Professional Documents
Culture Documents
1432هـ 2011-م
1
ملخص
تقع رواية تحولتا الجحش الذهبي لـ لوكيوس أبوليوس ,في إطار الرواية الغرائبيـة العجائبيـة ,
التي تتخذ من الحداث الخيالية غير الواقعية وسيلة للتعبير عن رؤية الكاتب وموقفه من العالم.
وقد حاول الباحث أن يتنـاول الروايـة بالوصـف والتحليـل ,والكشـف عـن عناصـر البنـاء الفنـي
فيهــا :كالســرد ,وبنــاء الشخصــياتا ,والزمــن ,والمكــان ,وطريقــة توظيفهــا ,ودورهــا فــي تماســك البنــاء
القصصي ,وتلحم أجزائه.
وأثبتــتا الد ارســة أن الروايــة ,إوان كــانتا تدععـدد مــن بـواكير العمــل الروائــي النســاني -حيــث إنهــا
كتبــتا فــي القــرن الثــاني الميلدي -فإنهــا تشــتمل علــى معظــم العناصــر الفنيــة الــتي تشــكل بنــاء الروايــة
بمفهومها الحديث.
Abstract
The changes of the novel Golden Donkey by Lucius Apuleius lie in the
frame of fantastic novel , which takes a means from the imaginative
incidents to express the writer’s image and his attitude towards the world.
The searcher tries to analysis and describe the novel, Discovering the
artistic models in it : narration, character building, time ,place benefit
from it, and its role in solidifying the narrative and its parts.
The study proves that the novel which was written in the second century
A.D contains most of the artistical elements which form the novel
structure in its modern understanding.
تقديم:
2
تقع رواية تحولتا الجحش الذهبي لـ " لوكيوس أبوليوس " فــي إطــار الروايــة الغرائبيــة أو
العجائبيــة الــتي تتخــذ مــن الحــداث الخياليــة غيــر الواقعيــة وســيلة فنيــة للتعــبير عــن رؤيــة الكــاتب
وموقفه من القضايا النسانية السائدة في المجتمع.
فــالمتتبع لحــداث الروايــة ومغ ازهــا يــرى أنهــا روايــة أخلقيــة بامتيــاز ،يحــاول الكــاتب مــن
خلله ــا -أن يس ــرعد بع ــض المفاس ــد ال ــتي ك ــانتا ش ــائعة ف ــي المجتم ــع الروم ــاني ف ــي الق ــرن الث ــاني
الميلدي ,وأثر هذه المفاسد السلبي على أمن المجتمع ,وتماسك بنيانه .وكــانتا وســيلة الكــاتب فــي
ط بيــن كــل ســلوكك ل أخلقــي :كالكــذب والظلــم
التنفيــر مــن هــذه القيــم أو الممارســاتا الســيئة ،الرب ـ ع
والنفــاق والخيانــة الزوجيــة والس ـرقة وغيرهــا ,والعقــابب الــذي يســتحقه؛ أخــذا بمبــدأ العقــاب مــن جنــس
العمل).( 1
والروايــة مــن حيــث بناؤهــا الفنــي ،ل تبتعــد عــن مكونــاتا العمــل الفنــي الروائــي ،فهــي إلــى
جانب لغتها الدبية الرفيعة والممتعة ،تشتمل على عناصر البنــاء الروائــي جميعهــا ،وتنــدرج ضــمن
تلك الرواياتا التي تغـرق بمضــامينها فــي الجـانب الخيــالي البعيـد عـن المنطـق أو الواقـع الخـارجي،
ولكـ نن المؤلــف حــاول أن يخفــف مــن جنــوح هــذا الخيــال ,بالرتكــاز علــى تفصــيلتا مكانيــة ,وأفعــاكل
دتوهم القارئع بأنه يتحدث عن وقائعع حقيقيكة ملموسكة ,تدفع بالرواية من عالم الوهم إلى عالم الواقع.
ف بالحكايــاتا الســحرية
وتتلخــص الروايــة فــي أنهــا تــروي قصــة البطــل لوكيوس الــذي ش ـدغ ع
والقوى الغيبية التي تتحكـم فـي مصـائر البشـر ،وبفضـوله ال ازئـد لمعرفـة كـل شـيء ممكـن عـن عـالم
الســحر ,طلــب مــن " فففوتيس" الــتي أحبهــا أن دتمككنــه مــن رؤيــة ســيدتها "بففامفيلي" الســاحرة ,وهــي
تتحــول إلــى طــائر" بومــة " ،لينتق ـعل -بعــد ذلــك -إلــى أن يفعــل بنفســه مــا فعلتــه "بففامفيلي" بنفســها
باستخدام المرهم السحري الخاص بذلك ،ولكنه بسبب خطــأ "فوتيس" فــي اختيــار المرهــم المطلــوب
لــم يتحـنول إلــى طـائر ,كمـا كــان يرغــب ,إوانمـا تحـنول إلـى حمــار؛ ليلقـعي مـن العــذاب و الضــطهاد
والقســوة والظلــم ,علــى أي ــدي الكــثير مــن البش ــر ,م ــا ل يلقيــه أح ــد ،وبعــد العدي ــد مــن المغــامراتا
الخياليـ ــة الممزوجـ ــة بحكايـ ــاكتا واقعيـ ـكة ,اسـ ــتطاع لوكيففوس أن يطنبلـ ـعع علـ ــى خبايـ ــا البشـ ــر وأسـ ـرارهم
وتجــاربهم الــتي تجســد ألوانـا متعــددة مــن الظلــم الدمــي ،والعتــداء علــى حقــوق الخريــن ...لتنتهــي
الروايــة بالشــارة إلــى نفــاد صــبره وتــبرربمه مــن واقعــه المريــر ،والصــلة والبتهــال إلــى الربــة "إيزيس"
3
لتعيده إلى صورته النسانية الولى ،والتي استجابتا بدورها لطلبــه ،وأصــبح رجلا تقيـ ا عوبرعـاا ،أنــذر
نفعسه لخدمة اللهبة وحفبظ أسرارها.
وبالربط بين أحداث الرواية وما فيها مــن مغــام اركتا وحكايــاكتا غرائبيــة ،وشخصــيبة لوكيوس
أبوليوس /المؤلــف ,نجــد أنن شخصــيته ,بكــل أبعادهــا الثقافيــة والروحيــة والنســانية ,قــد تجلنــتا فــي
ف عنبه ـعل مــن مختلــف العلــوم" تــابعع د ارســاته العليــا فــي اليونــان ,وأثينــا,
ب مثق ـ ف
هــذا العمــل ،فهــو أدي ـ ف
إوايطاليـ ــا ,وأسـ ــيا الصـ ــغرى ،ولقـ ــد دأعجـ ــب بالفلسـ ــفة السفسـ ــطائية ,والفلسـ ــفة الفلطونيـ ــة المحدثـ ــة،
. )(2
والفلس ــفاتا ذاتا الطبيعـ ــة الص ــوفية الروحاني ــة ,ال ــتي تضـ ــمن للم ــؤمنين حيـ ــاةا أبديـ ـةا سـ ــعيدة"
فمعرفتــه بالفلســفة اليونانيــة ,وعش ـدقه لعــالم الدمثدـبل ,هــو الــذي يفكســر لنــا افتتــاعح روايتــه بالحــديث عــن
"أريستومنيس" وصديقه سقراط ،وحكاياته عن اللصوص ،ونــومه غيــر الشــرعي مــع " ميروى" ومــا
أعقب ذلك من حياة بائسة مؤلمة ,كل ذلك كان بفعل القوى السحرنية .
فعلقــة لوكيففوس بالســحر وطيــدفة ،حيــث ادتربهــم فــي صــباه بممارســة الســحر ,وألن ـ ع
ف كتاب ـا
عنوانه" في السحر" ) ،(3فكان تعلردقه بالسحر وشعغبفه بالوقوف على أس ارره ،دافع ا قويـ ا ؛ لن تطغــى
الحكاياتا العجائبية والسحرية على معظم فصول الرواية.
وبعششـدقه للحيـاة الروحيـة ,وبحثدـه عـن القيـم ,والمثـل العليـا المفقودة فـي العـالم السـفلي ,جعله
يــرى إنســان عصـبره غارقـ ا فــي ذاتيتبــه ،وشــهوانيبته الــتي أفقــدتشهد شــعوعره بإنســانيته ،وجعلتشــه يعيــش فــي
عالكم انهارتا فيه تلك القيم .وهو ما عنشلعمسه في أحداث الرواية؛ إذ يقوم الكـاتب برصـد القيـم السـلبية
في المجتمع ,وممارسة الشخوص لها ،ليقـوعم بتصــويبها وتقويمهــا؛ إمـا بـإنزال العقوبـة الشــديدة علــى
صاحبها ،أو بدفبعه إلى الشعور بالندم ,والتحسبر على ما فعل.
له ــذا أرى أن الرواي ــة انعك ــافس لـ ـدروبح الك ــاتب ,وتجس ــيفد لرؤيت ــه الواقعي ــة ,ح ــتى إوان ك ــانتا
تتنــاول أحــداثا ل واقعيــة ,وغرائبيــة خياليــة فــي معظمهــا .وســأقوم -فــي الصــفحاتا التاليــة -بتنــاول
4
أولل -بنية السرد:
لشــك أن كــل روايــة أو قصــة عمحكنيــة تشــتمل علــى أحــداث معينــة ،وقعــتا فــي زمــن مــا،
ومكــان مــا ،وشــاركتا فــي وقوعهــا شــخوص متعــددة ،تتفــاوتا فيمــا بينهــا فاعليــة وقــدرة فــي تــوجيه
الحداث وتعقيدها.
وهــذه الحــداث -بالضــرورة -ل بــد مــن نقلهــا بطريقــة مخصوصــة إلــى الخريــن ليتفــاعلوا
معهــا ,أو يســتمتعوا بمــا تنطــوي عليــه مــن أفكــار ورؤى ومواقــف أو لغــة مســتخدمة؛ لن " قصــة
واحــدة يمكــن أن دتحعكــى بطـرق متعـددة ،ولهــذا السـبب فـإن السـرد هـو الـذي ديعتمـدد عليـه فــي تمييـز
أنماط الحكي بشكل أساسي" ).(4
ل فــإن الســرد يقصــد بــه" الكيفيــة الــتي تــروى بهــا القصــة عــن طريــق القنــاة نفســها
إواجمــا ا
الم ــروي ل ــه( وم ــا تخض ــع ل ــه م ــن م ــؤثراتا ,بعض ــها متعل ــق ب ــالراوي القص ــة ) الـ ـراوي
والمروي له ،والبعض الخر متعلق بالقصة ذاتها " ).(5
في ضوء ذلـك نـرى أن روايـة " الجحـش الـذهبي" تعتمـد فـي شـكلها الخـارجي علـى أسـلوب
ل ،كــل فصــل منهــا
التقطيــع فــي ســرد الحــداث ،إذ جــاءتا الروايــة مقنســمة إلــى تســعة عشــر فص ـ ا
ل علــى مجمــل الحــداث الــتي تجــري فيــه ،دون أن يعنــي ذلــك انفصــام
يحمــل عنوانـ ـا مســتقلا ودا ا
العلقــة التكوينيــة بينهــا ،فهــي وحــداتا ســردية كــبرى متكاملــة ومترابطــة ،تــدفع بالحــدث الرئيــس إلــى
المــام حــتى بلــوغ النهايــة ،أي أنهــا مترابطــة علــى مســتوى الحــدث ،وعلــى مســتوى الزمــان والمكــان
والشخوص ،وتكاد تمثل شخصية البطل الحبل الرسري الذي يغذي هذه الفصول مجتمعة ،ويربطهــا
ببعضها ،علوة على أن الحداث في الفصول تتابع زمنيـا بشـكل منطقـي ،ول يفصـل بينهـا سـوى
بعــض الحكايــاتا الفرعيــة الــتي ض ـنمنها المؤلــف روايتــه بغرض تعزيز فكرة لــديه ،أو رؤيــة ينطلــق
منها في توليد الحداث ونموها؛ كما جاء بشكل جلي في الفصول :السابع والثامن والتاسع.
ومن ناحية أخرى فإن التقطيع السردي في الروايــة لـه مـبرراته الفنيـة ،إذ جــاء متســاوقا مــع
متغيـراتا المكــان أو الشــخوص أو الحــداث ،فعلــى ســبيل المثــال :كــان مطلــع الفصــل الثــاني إيــذان ا
بوصــول البطــل "لوكيففوس" إلــى بيــتا "ميلــو" فــي" تسففاليا" الــتي قصــدها فــي مطلــع الفصــل الول
بداعي العمل ،ويشير الفصل الثالث إلى انتقال البطــل إلــى مدينــة " هوباتا " لحضــور حفــل عشــاء
5
مع "برهاينا" خارج بيتا "ميلو" الذي يقيم فيه ،وقد تخنللته أحداث غريبة دمفبزعة ،حتى يأتي الفصــل
الرابع لتدور أحداثه حول محاكمة "لوكيوس" وبراءته من التهمة التي نسبتا إليه ،ثم ينتقل المؤلـف
فــي الفصــل الخــامس إلــى الحــدث المفصــلي فــي الروايــة وهــو تحــول" لوكيفوس" إلــى صــورة حمــار
يعقــل ويفكــر كمــا النســان ..هكــذا تتعــاقب الفصــول بتعــاقب الحــداث والشــخوص والمكنــة فــي
الرواية .
الراوي :
ص ,ونقلـه إلـى
هو شخصية وهمية افت ارضــية يخلقهــا المؤلـف ,لتحمــل علــى عاتقهــا مهمــة القـ ك
مســتمع متخنيــل " فــالراوي يتقمــص شخصــية تخييليــة تتــولى عمليــة القـ ك
ص ,وســميتا هــذه الشخصــية
"النا الثانية للكاتب" ,وقد يكون هذا الراوي غير ظاهر في النــص القصصــي ،وقــد يكــون شخصــية
من شخصياتا الرواية ").(6
والمتتبع لتقنية الراوي في الرواية موضوع الدراسة ،يسـتطيع أن يمكيـز أربعـة أنمــاط ســردية لجــأ
إليها المؤلف في نقل الحدث القصصي هي:
تمثــل هــذه التقنيــة الداة الساســية فــي عمليــة الســرد؛ إذ إن المؤلــف يفتتــح روايتــه علــى لســان
المتكلــم فيقــول" فــي يــوم مــن اليــام أخــذني داعــي العمــل إلــى" تسففاليا" ،منشــأ أهــل والــدتي ،فأنــا
بالمناسبة امتاز بصلة النسب عــن طريــق أمــي إلــى بلوتارخ الشــهير" .فالكلمــاتا" أخــذني ،والــدتي،
فأنــا ،أمتــاز ،أمــي "...كلهــا كلمــاتا جــاءتا متصــلة بضــمير المتكلــم الــذي" يتســاوى فيــه الســارد مــع
الشخصية ,مما يتيح حالة من التماهي بين السارد والمؤلف ،وبالتالي ديغرق المبنى الحكائي بالبعــد
الذاتي معتمدا لغة شعرية في الغالب") .(7ومما هو جدير بالذكر أن تقنية السرد بالنــا المشــارك قــد
غلبتا على أشــكال الســرد الخــرى فــي الفصــول الولــى مــن الروايــة ،أي قبــل أن يتحــول "لوكيوس"
إلى صورة حيوان ،وفي الفصول الخيرة ,التي عاد فيها إلى حالته الولى.
