You are on page 1of 44

‫البناء الفني في رواية‬

‫تحولتا الجحش الذهبي‬


‫لـ" لوكيوس‬
‫أبوليوس"‬

‫)‪ 180 -125‬م(‬

‫دكتور ‪ /‬محمد صلحا زكي أبو حميدة‬


‫أستاذ البلغاة والنقد المشارك‬
‫جامعة الزهر‪ -‬غازة‬

‫‪1432‬هـ ‪2011-‬م‬

‫‪1‬‬
‫ملخص‬

‫تقع رواية تحولتا الجحش الذهبي لـ لوكيوس أبوليوس‪ ,‬في إطار الرواية الغرائبيـة العجائبيـة ‪,‬‬
‫التي تتخذ من الحداث الخيالية غير الواقعية وسيلة للتعبير عن رؤية الكاتب وموقفه من العالم‪.‬‬

‫وقد حاول الباحث أن يتنـاول الروايـة بالوصـف والتحليـل ‪ ,‬والكشـف عـن عناصـر البنـاء الفنـي‬
‫فيهــا‪ :‬كالســرد ‪ ,‬وبنــاء الشخصــياتا ‪ ,‬والزمــن ‪ ,‬والمكــان ‪ ,‬وطريقــة توظيفهــا‪ ,‬ودورهــا فــي تماســك البنــاء‬
‫القصصي ‪ ,‬وتلحم أجزائه‪.‬‬

‫وأثبتــتا الد ارســة أن الروايــة ‪ ,‬إوان كــانتا تدععـدد مــن بـواكير العمــل الروائــي النســاني ‪-‬حيــث إنهــا‬
‫كتبــتا فــي القــرن الثــاني الميلدي‪ -‬فإنهــا تشــتمل علــى معظــم العناصــر الفنيــة الــتي تشــكل بنــاء الروايــة‬
‫بمفهومها الحديث‪.‬‬

‫‪Abstract‬‬

‫‪The changes of the novel Golden Donkey by Lucius Apuleius lie in the‬‬
‫‪frame of fantastic novel , which takes a means from the imaginative‬‬
‫‪incidents to express the writer’s image and his attitude towards the world.‬‬

‫‪The searcher tries to analysis and describe the novel, Discovering the‬‬
‫‪artistic models in it : narration, character building, time ,place benefit‬‬
‫‪from it, and its role in solidifying the narrative and its parts.‬‬

‫‪The study proves that the novel which was written in the second century‬‬
‫‪A.D contains most of the artistical elements which form the novel‬‬
‫‪structure in its modern understanding.‬‬

‫تقديم‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫تقع رواية تحولتا الجحش الذهبي لـ " لوكيوس أبوليوس " فــي إطــار الروايــة الغرائبيــة أو‬
‫العجائبيــة الــتي تتخــذ مــن الحــداث الخياليــة غيــر الواقعيــة وســيلة فنيــة للتعــبير عــن رؤيــة الكــاتب‬
‫وموقفه من القضايا النسانية السائدة في المجتمع‪.‬‬

‫فــالمتتبع لحــداث الروايــة ومغ ازهــا يــرى أنهــا روايــة أخلقيــة بامتيــاز‪ ،‬يحــاول الكــاتب مــن‬
‫خلله ــا‪ -‬أن يس ــرعد بع ــض المفاس ــد ال ــتي ك ــانتا ش ــائعة ف ــي المجتم ــع الروم ــاني ف ــي الق ــرن الث ــاني‬
‫الميلدي‪ ,‬وأثر هذه المفاسد السلبي على أمن المجتمع‪ ,‬وتماسك بنيانه‪ .‬وكــانتا وســيلة الكــاتب فــي‬
‫ط بيــن كــل ســلوكك ل أخلقــي‪ :‬كالكــذب والظلــم‬
‫التنفيــر مــن هــذه القيــم أو الممارســاتا الســيئة‪ ،‬الرب ـ ع‬
‫والنفــاق والخيانــة الزوجيــة والس ـرقة وغيرهــا‪ ,‬والعقــابب الــذي يســتحقه؛ أخــذا بمبــدأ العقــاب مــن جنــس‬
‫العمل)‪.( 1‬‬

‫والروايــة مــن حيــث بناؤهــا الفنــي‪ ،‬ل تبتعــد عــن مكونــاتا العمــل الفنــي الروائــي‪ ،‬فهــي إلــى‬
‫جانب لغتها الدبية الرفيعة والممتعة‪ ،‬تشتمل على عناصر البنــاء الروائــي جميعهــا‪ ،‬وتنــدرج ضــمن‬
‫تلك الرواياتا التي تغـرق بمضــامينها فــي الجـانب الخيــالي البعيـد عـن المنطـق أو الواقـع الخـارجي‪،‬‬
‫ولكـ نن المؤلــف حــاول أن يخفــف مــن جنــوح هــذا الخيــال‪ ,‬بالرتكــاز علــى تفصــيلتا مكانيــة‪ ,‬وأفعــاكل‬
‫دتوهم القارئع بأنه يتحدث عن وقائعع حقيقيكة ملموسكة‪ ,‬تدفع بالرواية من عالم الوهم إلى عالم الواقع‪.‬‬

‫ف بالحكايــاتا الســحرية‬
‫وتتلخــص الروايــة فــي أنهــا تــروي قصــة البطــل لوكيوس الــذي ش ـدغ ع‬
‫والقوى الغيبية التي تتحكـم فـي مصـائر البشـر‪ ،‬وبفضـوله ال ازئـد لمعرفـة كـل شـيء ممكـن عـن عـالم‬
‫الســحر‪ ,‬طلــب مــن " فففوتيس" الــتي أحبهــا أن دتمككنــه مــن رؤيــة ســيدتها "بففامفيلي" الســاحرة‪ ,‬وهــي‬
‫تتحــول إلــى طــائر" بومــة "‪ ،‬لينتق ـعل‪ -‬بعــد ذلــك‪ -‬إلــى أن يفعــل بنفســه مــا فعلتــه "بففامفيلي" بنفســها‬
‫باستخدام المرهم السحري الخاص بذلك‪ ،‬ولكنه بسبب خطــأ "فوتيس" فــي اختيــار المرهــم المطلــوب‬
‫لــم يتحـنول إلــى طـائر‪ ,‬كمـا كــان يرغــب‪ ,‬إوانمـا تحـنول إلـى حمــار؛ ليلقـعي مـن العــذاب و الضــطهاد‬
‫والقســوة والظلــم‪ ,‬علــى أي ــدي الكــثير مــن البش ــر‪ ,‬م ــا ل يلقيــه أح ــد‪ ،‬وبعــد العدي ــد مــن المغــامراتا‬
‫الخياليـ ــة الممزوجـ ــة بحكايـ ــاكتا واقعيـ ـكة‪ ,‬اسـ ــتطاع لوكيففوس أن يطنبلـ ـعع علـ ــى خبايـ ــا البشـ ــر وأسـ ـرارهم‬
‫وتجــاربهم الــتي تجســد ألوانـا متعــددة مــن الظلــم الدمــي‪ ،‬والعتــداء علــى حقــوق الخريــن‪ ...‬لتنتهــي‬
‫الروايــة بالشــارة إلــى نفــاد صــبره وتــبرربمه مــن واقعــه المريــر‪ ،‬والصــلة والبتهــال إلــى الربــة "إيزيس"‬

‫‪3‬‬
‫لتعيده إلى صورته النسانية الولى‪ ،‬والتي استجابتا بدورها لطلبــه‪ ،‬وأصــبح رجلا تقيـ ا عوبرعـاا‪ ،‬أنــذر‬
‫نفعسه لخدمة اللهبة وحفبظ أسرارها‪.‬‬

‫وبالربط بين أحداث الرواية وما فيها مــن مغــام اركتا وحكايــاكتا غرائبيــة‪ ،‬وشخصــيبة لوكيوس‬
‫أبوليوس ‪ /‬المؤلــف‪ ,‬نجــد أنن شخصــيته‪ ,‬بكــل أبعادهــا الثقافيــة والروحيــة والنســانية‪ ,‬قــد تجلنــتا فــي‬
‫ف عنبه ـعل مــن مختلــف العلــوم" تــابعع د ارســاته العليــا فــي اليونــان‪ ,‬وأثينــا‪,‬‬
‫ب مثق ـ ف‬
‫هــذا العمــل‪ ،‬فهــو أدي ـ ف‬
‫إوايطاليـ ــا‪ ,‬وأسـ ــيا الصـ ــغرى‪ ،‬ولقـ ــد دأعجـ ــب بالفلسـ ــفة السفسـ ــطائية‪ ,‬والفلسـ ــفة الفلطونيـ ــة المحدثـ ــة‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫والفلس ــفاتا ذاتا الطبيعـ ــة الص ــوفية الروحاني ــة‪ ,‬ال ــتي تضـ ــمن للم ــؤمنين حيـ ــاةا أبديـ ـةا سـ ــعيدة"‬
‫فمعرفتــه بالفلســفة اليونانيــة‪ ,‬وعش ـدقه لعــالم الدمثدـبل‪ ,‬هــو الــذي يفكســر لنــا افتتــاعح روايتــه بالحــديث عــن‬
‫"أريستومنيس" وصديقه سقراط‪ ،‬وحكاياته عن اللصوص‪ ،‬ونــومه غيــر الشــرعي مــع " ميروى" ومــا‬
‫أعقب ذلك من حياة بائسة مؤلمة ‪ ,‬كل ذلك كان بفعل القوى السحرنية ‪.‬‬

‫فعلقــة لوكيففوس بالســحر وطيــدفة‪ ،‬حيــث ادتربهــم فــي صــباه بممارســة الســحر‪ ,‬وألن ـ ع‬
‫ف كتاب ـا‬
‫عنوانه" في السحر" )‪ ،(3‬فكان تعلردقه بالسحر وشعغبفه بالوقوف على أس ارره‪ ،‬دافع ا قويـ ا ؛ لن تطغــى‬
‫الحكاياتا العجائبية والسحرية على معظم فصول الرواية‪.‬‬

‫وبعششـدقه للحيـاة الروحيـة‪ ,‬وبحثدـه عـن القيـم‪ ,‬والمثـل العليـا المفقودة فـي العـالم السـفلي‪ ,‬جعله‬
‫يــرى إنســان عصـبره غارقـ ا فــي ذاتيتبــه‪ ،‬وشــهوانيبته الــتي أفقــدتشهد شــعوعره بإنســانيته‪ ،‬وجعلتشــه يعيــش فــي‬
‫عالكم انهارتا فيه تلك القيم‪ .‬وهو ما عنشلعمسه في أحداث الرواية؛ إذ يقوم الكـاتب برصـد القيـم السـلبية‬
‫في المجتمع‪ ,‬وممارسة الشخوص لها‪ ،‬ليقـوعم بتصــويبها وتقويمهــا؛ إمـا بـإنزال العقوبـة الشــديدة علــى‬
‫صاحبها‪ ،‬أو بدفبعه إلى الشعور بالندم‪ ,‬والتحسبر على ما فعل‪.‬‬

‫له ــذا أرى أن الرواي ــة انعك ــافس لـ ـدروبح الك ــاتب‪ ,‬وتجس ــيفد لرؤيت ــه الواقعي ــة‪ ,‬ح ــتى إوان ك ــانتا‬
‫تتنــاول أحــداثا ل واقعيــة‪ ,‬وغرائبيــة خياليــة فــي معظمهــا‪ .‬وســأقوم‪ -‬فــي الصــفحاتا التاليــة‪ -‬بتنــاول‬

‫عناصر البناء الفني في الرواية ‪ ,‬واصف ا إياها‪ ,‬ومحلك ا‬


‫ل لمكوناتها‪ ,‬ووظيفتها الفنية‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫أولل‪ -‬بنية السرد‪:‬‬

‫لشــك أن كــل روايــة أو قصــة عمحكنيــة تشــتمل علــى أحــداث معينــة‪ ،‬وقعــتا فــي زمــن مــا‪،‬‬
‫ومكــان مــا‪ ،‬وشــاركتا فــي وقوعهــا شــخوص متعــددة‪ ،‬تتفــاوتا فيمــا بينهــا فاعليــة وقــدرة فــي تــوجيه‬
‫الحداث وتعقيدها‪.‬‬

‫وهــذه الحــداث ‪ -‬بالضــرورة‪ -‬ل بــد مــن نقلهــا بطريقــة مخصوصــة إلــى الخريــن ليتفــاعلوا‬
‫معهــا‪ ,‬أو يســتمتعوا بمــا تنطــوي عليــه مــن أفكــار ورؤى ومواقــف أو لغــة مســتخدمة؛ لن " قصــة‬
‫واحــدة يمكــن أن دتحعكــى بطـرق متعـددة‪ ،‬ولهــذا السـبب فـإن السـرد هـو الـذي ديعتمـدد عليـه فــي تمييـز‬
‫أنماط الحكي بشكل أساسي" )‪.(4‬‬

‫ل فــإن الســرد يقصــد بــه" الكيفيــة الــتي تــروى بهــا القصــة عــن طريــق القنــاة نفســها‬
‫إواجمــا ا‬
‫الم ــروي ل ــه( وم ــا تخض ــع ل ــه م ــن م ــؤثراتا‪ ,‬بعض ــها متعل ــق ب ــالراوي‬ ‫القص ــة‬ ‫) الـ ـراوي‬
‫والمروي له‪ ،‬والبعض الخر متعلق بالقصة ذاتها " )‪.(5‬‬

‫في ضوء ذلـك نـرى أن روايـة " الجحـش الـذهبي" تعتمـد فـي شـكلها الخـارجي علـى أسـلوب‬
‫ل‪ ،‬كــل فصــل منهــا‬
‫التقطيــع فــي ســرد الحــداث‪ ،‬إذ جــاءتا الروايــة مقنســمة إلــى تســعة عشــر فص ـ ا‬
‫ل علــى مجمــل الحــداث الــتي تجــري فيــه‪ ،‬دون أن يعنــي ذلــك انفصــام‬
‫يحمــل عنوانـ ـا مســتقلا ودا ا‬
‫العلقــة التكوينيــة بينهــا‪ ،‬فهــي وحــداتا ســردية كــبرى متكاملــة ومترابطــة‪ ،‬تــدفع بالحــدث الرئيــس إلــى‬
‫المــام حــتى بلــوغ النهايــة‪ ،‬أي أنهــا مترابطــة علــى مســتوى الحــدث‪ ،‬وعلــى مســتوى الزمــان والمكــان‬
‫والشخوص‪ ،‬وتكاد تمثل شخصية البطل الحبل الرسري الذي يغذي هذه الفصول مجتمعة‪ ،‬ويربطهــا‬
‫ببعضها ‪ ،‬علوة على أن الحداث في الفصول تتابع زمنيـا بشـكل منطقـي‪ ،‬ول يفصـل بينهـا سـوى‬
‫بعــض الحكايــاتا الفرعيــة الــتي ض ـنمنها المؤلــف روايتــه بغرض تعزيز فكرة لــديه‪ ،‬أو رؤيــة ينطلــق‬
‫منها في توليد الحداث ونموها؛ كما جاء بشكل جلي في الفصول‪ :‬السابع والثامن والتاسع‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى فإن التقطيع السردي في الروايــة لـه مـبرراته الفنيـة‪ ،‬إذ جــاء متســاوقا مــع‬

‫متغيـراتا المكــان أو الشــخوص أو الحــداث‪ ،‬فعلــى ســبيل المثــال‪ :‬كــان مطلــع الفصــل الثــاني إيــذان ا‬
‫بوصــول البطــل "لوكيففوس" إلــى بيــتا "ميلــو" فــي" تسففاليا" الــتي قصــدها فــي مطلــع الفصــل الول‬
‫بداعي العمل‪ ،‬ويشير الفصل الثالث إلى انتقال البطــل إلــى مدينــة " هوباتا " لحضــور حفــل عشــاء‬

‫‪5‬‬
‫مع "برهاينا" خارج بيتا "ميلو" الذي يقيم فيه‪ ،‬وقد تخنللته أحداث غريبة دمفبزعة‪ ،‬حتى يأتي الفصــل‬
‫الرابع لتدور أحداثه حول محاكمة "لوكيوس" وبراءته من التهمة التي نسبتا إليه‪ ،‬ثم ينتقل المؤلـف‬
‫فــي الفصــل الخــامس إلــى الحــدث المفصــلي فــي الروايــة وهــو تحــول" لوكيفوس" إلــى صــورة حمــار‬

‫يعقــل ويفكــر كمــا النســان ‪ ..‬هكــذا تتعــاقب الفصــول بتعــاقب الحــداث والشــخوص والمكنــة فــي‬
‫الرواية ‪.‬‬
‫الراوي ‪:‬‬
‫ص‪ ,‬ونقلـه إلـى‬
‫هو شخصية وهمية افت ارضــية يخلقهــا المؤلـف ‪ ,‬لتحمــل علــى عاتقهــا مهمــة القـ ك‬
‫مســتمع متخنيــل " فــالراوي يتقمــص شخصــية تخييليــة تتــولى عمليــة القـ ك‬
‫ص‪ ,‬وســميتا هــذه الشخصــية‬
‫"النا الثانية للكاتب"‪ ,‬وقد يكون هذا الراوي غير ظاهر في النــص القصصــي‪ ،‬وقــد يكــون شخصــية‬
‫من شخصياتا الرواية ")‪.(6‬‬

‫والمتتبع لتقنية الراوي في الرواية موضوع الدراسة‪ ،‬يسـتطيع أن يمكيـز أربعـة أنمــاط ســردية لجــأ‬
‫إليها المؤلف في نقل الحدث القصصي هي‪:‬‬

‫أ‪ -‬النا المشارك‪:‬‬

‫تمثــل هــذه التقنيــة الداة الساســية فــي عمليــة الســرد؛ إذ إن المؤلــف يفتتــح روايتــه علــى لســان‬
‫المتكلــم فيقــول" فــي يــوم مــن اليــام أخــذني داعــي العمــل إلــى" تسففاليا"‪ ،‬منشــأ أهــل والــدتي‪ ،‬فأنــا‬
‫بالمناسبة امتاز بصلة النسب عــن طريــق أمــي إلــى بلوتارخ الشــهير" ‪ .‬فالكلمــاتا" أخــذني‪ ،‬والــدتي‪،‬‬
‫فأنــا‪ ،‬أمتــاز‪ ،‬أمــي‪ "...‬كلهــا كلمــاتا جــاءتا متصــلة بضــمير المتكلــم الــذي" يتســاوى فيــه الســارد مــع‬
‫الشخصية‪ ,‬مما يتيح حالة من التماهي بين السارد والمؤلف‪ ،‬وبالتالي ديغرق المبنى الحكائي بالبعــد‬
‫الذاتي معتمدا لغة شعرية في الغالب")‪ .(7‬ومما هو جدير بالذكر أن تقنية السرد بالنــا المشــارك قــد‬
‫غلبتا على أشــكال الســرد الخــرى فــي الفصــول الولــى مــن الروايــة‪ ،‬أي قبــل أن يتحــول "لوكيوس"‬
‫إلى صورة حيوان‪ ،‬وفي الفصول الخيرة‪ ,‬التي عاد فيها إلى حالته الولى‪.‬‬

‫وهــذا ل يعنــي أن الســرد بالنــا المشــارك لــم يكــن حاضـ ار فــي بقيــة الفصــول الــتي جــرتا فيهــا‬
‫الحــداث حــول "لوكيففوس" الحمــار‪ ,‬إوانمــا كــان حاضـ ـ ار حضــو ار غيــر فاعــل فــي صــنع الحــداث‬
‫ونموها‪ ,‬إذ إن درجة تفاعله مع الحداث كانتا بقدر مــا تســمح بــه حــالته الحيوانيــة الظــاهرة‪ ،‬فــأكثر‬

‫‪6‬‬
‫مــن مـرة حـاول أن يتمـنرد علـى صـاحبه الــذي يملكـه‪ ،‬أو يهــرب مـن قبضـة اللصــوص الــذين اقتــادوه‬
‫إلى الكهف‪ " ..‬ثم استجمعتا قواي كلها وشددتا سير الجلد الذي كنتا مربوطا به وانطلقتا بأســرع‬
‫مــا تحملنــي أرجلــي الربــع‪ ...‬كــان للعجــوز عينــان كععشيعنــي الصــقر فــالتقطتا نهايــة الســير عنــدما‬
‫شــددته وحــاولتا بشــجاعة أذهلتنــي مــن مخلوقــة فــي مثــل ســنها أن تعيــدني إلــى الكهــف")‪ ,(8‬ـ وعلــى‬
‫الرغم من أن أحداث الرواية تدور في مجملها حول شخصية البطل "لوكيوس" فــإن الســرد بضــمير‬
‫المتكلــم ل يعنــي أن الروايــة تقــع فــي إطــار الســيرة الذاتيــة بــل " هــي ســرد يســتخدم تقنيــة الــرواي‬
‫بضمير الـ "أنا" ليتمكن من ممارسة لعبكة فنية تخكوله الحضور‪ ,‬وتسمح له بالتــالي التــدخل والتحليــل‬
‫بشكل يوكلد وهم القناع")‪.(9‬‬

‫ب‪ -‬النا الشاهد‪:‬‬

‫الراوي الشاهد" هو اركو حاضر لكنه ل يتدخل ول يحكلل‪ ،‬إنه يروي من خارج عــن مســافة بينــه‬
‫وبين ما‪ ،‬أو من‪ ،‬يروي عنه‪ ،‬مثل هذا الراوي هو بمثابة العين التي تكتفي بنقل المرئي في حــدود‬
‫مــا يســمح لهــا النظــر‪ ،‬وبمثابــة الذن الــتي تكتفــي أيض ـا بنقــل المســموع فــي حــدود مــا يســمح بــه‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(10‬‬
‫السمع‪ ،‬وظيفة هذا الراوي هي التسجيل"‬

