما جبلت عليه من‬
‫مرابع الصبا والشباب ‪ّ ،‬‬
‫فساد واستغالل ومساعيها لطمس الهوية العربية ‪.‬‬

‫كل ذلك دفع الشاعر إلى أن يتعرض لها كاشفا مثالبها ‪ ،‬مما اضطره أخي ار أن‬ ‫ّ‬
‫ثم يعود ثانية‬
‫ثم إلى أبو شير في الخليج العربي ّ‬
‫سر ‪ ،‬الى البصرة ومن ّ‬
‫يغادر بغداد ّا‬
‫ليستقر به المقام أخي ار في مصر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الى العراق ليبدأ من جديد رحلة إلى إيران فالهند ‪،‬‬
‫وهناك تزوج من فتاة تونسية تدعى عائشة ‪ ،‬وهي ابنة الثائر التونسي محمود أحمد‬
‫وتعسفهم‬ ‫الفرنسيين‬ ‫ظلم‬ ‫بسبب‬ ‫مصر‬ ‫إلى‬ ‫لجأ‬ ‫الذي‬ ‫‪،‬‬ ‫‪.‬الحسين‬
‫حفلت حياة الكاظمي بأحداث مهمة أثناء إقامته في مصر ‪ ،‬من أبرزها اتصاله‬
‫وقدم له يد المعونة والمساعدة ‪،‬‬
‫بالشيخ محمد عبدة ‪ ،‬الذي شمله برعايته واهتمامه ّ‬
‫حبب له البقاء فيها ‪ ،‬ولما توفي الشيخ محمد‬
‫مما ّ‬
‫منذ أن وطأت قدماه أرض مصر ّ‬
‫خصص له راتبا شهريا يدفع له من‬
‫عبدة ‪ ،‬أخذ سعد زغلول على عاتقه رعايته ‪ ،‬بأن ّ‬
‫‪.‬خزانة األوقاف‬
‫ذاع صيت الشاعر عبد المحسن الكاظمي في األوساط األدبية ‪ ،‬فأصبح يلّقب‬
‫المكارم‬ ‫وأبو‬ ‫‪،‬‬ ‫واإلرتجال‬ ‫البداهة‬ ‫وبشاعر‬ ‫العرب‬ ‫بشاعر‬
‫وحظي باحترام وتقدير الشخصيات األدبية في مصر ‪ ،‬فقد نشر عنه الكاتب‬
‫المصري محمد رشيد رضا مقاال بعنوان (القديم في الحديث واالول في اآلخر) في‬
‫‪:‬المجلد الثالث لمجلة المنار ‪:‬‬
‫ذهبت بالغة الشعر العربي بذهاب دول العرب حتى صار القرن يمضي كله وال ((‬
‫يظهر فيه شاعر عربي األسلوب بليغ الكالم ‪ ،‬وحتى صرنا نعد وجود مثل سعادة‬
‫كأن السليقة‬
‫محمود سامي باشا البارودي من قبيل ما يسميه الحكماء بالرجعة ‪ّ ،‬‬
‫العربية رجعت إليه بالوراثة ألحد أجداده األولين من غير عناء في كسب ملكتها‬
‫أن‬
‫أن بالد العراق ال تزال أقرب الى السليقة العربية من أهل هذه البالد ‪ ،‬و ّ‬
‫والظاهر ّ‬
‫النابغين فيها أكثر منهم في غيرها ولقد وافى هذه البالد من أشهر رجل فاضل جدير‬
‫وقل الجدير به في العصر‪ ،‬أال وهو الشيخ أبو المكارم عبد المحسن‬
‫بلقب ( األديب) ّ‬
‫الكاظمي( نسبة إلى الكاظمية بلدة في ضواحي بغداد) لقيناه فلقينا األدب الصحيح‬
‫واألخالق الحسنة من الشاعر المفلق ‪ ،‬العذب المنطق ‪ ،‬الذي ناهز المقدمين ‪،‬‬
‫وخاطر المقرمين ‪ ،‬ومن السجايا الفاضلة الظاهرة فيه اإلباء وعزة النفس ‪ ،‬حتى ّأنك‬
‫‪.‬ال تشعر في أول عهدك به بما عنده من لطف المعاشرة ورقة الطبع ولين العريكة‬
‫قال صاحب السعادة اسماعيل باشا صبري وكيل الحقانية وأحد أركان األدب في‬
‫مصر( إنني عندما لقيته أول مرة ظننت ّإنه ال تطيب معاشرته ‪ ،‬فلما خبرته علمت‬
‫ـ‬ ‫)) ّأنه ال تطيب مفارقته )‬
‫أن الشاعر محمود سامي البارودي ‪،‬‬ ‫ومما هو معروف في مجالس األدب ونواديه ‪ّ ،‬‬
‫كل اإلحترام والتقدير بحيث أنه لم يق أر شيئا من شعره في حضوره‬
‫يكن للكاظمي ّ‬
‫كان ّ‬
‫‪،‬‬ ‫ابراهيم‬ ‫وحافظ‬ ‫شوقي‬ ‫بأحمد‬ ‫ويقارن‬ ‫يذكر‬ ‫اسمه‬ ‫وأصبح‬
‫عرف الكاظمي ببداهته وقدرته على ارتجال القصائد الطويلة ‪ ،‬التي تربو على المائة‬

‫بيت بدون تكلف ‪ .‬وهذه ميزة نادرة ُخ ّ‬


‫ص بها وحده بين شعراء زمانهً‬
‫مميزات شعره‬

‫حظي الكاظمي بتقدير أعالم األدب والفكر في زمانه ‪ ،‬وشهد له القاصي والداني‬
‫بسمو األخالق والعفة واإلباء والصدق فيما يقول ويعمل ‪ .‬يقول شاعر العرب األكبر‬
‫ّ‬
‫محمد مهدي الجواهري عنه‪ّ (( :‬‬
‫إن أهم الميزات ‪ ،‬التي تتجلى في حياة الكاظمي وفي‬
‫شعره أيضا ـ وهو صورة صادقة عن حياته ـ كونه مرآة صافية لجيله ومجتمعه ‪،‬‬
‫وعلى غير هذا القياس يصعب في رأيي المقارنة بينه وبين شعراء العراق اآلخرين‬
‫حتى من الذين عاصروه كالزهاوي والرصافي والشبيبي والشرقي وهناك ميزة ثانية هو‬
‫‪)).‬كون شعر الكاظمي ذخيرة من ذخائر اللغة العربية النقية ومفرداتها الجميلة‬
‫إن قصيدته التي مطلعها‬ ‫‪ :‬ويقول عنه العالمة اللغوي المعروف مصطفى جواد ‪ّ (( :‬‬
‫ـع‬
‫بالجزِع أدمـ ُ‬
‫ْ‬ ‫بلقع ** أما شغلت عينيك‬ ‫ُ‬ ‫الدار‬
‫الطرف و ُ‬ ‫ْ‬ ‫جيل‬
‫إلى كم نُ ُ‬
‫وصحة‬
‫ّ‬ ‫تصلح ألن تكون ( المعلقة الثامنة ) في أسلوبها وفصاحتها وطرازها البدوي‬
‫مبانيها‬ ‫وقوة‬
‫ّ‬ ‫)معانيها‬ ‫‪.‬‬
‫مكانته األدبية‬

‫جاء في المقالة‪ ،‬التي كتبها الشاعر واألديب المشهور مصطفى صادق الرافعي ‪،‬‬
‫قسم شعراء وأدباء مصر المعروفين إلى ثالث طبقات ‪ .‬تشمل الطبقة األولى‬
‫الذي ّ‬
‫أما‬
‫ثم شاعر النيل حافظ ابراهيم ‪ّ ،‬‬
‫ثم محمود سامي البارودي ّ‬
‫عبد المحسن الكاظمي ّ‬
‫كالً من اسماعيل صبري وأحمد شوقي وخليل مطران ‪ ،‬أما‬
‫الطبقة الثانية فتشمل ّ‬
‫أخرى‬ ‫وأسماء‬ ‫المنفلوطي‬ ‫فتضم‬
‫ّ‬ ‫الثالثة‬ ‫‪.‬الطبقة‬

‫في اليوم األول من أيار من العام ‪ 1935‬توفي الشاعر عبد المحسن الكاظمي ‪،‬‬
‫بناء على رغبته وحسب وصيته ‪ ،‬التي أوصى‬ ‫وقد دفن في أرض الكنانة ( مصر) ‪ً ،‬‬
‫أن الحكومة العراقية بنت له ضريحا يليق‬
‫بها في حياته في مقبرة مصر الجديدة ‪ ,‬إال ّ‬
‫بمنزلته في مقبرة اإلمام الشافعي في القاهرة ‪.‬وفي ‪ 1‬ـ ‪ 3‬ـ ‪ 1947‬نقلت رفات الشاعر‬
‫إليه‬

‫مميزات شعر الكاظمي‬

‫كان للكاظمي طريقته وأسلوبه في نظم الشعر فقد جمع بين فخامة اللغة وجمال‬
‫ورقة المعاني ‪ ،‬فلشعره نكهة مميزة ‪ ،‬لم يعهدها شعراء وأدباء مصر لدى شاعر آخر‬
‫‪.‬‬
‫أحب الكاظمي وطنه ‪ ،‬فكان العراق حاض ار على الدوام في ذهنه وذكره يجري على‬
‫ّ‬
‫الحب ‪ ،‬الذي يربطنا بالبشر ‪ ،‬لكن حب الحمى‬
‫ّ‬ ‫لسانه في حّله وترحاله ‪ .‬قد يضمحل‬
‫‪ ( :‬الوطن) ال يضمحل ‪ ،‬فلنق أر له هذه األبيات ‪ ،‬التي تفيض عذوب َة‬
‫فهوى الحمى ال يضمحل‬ ‫يضمحل ه ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـوى المها‬‫ّ‬ ‫إن‬
‫هم المعالي ليس يخل ـ ــو‬
‫ّ‬ ‫لب فم ـ ــن‬
‫ولئن خال قـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ٌ‬
‫ليس يسلو‬ ‫ِ‬
‫وأخو الصبابة َ‬ ‫قالوا س ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـال أوطانـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــهُ‬
‫وقلّـ ـ ـ ـوا‬ ‫كثروا‬ ‫فوجدتهم‬ ‫ولقد حسـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـبت أحبتـ ــي‬
‫أخ وخ ـ ــل‬
‫الوداد ٌ‬
‫َ‬ ‫نســي‬ ‫وذكرتهم في ح ـ ـ ـ ـ ـ ـين قـد‬
‫َ‬
‫أرحل أو أحل‬ ‫ُ‬ ‫اي‬
‫ذكر َ‬ ‫الصبا‬ ‫وطن‬ ‫يا‬ ‫ذك ـ ـراك‬

‫معروف الرصافي‬

‫الرصافي واحداً من أشهر الشعراء والكتّاب العرب الذين‬


‫يعتبر الشاعر معروف ّ‬
‫ّ‬
‫شاركوا في ترسيخ قواعد الفكر الحضار ّي الحديث‪ ،‬حيث ترك وراءه إرثاً عظيماً ّ‬
‫تنوع‬
‫أهله هذا اإلرث إضافة إلى التجارب‬
‫بين النثر‪ ،‬والشعر‪ ،‬واللغة‪ ،‬واألدب عامة ‪ ،‬وقد ّ‬
‫الحياتية التي اكتسبها أثناء مروره بالعديد من البلدان ألن يكون خير َم ْن يقود راية‬
‫ّ‬
‫اإلصالح والتجديد بين كتّاب وشعراء عصره‪ ،‬فقد أجاد الرصافي من خالل أشعاره‬
‫التي كانت متميزة بالشكل والمضمون من وصف مظاهر الحياة التي عاشها شعبه‪،‬‬
‫سياسية‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬ ‫اجتماعية أم‬
‫ّ‬ ‫مر بها عصره‪ ،‬سواء أكانت‬
‫وبرع في نقل األحداث التي ّ‬
‫الموسيقية‬
‫ّ‬ ‫امتازت هذه األشعار بالسالسة‪ ،‬وظهر فيها اهتمام الشاعر بالقوافي‬
‫وبصياغة األلفاظ‪.‬‬

‫حياة معروف الرصافي‬

‫الرصافة‪ ،‬وتلّقى‬
‫الشاعر معروف الرصافي عام ‪1875‬م ببغداد في منطقة تسمى ّ‬ ‫ُولد ّ‬
‫يستطع الحصول على‬‫ْ‬ ‫ولكنه لم‬
‫الرشيدية‪ّ ،‬‬‫االبتدائية في الكتاتيب‪ ،‬والمدرسة ّ‬
‫ّ‬ ‫دروسه‬
‫العالمة محمود شكلي اآللوسي‪ ،‬وخالل فترة‬
‫الشهادة‪ ،‬فترك المدرسة والتحق بدروس ّ‬
‫تلقيه الدورس كثّف جهوده في دراسة علوم اللغة العربية والمنطق‪ ،‬وبعد أن أكمل‬
‫عدة أماكن‪ ،‬ومن هذه األماكن‬
‫الرصافي تعليمه‪ ،‬وأتقن اللغة العر ّبية عمل محر اًر في ّ‬
‫جمعية االتحاد والترقي‪ ،‬ومجلة "سبيل الرثاء"‪ ،‬ثم انتقل بعد ذلك للعمل في مهنة‬
‫السلطانية‪ ،‬والوعاظ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اقية‪ ،‬ومنها‬
‫عدة مدارس عر ّ‬
‫تدريس للغة العر ّبية في ّ‬

‫تقّلد الرصافي بعد ذلك منصب نائب الرئيس للجنة الترجمة والتعريب‪ ،‬وفي عام‬
‫اليومية ‪ ،‬واستمر في التنقل بين الوظائف‬
‫ّ‬ ‫‪1923‬م تولّى إصدار جريدة "األمل"‬
‫المختلفة حتى أُسند إليه منصب المفتش العام في المعارف‪ ،‬وأصبح مدرساً للغة‬
‫ثم انتقل بعد ذلك لرئاسة لجنة اإلصالحات‬ ‫العر ّبية وآدابها في دار المعلمين‪ّ ،‬‬
‫الحكومية‪ ،‬وانتُخب عضواً في‬
‫ّ‬ ‫العلمية‪ ،‬وفي عام ‪1927‬م استقال من جميع الوظائف‬
‫ّ‬
‫ات‪ ،‬وقد توفي الرصافي في مسقط رأسه في بغداد‬ ‫مجلس النواب العراقي خمس مر ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وصيته التي قال فيها‪" :‬كل ما كتبته من نظ ٍم ٍ‬
‫ونثر لم‬ ‫ّ‬ ‫عام ‪1945‬م‪ ،‬وقبل وفاته كتب‬
‫الشخصية وإنما قصدت به منفعة المجتمع"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أجعل هدفي منه منفعتي‬

‫شاعرية معروف الرصافي‬

‫اكتسب الرصافي شهرة واسعة بلغت اآلفاق بفضل القصائد واألشعار التي‬
‫ظمها‪ ،‬إذ لم يترك غرضاً من أغراض الشعر إال وتناوله؛ فنظم شع اًر في المدح‪،‬‬
‫نّ‬
‫هاوي‬
‫والفخر‪ ،‬والرثاء‪ ،‬والغزل‪ ،‬والهجاء‪ ،‬وعاصر الرصافي الشاعر جميل صدقي الز ّ‬
‫وتبارى معه في الهجاء فترة من الزمن‪ ،‬وسعى للمزج بين العلم واألدب‪ ،‬وإلى نشر ما‬
‫ينجح في ذلك ‪ ،‬إال ّأنه أجاد طرح المواضيع‬
‫ْ‬ ‫ولكنه لم‬
‫اكتسبه من نظريات وعلوم‪ّ ،‬‬
‫وصور ببراعة مشاهد الشقاء والبؤس وحاالت الفقر التي كان‬
‫ّ‬ ‫االجتماعية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫السياسية و‬
‫ّ‬
‫يعاني منها المواطن العراقي‪ ،‬وكانت هذه الصور الشعرّية مستمدة من عمق الواقع‬
‫االجتماعي البائس آنذاك؛ فنادى بالتغيير‪ ،‬ونبذ الجهل‪ ،‬ونشر العلم‪ ،‬ومناصرة قضايا‬
‫التعصب الطبقي والظلم‪ ،‬وإنصاف الطبقة البائسة‪ ،‬ورغم شعوره‬
‫ّ‬ ‫المرأة‪ ،‬والقضاء على‬
‫أن أسلوبه كان خالياً من العاطفة‪ ،‬وسعة الخيال‪ ،‬وقوة التعبير‪،‬‬
‫الوطني المتأجج إال ّ‬
‫ومما قاله في هذا‬
‫أن هذه الثورة اتّصفت بالهدوء‪ّ ،‬‬
‫ورغم ثورته على كل قديم إال ّ‬
‫األدبية أقبح"‪.‬‬
‫ّ‬ ‫"أما التقليد إن كان في األمور العقلية قبيح فهو في المسائل‬
‫الصدد‪ّ :‬‬