وهــذا ل يعنــي أن الســرد بالنــا المشــارك لــم يكــن حاضـ ار فــي بقيــة الفصــول الــتي جــرتا فيهــا
الحــداث حــول "لوكيففوس" الحمــار ,إوانمــا كــان حاضـ ـ ار حضــو ار غيــر فاعــل فــي صــنع الحــداث
ونموها ,إذ إن درجة تفاعله مع الحداث كانتا بقدر مــا تســمح بــه حــالته الحيوانيــة الظــاهرة ،فــأكثر
6
مــن مـرة حـاول أن يتمـنرد علـى صـاحبه الــذي يملكـه ،أو يهــرب مـن قبضـة اللصــوص الــذين اقتــادوه
إلى الكهف " ..ثم استجمعتا قواي كلها وشددتا سير الجلد الذي كنتا مربوطا به وانطلقتا بأســرع
مــا تحملنــي أرجلــي الربــع ...كــان للعجــوز عينــان كععشيعنــي الصــقر فــالتقطتا نهايــة الســير عنــدما
شــددته وحــاولتا بشــجاعة أذهلتنــي مــن مخلوقــة فــي مثــل ســنها أن تعيــدني إلــى الكهــف") ,(8ـ وعلــى
الرغم من أن أحداث الرواية تدور في مجملها حول شخصية البطل "لوكيوس" فــإن الســرد بضــمير
المتكلــم ل يعنــي أن الروايــة تقــع فــي إطــار الســيرة الذاتيــة بــل " هــي ســرد يســتخدم تقنيــة الــرواي
بضمير الـ "أنا" ليتمكن من ممارسة لعبكة فنية تخكوله الحضور ,وتسمح له بالتــالي التــدخل والتحليــل
بشكل يوكلد وهم القناع").(9
الراوي الشاهد" هو اركو حاضر لكنه ل يتدخل ول يحكلل ،إنه يروي من خارج عــن مســافة بينــه
وبين ما ،أو من ،يروي عنه ،مثل هذا الراوي هو بمثابة العين التي تكتفي بنقل المرئي في حــدود
مــا يســمح لهــا النظــر ،وبمثابــة الذن الــتي تكتفــي أيض ـا بنقــل المســموع فــي حــدود مــا يســمح بــه
. )(10
السمع ،وظيفة هذا الراوي هي التسجيل"
وفي الرواية يمثل السارد الشاهد مساحة واسعة من العمل السردي ,إذ إن دور السارد /البطل
لم يتجاوز فــي بعـض فصـول الروايــة ومسـرح الحــداث ،رصــد الحـداث وسـردها علـى النحـو الـذي
يدركها بـه ،ليبـدو السـارد فـي حالـة أكـثر موضـوعية وحياديـة ،وهـو أمـر ينسـجم أيضـا مـع طـبيعته
الحيوانيــة الــتي تحــول إليهــا ،فحينمــا اقتحــم اللصــوص بيــتا مضــيفه" ميلففو" كــان دوره أن يســجل
ويروي الحداث التي وقعتا أمام عينيـه وسـمعها بــأذنيه " فجــأة ارتفـع صــوتا دق وخبــط علـى بـاب
البيتا الخارجي ،وصيحاتا من بعيد :اللصوص! اللصــوص! ،ألقــى الســائس العصــا مــن يــده وفـنر
فزعاا .دبعيدها انفتح باب الباحة على مصـراعيه وانـدفع اللصـوص المسـلحون داخليـن .أسـرع بعـض
الجيـ ـران لمســاعدة "ميلففو" فتغلــب عليهــم اللصــوص بســهولة ...أتـ ـوا إلــى اصــطبلنا واقتــادوا ثلثتنــا
وحملونا بأثقل الصدرعر قدر ما استطاعوا أن يدكوكموا على ظهورنا ،ثم ساقونا خارج البيتا المسلوب
ن
"). (11
7
وعنــدما يتحــدث ال ـراوي عــن الفتــاة الــتي أســرها اللصــوص يقــول " :بعــد قليــل قفــل اللصــوص
يعلــو وجهــوهم الجــد الجــاد ،ولــم يجلبـ ـوا معهــم -رغــم كــثرتهم وســلحهم -شــيئا مــن الغنــائم علــى
الطلق ،ول حتى عباءة رثة ،إوانما مجرد فتاة واحدة أسيرة ،كانتا تنتمي إذا ما حكمنا من مظهر
ثيابها إلى إحدى العائلتا الكبرى في المنطقة ،وكانتا جميلة بدرجـة خارقـة أقسـم أنهـا جعلتنــي أنـا
الجحش أقع في غرامها" ).(12
وعلــى الرغــم ممــا يبــدو علــى شخصــية الســارد الشــاهد مــن حياديــة ,فــإن المؤلــف كــثي ار مــا كــان
ديخرل بهذه الحيادية ,ويتدخل أثناء السرد بالشرح أو التعقيب بطريقة فنجة تصدم القارئ ،مثال ذلـك:
حــديثه عــن زوجــة المستشــار الــتي حــاولتا أن تسـكمم ربيعبهــا انتقامـ ا منــه لعــدم مبــادلته إياهــا الحــب,
فتسـنمم ابنهــا عــن طريــق الخطــأ ،يتــدخل الســارد ليبــدي وجهــة نظـره المتحاملــة علــى زوجــاتا البــاء
فيقــول ":فمــا أعجــب كيــف يتفكــك عنــد الــبيع بيــتا علــى حيــن بغـرة ,وتتنــافر مكونــاته فــي كــل اتجــاه
شذر مذر").(13
يعمد المؤلف فــي كـثير مـن المواضــع إلـى تنويـع صــيغة الســارد حسـب الســياقاتا الــتي تـرد
فيها ،فحينما يمنسه المر بشكل مباشر كأحد شخوص العمل الروائي تبرز النا المشــارك ،وعنــدما
يــتراجع دوره فــي تحريــك الحــداث ويكــون مطلعـا عليهــا قريبـا منهــا يلجــأ المؤلــف إلــى تقنيــة الـراوي
الشاهد ،وحينما يرغب في أن يترك للشخصية الروائية دورها في ســرد مــا يجــري حولهــا أو لهــا مــن
أحداث دون تدخل منـه بالتأويـل أو التفسـير أو التعقيـب ،يجـري السـرد علـى لسـانها فتنطلــق وتتكلـم
مباشرة بصوتها ,ويتراجع دوره كـ اركو رئيـس للحـداث ,ولكـن" يظــل السـارد ,ضــمير المتكلـم ,ضــابطا
. )(14
لليقاع العام داخل القصة "
وهذا التنويع في صيغة السارد نألفه في معظم العمال الروائية الحديثة ,إذ من الصــعب
بـل مـن المسـتحيل أن يسـتمر الـراوي علـى صـيغة واحـدة مـن بدايـة العمـل إلـى نهـايته فـ ـ " كـثي ار مـا
لجأ الكتاب الروائيـون إلـى تنويـع الـراوي فـي العمـل الروائـي الواحـد ،وفـق مـا يقتضـيه سـياق السـرد،
كــأن يــترك الـراوي الــذي يــروي بضــمير النــا مكــانه ،فــي مفصــل مــن مفاصــل العمــل الروائــي ،إلــى
8
الراوي الشـاهد ،أو كـأنه يتحـول هـذا الـراوي الـذي يـروي بضـمير النـا من اركو حاضـكر يعـرف أمو ار
كثيرة ) لنه معنى بها ( إلى مجرد شاهد ينقل فقط ما يقع عليه نظره" ).(15
وحينمـ ــا يـ ــترك الـ ـراوي الكلم للشخصـ ــية ل يعنـ ــي ذلـ ــك " أن الشخصـ ــية هنـ ــا تمـ ــارس دور
الـ ـراوي ،أو أن الـ ـراوي هــو شخصــية تــروى بضــمير ال ـ ـ "النــا" ،بــل بمعنــى أن الـ ـراوي الــذي روى
)
بصــوته عــن هــذه الشخصــية يتقــدم بهــا ،وفــي ســياق روايــة عنهــا ،ويــدعها تنطــق مباشـرة بصــوتها"
،وعــادة مــا يضــع ال ـراوي كلم الشخصــية بيــن علمــتي تنصــيص مثــال ذلــك ،ال ـراوي يخــاطب (16
شخصية "أريستومنيس" أحد شخوص الرواية ,ويطلب منه أن يســرد حكــايته فيقــول ":قــال الرجــل":
أشكرك جزيل الشكر على عرضك الكريم .بيد أني لستا في حاجة إلى جزاء لنبئــك بقصــتي وكــل
كلمــة فيهــا – وأقســم لــك بالشــمس الــتي تــرى كــل شــيء – صــادقة كــل الصــدق ....يجــب أن أبــدأ
بتعريف نفسي ،اسمي ومهنتي وما إليهما.(17)"..
ليعقب الراوي بعد انتهاء الشخصية من كلمها ":كانتا تلك نهاية قصة "أريستومنيس").(18
أحيان ا المؤلف ل يسرد كلما سمعه من الخرين على نحو ما رأينا في الحالــة الســابقة ،إوانمــا
يتم السرد على لسان أحد الشخوص الروائية ،ليتوارى دور الراوي عن المشهد ،وفي هـذه الحالـة ل
تكون الشخصية الساردة مشاركة في الحدث أو ذاتا علقة بالحدث المروي ،إوانما تسرد ما عرفتــه
أو س ــمعته عل ــى النح ــو ال ــذي يق ــوم ب ــه الـ ـراوي أحيانـ ـاا ،مث ــال ذل ــك م ــا ق ــامتا ب ــه العج ــوز إح ــدى
شخصــياتا الروايــة مــن ســرد حكايــة " كيوبيد وبسوكي" للفتــاة الســيرة كــي تدس ـكليها وتجعلهــا أحســن
" ،كان فـي قـديم الزمـان )(19
ل " دعيني الن أروي لك حكاية أو حكايتين تجعلك أحسن حالا "
حا ا
وســالف العصــر والوان ملــك وملكــة وكــان لهمــا ثلث بنــاتا جميلتا(20)"...ـ ـ ،وتســتغرق روايتهــا
لحكاياتا" كيوبيد وبسوكي" مساحة 48صفحة من صفحاتا الرواية ،يغيب فيها الراوي تمامـا عــن
عمليــة الســرد ،وينقطــع عــن الحــداث ،ليأخــذ دور المســتمع فقــط ،لــذا فهــو يعقــب فــي نهايــة الكلم
المروي " :وقفتا بحوار الفتاة السيرة أنصتا إلى هذه القصة الجميلة ،ورغم أن التي روتها كانتا
عجو از ثعبملة ،نصف معتوهة ،فقد أسفتا إذ لم تكن لدي وسيلة ما أسجلها بها كتابة " ).(21
9
ج -السرد بضمير الغائب:
تقنية السرد بضمير الغائب تكاد تكون من أقــل أســاليب السـرد الــتي بـرزتا فـي الروايـة ،حيــث
إن الراوي كثي ار ما يكون مشاركا في الحداث أو شاهدا عليها فيكون ضمير المتكلم مناســبا لــذلك؛
ولكن في بعض المواضع لجأ الكاتب إلى صيغة السرد بضمير الغائب ليكون الراوي ناقلا للحــدث
من الخارج ،دون تدخل صارخ فيما يجري ،فهـو" وسـيلة صـالحة لن يتـوارى وراءهـا السـارد فيمـكرر
مـ ــا يشـ ــاء مـ ــن أفكـ ــار وأيـ ــديولوجيا ،وتعليمـ ــاتا وتوجيهـ ــاتا وآراء دون أن يبـ ــدو تـ ــدخله صـ ــارخا ول
مباش ارا" ).(22
وقــد منهــد الكــاتب لعمليــة التحــول فــي صــيغة الســرد بقــوله علــى لســان البطــل ":ولمــا لــم أكــن
حاضـ ار فــي أثنــاء المحاكمــة أنــا نفســي ،بــل كنــتا مقيــدا إلــى معلفــي ،فــإن روايــتي مســتقاة بالضــرورة
من مصدر ثاكن عن طريق الحاديث العارضة لزوار الحظيرة المتنوعين" ).(23
فعندما عقـدتا المحكمــة جلسـتها لســماع الشــهود فــي قضــية قتـل ابــن المستشـار الــذي ددنس لـه"
السم" في كأس النبيذ ،فإن الحداث التي جرتا فيها بعيدا عن الراوي /البطل ،تم ســردها بضــمير
ل لدى القارئ ،فيقول عن الشاهد "عبد المستشــار" ":كــانتا روايتــه
الغائب ،لتكون أكثر واقعية وقبو ا
أن الربيب اشترى حزمة من الرسم ،بعد أن أذنله ررد محاولته الفاحشة ،ثـم أرســل يطلبــه ورشــاه بمبلــغ
،ولكــن اســتخدام ضــمير الغــائب فــي )(24
كــبير مــن المــال ليقفــل فــاه ,وأم ـره أن يقــدم الرســم للصــبي"
عملية السرد قد خوول الراوي كشف مخبآتا الشخوص والتغلغل في أعماقهــا النفيســة والفكريــة ",إن
استعمال ضمير الغائب يتيح للكاتب الروائي أن يعرف عن شخصياته وأحداث عملــه الســردي كــل
شيء ،وذلك على أساس أنه قد تلقى هذا السرد قبل إف ارغــه علــى القرطــاس") .(25لــذلك كـان تعقيـب
السارد على هذا النحو مـن الحكــم علــى الشخصـية" كــان الشــاهد ممثلا جيـداا ،وحيــن اختتــم كلمـه،
. )(26
بعرض مقنع إواثارة معتبرة دأعلن قفل القضية"
10
إلففى جففانب تقنيففة الففراوي ففي عمليففة السففرد ,اعتمففد المؤلففف علففى تقنيففات أخففرى فففي تقففديم
مادته القصصية من أهمها:
الوصفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففف: -1
الوصــف فــي العمــل الروائــي ضــرورة ســردية ،ل يخلــو منهــا أي عمــل فنــي ،إذ إن الكــاتب-
من خلله -يستطيع أن يرسم ملمـح وأبعـاد عناصـره الفنيـة :الشخصـياتا ،الحـداث ،المـاكن،
المشـ ــاهد ،ويقربهـ ــا إلـ ــى ذهـ ــن القـ ــارئ؛ لتصـ ــبح أكـ ــثر واقعيـ ــة وتجسـ ــيدا لمـ ــا هـ ــو قـ ــائم فـ ــي العـ ــالم
الخــارجي ،إضــافة إلــى أن تقــديم المزيــد مــن التفاصــيل ،واستقصــاء الشــياء يمنــح القــارئ فرصــة
التقاط أنفاسه وهو يتابع الحداث التي تجري ،والغراق فــي التأمــل واستحضــار مــا هـو غـائب ،ف ـ
" الوصــف تقنيــة ســردية تقــوم علــى البطــاء فــي عــرض الحــداث ،حــتى يبــدو أن الســرد قــد توقــف
عن التنامي ،تاركا المجال للسارد لكي يقدم المزيد من التفاصيل الجزئية").(27
الول ــى جمالي ــة :والوص ــف يقــوم ف ــي ه ــذه الحالــة بعم ــل تزيين ــي ،وه ــو يش ــكل اس ــتراحة ف ــي وس ــط
الحداث السردية ،ويكون وصف ا خالصا ل ضرورة له بالنســبة لدللـة الحكــي ،...الثانيــة توضــيحية
أو تفسيرية :أي أن تكون للوصف وظيفة رمزية دالة على معنى معين في إطار سياق الحكي.
وفي رواية تحولتا الجحش الذهبي ،نجد تقنيـة الوصــف تحتــل مسـاحة واسـعة مـن العمــل الروائــي،
اســتطاع الكــاتب مــن خللهــا أن يقـ ـكدم شخوصــه وأمــاكنه بصــورة محسوســة ،ذاتا قيمــة تصــويرية
تزيينيــة مــن ناحيــة ،وتفســيرية دلليــة مــن ناحيــة أخــرى ،فعنــدما يصــف الكــاتب بيــتا" ميلففو" فــي
"هوباتا" فإنه يثير في مخيلة القارئ صورة هذا البيتا من الخارج والداخل ،ويجعله يتحنســس أبعــاده
وتجاويفه وأثاثه ،وفي الوقتا نفسـه ،ل يخلـو المـر مـن الدللـة علـى شخصـية صـاحبه الـذي يتسـم
بالغنى والبخل والعيش على الكفاف ،فحين سأل لوكيوس /البطل عجو از عن بيتا "ميلو" قــالتا" :
11
إن بيته أول بيتا تبلغه ،مبني في الخلء ،خارج أسوار المدينة ،حيث توجــد العلمــاتا الرســمية...
