You are on page 1of 278

‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫‪1‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫التعبير اأدبي‬
‫الجزء الثاني‬

‫د أنور غ ي الموسوي‬

‫العراق – الحلة ‪2016-‬‬

‫‪2‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الجهة الثانية ‪ :‬ااسلوبيات الماوراء نصية‬


‫القسم ااول ‪ :‬التعبيرية‬

‫اللغة التعبيرية في الشعر العراقي المعاصر‬

‫تشوش الرؤية \ فيتحدث بألم عميق \ عن العاصفة َ‬


‫عمن يحزنه ّ‬
‫ُثم يفتّش ّ‬

‫عبود الجابري‬

‫اللغة التعبيرية هي التح ّدث بألم عميق ‪ ،‬عن العاصفة ‪ ،‬عن الواقع المرير ‪ ،‬أنّه‬
‫الكف عن التغّي بالخارج و وصفه و محاكاته ‪ ،‬أنّها اإبحار الى أعماق‬
‫ّ‬
‫الشعور و إعان الجوهر ال قي للشعور و الرؤية الصادقة ‪.‬‬

‫الميزة اأبرز للغة الشعرية هو اإبهار ‪ ،‬ال اتج و با ريب من الشكل الفّي‬
‫الذي عليه تلك اللغة ‪ .‬و لقد بات ظاهراً أ ّن ما يميّز الشعر عن ال ثر ليس‬
‫موسيقى شكلية وا ترتيب شكلي لألفاظ ‪ ،‬إنّما المميّز الحقيقي هو الشكل‬
‫تحررها‬
‫التعبيري ‪ .‬و ا ريب أ ّن الثورة التي حصلت في ب ية الكتابة الشعرية و ّ‬
‫التحول ا يكمن ه ا فقط ‪ ،‬إنّما‬
‫من القوالب إنجاز إستث ائي ‪ ،‬إا أ ّن جوهر ّ‬
‫يكون في تب ّدل ال ظرة الى طريقة التعبير ‪ ،‬ف جد أ ّن لغة اأدب إنتقلت من‬
‫تمع اً أسمى‬
‫الحكائية اإنطباعية الى الرؤيوية التعبيرية التي تمثل عمقا فكرياً و ّ‬
‫في أداة الكتابة و توظيفها و تجاوز الحكائية اإنطباعية بأشواط حتى إنّ ا يمكن‬

‫‪3‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫القول أنّ ا و م ذ نهايات القرن الماضي نعيش في الفترة التعبيرية لأدب‬


‫العالمي عموماً و العربي خصوصاً ‪.‬‬

‫تمجد‬
‫إ ّن قسوة الظروف و بشاعة الخارج ‪ ،‬ا يترك مجااً ل ظرة محايدة اليه ّ‬
‫و تتغّى به ‪ ،‬فتجلّى و بقوة صوت البوح الداخلي بمظاهر واضحة في لغة‬
‫الشاعر العراقي الذي عاني ما عانى من الخارج البائس القاسي ‪ .‬و من هذ‬
‫الموسعة لطاقات اللغة‬
‫ّ‬ ‫المظاهر على مستوى الكتابة الشعرية هي اللغة التعبيرية‬
‫و الرؤية اأدبية و إدراكات القراءة ‪.‬‬

‫إذن يمكن إرجاع طغيان التعبيرية و الرؤيوية في الشعر العراقي المعاصر الى‬
‫توسع سلطة اإنسان و الثاني محلّي‬
‫عاملين اأول عالمي عام مرتبط بالعلم و ّ‬
‫بسبب الدمار الرهيب الذي لحق بالعراق و العراقيين ‪ ،‬فما عاد للرومانسية و‬
‫ا اإنطباعية مجااً ‪.‬‬

‫للفن و‬
‫من ه ا يكون ظاهراً أنّ ا ا نتكلّم عن الحركة التعبيرية المعروفة كمذهب ّ‬
‫اأدب و إنّما نتح ّدث عن أسلوب بوحي تعبيري توظّف فيه ع اصر اللغة لبلوغ‬
‫طاقات عالية من التعبير ‪ .‬إ ّن اللغة التعبيرية ا تع ي أبداً الغرق في الذاتيات‬
‫والرمزيات ‪ ،‬قدر ما تع ي الصدق الخالص الجوهري ‪ ،‬و تصوير بشاعة اللحظة‬
‫التي يجب أا ت ساها البشريّة ‪ ،‬و كما أ ّن ذلك يكون بقاموس مع وي و صوري‬
‫كل هذ اأشكال‬‫مميّز فإنّه يتمثّل أيضا بصيغ تركيبية و لفظية واضحة ‪ ،‬و ّ‬
‫التعبيرية نجدها حاضرة في الشعر العراقي ‪ ،‬الذي س ورد نماذج م ه تكون‬
‫الثر التي هي م ه ‪.‬‬
‫العامة و العطاء ّ‬
‫إنعكاساً و مرآة للكوكبة ّ‬

‫تبرز التعبيرية في اللغة على مستوى الموضوع و على مستوى الصورة و على‬
‫مستوى التراكيب اللفظية ‪ .‬إ ّن الح ّدة و العصف العاطفي في التعبيرات ال ابعة‬

‫‪4‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫رساماً و ليس طريقة توصيل فقط ‪،‬‬


‫من أعماق الداخل تجعل من اللغة كيانا ّ‬
‫لذلك يمك ا وصف المقاطع التعبيرية بالمشاهد و اللوحات و الم اظر ‪ ،‬أنّها‬
‫رسومات بإمتياز و شواهد على العصر و اإنسان و مشاعر العميقة ‪.‬‬

‫التعبيرية الموضوعية‬

‫ا نريد بالموضوعية ه ا أص اف الموضوعات المطروقة أ ّن هذا الت اول قديم‬


‫قدم اإنسان مهما كانت طبيعة الموضوع ‪ ،‬إذ ا ريب أ ّن السعادة و الشقاء من‬
‫المعارف البشرية الضاربة في القدم ‪ ،‬إنّما نريد ه ا كشف اللغة عن الموضوع‬
‫الذي تتحدث ع ه بأبعاد مع وية متميّزة ّإما من حيث اإيغال في اإنفعال‬
‫بإعطائه خصوصية مميزة او من حيث توسعة مفهومه واإدراك به ‪ .‬وأهم ما‬
‫يميّز اللغة التعبيرية ج وحها الى مواضيع موغلة في العمق و مت اهية في‬
‫الصدق من حقول العاطفة الملتهبة يتربع ذلك الحز ُن و األم و طلب‬
‫الخاص ‪.‬‬

‫اللغة التعبيرية ا تتعمق فقط في إختيار موضوعاتها بل في رؤية موضوعاتها ‪،‬‬


‫ففي مشهد للشاعر اأمهر عبود الجابر يقول ُ وإ ْذ قلُ ُ‬
‫ت له ‪ /‬ما ذلك‬
‫أهش به على ما أرى‪ /‬من الظام‪) '...‬‬
‫مرآتك؟؟‪ /‬قال‪ :‬هو عماي‪ /‬أتوكأ عليه ‪ /‬و ُ‬
‫إ هّا الرؤية امنبثقة من الظام ‪ ،‬إنّها تقديم العالم برؤية عميقة ‪ .‬إ هّا حكاية الرؤية و‬
‫التعمق فيها ودعوة صادقة اليها حيث يقول أنور غي ( أجل أنّك ترى ما أرى ‪،‬‬
‫ه‬
‫إنّه إحتفال ‪ ،‬إنّه التلقائية الكاملة ‪ .‬أجل إنّك ترى ما أرى َ‬

‫في لغة الشاعر العراقي تتجلّى المعاني الكئيبة و القاتمة ‪ ، ،‬حيث تتجلى‬
‫الحسرة و الفقدان في لوحة عبود الجابري إذ يقول ُقضيت وقتا طوياً \ في‬

‫‪5‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ِ‬
‫البحث عن بغداد \ ولم أرها \ أن جاري لم يعرني سترته َ إنّها حكاية‬
‫ات مهجورةٍ‬ ‫ِ‬
‫أخاديد ف ار ٍ‬ ‫عبر‬
‫هتاف يت اهى َ‬
‫الاجدوى ‪ .‬و يقول كريم عبد اه ُ ٌ‬
‫ت على عباءةِ ِ‬
‫الوهم نذور س واتي المجدبة َ ‪ ،‬و في م ظر له آخر‬ ‫‪ /..‬عشع َش ْ‬
‫ِ‬
‫بخراب‬ ‫له يتجلّى الحزن و الخراب و الوداع حيث يقول ُ ِ‬
‫ثغورك ملطّخةٌ‬
‫مفارق الكلمات َ ا شيء‬ ‫ش ِ‬
‫مة ‪ /..‬ت طرح نواعيري تلهج بتودي ِع ِ‬ ‫ِ‬
‫اأبواق المه ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫سوى الخواء ‪ ،‬و ا مكان لحلم اانسان كما في مشهد أنور غ ي ُقلب‬
‫العالم يتقاعد كأرملة ‪\.‬ا مكان لحلم اإنسان ‪ \ ،‬ا دفء و ا نشيد ‪ُ.‬‬

‫و يتعالى قاموس اللغة الكئيبة في لغة التعبيريين إنّه الخريف و اليأس و‬


‫الغربان في مشهد ناظم ناصر ُكمساء الخريف ‪ \...‬تتهامس به الغربان\ على‬
‫غصن م ح ي على شجرة اليأس َ و ه ا الدموع والم فى و الجراحات في لوحة‬
‫قاسم وداي ُوددت أجمع دموع الم افي حين اجتمعت القرابين كي أزيل غبار‬
‫جراحات البحر ال ازلة من مجراتها َ و في مشهد يائس لشال ع وز يقول فيه‬
‫علن \ ‪.................‬أن ا وصول الى ُليلىَ \ فقد‬
‫ُهذ الريح تُ ُ‬
‫سرقوها‪. َ !...‬‬

‫و ال سيان يحضر في م ظر ناظم ناصر ُاليد التي تكتب الكلمات \على‬


‫ذاكرة الزمن \غمرها ال سيان َ و يخيم الضياع و الخسارة و الوهم في م ظر‬
‫آخر له حيث يقول ُمثل صباح فاتر\ كان حبي \ كقصيدة با مع ى \كورقة‬
‫على وشك السقوط َ ‪.‬‬

‫تطل لغة قاسم وداي ُ مك ها الرحيل‬


‫و في عالم من الرحيل و البعد ّ‬
‫والبعد عن حيّ ا المشلول \كان رحيلها ثغرة واسعة بحجم ال كبات َ و يتجلّى‬
‫ِ‬
‫الهواء‬ ‫مرة أخرى في مشهد لسلمى حربة ُ أنا حز ُن‬ ‫الحزن و الخواء واألم ّ‬
‫ِ‬
‫ترهات الوج ِع‬ ‫أحيك الصدى قصائ َد جل ا ٍر \ويتيهُ األم فو َق‬
‫يدي ُ‬‫\أمد ّ‬
‫‪6‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫متاشيا \وأمأ جيوبي الخاوية ِ‬


‫بهواء عط ِر يأخذني \ ُ‬
‫حيث اري ُد !!! َ و في‬
‫يم \‬
‫م ظر لعاء ااديب عن العالم السقيم يقول ُ من أين تهرب والزمان غر ُ‬
‫سقيم َ و في م ظر لرياض الغريب ُفي سلة القمامة‬
‫ولمن ستلجأ والمكان ٌ‬
‫\نضع أس انا غير صالحة للمضغ \نضع أوراقا تصف تاريخ ا بالم صف جدا‬
‫\نضع قرونا من العتمة \نضع حروبا وج راات \نضع كابا ت بح داخل ال ص‬
‫َ إنّه إختصار لإخفاقات البشرية‪.‬‬

‫وه ا الصمت الذي يخشا الشاعر التعبيري و يبوح به بكل نقاء و صدق‬
‫علي الصمت حين تعلوني‬
‫رفيع ففي لوحة قاسم وداي ُ أخشى أن يجهز ّ‬
‫المتجمد في مشهد أنور غ ي حيث ُأناشيد‬
‫ّ‬ ‫الشهقات َ ‪ ،‬و يتجلّى الصمت‬
‫الشتاء تغرق في الضباب ‪\.‬تترك في ذاكرة الشوارع نشوة ا تُ سى‪ \.‬زوايا‬
‫فأتجمد في حلمي كشجرة ٍ‬
‫غاب قديمة ‪َ .‬‬ ‫ّ‬ ‫الباردة تحفل بالصمت ‪\ ،‬‬

‫يطل علي ا عالم المآسي و الصدأ و الجوع ففي مشهد لشال ع وز ُ‬


‫و ّ‬
‫يح مشغولةً \ بع ِد أسى المحطّات \ تُ ُ‬
‫هرول ُمستاء ًة \ تلم عباءة‬ ‫كانت الر ُ‬
‫ّل َع َبر‪.......... \..‬جوع الّوافذ \ ‪..........‬صدأ أأبواب َ‬
‫الوقت \ تتسل ُ‬
‫انه الخواء الرهيب ‪ ،‬الذي يتجلّى أيضا في مقطع لعاء اأديب ُخطواتك‬
‫التكليم َ ‪ ،‬إنّها شيخوخة‬
‫ُ‬ ‫تجر على اأسى \ وجع المسيح‪ ..‬يه ّد‬
‫الثكلى ّ‬
‫الحضارة و الواقع ففي مشهد لرياض الغريب يقول ُفي الباد التي تشيخ‬
‫\نرمم وجهها \ بأغاني فيروز \ ونرمم وجوه ا \بالضحكات َ ‪.‬‬

‫من مامح التعبيرية طلب الخاص و تقديم رؤية له ‪ ،‬و نرى ذلك في‬
‫ِ‬
‫وجهك شمساً‬ ‫أحمل‬ ‫أطوف‬ ‫العالم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يكفهر ُ‬ ‫ُ‬ ‫مشهد لكريم عبد اه حيث ُكلّما‬
‫أبواب الصباح َ فيطرق أبواب الصباح‬ ‫ِ‬
‫مشرقةً ‪ /..‬وبحجولك الفضيّة أطر ُق َ‬
‫كلما إكفهر العالم بالخاص الفضي و بوجه الشمس الذهبي ‪ ،‬و نحو الشمس‬
‫‪7‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫تكون سمرة الوجه طريق الخاص ع د قاسم وداي ُسمرة الوجه خارطتي نحو‬
‫الشمس \ا ترحلي كي ا يكون الثقب بحجم بغداد َ ‪ ،‬إن التعبيري يتشبث‬
‫بكل أشكال الخاص حتى لجام الهواء حتى أسراب المطر ففي مشهد لسلمى‬
‫أسمال غربتك وكوني‬
‫َ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬
‫بالحزن \ إخلعي ع ِ‬ ‫اارض الغائرةُ‬ ‫حربة ُ أيتها‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫للسحب أمطري‬ ‫ِ‬
‫الهواء \وقولي‬ ‫سرب حمام \تيهي للفرح \أمسكي ِ‬
‫بلجام‬
‫اب مطر َ فان ألم هذ اارض شديد و حزنها قاتل ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫على شفا الحزن \ أسر َ‬
‫بل يطلب الخاص من الظام كما عن عبود الجابري حيث يقول ُ وإ ْذ قلُ ُ‬
‫ت له‬
‫أهش به على ما أرى‪ /‬من‬
‫‪ /‬ما ذلك مرآتك؟؟‪ /‬قال‪ :‬هو عماي‪ /‬أتوكأ عليه ‪ /‬و ُ‬
‫الظام‪ ) '...‬بل يكون الخاص حتى في الموت كما عن أنور غ ي اذ يقول‬
‫ُأجل ‪ ،‬ا ب ّد من الموت الجديد ‪ \ .‬هكذا أخرج من خاتمي شبحاً للسام‬
‫المجرة بالصوت العتيد ‪َ .‬‬
‫ّ‬ ‫‪ \.‬أجلد ظهر‬

‫ا شيء يتجلّى في لغة التعبيريين أكثر من سقم العالم و مرارة الخارج و‬

‫يهم التعبيريين أكثر من بيان الوجه القبيح‬


‫قسوته و هزالة وجود ‪ ،‬و ا شيء ّ‬
‫لهذا الواقع المرير ‪ ،‬ففي مشهد قاسم وداي ُأرادوني طعما سها لهياكل‬

‫الشرير ااستغالي با ضمير ‪ .‬و في م ظر اخر لعاء‬


‫الشقوق َ إنّه الخارج ّ‬
‫مزقت أحزانه قلب ْه ‪ ،‬وما قد‬
‫ااديب حيث الجور و التمزيق اذ يقول ُ أنا من ّ‬

‫ناح أو أذعن‪ ، َ ..‬إنه الخارج المحزن الذي يقابله العمق ال قي موطن الصفاء‬

‫يقول رياض الغريب ُ بم تفكر \ بصديقي الشاعر \الذي جلس قبالة قاتله\‬

‫ا شيء بي هما \سوى رصاصة واحدة \ ومسافة \ عدها القاتل \ ألف مرة‬

‫‪8‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫\بي ما الشاعر \ إعتقدها وردة َ إنه العالم السقيم في مشهد أنور غ ي إذ‬

‫يقول ُ السيول ما عادت تكفي لتضع حدا لهذا العالم السقيم \جسد‬

‫شاحب كعصا ا حراك فيها َ ‪.‬‬

‫إن اللغة التعبير هي الحديث بصدق و بعمق و ب قاء ففي مشهد للشاعر‬
‫اأمهر عبود الجابري يقول فيه ُ ا أحد \ يتحدث عن عاصفة \ رجل‬
‫المرور يكتفي بتحذير العربات \ التي تعبر الطريق الصحراوي \ البحارة‬
‫ي امون ليلة أخرى في ف دق المدي ة \القتلة يغت مون الفرصة \ حيث يختلط‬
‫دخان الرصاص بالغبار \العشاق يلع ون سوء الطالع \بي ما رجل وحيد \‬
‫يمضي بحرق أشياء قديمة \ ماتت في ذاكرته \ ويطلق غبارها في الفضاء‬
‫عمن يحزنه تش ّوش الرؤية \ فيتحدث بألم عميق \ عن العاصفة َ‬
‫\ثم يفتّش ّ‬
‫و يقول أنور غ ي ُأجل انا الوحيد الذي يعرف مع ى الحرب ‪ ،‬أني أتح ّدث‬
‫ع ها بصدق ‪َ.‬‬

‫التعبيرية التصويرية‬

‫تعظيم طاقة اللغة بالصورة غاية اأسلوب التعبيري ‪ ،‬وتكمن جمالية التصوير‬
‫التعبيري في حالة إيجاد عاقة شفيفة بين الصورة و ما يراد البوح به أو‬
‫يتجسد ذلك في لوحة كريم عبد‬
‫التح ّدث ع ه ‪ ،‬و بقاء خيط اإيحاء بي هما ‪ّ .‬‬
‫يرسم وجهي َ إنّه تجاوز‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُحين أتلذذُ برائحة صوتك ‪ ....‬لسانك ُ‬‫اه إذ يقول َ‬
‫للمعهود من المع ى يعلّم ا رائحة الصوت ‪ ،‬و في م ظر لعبود الجابري يكون‬
‫‪9‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫للمصابيح أس ان تريد اإنتقام ُ في الليل العجول \ تبيض أس ان المصابيح \‬


‫كمن يريد اانتقام \ من وج ٍع داكن َ‪ ،‬إ ّن اللغة التعبيرية تق ّدم العالم بشكل‬
‫عما يرا اآخرون يقول أنور غ ي ُها أنا‬
‫أكثر صدقا و إن كانت مختلفة ّ‬
‫أتساقط بصمت و غربة كاملة ‪ \ .‬كلماتي ترقد في أكفان من الرياح \ مامح‬
‫وجهي مؤجلة ‪ \.‬لست مضطراً أن أرى القمر كالعاشقين َ‬

‫الصور الع يفة الصادقة البعيدة عن كل تزويق و تحريف ‪ ،‬الشديدة‬


‫أهم ميزات اللغة التعبيرية ‪ ،‬ونجد لغة‬
‫اإنحدار الموغلة في عمق األم من ّ‬
‫لتلك‬
‫سلمى حربة في مشهد لها يتجلّى البوح الع يف ُ مامحي ت تمي َ‬
‫ِ‬
‫القاحلة \وشقو ُق تلك اأرض خراجات ألمي َ إنّها خراجات ألم ا‬ ‫ِ‬
‫التجاعيد‬
‫تجدها اا في أعماق العراقيين ‪ ،‬حيث الدماء تأسر المكان ففي مقطع أنور‬
‫غ ي ُالدماء تمأ السواقي ‪ \،‬تلتهم عروق اأشجار ‪ \،‬فيتاشى الحلم‬
‫كبقرة هزيلة ‪. َ.‬‬

‫و يتوسع المع ى و بدل أن يحضر الرمز للدالة على المراد كما ع د‬


‫الحكائيين و اإنطابعيين فإن الرمز يحضر ه ا ليُعطى مع ى آخر ففي لوحة‬
‫قاسم وداي ُسمرة الوجه خارطتي نحو الشمس\ ا ترحلي كي ا يكون الثقب‬
‫نصي و رمزي مختلف عما نعرفه ص عه داخل‬
‫بحجم بغداد َ ه ا لبغداد تأريخ ّ‬
‫الشاعرالعميق ‪.‬‬

‫اللغة الصادمة ك ز التعبيرية حيث تخبرنا سلمى حربة أنّها حزن الهواء و‬
‫أحيك الصدى قصائ َد‬
‫يدي ُ‬ ‫ِ‬
‫أنّها تمأ جيوبها الخاوية به ُ أنا حز ُن الهواء \أمد ّ‬

‫‪10‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ترهات الوج ِع متاشيا \وأمأ جيوبي الخاوية ِ‬


‫بهواء‬ ‫ِ‬ ‫جل ا ٍر \ ويتيهُ األم فو َق‬
‫عط ِر يأخذني \ ُ‬
‫حيث اري ُد !!!َ ‪ ،‬و تتجلّى الصدمة المبهرة في م ظر لعبود‬
‫ِ‬
‫البحث عن بغداد \ ولم أرها \ أن جاري‬ ‫الجابري ُقضيت وقتا طوياً \ في‬
‫لم يعرني سترته َ ا يمكن أن تبصر هكذا شكل من الوجود الصوري اا في‬
‫أعماق الشعور و دواخل ال فس ‪ .‬و في مقطع وامض آخر يقول ُلم تلق‬
‫ك تكر الحمقى \ فيراودك لياً‬ ‫التحية على جارك اأحمق \ ربّما يف ّكر إنّ َ‬
‫\عن الحكمة وضحاياها َ فا سبيل اا أن ت بهر بهذا التركيب اللغوي الصادم‬
‫‪.‬‬

‫العمق من ركائز اللغة التعبيرية ‪ ،‬تشعرك أ ّن التركيب لم يأت من العقل و‬


‫اا اللسان بل من شيء أعمق من ذلك ‪ ،‬إنّه من العاطفة العميقة و اإحساس‬
‫العميق ‪ ،‬إنّها اللغة التي تثبت ل ا و بكل وضوح أ ّن اإحساس أصدق من العقل‬
‫أبواب الصباح َ إنه‬ ‫ِ‬
‫ففي مشهد لكريم عبد اه ُ بحجولك الفضيّة أطر ُق َ‬
‫الخاص المجاني المتجاوز للشخص ة و الكونية و للزمان و المكان فهي‬
‫الحجول التي تص ع الصباح ‪ .‬و تحضر ااضاءات العميقة للفكر و حقول‬
‫المع ى ريح مثابرة هي شاهد شال ع وز على خواء الواقع المرير حيث ُ كانت‬
‫يح مشغولةً \ بع ِد أسى المحطّات \ تُ ُ‬
‫هرول ُمستاءةً \ تلم عباءة الوقت \‬ ‫الر ُ‬
‫ّل َع َبر‪.......... \..‬جوع الّوافذ \ ‪..........‬صدأ أأبواب َ ‪ .‬و بلغة‬
‫تتسل ُ‬
‫مت اهية في العمق و اايحاء نجد أنفس ا نبحر في عالم المعاني و اإدهاش في‬
‫قفزت إلى الماء‬
‫شةٌ \ َ‬
‫مشهد رائع للمبدع الف ّذ عبود الجابري ُكلما سقطت ق ّ‬
‫هاتفاً‪\ :‬أدركوني أيها الغرقى َ انها تعبيرية ضاربة في العمق في الصدق ‪ .‬و في‬
‫مقطع أخر يقول ُماهذا السواد على الجدار ياأبي؟ دع ا نهرب ّأواً \ ثم‬
‫أح ّدثك ع ه \ في حياة احقة َ إنّه تجل لتجربة اانسان العميقة ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫التعبيرية التركيبية‬

‫المحمل بأعباء الخارج و إنفعاات الذات ت عكس بصورة‬


‫ّ‬ ‫البوح الداخلي‬
‫مباشرة و كاملة على تراكيب اللغة ‪ ،‬فالسرعة الكامية العالية من خصائص‬
‫ِ‬
‫صوتك َ تحقق‬ ‫اللغة التعبيرية ففي م ظر كريم عبد اه ُحين أتلذذُ بر ِ‬
‫ائحة‬ ‫َ‬
‫الاألفة العالية بين الرائحة و الصوت سرعة كامية متميزة و ملحوظة ‪ .‬و في‬
‫م ظر ناظم ناصر ُمثل صباح فاتر\كان حبي َ إنّه ليس مجرد مجاز إنّه فضاء‬
‫رحب ‪ .‬و في نظام فذ من سرع كامية عالية تعلمّا لغة قاسم وداي جراحات‬
‫البحر ال ازلة من المجرات حيث يقول ُوددت أجمع دموع الم افي حين‬
‫اجتمعت القرابين‬
‫كي أزيل غبار جراحات البحر ال ازلة من مجراتها َ ‪ .‬و في م ظر أنور غ ي‬
‫يقول فيه ُقيل حتى ميا البحر ‪ ،‬بما فيها من أساور و تواريخ \قد إلتقمها‬
‫الذباب في لحظة آسارة ‪ ،‬فصارت معدته ي ابيع دافئة ‪ َ.‬تحقق الاأُلفة‬
‫المفرداتية و الجملية إبحارا عميقا في زوايا الشعور و سرع كامية عارمة ‪ ،‬و‬
‫في مشهد اخر يقول ُقلب العالم يتقاعد كأرملة ُإنّها صور من قرارة العمق و‬
‫زوايا الشعور ‪.‬‬

‫ليست الاألفة و السرع الكامية العالية مجرد عاقة تجاورية ‪ ،‬بل هي‬
‫إيغال في العمق ‪ ،‬و تلمس غريب في زوايا الشعور ‪ ،‬ففي مشهد لعبود الجابري‬
‫ِ‬
‫البحث عن بغداد \ ولم أرها \ أن جاري لم يعرني‬ ‫ُقضيت وقتا طوياً \ في‬
‫سترته َ ان الاألفة ه ا ليست بين الكلمات فحسب و انما بين الوحدات‬
‫الجملية وهي لغة عالية التق ية و عميقة التأثير ‪ .‬و أيضا في سرع تجاورية‬
‫قفزت إلى‬
‫شةٌ \ َ‬
‫للجمل مقطع اخر لعبود الجابري يقول فيه ُكلما سقطت ق ّ‬

‫‪12‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الماء هاتفاً‪ \:‬أدركوني أيها الغرقى َ ان السرع ه ا تصل ح ّداً يولّد اإنبهار‬
‫العميق ‪.‬‬

‫تتمرد على الواقع و إنما‬


‫التمرد من ميزات اللغة التعبيرية فهي ليس فقط ّ‬
‫ّ‬
‫تتمرد على نفسها ‪ ،‬فتتمرد اللغة في سعادة و إشتهاء وقلب البارود الطيب و‬
‫ّ‬
‫القذائف الخاسرة ‪ ،‬ففي م ظر لعبود الجابري ُهكذا يكون إشتهاء سعادت ا \‬
‫بمواساة البارود \ بقلبه الطيّب \ ومعانقة القذائف الخاسرة َ ‪ ،‬وفي خضم‬
‫قاموس األم و الحزن و القسوة تبزع حقول البهجة و اإشراق ففي لوحة كريم‬
‫ِ‬
‫وجهك شمساً مشرقةً ‪/..‬‬ ‫أحمل‬ ‫أطوف‬ ‫العالم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫يكفهر ُ‬‫ُ‬ ‫عبد اه ُ كلّما‬
‫تمرد اللغة‬ ‫ِ‬
‫أبواب الصباح َ و ايضا مشهد آخر من ّ‬
‫وبحجولك الفضيّة أطر ُق َ‬
‫بين الحب الجميل ع دنا و الامع ى و اأوراق الموشكة على السقوط ع د‬
‫ناظم ناصر حيث يقول ُمثل صباح فاتر\كان حبي \كقصيدة با مع ى‬
‫التمرد التركيبي تجمع‬
‫\كورقة على وشك السقوط َ ‪ .‬و في مشهد آخر من ّ‬
‫الحقول الباسمة و الحبية مع حقول األم و الخوف ففي مشهد قاسم وداي‬
‫ُسمرة الوجه خارطتي نحو الشمس \ ا ترحلي كي ا يكون الثقب بحجم‬
‫بغداد َ فالشمس و السمرة و بغداد ‪ ،‬وسط هذا العالم الحبيب و الجميل‬
‫تمرد واسع لها في‬
‫يطل الرحيل و الفقدان بوجهه الكئيب ‪ .‬و تتجلى اللغة في ّ‬
‫ّ‬
‫مقطع أنور غ ي يقول فيه ُللشمس إشراقة تجعل الشجر قصائد ساك ة ا‬
‫تعرف شيئا عن الخلود َ إنّها اإشراقة التي تجعل القصائد تجهل الخلود ‪ ،‬و‬
‫الصباح‬
‫ُ‬ ‫في مشهد لشال ع وز يحضر وجع الوطن وسط بهجة الصباح ُهذا‬
‫\‪.................‬ال َخريفي‬

‫يغسل بقايا \ ‪ِ ..............‬‬


‫روحك‬ ‫حيث رذاذُ \‪.............‬المطَ ِر \ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫جع \‪.............‬الوطن َ و تتمرد اللغة وا تق ع بما يقال لها ‪،‬‬
‫\ تَتَ َه ّجى َو َ‬

‫‪13‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫فسهيل ا يصغي الى نداء الريح الخبيرة و يتحداها و يعلن إنّه ا عودة من‬
‫علن \ ‪.................‬أن ا‬
‫دون ليا في مشهد لشال ع وز ُوهذ الريح تُ ُ‬
‫يلَ بع ُد‪ \ !!.‬وهو‬
‫وصول الى ُليلىَ \ فقد سرقوها‪ \ !...‬ولم يطلع ُ ُس َه ٌ‬
‫بلة‪\..‬‬‫مازال ممسكاً صولجانه \ يتح ّدى الريح ‪ \..‬يمّي نفسه ب ُق ٍ‬
‫ُ‬
‫علن أن اعودة بدونها‪َ ...‬‬ ‫ِ‬
‫‪................‬من ُليلىَ \ويُ ُ‬

‫نعم ان اللغة العراقية تتحدى الريح الصفراء و الواقع المرير ‪ ،‬و تعلن أنّه‬
‫نقي عاصف يحيى الموات ‪.‬‬‫ا عودة من دون جوهر ّ‬
‫القسم الثاني ‪ :‬العامل التعبيري‬

‫الكتل التعبيرية المتوهجة ع د كريم عبد اه‬


‫التوهج ال صي المتقوم باادهاش و التكثيف من اهم مميزات كتابات كريم عبد‬
‫اه ‪ ،‬و الظاهر لكل من يطالع اي نص من نصوص كريم عبد اه يجد ا يقبل‬
‫ابدا ان يكتب نصا اا بكلمات متوهجة تتأأ ‪ .‬انك حي ما تقرأ نصا لكريم‬
‫عبد اه تشعر و كأنك ترى سماء صافية و نجوم مشعة تبهر و تدهش ‪.‬‬
‫ه ا س حاول تتبع الخصائص اابداعية في كتابات كريم عبد اه و التي تعطيها‬
‫هذا الوهج الجمالي الفتان ‪ ،‬و الميزة ااهم لكتابات كريم عبد اه الجمع بين‬
‫الف ية العالية بمثل هذا التوهج ال ادر و بين العذوبة و القرب و في الواقع ان ا‬
‫ندعو دائما الى ادب قريب و ممتع و في نفس الوقت احترافي و عالي الف ية ‪،‬‬
‫يجمع بين اابداع و القرب و بين الف ية العالية و اامتاع ‪ ،‬وهذا ما ا يجيد‬
‫اا قليليون من كتاب اادب اليوم ‪ ،‬لكن و بصراحة الشعر السردي‬
‫و السردية التعبيرية قد مهدت اارضية لهكذا ادب نادر و فذ ‪ ،‬و شعراء‬
‫مجموعة الشعر السردي قد حققوا تلك الغايات ‪ ،‬وهذا امر مهم و تأريخي ‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ه ا س حاول تتبع تلك الميزات و الخصائص الجمالية و التعبيرية في‬


‫ِ‬
‫أناديك تتعط ُّر ح جرتي َ وهي نموذج لكتابات كريم عبد اه‬ ‫قصيدة ُ كلّما‬
‫في هذا الشكل الكتابي ‪.‬‬
‫ِ‬
‫أناديك تتعط ُّر ح جرتي‬ ‫كريم عبد اه ؛ كلّما‬
‫هذا ال ص قصيدة تعبيرية باسلوب الشعر السردي ‪ ،‬يجمع بين البوح الرقيق و‬
‫القرب و اامتاع و بين التوهج العالي للمفردات و التراكيب و الف ية العالية‬
‫محققا كما و كيفا ابداعيا حسب قانون اابداع في جوانب معادلته من ااصالة‬
‫و التجديد و الرسالية ‪.‬‬
‫بخاف الف ون البصرية فان الكتلة التعبيرية ‪ -‬و هي الوحدة المادية التي‬
‫يشتغل عليها المبدع انتاج ف ه – و التي تتوحد في الف ون البصرية ‪ ،‬فانها في‬
‫الف ون السعمية كال ص هي في ااصل متعددة ‪ ،‬فالوحدة الكتابية في‬
‫ااصل تعتمد الب اء الطولي الزماني و ليس العرضي المكاني البصري ‪ ،‬فلدي ا‬
‫المفردة ثم ااس اد بين مفردتين او اكثر ثم الجملة ثم ال ص ‪ ،‬فهذ اربع‬
‫وحدات كتابية كل م ها يمكن ان تكون كتلة تعبيرية ابداعية ‪ .‬و لقد اجاد كريم‬
‫عبد اه في ابداعه اادبي على المستويات ااربعة ‪ ،‬فعلى مستوى المفردة هو‬
‫معروف باستخدام خاص للمفرادت و التطعيمات و على مستوى ال ص هو‬
‫معروف بال ص المفتوح و المجانية و على مستوى الجملة ايضا معروفة كتابته‬
‫بالكثافة و الومضة و الضربة الشعورية ‪ ،‬و اما على مستوى ااس اد وهو العمل‬
‫على جزء الجملة فهذا مما يتق ه كريم عبد اه فعا وهو ما خصص ا هذا‬
‫المقال له ان الحديث عن المستويات ااربعة يطول فعا ‪ ،‬كما ان كام ا ه ا‬
‫اي على مستوى ااس اد وجزء الجملة سيكون نموذجا لتبين جماليات التعبير‬
‫ع د كريم عبداه في المستويات ااخرى ‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫و بخصوص الفردية و ااسلوب الخاص الذي تتميز به كتابات كريم عبد اه‬
‫‪ ،‬فان اي متتبع و متأمل في تلك لكتابات سيجد واضحا الضربة‬
‫التأثيرية التي يعتمدها كريم عبد اه في اجزاء الجمل معطيا اياها توهجها‬
‫الخاص المستقل عن الجملة ‪ ،‬بمع ى اخر ان كريم عبد اه ليس فقط يعمد‬
‫الى التأثير الجملي و توهج الجملة الشعرية ‪ ،‬بل انه يعمد الى تركيب الجملة‬
‫و تكوي ها من اجزاء متوهجة لها تأثيرها الجمالي الخاص ‪.‬‬
‫ان فهم ا للكتلة التعبيرية كمؤثر جمالي ضمن ادوات ال قد التعبيري‬
‫يختلف عن الفهم ااسلوبي له الذي يتمحور حول الشكل و ال ص و‬
‫العاقات ال صية لذلك كان اانحراف و اانزياح و الذي هو فهم متطور‬
‫للمجاز مركزيا في ااسلوبية ‪ .‬اما ال قد التعبيري الذي نتب ا فانه ي ظر الى‬
‫التوهج اكثر من ال ظر الى اانحراف ‪ ،‬و يرى الفردية و التفرد في تلك القدرة‬
‫على تعظيم الطاقات التوهجية للوحدات التعبيرية ‪ ،‬و ما اانزياح الى جزء من‬
‫ذلك التوهج ‪ ،‬ذلك التوهج الذي يمتد في عمق ال ص باعتبار كاما و نظاما‬
‫لغويا و في اانظمة الماوراء نصية باعتبارها انظمة جمالية و تأثيرية و شعورية و‬
‫انسانية ‪ ،‬بمع ى اخر ان ال قد التعبيري يهتم باانظمة الجمالية للوحدات‬
‫التعبيرية اللغوية اكثر من لغويتها و نصيتها ‪ .‬وهذا الفهم يعطي مساحة و فهم‬
‫اوسع للظواهر الجمالية و اادبية ‪ .‬لذلك يمك ا وصف ال قد التعبيري بانه‬
‫تجاوز للفهم ااسلوبي و انه يمثل مرحلة ُ ما بعد ااسلوبية َ للحقائق التي‬
‫بي اها ‪.‬‬
‫في قصيدة ُ كلما أناديك تتعطر ح جرتي َ و اضافة الى ما نرا من ان هذا‬
‫الع وان وحد نص تقليلي متكامل ‪ ،‬و بجانب اابهار و الضربة الشعورية و‬
‫الجمالية في هذ الجملية الشرطية و الرابطة انسانية العميقة التي يصورها ‪،‬‬
‫فان ا ناحظ ان التوهج في عبارة ُ تتعطر ح جرتي َ غير مقتصرا على اانزياح‬

‫‪16‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫‪ ،‬و انما ه اك عمق تعبيري حقيقي ‪ ،‬و أثر جمالي يعطي للكلمات معان اخرى‬
‫وهذا ما نسميه ُ الرمزية ال صية َ حيث تصبح للكلمات رمزية و معان تختلف‬
‫عن معانها و دااتها خارجه ‪ ،‬كما ان هذا التوصيف للشعور اانساني الذي‬
‫يصف بها الشاعر نفسه ‪ ،‬اي تعطر ح جرته يعد من حاات بلوغ الحدود‬
‫الشعورية القوى ‪ ،‬اي ان المعبرقد بلغ اقصى درجات و مستويات التجربة‬
‫اانسانية في هذا الشأن و هذا حقيقة يذكرنا بالشعر العذري ع د العرب ‪،‬‬
‫حيث انهم يبلغون مثل تلك المستويات القوى جدا في تعبيراتهم و تعلقهم و‬
‫وضعهم اانساني مع من يحبون ‪ ،‬و لقد وصف ا في كتابات ل ا ُ بالبوح‬
‫ااقصى َ وهذا با ريب عامل من عوامل الصدمة و كاشف عن معادل جمالي‬
‫عميق يتحرك في مجال ما وراء ال ص في وعي القارئ و اانسانية ‪ .‬و من‬
‫المهم التأكيد ان التأثير التعبيري و الجمالي و الشعوري عموما بل و اانساني‬
‫ا يوجد في ال ص حقيقة بل يوجد في عوامل الوعي اانساني و المجاات‬
‫الجمالية و اللغوية الماوراء نصية ‪ ،‬و وظيفة الشاعر ليس اختيارات نصية فقط‬
‫‪ ،‬بل اختيارات ماوراء نصية ‪ ،‬بل الشاعرية تكمن في امساك الشاعر بتلك‬
‫المعارف الماوراء نصية ثم يترجمها الى عوامل نصية تعبيرية ‪.‬‬
‫ان كريم عبد اه في نصه هذا ا يرى الكلمات فقط بل يرى الشعور اانساني‬
‫حتى انك تشعر انه يرى عوالم شعورية و تأثيرية عميقة في الوعي قبل ان يرى‬
‫التعابير مكتوبة وهذا من بديع اادب فعا ‪ ،‬اذ يقول في قصيدته هذ ‪:‬‬
‫ليل عيوني َ‬ ‫ِ‬
‫تصاويرك وحدها تت فتّ ُح في ِ‬ ‫عطر‬
‫يحمل َ‬
‫ُ‬ ‫اأثير‬
‫ُ هذا ُ‬
‫العذوبة و الهزة ا تكمن في التصوير البديع و البوح الرقيق ‪ ،‬و انما في‬
‫الوقفات اانسانية في اجزاء هذ الجملة ‪،‬حيث نجد عمقا صوتيا شعوريا في‬
‫اسم ااشارة و بدله في عبارة ُ هذا ااثير َ و في الحقيقة ا يعطي ا كريم عبد‬
‫اه و في بداية قصيدته اا ان نلفظ هذ العبارة بهذ‬

‫‪17‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الكيفية ُ هذااااااااا‪ ..‬أل ‪...‬أثيييييييي‪...‬ر َ و بقدر الً ًفس و عمقه تضرب‬


‫هذ العبارة في عمق اانسانية و الشعور اانساني ‪ ،‬و تخبرنا و بوضوح ان‬
‫اادب ليس نصا فقط بل هو عالم كبير واسع ‪ ،‬ثم يتقدم الشاعر في ب اءاته‬
‫الكتابية حتى يصل الى كتلة تعبيرية اخرى ايضا تضرب في العمق تتمثل‬
‫بعبارة ُ عطر تصاويرك َ و من الواضح اتقان كريم عبد اه لتجريد ااشياء من‬
‫خصائصها المعروفة و تحويلها الى كيانات اخرى فالبصري المادي الجمادي‬
‫يلبس صفة العطر وهذا المجاز و اانحراف بل و المجانية احيانا و ان كان ف ا‬
‫عاليا و بديعا لكن في العبارة و كما اشرنا ما هو اكثر عمقا و ابهارا اا وهو‬
‫رؤية الشعور اانساني و تجسيد و تجلي اأثر الجمالية ‪ ،‬أي رؤية الكيانات‬
‫و اانظمة الماوراء نصية العميقة في الوعي الم تجة لكم كبير من المعاني‬
‫الجمالية و التأثيرية الانصية و تجليها بقوة في الكتابةو لقد نجح الشاعر في‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫تتكرر هذا الظاهرة اابداعية في باقي مقاطع ال ص حتى يقدم ل ا الشاعر‬
‫لوحة فريدة تقول كل شيء و تبوح بكل شيء و تدخل في مصافي البوح‬
‫اانساني الجميل بما بذل الشاعر فيه من وقفات تعبيرية و ما قصد من تأثير‬
‫جمالي و شعوري و توهج للمعاني في الوعي اانساني الكبير و العميق ‪ .‬ففي‬
‫مقطع اخر ‪:‬‬
‫أصوات صبواتي َ و ايضا‬ ‫ِ‬
‫الجديدة‬ ‫تسبح في ي ابيعها‬
‫ُ‬ ‫تمطر أحاماً غزيرًة ُ‬
‫ُ ُ‬
‫يتكرر البوح التعبيري ااقصى و بلوغ المستويات العليا من البوح و التعبير‬
‫بعبارة ُ تمطر احاما َ وهو الم اسب لهذا ال ص الوجداني الجياش ‪.‬‬
‫و هكذا نجد ذلك ااداء و تلك القوة التعبيرية و الطاقات الواضحة في‬
‫تغسل‬ ‫يق عي ِ‬
‫يك َ و ُ ال جوم تستجدي أ ْن‬ ‫اجزاء الجمل كعبارات ُ ألم بر َ‬
‫َ‬
‫عتمتها َ و ا نحتاج الى كام لاشارة الى بلوغ اعلى مستويات اانبهار الذي‬

‫‪18‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫حل بالشاعر تجا المثال الذي يحاكيه متمثا في ُ عتمة ال جوم َ‪ ،‬و‬
‫اب ِم َن‬ ‫ِ‬
‫شرفتك َ و عبارة ُ أسر ٌ‬ ‫صباح على‬
‫أكاليل اأزهار تصطف كل ٍ‬‫ُ‬ ‫عبارة ُ‬
‫فقبل‬ ‫تغر ُد َ و عبارة ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫تات صوتك يجعلها ّ‬ ‫مائدتك لعل فُ َ‬ ‫الطيور تحطّ ُ على‬
‫ِ‬
‫أناديك تتعط ُّر ح جرتي َ لقد اراد كريم عبد اه ان يكتب هذ‬ ‫أ ْن‬
‫ِ‬
‫فأكتبك قصيدة‬ ‫التجربة اانسانية الرفيعة قصيدة خالدة حيث يقول ُ‬
‫خالدة َ و قد نجح فعا ‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫التعبيرية و تجليات ال ص في مجموعة ُ فكرة اليد الواحدة َ للشاعر‬


‫عبود الجابري ‪.‬‬

‫أي مقطع شعري للشاعر عبود الجابري اا و أخذك ال ص الى عالمه‬


‫ما إن تقرأ ّ‬
‫من الوهلة ااولى ‪ ،‬و أشعرك انه يخبرك كل شيء و يوصلك الى بعيد ‪ ،‬و في‬
‫الوقت ذاته تشعر انك قطعت مسافات من الدالة و اابحار الفكري اجل‬
‫اضاءة انوار المع ى و الفكرة في ال فس ‪.‬‬

‫ان هذا الشعور الوجداني و الجمالي متأت من حقيقة عميقة ‪ ،‬هي ان لغة عبود‬
‫الجابري تعبيرية بعمق ‪ ،‬فكلماته و ب اءاته تحكي و تعبر من جهات عدة و من‬
‫مستويات نصية مختلفة ‪ ،‬خالقة عالما من الثراء و السعة و القرب ‪ ،‬حيث‬
‫يتجلى ال ص و اللغة و المؤلف بقوة ‪ ،‬هذا التجلي ناتج عن عمق و تكامل‬
‫تجربة الشاعر ‪.‬‬

‫في مجموعته الشعرية ُ فكرة اليد الواحدة َ اصدار داء فضاءات ُ ‪2014‬‬
‫عمان َ ‪ ،‬نجد تلك المامح التعبيرية و التجليات الجمالية لجهات اابداع‬
‫اع ي اللغة و ال ص و المؤلف ظاهرة ‪ ،‬مما يجعل القارئ يبحر في فضاء من‬
‫التعابير الجميلة ااخاذة و العميقة بب اءات و داات و نداءات و رساات‬
‫فذة ‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ان تجربة الشاعر عبود الجابري المتكاملة تحقق تكاما في التجليات‬


‫اابداعية في ال ص ‪ ،‬و تحقق السردية التعبيرية المقوم الجوهري لقصيدة ال ثر‬
‫‪.‬‬

‫تجليات اللغة و اانثياات القريبة ُ و حقول المع ى َ‬ ‫‪.1‬‬

‫عكس ما يروج له ااسلوبيون من ُ ااختيار َ فان ظاهرة تجلي اللغة‬


‫و طغاي ها و بروز مامح اانثيال ا تغادر نصا و ا كتابة حيث يتبين‬
‫الترابط الحقلي و يبرز ضعف ااختيار و ارادة المؤلف ‪ ،‬و حي ما‬
‫تكون تجربة المؤلف كبيرة و مخزونه اللغوي كبيرا تكون اانثياات‬
‫عالية المستوى ا ت تقل من موضع لغوي اا الى اخر ارقى م ه ‪ .‬هذا‬
‫المستوى من اللغة و تجلياتها يبرز جليا ع د عبود الجابري ففي‬
‫قصيدة ُ استدراك خاسر َ‬

‫للولد وجهة نظر اخرى‬

‫فيما يفعل ابو‬

‫كأن يموت قبل ان يعود من المدرسة‬

‫و ع دما يخبر ان الحضان‬

‫الذي يركبه في الصورة‬

‫‪21‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫كان مصابا في ساقه‬

‫و الب دقية المعلق على الكتف‬

‫كانت لعبة في مسابقات الحروب‬

‫و انه تزوج‬

‫ليحسن العاشقون به الظن‬

‫و ليكون للزوجة‬

‫وجهة نظر الولد ذاتها‬

‫فيما يفعل زوجها‬

‫مع تعديل بسيط‬

‫على ااماكن‬

‫و اازم ة ‪.‬‬

‫يبرز التجلي اللغوي و قاهرية اانثيال في مواطن اانتقال بين الصور و‬


‫الفكر ‪ ،‬حيث ان هذ هي الم اطق التي يضعف فيها اختيار المؤلف و‬
‫يترك لخياله اابحار التقاط المتمم ال صي ‪ .‬في هذا ال ص نجد‬

‫‪22‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫انتقاات كان لانيثال اثر فيها ُللولد وجهة نظر اخرى \ فيما يفعل‬
‫ابو \كأن يموت قبل ان يعود من المدرسة َ ثم ي تقل الكاتب ُ و‬
‫ع دما يخبر ان الحضان \الذي يركبه في الصورة \كان مصابا في‬
‫ساقه َ ثم ُ و الب دقية المعلق على الكتف \ كانت لعبة في‬
‫مسابقات الحروب َ ‪ ،‬في هذ المركبات الثاثة نجد ترابطا واضحا‬
‫بين حقول معاني الوحدات ااساسية فيها فمن ااب و اابن ثم الى‬
‫الحصان الذي هو رفيق العائلة ثم الى الب دقية التي هي رفيق الحصان‬
‫‪ .‬و بعد هذا الب اء تحضر الزوجة بشكل طبيعي في ال ص ‪.‬‬

‫تجليات ال ص و تلوين الكلمات و ُ التوظيفات و احضار القارئ َ‬ ‫‪.2‬‬

‫التوظيفات و تلوين الكلمات ‪ ،‬هو العمل ااهم و اابرز و الدالة‬


‫ااعظم على شاعرية الشاعر و ادبية ااديب ‪ ،‬حيث يسعى ال ص‬
‫بفعل عوامل تركيبية مع وية و لفظية و فكرية ان يظهر بابهى و اجمل‬
‫صورة ‪ ،‬و اقصى درجات اابهار و اادهاش و التاثير ‪.‬‬

