Professional Documents
Culture Documents
وزارة الثقافة
دمشق 2016
تعريف الشخصية) :هي كائن من ابتكار خيال الكاتب يكون له دور او فعل مافي كل االنواع
االدبية والفنية التي تقوم على المحاكاة مثل اللوحة والرواية والمسرح ,وللشخصية في المسرح
خصوصية تكمن في كونها تتحول من عنصر مجرد الى عنصر ملموس عندما تتجسد بشكل
حي على الخشبة من خالل جسد الممثل وادائه وكذلك تتميز الشخصية في المسرح وفي كل
الفنون الدرامية عن الشخصية الروائية في كونها تعبر عن نفسها مباشرة من خالل الحوار
والمنولوج والحركة دون تدخل وسيط هو الكاتب او الراوي .
تصف الشخصية كال من البعد النفسي والبعد االجتماعي وتربط كال منها بالمكان واالشخاص
واالغراض على خشبة المسرح ,اضافة الى المكانة االجتماعية وبيان حالة الشخصية عقليا و
عاطفيا .
الشخصية تعد من اهم العناصر التي يؤدي من خاللها الممثلون االحداث الدرامية في المسرحية
,كما انها مصدر الحبكة اي الشخصيات هي التي تتطور الحبكة من خاللها ,من خالل االفعال
التي تصدر عن الشخصيات المتنوعة في المسرحية .
كما عرف ارسطو ايضا الشخصية في كتابه فن الشعر بانها الجزء الثاني من االجزاء المكونة
للحبكة ,حيث ان الحبكة والشخصية هما وجهان لعملة واحدة مرتبطان ببعضهما
الصالحية الدرامية :اي الشخصية صالحة للقيام بهاذا الدور ..اي ال يمكن ان يكون
شخصية ( ملك معاق او اعمى ) او ( شخصية محارب بجسد نحيل وهزيل ) اي يكون
انسجام مع طبيعتها وسلوكها وأيضا فكرها ( ملك تصرفاته كشحاد)
الموائمة :ان تصدر عن الشخصية كلمات وحركات تتأقلم مع دورها في النص ..
الفيلسوف مثال .يجب ان يتكلم بحكمة وسعة معرفة ,او الشخصية الساذجة من غير
الصحيح ان تتتكلم بحكمة الفيلسوف .
تحليل شخصية) اوفيليا
أوفيليا هي إحدى الشخصيّات الرئيسية في مسرحية هاملت في بداية المسرحية ،تظهر اوفيليا
يوظف جمالها للتالعب بـ هاملت ويعرف حقيقته فتقع في حبّه. كعذراء بريئة ,لكنّ والدها يقرّر أن ّ
ث ّم تعرف في نهاية المطاف أن هاملت قتل والدها ،فتم ّر بمعاناة رهيبة نتيجة تش ّتت عواطفها
واضطراب أفكارها ما بين حبّها لـ هاملت وهجره إيّاها وحزنها على والدها .ونتيجة لعجزها عن
التعامل مع الموقف ،تقع أوفيليا ضحيّة حالة جنون حقيقيّ ثم تموت غرقا.
كثف شكسبير الطبيعة المأساوية لشخصيّة اوفيليا ،خاصّة بعد أن حوّ لها الصراع بين الرجال إلى
ضحيّة ،وذلك بجعلها تموت خارج الكواليس .ثم تتالشى ببساطة ،كقطرة في ماء وترحل بعيدا مثل
بتالت الزهور.
رسم أوفيليا العديد من الف ّنانين واستخدموها بكثرة كرمز لهشاشة النساء وللفرص الضائعة.
الرسّامون ما قبل الرافائيليين وجدوا في قصّتها موضوعا ال يقاوم للوحاتهم .المشهد التراجيدي
العظيم في شخصيّتها ورمزية العذراء الشابّة الغارقة في الجنون .