‫وفي الرواية يمثل السارد الشاهد مساحة واسعة من العمل السردي‪ ,‬إذ إن دور السارد‪ /‬البطل‬
‫لم يتجاوز فــي بعـض فصـول الروايــة ومسـرح الحــداث‪ ،‬رصــد الحـداث وسـردها علـى النحـو الـذي‬
‫يدركها بـه‪ ،‬ليبـدو السـارد فـي حالـة أكـثر موضـوعية وحياديـة ‪ ،‬وهـو أمـر ينسـجم أيضـا مـع طـبيعته‬
‫الحيوانيــة الــتي تحــول إليهــا‪ ،‬فحينمــا اقتحــم اللصــوص بيــتا مضــيفه" ميلففو" كــان دوره أن يســجل‬
‫ويروي الحداث التي وقعتا أمام عينيـه وسـمعها بــأذنيه " فجــأة ارتفـع صــوتا دق وخبــط علـى بـاب‬
‫البيتا الخارجي‪ ،‬وصيحاتا من بعيد‪ :‬اللصوص! اللصــوص! ‪ ،‬ألقــى الســائس العصــا مــن يــده وفـنر‬
‫فزعاا‪ .‬دبعيدها انفتح باب الباحة على مصـراعيه وانـدفع اللصـوص المسـلحون داخليـن‪ .‬أسـرع بعـض‬
‫الجيـ ـران لمســاعدة "ميلففو" فتغلــب عليهــم اللصــوص بســهولة ‪...‬أتـ ـوا إلــى اصــطبلنا واقتــادوا ثلثتنــا‬
‫وحملونا بأثقل الصدرعر قدر ما استطاعوا أن يدكوكموا على ظهورنا‪ ،‬ثم ساقونا خارج البيتا المسلوب‬
‫ن‬
‫")‪. (11‬‬

‫‪7‬‬
‫وعنــدما يتحــدث ال ـراوي عــن الفتــاة الــتي أســرها اللصــوص يقــول‪ " :‬بعــد قليــل قفــل اللصــوص‬
‫يعلــو وجهــوهم الجــد الجــاد‪ ،‬ولــم يجلبـ ـوا معهــم‪ -‬رغــم كــثرتهم وســلحهم ‪ -‬شــيئا مــن الغنــائم علــى‬
‫الطلق‪ ،‬ول حتى عباءة رثة‪ ،‬إوانما مجرد فتاة واحدة أسيرة‪ ،‬كانتا تنتمي إذا ما حكمنا من مظهر‬
‫ثيابها إلى إحدى العائلتا الكبرى في المنطقة‪ ،‬وكانتا جميلة بدرجـة خارقـة أقسـم أنهـا جعلتنــي أنـا‬
‫الجحش أقع في غرامها" )‪.(12‬‬

‫وعلــى الرغــم ممــا يبــدو علــى شخصــية الســارد الشــاهد مــن حياديــة‪ ,‬فــإن المؤلــف كــثي ار مــا كــان‬
‫ديخرل بهذه الحيادية‪ ,‬ويتدخل أثناء السرد بالشرح أو التعقيب بطريقة فنجة تصدم القارئ‪ ،‬مثال ذلـك‪:‬‬
‫حــديثه عــن زوجــة المستشــار الــتي حــاولتا أن تسـكمم ربيعبهــا انتقامـ ا منــه لعــدم مبــادلته إياهــا الحــب‪,‬‬
‫فتسـنمم ابنهــا عــن طريــق الخطــأ‪ ،‬يتــدخل الســارد ليبــدي وجهــة نظـره المتحاملــة علــى زوجــاتا البــاء‬
‫فيقــول‪ ":‬فمــا أعجــب كيــف يتفكــك عنــد الــبيع بيــتا علــى حيــن بغـرة‪ ,‬وتتنــافر مكونــاته فــي كــل اتجــاه‬
‫شذر مذر")‪.(13‬‬

‫ت‪ -‬السرد بضمير النا غير الحاضر‪:‬‬

‫يعمد المؤلف فــي كـثير مـن المواضــع إلـى تنويـع صــيغة الســارد حسـب الســياقاتا الــتي تـرد‬
‫فيها‪ ،‬فحينما يمنسه المر بشكل مباشر كأحد شخوص العمل الروائي تبرز النا المشــارك‪ ،‬وعنــدما‬
‫يــتراجع دوره فــي تحريــك الحــداث ويكــون مطلعـا عليهــا قريبـا منهــا يلجــأ المؤلــف إلــى تقنيــة الـراوي‬
‫الشاهد‪ ،‬وحينما يرغب في أن يترك للشخصية الروائية دورها في ســرد مــا يجــري حولهــا أو لهــا مــن‬
‫أحداث دون تدخل منـه بالتأويـل أو التفسـير أو التعقيـب‪ ،‬يجـري السـرد علـى لسـانها فتنطلــق وتتكلـم‬
‫مباشرة بصوتها‪ ,‬ويتراجع دوره كـ اركو رئيـس للحـداث‪ ,‬ولكـن" يظــل السـارد‪ ,‬ضــمير المتكلـم‪ ,‬ضــابطا‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(14‬‬
‫لليقاع العام داخل القصة "‬

‫وهذا التنويع في صيغة السارد نألفه في معظم العمال الروائية الحديثة‪ ,‬إذ من الصــعب‬
‫بـل مـن المسـتحيل أن يسـتمر الـراوي علـى صـيغة واحـدة مـن بدايـة العمـل إلـى نهـايته فـ ـ " كـثي ار مـا‬
‫لجأ الكتاب الروائيـون إلـى تنويـع الـراوي فـي العمـل الروائـي الواحـد‪ ،‬وفـق مـا يقتضـيه سـياق السـرد‪،‬‬
‫كــأن يــترك الـراوي الــذي يــروي بضــمير النــا مكــانه‪ ،‬فــي مفصــل مــن مفاصــل العمــل الروائــي‪ ،‬إلــى‬

‫‪8‬‬
‫الراوي الشـاهد‪ ،‬أو كـأنه يتحـول هـذا الـراوي الـذي يـروي بضـمير النـا من اركو حاضـكر يعـرف أمو ار‬
‫كثيرة ) لنه معنى بها ( إلى مجرد شاهد ينقل فقط ما يقع عليه نظره" )‪.(15‬‬

‫وحينمـ ــا يـ ــترك الـ ـراوي الكلم للشخصـ ــية ل يعنـ ــي ذلـ ــك " أن الشخصـ ــية هنـ ــا تمـ ــارس دور‬
‫الـ ـراوي‪ ،‬أو أن الـ ـراوي هــو شخصــية تــروى بضــمير ال ـ ـ "النــا" ‪ ،‬بــل بمعنــى أن الـ ـراوي الــذي روى‬
‫)‬
‫بصــوته عــن هــذه الشخصــية يتقــدم بهــا‪ ،‬وفــي ســياق روايــة عنهــا‪ ،‬ويــدعها تنطــق مباشـرة بصــوتها"‬
‫‪ ،‬وعــادة مــا يضــع ال ـراوي كلم الشخصــية بيــن علمــتي تنصــيص مثــال ذلــك‪ ،‬ال ـراوي يخــاطب‬ ‫‪(16‬‬

‫شخصية "أريستومنيس" أحد شخوص الرواية‪ ,‬ويطلب منه أن يســرد حكــايته فيقــول‪ ":‬قــال الرجــل‪":‬‬
‫أشكرك جزيل الشكر على عرضك الكريم‪ .‬بيد أني لستا في حاجة إلى جزاء لنبئــك بقصــتي وكــل‬
‫كلمــة فيهــا – وأقســم لــك بالشــمس الــتي تــرى كــل شــيء – صــادقة كــل الصــدق ‪ ....‬يجــب أن أبــدأ‬
‫بتعريف نفسي‪ ،‬اسمي ومهنتي وما إليهما‪.(17)"..‬‬

‫ليعقب الراوي بعد انتهاء الشخصية من كلمها‪ ":‬كانتا تلك نهاية قصة "أريستومنيس")‪.(18‬‬

‫ث ‪ -‬السرد على لسان أحد الشخوص ‪:‬‬

‫أحيان ا المؤلف ل يسرد كلما سمعه من الخرين على نحو ما رأينا في الحالــة الســابقة‪ ،‬إوانمــا‬
‫يتم السرد على لسان أحد الشخوص الروائية‪ ،‬ليتوارى دور الراوي عن المشهد‪ ،‬وفي هـذه الحالـة ل‬
‫تكون الشخصية الساردة مشاركة في الحدث أو ذاتا علقة بالحدث المروي‪ ،‬إوانما تسرد ما عرفتــه‬
‫أو س ــمعته عل ــى النح ــو ال ــذي يق ــوم ب ــه الـ ـراوي أحيانـ ـاا‪ ،‬مث ــال ذل ــك م ــا ق ــامتا ب ــه العج ــوز إح ــدى‬
‫شخصــياتا الروايــة مــن ســرد حكايــة " كيوبيد وبسوكي" للفتــاة الســيرة كــي تدس ـكليها وتجعلهــا أحســن‬
‫‪ " ،‬كان فـي قـديم الزمـان‬ ‫)‪(19‬‬
‫ل " دعيني الن أروي لك حكاية أو حكايتين تجعلك أحسن حالا "‬
‫حا ا‬
‫وســالف العصــر والوان ملــك وملكــة وكــان لهمــا ثلث بنــاتا جميلتا‪(20)"...‬ـ ـ ‪ ،‬وتســتغرق روايتهــا‬
‫لحكاياتا" كيوبيد وبسوكي" مساحة ‪ 48‬صفحة من صفحاتا الرواية‪ ،‬يغيب فيها الراوي تمامـا عــن‬
‫عمليــة الســرد‪ ،‬وينقطــع عــن الحــداث‪ ،‬ليأخــذ دور المســتمع فقــط‪ ،‬لــذا فهــو يعقــب فــي نهايــة الكلم‬
‫المروي ‪ " :‬وقفتا بحوار الفتاة السيرة أنصتا إلى هذه القصة الجميلة‪ ،‬ورغم أن التي روتها كانتا‬
‫عجو از ثعبملة‪ ،‬نصف معتوهة‪ ،‬فقد أسفتا إذ لم تكن لدي وسيلة ما أسجلها بها كتابة " )‪.(21‬‬

‫‪9‬‬
‫ج ‪ -‬السرد بضمير الغائب‪:‬‬

‫تقنية السرد بضمير الغائب تكاد تكون من أقــل أســاليب السـرد الــتي بـرزتا فـي الروايـة‪ ،‬حيــث‬
‫إن الراوي كثي ار ما يكون مشاركا في الحداث أو شاهدا عليها فيكون ضمير المتكلم مناســبا لــذلك؛‬
‫ولكن في بعض المواضع لجأ الكاتب إلى صيغة السرد بضمير الغائب ليكون الراوي ناقلا للحــدث‬
‫من الخارج‪ ،‬دون تدخل صارخ فيما يجري‪ ،‬فهـو" وسـيلة صـالحة لن يتـوارى وراءهـا السـارد فيمـكرر‬
‫مـ ــا يشـ ــاء مـ ــن أفكـ ــار وأيـ ــديولوجيا‪ ،‬وتعليمـ ــاتا وتوجيهـ ــاتا وآراء دون أن يبـ ــدو تـ ــدخله صـ ــارخا ول‬
‫مباش ارا" )‪.(22‬‬

‫وقــد منهــد الكــاتب لعمليــة التحــول فــي صــيغة الســرد بقــوله علــى لســان البطــل‪ ":‬ولمــا لــم أكــن‬
‫حاضـ ار فــي أثنــاء المحاكمــة أنــا نفســي‪ ،‬بــل كنــتا مقيــدا إلــى معلفــي‪ ،‬فــإن روايــتي مســتقاة بالضــرورة‬
‫من مصدر ثاكن عن طريق الحاديث العارضة لزوار الحظيرة المتنوعين" )‪.(23‬‬

‫فعندما عقـدتا المحكمــة جلسـتها لســماع الشــهود فــي قضــية قتـل ابــن المستشـار الــذي ددنس لـه"‬
‫السم" في كأس النبيذ‪ ،‬فإن الحداث التي جرتا فيها بعيدا عن الراوي ‪ /‬البطل‪ ،‬تم ســردها بضــمير‬
‫ل لدى القارئ‪ ،‬فيقول عن الشاهد "عبد المستشــار" ‪ ":‬كــانتا روايتــه‬
‫الغائب‪ ،‬لتكون أكثر واقعية وقبو ا‬
‫أن الربيب اشترى حزمة من الرسم‪ ،‬بعد أن أذنله ررد محاولته الفاحشة‪ ،‬ثـم أرســل يطلبــه ورشــاه بمبلــغ‬
‫‪ ،‬ولكــن اســتخدام ضــمير الغــائب فــي‬ ‫)‪(24‬‬
‫كــبير مــن المــال ليقفــل فــاه‪ ,‬وأم ـره أن يقــدم الرســم للصــبي"‬
‫عملية السرد قد خوول الراوي كشف مخبآتا الشخوص والتغلغل في أعماقهــا النفيســة والفكريــة ‪ ",‬إن‬
‫استعمال ضمير الغائب يتيح للكاتب الروائي أن يعرف عن شخصياته وأحداث عملــه الســردي كــل‬
‫شيء‪ ،‬وذلك على أساس أنه قد تلقى هذا السرد قبل إف ارغــه علــى القرطــاس")‪ .(25‬لــذلك كـان تعقيـب‬
‫السارد على هذا النحو مـن الحكــم علــى الشخصـية" كــان الشــاهد ممثلا جيـداا‪ ،‬وحيــن اختتــم كلمـه‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(26‬‬
‫بعرض مقنع إواثارة معتبرة دأعلن قفل القضية"‬

‫ص بطريقـة تتسـاوق مـع سـياق‬


‫هكذا نرى كيف ينكوع المؤلف في صيغة السـارد‪ ،‬وفـي نمـط الق ك‬
‫الفعــال الــتي تجــري‪ ,‬وشخصــياتها مــن ناحيــة‪ ،‬وتحفكــز القــارئ إلــى متابعــة أســاليب الســرد وتجــددها‪,‬‬
‫بما يدخل إلى نفسه المتعة والحيوية والنشاط من ناحية أخرى‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫إلففى جففانب تقنيففة الففراوي ففي عمليففة السففرد‪ ,‬اعتمففد المؤلففف علففى تقنيففات أخففرى فففي تقففديم‬
‫مادته القصصية من أهمها‪:‬‬

‫الوصفففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففففف‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫الوصــف فــي العمــل الروائــي ضــرورة ســردية‪ ،‬ل يخلــو منهــا أي عمــل فنــي‪ ،‬إذ إن الكــاتب‪-‬‬
‫من خلله‪ -‬يستطيع أن يرسم ملمـح وأبعـاد عناصـره الفنيـة ‪ :‬الشخصـياتا‪ ،‬الحـداث‪ ،‬المـاكن‪،‬‬
‫المشـ ــاهد‪ ،‬ويقربهـ ــا إلـ ــى ذهـ ــن القـ ــارئ؛ لتصـ ــبح أكـ ــثر واقعيـ ــة وتجسـ ــيدا لمـ ــا هـ ــو قـ ــائم فـ ــي العـ ــالم‬
‫الخــارجي ‪ ،‬إضــافة إلــى أن تقــديم المزيــد مــن التفاصــيل‪ ،‬واستقصــاء الشــياء يمنــح القــارئ فرصــة‬
‫التقاط أنفاسه وهو يتابع الحداث التي تجري‪ ،‬والغراق فــي التأمــل واستحضــار مــا هـو غـائب‪ ،‬ف ـ‬
‫" الوصــف تقنيــة ســردية تقــوم علــى البطــاء فــي عــرض الحــداث‪ ،‬حــتى يبــدو أن الســرد قــد توقــف‬
‫عن التنامي‪ ،‬تاركا المجال للسارد لكي يقدم المزيد من التفاصيل الجزئية")‪.(27‬‬

‫أن للوصف وظيفتين أساسيتين ‪:‬‬ ‫في حين يرى البعض‬


‫)‪(28‬‬

‫الول ــى جمالي ــة‪ :‬والوص ــف يقــوم ف ــي ه ــذه الحالــة بعم ــل تزيين ــي‪ ،‬وه ــو يش ــكل اس ــتراحة ف ــي وس ــط‬
‫الحداث السردية‪ ،‬ويكون وصف ا خالصا ل ضرورة له بالنســبة لدللـة الحكــي‪ ،...‬الثانيــة توضــيحية‬
‫أو تفسيرية‪ :‬أي أن تكون للوصف وظيفة رمزية دالة على معنى معين في إطار سياق الحكي‪.‬‬

‫ل‪ ،‬فإن الوصــف فــي هــذه الحالــة‬


‫فعندما ينشغل الكاتب بوصف ملمح إحدى شخوصه مث ا‬
‫ل لقيمــة دلليــة تفســيرية‬
‫ل يكــون ازئــدا عــن الحاجــة‪ ،‬أو عائقـا معطلا لمجــرى الحــداث‪ ,‬إوانمــا حــام ا‬
‫تكشــف عــن عــالم الشخصــية النفســي والجتمــاعي والتكــويني الــذي يســهم بــدوره فــي تــبرير أفعالهــا‬
‫ومواقفها‪ ،‬وفهمها ‪.‬‬

‫وفي رواية تحولتا الجحش الذهبي‪ ،‬نجد تقنيـة الوصــف تحتــل مسـاحة واسـعة مـن العمــل الروائــي‪،‬‬
‫اســتطاع الكــاتب مــن خللهــا أن يقـ ـكدم شخوصــه وأمــاكنه بصــورة محسوســة‪ ،‬ذاتا قيمــة تصــويرية‬
‫تزيينيــة مــن ناحيــة‪ ،‬وتفســيرية دلليــة مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬فعنــدما يصــف الكــاتب بيــتا" ميلففو" فــي‬
‫"هوباتا" فإنه يثير في مخيلة القارئ صورة هذا البيتا من الخارج والداخل‪ ،‬ويجعله يتحنســس أبعــاده‬
‫وتجاويفه وأثاثه‪ ،‬وفي الوقتا نفسـه‪ ،‬ل يخلـو المـر مـن الدللـة علـى شخصـية صـاحبه الـذي يتسـم‬
‫بالغنى والبخل والعيش على الكفاف‪ ،‬فحين سأل لوكيوس‪ /‬البطل عجو از عن بيتا "ميلو" قــالتا‪" :‬‬

‫‪11‬‬
‫إن بيته أول بيتا تبلغه‪ ،‬مبني في الخلء‪ ،‬خارج أسوار المدينة‪ ،‬حيث توجــد العلمــاتا الرســمية‪...‬‬
‫هنــاك يعيـش ميلو عجـوز مفـرط الغنـى‪ ,‬ودسـنبة فــي جـبين المدينـة‪ ,‬أحقـر وأبخــل وأقــذر رجــل رأيتــه ‪,‬‬
‫هو م اركب‪ -‬الربا الفاحش أهـم مـا يهمـه فـي الحيـاة‪ -‬يعيـش داخـل الـبيتا الكـبير الخـالي مـن الثـاث‬
‫مقفلا عليــه‪ ،‬يحــدق بطيلــة اليــوم فــي أكــداس مــاله‪ .(29) "..‬ليكــون لهــذا الوصــف ) وجــود المنــزل فــي‬
‫الخلء بعيــدا عــن حركــة النــاس‪ ،‬وقلــة الثــاث مــع اتســاع مســاحة الــبيتا وث ـراء صــاحبه‪ ،‬ووصــفه‬
‫بالبخل والمراباة والحقارة‪ (..‬دودره في تنبؤ القارئ بموقف " ميلو" من ضـيفه‪ ،‬وعـدم احتفــائه بـه كمـا‬
‫يجــب‪ ،‬واليحــاء لــه بــالجواء الــتي تنعكــس علــى مجــرى الحــداث‪ ،‬وهــو مــا كشــفتا عنــه المقــاطع‬
‫اللحقة‪ ،‬يقول‪ ":‬وجدتا ميلو في غرفة طعامه متمددا على حشنية ضيقة جــداا‪ ،‬وكــان قــد بــدأ تنــاول‬
‫عغــدائه منــذ قليــل‪ ،‬وقــد جلســتا زوجتــه عنــد قــدميه‪ ،‬حــرك يــديه نحــو المائــدة الــتي تكــاد تكــون خاليــة‬
‫تماما من الطعام وقال‪ ":‬في الوقتا المناسب تمام ا لوجبة ")‪.(30‬‬

‫صر مقــاطعه‪ ،‬فــإنه فــي مواضــع كـثيرة يطـول‪ ،‬وخاصــة‬ ‫ب‬


‫إواذا كان الوصف – هنا – يتسم بق ع‬
‫عنـ ــدما يسـ ــعى الكـ ــاتب إلـ ــى رسـ ــم مشـ ــهد حسـ ــي فانتـ ــازي‪ ،‬يتعـ ــانق مـ ــع فانتازيـ ــا الحـ ــداث الروائيـ ــة‬
‫العجائبيــة الــتي تتســم بهــا الروايــة؛ ففــي وصــفة لســاحة بيــتا " برهاينا" الداخليــة‪ ،‬يمعــن الكــاتب فــي‬
‫وصف العمدة الرخاميــة والتماثيــل الــتي تزيــن المكــان‪ " ،‬كــانتا برهاينا تقطــن غيــر بعيــد‪ ،‬وســرعان‬
‫تا بساحة بيتها الداخلية بعععمدها المنقوشة في الركان الربعــة‪ ،‬تعلوهــا تماثيــل ربــة النصــر‬
‫ما دأعجب د‬
‫المجنحة‪ ،‬كانتا الشخوص تبـدو حيـة بشــكل خـارق‪ ،‬وكـل منهـا تحمــل غصــنا مـن جريــد النخـل فـي‬
‫يدها فوق جنـاحين ممـدودين وقـدماها الغضـتان متوازنتـان بخفـة علـى كـرة سـاكنة ‪ ،(31)"...‬ويسـتمر‬
‫في وصف المكان على هذا النحو ليبلغ ‪ 22‬سط ارا‪.‬‬