‫المظاهر األسلوبية في شعر معروف الرصافي‬

‫االسلوبية التي استخدمها الرصافي في شعره‪ ،‬وفيما يلي عرض‬


‫ّ‬ ‫تعددت المظاهر‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫لبعض منها‪:‬‬

‫ويرجح‬
‫ّ‬ ‫‪-1‬الشعر القصصي أو الروائي تناول الرصافي القصة الشعرّية في شعره‪،‬‬
‫ّ‬
‫بأن صياغة الشعر على ٍ‬
‫نحو مباشر‬ ‫الدارسون ّ‬
‫أن السبب في ذلك يعود العتقاده ّ‬
‫المرجوة؛ األمر‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫مآس ال يؤدي للنتيجة‬ ‫وتقرير ّي‪ ،‬لتصوير الواقع وما يحدث فيه من‬
‫الذي دفعه لنظم الشعر القصصي؛ ليحقق ما يسعى إليه لخدمة المجتمع وقضاياه‪،‬‬
‫وقد منحت هذه الخطوة للرصافي الفرصة بأن يصبح رائداً لهذا النمط األدبي‪ ،‬ومن‬
‫ّ‬
‫العوامل التي ساعدت في اتّجاهه لهذا النوع الشعري تأثّره بالمذهب الواقعي‪ ،‬فكان‬
‫ّ‬
‫أن‬
‫االجتماعي‪ ،‬وخاص ًة ّ‬ ‫المصلح‬
‫يقل مكان ًة عن دور ُ‬ ‫ٍ‬
‫كشاعر ال ّ‬ ‫دوره اإلصالحي‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مستمدةً من البيئة‬
‫ّ‬ ‫قصص الرصافي كانت تتسم بالواقعية البعيدة عن الخيال؛ كونها‬
‫ّ‬
‫التي عاش فيها‪ ،‬ومما سمعه ورآه بنفسه أيضاً‪ ،‬ومن هذا الشعر القصصي‪ :‬قصيدة‬
‫ّ‬
‫"الفقر والسقام"‪ ،‬و"المطلقة"‪ ،‬و"اليتيم في العيد"‪ ،‬وقد امتازت هذه القصص بالحبكة‬
‫الفنية‪ ،‬والعاطفة الصادقة‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪ -2‬استخدام األلفاظ والتراكيب السهلة اتسمت األلفاظ والتراكيب في لغة الرصافي‬


‫الشعرية بالسهولة والبساطة التي تشبه إلى ٍ‬
‫حد بعيد مفردات الخبر الصحفي‪ ،‬وكانت‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هذه السهولة في لغته مظه اًر من مظاهر التجديد في شعره‪ ،‬وال سيما في األغراض‬
‫تطرق إليه ‪.‬‬
‫الشعرّية الجديدة التي ّ‬
‫أن اللغة وسيلة‬
‫العامية ‪ ،‬وأدخلها في شعره بعد أن رأى ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ -3‬كما اهتم بدراسة اللغة‬
‫عامية‪ ،‬ومع‬
‫ّ‬ ‫من أجل إيصال المعنى إلى المتلقي ‪ ،‬فال ضرر إن كانت فصحى أو‬
‫شجع على التواصل بها واالعتماد‬
‫الرصافي بترك اللغة الفصحى وإنما ّ‬ ‫ذلك لم يدعُ‬
‫ّ‬
‫يرى أن االعتماد عليها أصبح مقتص اًر على ما نراه في المعاجم؛ مما‬ ‫ألنه‬
‫عليها‪ّ ،‬‬
‫النمو مقارن ًة بلغات األمم األخرى رغم ما‬
‫ّ‬ ‫ّأدى إلى جمودها وضعفها وتوقفها عن‬
‫ٍ‬
‫عديدة افتقدتها اللغات األخرى‪.‬‬ ‫تتّصف به من مزايا‬

‫معروف الرصافي شاعر االجتماع‬

‫قام الرصافي الشاعر والمف ّكر بدور المصلح االجتماعي في المجتمع الذي عاش‬
‫فيه ؛ ناقداً للظروف الحياتية المحيطة به‪ ،‬وداعياً إلى إصالحها‪ ،‬وقد أشارت‬
‫الصحافة العر ّبية إلى أنه مبتكر الشعر االجتماعي‪ ،‬وذلك بعد نشر ديوانه األول‪،‬‬
‫ّ‬
‫ومن مالمح شعر الرصافي االجتماعي ما يلي‪:‬‬

‫أماً‪ ،‬أم حبيبة‪ ،‬أم أديبة‪،‬‬


‫‪ -‬المرأة حظيت المرأة بصورها المختلفة‪ ،‬سواء أكانت ّ‬
‫أم امرأة محسنة تساعد الفقراء والمحتاجين‪ ،‬أم مناضلة تدافع عن وطنها بنظرة‬
‫االحترام والتقدير لدى الرصافي‪ ،‬حيث نادى في أشعاره إلى ضرورة رفع‬
‫شأنها ومكانتها؛ باعتبارها النصف المكمل للرجل في المجتمع‪ ،‬ونظ اًر ألهمية‬
‫المرأة البالغة عنده الرصافي أصبحت مصد اًر إللهامه‪ ،‬فقد كان يستمد منها‬
‫ورمز للجمال‬
‫ألنها برأيه بهجة الحياة‪ ،‬ومصدر لإلبداع‪ٌ ،‬‬
‫أفكاره ونتاج شعره ّ‬
‫المطلق‪ ،‬فكان يصفها بأجمل األوصاف‪ ،‬ويتغنى بها بأسلوب عاطفي غزلي‬
‫الرومانسية الفلسف ّية بلغة مشوقة وصور شفافة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بعيد عن‬
‫‪ -‬دعا الرصافي في قصائده إلى ضرورة التعلم ونبذ الجهل‪ ،‬واستشهد بأهمية‬
‫العلم في المجتمع بتسليط الضوء على حضارة العرب وحكمهم للعالم عندما‬
‫كان العلم ساطعاً ومنتش اًر في أوطانهم في العهد األموي والعباسي واألندلسي‪،‬‬
‫أن الرصافي كان دائم السعي لشحذ الهمم لإلقبال على العلم‬
‫ويجدر بالذكر ّ‬
‫أن الدعوة إلى العلم هو إخالص‬
‫ألنه يعتقد ّ‬
‫والتعلم؛ دائم التشجيع في طلبه؛ ّ‬
‫للوطن وخالص للشعب ‪ ،‬فكان يحتفل بافتتاح المدارس‪ ،‬وتكريم المعلمين‬
‫حد سواء‪ ،‬كما كان دائم الذكر لفوائد العلم في رفع قيمة‬
‫والمتعلمين على ّ‬
‫تحدث‬
‫ومكانة اإلنسان‪ ،‬وهو الضمانة في الحصول على حياة عزيزة ‪ّ ,‬‬
‫وبخاصة‬
‫ّ‬ ‫الرصافي في الكثير من قصائده عن الموضوعات االجتماعية‪،‬‬
‫موضوع الفقر‪ ،‬والحرمان‪ ،‬واليتم‪ ،‬وقد لّقب بشاعر البؤساء‪ ،‬ومن أبرز‬
‫األسباب التي كانت وراء تسميته بهذا االسم ما يلي ‪:‬‬
‫تغيب والده‬
‫‪ -‬السبب النفساني‪ :‬احتّلت والدة الرصافي منزلة عالية لديه‪ ،‬فبسبب ّ‬
‫أمه‪،‬‬
‫شعر باليتم المب ّكر والحرمان‪ ،‬حيث عاش منذ سنواته األولى وحيداً مع ّ‬
‫متحرقاً لفراقها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وحبه لها‪ ،‬فكان إذا غادر العراق يصبح قلبه‬
‫مما زاد من تعلّقه ّ‬
‫ومتشوقاً لرؤيتها ‪.‬‬

‫الرصافي بحساسيته العالية‪ ،‬ومن األبيات التي عكست ذلك ما‬


‫ّ‬ ‫كما ُع ِرف ّ‬
‫قاله في أرملة يُذكر منها ما يلي‪:‬‬

‫تمشي وقد أثـــــــ قل اإلمالق ممشاها‬ ‫لقيتها ليتني ما كنت ألقاها‬

‫والدمع تذرفه في الخـــــــــــــد عيناها‬ ‫أثوابها رثة و ِ‬


‫الرجـــــل حافية‬

‫معروف الرصافي شاعر الحكمة‬

‫إن المتصّفح لديوان الرصافي يجد فيه قصائد كثيرة من شعر الحكمة‪ ،‬بحيث‬
‫ّ‬
‫يظهر فيها الرصافي بمثابة المعلم والمرشد ألبناء وطنه‪ ،‬وإن كانت تنقصه الرؤية‬
‫أن تلك األشعار صيغت‬ ‫النفسي إال ّ‬ ‫الفلسفية العميقة ‪ ،‬والقدرة على التحليل‬
‫ّ‬
‫بعاطفة صادقة وهدف نبيل قصد منها الرصافي أن يلعب دور المف ّكر‪ ،‬وقد كانت‬
‫أشعار الرصافي في الحكمة متعددة األغراض ‪ ،‬معظمها كان منتش اًر على ألسنة‬
‫حياً على‬
‫وتعد هذه األشعار مثاالً ّ‬
‫ّ‬ ‫العامة من أصحاب الخبرة‪ ،‬وأهل المعرفة‪،‬‬
‫الطريقة التي كان يف ّكر بها‪ ،‬والتي تعكس قناعته التامة بالمبادئ التحررّية التي‬
‫نادى بها‪ ،‬ومن هذه االشعار نذكر ما يلي‪:‬‬

‫ِ‬ ‫َل َع ْمُر َك َما ُك ُّل اْن ِك َس ٍار َلهُ َجبــــُْر‬


‫الج ْهُر‬ ‫َوال ُك ُّل ِسّر ُي ْس َت ُ‬
‫طاع به َ‬

‫ع َلها َغ ْيُر ُم ْد ِر ِك‬


‫َوآ َخُر َم ْخ ُدو ٌ‬ ‫المَنى‬ ‫اس َّإال َخ ِاد ٌ‬
‫ع أ َْدَر َك ُ‬ ‫َو َما َّ‬
‫الن ُ‬

‫معروف الرصافي وأدب األطفال‬

‫فن أدبي حديث أدخله الرصافي في كتاباته‪ ،‬لغاية الخروج‬


‫أدب األطفال هو ٌ‬
‫ّ‬
‫وتطورها يأتي‬
‫ّ‬ ‫ألنه يرى ّ‬
‫أن رفعة ومكانة األمة‬ ‫بوية القديمة‪ّ ،‬‬
‫عن األساليب التر ّ‬
‫أن‬
‫بإصالح األجيال الناشئة‪ ،‬وقد ّبين الرصافي في مقدمة كتابه "تمائم التعليم" ّ‬
‫الطفل يستمد ثقافته من مصدرْين‪ ،‬وهما‪ :‬األم والمدرسة‪ ،‬فإذا اكتسب ثقافته منهما‬
‫بشكل سليم بقي على هذه الصورة مدى الحياة‪ ،‬وإن فشل أصبحت مهمة تعليمه‬
‫ألن عقول األطفال ‪-‬حسب اعتقاده‪ -‬تكون قابلة للتعلّم‪ ،‬وقادرة على تلّقي‬
‫صعبة‪ّ ،‬‬
‫المعلومات وفهمها‪ ,‬أورد قصيدة باسم "األغنياء والفقراء"‪ ،‬ومن أبياتها يُذكر ما‬
‫يلي‪:‬‬

‫بعين االزدراء‬ ‫أيها الناظر ذا الفقر‬

‫هذا ببالء‪.‬‬ ‫اه من فعلك‬


‫ال تزد بلو ُ‬

‫من مر َّ‬
‫الشقاء‬ ‫يجرع‬
‫ُ‬ ‫إنه يكفيه ما‬
‫ديوان معروف الرصافي‬

‫عد ديوان الرصافي من الموسوعات الشعرّية للعصر الذي عاش فيه؛ فقد تناول فيه‬ ‫يُ ّ‬
‫قضايا هامة‪ ،‬ومنها‪ :‬قضية أثر الطالق االجتماعي على المرأة‪ ،‬واالهتمام باألطفال‬
‫سياسية‪ ،‬وطالب‬
‫ّ‬ ‫وخاصة األيتام منهم‪ ،‬كما أشار إلى ضرورة إجراء إصالحات‬
‫الحض على العلم‪ ،‬وفتح المزيد من المدارس‪ ،‬ودافع عن الدين‬ ‫التطور‪ ،‬و ّ‬
‫بالنهضة و ّ‬
‫ثاء‬
‫بأنه كان عائقاً أمام التقدم‪ ،‬وورد في ديوانه ر ً‬
‫مبيناً رفضه لما نُسب إليه ّ‬
‫اإلسالمي ّ‬
‫للعديد من الشخصيات‪ ،‬مثل‪ :‬الشاعر أحمد شوقي‪ ،‬والحسين بن علي الذي أسماه‬
‫مرة سنة ‪ 1910‬في‬
‫أن ديوان الرصافي نُشر ألول ّ‬
‫بأبي الملوك ‪ ،‬ومن الجدير بالذكر ّ‬
‫يخيات‪،‬‬
‫الكونيات‪ ،‬والتار ّ‬
‫ّ‬ ‫توزع على أربعة أبواب‪ ،‬وهذه األبواب هي‪:‬‬
‫بيروت‪ ،‬وقد ّ‬
‫الثانية في عام ‪ 1932‬زادت‬
‫ّ‬ ‫الوصفيات‪ ،‬وعندما صدرت الطبعة‬
‫ّ‬ ‫االجتماعيات‪ ،‬و‬
‫ّ‬ ‫و‬
‫الفلسفيات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫االجتماعيات‪ ،‬و‬
‫ّ‬ ‫الكونيات‪ ،‬و‬
‫ّ‬ ‫أبوابه وبلغت أحد عشر باباً‪ ،‬وهي كاآلتي‪:‬‬
‫السياسيات‪ ،‬والمقطعات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يقيات‪ ،‬و‬
‫الوصفيات‪ ،‬والمراثي‪ ،‬والحر ّ‬
‫ّ‬ ‫يخيات‪ ،‬و‬
‫والتار ّ‬
‫النسائيات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والحر ّبيات‪ ،‬و‬
‫محمد مهدي الجواهري‬

‫ُولد محمد مهدي بن الحسين بن عبد علي بن صاحب الجواهر الشـيخ محمد حسن‬
‫في النجف في سنة ‪ 1899‬ودرس في المدرسـة العلوية ثم أخذ علوم اللغة واألدب‬
‫عن كبار مشايخ الغري‪ ،‬ونبغ في الشعر مبك ار‬

‫تحدر من أسرة نجفية محافظة عريقة في العلم واألدب والشعر تُعرف بآل الجواهر ‪،‬‬
‫ّ‬
‫نسبة إلى أحد أجداد األسرة والذي يدعى الشيخ محمد حسن صاحب الجواهر ‪،‬‬
‫والذي أّلف كتاباً في الفقه واسم الكتاب "جواهر الكالم في شرح شرائع اإلسالم " ‪.‬‬
‫وكان لهذه األسرة ‪ ،‬كما لباقي األسر الكبيرة في النجف مجلس عامر باألدب واألدباء‬
‫‪.‬‬ ‫والعلمية‬ ‫األدبية‬ ‫الشخصيات‬ ‫كبار‬ ‫يرتاده‬
‫ق أر القرآن الكريم وهو في هذه السن المبكرة وتم له ذلك بين أقرباء والده وأصدقائه‪،‬‬
‫درسين كبار ليعلموه الكتابة والقراءة‪ ،‬فأخذ عن شيوخه النحو‬
‫ثم أرسله والده إلى ُم ّ‬
‫والصرف والبالغة والفقه وما إلى ذلك مما هو معروف في منهج الدراسة آنذاك ‪...‬‬
‫وخطط له والده وآخرون أن يحفظ في كل يوم خطبة من نهج البالغة وقصيدة من‬
‫ديوان المتنبي ليبدأ الفتى بالحفظ طوال نهاره منتظ اًر ساعة االمتحان بفارغ الصبر ‪،‬‬
‫وبعد أن ينجح في االمتحان يسمح له بالخروج فيحس انه ُخلق من جديد ‪ ،‬وفي‬
‫المساء يصاحب والده إلى مجالس الكبار‬