‫ونجد هذا العمل اادبي البارز و المؤثر حاضرا في كتابات عبود‬


‫الجبوري مشيرا الى تجربة ادبية و شعرية ناضجة و متكاملة و معطاء ‪.‬‬

‫في قصيدة ُ بلل َ نجد توظيفات و تعبيرات و تجليات نصية اخاذة و‬


‫مؤثرة و مبهرة‬

‫ُ لست من المطر في شيء‬

‫‪23‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ذلك المطر الذي ي قر في روحي‬

‫التي تشبه لوحا من الصفيح َ‬

‫هذ الصورة الرائعة المليئة بالشعرية و التوظيفات الفذة تتلوها صورة‬


‫اكثر تعبيرية و قوة‬

‫ُ حاولت ان اتقرب اليه بالبلل‬

‫و كثيرا ما عدت‬

‫اجدني مبتا بك فقط َ‬

‫ثم يسطر لوحة من البوح العالي مع توظيفات عميقة غير متيسرة عادة‬
‫لغير‬

‫ُاكرهه حين تمضي به الريح‬

‫بعيدا عن الحقول‬

‫و يغرز رماحه في اسفلت المدن ال ائمة َ‬

‫بعدها في لوحة تعبيرية تبحر في اعماق روح الكاتب و تخرج مفردات‬


‫بمعاني خاصة هو فقط يكتشفها و يعل ها‬

‫‪24‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ُ و اشفق عليه‬

‫من مظات العاشقين‬

‫الذين يتدربون على القبل اليابسة َ‬

‫ثم بتوظيفات فذة يتجه المؤلف ببوصلة ال ص و القراءة الى رسالية و‬


‫قصية ادبية‬

‫ُو اشتمه ع دما‬

‫يسير بأثر الدم الى وديان المحو‬

‫و يغرق التاريخ‬

‫بالسطور البيضاء َ‬

‫تجليات المؤلف و الرسالية اادبية ُ الجمالية و اادبية َ‬ ‫‪.3‬‬

‫اما الرسالية الجمالية فان عبود الجابري يكتب قصيدة ال ثر ال موذجية‬


‫وفق اكثر متطلباتها حداثة و يعتمد السردية التعبيرية و عمق الفكرة و‬
‫الصورة و التداولية ‪ ،‬مقتربا بذلك من قصيدة ال ثر اامريكية ‪ ،‬و بتوليد‬
‫لمعاني عائقية تغاير المع ى ااساسي ‪ :‬ففي قصيدة ُ حوار عائلي َ‬

‫ا أخطاء نحتفي بها هذا المساء‬

‫‪25‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫انت صامتة‬

‫وانا‬

‫ا رغبة لدي في الكام‬

‫نتطلع الى ال افذة‬

‫كمن يبحث عن ضوء‬

‫في اذيال الستائر‬

‫و نحاول ان نجد سببا‬

‫لسام نائم‬

‫او حرب مؤجلة‬

‫هي ليست هدنة‬

‫لك ا نفكر باخطاء‬

‫اكثر شراسة‬

‫اخطاء تليق بامراة صامتة‬

‫تعشق رجا‬

‫ا رغبة لديه في الكام ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫من الواضح و بادنى قراءة ان هذا ال ص له مستويات دالية متعددة ‪،‬‬


‫م ها الظاهري بالحالة القائمة بين اث ين في عائلة ‪ ،‬و م ها الرمزي‬
‫المعبر عن تجارب انسانية و اجتماعية اكثر سعة تتجاوز الظاهر الى‬
‫كل ما يعم العاقة الحميمة و اارتباط الوثيق فيشمل المجمتع و‬
‫القبيلة و افراد اامة بل و العالم ‪ ،‬بفعل مفردات الحرب و السام ‪.‬‬

‫هذا من جهة و من جهة اخر اهم ان تلك المفرادت التي لها معان‬
‫اساسية لغوية ‪ ،‬لم تبق على تلك المعاني و ما ترمز اليه ‪ ،‬اذ ان ال ص‬
‫البسها معان عائقية جديدة ‪ ،‬خالفت المع ى ااساسي وهذا ما نسميه‬
‫المع ى ال ص الخاص في قبال المع ى ااساسي العام ‪ ،‬فالمراة‬
‫الصامتة و الرجل الذي ليس لديه رغبة في الكام لم يبقيا على ما لهما‬
‫من مع ى و رمزية ع د اهل اللغة بل اكتسبا معان اضافية بفعل ال ص ‪.‬‬

‫و اما الرسالية اانسانية فان الصوت اانساني ظاهر و بارز في لغته‬


‫ففي مقدمة مجموعته هذ يفتتحها بقصيدة ُ نافلة َ‬

‫نسبح في نه ٍر واحد‬
‫كانا ُ‬

‫نقتتل‬
‫وحين ُ‬

‫‪27‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫فإن العابرين لن يُميِزوا‬

‫دمك من دمي‪،‬‬
‫لو َن َ‬

‫سيقولون فحسب‪:‬‬

‫ماء ال هر أحمر‪.‬‬
‫إن َ‬

‫فان البوح عال ه ا و صوت نداء ‪ ،‬و ادب قضية بدالة وحدة المصير‬
‫و الوجود ‪ ،‬و ان العابرين ا يهمه دم من يسقط من اب اء هذا ال هر‬
‫الكبير ‪.‬‬

‫السردية التعبيرية‬ ‫‪.4‬‬

‫السردية التعبيرية التي هي المقوم و العامة ااهم على قصيدة ال ثر الحديثة ‪،‬‬
‫نجدها طاغية و متجلية بقوة في كتابات عبود الجابري ‪ ،‬وهذا مهم جدا و‬
‫يجعل كتاباته ذات اهمية ‪ ،‬لتمييز شعر قصيدة ال ثر عن الشعر التصويري في‬
‫القصيدة الحرة ‪ ،‬و نجد هذ السردية التعبيرية و التي تكون بشكل سرد يقاوم‬
‫السرد ‪ ،‬ا تجد تجليا واضحا لتق يات القص في هذا السرد ‪ ،‬حيث يعلو‬
‫صوت اايحاء و الرمز و ال فاذ الى العمق ااني بدل انتظار الحدث الطولي‬
‫المميز للسرد الحكائي ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫نجد ذلك جليا جدا في قصيدة ُ لقاء عابر َ‬

‫لقد دخل ا معا‬

‫م جر الخزف الكبير هذا‬

‫ك ت تتسلى‬

‫بتهشيم ما تصل اليه يداك‬

‫و ك ت سعيدا‬

‫بصوت الشظايا‬

‫التي يحدثها ج ونك‬

‫هذا ال ص المركز جدا ‪ ،‬الذي يحقق عتبات فهم و دالة آنية عالية و واسعة ‪،‬‬
‫مع انه صيغ بشكل سردي اا انه مع كل تقدم في ال ص و ب اء تتعالى الرمزية‬
‫و اايحائية ‪ ،‬و تضعف قوة الحكاية و القص ‪ ،‬و ت بثق الشعرية ‪ ،‬انها الصورة‬
‫ال موذجية لقصيدة ال ثر ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫اللغة التعبيرية في ديوان ُ موسم الب فسج َ لعفاف السمعلي‬

‫تمهيد‬

‫الجملة اللفظية بما لها من إفادات ‪ ،‬تتّخذ أشكاا مختلفة من التعبير ‪ ،‬إذا‬
‫ما نظر اليها من جهة اإفادة اإبتدائية و المع ى الثانوي الذي يفهم من مع اها‬
‫كل من هذين المع يين ‪ ،‬أقصد اابتدائي و الثانوي ‪ ،‬يمكن أن‬
‫اابتدائي ‪ّ .‬‬
‫خاصا و عاما ‪ .‬و من ه ا يكون لدي ا أربع صور ل ظام العاقة بين إفادة‬
‫يكون ّ‬
‫الجملة و ما تشير اليه من عوالم مع وية ‪.‬‬

‫خاصة ‪،‬‬
‫ااولى ‪ :‬أن تكون اافادة و ما وراءها من داات ومفاهيم كلها ّ‬
‫فت تهي الدالة ع د اافادة اابتدائية وهذ ميزة اللفة التقريرية ‪.‬‬

‫عامة و ما تدل عليه من داات ايضا‬


‫الثانية ‪ :‬أن تكون اافادة المباشرة ّ‬
‫عامة وهذ هي اللغة القانوي ية التي تمتاز بها ااحكام ‪ ،‬و يمكن بع صر الخيال‬
‫ان تصبح ف ية ‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الثالثة ‪ :‬وهي ااهم و تكون ف يّة بالدرجة اأساس تكون اافادة خاصة ‪،‬‬
‫لكن دااتها عامة ‪ ،‬وعادة ما توصف بانها إتجا من الخاص الى العام ‪ ،‬وهي‬
‫لغة راقية ‪ ،‬تح ّقق ل ّذة جمالية و ايحائية ب غم و موسيقى عميقة ‪.‬‬

‫الرابعة ‪ :‬هي لغة تكون بإفادة عامة اا ان القارئ يسقطها على نفسه وهي‬
‫لغة عبقرية و عادة ما تكون لغة الحكمة و الموعظة ‪.‬‬

‫إ ّن كل لغة مه ّذبة تح ّقق لذلة ‪ ،‬لذلك ا ب ّد من تمييز اللغة الف ية الجمالية‬


‫وهي الثالثة و ما ي طوي على الخيال ‪ ،‬عن غيرها من اللغات المه ّذبة ‪ .‬اللغة‬
‫الجمالية التي تتجه من الزمان و المكان الى الازمان و الامكان ‪ ،‬ومن‬
‫الخاص الى العام ‪ ،‬هي اللغة التعبيرية ‪ ،‬ولها شكان مميّزان ‪ ،‬ااول ان تكون‬
‫اافادة الخاصة بيّ ة قريبة مع ايحاءات عامة وهذا هي اللغة التعبيرية القويّة ‪،‬‬
‫الشكل الثاني ان تكون اافادة الخاصة بعيدة متعالية مع ايحائية عامة وهذ‬
‫هي اللغة التعبيرية الرمزية ‪ .‬في ديوان ُ موسم الب سفجَ تتجلى اللغة التعبيرية ‪،‬‬
‫بشكليها المتق ّدمين ‪ ،‬في لوحات ف ية مهمة ‪ ،‬و متميزة ‪ ،‬ومن ه ا يكون لدي ا‬
‫موضعان للبحث ‪.‬‬

‫الموضع ااول ‪ :‬اللغة التعبيرية الرمزيّة‬

‫في قصيدة ُإقحون َ تقول الشاعرة ‪:‬‬

‫ُوتاريخ وادتي سؤال‬

‫ورمل على مشارف القلب‬

‫‪31‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫مثقلة شرايي ي‬

‫تعزف وتر ألف عام‬

‫مرة أشعل جفن حرفي‬


‫وفي كل ّ‬

‫عسى أن يقطف ي حريق رمش‬

‫يزرع الضوء أقحوانُ‬

‫الخاصة ُ وادتي ‪ ،‬شرايي ي ‪ ،‬جفن‬


‫ّ‬ ‫المقطوعة مليئة بقاموس من التعابير‬
‫الهم الكبير ‪ ،‬و‬
‫حرفي ‪ ،‬يقطف ي َ ‪ ،‬اا انها متسيّدة للمجانية ‪ ،‬و ضاربة في ّ‬
‫ص الى عالم واسع ‪ ،‬انه‬
‫اارادة اانسانية الكليةة ‪ ،‬بضربات تعبيرية ت قل ال ّ‬
‫تأريخ السؤال ‪ ،‬الذات المثقلة بعزف الف عام ‪ ،‬ذات تمتد الى الف عام ‪،‬‬
‫ذات كليّة ‪ ،‬و في كل مرة دورة و كوكب و اطالة ت ظر الى الشعلة و تطلب‬
‫الجواب و الخاص ‪ ،‬ترنو الى ال ور الى الضوء ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫و في لوحة ضاربة في العمق ‪ ،‬تتسع لعوالم من المع ى بعيدة ‪ ،‬تقول‬


‫الشاعرة ‪:‬‬

‫ُ كلّما اخت ق وتر‬

‫بجداولي‬

‫ولدت أوتار َ‬

‫إنّها اارادة و الصابة و ااتساع ‪ ،‬يتجه من الخاص الى الكلي الى‬


‫الوجود الكلي ‪ ،‬و اابداع الكلي ‪ ،‬الى ذات اانسان التي ا تعرف التوقف ‪،‬‬
‫مهما حلّت فيها ال كبة او السكون في جانب ‪ ،‬تفتّقت فيها جوانب عدة نحو‬
‫العطاء نحو التغيير ‪.‬‬

‫و في قصيدة ُ زبد اام ياتَ تقول الشاعرة ‪:‬‬

‫ُ من فواصل الغياب‬

‫تقف أنفاسي‬

‫الس ين‬
‫تغربل زاّت ّ‬

‫على أرض الخراب َ‬

‫في عالم المعاني الخاصة و الذاتيات ‪ ،‬يتجلى الوجود الكلي و الشكوى‬


‫الكلية انه عالم الغياب ‪ ،‬و ّزات الس ين ‪ ،‬و اارض الخراب ‪ ،‬حيث ‪:‬‬

‫‪33‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ُ تمشي الوعود الّائيات‬

‫وهزيع الظّ ون‬

‫ّيرج شهوات القلب‬

‫الروح‬
‫زوابع القسوة تع ّفر ّ‬

‫متكررات َ‬
‫هاربة‪ ...‬هاربة من عثرات ّ‬

‫انه الخراب من العثرات المتكررة ‪ ،‬و الوعود و الظ ون ‪ ،‬انه عالم الخراب‬
‫و الخواء و الظ ون حيث ‪:‬‬

‫الريح‬
‫مهب ّ‬
‫ُ أرتعش في ّ‬

‫تقرحت أوجاعها‬
‫وردة ّ‬

‫ولسان الحلم بات يقطع خطاي َ‬

‫في عالم ااوجاع التي تقطع الذات و القلب و اارادة و الحلم ‪ ،‬كل‬
‫شيء صار في عالم كئيب يقطع انفاس الخطى ‪.‬‬

‫الموضع الثاني اللغة التعبيرية القوية‬

‫في فصل ُالقرارَ تقول الشاعرة ‪:‬‬

‫قررت أن أستعيد "عفاف"‬


‫ُ حين ُ‬

‫‪34‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫نهبت ذاكرتي البالية‬


‫ُ‬

‫وأمطرتها زهر لوز‬

‫يستحم بروح امراة اغتالت لغة العجز‪َ.‬‬

‫البوح عال و صوت التوصيل رفيع و واضح ‪ ،‬وسط هذا الصوت و العالم‬
‫الخاص ‪ ،‬ه اك اشعاعات عليا كلية ت طلق نحو العام ‪ ،‬نحو الكلي ‪ ،‬نحو‬
‫المرأة الكليّة ‪ ،‬بل نحو اانسان الكلي ‪ ،‬و الهم الكلي و الرغبة الكلية ‪ ،‬في‬
‫نشدان التغيير و تخطي ذاكرة العجز و التأخر و عدم ااقت اع ‪.‬‬

‫و في لوحة شفيف في فصل جفون الكلمات بتعبير رقيق تقول الشاعرة ‪:‬‬

‫ُ وأحزن إن أغمضت‬

‫جفون الكلمات عّي‬

‫فالهوى ا يقبّل التورط‬

‫في غياهب العتمة‬

‫سأهب عمري لرعشة الضوء‬


‫ُ‬

‫في مقلتيكَ‬

‫وسط هذا البوح و القصد و العتاب المخلوط بال داء ‪ ،‬و سط هذا العالم‬
‫الخاص ‪ ،‬تبرز كليات المعاني في الحب و الشوق و اارادة و العواطف‬
‫الصريحة نحو المرادات و الرغبات ‪ ،‬نحو عالم واسع من المعاني الكلية ‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫و في فصل ُس ونوةُ في لوحة شفيفة من البوح تقول الشاعرة‬

‫ُويسرق ي ازدحامي‪...‬‬

‫أغرق في خاصرة الوجع ‪...‬‬

‫س ونو ًة أهرقها بكر الفجائع‪...‬‬

‫أتوسل صابتي الموشومةَ بالذكرى‬


‫ُ‬

‫نتوءات الهزائم على الم حدرَ‬


‫ُ‬ ‫ثال‬
‫لت َ‬

‫وسط قاموس الخصوصية ُ يسرق ي ‪ ،‬ازدحامي ‪ ،‬صابتي ‪ َ ،‬و سط عالم‬


‫البث و الشكوى ‪ ،‬و سط التوغل في الهم الخاص ‪ ،‬تبرز عوالم المعاني الكلية‬
‫‪ ،‬انها حكاية اانسان ‪ ،‬حكاية الذات المريدة ‪ ،‬و سط طرق المعبأ باآهات ‪،‬‬
‫انه عالم الصابة الدفي ة ‪ ،‬و تجلي اأردة وسط الفجائع و الهزائم َ‬

‫و في فصل ُ وجعَ تبوح الشاعر بشكواها‬

‫ُ يرتدي ي الوجع‬

‫والوتر مكسور‪...‬‬
‫ُ‬

‫يا زمن الفجيعة ارحل‪...‬‬

‫فالروح مزقتها اآآم ‪َ...‬‬

‫‪36‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫انه عالم الوجع الخاص ‪ ،‬و اانكسار ‪ ،‬و زمن الفجيعة ‪ ،‬و ااام التي‬
‫تمزق الروح ‪ ،‬اا انه من هذ الخصوصية ت بثق المعاني الكلية المتجاوزة‬
‫للزمان و المكان ‪،‬لتمثل الوجع الكلي ‪ ،‬الذات المتألمة الكلية ‪ ،‬لتتمثل عالم‬
‫الفجيعة الممزق للروح ‪.‬‬

‫و في لوحة رقيقة في فصل ُ حبيبيَ تقول الشاعرة‬

‫ُ كلّما حاول الحزن اقتحام حصوني‬

‫رسمت ثغر حبيبي‬

‫وردة على شفتي َ‬

‫وسط العالم الخاص من الحزن و من صورة الحبيب و وجود المزيل لغمامة‬


‫الحزن ‪ ،‬و سط عالم العاطفة الرفيع و اانس و اابتهاج بالحبيب ‪ ،‬وسط هذا‬
‫العالم الخاص تبرز المعاني الكلية حي ما يصبح الحب و الحبيب رمز العادة و‬
‫البهجة بوجه زمن الحزن و االم ااقتحام و المأساة الكلية ‪.‬‬

‫بث و شكوى و ألم رفيع تقول الشاعرة في قصيدة ُُوط ي‬


‫و في مقطع ّ‬
‫الحزينَ‬

‫ُكم يلزمك من زمن‬

‫كي تزرع ي في أرضك الجدباء س ابا؟؟‬

‫يعلو صوتي نورسة‬

‫‪37‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫كف صفصافة واقفة‬


‫في ّ‬

‫تأبى اإنحاء‪...‬‬

‫واضحة في الضباب مواقفي‬

‫ومرايا الوقت ذئب م دس‬

‫في رداء الشمس َ‬

‫انها ال داءات و التساؤات و اارادات ‪ ،‬المتجهة بسرعة البرق من الخاص‬


‫الى الكلي ‪ ،‬الى طلب الربيع في اارض الجدباء أجل بزوع الس ابل و‬
‫المواقف الواضحة في زمن الضباب و الذئاب المرتدية لرداء الشمس ‪ .‬في‬
‫بوح رفيع و صوت عال و نداء ‪.‬‬

‫لقد كانت كتابات عفاف السمعي بحق م اسبة ف يّة ف ّذة لتكون نموذجا واضحا‬
‫و رفيعا للغة التعبيرية الموغلة في التوظيف و تعدد ابعاد المع ى و التفلّت من‬
‫الزمان و المكان الخاص نحو المجانية نحو العالم العام ‪ ،‬باتجا عميق من‬
‫الجزئي الى الكلي ‪ ،‬بقلب شاعرة مليء بال ظر الى العالم و اانسانية ‪ ،‬حتى‬
‫ان كلماتها تأبى القرار و البقاء وسط المعاناة الخاصة فتلونها بالوان المعاناة و‬
‫الرغبات الكلية و اانسانية ‪ ،‬فتكون لس ا اانسان و الوطن و العالم ‪ ،‬بتعابير‬
‫عالية الدالة متعددة العوالم ضاربة في تجاوز الزمن نحو عالم مطلق رفيع ‪.‬‬

‫التجليات الماوراء نصية ع د رشا اهال السيد احمد‬


‫‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ااسلوب هو ااصل و ماوراء ال ص هو الحقيقة و كل شيء آخر في اادب‬


‫انعكاس لذلك ‪ ،‬هذا ما تعلم ا ايا رشا اهال السيد احمد ‪.‬‬
‫ان ال قد اادبي الواقعي الصادق هو ما يجد له شاهدا و مصدقا في ال صوص‬
‫تهتف به وت ادي عليه ‪ ،‬اما التكلف و ااقحام و اادعاء فليس حقيقة ‪ ،‬كما‬
‫ان ااستغراق في ااطروحات الفكرية البعيدة و غير الملموسة هو محض‬
‫فلسفة و ليس نقدا ‪.‬و افضل ما يشهد لذلك و يؤكد الوجدان و ال صوص‬
‫اادبية نفسها ‪.‬‬
‫رشا هال من يعرفها يعلم انها تكتب بلغة الروح ‪ ،‬ب صوص هي كتل هائلة من‬
‫العاطفة و التراكم الشعوري و التجربة المميزة ‪ .‬ان الميزة ااهم في الشخصية‬
‫الكاتبة ع د رشا اهال هي القدرة العالية على تحويل المعارف الحسية‬
‫الخارجية الى معارف شعورية ‪ ،‬هذا التحويل موجود ع د كل مبدع اا انه‬
‫يتفاوت في قوته ‪ ،‬و ان كل متتبع يجد و بأدنى تأمل ان القدرة التحويلية‬
‫لادراكات و المعارف عالية جدا ع د رشا اهال ‪ ،‬كما انها تتميز بقدرة عالية‬
‫على التحويل المعاكس ‪ ،‬اي تحويل المعرفة الشعورية الى نص ‪.‬‬
‫ان ا ا نحتاج الى مزيد كام في بيان ان البحث في اسلوب التحويل المعرفي و‬
‫الشعوري في ال قد التعبيري هو تجاوز جاد و حقيقي لاسلوبية و شكانيتها ‪،‬‬
‫و ااتجا نحو ب اء نقدي و معرفي بامكان ا ان نسميه ُ ما بعد ااسلوبية َ ‪،‬‬
‫اذ رغم التقدم و التطور الكبير في نظرة ااسلوبية و صدقها و واقعيتها ‪ ،‬اا‬
‫انها في الواقع تميل الى التشبث بالشكل و اعتماد المعطيات و المؤثرات‬
‫ال صية بكونها العالم الذي يبحث ‪ ،‬بي ما نحن ندرك و نشعر بوجودات‬
‫اشكلية تهيمن و تفرض سطوتها على ال ص‪ ،‬و لو قل ا ان ال ص انما يكون‬
‫بتلك الوجودات الماورائية لما كان خطأ ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫المدركات المعرفية و الجمالية و التأثيرية و التعبيرية الماوراء نصية لها اشكال‬


‫‪ ،‬ترتبط بحاات التجلي التي يبدع فيها المؤلف ‪ ،‬فلدي ا التجلي الذاتي و لدي ا‬
‫التجلي الماوراء نصي و لدي ا التجلي العلوي ما فوق الكتابي و الذي يشبه الى‬
‫حد كبير التجليات الصوفية اا انه متجه نحو مصادر اابداع محاكيا لها و‬
‫مدلا عليها ‪.‬‬
‫في التجلي الشعوري الذاتي يرى القارئ ان تعبيرية ال ص بلغت حدا صار‬
‫باامكان رؤية روح الكاتبة و شخصيته و ما يرتبط بهما من عوالم شعورية و‬
‫مميزات و خصائص فردية ‪.‬‬
‫و في التجلي الماوراء نصي تبرز مجموعة المجاات او اانظمة التعبيرية و‬
‫الدالية و التأثيرية التي تقف وحدات ال ص و ترتبط بها برابط الرمزية و البوح‬
‫‪ ،‬بحيث يجعلك ترى مفردات ال ص تتوهج و انها معبأة بطاقات دالية و‬
‫تعبيرية كبيرة ‪.‬‬
‫و في التجلي الشعوري المافوق كتابي ‪ ،‬تجد ااشارة و التدليل على العالم‬
‫اابداعي ااعلى و مصادر اابداع و االهام ‪ ،‬وهذا العالم هو اعمق عوالم‬
‫الشعور و يحتاج ادراكه معاداته العميقة الى اشراقة و نوع خاص من اادراك‬
‫ا يتيسر لكل كاتب ‪ ،‬و اللغة التي يكتب بها نص التجلي ااعلى هذا هي لغة‬
‫اشراقية ساحرة تجعلك ترى وحدات ال ص ت زل من مكان عال و ليست شيئا‬
‫مكتوبا على ورقة او شيئا مقروء في الرزمان و المكان ‪ ،‬انها لغة السحر ‪.‬‬
‫في قصيدة ُ اليك تصعد القصيدة حبا َ الم شورة في مجلة تجديد‬
‫اليك تصعد القصيدة حبا ؛ رشا ها السيد احمد‬
‫بلغت الشاعرة الفذة رشا اهال السيد احمد درجات جد متقدمة و متفردة في‬
‫الشكل اابداعي تحقق بصمة و حضورا في فن التجليات الكتابية ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫فالع وان يكشف عن تلك ال زعة التجلياتية و ذلك ااستغراق في العوالم‬


‫الماوراء نصية ‪ ،‬ان الع وان وحد و كما هو ظاهر مقطوعة ُ ميتاشعرية َ تبين و‬
‫تؤسس الى نظرية التجلي في تكوين القصيدة ‪ ،‬و بخاف ما يمكن ان نفهمه‬
‫من ان القصيدة ت زل من ااعلى الى ال ص فانها ع د رشا هال تصعد الى‬
‫المثل ‪،‬و في الواقع هذا الع وان او بااصح المقطع وحد يجمع المستويات‬
‫الثاثة التي اشرنا اليها ‪،‬ففي صعود القصيدة الى المثال يتحقق المستوى‬
‫التجلياتي العلوي المافوق كتابي و في ميتاشعريتها يتحقق المستوى الماوراء‬
‫نصي و في رابطة الحب المبثوثة ه ا يتحقق مستوى تجلي الروح و الذات‪.‬‬
‫ان ا حي ما نعمد الى بحث فن التجلي في الكتابة ليس فقط نحن نحاول ان‬
‫نبين القدرة اابداعية الكبيرة للمؤلف‪ ،‬و انما نريد ان نبين انه يمكن ان تكون‬
‫للغة طاقات غير معهودة في التعبير ‪ ،‬و ان ا و بكل صراحة يوما بعد يوم نجد‬
‫الشعر السردي هو ااقدر على تحمل هكذا طاقات و ابداعات و ان ال قد‬
‫التعبيري هو ااقدر على كشف هكذا انظمة و عوالم تعبيرية ‪.‬‬
‫ثم تتبع رشا اهال هذا الع وان او البيان بمقطع تجليات أخر و من مجال‬
‫مع وي مقارب في الميتاشعر الماوراء نصي و الح ين الروحي و الشخصي‬
‫و الصعود و اارتحال الى المثال و العوالم المافوق كتابية العليا حيث تقول‪:‬‬
‫ُ ما زلت أذهب بعيدا ارسم ظل القصيدة شفيفا كم هو ب كهة الشرق وبرائحة‬
‫مدي تي العتيقة َ‬
‫ان من ميزات كتابة رشا اهال و التي يلمسها المتتبع انها تعتمد الموجهات‬
‫الدالية الراسمة ‪ ،‬أي انها ا تعمد فقط عن التعبير العام و ااجمالي بل تعمد‬
‫الى تفصيلية تعبيرية تصل الى ادق التفاصيل ففي عبارة ُ ما زلت اذهب بعيدا‬
‫ارسم ظل القصيدة شفيفا َ نجد مجموعة من الموجهات الدالية التي وجهت‬
‫مجال المع ى و مجال المعارف ‪ ،‬و باسلوب الرسم بالكلمات جعلت ا نتصور‬

‫‪41‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ذلك ال ظام او الحالة التي عليها الكاتبة ُ فالذهاب َ ه ا ليس أي ذهاب و‬


‫انما هو ذهاب ُ بعيد َ كما انه ليس مجانيا و ا ماض و انما هو ذهاب ُ ما‬
‫زال َ مستمرا ‪ ،‬وهذا الذهاب و ان كان للرسم ‪ ،‬اا انه لرسم ُ ظل َ و ليس‬
‫أي ظل بل هو ظل ُ القصيدة َ و ا تكتفي رشا ها ع د هذا الحد من الرسم‬
‫بالكلمات ‪ ،‬بل ايضا تخبرنا انه ظل ُ شفيف َ ثم ت تقل الى بيان حالة شعورية‬
‫و موقف شعوري تجا هذا ال ظام و تجا الشرق و رائحته و مدي تها العتيقة ‪.‬‬
‫و ه ا نجد التجليات حاضرة ‪ ،‬فالذهاب البعيد اجل قدرة الرسم هو من تجلي‬
‫العالم الشعوري الفوق كتابي العلوي و القصيدة و ظلها و رسمه و تعبيرية و‬
‫رمزية تلك الكيانات من مجال التجلي الماوراء نصي ‪ ،‬و الموجهات الدالية‬
‫من ُ بعيدا و شفيفا َ هو من تجلي روح المؤلف و مشاعر و الذي تتوجه‬
‫الشاعر بعبارة ُكم هو ب كهة الشرق وبرائحة مدي تي العتيقة َ‬
‫و ان لكلمة ُكم َ ه ا طاقة دالية هائلة ‪ ،‬فمع انه اداة رسم للشعور ‪ ،‬و اداة‬
‫بيان لحقيقة ان ذلك الظل الشفيف انما هو في اروع حااته ب كهة الشرق‬
‫‪ ،‬وهي ايضا اعاء لما ترتبط به مشاعر الكاتبة من الشرق و مدي تها العتيقة و‬
‫في ال هاية كشف عن حب و ح ين لتلك الوجودات الغالية ‪.‬‬
‫ان فن توجيه الدالة و فن الرسم بالكلمات هو من الف ون الكتابية الفذة و‬
‫الرائعة ‪ ،‬و التي تعطي لل ص عذوبة و ألفة ان صيغت بصورة حساسة و مليئة‬
‫بالشعور كما نجد واضحا في كتابات رشا هال ‪.‬‬
‫ثم تتابع رشا هال ملحمتها التجلياتية في عبارة ُ أعود ‪ ،‬أجد الوجود قصائد‬
‫تهرول وجعا ‪ ،‬تزحف بظلها ‪،‬ابتعد ع ها ‪ َ ..‬وه ا تتراكم و تجتمع العوالم‬
‫المتجلية و تتحقق اللغة الراسمة بالموجهات الدالية ‪ ،‬فانها تعود فتجد الوجود‬
‫قصائد لك ها ليست ككل القصائد بل قصائد تهرول ‪ ،‬انها تهرول بسبب‬
‫الوجع ‪ ،‬بل انها تبلغ حالة الزحف ‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫و في مقطع مشاعري وجداني تتجلى فيه ذات الكاتبة تقول الشاعرة ُ يعود‬
‫ذاك الع دليب بقصفة ياسمين يبللها المطر والرصاص ‪..‬يغفو في شرفة‬
‫القصيدة‪ ..‬اضحك بسخرية على خيبات الدنيا ‪ ..‬ابحث عن ضحكتي الوردية‬
‫في الحكايا المؤجلة ‪ ..‬في مهد ااحام‬
‫ألملم أجزاء الليل الم كسر بأنين التشظي ‪ َ ..‬وه ا تبلغ الشاعر اقصى‬
‫حاات البوح و اقصى حاات التجلي للذات ‪ ،‬انها التعبيرية الكاملة و‬
‫الموقف الكامل تجا الوجود و ااشياء و الزمن ‪ ،‬و يعرف المتتبع لرشا هال‬
‫انها من الكتاب التعبيريين ‪ ،‬فهي تأبى ان ترى العالم اا بالرؤية الخاصة و تأبى‬
‫ان تكتب عن ااشياء اا وفق الرؤية الخاصة فتسمي ااشياء باسماء من‬
‫عالمها و تضفي عليها صفات من داخلها ‪ ،‬فتكون لاشياء واضحها و‬
‫غامضها ع د رشا هال معان مختلفة مغايرة عما نعرفه و نفهمه ‪ ،‬وهذا المقطع‬
‫و ما تقدم كاشف عن تلك التعبيرية الواضحة ‪.‬‬
‫و مثله مقطع ُ …والقمر السكران بجمال القمم ‪ ..‬يتدحرج على وجه‬
‫البحيرة الغربيةُ …… و من ثم يأتي موجه دالي و اداة راسمة متمثلة‬
‫بكلمة ُ ه ااااك ‪ َ..‬و التفصيل ه ا يطول اكتفي ا بااشارات ‪ ،‬ثم و ببراعة‬
‫تجمع رشا هال بين عوالم الروح و الذات و بين العوالم المثالية و‬
‫المافوقية مخاطبة المثال ُ وانا انا ‪ ..‬انظر في وجهك ارى ال جوم تسجد‬
‫تجل‬
‫لك ‪ ..‬وفي كفك وحدك لؤلؤة الحياة ‪ َ..‬وهذا اضافة الى كونه نظام ّ‬
‫واضح فانه رسم بارع بالكلمات و بوح اقصى تجيد رشا اهال السيد‬
‫احمد ‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫اللغة المتوهجة ‪ ،‬لغة يعقوب احمد يعقوب نموذجا‬

‫لطالما كان ال ص اابداعي مصدر وادة الفكرة ال قدية و تكاملها ‪ ،‬بحيث‬


‫يكون من غير المبرر ااعتقاد ان الفكرة ال قدية يمكن ان تصح و تتجذر بإيعاز‬
‫من مجاات خارج ال ص ‪ ،‬بان يكون ال ص مجرد محل لتطبيق تلك ال ظريات‬
‫الغريبة على اادب ‪.‬و كذلك من غير الواقعي تصور امكانية تطور الفكرة‬

‫‪44‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ال قدية من دون اللجوء الى ال ص ‪ ،‬أجل بيان المامح التفصيلية و الدقيقة‬
‫لل ظرية ال قدية ‪.‬و خير مثال على هذا هو اللغة المتوهجة‪ ،‬اذ ا ريب في‬
‫ظهور اخفاق في المعالجة الذي تم ى به اطروحات العلوم اللغوية و علوم‬
‫ال فس و اابحاث الثقافية امام فكرة اللغة المتوهجة ‪ .‬و تكشف انه ليس‬
‫ه اك طريق موثوق به سوى ال ص اابداعي ‪.‬‬

‫لقد اخذت فكرة اللغة المتوهجة مكانة متميزة و راسخة في الكتابات ال قدية‬
‫المعاصرة ‪ ،‬و نجح ال قد ال ظري في استال مامح لها ‪ ،‬و كذلك في جهة‬
‫التطبيق كان لل قد نجاحا في تلمس ظهورات تلك اللغة في اادب‪ .‬فمثا‬
‫يقول اياد خضير في وصف لغة حسن البصام ُ وتكون جمله الشعرية في بعض‬
‫قصائد إشارات متوهجة دالياً مضغوطة الحجم كبيرة الكتلة الدالية ُ ‪ ،‬اا‬
‫انه ا يظهر ان تلك المامح وصلت حد التعريف التمييزي و تجلي المفهوم‬
‫رغم ترسخ الفكرة و الظاهرة ‪.‬‬

‫وهجت ؛ توقدت‬‫مس َ‬
‫ار أو الش ُ‬‫في معجم اللغة العربية المعاصرة ُ توهجت ال ُ‬
‫الجوهر ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫‪ ،‬توهجت رائحةُ الطِيب ‪ :‬انتشرت ‪ ،‬توهج ُ‬
‫نور الحقيقة ‪ ، .‬توهج‬
‫تأأ ‪ ،َ.‬و ا يظهر في ااصطاح ال قدي مع ى مغاير ‪ ،‬و ا بد من ااعتراف‬
‫ان ال قد اادبي لم يبذل الكثير في بيان مامح تلك اللغة و جمالياتها بشكل‬
‫وظيفي و موضوعي ‪ ،‬و ظلت في كثير من جوانبها تحت ااوصاف الفضفاضة‬
‫و غير المحددة ‪ .‬و ا ريب ان ااشارات الى انها لغة التكثيف و اادهاش و‬
‫العمق كانت قريبة الى عالمها الواسع ‪ ،‬اا انه أجل التطور اكثر فيها ‪ ،‬ا بد‬
‫من بذل جهد اكبر في هذا ااتجا ‪.‬‬

‫لقد قدم ل ا الشعر الحديث اشكاا مبهرة من الصورة الشعرية غير مسبوقة في‬
‫عمقها و تعبيريتها ‪ ،‬كانت نتاجا لترسخ التكثيف والعمق و اادهاش في‬
‫‪45‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الكتابات المعاصرة‪ .‬ان هذ الصفات الثاثة أع ي التكثيف و العمق و‬


‫اأدهاش صارت مامح واضحة لكل شعر يكتب‪ ،‬بحيث ان الكتابة التي‬
‫تتخلى عن أي من ذلك تكون في دائرة الشك و الم اقشة من جهة الف ية‪.‬‬
‫يقول احسان عباس ُ ان ااتهامات توجه الى الشعر الحديث بانه يتحول الى‬
‫نثر ‪ ،‬على انه يتحول الى نثر ع دما تضعف او ت ضب الرؤيا المتوهجة في‬
‫تجربة الشاعر ‪ .‬اما الرؤية المتوهجة فهي تسقط عن االفاظ ال ثرية نثريتها َ‪ .‬و‬
‫يقول ُممدوح السقاف ومن خصائص حركة الحداثة أيضاً أنها ألغت الفوارق‬
‫تفرق بين لفظة شعرية‬
‫بين ما كان يعد قاموساً شعرياً وموضوعات شعرية‪ ،‬فما ّ‬
‫بذاتها ولفظة غير شعرية وموضوع شعري‪ ،‬وموضوع غير شعري فاللغة والحياة‬
‫م جمان ثريان للطاقات ذوات المستويات المختلفة في شتى أدوات تعبيرها‬
‫المتفاوتة في قيمتها الف ية‪ .‬ومن ه ا كان على الشعراء الحديثين متى استخدموا‬
‫ألفاظاً لها طابع نثري متداول أن يشح وها بالتجارب المتوهجة التي تسقط‬
‫ع ها نثريتها وتجعلها تتألق بالشعر‪ َ .‬و هذا أمر واضح ا يحتاج الى مزيد بيان‬
‫‪ .‬هذا الواقع الكتابي يشير الى نضج الكتابة الشعرية العربية ‪ ،‬وكل قول خاف‬
‫ذلك يفتقر الى واقعية ‪ ،‬اا ان ه اك أمرا يعاني من عدم ال ضج ‪ ،‬هو حصول‬
‫تباين بين واقع التركيب اللفظي و التركيب المع وي في كثير من الكتابات‬
‫بحيث يفتقر المع ى الى التوهج الذي يكون عليه التركيب اللفظي ‪ .‬كما انه قد‬
‫نال اللغة المتوهجة شيء من الظلم ‪ ،‬بجعل الواجهة و الممثل الرسمي لها لغة‬
‫الهذيان و اإنثياات و اللغة الغامضة و المغلقة ‪ ،‬مع ان اأمر ليس كذلك ‪،‬‬
‫ان اللغة المتوهجة ا تتعارض ابدا مع التعاونية و التعبيرية ‪ ،‬و يمكن تحقيق‬
‫اإدهاش و التكثيف مع تحقيق مقدار عال ايضا الجماهيرية ‪ .‬و لو تلمس ا‬
‫الجماليات الحقيقية و الجوهرية لتلك لغة لوجدنا الرسالية و ااستجابة‬

‫‪46‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الشعورة من مقومات اابداع فيها ‪.‬و في لغة الشاعر الفلسطي ي الكبير يعقوب‬
‫أحمد يعقوب نموذجا متقدما من لغة الرسالية و البوح و اإدهاش ‪.‬‬

‫ان عمق الفكرة وتوهجها و قوة اللغة المبهرة بتحقيقها قدرة توصيلية وبوح‬
‫شفيف مع ف ية و تشكل تركيبي عال ‪ ،‬تمثل نموذجا يحتل مكانة متقدمة في‬
‫اللغة المتوهجة يتجاوز ما أشرنا اليه من التباين بين شكل التركيب و فكرته و‬
‫بين توصيلية اللغة و ف يتها العالية ‪ ،‬اذ ا بد أجل لغة ابداعية عالية المستوى‬
‫من اارتقاء بالجهتين و عدم تغليب احدهما على ااخرى وهذا سر من اسرار‬
‫اللغة العظيمة ‪ .‬و اللغة التي يكتب بها الشارع الفلسطي ي الفذ يعقوب أحمد‬
‫يعقوب تمثل شكا متقدما في اللغة المتوهجة ‪ ،‬و س عمد ه ا الى نماذج من‬
‫ادبه التي تضيء زوايا عالمي الدالة و الفكر ‪.‬‬

‫لو تلمس ا الجوهر العميق للغة الشعر لكان باإمكان تبين مظهرين عميقين هما‬
‫من أسباب توهج اللغة الشعرية ‪ ،‬اأول في مجال الدالة و الثاني في مجال‬
‫الفكر ‪ ،‬و لو فهم ا عملية التفكير في طلب المعاني و اأفكار انها تعتمد على‬
‫اإضاءات و اإنارات لمواطن عميقة في الفكر ‪ ،‬و هو ما تؤكد نصائح خبراء‬
‫الكتابة بوجوب اإكثار من القراءة أجل تطوير القدرة الكتابية ‪ ،‬و الذي يمكن‬
‫رد بيسر الى تلك اإضاءة ‪ ،‬أمكن القول أن التوهج في مع ا العميق إضاءة‬
‫وتوهج في عالمي الدالة و الفكر ‪ ،‬و من ه ا يكون الطريق معبدا لسبر غور‬
‫اللغة المتوهج ببحث ااضاءات التي تحدثها ‪.‬‬

‫في قصيدة ُ شرفة الفرح َ اضافة الى عذوبتها و ب اءها التق ي العالي و‬
‫مجازاتها البديعة ‪ ،‬من الظاهر الهمس الشفيف الذي ي ير مواطن من الفكر و‬
‫عالم المعاني في هذ الكلمات التي ليست ككل الكلمات ‪ ،‬انها مثال الويسلة‬
‫و الطريقة وصوت الخاص فهي سلم الفكر ‪ ،‬نحو غاية هي أمل و حلم فهي ُ‬
‫‪47‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الفرح البعيدَ ‪ ،‬و وسط هذا اأمل ه اك الخوف العميق الموحش للضعف‬
‫المر و التعب القاتل ُ انه الخشب المتعب َ فيتجلى من نافذة الرؤية اليأس‬
‫اآسر ُ الجرح المدد َ المشدو المتحير ُ بين البحر و البرَ ‪ ،‬فيبرز‬
‫المجروح ال ازف بدمائه ُ دماء القصيدة َ‬

‫و في قصيدة ُع د آخر السطر َ المكثفة و المتميزة بالبوح العالي ‪ ،‬و الم يرة‬
‫لمعاني العطاء و الحب و الح ان ‪ ،‬المخاطب ملهم متعدد في تصور ‪ ،‬اا انه‬
‫من يكون المتكلم صورة خاصة و سرور ُ يضع في كفه ُزهرًة من نورَ انه‬
‫سيد الطريق و المعلم و ال موذج ‪ ،‬او المحب المفرح ‪ ،‬او اأخ الح ون ‪ ،‬ثم‬
‫يبرز اايمان بالكلمة و بالشعر و بالعمل لل فس المعطاءة الطالبة للخير للغير‬
‫‪،‬تشعر‬ ‫ٍ‬
‫للحظة‬ ‫بروح القصيدة َ و ُوتجعلك‬
‫تخبر ااخر انها ُتُعطر أنفاسك ِ‬
‫ُ‬
‫سعيدا َ ثم بكل التبريرات الممك ة ‪ ،‬ببيان علل الفرحة و عطاءها أن ا في‬
‫ُزم ٍن صار فرحه كال جوم بعيدا‪ َ.............‬انه همس شفيق و سلس و‬
‫بسيط بخطاب و رسائل و وعود ‪ ،‬ان هكذا لغة تتميز بطاقة ايحائية عالية تبهر‬
‫و تدهش ‪.‬‬

‫و في قصيدة ُحين انتهى المشهد ‪ ،‬وأضاءت اأنوار العتمة ‪ ،‬ع دها فقط‬
‫اأبطال أناس مثل ا \لو حاول ا \‪ ...........‬أن‬
‫َ‬ ‫كت \ان‬
‫‪............‬أدر ُ‬
‫نكون مثلهم ‪ َ ....‬خطاب عميق صادم لل فس ‪ ،‬يكشف خبايا العجز و‬
‫الكسل و يوقظ في الفكر تساؤات و مطالب للسعي و العمل ‪ ،‬تكثيف و‬
‫توصيل مبهر و باسلوب صادم ‪ ،‬يبحر بال فس الى عالم عميق و تمثل‬
‫للمجتمع يحيي الرغبة في ال هوض ‪.‬‬

‫ان الميزة العامة للغة يعقوب احمد يعقوب هو الجمع الصعب بين التركيب‬
‫الهادئ و السلس و بين اابهار و اادهاش وهذا نموذج اللغة القوية العميقة ‪،‬‬
‫‪48‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫و من الواضح اتكاء الشاعر على قوة الفكرة و اضاءتها لمواطن عميق في‬
‫ال فس تحقق لها اإبهار و اإمتاع ‪ ،‬و بذلك يتوافق عمق الفكرة و توهجها مع‬
‫توهج التركيب و ف يته ‪ ،‬فيكون لدي ا لغة متكاملة التوهج ‪.‬‬

‫ال صوص ااصلية‬

‫شرفة الفرح‬
‫****‬
‫تب الكلمات ُسلماً‬ ‫أر ُ‬
‫أصعد عليه‬
‫ِ‬
‫البعيدة‬ ‫ِ‬
‫لشرفة الفرح‬
‫المتعب‬
‫كسر الخشب ُ‬
‫وأخاف أن ي َ‬
‫ُ‬
‫ويداهم ي الجرح‬
‫‪....‬ممدداً‪.....‬‬
‫بين البحر‬
‫‪........‬والبر‬
‫ودماء القصيدة‪..........‬‬

‫ع د آخر السطر‬
‫ستجدني أنتظر‪.......‬‬
‫أضع بكفك زهرًة من نور‬
‫َ‬
‫‪49‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫بروح القصيدة‬
‫تُعطر أنفاسك ِ‬
‫وتجعلك‬
‫ٍ‬
‫للحظة‬
‫تشعر سعيدا‬
‫ُ‬
‫بزم ٍن صار فرحه‬
‫كال جوم بعيدا‪...............‬‬
‫‪...........................‬‬
‫حين انتهى المشهد‬
‫****‬
‫حين انتهى المشهد‬
‫وأضاءت اأنوار العتمة‬
‫ع دها فقط‬
‫كت‬
‫‪................‬أدر ُ‬
‫اأبطال أناس مثل ا‬
‫َ‬ ‫ان‬
‫لو حاول ا‬
‫‪ ...........‬أن نكون مثلهم ‪....‬‬
‫****‬

‫اامساك باللحظة الشعرية في مجموعة ُ أساطير الزمن َ للشاعر رياض‬


‫الفتاوي‬

‫‪50‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ُ أساطير الزمن َ مجموعة شعرية للشاعر العراقي رياض الفتاوي تعتمد‬


‫أسلوب السرد التعبيري وقصيدة ال ثر المكتوبة بالجمل و الفقرات و الكتلة‬
‫الواحدة متحررا من التشطير المعهود ‪ ،‬بلغة متموجة محققة نصوص شع ِر‬
‫سردي و شكا نموذجيا لقصيدة ال ثر ‪ .‬و أن رسالة ال قد لن تكون واضحة و‬
‫صادقة ما لم ت طلق من اابداع و العمل و صاحبه ‪ ،‬فان ال قد التعبيري دوما‬
‫يتابع ال ص ‪ ،‬و بالقدر الذي يتجه بالكتابة نحو انظمة جمالية و ف ية فانه ا‬
‫يتحدث و ا يصف اا امورا متجلية في ال ص ‪ .‬و تتبع كتابات الشاعر رياض‬
‫الفتاوي يم ّكن و بشكل واضح من تلمس قدرات شعرية عالية تتمثل جوهريا‬
‫بامساك اللحظة الشعرية و اتقان شكل مهم و مميز في كتابة قصيدة ال ثر‬
‫المعاصرة ‪ .‬و رغم ثراء نصوص هذ المجموعة اا ان ا و باجراءات ال قد‬
‫الثيمي الذي يقترب كثيرا من اابحاث العلمية يعمد الى التركيز على ع صر‬
‫جمالي او ف ي معين في ال ص ‪ ،‬فانا س ركز على موضوعة واحدة اا وهي‬
‫اامساك باللحظة الشعرية و العوامل التعبيرية العميقية الماوراء نصية ‪.‬‬

‫اامساك باللحظة الشعرية و اقت اص المعرفة الجميلة الخفية و العالم الماورائي‬


‫لادب هو من أهم انجازات اأدب ‪ ،‬و هو المميّز الحقيقي للشخصية اأدبية‬
‫‪ ،‬و التي تحتاج الى مقومات خاصة تلعب فيها الموهبة دورا كبيرا ‪ .‬و أجل‬
‫موضوعية أكبر فانا اشرنا الى تلك العوالم الماوراء نصية و العميقة في التجربة‬
‫اانسانية و الشعور اانساني بع وان ُ العوامل التعبيريةَ في قبال الصيغ و‬
‫الصور و الع اصر ال صية و التي اشرنا اليها ُ بالمعادات التعبيرية َ ‪ .‬من ه ا‬
‫تكون اركان العمل اادبية على ثاثة مستويات و فئات ‪ ،‬المستوى العميق‬
‫الماوراء نصي ُ العوامل التعبيرية َ و المستوى ال صي ُ المعادات التعبيريةَ و‬