‫إن الكـ ــاتب أراد مـ ــن وراء ذلـ ــك أن يقـ ــدم للقـ ــارئ صـ ــورة حيـ ــة ناطقـ ــة للمكـ ــان‪ ،‬قـ ــادرة علـ ــى‬
‫امتصــاص ســكونية الوصــف وبطــء حركتــه " ومجموعــة كلب الصــيد الــتي كــانتا تمســك بمقودهــا‬
‫توازنتا على أقدامها الخلفيـة متحفـزة للنطلق فـي لحظــة‪ ،‬بـدتا الكلب عابســة بعيونهــا المتوحشـة‬
‫وآذانها المنتصبة ‪ ...‬فلو أن كلبا آخر نبح فجأة لحسبتا النباح للتو صاد ار مــن حناجرهــا المرمريــة‬
‫البيضاء")‪.(32‬‬

‫وأحيانـا يلجــأ الكــاتب إلــى تقنيــة الوصــف لبـراز مــوقفه ورؤيتــه الخاصــة لمــا يجــري‪ ،‬فحيــن‬
‫يصــف زوجــة الخنبــاز ديمعــن فــي ذكــر صــفاتها الســلبية بشــكل ينــبئ عــن تحــامله عليهــا‪ ،‬ورفضــه‬

‫‪12‬‬
‫لســلوكها وكــل مــن هــو علــى شــاكلتها " لــم تكــن ث ـنم رذيلــة واحــدة ل تتصــف بهــا‪ ،‬كــان قلبهــا خ ازن ـ ا‬
‫دأفبرغــتا فيــه كـ ـ دل ضــروب المجــاري القــذرة‪ ،‬كــانتا خبيثــة قاســية القلــب‪ ،‬حقــودة‪ ،‬شــهوانية‪ ،‬ســكيرة‪،‬‬
‫أنانية‪ ،‬عنيدة‪ ،‬دنيئة في سرقاتها الحقيرة‪ ،‬كما كانتا مسرفة في عربدتها‪ ،‬عدوة لكـل مـا هـو صــادق‬
‫وطاهر‪.(33)"...‬‬

‫هكذا استطاع الكاتب أن يو ك‬


‫ظف تقنية الوصف توظيف ا فنيا متعدد الغراض‪ ،‬يسـهم فـي تلحـم‬
‫البناء القصصي‪ ،‬ويضفي على النص المسرود قيمة تزيينية ودللية رمزية واضحة‪.‬‬

‫‪ -2‬السترجاع ‪:‬‬

‫السـترجاع وسـيلة فنيـة سـردية يعمـد إليهـا الكـاتب للعـودة بهـا إلـى أحـداث أو ذكريـاتا قـد سـبق‬
‫وقوعه ــا‪ ،‬م ــن أج ــل أن يس ــتكمل أبع ــاد الس ــرد القصص ــي وتفريع ــاته‪ ،‬أو إض ــاءة الموق ــف الحاض ــر‬
‫بمواقف أو ذكرياتا لها علقة به‪ ،‬فالراوي " يترك مستوى القـص الول ليعـود إلـى بعـض الحـداث‬
‫الماضية‪ ,‬ويرويها في لحظة لحقة لحدوثها")‪. (34‬‬

‫وبعبارة أخرى إن تقنية السترجاع تتمثل في أن " كل عـودة للماضــي تشــكل اســتذكا ارا‪ ,‬وتحيلنــا‬
‫على أحداث سابقة تحقق مقصدياتا حكائية تمل الفجواتا التي يخلفها السرد وراءه‪ ,‬أو تشير إلى‬
‫أحداث أهملها السرد الراهن‪ ,‬وأصبح الستذكار وسيلة لسد فراغها " )‪.(35‬‬

‫وممــا يلحــظ علــى تقنيــة الســترجاع فــي الروايــة أن الكــاتب يســتخدمها بشــكل محــدود إذا مــا‬
‫دقورنتا بالتقنياتا السردية الخــرى‪ ،‬كالوصــف‪ ,‬والحـوار‪ ,‬والتضــمين وغيرهــا‪ ،‬وأعتقـد أن المـر يعــود‬
‫بشكل رئيسي إلى الشكل البنائي للروايـة‪ ،‬حيــث إنهــا تتكـون مـن عـدد مـن الفصــول‪ ،‬كـل منهـا يكــاد‬
‫يس ــتقل بشخوص ــه وأح ــداثه إل ــى ح ــد ك ــبير‪ ،‬ول يربط ــه بغيـ ـره مــن الفص ــول س ــوى ال ــترتيب الزمن ــي‬
‫للقــص‪ ،‬وشخصــية البطــل الــتي تنتقــل مــن مكــان إلــى مكــان‪ ،‬ومــن شــخص إلــى آخــر مولكــدة بــذلك‬
‫أحداثا جديدة تسهم في تحقيق المغزى من الرواية‪.‬‬

‫فعندما التقى لوكيوس في بداية الرواية بف أريستومنيس وصاحبه‪ ،‬وطلـب منـه أن يســرد لـه مــا‬
‫رفض صاحبه سماعه من قصص خرافية ل تصدق‪ ،‬عاد بالحداث إلى الوراء واســترجع قصــة قــد‬

‫ل مــا هــو تفســيرك لمــا حــدث لــي؟ لقــد تح ـنداني البارح ـةع‬
‫حــدثتا لــه فــي اليــوم الســابق‪ " ،‬قــل لــي مث ا‬

‫‪13‬‬
‫بعضهم عند العشاء على مائدته لسابقه في التهام الطعام‪ ،‬وقد حاولتا أن ازدرد ملء فمـي جبنـاا‪.‬‬
‫كــانتا قطعــة الجبــن مــن الرخــاوة والنعومــة بحيــث انحشــرتا فــي منتصــف حلقــي فســدتا قصــبتي‬
‫الهوائيــة‪ ,‬وبكــدتا أقضــي اختناقـاا‪ ،‬بينمــا شــاهدتا قبلهــا بأيــام فــي أثينا أحــد المشــعوذين يبتلــع بالفعــل‬
‫سيفاا‪.(36) "..‬‬

‫وكــانتا الغايــة مــن عمليــة الســترجاع هــذه‪ ،‬التــدليل علــى وقــوع ح ـوادث غريبــة وعجيبــة قــد ل‬
‫يصدقها العقل‪ ،‬وهي من وجهة نظره حقيقة واقعــة‪ ،‬ليكــون ذلــك تمهيــدا لســماع قصــة أريستومنيس‬
‫مع صاحبه سقراط التي انطوتا على كثير من المشاهد الغريبة‪ ،‬والحوادث العجيبة‪ ،‬بــدا سقراط "‬
‫شاحب ا ونحيف ا بشكل مزكر جالسا على الرض نصف كأس‪ ،‬بعباءة قذرة رثة دمشنعدرسة كأنه بالضــبط‬
‫شــحاذ علــى قارعــة الطريــق")‪ " ,(37‬ثــم احمــر وجهــه وجــذب الخــرق علــى وجهــه‪ ,‬ممــا أدى إلــى أن‬
‫)‪. (38‬‬
‫ينكشف نصف جسده السفل من الرسنرة فما تحتها"‬

‫وقــد يأخــذ الســترجاع بعــدا داخلي ـا يتعلــق باســتجلء حــدث وقــع فــي الروايــة يكتنفــه شــيء مــن‬
‫الغموض‪ ،‬فتكون وظيفته تفسيرية توضيحية لما جرى أو يجري مــن أحــداث‪ ,‬فعنــدما ظــن لوكيوس‬
‫أنه قتل ثلثة لصــوص علــى بــاب " ميلو"‪ ،‬المــر الــذي أشــقاه‪ ،‬اســتجلى الـراوي حقيقــة المــر علــى‬
‫لســان الخادمــة فوتيس‪ ،‬واســترجع مــا قــامتا بــه مــن إحضــار عش ـععر جلــود مــاعز كــانتا معلنقــة أمــام‬
‫حانوتا‪ ،‬بدلا من شعر الفتى البويتي الذي كانتا بامفيلي تنــوي سـحعره‪ ،‬ومـن ثـم وقـع السـحر علــى‬
‫الجلود‪ ,‬و" بدلا من مجيء الفتى البويتي جاءتا جلود المــاعز تتعــارك للــدخول مـن بوابــة بيتنــا‪...‬‬
‫تا سيفعك بشجاعة مثل أجاكس حينما دجنن وحسب قطعان الغنم أعداءه‪ ،‬لكن عملك كــان أنبــل؛‬
‫سلل ع‬
‫إذ إنك لم تسفك قطرة من دم حتى إوان كانتا دم نعجة")‪.(39‬‬

‫وعندما اندعى خادم زوجة المستشار قتل ربيببها لخيه بالرسم‪ ,‬لجأ الكاتب إلى تقنية الســترجاع‬
‫ليكشف أحـد القضـاة‪ -‬وهـو طـبيب‪ -‬عن الحقيقـة‪ ،‬ويسـترجع مـا قـام بـه الخـادم مـن شـراء الرسـم مـن‬
‫القاضي نفسه‪ ,‬فيقول‪ ":‬هذا المجرم ‪ ...‬جاءني منذ يومين وقندم لــي مــائتي قطعــة ذهبيــة ثمنـ ا لرســم‬
‫دزعاف سريع المفعول ‪.(40)"...‬‬

‫وأحيانـ ـا يس ــتخدم الك ــاتب الس ــترجاع عن ــدما يع ــود لشخص ــياتا س ــبق أن ظه ــرتا ف ــي المش ــهد‬
‫الروائي ‪ ،‬ولـم يتسـع سـياق السـرد حينهـا إلـى تقـديمها للقـراء‪ ،‬علـى نحـو مـا جـاء علـى لسـان الـراوي‬

‫‪14‬‬
‫في تقديم شخصية ثياسوس الرجل الــثري‪ ،‬بعــد حكايــة لوكيوس مــع الخــوين ‪ :‬الطــاهي والحلـواني‬
‫والتهــامه لطعامهمــا بشــكل مــثير‪ ,‬فيقــول‪ ":‬هنــا يجــب علـني أن أنــبئكم‪ ،‬رغــم تــأخر الــوقتا‪ ،‬مــن كــان‬
‫ثياسوس‪ ،‬أصــله مــن كورنثة عاصــمة أكايا‪ ,‬ولمــا كــانتا رتبتــه رفعتــه بنجــاح إلــى جميــع المناصــب‬
‫الص ــغرى ال ــتي خ ــولته إياه ــا مك ــانته ومق ــامه ‪ ,‬فق ــد ص ــار الن قاض ــي كورنثففة للس ــنواتا الخم ــس‬
‫القادمة")‪. (41‬‬

‫وعليه‪ ,‬فإن السترجاع السردي ليس تقصي ار في عملية السرد‪ ,‬أو قطع ا دمبخلا لزمن الســرد كمــا‬
‫يبدو في الظاهر‪ ،‬إوانما هو تكنيك فني يعمد إليه الروائي لتحقيق غاياتا تسـهم فـي ت اربــط الحـداث‬
‫‪ ،‬واستجلء أبعادها الغامضة ‪.‬‬

‫‪ -3‬التضمين ‪:‬‬

‫يعد التضمين الحكائي من التقنياتا السردية التي ظهرتا في الدب العربـي القـديم؛ كــألف ليلـة‬
‫وليلــة‪ ،‬حيــث يقــوم الكــاتب بتضــمين النــص المســرود حكايــاتا أو مقــولتا خارجيــة‪ ،‬بهــدف تعضــيد‬
‫المحكــي‪ ,‬إواضــاءة بعــض زوايــاه الدمعبتمــة أو بهــدف التســلية والتسـرية عــن نفــس القــارئ الــتي تظــل‬
‫مشــدودة مــع الحــدث‪ ،‬ومتشــوقة لبلــوغ نهــايته ‪ ".‬إن مــن أهــم ممي ـزاتا التضــمين الحكــائي أنــه يمنــح‬
‫الرواية شكلا زمني ا جديدا يقوم على تداخل الحكاياتا ‪ ،‬وجدل حاضرها مع ماضيها")‪.(42‬ولشــك أن‬
‫بــروز حكايــاتا جانبيــة فــي الروايــة يعمــل علــى تبــاطؤ الحــدث الرئيــس المســرود‪ ,‬ويخفــف مــن درجــة‬
‫اندفاعه وتوتره ‪.‬‬

‫والمؤلــف لوكيففوس أبوليفوس لجــأ إلــى تقنيــة التضــمين بشــكل لفــتا للنظــر‪ ،‬حيــث يقــوم غالب ـا‬
‫ل على واقعيــة مــا يجــري‪،‬‬
‫بسرد حكاية فرعية على لسان الراوي‪ ,‬أو أحد الشخوص‪ ,‬متخذا منها دلي ا‬
‫أو يــرى فــي اســتدعائها استحضــا ار لتجربــة إنســانية غائبــة تــردف التجربــة الحاضـرة بكــثير مــن القيــم‬
‫والفكار التي تتآزر معها ‪ ،‬وتسهم أيضا في تفسيرها وتوضيحها ‪.‬‬

‫مثال ذلــك ‪ :‬عـورج المؤلــف علــى ســرد حكايــة أريستومنيس مــع صــاحبه سقراط‪ ،‬وأفــرد لهــا‬
‫معظم صفحاتا الفصل الول من روايتة‪ ،‬على الرغم من أنها ل تتصــل بشـكل مباشــر مـع الحـدث‬
‫الرئيــس‪ ،‬ول تلعــب دو ار فــي نمــوه وتطــوره‪ ،‬ولكنهــا فــي الــوقتا نفســه ل تخلــو مــن فائــدة تتجلــى فــي‬
‫تهيئــة المنــاخ الحكــائي للقــارئ‪ ,‬كــي يســتقبل أحــداثا غرائبيــة وعجائبيــة تنطــوي عليهــا الروايــة لحقـاا‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫فهو يسرد حكاية سقراط عن "ميروى" المرأة الساحرة لصاحبه أريستومنيس فيقول‪ ":‬إن تعـبرد ســماع‬
‫ل‪ :‬ج ــرؤ أح ــد‬
‫أع ــاجيب أك ــبر ق ــدمتها أم ــام ش ــهود ع ــدول فس ــوف أذك ــر بعضـ ـا منه ــا‪ ،‬حس ــن‪ ..‬أو ا‬
‫عشــاقها علــى معاش ـرة ام ـرأة أخــرى‪ ،‬فلــم تفعــل ســوى أن تمتمــتا بكلمــة واحــدة فــإذ بــه يتحــول إلــى‬
‫قدشن ـددس" " لمــاذا إلــى قدشن ـددس بالــذاتا ؟" " لن القدشن ـددس إذا مــا بــاغته البط ـراد قضــم خصــيتيه وألقاهمــا‬
‫علــى ضــفة النهــر‪ ,‬ليبعــد عنــه كلب الصــيد‪ ...‬إلــخ الحكايــة")‪ .(43‬ثــم تعــود القصــة بعــد ذلــك إلــى‬
‫مج ارهــا‪ ,‬وهــو اســتكمال رحلــة البطــل ‪ /‬الـ ـراوي حيــث يقــول‪ ":‬انحــرف الــرجلن قاصــدين مجموعــة‬
‫بيوتا على يسار الطريق‪ ,‬وتابعتا أنا طريقي قدماا")‪.(44‬‬

‫وأحيانـا يأخــذ المؤلــف مــن التضــمين الحكــائي غايــة شــكلية‪ ,‬هــي إدخــال الســرور إلــى نفــس‬
‫القارئ إوامتاعه بحكاياتا ذاتا طبيعة غرائبية مثيرة‪ ،‬متخـذا مــن الحــدث الرئيــس نقطــة انطلق نحـو‬
‫الحكاية المتضنمنة؛ فعندما التقــى لوكيوس برهاينا صــديقة أمــه فــي حفــل عشــاء دعتــه إليــه‪ ،‬طلبــتا‬
‫الخيـ ـرة م ــن ثيلففوفرون ض ــيفها أن يق ــص عل ــى لوكيففوس حكاي ــة يمتع ــه به ــا‪ ,‬وي ــدخل إل ــى نفس ــه‬
‫السرور‪ ،‬فأجابها لطلبها وسرد قصة حراسته لحدى الجثث مقابــل مكافــأة مــن المــال‪ ،‬ليكتشــف فــي‬

‫نهايـة المـر‪ ،‬أن السـاحراتا قـد تسـللن إلـى الجثـة مـن عثقب البـاب فـي صـورة دجـرذان وفئـران‪ ،‬وبـدلا‬
‫من أن يقضمن أج ازاء منها‪ ،‬قضمن من وجهه؛ أنفه وأذنيه‪ ,‬وهو مـا كـن ينتـوين اقتطـاعه مـن وجـه‬
‫الميــتا‪ ،‬وعوضــنه عنهمــا بــأنف وأذنيــن مــن الشــمع‪ ,‬قــال‪ ":‬عنمنــي الهلــع مــن هــذه القصــة‪ ،‬فوضــعتا‬
‫يدي على وجهي لرى ما إذا كانتا حقيقة فسقط أنفي‪ ،‬ثم لمستا أذني فسقطتا هما أيضاا‪ ،‬أشارتا‬
‫مائــة يــد مــن الجمــع نحــوي‪ ,‬وانطلقــتا موجــة عاليــة مــن الضــحك ")‪ .(45‬ليعــود الـ ـراوي بعــدها إلــى‬
‫استكمال الحوار بين برهاينا ولوكيوس الذي دعته في الغد إلى حفل الضـحك الـذي يقـام عـادة فـي‬
‫هوباتا‪.‬‬

‫وكون أن التضمين يعمل على بطء حركة الحداث الرئيسة في الروايــة‪ ،‬فــإن المبالغــة فــي‬
‫ت ــوظيفه‪ ,‬إواطال ــة مس ــاحته المس ــرودة‪ ,‬يح ــدث نوعـ ـا م ــن ال ــتراخي بي ــن الح ــداث المتلحق ــة‪ ،‬ويفق ــد‬
‫الحــدث الرئيــس تــورهعجه إواثــارته‪ ،‬ممــا يشــعر القــارئ بترهــل البنــاء القصصــي‪ ,‬وغيــاب التــبرير فــي‬
‫تعاقب الحكاياتا‪ .‬وخير مثال على هذا النوع من التضمين ما جاء على لســان إحــدى الشخصــياتا‬
‫من حكاياتا متضمنة متلحقة بغرض تسلية الفتاة السيرة الــتي وقعــتا فــي قبضــة اللصــوص‪ .‬وقــد‬

‫‪16‬‬
‫تمــتا الشــارة إلــى ذلــك ص ـراحة علــى لســان العجــوز " دعينــي الن أروي لــك حكايــة أو حكــايتين‬
‫تجعلبك أحسن حالا " )‪.(46‬‬

‫وممــا يلحــظ أن المؤلــف‪ ،‬قــد وضــع الحكايــة المتضــمنة بيــن علمــتي تنصــيص‪ ,‬وافتتحهــا‬
‫بعبــارة تقليديــة يشــيع اســتخدامها فــي مثــل هــذه الحكايــاتا‪ " ,‬كــان فــي قــديم الزمــان وســالف العصــر‬
‫والوان ملــك وملكــة وكــان لهمــا ثلث بنــاتا جميلتا‪(47)"...‬؛ليــوحي للقــارئ بانفصــال هــذه الحكايــة‬
‫عن جسد الرواية‪ ،‬وأنها تقع خارج حدود السرد القائم ‪ .‬ومع امتداد مساحة الســرد للحكايــة إلــى ‪48‬‬
‫صـفحة‪ ,‬يتـبين لنـا إلـى أي مـدى أثنـرتا علـى تتـابع الزمـن السـردي‪ ,‬وعملـتا علـى انقطـاعه فـترة من‬
‫الزمن‪ ،‬ليستأنف الراوي بعـد ذلـك أحـداث القصـة مـن حيـث تـوقفتا‪ ,‬فيقـول‪ ":‬رجـع اللصـوص بكميـة‬
‫هائلة من السلب‪ ،‬إوان كان واضحا أنها جاءتا بعد معركة ضارية ‪.(48)"..‬‬

‫ل آخــر مــن التوظيــف ليكــون أقــرب إلــى مفهــوم التنــاص‪ ،‬حيــث‬


‫وقــد يأخــذ التضــمين شــك ا‬
‫يتجاوز المؤلف حالة السرد الحكائي‪ ,‬ليكتفي بالشارة إلى مضمون الحكاية‪ ،‬ويــترك المــر للمتلقــي‬
‫يستحضر أحداثها‪ ,‬وما تحمله من قيم تاريخية أو أخلقية أو دينية أو غير ذلك‪.‬‬

‫ومث ــل ه ــذا الن ــوع م ــن التوظي ــف يكث ــف م ــن الح ــداث الجاري ــة ف ــي الرواي ــة‪ ،‬وي ــوجه المتلق ــي نح ــو‬
‫اكتشاف العلقـة الخفيـة بيـن النــص المســرود والنـص المتضـنمن‪ ،‬ومـا تحملـه مـن قيــم فنيــة وجماليــة‬
‫ودللية تثري فضاء العمل الروائي ‪.‬‬