هنــاك يعيـش ميلو عجـوز مفـرط الغنـى ,ودسـنبة فــي جـبين المدينـة ,أحقـر وأبخــل وأقــذر رجــل رأيتــه ,
هو م اركب -الربا الفاحش أهـم مـا يهمـه فـي الحيـاة -يعيـش داخـل الـبيتا الكـبير الخـالي مـن الثـاث
مقفلا عليــه ،يحــدق بطيلــة اليــوم فــي أكــداس مــاله .(29) "..ليكــون لهــذا الوصــف ) وجــود المنــزل فــي
الخلء بعيــدا عــن حركــة النــاس ،وقلــة الثــاث مــع اتســاع مســاحة الــبيتا وث ـراء صــاحبه ،ووصــفه
بالبخل والمراباة والحقارة (..دودره في تنبؤ القارئ بموقف " ميلو" من ضـيفه ،وعـدم احتفــائه بـه كمـا
يجــب ،واليحــاء لــه بــالجواء الــتي تنعكــس علــى مجــرى الحــداث ،وهــو مــا كشــفتا عنــه المقــاطع
اللحقة ،يقول ":وجدتا ميلو في غرفة طعامه متمددا على حشنية ضيقة جــداا ،وكــان قــد بــدأ تنــاول
عغــدائه منــذ قليــل ،وقــد جلســتا زوجتــه عنــد قــدميه ،حــرك يــديه نحــو المائــدة الــتي تكــاد تكــون خاليــة
تماما من الطعام وقال ":في الوقتا المناسب تمام ا لوجبة ").(30
إن الكـ ــاتب أراد مـ ــن وراء ذلـ ــك أن يقـ ــدم للقـ ــارئ صـ ــورة حيـ ــة ناطقـ ــة للمكـ ــان ،قـ ــادرة علـ ــى
امتصــاص ســكونية الوصــف وبطــء حركتــه " ومجموعــة كلب الصــيد الــتي كــانتا تمســك بمقودهــا
توازنتا على أقدامها الخلفيـة متحفـزة للنطلق فـي لحظــة ،بـدتا الكلب عابســة بعيونهــا المتوحشـة
وآذانها المنتصبة ...فلو أن كلبا آخر نبح فجأة لحسبتا النباح للتو صاد ار مــن حناجرهــا المرمريــة
البيضاء").(32
وأحيانـا يلجــأ الكــاتب إلــى تقنيــة الوصــف لبـراز مــوقفه ورؤيتــه الخاصــة لمــا يجــري ،فحيــن
يصــف زوجــة الخنبــاز ديمعــن فــي ذكــر صــفاتها الســلبية بشــكل ينــبئ عــن تحــامله عليهــا ،ورفضــه
12
لســلوكها وكــل مــن هــو علــى شــاكلتها " لــم تكــن ث ـنم رذيلــة واحــدة ل تتصــف بهــا ،كــان قلبهــا خ ازن ـ ا
دأفبرغــتا فيــه كـ ـ دل ضــروب المجــاري القــذرة ،كــانتا خبيثــة قاســية القلــب ،حقــودة ،شــهوانية ،ســكيرة،
أنانية ،عنيدة ،دنيئة في سرقاتها الحقيرة ،كما كانتا مسرفة في عربدتها ،عدوة لكـل مـا هـو صــادق
وطاهر.(33)"...
-2السترجاع :
السـترجاع وسـيلة فنيـة سـردية يعمـد إليهـا الكـاتب للعـودة بهـا إلـى أحـداث أو ذكريـاتا قـد سـبق
وقوعه ــا ،م ــن أج ــل أن يس ــتكمل أبع ــاد الس ــرد القصص ــي وتفريع ــاته ،أو إض ــاءة الموق ــف الحاض ــر
بمواقف أو ذكرياتا لها علقة به ،فالراوي " يترك مستوى القـص الول ليعـود إلـى بعـض الحـداث
الماضية ,ويرويها في لحظة لحقة لحدوثها"). (34
وبعبارة أخرى إن تقنية السترجاع تتمثل في أن " كل عـودة للماضــي تشــكل اســتذكا ارا ,وتحيلنــا
على أحداث سابقة تحقق مقصدياتا حكائية تمل الفجواتا التي يخلفها السرد وراءه ,أو تشير إلى
أحداث أهملها السرد الراهن ,وأصبح الستذكار وسيلة لسد فراغها " ).(35
وممــا يلحــظ علــى تقنيــة الســترجاع فــي الروايــة أن الكــاتب يســتخدمها بشــكل محــدود إذا مــا
دقورنتا بالتقنياتا السردية الخــرى ،كالوصــف ,والحـوار ,والتضــمين وغيرهــا ،وأعتقـد أن المـر يعــود
بشكل رئيسي إلى الشكل البنائي للروايـة ،حيــث إنهــا تتكـون مـن عـدد مـن الفصــول ،كـل منهـا يكــاد
يس ــتقل بشخوص ــه وأح ــداثه إل ــى ح ــد ك ــبير ،ول يربط ــه بغيـ ـره مــن الفص ــول س ــوى ال ــترتيب الزمن ــي
للقــص ،وشخصــية البطــل الــتي تنتقــل مــن مكــان إلــى مكــان ،ومــن شــخص إلــى آخــر مولكــدة بــذلك
أحداثا جديدة تسهم في تحقيق المغزى من الرواية.
فعندما التقى لوكيوس في بداية الرواية بف أريستومنيس وصاحبه ،وطلـب منـه أن يســرد لـه مــا
رفض صاحبه سماعه من قصص خرافية ل تصدق ،عاد بالحداث إلى الوراء واســترجع قصــة قــد
ل مــا هــو تفســيرك لمــا حــدث لــي؟ لقــد تح ـنداني البارح ـةع
حــدثتا لــه فــي اليــوم الســابق " ،قــل لــي مث ا
13
بعضهم عند العشاء على مائدته لسابقه في التهام الطعام ،وقد حاولتا أن ازدرد ملء فمـي جبنـاا.
كــانتا قطعــة الجبــن مــن الرخــاوة والنعومــة بحيــث انحشــرتا فــي منتصــف حلقــي فســدتا قصــبتي
الهوائيــة ,وبكــدتا أقضــي اختناقـاا ،بينمــا شــاهدتا قبلهــا بأيــام فــي أثينا أحــد المشــعوذين يبتلــع بالفعــل
سيفاا.(36) "..
وكــانتا الغايــة مــن عمليــة الســترجاع هــذه ،التــدليل علــى وقــوع ح ـوادث غريبــة وعجيبــة قــد ل
يصدقها العقل ،وهي من وجهة نظره حقيقة واقعــة ،ليكــون ذلــك تمهيــدا لســماع قصــة أريستومنيس
مع صاحبه سقراط التي انطوتا على كثير من المشاهد الغريبة ،والحوادث العجيبة ،بــدا سقراط "
شاحب ا ونحيف ا بشكل مزكر جالسا على الرض نصف كأس ،بعباءة قذرة رثة دمشنعدرسة كأنه بالضــبط
شــحاذ علــى قارعــة الطريــق") " ,(37ثــم احمــر وجهــه وجــذب الخــرق علــى وجهــه ,ممــا أدى إلــى أن
). (38
ينكشف نصف جسده السفل من الرسنرة فما تحتها"
وقــد يأخــذ الســترجاع بعــدا داخلي ـا يتعلــق باســتجلء حــدث وقــع فــي الروايــة يكتنفــه شــيء مــن
الغموض ،فتكون وظيفته تفسيرية توضيحية لما جرى أو يجري مــن أحــداث ,فعنــدما ظــن لوكيوس
أنه قتل ثلثة لصــوص علــى بــاب " ميلو" ،المــر الــذي أشــقاه ،اســتجلى الـراوي حقيقــة المــر علــى
لســان الخادمــة فوتيس ،واســترجع مــا قــامتا بــه مــن إحضــار عش ـععر جلــود مــاعز كــانتا معلنقــة أمــام
حانوتا ،بدلا من شعر الفتى البويتي الذي كانتا بامفيلي تنــوي سـحعره ،ومـن ثـم وقـع السـحر علــى
الجلود ,و" بدلا من مجيء الفتى البويتي جاءتا جلود المــاعز تتعــارك للــدخول مـن بوابــة بيتنــا...
تا سيفعك بشجاعة مثل أجاكس حينما دجنن وحسب قطعان الغنم أعداءه ،لكن عملك كــان أنبــل؛
سلل ع
إذ إنك لم تسفك قطرة من دم حتى إوان كانتا دم نعجة").(39
وعندما اندعى خادم زوجة المستشار قتل ربيببها لخيه بالرسم ,لجأ الكاتب إلى تقنية الســترجاع
ليكشف أحـد القضـاة -وهـو طـبيب -عن الحقيقـة ،ويسـترجع مـا قـام بـه الخـادم مـن شـراء الرسـم مـن
القاضي نفسه ,فيقول ":هذا المجرم ...جاءني منذ يومين وقندم لــي مــائتي قطعــة ذهبيــة ثمنـ ا لرســم
دزعاف سريع المفعول .(40)"...
وأحيانـ ـا يس ــتخدم الك ــاتب الس ــترجاع عن ــدما يع ــود لشخص ــياتا س ــبق أن ظه ــرتا ف ــي المش ــهد
الروائي ،ولـم يتسـع سـياق السـرد حينهـا إلـى تقـديمها للقـراء ،علـى نحـو مـا جـاء علـى لسـان الـراوي
14
في تقديم شخصية ثياسوس الرجل الــثري ،بعــد حكايــة لوكيوس مــع الخــوين :الطــاهي والحلـواني
والتهــامه لطعامهمــا بشــكل مــثير ,فيقــول ":هنــا يجــب علـني أن أنــبئكم ،رغــم تــأخر الــوقتا ،مــن كــان
ثياسوس ،أصــله مــن كورنثة عاصــمة أكايا ,ولمــا كــانتا رتبتــه رفعتــه بنجــاح إلــى جميــع المناصــب
الص ــغرى ال ــتي خ ــولته إياه ــا مك ــانته ومق ــامه ,فق ــد ص ــار الن قاض ــي كورنثففة للس ــنواتا الخم ــس
القادمة"). (41
وعليه ,فإن السترجاع السردي ليس تقصي ار في عملية السرد ,أو قطع ا دمبخلا لزمن الســرد كمــا
يبدو في الظاهر ،إوانما هو تكنيك فني يعمد إليه الروائي لتحقيق غاياتا تسـهم فـي ت اربــط الحـداث
،واستجلء أبعادها الغامضة .
-3التضمين :
يعد التضمين الحكائي من التقنياتا السردية التي ظهرتا في الدب العربـي القـديم؛ كــألف ليلـة
وليلــة ،حيــث يقــوم الكــاتب بتضــمين النــص المســرود حكايــاتا أو مقــولتا خارجيــة ،بهــدف تعضــيد
المحكــي ,إواضــاءة بعــض زوايــاه الدمعبتمــة أو بهــدف التســلية والتسـرية عــن نفــس القــارئ الــتي تظــل
مشــدودة مــع الحــدث ،ومتشــوقة لبلــوغ نهــايته ".إن مــن أهــم ممي ـزاتا التضــمين الحكــائي أنــه يمنــح
الرواية شكلا زمني ا جديدا يقوم على تداخل الحكاياتا ،وجدل حاضرها مع ماضيها").(42ولشــك أن
بــروز حكايــاتا جانبيــة فــي الروايــة يعمــل علــى تبــاطؤ الحــدث الرئيــس المســرود ,ويخفــف مــن درجــة
اندفاعه وتوتره .
والمؤلــف لوكيففوس أبوليفوس لجــأ إلــى تقنيــة التضــمين بشــكل لفــتا للنظــر ،حيــث يقــوم غالب ـا
ل على واقعيــة مــا يجــري،
بسرد حكاية فرعية على لسان الراوي ,أو أحد الشخوص ,متخذا منها دلي ا
أو يــرى فــي اســتدعائها استحضــا ار لتجربــة إنســانية غائبــة تــردف التجربــة الحاضـرة بكــثير مــن القيــم
والفكار التي تتآزر معها ،وتسهم أيضا في تفسيرها وتوضيحها .
مثال ذلــك :عـورج المؤلــف علــى ســرد حكايــة أريستومنيس مــع صــاحبه سقراط ،وأفــرد لهــا
معظم صفحاتا الفصل الول من روايتة ،على الرغم من أنها ل تتصــل بشـكل مباشــر مـع الحـدث
الرئيــس ،ول تلعــب دو ار فــي نمــوه وتطــوره ،ولكنهــا فــي الــوقتا نفســه ل تخلــو مــن فائــدة تتجلــى فــي
تهيئــة المنــاخ الحكــائي للقــارئ ,كــي يســتقبل أحــداثا غرائبيــة وعجائبيــة تنطــوي عليهــا الروايــة لحقـاا.
15
فهو يسرد حكاية سقراط عن "ميروى" المرأة الساحرة لصاحبه أريستومنيس فيقول ":إن تعـبرد ســماع
ل :ج ــرؤ أح ــد
أع ــاجيب أك ــبر ق ــدمتها أم ــام ش ــهود ع ــدول فس ــوف أذك ــر بعضـ ـا منه ــا ،حس ــن ..أو ا
عشــاقها علــى معاش ـرة ام ـرأة أخــرى ،فلــم تفعــل ســوى أن تمتمــتا بكلمــة واحــدة فــإذ بــه يتحــول إلــى
قدشن ـددس" " لمــاذا إلــى قدشن ـددس بالــذاتا ؟" " لن القدشن ـددس إذا مــا بــاغته البط ـراد قضــم خصــيتيه وألقاهمــا
علــى ضــفة النهــر ,ليبعــد عنــه كلب الصــيد ...إلــخ الحكايــة") .(43ثــم تعــود القصــة بعــد ذلــك إلــى
مج ارهــا ,وهــو اســتكمال رحلــة البطــل /الـ ـراوي حيــث يقــول ":انحــرف الــرجلن قاصــدين مجموعــة
بيوتا على يسار الطريق ,وتابعتا أنا طريقي قدماا").(44
وأحيانـا يأخــذ المؤلــف مــن التضــمين الحكــائي غايــة شــكلية ,هــي إدخــال الســرور إلــى نفــس
القارئ إوامتاعه بحكاياتا ذاتا طبيعة غرائبية مثيرة ،متخـذا مــن الحــدث الرئيــس نقطــة انطلق نحـو
الحكاية المتضنمنة؛ فعندما التقــى لوكيوس برهاينا صــديقة أمــه فــي حفــل عشــاء دعتــه إليــه ،طلبــتا
الخيـ ـرة م ــن ثيلففوفرون ض ــيفها أن يق ــص عل ــى لوكيففوس حكاي ــة يمتع ــه به ــا ,وي ــدخل إل ــى نفس ــه
السرور ،فأجابها لطلبها وسرد قصة حراسته لحدى الجثث مقابــل مكافــأة مــن المــال ،ليكتشــف فــي
نهايـة المـر ،أن السـاحراتا قـد تسـللن إلـى الجثـة مـن عثقب البـاب فـي صـورة دجـرذان وفئـران ،وبـدلا
من أن يقضمن أج ازاء منها ،قضمن من وجهه؛ أنفه وأذنيه ,وهو مـا كـن ينتـوين اقتطـاعه مـن وجـه
الميــتا ،وعوضــنه عنهمــا بــأنف وأذنيــن مــن الشــمع ,قــال ":عنمنــي الهلــع مــن هــذه القصــة ،فوضــعتا
يدي على وجهي لرى ما إذا كانتا حقيقة فسقط أنفي ،ثم لمستا أذني فسقطتا هما أيضاا ،أشارتا
مائــة يــد مــن الجمــع نحــوي ,وانطلقــتا موجــة عاليــة مــن الضــحك ") .(45ليعــود الـ ـراوي بعــدها إلــى
استكمال الحوار بين برهاينا ولوكيوس الذي دعته في الغد إلى حفل الضـحك الـذي يقـام عـادة فـي
هوباتا.
وكون أن التضمين يعمل على بطء حركة الحداث الرئيسة في الروايــة ،فــإن المبالغــة فــي
ت ــوظيفه ,إواطال ــة مس ــاحته المس ــرودة ,يح ــدث نوعـ ـا م ــن ال ــتراخي بي ــن الح ــداث المتلحق ــة ،ويفق ــد
الحــدث الرئيــس تــورهعجه إواثــارته ،ممــا يشــعر القــارئ بترهــل البنــاء القصصــي ,وغيــاب التــبرير فــي
تعاقب الحكاياتا .وخير مثال على هذا النوع من التضمين ما جاء على لســان إحــدى الشخصــياتا
من حكاياتا متضمنة متلحقة بغرض تسلية الفتاة السيرة الــتي وقعــتا فــي قبضــة اللصــوص .وقــد
16
تمــتا الشــارة إلــى ذلــك ص ـراحة علــى لســان العجــوز " دعينــي الن أروي لــك حكايــة أو حكــايتين
تجعلبك أحسن حالا " ).(46
وممــا يلحــظ أن المؤلــف ،قــد وضــع الحكايــة المتضــمنة بيــن علمــتي تنصــيص ,وافتتحهــا
بعبــارة تقليديــة يشــيع اســتخدامها فــي مثــل هــذه الحكايــاتا " ,كــان فــي قــديم الزمــان وســالف العصــر
والوان ملــك وملكــة وكــان لهمــا ثلث بنــاتا جميلتا(47)"...؛ليــوحي للقــارئ بانفصــال هــذه الحكايــة
عن جسد الرواية ،وأنها تقع خارج حدود السرد القائم .ومع امتداد مساحة الســرد للحكايــة إلــى 48
صـفحة ,يتـبين لنـا إلـى أي مـدى أثنـرتا علـى تتـابع الزمـن السـردي ,وعملـتا علـى انقطـاعه فـترة من
الزمن ،ليستأنف الراوي بعـد ذلـك أحـداث القصـة مـن حيـث تـوقفتا ,فيقـول ":رجـع اللصـوص بكميـة
هائلة من السلب ،إوان كان واضحا أنها جاءتا بعد معركة ضارية .(48)"..