‫‪51‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫مستوى التلقي ُ القراءة َ و هي عملية تلقي المادة اابداعية و تحويلها‬


‫بوسائط نقل الى عوامل مثيرة لاستجابة الفزيولوجية الشعورية و الفكرية ‪ .‬هذا‬
‫الفهم يم ّكن من تفسير التباين بين ال اس في ااستجابة لاعمال اأدبية اذ ان‬
‫الثقافة و المعرفة و الممارسة و ااحتكاك و ااطاع كلها تؤثر على تلك‬
‫المجاات و المستويات التي اشرنا اليها ‪ ،‬و يتاشى وهم كون عملية التذوق‬
‫و ااحساس باأدب و الفن عملية انطباعية ساذجة ‪ .‬نعم فطرية أسسها‬
‫واضحة اا انها مما يمكن تطوير و ت ميته ‪.‬‬

‫العوامل التعبيرية يمكن ان تتسع بسعة التجربة اانسانية و اارث اانساني ‪.‬‬
‫هذ العوامل توجد بشكل دفين و بشكل قوى كام ة في العمق اانساني‬
‫الموحد و مترسخة في جانب الاوعي ‪ .‬ما يقوم به الف ان و ااديب هو‬
‫الكشف عن تلك المعارف و الحقائق و اخراجها من عالم الاوعي و السكون‬
‫و العمق و الخمول الى عالم الوعي و الحركة و الظهور و الخطاب ‪.‬‬

‫ه ا س ت اول العوامل التعبيرية التي كشفت ع ها نصوص رياض الفتاوي و التي‬


‫تجلت و بشكل م اسب بمعادات تعبيرية عالية الكفاءة ‪ ،‬لتتحقق عملية‬
‫اابداع و اابهار ‪.‬‬

‫في قصيدة ُنعاج الحقل َ نجد شعرا سرديا نموذجيا و بسردية تعبيرية عذبة ‪،‬‬
‫فيها وقع ة الخيال و التموج التعبيري ‪ ،‬وهذ التق ية و الصفة مازمة ل صوص‬
‫المجموعة التي كتبت بشكل كتلة واحدة و بشكل الفقرات و الجمل ‪ .‬يقول‬
‫الشاعر في هذ القصيدة وهي قصيدة نثر نموذجية متحررة من التقليد المعهود‬
‫التشطيري و العمودية في ما يكتب اان ‪:‬‬

‫‪52‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫اول جدي إشراقة شمسه بقدح الفجر وغليونه القديم المشتعل بحطام ذاك‬
‫ُت َ‬
‫التاريخ‪ ،‬مازالت تلك الفزاعة تتراقص بس ابل الحقل‪ ،‬وصديق جدي الحميم‬
‫الزهايمر يغ ي له أغ ية الموت‪ ،‬بصوت المزامير التي أيقظت أصحاب الكهف‪،‬‬
‫‪َ...‬‬

‫اضافة الى اانسيابية في التعبير ‪ ،‬المبتدئ بمجاز قريب و دالة قريبة باقت اص‬
‫لحظة شعرية مرتكزة على ثقافة المجموعة و ووعيها باانسان الكادح و الفجر‬
‫و الع اء ‪ ،‬يتجه ااسلوب الى التصاعد الجمالي نحو خيالية اكبر باقت اص‬
‫لحظة شعرية ب ظام الفزاعة التي تراقص س ابل الحقل بارتكاز و تعمق في الوعي‬
‫الجماعي ‪ ،‬ثم في حالة تعمق شعري اكبر نحو اقت اص لحظة شعرية عالية وهي‬
‫التركيز على مرض مازم للجد ‪ ،‬ثم تتوج الشعرية ه ا باقت اص لحظة شعرية‬
‫اعمق وهي خيالية حال اغ ية ذلك المرض ‪.‬‬

‫اضافة الى المعادات التعبيرية عالية الف ية و الشعرية في هذا ال ص و التي‬


‫اشرنا الى بعضها فيما تقدم من السرد التعبيري و وقع ة الخيال ‪ ،‬فانها ايضا‬
‫تتمظهر بشكل لغة متموجة بين القرب و البعد الرمزي و اايحائي و بين‬
‫السردية و التصويرية الممانعة للسرد داخل السرد وهو الشيء المهم الذي‬
‫يعطي اللغة الحرة السردية صفة الشعرية ‪ .‬اضافة الى ذلك فان الشاعر ه ا‬
‫ابحر و بكفاءة عالية نحو العوامل التعبيرية ‪ ،‬ليخرج ال ص من كونه سبكا و‬
‫تأليفا شعريا شكليا الى تحقيق نظام اانجاز العميق و الشعرية الحقيقية ‪ ،‬و‬
‫ذلك بحالة تكافؤ و ت اسب التشكيل و الوجود العميق لما وراء ال ص بانظمة‬
‫فكرية و جمالية تحقق اابهار و اادهاش اضافة الى ما يحققه الشكل و ظاهر‬
‫ال ص من ابهار ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ان الفرق الجوهري بين الشعرية الشكلية و الشعرية العميقة ان ااولى تحقق‬
‫مساحة ادهاش ضيقة تقتصر على الشكل وقد تتوسع كثيرا ‪ ،‬اما الشعر‬
‫الحقيقي فانه يحقق مساحة ادهاش واسعة وعلى مستويات متعددة نصية و‬
‫ماوراء نصية و ما بعد نصية في القراءة و ااستجابة ‪ .‬اهم اللحظات الشعرية‬
‫العميقة التي اقت صها و كشف ع ها الشاعر ‪ ،‬و اخرجها من مجال الاوعي و‬
‫التجربة الدفي ة الى مجال الوعي و التجربة الظاهرة تتمثل بحميمية العاقة بين‬
‫اانسان الكادح و الفجر و رمزية كل ذلك ‪ ،‬و حميمية العاقة بين الفزاعة و‬
‫الحقل و رمزيتها و توظيفها تعبيريا ‪ ،‬و عاقة التأثير العميق و الواسع‬
‫للشيخوخة على اانسان ‪ ،‬من ثم العاقة الب ائية و التوليدية و الخيالية بين‬
‫المزامير واهل الكهف ‪ ،‬محققةمساحات واسعة من اادهاش ‪ .‬و من الواضح‬
‫ان ا نتحدث ه ا عن انظمة فكرية ماوراء نصية وهي ليست كلها جمالية ‪ ،‬اا‬
‫ان ا ناحظ ان العمق الجمالي حاضر و متصاعد في ذلك البعد العميق ‪ ،‬وهذا‬
‫ي اسب التطور التعبيري الذي كان في اجزاء ال ص الظاهرية و المعادات‬
‫التعبيرية ‪ ،‬و بهذا يتحقق نظام شعر عميق مت اغم متوافق ‪ .‬وهذا اامر بااضافة‬
‫الى انه يولد جهات متعددة لادهاش فانه يولد ايقاعا ‪ ،‬وبذات الفكرة عن‬
‫الترابط و الت اغم و التسلسل العميق التعبيري يمكن ان تتحقق وحدة عميقة‬
‫وان كانت المعادات و ااجزاء ال صية متشظية ‪ ،‬اا ان في هذا ال ص ُ نعاج‬
‫الحقل َ الوحدة الظاهرية موجودة كما بي ا بتسلسل و ترابط موضوعي و‬
‫تعبيري و الوحدة العميقة موجودة ايضا ‪ ،‬و من خال كل ما تقدم يتحقق نظام‬
‫القصيدة ‪ ،‬ف كون امام قصيدة نثر نموذجية ‪.‬‬

‫و في قصيدة نثر عالية المستوى بشعر سردي و اسلوب السردية التعبيرية‬


‫يتحقق نظام التوافق ال ثروشعري بتصاعد تطوري متوافق و متصاحب للشعر و‬
‫ال ثر يقول الشاعر في قصيدة ُ هواجس ال وارس َ‬

‫‪54‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ُالعصافير لم تعد تب ي عشها على شجرة الص وبر‪ ،‬وذاك الغراب مازال يحوم‬
‫على أقفاص الطيور‪ ،‬تلك القبور اتسع اأحام‪ ،‬أين ندفن ما تبقى م ها‪ ،‬نعم‬
‫ه اك ديانة قديمة‪ ،‬مركونة على رف العدم‪ ،‬س جعل أحام ا ه دية‪ ،‬حتى‬
‫نحرقها ونذرها مع الريح ‪ ،‬هذا يكون أول إصاح‪ ،‬مازال الدمع يرقص على‬
‫وج ة اأزهار‪ ،‬اا يعلم أن الرقص حرام ‪َ...‬‬

‫الرمزية التعبيرية متجلية في هذا ال ص ‪ ،‬فالقاموس التعبيري التلوي ي بالعصافير‬


‫و ااشجار و الطيور و القبور و ااحام و ديانة قديمة و احام ه دية و دمع‬
‫يرقص ‪ .‬ان التعبيرية تتجلى في استخدام شكل معين من االفاظ و شكل معين‬
‫من توجيه المع ى و شكل معين من طرحه ‪ ،‬فاالفاظ ه ا تلوي ية و نقصد‬
‫بالتلوي ية اي انها عالية الرمزية و الطبيعية ‪ ،‬و الشاعر يتجه باالفاظ نحو معان‬
‫فردية فتتجلى التعبيرية و الرؤية الفردية فيخلق ال ص اشياء و رموز و تتجه‬
‫رمزية تلك الرمزيات الى غير المعهود وهذا هو الكسر الف ي الذي يحقق‬
‫التعبيرية و من خال علو و سعة البوح و القضية التي يراد طرحها تكتمل‬
‫انظمة البوح التعبيري ‪ ،‬فالشاعر و ان استخدم الفردية و الخصوصية في تعابير‬
‫اا انه استعمل تلك التعابير الفردية اجل قضية عامة كلية وهذا هو ال ظام‬
‫ااهم في الرمزية التعبيرية ‪.‬‬

‫و في سردية تعبيرية فذة تتجلى المعادات التعبيرية ال صية عالية المستوى‬


‫الكاشفة و المحاكية لعوامل تعبيرية ماوراء نصية عميقة و واسعة ‪ ،‬في قصيدة ُ‬
‫طاحونة هواء َ يقول الشاعر‬

‫ُ خلف ذاك البعد‪ ،‬بين أزقة الغياب‪ ،‬طاحونة هواء رمادية ‪ ،‬تطحن ذرات‬
‫الوجود‪ ،‬بأس ان عمياء ا ترى‪ .‬تسمع أزيز الضوء وضجيج الس ابل المحطمة‪،‬‬

‫‪55‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫تحركها أربعة فصول مزخرفة‪ ،‬بليل هرم ونهار يكاد يلتقط أنفاسه‪ .‬وساعة الوجع‬
‫قد بانت عورتها‪ ،‬وأطلق الرقاص أغ يته اأخيرة‪َ....‬‬

‫ان التوافق ال ثروشعري متجل ه ا بوضوح ‪ ،‬فال ثر بلغة حرة قريبة يتطور و‬
‫يتصاعد و يتكامل ‪ ،‬يرافق ذلك تطور و تصاعد و تكامل في شعرية ال ص ‪،‬‬
‫لقد بي ا في مواضع سابقة و كررنا كثيرا ان غاية قصيدة ال ثر هو الشعر الكامل‬
‫في ال ثر الكامل ‪ ،‬وه ا في هذا ال ص يقت ص الشاعر رياض الفتاوي لحظ‬
‫ف ية جمالية اا وهي شخصية قصيدة ال ثر المتقدمة و ال موذجية ليحقق نظام‬
‫التوافق ال ثروشعري و يوسع مساحة اادهاش و اابهار باضافة جهة ادهاشية‬
‫جديدة ‪ .‬اضافة الى ذلك فان ال ص قد كتب و صيغ بمعادات و ع اصر‬
‫نصية متقدمة محاكية و عاكسة لعوامل تعبيرية ماوراء نصية عميقة و واسعة و‬
‫الهم اانساني و يقت ص الشاعر اللحظة‬
‫مؤثرة ‪ ،‬فه ا في هذا ال ص يتجلى ّ‬
‫الهم فيتجلى صوت الحسرة على الخسارات و البعد‬
‫الشعرية العميقة بهذا ّ‬
‫الذي يكت ف العالم و اتساع رقعة العمى العالمي و الخذان لجهات ال ور على‬
‫ايدي الرياء و القبح المتلون بالوان البراءة و الجمال ‪ .‬و كعادته يرتكزن ه ا‬
‫رياض الفتاوي في عوامله التعبيرية العميقة على الوعي اانساني و على‬
‫التجربة اانسانية و المعاناة الكونية ‪ ،‬فتجد نصوصه ت طلق دوما من معاناة‬
‫انسانية و كونية محققا نموذجا فذا أدب القضية و اأديب اانساني ‪.‬‬

‫ا ّن ما بي ا و غير كثير يمكن تلمسه و تبي ه بوضوح في قصائد هذ المجموعة‬


‫‪ ،‬يعكس الثراء الذي تتميز به نصوص هذ المجموعة ‪ ،‬و قبل هذا كله و بعد‬
‫فان كتابة رياض الفتاوي قصيدة ال ثر بشكل الكتلة الواحدة و الجمل و‬
‫الفرات متحررا من التشطير و الشكل العمودي ‪،‬هذا وحد امر بغاية ااهمية‬
‫يوجب ااهتمام ال قدي ‪ ،‬كما ان ااتقان و المستوى العالية الذي تميزت به‬

‫‪56‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫نصوصه يمك ا من القول ان ا امام شاعر مهم كما هو الحال مع شعراء اخرين‬
‫في مجموعة الشعر السردي المتق ين لقصيدة ال ثر المكتوب بالجمل و‬
‫الفقرات و الكتلة الواحدة ‪ ،‬مما يشير الى حصول تطور واقعي في كتابة‬
‫قصيدة ال ثر العربية المعاصرة ‪ .‬ب صوص مهمة تستحق التوقف و التحليل من‬
‫قبل المهتمين فعا باأدب و بقضيته ‪.‬‬

‫صَ‬
‫حياة القارئ ال صيّة ُ أساليب نقل القارئ الى عالم ال ّ‬

‫‪57‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ات الجماليات المتعالية ‪ ُ ،‬الفن للفن َ‬


‫أبصار اأدب عبار ُ‬
‫َ‬ ‫لقد َخطََفت‬
‫و ُ و أ ّن الشعر كلمات َ ‪ ،‬لكن بقيت اللغة تبحث عن نفسها ‪ ،‬و ربّما‬
‫العامة تلوح في اأفق ‪ ،‬بحثا‬
‫صارت بوادر السأم من إبتعاد الشعر عن الساحة ّ‬
‫شم أكذوبة ال خبة و الكتابة المتعالية ‪ .‬ربّما أصبح ظاهرا وخصوص‬
‫عن لغة ته ّ‬
‫في عصر ما بعد الحداثة أ ّن التعالي في اللغة ليس ضروريا أجل لغة إبداعية ‪،‬‬
‫كما إ ّن التوسع في مفهوم جمال اللغة أيضا صار يو ِجه تساؤات لجدوى‬
‫التعالي اللغوي الذي قد تصل الذاتيّة فيه ح ّد اإنغاق ‪ ،‬طبعا مع التأكيد ا ّن‬
‫التقردات التعبيرية الموظّفة بشكل ف ّذ تضيف طاقات تعبيرية و لمحات جمالية‬‫ّ‬
‫عالية للغة و خصوصا في الشعر ‪.‬‬

‫ّربما حان الوقت أجل ال ظر بعيدا و رمي الشباك الى وسط البحيرة‬
‫اقت اص أشكال و ألوان من السمك غير التي في الساحل التي تضعف فيه‬
‫الروح ‪ .‬ربّما نحتاج الى اإبحار نحو عمق البحر أكثر ‪ ،‬ل ص ع سفي ة رحبة‬
‫الكل نحو عالم الشعر الجميل ‪ ،‬ربّما حان الوقت ل بحث عن لغة تبهر‬
‫تحمل ّ‬
‫كل من يقرأها من ال خبة و من غيرهم و من اأدباء و من غيرهم ‪ ،‬لغة غير‬
‫ّ‬
‫مبتذلة ‪ ،‬و غير غارقة في التوصيل و التبسيط و المباشرة المخلّة ‪ ،‬و إنّما لغة‬
‫تمل االسن العالية و البسيطة من‬
‫لكل ال اس متوهجة عظيمة سلسة زاخرة ا ّ‬ ‫ّ‬
‫الحديث ع ها ‪ ،‬لغة قوية واسعة الطيف في ما ِ‬
‫تحدثه من إستجابات جمالية ‪،‬‬ ‫ّ‬
‫الكل يرى فيها الجمال الذي يريد ‪ .‬و ا يقال أ ّن هذا ضرب من الخيال‬
‫لغة ّ‬
‫و أنّه خاف الم طق ‪ ،‬أنّ ا أصحب ا نعلم إ ّن اابداع لم يعد محصورا بال ص ‪،‬‬
‫مهم م ه صار على عاتقة القارئ ‪.‬‬
‫بل في جانب ّ‬

‫المهمة أجل ااقتراب من القارئ في اللغة اأدبية هو ش ّد‬ ‫من الع اصر ّ‬
‫ص ‪ ،‬مقرونا بالتق ية العالية و التوظيفات الف ّذة ‪ .‬حي ما يتح ّقق‬
‫القارئ الى ال ّ‬

‫‪58‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫نظام جامع بين اإقتراب و الف ية العالية نكون قد ح ّقق ا تلك اللغة الم شودة‬
‫‪ ،‬و أنّا قد تح ّدث ا كثيرا عن الع اصر الف ية و التوظيفات ااسلوبية كع اصر‬
‫لتوهج اللغة في مقاات سابقة ‪ ،‬فإنّا ه ا س رّكز على أساليب‬
‫إبداعية و مظاهر ّ‬
‫التوصل الى روح القارئ في نماذج تشتمل على ف ية عالية و‬
‫ّ‬ ‫القرب و‬
‫توظيفات واضحة‪ ،‬تجعله يعيش لحظة ال ص و عالمه و ت قله بقدرة عالية و‬
‫كفاءة ظاهرة الى عالم ال ص م تجة بذلك حالة شعورية للقارئ يمكن ان‬
‫نسميها ُ حياة القارئ ال صية َ ‪.‬‬

‫الجلي في تح ّقق‬
‫ّ‬ ‫ان التشويق ع وان السرد و عامته العظمى ‪ ،‬و الضوء‬
‫الف ية فيه ‪ ،‬اا ا ّن ما هو أعلى من ذلك من جهة نظرة سردية هو نقل القارئ‬
‫تتعمق اللغة و تشتمل على‬
‫الى عالم ال ص ‪ ،‬و خلق حياة نصيّة له ‪ .‬و حي ما ّ‬
‫الرمز و اايحاء ‪ ،‬ت تهي الى المقامات العالية ‪ .‬و في الجانب اآخر في لغة‬
‫الشعر يكون الحلم اآسر و اللغة الراسمة ‪ ،‬كفيلة ب قل القارئ الى ال ص ‪ ،‬و‬
‫بالرمزية و اايحاء تبلغ المقامات العالية ‪ .‬و في مستوى ثالث حي ما تكون‬
‫التوهج ‪ ،‬مخترقة لجميع إشكال ااحساس و‬
‫اللغة بذلك الوصول و العمق و ّ‬
‫المتخصص و غير ‪ ،‬و ااديب‬
‫ّ‬ ‫فيتذوقها القريب و البعيد و‬
‫مستويات الذوق ّ‬
‫و غير ‪ ،‬و تكسر حاجز التعالي و أكذوبة ال خبة ‪ ،‬نكون و با شك أمام لغة‬
‫عظيمة‬

‫ربما يح ّقق ال ص الصدمة و اإبهار ‪ ،‬و الش ّد و التشويق ‪ ،‬و البساطة و‬


‫العمق ‪ ،‬اا انّه ا يستحوذ على فكر القارئ و يخفق في نقل ذه ه الى عالم‬
‫ال ص ‪ .‬لقد تكلم ا سابقا عن نقل ال ص للقارئ الى عوالم مع ا الخاصة و‬
‫حقوله الدالية ‪ ،‬و من الواضح ا ّن هذ هي الخطوة ااولى نحو عيش القارئ‬
‫في عالم ال ص بعدها ي تقل القارئ الى عوالم مع ى ال ص ‪ ،‬بأن يكون قادرا‬

‫‪59‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫على رؤية الخيال الذي تسبح فيه المعاني و اافكار ‪ ،‬بمع ى أخر ا بد من‬
‫حالة رسم بالكلمات ‪ ،‬و خيال شفيف يحاكي عوالم الجمال لدى القارئ ‪،‬‬
‫علو في التجربة تبهر القارئ و تدهشه ‪ .‬إذن أجل‬
‫بلغة بسيطة قريبة ‪ ،‬مع ّ‬
‫رفع الحجب والحواجز بين القارئ و الكتابة و جعله يعيش في عالم ال ص ‪،‬‬
‫تلمسه في‬
‫المركب الخارجي س ّ‬
‫ا ب ّد من ُ رسم خيال عال بسيط َ ‪ ،‬هذا ّ‬
‫ثاثة نصوص تحقق نقا ف ّذا لذهن القارئ الى عوالم ال ص ‪،‬كع صر أسلوبي‬
‫نص واضح التج يس ي تمي الى السرد ‪ ،‬متمثّل‬
‫لحياة القارئ ال صيّة ‪ ،‬اأول ّ‬
‫بقصة قصيرة ع وانها ُ وصال َ للقاص الفلسطي ي فريد قاسم غانم ‪ ،‬و الثاني‬
‫نص واضح التج يس إيضا ي تمي الى الشعر ‪ ،‬قصيدة ُ حورية الليل َ‬
‫للشاعرة التونسية العامرية سعداه ‪ ،‬و الثالث نص يقع بي مها في لغة تت قل‬
‫بي مها في نص مفتوح ُ الواحة َ للشاعر العراقي أنور غ ي الموسوي ‪.‬‬

‫صٌ‬
‫ال‬ ‫ِو َ‬ ‫‪.1‬‬

‫فريد قاسم غانم‬


‫****‬
‫ِ‬
‫ياح ُقها م ُذ ُشهور‪.‬‬
‫سعف ال ِ‬
‫خيل وهي‬ ‫قال لها في ٍ‬
‫يوم ساكِ ٍن إن َش ْعرها المتم ِر َد أجمل من ِ‬ ‫َ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫الرياح‪.‬‬
‫اقص ّ‬
‫تر ُ‬
‫تلتفت‪.‬‬
‫ْ‬ ‫لم‬
‫أجمل‬
‫ُ‬ ‫ات العام ِة‪ ،‬إن ُح ْمرَة خديْها‬
‫قف الحافِ ِ‬
‫وقال لها يوماً‪ ،‬ع َد مو ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت في طر ِيقها‬ ‫تفتح ال َفج ِر في ربي ٍع على قم ِة سي اء‪ .‬فتجاهل ْتهُ وم َ‬
‫ض ْ‬ ‫من ِ‬
‫َم ْشياً على اأَقدام‪.‬‬
‫ِ‬
‫جدائل‬ ‫أجمل من‬
‫ُ‬ ‫تبِ َعها يوماً إلى السوق‪َ .‬‬
‫قال لها ه اك إن قادتَها‬

‫‪60‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ضت‪.‬‬
‫وجهها َوَم َ‬
‫أدارت َ‬
‫ْ‬ ‫نار‪.‬‬ ‫الّ ُوِر الذي لم َ‬
‫تمس ْسهُ ٌ‬
‫أظافرها الطّويلةَ‬
‫وقال لها إن َ‬
‫شارع‪َ ،‬‬
‫الدفء في ال ّ‬
‫َ‬ ‫فبعث‬
‫ت ه َد يوماً‪َ ،‬‬
‫انغرَزت في قلبِ ِه فا م َفر‪.‬‬
‫َ‬
‫ت بعيداً‪.‬‬
‫وجه َها وانطلَ َق ْ‬
‫أدارت َ‬
‫ْ‬
‫حان على‬‫طفلي ِن يتأرج ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ‬ ‫مثل ْ‬ ‫المشاة‪ ،‬إن قرطَْيها ُ‬
‫قال لها‪ ،‬ع َد َمم ِر ُ‬ ‫َ‬
‫وغابت في الز َحام‪.‬‬
‫ْ‬ ‫الوَر ِاء‬ ‫دا ِة من قلبِ ِه‪ .‬تر ْ‬
‫اجعت إلى َ‬ ‫شرايي ِن ُ‬
‫الم ّ‬ ‫ال ّ‬
‫ترص َدها‪.‬‬
‫يقول فيها َكاماً يشبِهُ ال ِ‬
‫ش ْع َر‪.‬‬ ‫يوم كان ُ‬ ‫وفي كل ٍ‬
‫ِ‬
‫ات غُ ّرتِها‪ ،‬بأسا ِوِرها وحقائِبِها وأحذيتِها وجوا ِربِها والد ِ‬
‫بابيس‬ ‫تغزل بتبد ِ‬
‫وعقودها وخواتِ ِمها وم اديلِها وشااتِها وقُبّعاتِها‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وأكمامها‬ ‫على ياقاتِها‬
‫وكانت في ك ِل مرةٍ تج ُد جهةً خامسةً فتدخل فيها وتمضي في ِ‬
‫حال‬ ‫ُ‬
‫سبيلِها‪.‬‬
‫يق ومد يَ َديْ ِه‬‫فسد عليها الطر َ‬ ‫ِ‬
‫الرصيف َ‬
‫ِ‬
‫كع في م تَصف ّ‬
‫ِ‬
‫في أحد اأيام‪ ،‬ر َ‬
‫الجميل ولو مرًة‬ ‫ك‬‫َسمعي ي صوتَ ِ‬ ‫ِ‬
‫أرجوك‪ ،‬أ ِ‬ ‫في حالَ ِة ٍ‬
‫ابتهال‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫واحدة‪.‬‬
‫تفهم‪.‬‬
‫لم ْ‬
‫كتبت‪:‬‬
‫قريب و ْ‬ ‫جت من حقيبتِها قلماً وورقةً‪ ،‬أس َدتْها إلى ٍ‬
‫حائط ٍ‬ ‫أخر ْ‬
‫َ‬
‫الورقة ما تريد‪ ،‬من‬
‫ب على هذ َ‬
‫"ماذا تقول؟ فأنا ا أسمع‪ .‬أكتُ ْ‬
‫فضلك‪".‬‬
‫أمام عي ْي ِه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وعرضت كلماتها المكتوبةَ َ‬
‫يفهم‪.‬‬
‫لم ْ‬
‫ذلك أنهُ لم يتعلم القراءة‪.‬‬
‫رقت عي ا ‪.‬‬
‫اغرْو ْ‬
‫َ‬

‫‪61‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫صماءُ بكماءُ‪".‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬


‫الحائط القر ِ‬
‫كتبت على ورقة‪" :‬أنا ّ‬ ‫يب‪ ،‬و ْ‬ ‫عادت إلى‬
‫ْ‬
‫أمام عي ْي ِه‪ ،‬لم تج ْد سوى دمعتَ ْي ِن على‬
‫لتعرض الورقةَ َ‬
‫َ‬ ‫استدارت‬
‫ْ‬ ‫وحين‬
‫َ‬
‫السيقان المتراكِضة‪.‬‬ ‫صيف‪ ،‬وس َ ٍ‬
‫ط غابة من ّ‬ ‫حج ِر الر ِ ْ‬ ‫َ‬

‫*********‬

‫ُ الواحة َ‬ ‫‪.2‬‬

‫أنور غ ي الموسوي‬

‫بين يدي الغروب يجلس اأقحوان ‪ ،‬كمسافر على بساط الهمس ‪،‬‬
‫يراقص ال سيم ‪.‬‬

‫مرآ ًة ورديّةً كان وجه الماء ‪ ،‬بعذوبة غريبة تداعبها أيدي الريح ‪ .‬كالطفولة‬
‫اللذيذة أبهرني لون الشمس ‪.‬‬

‫الرملي ‪ ،‬تخترق‬
‫ّ‬ ‫الرمال تعزف ألحانها المقرمشة ‪ ،‬و خيول البادية بعبقها‬
‫صوت الزمن الحالم ‪ .‬وه اك ‪ ،‬نحو الواحة ‪ ،‬نحو شجرة البلّوط ‪ ،‬صبيةٌ‬
‫يلعبون ‪ ،‬و فراشات ناعسة ‪ ،‬قد بلّل ثيابها المساء ‪.‬‬

‫اللماعة ‪ ،‬و‬
‫كم قد أسرت ي ترانيم اأغصان ‪ ،‬و أوراقها ذات العيون ّ‬
‫الطيور ‪ ،‬أجل الطيور‬

‫تأسر المكان بألوانها الزاهية و سحرها اأ ّخاذ ‪.‬‬

‫أحب رائحة الصيف ‪ ،‬و ظ ّل شجرة ت شد لل سيم ‪.‬‬


‫آ كم ّ‬

‫‪62‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫*********‬

‫حورية الليل‬ ‫‪.3‬‬

‫العامرية سعداه‬

‫بسط الليل ج احيه‬

‫عم الكو َن سوا ٌد‬


‫ّ‬

‫خرجت من بين الكثبان حوريةٌ‬

‫ألقت شهبًا‬
‫ْ‬

‫أوقدت في اأحشاء نارا‬

‫صوت ال ار أرداني في الجب طريحا‬


‫ُ‬

‫كيف أهادن صوت ال ار!؟‬

‫رداء‬
‫والظلمة تلبس ي ً‬

‫كيف أهادن! ؟‬

‫وخطايا تبدأ من خلفي! ؟‬

‫من أين جئت ؟‬

‫من خلف مداد الكلمات‬

‫‪63‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ترسم ي فوضى ااماني‬

‫ت حت سورا من كثبان‬

‫تا الحلم مثل سراب‬

‫ضاع اأمس مثل ضباب‬

‫يمضي ونمضي‬

‫ي سج من شااتي وشاحا‬

‫يدي‪..‬‬
‫حتى أمسك وجه الشمس بين ّ‬
‫*********‬

‫تأمل ا هذ ال صوص الثاثة ‪ ،‬بعد تجاوز شكلها التج يسي ‪ ،‬فانّها ا‬


‫لو ّ‬
‫تتحدث وتقول فقط و انّما ترسم ‪ ،‬و ا ترسم المعاني و الداات فقط بل‬
‫ترسم اأحاسيس ‪ ،‬اذ اإحساس الم قول فيها واضح و كأنّ ا نرا ‪ ،‬وهذا‬
‫ظاهر ‪ .‬بهذ اللغة ‪ ،‬و ببساطة القاموس العام لل صوص ‪ ،‬تح ّقق الش ّد و‬
‫التشويق ‪ ،‬و بالخيال العالي الم بّث في الصور و السرد ‪ ،‬يتحقق اإبهار ‪ ،‬و‬
‫صي ‪ ،‬و تحميل المفردات ثقل ال ص‬
‫من خال التركيز العالي على التأريخ ال ّ‬
‫‪ ،‬يشعر القارئ انّه يرى المفردات و معانيها ‪ ،‬و حي ها تتحقق األفة ‪ ،‬و مع‬
‫اإبهار السابق و بمعونة اأحساس الم قول ‪ ،‬تختلط التجربتان التأليفية و‬

‫‪64‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫القراءاتيّة‪ ،‬و ي تقل القارئ الى عالم ال ص و يعيش لحظاته و أحاسيسه ‪ .‬أجل‬
‫انه رسم الخيال العالي البسيط ‪.‬‬
‫الرسم بالكلمات ظاهر ‪ ،‬أما رسم اإحساس فله تجليّاته ه ا‪ ،‬ففي ُ‬
‫وصال َ يتجلّى اإحساس بالوهم و الخيبة ‪ ،‬و في ُ الواحة َ يتجلّى إحساس‬
‫ال شوة و اإبتهاج ‪ ،‬و في ُ حورية الليل َ يتجلى اإحساس بالصراع و‬
‫اإنبعاث‪ .‬ورسم اإحساس هذا انما كان بواسطة رسم المعاني ‪ .‬ففي ُ وصال‬
‫َ نجد الرسم ظاهرا ‪:‬‬
‫ِ‬
‫ُياح ُقها م ُذ ُشهور‪.‬‬
‫اقص‬ ‫سعف ال ِ‬ ‫قال لها في ٍ‬
‫يوم ساكِ ٍن إن َش ْعرها المتم ِر َد أجمل من ِ‬
‫خيل وهي تر ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬
‫الرياح‪.‬‬
‫ّ‬
‫تلتفت‪.‬‬
‫ْ‬ ‫لم‬
‫تفتح‬
‫أجمل من ِ‬
‫ُ‬ ‫ات العام ِة‪ ،‬إن ُح ْمرةَ خديْها‬
‫قف الحافِ ِ‬
‫وقال لها يوماً‪ ،‬ع َد مو ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت في طر ِيقها َم ْشياً على‬ ‫ال َفج ِر في ربي ٍع على قم ِة سي اء‪ .‬فتجاهل ْتهُ وم َ‬
‫ض ْ‬
‫اأَقدام‪َ .‬‬
‫و في موضع اخر ‪:‬‬
‫يق ومد يَ َديْ ِه‬
‫فسد عليها الطر َ‬ ‫ِ‬
‫الرصيف َ‬
‫ِ‬
‫كع في م تَصف ّ‬
‫ِ‬
‫ُفي أحد اأيام‪ ،‬ر َ‬
‫الجميل ولو مرًة واحدة‪.‬‬ ‫ك‬‫َسمعي ي صوتَ ِ‬ ‫ِ‬
‫أرجوك‪ ،‬أ ِ‬ ‫في حالَ ِة ٍ‬
‫ابتهال‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫تفهم‪.‬‬
‫لم ْ‬
‫كتبت‪:‬‬
‫قريب و ْ‬ ‫جت من حقيبتِها قلماً وورقةً‪ ،‬أس َدتْها إلى ٍ‬
‫حائط ٍ‬ ‫أخر ْ‬
‫َ‬
‫الورقة ما تريد‪ ،‬من فضلك‪".‬‬
‫ب على هذ َ‬ ‫"ماذا تقول؟ فأنا ا أسمع‪ .‬أكتُ ْ‬
‫أمام عي ْي ِه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وعرضت كلماتها المكتوبةَ َ‬
‫يفهم‪.‬‬
‫لم ْ‬

‫‪65‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ذلك أنهُ لم يتعلم القراءة‪.‬‬


‫رقت عي ا ‪َ .‬‬
‫اغرْو ْ‬
‫َ‬
‫والرسم العالي من خصائص السرد و أركانه با ريب ‪ ،‬و في ُ الواحة َ‬
‫نجد الرسم حاضرا ‪:‬‬

‫ُبين يدي الغروب يجلس اأقحوان ‪ ،‬كمسافر على بساط الهمس ‪،‬‬
‫يراقص ال سيم ‪.‬‬
‫مرآ ًة ورديّةً كان وجه الماء ‪ ،‬بعذوبة غريبة تداعبها أيدي الريح ‪ .‬كالطفولة‬
‫اللذيذة أبهرني لون الشمس ‪َ .‬‬
‫بل ا ّن ال ص كله عبارة عن لوحة ‪ ،‬و في ُ حورية الليل َ نجد الرسم‬
‫حاضرا ايضا ‪:‬‬

‫ُبسط الليل ج احيه‬

‫عم الكو َن سوا ٌد‬


‫ّ‬

‫خرجت من بين الكثبان حوريةٌ‬

‫ألقت شهبًا‬
‫ْ‬

‫أوقدت في اأحشاء نارا‬

‫صوت ال ار أرداني في الجب طريحا َ‬


‫ُ‬

‫بل ا ّن الشاعرة تصرح في مقاطع لها بالرسم و ال حت‬

‫ُترسم ي فوضى ااماني \ ت حت سورا من كثبان َ‬

‫‪66‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫و اما الخيال العالي فكان بصور ف ية وانزياحات فذة في ال صوص الثاثة‬


‫‪ ،‬في ُ وصال َ رغم سرديته فانه مطعم بالشعرية و اانزياحات وهذا من‬
‫خصائص سرديات فريد قاسم المأى بالخيال العالي ‪ ،‬الذي يتجه احيانا في‬
‫الكتابة الى ال ص المفتوح ‪ ،‬و احيانا يكتب شعرا صريحا ‪ ،‬ف جد‬
‫التصويرالمطعم بالمجاز الرافع لخيالية ال ص و المتحرر من توصيلية السرد‬
‫وهو شيء حداثي فذ فعا ‪ ،‬ففي ُوصال َ اضافة الى خيالية اابطال و‬
‫ااحداث فان فيها تجليات خيال شعري ‪:‬‬

‫سعف ال ِ‬
‫خيل وهي‬ ‫يوم ساكِ ٍن إن َش ْعرها المتم ِر َد أجمل من ِ‬ ‫قال لها في ٍ‬ ‫ُ َ‬
‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫تفتح ال َفج ِر في ربي ٍع على قم ِة‬
‫أجمل من ِ‬ ‫ُ‬ ‫الرياح‪ ،.‬إن ُح ْمرَة خديْها‬
‫اقص ّ‬
‫تر ُ‬
‫نار‪.‬‬ ‫جدائل الّ ُوِر الذي لم َ‬
‫تمس ْسهُ ٌ‬ ‫ِ‬ ‫أجمل من‬
‫ُ‬ ‫قال لها ه اك إن قادتَها‬‫سي اء ‪َ ،‬‬
‫دا ِة من قلبِ ِه‪ ، .‬لم تج ْد‬ ‫شرايي ِن ُ‬
‫الم ّ‬ ‫طفلي ِن يتأرج ِ‬
‫حان على ال ّ‬ ‫َ‬ ‫مثل ْ‬
‫ِ‬
‫‪ ،‬إن قرطَْيها ُ‬
‫السيقان المتراكِضة‪َ .‬‬ ‫صيف‪ ،‬وس َ ٍ‬
‫ط غابة من ّ‬ ‫حج ِر الر ِ ْ‬ ‫سوى دمعتَ ْي ِن على َ‬

‫و في ُ الواحة َ الخيال يأسر المكان ‪ ،‬و بااضافة الى استقال ال ص‬


‫في تمظهر و تشكيل واقع و عالم له‪ ،‬فا ّن الصور الشعرية تعلو بمجازات و‬
‫تراكيب صادمة يقول الشاعر ‪:‬‬

‫الرملي ‪ ،‬تخترق‬
‫ّ‬ ‫ُالرمال تعزف ألحانها المقرمشة ‪ ،‬و خيول البادية بعبقها‬
‫صوت الزمن الحالم ‪ .‬وه اك ‪ ،‬نحو الواحة ‪ ،‬نحو شجرة البلّوط ‪ ،‬صبيةٌ‬
‫يلعبون ‪ ،‬و فراشات ناعسة ‪ ،‬قد بلّل ثيابها المساء َ‬

‫و في ُ حوريّة الليل َ خيال رفيع و صور شعرية عالية ‪:‬‬

‫‪67‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ألقت شهبًا \ أوقدت في اأحشاء‬


‫ُ ُخرجت من بين الكثبان حوريةٌ \ ْ‬
‫صوت ال ار أرداني في الجب طريحا َ ‪ ُ ،‬من خلف مداد الكلمات \‬
‫ُ‬ ‫نارا \‬
‫ترسم ي فوضى ااماني \ ت حت سورا من كثبان َ ‪ ُ،‬ي سج من شااتي‬
‫يدي‪َ ..‬‬
‫وشاحا \حتى أمسك وجه الشمس بين ّ‬

‫و اما البساطة و القرب فإنّها ليست من خصائص هذ ال صوص فقط ‪،‬‬


‫بل تكاد تكون الصفة الغالبة على الكتابات اأخيرة لأدباء الثاثة و المتابع‬
‫لكتاباتهم يتملّس ذلك بوضوح ‪ ،‬و يكون ذلك بالمفردات القريبة ‪ ،‬و الصور‬
‫الشفيفة ‪.‬‬

‫نص شعري و‬
‫نص سردي مع ّ‬
‫ا ّن ت اول ال صوص بهذا الشكل بإدراج ّ‬
‫نص مفتوح ‪ ،‬انّما هو تأكيد م ا على ا ّن عصر ما بعد الحداثة تجاوز التج يس‬
‫وا ب ّد لل قد ان يتجاوز ذلك ‪ ،‬كما ا ّن هذا الموضوع بالذات وهو ُ الف ية‬
‫العالية البسيطة َ ‪ ،‬أي كتابات عالية الف ية اا انها صيغت بلغة قريبة و محببة‬
‫لدى القارئ ‪ ،‬هي من سمات لغة الكتابات اابداعية في عصر ما بعد الحداثة‬
‫‪ ،‬و ا ّن هذا اامر لمحتاج لمزيد من التركيز و الت قيب و التوسع ‪ ،‬أجل فهم‬
‫أكبر و تبيّن جمالي أعمق لأعمال اإبداعية المعاصرة و لغتها المتطورة ‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫مظاهر اابداع في ديوان ُ وجع اشيب ‪ ...‬و كف عذراء َ للشاعر كريم عبد‬
‫اه‬

‫المقدمة‬

‫قد يتصور البعص ان الكام ممارسة حياتية سهلة ‪ ،‬لكن اامر ليس كذلك ‪،‬‬
‫الكام من اصعب الممارسات اانسانية و اكثرها تعقيدا ‪ .‬و ااصعب من ذلك‬
‫ان يتكلم اانسان بلغة ف ية ‪ ،‬و ااصعب من ذلك كله ان يتكلم بلغة ف ية‬
‫ابداعية ‪ .‬حي ما تجعل ا اللغة نشعر ان ا نغوص في بحر ا نرى له بداية و ا‬
‫نهاية و كلما ذهب ا عميقا شعرنا بالحاجة الى العودة الى السطح و كلما اتجه ا‬
‫الى السطح شعرنا بالحاجة الى الغوص نحو ااعماق ‪ ،‬حي ها نعلم ان ا امام لغة‬
‫ف ية ابداعية ‪ .‬ان اابداع في الفن اللغوي هو تجلي اللغة ‪ ،‬فكل موطن يكون‬
‫فيه تجلي للغة و حضور لذاتها فان ا امام عملية ابداعية ‪.‬‬

‫م ذ ان وقعت عي ي على كتابات الشاعر كريم عبد اه شعرت و بقوة ان ي امام‬


‫لغة ف ية ابداعية ‪ ،‬و م ها التجديدي ‪ ،‬و م ها اللغة العظيمة ‪.‬‬

‫لابداع عوامله المعروفة التي ا بد من توفرها في العمل الف ي كعمل خارجي و‬


‫كموضوع للتلقي ‪ .‬حي ما يحقق العمل مقدارا معي ا من الف ية و الجمالية و‬

‫‪69‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الرسالية فانا نكون امام عمل ف ي ابداعي ‪ .‬لذا سيكون بحث ا و كام ا موزعا‬
‫في هذ الجهات الثاث اقصد الشعرية و الجمالية و الرسالية ‪.‬‬

‫الجهة ااولى ‪ :‬الشعرية‬

‫اابحاث الع وانية‬ ‫‪.1‬‬

‫اوا ‪ :‬التقديم ‪ :‬شعر ُ نصوص مفتوحة َ ‪ ،‬اي انا اما نصوص شعرية مفتوحة ‪،‬‬
‫اي نصوص تسمح بتعدد القراءات ‪ ،‬و يكون للقارئ دور في اكتشاف‬
‫الداات ‪.‬وهذا ما س بحثه مفصا في الكم التصويري و التعدد الصوري في‬
‫مبحث الجمالية ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬ااشكال الع وانية‬

‫يتسم الديوان بميزة متفردة هو نمطية الشكل الع واني المغير شيئا ما للمالوف‬
‫‪ ،‬فان الع اوين ظهرت في ستة اشكال ‪:‬‬

‫ااول ‪ :‬وهو الغالب ‪ :‬ع وان بشكل جملة خبرية حدثية استمرارية مثل ُعلى‬
‫ترسم حيرتهاَ‬
‫الرصيف ُ‬

‫الثاني ‪ :‬جملي خبري حدثي ماضوية مثل ُتأتأت شقوق اللمس َ‬

‫صماء َ‬ ‫ِ‬
‫الثالث ‪ :‬جملي خبري اسمي مثل ُوح جرةُ العبث صخرًة ّ‬

‫الصمت َ‬
‫ْ‬ ‫الرابع ‪ :‬اسم مثل ُملحمة ثورةُ‬

‫بل هذي التفاهات َ‬


‫من يُغر ُ‬
‫الخامس ‪ :‬جملة استفهامية مثل ُ ْ‬

‫‪70‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫خجل‬
‫َ‬ ‫لزل‬
‫تقود جحافاً تز ُ‬‫السادس ‪ :‬ع وان اختصاري فيه حذف مثل ُ ُ‬
‫تقود جحافاً‬
‫الكلمات َ وهو اختصار لُاختصار نقص ُت ح ي اأغصا ُن ُ‬
‫أشيب ‪....‬‬
‫وجع ٌ‬ ‫خجل الكلمات ‪ َ......‬وهذا الع وان مهم ‪ .‬و ع وان ُ ٌ‬
‫َ‬ ‫لزل‬
‫تز ُ‬
‫بغيمة بعيدةٍ ‪ /..‬شاحبةً‬
‫كف عذراء و هو مختصر لُوجع أشيب يحتمي ٍ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫و ٌ‬
‫كسف في ر ٍ‬
‫احة عذراء َ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬

‫ان التركيب الغالب في الع اوين المعهودة ع د المؤلفين هو الشكل الرابع‬


‫ااسم و الثالث ُ خبري اسمي َ و ربما يستعمل الخامس اي ااستفهام ‪،‬‬
‫لكن نجد الشاعر ه ا يجعل من الشكل ااول ُ الخبري الحدثي ااستمراري َ‬
‫نمطا سائدا و متفردا ‪ ،‬و ايضا يعمد الى شكل اخر اختزالي و فيه شكل من‬
‫التوسيع و ااطاق باستعمال ااخفاء وهذا العمل متأصل في اللغة الرمزية كما‬
‫هو معلوم ‪.‬‬

‫ان حالة ااخبار بالحدثية المستمر فيها دالة على ان ذلك هو الواقع و الواقع‬
‫شديد الوطأة و المستمر ‪ ،‬و مع هكذا دالة اسلوبية ا يبقى للمع ى محورية‬
‫دالية وهذ صفة اللغة اايحائية لل ص المفتوح ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬عاقة الع وان بالمع ون‬

‫الع وان عادة يكون تلخيصا توصيليا لمضامين المع ون او ال ص ‪ ،‬و قد يكون‬
‫تلخيصا ايحائيا لما في ال ص ‪ ،‬او ابراز للتجربة ‪ ،‬و من الماحظ ه ا في‬
‫نصوص ُ وجع اشيبَ ان الع وان في اغلب ال صوص هو جزء مقتطع من‬
‫ال ص ‪ ،‬و مع انه يع ي ان ذلك التركيب الع واني هو محور و مرتكز في ال ص‬
‫اا انه ا يمكن القول انه موضوعه ‪ ،‬و هذ صفة متأصلة في ال ص المفتوح‬
‫الذي ا تحد اطراف ‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ثالثا ‪ :‬قاموس المفردات في الع اوين‬

‫في حالة جمع مجموعة نصوص في ديوان فانه يكون في جمعها مشترك معين‬
‫‪ ،‬و حي ما تكون الع اوين بدالة مع وية توصيلية انتزاعية يكون لبحث قاموس‬
‫الكلمات تأثير و واقعية ‪ ،‬اا انه في الع اوين الجزئية المقتطعة و التي يكون‬
‫بوحها ايحائي و اسلوبي فانه ا يكون لقاموس مفردات الع اوين ذلك التأثير‬
‫‪.‬اا ان مجال الحضور و شدة الوطأة و التجبر و اانكفاء و فقدان المبادرة‬
‫هذ المجاات حاضرة بقوة في الع اوين ‪.‬‬

‫المجاز‬ ‫‪.2‬‬

‫من الواضح ان المجازية العالية طاغية في نصوص ُ وجع اشيبَ ‪ ،‬و نقصد‬
‫المجازية العالية ليس المجاز المفرداتي ‪ ،‬المت اوب ‪ ،‬و انما نقصد به لغة‬
‫الحلم ‪ ،‬بحيث تصبح جميع الكلمات و جميع التراكيب و جميع الفقرات‬
‫متخلية تماما عن مرجعياتها المع وية ‪ ،‬انزياح كلي للكل ‪ ،‬بحيث يفقد المع ى‬
‫المرجعي اية سلطة ‪ ،‬فتتجسد ذات اللغة و تطغى و تصبح جسدا و شكا و‬
‫هيئة و ا يبقى للمع ى حضور ‪ ،‬بل الدالة كلها لذات اللغة الظاهرة فتتشكل‬
‫معاني متكاثرة متسارعة متعددة و ربما غير محدودة ‪ .‬وهذا اداء ف ي لغوي‬
‫عال و هو ما تتميز به لغة هذا الديوان ‪.‬وجميع فقرات نصوص الديوان شواهد‬
‫على ذلك ‪.‬‬

‫الخيال‬ ‫‪.3‬‬

‫‪72‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ربما يتصور ان الخيال هو رسم عالم ا واقعي او يتصور انه المجاز‬


‫نفسه فتكون المفردات في داات ا واقعية ‪ ،‬و ربما يفهم على انه‬
‫لغة الحلم نفسها ‪ ،‬لكن اامر ليس كذلك في اللغة المفتوحة‬
‫المتوهجة ‪ ،‬خيال اللغة المتوهجة في طغيانها و حضورها بحيث تكون‬
‫هي الواقع الذي ا يرى غير ‪ ،‬هي العيش العميق الواقعي في اللغة‬
‫المتخلية عن معانياها المرجعية ‪ .‬كما ان ا نعيش واقعا في الحلم ‪ ،‬ففي‬
‫ِ‬
‫المسافات الم هوكة‬ ‫ِ‬
‫تجاعيد‬ ‫ال ص ُ‪ُ َ1‬تأتأت شقوق اللمس َ ُفي‬
‫أهداب القصائد و ‪ / ...........‬مرآةُ جثّةُ ِ‬
‫الحلم ‪/..‬‬ ‫َ‬ ‫طيف يضيءُ‬
‫ٌ‬
‫تلتحف خطو َط الظ ِل َ تتجاوز سرعة اللغة ه ا سرعة الضوء و سرعة‬
‫ُ‬
‫التفكير فا يستطيع الفكر اللحاق بالصورة اا من خالها ‪ ،‬ابدا ا‬
‫يستطيع ان يتصور امرا اخر غيرها ‪ ،‬اا انه ليس تصور مع وي انه‬
‫أشيب‬
‫وجع ٌ‬ ‫تصور لغوي انه حضور اللغة العظيم ‪ .‬و في نص ُ‪ٌ َُ34‬‬
‫كف عذراء َ ُ ذاها يغر ُق الصمت في بخا ِر السواقي بي ما‬‫‪ ....‬و ٌ‬
‫شات ا تجفل فو َق ِ‬
‫عيون القيظ‬ ‫شهيق سحابة الغَبَ ُ‬
‫العشب يحك ظهر َ‬
‫ُ‬
‫نديم يشكو ظلمةَ ت اث ِر الحلم َ هكذا اللون من اللغة نادر جدا‬
‫ا َ‬
‫انه يحتاج الى تعال على البوح و خروج يرتقي الهذيان القصدي و‬
‫المع ى بالامع ى ‪ ،‬فا يكون خلف اللغة شيء سوى اللغة ‪.‬‬