‫ومــن أكــثر أشــكال هــذا النــوع مــن التضــمين‪ /‬التنــاص بذكـدر الســاطير اليونانيــة والفرعونيــة‬
‫القديمة‪ ،‬التي تتماهى في أحداثها إلى حد كبير مع سياق النص الروائي وتــثريه‪ ،‬يقــول علــى لســان‬
‫ثيلوفرون عنــدما أراد أن يحــرس جثــة ميــتا مــن س ـرقة الســاحراتا لبعــض أجزائهــا ‪ ":‬أنــا رجــل مــن‬
‫حديــد‪ ،‬ل يهمنــي النــوم‪ ،‬ولــي عينــان أح ـرد مــن عينــي لونكيففوس رقيــب ســفينة الرغففو ‪ ،‬يمكــن فــي‬
‫الواق ــع‪ ,‬الق ــول ب ــأنني كل ــي عي ــون مث ــل العملق آرغففوس ال ــذي كلف ــه جوبيففتر ذاتا ي ــوم بالحوري ــة‬
‫إيو")‪.(49‬‬

‫فـ ــالنص – كمـ ــا هـ ــو واضـ ــح – يزدهـ ــم بالسـ ــماء اليونانيـ ــة " لونكيفففوس‪ ،‬سـ ــفينة الرغفففو‪،‬‬
‫أرغوس‪ ،‬جوبتير‪ ،‬إيو" ممــا يجعلــه منفتح ـا علــى تجــارب إنســانية متعــددة‪ ،‬وامتــدادا لهــا‪ ،‬فاســطورة"‬
‫لونكيوس" الــذي كــان يحــرس ســفينة " الرغو" كمــا تقــول الوديسا‪ -‬ســحر ع ارئــس البحــر حــتى ل‬

‫‪17‬‬
‫يفــترس البنحــارة الــذين عــادوا عليهــا مــن حــرب طــروادة‪ ،‬تكــاد تتطــابق مــع الفك ـرة الــتي تتحــدث عــن‬
‫ح ارســة " ثيلفوفرون" لجثــة الميــتا حــتى ل تقضــم الســاحراتا منهــا أج ـ ازاء يســتعملنها فــي تعاويــذهن‬
‫السحرية‪ ،‬وفــي تــوظيفه أيضـ ا لســطورة العملق " أرغوس" إشــارة إلــى مــا ســيبذله " ثيلوفرون" مــن‬
‫إخلص فــي حمايــة الجثــة‪ ،‬كمــا أخلــص أرغففوس فــي ح ارســة " إيففو" وأبقاهــا بعيــدة عــن عشــيقها‬
‫زيوس‪ ،‬إذ كان ل يطرف له جفن إن ليلا إوان نهــا ارا‪ ،‬حــتى اســتطاع " هرمز" ابــن " زيوس" ‪ ،‬بعــد‬
‫أن غم ـره بالحــاديث المعســولة‪ ،‬أن يطيــح ب أرســه وتغــدو " إيففو "ح ـرة )‪ .(50‬وفــي ربــط المؤلــف بيــن‬
‫البطل ‪ /‬لوكيوس ‪ ،‬وما لقاه من ضرب‪ ,‬ولعناتا‪ ,‬وتمزيق للثياب و" أدونيس حين هرسه الخنزير‬
‫الــبري‪ ،‬أو أورفيففوس )‪(51‬ـ ـ حيــن قطعتــه نســوة تراقيففا إربـ ـاا")‪ .(52‬مــا يجعــل مــن بطلــه مثــالا للمغــامرة‬
‫والتضحية‪ ,‬وسوء العاقبة‪.‬‬

‫‪ -4‬الحوار‪:‬‬

‫الحـ ـوار مــن التقنيــاتا القصصــية المهمــة الــتي تضــفي علــى عمليــة الســرد جانبـ ـا مــن الحيويــة‬
‫والحركيــة فــي الداء‪ ،‬بحيــث تجعــل القــارئ فــي مواجهــة المشــهد الحكــائي مباش ـرة دون حاجــة إلــى‬
‫وسيط ) اركو( يروي له الحدث‪ ،‬مما يصبغ النص المحكـي بكـثير من الموضـوعية والواقعيـة فــ" فـي‬
‫الحـوار تـترك الشخصـياتا تتحـدث دون تـدخل مـن السـارد‪ ،‬ممـا يزيـد مـن التـأثير الـدرامي للمشـاهد‪،‬‬
‫التي تتضمن حوا ارا‪ ،‬لن القارئ أو المستمع يشعر أنه أمام أحاديث حقيقية ")‪,(53‬وهو ما يؤدي إلى‬
‫تنويع أداة القص وتلوينها بما يدفع الملل والسأم عن نفس القارئ‪.‬‬

‫فــالحوار يظــل" رديــف الســرد"‪ ،‬وأداة القــاص الموازيــة لــه‪ ،‬ليصــال عــالمه القصصــي الخــاص‪،‬‬
‫ولبراز خصوصية شخوصه‪ ,‬وبراعة القاص في الحوار تظهر عنـد إبـ ارزه الفـروق بيـن المتحـاورين‪,‬‬
‫بحيث تحس حقا بوجود شخصيتين متمايزتين" )‪.(54‬‬

‫وفي رواية تحولتا الجحش الذهبي‪ ،‬يحتل الحوار مساحة واسعة من صــفحاتا الروايــة؛ بحيــث‬
‫يتنــاوب بشــكل لفــتا للنظــر مــع تقنيــة الســرد‪ ،‬ويحقــق تنويعـ ـ ا – مرغوبـ ـ ا فيــه – فــي طريقــة تقــديم‬
‫الحــداث والشــخوص الــتي تجــري علــى صــفحاتا الروايــة ‪ .‬وممــا يلحــظ علــى تقنيــة الح ـوار فــي‬
‫الرواية أنه يأخذ في الغالب شكلا ثنائيا بين شخصيتين‪ ،‬وقليلا ما يكون الحوار جماعيا بيــن عــدة‬
‫شخوص‪ ،‬ففي سياق الحديث عن زوجة الخنباز‪ ،‬وخيانتها لزوجها مــع أحــد الشــبان يو ك‬
‫ظــف المؤلــف‬

‫‪18‬‬
‫تقنيــة الحـوار فــي تعميــق الموقــف القصصــي‪ ،‬وكشــف دهــاء المـرأة وقــدرتها علــى الخــداع‪ ،‬إذ يــدور‬
‫حـوار بيــن زوجــة الخنبــاز والعجــوز كاتمــة أسـرارها‪ ,‬حــول ضــرورة اختيــار العشــيق النســب والقــوى‬
‫علــى خــداع الــزوج‪ " ،‬إلـوي بالقصــة" قــالتا زوجــة الخنبــاز " تعرفيــن بارباروس‪ ..‬أليــس كــذلك؟ أعنــي‬
‫المستشــار البلــدي الملقــب ب ـ ) العقــرب ( لطــبيعته المقيتــة ‪ .‬طيــب‪ .‬لقــد تــزوج فتــاة جميلــة مــن أسـرة‬
‫كريمــة‪ ،‬وهــو الن ديوصــد بيتــه عليهــا متخــذا كــل حيطــة تتخيلينهــا حــتى ل يصــبح أحــد قريب ـا إليهــا‬
‫أكثر مما يجب"‪.‬‬

‫‪ " -‬آه ‪ ..‬طبعاا‪ .‬أعرف أريتي معرفة طيبة جدا ‪ .‬لقد كنا في المدينة معاا"‪.‬‬

‫‪ " -‬في هذه الحالة يمكنني أن أصمتا‪ ،‬إذ ل بد أنك سمعتا بالقصة"‪.‬‬

‫‪ " -‬لم أسمع بكلمة واحدة منهــا‪ ،‬وأشــتاق لمعرفـة مــا حـدث‪ ،‬ابـدئي مــن البدايــة ‪ ،‬يــا خالــة‪ ،‬وأمضـي‬
‫إلى النهاية")‪.(55‬‬

‫ف ــالحوار هن ــا ج ــاء لتحقي ــق غ ــايتين‪ :‬الول ــى تعمي ــق الموق ــف الس ــابق وتقريـ ـره‪ .‬والخ ــرى‪،‬‬
‫التمهيد لتوليد حكاية فرعية تشوق القارئ‪ ,‬وتجدد لديه النشاط في متابعة القص‪.‬‬

‫وأحيانا ينحو الحوار في الرواية منحى جماعيـا تغيـب فيـه شخصـية المتحـاورين؛علـى نحـو‬
‫مــا جــاء فــي الح ـوار الــذي دار بيــن مجموعــتين مــن اللصــوص‪ ،‬إذ حــاول المؤلــف أن يتخــذ منــه‬
‫وسـ ــيلة لسـ ــتمرار القـ ــص‪ ،‬وتوالـ ــد الحـ ــداث‪ ،‬حيـ ــث أخـ ــذتا كـ ــل مجموعـ ــة فـ ــي اسـ ــتعراض مواقفهـ ــا‬
‫الشجاعة‪ ،‬ودورها في الحصول على أكبر قدر من النقود والغنائم‪ ,‬لينتهي الحوار إلى إبـراز بعــض‬
‫المواق ــف الدرامي ــة ال ــتي تص ــاحب أعم ــال اللص ــوص ع ــادة‪ ":‬وف ــي الخت ــام ش ــرع أش ــدهم ف ــي إلق ــاء‬
‫خطاب ‪:‬‬

‫" ليصــمتا الجميــع إننــي أتحــدث باســم الفتيــان الشــجعان عنــد آخــر هــذه المائــدة الــذين أغــاروا علــى‬
‫بيتا ميلو واكتسحوه في هوباتا‪...‬‬

‫أمــا أنتــم فل نعتــد بكــم كــثي ار ول بغــارتكم فــي بويتيا‪ .‬لقــد عــدتم أقــل عــددا ممــا ذهبتــم ‪ ...‬لماخوس‬
‫كان رجلا شجاعا جداا" ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫قال أحد الحاضرين ‪ ":‬شجاع ا جدا أكثر ممــا يجـب ‪ ...‬فــي الواقــع‪ ،‬وهــذا ســبب هلكـه‪ " "..‬لكنكــم‬
‫أيهــا الرس ـنراق المنحطــون البائســون تتســللون مــن خلــف الحمامــاتا العموميــة تقومــون بأعمــال تافهــة‬
‫لباعة الملبس المستعملة‪ ,‬أو تزحفون إلى دار عجوز متصدعة" اندفع رئيس الجماعة الكبرى يــرد‬
‫عليــه ببح ـندة‪ " :‬هــذا كلــه حســن‪ ..‬أيهــا البلــه مــتى تتعلــم أنــه كلمــا كــان الــبيتا أكــبر كــانتا الس ـرقة‬
‫أيسر؟ ‪. (56)"..‬‬

‫ممــا يلحــظ أن المؤلــف لــم يحــدد شخصــية المتكلــم فــي المشــهد الح ـواري‪ ,‬واكتفــى بوضــع‬
‫الكلم بيــن علمـتي تنصــيص؛ ليميـز بيـن كلم كــل شخصــية‪ ،‬وذلــك" لن المهـم فـي هــذه الصـيغة‬
‫الحوارية هو تعميق الموقف القصصي ذاته‪ ،‬وليس إبراز الشخصياتا وعلقاتها مع ا ")‪.(57‬‬

‫وقــد انتهــى المشــهد الح ـواري الــذي ينــبئ عــن تــوتر د ارمــي بيــن الشــخوص إلــى حالــة مــن‬
‫النسجام والتوافق‪ ،‬ليعلن انتهــاء حلقـة مـن حلقـاتا الصـراع القصصــي المتوالــدة فــي الروايـة‪ " ,‬أتـرع‬
‫اللصــوص أقــداحهم بخم ـرة صــرف‪ ,‬وأراقوهــا علــى أرض الكهــف قربان ـا للم ـواتا‪ ,‬ثــم أنشــدوا بعــض‬
‫الترانيم على شرف راعيهم مارس")‪.(58‬‬

‫وقد يجري الحوار على لسان السارد ممهدا له بكلمة) قال‪ ,‬أو قلتا‪ ,‬أو صرخ‪ ,‬أو غيرهـا(‪،‬‬
‫كما في سرده للحوار الــذي جــرى بيــن بسوكي وأختيهــا " كانتــا تصــرخان " بسوكي‪ :‬بسوكي" حــتى‬
‫وصلتا صرختها الحــادة أقصــى بطــن الـوادي‪ ,‬فجــرتا بسوكي خارجــة مــن قصــرها فــي تــأثر عنيــف‬
‫وهــي تصــيح" أخــتني أخــتني العزيزتيــن بل ـعم تنــدبانني؟ ل داعــي للنــدب الن ")‪ .(59‬ومــن ذلــك أيض ـا‬
‫الح ـوار الــذي جــرى بيــن أخــتي بسوكي اللــتين تحالفتــا علــى إيقــاع الذى بهــا وتجريــدها مــن النعيــم‬
‫ل وقبــل كــل شــيء أل‬
‫الذي ترفل فيه مع زوجها كيوبيد" قالتا الختا الكبرى‪ " :‬أنا معك‪ ،‬وأقترح أو ا‬
‫دنري أحداا‪ ،‬حتى أبانا وأمنا هداياها هذه‪ ،‬ول نجد أحدا أبدا أنها ل تزال على قيد الحياة ‪ " "..‬طيب‬
‫! قالتا الختا الصغرى ‪ ":‬نعود إلى بيتينا الحقيرين وزوجينا الشيخين القميئين دون أن نخبر أمنــا‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(60‬‬
‫ول أبانا بشيء‪"..‬‬

‫ومما هو جدير بالذكر أن المتتبع لمستوياتا الحوار القصصــي ل يكــاد يلمــس فيهــا تنويعـ ا‬
‫ف ــي لغ ــة المتح ــاورين‪ ،‬يش ــير إل ــى تم ــايز الش ــخوص وتب ــاين مواقفه ــا‪ ،‬وه ــذا " ين ــاقض خصوص ــية‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(61‬‬
‫الشخصية الفنية‪ ،‬وضرورة تمايز كل شخصية عن الخرى في خطابها اللغوي "‬

‫‪20‬‬
‫ففي حوار اللصوص مع العجوز ل نكاد نشعر بنقلة لغوية في الحوار مع تعدد الشخوص‪:‬‬

‫‪ "-‬هيه بعم تعبثين أيتها العجوز القذرة "؟‬

‫‪ "-‬هي ليستا جيفة"‪.‬‬

‫‪"-‬أنــا أقــول جيفــة" " وأنــا أقــول‪ :‬ل ‪ .‬قــد تســتنكف الحيــاة مــن أن تتملكهــا ‪ ...‬لكــن المــوتا أيضـ ـا‬
‫يس ــتحي م ــن أن يرغ ــب فيه ــا‪ ...":‬فص ــاحتا العج ــوز بص ــوتا مرتج ــف ‪ ":‬كل‪..‬كل ‪ ..‬ي ــا فتي ــاني‬
‫الشجعان! ل تقعسوا علني ‪ ..‬كل أنواع اللحم تنضج في القدور وسوف تجدونه لذيــذا جــدا كــذلك‪."..‬‬
‫‪62‬‬

‫فــالمؤلف‪ /‬الســارد الــذي يتخفــى وراء الشــخوص المتحــاورة‪ ,‬ليجــدد فــي طريقــة الســرد‪ ،‬ســرعان مــا‬
‫تتكشــف حقيقتــه مــن خلل اللغــة المســتخدمة ذاتا المســتوى اللغــوي الواحــد‪ ،‬الــذي هــو مســتوى لغــة‬
‫المؤلف نفسه‪.‬‬

‫‪ -5‬الحوار الداخلي )المونولوج(‪:‬‬

‫يتخـذ المؤلـف مـن الحـوار الـداخلي وسـيلة فنيـة للقـتراب مـن عـالم الشـخوص الـدفين‪ ،‬والكشـف‬
‫عن مواقفها غير المعلنة‪ ،‬للستفادة منه في إضاءة الحداث الجارية ‪.‬‬

‫وكــثي ار مــا يســتغل المؤلــف الح ـوار الــداخلي فــي تأجيــج الص ـراع الــداخلي والتــوتر النفســي الــذي‬
‫ينعكــس بــدوره علــى الصـراع الخــارجي بيــن الشــخوص‪ ،‬فحيــن رأى أريستومنيس مــا فعلتــه الســاحرة‬
‫"ميروى" بسقراط مــن إدخــال ســيفها فــي عنقــه‪ ،‬إواخـراج قلبــه‪ ،‬وهــو الشــخص الوحيــد الم ارفــق لــه فــي‬
‫غرفته‪ ،‬دار حوار داخلي في نفسه يكشف عن حالة من الفـزع والرعـب الــتي انتــابته بسـبب إمكانيــة‬
‫اتهــامه بعمليــة القتــل‪ ،‬يقــول ‪ ":‬إذ مــاذا ســيحدث لــي صــباح الغــد‪ ،‬حيــث يعــثرون علــى جثــة سقراط‬
‫مقطوع الحلق‪ ،‬ما من أحد سيصدق روايتي‪ ،‬سيقولون كان عليك أن تصيح في طلب النجــدة علــى‬
‫القل إن لم تكن قاد ار على مقارعــة النســاء" )‪ .(63‬ودار فــي عخعلـده أن مـا حـدث لـه مــن أزمــة حقيقيــة‬
‫إنما كان عقابا له بسبب تطاوله على الساحرة " ميروى" أثنــاء حــديثه مــع سقراط‪ ،‬وفــي ذلــك إشــارة‬
‫إلى العتقاد السائد بفعل السحر في النــاس‪ ،‬وعــدم قــدرتهم علــى مقــاومته‪ ،‬وهــو مــا أغــرى لوكيوس‬
‫بالبحث عنه فيما بعد‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫وقد يتخذ المؤلف من تقنية الحـوار الـداخلي وسـيلة للكشـف عن عـالم شـخوص وفـك كـثير مـن‬
‫مغاليقهــا ‪ ،‬فرغبــة لوكيوس فــي تعلــم الســحر دفعــتا المؤلــف إلــى توظيــف الحـوار فــي الكشــف عــن‬
‫ذلــك " إليهــا الن يــا لوكيففوس واســتجمع مواهبــك كلهــا‪ ،‬إذ هــاهي الفرصــة أخي ـ ار أمامــك‪ ،‬لقــد كــان‬

‫طموحــك الخفــي دائمـا أن تتعلــم قـوانين الســحر فلتنــس مخاوفـك الصـبيانية‪ ..‬علــى أن تتجنــب طبعـ ا‬
‫أي ارتباط ببامفيلي ‪ ..‬من جهة أخرى ليس ما يمنعك من إغـواء فوتيس‪ ,(64) "..‬ففــي هــذا الحـوار‬
‫الــداخلي مــا يكشــف عــن بــاطن الشخصــية‪ ,‬وينــبئ عــن الحــداث اللحقــة‪ ،‬إذ إن علقتــه ب ـ فوتيس‬
‫منكنته من الحصول على المادة السحرية التي تحول بفعلهـا إلــى جحـش تـدور حـوله معظــم أحــداث‬
‫الرواية ‪.‬‬

‫وعنــدما أخــذ اللصــوص يبحثــون عــن أفضــل طريقــة لقتــل لوكيففوس بســبب مك ـره وكســله‪ ,‬دار‬
‫حـوار داخلــي فــي نفســه كشــف عــن حالــة التمــرد الــتي تســيطر عليــه للتخلــص مــن الشــقاء والمعانــاة‬
‫الــتي يلقيهــا‪ "،‬فقلــتا لنفســي لوكيوس بل ـعم تقــف هاهنــا مســتكين ا تنتظــر نهايــة سلســلة هــذه الحــداث‬
‫لتنزل بك وتلقي بك في باطن الرض‪ ،‬لقد عزم هـؤلء اللصــوص علــى قتلـك قتلــة شــنيعة جـدا ولـن‬
‫يجدوا عس ار في تنفيذ وعيدهم" )‪. (65‬‬

‫إن حالة التمرد التي كشف عنها الحوار تمثل سمة بارزة في شخصية لوكيوس ‪ /‬البطــل الــتي‬
‫تسعى دائما إلى التخلص من واقعها المرير‪ ,‬والبحث عن واقع أفضل ‪.‬‬

‫وبهذا فإن للحوار الداخلي والخارجي دورهما في إضاءة جوانب دفينة من الشخصية‬
‫الروائيــة‪ ،‬إواضــفاء حالــة مــن التــوتر الــدرامي والص ـراع الــداخلي علــى الســياق العــام للروايــة؛ المــر‬
‫الذي يخكفف من رتابة السرد وسكونية القـ ك‬
‫ص‪ ،‬ويمنــح الشخصــياتا الروائيــة فرصـة التعــبير المباشــر‬
‫عــن حالتهــا ومواقفهــا ورغباتهــا‪ ،‬بعيــدا عــن هيمنــة ال ـراوي الــذي يتحكــم عــادة فــي مجمــل الحــداث‬
‫المروية‪.‬‬

‫ثانيلا‪ -‬بناء الشخصيات ‪:‬‬

‫ممــا يلحــظ علــى التشــكيل الفنــي للشــخوص‪ ,‬أن المؤلــف يســعى إلــى حشــدها فــي الروايــة‬
‫بشــكل لفــتا للنظــر‪ ,‬إلــى درجــة أن القــارئ يشــقى فــي متابعــة كــل شخصــية‪ ,‬واســتظهار دورهــا فــي‬
‫الحــداث الرئيســة‪ ،‬ولكــن علــى الرغــم مــن كثرتهــا‪ ,‬فــإن الروايــة تقــوم بشــكل أساســي علــى شخصــية‬

‫‪22‬‬
‫ف نفبســه‪ ،‬فــي حيــن كــانتا‬
‫محوريــة هــي شخصــية البطــل " لوكيففوس" الــذي لــم يكــن ســوى المؤلـ ـ ب‬