ومث ــل ه ــذا الن ــوع م ــن التوظي ــف يكث ــف م ــن الح ــداث الجاري ــة ف ــي الرواي ــة ،وي ــوجه المتلق ــي نح ــو
اكتشاف العلقـة الخفيـة بيـن النــص المســرود والنـص المتضـنمن ،ومـا تحملـه مـن قيــم فنيــة وجماليــة
ودللية تثري فضاء العمل الروائي .
ومــن أكــثر أشــكال هــذا النــوع مــن التضــمين /التنــاص بذكـدر الســاطير اليونانيــة والفرعونيــة
القديمة ،التي تتماهى في أحداثها إلى حد كبير مع سياق النص الروائي وتــثريه ،يقــول علــى لســان
ثيلوفرون عنــدما أراد أن يحــرس جثــة ميــتا مــن س ـرقة الســاحراتا لبعــض أجزائهــا ":أنــا رجــل مــن
حديــد ،ل يهمنــي النــوم ،ولــي عينــان أح ـرد مــن عينــي لونكيففوس رقيــب ســفينة الرغففو ،يمكــن فــي
الواق ــع ,الق ــول ب ــأنني كل ــي عي ــون مث ــل العملق آرغففوس ال ــذي كلف ــه جوبيففتر ذاتا ي ــوم بالحوري ــة
إيو").(49
فـ ــالنص – كمـ ــا هـ ــو واضـ ــح – يزدهـ ــم بالسـ ــماء اليونانيـ ــة " لونكيفففوس ،سـ ــفينة الرغفففو،
أرغوس ،جوبتير ،إيو" ممــا يجعلــه منفتح ـا علــى تجــارب إنســانية متعــددة ،وامتــدادا لهــا ،فاســطورة"
لونكيوس" الــذي كــان يحــرس ســفينة " الرغو" كمــا تقــول الوديسا -ســحر ع ارئــس البحــر حــتى ل
17
يفــترس البنحــارة الــذين عــادوا عليهــا مــن حــرب طــروادة ،تكــاد تتطــابق مــع الفك ـرة الــتي تتحــدث عــن
ح ارســة " ثيلفوفرون" لجثــة الميــتا حــتى ل تقضــم الســاحراتا منهــا أج ـ ازاء يســتعملنها فــي تعاويــذهن
السحرية ،وفــي تــوظيفه أيضـ ا لســطورة العملق " أرغوس" إشــارة إلــى مــا ســيبذله " ثيلوفرون" مــن
إخلص فــي حمايــة الجثــة ،كمــا أخلــص أرغففوس فــي ح ارســة " إيففو" وأبقاهــا بعيــدة عــن عشــيقها
زيوس ،إذ كان ل يطرف له جفن إن ليلا إوان نهــا ارا ،حــتى اســتطاع " هرمز" ابــن " زيوس" ،بعــد
أن غم ـره بالحــاديث المعســولة ،أن يطيــح ب أرســه وتغــدو " إيففو "ح ـرة ) .(50وفــي ربــط المؤلــف بيــن
البطل /لوكيوس ،وما لقاه من ضرب ,ولعناتا ,وتمزيق للثياب و" أدونيس حين هرسه الخنزير
الــبري ،أو أورفيففوس )(51ـ ـ حيــن قطعتــه نســوة تراقيففا إربـ ـاا") .(52مــا يجعــل مــن بطلــه مثــالا للمغــامرة
والتضحية ,وسوء العاقبة.
-4الحوار:
الحـ ـوار مــن التقنيــاتا القصصــية المهمــة الــتي تضــفي علــى عمليــة الســرد جانبـ ـا مــن الحيويــة
والحركيــة فــي الداء ،بحيــث تجعــل القــارئ فــي مواجهــة المشــهد الحكــائي مباش ـرة دون حاجــة إلــى
وسيط ) اركو( يروي له الحدث ،مما يصبغ النص المحكـي بكـثير من الموضـوعية والواقعيـة فــ" فـي
الحـوار تـترك الشخصـياتا تتحـدث دون تـدخل مـن السـارد ،ممـا يزيـد مـن التـأثير الـدرامي للمشـاهد،
التي تتضمن حوا ارا ،لن القارئ أو المستمع يشعر أنه أمام أحاديث حقيقية "),(53وهو ما يؤدي إلى
تنويع أداة القص وتلوينها بما يدفع الملل والسأم عن نفس القارئ.
فــالحوار يظــل" رديــف الســرد" ،وأداة القــاص الموازيــة لــه ،ليصــال عــالمه القصصــي الخــاص،
ولبراز خصوصية شخوصه ,وبراعة القاص في الحوار تظهر عنـد إبـ ارزه الفـروق بيـن المتحـاورين,
بحيث تحس حقا بوجود شخصيتين متمايزتين" ).(54
وفي رواية تحولتا الجحش الذهبي ،يحتل الحوار مساحة واسعة من صــفحاتا الروايــة؛ بحيــث
يتنــاوب بشــكل لفــتا للنظــر مــع تقنيــة الســرد ،ويحقــق تنويعـ ـ ا – مرغوبـ ـ ا فيــه – فــي طريقــة تقــديم
الحــداث والشــخوص الــتي تجــري علــى صــفحاتا الروايــة .وممــا يلحــظ علــى تقنيــة الح ـوار فــي
الرواية أنه يأخذ في الغالب شكلا ثنائيا بين شخصيتين ،وقليلا ما يكون الحوار جماعيا بيــن عــدة
شخوص ،ففي سياق الحديث عن زوجة الخنباز ،وخيانتها لزوجها مــع أحــد الشــبان يو ك
ظــف المؤلــف
18
تقنيــة الحـوار فــي تعميــق الموقــف القصصــي ،وكشــف دهــاء المـرأة وقــدرتها علــى الخــداع ،إذ يــدور
حـوار بيــن زوجــة الخنبــاز والعجــوز كاتمــة أسـرارها ,حــول ضــرورة اختيــار العشــيق النســب والقــوى
علــى خــداع الــزوج " ،إلـوي بالقصــة" قــالتا زوجــة الخنبــاز " تعرفيــن بارباروس ..أليــس كــذلك؟ أعنــي
المستشــار البلــدي الملقــب ب ـ ) العقــرب ( لطــبيعته المقيتــة .طيــب .لقــد تــزوج فتــاة جميلــة مــن أسـرة
كريمــة ،وهــو الن ديوصــد بيتــه عليهــا متخــذا كــل حيطــة تتخيلينهــا حــتى ل يصــبح أحــد قريب ـا إليهــا
أكثر مما يجب".
" -آه ..طبعاا .أعرف أريتي معرفة طيبة جدا .لقد كنا في المدينة معاا".
" -في هذه الحالة يمكنني أن أصمتا ،إذ ل بد أنك سمعتا بالقصة".
" -لم أسمع بكلمة واحدة منهــا ،وأشــتاق لمعرفـة مــا حـدث ،ابـدئي مــن البدايــة ،يــا خالــة ،وأمضـي
إلى النهاية").(55
ف ــالحوار هن ــا ج ــاء لتحقي ــق غ ــايتين :الول ــى تعمي ــق الموق ــف الس ــابق وتقريـ ـره .والخ ــرى،
التمهيد لتوليد حكاية فرعية تشوق القارئ ,وتجدد لديه النشاط في متابعة القص.
وأحيانا ينحو الحوار في الرواية منحى جماعيـا تغيـب فيـه شخصـية المتحـاورين؛علـى نحـو
مــا جــاء فــي الح ـوار الــذي دار بيــن مجموعــتين مــن اللصــوص ،إذ حــاول المؤلــف أن يتخــذ منــه
وسـ ــيلة لسـ ــتمرار القـ ــص ،وتوالـ ــد الحـ ــداث ،حيـ ــث أخـ ــذتا كـ ــل مجموعـ ــة فـ ــي اسـ ــتعراض مواقفهـ ــا
الشجاعة ،ودورها في الحصول على أكبر قدر من النقود والغنائم ,لينتهي الحوار إلى إبـراز بعــض
المواق ــف الدرامي ــة ال ــتي تص ــاحب أعم ــال اللص ــوص ع ــادة ":وف ــي الخت ــام ش ــرع أش ــدهم ف ــي إلق ــاء
خطاب :
" ليصــمتا الجميــع إننــي أتحــدث باســم الفتيــان الشــجعان عنــد آخــر هــذه المائــدة الــذين أغــاروا علــى
بيتا ميلو واكتسحوه في هوباتا...
أمــا أنتــم فل نعتــد بكــم كــثي ار ول بغــارتكم فــي بويتيا .لقــد عــدتم أقــل عــددا ممــا ذهبتــم ...لماخوس
كان رجلا شجاعا جداا" .
19
قال أحد الحاضرين ":شجاع ا جدا أكثر ممــا يجـب ...فــي الواقــع ،وهــذا ســبب هلكـه " "..لكنكــم
أيهــا الرس ـنراق المنحطــون البائســون تتســللون مــن خلــف الحمامــاتا العموميــة تقومــون بأعمــال تافهــة
لباعة الملبس المستعملة ,أو تزحفون إلى دار عجوز متصدعة" اندفع رئيس الجماعة الكبرى يــرد
عليــه ببح ـندة " :هــذا كلــه حســن ..أيهــا البلــه مــتى تتعلــم أنــه كلمــا كــان الــبيتا أكــبر كــانتا الس ـرقة
أيسر؟ . (56)"..
ممــا يلحــظ أن المؤلــف لــم يحــدد شخصــية المتكلــم فــي المشــهد الح ـواري ,واكتفــى بوضــع
الكلم بيــن علمـتي تنصــيص؛ ليميـز بيـن كلم كــل شخصــية ،وذلــك" لن المهـم فـي هــذه الصـيغة
الحوارية هو تعميق الموقف القصصي ذاته ،وليس إبراز الشخصياتا وعلقاتها مع ا ").(57
وقــد انتهــى المشــهد الح ـواري الــذي ينــبئ عــن تــوتر د ارمــي بيــن الشــخوص إلــى حالــة مــن
النسجام والتوافق ،ليعلن انتهــاء حلقـة مـن حلقـاتا الصـراع القصصــي المتوالــدة فــي الروايـة " ,أتـرع
اللصــوص أقــداحهم بخم ـرة صــرف ,وأراقوهــا علــى أرض الكهــف قربان ـا للم ـواتا ,ثــم أنشــدوا بعــض
الترانيم على شرف راعيهم مارس").(58
وقد يجري الحوار على لسان السارد ممهدا له بكلمة) قال ,أو قلتا ,أو صرخ ,أو غيرهـا(،
كما في سرده للحوار الــذي جــرى بيــن بسوكي وأختيهــا " كانتــا تصــرخان " بسوكي :بسوكي" حــتى
وصلتا صرختها الحــادة أقصــى بطــن الـوادي ,فجــرتا بسوكي خارجــة مــن قصــرها فــي تــأثر عنيــف
وهــي تصــيح" أخــتني أخــتني العزيزتيــن بل ـعم تنــدبانني؟ ل داعــي للنــدب الن ") .(59ومــن ذلــك أيض ـا
الح ـوار الــذي جــرى بيــن أخــتي بسوكي اللــتين تحالفتــا علــى إيقــاع الذى بهــا وتجريــدها مــن النعيــم
ل وقبــل كــل شــيء أل
الذي ترفل فيه مع زوجها كيوبيد" قالتا الختا الكبرى " :أنا معك ،وأقترح أو ا
دنري أحداا ،حتى أبانا وأمنا هداياها هذه ،ول نجد أحدا أبدا أنها ل تزال على قيد الحياة " "..طيب
! قالتا الختا الصغرى ":نعود إلى بيتينا الحقيرين وزوجينا الشيخين القميئين دون أن نخبر أمنــا
. )(60
ول أبانا بشيء"..
ومما هو جدير بالذكر أن المتتبع لمستوياتا الحوار القصصــي ل يكــاد يلمــس فيهــا تنويعـ ا
ف ــي لغ ــة المتح ــاورين ،يش ــير إل ــى تم ــايز الش ــخوص وتب ــاين مواقفه ــا ،وه ــذا " ين ــاقض خصوص ــية
. )(61
الشخصية الفنية ،وضرورة تمايز كل شخصية عن الخرى في خطابها اللغوي "
20
ففي حوار اللصوص مع العجوز ل نكاد نشعر بنقلة لغوية في الحوار مع تعدد الشخوص:
"-أنــا أقــول جيفــة" " وأنــا أقــول :ل .قــد تســتنكف الحيــاة مــن أن تتملكهــا ...لكــن المــوتا أيضـ ـا
يس ــتحي م ــن أن يرغ ــب فيه ــا ...":فص ــاحتا العج ــوز بص ــوتا مرتج ــف ":كل..كل ..ي ــا فتي ــاني
الشجعان! ل تقعسوا علني ..كل أنواع اللحم تنضج في القدور وسوف تجدونه لذيــذا جــدا كــذلك."..
62
فــالمؤلف /الســارد الــذي يتخفــى وراء الشــخوص المتحــاورة ,ليجــدد فــي طريقــة الســرد ،ســرعان مــا
تتكشــف حقيقتــه مــن خلل اللغــة المســتخدمة ذاتا المســتوى اللغــوي الواحــد ،الــذي هــو مســتوى لغــة
المؤلف نفسه.
يتخـذ المؤلـف مـن الحـوار الـداخلي وسـيلة فنيـة للقـتراب مـن عـالم الشـخوص الـدفين ،والكشـف
عن مواقفها غير المعلنة ،للستفادة منه في إضاءة الحداث الجارية .
وكــثي ار مــا يســتغل المؤلــف الح ـوار الــداخلي فــي تأجيــج الص ـراع الــداخلي والتــوتر النفســي الــذي
ينعكــس بــدوره علــى الصـراع الخــارجي بيــن الشــخوص ،فحيــن رأى أريستومنيس مــا فعلتــه الســاحرة
"ميروى" بسقراط مــن إدخــال ســيفها فــي عنقــه ،إواخـراج قلبــه ،وهــو الشــخص الوحيــد الم ارفــق لــه فــي
غرفته ،دار حوار داخلي في نفسه يكشف عن حالة من الفـزع والرعـب الــتي انتــابته بسـبب إمكانيــة
اتهــامه بعمليــة القتــل ،يقــول ":إذ مــاذا ســيحدث لــي صــباح الغــد ،حيــث يعــثرون علــى جثــة سقراط
مقطوع الحلق ،ما من أحد سيصدق روايتي ،سيقولون كان عليك أن تصيح في طلب النجــدة علــى
القل إن لم تكن قاد ار على مقارعــة النســاء" ) .(63ودار فــي عخعلـده أن مـا حـدث لـه مــن أزمــة حقيقيــة
إنما كان عقابا له بسبب تطاوله على الساحرة " ميروى" أثنــاء حــديثه مــع سقراط ،وفــي ذلــك إشــارة
إلى العتقاد السائد بفعل السحر في النــاس ،وعــدم قــدرتهم علــى مقــاومته ،وهــو مــا أغــرى لوكيوس
بالبحث عنه فيما بعد.