‫أظهر ميالً منذ الطفولة إلى األدب فأخذ يق أر في كتاب البيان والتبيين ومقدمة ابن‬
‫خلدون ودواوين الشعر ‪ ،‬ونظم الشعر في سن مبكرة ‪ ،‬تأث اًر ببيئته ‪ ،‬واستجابة لموهبة‬
‫‪.‬‬ ‫كامنة فيه‬

‫▪‬ ‫كان قوي الذاكرة ‪ ،‬سريع الحفظ ‪ ،‬ويروى أنه في إحدى المرات وضعت أمامه‬
‫ليرة ذهبية وطلب منه أن يبرهن عن مقدرته في الحفظ وتكون الليرة له‪ .‬فغاب‬
‫الفتى ثماني ساعات وحفظ قصيدة من (‪ )450‬بيتاً واسمعها للحاضرين وقبض‬
‫‪.‬‬ ‫الليرة‬
‫كان أبوه يريده عالماً ال شاع اًر ‪ ،‬لكن ميله للشعر غلب عليه ‪ .‬وفي سنة ‪،1917‬‬
‫توفي والده وبعد أن انقضت أيام الحزن عاد الشاب إلى دروسه وأضاف إليها درس‬
‫البيان والمنطق والفلسفة‪ ..‬وق أر كل شعر جديد سواء أكان عربياً أم مترجماً عن‬
‫‪.‬الغرب‬

‫وكان في أول حياته يرتدي العمامة لباس رجال الدين ألنه نشأ نشأةً دينيه محافظة ‪،‬‬
‫واشترك بسب ذلك في ثورة العشرين عام ‪1920‬م ضد السلطات البريطانية وهو‬
‫‪.‬مرتدي العمامة‬

‫محمد مهدي الجواهري شاع اًر‬

‫بدأ الجواهري بنشر قصائده في بغداد منذ سـنة ‪ 1921‬وفي سنة ‪ 1923‬نشر كتيباً‬
‫عنوانه "حلبة األدب" يتضمن معارضاته لقصائد متنوعة لعدد من كبار الشعراء‬
‫‪.‬المعاصـرين‬

‫أنتقل الجواهري إلى بغداد سـنة ‪ّ 1927‬‬


‫فعين معلماً في بعض المدارس االبتدائية وفي‬
‫هذه الفترة حدثت مشكلته المشهورة مع األستاذ العالمة ساطع ألحصري‬
‫ذم فيها العراق ومدح إيران‪ ،‬فاتهم‬
‫مدير المعارف العام على أثر نشر قصيدة له ّ‬
‫بالشعوبية وفصل من وظيفته ولكن وزير المعارف الذي كان يرعاه ويلتزم جانبه‬
‫توسـط في تعيينه بوظيفة كاتب في البالط الملكـي‪ .‬وبعد ثالث سـنوات استقال‬
‫الجواهري من الوظيفة وأصدر جريدة الفرات في سنة ‪ 1930‬ثم أُعيد إلى التعليم في‬
‫أواخر السنة التالية ثم نقل إلى وظيفة في ديوان و ازرة المعارف فمدرسـاً في إحدى‬
‫‪.‬المدارس الثانويـة‬

‫عمل الجواهري فترة قصيرة في بالط الملك فيصل األول عندما توج ملكا على‬
‫العراق‪ ,‬واستقال عام ‪ 1930‬وأصدر صحيفة "الفرات"‪ .‬ثم ألغت الحكومة امتيازها‬
‫‪.‬فبقي من دون عمل حتى عين معلما بمدرسة المأمونية في بغداد أواخر عام ‪1931‬‬

‫وفي سـنة ‪ 1932‬توفي أحمد شـوقي وتزاحم الشعراء في كل قطر عربي لوراثة لقب "‬
‫أمير الشعراء" ولم تكن إمارة الشعر منصباً يتحتم ملؤه إذا ما أصبح شاغ اًر بوفاة‬
‫شاغله وإنما هو لقب شـخصي منح ألحمد شـوقي وانتهى بوفاته‪ .‬ومع ذلك فقد تزاحم‬
‫الشعراء على هذا اللقب وكثر المرشـحون له‪ .‬أما الجواهري فقد أرسـل باقة من شـعره‬
‫إلى الدكتور طه حسين ليقرأه ويزكيه عله يرشـحه لإلمارة الشاغرة‪ .‬وكان ذلك من‬
‫مظاهر طموح الشاعر الشاب وثقته بنفسـه‪ .‬وعلّق " الزيات " على ذلك قائـالً إن طه‬
‫‪.‬حسـين أعجب بشعر الجواهري وبقي هذا اإلعجاب يتزايد حتى آخر أيام طه حسـين‬

‫"في عام ‪ 1935‬أصدر ديوانه الثاني باسم " ديوان الجواهري‬

‫استقال الجواهري من التدريس نهائياً في سنة ‪ 1936‬واتهم بنشر القصائد السياسية‬


‫عرض فيها بو ازرة ياسين الهاشمي فارتأى وزير الداخلية رشـيد‬
‫في جريدة " اإلصالح" ّ‬
‫عالي الكيالني إحالة الجواهري إلى المجلس العرفي العسكري إال أن رئيس الوزراء‬
‫ياسـين الهاشـمي بما اتصف به من سـعة الصدر والحلم لم يوافق على ذلك فاسـتدعى‬
‫الجواهري ووعده بأنه يرشـحه إلحدى النيابات الشاغرة عن لواء كربالء وقبل أن يتم‬
‫ذلك وقع انقالب بكر صدقي الذي أسقط و ازرة ياسـين الهاشـمي فسارع الجواهري إلى‬
‫تأييده وأصدر جريدة اسـمها " االنقالب" أيد على صفحاتها و ازرة بكر صدقي ومدح‬
‫رئيسها وهاجم و ازرة ياسـين الهاشمي ولكن و ازرة االنقالب لم ترشـح الجواهري نائباً في‬
‫االنتخابات التي أجرتها كما كان يتوقع بل إنها اسـتغلت بعض ما نشره في جريدته‬
‫‪.‬فأحالته على المحاكم وصدر الحكم عليه بالسجن بضعة أشـهر‬

‫بعد خروج الجواهري من السـجن اختار لجريدته اسـماً جديداً هو " الرأي العام" وكانت‬
‫و ازرة بكر صدقي قد اسـتقالت بعد مقتل قائد االنقالب بكر صدقي وأُقيمت لياسـين‬
‫الهاشـمي حفلة تأبينية كبرى شـارك فيها عدد من كبار شـعراء العربية وخطبائها‬
‫وطلب الجواهري أن يلقي فيها قصيدة في رثاء ياسـين فرفض طلبـه‪ .‬وأيد الجواهري‬
‫حركة أيار (مارس) ‪ 1941‬المعروفة بحركة رشـيد عالي الكيالني فلما فشلت الحركة‬
‫سافر إلى إيران ثم عاد في السنة نفسـها واسـتأنف إصدار " الرأي العام" ونهج فيها‬
‫نهجاً يسارياً واضحاً‪ ،‬وعوتب الجواهري في حينه القتصاره في قصائده على مدح‬
‫‪.‬الجيش األحمر وانتصاراته‬

‫عاد الجواهري إلى بغداد في تموز سنة ‪ 1957‬وفي السنة التالية وقع االنقالب‬
‫العسكري بقيادة عبد الكريم قاسم فتحمس له الجواهري وأيده بشعره وأعاد إصدار‬
‫"الرأي العام" وانحاز إلى اليساريين وساير الشـيوعيين وانتخب رئيساً التحاد األدباء‬
‫ونقيباً للصحافيين‪ .‬وواجه مضايقات مختلفة فغادر العراق عام ‪ 1961‬إلى لبنان ومن‬
‫‪.‬هناك استقر في براغ ضيفاً على اتحاد األدباء التشيكوسلوفاكيين سبعة أعوام‬

‫عاد إلى بغداد في تشـرين األول (أكتوبر (سنة ‪ 1968‬فأُعيد انتخابه رئيساً التحاد‬
‫األدباء العراقيين عند إعادة وخصصت له الحكومة راتباً تقاعدياً قدره ‪ 150‬دينا اًر في‬
‫‪.‬الشهر‬

‫في عام ‪ 1969‬صدر له في بغداد ديوان "بريد العودة" ‪ .‬في عام ‪ 1971‬أصدرت له‬
‫و ازرة اإلعالم ديوان " أيها األرق" ‪.‬وفي العام نفسه رأس الوفد العراقي الذي م ّثل‬
‫العراق في مؤتمر األدباء العرب الثامن المنعقد في دمشق وفي العام نفسه أصدرت‬
‫"له و ازرة اإلعالم ديوان"خلجات‬

‫‪ .‬في عام ‪ 1973‬رأس الوفد العراقي إلى مؤتمر األدباء التاسع الذي عقد في تونس‬
‫بلدان عديدة فتحت أبوابها للجواهري مثل مصر‪ ،‬المغرب‪ ،‬واألردن ‪ ،‬وهذا دليل على‬
‫مدى االحترام الذي حظي به ولكنه اختار دمشق واستقر فيها واطمأن إليها ‪ ,‬كرمه‬
‫الرئيس الراحل «حافظ األسد» بمنحه أعلى وسام في البالد‬

‫وتوفي الجواهري في السابع والعشرين من تموز ‪ ، 1997‬ودفن في دمشق بسوريا‬


‫التي قضى بها آخر أيام حياته ورحل بعد أن تمرد وتحدى ودخل معارك كبرى‬
‫وخاض غمرتها واكتوى بنيرانها فكان بحق شاهد العصر الذي لم يجامل ولم يحاب‬
‫‪ ...‬أحداً رحل وهو حزين مثل حزن العراق ويصف حاله في أبيات قيمة في المعنى‬

‫وال تعجبوا أن القوافي حزينة *** فكل بالدي في ثياب حداد‬

‫وما الشعر إال صفحة من حياتها *** وما أنا إال صورة لبالدي‬

‫وكان وقع خبر وفاته كبي ار خصوصا على العراقيين والمثقفين واألدباء من العرب‬
‫كيف ال وقد لقبه النقاد بشاعر العرب األكبر ومتنبي العصر وصناجة العرب في‬
‫القرن العشرين‬

‫▪‬ ‫وقد ولد الجواهري وتوفي في نفس الشهر‪ ،‬وكان الفارق يوماً واحداً مابين عيد‬
‫ميالده ووفاته‪ .‬فقد ولد في السادس والعشرين من تموز عام ‪ 1899‬وتوفي في‬
‫‪.‬السابع والعشرين من تموز ‪1997‬‬
‫األرو ِع‬ ‫ــج ِع َت َن َّـوَر باألبَلـ ِج‬ ‫ِ‬
‫▪‬
‫َ‬ ‫اك من َم ْض َ‬‫اء لمثو َ‬ ‫ف َد ً‬
‫َﻀ َـو ِع‬ ‫نـان ُر ْو َحاً ومن ِم ْس ِكها أ ْ‬ ‫بأعبق من َن ِ‬
‫فحات ِ‬
‫الج ِ‬
‫▪‬
‫َ‬
‫▪‬ ‫ألرﻀ َك ِمن َم ْص َـر ِع‬ ‫ور ْعياً ليو ِم َك يومِ “الطُّفوف” وس ْقياً ِ‬
‫َ َ‬ ‫ََ َ‬
‫س النفوس على َن ْه ِج َك َّ ِ‬ ‫عليك ِب َح ْب ِ‬
‫▪‬ ‫الم ْهَيـ ِع‬‫النّي ِـر َ‬ ‫َ‬ ‫وح ْزناً‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫▪‬ ‫اآلن لم ُي ْش َفـ ِع‬ ‫ين َف َّـذاً ‪ ،‬إلى َ‬ ‫الوْتُر في الخالد َ‬ ‫فيا ُّأيها ِ‬
‫وب ِ‬ ‫ِ‬
‫▪‬ ‫قبـر َك من َم ْف َـز ِع‬ ‫ـور َك ُ‬ ‫للحتوف ُ‬ ‫تعاليت من ُم ْف ِز ٍع ُ‬‫َ‬
‫▪‬ ‫ام ِـة ِم ْن َب ْل َقـ ِع‬ ‫الكَر َ‬
‫يـم َ‬
‫يم َنس ُ‬
‫الن ِس ِ‬
‫اك َف َه َّب َّ ُ‬ ‫َش َم ْم ُت َثَر َ‬
‫اء َّ‬‫كأن ي َداً ِم ْن ور ِ‬
‫اإلص َبـ ِع‬
‫ـورَة ْ‬ ‫اء ” َم ْب ُت َ‬ ‫الض ِري ِح حمر َ‬ ‫ََ‬ ‫َّ َ‬ ‫▪‬

‫جماعة الديوان النشأة والصلة بالثقافتين األوروبية والعربية‬ ‫▪‬


‫تألفت جماعة الديوان من ثالثة شبان مصريين‪ ،‬نشأوا عند مطلع القرن‬ ‫▪‬

‫العشرين غاضبين عاكفين على الذات ‪ ،‬وعُرفوا في البدء بأصحاب "المدرسة‬


‫االنكليزية" ‪ ,‬لكنهم اشتهروا باسم (جماعة الديوان) ارتباطا ً بكتاب (الديوان)‬
‫الذي أصدره (العقاد) و(المازني) في العام ‪.1921‬‬
‫تمردهم على التقاليد التي اثقلت الشعر إلى االرتباط بجوانب كثيرة‬ ‫وقادهم ّ‬ ‫▪‬

‫من الثقافة الغربية الحديثة‪ ،‬مستلهمين منها امورا ً كثيرة‪ ،‬والسيما حداثة الشعر‬
‫الغربية‪ ،‬والرؤية الشعرية الغربية‪ ،‬ثم اتخذوا النقد مجاالً يحققون من خالله‬
‫حريتهم‪ ،‬ويؤسسون حركتهم النقدية‪ ...‬فثاروا نقديا ً على مبادئ ما سماه عدد‬
‫من النقاد (الكالسيكية المحدثة) واحتجوا على اصحابها والسيما (أحمد‬
‫شوقي)‪ ,‬محاولين تحطيم قيودها ‪ ,‬وجاءوا بمبادئ جديدة مناقضة‪ ،‬مشابهين‬
‫بذلك ما فعله الرومانسيون حينما بدأوا يعلون من شأن الخيال والعاطفة‬
‫ويزدرون العقل ‪ ،‬فشددوا على الشعر بوصفه تعبيرا ً فنيا ً يقوم – بحسب‬
‫مايرون‪ -‬على العاطفة ويستلهم الخيال ويعبر عن التجارب الفردية‪ ،‬في حين‬
‫تهدف الكالسيكية إلى المحاكاة والتقليد‪.‬‬
‫ويعد ارتباط شعراء الديوان بشعراء الرومانسية الغربية أمرا ً طبيعياً‪ ،‬على‬ ‫▪‬

‫الرغم من أنه لم يكن مقصورا ً على التأثر واإلعجاب ‪ ،‬ألنهم وجدوا أن‬
‫الحركة الرومانسية هي الوعاء الذي يحتضن قيمهم وأفكارهم الحديثة‪ ...‬وقد‬
‫أكد (العقاد) سعة اطالعهم على آداب الغرب عامة‪ ،‬وأدب االنجليز خاصة‪,‬‬
‫و كان اطالعهم على اآلداب األوربية واطالعهم على المذاهب األدبية المختلفة‬
‫‪ ،‬حافزا ً دفعهم إلى كسر نطاق القديم واالنطالق نحو أجواء التجديد والحداثة ‪.‬‬
‫وكان سببا ً في امتالكهم نظرة نقدية متقدمة على النظرة النقدية‬ ‫▪‬

‫لمعاصريهم‪ ،‬تمثلت بالخروج عن الموروث التقليدي والدخول إلى عالم جديد‬


‫مجهول لكتابة الشعر وتقويمه ‪ ,‬ومن هنا كانت ثورتهم تتمتع بصفتين‬
‫رئيستين‪ :‬االولى‪ :‬انها ثورة جاءت بوقتها ضد قيود المدرسة الكالسيكية‬
‫المحدثة‪ ،‬والثانية‪ :‬انها ثورة مذهلة ومفاجئة الحدوث ‪ ،‬ألنها تحررت تحررا ً‬
‫كامالً من اآلراء والمفاهيم الراسخة في العقول ‪.‬‬
‫ولما لم تنقطع هذه الجماعة عن التراث العربي انقطاعا ً تاما ً ولم‬ ‫▪‬