‫الشخصـياتا الخـرى هامشـيةا أو مسـطحاة ‪ ،‬أي أنهـا ل تنمـو مـع الحـداث‪ ،‬ويقتصـر دورهـا علـى‬
‫مرحلة بعينها من مراحل الصراع الذي يجري بين شخوص الرواية‪ .‬بحيث يمكــن أن نطلــق عليهــا‬
‫اسم " الشخصيات المرحلية"‪ ,‬وهذا ما ينسجم مع البناء الفني لفصول الروايــة؛ إذ جــاء كــل فصــل‬
‫ل لحلقـة مــن حلقــاتا الصـراع القصصــي‪ ،‬أو لمشــهكد مـن مشـاهده‬
‫من فصول الروايــة ال ـ ‪ , 19‬ممث ا‬
‫التي دتغكذي المشهد العام للرواية؛ أي " أن هناك شخوصا بعينها تأخذ محوريــة حدثيــة أو حكائيــة‬
‫تعطيهــا صــفة البطولــة‪ ،‬وأن هنــاك شخوصـ ـا أخــرى تتـ ـوارى و ارعء الحــداث‪ ,‬أو فــي ظللهــا؛ ممــا‬
‫يعطيها بعـدا هامشـيا أو مسـاعداا‪ ,‬أو لنقـل إن الشـخوص المحوريـة لهـا وظـائف حركيـة تجمـع بيـن‬
‫الفاعلين والمفعولين‪ ,‬بينما تأتي الشخوص الهامشــية بســيطة تميــل إلــى المفعــولين غالبـاا")‪.(66‬علوة‬
‫على أن المؤلــف يلجـأ‪ -‬أحيانـاا‪ -‬إلــى بذشكـبر شخصــياكتا ليـس لهـا ارتبـاطف حقيقـفي بالحـداث ‪ ,‬إوانمـا‬
‫على سبيل التسلية أو الستذكار ‪ ،‬كحديث "أريستومنيس" عــن ســقراط وحــالته المزريــة الــتي كــان‬
‫عليهــا)‪ .(67‬ومــا تعبـعع ذلــك مــن حكايــاكتا خرافيـكة أو ســحريكة يــؤمن "لوكيوس" بوقوعهــا‪ ,‬وتأثيرهــا فــي‬
‫الناس؛ وذلك لتكون تمهيدا للحداث العجائبية أو الخرافيـة الـتي سـتجرى فـي الروايـة لحقـاا‪ ,‬فجـاء‬
‫على لسان الـراوي‪ /‬لوكيوس " أنــا أصــدق فعلا حكايــة أريستومنيس‪ ،‬إوانــي لشــاكفر لــه كــل الشــكر‬
‫أنه أقنعني بها تماما حتى أنني لم أحس بوعورة التل وصعوبة ارتقائه" )‪.(68‬‬
‫ومــن ناحيــة أخــرى‪ ,‬فــإن كــثرة الشــخوص فــي الروايــة إنمــا جــاءتا لتعزيــز الرؤيــة الفلســفية‬
‫والخلقية التي يؤمن بهـا الكـاتب‪ ،‬وهـي أن الشـنر يكدمـدن فـي العـالم السـفلي‪ ,‬بسـبب فسـاد النسـان‬
‫وانحطــاط خلقــه‪ ،‬ومــا هــذه الشــخوص إل نمــاذج متنوعــة للجنــس البشــري بســلوكياته ‪ ,‬وانحطــاطه‬
‫الخلقي‪ ،‬وهو ما ينبغي أن ننـأى بأنفسـنا عنه‪ ,‬وننشـد بـدلا منـه عـالعم المثـل والفضـيلة‪ ,‬عالمـ ا أكـثر‬
‫براءةا وصدق ا وصفااء‪.‬‬

‫وعلـ ــى الرغـ ــم مـ ــن أن شخصـ ــية البطـ ــل المألوفـ ــة فـ ــي الروايـ ــاتا القصصـ ــية تك ــون دمحكركـ ـةا‬
‫للحــداث وفاعلـةا فيهــا‪ ,‬وتتطــور بتطورهــا ‪ ،‬فــإنن بطــل روايــة الجحــش الــذهبي يمثــل نموذجـا فريــداا‪،‬‬
‫فمــع أنــه الشخصــيةد المحوريـةد مــن بدايــة الروايــة حــتى نهايتهــا‪ ،‬فــإنه ظـنل ‪ -‬فــي معظــم فصــولها‪-‬‬
‫شــاهدا علــى الحــداث أكــثر منــه دمعحكركـا لهــا‪ ،‬أو بعبــارة أخــرى يمكــن القــول بــأنه بطــلف يحمــل صــفة‬
‫المفعولينة أكثر مـن الفاعلينـة‪ ,‬وهـو أمـر ينسـجم مـع بنـاء الشخصـية فـي الروايـة‪ ,‬وتحويلهـا من عـالم‬
‫النسان إلى عالم الحيوان‪ ,‬مع الحتفاظ بالقدرة على التفكيــر وتـدبرر الشـياء‪ ,‬إنهــا شخصـية "إنسـا‬

‫‪23‬‬
‫حيوانيــة" تنقــاد للفعــل أكــثر ممــا تقــوده ‪ ,‬غيــر أنهــا مفعولني ـةف تــترتب عليهــا نواتــجد دلليــةف واســعةف؛‬
‫كالصـبر علـى المكـاره‪ ،‬وكشـف خبايـا النفـوس وأسـرارها‪ ،‬ومشـاهدة مـا يجـرى مـن أحـداث تدسـهم فـي‬
‫تحقيق الهدف‪ ,‬أو المغزى الذي يكمن وراء العمل الروائي‪.‬‬

‫ومن الوسائل الفنية التي يلجأ إليها المؤلف في رســم شخوصـه‪ ,‬أسـلوب الخبــار بــذكر مظــاهر‬
‫الشخصية الخارجيـة‪ ،‬وأحيانـا النفسـية‪ ،‬وفــي القليـل النـادر مــا يعتمـد المؤلـف علـى رسـم الشخصــية‬
‫من خلل أفعالها‪ ،‬وهو سنحاول أن نكشف عنه من خلل تناول أهم شخوص الراوية‪:‬‬

‫شخصية لوكيوس‪/‬الراوي‪/‬المؤلف‬ ‫‪-1‬‬


‫عمع ـدع الكــاتب فــي رســم‬
‫شخصــية لوكيففوس هــي الشخصــية المحوريــة الناميــة فــي الروايــة‪ ,‬ع‬
‫ملمحها إلى أسلوب الخبـار؛ حيـث جـاء علـى لسـان الـراوي‪ " :‬فـي يـوم مـن اليـام أخـذني داعـي‬
‫العمــل إلــى تساليا‪ ،‬منشــأ أهــل والــدتي‪ ،‬فأنــا بالمناســبة أمتــاز بصــلة النســب عــن طريــق أمــي إلــى‬
‫‪70‬‬
‫‪,‬ـ وهو شخصية فضولية " كنتا كما تعرف جحشاا فضوليا ل يقــرر لــه قـرار"‬ ‫)‪(69‬‬
‫بلوتارخ الشهير"‬
‫تنشــد المعرفــة والعلــم‪ ،‬وتــؤمن بالســحر وغ ارئــب الشــياء‪ " ,‬إن الغبيــاء مــن البشــر هــم الــذين ل‬
‫يصــدقون مــا يحــدث نــاد ار أو ل تســتطيع عقــولهم إد ارك ـه ‪ ..‬إنهــا ليســتا محتملــة فحســب بــل هــي‬
‫مرجحــة " )‪ .(71‬كمــا كشــف المؤلــف عــن ســماتا الشخصــية الخــرى بمــا ورد علــى لســان شــخوص‬
‫آخريـ ــن فكشـ ــف عـ ــن اسـ ــم البطـ ــل علـ ــى لسـ ــان صـ ــديقه بوثيفففاس "يـ ــا سـ ــلم أليـ ــس هـ ــذا صـ ــديقي‬
‫لوكيففوس‪ ,(72)"..‬ثــم ذكــر ملمــح الشخصــية علــى لســان "برهاينففا" صــديقة أمــه عنــدما قــارنتا بيــن‬
‫ملمحــه وملمــح أمــه "سففالفيا"‪" ,‬حقـ ـ ا التطــابق كامــل كــان لسففالفيا بالضــبط نفــس الرقــة والبقـ ـوام‬
‫الممشــوق‪ ،‬نفــس الوجنــتين الورديــتين‪ ،‬نفــس البشـرة الناعمـة‪ ,‬ونفــس الشـعر الشـقر المنســق بعنايــة‪,‬‬
‫ونفــس اليقظــة والعينيــن الرمــاديتين اللمعــتين اللــتين تــذكراني بعينــي النســر‪ ,‬ونفــس طريقــة المشــي‬
‫المعتودة ")‪ (73‬ـ ‪ .‬كان لوكيوس شخصــية مغــامرة تنشــد القيــم المثلــى‪ ,‬أحــب فوتيس لكــي تســاعده فــي‬
‫أن يتح ــول ط ــائ ار عــن طري ــق الســحر‪ ,‬لكنهــا أخط ــأتا المرهــم المخص ــص لــذلك واخت ــارتا غيـ ـره؛‬
‫فأصـ ــبح بـ ــدهان جسـ ــده بـ ــه حمـ ــا ار فـ ــي المظهـ ــر والسـ ــلوك‪ ,‬ولكنـ ــه ظ ـ ـنل محتفظ ـ ـا بعقـ ــل النسـ ــان‬
‫وأحاسيســه‪ ،‬و يتمتــع بشـيء مــن الــدهاء والمكــر حيـث حـاول أن يهـرب مـن مكــان إلــى آخــر‪ ,‬ومـن‬
‫شــخص إلــى آخــر تخلصـا مــن العــذاب والقســوة الــتي كــان يعانيهــا‪ ,‬لكــن حظنــه العــاثر كــان يتغلــب‬
‫دائم ا عليه‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫إن شخصية لوكيوس شخصية متطورة ومتغيرة‪ ،‬تتفاعل مع كل حدث أو موقــف تمــر بــه‪،‬‬
‫وهي شخصية ظنلتا متماسكاة حـتى آخــر الروايـة‪ ،‬وعلـى الرغــم ممــا ألـنم بهـا مـن مواقـف مأسـاوية‪،‬‬
‫وعذاب وامتهان‪ ،‬ظنلتا تبحث عن الفضل حتى تسنى لها ذلك في آخر المر‪.‬‬
‫‪ -2‬أريستومنيس‪:‬‬

‫شخصية مس ن‬
‫طحة قندمها المؤلف كنموذج للنسان الذي يصدق بالسحر وغرائب الشياء‪,‬‬
‫وقد دمبسخ سلحفاةا بسبب تطاوله على المرأة الساحرة ميروى؛ ووقــع فــي صـراع نفســي عنــدما شــاهد‬
‫سقراط ديقعتل على يدي عجوزين فظيعتين‪ ,‬لينتهي دوره في الرواية مع نهاية الفصل الول منها‪.‬‬

‫‪ -3‬سفقراط ‪:‬‬

‫قندم المؤلف الشخصية بأسلوب الخبار‪ ،‬وعلــى لســان أحــد الشــخوص وهــو أريستومنيس‬
‫حينما قال‪":‬صديقي القديم سقراط عرفته بصعوبة‪ ،‬فقد بـدا شـاحبا ونحيفـا بشـكل مـزكر‪ ,‬جالسـا علـى‬
‫الرض نصف كأس‪ ,‬بعباءة رنثة دمشنعدبرعسة كأنه بالضبط شحاذ على قارعة الطريق وعلى الرغم مــن‬
‫ل قبـل أن أحييـه")‪ .(74‬وكـانتا الغايـة الـتي أرادهـا‬
‫أننا كنا ذاتا يوم صديقين حميمين فقد تـرددتا قلي ا‬
‫المؤلف مــن وراء ســرد قصــة سقراط مــع صــاحبه‪ ,‬أن يصــل إلــى أن رنبــة الحـ ك‬
‫ظ يمكــن أن تفعــل فــي‬
‫النسان ما تشاء من السوء‪ ،‬ليكـون مــا سيصـادفه مـن متـاعب فيمــا بعــد‪ ,‬إنمـا هـو بفعـل رنبـة الحـظك‬
‫ع‬ ‫ع‬
‫التي ل يستطيع أحد أن يقاومها " فأجاب سقراط " أوه يــا أريستومنيس لــو دريــتا مــا تســتطيع ربــة‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(75‬‬ ‫الح ك‬
‫ظ أن تلعب به إنسانا من بخعدكع بالغبة السوء‪ ,‬لما خاطبتني أبدا كما فعلتا"‬

‫ومــن ناحيــة أخــرى أن ظهــور شخصــية سقراط )الحكيــم( علــى هــذا النحــو‪ ,‬إنمــا جــاء ليــدفع‬
‫القــارئ إلــى التصــديق بمــا سيســمع مــن غ ارئــب قــد تــرد فــي فصــول الروايــة‪ ،‬فطالمــا أن الفيلســوف‬
‫صاحب العقل والفكر العميق يصكدق بمثل هذه الحكاياتا‪ ،‬فمــن البــديهي أل ينكرهــا أحـفد فيمــا بعــد‬
‫ظ تسلك سبيلها‪ ,‬وتستمتع بانتصارها علني بقدر ما يرضيها")‪. (76‬‬ ‫" دعني وشأني دع رنبة الح ك‬

‫‪ -4‬ميروى ‪:‬‬

‫‪25‬‬
‫امرأة تدير خانا وتعمل بالسحر ذاتا قوة غيبنية خارقة " إن سيدتي ميروى قادرة لو شاءتا أن‬
‫تنزل السماء أو ترفع الرض‪ ،‬أن دتوقف النهر الجاري‪ ,‬أو تفتتا الجبل الصخري أن تبعث أجداث‬
‫الموتى أو تطوح بالرباب من فوق عروشها‪ ,‬أن تطفئ النجم الساطعة‪ ,‬أو تضيء أرض الظلل‬
‫المظلمة ")‪ ،(77‬شـديدة النتقـام مـن كـل مـا يخـالف إرادتهــا ح نولتا عشـيقها الـذي عاشـر امـ أرةا غيرهـا‬
‫إلى " قدشندس"‪ ,‬وآخر إلى ضفدع‪ ,‬والمحامي كان عقـادبه قرنـي كبـش‪ ،‬والعحشمـل السـرمدي لزوجـة أحـد‬
‫عشــاقها)‪ .(78‬ظهــرتا شخصــيتها فــي الروايــة‪ ،‬ليكــوعن بيتدهــا هــو المكــان الــذي يشــهد حــدث ا مفصــلياا‪،‬‬
‫تترتب عليه أحداث الرواية اللحقة‪ ،‬وهو تحويل لوكيوس إلى جحش بائس معذب‪.‬‬

‫‪ -5‬ميلو ‪:‬‬

‫ف ببخلــه‪ ،‬قـندمه‬
‫شخصية هامشية من أعيان بلدة هوباتا‪ ,‬يسكن خارج أسـوار المدينـة‪ ،‬ديعـعر د‬
‫المؤلــف علــى لســان عجــوز تقطــن المدينــة عنــدما ســألها لوكيوس عــن بيتــه‪ ،‬تقــول‪ ":‬هنــاك يعيــش‬
‫ميلو عجوز دمفبرط الغنى ودسنبة في جبين المدينة‪ ,‬أحقدر وأبخدل وأقذدر رجكل رأيتــه‪ ,‬هـو مـ اركب‪ -‬الربــا‬
‫الفاحش أهم ما يهمه في الحياة‪ -‬يعيش داخـل ذلــك الــبيتا الكـبير الخــالي مـن الثـاث مقفلا عليـه‪،‬‬
‫يحـكدق بطيلــة اليــوم فــي أكــداس مــاله‪ ,‬ل أحــد يعيــش معــه ســوى زوجتــه ســيئة الحــظ‪ ,‬وجاريــة واحــدة‪،‬‬
‫إواذا ما خرج من بيته يوماا‪ ,‬وناد ار ما يفعل‪ ,‬لعببس ثيابا كأحد الشحاذين")‪. (79‬‬

‫‪ -6‬فففوتيس ‪ :‬هــي خادمــة ميلففو‪ ,‬أحبــتا لوكيففوس ونــامتا فــي ف ارشــه‪ ،‬وأفشــتا لــه ســر ســيدتها‬
‫الســاحرة بففامفيلي‪ ،‬وســاعدته علــى تحــويله إلــى كــائن آخــر) حمــار( ثــم نــدمتا علــى ذلــك بســبب‬
‫اختيارها الخاطئ للصندوق الذي به المادة السحرية‪.‬‬
‫وهــي شخصــية ســاذجة غيــر أمينــة‪ ،‬خــدعتا ســيدتها عنــدما سـرقتا عشـععر المــاعز بــدلا مــن‬
‫عشععر الشاب الوسيم " البويتي" الذي كانتا تطمع في حبه‪ ،‬فلـم ديسـعحر الشــاب‪ ,‬كمـا كـانتا ترغــب‪,‬‬
‫وسحرتا جلود الماعز‪ ،‬وخانتها أيضـ ا عنــدما ســمحتا ل ـ لوكيوس أن يراقبهــا مــن شــق البــاب أثنــاء‬
‫تحض ــيرها للســحر وتحولهــا إل ــى بومــة ‪ ،‬ومـ ـرة ثالث ــة عنــدما سـ ـرقتا المرهــم الس ــحري لـ ـ لوكيففوس‬
‫ليتحول به إلى طائر أو نسر‪ ،‬ولكن كـان عقابهــا علــى ذلــك أن جلبـتا الذى لمـن تحـب بـدلا مـن‬
‫السعادة‪ ،‬ففي الحالة الولى عاش لوكيوس أزمة نفسية عندما اتهــم بقتــل الشــخاص الثلثــة وقدـكدم‬
‫للمحاكمــة‪ ،‬ثــم تــبنين أن المــر مجــرد تســلية لضــحاك أهــل القريــة‪ ،‬وفــي الحــالتين الثانيــة والثالثــة‬

‫‪26‬‬
‫تحنول لوكيوس إلى جحـش بـدلا مـن أن يتحـنول إلـى طـائر‪ ,‬فيفقـد علقتـه بهـا‪ ،‬ويلقـى مـن العـذاب‬
‫والهانة ما استغرق معظم فصول الرواية ‪.‬‬
‫بوثياس‪:‬‬ ‫‪-7‬‬

‫ل لـه فـي الد ارسـة فـي‬


‫شخصــية هامشـية كشــفتا عـن اســم لوكيوس فـي الروايــة إذ كــان زمي ا‬
‫أثينــا‪ ,‬وأصــبح الن مفتش ـ ا عام ـا للس ـواق‪ ,‬وهــو يتســم بعــدم النباهــة ‪ ،‬إذ اعــترض علــى بيــع أحــد‬
‫الســماكين لوكيفوس ســمك ا غيــر طــازج وبثمــن غــاكل‪ ،‬وتخلنــص مــن الســمك بطريقــة فنجــة‪ ،‬دون أن‬
‫يوفر لصاحبه طعاما بدلا منه‪.‬‬

‫‪ -8‬برهاينا ‪:‬‬

‫هي امرأة تنحدر مــن طبقــة راقيــة يتبعهــا حشــد كــبير مــن الخــدم‪ ،‬كــانتا صــديقة لم لوكيوس‪,‬‬
‫وك ــان دوره ــا ف ــي الرواي ــة تق ــديم شخص ــية لوكيففوس م ــن حي ــث مظهره ــا الخ ــارجي‪ ،‬وتح ــذيره م ــن‬
‫بامفيلي زوجة ميلو من أن تسحره ‪.‬‬

‫بامفيلي ‪:‬‬ ‫‪-9‬‬

‫هي زوجة ميلو تعمل في السحر وتحضير الرواح‪ ،‬تقع في غرام كل شـاب وسـيم‪ ،‬وفـي‬
‫حال امتناعه عن مبادلتها الغرام سرعان ما تغضب عليه‪ ,‬وتمسخه حجـ ار أو تحـوله كبشـاد أو ثـو ار‬
‫أو حيوان ا برنيا أو تقتله‪ ،‬وهي امرأة عشببقة‪ ،‬متسكلطة ‪ ،‬لها طقوسها الخاصة وأسرارها الــتي لــم يطلــع‬
‫عليهــا ســوى خادمتهــا "فففوتيس" وقــد انتهــي دورهــا فــي الروايــة بوقــوع لوكيففوس فــي عش ـعرك مادتهــا‬
‫السحرية التي حنولته إلى جحش بائس ودمعنذب‪.‬‬

‫‪ -10‬اللصوص ‪:‬‬

‫ظهــر دورهــم فــي الروايــة عنــدما اقتحــم ثلثــة منهــم بيــتا ميلو فــي هوباتا‪ ,‬ونهبـوا مــا فيــه مــن‬
‫ذهب وفضة وأموال وحملوهــا علــى الــدواب الثلثــة‪ ،‬لوكيوس‪ ،‬وحصــانه‪ ،‬وحمــار ميلو‪ .‬بالضــافة‬
‫إلى وجود مجموعة أخرى من اللصـوص تعمــل معهـم‪ ،‬عحـبرص المؤلـف علــى أن يـذكرهم بصـفاتهم‬
‫دون أسمائهم سوى " لماخوس" رئيس العصابة‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫ل فـي نمـو الحــداث وتطويرهــا‪ ,‬وخاصـة فيمــا يتعلــق ب ـ لوكيوس‬
‫وقــد لعـب اللصــوص دو ار فـاع ا‬
‫بط ــل الرواي ــة‪ ،‬و تليبوليمففوس وعروس ــه كففاريتي ال ــتي أععسـ ـعرها اللص ــوص‪ ,‬ث ــم نج ــاتهم م ــن بط ــش‬
‫اللصوص بحيلة وخديعة دبرها تليبوليموس)‪.(80‬‬