21
وقد يتخذ المؤلف من تقنية الحـوار الـداخلي وسـيلة للكشـف عن عـالم شـخوص وفـك كـثير مـن
مغاليقهــا ،فرغبــة لوكيوس فــي تعلــم الســحر دفعــتا المؤلــف إلــى توظيــف الحـوار فــي الكشــف عــن
ذلــك " إليهــا الن يــا لوكيففوس واســتجمع مواهبــك كلهــا ،إذ هــاهي الفرصــة أخي ـ ار أمامــك ،لقــد كــان
طموحــك الخفــي دائمـا أن تتعلــم قـوانين الســحر فلتنــس مخاوفـك الصـبيانية ..علــى أن تتجنــب طبعـ ا
أي ارتباط ببامفيلي ..من جهة أخرى ليس ما يمنعك من إغـواء فوتيس ,(64) "..ففــي هــذا الحـوار
الــداخلي مــا يكشــف عــن بــاطن الشخصــية ,وينــبئ عــن الحــداث اللحقــة ،إذ إن علقتــه ب ـ فوتيس
منكنته من الحصول على المادة السحرية التي تحول بفعلهـا إلــى جحـش تـدور حـوله معظــم أحــداث
الرواية .
وعنــدما أخــذ اللصــوص يبحثــون عــن أفضــل طريقــة لقتــل لوكيففوس بســبب مك ـره وكســله ,دار
حـوار داخلــي فــي نفســه كشــف عــن حالــة التمــرد الــتي تســيطر عليــه للتخلــص مــن الشــقاء والمعانــاة
الــتي يلقيهــا "،فقلــتا لنفســي لوكيوس بل ـعم تقــف هاهنــا مســتكين ا تنتظــر نهايــة سلســلة هــذه الحــداث
لتنزل بك وتلقي بك في باطن الرض ،لقد عزم هـؤلء اللصــوص علــى قتلـك قتلــة شــنيعة جـدا ولـن
يجدوا عس ار في تنفيذ وعيدهم" ). (65
إن حالة التمرد التي كشف عنها الحوار تمثل سمة بارزة في شخصية لوكيوس /البطــل الــتي
تسعى دائما إلى التخلص من واقعها المرير ,والبحث عن واقع أفضل .
وبهذا فإن للحوار الداخلي والخارجي دورهما في إضاءة جوانب دفينة من الشخصية
الروائيــة ،إواضــفاء حالــة مــن التــوتر الــدرامي والص ـراع الــداخلي علــى الســياق العــام للروايــة؛ المــر
الذي يخكفف من رتابة السرد وسكونية القـ ك
ص ،ويمنــح الشخصــياتا الروائيــة فرصـة التعــبير المباشــر
عــن حالتهــا ومواقفهــا ورغباتهــا ،بعيــدا عــن هيمنــة ال ـراوي الــذي يتحكــم عــادة فــي مجمــل الحــداث
المروية.
ممــا يلحــظ علــى التشــكيل الفنــي للشــخوص ,أن المؤلــف يســعى إلــى حشــدها فــي الروايــة
بشــكل لفــتا للنظــر ,إلــى درجــة أن القــارئ يشــقى فــي متابعــة كــل شخصــية ,واســتظهار دورهــا فــي
الحــداث الرئيســة ،ولكــن علــى الرغــم مــن كثرتهــا ,فــإن الروايــة تقــوم بشــكل أساســي علــى شخصــية
22
ف نفبســه ،فــي حيــن كــانتا
محوريــة هــي شخصــية البطــل " لوكيففوس" الــذي لــم يكــن ســوى المؤلـ ـ ب
الشخصـياتا الخـرى هامشـيةا أو مسـطحاة ،أي أنهـا ل تنمـو مـع الحـداث ،ويقتصـر دورهـا علـى
مرحلة بعينها من مراحل الصراع الذي يجري بين شخوص الرواية .بحيث يمكــن أن نطلــق عليهــا
اسم " الشخصيات المرحلية" ,وهذا ما ينسجم مع البناء الفني لفصول الروايــة؛ إذ جــاء كــل فصــل
ل لحلقـة مــن حلقــاتا الصـراع القصصــي ،أو لمشــهكد مـن مشـاهده
من فصول الروايــة ال ـ , 19ممث ا
التي دتغكذي المشهد العام للرواية؛ أي " أن هناك شخوصا بعينها تأخذ محوريــة حدثيــة أو حكائيــة
تعطيهــا صــفة البطولــة ،وأن هنــاك شخوصـ ـا أخــرى تتـ ـوارى و ارعء الحــداث ,أو فــي ظللهــا؛ ممــا
يعطيها بعـدا هامشـيا أو مسـاعداا ,أو لنقـل إن الشـخوص المحوريـة لهـا وظـائف حركيـة تجمـع بيـن
الفاعلين والمفعولين ,بينما تأتي الشخوص الهامشــية بســيطة تميــل إلــى المفعــولين غالبـاا").(66علوة
على أن المؤلــف يلجـأ -أحيانـاا -إلــى بذشكـبر شخصــياكتا ليـس لهـا ارتبـاطف حقيقـفي بالحـداث ,إوانمـا
على سبيل التسلية أو الستذكار ،كحديث "أريستومنيس" عــن ســقراط وحــالته المزريــة الــتي كــان
عليهــا) .(67ومــا تعبـعع ذلــك مــن حكايــاكتا خرافيـكة أو ســحريكة يــؤمن "لوكيوس" بوقوعهــا ,وتأثيرهــا فــي
الناس؛ وذلك لتكون تمهيدا للحداث العجائبية أو الخرافيـة الـتي سـتجرى فـي الروايـة لحقـاا ,فجـاء
على لسان الـراوي /لوكيوس " أنــا أصــدق فعلا حكايــة أريستومنيس ،إوانــي لشــاكفر لــه كــل الشــكر
أنه أقنعني بها تماما حتى أنني لم أحس بوعورة التل وصعوبة ارتقائه" ).(68
ومــن ناحيــة أخــرى ,فــإن كــثرة الشــخوص فــي الروايــة إنمــا جــاءتا لتعزيــز الرؤيــة الفلســفية
والخلقية التي يؤمن بهـا الكـاتب ،وهـي أن الشـنر يكدمـدن فـي العـالم السـفلي ,بسـبب فسـاد النسـان
وانحطــاط خلقــه ،ومــا هــذه الشــخوص إل نمــاذج متنوعــة للجنــس البشــري بســلوكياته ,وانحطــاطه
الخلقي ،وهو ما ينبغي أن ننـأى بأنفسـنا عنه ,وننشـد بـدلا منـه عـالعم المثـل والفضـيلة ,عالمـ ا أكـثر
براءةا وصدق ا وصفااء.
وعلـ ــى الرغـ ــم مـ ــن أن شخصـ ــية البطـ ــل المألوفـ ــة فـ ــي الروايـ ــاتا القصصـ ــية تك ــون دمحكركـ ـةا
للحــداث وفاعلـةا فيهــا ,وتتطــور بتطورهــا ،فــإنن بطــل روايــة الجحــش الــذهبي يمثــل نموذجـا فريــداا،
فمــع أنــه الشخصــيةد المحوريـةد مــن بدايــة الروايــة حــتى نهايتهــا ،فــإنه ظـنل -فــي معظــم فصــولها-
شــاهدا علــى الحــداث أكــثر منــه دمعحكركـا لهــا ،أو بعبــارة أخــرى يمكــن القــول بــأنه بطــلف يحمــل صــفة
المفعولينة أكثر مـن الفاعلينـة ,وهـو أمـر ينسـجم مـع بنـاء الشخصـية فـي الروايـة ,وتحويلهـا من عـالم
النسان إلى عالم الحيوان ,مع الحتفاظ بالقدرة على التفكيــر وتـدبرر الشـياء ,إنهــا شخصـية "إنسـا
23
حيوانيــة" تنقــاد للفعــل أكــثر ممــا تقــوده ,غيــر أنهــا مفعولني ـةف تــترتب عليهــا نواتــجد دلليــةف واســعةف؛
كالصـبر علـى المكـاره ،وكشـف خبايـا النفـوس وأسـرارها ،ومشـاهدة مـا يجـرى مـن أحـداث تدسـهم فـي
تحقيق الهدف ,أو المغزى الذي يكمن وراء العمل الروائي.
ومن الوسائل الفنية التي يلجأ إليها المؤلف في رســم شخوصـه ,أسـلوب الخبــار بــذكر مظــاهر
الشخصية الخارجيـة ،وأحيانـا النفسـية ،وفــي القليـل النـادر مــا يعتمـد المؤلـف علـى رسـم الشخصــية
من خلل أفعالها ،وهو سنحاول أن نكشف عنه من خلل تناول أهم شخوص الراوية:
24
إن شخصية لوكيوس شخصية متطورة ومتغيرة ،تتفاعل مع كل حدث أو موقــف تمــر بــه،
وهي شخصية ظنلتا متماسكاة حـتى آخــر الروايـة ،وعلـى الرغــم ممــا ألـنم بهـا مـن مواقـف مأسـاوية،
وعذاب وامتهان ،ظنلتا تبحث عن الفضل حتى تسنى لها ذلك في آخر المر.
-2أريستومنيس:
شخصية مس ن
طحة قندمها المؤلف كنموذج للنسان الذي يصدق بالسحر وغرائب الشياء,
وقد دمبسخ سلحفاةا بسبب تطاوله على المرأة الساحرة ميروى؛ ووقــع فــي صـراع نفســي عنــدما شــاهد
سقراط ديقعتل على يدي عجوزين فظيعتين ,لينتهي دوره في الرواية مع نهاية الفصل الول منها.
-3سفقراط :
قندم المؤلف الشخصية بأسلوب الخبار ،وعلــى لســان أحــد الشــخوص وهــو أريستومنيس
حينما قال":صديقي القديم سقراط عرفته بصعوبة ،فقد بـدا شـاحبا ونحيفـا بشـكل مـزكر ,جالسـا علـى
الرض نصف كأس ,بعباءة رنثة دمشنعدبرعسة كأنه بالضبط شحاذ على قارعة الطريق وعلى الرغم مــن
ل قبـل أن أحييـه") .(74وكـانتا الغايـة الـتي أرادهـا
أننا كنا ذاتا يوم صديقين حميمين فقد تـرددتا قلي ا
المؤلف مــن وراء ســرد قصــة سقراط مــع صــاحبه ,أن يصــل إلــى أن رنبــة الحـ ك
ظ يمكــن أن تفعــل فــي
النسان ما تشاء من السوء ،ليكـون مــا سيصـادفه مـن متـاعب فيمــا بعــد ,إنمـا هـو بفعـل رنبـة الحـظك
ع ع
التي ل يستطيع أحد أن يقاومها " فأجاب سقراط " أوه يــا أريستومنيس لــو دريــتا مــا تســتطيع ربــة
. )(75 الح ك
ظ أن تلعب به إنسانا من بخعدكع بالغبة السوء ,لما خاطبتني أبدا كما فعلتا"
ومــن ناحيــة أخــرى أن ظهــور شخصــية سقراط )الحكيــم( علــى هــذا النحــو ,إنمــا جــاء ليــدفع
القــارئ إلــى التصــديق بمــا سيســمع مــن غ ارئــب قــد تــرد فــي فصــول الروايــة ،فطالمــا أن الفيلســوف
صاحب العقل والفكر العميق يصكدق بمثل هذه الحكاياتا ،فمــن البــديهي أل ينكرهــا أحـفد فيمــا بعــد
ظ تسلك سبيلها ,وتستمتع بانتصارها علني بقدر ما يرضيها"). (76 " دعني وشأني دع رنبة الح ك
-4ميروى :
25
امرأة تدير خانا وتعمل بالسحر ذاتا قوة غيبنية خارقة " إن سيدتي ميروى قادرة لو شاءتا أن
تنزل السماء أو ترفع الرض ،أن دتوقف النهر الجاري ,أو تفتتا الجبل الصخري أن تبعث أجداث
الموتى أو تطوح بالرباب من فوق عروشها ,أن تطفئ النجم الساطعة ,أو تضيء أرض الظلل
المظلمة ") ،(77شـديدة النتقـام مـن كـل مـا يخـالف إرادتهــا ح نولتا عشـيقها الـذي عاشـر امـ أرةا غيرهـا
إلى " قدشندس" ,وآخر إلى ضفدع ,والمحامي كان عقـادبه قرنـي كبـش ،والعحشمـل السـرمدي لزوجـة أحـد
عشــاقها) .(78ظهــرتا شخصــيتها فــي الروايــة ،ليكــوعن بيتدهــا هــو المكــان الــذي يشــهد حــدث ا مفصــلياا،
تترتب عليه أحداث الرواية اللحقة ،وهو تحويل لوكيوس إلى جحش بائس معذب.
-5ميلو :
ف ببخلــه ،قـندمه
شخصية هامشية من أعيان بلدة هوباتا ,يسكن خارج أسـوار المدينـة ،ديعـعر د
المؤلــف علــى لســان عجــوز تقطــن المدينــة عنــدما ســألها لوكيوس عــن بيتــه ،تقــول ":هنــاك يعيــش
ميلو عجوز دمفبرط الغنى ودسنبة في جبين المدينة ,أحقدر وأبخدل وأقذدر رجكل رأيتــه ,هـو مـ اركب -الربــا
الفاحش أهم ما يهمه في الحياة -يعيش داخـل ذلــك الــبيتا الكـبير الخــالي مـن الثـاث مقفلا عليـه،
يحـكدق بطيلــة اليــوم فــي أكــداس مــاله ,ل أحــد يعيــش معــه ســوى زوجتــه ســيئة الحــظ ,وجاريــة واحــدة،
إواذا ما خرج من بيته يوماا ,وناد ار ما يفعل ,لعببس ثيابا كأحد الشحاذين"). (79
-6فففوتيس :هــي خادمــة ميلففو ,أحبــتا لوكيففوس ونــامتا فــي ف ارشــه ،وأفشــتا لــه ســر ســيدتها
الســاحرة بففامفيلي ،وســاعدته علــى تحــويله إلــى كــائن آخــر) حمــار( ثــم نــدمتا علــى ذلــك بســبب
اختيارها الخاطئ للصندوق الذي به المادة السحرية.
وهــي شخصــية ســاذجة غيــر أمينــة ،خــدعتا ســيدتها عنــدما سـرقتا عشـععر المــاعز بــدلا مــن
عشععر الشاب الوسيم " البويتي" الذي كانتا تطمع في حبه ،فلـم ديسـعحر الشــاب ,كمـا كـانتا ترغــب,
وسحرتا جلود الماعز ،وخانتها أيضـ ا عنــدما ســمحتا ل ـ لوكيوس أن يراقبهــا مــن شــق البــاب أثنــاء
تحض ــيرها للســحر وتحولهــا إل ــى بومــة ،ومـ ـرة ثالث ــة عنــدما سـ ـرقتا المرهــم الس ــحري لـ ـ لوكيففوس
ليتحول به إلى طائر أو نسر ،ولكن كـان عقابهــا علــى ذلــك أن جلبـتا الذى لمـن تحـب بـدلا مـن
السعادة ،ففي الحالة الولى عاش لوكيوس أزمة نفسية عندما اتهــم بقتــل الشــخاص الثلثــة وقدـكدم
للمحاكمــة ،ثــم تــبنين أن المــر مجــرد تســلية لضــحاك أهــل القريــة ،وفــي الحــالتين الثانيــة والثالثــة
26
تحنول لوكيوس إلى جحـش بـدلا مـن أن يتحـنول إلـى طـائر ,فيفقـد علقتـه بهـا ،ويلقـى مـن العـذاب
والهانة ما استغرق معظم فصول الرواية .
بوثياس: -7
-8برهاينا :
هي امرأة تنحدر مــن طبقــة راقيــة يتبعهــا حشــد كــبير مــن الخــدم ،كــانتا صــديقة لم لوكيوس,
وك ــان دوره ــا ف ــي الرواي ــة تق ــديم شخص ــية لوكيففوس م ــن حي ــث مظهره ــا الخ ــارجي ،وتح ــذيره م ــن
بامفيلي زوجة ميلو من أن تسحره .
هي زوجة ميلو تعمل في السحر وتحضير الرواح ،تقع في غرام كل شـاب وسـيم ،وفـي
حال امتناعه عن مبادلتها الغرام سرعان ما تغضب عليه ,وتمسخه حجـ ار أو تحـوله كبشـاد أو ثـو ار
أو حيوان ا برنيا أو تقتله ،وهي امرأة عشببقة ،متسكلطة ،لها طقوسها الخاصة وأسرارها الــتي لــم يطلــع
عليهــا ســوى خادمتهــا "فففوتيس" وقــد انتهــي دورهــا فــي الروايــة بوقــوع لوكيففوس فــي عش ـعرك مادتهــا
السحرية التي حنولته إلى جحش بائس ودمعنذب.