‫الموسيقى‬ ‫‪.4‬‬

‫في هذ ال صوص اشكال متعددة للموسيقى تبدا من الحروف الى‬


‫الكلمات الى التركيبات الى الفكر الى الصور الى البوح ‪ ،‬الى‬
‫الفضاءات ‪ ،‬كلها تصل الى نقاط الت اغم و ااستجابة الت اغمية في‬

‫‪73‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫المتلقي ‪ ،‬و ه اك وفاء كبير للموسيقى بانتقائية عالية للكلمات و‬


‫التراكيب واضح وجميع ال صوص و مفرداتها و كلماتها شاهدة على‬
‫ذلك ‪ ،‬و مثاا على ذلك و مثله غير كما في نص ُ‪ُ َ2‬على الرصيف‬
‫تتجه ُم‬ ‫ِ‬ ‫س في ِ‬
‫إزميل الوحدة ‪ /..‬دائماً ّ‬ ‫ترسم حيرتهاَ ُظالها تتك ّد ُ‬
‫ُ‬
‫يهمس ‪ /....‬يا‬ ‫خلف ال ِ‬
‫افذة ‪/..‬‬ ‫كم إنزوى صوتها َ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫بوجه قصائدها ْ‬
‫لغر ِبة اأحام ! َ الموسيقى ه ا ظاهرة بل تتجلى على مستوى‬
‫الحروف و على مستوى المفردات و على مستوى التجاور المفرداتي‬
‫و على مستوى التجاور الجملي ‪ ،‬و على مستوى البوح و البيان و‬
‫التوصيل و الحكاية ‪ ،‬و الصور و المعاني َ ‪.‬‬

‫الصور‬ ‫‪.5‬‬

‫الصور من حيث المجال فانها متسمة بالوصف و الحكاية و ااخبار ‪ ،‬و من‬
‫حيث التركيب فان المجازية العالية و الموسيقى العالية تجعل من هذ ال صوص‬
‫عالما غ يا جدا ‪ ،‬و لشدة سرعة الكلمات فان ه اك ميا غريبا للغة نحو‬
‫اانعتاق و التطاير في فضاءات ا مت اهية‬

‫و اما من حيث المحتوى فان ا امام عالم ا ي تهي من الب اءات الجميلة ‪ ،‬حيث‬
‫كم هائل من الث ائيات اارادة و العجز ‪ ،‬الياس و اامل ‪ ،‬و الفرحة و الغصة ‪،‬‬
‫عالم من الخاص ‪،‬و الرغبة ‪ ،‬وسط عالم من العجز و الخوف هي محور كثير‬
‫حين يكو ُن الزمن‬
‫ترسم حيرتهاَ ُ َ‬‫من الصور ‪ ،‬ففي نص ُ‪ َُ2‬على الرصيف ُ‬
‫هات الب ِ‬
‫ادق ‪ /..‬ي بغى أ ْن‬ ‫ثقب إبرةٍ ‪ /..‬وتجلس المتاهات في فو ِ‬
‫من ِ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫هارباً ‪ْ /..‬‬
‫ِ‬
‫الخوف‬ ‫بيع بعط ِر‬ ‫ِ‬ ‫نهاجر في ِ‬
‫إعشوشب الر ُ‬
‫َ‬ ‫الدهشة َ و فيه ُوإذا‬ ‫عوالم‬ ‫َ‬

‫‪74‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫عوائل اأزها ِر‬ ‫ط غادرتها‬ ‫ِ‬


‫ضفاف الخريف ‪ ،‬وإذا الشطو ُ‬ ‫الجماجم على‬ ‫بت‬
‫ست ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فا عودةَ لل ب ِع يتعط ُّر بالطي ِن َ‬

‫الجهة الثانية ‪ :‬الجمالية‬

‫اوا ‪ :‬التصوير‬

‫تعدد القراءة‬ ‫‪.1‬‬

‫ان جميع المميزات المتقدمة التي ذكرناها ‪ ،‬تجعل هذ اللغة في هذا الديوان‬
‫تحقق عما مفتوحا ‪ ،‬بامتياز ‪ ،‬و تكون جميع مقاطع ال صوص شواهد على لغة‬
‫متعددة القراءات‬

‫مفاتيح الربي ِع هاجعةٌ ‪/..‬‬


‫ُ‬ ‫ترسم حيرتهاَ ُ‬
‫في نص ُ‪ َُ 2‬على الرصيف ُ‬
‫الرصيف ترسم حيرتها ‪ /..‬وتذاكر السف ِر متآكلةٌ في ِ‬
‫قبضة‬ ‫ِ‬ ‫على‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اأنتظار َ ان هذا المقطع متموج ‪ ،‬كلمات ضاربة في عمق التجربة‬
‫البشرية ‪ ،‬الربيع و الرصيف حتى ااطفال يعرفونها ‪ ،‬ثم تاتي المفاتيح‬
‫و الرسم ‪ ،‬المحتاجة الى معرفة ‪ ،‬ثم تترقى الى المفاتيح الهاجعة ‪ ،‬و‬
‫ت تهي باانتظار ‪ ،‬اايحائية الحكائية ‪ ،‬وسط هذا ال ظام من التلون‬
‫المفرداتي ااستعمالي و الب ائي ‪ ،‬يكون واضحا تعدد القراءة و انفتاح‬
‫يهرب‬ ‫ال ص على تفسيرات كثيرة َ و في نص ُ‪ُ َ3‬من ِ ٍ‬
‫ثقب إبرة ‪ُ ..‬‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫العصف ‪ /..‬غيوم‬ ‫الزمنَ ُأهلّي أيّتها القصائ ُد ‪ /..‬وتآصري مع موجة‬
‫اجيح‬ ‫ِ‬
‫وحمحمي ‪ /..‬فار ُ‬ ‫ضمائر مستترة ‪ّ ،‬‬
‫َ‬ ‫تتمدد ‪ /..‬فو َق‬
‫ُ‬ ‫السماء‬
‫سرج الفرائس ‪ َ ....‬فالقصائد و الغيوم و الشرق ‪ ،‬ثم‬
‫الشر َق ‪ /..‬تُ ُ‬

‫‪75‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الغيوم تتمدد فوق ضمائر مستترة ‪ ،‬ثم اراجيح الشرق ‪ ،‬تسرج الفرائس‬
‫‪ .‬ا اشك انها فعا تحدث معاني و تصورات و تفسيرات ا تتشكل‬
‫اا بمعونة ثقافة القارئ و ميوله ‪ .‬و هكذا نجد ال صوص كلها ‪ ،‬فانها‬
‫متق ة في التعالي على التوصيلية ‪ ،‬فالبوح متحقق باايحاء و التعاونية ‪،‬‬
‫و التكاملية ‪ ،‬لقد اجاد الشاعر فعا في تحقيق لغة ا يستطيع المتلقى‬
‫ان يرى دااتها اا من خال نفسه ‪.‬‬

‫ان اهم ما اريد التاكيد عليها هو ان شعر كريم عبد اه ‪ ،‬يقدم ل ا نموذجا‬
‫حقيقيا للغة الف ية التي ا توجد في الخارج متكاملة و انما توجد في عملية‬
‫القراءة ‪ ،‬ان الشاعر كريم عبد اه قد تجاوز الكتابة الحداثية و حلق عاليا في‬
‫كتابة رائدة في فن ما بعد الحداثة ‪ ،‬التي تست د على التكاملية بين الكاتب و‬
‫الكتابة و المتلقي و التلقي ‪ ،‬نظام رباعي ا يمكن القول بتحقق العمل و‬
‫تكامله اا بهذ العوامل ااربعة ‪ ،‬العمل الف ي الذي ي تجه المتلقي ب ور ال ص‬
‫‪ ،‬العمل الذي يكون فيه ال ص طريقا الى ال ص و مرشدا اليه ‪.‬‬

‫اايحائية‬ ‫‪.2‬‬

‫ا ريب ان العهد الواضح الذي اتخذته لغة ُ وجع اشيب و كف‬


‫عذراء َ بالقطيعة مع التوصيل المباشري ‪ ،‬و العمل ليس فقط على‬
‫تاجيل البوح ‪ ،‬بل البوح بغير المع ى المرجعي ‪ ،‬البوح باللغة ذاتها‬
‫بكونها شكا ‪ .‬الكلمات ما عادت دوال لمعاني و انما اضواء تكشف‬
‫مساحات واسعة من المع ى ‪ ،‬تتداخل تلك المساحات فتص ع صورا‬
‫ملونة متشابكة ‪ ،‬ا يصل اليها اا بانتهاج اايحائية و التحرر من‬

‫‪76‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫دلق‬
‫ان ال عاس ‪ ..‬؟َ ُ ي ُ‬‫سلطة التوصيل ‪ .‬في نص ُ‪ َُ6‬من يلجم ع ِ‬
‫ُ ُ‬
‫تتكس ُر المواعيد‬ ‫صوت ِ‬
‫الرمل يمأُ قارورة اأرتعاش تتج ّذ ُر ال آ ‪ّ /..‬‬ ‫ُ‬
‫‪ /..‬على ِ‬
‫طاولة القلق َ ه اك صوت الرمل ‪ ،‬فضاء بلونه المميز ‪ ،‬يما‬
‫بوجود المكاني قارورة اارتعاش ‪ ،‬عالم اارتعاش ‪ ،‬تتجلى ال ُ اَ و‬
‫اامت اع ‪ ،‬تتكسر المواعيد ‪ ،‬تكسرا على طاولة ‪ ،‬كيان رهيب هو‬
‫القلق ‪ ،‬انه تموج اللغة ‪ ،‬البوح العظيم بلغة حاضرة ‪ ،‬تؤجل المع ى‬
‫أصوات‬
‫َ‬ ‫تلوك‬
‫تؤجل البوح ‪ .‬و فيه ايضا ُ المد ُن الغارقةُ باآتي ‪ُ /..‬‬
‫زف‬
‫حين ف ّكوا أزر َار حزنهم ‪ / ..‬و‪ .....‬الصدى ي ُ‬
‫احلين ‪َ /..‬‬
‫الر َ‬
‫المواويل َ ا يمكن الوصول الى ما يبوح به الشاعر اا بالتخلي عن‬
‫التوصيلية و اللجوء و اارتفاع الى مستوى ااستيحاء و تلقي ااشارة‬
‫و ااسترشاد ‪ .‬و هكذا اغلب المقاطع ‪ ،‬ا تمك ك من بلوغ استقرار‬
‫حكائي و قصدي اا بركوب موجة ااستيحاء ‪.‬‬

‫التجاورية التجريدية‬ ‫‪.3‬‬

‫ربما من اصعب ما يمكن ادعاؤ في كتابة للغير هو التجريدية اللغوية ‪ ،‬و بي ما‬
‫كان هذا الشيء سابقا ليس باامر المتاح للقارئ انغاق ال ص ‪ ،‬اا ان‬
‫الكتابة الحديثة و ال ص المفتوح يجوز للقارئ ان يدعي التجاورية و التجريدية‬
‫العالية ‪ ،‬ان استساغة التجريدية في غير االفاظ كاالوان و االحان كان سببه‬
‫تاصل المجانية التعبيرية في تلك المواد ‪ ،‬اما االفاظ فانه ا يمكن تصورها‬
‫قصديا من دون تعبيرية ‪ ،‬لذلك نجد الذين يحققون التجريدية اللغوية ي سبونها‬
‫الى الهذيان و اانثيال و الحلم ‪ ،‬نعم هي تشبه ذلك كله اا انه ليست ايا من‬
‫ذلك ‪ ،‬ففي حال صدور ذلك من شاعر متمكن من ادواته و حقق ابداعا في‬
‫اللغة التعبيرية ‪ ،‬فان صدور التجريدية القصدية م ه تحقق جمالية اللغة‬

‫‪77‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫التجريدية ‪ ،‬و توجب على القارئ و على ال قد اللحاق بذلك المستوى اللغوي‬
‫‪ ،‬و التعجيل من سرعة القراءة لبلوغ القصد ‪ ،‬و اامر يكون اسهل لو فهم ا ان‬
‫الكاتب يعتمد على القارئ في اكمال العمل اللغوي ‪ .‬و يجب التاكيد ان‬
‫عملية تحقيق القصدية من التجريديات هو عملية تلقياتية قراءاتية اكثر مما هي‬
‫كتابية ‪ ،‬انه ب اء قصيدة جديدة و شعر جديد بل هو انتاج كام جديد اصا ‪،‬‬
‫ان اللغة التجريدية لغة تجعل من القارئ شاعرا ‪ ،‬وه ا نقول هل يمكن لكل‬
‫قارئ ان يصبح شاعرا ‪ .‬لقد راجعت مقاطع هذ ال صوص ‪ ،‬و تلمست‬
‫الحكائية و التعبيرية كمتلقي في عباراتها ‪ ،‬فوقفت على تعابير تحتاج الى مزيد‬
‫من التخلي عن الم طقية الب ائية و مزيد من التأويل و اابتعاد عن خط الدالة‬
‫الظاهري اجل بلوغ استقرار قصدي ‪ ،‬اي تحتاج الى الشاعر داخلي انا‬
‫المتلقي لكي الحق بها ‪ .‬ففي نص ُ‪ َُ 1‬تأتأت شقوق اللمس َ ُ مرآةُ جثّةُ‬
‫يكح ُل‬
‫العطر ‪ّ ..‬‬
‫ط الظ ِل َ و في نص ُ ‪ َُ21‬ي مو ُ‬‫تلتحف خطو َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الحلم ‪/..‬‬
‫كرسي‬
‫ص داليةً يعاندها ٌ‬ ‫تتقم ُ‬ ‫جفو َن المشاحيفُ في آخ ِر ِ‬
‫الليل فراشةٌ ه اك ‪ّ /..‬‬
‫هزاز َ‬
‫ّ‬

‫ثانيا ‪ :‬التجربة‬

‫تجلي التجربة‬ ‫‪.1‬‬

‫حي ما تتجسد التجربة و تبرز و يكون لها ظهور و حضور في لغة رمزية‬
‫و ايحائية فان ذلك يع ي ان ا امام لغة ابداعية ‪ ،‬و لظهور التجربة‬
‫تفاوت ‪ ،‬و له اشكال متباي ة ‪ ،‬فالذاتية الموالية ال اقمة المتالمة‬
‫الصمت َ و تتجلى في‬
‫ْ‬ ‫تتجسد و تظهر في ال ص ُ‪ُ َ36‬ملحمة ثورةُ‬

‫‪78‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫تغتال فرحةَ الكحلَ الذات المتألمة‬


‫ال ص ُ‪ َُ33‬رغوةُ الق اطر ُ‬
‫ِ‬
‫ضعفه تختض جامحةًَ‬ ‫خيول‬
‫المهزومة و الخائرة ‪ .‬و في نص ُ‪ُ َُ31‬‬
‫تتجلى الغربة و الحزن ‪.‬‬

‫لتجلي التجربة و الذوات صورة مختلفة ‪ ،‬اهمها الحضور التصويري ‪،‬‬


‫الحضور التراكمي ‪ ،‬الحضور الثيمي ‪.‬‬

‫أ – الحضور التصويري‬

‫الحضور الصوري يان يكون تدخل الذات المعي ة او الشيء المعين في‬
‫نظام تصويري تتحرك فيه ‪.‬‬

‫يجرح الماضي اآفل يدثّ ُر‬


‫ُ‬ ‫وجه الغر ِبة‬
‫في نص ُتغر ُق الكؤوس في بئرهاَ ُ َ‬
‫الدفاتر‬ ‫حطب‬ ‫ٍ‬
‫قسمات أيقضها‬
‫َ‬ ‫ُ‬

‫يكتئب غبار الح ي ِن ‪ /..‬تلف عراقيلها‬


‫ُ‬ ‫كواكبها طيّبة ناضجة ‪ /..‬توميءُ كلّما‬
‫بورق الوحشة َ فالذات المتشخصة ه ا هي التجربة تظهر ل ا كشخص نصي ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫له وجهه اي حضور و تعبير و كل ما يحمله الوجه من معاني في وعي اانسان‬
‫‪ ،‬ان هذا الغربة و بوججها هذا تجرح ‪ ،‬لها قدرة على الفعل المؤثر ‪ ،‬انه يفعل‬
‫فعلته بالزمن و التاريخ و زوايا من الوجود و الذاكرة ‪ ،‬ان الغربة لها حضور مؤثر‬
‫حتى على مامح الحاضر انه الغربة بوجهها ذاك له سلطة فا يدع للقسمات‬
‫حرية ‪ ،‬الفقسمات التي ايقضها عالم الدفاتر المتراكم المتخذ زاوية من المكان‬
‫‪ ،‬في هذا الجو من التسلط ‪ ،‬نجد خزنا يتمظهر بسبب تلك الغربة لكواكب‬
‫طيبة تتجلي في فضاء الح ين ‪ ،‬لكن ال تيجة الحتمية لهكذا عالم من ااغتراب‬
‫لتلك الوجودات هو الوحشة التي تغلف المكان َ هذا الشكل من التجلي‬

‫‪79‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫للغربة ‪ ،‬التي تظهر بهذا الشكل المؤثر الذي يص ع عوالما و يم ع اخرى يقرب‬
‫كيانات و يبعد اخرى ‪ ،‬انه وجود مؤثر اثر في الكتابة و الكاتب و القراءة و‬
‫المعرفة المستفادة ‪ ،‬هذا الشكل من التجلي هو الحضور التصويري ‪.‬‬

‫ب‪ -‬الحضور التراكمي‬

‫الحضور التراكمي ان يكون للذات و التجربة صورة حضورية‬


‫متميزة متكونة بال ص قد تحاكي الواقع او ت هل م ه الضوء ‪.‬‬

‫ان ال صوص او ااعمال الف ية عموما التي تتشكل و تظهر في فترات‬


‫زم ية متقاربة تكون دائما تحت تاثير عالم مت اسق معرفي و قدراتي و‬
‫قدراتي و ذوقي ‪ ،‬و هذا مع انه م طقي فان وجدان كل كاتب يصدقه ‪،‬‬
‫فالقزات او التغيرات التاريخية للكاتب انما تكون بعد حصول التفاعل‬
‫في فترات متباعدة نسبيا ‪ ،‬و اصدار ديوان يستمل على نصوص فان‬
‫الفريضة ااولية هي انها كانت تحت تاثير مزاج ف ي و جمالي و رسالي‬
‫واحد ‪.‬‬

‫من ه ا ا يخل بتحصيل الصورة التراكمية لمع ى معين بانتزاعها من‬


‫مجموعة ال صوص الداخلة في هذا ال ظام الواحد ‪ ،‬فا تختلف في‬
‫ذلك عن ال ص الطويل ‪ ،‬و يمكن ان نسمي ذلك العالم الخلفي‬
‫المؤثر بالوحدة الف ية لاعمال و التي قد تكون سمة واحدة اعمال‬
‫الكاتب طول حياته يتميز بها اسلوبه و رؤا و معاني مكونات اعماله ‪،‬‬
‫و خصوصا و نحن في عصر المواقف و الصراعات ‪.‬و في الحقيقة‬
‫الحضور التراكمي هو الصورة الواقعية لتجلي الشيء المعين محل‬

‫‪80‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫البحث ‪ ،‬و الحضور التصويري و الحقلي القاموسي هي عامات و‬


‫اشارات لذلك الحضور َ‬

‫الصورة التي تجلت بها الغربة ‪ ،‬كانت كتلة تعبيرية ‪ ،‬بمعية غيرها من كتل‬
‫التصوير للغربة ‪ ،‬يتكون لدي ا تاريخ للغربة في الديوان كله ‪ ،‬فقد ذكرت الغربة‬
‫رداء الخجلَ‬‫ُاأطياف ‪ ..‬تقد َ‬
‫ُ‬ ‫في مواطن متعددة من الديوان ‪،‬ففي نص‬
‫ِ‬
‫الشرفات تهدأُ‬ ‫وخلف‬ ‫ِ‬
‫اللمس ‪/..‬‬ ‫اقير‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫جزر الياقوت ‪ /..‬لو تدغدغها م ُ‬ ‫ُتتفتّ ُح ُ‬
‫ِ‬
‫الشتاء‬ ‫وثقوب‬ ‫حشود الليالي ‪ /..‬تترنّ ُم فو َق غ ِج ال دى ‪/..‬‬ ‫الصواري \بقايا‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ضح شبابيكها ‪ /..‬فجراً في يُتمها‬‫العشق ت ُ‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫تفتّ ُق الغربة \في بقايا اآتي َ‬
‫تتاطم ‪َ/..‬‬
‫ُ‬ ‫دلق أمواجها‬
‫الصارخ\ت ُ‬
‫صفحات ح َد ِ‬
‫قات‬ ‫ِ‬ ‫تفترس زوبعةَ المفاتنَ‪ُ0‬وعلى‬ ‫متوحشةٌ ‪..‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫و في نص ُ ّ‬
‫يح عذابات عصافيرها ‪/....‬‬ ‫ٍ‬
‫ح بالشروق \أي زمان يز ُ‬ ‫تلو ُ‬
‫الذبول شهقةٌ حبيسةٌ ّ‬
‫شتات‬
‫َ‬ ‫يزحف ‪ /..‬ويلم‬
‫ُ‬ ‫طيف‬
‫يسكن لُحائها ٌ‬ ‫ِ‬
‫بالدفء ‪ /..‬آ َن‬ ‫المتوردة‬ ‫وأغصانها‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫هذ ِ الغربة ‪ ....‬؟َ و في ال ص ذاته ُوقبلما يشر ُق اللوز في سريرها ‪/..‬‬
‫وحين‬ ‫ِ‬
‫زجاج ذهول الصوت ‪ /..‬يرقّ ُق حواشي المساءات\ َ‬ ‫من ِ‬ ‫الضباب ْ‬
‫ُ‬ ‫سي جلي‬
‫وتعشعش‬
‫ُ‬ ‫المحيطات الضحلة ‪ /..‬يعم الطوفا ُن بأوردةِ الغر ِبة ‪/..‬‬
‫ِ‬ ‫ط في‬
‫تهب ُ‬
‫تحت إبطيها َ‬
‫وارس َ‬
‫ال ُ‬

‫فقاقيع الحطبَ ُوجهُ الغر ِبة يتغطّى‬


‫َ‬ ‫تصهر‬
‫و في نص ُعيونها المشمسة ‪ُ ..‬‬
‫ُرهقت‬
‫البسمات أ ْ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫هواجس الريح \‬ ‫والبساتين تغفو على‬ ‫بتسابيح الذكر ِ‬
‫يات‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ب يبوسةَ السعف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب شيجها ‪ /..‬طمأني ةُ الترقرق فو َق الميا ‪ /..‬تش ّذ ُ‬
‫كضَ‬ ‫ِ‬ ‫اء ِ‬ ‫تستسقف بشائر ٍ ٍ‬
‫الشوق مكبوتة تر ُ‬ ‫هديل‬ ‫صبح غاف ‪ /..‬وور َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫\‬

‫‪81‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫يجرح الماضي اآفل‬


‫ُ‬ ‫وجه الغر ِبة‬
‫رداء الخجلَ ُ َ‬
‫ُُاأطياف ‪ ..‬تقد َ‬
‫ُ‬ ‫و في نص‬
‫الدفاتر\ كواكبها طيّبة ناضجة ‪ /..‬توميءُ كلّما‬ ‫حطب‬ ‫ٍ‬
‫قسمات أيقضها‬ ‫يدثّ ُر‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫بورق الوحشة\ يتهاوى على مسام ِع‬‫يكتئب غبار الح ي ِن ‪ /..‬تلف عراقيلها ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الشيب بَ َر ُدها َ‬

‫حول‬
‫تزحف َ‬
‫ُ‬ ‫عباب الغد ِر َ ُتلم الدنيا ّ‬
‫مسراتها‬ ‫ارات ‪ ...‬تشق َ‬
‫و في نص ُف ٌ‬
‫مجرحةً تقيّدها هاويةً‬
‫تشهق بها الشموع ‪ /..‬تتأو ُ ّ‬‫ُ‬ ‫ط حسرةً‬
‫الجروح ‪ /..‬تلتق ُ‬
‫ِ‬
‫بأعماق‬ ‫غراب‬
‫عق ٌ‬ ‫المواجع تس دها على جدا ِر الصب ِر ‪ /..‬ي ُ‬ ‫تدير‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫للرحيل\ ُ‬ ‫ترتّل‬
‫ّل بالخم ِر َ‬ ‫ترجم وجهَ ِ‬ ‫ِ‬
‫اأفق المبل َ‬ ‫الغربة ‪ُ /..‬‬
‫ِ‬
‫الياقوت ‪ /..‬لو‬ ‫جزر‬
‫رداء الخجل َ ُتتفتّ ُح ُ‬
‫ُاأطياف ‪ ..‬تقد َ‬
‫ُ‬ ‫و في نص‬
‫حشود‬ ‫ِ‬
‫الشرفات تهدأُ الصواري \بقايا‬ ‫وخلف‬ ‫ِ‬
‫اللمس ‪/..‬‬ ‫اقير‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫تدغدغها م ُ‬
‫ِ‬
‫الشتاء تفتّ ُق الغربة \في بقايا‬ ‫وثقوب‬ ‫الليالي ‪ /..‬تترنّ ُم فو َق غ ِج ال دى ‪/..‬‬
‫ُ‬
‫ضح شبابيكها ‪ /..‬فجراً في يُتمها الصارخ َ‬
‫العشق ت ُ‬ ‫ِ‬ ‫من‬
‫اآتي َ‬

‫فلدي ا تاريخ عريض للغربة في ال صوص ‪ ،‬فانها غربة تفتقها ثقوب الشتاء ‪ ،‬و‬
‫يلمم شتاتها طيف ‪ ،‬وجهها يتغطى بتسابيح الذكريات ‪ ،‬و يجرح الماضي ‪ ،‬و‬
‫ي عق في اعماقها غراب ‪ ،‬و بالتاكيد بعد تجلي فضاءات وحقول داات كل‬
‫عبارة في مكانها فانا س كون امام كائن متطور له تاريخه العريض ه ا هي الغربة‬
‫‪.‬‬

‫ج ‪ -‬الحضور الثيمي‬

‫‪82‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫اي ان التجربة او الذات تتجلى و تظهر بطغيان قاموس مفرداتي من حقل‬


‫مع وي معين ‪ .‬ي بث في مواطن مختلفة من ال ص بشكل مفردات تمثل الثيمة‬
‫لل ص و ليس بالضرورة ان تكون متعمدة ‪ ،‬بل انها تفرض نفسها بفعل تفاعلية‬
‫الكاتب مع الخارج ‪ .‬فان لكل ذات او تجربة مظاهر مع وية و تازمية في‬
‫الوعي و الفكر ‪ ،‬انبثاث تلك المعاني مع مقدار مركزيتها في العبارات و تاثيرها‬
‫تتولد الصورة الحضورية للتجربة العليا و الذات الماورائية الباعثة على وجود‬
‫تلك المعاني فتكون كعامات على وجودها و مراداتها ‪ .‬و الحضور الثيمي‬
‫يمكن ان يكون مقاميا مقتصرا على نص و ان يكون عاما يسمل جميع الم تج‬
‫‪ .‬فانا اي قارئ سوف يجد جوا من الحزن يكت ف الكتابة عامها و خاصها ‪ ،‬و‬
‫دائما يصطدم بالعامات التي ترجع الى حقول الحزن و ااسى ‪ ،‬و ا ريب في‬
‫ذلك اذ فهم ا ان الكتابة هي تفاعل حقيقي مع المحيط ‪.‬‬

‫الامباشرية الوسائطية‬ ‫‪.2‬‬

‫بي ما تتجسد التجربة و تظهر في اللغة التوصيلية عن طريق اللغة و دااتها‬


‫المباشرة ‪ ،‬فان تجليها في اللغة اايحائية تكون عبر وسائط فهم و ترتيب ‪ ،‬ا‬
‫يع ي ذلك ضعف الحضور و انما يع ي تعقيد الظهور حتى انه يصبح من شدة‬
‫ظهور خفيا ادراكه في التجلي العظيم كما هو معلوم ‪ .‬التجربة العميقة تتجلى‬
‫باشكال مختلفة ‪ ،‬و بانظمة مختلفة ‪ ،‬و بطرق مختلفة ‪ ،‬وهذا كله يستدعي‬
‫الى عبور محطات و قطع مسافات فهمية و الت قل بين مجاات معرفية للوصل‬
‫الى استعدادات ادراك التجربة ‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫المسافات الم هوكة ‪ /‬مرآةُ جثّةُ ِ‬


‫الحلم‬ ‫ِ‬ ‫في ال ص ُ‪ُ َ1‬تأتأت شقوق اللمسَ ُ‬
‫ِ‬
‫باأشواك‬ ‫ِ‬
‫اأشواق ‪ /..‬تغص‬ ‫من‬ ‫ِ‬
‫مسامير تدك لغةَ الصمت \ حش ٌد َ‬
‫ٌ‬ ‫الرموز‬
‫ُ‬ ‫‪/..‬‬
‫شحوب ِ‬ ‫ِ‬
‫الليل‬ ‫َ‬ ‫خر الروح \ و‬ ‫من مداف ٍن ت ُ‬
‫مجامر الشقاء ‪ /‬عائ ٌد ْ‬
‫َ‬ ‫تحرس‬
‫ُ‬ ‫‪/..‬‬
‫ف ‪ /..‬جيوبها مخزيّة ‪/..‬‬ ‫رماد الزيّ ِ‬
‫ثياب القه ِر يش ّقها ُ‬
‫يعصر تلويحةَ العودة \ ُ‬‫ُ‬
‫بين الضلوع \ كل ما على الجبي ِن ‪ /..‬وصمةٌ تُشبِ ُع‬ ‫يستحيل َ‬
‫ُ‬
‫وأز ُيز الخر ِ‬
‫اب‬
‫ّب َ يحتاج القارئ في هذا ال ص الى اقتراب من عوالم تلك‬ ‫كابوس ال ّخل ِ‬
‫َ‬
‫التعابير ‪ ،‬و الصعود الى فضاءاتها ‪ ،‬ثم بعد ذلك اانتقال الى عوالم اعلى‬
‫تجمع بين تلك العوالم ‪ ،‬ثم الى ما هو اعلى حتى ي تهي الى عوالم تكون هي‬
‫مصدر لتلك التعابير و انها فضاءات الحزن و االم و المرارة ‪.‬و في ال ص‬
‫تتجه ُم ‪ /..‬يا‬
‫س ‪ /..‬دائماً ّ‬
‫ترسم حيرتهاَ ُ ظالها تتك ّد ُ‬
‫ُ‪ُ َ2‬على الرصيف ُ‬
‫يرحل ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫لما ْ‬ ‫ِ‬
‫فردوس ُ‬ ‫بأحضان‬ ‫زع عطر الرياحين ‪ /..‬تبكي‬‫تزل ت ُ‬ ‫لغربة اأحام ! ّ‬
‫تظر اإذ َن بي ما الم ّجمو َن‬
‫مؤجلةٌ \ ت ُ‬
‫اأخبار ّ‬
‫ُ‬ ‫تتكس ُر الحيرةُ في عي يها \‬
‫ّ‬
‫ستمطر فردوساً َ ت تهي‬ ‫يات المؤج ِ‬
‫لة ‪/..‬‬ ‫أوهموها ‪ /..‬بأن غيم َة اأم ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الفضاءات و الفضاءات ااعلى و العوالم و العوالم ااعلى الى عالم من‬
‫اانكسار و اانتظار هو مصدر تلك الفضاءات ‪.‬‬

‫اانسانية‬ ‫‪.3‬‬

‫محتوى التجربة هو الذي يحدد التمثيل الذي حققه الكاتب ل فسه و امته و‬
‫ج سه و عالمه ‪ ،‬و كلما كان التمثيل اوسع كانت الكتابة اكثر ميا للخاص ‪.‬‬
‫الصمت َ تمثيل اامة وتاريخها ‪ ،‬في نص ُ‪35‬‬
‫ْ‬ ‫في ال ص ُ‪ َُ36‬ملحمة ثورةُ‬
‫خجل الكلماتَ تمثل لانسانية في معاناة الجوع و‬
‫َ‬ ‫لزل‬
‫تقود جحافاً تز ُ‬
‫َُ ُ‬
‫أشيب ‪ ....‬و ٌ‬
‫كف عذراءَ تمثل لانسانية في‬ ‫وجع ٌ‬ ‫العوز ‪ .‬في نص ُ ‪ٌ ُ َ34‬‬

‫‪84‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫من ه اك ‪ ...‬أو َم ْن سر َق‬


‫تجربة الرغبة و المعاناة و العجز ‪ .‬في نص ُ‪ْ َُ17‬‬
‫هذ ِ القدم* ‪...‬؟َ تمثل لانسانية في معاناة شعب و جيل ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬ااستجابة الشعورية‬

‫ااستجابة الشعورية بجميع اشكالها تتحقق بمستويات مختلفة ع د تلقي العمل‬


‫الف ي ‪ ،‬الف ية بذاتها مصدر لاستجابة الشعورية باي مستوى كان ‪.‬‬

‫من الواضح ان اللغة اايحائية تعتمد ااستجابة الشعورية العميقة ‪ ،‬متجاوزة‬


‫الهزة الشكلية الخطابية ‪ ،‬بمع ى انها لغة كتابية ‪ ،‬وخصوصا اذا كانت تعتمد لغة‬
‫انتقائية ‪ ،‬و بي ما ا تتوفر تلك الحركة الظاهرية التي تصاحب الموسيقى‬
‫الشكلية و الخطابية التوصيلية الحماسية ‪ ،‬فان اللذة العميقة المعرفية و‬
‫الشعورية هي التي تمثل ال ظام المشاعري في ااستجابة اايحائية ‪ ،‬انها لذة‬
‫من ااعماق ‪.‬‬

‫و كلما اتجهت اللغة نحو التعالي التعبيري و التجريدية ‪ ،‬مع أيقاظ لمواطن‬
‫الشعور العميقة فانها تحقق حجما تاثيريا اكبر و تكون استجابة جمالية اطول و‬
‫اعمق ‪ .‬ان تاجيل البوح و المجاز و لغة الحلم و اابهار و الصدمة كلها‬
‫مصادر ااستجابة الجمالية ‪ ،‬و لقد تميزت لغة ديوان ُ وجع اشيب و كف‬
‫عذراء َ بكل تلك الع اصر ‪ ،‬و حققت لغة كتابية تحدت تاثيرا شعوريا عميقا و‬
‫واسعا كما هو ظاهر ‪ ،‬و جميع ال صوص شواهد على ذلك ‪.‬‬

‫الجهة الثالثة ‪ :‬الرسالية‬

‫‪85‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫رسالية العمل الف ي تكون في بعدين ااول الرسالة الجماهيرية وهي المتبادر من‬
‫العمل اانساني ‪ ،‬و البعد الثاني هي الرسالة الجمالية ‪ ،‬و التي تحققها اللغة‬
‫الجديدة ‪ ،‬و ا ريب ان لغة ُ وجع اشيب و كف عذراء َ قد حققت لغة‬
‫ابداعية جديدة ‪ ،‬متميزة بخصائص واضحة ‪.‬كما انا بي ا التمثيل و المحتوى‬
‫اانساني فيها ‪ ،‬وهما من ع اصر الرسالية الجماهيرية و كل ذلك يجسد الرؤية‬
‫العميقة و الواضحة التي هي ع صر من ع اصر الرسالية ‪ ،‬ان اللغة اايحائية‬
‫بابتعادها عن التوصيلية المباشرة ‪ ،‬و مع اسلوب اانتقاء اللفظي فانها تحقق‬
‫ابتعادا عن مجال المع ى المرجعي ‪ ،‬مما يستدعي ترقي القارئ ثقافيا اجل‬
‫اللحاق بالسرع الكامية لب اءات اللغة اايحائية ‪ ،‬فالتداولية و التعاونية التي‬
‫هي من ع اصر الرسالية الجمالية بقدر ما تكون من مهمة الكاتب فانها من‬
‫مهمة القارئ ‪ ،‬و بدل التخلي عن عبقرية اللغة و توهجها اجل انتاج لغة قريبة‬
‫للقارئ ‪ ،‬فان الواجب على القارئ تطوير استجابته الجمالية ‪ ،‬و اللحاق بعالم‬
‫الجماليات في الشعر المعاصر ‪ ،‬و ان عدم اهتمام المؤسسات ااكاديمية‬
‫باشكال الشعر الجديدة و جمالياته ادى الى تخلف القراءة في الوسط العام ‪.‬‬
‫ما عاد صحيحا ت اول الشعر ال ثري كاشكالية فان جمالياته و ف يته اصبحت‬
‫من اامور الراسخة ‪ ،‬فالواجب هو اارتقاء بالقارئ العادي لتلمس تلك‬
‫الجماليات ‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫مامح اللغة القوية ع د عيسى ابو الراغب‬

‫‪87‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ُ لست أحب الثلج أبدا \ وأحب فيه لون البياض \ فذاكرتي ا تحمل إا‬
‫وجعاً \ حين م فى في أيّار \ حين ولدت ي أمي في خيمة مشرعة للريح‬
‫وللبرد \ وكان صراخي يمأ الحي َ‬

‫عيسى أبو الراغب‬

‫اأساس ال ظري للّغة القويّة‬

‫التصور في م تهى‬
‫ّ‬ ‫التذوق ‪ ،‬و هذا‬
‫تصور أ ّن أساس عملية ال قد هو ّ‬
‫قد يُ ّ‬
‫الخطأ ‪ ،‬بل أساس عملية ال قد هو الفهم ‪ ،‬أي فهم لغة المؤلف ‪ ،‬و لكي‬
‫تستطيع نقد نص ا ب ّد أوا ان تفهم لغته‪.‬‬

‫ص ‪ ،‬بل واجبه أن يجب‬


‫ليس من واجب ال قد ان يعلن عن جمالية ال ّ‬
‫ص لن يكون جواب‬
‫لم هو جميل ؟ و من دون فهم لغة ال ّ‬
‫عن سؤال مح ّدد ‪َ :‬‬
‫متيسراً‪.‬‬
‫هذا السؤال ّ‬

‫لقد بي ا في مقاات ال قد ال ظري ا ّن لاستجابة الجمالية مقدار كمي و‬


‫كيف ي ‪ .‬فمن حيث الكم فان حجمها يت اسب مع البعد و المساحة التي ت فذ‬
‫اليها الدهشة بع صر المشاهدة ‪ ،‬فاادهاش المباشر يح ّقق استجابة جمالية‬
‫طولية أي ببعد واحد ‪ ،‬و اادهاش اايحائي يح ّقق استجابة جمالية مستوية اي‬
‫بشكل مستوي ث ائي البعد ‪ ،‬واما اذا كان ااستجابة جامعة بي هما فان الشكل‬
‫الحاصل سيكون مجسما اي ثاثي اابعاد ‪ ،‬وهو يتحقق بلغة تجمع بين‬
‫المباشرة و اايحاء‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫واما من جهة الكيف فان نقاط ااستجابة مختلفة بال وع وهذا ظاهر ‪.‬‬
‫حاسة لها انواع من الحواس و درجات ‪ ،‬فكذلك ااستجابة‬
‫وكما ا ّن كل ّ‬
‫الجمالية ‪ ،‬فبي ما تح ّفز الجمالية المباشرة نقاطا معي ة و الجمالية اايحائية‬
‫نقاطا اخرى مختلفة ‪ ،‬فان اللغة التي تجمع بين اايحاء و المباشرة تح ّفز‬
‫السر ااعظم للغة القويّة ‪ ،‬و هو ليس من مجال‬
‫جميع تلك ال قاط ‪ ،‬وه ا يبرز ّ‬
‫فاما مباشرة او ايحاء ‪ ،‬او ان تكون المباشرة‬
‫الدالة ‪ ،‬لكي يقال بتع ّذر الجمع ّ‬
‫طريقا الى اايحاء ‪ .‬بل اايحاء في اللغة القويّة اضاءة نقاط المعاني و الشعور‬
‫‪ ،‬انه ااشعاع ‪ ،‬هو ليس من دالة لفظ على اكثر من مع ى او دالة مع ى على‬
‫مع ى ‪ ،‬مع ا ّن هذ اشكال من اللغات الجمالية ‪.‬‬

‫يشع ‪ ،‬فاضاءة اللفظ‬


‫يشع و المع ى ّ‬‫ما يحصل في اللغة القويّة ان اللفظ ّ‬
‫ٍ‬
‫لمعان ليس بطريقة الدالة ‪ ،‬و اضاءة مع ى لمع ى ليس بالدالة انما بااشعاع‬
‫‪.‬‬

‫ص كالشمس واضحة مفهومة‬


‫حي ما تصبح االفاظ و المعاني التي في ال ّ‬
‫يحرر‬
‫معلومة و ب ورها ت ير ااشياء ‪ ،‬فتكون القراءة كضوء الشمس الذي ّ‬
‫اارض قطعة قطعة من الظام ‪ ،‬هكذا كلمات اللغة القويّة الفاظاً و معاني ت ير‬
‫عوالم المع ى ‪ ،‬عالماً عالماً كما ت ير الشمس ااراضي المجتاورة بل قد‬
‫تتجاوزها بان تكسر قيود المكان و الزمان فت ير البعيد قبل القريب ‪.‬‬

‫تأريخ اللغة القويّة‬

‫‪89‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫شة الجمالية‬
‫في البدء كان السؤال ‪ .‬كيف لشعر معيّن ان يح ّقق الده ّ‬
‫الكاملة ‪ ،‬كيف للغة المت بي العظيم و السيّاب و محمود درويش ان تفعل ذلك‬
‫؟‬

‫لطالما علمت أ ّن لغة المت بّي العظيم هي أفضل لغة في زمن الكاسيكيّة‬
‫‪ ،‬و لطالما علمت أ ّن لغة السيّاب هي أجود لغة في زمن الحداثة ‪ ،‬و لطالما‬
‫علمت أ ّن لغة محمود درويش هي أفضل لغة في زم ا ‪.‬‬

‫وك ت أشعر أ ّن خيطا قويا يوصل بي ها ‪ ،‬من ثم التفت الى تلك اللغة‬
‫العميقة الموحية و الحاكية في الوقت نفسه ‪ ،‬التي تجمع ال قيضين المباشرة و‬
‫سر عظيم‪.‬‬
‫الامباشرة‪ .‬فليس اأمر جمال صورة فقط ‪.‬انّه أعظم من ذلك ‪.‬انّه ّ‬

‫اللغة اما مباشرة حكائية او غير مباشرة ايحائية اا أ ّن ما يكتب هؤاء‬


‫الكبار ليس كذلك ليست من اللغة المباشرة و ا اللغة غير المباشرة ‪ ،‬انّها‬
‫ليست أيّاً من ذلك لكّها كل ذلك ‪ ،‬انّها لغة ت في أيّاً من ذلك لك ها تثبت كل‬
‫ذلك‪ .‬اذن هي لغة ال في و ااثبات ‪ ،‬انها لغة مباشرة و غير مباشرة في الوقت‬
‫نفسه ‪ ،‬انّها لغة تجمع ال قيضين‪ .‬تجمع اايحاء و التوصيل ‪ ،‬تجمع ااشارة و‬
‫البيان ‪ ،‬فهي في الوقت الذي تقول توحي ‪ ،‬و في الوقت الذي توحي تقول‪ .‬ا ّن‬
‫هذا الشكل من الجمع بين ال قيضين هو الكفيل في تحقيق الصدمة الجمالية‬
‫العالية و اابهار و اادهاش الكبيرين ‪.‬‬

‫نحس‬
‫نحس بها قريبة و سهلة و بسيطة‪ ،‬اا ان ا ّ‬‫هذ هي اللغة القويّة ّ‬
‫ايضا انّها غير مت اهية و انّها واسعة و انّها ليست بسيطة ‪ .‬و مع انّه ا تأجيل‬
‫ه ا ‪ ،‬فكل شيء واضح ‪ ،‬المعاني واضحة ‪ ،‬و معاني المعاني واضحة و ما وراء‬
‫ذلك و ما وراء الوراء واضح ‪ ،‬عالم واسع من الوضوح ‪ ،‬عالم غير مت ا من‬

‫‪90‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الوضوح ‪ ،‬كل شيء واضح ‪ ،‬لكن في الوقت نفسه كل شيء يتجاوز‬


‫الوضوح و البساطة و حدود الفهم ‪ ،‬بسعة تجعل السهولة صعوبة و البساطة‬
‫بعلوها ‪.‬‬
‫تعقيدا ‪ ،‬فيتح ّقق العجز أمامها ‪ ،‬و ااقرار العميق ّ‬

‫يقول المت بي العظيم ‪:‬‬

‫يب َحيثُ َما َكانَا َ‬ ‫ِ‬


‫يس غَر ٌ‬
‫ت في ْأهلي وفي َوطَ ي إ ّن الّف َ‬
‫ُ وه َكذا ُك ُ‬

‫انّها ليست صورة فقط و ا حكمة و تفاخر و تبا ‪ ،‬انّها عالم ثائر و‬
‫هائج من اارادات و ال داءات انّها اضاءات مساحات افكر الشاسعة ‪ .‬و‬
‫يقول في بيت آخر ‪:‬‬

‫ِ‬
‫َأود م َن اأيّ ِام َما ا تَ َود ُ َوأش ُكو إلَ َيها بَ ْي َ َا َو ْه َي ُج ْ ُد ُ‬

‫وايضا ليست ه ا صورة شعرية فقط و ا شكوى و ا حزن و حسرة فقط‬


‫‪ ،‬انّها اختصارات و اختزاات لحكايات و مديات و آ مال ‪ .‬و يقول في لغة‬
‫صادمة ا تتكرر‬

‫أنا الذي نظ ر اأعم ى إل ى أدب ي و أسمع ت كلمات ي م ن ب ه صم م‬

‫و يقول السيّاب الكبير مالئاً عالم ا بعالم من ال داءات و ااام و الحزان‬


‫‪:‬‬

‫ُ و ت ضح الجرار أجراسا من المطر \ بلورها يذوب في \ أنين \ بويب‬


‫يا بويب \ فيدلهم في دمي \ ح ين \ إليك يا بويب \ يا نهري الحزين \‬
‫كالمطر َ‬

‫‪91‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫انّها ليست مجرد شكوى و صور شعرية و حزن عميق ‪ ،‬انّها عالم واسع‬
‫من ال داء ‪ ،‬و اارادات ‪ ،‬و الحكايات ‪.‬‬

‫تتجسد هذ اللغة القوية المعطاءة التي ا حدود لها في شعر محمود درويش‬
‫الكبير حيث يقول ‪:‬‬

‫ّمت كل‬
‫يليق بمحكمة الدم كي أكسر القاعد ْ \ تعل ُ‬
‫ّمت كل كام ُ‬
‫ُ تعل ُ‬
‫الوطن ُ ‪...‬‬
‫ُ‬ ‫الكام‪ ،‬وفككته كي أركب مفردةً واحد ْ \ هي‪:‬‬

‫انها ليس مجرد اعتراض و شكوى و حزن و الم ‪ ،‬و ا مجرد صور شعرية‬
‫آسرة ‪ ،‬بل هي عوالم رفيعة و فضاءات واسعة من ال داء و اارادة و الخاص‬
‫‪ .‬و بهذ المباشرية اايحائية تتكامل لوحة عظيمة له يقول فيها ‪:‬‬

‫ُ تُ سى‪ ،‬كأنك لم تكن \ تُ سى كمصرع طائر \ كك يسة مهجورة تُ سى‪\ ،‬‬


‫كحب عابر\ وكوردة في الليل‪ ...‬تُ سى َ‬

‫ه ا ليست فقط بوح شفيف و حوار رفيع و تجربة متجلية و صور رائعة ‪ ،‬بل‬
‫مديات واسعة من المعاني و الهموم و ااحزان متكاثرة ‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫اللغة القويّة ع د عيسى أبو الراغب‬

‫تتجسد اللغة القوة بمظاهر خابة و شاعرية عالية المستوى في شعر‬


‫عيسى أبو الراغب ‪ ،‬جامعة بين المباشرة و اايحاء ‪ ،‬بين البساطة و الابساطة‬
‫‪ ،‬بين السهولة و الصعوة ‪ ،‬بين القرب و البعد ‪ ،‬انها اللغة الساحرة ‪ ،‬اللغة التي‬
‫ا تترك شيئا من طاقات اللغة ‪.‬‬

‫يقول في تصوير عال ‪:‬‬

‫ُ على مرأى من اه‬

‫أكلوا لساني‬

‫لم أغّي م ذ زمن بعيد‬

‫لست أنا حين مات الضوء في بيت جارنا‬

‫ك ت أتوضأ من مزراب البيت الطي ي‬

‫و أفتح في الظام شفة لقبلة َ‬

‫ليس اابهار ه ا وحد حاضر ‪ ،‬و ليست التوظيفات و الصور البديعة وحدها‬
‫حاضرة ‪ ،‬و ليس البوح الرفيع و الشكوى و لوحة الحزن وحدها حاضرة ‪ ،‬بل‬

‫‪93‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫يشرق ه ا عالم من المعاني ا ي تهي ‪ ،‬ليس له بداية وليس له نهاية ‪ ،‬انه يتمدد‬
‫في المكان من السماء حتى اارض ‪ ،‬و في الرؤية من الضياء الى الضام و في‬
‫الروح من الغ اء الى الصمت و من يأس و موت الى أمل و قبلة َ ‪ .‬هكذا اللغة‬
‫تتوهج باقصى درجة ممك ة ‪.‬‬
‫تعبّأ باكبر طاقة ممك ة ‪ّ ،‬‬