‫‪ -11‬إيزيس ‪:‬‬

‫هي الرنبة التي دتععرف عند المم بأسماء كـثيرة‪ ،‬وهـي إلهـة معبـودة ل تقهـر‪ ,‬ويتقـرب إليهـا‬
‫الناس بكل شكل من أشكال الشعائر‪ ,‬تعرف عند المصريين وأهل الشرق بـ"إيزيس"‪ ،‬أشفقتا علــى‬
‫لوكيففوس فــي محنتــه " لقــد جئــتا شــفقة عليــك مــن محنتــك‪ ،‬جئــتا لمنحــك فضـ ـلا ودأعينــك ")‪,(81‬‬
‫فحنولته‪ ,‬في جكو طقوسي مهيب‪ ,‬إلى هيئته الولى إلى لوكيوس النسان‪.‬‬

‫ثــم تــرددتا أســماء شــخوص هامشــية فــي ثنايــا الحكايــاتا الجانبيــة الــتي وردتا فــي ســياق‬
‫الحــدث الرئيــس منهــا‪ :‬لماخوس‪ ،‬الكيموس‪ ،‬تراسفوليون‪ ،‬تراسفولوس‪ ،‬كيوبيففد‪ ،‬بسففوكي مفارس‪،‬‬
‫الشاويش‪ ،‬المستشار‪ ,‬كاريتي‪ ،‬أسماء اللهة والكهنة وغيرهم‪.‬‬

‫وعلــى الرغــم مــن أن هــذه الشــخوص ترتبــط فــي الروايــة بأحــداث غرائبيــة عجيبــة تــبرز بيــن‬
‫الحين والخـر‪ ،‬فإنهـا‪ -‬مـا عـدا شخصـية لوكيوس البطـل‪ -‬تبـدو واقعيـة إلـى حــد كــبير فــي ســماتها‬
‫الجس ــمانية وأقواله ــا وأفعاله ــا وطريق ــة تفكيره ــا ف ــي الش ــياء‪ ،‬وه ــو م ــا خفن ــف م ــن غ ارب ــة الح ــداث‬
‫وخياليتها وجعلها تقترب من واقــع مجتمــع يعــود إلــى القــرن الثــاني الميلدي‪ ،‬يــؤمن بالســحر والقــوى‬
‫الخارقة‪ ,‬وتعدد اللهة وتصارعها‪.‬‬

‫إواذا ما أشرنا إلى علقة البطل لوكيوس ببقية الشخوص‪ ,‬فإننــا ن ارهــا علقــة آنيــة عععرضـنية‬
‫تقتضيها أحداث الرواية‪ ،‬فما أن تظهر علقة من نوع ما مع إحدى الشخصياتا أو بعضها‪ ،‬حتى‬
‫تتراجع هذه العلقة وتختفي؛ لتنبتا علقة جديدة مع شخصية جديدة‪ ,‬وأحداث تتولد من سابقتها‬
‫‪.‬‬

‫فالشخصــياتا المسـ ن‬
‫طحة مــا هــي إل وســيلة لتمطيــط أحــداث الروايــة‪ ،‬وتوليــدها‪ ،‬كــي يقــوم‬
‫المؤلــف مــن خللهــا بالــدخول إلــى عـ ـوالم الشــخوص بنماذجهــا النســانية المتعــددة ) الفيلســوف‪،‬‬
‫اللص‪ ،‬الصــديق‪ ،‬المـرأة‪ ،‬الكــاهن‪ ،‬السـاحرة‪ ...‬إلـخ( والكشــف عـن أسـرارها وخفاياهـا الـتي تتنــاقص‬

‫‪28‬‬
‫فــي مجملهــا مــع القيــم النســانية الرفيعــة‪ ،‬وتعيــش حالــة مــن النحطــاط الخلقــي‪ ،‬كالنفــاق‪ ،‬والطمــع‪،‬‬
‫والستسلم للغريزة‪ ،‬واغتصاب الحقوق‪ ،‬والكيد‪ ،‬والتآمر‪ ،‬والنتقام‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬

‫ومــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬علــى الرغــم مــن كــثرة الشــخوص وتفــاوتا مســتوياتها الثقافيــة والفكريــة‬
‫والسلوكية‪ ،‬فإنها ل تكاد تتفاوتا في مستواها اللغوي‪ ،‬ول يكــاد القــارئ يلحـظ أي فــارق لغـوي بيــن‬
‫كلم هــذه الشخصــية أو تلــك‪ ،‬أي أن المؤلــف عجــز فني ـا عــن أن يلئــم بيــن الشخصــية وكلمهــا‬
‫المســرود؛ ممــا جعــل لغتــه الســردية ذاتا مســتوى لغــوي واحــد‪ ،‬هــو مســتوى لغــة المؤلــف نفســه‪ ،‬فل‬
‫يعق ــل أن تتط ــابق لغــة الشخص ــية المثقفــة كشخص ــية لوكيففوس‪ ،‬وسففقراط مــن ناحيــة‪ ،‬وشخصــية‬
‫فوتيس الخادمة‪ ،‬أو الطاهي أو الحلـواني‪ ،‬أو زوجــة الخنبــاز‪ ،‬أو زوجــة الحـنداد‪ ،‬أو اللصــوص‪ ،‬أو‬
‫العجوز أو غيرهم‪ ،‬وليس من المقبول أن تتفق لغة الشخوص البشرية‪ ،‬ولغة الكهنة أمثال مفثراس‬
‫الكـ ــاهن الكـ ــبر‪ ،‬ولغ ــة الله ــة أمث ــال إيزيففس وأوزوريففس أو غيرهـ ــم‪ " ،‬إن الروائـ ــي المب ــدع ه ــو‬
‫الروائي الذي يعرف كيف يتعامل مع لغته بحيث تأتي موزعة علــى مســتوياتا تتناســب مــع قــدراتا‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(82‬‬
‫شخوصه‪ ،‬ومكانتهم الثقافية والجتماعية"‬

‫ولــم يقــع التفــاوتا اللغــوي بشــكل صـ ـريح إل فــي موضــع واحــد مــن الروايــة‪ ,‬وعلــى لســان‬
‫العجــوز الــذي أدلــى بشــهادته ضــد ابــن المستشــار ربيــب زوجتــه الــتي أرادتا النتقــام منـه؛ إذ يقــول‬
‫العجــوز ‪ ":‬عنــدها‪ -‬يــا أصــحاب الفضــيلة رغــم أنــي أؤكــد للمتهــم أننــي لــم أفعــل مثــل هــذا الشــيء‬
‫الشرير أبدا وأنه يستطيع الحتفاظ بنقوده – المتهم يعطيني الكأس المسمومة – هو ديخلطهــا أمــام‬
‫عيني‪ -‬و يقول يجـب أن أعطيهـا للسـيد الصـغير ليشـرب‪ ،‬ولـو أنـي ل أفعـل – آه – هـو سـيقتلني‬
‫أنا بدل السيد الصغير ‪.(83)"...‬‬

‫مما يلحظ عدم ترابط الجمــل النحويــة‪ ،‬والبـدء باسـتخدام " السـم" فـي الجمـل الـتي تشــتمل‬
‫علـ ــى" فعـ ــل" علـ ــى خلف مـ ــا يقـ ــوله النحويـ ــون )‪ ،(84‬ودون أن يكـ ــون وراء ذلـ ــك غـ ــرض بلغـ ــي‪،‬‬
‫كقــوله‪ ":‬المتهــم يعطينــي‪ ،...‬هــو يخلطهــا‪ ،...‬هــو ســيقتلني‪ ،...‬بالضــافة إلــى اســتخدام المؤكــداتا‬
‫كقوله‪ ":‬رغم أنني أؤكد للمتهم أنني‪ ،...‬إواني ل أفعـل – آه‪ ... -‬سـيقتلني أنـا " بطريقـة تنـبئ عن‬
‫بســاطة التفكيــر وســذاجة المتكلــم‪ .‬فكــانتا ركاكــة الســلوب تتناســب مــع شخصــية العجــوز باعتبــاره‬

‫عبدا دأمنيا جاه ا‬


‫ل‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫ونحن إذ نؤكد على ضرورة مناسبة الكلم للشخوص التي تتحدث بــه‪ ,‬فإننــا ل نطــالب الكــاتب أن‬
‫يهبط بلغته إلى المستوى العامي الذي ديفبقد اللغة الدبية – لغة الرواية – رونقها وجاذبيتها‪.‬‬

‫ثالثلا‪ -‬الزمن الروائي‪:‬‬

‫يمثل الزمن الروائي عنص ار أساسيا من عناصر البناء الفني للرواية؛ إذ إن أي روايـة ل يمكـن‬
‫أن تكتسب واقعيتها وقبولها لدى القارئ إل إذا جرتا أحداثها في زمــن مـا‪ ،‬ومكــان مــا‪ "،‬فكــل قصـة‬
‫تقتضــي نقطــة انطلق فــي الزمــن‪ ,‬ونقطــة إدمــاج فــي المكــان أو علــى القــل يجــب أن تعلــن عــن‬
‫أصلها الزماني والمكاني مع ا ")‪.(85‬‬

‫ولكن ما يلفتا النتباه فـي روايــة تحــولتا الجحـش الــذهبي هـو غيـاب الزمـن التــاريخي للروايــة‪،‬‬
‫فهي ل تشير صراحة إلى فــترة زمنيـة تاريخيــة بعينهــا جــرتا خللهــا الحـداث الروائيـة‪ ،‬إوانمـا تشـير‬
‫ضــمن ا إلــى زمــن وقــوع الحــداث وتتابعهــا‪ ،‬فهــو يفتتــح روايتــه‪ ".‬فــي يــوم مــن اليــام أخــذني داعــي‬
‫العمل إلى تساليا‪ ،‬منشأ أهل والدتي")‪.(86‬‬

‫فــالزمن الروائــي يغكلفــه جــانب مــن الغمــوض والبهــام‪ ،‬حيــث إن افتتــاح المؤلــف روايتــه بعبــارة‬
‫يــذكرنا‬ ‫)‪(87‬‬
‫" فــي يــوم مــن اليــام ‪ "...‬إوالحاقهــا بعبــارة" اجــتزتا ذاتا صــباح سلســلة تلل مرتفعــة‪"..‬‬
‫بالحكايــاتا الشــعبية التراثيــة القديمــة‪ ,‬كــألف ليلــة وليلــة‪ ،‬وســيف بــن ذي يــزن وغيرهمــا‪ ،‬ويبعــدنا عــن‬
‫الطار الواقعي لها‪ ،‬والدخول فـي الطـار الخيـالي الفانتــازي الـذي تتســم بــه معظــم أحــداثها‪ ،‬وذلـك‬
‫علـ ــى الرغـ ــم مـ ــن أن الكـ ــاتب يحـ ــاول مـ ــن خلل أبنيـ ــة المكـ ــان‪ ،‬والزمـ ــان والشـ ــخوص وعلقتهـ ــا‬
‫بالحداث‪ ،‬أن يشد الرواية من عالم الوهم والخيال المحض إلى عالم الواقع‪ ,‬الذي يســهم فــي إقنــاع‬
‫القارئ بقبول ما ديرعوى إليه‪.‬‬

‫إن غموض الزمن التاريخي للروايــة يـدفع القـارئ للجتهـاد فـي تخيــل زمـن معيــن لحــداثها‪ ،‬قـد‬
‫يطــول أو يقصــر‪ ،‬لكنــه ل يمكــن أن يتجــاوز عمــر البطــل ‪ /‬الــرواي‪ ،‬بــل ل يمكــن أن يتجــاوز ســن‬
‫الشباب الذي يؤهله للنتقال في رحلة من كورنثة إلى تساليا بغــرض البحــث عــن عمــل‪ ،‬أو بعبــارة‬

‫أخرى إن عدم التصريح بزمن محدد للرواية يدفع القارئ إلى البحث عن بكعسر زمنية تدعب د‬
‫ث في ثنايــا‬
‫الحداث وحركـة الشـخوص تشـكل ضـمنا زمـن الحكايـة‪ .‬والمتتبـع لحـداث الروايـة يـرى أنهـا وقعـتا‬
‫في فترة زمنية قصيرة نسبيا ل تتجاوز عاما أو عامـا ونصـف‪ ,‬كمـا يسـتخلص من تتـابع الحـداث‪،‬‬

‫‪30‬‬
‫فالزمن الذي جرتا فيه الحداث قبل تحول البطل إلى" جحش " ل يتجــاوز خمســة أيــام‪ ,‬وظــل بعــد‬
‫تحــوله يبحــث عــن التريــاق الــذي يخلصــه مــن واقعــه الجديــد‪ ،‬وهــو نــوع مــن الــورود والعشــاب الــتي‬
‫تنبتا في فصل الربيع‪ ،‬حتى حنل الربيع في العام القادم وتمنكن بقوة مــن اللهــة إيزيس أن يحصــل‬
‫عليــه‪ ,‬ويعــود إلــى حــالته الولــى " لــم يبــق لــي ســوى أمــل ضــئيل واحــد يعزينــي فــي محنــتي وهــو أن‬
‫العــام الجديــد جــاء أخيـ ارا‪ ،‬وســتنبتا الزهــار علــى طــول الرض وعرضــها‪ ..،‬مـرة واحــدة أذوق الــورد‬
‫وأعود لوكيوس من جديد ")‪.(88‬‬

‫ولكن تحوله إلى لوكيوس ل يعني انتهاء أحداث الرواية‪ ,‬إذ استمرتا علقته بالكــاهن الكــبر‪،‬‬
‫وبالربة إيزيس‪ ،‬التي طلبتا منه التوجه إلى روما المدينة المقدسة‪ ,‬ليزور معبـدها هنـاك فكـان ذلـك‬
‫"مســاء اليــوم الثــالث عشــر مــن شــهر ديســمبر" )‪ ،(89‬أي فــي فصــل الشــتاء‪ ،‬وبــذلك تكــون أحــداث‬
‫القصة قد وقعتا في مساحة زمنية مــا بيـن عــام وعـام ونصــف تقريبـا ‪ ,‬وهــذا يؤكــد أنـه" ليـس للزمـن‬
‫وجــود مسـتقل نسـتطيع أن نسـتخرجه مــن النـص مثـل الشخصــية أو الشـياء الــتي تشــغل المكـان أو‬
‫مظــاهر الطبيعــة‪ ,‬فــالزمن يتخلــل الروايــة كلهــا‪ ,‬ول نســتطيع أن ندرســه د ارســة تجزيئيــة‪ ,‬فهــو الهيكــل‬
‫الذي تشيد فوقه الرواية")‪. (90‬‬

‫وميــل المؤلــف إلــى الدللــة الزمنيــة الغامضــة فــي بعــض مـواطن الروايــة‪ ,‬إنمــا كــان وســيلة فنيــة‬
‫للشارة إلى بروز أحداث أو وقائع جديدة‪ ،‬ويكون ذلك عادة في بداية فصول الرواية كما جــاء فــي‬
‫وفــي مطلــع‬ ‫)‪(91‬‬
‫مطلــع الفصــل الول ‪ ".‬فــي يــوم مــن اليــام أخــذني داعــي العمــل إلــى تسففاليا ‪"..‬‬
‫الفصل الثالث " ذاتا يوم أرسلتا لي برهاينا دعوة‪ ,(92) "..‬وفــي الفصــل الخــامس " انــدفعتا فوتيس‬
‫ذاتا صباح داخلة غرفتي‪ ,(93) "..‬وفي الفصل الحادي عشر ذكر" بعد بضعة أيام فكر فــي خطــة‬
‫وفــي أحـداث الفصــل الثـالث عشـر جــاء " وفـي ذاتا يـوم سـمعتا كاتمــة الســر العجـوز‬ ‫)‪(94‬‬
‫رهيبــة‪"..‬‬
‫تقــول ‪ , 95"..‬وفــي الفصــل ال اربــع عشــر جــاءتا عبــارة " ذاتا ليلــة حالكــة بالظلمــة ض ـنل م ـزارع مــن‬
‫‪96‬‬
‫القرية المجاورة طريقه‪."..‬‬

‫ولكــن ل يعنــي ذلــك أن ســرد الحــداث يفتقــر دائمـ ـا إلــى دللــة زمنيــة محــددة‪ ,‬بــل إن مجمــل‬
‫أحداث الرواية تسير وفق التسلسـل الزمنــي المنطقـي‪ ,‬بحيـث يبـدو هنـاك تطــابق إلـى حـد كــبير بيـن‬
‫زمن الحكاية وزمن السرد‪ ،‬وهو مـا يـؤدي إلـى الحسـاس بواقعيتهـا‪ ,‬علـى الرغـم مـن اشـتمالها علـى‬
‫أحداث غرائبية خيالية بعيدة عن الواقع ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫فالراوي يقوم بسرد الحداث وفق التتابع المنطقي لليام والليالي التي تمــر بهــا الشــخوص‪،‬‬
‫ول نشعر بأي مفارقة زمنية بين زمن السـرد وزمـن الحكايـة‪ ،‬اللهـم إل إذا كـان يعـترض زمـن السـرد‬
‫تقنيــاتا الوصــف أو الســترجاع أو التضــمين لحكايــاتا فرعيــة هنــا وهنــاك‪ ،‬المــر الــذي يــؤدي إلــى‬
‫بطــء زمــن الســرد‪ ,‬أو تــوقفه فــترة مــن الزمــن‪ ،‬وفــي المقابــل قــد يلجــأ المؤلــف إلــى اختصــار زمــن‬
‫الحكايــة فــي لحظــة ســردية تعمــل علــى تسـريع الحـداث ‪ ,‬واختزالهـا فــي أضـيق مسـاحة زمنيــة‪ ,‬كمـا‬
‫ل " حيث يكتفي الراوي بإخبارنا أن سنواتا أو أشهر مرتا‪ ,‬دون أن يحكي عن‬
‫يحدث في القفز مث ا‬
‫أمور وقعتا في هذه السنواتا أو في تلـك الشـهر‪ ،‬فــي مثــل هــذه الحــال يكــون الزمـن علـى مسـتوى‬
‫ل‪ ,‬أما معادله على مستوى القول‪ ,‬فهو بجرد موجز " )‪ ,(97‬وذلك علــى نحــو قــوله‪" :‬‬
‫الوقائع زمنا طوي ا‬
‫ولمـدة ثمـان وأربعيـن ســاعة لـم يســتطع أحــد أن يخـرج إلـى الطريــق حـتى ولـو بحفــر نفـق فــي جـدار‬
‫الــبيتا" )‪ .(98‬و" مكــث أصــحابي بضــعة أيــام فــي ذلــك المكــان حيــث كــان النــاس معهــم فــي غايــة‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(99‬‬
‫اللطف"‬

‫" إن المكانــاتا الــتي يتيحهــا التلعــب بالنظــام الزمنــي ل حــدود لهــا‪ ،‬ذلــك أن ال ـراوي قــد‬
‫يبتدئ السرد في بعض الحيان بشكل يطابق زمن القصة‪ ،‬ولكنه يقطع بعد ذلــك الســرد ليعــود إلــى‬
‫وقائع تأتي سابقة في ترتيب زمن السرد عن مكانها الطبيعي في زمن القصة")‪ ,(100‬كما فــي قــوله‪":‬‬
‫في يوم من اليام أخذني داعي العمل إلــى تساليا منشــأ أهــل والــداتي‪ ،‬فأنــا بالمناســبة أمتــاز بصــلة‬
‫النسـ ــب عـ ــن طريـ ــق أمـ ــي إلـ ــى بلوتفففارخ الشـ ــهير‪ ،‬وبعـ ــد أن اجـ ــتزتا ذاتا صـ ــباح سلسـ ــلة تلل‬
‫‪ ,‬فعبارة ‪ :‬فأنا بالمناسبة‪ ...‬إلى بلوتارخ الشهير" قطعتا التسلسل الزمني للحــداث‬ ‫)‪(101‬‬
‫مرتفعة‪"...‬‬
‫وعادتا بنا إلى واقع يسبق زمن السرد‪.‬‬

‫وأحيانا " أن ظهور أكثر من شخصية رئيسية في القصــة يقتضـي النتقـال مـن واحـدة إلــى‬
‫أخــرى‪ ,‬وتــرك الخــط الزمنــي الول للتعــرف علــى مــا تفعلــه الشخصــية الثانيــة أثنــاء معايشــته الولــى‬
‫لحياتها؛ فالتزامن في الحداث يجب أن يترجم إلى تتابع في النص‪ ،‬ويتطلــب ظهــور كــل شخصــية‬
‫جديـدة عـودة إلـى الـوراء لكشـف بعـض العناصـر الهامـة‪ ,‬وربمـا الحتفـاظ ببعـض العناصـر لكشـفها‬
‫في زمن لحق")‪ ،(102‬ولكن هذا التكنيك السردي يبدو قليل الستخدام في الرواية‪ ،‬وربمــا يعــود ذلــك‬
‫إلى أن الروايــة تــدور أحــداثها حـول بطــل رئيــس واحــد هـو لوكيوس‪ ,‬وأن الشخصــياتا الخــرى إنمــا‬

‫‪32‬‬
‫هي شخصياتا هامشية تقتصر علقتهــا بالبطــل والحــداث علـى فــترة زمنيــة بعينهــا ينتهــي ظهورهــا‬
‫تماما في الرواية بعد ذلك‪.‬‬