-10اللصوص :
ظهــر دورهــم فــي الروايــة عنــدما اقتحــم ثلثــة منهــم بيــتا ميلو فــي هوباتا ,ونهبـوا مــا فيــه مــن
ذهب وفضة وأموال وحملوهــا علــى الــدواب الثلثــة ،لوكيوس ،وحصــانه ،وحمــار ميلو .بالضــافة
إلى وجود مجموعة أخرى من اللصـوص تعمــل معهـم ،عحـبرص المؤلـف علــى أن يـذكرهم بصـفاتهم
دون أسمائهم سوى " لماخوس" رئيس العصابة.
27
ل فـي نمـو الحــداث وتطويرهــا ,وخاصـة فيمــا يتعلــق ب ـ لوكيوس
وقــد لعـب اللصــوص دو ار فـاع ا
بط ــل الرواي ــة ،و تليبوليمففوس وعروس ــه كففاريتي ال ــتي أععسـ ـعرها اللص ــوص ,ث ــم نج ــاتهم م ــن بط ــش
اللصوص بحيلة وخديعة دبرها تليبوليموس).(80
-11إيزيس :
هي الرنبة التي دتععرف عند المم بأسماء كـثيرة ،وهـي إلهـة معبـودة ل تقهـر ,ويتقـرب إليهـا
الناس بكل شكل من أشكال الشعائر ,تعرف عند المصريين وأهل الشرق بـ"إيزيس" ،أشفقتا علــى
لوكيففوس فــي محنتــه " لقــد جئــتا شــفقة عليــك مــن محنتــك ،جئــتا لمنحــك فضـ ـلا ودأعينــك "),(81
فحنولته ,في جكو طقوسي مهيب ,إلى هيئته الولى إلى لوكيوس النسان.
ثــم تــرددتا أســماء شــخوص هامشــية فــي ثنايــا الحكايــاتا الجانبيــة الــتي وردتا فــي ســياق
الحــدث الرئيــس منهــا :لماخوس ،الكيموس ،تراسفوليون ،تراسفولوس ،كيوبيففد ،بسففوكي مفارس،
الشاويش ،المستشار ,كاريتي ،أسماء اللهة والكهنة وغيرهم.
وعلــى الرغــم مــن أن هــذه الشــخوص ترتبــط فــي الروايــة بأحــداث غرائبيــة عجيبــة تــبرز بيــن
الحين والخـر ،فإنهـا -مـا عـدا شخصـية لوكيوس البطـل -تبـدو واقعيـة إلـى حــد كــبير فــي ســماتها
الجس ــمانية وأقواله ــا وأفعاله ــا وطريق ــة تفكيره ــا ف ــي الش ــياء ،وه ــو م ــا خفن ــف م ــن غ ارب ــة الح ــداث
وخياليتها وجعلها تقترب من واقــع مجتمــع يعــود إلــى القــرن الثــاني الميلدي ،يــؤمن بالســحر والقــوى
الخارقة ,وتعدد اللهة وتصارعها.
إواذا ما أشرنا إلى علقة البطل لوكيوس ببقية الشخوص ,فإننــا ن ارهــا علقــة آنيــة عععرضـنية
تقتضيها أحداث الرواية ،فما أن تظهر علقة من نوع ما مع إحدى الشخصياتا أو بعضها ،حتى
تتراجع هذه العلقة وتختفي؛ لتنبتا علقة جديدة مع شخصية جديدة ,وأحداث تتولد من سابقتها
.
فالشخصــياتا المسـ ن
طحة مــا هــي إل وســيلة لتمطيــط أحــداث الروايــة ،وتوليــدها ،كــي يقــوم
المؤلــف مــن خللهــا بالــدخول إلــى عـ ـوالم الشــخوص بنماذجهــا النســانية المتعــددة ) الفيلســوف،
اللص ،الصــديق ،المـرأة ،الكــاهن ،السـاحرة ...إلـخ( والكشــف عـن أسـرارها وخفاياهـا الـتي تتنــاقص
28
فــي مجملهــا مــع القيــم النســانية الرفيعــة ،وتعيــش حالــة مــن النحطــاط الخلقــي ،كالنفــاق ،والطمــع،
والستسلم للغريزة ،واغتصاب الحقوق ،والكيد ،والتآمر ،والنتقام ،وغير ذلك.
ومــن ناحيــة أخــرى ،علــى الرغــم مــن كــثرة الشــخوص وتفــاوتا مســتوياتها الثقافيــة والفكريــة
والسلوكية ،فإنها ل تكاد تتفاوتا في مستواها اللغوي ،ول يكــاد القــارئ يلحـظ أي فــارق لغـوي بيــن
كلم هــذه الشخصــية أو تلــك ،أي أن المؤلــف عجــز فني ـا عــن أن يلئــم بيــن الشخصــية وكلمهــا
المســرود؛ ممــا جعــل لغتــه الســردية ذاتا مســتوى لغــوي واحــد ،هــو مســتوى لغــة المؤلــف نفســه ،فل
يعق ــل أن تتط ــابق لغــة الشخص ــية المثقفــة كشخص ــية لوكيففوس ،وسففقراط مــن ناحيــة ،وشخصــية
فوتيس الخادمة ،أو الطاهي أو الحلـواني ،أو زوجــة الخنبــاز ،أو زوجــة الحـنداد ،أو اللصــوص ،أو
العجوز أو غيرهم ،وليس من المقبول أن تتفق لغة الشخوص البشرية ،ولغة الكهنة أمثال مفثراس
الكـ ــاهن الكـ ــبر ،ولغ ــة الله ــة أمث ــال إيزيففس وأوزوريففس أو غيرهـ ــم " ،إن الروائـ ــي المب ــدع ه ــو
الروائي الذي يعرف كيف يتعامل مع لغته بحيث تأتي موزعة علــى مســتوياتا تتناســب مــع قــدراتا
. )(82
شخوصه ،ومكانتهم الثقافية والجتماعية"
ولــم يقــع التفــاوتا اللغــوي بشــكل صـ ـريح إل فــي موضــع واحــد مــن الروايــة ,وعلــى لســان
العجــوز الــذي أدلــى بشــهادته ضــد ابــن المستشــار ربيــب زوجتــه الــتي أرادتا النتقــام منـه؛ إذ يقــول
العجــوز ":عنــدها -يــا أصــحاب الفضــيلة رغــم أنــي أؤكــد للمتهــم أننــي لــم أفعــل مثــل هــذا الشــيء
الشرير أبدا وأنه يستطيع الحتفاظ بنقوده – المتهم يعطيني الكأس المسمومة – هو ديخلطهــا أمــام
عيني -و يقول يجـب أن أعطيهـا للسـيد الصـغير ليشـرب ،ولـو أنـي ل أفعـل – آه – هـو سـيقتلني
أنا بدل السيد الصغير .(83)"...
مما يلحظ عدم ترابط الجمــل النحويــة ،والبـدء باسـتخدام " السـم" فـي الجمـل الـتي تشــتمل
علـ ــى" فعـ ــل" علـ ــى خلف مـ ــا يقـ ــوله النحويـ ــون ) ،(84ودون أن يكـ ــون وراء ذلـ ــك غـ ــرض بلغـ ــي،
كقــوله ":المتهــم يعطينــي ،...هــو يخلطهــا ،...هــو ســيقتلني ،...بالضــافة إلــى اســتخدام المؤكــداتا
كقوله ":رغم أنني أؤكد للمتهم أنني ،...إواني ل أفعـل – آه ... -سـيقتلني أنـا " بطريقـة تنـبئ عن
بســاطة التفكيــر وســذاجة المتكلــم .فكــانتا ركاكــة الســلوب تتناســب مــع شخصــية العجــوز باعتبــاره
29
ونحن إذ نؤكد على ضرورة مناسبة الكلم للشخوص التي تتحدث بــه ,فإننــا ل نطــالب الكــاتب أن
يهبط بلغته إلى المستوى العامي الذي ديفبقد اللغة الدبية – لغة الرواية – رونقها وجاذبيتها.
يمثل الزمن الروائي عنص ار أساسيا من عناصر البناء الفني للرواية؛ إذ إن أي روايـة ل يمكـن
أن تكتسب واقعيتها وقبولها لدى القارئ إل إذا جرتا أحداثها في زمــن مـا ،ومكــان مــا "،فكــل قصـة
تقتضــي نقطــة انطلق فــي الزمــن ,ونقطــة إدمــاج فــي المكــان أو علــى القــل يجــب أن تعلــن عــن
أصلها الزماني والمكاني مع ا ").(85
ولكن ما يلفتا النتباه فـي روايــة تحــولتا الجحـش الــذهبي هـو غيـاب الزمـن التــاريخي للروايــة،
فهي ل تشير صراحة إلى فــترة زمنيـة تاريخيــة بعينهــا جــرتا خللهــا الحـداث الروائيـة ،إوانمـا تشـير
ضــمن ا إلــى زمــن وقــوع الحــداث وتتابعهــا ،فهــو يفتتــح روايتــه ".فــي يــوم مــن اليــام أخــذني داعــي
العمل إلى تساليا ،منشأ أهل والدتي").(86
فــالزمن الروائــي يغكلفــه جــانب مــن الغمــوض والبهــام ،حيــث إن افتتــاح المؤلــف روايتــه بعبــارة
يــذكرنا )(87
" فــي يــوم مــن اليــام "...إوالحاقهــا بعبــارة" اجــتزتا ذاتا صــباح سلســلة تلل مرتفعــة"..
بالحكايــاتا الشــعبية التراثيــة القديمــة ,كــألف ليلــة وليلــة ،وســيف بــن ذي يــزن وغيرهمــا ،ويبعــدنا عــن
الطار الواقعي لها ،والدخول فـي الطـار الخيـالي الفانتــازي الـذي تتســم بــه معظــم أحــداثها ،وذلـك
علـ ــى الرغـ ــم مـ ــن أن الكـ ــاتب يحـ ــاول مـ ــن خلل أبنيـ ــة المكـ ــان ،والزمـ ــان والشـ ــخوص وعلقتهـ ــا
بالحداث ،أن يشد الرواية من عالم الوهم والخيال المحض إلى عالم الواقع ,الذي يســهم فــي إقنــاع
القارئ بقبول ما ديرعوى إليه.
إن غموض الزمن التاريخي للروايــة يـدفع القـارئ للجتهـاد فـي تخيــل زمـن معيــن لحــداثها ،قـد
يطــول أو يقصــر ،لكنــه ل يمكــن أن يتجــاوز عمــر البطــل /الــرواي ،بــل ل يمكــن أن يتجــاوز ســن
الشباب الذي يؤهله للنتقال في رحلة من كورنثة إلى تساليا بغــرض البحــث عــن عمــل ،أو بعبــارة
أخرى إن عدم التصريح بزمن محدد للرواية يدفع القارئ إلى البحث عن بكعسر زمنية تدعب د
ث في ثنايــا
الحداث وحركـة الشـخوص تشـكل ضـمنا زمـن الحكايـة .والمتتبـع لحـداث الروايـة يـرى أنهـا وقعـتا
في فترة زمنية قصيرة نسبيا ل تتجاوز عاما أو عامـا ونصـف ,كمـا يسـتخلص من تتـابع الحـداث،
30
فالزمن الذي جرتا فيه الحداث قبل تحول البطل إلى" جحش " ل يتجــاوز خمســة أيــام ,وظــل بعــد
تحــوله يبحــث عــن التريــاق الــذي يخلصــه مــن واقعــه الجديــد ،وهــو نــوع مــن الــورود والعشــاب الــتي
تنبتا في فصل الربيع ،حتى حنل الربيع في العام القادم وتمنكن بقوة مــن اللهــة إيزيس أن يحصــل
عليــه ,ويعــود إلــى حــالته الولــى " لــم يبــق لــي ســوى أمــل ضــئيل واحــد يعزينــي فــي محنــتي وهــو أن
العــام الجديــد جــاء أخيـ ارا ،وســتنبتا الزهــار علــى طــول الرض وعرضــها ..،مـرة واحــدة أذوق الــورد
وأعود لوكيوس من جديد ").(88
ولكن تحوله إلى لوكيوس ل يعني انتهاء أحداث الرواية ,إذ استمرتا علقته بالكــاهن الكــبر،
وبالربة إيزيس ،التي طلبتا منه التوجه إلى روما المدينة المقدسة ,ليزور معبـدها هنـاك فكـان ذلـك
"مســاء اليــوم الثــالث عشــر مــن شــهر ديســمبر" ) ،(89أي فــي فصــل الشــتاء ،وبــذلك تكــون أحــداث
القصة قد وقعتا في مساحة زمنية مــا بيـن عــام وعـام ونصــف تقريبـا ,وهــذا يؤكــد أنـه" ليـس للزمـن
وجــود مسـتقل نسـتطيع أن نسـتخرجه مــن النـص مثـل الشخصــية أو الشـياء الــتي تشــغل المكـان أو
مظــاهر الطبيعــة ,فــالزمن يتخلــل الروايــة كلهــا ,ول نســتطيع أن ندرســه د ارســة تجزيئيــة ,فهــو الهيكــل
الذي تشيد فوقه الرواية"). (90
وميــل المؤلــف إلــى الدللــة الزمنيــة الغامضــة فــي بعــض مـواطن الروايــة ,إنمــا كــان وســيلة فنيــة
للشارة إلى بروز أحداث أو وقائع جديدة ،ويكون ذلك عادة في بداية فصول الرواية كما جــاء فــي
وفــي مطلــع )(91
مطلــع الفصــل الول ".فــي يــوم مــن اليــام أخــذني داعــي العمــل إلــى تسففاليا "..
الفصل الثالث " ذاتا يوم أرسلتا لي برهاينا دعوة ,(92) "..وفــي الفصــل الخــامس " انــدفعتا فوتيس
ذاتا صباح داخلة غرفتي ,(93) "..وفي الفصل الحادي عشر ذكر" بعد بضعة أيام فكر فــي خطــة
وفــي أحـداث الفصــل الثـالث عشـر جــاء " وفـي ذاتا يـوم سـمعتا كاتمــة الســر العجـوز )(94
رهيبــة"..
تقــول , 95"..وفــي الفصــل ال اربــع عشــر جــاءتا عبــارة " ذاتا ليلــة حالكــة بالظلمــة ض ـنل م ـزارع مــن
96
القرية المجاورة طريقه."..
ولكــن ل يعنــي ذلــك أن ســرد الحــداث يفتقــر دائمـ ـا إلــى دللــة زمنيــة محــددة ,بــل إن مجمــل
أحداث الرواية تسير وفق التسلسـل الزمنــي المنطقـي ,بحيـث يبـدو هنـاك تطــابق إلـى حـد كــبير بيـن
زمن الحكاية وزمن السرد ،وهو مـا يـؤدي إلـى الحسـاس بواقعيتهـا ,علـى الرغـم مـن اشـتمالها علـى
أحداث غرائبية خيالية بعيدة عن الواقع .
31
فالراوي يقوم بسرد الحداث وفق التتابع المنطقي لليام والليالي التي تمــر بهــا الشــخوص،
ول نشعر بأي مفارقة زمنية بين زمن السـرد وزمـن الحكايـة ،اللهـم إل إذا كـان يعـترض زمـن السـرد
تقنيــاتا الوصــف أو الســترجاع أو التضــمين لحكايــاتا فرعيــة هنــا وهنــاك ،المــر الــذي يــؤدي إلــى
بطــء زمــن الســرد ,أو تــوقفه فــترة مــن الزمــن ،وفــي المقابــل قــد يلجــأ المؤلــف إلــى اختصــار زمــن
الحكايــة فــي لحظــة ســردية تعمــل علــى تسـريع الحـداث ,واختزالهـا فــي أضـيق مسـاحة زمنيــة ,كمـا
ل " حيث يكتفي الراوي بإخبارنا أن سنواتا أو أشهر مرتا ,دون أن يحكي عن
يحدث في القفز مث ا
أمور وقعتا في هذه السنواتا أو في تلـك الشـهر ،فــي مثــل هــذه الحــال يكــون الزمـن علـى مسـتوى
ل ,أما معادله على مستوى القول ,فهو بجرد موجز " ) ,(97وذلك علــى نحــو قــوله" :
الوقائع زمنا طوي ا
ولمـدة ثمـان وأربعيـن ســاعة لـم يســتطع أحــد أن يخـرج إلـى الطريــق حـتى ولـو بحفــر نفـق فــي جـدار
الــبيتا" ) .(98و" مكــث أصــحابي بضــعة أيــام فــي ذلــك المكــان حيــث كــان النــاس معهــم فــي غايــة
. )(99
اللطف"
" إن المكانــاتا الــتي يتيحهــا التلعــب بالنظــام الزمنــي ل حــدود لهــا ،ذلــك أن ال ـراوي قــد
يبتدئ السرد في بعض الحيان بشكل يطابق زمن القصة ،ولكنه يقطع بعد ذلــك الســرد ليعــود إلــى
وقائع تأتي سابقة في ترتيب زمن السرد عن مكانها الطبيعي في زمن القصة") ,(100كما فــي قــوله":
في يوم من اليام أخذني داعي العمل إلــى تساليا منشــأ أهــل والــداتي ،فأنــا بالمناســبة أمتــاز بصــلة
النسـ ــب عـ ــن طريـ ــق أمـ ــي إلـ ــى بلوتفففارخ الشـ ــهير ،وبعـ ــد أن اجـ ــتزتا ذاتا صـ ــباح سلسـ ــلة تلل
,فعبارة :فأنا بالمناسبة ...إلى بلوتارخ الشهير" قطعتا التسلسل الزمني للحــداث )(101
مرتفعة"...