‫خاب أخر يقول ‪:‬‬


‫و في مقطع ّ‬

‫ُ لست أحب الثلج أبدا‬

‫وأحب فيه لون البياض‬

‫فذاكرتي ا تحمل إا وجعا‬

‫حين م فى في أيار‬

‫حين ولدت ي أمي في خيمة مشرعة للريح وللبرد‬

‫وكان صراخي يمأ الحي َ‬

‫انها ليست فقط صورة تعبيرية عميقة ‪ ،‬و ليست فقط توظيف ماهر لاشياء‬
‫الباردة ‪ ،‬انها حكاية برد ‪ ،‬برد قاتل موحش ‪ ،‬انه عالم من الصراخ و ال داء و‬
‫سط عالم من الثلج َ‬

‫و في حوار عميق يقول ‪:‬‬

‫‪94‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫يا ابي هذا انا‬


‫حين اوقفت ي الشمس وهي تشرق خارج مدارها‬
‫وسقط سهوا في حضن باد بعيدة‬
‫هذا انا حين نصب الزمان لي كمي ا‬
‫ونامت عيون الغزالة في الحديقة المجاورة‬
‫واكل ال اس لسان االهة القديمة‬
‫هذا انا‬
‫انعكاس الحياة بعد الموت ااخير‬

‫ُ انه عالم من تداخل الذوات ‪ ،‬و الحواس ‪ ،‬و ااشياء ‪ ،‬انها ال داءات‬
‫التي تأسر المكان ‪ ،‬توقض كل شبر فيه ‪ ،‬فا يبقى له حدود ‪ ،‬انها الحياة بعد‬
‫الموت َ‬

‫و في مقطع بلغة عظيمة مكثفة تسبق كلماتها الضوء يقول‪:‬‬

‫ُ يا سيدتي ا تبحثي عن جسدي وا عن اأسطورة الساك ة في مداي ‪/‬‬


‫فمداي المدي ة البعيدة الحزي ة ‪/‬والكثير يحمل م اديل بللها الدمع‬
‫فقط أنا ابحث عن اأسئلة القلقة ورسائل تبحث عن نفسها في دم الشوارع‬
‫‪/‬كل الحواس ت دس في الجدار الصامت وترسم جسد أنثى تتمايل في الثلث‬
‫اأخير من الليل ‪ /‬سأصحو قبل الفجر عل ي اسرق ما بقي م ها قبل أن يفيق‬
‫الجميع‪/‬وأخر سر اتركه شهقة قصيدة دمي ‪َ .‬‬

‫‪95‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ليس ه ا بوح فقط ‪ ،‬و ا حكايات اسطورية عن المدي ة ‪ ،‬و ا قصيدة موت‬
‫فقط‪ ،‬انه عالم واسع من المعاني المضاءة و الحكايات و ال داءات و‬
‫اارادات ‪.‬‬

‫و في نص مفتوح عالي المستوى يرسم ما ا يرسمه الخيال فيقول ‪:‬‬

‫ُ لم يكن معي في ليلي إا حلمي وحقيبة سفر ‪ /‬ورنين لموتى قد رحلوا قبل‬
‫وقت يكتبون أسماءهم على سطح الماء ‪ /‬وقصيدة تدخل مخاضها اأخير ‪/‬‬
‫غريبة كانت تلك الوجو التي تطل من الجهة البعيدة ‪ /‬ويتقلب جسدي في‬
‫الفراش وابعد عن حلمي الذئاب ‪ /‬وندخل اامحدود من القتال ‪ /‬وتصبح كل‬
‫شوارع المدي ة مصبوغة بلون احمر ‪ /‬هذا أنا الميت داخل حلمي ‪ /‬السائر‬
‫على طريق الماء َ‬

‫انه السير على طريق الماء ‪ ،‬انه الموت داخل الحلم ‪ ،‬انها اللغة القوية ‪ ،‬اللغة‬
‫التي تغّي التي تمأ اأرض بال داء ‪.‬‬

‫و في مقطع مذهل في تصوير يقول ‪:‬‬

‫‪96‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ِ‬
‫جمجمة الطفل‬ ‫ُ‬
‫ذاكرةَ الوجع‬
‫في ملح اأرض‬
‫وفي الطين‬
‫افتح بابك للهزيع اأخير‬
‫للغة تتشكل من دهشة الظ ون َ‬

‫انها ليست فقط فكرة الحياة ‪ ،‬و ا فكرة اللغة ‪ ،‬و ا فكرة الشعر حتى ‪ ،‬انها‬
‫عالم اوسع من الزمان و المكان ‪ ،‬اوسع بكثير ‪ ،‬و اعلى من الشعر و اعمق‬
‫السر الكبير َ‬
‫من اللغة ‪ ،‬انه ي بوع السحر المدهش ‪ّ ،‬‬

‫و في لغة اشراقية عالية يقول ‪:‬‬

‫ُ تذكر‬
‫سيكلمك اه من فوق سموات سبع‬
‫عبر األواح الممحية‬
‫وتعلمك المائكة اللغة البكر‬
‫قبل الذبح‬
‫وقبل أن تصل ذاكرة الخيال لعمى الكلمات َ‬

‫‪97‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫هذا ليس شعرا فحسب انه حياة و وجود ‪ ،‬و كيان و انفاس ‪ ،‬في عالم فسيح‬
‫‪ ،‬ا تتمكن الكلمات و اللغة العمياء من تلبية نداءاته ‪.‬‬

‫و في لوحة حلم خجلة يقول ‪:‬‬

‫ك ت احلم ‪ /‬كما يحلم الذين رحلوا وحين امسكوا خيط الشوق وحاكوا‬
‫ثوبا يحميهم من صقيع الباد‬
‫ك ت اخجل من أن احلم أكثر من الذين ماتوا حين كان الحلم بيد السلطان‬
‫ك ت اخجل حين امسك مزامير اآلهة القديمة فتبصق بوجهي‬
‫ك ت اخجل حين اجلس على طاولة المقهى ارتشف قهوتي في مقهى في‬
‫وسط المدي ة ‪ /‬ولفافة تبغي تحترق أمامي كما الباد ‪ /‬وأغمض عيوني الحزي ة‬
‫‪.‬‬

‫انه عالم من البكاء الرفيع ‪ ،‬انه صوت و نداء ‪ ،‬و حمم صقيع و ثلج‬
‫اهب ‪ .‬انها اللغة القوية ‪.‬انها لغة عيسى أبو الراغب ‪.‬‬

‫تجليّات الح ين في ُ تجليّات العزلة َ لقحطان جاسم‬

‫‪98‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫دبوان ُ تجليات العزلة َ للشاعر و ال اقد العراقي قحطان جاسم الصادر‬


‫في ‪ ، 2014‬كتب بلغة متفردة و بطريقة متفردة ‪.‬‬

‫أهم تح ّد يواجه ا في ُ تجليّات العزلة َ هو مفهوم القصيدة ‪ ،‬حيث ا ّن‬


‫الديوان ليس فيه اا ع وان واحد هوُ تجلبّات العزلة َ ‪ ،‬ثم تأتي ال صوص‬
‫بشكل فصول ‪ .‬وه ا من الجيد ا ّن نتع ّرض لفكرة القصيدة في لغة الشعر‬
‫الحديث ‪ ،‬حيث انّه مع تعالي وجود ال ص المفتوح ‪ ،‬و اللغة الوامضة يواجه‬
‫مفهوم القصيدة اشكالية كبيرة ‪ ،‬و ربما يمك ا الحكم با ّن زمن القصيدة‬
‫بمفهومها المعهود قد غربت شمسه ‪ ،‬و نحن اآن أمام بوح شفيف مكثّف‬
‫يهتّم بالبوح و الصورة الشعرية أكثر من الموضوع و ربّما يمك ا ع ّد ذلك من‬
‫مظاهر الكتابة الشعرية في عصر ما بعد الحداثة ‪.‬‬

‫ان الفهم المثمر لهذ الظاهرة هو بالتراجع قليا في فهم الوحدة في‬
‫الكتابة الشعرية ‪ ،‬فحي ما تكون الصور بشكل حلقات السلسلة يكون لدي ا ُ‬
‫اللغة المتسلسلة َ وهو صفة القصيدة المعهودة ‪ ،‬لكن في حال طغيان اللغة‬
‫التحرر من أحد طرفي‬
‫ااول ّ‬‫التحرر ‪ ،‬و هو على شكلين ‪ّ :‬‬
‫فانّها تميل الى ّ‬
‫م طقية اللغة ‪ ،‬فتبدو كأنّها معلقة ‪ ،‬حي ها يكون الترابط بأمور غير الموضوع ‪،‬‬
‫فتكون بشكل ع اقيد الع ب و هذ هي ُ اللغة المعلّقة َ ‪ ،‬و حي ما تبلغ اللغة‬
‫موحد و رابط‬
‫تتحرر من الطرفين فا يكون ه اك ّ‬
‫درجة عالية من التشظّي ّ‬
‫ظاهري لها سوى مصدر تكوي ها و أعماق عوالم المع ى و الدالة ‪ ،‬وهذ هي‬
‫ُ اللغة المتشظّيّة َ ‪.‬‬

‫فصول تجليّات العزلة ت تمي الى الشكل الثاني ‪ ،‬اذ انّها ُكتبت بَ َفس واحد‬
‫ظل‬
‫ملونة لشجرة عالية و ّ‬
‫موضوعي ‪ ،‬فكانت بشكل ع اقيد ع ب ّ‬
‫ّ‬ ‫مع تع ّدد‬
‫مديد ‪ ،‬ف جد ال صوص تتشح بلون الغربة و الح ين و التأو و الحسرة ‪ ،‬و‬
‫‪99‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫نجد الغربة تتجلّى بصور ظاهرة تخطف أبصار التل ّقي و مسامع الفكر ‪ .‬اذن‬
‫أشعة المعاني التي‬
‫يمك ا ان نرى قصيدة واحدة ‪ ،‬لكّها ملونة ‪ ،‬تتجلّى فيها ّ‬
‫توحد فصولها ‪.‬‬
‫ّ‬

‫لقد اعتمد جانب كبير من فكرت ا عن جماليات وع اصر اأبداع على‬


‫التجلّي ‪ ،‬من تجلي الذات و الموضوعات و التجربة و فوق ذلك و قبل ذلك‬
‫لكل مجال من هذ المجاات المع وية وظيفته و موقعه في‬
‫تجلّي اللغة ‪ ،‬طبعا ّ‬
‫أشعة تخترق جسد فصول‬
‫ال ص و الكتابة ‪ ،‬اا انّها كلّها يمكن ان تكون ّ‬
‫ال ص مح ّققة وحدته ‪ .‬و في تجليّات العزلة ‪ ،‬تتجلى الوحدة و الغربة بوضوح ‪،‬‬
‫حتى انّك ا تقرأ كلمة او كلمتين اا و حضرت الوحدة أمام عي يك ‪ .‬لقد كان‬
‫البوح بها عاليا ‪ ،‬و صارخا ‪ ،‬محققة وحدة ال ص ‪ .‬أيضا مرافقا لذلك نحد بوحا‬
‫شفيا و تجليّا مت وعا للح ين وسط هذا التجلّي الطاغي للغربة ‪ ،‬فيكون من‬
‫تلمس مظاهر ذلك التجلّي‬
‫التوهج لم اطق المع ى و الفكر البعيدة ّ‬
‫اامتاع و ّ‬
‫بصور المختلفة‪.‬‬

‫يتوهج نور مضيء في ال فس ‪،‬‬


‫حي ما تضرب الوحدة و الغربة في العمق ‪ّ ،‬‬
‫من عالم عميق و ي ابيع سريّة ‪ ،‬إنّه الح ين ‪ ،‬و لربما نقرأ كثيرا ا ّن الشعر‬
‫اعتراض ‪ ،‬اا ا ّن هذا ااعتراض في تجليّات العزلة يأخذ شكل الح ين ‪ ،‬ا ّن‬
‫الشعر في تجليّات العزلة هو الح ين ‪ ،‬ح ين الى حقيقة و الى وجود و الى‬
‫مجسم ‪ ،‬تجمع بين التوصيلية و اايحائية‬
‫تذوق جمالي ّ‬
‫حياة ‪ ،‬بلغة قويّة تح ّقق ّ‬
‫في التركيب الواحد وهي من اللغات الصعبة كما أشرنا في م اسبات ع ّدة‬
‫وتقترب من اللغة الشعرية العالمية و ربّما كان لحياة المهجر و ااختاط‬
‫بالغربيين أثر في لغة الشاعر قحطان جاسم ‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ا ّن الشاعر في تجلّيّات الح ين يكتب عن أشياء يعرفها لكّه يبحث ع ها ‪،‬‬


‫توسع ا في فكرة ااعتراض‬
‫البحث عن شيء تعرفه هو جوهر الح ين ‪ ،‬و لو ّ‬
‫لكان الشعر ح ي اً و تكون تجليّات العزلة دليل ا لهذ الفكرة المضيئة ‪.‬‬

‫يتجلّى الح ين في تجليّات العزلة في مظاهر شتّى م ها الصريح و م ها‬


‫الخفي ‪ ،‬و م ها القريب و م ها البعيد ‪ .‬في الفصل ُ‪ َ8‬نجد الح ين يتجلّى‬
‫ّ‬
‫جلي حيث يقول قحطان جاسم ‪:‬‬
‫بصورة صريحة و مظهر ّ‬

‫جربت‬
‫ُ هل ّ‬

‫أن تقيم احتفاا ا يحضر أحد‬

‫أن تعلن موت القبيلة و العائلة‬

‫وحيدا بكبرياء مكسور َ‬

‫ا ّن األم و الحال التي خلقتها الغربة ‪ ،‬انّما انبعثت و كانت صدى للح ين‬
‫الى تلك اأمور التي اغتالتها يد الغربة و الوحدة ‪ ،‬و ااعان المرير لموت‬
‫تجل ظاهر للح ين اليها ‪.‬‬
‫الشمل و ااحضان العائلة و القبيلة هو ّ‬

‫و في الفصل ُ‪ َ21‬يتمظهر الح ين بصورة جليّة حيث يقول قحطان‬


‫جاسم ‪:‬‬

‫ُ البارحة‬

‫خاطبت أنّات ال هار‬

‫و هي تفترش طيس الطين‬


‫‪101‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫هل تذكرين ذاك ال هر‬

‫و ضحكتك‬

‫اذ تلمس وجهي‬

‫كرجة قارب َ‬
‫ّ‬

‫ا ّن هذا البوح و ااستذكار لتلك اللحظات ‪ ،‬كان تجليّا صريحا للح ين من‬
‫م ابع اخرى عميقة وعاطفية اا انها ايضا ت عكس كموجات بوح للروح في عالم‬
‫الوحدة‪.‬‬

‫في مقطع نجد الح ين يتجلّى في صورة عميقة على شكل البحث عن‬
‫ضفة ااخرى ‪ ،‬في السعي نحوها بتوق ‪ ،‬بلغة شعرية و انزياحات عالية‬
‫ال ّ‬
‫المستوى و مبهرة يقول قحطان جاسم في الفصل ُ ‪َ17‬‬

‫ُ أت صت‬

‫لخطى برد الرصيف ؟‬

‫أصغي برهبة‬

‫لرصانة أوجاعي‬

‫رعونة الكابوس‬

‫انكفاءة الكأس‬

‫‪102‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫للحزن‬

‫حين يغادر ااصدقاء الذين لم يأتواَ‬

‫ا ّن برد الرصيف يشتمل على ح ين الى الشمل و ااهل و الصديق ‪ ،‬وتلك‬


‫ااوجاع التي تخلقها الوحدة في ذلك العالم الذي غادر عيق الصديق الذي لم‬
‫يتأت في عالم الغربة ‪.‬‬

‫و في مقطع يتجلى الح ين بلغة قريبة بلغة توصيلية و بوح ظاهر يصل حد‬
‫الصرخة اادبي و لغة ال داء ‪ .‬في فصل ُ ‪ َ3‬يقول قحطان جاسم ‪:‬‬

‫ُ كل ما تبقى طيف رعشة‬

‫موغلة في الماضي‬

‫خبّأتها في خثرة الشرايين‬

‫أنت ‪..‬‬

‫هل أنت‬

‫كوةٌ لحلم ا يجيء ؟ َ‬

‫ا ّن التعبير الحضوري و الظهور القوي لتلك البقايا حمل في نفسه و ذاته‬


‫الح ين لما فقد و ما كان من الماضي ‪ .‬و يبرز الح ين بالصورة التي اشرنا اليها‬
‫كطلب و نداء لما يعرفه اانسان جيدا لك ه بعيد ع ه يجيء صريحا هذا اللون‬
‫في عبارة ُ حلم ا يجيء َ‬

‫‪103‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫في الفصل ُ ‪ َ1‬يتجلى الح ين بلغة بعيدة بلغة ايحائية رمزية يقول قحطان‬
‫جاسم ‪:‬‬

‫ُ لس وات‬

‫و أنا أرقب الصمت‬

‫يختال في أجمة الروح‬

‫يزاحم‬

‫هيجانات أسى مبهم‬

‫حطاما لوقت فائت َ‬

‫ا ّن حضور الزمن و أسر للمكان ‪ ،‬و فعل المراقبة ‪ ،‬و مفردة ااختيال ‪ ،‬و‬
‫اجمة الروح ‪ ،‬و هجيانات اأسى َ هذا القاموس مع تركيبته الواردة ه ا ‪ ،‬يولّد‬
‫ايحاءات الفقدان و التأو و الح ين ‪ ،‬فقبال كل من تلك المفردات عوالم‬
‫مع وية و يرتبط بكل م ها انثياات فكرية ت ّمي روح الح ين و الشعور به ‪ ،‬الى‬
‫ما فات من العمر ‪.‬‬

‫و في فصل ُ‪ َ4‬يتجلّى الح ين بصوت الغربة و مفرداتها اليومية حيث‬


‫يقول قحطان جاسم ‪:‬‬

‫ُ هي المحطات‬

‫حدائق للغرباء‬

‫‪104‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ارتباكات مبهمة‬

‫تفاصيل طارئة‬

‫و ربّما ضحكة للتحايل َ‬

‫بكل هذ الوحدة في التفاصيل الحياتية اليومية ‪ ،‬لن يكون‬


‫ا ّن هذا الشعور ّ‬
‫مفهوما اا بالح ين للصدر الرحب لأهل و العائلة ‪ ،‬و ااستقرار في ارض‬
‫الوطن ‪ ،‬حيث ا محطات و ا غرباء و ا ارتباكات و تفاصيل طارئة ‪ ،‬وا‬
‫ضحكة للتحايل ‪ ،‬بل كل ما هو خاف ذلك فكان ه ا بوح بالح ين الى كل ما‬
‫يقابل ذلك من امور حياتية ت تعش و تزدهر بين ااهل و الوطن‪.‬‬

‫في الختام ا ب ّد ان نشير ا ّن التربّع القراءاتي الذي اتاحته لغة تجليّات‬


‫كقراء على عرش التذوق و اامتاع ‪ ،‬بما لتلك اللغة من فرادة اشرنا‬ ‫العزلة ل ا ّ‬
‫المهم ‪ ،‬حيث انّه رغم حقيقة‬
‫ّ‬ ‫اليها و اشار اليها غيرنا ‪ ،‬تدخله في خانة الشعر‬
‫ا ّن كل كتابة ف ية شعرية او غير شعرية هي جميلة و فيها مواطن للجمال و ا‬
‫مهما هو الذي يساعد و‬
‫مهمة و شعرا ّ‬
‫فك عن ذلك ‪ ،‬اا ا ّن ه اك كتابة ّ‬
‫ت ّ‬
‫تطور فكرة اادب و نظريّته ‪ ،‬و هذا أيضا يبعث على ااطمئ ان أ ّن‬
‫يعمل على ّ‬
‫م هج ا في ال قد ااستقرائي الم طلق من الجزئي الى الكلي و من الخارجي الى‬
‫ال ظري ‪ ،‬و من العمل اادبي الى نظرية اادب يح ّقق ثمرته ‪ ،‬كما ا ّن اأمر‬
‫اآخر المهم الذي يعلم ا ايها ديون تجليّات العزلة هو الحث على الكتابة‬
‫التفرد و ا يجب ان نخشى التجريب ‪،‬‬
‫الحرة و عدم التقليد و السعي نحو ّ‬
‫ّ‬
‫حتى انّي وجدت مواقع غربية خاصة باأدب التجريبي ُ‪experimental‬‬
‫يطور ال قد فقط بل العمل‬
‫‪ َ literary‬نابعة من الشعور ا ّن اادب ا ّ‬
‫المتفرد الزاخر في تجليات العزلة ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اابداعي ‪ ،‬فشكرا لهذا اآدب‬

‫‪105‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫مستويات الخيال في ُ ليلة من أيام بحار عتيق خارج الخدمةَ‬

‫المخيلة هي الركن ااساس في ابداعية المبدع مع التق يات الف ية ‪ ،‬و‬


‫هي أحد أهم الع اصر التي تحقق اابهار في ال ص اادبي ‪ ،‬يقول عبد الرحمن‬
‫م صور ُ الخيال هو روح ال ص اأدبي وجوهر ولبه ولذته ونكهته وهو أهم‬
‫ميزة تميز ال ص اأدبي عما سوا من ال صوص وحتى تكون الصورة حية في‬
‫ال ص اأدبي لها ما لها من مفعول و تأثير فا بد لها من خيال يخرجها من‬
‫ال مطية والتقرير والمباشرة ‪ ،‬فالخيال هو الذي يحلِق بالقارئ في اآفاق الرحبة‬
‫ويخلق له دنيا جديدة وعوالم ا مرئية تخرجه من العزلة والتقوقع ‪ ،‬وال ص‬
‫اأدبي إذا قل فيه الخيال أو انعدم يصبح نصا شاحبا ا يحرك وجدانك وا‬
‫مشاعرك َ ‪ .‬لو فهم ا ال قد على انه تفسير لع اصر اابهار و بيان أسبابه‬
‫ال صية ‪ ،‬سيكون الخيال احد اهم تلك الع اصر ‪.‬‬
‫اضافة الى ادبية الخيال فانه فيه جانبا معرفيا و انسانيا يقول اي شتاين‬
‫"الخيال أهم من المعرفة" ان المعرفة والمعلومات يمكن اي أحد أن يصل‬
‫إليها لكن الخيال يوظف هذ المعرفة للوصول إلئ الحقيقة‪ .‬فالخيال ع د من‬
‫يتعرفون حقائق ااشياء طريق الحقيقة و تصوير لها ‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫للخيال مفهوم و صور خارجية ‪ ،‬يقول عبد الرحمن م صور ُ التعريف‬


‫العام للخيال الذي أقرب إلى الخيال في ال ص اأدبي انه " قوة ذات نشاط‬
‫ذه ي توحد بين القلب والعقل ‪ ،‬بين الوعي والاوعي ‪ ،‬تثار بحافز عميق‬
‫ويصحبها انفعال م ظم ‪ ،‬لت تج صورا وأشكاا تعبر عن تجارب متجاذبة‬
‫مت افرة ‪ ،‬لك ها م ظمة م سجمة وتؤلف كا موحدا " اما تعريف الخيال في‬
‫ال ص اأدبي ‪ .‬فهو قدرة الكاتب على اسقاط مشاعر وأحاسيسه على موقف‬
‫أو مكان أو زمان أو أشخاص أو غير ذلك من اأشياء‬
‫هذا ااسقاط ي تج من تفاعل الكاتب تفاعاً عاطفياً مع هذا الشيء ‪ ،‬من ثم‬
‫يقوم برسم مشاعر وتصويرها من خال هذا ااسقاط وه اك تعريفا اخر تتضح‬
‫من خاله أدوات الخيال بشكل أكبر هذا التعريف يقول ‪ُُ:‬الصورة الشعرية‬
‫تشكيل لغوي يُ َك ِونُ َها خيال الف ان من معطيات متعددة ‪ ,‬يقف العالَم‬
‫مستمدة من الحواس على جانب‬
‫المحسوس في مقدِمتها ‪ ,‬أن أغلب الصور َ‬
‫ما ا يمكن إغفاله من الصور ال فسية والعقلية ََ و يقول د ابراهيم عوض ان‬
‫الخيال اما جزئي متمثل بااستعارة و المجاز واو كلي متمثل بالفكرة الخيالية ‪.‬‬
‫مظاهر الخيال في العمل اادبي عادة ما ت اغم اعماق ال فس اانسانية‬
‫يبارى في التلذذ بذوق‬
‫ور ا َ‬
‫لذلك يقول ابراهيم عوض ُ وللصور الخيالية َد ٌ‬
‫الشعر؛ ذلك أن الخيال يفتح اآفاق أمام ال فس البشرية‪ ،‬فا تشعر بالملل من‬
‫الوجود جراء ما ترى من مفرداته كل يوم وكل ساعة‪ ،‬بل كل لحظة على ذات‬
‫ضها عما ُح ِرم ْته من التجديد‪،‬‬
‫ليعو َ‬
‫ال حو دون تغيير أو تجديد‪ ،‬فيأتي الخيال ِ‬
‫ورؤية الدنيا على أوضاع لم تتعودها‪َ ،‬‬
‫فااتسان عادة ما يحس بان صور الخيال تاخذ الى سواحلها بكل حب‬
‫و يسر ‪ ،‬هذا الجانب من الخيال نسميه عمق الخيال و علو ‪ ،‬و من جهة‬
‫اخرى نشعر ايضا بالتوظيف الف ي للخيال وانه احد مظاهر التعبير عن اليوح ‪،‬‬

‫‪107‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫و هذا هو الجانب التعبيري في الخيال‪ .‬اذن لدي ا جهاتان للتتبع الخيال في‬
‫اادب ‪ ،‬البعد التعبيري العرضي و يتمثل بانواع الخيال و البعد اادهشاي‬
‫الطولي و يتمثل بمستويات الخيال و اعماقها ‪.‬‬
‫على مستوى التعبير و الوظيفة للخيال ه ا عدة صور ‪ ،‬م ها الخيال‬
‫الحكائي و الخيال التعبيري و الخيال المتعالي ‪ ،‬و لكل م ها جماليته و وظيفته‬
‫و ربما تجتمع كلها في عمل واحد ‪.‬و ربما تتباين مقاطع ال ص بانواع الخيال ‪.‬‬
‫اما على مستوى العمق فللخيال درجات واضحة من حيث العلو و العمق في‬
‫ال فس ‪ ،‬فلدي ا الخيال القريب و الخيال المتوسط و الخيال البعيد او العميق‬
‫و ه اك درجة من الخيال ما وراء العمق هي الخيال الساحر ‪.‬‬
‫قصيدة ُ ليلة من أيام بحار عتيق خارج الخدمة َ لسعد غام اشتمل‬
‫على صور و تشكات و مظاهر للخيال رفيعة و بديعة سواء على مستوى‬
‫اانواع و الصور او على مستوى العمق و الدرجات ‪ .‬فه ا جهتان للبحث ‪:‬‬

‫الجهة ااولى ‪ :‬صورالخيال ال صية‬


‫يتشكل الخيال نصيا باجراءات نصية تتخد من الخرق و واانزياح محورا‬
‫لها ‪ ،‬و بقدر ارتباط ذلك بالبوح يتمظهر الخيال و يت وع في صورنصية ‪.‬‬

‫‪ -1‬الخيال الحكائي‬

‫يقول سعد غام‬


‫ُ مملوء وجدي بتثاءب التوبة‬
‫وهو يلمح مقصلة الشفق اارجواني‬
‫الم طلقة من انوار يكتمها السكون َ‬

‫‪108‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ه ا مفردات و اشارات مركزية ‪ ،‬و نقل واضح الى مجال مع وي جلي‬


‫يدور في فلك التوبة و طلب ال جاة و ال ور ‪ ،‬في جو من الخيال الحاكي عن‬
‫وجدانيا عميقة ‪.‬‬
‫و في مقطع بوح عال يقول سعد غام‬
‫ُ انا كهذا الفضاء موحش‬
‫لك ي لست متوحش‬
‫ا شباك معي‬
‫ا مجاذيف‬
‫ا شراع‬
‫ا فوانيس‬
‫وا حتى اطواق نجاة‬
‫ولن نجد السمك‬
‫لك ا س بحر‬
‫معا َ‬
‫ا ريب في نجاح الشاعر في نقل القارئ الى عالم المع ى و حقوله‬
‫البوحية ‪ ،‬و كشفه عن الم عميق و واقع لانسان الكلي المرير ‪.‬‬

‫‪ -2‬الخيال التعبيري‬

‫يبلغ سعد غام اللغة التعبيرية العالمية في مقطع مبهر له حيث يقول ‪:‬‬

‫ُ ازهار الشرفة كالصبايا العذراوات‬


‫تعريهن ال سمات وهي تغازلهن‬

‫‪109‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫يتأو السقف المبقع ببصاق الس وات‬


‫يلبس سرابيل بيوت الع كبوت َ‬
‫مع ان ه اك اشارة رمزية حكائية اا ان المقطع يج ح و بقوة نحو تعبيرية‬
‫قل نظيرها ‪.‬‬
‫عالية و فذة ‪ ،‬تكشف عن روح شاعرية لسعد غام ّ‬
‫و في مقطع اخر تعبيري رائع يقول سعد غام‬
‫ُ ااعصار يجعل الفوانيس شاحبة‬
‫سكرانة تتارجح كانها سفرجات‬
‫غروبا تحت ريح رملية عاصف على الشجرةَ‬

‫انها صور فعا ا تكون اا من عمق تجربة كبيرة ‪ ،‬و مع ان القصيدة‬


‫فيها محاكاة و ترميز لمعارف و نصوص يصرح الشاعر بها احيانا و يحيل اليها‬
‫اا ان موضوع ا متركز ه ا على مستويات الخيال و ذلك موضوع اخر بحثه‬
‫مستقل كما ا يخفى ‪ ،‬وهذا الشكل من التوظيفللرز الخارجي من اساليب‬
‫التعبيرية التي يعرف بها سعد غام ‪.‬‬

‫‪ -3‬الخيال المتعالي‬

‫يقول سعد غام ‪:‬‬

‫ُ تعتعة الشمعة تفقأ وجد الغسق‬


‫في نفوس ااشباح فتتعرى َ‬

‫‪110‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫من الظاهر الالفة الكبيرة في ااس ادات و التركيبات و التجاورات‬


‫محققة انزياحات عالية ‪ ،‬و تداخل في حقول متباعدة من المع ى ‪ ،‬و ابتكار‬
‫عاقات كتابية غير مالوفة عرفيا ‪ .‬و اللجوء الى الرمزية في التعبيرة يجعل هذ‬
‫المقطع ضمن الخيال المتعالي ‪.‬‬

‫و يقول في مقطع اخر تتداخل فيه حقول المع ى و تتجاور با الفة عالية‬
‫ُ معتوهة الساعة تدق‬
‫ا أحد يواسيها ب ظرة‬
‫غشاوة بشعة شاسعة اأركان‬
‫تتراءى وهي تسقط تحت وطئتها مقلي الجاحظة‬
‫سمكة قرش حانية‬
‫مست صدغي‬
‫امتأ فراغ كالغرفة َ‬

‫الجهة الثانية درجات الخيال وعمقه في التجربة اانسانية‬


‫‪ -1‬الخيال القريب‬

‫في مقطع بوحي شفيف يقول سعد غام‬

‫ُ تعرض الصور في مخيلته‬


‫تحفر الذاكرة المشرشة‬
‫على مضض يتبرم‬
‫تخفر ف ار م تصب كصليب‬

‫‪111‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫انواراً راعشة وسط ليل الدردنيل‬


‫الموحش والموج العارم‬
‫مضطرب َ‬

‫ناحظ و بقوة الميل الى البوح ‪ ،‬و الت اوات المجازية القريبة المتمحورة‬
‫حول الفكرة و اكشف ‪.‬‬
‫و في مقطع بوحي اخر جميل يقول سعد غام‬
‫ُ يقرض اجفاني فأرات‬
‫خديجة‬
‫كقطعة الجبن‬
‫بهيمية رع اء اطلقها‬
‫من خلف العدم متخثر‬
‫صوت يترنح يعبر من الحانة‬
‫ال ت ة كورة الطابوق المكتظ‬
‫بسحب العطن وال يلج والاألوان‬
‫على مي اء جزيرة نائية‬
‫مررت بها ذات ابحارَ‬
‫من الواضح البوح الرمزي ه ا ‪ ،‬و تكثيف الوصف الوجداني و تصوير‬
‫الواقع ‪.‬‬

‫‪ -2‬الخيال المتوسط‬

‫‪112‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫في مقطع بوحي يذوب في نداءات مصوغة بتق يات ف ية و خال جزئي‬
‫واضح يقول سعد غام‬
‫ُ نرجسة ماانفكت وهي تذبل‬
‫تلوح لي كلوتسة في مست قع‬
‫صي ي في خلوة‬
‫ايها الممتقع المتش ج‬
‫الموتور‬
‫اوقف الفزع وقرع ااسوار‬
‫وهز القضبان‬
‫سج ك ابدي مع تهاويمك وهمستك‬
‫الى استيقاض الغيب‬
‫من غيابه َ‬
‫فالقاموس للمقطع يخيم عليه الغربة و الوحشة و البيؤس ‪ ،‬و التهاوي َ‪،‬‬
‫و االفة واضحة بين المفردات و التجاورات محققة خاا تركيبيا متوسطا‬

‫و في مقطع وصفي اخر يقول‬


‫ُ تهيج غيمات رمادية يطلقها‬
‫من غليونه العتيق‬
‫شبيه لحاء شجرة دردار عمرها الف عام َ‬
‫‪ -3‬الخيال العميق‬

‫يتمظهر عمق الخيال غاليا في اندماج التجربة الذاتية مع التجربة‬


‫اانسانية فيتاشى المتكلم بين اصوات عدة لك ها واضحة يقول سعد غام ‪:‬‬

‫‪113‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ُ انا كهذا الفضاء موحش‬


‫لك ي لست متوحش‬
‫ا شباك معي‬
‫ا مجاذيف‬
‫ا شراع‬
‫ا فوانيس‬
‫وا حتى اطواق نجاة‬
‫ولن نجد السمك‬
‫لك ا س بحر‬
‫معا َ‬

‫ا ريب في التعبيرية عالية في هذا المقطع‪ ،‬كما ان البوح الشفيف و‬


‫المع ى المتميز و المفارقة الواضحة تخلق الشعور بتداخل اصوات المتكلم و‬
‫يتعالى ه ا صوت الواقع و اانسان الكلي بصوت المتكلم الجزئي وهو ما‬
‫نسميه ُ تداخل ااصوات َ وهو احد ف ون اللغة التعبيرية الفذة ‪.‬‬

‫‪ -4‬الخيال الساحر‬

‫نحس به حي ما تصدر الصورة‬


‫الخيال الشعري الساحر نتلمسه و ّ‬
‫الشعرية من عالم يتجاوز الفكر و انظمة اللغة ‪ ،‬حي ما نحس ان ه اك لمسة‬
‫ارادة غير عادية على الصورة الشعرية يقول سعد غام ‪:‬‬

‫‪114‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ُنجوم كالبهاق في وجه زنجية‬


‫والدخان عفص مغموس بالزعفران‬
‫قاسية ايام اابحار‬
‫لك ها ثرية َ‬

‫و في لوحة رائعة اخرى يقول سعد غام‪:‬‬

‫ُ ت طبق السماء على البحر‬


‫السراب مدى ا حدود له‬
‫البحلقة فيه تستشيط الغربة‬
‫والفقد‬
‫وحل المحيط شيطاني‬
‫ثقيل ع دما نغمس ايدي ا‬
‫ا تخرج بيضاء‬
‫لك ها تلتمع َ‬

‫ان عمق التعبير ه ا ‪ ،‬و انطاق البوح من مكامن روحية عميق تدعو الى‬
‫القول ان هذا التعبير انما صدر من اشراقة فذة و نادرة لسعد غام على ي ابيع‬
‫الشعر السحرية التي طالما تحدث ا ع ها ‪.‬‬

‫المصادر ‪:‬‬

‫‪115‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫‪ -1‬ققم اابداع ‪ ُ :‬ليلة من ايام بحار عتيق خارج عن الخدمة َ \‬


‫سعد الغام ‪.‬‬
‫‪http://qimemolebdaa.blogspot.com/2015/03‬‬
‫‪/blog-post_31.html‬‬
‫‪ -2‬الويكيبيديا ‪ :‬تعريف الخيال‬
‫‪ -3‬عبد الرحمن م صور ‪ :‬اركان ال ص اادبي ‪ ،‬الركن الثاني ‪ :‬الخيال ‪:‬‬
‫م تدى قطرة ادبية ‪.‬‬
‫‪ -4‬د ابراهيم عوض ‪ :‬الخيال في الشعر ‪ :‬م تدة االوكة اادبي‬

‫‪116‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ااشراق العميق في لغة هاا الشعار‬

‫الشعر اشراق على اسرار اللغة و تجل لعبقريتها و است طاق لصوت روحها‬
‫العميق ‪ .‬الشعر هو اقت اص اللحظة الشعورية العميقة و الكشف عن نقابها‬
‫فتشرق شمسا جديدة جميلة الى ال اس ‪ .‬ليس الشعر مجرد سبك جميل‬
‫حي و عميق و‬
‫للكلمات فان هذا من التصوير السطحي ‪ ،‬انما الشعر نفوذ ّ‬
‫متوهج الى روح اللغة و ي ابيعها السرية و عوالمها المتخفية خلف الحجب ‪.‬‬
‫ان لم يخترق الشعر الحجب و ان لم يبلغ الكواكب المشعة و الحقول‬
‫المتوهجة للغة فانه لن يكون شعرا بالمع ى العميق ‪.‬‬

‫حي ما تشعر ان ال ص ي قلك و بقوة و بسرعة الى عالم عميق و الى حياة‬
‫جديدة و يضيء لك مواطن الشعور و ااحساس و يولد في نفسك زخما‬
‫معرفيا و فكريا حي هما نكون أمام كتابة فذة و حقيقية و ليس مجرد تف ن‬
‫كامي و لفظي ‪ .‬هذ الكتابة العميقة التي تتجاوز السطح و ت فذ الى روح‬
‫اللغة نجدها متجلية في كتابات الشاعرة هاا الشعار ‪ ،‬و تبلغ تجليها ااكبر‬
‫في نصوصها التقليلية ‪.‬‬

‫في نص عالي الشاعرية و متعدد الدالة يرتكز على عمق الفكرة و الرمزية تقول‬
‫الشاعرة فيه ‪:‬‬

‫‪117‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ُبين وردة ولهاث‬

‫ثمة فضاء صغير َ‬

‫ان المساحة الجمالية الواسعة سواء من جهة الكم او الكيف الشعوري او من‬
‫جهة ال فوذ و الحجم تتحقق ه ا بواسطة تق يات التعدد الدالي و ااستعارة‬
‫الكتلية ُ الجملية َ ‪ ،‬وهو فن كتابي تجيد هاا الشعار اشرنا اليه في م اسبة‬
‫سابقة حيث انها ا تقتصر في مجازها و استعارتها على اانزياح اللفظي في‬
‫المفردات بل تلجأ و بلغة متطورة الى الرمزية الكتلية و ااستعارة بالجمل و‬
‫التراكيب اللفظية ‪ ،‬محققة واقعا و عالما نصيا يعيش فيه القارئ وسط لغة‬
‫راسمة ‪ .‬و رغم قصر ال ص اا انه يحقق حالة الرسم و اابعاد الثاثة ‪ .‬هذا‬
‫ال ظام المتقن من اللغة الراسمة و الرمزية التعبيرية يحقق اضافة مفهومية و‬
‫اشراق على مك ونات اللغة و اطاع على الي ابيع السرية للشعر ‪ ،‬محققا ُ‬
‫التعبيرية المفهوميةَ التي ا تترك مجاا للفكر اا الشعور بالدهشة و العجز و‬
‫هما أهم غايات الكتابة الشعرية و التخيلية ‪ ،‬و بذلك يبلغ ال ص غاياته الف ية‬
‫و الجمالية و الرسالية ‪.‬‬

‫و في نص مكثف و معبر ببوح شفيف ي تمي الى أدب القضية تقول فيه‬
‫الشاعرة ‪:‬‬

‫ُتقاسم ي‬

‫الخراب َ‬

‫‪118‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ان حالة الجذب الكتابي ه ا و نقل القارئ الى ال ص بسرعة و بقوة ٍ‬


‫متأت من‬
‫الصدق العميق و البوح الشفيف و من عمق الكتلة الشعورية التي يحققها‬
‫ال ص في مجال ااستجابة الجمالية ‪ ،‬باستعارة قريبة و تعاونية عالية ‪ ،‬و هذا‬
‫ال فوذ في العمق الشعوري يحقق حالة ااشراق في مجال ااحساس و العاطفة‬
‫و التأثير بلغة قريبة ‪ .‬و بهذا الشكل من ااشراق يتحقق شكل اخر م ه باللغة‬
‫القريبة في قبال ال ص السابق الذي يحقق حالة ااشراق بلغة رمزية عالية ‪.‬‬

‫و في نص عذب بقاموس متموج بين الحلم و الحقيقة تقول هاا الشعار‬

‫ُبضع خطى‬
‫ُ‬

‫بي ي وبين اليمامة‬

‫أكاد أامس الهديل َ‬

‫ان العذوبة الشعرية بأدب يتميز بالف ية العالية من انزياح و خيال ‪ ،‬هو أحد‬
‫أشكال ُ اللغة المثلى َ التي يبلغ بها ال ص غاياته ‪ ،‬و يتجه بالكتابة نحو‬
‫ال ص الكامل ‪ .‬و أهم تق يات اللغة المثلى او ما ك ا نسميه ُ اللغة القوية َ هو‬
‫التموج التعبيرية و وقع ة الخيال ‪ .‬فيتجلى التموج التعبير في قاموس لفظي‬
‫يجمع بين لحظات واقعية و اخرى خيالية فااول في ُ بضع خطى ‪ ،‬بي ي و‬
‫بين اليمامة َ و الثاني في ُ أكاد أامس الهديل َ ‪ ،‬كما أنه بذات اأسلوب‬
‫تحقق نظام ُ وقع ة الخيال َ حيث ان القارئ يُ قل الى حياة ال ص بكفاءة‬
‫عالية و ا يكاد يميز في ان التعبير ه ا نظام خيال ام واقع ‪ ،‬فا يجد نفسه اا‬
‫مبحرا في فضاء هذ الكتابة الجميلة بامتاع فكري و شعوري ‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫و نجد هذ اللغة المتموجة ايضا في نص آخر للشاعرة تقول فيه ‪-:‬‬

‫ُسأجمع صمتي‬
‫ُ‬

‫صمتي كلّه‬

‫أدفع ع ي تهمةَ الماء‬

‫ابتاء الهواء‬

‫لست سوى ُهَ ْي َهةَ فرا ٍر‬

‫من نار وتراب واغتراب‬

‫الم ْت َعب َ‬
‫سطح هذا الكوكب ُ‬
‫على ِ‬

‫فوسط البوح الشفيف و التوصيلية المخلصة نجد عبارة مركزية و مؤثرة تتمثل‬
‫بمقطع ُأدفع ع ي تهمةَ الماء \ ابتاء الهواء َ هذا ال ظام ااستعاري الرمزي‬
‫كسر حالة التوصيلية و حقق التموج التعبيري ‪ ،‬و نقل البوح الى حالة رمز و‬
‫حالة الخيال الى واقع نصي فيتحقق نظام ُ وقع ة الخيال َ ‪.‬‬

‫هكذا نرى ان هاا الشعار و ب صوص تقليلية قصيرة تحقق انظمة شعرية عالية‬
‫بطاقات تعبيرية كبيرة ‪ ،‬باشراقات ذات نفوذ عميق و مساحات استجابات‬
‫جمالية واسعة ‪ ،‬تكشف ال قاب عن اسرار الكتابة المؤثرة و عن وجه اللغة‬
‫المتوهجة ‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫‪121‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫القسم الثالث ‪ :‬الرسالية‬

‫الجماهيرية في شعر عبد الجبار الفياض‬

‫ِ‬
‫وسلب رؤاي‬ ‫ِ‬
‫وتمزيق أخيلتي \‬ ‫الغول عن ِ‬
‫قضم قافيتي‬ ‫ُ متى يمت ُع هذا ُ‬
‫والجسر ‪َ .‬‬ ‫ِ‬
‫الرصافة‬ ‫أذوب غزاً بين‬ ‫‪. .‬؟ \‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫عبد الجبار الفياض‬

‫بج ب ع اصر الف ية و الجمالية تكون الرسالية الركن الثالث في اابداع ‪،‬‬
‫بتبّي هموم اامة و امتثال تطلعات الجماهير و تجسيد الرؤية اادبية ‪،‬‬
‫فالرسالية بقسميها الف ي و الجماهيري تبرز ع صرا مهما في عملية اابداع ‪ .‬ان‬
‫تمثّل هموم اامة و الشعب في هذا الزمن الصعب يجعل من اانغاق على‬
‫الذات و الذوبان في الذاتيات ترفا و بعدا عن جوهر اادب ‪ .‬لذلك نجد ان‬
‫الجل ااكبر من اادباء العرب في زم ا يتمثّلون قضية اامة فكانوا صوتا‬
‫ّ‬
‫صريحا و معبّرا ف ّذا عن هموم اامة ‪ ،‬و من بين هؤاء الشاعر العراقي الكبير‬
‫عبد الجبار الفياض الذي عجن أدبه بهموم الوطن و حكاياته و معاناته ‪ .‬في‬
‫هذ المقال س ت اول الرسالية الجماهيرية في ادب عبد الجبار الفياض ‪ ،‬في‬
‫مامحها و صورها الشعرية العميقة ‪.‬‬

‫في لوحة حزي ة يقول الشاعر ‪:‬‬


‫ُ قاتمةٌ لو َن طفولتي‬
‫صور‬
‫ٌ‬
‫‪122‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫وجههُ دخا ُن ب ادق‬ ‫ٍ‬


‫لو َن بلد غطّى َ‬
‫نفايات ُك ى َ‬
‫ُ‬
‫هذا البعد التعبيري ‪ ،‬و بهذا الصوت و بهذ اللغة الحادة جدا ‪ ،‬التي‬
‫تبلغ مرحلة الصراخ و ال داء و طلب الخاص ‪ ،‬حيث استحال لون البلد كله‬
‫ولون الطفولة فيه لون دخان ب ٍ‬
‫ادق و موت ‪ ،‬انّه تأريخ الب ادق و تأريخ الموت‬
‫في بلد اللون القاتم حيث الطفولة المسروقة و الحياة المسروقة ‪.‬‬

‫و في شجن و حسرة ونداء يقول ‪:‬‬


‫ُ إلى ضحايا البرد والجليد‬
‫من أنت ؟‬
‫أيها الجذعُ المس ُد على أعمدةِ م خورة‬
‫بورق ٍ‬
‫بترول‬ ‫ٍ‬
‫ملفوف ِ‬ ‫كرسي‬
‫بع فوق ٍ‬ ‫المتر ُ‬
‫شيطان‬
‫أقدام ال ّ‬
‫يغسل َ‬‫ُ‬
‫ِ‬
‫دل على خدود جوا ٍر‬ ‫ويتم ُ‬
‫ِ‬
‫وقدود قيان ‪. . .‬‬
‫البترول مدناً في غي ِر ِ‬
‫أرضه‬ ‫يخلق‬
‫أسهل أ ْن َ‬ ‫ما‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫اطيش موت َ‬ ‫ِ‬
‫ويُرد أهله خر َ‬
‫انه صوت يمتد الى الانهاية ‪ ،‬عبر الزمن ‪ ،‬يسأل تاريخ اانسان ‪ ،‬و ما‬
‫مرة عمياء ‪،‬‬
‫فعله في اهل الثروة ‪ ،‬ما فعله من نهب و خسارات ‪ ،‬بأيد جاثمة ّ‬
‫حيث تب ى الحضارات على أكتاف المتعبين أهل الخيرات ‪ ،‬انه صوت العدالة‬
‫المفقودة ‪ ،‬حيث ترى خيرات اانسان يت عم بها غير ‪ ،‬انه اعتراض على هذا‬
‫العالم الظالم المظلم ‪ ،‬على اانسان ااعمى و تاريخه المرير ‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫و في ترميز عال ي دب الشاعر العدالة المفقودة حيث يقول ‪:‬‬

‫ُ هاما ُن‬
‫يعزف لح اً يُطربُهُ‬
‫ُ‬
‫وربَه‬
‫رماد ٍ‬
‫ليال متعبة‬ ‫ولِ ْ‬
‫يسف ما عدا ُ َ‬
‫ِ‬
‫بأستباحة ما يُريد‬ ‫يحلم‬
‫فلتدع اأيادي ال اعمةُ الفرعو َن ُ‬
‫ِ‬
‫يحلم بحف ِة شب ٍع‬ ‫ِ‬
‫ومم وعٌ لغير أ ْن َ‬
‫أكوام لذتِه َ‬
‫من ِ‬
‫انه زمن الزخرف حيث يزين اهل الظلم و العمى بعضهم لبعض زخرف‬
‫القول ‪ ،‬وسط عالم من الظلم و القهر ‪ ،‬حيث اانسان في وجهه القبيح يسحق‬
‫اخا اانسان ‪ ،‬ي غمس في لذته السوداء ‪ ،‬تاركا اخا اانسان في عالم من‬
‫الجوع ‪ ،‬ان هذا الخطاب اانساني يتجاوز الزمان و المكان يتجه نحو المعاناة‬
‫الكلي نحو طلب العدالة في العالم ‪ ،‬ي دب الظلم و القهر‬
‫ّ‬ ‫الكلية و اانسان‬
‫العالميين ‪.‬‬

‫و في لوحة مأساوية حيث ا يد للخاص تُ تظر يقول الشاعر ‪:‬‬


‫ُ ٍ‬
‫إيه‬
‫موت ٍ‬
‫بلباس أبيض‬ ‫أيها القابعون تحت ِ‬
‫خيمة ٍ‬
‫اأرواح‬
‫َ‬ ‫يستلب‬
‫ُ‬
‫ويمضي‬
‫ابك خيلِه ‪. . .‬‬
‫اد لس ِ‬‫وا ر َ‬
‫كف عر ٍ‬
‫اف أعمى‬‫يلتحف ُكل أماني المحمولين على ِ ّ‬
‫ُ‬
‫‪124‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫أكتاف العم ِر‬