ظهرت اوفيليا بالمسرحية كشخصية مختلفة عن أبيها وعن أخيها ,ببرائتها الطاهرة ال تعرف
التآمر وال الكذب وال الحيل وال التظاهر وال الحياة الدنيئة وصاحبة قلب طيب وكأنها مالك بين
مجموعة شياطين .تعبر عن أفكارها بصراحة ووضوح وبساطة قلب ((الملك :فقد ارسلنا في
طلب هاملت لكي يلتقي بأوفيليا وجها لوجه كأنه التقاها صدفة ,كالنا انا وابوها سنختبئ بحيث َنرى
وال ُنرى ..الملكة :اما انت يا اوفيليا فألشد ما اتمنى ان تكون محاسنك هي السبب الطيب في جنون
هاملت وكذلك امل ايضا ان ترده فضائلك الى الطريق السوي ..بولونيوس :اقرأي في كتاب
الصلوات هذا لعل القراءة تضفي على انفرادك اللون المطلوب ,ما اشدما نالم بمثل هذا وكثيرا ما
ثبت اننا بمظهر الورع والفعل التقيُ ,ن ِلبس حتى الشيطان نفسه رداء من الحالوة ))
.أحبت هاملت بصدق وإخالص .ابنة هادئة مطيعة نراها تصغي لنصائح أخيها المرائي
((ساجعل مضمون هذا الدرس المفيد حارسا لقلبي..لريتس تذكري ما قلته لك ..اوفيليا :لقد اقفلت
عليه في ذاكرتي واودعت المفتاح لديك )) .تطيع توجيهات أبيها بولونيوس المتعلقة بهاملت ((قللي
اعز ,ال تصدقي وعوده فما وعوده اال شيئا من مثولك العذري امامه ,اجعلي التماسه الحديث اليك ّ
سمسرة ال اريدك من االن فصاعدا ان تنفقي لحظة من فراغك مع االمير هاملت – ترد اوفيليا :
سمعا وطاعة يا سيدي ))
غرقت في حزن وكآبة عندما رأت جنون هاملت ،فقالت (( لهفي على عقل رفيع قد هوى من
النبالء لسانهم ،ومن الجند سيفهم ،ومن العلماء عينهم ،زهرة الدولة اليانعة ومطمحها ،مرآة
الذوق واألناقة ،قالب األدب ،ملتقى األبصار كلها قد هوى وتحطم .وأنا ،أبأس النساء وأتعسهنَّ ))
وترى أن هدايا هاملت لم يعد لها قيمة ألن مهديها قد تغير (.خذها ثانية ،ثمين الهدايا ،للنفس األبيّة
،يبخس قدرها حين ينقلب مهديها.).
وعندما يقول لها هاملت ((أعني إن كنت عفيفة وجميلة معا ،وجب على عفافك أن يجعل الوصول
إلى جمالك محرَّ مًا ) نراها تجيب بمنتهى العقل والحكمة ( وهل للجمال يا سيدي ما يتعاطاه خير
من العفاف )).
وصف هاملت أوفيليا بعدة أوصاف ،منها (( :ابنة السماء – معبودة روحي -أعمق النساء
جماال))
لقد كان بكاء أوفيليا على والدها بكاء صادقا ين ُّم عن حزن صادق -بعكس ما قاله هاملت عن دموع
أمه وعمه ( أفعال بوسع المرء تمثيلها) -.أنظر إليها تجدها قد بكت وأبكت بصدق مشاعرها .لقد
كانت الضحية البريئة الوحيدة من بينهم جميعا
((اوفيليا :كفنوه برداء ابيض فبدا كالثلج في اكفانه ..لكنني ال استطيع اال البكاء كلما ذكرت انهم
سيرقدونه في االرض البادرة )) ..
جنون اوفيليا (( هوراشو للملك :كله من موت ابيها اذا ما اتت االحزان لن تأتي فرادى بل جحافل
..اوال يقتل ابوها ثم يرحل ابنك ..وبعدها تتعكر اذهان الناس وتتهامس الشفاه بمقتل بولونيسو
الكريم ..ونسلك نحن درب الحماقة بان ندفنه سرا على عجل مسكينة اوفيليا لقد شق بينها وبين
نفسها والعقل الجميل ..وما نحن بدونه اال صور مرسومة او وحوش )...
تنقسم مسرحية هاملت إلى عالمين :عالم داخل القصر وآخر خارجه ،هوراشيو من خارج القصر
لكنه ،بسبب صداقته لهاملت ،له خطوات داخله ،وهاملت من داخل القصر لكنه بقضيته وموقفه
ينتمي إلى حيث تتوافق مصلحة الشعب مع مصالحه ،وحيث يكون الناس الحماية له.