وعادتا بنا إلى واقع يسبق زمن السرد.
وأحيانا " أن ظهور أكثر من شخصية رئيسية في القصــة يقتضـي النتقـال مـن واحـدة إلــى
أخــرى ,وتــرك الخــط الزمنــي الول للتعــرف علــى مــا تفعلــه الشخصــية الثانيــة أثنــاء معايشــته الولــى
لحياتها؛ فالتزامن في الحداث يجب أن يترجم إلى تتابع في النص ،ويتطلــب ظهــور كــل شخصــية
جديـدة عـودة إلـى الـوراء لكشـف بعـض العناصـر الهامـة ,وربمـا الحتفـاظ ببعـض العناصـر لكشـفها
في زمن لحق") ،(102ولكن هذا التكنيك السردي يبدو قليل الستخدام في الرواية ،وربمــا يعــود ذلــك
إلى أن الروايــة تــدور أحــداثها حـول بطــل رئيــس واحــد هـو لوكيوس ,وأن الشخصــياتا الخــرى إنمــا
32
هي شخصياتا هامشية تقتصر علقتهــا بالبطــل والحــداث علـى فــترة زمنيــة بعينهــا ينتهــي ظهورهــا
تماما في الرواية بعد ذلك.
ل أو أكـثر للتـدليل علـى هـذا النـوع مـن مفارقـة زمـن السـرد لزمـن
ولكن ل نعدم أن نجد مثا ا
ص عليــه حكــايته مــع سقراط ،قطــع الخــط
الحكاية ،فعندما طلب لوكيوس مــن أريستومنيس أن يقـ ن
الزمنــي للسـرد ليعـود إلــى رفيقــه الــذي أبـى أن يسـمع مثـل هـذه الحكايــاتا ,فيقـول ":كل يــا سـيدي ل
تا " أمـا أنـتا يـا سـيدي أواثـق أنـه يصندنك هذا ..أكمل قصتك " "...ثم التف د
تا إلى الرجل الثاني وقلـ د
ليــس الغبــاء الطــبيعي أو العنــاد المــوروث ,هــو الــذي يمنعــك مــن إدراك حقيقــة مــا كــان صــاحبك
.ويستمر في إقناع الشخص الثاني فترة من الزمن ليعــود مـرة ثانيــة إلــى )(103
يحاول أن ينبئك به"
تا هيـا يــا ســيدي
تا مرة أخرى إلى الرجل الول وأضـف د
الشخص الول أريستومنيس فيقول ":ثم التف د
. )(104
بادرني بحكاياتك"..
ومــن حيــث بنيــة الفعــال الســردية ،ومــا تحملــه مــن دللــة زمنيــة ،فــإن الروايــة تنــدرج بحكــم
طبيعتها التخييلية في سياق الزمـن الماضــي ،لن الـراوي يحــاول أن يحكــي أحـداثا قـد وقعــتا لـه أو
انقضتا من حوله ،ولكن " بالرغم من هذا النقضاء فـإن الفعـل الماضـي يمثـل الحاضـر الروائـي,
. )(105
أي أن الماضي الروائي ) استخدام الفعل الماضي في القص( له حقيقة الحضور"
" إواذا ما علمنا بأن السرد أو انتظـام الحكــي فـي النصــوص الدبيــة عامـة يرتبــط بــالزمن ،فـإن ذلــك
يعني تعدد طرائق توظيف الزمنة مـا بين تـذكر للفعـال الماضـية ،أو اسـتدعاء للماضـي ،وأحيانـا
اختلط الماضي بالراهن ،فهذا التعدد في طرائق التوظيف يجعل الســرد مننوعـ ا ومختلفـ ا ومهمـ ا فــي
الد ارســاتا النقديــة الحديثــة" ) .(106لــذا فــإن تتبعنــا للوحــداتا الزمنيــة الثلث :الماضــي ،والحاضــر،
والمستقبل في الرواية يكشف عن تذبذب في استخدامها ,أي أن الراوي ينتقل بصــورة غيــر منتظمــة
بيــن الزمنــة الثلثــة ليجعــل القــارئ مشــدودا بيــن أحــداث الماضــي والحاضــر أو المســتقبل ،وليمنــح
القصة فضاء نصيا واسعا ومنفتحا على أزمنة متباعدة ،فعلى سـبيل المثــال ،مــا يرويــه الســارد عـن
"ميروى " الساحرة إذ يقول " :عندما تحدثتا عنها زوجة أحد عشاقها بسوء ،عاقبتها ميروى بحمل
سرمدي ،بأن ألقتا على بطنها سح ار منع الطفل من أن ديوعلد ،كان هذا منذ حـوالي ثمــاني ســنواتا،
والمرأة البائسة تنتفخ شه ار بعد شهر حتى لتعتقد بأنها على وشك أن تضع فيلا صغي ارا" ).(107
33
ص
ففي هذا المقطـع نجـد المؤلـف قـد مـزج بيـن الماضـي والحاضـر والمسـتقبل ،فلحظـة القـ ك
تمثــل الزمــن الحاضــر " عنــدما تحــدثتا عنهــا زوجــة أحــد عشــاقها بســوء " ...لتعــود إلــى الماضــي "
كان هذا منذ حوالي ثماني سنواتا" ,ثم تعود إلى الحاضـر" المـرأة البائسـة تنتفـخ شـه ار بعــد شـهر ",
لتنتقل إلى الشارة إلى المستقبل الضمني" حتى لتعتقد بأنها على وشك أن تضع فيلا صغي ارا".
ويكثر التذبذب الزمني بين الزمـن الماضــي والحاضــر فــي الروايـة بشـكل خــاص ,حيــث إن
ل ؛!! الحقيقـة المجــردة
الحــديث عــن اســتباق الحــداث يبــدو ضــئيلا جــداا " ،ضــحك سقراط دم ..فع ا
أنــك غمــرتا سـريرك ول تـزال الرائحــة تفـوح منـك ،لكننـي أتفـق معـك فــي ســبب الكـوابيس ،أنــا نفســي
جــاءني حلــم فظيــع الليلــة البارحــة ،أتــذكره الن حلمــتا بــأن حلقــومي قطــع وشــعرتا بكــل أحاســيس
عذاب الجرح ....قدماي ترتعشان جدا الن يجب علي الجلوس.(108)"..
هكــذا تتنــاوب الوحــداتا الزمنيــة فيمــا بينهــا بطريقــة تدحـبدث تنويعـا وتناغمـا فــي زمــن الســرد،
وتشير إلى استحالة استمرار السرد في خط زمني واحد على طول أحداث الرواية.
رابعلا -المكان:
يمثــل عنصــر المكــان فــي الروايــة دو ار مهمـا فــي رســم ملمــح الشــخوص النفســية والجتماعيــة،
والثقافية ،والعلقاتا القائمة بينها ,إن كانتا علقاتا تواصــل أو انفصــال ،كمــا أنــه يلعــب دو ار فــي
تطور الحداث و تفسيرها .
فالوصـ ــف باعتبـ ــاره الداة التعبيريـ ــة الساسـ ــية ،فـ ــي تقـ ــديم المكـ ــان ورسـ ــم حـ ــدوده الجغرافيـ ــة،
وانعكاساته الجتماعية والنفسية ،ل يأتي في العمل الروائي كإضــافة ازئــدة عــن الحاجــة ،إوانمــا أداة
فاعلة في تماسك النص الروائي ،وتقريبه من الذهان ،أو كما " يؤكــد فلــوبير أن الوصــف ل يــأتي
34
بل مبرر بل إن كل مقطع من مقاطعه يخدم بناء الشخصية ،ولـه أثـر مباشــر أو غيــر مباشــر فـي
تطور الحدث ,وهكذا تلتحم كل العناصر المكونـة للنـص الروائـي وتكتمــل الوحــدة العضـوية للعمــل,
وتصبح الجزاء المختلفة مرايا تعكس بعضها بعض ا لتقديم الصورة المجسمة").(109
فالسرد والزمان والمكان والشخوص والحداث ,إنما هي عناصر أساسية في العمــل الروائــي ل
يكتســب كــل منهــا قيمتــه فــي ذاتــه ,إوانمــا مــن خلل علقتــه بالعناصــر الخــرى ومــدى تــأثيره وتــأثره
بها ،بحيث تسهم جميعا في تقديم العمل المتخيل في صـورة حقيقيـة مدركـة ,ل تبـدو منفصـمة عـن
الواقع الخارجي .
وفــي روايــة تحــولتا الجحــش الــذهبي ،يلعــب المكــان دور البطــل ,إذ إن الحــداث الــتي تجــري
فيهــا إنمــا جــاءتا مترتبــة علــى النتقــال مــن مدينــة "كورنثة" إلــى مدينــة " تساليا" مســرح الحــداث،
وانتقــال البطــل لوكيوس مــن مكــان إلــى مكــان كــان هــو المحــرك للحــداث الــتي تعــاقبتا فــي العمــل
الروائــي ،فرحيــل البطــل إلــى مدينــة غريبــة ليســتا مــدينته ،جعلــه يشــعر بالوحشــة والتخبــط فــي نســج
علق ــاتا إيجابي ــة بن ــاءة م ــع الش ــخوص ال ــذين ق ــابلهم ،الم ــر ال ــذي ولن ــد صـ ـراع ا خفيـ ـ ا بين ــه وبي ــن
الشــخوص ,انتهــى بســقوطه فــي حالــة المســخ الحيـواني الــتي جلبــتا لــه الشـعقاء والذلل علــى طــول
صفحاتا الرواية.
35
والبواب ،وعدم قدرة الناس على الخـروج إلـى الطريــق) الـذي يحمـل معنـى النفتـاح والحريـة( ،إنمـا
يشــير إلــى الواقــع المظلــم الــذي يعيشــه المجتمــع بفعــل الســحر ,ومــا يــؤديه مــن ســلب للرادة ,وحمــل
على الستسلم لقوى غيبية مرعبة ومخيفة.
وفــي تقــديمه لشخصــية " ميلو" الرجــل الــثري والبخيــل فــي نفــس الــوقتا ،اتخــذ مــن رســم المكــان
وسيلة لتجسيد تلك الصفاتا:
" -إن بيته أول بيتا تبلغه ,مبني في الخلء خارج أسوار المدينة..
-هــل تــرى ذلــك الصــف الخيــر مــن النوافــذ المطلــة علــى المدينــة ،وبوابــة فــي الجــانب الخــر
تؤدي إلى طريق مسدود ،هناك يعيش ميلو..
ل عليــه يحــدق طيلــة اليــوم فــي أك ــداس
-يعي ــش داخــل الــبيتا الك ــبير الخــالي م ــن الث ــاث مقف ا
ماله .(112)"..
ففي المقاطع الوصفية السابقة لبيتا "ميلو" يرسم الكاتب ملمح شخصية صـاحب الـبيتا ،قبـل
أن يرسم لنا البيتا ،فإذا كان قـد قـندمه علـى لسـان أحـد الشـخوص بـأنه" عجـوز دمفـبرط الغنـى ،ودسـنبة
في جبين المدينة أحقـر وأبخـل وأقـذر رجـل رأيتـه ،هـو مـ اركب .(113)" ..فـإن ملمـح المكـان الخارجيـة
والداخلية تعزز مثل هـذه الصـفاتا ،فوقـوع الــبيتا خــارج أسـوار المدينــة ،وفـي الخلء ،ووجـود بوابـة
تــؤدي إلــى طريــق مســدود ،إنمــا يجســد معــاني العزلــة الــتي يعيشــها شــخص بخيــل مـ اركب ،ل تــترتب
على زيارته أي منفعة أو فائدة.
وفــي إشـارته إلـى الـبيتا الكـبير ،وتحــديقه بطيلـة اليـوم فـي مـاله ،إنمــا يشــير إلــى ث ارئـه الفــاحش،
في مقابل بخله الشديد الذي أوحتا به كلماتا" خاكل من الثاث ،ومقفلا عليه."..
وأحيان ـا يتخــذ الكــاتب مــن وصــف المكــان وســيلة لتحديــد الطــار العــام للروايــة ،فــإطلق اســم
تساليا علــى المكــان الــذي تجــرى عليــه الحــداث ،وربطــه بعــالم الســحر ،إنمــا يشــير إلــى الجــو العــام
للروايــة " تــذكرتا أننــي فــي قلــب تسففاليا البلــد الــذائع الصــيتا فــي عــالم الســحر والشــعوذة ،بــل فــي
المدينة ذاتها التي شهدتا حكاية أريستومنيس ..كانتا تسيطر علني فكـرة أن الســاحراتا يعملــن فــي
ك ــل مك ــان ,فخط ــر ل ــي أن الحج ــار ال ــتي ضـ ـربتها أم ــس بق ــدمي ربم ــا ك ــانتا ف ــي حقيقته ــا بشـ ـ ار
ممسوخين ،والطيور التي سمعتا تغريدها أناسا يكسوها الريش .(114)"..فمدينة " تساليا" كما يقــدمها
36
الراوي مشهورة بالسحر والشعوذة ،وكل شيء يحيط بالبطل محل شك وارتياب ،ليكون هذا الوصف
تمهيدا للحداث اللحقة التي ترتبط في معظمها بعالم السحر والشــعوذة ،كحكايــة تيلوفرون الرجــل
الذي حاول حراسة الجثة من سرقة الساحراتا لعضاء منها ،ليكتشف في النهاية أن الســاحراتا قــد
ضعنه عنها بأنف وأذنين من الشمع.
قضمن أنفه هو وأذنيه وععنو ش
وحكايــة لوكيوس مــع الشــخوص الثلثــة الــتي طعنهمــا بســيفه علــى بــاب ميلو ثــم اكتشــف أنــه
طع ــن ثلث بقـ ـعرب م ــن جل ــود والم ــاعز .لتص ــل الرواي ــة إل ــى ذروة الح ــدث ال ــدرامي عن ــدما يتح ــول
لوكيففوس إلــى جحــش بفعــل المــادة الســحرية الــتي دهــن بهــا جســده ،ثــم تت ـوالى أحــداث القصــة مــع
البطل الممسوخ حتى نهايتها.