‫ل أو أكـثر للتـدليل علـى هـذا النـوع مـن مفارقـة زمـن السـرد لزمـن‬
‫ولكن ل نعدم أن نجد مثا ا‬
‫ص عليــه حكــايته مــع سقراط‪ ،‬قطــع الخــط‬
‫الحكاية‪ ،‬فعندما طلب لوكيوس مــن أريستومنيس أن يقـ ن‬
‫الزمنــي للسـرد ليعـود إلــى رفيقــه الــذي أبـى أن يسـمع مثـل هـذه الحكايــاتا‪ ,‬فيقـول‪ ":‬كل يــا سـيدي ل‬
‫تا " أمـا أنـتا يـا سـيدي أواثـق أنـه‬ ‫يصندنك هذا‪ ..‬أكمل قصتك‪ " "...‬ثم التف د‬
‫تا إلى الرجل الثاني وقلـ د‬
‫ليــس الغبــاء الطــبيعي أو العنــاد المــوروث‪ ,‬هــو الــذي يمنعــك مــن إدراك حقيقــة مــا كــان صــاحبك‬
‫‪ .‬ويستمر في إقناع الشخص الثاني فترة من الزمن ليعــود مـرة ثانيــة إلــى‬ ‫)‪(103‬‬
‫يحاول أن ينبئك به"‬
‫تا هيـا يــا ســيدي‬
‫تا مرة أخرى إلى الرجل الول وأضـف د‬
‫الشخص الول أريستومنيس فيقول‪ ":‬ثم التف د‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(104‬‬
‫بادرني بحكاياتك‪"..‬‬

‫ومــن حيــث بنيــة الفعــال الســردية‪ ،‬ومــا تحملــه مــن دللــة زمنيــة‪ ،‬فــإن الروايــة تنــدرج بحكــم‬
‫طبيعتها التخييلية في سياق الزمـن الماضــي‪ ،‬لن الـراوي يحــاول أن يحكــي أحـداثا قـد وقعــتا لـه أو‬
‫انقضتا من حوله ‪ ،‬ولكن " بالرغم من هذا النقضاء فـإن الفعـل الماضـي يمثـل الحاضـر الروائـي‪,‬‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(105‬‬
‫أي أن الماضي الروائي ) استخدام الفعل الماضي في القص( له حقيقة الحضور"‬

‫" إواذا ما علمنا بأن السرد أو انتظـام الحكــي فـي النصــوص الدبيــة عامـة يرتبــط بــالزمن‪ ،‬فـإن ذلــك‬
‫يعني تعدد طرائق توظيف الزمنة مـا بين تـذكر للفعـال الماضـية‪ ،‬أو اسـتدعاء للماضـي‪ ،‬وأحيانـا‬
‫اختلط الماضي بالراهن‪ ،‬فهذا التعدد في طرائق التوظيف يجعل الســرد مننوعـ ا ومختلفـ ا ومهمـ ا فــي‬
‫الد ارســاتا النقديــة الحديثــة" )‪ .(106‬لــذا فــإن تتبعنــا للوحــداتا الزمنيــة الثلث‪ :‬الماضــي‪ ،‬والحاضــر‪،‬‬
‫والمستقبل في الرواية يكشف عن تذبذب في استخدامها‪ ,‬أي أن الراوي ينتقل بصــورة غيــر منتظمــة‬
‫بيــن الزمنــة الثلثــة ليجعــل القــارئ مشــدودا بيــن أحــداث الماضــي والحاضــر أو المســتقبل‪ ،‬وليمنــح‬
‫القصة فضاء نصيا واسعا ومنفتحا على أزمنة متباعدة‪ ،‬فعلى سـبيل المثــال‪ ،‬مــا يرويــه الســارد عـن‬
‫"ميروى " الساحرة إذ يقول‪ " :‬عندما تحدثتا عنها زوجة أحد عشاقها بسوء‪ ،‬عاقبتها ميروى بحمل‬
‫سرمدي‪ ،‬بأن ألقتا على بطنها سح ار منع الطفل من أن ديوعلد‪ ،‬كان هذا منذ حـوالي ثمــاني ســنواتا‪،‬‬
‫والمرأة البائسة تنتفخ شه ار بعد شهر حتى لتعتقد بأنها على وشك أن تضع فيلا صغي ارا" )‪.(107‬‬

‫‪33‬‬
‫ص‬
‫ففي هذا المقطـع نجـد المؤلـف قـد مـزج بيـن الماضـي والحاضـر والمسـتقبل‪ ،‬فلحظـة القـ ك‬
‫تمثــل الزمــن الحاضــر " عنــدما تحــدثتا عنهــا زوجــة أحــد عشــاقها بســوء‪ " ...‬لتعــود إلــى الماضــي "‬
‫كان هذا منذ حوالي ثماني سنواتا"‪ ,‬ثم تعود إلى الحاضـر" المـرأة البائسـة تنتفـخ شـه ار بعــد شـهر "‪,‬‬
‫لتنتقل إلى الشارة إلى المستقبل الضمني" حتى لتعتقد بأنها على وشك أن تضع فيلا صغي ارا"‪.‬‬

‫ويكثر التذبذب الزمني بين الزمـن الماضــي والحاضــر فــي الروايـة بشـكل خــاص‪ ,‬حيــث إن‬
‫ل ؛!! الحقيقـة المجــردة‬
‫الحــديث عــن اســتباق الحــداث يبــدو ضــئيلا جــداا‪ " ،‬ضــحك سقراط دم‪ ..‬فع ا‬
‫أنــك غمــرتا سـريرك ول تـزال الرائحــة تفـوح منـك‪ ،‬لكننـي أتفـق معـك فــي ســبب الكـوابيس‪ ،‬أنــا نفســي‬
‫جــاءني حلــم فظيــع الليلــة البارحــة‪ ،‬أتــذكره الن حلمــتا بــأن حلقــومي قطــع وشــعرتا بكــل أحاســيس‬
‫عذاب الجرح ‪....‬قدماي ترتعشان جدا الن يجب علي الجلوس‪.(108)"..‬‬

‫ل‪ ..‬الحقيقــة المجــردة أنــك غمــرتا‬


‫فالجمــل الســردية تــوزعتا علــى الزمــن الحاضــر" دم فع ا‬
‫سـ ـريرك ول تـ ـزال الرائح ــة تف ــوح من ــك‪ ، "..‬والزم ــن الماض ــي" أن ــا نفس ــي ج ــاءني حل ــم فظي ــع الليل ــة‬
‫البارحــة" ‪ ،‬ليعــود إلــى الزمــن الحاضــر" أتــذكره الن"‪ ,‬ثــم يعــود إلــى الماضــي " حلمــتا بــأن حلقــومي‬
‫قطــع وشــعرتا بكــل أحاســيس عــذاب الجــرح"‪ ,‬لينتهــي المقطــع القصصــي بــالزمن الحاضــر" قــدماي‬
‫ترتعشان جدا الن"‪.‬‬

‫هكــذا تتنــاوب الوحــداتا الزمنيــة فيمــا بينهــا بطريقــة تدحـبدث تنويعـا وتناغمـا فــي زمــن الســرد‪،‬‬
‫وتشير إلى استحالة استمرار السرد في خط زمني واحد على طول أحداث الرواية‪.‬‬

‫رابعلا‪ -‬المكان‪:‬‬

‫يمثــل عنصــر المكــان فــي الروايــة دو ار مهمـا فــي رســم ملمــح الشــخوص النفســية والجتماعيــة‪،‬‬
‫والثقافية ‪ ،‬والعلقاتا القائمة بينها‪ ,‬إن كانتا علقاتا تواصــل أو انفصــال‪ ،‬كمــا أنــه يلعــب دو ار فــي‬
‫تطور الحداث و تفسيرها ‪.‬‬

‫فالوصـ ــف باعتبـ ــاره الداة التعبيريـ ــة الساسـ ــية‪ ،‬فـ ــي تقـ ــديم المكـ ــان ورسـ ــم حـ ــدوده الجغرافيـ ــة‪،‬‬
‫وانعكاساته الجتماعية والنفسية‪ ،‬ل يأتي في العمل الروائي كإضــافة ازئــدة عــن الحاجــة‪ ،‬إوانمــا أداة‬
‫فاعلة في تماسك النص الروائي‪ ،‬وتقريبه من الذهان‪ ،‬أو كما " يؤكــد فلــوبير أن الوصــف ل يــأتي‬

‫‪34‬‬
‫بل مبرر بل إن كل مقطع من مقاطعه يخدم بناء الشخصية‪ ،‬ولـه أثـر مباشــر أو غيــر مباشــر فـي‬
‫تطور الحدث‪ ,‬وهكذا تلتحم كل العناصر المكونـة للنـص الروائـي وتكتمــل الوحــدة العضـوية للعمــل‪,‬‬
‫وتصبح الجزاء المختلفة مرايا تعكس بعضها بعض ا لتقديم الصورة المجسمة")‪.(109‬‬

‫فالسرد والزمان والمكان والشخوص والحداث‪ ,‬إنما هي عناصر أساسية في العمــل الروائــي ل‬
‫يكتســب كــل منهــا قيمتــه فــي ذاتــه‪ ,‬إوانمــا مــن خلل علقتــه بالعناصــر الخــرى ومــدى تــأثيره وتــأثره‬
‫بها‪ ،‬بحيث تسهم جميعا في تقديم العمل المتخيل في صـورة حقيقيـة مدركـة‪ ,‬ل تبـدو منفصـمة عـن‬
‫الواقع الخارجي ‪.‬‬

‫وفــي روايــة تحــولتا الجحــش الــذهبي‪ ،‬يلعــب المكــان دور البطــل‪ ,‬إذ إن الحــداث الــتي تجــري‬
‫فيهــا إنمــا جــاءتا مترتبــة علــى النتقــال مــن مدينــة "كورنثة" إلــى مدينــة " تساليا" مســرح الحــداث‪،‬‬
‫وانتقــال البطــل لوكيوس مــن مكــان إلــى مكــان كــان هــو المحــرك للحــداث الــتي تعــاقبتا فــي العمــل‬
‫الروائــي‪ ،‬فرحيــل البطــل إلــى مدينــة غريبــة ليســتا مــدينته‪ ،‬جعلــه يشــعر بالوحشــة والتخبــط فــي نســج‬
‫علق ــاتا إيجابي ــة بن ــاءة م ــع الش ــخوص ال ــذين ق ــابلهم‪ ،‬الم ــر ال ــذي ولن ــد صـ ـراع ا خفيـ ـ ا بين ــه وبي ــن‬
‫الشــخوص‪ ,‬انتهــى بســقوطه فــي حالــة المســخ الحيـواني الــتي جلبــتا لــه الشـعقاء والذلل علــى طــول‬
‫صفحاتا الرواية‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى فإن الكاتب استطاع أن يو ك‬


‫ظف المكان في الرواية توظيفا خولقا يكشــف مــن‬
‫خلله عن ملمح الشخوص ودورها في العمل الروائي‪ ،‬بحيث يصــبح استقصـاؤه لتفاصـيل المكـان‬
‫ل‪ ،‬أو كهفـاا‪ ،‬أو زريبـة‪ ،‬أو معبـداا‪ ،‬إنمـا هـو تكنيـك فنـي لرسـم ملمـح الشـخوص الـتي‬
‫مدينة‪ ،‬أو منز ا‬
‫تقيم في هذا المكان "إن مظـاهر الحيـاة الخارجيـة مـن مـدن ومنـازل وأثـاث وأدواتا وملبـس ‪ ..‬إلـخ‬
‫تــذكر لنهــا تكشــف عــن حيــاة الشخصــية النفســية وتشــير إلــى مزاجهــا وطبعهــا‪ ،‬وأصــبح الوصــف‬
‫عنص ار له دللة خاصة واكتسب قيمة جمالية حقة" )‪ ,(110‬ففي إشارته إلــى" ميروى" المـرأة الســاحرة‬
‫اتخذ الكاتب من المكان وتفاصيله وسيلة للتعبير عن قـدرتها الخارقـة فـي معاقبـة مـن يسـيء إليهـا‪،‬‬
‫وفــي نفــس الــوقتا ديظبهــر أثــر الســحر علــى النســان واستســلمه للقــوى الغيبيــة " أمــا ميروى‪...‬فقــد‬
‫حفــرتا خنــدقا وألقــتا عليــه بعــض التعاويــذ‪ ،‬وعــن طريــق قــوة الرواح الظلمانيــة الــتي استحض ـرتها‬
‫طلمستا مداخل وأبواب كل بيتا في هوباتا‪ ،‬ولمـدة ثمـان وأربعيـن سـاعة لــم يســتطع أحــد أن يخـرج‬
‫إل ــى الطري ــق ح ــتى ول ــو بحف ــر نف ــق ف ــي ج ــدار ال ــبيتا")‪ ،(111‬فالخن ــدق‪ ،‬والنف ــق‪ ،‬إواخف ــاء الم ــداخل‬

‫‪35‬‬
‫والبواب‪ ،‬وعدم قدرة الناس على الخـروج إلـى الطريــق) الـذي يحمـل معنـى النفتـاح والحريـة(‪ ،‬إنمـا‬
‫يشــير إلــى الواقــع المظلــم الــذي يعيشــه المجتمــع بفعــل الســحر‪ ,‬ومــا يــؤديه مــن ســلب للرادة‪ ,‬وحمــل‬
‫على الستسلم لقوى غيبية مرعبة ومخيفة‪.‬‬

‫وفــي تقــديمه لشخصــية " ميلو" الرجــل الــثري والبخيــل فــي نفــس الــوقتا‪ ،‬اتخــذ مــن رســم المكــان‬
‫وسيلة لتجسيد تلك الصفاتا‪:‬‬

‫‪ " -‬إن بيته أول بيتا تبلغه‪ ,‬مبني في الخلء خارج أسوار المدينة‪..‬‬
‫‪ -‬هــل تــرى ذلــك الصــف الخيــر مــن النوافــذ المطلــة علــى المدينــة‪ ،‬وبوابــة فــي الجــانب الخــر‬
‫تؤدي إلى طريق مسدود‪ ،‬هناك يعيش ميلو‪..‬‬
‫ل عليــه يحــدق طيلــة اليــوم فــي أك ــداس‬
‫‪ -‬يعي ــش داخــل الــبيتا الك ــبير الخــالي م ــن الث ــاث مقف ا‬
‫ماله ‪.(112)"..‬‬

‫ففي المقاطع الوصفية السابقة لبيتا "ميلو" يرسم الكاتب ملمح شخصية صـاحب الـبيتا‪ ،‬قبـل‬
‫أن يرسم لنا البيتا‪ ،‬فإذا كان قـد قـندمه علـى لسـان أحـد الشـخوص بـأنه" عجـوز دمفـبرط الغنـى‪ ،‬ودسـنبة‬
‫في جبين المدينة أحقـر وأبخـل وأقـذر رجـل رأيتـه‪ ،‬هـو مـ اركب‪ .(113)" ..‬فـإن ملمـح المكـان الخارجيـة‬
‫والداخلية تعزز مثل هـذه الصـفاتا ‪ ،‬فوقـوع الــبيتا خــارج أسـوار المدينــة‪ ،‬وفـي الخلء‪ ،‬ووجـود بوابـة‬
‫تــؤدي إلــى طريــق مســدود‪ ،‬إنمــا يجســد معــاني العزلــة الــتي يعيشــها شــخص بخيــل مـ اركب‪ ،‬ل تــترتب‬
‫على زيارته أي منفعة أو فائدة‪.‬‬

‫وفــي إشـارته إلـى الـبيتا الكـبير‪ ،‬وتحــديقه بطيلـة اليـوم فـي مـاله‪ ،‬إنمــا يشــير إلــى ث ارئـه الفــاحش‪،‬‬
‫في مقابل بخله الشديد الذي أوحتا به كلماتا" خاكل من الثاث‪ ،‬ومقفلا عليه‪."..‬‬

‫وأحيان ـا يتخــذ الكــاتب مــن وصــف المكــان وســيلة لتحديــد الطــار العــام للروايــة‪ ،‬فــإطلق اســم‬
‫تساليا علــى المكــان الــذي تجــرى عليــه الحــداث‪ ،‬وربطــه بعــالم الســحر‪ ،‬إنمــا يشــير إلــى الجــو العــام‬
‫للروايــة " تــذكرتا أننــي فــي قلــب تسففاليا البلــد الــذائع الصــيتا فــي عــالم الســحر والشــعوذة‪ ،‬بــل فــي‬
‫المدينة ذاتها التي شهدتا حكاية أريستومنيس‪ ..‬كانتا تسيطر علني فكـرة أن الســاحراتا يعملــن فــي‬
‫ك ــل مك ــان‪ ,‬فخط ــر ل ــي أن الحج ــار ال ــتي ضـ ـربتها أم ــس بق ــدمي ربم ــا ك ــانتا ف ــي حقيقته ــا بشـ ـ ار‬
‫ممسوخين‪ ،‬والطيور التي سمعتا تغريدها أناسا يكسوها الريش‪ .(114)"..‬فمدينة " تساليا" كما يقــدمها‬

‫‪36‬‬
‫الراوي مشهورة بالسحر والشعوذة‪ ،‬وكل شيء يحيط بالبطل محل شك وارتياب‪ ،‬ليكون هذا الوصف‬
‫تمهيدا للحداث اللحقة التي ترتبط في معظمها بعالم السحر والشــعوذة‪ ،‬كحكايــة تيلوفرون الرجــل‬
‫الذي حاول حراسة الجثة من سرقة الساحراتا لعضاء منها‪ ،‬ليكتشف في النهاية أن الســاحراتا قــد‬
‫ضعنه عنها بأنف وأذنين من الشمع‪.‬‬
‫قضمن أنفه هو وأذنيه وععنو ش‬

‫وحكايــة لوكيوس مــع الشــخوص الثلثــة الــتي طعنهمــا بســيفه علــى بــاب ميلو ثــم اكتشــف أنــه‬
‫طع ــن ثلث بقـ ـعرب م ــن جل ــود والم ــاعز‪ .‬لتص ــل الرواي ــة إل ــى ذروة الح ــدث ال ــدرامي عن ــدما يتح ــول‬
‫لوكيففوس إلــى جحــش بفعــل المــادة الســحرية الــتي دهــن بهــا جســده‪ ،‬ثــم تت ـوالى أحــداث القصــة مــع‬
‫البطل الممسوخ حتى نهايتها‪.‬‬

‫وف ــي وص ــف الك ــاتب لمدين ــة "هوباتففا" إح ــدى م ــدن "تسففاليا" اس ــتطاع أن ي ــبرز المس ــتوى‬
‫الحضاري للمدينـة ‪ ،‬والـذي ينعكـس بـدوره علـى شـخوص الروايـة وأحـداثها‪ ،‬فهـي مدينـة متقدمـة عن‬
‫غيرهــا مــن مــدن العــالم؛ مــن حيــث تصــميم المبــاني‪ ،‬والم ارفــق العامــة‪ ،‬وأثــاث الــبيوتا‪ ،‬ومــا تــتيحه‬
‫لزوارها من حرية الحركة والعمل والستجمام‪ ،‬فهي مركز هام يقصده النسـياح الــذين ينشــدون المتعــة‬
‫والهدوء‪ .‬ول شك أن مثل هذه التفصيلتا تجعل القارئ يشعر" بـأنه يعيـش فــي عـالم الواقـع ل عـالم‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(115‬‬
‫الخيال‪ ،‬ويخلق انطباعا بالحقيقة أو تأثي ار مباش ار بالواقع"‬

‫إوامعان ـا فــي الربــط بيــن المكــان والشــخوص والحــداث‪ ،‬اختــار الكــاتب الكهــف علــى ســفح‬
‫الجبــل مكانـا لجتمــاع اللصــوص‪ ،‬ينطلقــون منــه إلــى القــرى والمــدن المجــاورة لينهبـوا مــن بيوتهــا مــا‬
‫شــاءوا‪ ,‬ثــم يعــودون إليــه ليختف ـوا فيــه أو يحتم ـوا بــه‪ ،‬وفــي وصــفه لهــذا المكــان حــاول أن يســتعرض‬
‫قــدرته اللغويــة والوصــفية علــى التقــاط تفاصــيل المكــان وعرضــها بشــكل ممتــع ودقيــق‪ ،‬وكــأن قلمــه‬
‫عدسة كامي ار ل يفوتها تصوير أخفى الشياء وأدقها‪ ,‬يقول في وصف الجبــل" " فلنبــدأ إذن بالجبــل‪،‬‬
‫كان جبلا عوبع ار شاهقاا‪ .‬قلعة طبيعية حصينة تغطيها الغاباتا المظلمة وتقطعهــا‪ ،‬علــى غيــر نظــام‪،‬‬
‫أخاديد تغص بشجر العوسج تنحدر على جـوانبه‪ ,‬وتحاصـرها دجـدرف يسـتحيل الوصـول إليهـا‪....‬أمـا‬
‫الكه ــف فق ــد ك ــان م ــدخله قريبـ ـا م ــن الس ــفح‪ ،‬ععلعتش ــه قلعـ ـةف مرتفع ــة دبني ــتا م ــن س ــياج م ــن أغص ــان‬
‫الطلح‪ ,(116)"...‬وهكذا يستمر في عملية الوصف لتصــل إلـى ‪ 12‬ســط ارا‪ .‬فوعـورة المكـان‪ ،‬واختفــاؤه‬
‫تحــتا ظلل الشــجار الكثيفــة‪ ،‬ووجــود ســور وقلع‪ ،‬وم اركــز للتصـ ـرنتا ‪ ..‬إلــخ‪ ,‬إنمــا هــي عناصــر‬
‫مكانيــة تدــبرز لنــا البيئــة الــتي يعيــش فيهــا اللصــوص‪ ،‬ومــا يتمتعــون بــه مــن خــبرة وقــدرة علــى حمايــة‬

‫‪37‬‬
‫أنفسهم والحتفاظ بأسلبهم‪ ،‬وتشير في الوقتا نفسه إلى أي حد وفق الكاتب في الربط بيــن المكــان‬
‫وبقيــة العناصــر الخــرى المكونــة للروايــة‪ .‬إذ تتــآزر معـ ـا فــي رســم مشــهد روائــي ذي أبعــاد حســية‬
‫ونفسية يشوق القارئ ويثير لديه الخيال الممتع‪.‬‬

‫نتائج البحث‬

‫‪ -‬تعــد الروايـة مـن بـواكير العمــل الروائــي النســاني الــذي يشـتمل علــى معظــم العناصــر الفنيــة الــتي‬
‫تعتمد عليها الرواية بمفهومها الحديث‪.‬‬