‫تنفصل ولم تستقل تماما ً عن الشعر العربي القديم اذ احتفظت بعناصر من هذا‬
‫الموروث ولم تنكره – مع انها كانت اوثق ارتباطا ً بالموروث الشعري‬
‫الغربي من ارتباطها بالموروث الشعري العربي – أصبح من البديهي ان نعد‬
‫ما قام به شعراء الديوان بالثورة على القديم‪ ،‬انسجاما ً معه‪ ،‬وتكملة له‪،‬‬
‫والسيما ان عددا ً من اسالفنا ادركوا أهمية التجديد‪ ،‬وحاربوا في سبيله‪،‬‬
‫وكسروا اطواقا ً كثيرة‪ ،‬ومهدوا له‪.‬‬
‫ولما كان أصحاب الديوان شديدي االعجاب بشعراء المدرسة‬ ‫▪‬

‫الرومانسية االنكليزية من حيث االندماج بالطبيعة رفضوا نظرية المحاكاة‬


‫والتقليد كما قال بها الكالسيكيون‪ ،‬من حيث ان الفن يحاكي الطبيعة كما هي‪،‬‬
‫ومالوا إلى النظرية الرومانسية التي تهدف إلى ان تكون الطبيعة هي مصدر‬
‫فوصفوا –‬ ‫الشعر‪ ،‬واتخذوا كتاب (الكنز الذهبي) مرجعا ً لكثير من مختاراتهم ُ‬
‫على ذلك وغيره‪ -‬بأنهم جيل رومنسي المنزع‬
‫ا لوسائل التي اعتمدتها جماعة الديوان للتأصل مفهوم حداثتها‬ ‫▪‬

‫الشعرية‬
‫حين شعر جماعة الديوان بأهمية ما يحملون من افكار تجديدية تغاير‬ ‫▪‬

‫المفاهيم السائدة ‪ ,‬راحوا يبحثون – متنبهين على التقدم التقني في وسائل‬


‫االعالم ووسائط التوصيل – عن طرائق إرسال توصل ما يحملون إلى‬
‫المتلقي فاتجهوا أوالً صوب المجالت مثل البيان‪ ،‬وصوب الصحب مثل‬
‫الجريدة ‪ ،‬وكتبوا فيها‪ ،‬وقد اسهمت تلك الكتابة في ظهور مالمح هذه المدرسة‬
‫للوجود اذ أخذت مالمح المذهب الجديد في الشعر والنقد تتجلى في االفق‬
‫‪ -‬ثم اتجهوا صوب دواوينهم الشعرية وكتبوا مقدمات لها يبشرون فيها‬ ‫▪‬
‫بآرائهم التي تعلن تمردهم في وجه القصيدة العربية التقليدية شكالً ومضمونا ً‬
‫وبنا ًء ولغة ‪ ,‬فعدّت هذه المقدمات أقوى طرائق ارسالهم لدعوات الحداثة‬
‫والتجديد‪ ،‬إذ التحم النقد بالفن‪ ،‬مما كان له تأثير واسع في حركة النقد العربي‬
‫خالل النصف االول من القرن العشرين‬
‫فحين أراد (المازني) نشر ديوانه استغل هو و(العقاد) هذه الفرصة‬ ‫▪‬

‫ليشكال منها طريقة إرسال من خالل كتابة مقدمة فكتبها (العقاد) وعبّر فيها‬
‫عن آراء نقدية كثيرة محدثا ً هزة في دنيا األدب والنقد في مصر ‪ ،‬راسما ً‬
‫لنفسه ولغيره منهج مدرسة التجديد‬
‫واستغل (العقاد) هذه الطريقة مرة اخرى حينما كتب مقدمة للجزء الثاني‬ ‫▪‬

‫من ديوان (شكري) مهتما ً بمفهوم الشعر‪ .‬وقد تصدى (المازني) بنفسه لكتابة‬
‫مقدمة الجزء الثاني من ديوانه‪ ،‬ومقدمة ديوان (العقاد)‪ ،‬عارضا ً فيهما جملة‬
‫من أفكاره النقدية‪.‬‬
‫ولم يكن (عبد الرحمن شكري) بمنأى عن كتابة مقدمات الدواوين‪ ،‬فقد‬ ‫▪‬

‫كتب مقدمات دواوينه ‪ ،‬وعدت مقدمته لديوانه الخامس (الخطرات) وثيقة‬


‫تاريخية نقدية في شرح مذهب مدرستهم مستقيا ً مادتها من النظرية‬
‫الرومانسية االنكليزية ‪ ,‬وقد اتضح مما جاء في مقدمات دواوينهم انه كان‬
‫توضيحا ً وتفسيرا ً آلرائهم التجديدية‪.‬‬
‫‪ -‬ولم يكتف جماعة الديوان بالمجالت والصحف ومقدمات الدواوين‬ ‫▪‬

‫طرائق لعرض افكارهم‪ ،‬بل زادوا عليها أيضا ً طرائق اخرى‪ ،‬وكان الكتاب‬
‫النقدي طريقة مهمة منها وقد تمثل عند (العقاد) و(المازني) بالكتاب المشهور‬
‫(الديوان) الذي مثل صدوره بداية الصراع الحقيقي والتحول الجوهري بين‬
‫القديم والجديد في االدب والنقد ‪ ،‬ويعد الديوان كتابا ً نقديا ً تطبيقياً‪ ،‬جسّد فيه‬
‫(العقاد) و(المازني) فلسفتهما الشعرية الثائرة في وجه القديم‪ ،‬وحدّدا فيه عددا ً‬
‫من المفاهيم األدبية الجديدة‪ ،‬وحدّدا فيه وجهتهما في اإلبانة عن المذهب‬
‫الجديد في الشعر والنقد والكتابة‪ ،‬وتمثل الكتاب النقدي عند (المازني)‬
‫بـ(حصاد الهشيم) و(الشعر غاياته ووسائطه) ‪ ،‬موضحا ً فيهما آراءه النقدية‪،‬‬
‫ويمثل كتابه الثاني (الشعر غاياته ووسائطه)‪-‬الصادر عام ‪ 1915‬كتابا ً نقديا ً‬
‫نظر (المازني) فيه إلى الشعر وطبيعته واهدافه نظرة جديدة من خالل آراء‬
‫النقاد الغربيين ‪.‬‬
‫‪ -‬واستغلوا الشعر نفسه طريقة إلرسال دعواتهم التجديدية ‪ ,‬ونفهم من هذا‬ ‫▪‬

‫ايضا ً أنهم سعوا إلى بث أفكارهم ومفاهيمهم عن طريق التنظير والتطبيق‪،‬‬


‫وقد تجلى التنظير في كتابة مقدمات الدواوين وفي كتابة المقاالت الصحفية‪،‬‬
‫وتجلى التطبيق في تأليف الكتب النقدية‪ ،‬وفي انشاء شعر حاولوا فيه ان‬
‫يطبقوا ما دعوا إليه‪.‬‬
‫مفهوم الحداثة وعناصرها عند جماعة الديوان‬ ‫▪‬

‫إن حداثة مدرسة الديوان انمازت بأفكارها التحديثية التي جاءت بطرائق‬ ‫▪‬

‫ارسالهم المختلفة‪ ،‬وقارئ مادة هذه الطرائق يجد بأن افكارهم هذه ال تبتعد‬
‫عن المرجع األوربي والمرجع العربي‪ ،‬لكنها لم تكن في المرجعين مرتبطة‬
‫بعالقات فيما بينها في ضمن بنية واحدة‪ ،‬والذي قام به شعراء الديوان هو‬
‫عملية مزاوجة بين افكار المرجعين لتكوين بنية واضحة تتألف من مجموعة‬
‫من العناصر التي تقوم عليها حداثتهم‪ .‬واهم عناصر بنية مفهوم الحداثة عند‬
‫مدرسة الديوان هي‪:‬‬
‫‪ .1‬الذاتية‪:‬‬ ‫▪‬

‫إ ن الذاتية التي طالب بها (العقاد) تعني ان يعبر الشاعر عن ذات نفسه‬ ‫▪‬

‫بكل دقة وصدق بحيث يستطيع المرء ان يكتشف شخصية الشاعر من خالل‬
‫شعره ‪ ،‬ولذلك يرى ان شعر الصنعة في شعر (احمد شوقي) ارتفع إلى‬
‫ذروته العليا وان شعر الشخصية هبط إلى حيث ال تبين لمحة من المالمح وال‬
‫قسمة من القسمات التي يتميز بها انسان عن سائر الناس ‪.‬‬
‫‪ .2‬الصدق واإلخالص ‪:‬‬ ‫▪‬
‫صب (العقاد) اهتماما ً كبيرا ً على قضية الصدق واالخالص في مقدمته‬ ‫▪‬

‫لديوان (المازني) ‪ ،‬وأكد "ان شعر الطبع واالخالص غير شعر الصنعة‬
‫والتقليد واهتم بهذا المبدأ ايضا ً في كتابه (شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل‬
‫الماضي) اذ أراد من الشاعر أن يعبر عن ذات نفسه بكل دقة وصدق بحيث‬
‫يستطيع المرء ان يكتشف شخصية الشاعر من خالل شعره ‪ ،‬وأن يعبر عن‬
‫العواطف االنسانية الصادقة الن "الشاعر من يشعر بجوهر االشياء ‪ ،‬ال َمن‬
‫يعددها‪ ،‬ويحصي أشكالها والوانها‪.‬‬
‫‪ .3‬مهاجمة التقليد والمحاكاة ‪:‬‬ ‫▪‬

‫هاجم (العقاد) التقليد والمحاكاة في الشعر ‪ ،‬وجعله أحد مثالب شعر شوقي‬ ‫▪‬

‫ورأى في تكرار شوقي للقوالب اللفظية والمعاني تقليدا ً ‪ ,‬ورأى (العقاد) أن‬
‫آفة التقليد والمحاكاة في االدب العربي قتلت فيه البراعة والصدق ‪ ،‬والشاعر‬
‫المصاب بهذه اآلفة ما هو اال من ينسى نفسه وشعوره الداخلي‪ ،‬ويأخذ برأي‬
‫غيره‪ ،‬من غير نظر وبصيرة‪ ،‬خالف الشاعر التلقائي الذي يأتي بشعر صادق‬
‫الشعور وبتعابير جميلة ولهذا نقد (العقاد) شعراء التقليد المعاصرين له في‬
‫مقدمته لديوان (شكري)‪ ،‬اذ قال‪" :‬ليس لشعر التقليد فائدة قط‪ ،‬وقل ان يتجاوز‬
‫أثره القرطاس الذي يكتب فيه او المنبر الذي يلقى عليه‪ ،‬وشتان ما بين كالم‬
‫هو قطعة من نفس‪ ،‬وكالم هو رقعة في طرس‪.‬‬
‫‪ .4‬إعالء شأن الخيال والعاطفة ‪:‬‬ ‫▪‬

‫لم يرق شعر شوقي للعقاد ألنه يزخر بالصنعة وال يعبر عن العواطف‬ ‫▪‬

‫االنسانية الصادقة ‪ ،‬والن الشعر عند (العقاد) ال يصدر إالّ عن الخيال‬


‫والعاطفة فهو صناعة توليد العواطف الصادقة ‪ ،‬والشاعر هو من يَ ْشعُر‬
‫ويُ ْشعر‪ ,‬وهو من يشعر بجوهر االشياء ال من يحصي الوانها واشكالها ‪،‬‬
‫بمعنى ان الشعر هو الفن الذي يعبر عن الوجدان والعاطفة‪ ,‬اما دور الخيال‬
‫في الشعر‪ ،‬فيقول (العقاد)‪" :‬إنه ملكة تعين على الصدق والصواب" ‪.‬‬
‫‪ .5‬الوحدة العضوية ‪:‬‬ ‫▪‬

‫ت ضمن كتاب (الديوان) دعوة (العقاد) و(المازني) للوحدة العضوية‬ ‫▪‬

‫للقصيدة ‪ ،‬اذ جاء فيه‪" :‬ان القصيدة ينبغي ان تكون عمالً فنيا ً تاماً‪ ،‬يكمل فيها‬
‫تصوير خاطر أو خواطر متجانسة كما يكمل التمثال بأعضائه‪ ،‬والصورة‬
‫بأجزائها‪ ،‬واللحن الموسيقي بأنغامه‪ ،‬بحيث اذ اختلف الوضع‪ ،‬أو تغيرت‬
‫النسبة أخل ذلك بوحدة الصنعة وأفسدها"‪ ,‬وأريد بتلك الوحدة أالّ تكون‬
‫القصيدة أشبه بحبات الرمل بحيث يمكن نثرها‪ ،‬أو يمكن التقديم والتأخير‬
‫واعادة تشكيلها كما فعل (العقاد) مع احدى قصائد شوقي وهذا يعني انه دعا‬
‫– في مجال بناء القصيدة العربية الحديثة – إلى رفض التفكك الذي يحيل‬
‫القصيدة إلى مجموع مبدد ال تربطه وحدة معنوية صحيحة ‪.‬‬
‫ومن المبادئ االخرى التي اهتمت بها جماعة الديوان‪:‬‬ ‫▪‬

‫ان نص (العقاد) السابق في كتابه المشترك مع‬ ‫أ‪ .‬الوحدة الموضوعية‪:‬‬ ‫▪‬

‫(المازني) (الديوان)‪ ،‬يكشف لنا عن دعوته للوحدة العضوية أو الفنية كما‬


‫يسميها بعض النقاد ‪ ,‬اما اهتمامه بالوحدة الموضوعية فضالً عن الوحدة‬
‫العضوية‪ ،‬فقد عبر عنه في كتابه (ابن الرومي حياته من شعره)‪ ،‬فقصائده‬
‫(موضوعات) كاملة تقبل العناوين وتنحصر فيها األغراض وال تنتهي حتى‬
‫ينتهي مؤداها وتفرغ جميع جوانبها واطرافها‪ ،‬ولو خسر في ذلك اللفظ‬
‫والفصاحة"‪ ,‬وفي مثل هذا الفهم ذهب (المازني) إلى أهمية ان "تكون القصيدة‬
‫عمالً فنيا ً تاما ً قائما ً على فكرة معينة ليس الشاعر فيها مسوقا ً بباعث مستقل‬
‫عن النفس"‪ ,‬فالوحدة الموضوعية التي دعا اليها شعراء الديوان هي وحدة‬
‫تدور حول موضوع واحد معين داخل القصيدة ‪.‬‬
‫ب‪ .‬االهتمام بالموضوعات البسيطة‪ :‬أهتم (العقاد) بوصف االشياء البسيطة‬ ‫▪‬

‫في شعره‪ ،‬وبشعر من يصف تلك االشياء مثل ابن الرومي ‪ ,‬وقد اخرج‬
‫(العقاد) ديوان (عابر سبيل) عام ‪ ،1937‬واصدره بمقدمة في (الموضوعات‬
‫الشعرية يقول في مقدمته ‪" :‬ليست الرياض وحدها وال البحار وال الكواكب‬
‫هي موضوعات الشعر الصالحة [‪ ]...‬كل ما نخلع عليه من احساسنا ونفيض‬
‫عليه من خيالنا ونتخلله بوعينا ونبث فيه من هواجسنا وأحالمنا ومخاوفنا هو‬
‫شعر وموضوع للشعر ألنه حياة وموضوع للحياة‪ .‬وعلى هذا الوجه يرى‬
‫(عابر سبيل) شعرا ً في كل مكان اذا أراد ‪.‬‬
‫ج‪ .‬الشمولية ‪ :‬م ن االفكار التي ناقشها (شكري) في مقدمته لديوانه الخامس‬ ‫▪‬