‫ُ‬ ‫ناءت بحملها‬
‫ْ‬
‫فكانت نجماً بعيداً يُعبد َ‬
‫ْ‬
‫حيث الموت ا را ّد له ‪ ،‬حيث القهر و ااستاب ‪ ،‬و س ابك خيله‬
‫المريرة ‪ ،‬تسرق المكان و الروح و الحلم ‪ ،‬فا شيء ه اك ‪ ،‬سوى عالم من‬
‫البؤس الغريب ‪ ،‬انه دمع ع يف و صوت شفيف و طلب العدالة و الخاص ‪،‬‬
‫انه صوت العدالة اانسانية المفقودة ‪.‬‬

‫و في تطلع نحو الحلم و نحو الخاص من األم القابع في المكان يقول‬


‫الشاعر ‪:‬‬
‫أكتب قصيدتي من غي ِر ْ‬
‫ألم‬ ‫ُ متى ُ‬
‫ساء؟‬ ‫من غي ِر ٍ‬
‫طيف لخ ْ‬
‫تغادر زم اً‬
‫ا تُري ُد أ ْن َ‬
‫ٍ‬
‫برؤوس‬
‫حروف‬
‫ْ‬ ‫يهزها إلتواءُ‬
‫الذباب‬
‫ْ‬ ‫يسافر فيها‬
‫ُ‬ ‫وأفوا ٌ‬
‫تقتات رحا ُ إآ الدور ِ‬
‫ان ‪!...‬‬ ‫ُ‬ ‫وا‬
‫ٍ‬
‫لطف‬
‫لطفوف‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫ولود‬
‫بقاع‬
‫تشظت في ٍ‬‫ْ‬
‫غارت بح اج ِرها صرخةُ ٍ‬
‫رعد‬ ‫ْ‬
‫يح‬
‫وصفير ر ْ‬
‫ُ‬
‫قبل على مائدةٍ سواء َ‬
‫اجتمعت من ُ‬
‫ْ‬ ‫ما‬

‫‪125‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ان الشاعر ي شد زم ا با ألم ‪ ،‬با حزن ‪ ،‬في وطن ارهقه هذا التاريخ‬
‫الطويل الباكي ‪ ،‬هذا البلد الجريح ‪ ،‬المثقل بال كبات و الدمار و سلسة ا‬
‫ت تهي من الخسارات و الحسرات و ااحزان ‪ ،‬يبرز السؤال ‪ ،‬متى نهاية كل‬
‫هذ الموت و القتل و الدمار ‪.‬‬
‫ان الحزن يأسر المكان ‪ ،‬فكان ارثا و رثه هذا الوطن الم كوب يقول عبد‬
‫الجبار في مقطع حزين ‪:‬‬

‫ُ أي ٍ‬
‫حزن‬
‫هذا الذي ت ط ُقهُ ُكل ِ‬
‫لغات العالمين ؟‬
‫لحاّ ٍج‬
‫صباح‬ ‫تتسع بقعةُ ِ‬
‫دمه ُكل‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫خارطةً لسائرين نحو م ِ‬
‫ازل القمر ‪. . .‬‬ ‫َ‬
‫جذعةُ ِ‬
‫صلبه‬
‫أرث يستودعُهُ بغداد‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫بصحبة موت ْه‬ ‫صرف‬
‫وي ُ‬
‫ٍ‬
‫أضداد ومسوخ َْ ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫سفالة‬ ‫باصقاً على‬
‫التف بروحه و سرقها ‪ ،‬حتى‬
‫التف بوطن هذا الشاعر ‪ّ ،‬‬
‫ان الحزن الذي ّ‬
‫انك ا تجد عبارة و ا مقطعا اا و يخيم عليها الحزن ‪ ،‬ان شعر عبد الجبار‬
‫هو دموع الكلمات و بكاء من نوع اخر ‪ ،‬انه شعر البكاء و ال دب ‪ ،‬انه ادب‬
‫البكاء و الدموع ‪.‬‬
‫و في مقطع يصف واقعا مريرا يقول فيه ‪:‬‬
‫ِ‬
‫وتمزيق أخيلتي‬ ‫الغول عن ِ‬
‫قضم قافيتي‬ ‫ُ متى يمت ُع هذا ُ‬
‫ِ‬
‫وسلب رؤاي ‪. .‬؟‬

‫‪126‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫والجسر ‪َ . . .‬‬ ‫ِ‬


‫الرصافة‬ ‫أذوب غزاً بين‬
‫ْ‬ ‫َ‬

‫تبن و تمثّل احام شباب هذا الوطن الم كوب ‪ ،‬انه يتطلع لزمن‬
‫انه ّ‬
‫الحب و الرفاهية و الدعة ‪ ،‬حيث يذوب الشباب في العشق و الغرام من دون‬
‫ألم و ا حسرات ‪ ،‬انها الحياة المفقودة ‪ ،‬حيث هذا الغول الدموي يسرق كل‬
‫شيء ‪ ،‬يسرق الكلمات و ااخيلة و الرؤى ‪ ،‬يسرق الروح و الزمان و المكان‬
‫‪ .‬فا يبقى فسحة للفرحة في هذا البلد الجريح ‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫معاني أدب القضية في الشعر الفلسطي ي المعاصر‬

‫ُ في ظال غربتي \أشد السماء \ كمعطف ممزق \ يفيض‪...‬باأوجاع‬


‫\ وبعتمة الطريق‪َ ....‬‬

‫يعقوب أحمد يعقوب‬

‫تمهيد‬

‫الرساليّة من أركان اابداع ‪ ،‬فبج ب ف يّة و جمالية العمل الف ي يكون‬


‫للرسالية مكانتها في العملية اابداعية ‪ ،‬و حي ما تكون الوطأة شديدة على‬
‫مخاَ بعطاء المبدعين ‪ .‬لذلك يتجلّى صوت‬
‫اأمة تكون الذاتية عبثا ّ‬
‫اانتماء وروح الشعب في أدب اأمة التي تعاني الظلم و المواقف‬
‫المخيبة لانسان ‪.‬فتصبح القضية مظهرا من مظاهر اابداع الصارخة التي‬
‫تخط ألوانها القاهرة على وجه الزمن‪.‬‬

‫و أجل ما يعانيه اانسان الفلسطي ي و تأريخه المتراكم من الخيبات‬


‫باانسان و العالم كانت الرسالية طاغية في أدب الفلسطي يين ‪ ،‬ظاهرة‬
‫المامح ‪ ،‬حتى أنّك ا ترى في اأديب الفلسطي ي سوى رسالة تت قل في‬
‫المكان و الزمان ‪ ،‬مما يقدم نموذجا انسانيا لصدق البوح و‬
‫تجلّي اانتماء و اادب الرفيع المتمثّل للقضية بكل عمق ‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫صوت اانتماء ونداء المطالبة بالحقوق و ااعتراض على الواقع المؤسف‬


‫اامة و قضيته يرجع الى ع صر التجربة في العمل اابداعي ‪،‬‬
‫و تمثل ّ‬
‫فيتلون اابداع بمحتوى التجربة ‪ ،‬وكيفية تجليها ‪ ،‬و أدب القضية في‬
‫الشعر الفلسطي ي تجليات ت فذ الى أعماق الشعور و عوالم المع ى‬
‫متش ّكلة بمظاهر مع وية و لغوية بارزة ‪ .‬ف جد ا ّن اللغة التي كتب بها‬
‫الشاعر الفلسطي ي ألمه و احزانه ت وعت بت وع التجربة الشعرية ‪ ،‬اا انه‬
‫يمكن ر ّدها الى الشكلين الرئيسيين للكتابة الشعرية ‪ ،‬وهما التعبيرية و‬
‫الوصفية ‪ ،‬فم ها ما ُكتِب بلغة تعبيرية كما نجد في لغة عالية ليعقوب‬
‫تب‬
‫أحمد يعقوب في لوحة تعبيرية عن اأمل المتعب حيث يقول ُ أر ُ‬
‫وأخاف أن‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫البعيدة \‬ ‫ِ‬
‫لشرفة الفرح‬ ‫الكلمات ُسلماً \ أصعد عليه \‬
‫المتعب \ ويداهم ي الجرح َ ‪ ،‬و لوحة تعبيرية ف ّذة‬
‫كسر الخشب ُ‬‫ي َ‬
‫لعيسى أبو راغب يقول فيه ُتعال أيها الغراب الحكيم يا سيد هذ اأرض‬
‫بوحي‬
‫الخراب ل عود للبداية َ ‪ ،‬و م ها ما كتب بلغة وصفيّة كمشهد ّ‬
‫ى‬ ‫ِ‬
‫القدس قلبي \ تَ َه َاو َ‬ ‫رفعت الى‬
‫شفيف إيمان مصاروة تقول فيه ُإذا ما ُ‬
‫وعز الّظَ ْر َ ‪ .‬و كما تع ّددت لغة الشاعر الفلسطي ي تعد ّدت‬
‫اب \ َ‬ ‫ش َه ُ‬
‫ال ّ‬
‫معانيه و أعماق كلماته التي باح بها و نداءاته العظيمة التي تجلت على‬
‫بحور أقامه و ه ا نورد نزرا يسيرا لمجموعة هي مرآة ل ظام جميل و معلّى‬
‫من اابداعيين الفلسطي يين وكتاباتهم الف ّذة العميقة ‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫قصة األم و الجراح‬


‫ّ‬

‫حي ما يعظم األم يصبح فيضانا من ااوجاع و العتمة ‪ ،‬ففي لوحة تعبيرية‬
‫عالية المستوى يقول يعقوب احمد يعقوب ُفي ظال غربتي \أشد‬
‫السماء \ كمعطف ممزق \ يفيض‪...‬باأوجاع \ وبعتمة الطريق‪ َ ....‬و‬
‫الهم ال ازلة من جبال الغم ‪ ،‬حي ما تصبح الدموع دما ‪ ،‬يقول‬
‫حيث صخور ّ‬
‫يعقوب احمد يعقوب ُ هي بعض العيون \ بجوف الظام \ تقطر بالدم‬
‫\ و ع د الصباح ت تزع ابتسامة من صخور الهم من جبال الغم \ ا‬
‫لشيء لكن لكي يستدير ال ف م َ‬

‫و يخيّم الحزن حتى انه يكسر اامل و الطريق ‪ ،‬انه اامل المحطم الهشم‬
‫ظل طريقه ‪ ،‬حيث يقول يعقوب احمد ُ انا و اامل صديقان م ذ‬
‫الذي ّ‬
‫دقيقة \ صادفته\ مكسرا \ محطما \ مهشما\ ظل من الوجع \ طريقه‬
‫َ‪.‬‬

‫قصة األم المرير الذي يتجاوز صبر‬ ‫وتحكي ل ا كلمات الشاعر الفلسطي ي ّ‬
‫ميل لِز ِادها \‬ ‫الج َ‬
‫شعب صي َر الص َبر َ‬ ‫اح ٍ‬ ‫الصابرين تقول ايمان مصاروة ُبِ ِجر ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كالعُ ْش ِ‬
‫اآهات ُر ْغ َم‬ ‫س ُحمرَة‬ ‫الم َكبِ ِر يحتَفي بالغَْيم \ يَلْبَ ُ‬
‫ب في َجبَ ِل ُ‬
‫المع ى َ و في لوحة تعبيرية عن الخواء‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫قوط بَ ِ‬ ‫س ِ‬
‫عض ُحروفه \ في ُه َوة َ‬ ‫ُ‬
‫ت‬ ‫الحيَاةِ \ ِأَلْتَ ِق َ‬
‫ط ثَ َم َرًة \ َس َقطَ ْ‬ ‫َص َع ُد َش َج َرَة َ‬
‫يقول محمد حلمي الريشة ُأ ْ‬
‫فِي ال َق ْب ِر َ‬

‫ان القضية الفلسطي ية هي الجرح العربي الكبير يقول عيسى ابو راغب ُ‬
‫أنا جرح عربي \ نصفه مطر \ونصفه تراب َ ‪ ,‬و في لوحة تعبيرية تبوح‬

‫‪130‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ليب َ‬ ‫ِِ‬
‫الص ُ‬
‫وح على مواجعه ّ‬
‫ايمان مصاروة بألم كبير فتقول ُتركتَ ي \زمًا ي ُ‬
‫و في بوح شفيف ي صدع ااسى من موطن الجرح و يطلع ال زف حيث‬
‫تقول مقبولة عبد الحليم ُمن موطن الجرح قلبي باأسى‬
‫انصدعا \أخ ط نزفً ا من اأوجاع قد طَلعا \ ك و ٌن بروحي من اآام‬
‫يذبح ي \ وم ا أزال بآهي أك توي ه لعاَ و يفيض الزمن باأسى حتى‬
‫خ‬
‫َص ُر ُ‬ ‫َسى \ نَ ْحلَ ًة َم ِري َ‬ ‫ِ‬
‫ضةً‪َ \،‬وأ ْ‬ ‫الشبع يقول محمد حلمي الريشةُ أَبْ تَل ُع اأ َ‬
‫ِم ْن َشبَ ِعي َ‬

‫تلونت حكايات الشاعر الفلسطي ي بألوان شتى للحزن ‪ ،‬الحزن الذي‬


‫لقد ّ‬
‫ا يمكن تصور يقول عيسى ابو راغب ُ فوق التصور \هذا الحزن في ا‬
‫\الدم يمر ‪ َ ...............‬و غابات الحزن تأسر المكان اذ يقول بكر‬
‫فيهل‬ ‫ِ‬
‫ُأنقش في وجه الريح \ \دموعي ُ‬ ‫ُ‬ ‫زواهرة في لوحة تعبيرية عالية‬
‫ط غابات \‬‫يح تمش ُ‬ ‫ِ‬
‫المثقوب رماا \ والر ُ‬ ‫الغيث الساخن \في عشبي‬
‫ٍ‬
‫حصان \مضمر َ‬ ‫اأحزان \ بصهيل‬

‫و في صورة تعبيرية تبلغ عمق الجراح يهرب احمد فوزي الى الليل اذ يقول‬
‫جروح المدي ِة \ وا تَشفى َ‬
‫وء في ِ‬‫ض َ‬ ‫ب إلى الل ِ‬
‫ّيل \ َكي ترى ال ّ‬ ‫هر ُ‬
‫ُحين تَ ُ‬
‫َ‬

‫الكون الخ ّداع المتخاذل‬

‫ان األم المستمر لم يكن ليوجد و ا ليستمر لوا خيانة الكون‬


‫المتخاذل و اانسان الم افق ‪ ،‬حيث يقول عيسى أبو راغب ُ طلبت م ك‬

‫‪131‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫أن تعتلي سقف الروح والسماء ‪ /‬أن نشيح بوجه ا عن كل الخداع الكوني‬
‫‪/‬فهذا ال فاق قد استيقظ من نومه َ ‪ ،‬و يقول في موضع اخر ُ هذ فت ة‬
‫أرختها اأيام على جسدي ‪/‬وكتبت خيانات الكون من بعد ما ولدت َ انه‬
‫دب في‬
‫كسيح ‪ ،‬اذ يقول عيسى ابو راغب ُ فهذا العدم قد ّ‬
‫ٌ‬ ‫عالم خائن‬
‫جذع الجسد وأصابه بالكساح َ ‪.‬‬

‫ليس ه اك في هذا العالم سوى الخراب ‪ ،‬و اارض اليباب يقول عيسى‬
‫ابو راغب ُ تعال أيها الغراب الحكيم يا سيد هذ اأرض الخراب ل عود‬
‫تلك‬
‫أليست َ‬ ‫ْ‬ ‫للبداية َ انه الصمت الكوني القاتل ‪ ،‬تقول ايمان مصاروة ُ‬
‫بالصمت ؟ َ ‪ ،‬و في لوحة تعبيرية لهذا الزمن المظلم‬ ‫ِ‬ ‫اأرض \المذبوحةُ‬
‫ُ‬
‫اح \ بَ ْي َن‬
‫صبَ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ض ُكل لَْي لَة \ بَ ْحثًا َع ْن َ‬
‫يقول محمد حلمي الريشة ُ أَنْ َه ُ‬
‫احي غُر ٍ‬
‫اب َ‬ ‫َجَ َ ْ َ‬

‫المر و يدعو اارض ان تثور‬


‫اا ان الفلسطي ي ا يرضى بهذا الواقع ّ‬
‫ضأ ِ‬
‫َنت البسيطَة مثلي \ فثوري‬ ‫ليتحرر اانسان يقول احمد فوزي ُأيا أ َْر ُ‬
‫اس \ َكالطي ِر َ ‪.‬‬
‫يصبح الّ ُ‬
‫َ‬ ‫َثور \ لكي‬
‫أ ُ‬

‫عتمة الغربة و الم فى‬

‫البعد عن الوطن و الم فى ذلك األم العتيد الذي يضرب في جسد‬


‫اانسان الفلسطي ي والذي يموت فيه نَ َفس و يولد فيه آخر يقول عيسى‬
‫ابو راغب ُ أبي قد مات ‪/‬مات بعد حف ة من القهر واألم والم فى‬
‫والغياب ‪/‬أبي الذي مات في الم فى البعيد َ فيولد في الم فى و ريثاً له و‬
‫قصةً كئيبة يقول عيسى ابو راغب ُأنا وريث الم فى ‪/‬وحين ولدت كانت‬
‫ّ‬
‫‪132‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫امرأة تحمل في جدائل شعرها رسائل الباد قصت حبلي السري وأوثقته‬
‫باأرض َ و حي ما تضرب الغربة في العمق تتجلى الوحدة الممزقة يقول‬
‫يعقوب احمد ُفي ظال غربتي \أشد السماء \ كمعطف ممزق \‬
‫يفيض‪...‬باأوجاع \ وبعتمة الطريق‪ . َ ....‬وتتساءل ايمان مصاروة هل‬
‫الخيام \هل يُوِر ُق الم َفى‬
‫ْ‬ ‫بين‬
‫اك أرا ُ ما َ‬
‫يورق الم فى ؟ اذ تقول ُ ه ا ‪ ،‬ه َ‬
‫ِ‬
‫العشق ؟ َ‪.‬‬ ‫\بعي ِن‬

‫ا يرى الشاعر الفلسطي ي هذا الزمن المليء بالغربة اا صقيعا قاتا يقول‬
‫عيسى ابو راغب ُ‬
‫ما زلت ابحث عن رحم اأرض الدافئ فقد اشتد الصقيع َ ‪ ،‬انها برودة‬
‫ارصفة الغرباء يقول يعقوب احمد ُوأحياناً \ كثيرة \ أتاشى \ وأتبخر \‬
‫وأنتهي حتى تلملم ي البرودة \ عن أرصفة الغرباء َ ‪ ،‬و ا يرى في بعد‬
‫عن الوطن اا سوادا مريرا خاليا من رغبة الحياة ‪ ،‬يقول عيسى ابو راغب‬
‫ُوقت با رغبة \ وقت بسواد ليل \ خذو م ي \ خذو \‪....‬وابقوا لي‬
‫\شرفة للبكاء \اكتفي قبل الوداع \بشي م كم مستطاع \ أن اقبل تراب‬
‫وط ي \ وبعدها يكون العمر انعتاقاً َ انه زمن ي وح عليه الصليب كما تقول‬
‫ليب َ ‪ ،‬انه زمن ا‬ ‫ِِ‬
‫لص ُ‬‫وح على مواجعه ا ّ‬ ‫ايمان مصاروة ُتركتَ ي \ زمًا ي ُ‬
‫حياة فيه و ا فرق بين ايامه و ساعاته يقول بكر زواهرة ُمن غيمة العمر‬
‫السريعة تسقط ااعوام \ في لحم التجاعيد العميقة كالهبوط با هواء \‬
‫في بطون اانقراض \ ا فرق في ااعوام \أو شكل الس ين سوى \‬
‫اختاف في الوجو َ ‪ .‬ا فرق بين الغربة و الم فى فألم الحرية حاضر في‬
‫ااث ين يقول عيسى ابو راغب ُعيسى ‪ :‬فا فرق بين الغربة والم في \أما‬
‫الحرية فهي غريبة \ مثلي\ ا ارض لهاَ ‪ .‬و الى ااغتراب و الغياب‬
‫رسالة ونداء ودعوة الى انهاء فصول البعد و طلب اللقاء حيث تقول ايمان‬

‫‪133‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫كح ِل َ‬
‫العين‬ ‫ِ‬
‫الغياب \ و ّ‬ ‫ت ِمن‬
‫ُخذني إلى لحدي \ ولملِ ْم ما ترْك ُ‬ ‫مصاروة ُ‬
‫اك َ‬ ‫الشقيةَ في ِ‬
‫ابتعاد َك \ كي تر ْ‬

‫نشيد اأرض‬

‫حين تُذبَح اارض بصمت الصامتين ‪ ،‬يعلو ال داء الحزين ‪ ،‬اذ تقول ايمان‬
‫ِ‬
‫بالصمت َ ‪ .‬ان اانسان‬ ‫اأرض \المذبوحةُ‬
‫ُ‬ ‫تلك‬
‫ليست َ‬
‫مصارة ُ أ ْ‬
‫الفسلطي ي إلتحم بأرضه فكان هو اارض و كانا شيئا واحدا يقول عيسى‬
‫ابو راغب ُ أبي كتب على صدر بعود الس ابل اأصفر ‪ /‬نحن اأرض ‪/‬‬
‫وحين طل برأسه من ه اك ‪/‬على المدى البصري ‪/‬لم ير إا طين اأرض‬
‫ووردة وزيتونة ت ح ي للعاشقين ‪ ،‬ت اديان بعضهما البعض َ ‪ ،‬و يتغّى‬
‫بالوطن فان ازقته اجمل من ال جمات يقول عيسى ابو راغب ُ أزقة وط ي‬
‫\أجمل من نجمة تترصد \غابات الليمون َ ‪.‬‬

‫و تحضر دوما القدس رمزا و معشوقة في شعر الفلسطي يين فتقول ايمان‬
‫وعز‬
‫اب \ َ‬ ‫ش َه ُ‬
‫ى ال ّ‬ ‫ِ‬
‫القدس قلبي \تَ َه َاو َ‬ ‫رفعت الى‬
‫مصاروة ُإذا ما ُ‬
‫وحي قد‬ ‫دس ٌ‬ ‫الّظَ ْر َ انها الوحي الذي ترتل تقول ايمان مصاروة ُ فال ُق ُ‬
‫زورها َ انها اعجوبة الزمان انها‬ ‫حين تَ ُ‬
‫مس َ‬‫نورا يُضاهي الش َ‬ ‫رحها \ ً‬ ‫تَرتَ َل ُج ُ‬
‫الملَ ِكي‬ ‫ِ‬
‫دس تَ ْب ُذ ُر س ْح َرها َ‬ ‫رئة التاريخ و الوجود تقول ايمان مصاروة ُفي ال ُق ِ‬
‫جيبة \ تَفتَ ُح ال ُدنيا نَوافِ َذها لِتلتَ ِق َ‬
‫ط‬ ‫بابِل \وال ُفتُ وةُ في حدائِِقها المعلَ َق ِة الع ِ‬
‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫ك من َجدي ْد َ‬
‫ض َح ُ‬ ‫واء \ َوت ْتَشي بِ َ‬
‫الح ْرف \تَ ْ‬ ‫اله َ‬
‫َ‬

‫‪134‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫و الوطن مزروع في صدر الشاعر الفلسطي ي حيث يقول بكر زواهرة ُ‬


‫وط ي مزروعٌ في صدري \وأنا مزروعٌ في ااشياء العليا\ مخلو ٌق من لحم‬
‫ومرسوم من ملك اأوطان َ‬
‫ٌ‬ ‫الزيتون \‬

‫و رغم االم ‪ ،‬رغم الحزن ‪ ،‬رغم الخيبات اا ان الفلسطي ي يبقى طودا‬


‫ُتقول كاماً‬
‫يبقى عاليا ا يعرف الخ وع و ا الركوع تقول ايمان مصاروة ُ‬
‫كع َ ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فطرياً \ يخلو من ز ِ‬
‫يف الت ِ‬
‫ميق \وبهرجة الساسة \لن نر َ‬

‫لم يترك الشاعر الفلسطي ي و سيلة ليتكلّم فيها عن وط ه حتى انه احترف‬
‫السكوت أجل الحديث ع ه فه ا بكر زواهرة يقول ُحي ما يكثر الكام‬
‫عن الوطن \ ابحث عن طريقة كي يتذوق ي بها الوطن \ واحترف‬
‫السكوت َ ‪ .‬و بهذا ال داء العالي و الصوت الرفيع يتقدم الصوت‬
‫الفلسطي ي ليشق الصخر و يوحد الشعوب يقول أحمد فوزي ُ إذا َشق‬
‫دو الرعاةِ نَشي ًدا \يُ َو ِح ُد‬
‫فذاك ح ي ي \إذا ص َار َش ُ‬
‫بات \ َ‬‫يوما نَ ٌ‬ ‫ِ‬
‫ص ْخ َرك \ ً‬
‫َ‬
‫عوب الفقيرةِ \ َ‬
‫ذاك أني يَ‬ ‫ش ِ‬ ‫لم ال ّ‬
‫ُح َ‬

‫م ذ الطفولة و اانسان الفلسطي ي يحمل في صدر وط ه يعلقه في فكر‬


‫نورا آسرا يقول عيسى ابو راغب ُ ما زلت أنا يا أبي ذاك الطفل الذي‬
‫هم‬
‫يحمل صدى الوطن وغيم السماء بكفي ‪...‬سام لك َ و يتجلّى ّ‬
‫المر حيث يقول ُ حين بدأت‬
‫الوطن في لغة يعقوب احمد و الواقع ّ‬
‫الكتابة قبل نصف قرن مضى \ ك ت اكتب عن طفل\ ا يجد ص دا‬
‫ي تعله \ و اليوم\ صار \ الطفل \ امة \ حافية \ با عيد\ تموت كل‬
‫صباح من جديد َ ‪ ،‬انه يرى القيود التي تكبل الوطن و صوته و وجود‬
‫يب َ ‪.‬‬
‫فتقول ايمان مصاروة ُ تَركتَ ي \وطًا يقيّ ُد ُ الغر ُ‬

‫‪135‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫تراتيل الشهادة و الفداء‬

‫ا يعرف الفلسطي ي الحياة اا شهادة و فداء ‪ ،‬و اب اء فلسطين ا يعرفون‬


‫الحياة اا م اسبة للموت من أجل الوطن ‪ ،‬يقول عيسى ابو راغب ُ‬
‫وتتدلى على صدري مفاتيح الصعود للسماء\ أب ائي يحملون أوسمة‬
‫الحرة‬
‫الموت \و وطن عابر َ ان الشهادة قصيدة الفلسطي ي و فراشته ّ‬
‫لرسم وط ه الحبيب يقول عيسى ابو راغب ُ تعال يا ابن وط ي \ تعال‬
‫ل رسم الوطن كما نشاء \تعال نطرز البطولة على جسد الشهداء \ونطلق‬
‫الصرخة في وجه ااعادي \ ه ا وه اك في كل مكان \صوت فلسطين‬
‫يجمع ا َ ‪.‬‬

‫ان الشهادة طهر اانسانية و طهر اارض تقول ايمان مصاروة ُفي غزَة‬
‫تطهر‬
‫صوت المذي ِاع َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بدمعة ٍأم ث كلى َ و تخاطب الحمقى الذين يجهلون ا ّن‬ ‫ِ‬
‫بالشهداء \‬
‫الشهادة باب الحرية و الصباح ‪ ،‬اذ تقول ُيا حمقى قد ول َد الصبح ب ِ‬
‫زف‬ ‫ُ‬
‫اء َ ان‬‫ليورث من نظرو ُ ضي ْ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫اأرض‬ ‫اد شهي ُد‬
‫اء \ يا حمقى قد ع َ‬
‫دم ْ‬
‫الشهادة هي نار على المعتدين ‪ ،‬انها سقر اذ تقول ايمان مصارة ُشهي ٌد‬
‫ويشعل \ناراً توازي سقر َ و تبلغ مقبولة عبد الحليم‬
‫ُ‬ ‫يج ّد ُد عهداً \‬
‫شهي ٌد َ‬
‫الغاية فترى ان كل وجود غير الشهادة هو خ وع اذ تقول ُنالوا شهادتهم‬
‫من أج ل غايتهم \للقدس واستبقوا من خ ار أو خ عا َ ‪.‬‬

‫حتى الحب يكون له مع ى اخر في ارض البطولة و الفداء فتقول ايمان‬


‫ك الحبيبةُ \رصاصةَ ِ‬
‫العهد \لتكتبَها‬ ‫ُالحب ه ا \ أن تسلِ َم َ‬ ‫مصاروة‬
‫ُ‬
‫‪136‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الب دقية ‪ َ ......‬بل ان الوجد ا يكون اا في حرية الشهادة ‪ ،‬بل ان‬


‫الوجود أ ْن \ تكو َن حراً‬
‫ُ‬ ‫الحياة ا تكون اا بذلك ‪ ،‬تقول ايمان مصاروة ُ‬
‫أنت \ الحي أيا ولدي \أنت‬ ‫ِ‬
‫أكتاف الموتى َ‬ ‫\ حتى لو ِج ِ‬
‫ئت \ على‬
‫الحي َ و في لوحة تعبيرية لبكر زواهرة يقول فيها ُ ثمة فرق بين امشاط‬
‫الرصاص \وأقام الرصاص مهما يحاول المجرمون ان يدج وا الثقافتين َ‬
‫تصرح ايمان مصاروة ان التعبير و‬
‫فيعتبر المساواة بين ااث ين جريمة ‪ ،‬و ّ‬
‫ُقل للّذين‬
‫الباغة كلها في الفداء وان ا لغة ح ّقة اا الفداء ‪،‬اذ تقول ْ‬
‫الفداء هو الباغةُ وال ّدماءُ َ حتى ان المعاني و الع اوين و‬
‫َ‬ ‫ت ّكروا \أ ّن‬
‫أشياء الحياة تتداخل و تتوحد كلها فيكون لها ع وانها اأوحد وهو الفداء‬
‫حروف من ِ‬
‫عش ُقوا‬ ‫ُ َ‬ ‫الصباح‬
‫َ‬ ‫ك للمس ِاء \إ ّن‬
‫ُوتقول أم َ‬
‫ُ‬ ‫تقول ايمان مصاروة‬
‫والفداء َ‬
‫ْ‬ ‫ك والقصيدةُ‬
‫ووجه َ‬
‫\ ُ‬

‫لقد تمثل الشاعر الفلسطي ي قضيته و كان رسواّ ف ّذاً و صوتاً صادقاً و‬
‫فك عن قلبه وط ُه و ا يفارق عي يه املُه ‪ ،‬بل انه اتّحد مع‬
‫نداء عالياً ا ي ّ‬
‫ً‬
‫اارض و الوطن و يختصر ذلك بكر زواهرة في مقطوعة رائعة و يوح‬
‫بالهضاب‬
‫َ‬ ‫المحملُ باليراع \ وبالصراع \ وبالتراب‬
‫ّ‬ ‫شفيف ‪ ،‬اذ يقول ُ أنا‬
‫والشعوب َ ‪.‬‬
‫ْ‬ ‫اح \ وبالحبيبةَ‬
‫\ وبالجر َ‬

‫مامح الرسالية اادبية ‪ ُ ،‬عاء ااديب و كريم عبد اه َ نموذجا‪.‬‬

‫تمهيد‬

‫‪137‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫كان و ا يزال و سيقبى ااديب العراقي بحرا يفيض بالرسالية والمعاني‬


‫اانسانية‪ ،‬حتى انه يمك ا القول ان تلك الرسالية امر مازم لشخصية ااديب‬
‫العراقي ‪ ،‬وكأن طي ته المعجونة بتلك الرسالية ‪ .‬و هذا طبيعي للعراقي ‪ ،‬فالعراق‬
‫قد اعطى اانسانية الكثير و الكثير وخط على لوحة الزمن ابرع الصور و‬
‫اكثرها رقيا ‪ ،‬و له بصماته المؤثرة ليس على الوجود العربي و ااسامي فقط‬
‫بل على اانسانية و اهل اارض جمعاء‪.‬‬

‫من المحزن ان يتعرض هكذا بلد نبيل و معطاء الى فصل ظالم و مظلم‬
‫طويل يمتد قرابة نصف قرن من التدمير المستمر المم هج و الوحشي ‪ ،‬و كأن‬
‫العالم ليس له شعل اا تحطيم هذا الصرح الشامخ ‪ .‬ان العالم المعاصر‬
‫يتحمل المسؤولية كاملة عما طال و يطال العراق و العراقيين من اذى ‪،‬و لم‬
‫يتحمل مسؤوليته الواجبة عليه تجا العراق ‪.‬‬

‫هذا االم العميق الذي بلغ المدى في الجرح العراقي لم يترك مساحة‬
‫لابتسامة على شفا العراقيين و لم يترك لهم باحة من البهجة ‪ ،‬ليس ه ا‬
‫سوى فصل رهيب من الموت و الدمار ‪،‬‬

‫العراق اليوم يغرق في الموت و الدمار و اانسانية ا تجيد اا زيادة المه‬


‫و اللعب على جراحه أجل مصالح وقتية ‪.‬‬

‫الرسالية اادبية‬

‫‪138‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ما عادت في ظل هذا التغير الكبير الحاصل في وعي اانسانية و ااتجا‬


‫نحو التشبث باانتماء و ااعتداد بالهوية في قبال رياح العولمة الثقافية ‪ ،‬ما‬
‫عادت فكرة الفن الرومانسي و البوح الذاتي امرا يجلب الحماس ‪ ،‬بل ما نرا‬
‫من اتجا نحو تمثل الواقع و اامة هو الذي يسلب مراكز ااولوية في الثقافة‬
‫و اادب المعاصر ‪ .‬هكذا تغير في فهم الفن و الجمال ا يع ي انه ي طلق من‬
‫فهم تعبوي للعمل اابداعي ‪ ،‬بل يمثل وعيا عميقا بحقيقة اابداع عموما و‬
‫الكتابة خصوصا ‪ ،‬فأخذت الرسالية و القضية و الموقف تحتل مكانة متميزة‬
‫في الكتابات المعاصرة ‪ .‬من ه ا امك ا القول و كما اشرنا كثيرا الى دخول‬
‫التجلي الرسالي في نظام اابداع ‪ ،‬و اعتبارها رك ا من اركانه ‪.‬‬

‫الرسالية اابداعية اما ان تكون جمالية تتمثل باابتكار و التطوير او‬


‫جماهيرية تتمثل بتمثل اامة و اانسانية ‪ ،‬و مقدار التمثل و الوعي به و تجليه‬
‫يحقق درجة متقدمة في جانب من جوانب اابداع ‪ .‬تمثل تطلعات اامة و‬
‫المها هو الرسالية الوط ية ‪.‬‬

‫الرسالية الوط ية‬

‫رغم ان ال قد الثقافي ا يقدم حا حقيقا لفهم اابداع ‪ ،‬اا انه يشير و‬


‫بصدق الى تأثر الكتابة بالوعي اانتمائي و الفكر المجتمعي العام ‪ ،‬و ا يع ي‬
‫ذلك جواز فهم ال ص على انه انعكاس لثقافة المجتمع او موط ا انساق ثقافية‬
‫‪ ،‬و انما يع ي ان تمثل ما ي تمي اليه الكاتب من ثقافة و امة يضرب عميقا في‬
‫وعيه و كتابته ‪ ،‬و ربما يكون احيانا الجوهر المشع الذي تشكل بفعله ال ص‬
‫او ادب الكاتب كله ‪ .‬ان الحساسية العالية و الرؤية الواضحة و التطلع نحو‬
‫اافضل المترسخ في نفسية ااديب تدفعه و بقوة الى ان يكون صوتا صادقا‬
‫في التعبير عن اامة ‪ ،‬في ظل الحرية الفكرية طبعا ‪ ،‬و يصبح حقيقة ا لبس‬
‫‪139‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫فيها أجل تبين مامح المجتمع الذي يعيش فيه ‪ .‬ان الشعر كان و ا يزال‬
‫صوت اعتراض و طلب للخاص ‪ ،‬انه تمجيد للحرية السامية و الوجود‬
‫اافضل ‪ ،‬ما عاد الفن عموما و اادب خصوصا مكان ترفيه و تعبير وجداني‬
‫بسيط ‪ ،‬انما هو في كل جهاته رؤية و موقف ونداء ‪ ،‬انه نداء صادق و خالد ‪،‬‬
‫و حي ما يمتزج هذا الصوت بحلم اامة و يتمثل تطلعاتها فانه يكون رسالة‬
‫شفيفة الى العالم و ااجيال ‪.‬‬

‫المامح الف ية للرسالية الوط ية في اادب‬

‫من المهم التاكيد ان الرسالية تتطلب بوحا ‪ ،‬بمع ى اخر تتطلب توصيا ‪،‬‬
‫و ا يع ي ذلك ان يكون التعبير بتراكيب لغوية مباشرة بحجة البوح و التوصيل‬
‫‪ ،‬و انما يمكن ذلك بالتعبير الف ي العالي ‪ ،‬وهذا سر اللغة القوية التي تبوح‬
‫بالكثير مع الف ية اادبية العالية ‪ ،‬البوح التوصيلي كما يمكن بالتعبيرية العالية ‪،‬‬
‫يمكن ايضا بالرمز و اايحاء بل ان من تجليات اللغة البوح اايحائي ‪ ،‬كما ان‬
‫الخيال ميدان خصب للبوح الرسالي ‪.‬‬

‫ان الرسالية الوط ية اادبية يمكن ان تت وع بت وع ااج اس اادبية و‬


‫اص اف اللغات الف ية ‪ ،‬و بت وع الموروث ااجتماعي و اابعاد الحضارية و‬
‫الثقافية للمجتمع ‪ ،‬لذلك يمك ا القول ان ا في مجال ُ الرسالية الوط ية اادبية‬
‫َ لدي ا عدد هائل بل غير محدود من ااشكال اللغوية ‪ ،‬يمكن تصورها اجماا‬
‫بشكل انظمة مركبة تص ف حسب ج س الكتابة من شعر و قصة و نحوهما او‬
‫حسب ص ف اللغة من مباشرة و رمزية و غير ذلك او حسب المكونات‬
‫ااجتماعية الفكرية و الثقافية و المادية ‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الرسالية الوط ية اادبية باللغة التعبيرية‬


‫نجد من بين الدر العراقي الم ثور في ذلك الفضاء الفسيح فارسا تعبيريا‬
‫يسطر ملحمة التغ ي بصفات هذا البلد الرفيع فيقول صاحب الكلمات العميقة‬
‫و اللغة التعبيرية عاء ااديب ُعراقي انا اسمر \وم ذ وادة التأريخ لم‬
‫أقهر \ولم أكسر \دمائي بحر اطياب \وانفاسي شذا ع بر \وقلبي فيه‬
‫لكل ال اس بل أكثر َ‬
‫متسع \ ّ‬
‫العراق هو ‪ ،‬انه ااسمر ‪ ،‬ه ا تتوهج التعبيرية في تقديم اانتماء و تاخير‬
‫المتكلم ُ عراقي انا َ ثم يردفه بصفة متجذرة في هذا الشعب انه اسمر‪ ،‬انه‬
‫اسمر حد ال خاع الذي وجد التاريخ وهو اب التاريخ و امه ‪ ،‬ابدا لم و لن‬
‫يقهر‪ ،‬انه وريث جلجامش و حمورابي ‪ ،‬انه الذي ا يكسر ‪ ،‬انه مص وع من‬
‫الطيب دمه و طي ته‪ ،‬انه ابن دجلة الفرات العظيمين ‪ ،‬بل وجود كله طيب ‪،‬‬
‫كج ائن بابل المعلقة ‪ ،‬لن تجد فيه شيئا من الرائحة غير الع بر ‪ ،‬انه مدي ة‬
‫رحبة محبة يسع الجميع‪ ،‬ه ا تتجلى صورة الكرم الرفيع و العطف الرفيع و‬
‫الطيبة الرفيعة التي يتصف بها العراقيون ‪ ،‬و في بيت له ايضا ُقف للعراق تحيّة‬
‫وساما ‪......‬كاد العراق بأن يكون إماما َ فيبلغ اقصى درجات التغ ي و‬
‫التمجيد انه انتماء با حدود انه الذوبان ااسر حد التاشي ‪ ،‬انه زهو وفخر له‬
‫ما يبرر و يدعو له ‪.‬‬
‫الرسالية الوط ية اادبية باللغة التجريدية‬
‫نجد فارسا وط يا اخر اا انه بلغة اخرى ‪ ،‬انها اللغة التجريدية يبوح بلغته‬
‫العالية ‪ ،‬انه كريم عبد اه ‪ ،‬سيد الكتابة التجريدية المعاصرة با م ازع ‪ ،‬يقول‬
‫مقروح‬ ‫ِ‬
‫زجاجة الصقيع ‪/..‬‬ ‫أدخل في‬ ‫تعزف السماء ِ‬
‫برذاذ الخذان ‪/..‬‬ ‫ُكلّما ُ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫ّق واجهة‬
‫تتلمس أجساداً تتسل ُ‬
‫ُ‬ ‫اأرض العانس‬
‫يتلصص ‪ُ \.....‬‬
‫ُ‬ ‫يساورني حلماً‬
‫أرعن يتدفأُ ِ‬
‫بسيل‬ ‫الموت ‪ /..‬عيو ٌن زجاجيةٌ ِمن ِ‬
‫اص ٌ‬ ‫خلف الصقي ِع ترنو ‪ /..‬وق ٌ‬ ‫ْ‬

‫‪141‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫رشقات على ِ‬
‫وجه التاريخ َ انه يتمثل العراقي الذي مسه البرد ‪ ،‬من نازح و‬ ‫ٍ‬
‫مهجر و فاقد و محزون و متألم ‪ ،‬انها ملحمة العراق الجريح المبكي ‪ ،‬الم‬
‫طويل ‪ ،‬و من ه اك تعزف السماء اغ ية هي فرحة راس الس ة لغير العراقيين اا‬
‫انها الم مر و صقيع حارق لهم ‪ ،‬انه الصقيع السجن الذي ا فرار م ه ‪ ،‬اين‬
‫يذهب العراقي الذي خذله كل شيء حتى البرد ‪ ،‬لقد فقد العراقيون كل شيء‬
‫يتوسدون اارض ‪ ،‬فصاروا لوحة عظيمة للموت الكئيب ‪ ،‬ه ا نحن بعيون ا‬
‫الجميلة البريئة الطفولية نتطلع للخاص وه اك في الجانب ااخر ا شيء‬
‫سوى الذئاب و ااعداء و المفترسين ‪ ،‬يقت صون الخبز و الخيرات ا شيء‬
‫ه اك في الجانب ااخر سوى المتفرج الوقح انه العالم القبيح ‪.‬‬

‫اللغة القريبة شعر جميلة عطوي‬

‫لقد كانت الحداثة على قدر كبير من الشجاعة فأحدثت التغيير التأريخي ‪،‬‬
‫و بقدر تلك الشجاعة كانت ايضا شجاعة ُ ما بعد الحداثة َ و اصواتها ‪ ،‬اذ‬
‫بتمعن الى‬
‫لم تم عهم الب اءات العالية و ااضواء البراقة للحداثة من ال ظر ّ‬
‫ازمات الحداثة التي اسقطت حصونها الم يعة ‪ ،‬في عملية مراجعة عميقة‬
‫‪.‬فبي ما كانت الحداثة تريد التغيير في مستوى الغايات انبهارا بالعقل و العلم ‪،‬‬
‫جاءت ُ ما بعد الحداثة َ للمطالبة بالتغيير الجذري في وضع تفرضه العولمة و‬
‫تق ياتها و عواملها المرافقة لها ‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫اهم ازمات الحداثة في مجال اادب هي العزلة ‪ ،‬فبعد ان كان اادب‬


‫من ّ‬
‫حياة لل اس و فضاء رحبا صار متعاليا في قاع و حصون عالية بعيدة عن‬
‫ال اس ‪ ،‬بظاهرة مريرة هي عزلة اادب ‪ ،‬في ادب ال خبة او نخبة ال خبة ‪.‬‬

‫لقد طرحت لغة ما بعد الحداثة كثيرا من الرؤى أجل تجاوز هذ اازمة ‪،‬‬
‫و العودة باادب الى وضعه القيادي و القريب من ال اس ‪ ،‬مع عدم التفريط‬
‫بالجماليات و التق يات الف ية التي بلغها ‪.‬و من اشكال تلك المعالجات هي‬
‫اللغة القريبة ‪ ،‬و التي نجد طيفا واضحا من الكتاب صاروا يكتبون بها ‪ ،‬لغة‬
‫تتسع لانسانية قريبة من مشاعر اانسان و قضايا و بف ية عالية ‪ ،‬و من بين‬
‫من يكتبون اللغة القريبة الشاعرة التونسية جميلة عطوي ‪ ،‬بلغة تتميز بتق ايات‬
‫ف ية عالية و جماليات باهرة ‪ ،‬و في ذات الوقت تقترب من اانسان و مشاعر‬
‫و احاسيسه و وعيه الحاضر ‪ ،‬و تبلغ ال موذجية في قصيدة ُ كان يا مكان َ ‪،‬‬
‫و ه ا س بحر في اجواء تلك اللغة المميزة مع مامحها الف ية و الجمالية ‪.‬‬

‫لقد كانت و ما زالت اللغة القريبة هي لغة الخاص الصارخة ‪ ،‬و بطيف‬
‫واسع من التعبيرية ‪ ،‬بل و مستويات مختلفة من حقول المع ى ‪ ،‬فيمكن تحقيق‬
‫غايات اللغة القريبة بالتوصيلية و اايحائية القريبة ‪ ،‬و باايحائية العالية ‪ ،‬بل و‬
‫بالتجريدية‪ .‬ان اهم ما يميزها ان تكون الفكرة جلية و ان تتجلى الغاية و‬
‫القصد مهما كان مستوى اايحاء و شكل البوح ‪ ،‬و حي ما يتحقق القرب‬
‫الجماهيري ااستث ائي مع محافظة على تق يات و ع اصر ف ية عالية و عميقة‬
‫حي ها تتحقق لغة ثرية واسعة بسعة اانسانية ‪ ،‬و بتحقيق مستويات عالية من‬
‫التف ن و العمق الجمالي تتحقق لغة ساحرة عظيمة هي ميزة اللغة العالمية كما‬
‫هو واضح ‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫اللغة القريبة لغة عالية ف يا و جماليا بتوظيفات واضحة و تجليات جمالية‬


‫رفيعة ‪ ،‬محورها الرسالية ‪ ،‬على مستوى الجمال و القضية اانسانية و تطلعاتها‬
‫‪ ،‬و نجد ذلك حاضرا في قصيدة ُ كان يا ما كان َ في قصيدة الشاعرة جميلة‬
‫عطوي ‪ .‬فبعد التوظيف العالي و التعبيرية الظاهرة في ع وان القصيدة ُ كان يا‬
‫ما كانَ و نقل القارئ الى عالم واضح و مشرق من ااستحضارات و ال قاط‬
‫المع وية الحميمة و االيفة ‪ ،‬تقول الشاعرة ‪:‬‬

‫ُ قال الراوي‬
‫كان ياما كان ‪..‬‬
‫مدي ة للعتمة‬
‫يحكمها الغربان ‪...‬‬
‫فيها تعثّر الفجر‬
‫بين الث ايا َ‬

‫ه ا تشخيص وتوثيق من قبل الراوي الوضع المأساوي للواقع ‪ ،‬بلغة رمزية‬


‫و ايحائية قريبة ‪ ،‬كبيرة البوح ‪ ،‬و توظيف لمفردات ظاهرة في ايحاءاتها ُ‬
‫فالمدي ة و العتمة و الغربان و الفجر َ ت قل القارئ الى تصورات قريبة تحاكي‬
‫ما يعيش من وضع سياسي و اجتماعي ‪ ،‬حي ما يكون التحكم لغربان بعيدين‬
‫عن الحضارة و الحرية و اامل ‪.‬ثم تشرع الشاعرة ببيان صوت مطالب‬
‫بالخاص و ي شد مستقبا افضل‬

‫ُ وكاد يضيع م ه الطريق‬


‫فاعتلى كثيب الحكايا‬
‫يستجلي الحقيقة‬
‫ي ادي كل رفيق‬
‫‪144‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫وعلى شعاع اأمل‬


‫سبك حصون المرايا‬
‫ليلتقط ال ور ‪....‬‬
‫به يخفف العتمة‬
‫يجلي إحساس الضيق َ‬

‫فتحضر كلمة ُكاد َ لتبين ان اامل موجود ولم يحل الخراب العريض في‬
‫اارض ‪ ،‬يرى شعاع اامل و يلتقط ال ور ‪ ،‬يخفف العتمة و يجلي احساس‬
‫الضيق ‪ .‬لغة قريبة ا تعمد الى التأجل و ا التعقيد تبوح بايحاء عذب ‪،‬‬
‫بمجازات شعرية واضحة و قريبة ‪ .‬ثم تقدم الشاعرة شرحا لوعورة طريق‬
‫الخاص و تعثر الفجر و خفوت ال ور و اامل ‪:‬‬

‫ُ بدت له أطياف مكبلة‬


‫والضوء بين السبايا‬
‫يرمى في جحر عميق ‪...‬‬
‫و قد ألبسو ثوب الرزايا‬
‫يميت فيه البريق ‪َ ..‬‬

‫ااطياف المكبلة ‪ ،‬و البريق يموت بما البسو من رزايا ‪ ،‬في عرض اخر‬
‫للواقع المرير و سلبها نعمة ال ور و اشعة اامل ‪ ،‬ثم ت ظر الى الخاص الم بثق‬
‫وسط المأساة انه الشهادة فهي السبيل أجل الحياة اافضل رغم السواد ‪:‬‬

‫ُ وعلى بساط ال وايا‬


‫ارتمى الفجر ‪..‬غامر ‪..‬‬
‫يخلص ال ور ‪...‬‬

‫‪145‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫يركبه ظهر أقوى المطايا‬


‫تدوس السواد ‪..‬‬
‫فيضحي شظايا ‪..‬‬
‫وتعلق الق اديل ‪..‬نجوما ‪..‬‬
‫ت ير الكون ‪..‬تحفز ‪...‬‬
‫أن يستفيق‬