‫‪ -‬الرواية من الرواياتا الغرائبيـة أو العجائبيـة الـتي تتخـذ مـن الحـداث الخياليـة وسـيلة فنيـة للتعـبير‬
‫عن رؤية الكاتب ‪ ,‬وموقفه من القضايا النسانية السائدة في مجتمعه آنذاك‪.‬‬

‫‪ -‬يح ــاول الك ــاتب م ــن خلل الرواي ــة أن يس ــرد بع ــض المفاس ــد ال ــتي ك ــانتا ش ــائعة ف ــي المجتم ــع‬
‫الروماني في القرن الثاني الميلدي‪ ,‬وأثر هذه المفاسد على أمن المجتمع ‪ ,‬وتماسك بنيانه‪.‬‬

‫‪ -‬ربــط الكــاتب بيــن كــل ســلوك ل أخلقــي ؛ كالكــذب ‪ ,‬والظلــم‪ ,‬والنفــاق‪ ,‬والخيانــة وغيرهــا‪ ,‬والعقــاب‬
‫الذي يستحقه‪ ,‬أخذا بمبدأ العقاب من جنس العمل‪.‬‬

‫‪ -‬حاول الكاتب أن يخفف من خيالية الرواية وبعدها عن الواقع‪ ,‬من خلل ذكــر تفصـيلتا مكانيــة‬
‫وزمانية وأفعال‪ ,‬تظهر للقارئ أنه يتحدث عن وقائع حقيقية ملموسة‪.‬‬

‫‪ -‬تعتمــد الروايــة فــي شــكلها الخــارجي علــى أســلوب التقطيــع فــي ســرد الحــداث؛ إذ جــاءتا الروايــة‬
‫ل علــى الحــداث الــتي تجــري‬
‫ل‪ ,‬كــل فصــل يحمــل عنوانـ ا مســتقلا ودا ا‬
‫مقوســمة إلــى تســعة عشــر فصـ ا‬
‫فيه‪ ,‬دون أن يعني ذلك انفصام العلقة التكوينية بينها‪.‬‬

‫‪ -‬تتتابع فصول الرواية زمنيـا بشـكل منطقـي ‪ ,‬وليفصـل بينهـا سـوى بعـض الحكايـاتا الفرعيـة الـتي‬
‫ضمنها الكاتب بغرض تعزيز فكرة لديه ‪ ,‬أو رؤية ينطلق منها في توليد الحداث ونموها‪.‬‬

‫‪ -‬إن التقطيــع الســردي فــي الروايــة لــه مــبرراته الفنيــة ؛ إذ جــاء متســاوقا مــع متغي ـراتا المكــان ‪ ,‬أو‬
‫الشخوص‪ ,‬أو الحداث‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫ظــف الكــاتب تقنيــة الـراوي فــي خمســة أنمــاط هــي ‪ :‬النــا المشــارك‪ ,‬والنــا الشــاهد ‪ ,‬والنــا غيــر‬
‫‪-‬وو‬
‫الحاضر‪ ,‬والسرد على لسان أحد الشخوص‪ ,‬والسرد بضمير الغائب كلي العلم‪.‬‬

‫‪ -‬اعتمــد الكــاتب – إلــى جــانب تقنيــة الـراوي‪-‬علــى تقنيــاتا ســردية أخــرى تظهــر عــادة فــي العمــال‬
‫الروائية منها‪ :‬الوصف‪ ,‬والسترجاع‪ ,‬والتضمين‪ ,‬والحوار الداخلي‪ ,‬والحوار الخارجي‪.‬‬

‫‪ -‬تقوم الرواية بشكل أساسي على شخصية محورية هي شخصية البطل لوكيوس‪ ,‬فــي حيــن كــانتا‬
‫طحة ‪ ,‬معتمدا في تقديمها على أسلوبي الخبار والكشف‪.‬‬
‫الشخصياتا الخرى هامشية أو مس و‬

‫‪ -‬يلع ــب المك ــان ف ــي الرواي ــة دو ار أساس ــيا ف ــي تولي ــد الح ــداث ونموه ــا ‪ ,‬إذ ج ــاءتا مرتبط ــة ع ــادة‬
‫بالنتقال من مدينة إلى أخرى ‪ ,‬ومن مكان إلى آخر‪.‬‬

‫‪ -‬ربــط الكــاتب بيــن خصــائص المكــان وملمــح الشــخوص‪ ,‬ودورهــا فــي العمــل الروائــي ربطـ ا وثيقـاا‪,‬‬
‫بحيـث يسـتدل القـارئ علـى حيـاة الشخصـية النفسـية والسـلوكية مـن خلل وصـف المكـان الـذي تقبـم‬
‫فيه‪.‬‬

‫‪ -‬يبدو زمن الرواية غامضا وغير محدد‪ ,‬ولكن القارئ يســتطيع مــن خلل تتبـع الحــداث وتلحقهــا‬
‫أن يحدده بفترة زمنية قصيرة ل تتجاوز عام ا ونصف العام‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫الهوامش‬

‫‪ -1‬انظــر‪ :‬لوكيــوس أبوليــوس‪ ,‬روايــة تحــولتا الجحــش الــذهبي‪ ,‬ترجمــة د‪ .‬علــي فهمــي خشــيم‪ ,‬ط ‪ ,4‬مركــز‬
‫الحضارة العربية‪ ,‬القاهرة ‪ 2000,‬م ‪. 225 ,71،122:‬‬
‫‪ -2‬جميــل حمــداوي‪ ,‬الحمــار الــذهبي لبوليــوس المــازيغي‪ ,‬الح ـوار المتمــدن‪ ,‬العــدد ‪23/5/2007, 1924‬‬
‫‪http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=97388‬‬
‫‪ -3‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ -4‬د‪ .‬حميد لحميداني‪ ،‬بنية النص السردي‪ ،‬ط ‪ ،2‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروتا‪1993 ،‬م‪.45:‬‬
‫‪ -5‬المرجع نفسه‪.45 :‬‬
‫‪ -6‬د‪ .‬ســي از قاســم‪ ،‬بنــاء الروايــة‪ ،‬د ارســة مقارنــة لثلثيــة نجيــب محفــوظ ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬الهيئــة المص ـرية العامــة للكتابــة‪،‬‬
‫‪1984‬م‪.131:‬‬
‫‪ -7‬عبــد ال ـ رضـ ـوان‪ ،‬البنــى الســردية‪ ،‬د ارســاتا تطبيقيــة فــي القصــة القصــيرة الردنيــة‪ ،‬ط ‪ ،1‬منشــوراتا رابطــة‬
‫الكتاب الردنيين‪1995 ،‬م‪.26:‬‬
‫‪ -8‬الرواية‪.144:‬‬
‫‪ -9‬د‪ .‬يمنى العيد‪ ،‬تقنياتا السرد الروائي في ضوء المنهج النبوي‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار الفارابي‪ ،‬بيروتا‪1999 ،‬م ‪. 94:‬‬
‫‪ -10‬المرجع السابق ‪.98:‬‬
‫‪ -11‬الرواية‪.74:‬‬
‫‪ -12‬الرواية‪.91:‬‬
‫‪ -13‬الرواية‪.206:‬‬
‫‪ -14‬البنى السردية‪.7 :‬‬
‫‪ -15‬تقنياتا السرد الروائي في ضوء المنهج النبوي‪.89:‬‬
‫‪ -16‬المرجع السابق‪.106:‬‬
‫‪ -17‬الرواية‪.11:‬‬
‫‪ -18‬الرواية‪.22:‬‬
‫‪ -19‬الرواية‪.94:‬‬
‫‪ -20‬الرواية‪.95:‬‬
‫‪ -21‬الرواية‪.142:‬‬
‫‪ -22‬د‪ .‬عبــد الملــك مرتــاض‪ ،‬فــي نظريــة الروايــة‪ ،‬بحــث فــي تقنيــاتا الســرد‪ ،‬عــالم المعرفــة‪ ،‬الكــويتا‪1998 ،‬م‪:‬‬
‫‪.35‬‬
‫‪ -23‬الرواية‪.221 :‬‬
‫‪ -24‬الرواية‪.222 :‬‬
‫‪ -25‬في نظرية الرواية‪ ،‬بحث في تقنياتا السرد‪.154:‬‬
‫‪ -26‬الرواية‪.222:‬‬
‫‪ -27‬عبــد العــالي بــوطيب‪ ,‬مفهــوم الرؤيــة الســردية ‪ ,‬مجلــة فصــول‪ ,‬الهيئــة المص ـرية العامــة للكتــاب‪ ,‬القــاهرة‬
‫‪1993‬م‪ ،‬م ‪ ,11‬ع ‪.140 :4‬‬
‫‪ -28‬انظر بنية النص السردي‪.79:‬‬
‫‪ -29‬الرواية‪.25 :‬‬

‫‪40‬‬
‫‪ -30‬الرواية‪.26 :‬‬
‫‪ -31‬الرواية‪.34:‬‬
‫‪ -32‬الرواية‪.34:‬‬
‫‪ -33‬الرواية‪.195 :‬‬
‫‪ -34‬بناء الرواية‪ ،‬دراسة مقارنة لثلثية نجيب محفوظ‪.40:‬‬
‫‪ -35‬رفقــة محمــد دوديــن‪ ،‬التقنيــاتا الســردية فــي أدب الســيرة الذاتيــة‪ ،‬مجلــة الكلمــة‪ ،‬منشــوراتا اتحــاد الكتــاب‬
‫الفلسطينين‪ ،‬أيلول ‪ ،2007‬عدد ‪.20 :8-7‬‬
‫‪ -36‬الرواية‪.10 :‬‬
‫‪ -37‬الرواية‪.11:‬‬
‫‪ -38‬الرواية‪.12 :‬‬
‫‪ -39‬الرواية‪.66 :‬‬
‫‪ -40‬الرواية‪.223:‬‬
‫‪ -41‬الرواية‪.231:‬‬
‫‪ -42‬زينــب عيســى صــالح الياســي ‪ ,‬البنــاء الفنــي فــي الروايــة الكويتيــة المعاص ـرة‪ ,‬الفصــل الثــاني ‪ ,‬المبحــث‬
‫الرابع ‪.http://www.khawlaalqazwini.com‬‬
‫‪ -43‬لرواية‪.14 :‬‬
‫‪ -44‬الرواية‪.23 :‬‬
‫‪ -45‬الرواية‪.52:‬‬
‫‪ -46‬الرواية‪.94:‬‬
‫‪ -47‬الرواية‪.95:‬‬
‫‪ -48‬الرواية‪.143:‬‬
‫‪ -49‬الرواية‪.47:‬‬
‫‪ -50‬يلحــظ أن المؤلــف يشــير إلــى أن جوبيــتر هــو الــذي أمــر أورغــوس بالح ارســة‪ ,‬مــع أن الســطورة اليونانيــة‬
‫تتحــدث ‪-‬وهــو أقــرب إلــى الص ـواب ‪ -‬عــن" هي ـرا" زوجــة " زيــوس " هــي الــتي كلفــتا أرغــوس بح ارســة " إيــو"‬
‫لمنعها من التصال بعشيقها زيوس ‪ .‬انظر‪ :‬د‪ .‬عماد حاتم‪ ،‬أساطير اليونان‪ ،‬ط ‪ ، 1‬الدار العربية للكتــاب‪،‬‬
‫‪.73-72 :1988‬‬

‫‪-51‬ترمــز اســطورة أورفيــوس للعاشــق الــذي يفقــد محبــوبته ويفقــد نفســه نتيجــة تســرعه وحرصــه المفــرط ‪ .‬النــترنتا‬
‫‪. www.jozoor.net‬‬
‫‪-52‬الرواية‪.49 :‬‬
‫‪-53‬جيرمي هوثورن ‪ ,‬مدخل لدراسة الرواية ‪ ,‬ترجمة غازي درويش عطيــة‪ ,‬ط ‪ ,1‬بغــداد‪ ,‬و ازرة الثقافــة ‪1996‬م ‪:‬‬
‫‪.99‬‬
‫‪-54‬البنى السردية‪.67:‬‬
‫‪-55‬الرواية‪.197 :‬‬
‫‪-56‬الرواية‪.83 :‬‬
‫‪ -57‬البنى السردية‪.66:‬‬
‫‪-58‬الرواية‪.90 :‬‬
‫‪-59‬الرواية‪.109 :‬‬

‫‪41‬‬
‫‪-60‬الرواية‪.111 :‬‬
‫‪-61‬البنى السردية‪.65:‬‬
‫‪-62‬الرواية‪.81 :‬‬
‫‪-63‬الرواية‪.18 :‬‬
‫‪-64‬الرواية‪.36 :‬‬
‫‪-65‬الرواية‪.144 :‬‬
‫‪ -66‬د‪.‬محمد عبـد المطلب‪ ،‬تـداخلتا الرؤيـة والسـرد والمكـان فـي روايـة هالـة البـدري منتهـى ‪ ،‬مجلـة فصـول‪،‬‬
‫الهيئة العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،1998 ،‬م ‪،16‬ع ‪.296: 4‬‬

‫‪-67‬الرواية‪.11 :‬‬
‫‪-68‬الرواية‪.22 :‬‬
‫‪-69‬الرواية‪.9 :‬‬
‫‪-70‬الرواية‪.214 :‬‬
‫‪-71‬الرواية‪.10 :‬‬
‫‪-72‬الرواية‪.28 :‬‬
‫‪-73‬الرواية‪.33 :‬‬
‫‪-74‬الرواية‪.11 :‬‬
‫‪-75‬الرواية‪.12:‬‬
‫‪-76‬الرواية‪.12:‬‬
‫‪-77‬الرواية‪.13:‬‬
‫‪-78‬انظرالرواية‪.14 :‬‬
‫‪-79‬الرواية‪.25 :‬‬
‫‪-80‬الرواية‪.156 :‬‬
‫‪-81‬الرواية‪.245 :‬‬
‫‪-82‬عباس دويكاتا‪ ,‬مناقشة رواية "ربيع حار" لسحر خليقة في ملتقى بلطة الثقافي‪,‬‬
‫‪http://pulpit.alwatanvoice.com/articles‬‬
‫‪-83‬الرواية‪.222 :‬‬

‫‪ -84‬مما انتهتا إلى تأكيده قواعد النحو التوليدي في اللغة العربية هــو أن الــتركيب الساسـي لعناصـر الجملــة‬
‫العربية في البنية العميقة هو ‪ :‬فعل ‪+‬اسم‪ +‬اسم )فعـل ‪ +‬فاعـل ‪+‬مفعـول بـه (انظـر‪ :‬محمــد حماســة عبــد‬
‫اللطيف‪ ،‬النماط التحويلية في النحو العربي‪ ،‬ط ‪ ،1‬مكتبة الخانجي‪ :1990 ،‬ص ‪.78‬‬
‫‪-85‬زكــي العيلــة ‪ ,‬المـرأة فــي الروايــة الفلســطينية‪ ،‬ط ‪ ,1‬منشــوراتا مركــز أوغــاريتا الثقـافي‪ ,‬رام الـ ‪ ,‬فلســطين‬
‫‪2003‬م ‪.222:‬‬
‫‪-86‬الرواية‪.9:‬‬
‫‪-87‬الرواية‪.9:‬‬

‫‪42‬‬
‫‪-88‬الرواية‪.237 :‬‬
‫‪-89‬الرواية‪.262 :‬‬
‫‪-90‬بناء الرواية‪ ،‬دراسة مقارنة لثلثية نجيب محفوظ‪.27:‬‬
‫‪-91‬الرواية‪.9 :‬‬
‫‪-92‬الرواية‪.43 :‬‬
‫‪-93‬الرواية‪.69 :‬‬
‫‪ -94‬الرواية‪.162 :‬‬
‫‪-95‬الرواية‪.196 :‬‬
‫‪ -96‬الرواية‪.207 :‬‬
‫‪ -97‬تقنياتا السرد الروائي في ضوء المنهج النبوي‪.82 :‬‬
‫‪ -98‬الرواية‪.15 :‬‬
‫‪-99‬الرواية‪.190 :‬‬
‫‪ -100‬بنية النص السردي‪.74 :‬‬
‫‪-101‬الرواية‪.9 :‬‬
‫‪-102‬بناء الرواية‪ ،‬دراسة مقارنة لثلثية نجيب محفوظ‪.37:‬‬
‫‪-103‬الرواية‪.10:‬‬
‫‪-104‬الرواية‪.11 :‬‬
‫‪-105‬بناء الرواية‪ ،‬دراسة مقارنة لثلثية نجيب محفوظ‪.28:‬‬
‫‪-106‬التقنياتا السردية في أدب السيرة الذاتية‪.20:‬‬
‫‪-107‬الرواية‪.14:‬‬
‫‪-108‬الرواية‪.21:‬‬
‫‪-109‬بناء الرواية‪ ،‬دراسة مقارنة لثلثية نجيب محفوظ‪.82:‬‬
‫‪-110‬المرجع السابق‪.82:‬‬
‫‪-111‬الرواية‪.15:‬‬
‫‪-112‬الرواية‪.25:‬‬
‫‪-113‬الرواية‪.25:‬‬
‫‪-114‬الرواية‪.32:‬‬
‫‪-115‬بناء الرواية‪ ،‬دراسة مقارنة لثلثية نجيب محفوظ‪.82:‬‬
‫‪-116‬الرواية‪.80:‬‬

‫المصادر والمراجع‬

‫‪43‬‬
‫أولل‪ -‬الكتب والمجلت العلمية‪:‬‬
‫‪ -1‬د‪ .‬حميد لحميداني‪ ،‬بنية النص السردي‪ ،‬ط ‪ ،2‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروتا‪1993 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -2‬رفقــة محمــد دوديــن‪ ،‬التقنيــاتا الســردية فــي أدب الســيرة الذاتيــة‪ ،‬مجلــة الكلمــة‪ ،‬منشــوراتا اتحــاد الكتــاب‬
‫الفلسطينين‪ ،‬أيلول ‪ ،2007‬عدد ‪.8-7‬‬
‫‪ -3‬زكــي العيلــة ‪ ,‬المـرأة فــي الروايــة الفلســطينية‪ ،‬ط ‪ ,1‬منشــوراتا مركــز أوغــاريتا الثقــافي‪ ,‬رام الـ ‪ ,‬فلســطين‬
‫‪2003‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬د‪ .‬ســي از قاســم‪ ،‬بنــاء الروايــة‪ ،‬د ارســة مقارنــة لثلثيــة نجيــب محفــوظ ‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬الهيئــة المص ـرية العامــة للكتابــة‪،‬‬
‫‪1984‬م‪.‬‬
‫‪ -5‬عبد العالي بوطيب‪ ,‬مفهوم الرؤية السردية‪ ,‬مجلة فصول‪ ,‬الهيئة المصرية العامــة للكتــاب‪ ,‬القــاهرة ‪1993‬م‪،‬‬
‫م ‪ ,11‬ع ‪.4‬‬
‫‪ -6‬عبــد ال ـ رضـ ـوان‪ ،‬البنــى الســردية‪ ،‬د ارســاتا تطبيقيــة فــي القصــة القصــيرة الردنيــة‪ ،‬ط ‪ ،1‬منشــوراتا رابطــة‬
‫الكتاب الردنيين‪1995 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -7‬د‪ .‬عبد الملك مرتاض‪ ،‬في نظرية الرواية‪ ،‬بحث في تقنياتا السرد‪ ،‬عالم المعرفة‪ ،‬الكويتا‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -8‬د‪ .‬عماد حاتم‪ ،‬أساطير اليونان‪ ،‬ط ‪ ، 1‬الدار العربية للكتاب‪.1988 ،‬‬
‫‪ -9‬لوكيــوس أبوليــوس‪ ,‬روايــة تحــولتا الجحــش الــذهبي‪ ,‬ترجمــة د‪ .‬علــي فهمــي خشــيم‪ ,‬ط ‪ ,4‬مركــز الحضــارة‬
‫العربية‪ ,‬القاهرة ‪ 2000,‬م‪.‬‬
‫‪ -10‬محمد حماسة عبد اللطيف‪ ،‬النماط التحويلية في النحو العربي‪ ،‬ط ‪ ،1‬مكتبة الخانجي‪.1990 ،‬‬
‫‪ -11‬د‪.‬محمد عبد المطلب‪ ،‬تداخلتا الرؤيـة والسـرد والمكـان فـي روايـة هالـة البـدري منتهـى ‪ ،‬مجلـة فصـول‪،‬‬
‫الهيئة العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،1998 ،‬م ‪،16‬ع ‪.4‬‬
‫‪ -12‬د‪ .‬يمنى العيد‪ ،‬تقنياتا السرد الروائي في ضوء المنهج النبوي‪ ،‬ط ‪ ،2‬دار الفارابي‪ ،‬بيروتا‪1999 ،‬م‪.‬‬

‫ثانيلا‪ -‬مواقع النترنت‪:‬‬


‫‪ -1‬جميــل حمــداوي‪ ,‬الحمــار الــذهبي لبوليــوس المــازيغي‪ ,‬الح ـوار المتمــدن‪ ,‬العــدد ‪23/5/2007, 1924‬‬
‫‪. http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=97388‬‬
‫‪ -2‬زينب عيسى صالح الياسـي ‪ ,‬البنـاء الفنـي فـي الروايـة الكويتيـة المعاصـرة‪ ,‬الفصـل الثاني ‪ ,‬المبحـث ال اربـع‬
‫‪.http://www.khawlaalqazwini.com‬‬
‫‪ -3‬عباس دويكاتا‪ ,‬مناقشة رواية "ربيع حار" لسحر خليقة في ملتقى بلطة الثقافي‪,‬‬
‫‪. http://pulpit.alwatanvoice.com/articles‬‬

‫‪44‬‬

You might also like