‫(الخطرات)‪ ،‬فكرة الشمولية اذ يرى ان على الشاعر ان يكتب لكل النفوس في‬
‫كل عصر‪ ،‬واينما تكون‪ ،‬وأالّ يقتصر على امة او قرية‪ ،‬وان يكتب لكل يوم‬
‫وكل دهر‪.‬‬
‫▪‬ ‫عبد الرحمن شكري‬
‫▪‬ ‫سسي مدرسة الديوان ال ّ‬
‫شعرية‪،‬‬ ‫صري‪ ،‬وأح ُد ُمؤ ّ‬ ‫شاعر م ْ‬
‫ٌ‬ ‫عبد الرحمن شكري‪:‬‬
‫اعر الذي أنز َل العق َل من على‬
‫ش ُ‬ ‫صفتْه الدكتورة «سهير القلماوي» بأنه ال َّ‬ ‫و َ‬
‫يرفض حدو َد الزمان والمكان‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تحر ٌر‬ ‫عرشه في إلهام ال ُّ‬
‫شعراء؛ فش ْع ُره خيا ٌل ُم ّ‬ ‫َ‬
‫فتحو ْ‬
‫لت به من‬ ‫َّ‬ ‫شعر العربي؛‬‫أشعاره نَقلةً ت َجديديةً في مضمون ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫وقد أحدث َ ْ‬
‫ت‬
‫‪.‬شاطئ العقل إلى بحر الخيال‬
‫▪‬ ‫عام ‪١٨٨٦‬م‪ ،‬ألسرةٍ ذات أصو ٍل‬
‫ُول َد «عبد الرحمن شكري عيَّاد» ببورسعيد َ‬
‫ُ‬
‫حيث كانَ لزوجة أخيه «أحمد‬ ‫ور ُمؤث ّ ٌر في حياته؛‬
‫َمغربية‪ ،‬وقد كانَ لها َد ٌ‬
‫شكري» — ال ُمولَعة برواية الحكايات واألساطير — ٌ‬
‫دور في إثراء خياله‪،‬‬
‫شعر‬ ‫‪.‬كما كانَ في مكتبة أبيه ما يُرضي نَ َه َمه من َدواوين ال ّ‬
‫▪‬ ‫شهادة َ االبتدائية‪ ،‬ث ُ َّم انتق َل‬
‫ص ًال من عُمره م َع أبيه ببورسعيد حتى نا َل ال َّ‬ ‫قَضى فَ ْ‬
‫ت‬
‫سنوا ٍ‬ ‫ظ َّل بها أرب َع َ‬ ‫إلى اإلسكندرية ليَلتحقَ ب َمدْرسة رأس التين الثانوية التي َ‬
‫شهادة َ الثانويةَ (البكالوريا)‪ ،‬ثُم ْالت َحقَ ب َمدْرسة الحقوق إبَّانَ احتدام‬ ‫لينا َل منها ال َّ‬
‫ف على «مصطفى كامل» زعيم الحركة‬ ‫التعر َ‬
‫ُّ‬ ‫ْ‬
‫أتاحت له‬ ‫الحركة الوطنية التي‬
‫حر ًرا بجريدة «اللّواء»‪،‬‬ ‫أن يعم َل ُم ّ‬ ‫ب منه ْ‬ ‫الو ْقت‪ ،‬والذي طلَ َ‬
‫الوطنية في ذلكَ َ‬
‫ع ْونًا له في‬ ‫أن َيلتحقَ بمدرسة ال ُمعلّمينَ ف َينه َل من َمعينها ليكونَ َ‬ ‫ص َحه ْ‬ ‫ون َ‬
‫صحافة‬ ‫‪َ .‬ميْدان ال َّ‬
‫▪‬ ‫عط َر «عبد الرحمن شكري» َر ْوضةَ األدب بالعديد من دواوينه‬ ‫َّ‬ ‫وقد‬
‫و«آللئ األ َ ْفكار»‪ ،‬و«أناشيد‬ ‫َ‬ ‫ض ْوء الفَجر»‪،‬‬ ‫وقصائده‪ ،‬ومنها‪ :‬ديوا ُن « َ‬
‫طرات»‪ ،‬و«األ َ ْفنان»‪ ،‬و«أ َ ْزهار‬ ‫الربيع»‪ ،‬و«ال َخ َ‬ ‫َّ‬ ‫صبا»‪ ،‬و«زَ ْهر‬ ‫ال ّ‬
‫الخَريف»‪ ،‬ونُشر ديوانُه الثام ُن بع َد َموته ضمنَ األعمال الكاملة‪ .‬بَدأ َ شاع ُرنا‬
‫عام ‪١٩٥٨‬م‬ ‫َ‬ ‫أن صا َده الموتُ‬ ‫عام ‪١٩٥٧‬م‪ ،‬إلى ْ‬ ‫صيف َ‬ ‫َ‬ ‫عه م َع المرض‬ ‫صرا َ‬

‫عبد الرحمن شكري‬ ‫▪‬

‫األستاذ عبد الرحمن شكري (‪ 1886‬ـ ‪ )1958‬هو في حقيقة األمر الضلع‬ ‫▪‬

‫األول في مثلث مدرسة الديوان التي ضمت معه األستاذين عباس العقاد‬
‫وإبراهيم المازني فقد كان عند نشأة المدرسة أكبرهم سنا وأكثرهم ثقافة كما‬
‫كان أكثرهم اطالعا حسب وصف األستاذ العقاد نفسه‪ ،‬لكنه كان صاحب نفس‬
‫شفافة هشة سهلة الكسر إذا ما قورنت بنفس األستاذ المازني العابثة المتقلبة‪،‬‬
‫وإذا ما قورنت بنفس األستاذ العقاد المعتدة المتجبرة‪ ،‬وقد هزمته الحياة من‬
‫ثغرة هذه النفس الشفافة الهشة التي كانت أميل لالنطواء وأميل للحزن وأميل‬
‫للغضب‪ ،‬ومن ثم كانت أميل إلى االعتزال والغربة وخصام المجتمع‪.‬‬
‫ولد األستاذ عبد الرحمن شكري في مدينة بورسعيد التي كانت حين ولد ال‬ ‫▪‬

‫تزال في شبابها الباكر إذا علمنا أنها تأسست مع حفر قناة السويس‪ ،‬وكان‬
‫والده موظفا في المدينة‪ ،‬وكان رجال مثقفا ُمحبا للشعر العربي القديم‪ ،‬وقد بدأ‬
‫األستاذ عبد الرحمن شكري دراسته في الكُتّاب ثم في المدرسة االبتدائية‬
‫وحصل على شهادتها ‪ 1900‬وانتقل إلى اإلسكندرية مع أسرته وحصل على‬
‫البكالوريا من مدرسة رأس التين ‪ 1904‬فانتقل إلى القاهرة والتحق بمدرسة‬
‫الحقوق‪.‬‬
‫كتاب "الذخيرة الذهبية"‬ ‫▪‬

‫درس األستاذ عبد الرحمن شكري في مدرسة المعلمين العليا كتاب "الذخيرة‬ ‫▪‬

‫الذهبية"‪ ،‬وتدارسه مع زميليه اللذين أُعجبا معه بالشعر اإلنجليزي والشعراء‬


‫اإلنجليز‪ ،‬وسرعان ما نال شكري بعثة إلى إنجلترا‪ ،‬حيث درس اإلنجليزية‬
‫وآدابها والتاريخ األدبي واالقتصاد والفلسفة في جامعة شيفلد وحصل على‬
‫درجة البكالوريوس من جامعة شيفلد في ‪ 3‬سنوات على نحو ما كان النظام‬
‫الجامعي البريطاني يتعامل مع خريجي المدارس العليا المصرية بتأهيلهم‬
‫للدرجة الجامعية األولى من إحدى جامعاته فيما يستغرق ثالث سنوات ‘ وفي‬
‫هذه السنوات تعمقت صلة شكري بالثقافة األوروبية واألدب اإلنجليزي‬
‫والشعر اإلنجليزي إلى حد لم يسبق إليه مصري ولم يلحق به فيما علمناه حتى‬
‫من األكاديميين الجامعيين التالين ‪.‬‬
‫وقد كان األستاذ عبد الرحمن شكري في صلته الناضجة بهذه الثقافة ُمتسلحا‬ ‫▪‬

‫بما تزود به منذ طفولته الباكرة والمميزة من الثقافة العربية األصيلة ‪ ،‬وهكذا‬
‫فإنه استطاع أن يضع أقدامه وأقدام زمالئه المصريين وأقدام تالميذه وتالميذ‬
‫زمالئه والقراء جميعا على أبواب التجربة اإلنسانية القادرة على التعبير عن‬
‫آفاق وأحداث وتفصيالت لم يكن لألدب العربي عهد بها بحكم اختالف‬
‫المجتمعات‪ ،‬كما أنه كان قادرا على أن يفتح العيون على أنماط جديدة من‬
‫مقاربات الفلسفات والحياة االجتماعية في مجتمعات ال ُمستعمرين اإلنجليز‬
‫على نحو يُعنى بالتجربة اإلنسانية ذاتها ‪.‬‬
‫اعتزاله الحياة‬ ‫▪‬

‫على كل حال فإن األستاذ عبد الرحمن شكري عاش العقدين األخيرين من‬ ‫▪‬

‫حياته (‪ 1938‬ـ ‪ ) 1958‬في انعزال تام عن المجتمع فأقام في بورسعيد حتى‬


‫‪ 1955‬ثم انتقل إلى اإلسكندرية وأقام بها حتى توفي في ‪ 15‬ديسمبر ‪،1958‬‬
‫ومما يُروى أن كثيرا من القراء لم يعرف أنه حي إال حين أذيع نبأ كاذب عن‬
‫وفاته ذات مرة‪ ،‬ربما نعرف (وليس لنا أن نعجب) أن األستاذ المازني كان‬
‫هو السبب (المباشر) في تفاقم نكبة شكري النفسية‪ ،‬فقد هاجم المازني زميله‬
‫األستاذ عبد الرحمن شكري هجوما قاسيا لم يكن له مبرر‪ ،‬واندفع المازني في‬
‫هجومه على شكري حتى أطلق عليه اسم‪ :‬صنم األالعيب واعتمد في هجومه‬
‫هذا على نصوص من كتاب األستاذ عبد الرحمن شكري النثري األول الذي‬
‫هو االعترافات ‪ 1916‬وقد ُ‬
‫صدم شكري من هجوم المازني صدمة لم يُفق‬
‫منها على الرغم من محاولة األستاذ المازني إصالح هذه الصدمة في كتابات‬
‫الحقة باعترافه بفضله وريادته دون جدوى ‪.‬‬
‫شعره‬ ‫▪‬

‫أما شعر األستاذ عبد الرحمن شكري فشعر متميز سابق لزمانه‪ ،‬يتفوق في‬ ‫▪‬

‫تأمالته الذاتية وتدبراته الباطنية وانعطافاته الرومانسية على شعر خليل‬


‫مطران والشعراء المهجريين‪ ،‬وال يخلو مما يعبر بوضوح عن لمعات‬
‫اإلحساسات الحادة المتوهجة فوق غالف من التشاؤم الكثيف‪ ،‬وقد نجح‬
‫شكري في توظيفه لتشبيهاته وكناياته واستعاراته ومجازاته وبيانه نجاحا‬
‫منقطع النظير‪ ،‬بيد أنه لم يشأ أن يهز قراءه بهذا النجاح الذي استوفى لنفسه‬
‫عناصر الجودة من دون أن يتباهى بها على القراء أو الشعراء ولو شاء لفعل‪،‬‬
‫وما كان هذا باألمر الصعب عليه إذا ما لجأ إلى تقنيات يعرفها الكتاب‬
‫المقتدرون من قبيل تقنيات النزعة الخطابية والنشوة بالمجد والتقديم والتأخير‬
‫وإعادة المزاوجة ومناقضة اإلسناد والمفارقة بين التعميم والتخصيص أو بين‬
‫أساليب القصر والتقنين …‪..‬الخ ‪.‬‬
‫كان شعر األستاذ عبد الرحمن شكري‪ ،‬كما نقول في علم أصول الصناعة‬ ‫▪‬

‫وكما نقول في وصف الصياغة‪ُ ،‬منتجا كامل الجودة ظاهر الشخصية حائزا‬
‫للتميز‪ ،‬لكنه في الوقت ذاته لم يكن مثيرا للمعارك أو الهجوم أو العدول‪ .‬ومما‬
‫يُذكر لألستاذ عبد الرحمن شكري ارتياده للشعر المرسل في ديوانيه األول‬
‫والثاني‪ ،‬فقد نشر في ديوانه األول قصيدة من الشعر المرسل ونشر في ديوانه‬
‫الثاني أربع قصائد مرسلة‪" :‬نابليون والساحر المصري" "واقعة أبي قير"‬
‫"لجنة الخراب" و"عتاب الملك البنه أمرئ القيس "‬
‫▪‬

‫نشأة مدرسة المهجر‬

‫النصف الثاني من القرن التَّاسع عشر كثُرت الهجرة من بالد الشام والتي‬
‫مع بداية ّ‬
‫تشمل لبنان وفلسطين وسوريا إلى بالد المهجر وهي أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية‬
‫الدولة العثمانية في تلك اآلونة‬
‫في تلك الفترة‪ ،‬ويعود سبب تلك الهجرة إلى ضعف ّ‬
‫فإنه لن يكون لها القدرة على إدارة البالد وأمور ّ‬
‫الناس‬ ‫الدولة في نهايتها ّ‬‫ولما تكون ّ‬
‫ّ‬
‫بشكل صحيح‪ ،‬فشاع الظلم و ّأدى ذلك إلى رغبة النَّاس بالهجرة من الوطن واالستقرار‬
‫لما وصل النَّاس إلى‬ ‫ٍ‬
‫أمانا يستطيعون الهروب به من شظف العيش‪ّ ,‬‬
‫في بلد أكثر ً‬
‫تلك البالد لم يجدوا المستقبل الوردي الذي كانوا يحلمون به‪ ،‬وانقسم ّ‬
‫الناس إلى‬
‫فالتم األدباء على بعضهم‬
‫األول في أمريكا الشمالية والثاني في الجنوبية‪ّ ،‬‬
‫قسمين ّ‬
‫فكل ٍ‬
‫أدب خرج‬ ‫المغتربين ّ‬
‫ونشأت لديهم فكرة ظهور مدرسة جديدة خاصة بالمهاجرين ُ‬
‫من عندهم كان هو أدب المهجر؛ ألنَّه كان نتاج ُ‬
‫المغتربين عن أرض الوطن‪ ،‬وهذا‬
‫هو الجواب عن سؤال لماذا سميت مدرسة المهجر بهذا االسم؟ فكان رائد مدرسة‬
‫المهجر في أمريكا الشمالية هو جبران خليل جبران وأطلقوا على أنفسهم اسم الرابطة‬
‫أما التي ظهرت في أمريكا الجنوبية فقد أُطلق عليها اسم العصبة األندلسية‬
‫القلمية‪َّ ،‬‬
‫أسسها شكر هللا الجر‪.‬‬
‫وقد ّ‬

‫أسباب ظهور مدرسة المهجر ما األمور التي دعت المهاجرين إلنشاء مدرسة‬
‫لألدب؟‬

‫ولعل من أهمها وأبرزها‪:‬‬


‫لقد كان وراء تأسيس مدرسة المهجر العديد من األسباب‪ّ ،‬‬

‫‪ -‬الحرية‪ :‬التماس األدباء في األمريكيتين الحرّية الكافية التي تُمكنهم من‬


‫عما في نفوسهم واإلبداع دون أن يقدم أحد على محاسبتهم‪.‬‬
‫التعبير ّ‬
‫سببا‬
‫‪ -‬االنحالل في اللغة العربية‪ :‬كان الخوف على اللغة العربية من الضياع ً‬
‫من أسباب ظهور مدرسة المهجر؛ وذلك بسبب انحالل المهاجرين مع‬
‫المجتمع األوروبي‪.‬‬
‫مكنهم‬
‫سببا أساسيًّا ّ‬
‫‪ -‬المحافظة على الهوية العربية واإلبداع األدبي‪ :‬وهذا كان ً‬
‫من االلتفاف حول بعضهم البعض في بالد الغربة‪.‬‬
‫‪ -‬التجديد‪ :‬الرغبة في التجديد في موضوعات الشعر العربي الحديث‪ ،‬وبث روح‬
‫محاكيا‬
‫ً‬ ‫التجديد في ثنايا القصيدة العربية‪ .‬محاكاة الواقع‪ :‬جعل الشعر العربي‬
‫األول للتجربة الكتابية‪.‬‬ ‫للواقع‪ ،‬بحيث تكون التجربة الواقعية هي ّ‬
‫الدافع ّ‬
‫كابر‬
‫الكالسيكية التي ورثها األدباء ًا‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬االبتعاد عن التقليد‪ :‬كان يجب محاربة‬
‫الحديث‪.‬‬ ‫العصر‬ ‫متطلبات‬ ‫تخدم‬ ‫ال‬ ‫وباتت‬ ‫كابر‬ ‫عن‬

‫خصائص مدرسة المهجر بماذا تمتاز مدرسة المهجر عن غيرها؟‬

‫موضوعية‬
‫ّ‬ ‫انقسمت خصائص مدرسة المهجر إلى قسمين‪ ،‬خصائص‬
‫وخصائص فنيَّة‪ ،‬وتفصيلها فيما يأتي‪:‬‬