‫ادحر نعيق الغربان ‪...‬‬


‫أعد لمدي تك اأمان ‪..‬‬
‫وعش حرا طليقا َ‬

‫ف جد ان ال وايا ترتمي على الفجر و صوت الحرية ‪ ،‬لتحرر ال ور و آمال‬


‫المقهورين ‪ ،‬فيكون شهداء الفجر و الثورة هم الق اديل التي ت ير الطريق ‪ .‬انها‬
‫صوت سماوي للمدي ة و الكون ان يستفيق و ان يدحر غربان الشر و اعداء‬
‫اانسان و الحضارة و يعيد اامان و الحرية و البهجة ‪.‬‬

‫حي ما يكون االم شديدا و تكون الوطأة كبيرة و الجرح كبيرا ‪ ،‬حي ها‬
‫يكون اادب المتعالي و ال خبوي في حرج ‪ ،‬فت بثق من رحمه ال قية صوت‬
‫صريح ي ادي بالخاص ‪ ،‬في لغة قريبة‪ ،‬في اشكال و اساليب مختلفة ‪ ،‬و هي‬
‫في وجودها الواسع الطيف و الساحر تكون في غاية الصعوبة تتطلب قدرات‬
‫كبيرة ا تتوفر اا نادرا لكاتب حققت له مهارته الف ية و الجمالية القدرة على‬
‫هذا الشكل الصعب من اللغة ‪.‬‬

‫ال ص‬
‫كان ياما كان‬

‫‪146‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫قال الراوي ‪..‬‬


‫كان ياما كان ‪..‬‬
‫مدي ة للعتمة‬
‫يحكمها الغربان ‪...‬‬
‫فيها تعثّر الفجر‬
‫بين الث ايا ‪...‬‬
‫وكاد يضيع م ه الطريق‬
‫فاعتلى كثيب الحكايا‬
‫يستجلي الحقيقة‬
‫ي ادي كل رفيق ‪...‬‬
‫وعلى شعاع اأمل‬
‫سبك حصون المرايا‬
‫ليلتقط ال ور ‪....‬‬
‫به يخفف العتمة‬
‫يجلي إحساس الضيق ‪...‬‬
‫بدت له أطياف مكبلة‬
‫والضوء بين السبايا‬
‫يرمى في جحر عميق ‪...‬‬
‫و قد ألبسو ثوب الرزايا‬
‫يميت فيه البريق ‪..‬‬
‫يا لها من بايا‬
‫تؤذي الفؤاد الرقيق ‪...‬‬
‫وعلى بساط ال وايا‬

‫‪147‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ارتمى الفجر ‪..‬غامر ‪..‬‬


‫يخلص ال ور ‪...‬‬
‫يركبه ظهر أقوى المطايا‬
‫تدوس السواد ‪..‬‬
‫فيضحي شظايا ‪..‬‬
‫وتعلق الق اديل ‪..‬نجوما ‪..‬‬
‫ت ير الكون ‪..‬تحفز ‪...‬‬
‫أن يستفيق ‪....‬‬
‫ادحر نعيق الغربان ‪...‬‬
‫أعد لمدي تك اأمان ‪..‬‬
‫وعش حرا طليقا ‪..‬‬
‫جميلة عطوي‬

‫‪148‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الجهة الثالثة ‪ :‬الخاصات ال قدية‬

‫قد يرى البعض ان ال قد نظرية و تطبيق اا ان ال قد التعبيري الم طلق‬


‫من ال ص نحو ال ظرية ا يرى نظرية لتطبق و انما يرى نقد عمليا يؤدي الى‬
‫است تاجات و خاصات لذلك نرى ان نسمي تلك المستخلصات و‬
‫ااست تاجات بخاصات نقدية انها مستفادة من ال قد العملي و استقراء لما‬
‫تحقق من انظمة فيه ‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫نحو علم نقد تجريبي‬

‫ربما يمك ا القول ‪ -‬في وقت ا هذا و بفضل اارث ال قدي الكبير الذي‬
‫انتج خال العقود ااخير ‪ -‬بوجوب ظهور ال قد اادبي العربي بمظاهر‬
‫تطبيقية ثابتة ‪ ،‬بمع ى ان تكون اابحاث ال قدية ذات شكل علمي ثابت‬
‫وغير خاضع للفردية ‪ ،‬يقول ُ وندل هارز ‪ ُ َ1990‬ال قد ليس موضة ‪،‬‬
‫ولقد ابدل ب ظريات ادبية في معظم الجامعات ‪ ،‬اادب الذي يكتب صار‬
‫يركز على نماذج ثابتة ‪ َ1ُ .‬و ا يحتاج هكذا امر مهم اا لخطوة الى‬
‫اامام في اجراء مراجعة و فحص و تص يف و تدقيق لما انتج من نقد ‪،‬‬
‫يقول ُ احمد علي محمد ‪ ُ َ 2007‬إن الممارسات ال قدية التحليلية أو‬
‫التطبيقية ا تزال في كثير من اأحيان أسيرة الم اهج الغربية من نفسانية و‬
‫ب يوية و تفكيكية ‪ ،‬إذ أمضي ا وقتاً طوياً و نحن عاكفون على مدارسة‬
‫ال صوص اأدبية و ا سيما القديمة م ها بإحدى طريقتين ‪ :‬إما ااعتماد‬
‫على مفرزات ال قد الغربي ‪ ،‬و إما تقديم قراءات ذوقية متحللة من أي‬
‫تحديد م هجي ‪ ،‬و الواقع أن تلك الممارسات ا ي قصها سوى المراجعة‬
‫العقلية الفاحصة ‪ ،‬و قد آن اأوان إجراء مثل تلك المراجعة ‪ ،‬بمع ى ا‬
‫بد من تقويم تلك الممارسات لبيان محصولها الف ي و الفكري ُ‪ .َ2‬هكذا‬
‫مراجعة تجعل من نقد ال قد ضرورة ملحة أجل تطوير ال ظرية اادبية و‬
‫ليس امرا تكميليا كما قد يعتقد ‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ا بد لعمل ادبي رصين ان يست د الى فكر و فلسفة عميقة و واقعية‬

‫بغض ال ظر عن البحث في مقومات و ع اصر الشيء الجميل‬

‫الخارجي ‪ ،‬او ماهية ااستجابة الجمالية الحاصلة في نفوس ا تجا‬

‫الشيء الجميل ‪ ،‬فان ه اك امورا تبلغ حدا من الوضوح يمكن من‬

‫اعتبارها مست دا عقائيا معتبرا‪.‬‬

‫اامر ااول ‪ :‬ان لدى ال وع البشري بجميع انتماءاتهم و تص يفاتهم‬

‫تمييزا وجدانيا اجماليا للجميل عن غير ‪ ،‬على ااقل بااتفاق على‬

‫جمالية ااشياء عالية الجمالية ‪ ،‬و في الواقع هذا اامر يوجه‬

‫تساؤات محرجة لفكرة نسبية الجمال‪.‬‬

‫اامر الثاني ‪ :‬رجوع ااستجابة الجمالية الى انظمة و مكونات شعورية و‬


‫فسلجية موحدة لدى البشر رغم ااختاف و الت وع الكبير في ااشياء‬
‫الجميلة ‪ ،‬و يمكن فهم العملية فسلجيا بتكون عملية التذوق من ع اصر‬
‫حسية و ع اصر ذه ية تتفاعل في مستوى تحليلي اعلى في مركز للتذوق‬
‫في الدماغ ‪ ،‬ومن ه ا يمكن فهم عملية التذوق الحسي لاطعمة على انها‬
‫جزء من نظام او جهاز تذوق عام يشمل عملية تذوق للحسيات و‬
‫‪151‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الذه يات ‪.‬يقول ُ ماجد محمد حسن ‪ ُ َ 2004‬أن التجربة اأساسية‬


‫في مجال الجمال هي التجربة الحسية‪ ،‬لذلك يرى البعض أن اإدراك‬
‫الجمالي هو في جوهر حدس‪ ،‬وليس تصوراً‪ ،‬وتقوم طبيعة الحساسية على‬
‫بعد ااستقبال‪ ،‬بمع ى أن اإدراك الجمالي يحدث نتيجة لأثر الواقع على‬
‫الحواس من قبل الموضوعات المعطاة ُ‪َ3‬‬

‫اامر الثالث ‪ :‬بروز ع اصر مدركة في العمل الجميل تحظى بقبول عام‬
‫على انها ع اصر جمالية كااثارة و اادهاش و اابهار و التمكن من تمييز‬
‫ع اصر للف ية تمكن من تحقيق التعريف ‪ ،‬و ا ريب ان نظرية التعريف‬
‫مقومة للبحث الجمالي و ال قدي بحيث ان عدم وضوح التعريف و‬
‫ااختاف فيه يعد ازمة فيهما ‪.‬‬

‫ان الشرعية التي حظيت بها ااعمال الف ية الغير مألوفة ‪ ،‬ما كانت‬

‫تحصل لوا تجاوز الفهم العام المألوف للجميل ‪ ،‬و انما كان‬

‫ااعتماد في تلك الشرعية على ااحساس الذوقي لجمالية تلك‬

‫ااعمال ‪ ،‬و التي دفعت بال قد و ال ظرية الجمالية الى تفسير تلك‬

‫المظاهر الجميلة غير المألوفة ‪ ،‬و في ضوء هذا الفهم ‪ ،‬يكون‬

‫واجب ال قد ليس فقط بيان مظاهر الجمال في ااشياء الجميلة‬

‫المتفق عليها ‪ ،‬و انما اعطاء تفسير لمظاهر الجمال في ااشياء‬

‫‪152‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الجميلة غير المألوفة ‪ ،‬بمع ى اخر ان ال قد هو جسر العبور للوعي‬

‫و التفكير العام بما يخص فكرة الجمال ‪ .‬يقول ماجد محمد ُفما‬

‫تدركه الحساسية‪ ،‬باعتبار حقيقياً تدركه على هذا ال حو حتى حين‬

‫يرا العقل ليس حقيقياً‪ ،‬وعلى هذا فأن مبادئ وحقائق الحساسية‬

‫تؤلف مضمون الجمال‪ ،‬وهدف الجمال هو بلوغ كمال اإدراك‬

‫الحسيُ‪ َ4‬ان هكذا فهم لعملية تحسس الجمال و عملية تفسير‬

‫ستساعد كثيرا جدا في تطوير الذائقة العامة و القدرة على تحسس‬

‫الجمالي ‪ ،‬و ايضا ستساعد و بقوة على تطور فكرة الجميل في‬

‫الوعي اانساني ‪.‬‬

‫ان فكرة ااعتماد على معرفة تجريبية في ادراك الجميل ت طلق من فكرة ان‬
‫ااحساس بالجميل اعمق و اوسع و اكثر تطورا من اادراك العقلي و‬
‫تحليله ‪ ،‬بمع ى اخر انها تست د الى فكرة ان ادراك الجمال ليس من‬
‫وظيفة التفكير و ا التحليل و انما هي من مجال اخر م فصل ‪ .‬يقول‬
‫هربرت ماركيوز " أن ال هج الجمالي يقيم نظام الحساسية باعتبار م اقضاً‬
‫ل ظام العقل‪ .‬وإنه في إدخاله هذا المفهوم الى فلسفة الحضارة‪ ،‬فإنه يتجه‬

‫‪153‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الى تحرير الحواس والتي بداً من أن تدمر الحضارة‪ ،‬فإنها تقدم لها قاعدة‬
‫أشد إحكاماً وتزيد الى حد بعيد من ممك اتها‪َ5ُ " .‬‬

‫ان فكرة ال قد التجريبي ت طلق من معاملة ال صوص كظواهر انسانية و‬


‫ليست مجرد اعمال فكر و استجابة لمتطلبات ‪ ،‬و انما هي عمل انساني‬
‫عالي المستوى متحرر من الزمان و المكان وان كان في مادته و موضوعه‬
‫و محتوا تأثيرات لهما ‪ .‬من ه ا يكون واجبا أجل تحقيق نظرية ادبية‬
‫اصيلة اانطاق من ال ص و ليس اانطاق اليه يقول ُ احمد علي محمد‬
‫ُإن ا في ال قد العربي بحاجة إلى التجريب ال قدي ‪ ،‬وا أع ي بالتجريب‬
‫تجريب اأدوات الم هجية المأخوذة عن الغربيين أو غير الغربيين ‪ ،‬بل‬
‫أع ي أن تكون ه الك ممارسات تجريبية ت طلق من ال ص اأدبي متفهمة‬
‫سماته الفريدة و عاماته الفارقة َُ‪َ6‬‬

‫من كل ما تقدم و بالخصوص ما اشرنا اليه من وضوح و تميز اادراك‬


‫الجمالي و ع اصر الجمال الخارجية و ااستجابة الجمالية الداخلية ‪،‬‬
‫يكون باإمكان بلوغ درجة مقبولة من الم هجية المستوعبة لأبداع ‪،‬‬
‫المعتمدة على حقائق مستخلصة بشكل علمي تجريبي من ااعمال الف ية ‪،‬‬
‫أجل تحقيق نظرية ادب عربية اصيلة يقول احمد علي محمد ُ لقد تردد‬
‫ع د ال قاد أن تراجع ال قد التطبيقي العربي الحديث كان بسبب افتقار‬
‫الممارسات ال قدية الحالية إلى نظرية أدبية أو نقدية ‪ ،‬و السؤال من أين‬
‫ت شأ مثل هذ ال ظرية ؟ صحيح أن الفكر يوجد ال ظرية ‪ ،‬و يوجد الم هج‬
‫‪ ،‬غير أن الممارسات التجريبية هي التي تؤسس الفكر و تكتشف ال ظريات‬
‫‪ ،‬و ا أدري كيف نريد بلوغ ال ظرية من دون تجريب ‪ ،‬و من دون ممارسة‬

‫‪154‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫نقدية تستهدف اكتشاف الظواهر الف ية و معالجتها بأسلوب نابع من‬


‫صميمها و من طبيعتها ؟ُُ‪َ7‬‬

‫المصادر‬

‫‪-1‬‬

‫‪http://www.textetc.com/criticism.html‬‬

‫‪ -2‬د احمد علي محمد ‪ -‬في ال قد التجريبي‬

‫?‪http://ouruba.alwehda.gov.sy/__archives.asp‬‬
‫‪FileName=44111242920071203083651‬‬

‫‪ -3‬ماجد محمد حسن التذوق الجمال‬

‫‪http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?a‬‬
‫‪id=28470‬‬

‫‪ -4‬المصدر السابق‬

‫‪ -5‬المصدر السابق‬

‫‪155‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫‪ -6‬د احمد علي محمد ‪ -‬في ال قد التجريبي‬

‫‪ -7‬المصدر السابق‬

‫نحو علم نقد استقرائي‬

‫‪156‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫لقد بلغ التباين الذوقي و التقييمي و الرؤيوي لاعمال اادبية و الف ية عموما‬
‫حدا ما عاد معه باامكان العثور على معايير ف ية و جمالية موحدة ‪ ،‬نحن ا‬
‫نتحدث ه ا عن عامة المتلقين و انما نتحدث عن المهتمين و الدارسين للف ون‬
‫‪ .‬ان ااجيالية و المدرسية ا تقدم تبريرا جيدا لهذا التشظي ‪ ،‬و الذي بلغ‬
‫حد الفوضى احيانا ‪.‬‬
‫ان الخطر في هكذا وضع يكمن في حالة عدم تبين المظاهر الجمالية للف ون ‪،‬‬
‫بحيث يحصل خلط و يصير ااعتماد في التقييم على اجتهادات فردية و ميول‬
‫نفسية قد ا تمت للواقع الجمالي بصلة ‪،‬و قد يحصل اخفاق في تعيين‬
‫الجميل و اابداعي و تمييز عن غير ‪.‬‬
‫ان الحل الحقيقي لهكذا معضلة هو بلوغ ال قد درجة من العلمية ‪ ،‬و الكف‬
‫عن ال زول من ال ظرية الى المصاديق ‪ ،‬و استبدال ذلك ب قد تطبيقي استقرائي‬
‫ي طلق من ااعمال و المصاديق ‪ ،‬و من خال ذلك يتم تكوين القواعد و‬
‫القوانين في عملية ادراك و تشخيص المظاهر الف ية و الجمالية ‪ .‬ان الدعوة‬
‫الى علم نقد استقرائي لها مبرراتها الكافية و الجوهرية ‪ ،‬كما ان ادخال‬
‫ااستقرائية في ال قد الف ي هو ضرورة ملحة في ظل ااتساع الكبير لمجال‬
‫اابداع ‪ ،‬و حقيقية معيارية ااستقراء لما يبدو ظاهرا ان الفن هو ظاهر انسانية‬
‫و ليس انجازا تجاوبيا مع الخارج ‪.‬‬
‫ان ال قد ااستقرائي يتخلى بالكلية عن فكرة التسليم للع صر الجمالي‬
‫المدعى و اعتبار معيارا ‪ ،‬و يكون مست د الحقيقي معارف استقرائية ا تقبل‬
‫الخطا وا اابتعاد عن الواقع ‪.‬‬
‫ان فكرة ال قد ااستقرائي ت طلق من اايمان بالمبدع ‪ ،‬فانه يتعامل مع العمل‬
‫الف ي كظاهرة و ليس انجازا يسعى نحو تحقيق فرضيات و نظريات و افكار ‪،‬‬
‫و يتعامل مع العمل الف ي كظاهرة انسانية و ما يتحقق به من جماليانت كظواهر‬

‫‪157‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫انسانية ‪ ،‬و انجازات مميزة معرفية و تطورية ‪ ،‬ا تتصف بالسكون بل بالتطور ‪،‬‬
‫و ا يكون الدافع نحو مطالب فكرية وانتقادات تجديدية وانما يكون التطور‬
‫طبيعي ناتج من ذات ااعمال ‪.‬و انا ناحظ ان التطورات التاريخية في الفن‬
‫انما حصلت بانجازات عبقرية تجاوزت الموجود من نظريات و مطالب نقدية ‪،‬‬
‫و ان السبب الحقيقي لتلكؤ الفن هو القيم و معاير فوقية تحضى‬
‫بالتسليم و تعد هي الع اصر الجمالية من دون استقراء او اثبت ‪ ،‬فبدل دفع‬
‫الفن نحو تحقيق مطالب ال قد ‪ ،‬و متابعهتا ‪ ،‬فان ال قد ااستقرائي دعوة الى‬
‫اتجا معاكس ‪ ،‬يكون فيه ال قد هو الماحق و التابع لاعمال الف ية ‪ .‬و‬
‫مسالة احراز المعرفة الحقائقية و عدم التوهم و التكلف و اادعاء تضمن‬
‫بااستقراء الذي يرتكز عليه هكذا نقد ‪.‬‬
‫ا ريب ان ااستقراء هو المحور الحقيقي للمعارف العلمية ‪ ،‬و ان ال ظريات ا‬
‫يمكن ان تتصف بالواقعية و المصداقية مال لم يكن لها وجود و تمثيل جزئي‬
‫جيد في الخارج و المجال الواقعي لل ظرية ‪ ،‬فا يكفي اادعاء في مجال‬
‫العلوم ‪.‬‬
‫الية ال قد ااستقرائي يمكن تحقيقها بصور متعددة ‪ ،‬و حسب ما هو معمول به‬
‫في العلوم التطبيقية ‪ ،‬اا ان ااساس و الجوهر هو ااعتماد بالكلية على‬
‫ااستقراء ‪ ،‬و الذي يع ي محورية المصاديق و صفاتها و ما يستحصل م ها من‬
‫قواعد ‪.‬‬
‫ان عملية اابداع عملية حرة ‪ ،‬و ا يمكن تكبيلها بفرضيات و نظريات ‪،‬‬
‫تفرض و تعتبر مسلمة و اساسا للتذوق و المعرفة ‪ ،‬رغم انها لم تحظ باثبات و‬
‫ا دليل غير الفرضية ‪ ،‬بمع ى اخر ان ال قد ما لم يعتمد على ااستقراء فان‬
‫معارفه تبقى معارف فرضية ‪ ،‬و هذا هو السبب الحقيقي في التغيرات السريعة‬
‫في القيم الجمالية و المتطلبات اابداعية في ال قد الف ي ‪ ،‬اما لو اعتمد‬

‫‪158‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ااستقرار بحيث ا يتم التسليم للفريضة اا باثبات مصداقيتها من خال‬


‫ااستقراء ‪ ،‬فانه سيكون لدي ا مجال حقائقي يتصف بدرجة عالية من الواقعية ‪.‬‬
‫يكون دائما التعامل مع ااعمال اادبية مهما كان حجمها و عددها بكونها‬
‫ظواهر ‪ ،‬و الع اصر الجمالية تعامل كظواهر ا يتم ااذعان اي معرفة ع ها اا‬
‫بمصدق استقرائي ‪.‬‬

‫في اللغة المتوهجة‬

‫لقد بات راسخا ع د المشتغلين في الف ون اادبية شكل ف ي من اشكال اللغة‬


‫هو اللغة المتوهجة ‪ .‬و رغم الحضور القوي لهذ اللغة في الشعر المعاصر ‪،‬‬
‫اا ان ال قد اادبي لم يبذل الكثير في بيان مامح تلك اللغة و جمالياتها ‪ ،‬و‬
‫ظلت في كثير من جوانبها تحت ااوصاف الفضفاضة و غير المحددة ‪ .‬ا‬
‫ريب ان ااشارات الى انها لغة التكثيف و اادهاش و القراءة المتعددة كانت‬
‫قريبة الى عالمها الواسع ‪ ،‬اا انه اجل التطور اكثر فيها ‪ ،‬ا بد من بذل جهد‬
‫اكبر في هذا ااتجا‬
‫ربما المتابع للكتابات اادبية المعاصرة يرى ميا نحو البوح و تراجعا في‬
‫التوهج اللغوي ‪ ،‬طبعا هذا اامر مفهوم جدا ‪ ،‬و كان اسباب اولها ما تمر به‬
‫الم طقة العربية من هجمة اجتماعية و سياسية و تغيرات و اختراقات تست هض‬
‫الهمم و تدعو الى البوح و الصوت الجهوري الخطابي ‪ ،‬لكن ه اك عامل اخر‬
‫هو تاخر ال قد تجا اللغة المتوهجة ‪ ،‬و عدها لغة المثقفين و ال خبة ‪ ،‬من‬
‫دون تقديم نظرية متكاملة ع ها ‪ ،‬تمكن من تطوير المتلقي العادي ‪ ،‬و توسع‬
‫جماهيرية هذ اللغة ‪ ،‬التي هي بحق من اعظم انجازات اانسانية في عصر‬

‫‪159‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الحداثة ‪.‬خصوصا بعد ظاهرة العزلة الجماهيرية لل صوص اادبية مما ادى الى‬
‫تراجع في نتاجات اللغة المتوهجة ‪.‬‬
‫لقد نال اللغة المتوهجة شيء من الظلم ‪ ،‬بجعل الواجهة و الممثل الرسمي لها‬
‫هو لغة الهذيان و اانثياات و اللغة التجريدية و الغامضة ‪ ،‬و اامر ليس‬
‫كذلك ‪ ،‬ان اللغة المتوهجة ا تتعارض ابدا مع التداولية و التعاونية ‪ ،‬و يمكن‬
‫تحقيق اادهاش و التكثيف مع تحقيق مقدارعال ايضا من الجماهيرية ‪ .‬و لو‬
‫تلمس ا الجماليات الحقيقية و الجوهرية لتلك لغة لوجدنا الرسالية و ااستجابة‬
‫الشعورية من مقومات اابداع فيها ‪.‬‬
‫لقد بي ا في مقاات سابقة ان اابداع اللغوي قائم على ثاث ركائز ثابتة هي‬
‫الشعرية و الجمالية و الرسالية ‪ ،‬تحقيق مقادير عالية في تلك الجهات يحقق‬
‫لغة ف ية ابداعية متميزة ‪ ،‬و تحقييق شكل معين من الشعرية و الجمالية يحقق‬
‫شكل اللغة المتوهجة ‪.‬‬

‫الشعرية تبرز في مجال المجاز و الخيال و الموسيقى و الصورة ‪ ،‬اما المجاز‬


‫فان المجاز العالي اي اانزياح الكلي في جميع المكونات و ليس ااقتصار‬
‫على المجاز المفرداتي من صفات اللغة المتوهجة ‪ .‬و اما الخيال فان خيال‬
‫اللغة المتوهجة يكون بالعيش في لغة الحلم و ليس تحقيق لغة الحلم فقط ‪،‬و‬
‫اما الموسيقى فانها تحقق الموسيقى العميقة و ت اغم ال قاط الموسيقية العميقة‬
‫‪.‬و اما الصورة فهي صور الكلمات السريعة ‪ ،‬و نقصد بها تحقيق االفة‬
‫تجاورية بين الكلمات تفوق سرعة الب اء التلقياتي و الم طقية ال حوية و اللغة‬
‫فائقة السرعة هي من اهم مميزات اللغة المتوهجة ‪.‬‬
‫اما الجمالية فع اصرها التصوير و التجربة و ااستجابة الشعورية ‪ ،‬اما التصوير‬
‫فالكم الصوري تعددي في اللغة المتوهجة اي انه نص مفتوح على قراءات‬

‫‪160‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫متعددة ‪ ،‬و اما الكيف الصوري فهو ايحائي و اما المحتوى الصوري فقد بي ا‬
‫انه من اعلي مستويات ااالفة و الام طقية الى تصل حد التجريد احيانا ‪ .‬و‬
‫اما التجربة ‪ ،‬فالكم التجربي تجلياتي يكون للذات و التجربة حضور و ظهور و‬
‫هذا صفة للغة القوية عموما و م ها اللغة المتوهجة ‪ ،‬و اما كيف التجربة فانه‬
‫وسائطي امباشر يحتاج الى اعمال ادوات التلقي حتى يصل الى اابداع‬
‫القراءاتي و اكمال الفهم بمعونة المتلقي و هذا في الحقيقة من مميزات ال ص‬
‫المفتوح الذي يصبح فيه القارئ مبدعا و ليس متليقا فقط وهذا الفهم المعاصر‬
‫جوهري جدا في تطور الفكرة اانسانية عن اللغة الف ية ‪ ،‬و اما محتوى التجربة‬
‫فهو ي زع نحو المعاناة الجمعية و العميقة نحو ااممية و اانسانية و الكونية‬
‫مبتعدا عن الشخص ة ‪.‬‬
‫و في ما يخص ااستجابة الشعورية فمن الواضح ان اللغة اايحائية تعتمد‬
‫ااستجابة الشعورية العميقة ‪ ،‬متجاوزة الهزة الشكلية الخطابية ‪ ،‬بمع ى انها لغة‬
‫كتابية ‪ ،‬فان اللذة العميقة المعرفية و الشعورية هي التي تمثل ال ظام المشاعري‬
‫في ااستجابة للغة المتوهجة ‪ ،‬انها لذة من ااعماق وهذا ا يم ع من لغة‬
‫متوهجة خطابية ‪.‬‬
‫واخيرا الرسالية ‪ ،‬فان رسالية العمل الف ي تكمن في الرسالية الجمالية و‬
‫الرسالية الجماهيرية و الرسالية الجمالية تتحق بتقديم نموذج عالي المستوى‬
‫من الف ية و التق ية ‪ ،‬حتى يتوج بالتجديد اللغوي وا توجد لغة نعرفها الى اان‬
‫تقبل التجديد و التجريب القصدي اابداعي كاللغة المتوهجة لذلك نرى‬
‫بوضوح تسارع و تكاثر و تشعب اساليب اللغة المتوهجة ‪ ،‬و اما الرسالية‬
‫الجماهيرية ‪ ،‬فان تحمل المعاناة اانسانية و تمثل اامة و ال وع جزء مهم من‬
‫الرسالية ‪ ،‬و اما التداولية فانها ايضا من المطالب الجماهيرية ‪ ،‬اا ان ذلك ا‬
‫يع ي الت ازل عن المستويات العالية للكتابة اجل التوصيل الى جميع الشرائح‬

‫‪161‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫‪ ،‬فان هذا ليس امرا معقوا ‪ ،‬بل ولم يكن يوما مطلبا ف يا على مدى العصور ‪،‬‬
‫لكن في زم ا الحاضر الذي تتداخل المعاناة و تتعاظم فان الواجب على‬
‫المؤسسات اانسانية و الدولية من تطوير القارئ و المتلقي و اشاعة الثقافة‬
‫بدل مطالبة اادب بان يكون بلغة حياتية يومية و خطابية طاغية ‪ ،‬اي بدل ان‬
‫نجر اللغة نحو عالم اابتذال فاافضل ان نحلق معها في سماء اابداع ‪ ،‬و‬
‫من المهم ارجاع هيبة الكتابة و دورها القيادي في المجتمع و ازالة جميع‬
‫حجب العزلة المفتعلة بين الكاتب و القارئ بل بين اابداع و ال اس عموما ‪ ،‬و‬
‫التي تبدو احيانا مفتعلة ‪.‬‬
‫ا تكمن اهمية اللغة المتوهجة في انها لغة ف ية جديدة و متطورة ‪ ،‬بل انها‬
‫تمثل انجازا انسانيا حضاريا يواكب التشكل العالمي لانسان العالمي ‪،‬‬
‫المتجاوز للحدود المكانية ‪ ،‬لذلك اذا ما بقي ال قد المحلي متاخرا فان التبعية‬
‫ستكون هي ال تيجة الحتمية ‪ ،‬وهذا سيؤدي الى صياغة ثقافة و رؤية تابعة الى‬
‫ما ي تج في الخارج ‪ ،‬فا بد من اانطاق من خال المصاديق و الجزئيات‬
‫للتعامل مع ال ظريات العامة ‪ ،‬فانه العمل الحقيقي الذي يجعل الثقافة المحلية‬
‫محص ة و فاعلة في صياغة ثقافة عالمية مائمة ‪.‬‬

‫نحو ال قد التجلياتي‬

‫من الظاهر جدا ان فترة ما قبل الحداثة تميزت ببلوغ الجمالية اادبية فيها‬
‫درجات عالية من التشخيصية لع اصر جماليات اادب الكاسيكي ‪ ،‬حتى ان‬
‫درجات التوقع اانتاجي و التجريبي صار امرا راسخا في مجال التحليل‬
‫الجمالي لتلك ااعمال ‪ ،‬و حقق البحث التحليلي درجات تفصيلية‬
‫للمصطاحات العامة و الخاصة و الكلية و الفرعية و مراتب المفاهيم و صور‬

‫‪162‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫التراكيب و خصوصا في علم الباغة ‪.‬‬


‫و من الظاهر ايضا عدم تحقق مثل هذا الم جز في جماليات اادب الحداثوي‬
‫و ما بعد الحداثوي ‪ ،‬طبعا و لحقيقة ظهور م جز ابداعي متميز لهذ الفترة‬
‫يعطي مامح واضحة لها ‪ ،‬اا ان العوز و اافتقار الى المصطلح العلمي ناتج‬
‫عن قصور في اادواة ال قدية ‪ ،‬حتى ااستعانة بعلوم اخرى كاالس ية لم يفلح‬
‫بتقديم التصورات ال اضجة ‪ ،‬و سبب عدم ااستيعاب هذا ا يخفى على‬
‫الكثيرين وهو م هج التلقي المدرسي لم هاج ال قد الغربية اارتجالية و المتشعبة‬
‫‪ ،‬بمع ى اخر ان تاثر العقلية الغربية بوطأة العلم و البرمجة ادى الى ظهور نزعة‬
‫من التسلط و التحكم و اانطاق من نقطة خارجة عن دائرة اابداع‬
‫اادبي متجهة نحو باعتبار مادة لها ‪ ،‬ان اابداع في م اهج ال قد اادبي‬
‫الحديث ا يفهم اا كمادة و حاات فردية احكام و قوالب جاهزة ‪ .‬لذلك‬
‫هي دائما تصطدم بالفشل و العجز و الوهم احيانا ‪ ،‬ان افضل صفة يمكن ان‬
‫يوصف بها ال قد الحديث هي عدم ااصالة ‪ ،‬و نقصد بذلك ال قد‬
‫الغربي بااساس ‪ ،‬انه ابن اعرج ل ظريات العلم المادي المتسلطة ‪.‬‬
‫ما كان مطلوبا من ال قد اادبي هو اانطاق من علم الجمال و ليس من علوم‬
‫اخرى ‪ ،‬نعم ااب الحقيقي و الشرعي لل قد اادبي ااصيل هو علم الجمال ‪،‬‬
‫و كل قصور في هذا الفهم او في جانب الجماليات ااصلية و الفرعية يولد‬
‫نقدا ادبيا عاجزا ‪ ،‬ان ما هو مطلوب من ال قد هو الثورة على ال قد ‪ ،‬التحرر‬
‫من قيود العلمية المادية ‪ ،‬ما هو مطلوب علمية جمالية ‪ ،‬علمية اادب‬
‫الحقيقية ‪.‬‬
‫لقد ادى الخلط بين الخصائص الجمالية للمادة الف ية و خصائص‬
‫المادة نفسها ‪ ،‬الى تصور امكانية تحديد الع اصر الجمالية لتلك ااعمال‬
‫الف ية بتلك المادة ‪ ،‬لكن اامر ليس كذلك ‪ ،‬وا يقال ان ذلك يع ي البحث‬

‫‪163‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫عن ع اضر جمالية ليست مادية ‪ ،‬و الجواب ان هذا صحيح في جزء كبير م ه‬
‫‪ ،‬فان ابداعات ما بعد العولمة وااعمال التجلياتية اثبتت وجود ع اصر‬
‫جمالية تتجاوز المادة ‪ ،‬عوامل مشتركاتية بين الف ون ‪ ،‬ولو ان ال قد اادب‬
‫اقترب اكثر من العلمية الجمالية لكان بامكانه ان يتلمس الخطوط العريضة‬
‫لتلك الع اصر الجمالية ‪ ،‬اا انه و لاسف اخذ يتقلب في احضان العلوم‬
‫المادية الخاصة بتلك المواد ‪ ،‬ولو استمر ذلك ال هج المعتمد على العلوم‬
‫المادية فانا س تهي الى نقد ف ي مليء بالمصطاح الفيزيائية و الكيميائية و‬
‫الرياضية ‪ ،‬مع افتقار حقيقي في تشخيص الع اصر الجمالية ‪ .‬اما ال قد‬
‫التجلياتي ال ابع من العلمية الجمالية ‪ ،‬فانه سيحقق انجازا جماليا و تشخيصا‬
‫لع اصر الجمال في ااعمال الف ية ‪ ،‬سواء كان على مستوى الج سية ُ‬
‫كالشعرية و السردية و الموسيقية و الرسمية و غيرها َ او على مستوى‬
‫الجمالية بع اصرها اايحائية و التلقياتية و القصدية و التجرباتية ‪.‬‬
‫نعم الت اول التجلياتي لاعمال الجميلة هو الحل الحقيقي لمشكلة العوز‬
‫ااصطاحي العلمي لل قد الف ي ‪ ،‬و العلمية التي تتحقق بالم هج التجلياتي‬
‫علمية جمالية اصيلة ‪ ،‬و ليست علمية تابعة لعلوم اخرى متعلقة بمادة الفن ‪.‬‬
‫ا بد من التاكيد و كثيرا على ان العمل الف ي بمادته له ت اول علمي من جهتين‬
‫‪ ،‬علم مختص بمادته و علم مختص بجمالها ‪ ،‬الخلط الذي حصل في عصر‬
‫الحداثة بين العلمين ادى الى مزلق خطير اوصل ال قد الف ي الى طريق مسدود‬
‫‪.‬‬
‫نعم تابعية ال قد الف ي لعلوم المادة ادى الى فقدان القدرة على تشخيص‬
‫الع اصر الجمالية بشكل واضحة ‪ ،‬طبعا من التج ي القول بعدم قدرته على‬
‫ااشارة و التلميح و اايحاء ‪ ،‬ان ذلك كام فارغ ‪ ،‬ما نقصد هو عدم قدرته‬
‫لبلوغ العلمية الم اسبة في المصطلح ‪ ،‬فكانت اكثر اطروحاته و مبتكراته و‬

‫‪164‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫مصطلحاته فضفاضة وغير مشخصة ‪ ،‬فصار ال قد عبارة عن ممارسة‬


‫يحتكرها المادياتون اكثر من الجماليين ‪.‬او انها غرق في التعبيرية ‪ ،‬بمع ى‬
‫اخر ان الم هج التجلياتي لل قد الف ي هو دعوة نحو ال قد الجمالي و ليس‬
‫ال قد المادي او التعبيري ‪.‬‬
‫ان الفهم التجلياتي للجماليات هو المدخل الحقيقي و الواضح نحو علم‬
‫جمال ف ي ادبي او غير ‪ ،‬نحو نقد علمي جمالي و ليس ماديتاي ‪ ،‬انه تاسيس‬
‫اكاديمية الجمال و ليس اكاديمية المادة ‪ ،‬انه مقدمة علم الجمالية و ليس‬
‫علم المادة ‪.‬‬
‫لقد بي ا في مقاات سابقة ان ه اك تميز بين جمالية العمل الف ي و ف يته‬
‫كالشعرية للشعر مثا ‪ ،‬فجمالية الشعر غير الشعرية ‪ ،‬كما ان كليهما غير‬
‫خصائص اللغة الماداتية المعرفية ‪ ،.‬العلوم المادية المختصة باللغة مختصة‬
‫بااساس في الجهة ااخير اي الخصائص المادية للغة ‪.‬‬
‫لقد ساد فهم اواقعي ادى الى ابتعاد ال قد عن مكانته الحقيقية ‪ ،‬و هي‬
‫ااتجا نحو ا نمطية الكتابة ‪ ،‬وهذا وهم ‪ ،‬اذن ان ال مطية متاصلة في‬
‫الموجودات ‪ ،‬بمع ى انه ليس ه اك من وجود اا وله نمطية ‪ ،‬نعم قد تتعدد‬
‫صور ال مطية للموجود المعين و قد تبلغ حد غير محصور او ا مت اهي اا انه‬
‫يبقى له نمطية ‪ .‬ان هدم اايمان بالمشترك الجمالي و اعاء فكرة الانمطية‬
‫ادى الى ظهور طرفين اواقعيين من ااتجاهات ال قيدية ‪ ،‬التجا المادي و‬
‫ااتجا التعبيري ‪ ،‬فبي ما غرق ااول في قواعد العلوم الاجمالية ‪ ،‬غرق الثاني‬
‫في الفردية و التاملية و الخطابية و العاطفية ‪ ،‬و في الواقع كلما تجد نقدا‬
‫مليئا بتلك المظاهر فاعلم انك اما نقد اعلمي ‪.‬ان اساس الفهم التجلياتي‬
‫للجمالي هو تشخيص المشتركات الجمالية ‪ ،‬ان التجلي هو الظهور المتميز‬
‫بالمتباي ات ‪ ،‬انه تضاؤل المادة امام التجربة انه تاشي المادة الف ية و فقدانها‬

‫‪165‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫شخصيتها و كيانتها و م طقيتها و قواعديتها اما تجلي التجربة ‪ ،‬و كلما‬


‫ازدادت قوة الظهور و ازدادت شدة التباين بين وسائط الظهور و شدة تضاؤل‬
‫المادة ‪ ،‬كان التجلي اكبر ‪.‬فمثا الشعرية وهي عملية البوح الجمالي بالتجربة‬
‫‪ ،‬لها صور تشكيلية و تلقياتية و تجرباتية ‪ ،‬كلما ازدادت قوة ظهور التجربة و‬
‫ازداد تباين الصور التشكيلية و تضاؤل المادة التي تظهر فيها تلك التجربة‬
‫كان ذلك يع ي ان التجربي تتجلي بذاتها و ان التجلي اكبر ‪.‬‬
‫من اهم انجازات ال قد الحداثوي هو ااتجا بالتحليل الف ي من العمل وع صر‬
‫المشاهدة الى عملية التلقي وهو حق ‪ ،‬ان الجمالية هي عملية ابداعية تلقياتية‬
‫‪ ،‬ا يمكن فهم الع اصر الجمالية اا في ضوء حقيقة كونها نتاجات لعملية‬
‫التلقي ‪ ،‬فا وجود لع اصر جمالية مستقلة بالكلية في ذات العمل الف ي ‪ ،‬بل‬
‫ان العمل الف ي خال من الف ية من دون ع اصر تلقياتية ‪ ..‬ان هذ الحقيقة‬
‫تمك ا من تمييز الفوارق العريضة بين ال قد الكاسيكي المرتكز على الع اصر‬
‫الشكلية و ال قد الحداثوي و العولماتي المرتكز على الع اصر التلقياتية‬
‫المادية و ال قد ما بعد العولماتي اي التجلياتي المرتكز على الع اصر التلقياتية‬
‫التجرباتية التجلياتية ‪..‬كما انه مدخل الى ُ علم ال ص َ بت اول جميع‬
‫الجهات التي اشرنا اليها في ابحاث ا ‪ ،‬و لقد اشرنا في مقاات سابقة الى‬
‫مجموعة عريضة و عامة من الع اصر الجمالية التجلياتية ‪،‬و س عمد ان شاء اه‬
‫في المستقبل الى بيان مامح كل م ها بتفصيل اكبر ‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫مبادئ ااستجابة الجمالية‬

‫كلما اتجه ال ظر نحو فكرة اعمق و اشمل تخص الف ون كلما استشعر‬
‫القصور و الاموضوعية في ااقتصار على مادة ف ية واحدة ‪ .‬و في ضوء‬
‫السعي نحو فكرة جمالية عامة فانه يكون باديا قصور ااقتصار على احدا‬
‫لف ون ‪ ،‬كاللغوية مثا ‪ .‬و ربما يكون من الجائز التساؤل عن انظمة جمالية‬
‫موحدة للف ون اذا ما كانت ااجابة إيجابية فيما يخص سؤاا يمهد اارضية‬
‫نحو هكذا فكرة ‪ .‬السؤال هو فرع فكرة ان العامل المشترك بين الف ون‬
‫هو ااثارة ‪ ،‬اذ يمكن بحث باقي الع اصر على انها ع اصر اختاف اا‬
‫ااثارة فانه ا يمكن ااختاف في انها عامل مشترك في الف ون باعتبارها‬
‫اعمال ابداعية ‪ .‬في ضوء ذلك يكون السؤال ُ هل ان ااثارة التي تحصل‬
‫ل ا ازاء ااعمال الف ية ترجع الى نقاط موحدة في المجال الشعوري و‬

‫‪167‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الفكري لإنسان ام انها مختلفة ؟َ طبعا الوجدان و العلم بل و الممارسة‬


‫الخبروية تؤكد محدودية نقاط الشعور و ااثارة في ا ‪ ،‬اذن يصح افتراض رد‬
‫ااختاف الخارجي الى مشترك داخلي ‪ ،‬و بذلك يكون لدي ا واسط‬
‫حقيقي يكون كاشفا عن ع اصر الجمال الخارجية و نقاط ااستجابة‬
‫الداخلية ‪ ،‬اذن يصح افتراض وجود ثاث مجموعات من الع اصر المكونة‬
‫لعملية التذوق الجمالي ع اصر العمل الف ي ‪ ،‬ع اصر ااستجابة الجمالية و‬
‫ع اصر الوسط الجمالي ‪ ،‬و يمكن فهم العملية على ان المجموعة ااولى‬
‫من المركبات الجميلة و ان الثانية هي مركبات ااستجابة و الثالثة اي‬
‫ع اصر الوسط محفزات من جهة الطرف الخارجي و مستقبات من جهة‬
‫الطرف الداخلي ‪ .‬التباين الكبير في المركبات الجميلة ي تهي الى عدد‬
‫محود ومشترك من المحفزات و التي لها مستقبات محدودة و ع ها‬
‫مركبات استجابة محدودة ايضا ‪.‬‬

‫من الواضح ان هذا الفهم يشتمل على واقعية ظاهرة مصدقة بالوجدان و‬
‫العلم ‪ ،‬و يكون البحث في كل من المجاات الثاث مثمرا دوما و‬
‫اختصاصي ايضا ‪ ،‬و البحث و ااكتشاف في كل من تلك الجوانب يؤدي‬
‫الى ثمرة مختلفة ‪ .‬فتطوير المعرفة بالع اصر الجميلة يمكن من قدرة اكبر‬
‫على اعادة انتاج الجميل ‪ ،‬و التطوير في مجال ااستجابة يمكن من قدرة‬
‫اكبر على التدخل في تطوير ااستجابة و تشخيص ما هو غير طبيعي ‪ ،‬و‬
‫التطوير في مجال ع اصر الوسط يمكن من انتاج محفزات و مستقبات‬
‫اكبر‪.‬‬

‫بعد وضوح امكانية فكرة المشترك الجمالي ‪ ،‬و رجوع الت وع الظاهري‬
‫لأشياء الجميلة الى مشتركات في مجال استجابت ا لها و الع اصر الوسطية‬

‫‪168‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫بين كل ذلك ‪ .‬ان اهم و اوضح ظاهرة تشخص القصور في استفادة‬


‫احكام عامة من البحث المقتصر على مادة ف ية واحدة كاللغة او الرسم‬
‫مثا ‪ ،‬ان ما يبدو للعيان ان ه اك نوع من العمل الف ي احادي البعد ‪،‬‬
‫ساكن في البعد ااخر كاللغة الزمانية الامكانية ‪ ،‬و الرسم المكاني‬
‫الازماني ‪ ،‬طبعا الكام ه ا من حيث المادة بذاتها ‪ ،‬لكن لدي ا ف ون‬
‫زمكانية كالتمثيل ‪ ،‬فا ريب جمعها للزماني و المكاني ‪ ،‬و يكون غير‬
‫محكوم بما يمكن ان يستخلص من الزماني او المكاني الم فرد ‪ .‬السؤال‬
‫ااهم ه ا ُ هل عملية ااستجابة الجمالية عملية زمانية ام زمكانية ؟ َ ‪،‬‬
‫طبعا من الظاهر انها زمكانية ‪ ،‬سواء من حيث التحليل للظاهري او من‬
‫حيث استراجاع المدرك و تخيله ‪ ،‬اذن فمقولة ان اللغة تعكس نظام‬
‫التفكير تكون في المحك و تعاني حرجا في ااثبات ‪ ،‬و يكون ااصح ان‬
‫الف ون الزمكانية أي المكاني المتطور في الزمن ‪ ،‬كالتمثيل ‪ ،‬هو الصورة‬
‫الخارجة ااصدق المقاربة لعملية التفكير وااستجابة الجمالية ‪ ،‬بحيث‬
‫يمكن تمثيل عملية اادراك بانها صورة متتالية كالشريط السي مائي ‪.‬‬

‫هذا الفهم يمكن ان يكون مدخا نحو فكرة جمال عرفية وجدانية ‪،‬‬
‫مدعومة بمظاهر فسلجية علمية ‪ ،‬تكون اقرب للواقع و اصدق في تمثيل‬
‫ااستجابة الجمالية ‪.‬و ا يبقى الع صر الجمالي متذبذبا بين الشكلي او‬
‫المع وي او ما هو داخل العمل الف ي او ما خارجه ‪ ،‬و انما تكون لدي ا‬
‫جهات بحث و ميادين تصدق كل فكرة واقعية في مجالها و ان كانت‬
‫تخالف غيرها ‪ ،‬فيرتفع الت اقض فيما كان يعتقد انه مت اقض ‪ ،‬لتعدد ابعاد‬
‫التجربة الجمالية و تجلي ميكانزما لاستجابة الجمالية ‪ .‬هذا الم هج‬
‫العرفي الجمالي يبين انه ا ت اقض بين القول بالجمالية الداخلية و بين‬
‫القول بالجمالية الخارجية ‪ ،‬بل يؤكد ان تلك ال ظريات تشامل على مواطن‬

‫‪169‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫للصحة و يمهد نحو نظام علمي عام و شامل موحد لفكرة الجميل و‬
‫الجمال ‪.‬‬

‫التعبيرية التجلياتية‬

‫لقد بات واضحا و بشكل ا يصح انكار ان الجمالية الف ية المتاحة لانسانية‬
‫قد مرت بثاث مراحل واضحة ‪ :‬ااولى مرحلة ما قبل الحداثة ‪ ،‬و الثانية‬
‫مرحلة الحداثة ‪ ،‬و الثالثة مرحلة ما بعد الحداثة و يمكن ان نسمي الجمالية‬
‫ااولى بالجمالية الكاسبكية و الثانية بالجمالية الحداثوية و الثالثة بالجمالية‬
‫العولماتية ‪ .‬من مميزات الجمالية الكاسيكية التشبث بالهيئة و المادة و‬
‫تقدسبهما بي ما الجمالية الحداثوية التي تجاوزت جوانب جزئبة من الهيئة بلغة‬
‫اج اسية انوعية او ا نمطية ‪ ،‬واهم صور ذلك هو قصيدة ال ثر اما الجمالية‬
‫العول اتية اي ما بعد الحداثوية فانها تجاوزت الهيئة بالكلية فظهر ل ا ال ص‬
‫العابر لاج اس او ال ص المفتوح‪ .‬ولو نظرنا الى ان ذلك التطور في الجمالية‬
‫‪ ،‬نجد تابع و مرافق للتطور اادراكي العملي و ليس الت ظيري ‪ ،‬و من‬
‫المتصور ان للسعي نحو توحيد اادراكات و الجماليات سيستمر بل ان من‬
‫الواضح وجود بوادر العمل الف ي المتجاوز للمادة اي الذي تتداخل فيه المواد‬
‫الزمانية كاللغة و المواد المكانية كاالون ‪ ،‬فان من المتوفع انها ستتداخل قي‬
‫اعمال ف ية موحدة ع‪ ،‬ليست فقط عابرة لاج اس بل عابرة للمادة ة هذا ما‬

‫‪170‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫نسميه العمل الف ي الاماداتي ُ او التجلياتية َ و الذي يمثل جماليات ما بعد‬


‫العولمة ‪ .‬ان اادراك الشيئي الازماني الامكاني الاهياوي و الامادي يقدم‬
‫ل ا فهما و شرحا للجمالية الامادتاية العابرة للف ون ‪ ،‬اا انه بسبب سيادة‬
‫اادراك الزمكاني و وظيفيته فانا بمكن ان نتصور مرور ااعمال الاماداتية ُ‬
‫التجلياتية َ في عصر ما بعد العولمة باربع مراحل تكون على شكل اربع صور ‪:‬‬