من الفصل األول نرى هوراشيو بين الحراس يحلل لهم دواعي الحراسة المكثفة ،وهو ينتظر
ليختبر بنفسه ماهية الشبح الذي يشبه الملك السابق ،هاملت والد هاملت ،في رداء الحرب ويظهر
كل ليلة بعد انتصاف الليل ،ليختفي عند صياح الديك في الفجر .بعد أن يطالب ابنه األمير هاملت
بالثأر له من قاتله .ويستمر هوراشيو على طول المسرحية وعرضها وعمقها ،مراقبا ومحلال وسندا
ناصحا لهاملت ،فهو المستودع األمين ألسراره ،الفاهم ألدق مشاعره وآالمه ،وحين يتخلى برهة،
في المشهد األخير ،عن عقالنيته ويحاول أن يقتل نفسه ألنه لن يتحمل الحياة بعد رحيل هاملت،
يمنعه هاملت وهو يوصيه بأن يستمر على قيد الحياة ،مبينا أن بقاءه على قيد الحياة هو التضحية
الحقيقية التي يقدمها لصديقه هاملت (( أه يا إلهي ،هوراشيو ،تعلم كم سيجرح اسمي من بعدي ،لو
ظلت األشياء هكذا غير معروفة ...تحمل التنفس بصعوبة ،في هذا العالم القاسي ،لتحكي قصتي)).
ويطيع هوراشيو ويتحمل مسؤولية رواية قصة هاملت بدوافعها الحقيقية منظور شكسبير ،الذي أراد
في بناء شخصية هاملت أن يطرحه ممثال للحق ضد الباطل الذي تشخصن في الملك الفاسد القاتل
كلوديوس ،ولنا أن نتخيل كيف يمكن أن تتشوه األحداث لو أنها سردت من خالل كلوديوس
وحاشيته.
عندما يتعمد شكسبير أن يحكي حكاية هاملت عن لسان هوراشيو ،فهو يعني أنها تختلف عما لو
كانت عن لسان أمه ،أو عن بولونيوس رئيس الوزراء ومستشار كلوديوس وجاسوس السلطة
المتلصص المتصنت ،إن أم هاملت ،التي تزوجت عمه قاتل والده ،وبولونيوس السياسي الفاسد،
طرفان في القوة المعادية ،يقفان بمصالحهما وأخطائهما في معسكر كلوديوس ،ولذلك فهما ال بد أن
يريا حزن هاملت النبيل اكتئابا مرضيا ،ووقفته العنيدة أمام جرائم كلوديوس ميوال انتحارية عبثية،
وتأمالته ،إلعادة ترتيب أوراقه وامتحان قدراته ،ترددا وعجزا عن الفعل ،وانفجاره حسرة عندما
يكتشف أن براءة أوفيليا ،حبيبته ،تستغل لإليقاع به فيعتبر أن هذا االستغالل ،الختراقه ومعرفة
خططه ،نوع من هتك العفة ومن العهر ،هذا الغضب المنطقي من جانب هاملت ،يريانه جنونا
حقيقيا ،ومحاولته انتشال أمه من براثن اإلثم الذي ارتكبته بالزواج من قاتل منحل ،وقاحة وعقوقا
ومشاعر غير طبيعية.
قصد شكسبير أال تكون رواية قصة هاملت بلسان شخصية من شأنها أن تسيئ تفسيره ،ولذلك كان
من الضروري أن نرى في اختياره لهوراشيو «راويا» نقطة جوهرية ،ولألسف كانت هذه النقطة
الجوهرية هي المفتاح الذي تجاهله كثير من النقاد عن بصر كفيف ،أو عن عمد في بعض األحيان،
مع أنه المفتاح الوحيد الذي علينا أن ندخل به المسرحية لتتوهج أمأمنا ،بال لبس أو تشويش،
إضاءات باهرة تبرز أصل حكاية هاملت :المثقف صاحب الموقف ،الذي يقوي عقله باإليمان،
ويدعم إيمانه بالعقل.