‫الخصائص الموﻀوعية ومنها‪:‬‬

‫أن األدب المهجري هو نتاج أرض الغربة فمن الطبيعي أن يُ ّ‬


‫بث‬ ‫‪ -‬الحنين‪ :‬بما ّ‬
‫في حناياه مشاعر الشوق والحنين إلى الوطن‪ ،‬والتغني بأرضه وأزهاره‬
‫ووصف لوعة الحزن على فراقه‪ ،‬والكشف عن بشاعة الغربة والم اررة التي‬
‫يتعرض النَّاس لها في تلك األماكن‪.‬‬
‫لما تكون حزينة فإنَّها تلجأ إلى الطبيعة فتُسقط‬
‫النفس ّ‬
‫‪ -‬االمتزاج مع الطبيعة‪ّ :‬‬
‫عليها أحزانها‪ ،‬وهذا بالضبط ما حصل مع شعراء وأدباء المهجر‪ ،‬حيث كانوا‬
‫كل حين‪.‬‬
‫آمنا لهم في ّ‬
‫احدا‪ ،‬فتحاوروا معها وكانت مال ًذا ً‬
‫شيئا و ً‬
‫والطبيعة ً‬
‫اإلنسانية نظرة‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬تأمل النفس البشرية‪ :‬فكان الشعر المهجري ينظر إلى النفس‬
‫عما يدور في خلجاتها‪ ،‬وامتازت الرابطة القلمية‬
‫وتفحص بحيث يكشف ّ‬ ‫تحليل ّ‬
‫بهذه الخاصية أكثر من األندلسية‪.‬‬
‫‪ -‬نشر المبادئ األخالقية‪ :‬أ ْكثَ َر شعراء المهجر من الحديث عن الظلم‬
‫إن الظلم هو العامل‬
‫والظالمين في قصائدهم‪ ،‬ودعوا إلى تطبيق العدالة حيث ّ‬
‫شردهم من بالدهم‪ .‬االبتعاد عن المباشرة‪ :‬ابتعد شعراء المهجر‬‫األول الذي ّ‬
‫عن األسلوب الخطابي الذي يعلوه األمر والنهي‪ ،‬بل كانوا يُشيرون إلى األمر‬
‫ببض ٍع من التعبيرات الخفيفة التي يفهمها القارئ‪.‬‬

‫الفنية ومن أهمها‬


‫الخصائص ّ‬

‫ميز أدب المهجر البساطة في اللفظة واالبتعاد‬


‫‪ -‬بساطة اللفظ‪ :‬ومن أهم ما يُ ّ‬
‫عن الكلمات الغريبة التي ال تُناسب العصر‪ ،‬واستخدامهم السالسة في العبارة‬
‫والبساطة في طرح المطلوب‪.‬‬
‫‪ -‬الوحدة الموضوعية‪ :‬وقد استقى أدباء المهجر هذه الميزة من شعراء الغرب‪،‬‬
‫احدا فال يُمكن اقتطاع مقطع من‬
‫غرضا و ً‬
‫ً‬ ‫فكانت القصيدة كّلها تُحاكي‬
‫خل بالمعنى‪.‬‬ ‫القصيدة؛ َّ‬
‫ألن ذلك يُ ّ‬
‫عبر عن مقصود الشاعر بدقة وتُكسب‬ ‫‪ -‬االهتمام بالصورة‪َّ :‬‬
‫إن الصورة الفنيَّة تُ ّ‬
‫القصيدة حيوية عالية‪ ،‬وهذا ما دفع شعراء المهجر إلى االهتمام بها‬
‫وتضمينها لقصائدهم ونصوصهم األدبية‪.‬‬
‫‪ -‬التمرد على شكل القصيدة‪ :‬القصيدة العربية كانت تُنسج على أوزان الخليل‬
‫الفراهيدي والتزمت بقافية واحدة‪ ،‬فكان من أهم ما فعله أدباء المهجر هو‬
‫ونوعوا في القوافي كما في الموشحات‬
‫التّمرد على األوزان العروضية ّ‬
‫األندلسية‪.‬‬
‫‪ -‬استخدام القصة‪ :‬استخدام شعراء المهجر القصة كوسيلة من وسائل التعبير‪،‬‬
‫فالقصيدة تحوي في طيَّاتها على الكثير من الشخصيات التي تتصارع فيما‬
‫الداخلية‪.‬‬ ‫مكنوناتها‬ ‫عن‬ ‫عبر‬
‫وتُ ّ‬ ‫بينها‬

‫الرابطة القلمية‬
‫يمكن تعريف الرابطة القلمية على َّأنها جمعية أدبيَّة َ‬
‫جمعت العديد من األدباء‬
‫والشعراء الذين هاجروا إلى أمريكا الشمالية والجنوبية منذ نهاية القرن التاسع‬
‫عشر وبدايات القرن العشرين ‪ ،‬بدأت فكرة الرابطة القلمية عام ‪1916‬م إال أنَّها‬
‫تأسست رسميًّا عام ‪1920‬م في نيويورك من قبل بعض كبار األدباء والشعراء‬
‫العرب في المهجر وعلى رأسهم‪ :‬جبران خليل جبران‪ ،‬إيليا أبو ماضي‪ ،‬نسيب‬
‫عريضة‪ ،‬ميخائيل نعيمة وغيرهم وذلك بعد جلستين جمعت أولئك األدباء مع‬
‫آخرين‪ ،‬األولى كانت في منزل عبد المسيح حداد والثانية في منزل جبران‬
‫بحضور األدباء الذين حضروا الجلسة التمهيدية وتمت الموافقة على دستور‬
‫مستشار لها‬
‫ًا‬ ‫عميدا لهذه الرابطة القلمية‪ ،‬وميخائيل نعيمة‬
‫ً‬ ‫الجمعية وانتُخب جبران‬
‫والخازن وليم كاتسفليس‪ .‬وقد تميَّز نتاج هؤالء األدباء بكثرة التأمل في أسرار‬
‫الحياة والوجود إضافة إلى التعمق في الذات اإلنسانية والنفس البشرية وتعلقهم‬
‫عمر‬
‫أن َ‬ ‫بأوطانهم‪ ،‬وكذلك فقد تميَّز نتاجهم باستخدام الرمز في تعبيراتهم‪ ،‬إال َّ‬
‫بمجرد موت جبران خليل جبران عام‬
‫َّ‬ ‫طل فقد انحلَّت الرابطة َّ‬
‫وتفككت‬ ‫الرابطة لم ي ُ‬
‫‪1932‬م‪.‬‬

‫مبادئ الرابطة القلمية‬

‫جمعت الرابطة القلمية األدباء الذين عاشوا في المهجر وتأثروا بالبلدان التي‬
‫كبير على كتاباتهم وأشعارهم‪ ،‬فاجتمعوا في رابطة‬
‫تأثير ًا‬
‫استقروا فيها‪ ،‬فكان لذلك ًا‬
‫أدبية واحدة تجمع وتوحد مساعيهم في سبيل اللغة العربية وآدابها‪ ،‬وكان لهذه‬
‫الرابطة العديد من المبادئ التي تميَّزت بها‪ ،‬وفيما يأتي بعض أهم مبادئ الرابطة‬
‫القلمية‪:‬‬
‫‪ -‬استخدام اللغة السهلة البسيطة التي تميَّز بها الشعر الحديث‪ ،‬وابتعادهم بذلك‬
‫عن تعقيد الصور وعن أساليب الكتابة العربية التقليدية‪.‬‬

‫‪ -‬تجديد في مختلف األساليب الشعرية‪ ،‬مثل ظهور الشعر الحر‪.‬‬

‫‪ -‬اتخاذ الطابع اإلنساني وظهوره بشكل كبير في أساليبهم‪.‬‬


‫ّ‬
‫‪ -‬المبالغة في ذكر الحنين إلى األوطان والتعلق بها وذلك بسبب بعدهم عن‬
‫أوطانهم‪.‬‬

‫‪ -‬المبالغة في تجسيد الطبيعة ووصفها في صياغة التجارب الشعرية‪.‬‬

‫‪ -‬المبالغة في التأمل في الحياة وأسرار هذا الوجود والنظر إلى جوهر األشياء‪.‬‬

‫‪ -‬الدعوة إلى قيم الحب والجمال والخير والحق‪.‬‬

‫وأشعارهم‪.‬‬ ‫أساليبهم‬ ‫في‬ ‫بكثرة‬ ‫الرمز‬ ‫استخدام‬ ‫‪-‬‬

‫إيليا أبو ماﻀي‬

‫شاعر لُبناني‪ ،‬وواحد من أشهر شعراء المهجر ومن مؤسسي الرابطة القلمية‬
‫ّ‬
‫في نيويورك في الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬ولد إيليا أبو ماضي عام ‪1889‬م‪،‬‬
‫ثم دخل‬
‫ونشأ في بدايات حياته في عائلة بسيطة فقيرة‪ ،‬درس االبتدائية في قريته َ‬
‫مدرسة المحيدثة‪ ،‬وقد سافر إلى مصر عندما َّ‬
‫اشتد الفقر عليه عام ‪1902‬م‪ ،‬وفي‬
‫مصر التقى برجل اسمه أنطون الجميل وهو الذي أسس مجلة الزهور في مصر‬
‫مع رجل اسمه أمين تقي الدين‪ ،‬وفي هذه المجلة بدأ إيليا أبو ماضي ينشر‬
‫ثم طبع باكورة أعماله الشعرية الذي كان بعنوان "تذكار الماضي"‬
‫قصائده األولى‪َ ،‬‬
‫عام ‪1911‬م‪.‬‬
‫انتقلت اهتمامات إيليا الشعرية إلى الشعر السياسي الوطني‪ ،‬فالحقته بعض‬
‫ْ‬ ‫ثم‬
‫َّ‬
‫مما دفعه إلى الهجرة إلى الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬عام‬
‫السلطات العر ّبية‪ّ ،‬‬
‫ثم انتقل إلى‬
‫استقر في أيامه األولى من المهجر في والية أوهايو َّ‬
‫‪1912‬م‪ ،‬و َّ‬
‫نيويورك ليشارك في تأسيس الرابطة القلمية مع شعراء المهجر في تلك الفترة وهم‪:‬‬
‫ثم في عام ‪1929‬م أصدر إيليا أبو ماضي‬
‫جبران خليل جبران‪ ،‬ميخائيل نعيمة‪َّ ،‬‬
‫مجلة "السمير" التي كانت المصدر الرئيس إلنتاجات إيليا األدبية‪ ،‬وهي إحدى‬
‫استمرت هذه المجلة تصدر إنتاج أدباء‬
‫َّ‬ ‫مصادر األدب المهجري بشكل عام‪ ،‬وقد‬
‫المهجر في الشعر والنثر حتَّى نهاية حياته‪ ،‬وقد َّ‬
‫تزوج إيليا أبو ماضي من‬
‫دوروتي دياب في الواليات المتحدة وأنجب منها ثالثة أوالد ‪ ,‬وقد وافته المنية في‬
‫الواليات المتحدة األمريكية في عام ‪1957‬م‪.‬‬

‫مؤلفات إيليا أبو ماﻀي‬

‫كانت حياة الشاعر إيليا أبو ماضي مليئة بالعمل والتعب‪ ،‬فقد اهتم بتجربته‬
‫كبيرا‪ ،‬فكتب الشعر والنثر‪ ،‬وكان من أشهر دواوين إيليا أبو‬ ‫اهتماما ً‬
‫ً‬ ‫األدبية‬
‫ماضي ‪ ,‬ديوان "الخمائل" وديوان "تبر وتراب" وديوان "الجداول"‪ ،‬وفيما يأتي نبذة‬
‫عن أبرز مؤلفات الشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي األدبية‪:‬‬

‫‪ -‬تذكار الماضي‪ :‬ديوان شعري صغير نشره عام ‪1911‬م في مصر في مدينة‬
‫اإلسكندرية‪.‬‬

‫‪ -‬الجداول‪ :‬طبع في نيويورك عام ‪1927‬م‪ ،‬وقد َّ‬


‫قدمه الشاعر ميخائيل نعيمة‪،‬‬
‫وتناول هذه الديوان قصائد إيليا الذاتية‪ ،‬وكان هذا الديوان يتألف من قصائد‬
‫مكتوبة على بحور الشعر العربي القصيرة والمجزوءة‪.‬‬
‫‪-‬الخمائل‪ :‬صدر للشاعر في نيويورك من عام ‪1940‬م‪ ،‬وهو أكثر دواوين‬
‫ِ‬
‫التفاؤل‬ ‫الشاعر شهرة‪ ،‬وقد دعا إيليا أبو ماضي في هذا الديوان إلى ضرورة‬
‫العربي‪.‬‬ ‫الشعر‬ ‫بحور‬ ‫مختلف‬ ‫على‬ ‫كتبه‬ ‫وقد‬ ‫بالحياة‪،‬‬ ‫والتمتع‬

‫شعر إيليا أبو ماﻀي‬

‫إيليا أبو ماضي شار الحب والجمال‪ ،‬الشاعر الذي أضاف للقصيدة العربية‬
‫فينبت العشب‬
‫ُ‬ ‫موسيقاها الخاصة‪ ،‬وجعل النص العربي آلة موسيقية تعزف‬
‫باسما‪،‬‬
‫ً‬ ‫ضاحكا‬
‫ً‬ ‫متفائال‬
‫ً‬ ‫شاعر‬
‫ًا‬ ‫األخضر على أطراف البيت الشعري‪ ،‬وكان‬
‫لكل عليل ُمكتئب وحروفه شفاء لليائسين‪ ،‬ومن أجمل ما كتب إيليا‬ ‫ِ‬
‫قصائده دواء ّ‬
‫أبو ماضي قصيدة "قال السماء كئيبة" وفيما يأتي بعض من أبيات القصيدة‪:‬‬

‫السما‬
‫قلت‪ :‬ابتسم‪ ،‬يكفي التجهم في َّ‬ ‫وتجهمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا‬
‫َّ‬ ‫السماء كئيبةٌ‬
‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬

‫ِّ‬
‫المتصرما‬ ‫األسف الصبا‬
‫ُ‬ ‫يرجع‬
‫َ‬ ‫لن‬ ‫قال‪ :‬الصبا ولى! فقلت له‪ :‬ابتـ ِـس ْم‬

‫صارت لنفسي في الغ ـ ـ ـ ـرام جــهنَّما‬ ‫قال‪ :‬التي كانت سمائي في الهوى‬

‫أتبســما!‬
‫قلبي‪ ،‬فك ـ ـ ـيف أط ـ ـ ـيق أن َّ‬ ‫خانت عـ ــهوِدي بع ـ ـدما ملكـ ـ ـ ــتها‬