وف ــي وص ــف الك ــاتب لمدين ــة "هوباتففا" إح ــدى م ــدن "تسففاليا" اس ــتطاع أن ي ــبرز المس ــتوى
الحضاري للمدينـة ،والـذي ينعكـس بـدوره علـى شـخوص الروايـة وأحـداثها ،فهـي مدينـة متقدمـة عن
غيرهــا مــن مــدن العــالم؛ مــن حيــث تصــميم المبــاني ،والم ارفــق العامــة ،وأثــاث الــبيوتا ،ومــا تــتيحه
لزوارها من حرية الحركة والعمل والستجمام ،فهي مركز هام يقصده النسـياح الــذين ينشــدون المتعــة
والهدوء .ول شك أن مثل هذه التفصيلتا تجعل القارئ يشعر" بـأنه يعيـش فــي عـالم الواقـع ل عـالم
. )(115
الخيال ،ويخلق انطباعا بالحقيقة أو تأثي ار مباش ار بالواقع"
إوامعان ـا فــي الربــط بيــن المكــان والشــخوص والحــداث ،اختــار الكــاتب الكهــف علــى ســفح
الجبــل مكانـا لجتمــاع اللصــوص ،ينطلقــون منــه إلــى القــرى والمــدن المجــاورة لينهبـوا مــن بيوتهــا مــا
شــاءوا ,ثــم يعــودون إليــه ليختف ـوا فيــه أو يحتم ـوا بــه ،وفــي وصــفه لهــذا المكــان حــاول أن يســتعرض
قــدرته اللغويــة والوصــفية علــى التقــاط تفاصــيل المكــان وعرضــها بشــكل ممتــع ودقيــق ،وكــأن قلمــه
عدسة كامي ار ل يفوتها تصوير أخفى الشياء وأدقها ,يقول في وصف الجبــل" " فلنبــدأ إذن بالجبــل،
كان جبلا عوبع ار شاهقاا .قلعة طبيعية حصينة تغطيها الغاباتا المظلمة وتقطعهــا ،علــى غيــر نظــام،
أخاديد تغص بشجر العوسج تنحدر على جـوانبه ,وتحاصـرها دجـدرف يسـتحيل الوصـول إليهـا....أمـا
الكه ــف فق ــد ك ــان م ــدخله قريبـ ـا م ــن الس ــفح ،ععلعتش ــه قلعـ ـةف مرتفع ــة دبني ــتا م ــن س ــياج م ــن أغص ــان
الطلح ,(116)"...وهكذا يستمر في عملية الوصف لتصــل إلـى 12ســط ارا .فوعـورة المكـان ،واختفــاؤه
تحــتا ظلل الشــجار الكثيفــة ،ووجــود ســور وقلع ،وم اركــز للتصـ ـرنتا ..إلــخ ,إنمــا هــي عناصــر
مكانيــة تدــبرز لنــا البيئــة الــتي يعيــش فيهــا اللصــوص ،ومــا يتمتعــون بــه مــن خــبرة وقــدرة علــى حمايــة
37
أنفسهم والحتفاظ بأسلبهم ،وتشير في الوقتا نفسه إلى أي حد وفق الكاتب في الربط بيــن المكــان
وبقيــة العناصــر الخــرى المكونــة للروايــة .إذ تتــآزر معـ ـا فــي رســم مشــهد روائــي ذي أبعــاد حســية
ونفسية يشوق القارئ ويثير لديه الخيال الممتع.
نتائج البحث
-تعــد الروايـة مـن بـواكير العمــل الروائــي النســاني الــذي يشـتمل علــى معظــم العناصــر الفنيــة الــتي
تعتمد عليها الرواية بمفهومها الحديث.
-الرواية من الرواياتا الغرائبيـة أو العجائبيـة الـتي تتخـذ مـن الحـداث الخياليـة وسـيلة فنيـة للتعـبير
عن رؤية الكاتب ,وموقفه من القضايا النسانية السائدة في مجتمعه آنذاك.
-يح ــاول الك ــاتب م ــن خلل الرواي ــة أن يس ــرد بع ــض المفاس ــد ال ــتي ك ــانتا ش ــائعة ف ــي المجتم ــع
الروماني في القرن الثاني الميلدي ,وأثر هذه المفاسد على أمن المجتمع ,وتماسك بنيانه.
-ربــط الكــاتب بيــن كــل ســلوك ل أخلقــي ؛ كالكــذب ,والظلــم ,والنفــاق ,والخيانــة وغيرهــا ,والعقــاب
الذي يستحقه ,أخذا بمبدأ العقاب من جنس العمل.
-حاول الكاتب أن يخفف من خيالية الرواية وبعدها عن الواقع ,من خلل ذكــر تفصـيلتا مكانيــة
وزمانية وأفعال ,تظهر للقارئ أنه يتحدث عن وقائع حقيقية ملموسة.
-تعتمــد الروايــة فــي شــكلها الخــارجي علــى أســلوب التقطيــع فــي ســرد الحــداث؛ إذ جــاءتا الروايــة
ل علــى الحــداث الــتي تجــري
ل ,كــل فصــل يحمــل عنوانـ ا مســتقلا ودا ا
مقوســمة إلــى تســعة عشــر فصـ ا
فيه ,دون أن يعني ذلك انفصام العلقة التكوينية بينها.
-تتتابع فصول الرواية زمنيـا بشـكل منطقـي ,وليفصـل بينهـا سـوى بعـض الحكايـاتا الفرعيـة الـتي
ضمنها الكاتب بغرض تعزيز فكرة لديه ,أو رؤية ينطلق منها في توليد الحداث ونموها.
-إن التقطيــع الســردي فــي الروايــة لــه مــبرراته الفنيــة ؛ إذ جــاء متســاوقا مــع متغي ـراتا المكــان ,أو
الشخوص ,أو الحداث.
38
ظــف الكــاتب تقنيــة الـراوي فــي خمســة أنمــاط هــي :النــا المشــارك ,والنــا الشــاهد ,والنــا غيــر
-وو
الحاضر ,والسرد على لسان أحد الشخوص ,والسرد بضمير الغائب كلي العلم.
-اعتمــد الكــاتب – إلــى جــانب تقنيــة الـراوي-علــى تقنيــاتا ســردية أخــرى تظهــر عــادة فــي العمــال
الروائية منها :الوصف ,والسترجاع ,والتضمين ,والحوار الداخلي ,والحوار الخارجي.
-تقوم الرواية بشكل أساسي على شخصية محورية هي شخصية البطل لوكيوس ,فــي حيــن كــانتا
طحة ,معتمدا في تقديمها على أسلوبي الخبار والكشف.
الشخصياتا الخرى هامشية أو مس و
-يلع ــب المك ــان ف ــي الرواي ــة دو ار أساس ــيا ف ــي تولي ــد الح ــداث ونموه ــا ,إذ ج ــاءتا مرتبط ــة ع ــادة
بالنتقال من مدينة إلى أخرى ,ومن مكان إلى آخر.
-ربــط الكــاتب بيــن خصــائص المكــان وملمــح الشــخوص ,ودورهــا فــي العمــل الروائــي ربطـ ا وثيقـاا,
بحيـث يسـتدل القـارئ علـى حيـاة الشخصـية النفسـية والسـلوكية مـن خلل وصـف المكـان الـذي تقبـم
فيه.
-يبدو زمن الرواية غامضا وغير محدد ,ولكن القارئ يســتطيع مــن خلل تتبـع الحــداث وتلحقهــا
أن يحدده بفترة زمنية قصيرة ل تتجاوز عام ا ونصف العام.
39
الهوامش
-1انظــر :لوكيــوس أبوليــوس ,روايــة تحــولتا الجحــش الــذهبي ,ترجمــة د .علــي فهمــي خشــيم ,ط ,4مركــز
الحضارة العربية ,القاهرة 2000,م . 225 ,71،122:
-2جميــل حمــداوي ,الحمــار الــذهبي لبوليــوس المــازيغي ,الح ـوار المتمــدن ,العــدد 23/5/2007, 1924
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=97388
-3المرجع السابق.
-4د .حميد لحميداني ،بنية النص السردي ،ط ،2المركز الثقافي العربي ،بيروتا1993 ،م.45:
-5المرجع نفسه.45 :
-6د .ســي از قاســم ،بنــاء الروايــة ،د ارســة مقارنــة لثلثيــة نجيــب محفــوظ ،د.ط ،الهيئــة المص ـرية العامــة للكتابــة،
1984م.131:
-7عبــد ال ـ رضـ ـوان ،البنــى الســردية ،د ارســاتا تطبيقيــة فــي القصــة القصــيرة الردنيــة ،ط ،1منشــوراتا رابطــة
الكتاب الردنيين1995 ،م.26:
-8الرواية.144:
-9د .يمنى العيد ،تقنياتا السرد الروائي في ضوء المنهج النبوي ،ط ،2دار الفارابي ،بيروتا1999 ،م . 94:
-10المرجع السابق .98:
-11الرواية.74:
-12الرواية.91:
-13الرواية.206:
-14البنى السردية.7 :
-15تقنياتا السرد الروائي في ضوء المنهج النبوي.89:
-16المرجع السابق.106:
-17الرواية.11:
-18الرواية.22:
-19الرواية.94:
-20الرواية.95:
-21الرواية.142:
-22د .عبــد الملــك مرتــاض ،فــي نظريــة الروايــة ،بحــث فــي تقنيــاتا الســرد ،عــالم المعرفــة ،الكــويتا1998 ،م:
.35
-23الرواية.221 :
-24الرواية.222 :
-25في نظرية الرواية ،بحث في تقنياتا السرد.154:
-26الرواية.222:
-27عبــد العــالي بــوطيب ,مفهــوم الرؤيــة الســردية ,مجلــة فصــول ,الهيئــة المص ـرية العامــة للكتــاب ,القــاهرة
1993م ،م ,11ع .140 :4
-28انظر بنية النص السردي.79:
-29الرواية.25 :
40
-30الرواية.26 :
-31الرواية.34:
-32الرواية.34:
-33الرواية.195 :
-34بناء الرواية ،دراسة مقارنة لثلثية نجيب محفوظ.40:
-35رفقــة محمــد دوديــن ،التقنيــاتا الســردية فــي أدب الســيرة الذاتيــة ،مجلــة الكلمــة ،منشــوراتا اتحــاد الكتــاب
الفلسطينين ،أيلول ،2007عدد .20 :8-7
-36الرواية.10 :
-37الرواية.11:
-38الرواية.12 :
-39الرواية.66 :
-40الرواية.223:
-41الرواية.231:
-42زينــب عيســى صــالح الياســي ,البنــاء الفنــي فــي الروايــة الكويتيــة المعاص ـرة ,الفصــل الثــاني ,المبحــث
الرابع .http://www.khawlaalqazwini.com
-43لرواية.14 :
-44الرواية.23 :
-45الرواية.52:
-46الرواية.94:
-47الرواية.95:
-48الرواية.143:
-49الرواية.47:
-50يلحــظ أن المؤلــف يشــير إلــى أن جوبيــتر هــو الــذي أمــر أورغــوس بالح ارســة ,مــع أن الســطورة اليونانيــة
تتحــدث -وهــو أقــرب إلــى الص ـواب -عــن" هي ـرا" زوجــة " زيــوس " هــي الــتي كلفــتا أرغــوس بح ارســة " إيــو"
لمنعها من التصال بعشيقها زيوس .انظر :د .عماد حاتم ،أساطير اليونان ،ط ، 1الدار العربية للكتــاب،
.73-72 :1988
-51ترمــز اســطورة أورفيــوس للعاشــق الــذي يفقــد محبــوبته ويفقــد نفســه نتيجــة تســرعه وحرصــه المفــرط .النــترنتا
. www.jozoor.net
-52الرواية.49 :
-53جيرمي هوثورن ,مدخل لدراسة الرواية ,ترجمة غازي درويش عطيــة ,ط ,1بغــداد ,و ازرة الثقافــة 1996م :
.99
-54البنى السردية.67:
-55الرواية.197 :
-56الرواية.83 :
-57البنى السردية.66:
-58الرواية.90 :
-59الرواية.109 :
41
-60الرواية.111 :
-61البنى السردية.65:
-62الرواية.81 :
-63الرواية.18 :
-64الرواية.36 :
-65الرواية.144 :
-66د.محمد عبـد المطلب ،تـداخلتا الرؤيـة والسـرد والمكـان فـي روايـة هالـة البـدري منتهـى ،مجلـة فصـول،
الهيئة العامة للكتاب ،القاهرة ،1998 ،م ،16ع .296: 4
-67الرواية.11 :
-68الرواية.22 :
-69الرواية.9 :
-70الرواية.214 :
-71الرواية.10 :
-72الرواية.28 :
-73الرواية.33 :
-74الرواية.11 :
-75الرواية.12:
-76الرواية.12:
-77الرواية.13:
-78انظرالرواية.14 :
-79الرواية.25 :
-80الرواية.156 :
-81الرواية.245 :
-82عباس دويكاتا ,مناقشة رواية "ربيع حار" لسحر خليقة في ملتقى بلطة الثقافي,
http://pulpit.alwatanvoice.com/articles
-83الرواية.222 :
-84مما انتهتا إلى تأكيده قواعد النحو التوليدي في اللغة العربية هــو أن الــتركيب الساسـي لعناصـر الجملــة
العربية في البنية العميقة هو :فعل +اسم +اسم )فعـل +فاعـل +مفعـول بـه (انظـر :محمــد حماســة عبــد
اللطيف ،النماط التحويلية في النحو العربي ،ط ،1مكتبة الخانجي :1990 ،ص .78
-85زكــي العيلــة ,المـرأة فــي الروايــة الفلســطينية ،ط ,1منشــوراتا مركــز أوغــاريتا الثقـافي ,رام الـ ,فلســطين
2003م .222:
-86الرواية.9:
-87الرواية.9:
42
-88الرواية.237 :
-89الرواية.262 :
-90بناء الرواية ،دراسة مقارنة لثلثية نجيب محفوظ.27:
-91الرواية.9 :
-92الرواية.43 :
-93الرواية.69 :
-94الرواية.162 :
-95الرواية.196 :
-96الرواية.207 :
-97تقنياتا السرد الروائي في ضوء المنهج النبوي.82 :
-98الرواية.15 :
-99الرواية.190 :
-100بنية النص السردي.74 :
-101الرواية.9 :
-102بناء الرواية ،دراسة مقارنة لثلثية نجيب محفوظ.37:
-103الرواية.10:
-104الرواية.11 :
-105بناء الرواية ،دراسة مقارنة لثلثية نجيب محفوظ.28:
-106التقنياتا السردية في أدب السيرة الذاتية.20:
-107الرواية.14:
-108الرواية.21:
-109بناء الرواية ،دراسة مقارنة لثلثية نجيب محفوظ.82:
-110المرجع السابق.82:
-111الرواية.15:
-112الرواية.25:
-113الرواية.25:
-114الرواية.32:
-115بناء الرواية ،دراسة مقارنة لثلثية نجيب محفوظ.82:
-116الرواية.80:
المصادر والمراجع
43
أولل -الكتب والمجلت العلمية:
-1د .حميد لحميداني ،بنية النص السردي ،ط ،2المركز الثقافي العربي ،بيروتا1993 ،م.
-2رفقــة محمــد دوديــن ،التقنيــاتا الســردية فــي أدب الســيرة الذاتيــة ،مجلــة الكلمــة ،منشــوراتا اتحــاد الكتــاب
الفلسطينين ،أيلول ،2007عدد .8-7
-3زكــي العيلــة ,المـرأة فــي الروايــة الفلســطينية ،ط ,1منشــوراتا مركــز أوغــاريتا الثقــافي ,رام الـ ,فلســطين
2003م.
-4د .ســي از قاســم ،بنــاء الروايــة ،د ارســة مقارنــة لثلثيــة نجيــب محفــوظ ،د.ط ،الهيئــة المص ـرية العامــة للكتابــة،
1984م.
-5عبد العالي بوطيب ,مفهوم الرؤية السردية ,مجلة فصول ,الهيئة المصرية العامــة للكتــاب ,القــاهرة 1993م،
م ,11ع .4
-6عبــد ال ـ رضـ ـوان ،البنــى الســردية ،د ارســاتا تطبيقيــة فــي القصــة القصــيرة الردنيــة ،ط ،1منشــوراتا رابطــة
الكتاب الردنيين1995 ،م.
-7د .عبد الملك مرتاض ،في نظرية الرواية ،بحث في تقنياتا السرد ،عالم المعرفة ،الكويتا1998 ،م.
-8د .عماد حاتم ،أساطير اليونان ،ط ، 1الدار العربية للكتاب.1988 ،
-9لوكيــوس أبوليــوس ,روايــة تحــولتا الجحــش الــذهبي ,ترجمــة د .علــي فهمــي خشــيم ,ط ,4مركــز الحضــارة
العربية ,القاهرة 2000,م.
-10محمد حماسة عبد اللطيف ،النماط التحويلية في النحو العربي ،ط ،1مكتبة الخانجي.1990 ،
-11د.محمد عبد المطلب ،تداخلتا الرؤيـة والسـرد والمكـان فـي روايـة هالـة البـدري منتهـى ،مجلـة فصـول،
الهيئة العامة للكتاب ،القاهرة ،1998 ،م ،16ع .4
-12د .يمنى العيد ،تقنياتا السرد الروائي في ضوء المنهج النبوي ،ط ،2دار الفارابي ،بيروتا1999 ،م.
44