‫لقضيت عـ ــم ـ ـ ـ ـرك كــلَّه متـ ـ ـ ـ ـألما‬


‫َ‬ ‫ـت‪ :‬ابتسم واطرب فلو قارنتها‬
‫قل ـ ُ‬

‫المسافر كاد يق ـ ـ ـ ـتله ال ـ َّ‬


‫ـظـ ـما‬ ‫ِ‬ ‫مثل‬ ‫قال‪ :‬الــتجارة في ص ـ ـ ـ ـ ـراع هائل‬

‫الياس أبو شبكة )‪(1947- 1903‬‬


‫شاعر لبناني أحد مؤسسي "عصبة العشرة"‪ .‬يتميز نتاجه اإلبداعي بغنى األوجه‬
‫وتعددها‪ .‬كان أبو شبكة "سريع االندفاع وافر الحماسة‪ ،‬شديد التعصب لرأيه وقوله‪،‬‬
‫وشعره خاصة‪ ،‬عنيف الرد على مناظريه‪ ،‬عصبي التعبير ‪ ..‬اال أنه كان وشيك‬
‫طيب السريرة‪،‬‬
‫وفيا‪ ،‬سليم القلب‪ّ ،‬‬
‫الهدوء قريب الرضا فيعود كما بدا صديقا مخلصا ّ‬
‫على اباء أنوف‪ ،‬وكبرياء ّتياهة‬
‫حياته‬
‫ولد الشاعر المرحوم الياس بن يوسف بن الياس أبو شبكة سنة ‪ 1903‬في‬
‫بروفيدانس بالواليات المتحدة أثناء سياحة قام بها والداه ‪ ,‬عاد إلى ضيعته وهو لم‬
‫يتجاوز السنة‪ ,‬درس علومه ‪ ،‬ولما وقعت الحرب العالمية األولى توقف عن الدراسة‪،‬‬
‫وبعد انتهائها استأنفها في مدرسة اإلخوة المريمين في جونية‪ ،‬فقضى فيها سنة‬
‫دراسية واحدة‪ ،‬ثم عاد إلى مدرسته ‪ ,‬كان غريب األطوار يتعلم على ذوقه‪ ،‬ويتمرد‬
‫‪.‬على أساتذته‬
‫لقد خلف هذا الشاعر اليائس على قصر عمره ‪ ،‬ما ال يقل عن ثالثين كتاباً مطبوعاً‬
‫منها‪:‬‬ ‫وتأليف‬ ‫ترجمة‬ ‫بين‬ ‫واألحجام‬ ‫المواضيع‬ ‫مختلف‬ ‫في‬
‫( الحب العابر ‪ ،‬عنتر‪ ،‬القيثارة‪ ،‬جوسلين‪ ،‬طاقات زهر‪ ،‬العمال الصالحون‪ ،‬سقوط‬
‫مالك‪ ،‬مجدولين‪ ،‬الشاعر‪ ،‬المريض الصامت‪ ،‬تاريخ نابوليون‪ ،‬الروائي‪ ،‬الطبيب رغماً‬
‫عنه‪ ،‬مريض الوهم‪ ،‬المثري النبيل‪ ،‬البخيل مانون ليسكر‪ ،‬بولس وفرجيني‪ ،‬الكوخ‬
‫الهندي‪ ،‬أفاعي الفردوس‪ ،‬األلحان‪ ،‬المجتمع األفضل‪ ،‬لبنان في العالم‪ ،‬نداء القلب‪،‬‬
‫تلك آثارها‪ ،‬قصر الحير الغربي‪ ،‬إلى االبد‪ ،‬غلواء‪ ،‬اوسكار وايلد‪ ،‬بودلير في حياته‬
‫الغرامية)‬
‫وله في الصحف والمجالت العربية مقاالت متنوعة وقصائد ودراسات وترجمات لو‬
‫ويزيد‬ ‫العشرين‬ ‫على‬ ‫عددها‬ ‫ألربى‬ ‫كتب‬ ‫في‬ ‫‪.‬جمعت‬
‫كانت بوارق العبقرية تنبجس حيناً بعد حين من بعد انطالقاته وجوالته األدبية‪ ،‬وكان‬
‫شعره وليد حاالت نفسانية‪ ،‬ذا نفس متقدة‪ ،‬فعبَّر في قوافيه عن آالم ال َّ‬
‫حد لها وال‬
‫طرف آالم من الحب وآالم من أعباء الحياة‪ ،‬كان ال ينظم إال مهتاجاً‪ ،‬في ساعة‬
‫يأس أو في ليلة خمر‪ ،‬فيؤثر شعره في قارئه‪ .‬وقد سادته الكآبة‪ ،‬واعتاد أن ينهض‬
‫باك اًر فينصرف إلى الكتابة‪ ،‬وكان يصطاف في مصيف( حراجل) وصرف عشر‬
‫سنوات في التغريد إلطراب الناس‪ ،‬فكان غزله المتعفف تشيع فيه ألوان الطبيعة‬
‫ممتزجة بألوان كآبة النفس وألمها‪ ،‬لم يقتصر شعر صباه على الغزل وحده‪ ،‬بل كان‬
‫له من إحساسه المرهف ما يجعله شديد االنفعال تضطرب أعصابه لشتى العوامل‬
‫التي تؤثر في نفسه‪ ،‬فما يزال يبلورها الشعور والخيال حتى يفجرها في شعره نقمة‬
‫‪.‬على أشخاص يجد األذية منهم‪ ،‬أو ثورة على الظلم والحكام الجائرين في وطنه‬
‫على أنه بعد أن نضجت شاعريته واستوثق أسلوبه‪ ،‬صار ال يرضيه شعر صباه‪،‬‬
‫وبلغت قمة شاعريته في( أفاعي الفردوس) وهي تحفة نادرة ولون جديد في األدب‬
‫العربي ينفرد به‪ ،‬ويبقى له‪ ،‬ال تمتد إليه يد العناء‪ ،‬وال يستطيع أي شاعر أن يأتي‬
‫الوصف‬ ‫في‬ ‫يدانيه‬ ‫أو‬ ‫‪.‬بمثله‬
‫أشعاره‬
‫القيثارة‬
‫المريض الصامت‬
‫أفاعي الفردوس‬
‫األلحان‬
‫نداء القلب‬
‫ومن قصائده‬
‫ِ‬
‫في َليَل ٍة حال َك ٍة َك ُ‬
‫الهمومِ‬
‫الج ِّو ِب ِث ِ‬
‫قل ال ُغيوم‬ ‫ها ِب َ‬
‫ط ٍة َ‬

‫َكأََّنها قد ُح ِبَلت ِب ُ‬
‫الرجوم‬
‫الشاعر ِ‬
‫مخد ِعه‬ ‫ِ‬ ‫كان ال َفتى‬
‫ُ‬ ‫َ‬

‫َدم ِعه‬
‫لب في أ ُ‬ ‫َيبكي َفَيجري َ‬
‫الق ُ‬
‫سم ِعه‬ ‫ِ‬
‫ِشع اًر َيعيه ُ‬
‫الحز ُن في َم َ‬

‫جرِته‬
‫الش َم َع ُة في ُح َ‬
‫َوكاَنت َ‬
‫ساع ِته‬ ‫ع َك ِ‬
‫المِّيت في َ‬
‫نز ُ َ‬
‫َت َ‬
‫يء ِمثُلها ال َيدوم‬
‫َكل َش ِ‬
‫أ ُّ‬
‫المد َف ِن‬
‫الوحد ُة َك َ‬
‫َ‬ ‫َوكاَنت‬

‫سك ِن‬
‫الم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫موح َش ًة في ذل َك َ‬
‫َعي ِن‬
‫وم َعلى األ ُ‬
‫َوَقد َسطا الَن ُ‬

‫كرِته‬ ‫ِ‬ ‫َواِ َ‬


‫ظ الشاعُر من َس َ‬
‫ستي َق َ‬
‫مع ِته‬
‫ين الى َش َ‬
‫الع َ‬
‫َو َح َّو َل َ‬

‫حد ِته‬ ‫ِ‬ ‫َنيس ِة األ‬


‫َشجان في ُو َ‬ ‫أ َ‬
‫وبعد أَن مَّرت عَل ِ‬
‫يه َثوان‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ‬

‫الزمان‬ ‫دام ِ‬
‫يات َ‬ ‫َكأََّنها من ِ‬
‫حز ِن‬ ‫وت ر ِ‬
‫ش ُم ِ‬
‫اع ٍ‬ ‫ص ٍ‬‫قال ِب َ‬
‫َ‬

‫أنشئت ‪ ،‬العصبة األندلسية في شهر يناير عام ‪ 1833‬ميالديا ‪ ،‬وأول من ترعرع في هذه العصبة ‪،‬‬
‫وقائدها هو الشاعر اللبناني ميشال المعلوف ‪ ،‬وكان يساعده في ذلك داود شكور ‪ ،‬ونظير زيتون ‪،‬‬
‫ويوسف البقيني ‪ ،‬وكل واحد منهم كان له مهامه الخاصة به ‪ ،‬وانضم إليهم بعد ذلك نخبة من أشهر‬
‫‪.‬األدباء ‪ ،‬والشعراء العظماء حتى أصبحت العصبة هي مقرهم الرئيسي‬

‫وتم إنشاء مجلة سميت باسم العصبة ‪ ،‬وأصبحت هذه المجلة نوراً مضيئا لهم حتى عام ‪ 1914‬ميالديا‬
‫‪ ،‬حيث توقفت هذه المجلة عن الصدور بناء على طلب رئيس الجمهورية البرازيلي ‪ ،‬ولم يتم نشر أي‬
‫منشور من هذه المنشورات ‪ ،‬التي لم تكن بلغة هذه البالد الرسمية ‪ ،‬ولكن سرعان ما تغير ذلك‬
‫بمجهود شاق من شفيق المعلوف في نفس السنة ‪ ،‬وصدور منشورات مرة اخرى من مجلة العصبة ‪،‬‬
‫ولكن سرعان ما توقفت مرة اخرى نهائيا على يد رئيس التحرير حبيب مسعود في سنة ‪1914‬‬
‫ميالديا‬

‫خصائص العصبة األندلسية‬

‫‪.‬لقد تميزت العصبة األندلسية ‪ ،‬بعدة خصائص ‪ ،‬وهي ؛ النزعة االجتماعية واإلنسانية‬

‫•‬ ‫‪.‬نزعة التأملية‬

‫•‬ ‫‪.‬الميل إلى الطبيعة والفكر فيها‬

‫•‬ ‫‪.‬التشاؤم والتفاؤل معا‬

‫•‬ ‫‪.‬االبتعاد عن التكلف‬

‫•‬ ‫‪.‬تأمل النفس اإلنسانية‬

‫•‬ ‫‪.‬التسامح الديني‬

‫•‬ ‫‪.‬االبتعاد عن أسلوب الخطاب المباشر‬

‫•‬ ‫‪.‬الوضوح في اللغة‬

‫•‬ ‫‪.‬الحزن‬

‫•‬ ‫‪.‬الوحدة العضوية‬

‫•‬ ‫‪.‬التحرر من الوزن والقافية‬

‫•‬ ‫‪.‬التعبير عن تجربة شعورية ذاتية‬

‫•‬ ‫‪.‬االعتماد على القصة كوسيلة‬

‫•‬ ‫‪.‬االستفادة من تنوع القافية‬

‫‪ :‬وفيما يلي سوف نتناول شرح هذه الخصائص‬

‫النزعة االجتماعية واإلنسانية‬


‫وهي أن ننظر للمجتمع بنظرة الحب ‪ ،‬والرحمة ‪ ،‬والخير ‪ ،‬والغرض منها أن يعم هذا الخير على‬
‫الجميع ‪ ،‬وتنتشر القيم الصادقة ‪ ،‬والفضائل الرفيعة ‪ ،‬والمساواة بين جميع البشر ‪ ،‬وعدم العنصرية‬
‫‪ ،.‬وعدم األنانية ‪ ،‬والكبر حتى يظهر هذا المجتمع بصورة رائعة ‪ ،‬ومنظر مشرف‬

‫النزعة التأملية‬

‫فهم دائما ً يفكرون في حالهم ‪ ،‬ومصائبهم ‪ ،‬وما يواجههم من صعوبات الحياة ‪ ،‬ويتأملون في الطبيعة‬
‫التي تعبر عن أنفسهم ‪ ،‬وما يدور حولها ‪ ،‬وكل هذه المصائب من المعاناة ‪ ،‬والظلم ‪ ،‬والبؤس الذي‬
‫تعرضه له في حياتهم ‪ ،‬وكذلك فإن العاطفة لديهم تلعب دور هام جداً في تكوين شخصيتهم ؛ حيث‬
‫‪.‬أصبحت بمشاعرهم ‪ ،‬عاطفية جياشة ‪ ،‬فيشعرون بآالم غيرهم‬

‫الميل إلى الطبيعة والفكر فيها‬

‫كانوا يميلون إلى الطبيعة مثل الغابات ‪ ،‬واألشجار ‪ ،‬األنهار ‪ ،‬الجبال ‪ ،‬ويتكلمون مع األزهار ‪،‬‬
‫ويغنون مع الطيور ‪ ،‬وذلك ألنهم يخففون من آالمهم ‪ ،‬ومصائبهم التي تسكن في أنفسهم ‪ ،‬ويعبرون‬
‫بذلك عن شوقهم ألوطانهم ‪ ،‬والحنين إليه فيقول الشعراء إن أحسن طريق لتهذيب اإلنسان هو‬
‫‪.‬محاكاته مع الطبيعة لتهذيب نفسه‬

‫التشاؤم والتفاؤل معا‬

‫فعندما يكون اإلنسان بعيداً عن وطنه يبعث في نفسه القلق ‪ ،‬والحزن ‪ ،‬واليأس ‪ ،‬وعدم المقدرة على‬
‫حل تلك المشكالت ؛ ألن في هذا الموقف ال يجد أحداً جانبه ال صديق ‪ ،‬وال أخ ‪ ،‬وال حبيب ال أحداً‬

‫‪.‬سوى نفسه ‪ ،‬ويتغلب عليه طابع التشاؤم‬

‫وحتى إن كان ينظر إلى نفسه على إنه شاعر كبير ‪ ،‬وعظيم ‪ ،‬وكل ذلك سوف يتغلب عليه ‪ ،‬ويرجع‬
‫إلى وطنه في يوم من االيام ‪ ،‬حيث يحل عليه التفاؤل واألمل مرة اخرى ‪ ،‬ويذهب التشاؤم ‪ ،‬ومثاال‬
‫‪ :‬لهذا عندما يقول الشاعر إيليا أبي ماضي في قصيدته‬

‫طريقا ً فمشيت‬ ‫قدامي‬ ‫أبصرت‬ ‫ولقد‬ ‫*‬ ‫أتيت‬ ‫ولكني‬ ‫أين‬ ‫من‬ ‫أعلم‬ ‫ال‬ ‫جئت‬
‫وسأبقى ماشيا ً إن شئت هذا أم أبيت * كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟‬
‫تأمل النفس اإلنسانية‬

‫ويتميزون أيضا ً بتأمل ذاتهم ويكشف ذاته بما فيه من أسرار‪ ،‬وهذه الصفة يتميز به شعراء المهجر‬
‫‪.‬الشمالي أكثر من شعراء المهجر الجنوبي‬

‫خصائص ادب العصبة األندلسية‬

‫لقد امتاز ادب العصبة األندلسية بالعديد من الخصائص والسمات ‪ ،‬والتي سوف نتناولها بالشرح فيما‬
‫‪ :‬يلي‬

‫االبتعاد عن أسلوب الخطاب المباشر‬

‫فيتقربون من أسلوب الهمس للتعبير به بدالً من أسلوب الخطاب المباشر ‪ ،‬حيث أن معانيها ‪،‬‬
‫‪.‬وكلماتها تدخل قلب القلب ‪ ،‬والنفس‬

‫االبتعاد عن التكلف‬

‫االبتعاد عن اللغة الغير مفهومة ‪ ،‬والغريبة ‪ ،‬واللغة الغير مالئمة للعصر ‪ ،‬ألن ألفاظ هذا العصر‬
‫‪.‬كانت تتميز بالبساطة والرقة ‪ ،‬والجمال ‪ ،‬واالبداع في التصوير وبراعته‬

‫االهتمام بالصور الفنية‬

‫حيث أن الصور هي الوحيدة القادرة عن التعبير عن عواطف الشاعر وأحاسيسه ‪ ،‬حيث أن معظم‬
‫‪.‬قصائدهم كانت تغلب عليه العواطف ‪ ،‬والمشاعر واألحاسيس المليئة بالحياة ‪ ،‬والحركة‬

‫االستفادة من تنوع القافية‬

‫يقلدون هذه الخصية كما كانت في الموشحات األندلسية وكانوا يتمردون على األوزان المعروضة‪،‬‬
‫‪.‬فترتب على ذلك أن معظم قصائدهم كانت من المطوالت‬

‫االعتماد على القصة كوسيلة‬

‫حيث كانوا يعتمدون على القصة كوسيلة للتعبيرعن ما يدور بداخلهم من صراعات وحوارات تدور‬
‫‪.‬داخل أنفسهم ليعبروا عن تكوينهم الداخلية‬

‫الحزن‬
‫‪.‬حيث زاد شعور الحزن في هذه الفترة بسبب الغربة التي كان فيها معظم الشعراء‬

‫الوحدة العضوية‬

‫التي كانت تدور حول وحدة الموضوع ووحدة الجو النفسي‪ ،‬ومان يظهر أيضا ً في ترتيب األفكار‪،‬‬
‫‪.‬ولكنها تظهر أيضا ً في الشعر القصصي مثل قصة التينة الحمقاء إليليا أبو ماضي‬

‫التعبير عن تجربة شعورية ذاتية‬

‫يظهر هذا الشعور في تجربة الشاعر عندما يمتزج وختلط بالطبيعة‪ ،‬في عبر عن الطبيعة بأسلوب‬
‫‪.‬جديد لم نراه من قبل‬

‫التحرر من الوزن والقافية‬

‫حيث أن شعراء هذه الخصية حاولوا التجديد في القصيدة واتبعوا نظام المقطوعات‪ ،‬كمان اتجه‬
‫‪.‬بعضهم إلى نظام التفعيلة أيضا ً‬

‫السهولة والوضوح في اللغة‬

‫•‬ ‫فالبد من أن تكون اللغة سهلة ‪ ،‬وبسيطة ‪ ،‬وال يوجد فيها تعقيد والتهاون في بعض األحيان في القواعد اللغوية‬

‫‪.‬والنحوية والصرفية‬

‫•‬ ‫‪.‬يجب اإلكثار من األسلوب القصصي في القصيدة كمان هو الحال لدى الشاعر إيليا أبي ماضي‬

‫•‬ ‫‪.‬وكانت من أهم خصائصهم هي الميل إلى القديم والتجديد في طرق االبداع‬

‫•‬ ‫الشرق‬ ‫في‬ ‫بالمحافظين‬ ‫يتصفوا‬ ‫‪.‬أصبحوا‬

‫‪.‬وكانوا يتميزون أيضا ً بسهولة األلفاظ وايحاءتها‬


‫•‬ ‫‪.‬كانوا يحافظون ويلتزمون أيضا ً بقواعد النحو والبالغة والعروض‬

‫التسامح الديني‬

‫إن الشعراء كان يلتقون بعضهم مع بعض من بالد اخرى مثل سوريا ولبنان ومصر وكل منهم له‬
‫دينه الخاص به وكل منهم تعصبهم الديني واللغوي والوطني واالنقسامات القبلية أيضاً‪ ،‬وكل ذلك‬
‫ينتج عنه إثارة عاطفة جديدة في نفوسهم وهي الحرية الدينية‪ ،‬فحيث نرى لحد األن أن لكل شخص‬
‫حريته في اختيار دينه‬

‫أبرز شعراء العصبة األندلسية‬

‫فوزي معلوف‬

‫هو شاعر لبناني ولد عام ‪ ،1899‬وتوفي عام ‪ ،1930‬حيث كان يظهر في طبعه ‪ ،‬الروح الشرقية‬
‫التي كانت تغلب عن الروح الغربية‪ ،‬وتميز هذا الشاعر بعبقريته الشعرية‪ ،‬وكان معظم شعره مليء‬
‫بالتشاؤم‪ ،‬حيث انه كان شخصية متشائمة دائما ً وكئيبة طول الوقت ومن أهم أشعاره “ملحمة على‬
‫‪.‬بساط الريح” وقد حصل على وسام االستحقاق اللبناني‬

‫إلياس فرحات‬

‫وهو شاعر لبناني أيضا ً ولد عام ‪ 1893‬وتوفي عام ‪ ،1978‬كتب كثيراً من الدواوين الشعرية‪ ،‬وكان‬
‫‪.‬يسميها بأسماء فصول السنة تأثراً بالطبيعة‬

‫شفيق معلوف ‪1905( :‬م)‬

‫مولده ونشأته ‪ :‬هو الشاعر العبقري‪ ،‬النجل الثاني للعالمة المرحوم عيسى إسكندر‬
‫معلوف‪ ،‬ولد في زحلة يوم ‪ 31‬آذار سنة ‪1905‬م وتلقى دراسته في كلية زحلة الشرقية‪،‬‬
‫وقبل نزوحه إلى الب ارزيل دخل معترك الصحافة ‪ ،‬فتولى رئاسة تحرير جريدة (ألف باء)‬
‫الدمشقية زمن حياة‬

‫صاحبها المرحوم األستاذ يوسف العيسى‪ ،‬وكان يوقع مقاالته بإمضاء مستعار تارة‬
‫(أحدهم) وطو اًر (فتى غسان) وهو الذي ابتدع في الجريدة المذكورة زاوية (مباءة نحل) وهي‬
‫الزاوية االنتقادية الشهيرة التي ال تزال فيها حتى اآلن‪.‬‬

‫هجرته‪ :‬نزح إلى الب ارزيل ملتحقاً بأخيه الشاعر العبقري الخالد المرحوم فوزي‪ ،‬وخاله‬
‫الشاعر المجيد المرحوم ميشال المعلوف‪ ،‬وتعاطى األعمال التجارية فكان مثاالً حيًّا‬
‫للنشاط والصدق واألمانة في الحقل التجاري‪ ،‬وتوصل بفضل كفاحه واستقامته إلى الثراء‬
‫الحالل‪.‬‬

‫آثاره األدبية‪ :‬لقد نشأ هذا الشاعر الملهم في كنف والده العالمة‪ ،‬وورث عنه النبوغ‬
‫الفطري‪ ،‬وهو شاعر من الطراز األول‪ ،‬يستمد من الطبيعة صو اًر شعرية جميلة‪ ،‬ويطلق‬
‫قوافيه حرة صافية‪ ،‬ويعبر عن دقائق العواطف بلغة جليلة مستحبة وأسلوب رائع‪ ،‬وهو‬
‫رئيس العصبة األندلسية في سان باولو الب ارزيل التي أسسها خاله المرحوم الشاعر ميشال‬
‫المعلوف فضمت شعراء المهجر‪.‬‬

‫مؤلفاته‪ :‬أصدر ‪ 1‬ـ عبقر‪ ،‬طبع مرتين‪ ،‬وقد نقده الفيلسوف المرحوم أمين الريحاني سنة‬
‫‪1927‬م‪ ،‬وأظهر في بعض قصائده التنافر في الوصف‪ ،‬فقال ما نصه‪ :‬فتحت كتاب‬
‫(عبقر) وأنا أتصور فيه الخير األكبر األصفى‪ ،‬أو أتأمل أن يكون في األقل حامالً لبني‬
‫آدم الذين يجتازون في هذا الزمان أشد وأظلم العقبات المفجعة شيئاً من نور العطف‬
‫واألمل‪ ،‬وأشياء مواسية منعشة من وراء سجـوف الغيـب‪ ،‬فكـان غيـر ما تصورت‪ ،‬وغير ما‬
‫أملت‪ ،‬وأردف الناقد قوله‪ :‬وال تظن أن هذه الحال النفسية حالت دون تقديري محاسن‬
‫شعرك واستيطابي إنتاج عبقريتك‪ ،‬وقد أجاب صاحب عبقر الريحاني وناقش نقده فقال‪:‬‬
‫(لقد جاز لي أن أجاذبك الرأي فيما كتبته ال حبًّا مني للجدل‪ ،‬بل طمعاً باالستزادة من‬
‫ترشف معين حكمتك‪ ،‬واالستفادة بجليل آرائك‪ ،‬وآمل أن ال تعد مصارحتي تحامالً مني‬
‫على رأيك ـ وقد يكون فيه كل الهداية والخير ـ وما دبجه قلمك النزيه‪ ،‬وهو جواب مرض‬
‫فيه أروع معاني النبل‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ األحالم وهي ملحمة شعرية فلسفية نظمها سنة ‪1926‬م‪.‬‬

‫‪ 3‬ـ لكل زهرة عبير‪ ،‬من الشعر الوجداني‪ ،‬طبعه سنة ‪1951‬م‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ نداء المجاذيف من شعر الحنين والشعر الوطني‪ ،‬طبعه عام ‪1953‬م‪.‬‬

‫‪ 5‬ـوألف عبقر باللغة البرتغالية‪ ،‬وقد ترجمها أحد شعراء الب ارزيل‪.‬‬

‫أما دواوين شعره المعدة للطبع فهي‪:‬‬

‫‪ 6‬ـ عبقر باللغة اإلسبانية‪ ،‬وقد ترجمها أمير شعراء اإلسبان فرنسيسكو ميالسياسا‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ مجامر الصندل‪ ،‬وهو شعر‪.‬‬

‫‪ 8‬ـ شموع في الضباب‪.‬‬

‫‪ 9‬ـ على سندان الخليل‪ ،‬وهو شعر ونثر‪.‬‬

‫‪ 10‬ـ ستائر الهودج‪ ،‬وهو شعر منثور‪.‬‬

‫‪ 11‬ـليلى األخيلية وهي مسرحية شعرية ونثرية‪.‬‬

‫شعره‪ :‬وإذا أسعد القارئ الحظ وتصفح ديوانه (لكل زهرة عبير) يجد في مطاويه قصائد‬
‫رائعة يعجز اللسان ويقصر البيان عن اإلحاطة بما يحويه من بدائع‪ ،‬وفي قصيدته (األم)‬
‫الدليل الحي الواضح على عبقريته الشعرية الخالدة ‪ ,‬وتعد قصيدة (خرائب بعلبك) خريدة‬
‫فريدة‪ ،‬وقد أجمع النقاد على أنها أحسن وصف جادت به قريحة شاعر‪ ،‬وفي ديوانه نفحات‬
‫إنسانية تدل على سمو أخالق هذا الشاعر العبقري ونبله‪ ،‬وفي قصيدته (بسمة) كان داعية‬
‫للخير قال‪:‬‬

‫باهلل أتراحاً على أتراحه‬ ‫كن بسمة بفم الضعيف وال تزد‬

‫فترى فالحك ناج اًز بفالحه‬ ‫ما ﻀر أن يحظى أخوك بحقه‬

‫أشباحه تحنو على أشباحه‬ ‫أنحق بطالن الوجود وال نرى‬


‫ُّ‬

‫كالطير تذبحه بريش جناحه‬ ‫قويها بضعيفها‬


‫ﻀرب الشعوب ّ‬

‫رشيد سليم الخوري‬

‫وهو شاعر لبناني أيضاً ولد عام ‪ 1887‬وتوفى عام ‪ 1984‬وكان يلقب بالكثير من‬
‫‪.‬األلقاب وكان أشهرهم هو الشاعر القروي‬
‫سبب التسمية‬
‫ذكر الشاعر نفسه في أحد دواوينه بأن الشاعر يعقوب العودات (البدوي الملثم)‪ ،‬قد‬
‫سأله كيف اخترت لقب الشاعر القروي‪ ،‬فقال بعد أن أنزلت ديوان رشيديات‪ ،‬لم يُرق‬
‫للناقد قسطنطين الحداد‪ ،‬فظل الحداد لفترة ينقده في جريدة تسمى بـ المؤدب‪ ،‬وفي‬
‫أحد المرات ق أر رشيد الخوري أحد النعوت التي قد نعت بها من ِقبـَل الحداد وقد كان‬
‫النعت الذي أعجبه الشاعر القروي ‪ ،‬وقد وجد الشاعر رشيد سليم الخوري ضالته في‬
‫هذا النعت فأرده حتى كان له ما أراد‪ .‬وقد دعا في أكثر من قصيدة بين التحاب‬
‫األخوي بين المسلمين والمسيحيين‬

‫ان المديح الشعري الذي يقال في نبي اإلسالم‪ ،‬محمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬الذي‬
‫تحل ذكرى والدته الشريفة‪ ،‬الثالثاء‪ ،‬غرضاً قديماً ومن أبرز أغراض الشعر الديني‪،‬‬
‫من أيام الدعوة حتى كل الفترات التي تلتها‪ ،‬وصوال إلى عصرنا الحديث‬
‫ولم تكن المدائح النبوية أو مدح النبي‪ ،‬حك اًر على الشعراء المسلمين‪ ،‬بل تألّق شعراء‬
‫مسيحيون عرب فيما قالوه يمدحون نبي اإلسالم‪ ،‬من قصائد صارت من عيون‬
‫الشعر العربي‪ ،‬من مثل الشاعر جورج صيدح‪ ،‬وميخائيل خير هللا‪ ،‬وخليل مطران‪،‬‬
‫وإلياس قنصل‪ ،‬وغيرهم كثير‪.‬‬
‫وكان الشاعر اللبناني المهجري رشيد سليم الخوري (‪ )1984-1887‬للميالد‪ ،‬واحداً‬
‫‪.‬من أهم الرواد الذين كتبوا في النبي أجمل القصائد‬
‫وال أدل على مدى االمتزاج الروحاني الذي عاشه الخوري‪ ،‬ما بين ديانته المسيحية‬
‫كاهن‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وتأثره باإلسالم ونبيه‪ ،‬أكثر مما أوصى به‪ ،‬بعد رحيله‪ ،‬من أن يصّلي عليه‬
‫وشيخ‪ .‬بل إن الشاعر القروي‪ ،‬وهو لقب الخوري األشهر‪ ،‬أوصى بتفاصيل على‬ ‫ٌ‬
‫قبره‪ ،‬تظهر الدين اإلسالمي‪ ،‬كما تظهر الديانة المسيحية‪ ،‬مؤكداً على وجود هالل‬
‫شدد على قراءة الفاتحة على قبره‪ ،‬أيضاً‬
‫‪.‬في ضريحه‪ ،‬مثلما ّ‬
‫أي أديب يهيم‬‫ووصل تعلّق الخوري بنبي اإلسالم‪ ،‬إلى الحد الذي قال فيه‪" :‬و ّ‬
‫يخر ساجداً للحديث الشريف ومعجز القرآن!"‪ .‬بل إنه قال في كلمة له‬‫بالحكمة‪ ،‬ال ّ‬
‫في إحياء ذكرى هجرة النبي محمد‪" :‬يا محمد‪ ،‬يا نبي هللا حقاً‪ ،‬يا مجد العرب‪ ،‬يا‬
‫حبه للنبي عليه الصالة والسالم‬
‫مجد اإلنسانية‪ ،‬دينك دين الفطرة" حتى إنه أُخذ بحال ّ‬
‫لموقن أن‬
‫ٌ‬ ‫"إني‬
‫ورسالته‪ ،‬في تلك المناسبة‪ ،‬فهتف داعياً لما أرسل إليه ابن عبد هللا‪ّ :‬‬
‫اإلنسانية بعد أن يئست من كل فلسفاتها وقنطت من كل مذاهبها ونظرياتها‪ ،‬سوف‬
‫ترى أن ال مخرج لها من مآزقها وال راحة لروحها وال صالح ألمرها إال بارتمائها في‬
‫‪".‬حضن اإلسالم‬
‫لمحمد‪ ،‬أن اتهمه البعض بأنه ترك المسيحية ودخل في اإلسالم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ووصل تعّلقه وحبه‬
‫إال أن الخوري الذي من ألقابه (قديس العروبة) كان يفخر بالنبيين على حد سواء‪،‬‬
‫ومحمد‬ ‫السالم‪،‬‬ ‫عليه‬ ‫المسيح‬ ‫السيد‬

‫وما ترك الخوري مناسبة إال وأطل على اسم نبي اإلسالم‪ ،‬بمديح شعري صار من‬
‫عيون الشعر العربي‪ ،‬وكان يتفاخر بأن محمد صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬نبي هدى طلع‬
‫من الشرق‪ ،‬فصار مصدر تفاخر الشاعر ذي األصل المشرقي حتى ولو هاجر إلى‬
‫الب ارزيل وعاش فيها الزمن األطول من عمره‪ ،‬إال أن تعلق روحه بالشرق روحاً ونبياً‬
‫للنبي‬ ‫حبه‬
‫ّ‬ ‫على‬ ‫ومات‬ ‫حياته‪،‬‬ ‫كل‬ ‫به‬ ‫اتصلت‬

‫ٍ‬
‫شاعر‬ ‫تكريم‬ ‫العيد‬ ‫هذا‬ ‫أ ِّ‬
‫ُكرم‬
‫ظ ِم‬
‫النبي المع ّ‬ ‫يتيه بآيات‬
‫ّ‬
‫عبر عنه الخوري في‬ ‫إلى أن يقول داللة منه على مدى االمتزاج الروحي الذي ّ‬
‫تدينه في المسيحية‪ ،‬وتمجيده لنبي اإلسالم‬
‫‪:‬شعره‪ ،‬ما بين ّ‬
‫نسج عيسى وأحمد‬ ‫إلى َعَل ٍم من ْ‬
‫ولشدة هوى نفس الخوري بالنبي محمد فقد اعتبر يوم والدته‪ ،‬يوماً للبشرية جمعاء‪،‬‬
‫بمختلف أديانها وألوانها ومشاربها‪ .‬وفي قصيدة من أجمل القصائد العربية‪ ،‬وتعد من‬
‫‪:‬روائع شعر مدح النبي‪ ،‬يقول الخوري متحدثاً عن ذكرى والدة نبي اإلسالم‬
‫ِ‬
‫المولد النبوي‬ ‫عيد‬ ‫ِ‬
‫عيد البرية ُ‬
‫ُ‬
‫في المشرقين له والمغربين دوي‬
‫عيد النبي ابن عبد هللا من طلعت‬
‫ُ‬
‫شمس الهداية من قرآنه العلوي‬
‫ُ‬
‫بدا من القـــــــــــــفر‪ ،‬نو اًر للورى وهدى‬
‫عم الكون من بدوي‬
‫يا للتمــــــ ّدن ّ‬

You might also like