‫‪ -1‬التجلياية ُ الامادتاية َ الوصفية ‪ :‬بان يكون ااستعمال لمادة واحدة ‪،‬‬


‫لك ها تصف وتصور و تستحضر الع صر ال ماير ماديا‪.‬‬

‫‪ -2‬التجلياتية ُ الاماداتية َ التجاورية ‪ :‬بان يتكون العمل من اكثر من مادة‬


‫فعا مع الخفاظ على اتميز كل م ها فتتجاور لكن ا تتداخل ‪.‬‬

‫‪ -3‬التجلياتية ُ الاماداايتيةَ التداخلية ‪ :‬بان يحصل اضافة الى تعدد المواد ‪،‬‬
‫تداخلها و ليس فقط تجاورها ‪ .‬فا تتمايز ‪.‬‬

‫‪ -4‬التجلياتية ُ الاماداتية َ االشيئية ‪ :‬و التي يتم فيها تجاوز المادة بالكلية و‬
‫تتجلى التجربة بذاتها ‪ ،‬اي ا يكون االمادة و الهيئة داا بل عوامل مساعدة ‪.‬‬

‫مثال على التجلياتية الوصفية ‪ :‬مقطع من عمل تجلياتي وصفي ع وانه تجليات‪.‬‬
‫حقل واسع من الزهور يتجاوز المشهد و ااطار ‪ ،‬في الزاوية البعيدة بئر تغرق‬
‫في الوحدة ‪ ،‬يتجمع في قعرها المظلم اكوام من العظام و الحلي ‪.‬‬

‫او ‪:‬‬

‫‪171‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫صدور الثائرين ج ائن معلقة بالعرش ‪ ،‬تختبئ في فجوات الزمن ‪ ،‬تاركة المكان‬
‫لكل ف اء بهيج ‪.‬‬

‫مثال على التجلياتية التجاورية ‪ :‬مقطع من عمل تجلياتي تجاوري ع وانه‬


‫انتظارات‬

‫‪http://vimeo.com/m/62745954‬‬

‫او‪:‬‬

‫وت زل الرغبة بثيابها اابدية ‪ ،‬محطمة كل فضاء جليدي يغرق في الوهم ‪ ،‬اجل‬
‫هكذا مفاصلها تأن ح ي ا الى عالم من الخوف ‪ ،‬و ال هاية الباسمة ‪.‬‬

‫اما الشكل الثالث فيمكن تصور باجتماع قراءة شعري مع مشهد تمثيلي و‬
‫موسيقى متداخلة واما و الرابع فليس لدي تصور واضح ع ه الى اان ‪.‬‬

‫مقدمة في ال قد التعبيري‬

‫‪172‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫رغم ان علماء اصول الفقه كان لهم السبق في دراسة العامة و دالتها اا ان‬
‫البروز و الظهور كان للغوين الغربيين في ترسيخ علم العامات ‪ ،‬و مع ان‬
‫السيميائية اشارت الى محورية العامة و الدالة في تحليل الرسالة و ال ص اا‬
‫انها بتركيزها على المع ى كمدلول لم تقدم نظرة متقدمة في علم الجمال ‪ ،‬و‬
‫اخفقت كثيرا في ااجابة عن السؤال المحوري في ال قد الف ي و الجمالي‬
‫الملخص في عبارة ُ لماذا هذا العمل او ال ص جميل او مدهش ؟َ و اامر‬
‫ااخر الذي لم تتلمس السيميائية غايتها فيه انها نقلت مجال التحليل كله الى‬
‫عقل المتلقي ‪ ،‬و صارت الدالة التي ع د القارئ و المتلقي هي الحاكم و‬
‫المشخص و هي بذلك تخفق في رؤية موطن اابداع الحقيقي المتمثل بال ص‬
‫‪ .‬و لقد حاولت ااسلوبية التخفيف من هذا الطغيان فاشارات الى مجال دالة‬
‫اكثر نوعية و عمومية و كذلك حاولت التقليل من سلطة المع ى و ااتجا الى‬
‫مجال مدلولي اوسع ‪ .‬لقد حققت ااسلوبية نجاحا ملحوظا من خال‬
‫تشخيصها و معالجتها اخفاقات الم اهج السيمائية ال قدية و خصوصا الب يوية‬
‫و التفكيكية ‪ ،‬اا انه اضافة الى عدم تقديمها افكارا نظرية او اجرائية في ال قد‬
‫اادبي فانها ايضا عانت من شكل من التطرف في طغيان الشكانية و ال صانية‬
‫فيها بي ا في مقاات سابقة اهما مقال ا ااسلوبية و ما بعد ااسلوبية ‪.‬‬

‫من خال اانطاق من السؤال ااهم في ال قد اادبي وهو ُ لماذا هذ ال ص‬


‫مدهش ؟َ ‪ ،‬فان الم اهج السيميائية و ااسلوبية و رغم تقديمها افكارا اكثر‬
‫علمية في هذا المجال ‪ ،‬اا انها و لحقيقتها كونها نظريات عامة و شاملة في‬
‫المعارف اانسانية و انها غير مختصة بالفن و اابداع بل تسعى نحو ترسيخ‬
‫العلمية ‪ ،‬و لما بي ا ايضا فيما تقدم فانها تعاني من ااشكاات ‪ ،‬و من ه ا و‬
‫بااستفادة من الموروث ال قدي لتلك الم اهج الواسعة ‪ ،‬تحققت لدي ا رؤية‬
‫خاصة و دقيقة بخصوص الع صر ااساسي الذي يميز ال ص اادبي عن غير ‪،‬‬

‫‪173‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫انها القدرة التعبيرية ‪ ،‬حيث يكون لكل وحدة تركيبية نصية فعل تعبيري مميز‬
‫يميزها عن وجودها العادي ‪ .‬ما يت اول تلك القدرة التعبيرية و ذلك الفعل‬
‫التعبيري هو ال قد التعبيري ‪.‬‬

‫ان ال قد التعبيري اضافة الى كون فكرته ت طلق من رحم اابداع الف ي و اادبي‬
‫و تهتم بالظاهرة الجمالية شخص الخلل الذي عانت م ه الم اهج المتقدمة ‪ ،‬و‬
‫التي اضافة الى ما تقدم فانها اعطت محورية طاغية للمع ى كمدلول ‪ ،‬و‬
‫الحقيقة ان ما يحقق جمالية اادب ليس المع ى و انما دالة وعاماتية الوحدة‬
‫اادبية على الظاهرة الجمالية ‪ ،‬بمع ى آخر ان المدلول الجمالي للعامة‬
‫اادبية ا يكون في المع ى و انما يكون في ال ظام الجمالي اانساني الذي يثر‬
‫و يدهش ‪ .‬وه ا تكمن ابداعية اادب ‪ ،‬حيث ان القارئ لادب ا يبحث في‬
‫قراءته له عن مدلول مع وي بالقدر الذي يبحث عن مدلول جمالي يثير ‪.‬‬

‫ان المدلول الجمالي و الذي تلمس ا اشكاله و صور في مقاات ا ال قدية‬


‫المتعددة ‪ ،‬يحقق طيفا واسعا و ت وعا كبيرا من الوجود و الطبائع ‪ ،‬فقد يكون‬
‫شكليا و قد يكون مع ويا و قد يكون شعوريا ‪ ،‬و قد يكون في جهة المؤلف او‬
‫القارئ او ال ص وهكذا كثير ‪.‬‬

‫من ه ا يظهر بجاء ان القراءة التعبيرية للتعبير اادبي ليس بحثا عن مع ى او‬
‫عن شعور ‪ ،‬و انما عن نظام جمالي قد يكون مع ويا كما بي ا في مقاات ا‬
‫الشابقة في نظام اانثيال و تجلي اللغة و قد يكون انسانيا كما بي ا في قصدية‬
‫المؤلف و رساليته و قد يكون نصيا كما بي ا في تعبيرية التراكيب و قاموس‬
‫االفاظ و ع وان ال ص و نحو ذلك و قد يكون في جهة القارئ بما بي ا في‬
‫القراءة التعبيرية ‪ ،‬و وسط كل ذلك ا يكون دال و ا عامة على ذلك غير‬
‫الوحدة ال صية ‪.‬‬
‫‪174‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الوحدة ال صية اللفظية او ااس ادية او الجملية او الفقراتية او ال صية كلها‬


‫يمكن ان تكون دوال جمالية ‪ ،‬تدل على المدلوات الجمالية ‪ .‬ان فكرة‬
‫الدالة الجمالية بالدال الجمالي و المدلول الجمالي تفتح افقا واسعا وجديدا‬
‫حقا ليس امام ال اقد فقط بل اما القارئ و المؤلف و ال ص نفسه ‪.‬‬

‫قانون اابداع‬

‫لقد ادى الخلط الشائع بين الف ية و الجمالية الى تدني في مستويات اابداع ‪.‬‬
‫اذ ليس اي م هما هو اابداع ‪ ،‬و رغم اشتراكهما في بعض الع اصر اا ان‬
‫التمييز بي هما مهم جدا أجل الحفاظ على درجات متطورة من اابداع ‪.‬‬

‫ان الف ية عملية تق ية و ص عة و لها متطلبات معهودة او محافظة و ااقرار‬


‫بتحقق ف ية جديدة يحتاج الى وعي نوعي ‪ ،‬بي ما الجمالية ظاهرة انسانية تتميز‬
‫بالفردية العالية ‪ , .‬اذا استدعى الوجود او اانجاز الجمالي الى احداث تجديد‬
‫ف ي فانا نكون اما لغة عبقرية تجديدية ‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫اابداع ليس الف ية وحدها و ا الجمالية وحدها ‪ ،‬بل هو محصلة تفاعلية‬


‫بي هما اضافة الى عامل ثالث هو الرسالية ‪ .‬ان العملية اابداعية في حقيقتها‬
‫تفاعل تشكيلي بين ما يلبي الوعي ال وعي اي الف ية و ما يلبي الوعي الفردي‬
‫اي الجمالية ‪ ،‬ولها شكان العملية اابداعية القوية و التي يكون فيها تكامل‬
‫في الجهتين اقصد الجمالية و الف ية و العملية اابداعية الضعيفة و التي يكون‬
‫فبها اعاء احد الجهتين على حساب ااخرى ‪ .‬وكا الشكلين موجود ومن‬
‫الشكل ااول اابداع العالي او قمم اابداع و الذي تبلع فيه الف ية و الجمالية‬
‫مستويات عالية و كذلك م ه اابداع العبقري المحقق للتجديد ‪.‬‬

‫اما اابداع الضعيف فانه شكل من اشكال التطرف و هو اما ان يركز على‬
‫التق ية و الحرفية مع ضعف الجمالية او يميل نحو التجريب مع ضعف في‬
‫الف ية ‪.‬‬

‫من ااول مثا العمل عالي التق ية و غير المحقق للجمالية المعتبرة‪ ،‬وهذ بفعل‬
‫اانظمة المحافظة قد يكون الواجهة الرسمية و ااكاديمية للفن المعين ‪ ،‬و من‬
‫الشكال الثاني لغة التجريد الم غلق ‪ ،‬و الذي قد يبلغ درجات من التخلي عن‬
‫لغوية اللغة حتى نصل الى لغة الامع ى ‪ ،‬كل ذلك بحجة الجمالية ‪ .‬في‬
‫الحقيقة بخاف الفن التشكيلي الذي تكون المجانية و التجريدية متأصلة فيه‬
‫فان ادعاء تحقيق لغة تجريدية امر يصطدم بكثير من الحقائق الوجدانية ‪.‬‬

‫اذن ليس تغليب الف ية و اانجاز ال وعي على الجمالية و اانجاز الفردي‬
‫صحيحا وا العكس هو الصحيح ‪ ،‬بل ان من تلك الممارسات ما يخرج‬
‫بالكلية عن عملية اابداع ‪ .‬اابداع الحق هو المتجه نحو كمالية في الف ية و‬
‫الجمالية ‪ ،‬واارفع من ذلك هو اابداع العالي المحقق لمستويات عالية م هما‬
‫حتى يصل الى العبقرية التجديدية ااصيلة ‪.‬‬
‫‪176‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫بمع ى اخر ان اابداع يت اسب مع مقدار الف ية و الجمالية و الرسالية ‪.‬‬

‫الع صر ااول ‪ :‬الف ية‬

‫ع اصر الف ية اما ان ترجع الى ااصالة او الى المعاصرة و ااصالة تكون بتوفير‬
‫المتطلبات المطلوبة او ما نسميه الشرط الف ي و الى ااتقان ‪ ،‬و الشرط‬
‫يشتمل على التعريف و البحث في توفر متطلباته ‪ ،‬و المعاصرة تت اسب مع‬
‫اابتكار المتمثل بما يتميز به ال ص من ابداع ف ي متفرد و ااق اع و هو اخراج‬
‫العمل الف ي بمكوناته الف ية و اابتكارية بصورة متسقة سلسة ‪.‬‬

‫الع صر الثاني الجمالية‬

‫الجمالية في أي عمل ف ي ترجع الى نظام التكامل بين البوح و التجريد ‪.‬‬

‫البوح يرتكز على التعبير و التجربة حيث تتجلى بالرؤية و الموقف و بااسلوب‬
‫وم ه الع ونة و التصوير و ال سيج و بالقاموس اللفظي و المع وي ‪.‬التعبير اما‬
‫مباشر توصيلي او رمزي او ايحائي او تجلياتي ‪ ،‬و التعبير ايضا ي حو الى‬
‫تجسيد المعاني او التجلي بعملية التوظيف و اعتماد التاريخ الخارجي ‪ ،‬و‬
‫ايضا بص اعة تاريخ داخلي للمع ى ‪ .‬فلدي ا في محث التعبير اص اف التعبير‬

‫‪177‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫من توصيلي و رمزي و ايحائي و انظمة التعبير من تجليات و توظيف و تاريخ‬


‫داخلي ‪.‬‬

‫و التجريد يتحقق بالخيال و اامتاع ‪ ،‬و الخيال اما شكلي بتجلي اللغة من‬
‫وظيفية ُ الم طقية َ الى ام طقية ُ التجريد َ الى اوظيفية ُ التجريد العالي َ‬
‫او مع وي و هو اما قريب او بعيد او غامض‪ ،‬و اامتاع اما ان يكون باستجابة‬
‫شعورية ظاهرية ُ الهزة َ او بااستجابة الشعورية العميقة ُ اابهار َ او بكليهما‬
‫‪.‬‬

‫الع صر الثالث ‪ :‬الرسالية‬

‫الرسالية مهمة جدا في قيمة العمل الف ي ‪ ،‬و التخلي ع ها يجعل العمل خاويا‬
‫و با روح ‪ .‬رسالية العمل الف ي اما ان تكون بالرسالة الجمالية او الجماهيري ‪،‬‬
‫و ااولى تت اسب مع الرؤية و اابتكار و الثانية تت اسب مع التعاونية أي التركيز‬
‫على المتلقي و درجة التمثيل لانتماء و الموقف من شخصي او اممي او‬
‫انساني او كوني ‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫مواطن اابداع في العمل الف ي‬

‫لقد ادى الخلط الشائع بين الف ية و الجمالية الى تدني في مستويات‬
‫اابداع ‪ .‬اذ ليس اي م هما هو اابداع ‪ ،‬و رغم اشتراكهما في بعض‬
‫الع اصر اا ان التمييز بي هما مهم جدا أجل الحفاظ على درجات متطورة‬
‫من اابداع ‪.‬‬

‫ان الف ية عملية تق ية و ص عة و لها متطلبات معهودة او محافظة و ااقرار‬


‫بتحقق ف ية جديدة يحتاج الى وعي نوعي ‪ ،‬بي ما الجمالية ظاهرة انسانية‬
‫تتميز بالفردية العالية ‪ , .‬اذا استدعى الوجود او اانجاز الجمالي الى‬
‫احداث تجديد ف ي فانّا نكون امام لغة عبقرية تجديدية ‪.‬‬

‫اابداع ليس الف ية وحدها و ا الجمالية وحدها ‪ ،‬بل هو محصلة تفاعلية‬


‫بي هما اضافة الى عامل ثالث هو الرسالية ‪ .‬ان العملية اابداعية في‬
‫حقيقتها تفاعل تشكيلي بين ما يلبي الوعي ال وعي اي الف ية و ما يلبي‬
‫الوعي الفردي اي الجمالية ‪ ،‬ولها شكان العملية اابداعية القوية و التي‬
‫يكون فيها تكامل في الجهتين اقصد الجمالية و الف ية و العملية اابداعية‬
‫الضعيفة و التي يكون فبها اعاء احد الجهتين على حساب ااخرى ‪.‬‬
‫وكا الشكلين موجود ومن الشكل ااول اابداع العالي او قمم اابداع و‬

‫‪179‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الذي تبلع فيه الف ية و الجمالية مستويات عالية و كذلك م ه اابداع‬


‫العبقري المحقق للتجديد ‪.‬‬

‫اما اابداع الضعيف فانه شكل من اشكال التطرف و هو اما ان يركز على‬
‫التق ية و الحرفية مع ضعف الجمالية او يميل نحو التجريب مع ضعف في‬
‫الف ية ‪.‬‬

‫من ااول مثا العمل عالي التق ية و غير المحقق للجمالية المعتبرة‪ ،‬وهذ‬
‫بفعل اانظمة المحافظة قد يكون الواجهة الرسمية و ااكاديمية للفن‬
‫المعين ‪ ،‬و من الشكال الثاني لغة التجريد الم غلق ‪ ،‬و الذي قد يبلغ‬
‫درجات من التخلي عن لغوية اللغة حتى نصل الى لغة الامع ى ‪ ،‬كل ذلك‬
‫بحجة الجمالية ‪ .‬في الحقيقة بخاف الفن التشكيلي الذي تكون المجانية‬
‫و التجريدية متأصلة فيه فان ادعاء تحقيق لغة تجريدية امر يصطدم بكثير‬
‫من الحقائق الوجدانية ‪.‬‬

‫اذن ليس تغليب الف ية و اانجاز ال وعي على الجمالية و اانجاز الفردي‬
‫صحيحا وا العكس هو الصحيح ‪ ،‬بل ان من تلك الممارسات ما يخرج‬
‫بالكلية عن عملية اابداع ‪ .‬اابداع الحق هو المتجه نحو كمالية في الف ية‬
‫و الجمالية ‪ ،‬واارفع من ذلك هو اابداع العالي المحقق لمستويات عالية‬
‫م هما حتى يصل الى العبقرية التجديدية ااصيلة ‪.‬‬

‫بمع ى اخر ان اابداع يت اسب مع مقدار الف ية و الجمالية و الرسالية ‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الع صر ااول ‪ :‬الف ية‬

‫ع اصر الف ية اما ان ترجع الى ااصالة او الى المعاصرة و ااصالة تكون‬
‫بتوفير المتطلبات المطلوبة او ما نسميه الشرط الف ي و الى ااتقان ‪ ،‬و‬
‫الشرط يشتمل على التعريف و البحث في توفر متطلباته ‪ ،‬و المعاصرة‬
‫تت اسب مع اابتكار المتمثل بما يتميز به ال ص من ابداع ف ي متفرد و‬
‫ااق اع و هو اخراج العمل الف ي بمكوناته الف ية و اابتكارية بصورة متسقة‬
‫سلسة ‪.‬‬

‫الع صر الثاني الجمالية‬

‫الجمالية في أي عمل ف ي ترجع الى نظام التكامل بين البوح و التجريد ‪.‬‬

‫البوح يرتكز على التعبير و التجربة حيث تتجلى بالرؤية و الموقف و‬


‫بااسلوب وم ه الع ونة و التصوير و ال سيج و بالقاموس اللفظي و‬
‫المع وي ‪.‬التعبير اما مباشر توصيلي او رمزي او ايحائي او تجلياتي ‪ ،‬و‬
‫التعبير ايضا ي حو الى تجسيد المعاني او التجلي بعملية التوظيف و اعتماد‬
‫التاريخ الخارجي ‪ ،‬و ايضا بص اعة تاريخ داخلي للمع ى ‪ .‬فلدي ا في‬
‫مبحث التعبير اص اف التعبير من توصيلي و رمزي و ايحائي و انظمة‬
‫التعبير من تجليات و توظيف و تاريخ داخلي ‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫و التجريد يتحقق بالخيال و اامتاع ‪ ،‬و الخيال اما شكلي بتجلي اللغة من‬
‫وظيفية ُ الم طقية َ الى ام طقية ُ التجريد َ الى اوظيفية ُ التجريد‬
‫العالي َ او مع وي و هو اما قريب او بعيد او غامض‪ ،‬و اامتاع اما ان‬
‫يكون باستجابة شعورية ظاهرية ُ الهزة َ او بااستجابة الشعورية العميقة ُ‬
‫اابهار َ او بكليهما ‪.‬‬

‫الع صر الثالث ‪ :‬الرسالية‬

‫الرسالية مهمة جدا في قيمة العمل الف ي ‪ ،‬و التخلي ع ها يجعل العمل‬
‫خاويا و با روح ‪ .‬رسالية العمل الف ي اما ان تكون بالرسالة الجمالية او‬
‫الجماهيري ‪ ،‬و ااولى تت اسب مع الرؤية و اابتكار و الثانية تت اسب مع‬
‫التعاونية أي التركيز على المتلقي و درجة التمثيل لانتماء و الموقف من‬
‫شخصي او اممي او انساني او كوني ‪.‬‬

‫جماليات اللغة المتوهجة‬

‫لقد بات راسخا ع د المشتغلين في الف ون اادبية شكل ف ي من اشكال‬


‫اللغة هو اللغة المتوهجة ‪ .‬و رغم الحضور القوي لهذ اللغة في الشعر‬

‫‪182‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫المعاصر ‪ ،‬اا ان ال قد اادبي لم يبذل الكثير في بيان مامح تلك اللغة و‬


‫جمالياتها ‪ ،‬و ظلت في كثير من جوانبها تحت ااوصاف الفضفاضة و غير‬
‫المحددة ‪ .‬ا ريب ان ااشارات الى انها لغة التكثيف و اادهاش و‬
‫القراءة المتعددة كانت قريبة الى عالمها الواسع ‪ ،‬اا انه اجل التطور اكثر‬
‫فيها ‪ ،‬ا بد من بذل جهد اكبر في هذا ااتجا‬
‫ربما المتابع للكتابات اادبية المعاصرة يرى ميا نحو البوح و تراجعا في‬
‫التوهج اللغوي ‪ ،‬طبعا هذا اامر مفهوم جدا ‪ ،‬و كان اسباب اولها ما‬
‫تمر به الم طقة العربية من هجمة اجتماعية و سياسية و تغيرات و‬
‫اختراقات تست هض الهمم و تدعو الى البوح و الصوت الجهوري الخطابي‬
‫‪ ،‬لكن ه اك عامل اخر هو تاخر ال قد تجا اللغة المتوهجة ‪ ،‬و عدها لغة‬
‫المثقفين و ال خبة ‪ ،‬من دون تقديم نظرية متكاملة ع ها ‪ ،‬تمكن من تطوير‬
‫المتلقي العادي ‪ ،‬و توسع جماهيرية هذ اللغة ‪ ،‬التي هي بحق من اعظم‬
‫انجازات اانسانية في عصر الحداثة ‪.‬خصوصا بعد ظاهرة العزلة‬
‫الجماهيرية لل صوص اادبية مما ادى الى تراجع في نتاجات اللغة‬
‫المتوهجة ‪.‬‬
‫لقد نال اللغة المتوهجة شيء من الظلم ‪ ،‬بجعل الواجهة و الممثل الرسمي‬
‫لها هو لغة الهذيان و اانثياات و اللغة التجريدية و الغامضة ‪ ،‬و اامر‬
‫ليس كذلك ‪ ،‬ان اللغة المتوهجة ا تتعارض ابدا مع التداولية و التعاونية ‪،‬‬
‫و يمكن تحقيق اادهاش و التكثيف مع تحقيق مقدارعال ايضا من‬
‫الجماهيرية ‪ .‬و لو تلمس ا الجماليات الحقيقية و الجوهرية لتلك لغة‬
‫لوجدنا الرسالية و ااستجابة الشعورية من مقومات اابداع فيها ‪.‬‬
‫لقد بي ا في مقاات سابقة ان اابداع اللغوي قائم على ثاث ركائز ثابتة‬
‫هي الشعرية و الجمالية و الرسالية ‪ ،‬تحقيق مقادير عالية في تلك‬

‫‪183‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الجهات يحقق لغة ف ية ابداعية متميزة ‪ ،‬و تحقييق شكل معين من الشعرية‬
‫و الجمالية يحقق شكل اللغة المتوهجة ‪.‬‬

‫الشعرية تبرز في مجال المجاز و الخيال و الموسيقى و الصورة ‪ ،‬اما‬


‫المجاز فان المجاز العالي اي اانزياح الكلي في جميع المكونات و ليس‬
‫ااقتصار على المجاز المفرداتي من صفات اللغة المتوهجة ‪ .‬و اما‬
‫الخيال فان خيال اللغة المتوهجة يكون بالعيش في لغة الحلم و ليس‬
‫تحقيق لغة الحلم فقط ‪،‬و اما الموسيقى فانها تحقق الموسيقى العميقة و‬
‫ت اغم ال قاط الموسيقية العميقة ‪.‬و اما الصورة فهي صور الكلمات السريعة‬
‫‪ ،‬و نقصد بها تحقيق االفة تجاورية بين الكلمات تفوق سرعة الب اء‬
‫التلقياتي و الم طقية ال حوية و اللغة فائقة السرعة هي من اهم مميزات‬
‫اللغة المتوهجة ‪.‬‬
‫اما الجمالية فع اصرها التصوير و التجربة و ااستجابة الشعورية ‪ ،‬اما‬
‫التصوير فالكم الصوري تعددي في اللغة المتوهجة اي انه نص مفتوح على‬
‫قراءات متعددة ‪ ،‬و اما الكيف الصوري فهو ايحائي و اما المحتوى‬
‫الصوري فقد بي ا انه من اعلي مستويات ااالفة و الام طقية الى تصل حد‬
‫التجريد احيانا ‪ .‬و اما التجربة ‪ ،‬فالكم التجربي تجلياتي يكون للذات و‬
‫التجربة حضور و ظهور و هذا صفة للغة القوية عموما و م ها اللغة‬
‫المتوهجة ‪ ،‬و اما كيف التجربة فانه وسائطي امباشر يحتاج الى اعمال‬
‫ادوات التلقي حتى يصل الى اابداع القراءاتي و اكمال الفهم بمعونة‬
‫المتلقي و هذا في الحقيقة من مميزات ال ص المفتوح الذي يصبح فيه‬
‫القارئ مبدعا و ليس متليقا فقط وهذا الفهم المعاصر جوهري جدا في‬
‫تطور الفكرة اانسانية عن اللغة الف ية ‪ ،‬و اما محتوى التجربة فهو ي زع‬

‫‪184‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫نحو المعاناة الجمعية و العميقة نحو ااممية و اانسانية و الكونية مبتعدا‬


‫عن الشخص ة ‪.‬‬
‫و في ما يخص ااستجابة الشعورية فمن الواضح ان اللغة‬
‫اايحائية تعتمد ااستجابة الشعورية العميقة ‪ ،‬متجاوزة الهزة الشكلية‬
‫الخطابية ‪ ،‬بمع ى انها لغة كتابية ‪ ،‬فان اللذة العميقة المعرفية و الشعورية‬
‫هي التي تمثل ال ظام المشاعري في ااستجابة للغة المتوهجة ‪ ،‬انها لذة‬
‫من ااعماق وهذا ا يم ع من لغة متوهجة خطابية ‪.‬‬
‫واخيرا الرسالية ‪ ،‬فان رسالية العمل الف ي تكمن في الرسالية الجمالية و‬
‫الرسالية الجماهيرية و الرسالية الجمالية تتحق بتقديم نموذج عالي‬
‫المستوى من الف ية و التق ية ‪ ،‬حتى يتوج بالتجديد اللغوي وا توجد لغة‬
‫نعرفها الى اان تقبل التجديد و التجريب القصدي اابداعي كاللغة‬
‫المتوهجة لذلك نرى بوضوح تسارع و تكاثر و تشعب اساليب اللغة‬
‫المتوهجة ‪ ،‬و اما الرسالية الجماهيرية ‪ ،‬فان تحمل المعاناة اانسانية و‬
‫تمثل اامة و ال وع جزء مهم من الرسالية ‪ ،‬و اما التداولية فانها ايضا من‬
‫المطالب الجماهيرية ‪ ،‬اا ان ذلك ا يع ي الت ازل عن المستويات العالية‬
‫للكتابة اجل التوصيل الى جميع الشرائح ‪ ،‬فان هذا ليس امرا معقوا ‪،‬‬
‫بل ولم يكن يوما مطلبا ف يا على مدى العصور ‪ ،‬لكن في زم ا الحاضر‬
‫الذي تتداخل المعاناة و تتعاظم فان الواجب على المؤسسات اانسانية و‬
‫الدولية من تطوير القارئ و المتلقي و اشاعة الثقافة بدل مطالبة اادب بان‬
‫يكون بلغة حياتية يومية و خطابية طاغية ‪ ،‬اي بدل ان نجر اللغة نحو عالم‬
‫اابتذال فاافضل ان نحلق معها في سماء اابداع ‪ ،‬و من المهم ارجاع‬
‫هيبة الكتابة و دورها القيادي في المجتمع و ازالة جميع حجب العزلة‬
‫المفتعلة بين الكاتب و القارئ بل بين اابداع و ال اس عموما ‪ ،‬و التي‬

‫‪185‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫تبدو احيانا مفتعلة ‪.‬‬


‫ا تكمن اهمية اللغة المتوهجة في انها لغة ف ية جديدة و متطورة ‪ ،‬بل‬
‫انها تمثل انجازا انسانيا حضاريا يواكب التشكل العالمي لانسان العالمي‬
‫‪ ،‬المتجاوز للحدود المكانية ‪ ،‬لذلك اذا ما بقي ال قد المحلي متاخرا فان‬
‫التبعية ستكون هي ال تيجة الحتمية ‪ ،‬وهذا سيؤدي الى صياغة ثقافة و رؤية‬
‫تابعة الى ما ي تج في الخارج ‪ ،‬فا بد من اانطاق من خال المصاديق و‬
‫الجزئيات للتعامل مع ال ظريات العامة ‪ ،‬فانه العمل الحقيقي الذي يجعل‬
‫الثقافة المحلية محص ة و فاعلة في صياغة ثقافة عالمية مائمة ‪.‬‬

‫اللغة التجريدية و مستويات المع ى‬

‫لقد كانت ال زعة نحو عمق اأشياء في الكتابات اأدبية و غيرها حاضرة‬
‫دوما على مدى العصور ‪ ،‬اا انّها و بفعل عوامل كثيرة م ها الشعور‬
‫المت امي با ت اهي علم الخالق للعالم ‪ ،‬صار ال هج التأملي يتوسع في‬
‫ااوساط الفكرية ‪ ،‬حتى ان ا يمكن ان نقول ا ّن الكتابة اليوم اصبحت‬
‫أطروحة و فكرة ‪ ،‬أكثر من كونها وصفا و تعبيرا محضا ‪ .‬هذا التطور في‬
‫فهم التعبير و الكتابة كان له تأثير على لغتها ‪ ،‬فصارت الرمزية و التعبيرية‬
‫الوجه الراسخ في كل عمل يبتغي ال ضج و الجدية ‪ ،‬بل صار ذلك من‬
‫مقومات الكتابة الف ية في جميع ااج اس اأدبية وهذا من الواضحات ‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫و في حركة تفاعلية بين اأدائية الرمزية و التعبيرية و بين القصد الواعي و‬


‫الاواعي للعمق ‪ ،‬انتقلت الكتابة و حسب ما لدي ا من تصورات في جانب‬
‫مهم م ها من حالة الحكاية عن عوالم المع ى الى حالة اانكشاف و‬
‫ّ‬
‫التجسيد لها ‪ ،‬فصارت الكتابة وخصوصا الشعرية و كأنّها ت بعث من العمق‬
‫و ت طلق من عوالم المع ى ‪ ،‬و كأ ّن ما يتجسد أمام القارئ ليس أنظمة‬
‫لفظية معبّرة و انما حقول مع وية و شعورية متجسدة ‪ ،‬و في خطوة أكثر‬
‫اتساعا و تفردا ‪ ،‬صار طلب الكتابة و قصدها الحقيقي هو البحث عن‬
‫أصول ااحساس و صور العميقة و تشكاته الكلية الخالصة في مجاات‬
‫الفكر و المع ى ‪.‬‬

‫من ه ا يمك ا القول أنه قد أصبح لدي ا في عالم الكتابة الوجود العميق و‬
‫المتجه عن الكليات و اانتزاعيات و ااعماق للمعاني و ااحاسيس ‪ ،‬و‬
‫في قبالها نماذج من التعبيرية البسيطة المسطّحة الم تمية الى أجيال سابقة‬
‫‪ ،‬و لربما نرى بشكل ملموس بواد عصر جديدة من الكتابة له اصوله في‬
‫زمن الحداثة هو ا ّن الكتابة عملية تفكير و رؤية ‪ ،‬و ليس مجرد وصف و‬
‫حكاية و انفعال ‪ .‬بمع ى اخر يمك ا التمييز بين الكتابة اانفعالية التي‬
‫تحتفي بااشياء و بالشعور تجاهها ‪ ،‬و بين الكتابة الرؤيوية التي تقدم فهما‬
‫جديدا و متفردا تجا ااشياء و المعاني ‪ ،‬متجهة نحو الوجودات الخالصة‬
‫و الكلية ‪ ،‬المجردة للمفاهيم و المعاني و ااحاسيس ‪ ،‬كتابة تتجه نحو‬
‫الثابت و الراسخ و الكلي من صور الجمال و ااحساس ‪.‬‬

‫بي ما نجد التجربة التجريدية ناضجة و واضحة المعالم في الفن التشكيلي‬


‫‪ ،‬فانها ا زالت ضبيابية في اأدب ‪ ،‬ففي الويكيبيديا ُ بتصرف َ مصطلح‬
‫التعبيرية التجريدية في اأدب فضفاض على الرغم من دقته ال سبية‬

‫‪187‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫في الفن التشكيلي‪ ،‬و ليس ه اك تعاقب معترف به لتلك ال زعة أو مدرسة‬
‫محددة‪ . ،‬ومن المبادئ اأولى لتلك ال زعة أن التعبير يحدد الشكل‪،‬‬
‫ويحدد ب اء الصور وتركيب الجمل‪ .‬وهكذا يمكن تحوير وفك أوصال أي‬
‫قاعدة شكلية أو ع صر من ع اصر الكتابة لتائم هدف التعبير‪ .‬وفي‬
‫الشعر ه اك نطاق واسع لما يعرف بتق يات التعبيرية من ااعتماد على‬
‫التأثيرات الصوتية واللونية‪ ،‬وعلى تراسل الحواس حيث ا يكون المع ى هو‬
‫اأساس‪َ .‬‬

‫تلمس مفاهيم و ع اصر موحدة لفكرة التجريد‬


‫لكن و بشكل واضح يمكن ّ‬
‫عامة شاملة لأدب و غير ‪ ،‬ففي الموسوعة العربية ‪:‬‬
‫التجريد ‪ ،abstraction‬هو عملية الفصل بين ما هو رئيس‪ ،‬وما هو‬
‫ثانوي عارض ومتغير‪ .‬ويعد التجريد عملية حاسمة‪ ،‬تساعد على اانتقال‬
‫الحسي التراكمي‪ ،‬ومن التعامل مع خليط الخبرة‪ ،‬وتداخل‬
‫من المستوى ّ‬
‫مجردة‪ ،‬وغير‬
‫ُحسية‪ ،‬حركية‪ ،‬إدراكية‪ ،‬مش ّخصة‪ّ ،‬‬
‫ع اصرها ومكوناتها ّ‬
‫ذلكَ إلى المستوى المعرفي ال ظري‪ ،‬القائم على إدراك ما هو مشترك بين‬
‫أنواع الخبرة هذ ‪ ،‬أي المستوى الذي يشتمل من حيث التكوين والب اء‬
‫على مفهومات ومبادئ وقواعد وقوانين ونظريات‪ .‬و تقول كريستين زيباس‬
‫ُبي ما كان بواك يتب ى ااشارة الرمزية والفعل فأن ااعمال الرئيسية لروثكو‬
‫كانت تجريدية خالصة‪ ،‬كتل رقيقة من االوان كانت تطفو في لوحاته مثل‬
‫الغيوم في مشهد سماوي يكاد يردد اصداء الكثافة‪ ،‬ومن جانب اخر كان‬
‫كون ك يعتبر الم افس الرئيسي ل بواك‪ ،‬قدرته على ت اول الموضوعات‬
‫سواء كان م ظر طبيعي او موديل والتعامل معه باحساس هائل ورائع من‬
‫الحرية البدائية‪ ،‬كانت تثير انطباعات عميقة‪ ،‬تتراوح بين الصدمة ال قية‬
‫القوية وبين العرض الجمالي يتوازنان في شكل تجريدي مذهل ُ بتصرفَ‬

‫‪188‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ُ‪. َ1‬و يقول محمد عادل زكي التجريد او "العلو بالظاهرة عن كل ما هو‬
‫ثانوى" بالفرعيات واأمور الثانوية تأتى فى المرتبة الثانية بعد ااستيعاب‬
‫العميق لأصول الجوهرية‪ ،‬و كتب د‪ .‬مراد وهبة‪ ":‬التجريد لغة هو التعرية‪،‬‬
‫وسل السيف من غمد ‪ ،‬ونزع اأغصان من الشجرة‪ .‬وفى اللغات‬
‫اأفرنجية اللفظ مأخوذ من الفعل الاتي ى ويع ى اانتزاع وهو المع ى الوارد‬
‫ع د ابن سي ا‪ ،‬حيث يقول إنتزاع ال فس الكليات المفردة عن الجزئيات‬
‫على سبيل تجريد لمعانيها عن المادة وعن عائق المادة ولواحقها"‪ .‬أما فى‬
‫المعجم الفلسفى الذى أصدر مجمع اللغة العربية بالقاهرة‪ ،‬فقد جاء فيه‬
‫‪ ":‬التجريد سيكولوجياً‪ :‬عزل صفة أو عاقة عزاً ذه ياً وقصر ااعتبار‬
‫عليها‪ .‬والذهن من شأنه التجريد أنه ا يحيط بالواقع كله وا يدرى م ه إا‬
‫أجزاء معي ة فى وقت واحد‪ ،‬وتسوقه التجربة أيضاً إلى التجريد أنها تعرض‬
‫له الواقع مجزءاً أو تظهر على صفة ما‪ .‬وفى الم طق الصورى‪ :‬عملية‬
‫ذه ية يسير فيها الذهن من الجزئيات واأفراد إلى الكليات واأص اف‪.‬‬
‫وع د المتصوفة‪ :‬إماطة اأغيار واأعيان عن السر والقلب‪ ،‬فت كشف‬
‫الحجب ويكون ااتصال"‪ ُ .‬بتصرف َ ُ‪ َ2‬يقول نوري الراوي ‪ :‬لقد بقي‬
‫الف ان الحديث‪ ،‬زم ا طويا‪ ،‬وهو في حالة من ااندهاش في هذا العالم‬
‫الغريب الذي ابد له في اختيار ‪ ،‬مثلما ظل يحمل خوفه الغامض من‬
‫المجهول والمحتجب واآتي من الغيب دون تحديد لبواعثه ومأتيه ودونما‬
‫جواب لما سيؤول اليه‪ ،‬وهكذا‪ ،‬عمد في مقابل هذ الحالة الى البحث‬
‫عن "العالم البديل " ضمن اشتراطات حسية – شكلية – فكرية – رمزية‪،‬‬
‫شعرية‪ ،‬تجري وفق م اهجها وقيمها التي تعتمد بالدرجة اأولى على‬
‫اانطباعات البصرية الدائمة التردد‪ ،‬مثلما تعتمد على رواسب الاوعي‬
‫والذاكرة الملغزة‪ .‬وهكذا تحولت الرؤية الف ية الى ما يمكن أن يوصف‬

‫‪189‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ب ُالرمزية التجريديةَ التي تتميز عادة بقوة حدس عالية تتصل أساسا‬
‫بالبواعث الغريزية العميقة لحفظ ال وع‪ ،‬وهذا ااتجا الرؤيوي في مجمله‪،‬‬
‫يؤلف ما يشبه الحصانة إزاء القلق والعذاب اللذين يعانيهما الف ان في‬
‫عصر مضطرب‪ ،‬كما يؤدي الى احتياز الصور الذه ية الثابتة والمتغيرة عن‬
‫العالم‪ ،‬بما في ذلك‪ ،‬المدركات الحسية له‪َ3ُ.‬‬

‫برغم من ان ا لم نعثر على تعاريف واضحة للغة التجريدية و ا للشعر‬


‫التجريدي او التجريدية اأدبية فيما تيسر ل ا من مصادر حتى باللغة‬
‫اانكليزية اأصلية ‪ ،‬اا انه و في ضوء ما تقدم ‪ ،‬و انطاقا من فكرة ا ّن‬
‫اابداع اللغوي و خصوصا الشعر ا يتجه باأساس نحو الب اء المعرفي و‬
‫المفاهيم ‪ ،‬و ا ّن محور اابداع هو عالم المع ى و الشعور و ااحساس ‪،‬‬
‫فان ا يمكن فهم اللغة التجريدية بانها اتجا عميق نحو صور خالصة و‬
‫مجردة وكلية لموضوعات اادب و عوالم الجمال و الشعور و ااحساس‬
‫و المع ى ‪ ،‬التي تعصف ب فس الشاعر و تلهمه ‪ ،‬و تختلف هذ التعبيرية‬
‫بشكل واضح عما يتجه نحو الجزئي من تجرية و جماليات و موضوعات‬
‫قريبة ‪ ،‬و ي عكس ذلك بشكل ملحوظ على لغة التعبير ان خصوصية‬
‫الموضوع لها تاثيرها الحاسم في شكل اللغة التي تتحدث ع ه ‪ ،‬فبي ما‬
‫الجاء و الوضوح و القرب و ااحتفاء و المجاز التعبيري وحتى الرمزية‬
‫الموظفة من سمات اللغة المعبرة عن التصورات الجزئية لموضوعات‬
‫اابداع و الجمال الجزئية بلغة تعبيرية جزئية تشخصية ‪ ،‬فان التجسيد‬
‫الخالص ‪ ،‬و التصورات الكلية و الرمزية المبتكرة و التحليق الحر و العمق‬

‫‪190‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫البعيد من سمات اللغة التي تتجسد فيها التصورات الكلية لموضوعات‬


‫اابداع و الجمال الكلية بلغة تعبيرية كلية تجريدية ‪.‬‬
‫ا بد من القول و بشكل حاسم و واضح ان اانطاق بالكتابة من العوالم‬
‫العميقة و الكلية للمع ى و الشعور ا يكفي لتحقيق التجريد ‪ ،‬بل ا بد من‬
‫ان يظهر اثر ذلك في اللغة ايضا ‪ ،‬و ا تكفي الرمزية مع توظيفها و‬
‫حكايتها و وصفيتها ‪ ،‬با ا بد ان تكون في وضع ااشعاع و التوهج‬
‫المرئي بدل الحكاية ‪.‬‬
‫ا ّن من اامور التي حصل فيها شيء من اابتعاد هو اعتبار الكتابة نظاما‬
‫زمانيا و هذا شيء ا يمكن المساعدة عليه ‪ ،‬بل الكتابة كما الرسم نظام‬
‫مكاني ‪ ،‬بل جميع اامور الحياتية ت تهي الى المكان حتى الزمن نفسه و‬
‫الزم يات المحضة‪ ،‬لحقيقة واضحة ان جميع ذلك ي تهي في عملية‬
‫التصور م تزع مكاني في جميع احواله و ان كان‬
‫ّ‬ ‫التصور ‪ ،‬و‬
‫ّ‬ ‫اادراك الى‬
‫بمقدمات زمانية ‪ ،‬فالتمييز بين السمعي و البصري ان اريد به الزماني قبال‬
‫المكاني انما هو تمييز بما هو قريب و ظاهر و ليس بما هو عميق و‬
‫حقيقي ‪ .‬االوان و المفردات ‪ ،‬بمكوناتها الظاهرية الفيزيائية السمعية و‬
‫البصرية ‪ ،‬تخضع لعمية انتزاع تصوري ‪ ،‬فا يتعامل في الحقيقة اا مع ما‬
‫هو ذه ي م ها ‪ ،‬و انظمتها في العقل ‪ ،‬لها مجاات واضحة م ها مجال‬
‫قريب تشكلي تشخصي تحضر يه الشخوص و ااشكال الطبيعية ‪ ،‬و‬
‫تكون المفردات و األوان مجرد وسائل للتعرف على تلك ااشكال ‪ ،‬و‬
‫ااعمال اابداعية بما هي خطابات قبل التجريدية كانت تسبح في هذا‬
‫الفلك حتى في التعبيرية ااصطاحية فانها انما عكست الصورة الداخلية‬
‫للمحكي و لم تتجاوز مجال الحكاية هذا ‪ .‬خلف هذا المستوى في جهة‬
‫العمق ه اك مجال مع وي اخر للمفردات و االوان تكون في وجودات‬

‫‪191‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫حرة خالصة ‪ ،‬في تشكات هي انعكاسات مجردة لمجال التشكل و‬


‫ّ‬
‫التشخص ‪ ،‬هذا المجال الخالص يفتقر الى التشكل و التشخص و انما‬
‫هو وجود مجرد تعبيري للمفردات و االوان و انظمة و عاقات فيما بي ها‬
‫بوجودها الخالص ‪ .‬وحلف هذا سكون عالم الجوهري و الوحدة العريضة ‪.‬‬
‫اذن بااضافة الى ع اصر اابداع من الف ية و الجمالية و الرسالية التي‬
‫يجب توفّرها في العمل الشعري ال اضج ‪ ،‬ا ب ّد ان تتصف لغة الشعر‬
‫اهمها ان تكون تعبيرا عن عالم عميق للمعاني و‬
‫بصفات محددة ّ‬
‫ااحاسيس ‪ ،‬بوجوداتها الخالصة الحرة ‪ ،‬البعيدة عن التشكل و القصد ‪،‬‬
‫ببوح كلي و كوني و انساني عميق ‪ ،‬بمفردات و تراكيب ا ترى فيها اا‬
‫تجليات و تجسيدات لتلك العوالم و ع اصرها من خفوت شديد للقول و‬
‫الحكاية و التوصيل ‪ ،‬بلغة تشع و ا تقول ‪ .‬حي ها نكون امام لغة تجريدية‬
‫لغة ااشعاع التي تتجاوز مجال القول و التش ّخص ‪.‬‬

‫جريدة ااتحاد ‪ :‬الكاتب ‪ :‬كريستين زيباس ‪ ،‬التعبيرية التجريدية في فن‬


‫الرسم اامريكي مجلة ايزني ارتكالس الترجمة ‪:‬جريدة ااتحاد‬

‫محمد عادل زكي ‪ ،‬التجريد كم هج للتفكير ‪ ،‬جريدة الحوار المتدن‬

‫نوري الراوي ‪ :‬تجديد اللغة الشعرية في الفن الحديث “اقترابات من‬


‫شواطيء التجريد” مجلة نزوى‬

‫‪192‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الشعر العربي المعاصر و تق يات ما بعد الحداثة‬

‫يتحرر من تجريبية الحداثة ‪ ،‬و‬


‫لقد بدأ الشعر العربي في العقود ااخيرة ّ‬
‫صار يتجه نحو فضاء أكثر وضوحا و نضجا في لغته الحديثة ‪ ،‬غير م قطع‬
‫عن إرثه و آثار الجميلة ‪ .‬إ ّن الشعر ‪ -‬و بشهادة ااطاع على طبيعة‬
‫الكتابات ‪ -‬نستطيع القول انّه م ذ ذلك الوقت قد دخل عصر ما بعد‬
‫الحداثة ‪.‬‬

‫من الميزات المهمة لهذ الفترة هو مرافقتها لحراك سياسي و اجتماعي‬


‫واهمها‬
‫تطور مهول في وسائل المعلومات ّ‬
‫عربي قوي و عاصف ‪ ،‬و ّ‬
‫اانترنيت و مواقع التوصل ااجتماعي و المدونات ‪ ،‬و بروز الكتابة‬
‫االكترونية و اخذها مساحة واسعة من عملية القراءة للقارئ العربي ‪ ،‬حتى‬
‫انها صارت تمثل الواجهة العريضة للقراء ‪ ،‬مع تراجع ملحوظ للقراءة‬
‫الورقية ‪ ،‬كل هذ العوامل مع ما اشرنا اليه من ال ضج الحاصل في الشعر‬
‫و بلوغه مستويات عالية من التعبيرية الممكّة لاقتراب من القارئ‪ ،‬دون‬
‫الت ّخلي على الف ية العالية و الع اصر الجمالية التي ابتدعتها الحداثة ‪.‬‬

‫يتّجه الشعر في عصر ما بعد الحداثة نحو اللغة القوية معتمدا اايحاء و‬
‫العمق الواسع ‪ ،‬متخليّا بعض الشيء عن عروش الرمزية المتعالية ‪ ،‬و‬
‫الذاتية الم غلقة ‪ ،‬و مع ا ّن ااصوات المطالبة بتعاونية أكثر في ال ص‬
‫صارت تأخذ مساحة أكبر‪ ،‬اا انّ ا نجد ا ّن البوح الرمزي و الوحدة العميقة‬
‫للقصيدة و الت اغم التضادي ا زال يتربّع عرش قصيدة ال ثر العربية ‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫لقد صار واضحا التخلّي في عصر ما بعد الحداثة عن مميزات بارزة للشعر‬
‫الحداثي كااعتداء على مادة اادب ‪ ،‬و تمثل ذلك بالرمزية المتعالية التي‬
‫تصل حد التجريد و السريالية ‪ ،‬و اايغال في التعبيرية و عكس صورة‬
‫الكلي الم بث من داخل الذات يصل حد الرؤية الخاصة المغتربة ‪،‬و‬
‫الكتلية المستقلّة ‪ّ ،‬اما التكثيف و التوهج و التصوير العالي و المجانية و‬
‫عمق المع ى ‪ ،‬و الت اغم بالتضاد ‪ ،‬و وحدة القصيدة فانّها وان كانت من‬
‫تق يات الحداثة اا انّها استمرت الى زمن ما بعد الحداثة ‪.‬‬

‫ا ّن التكثيف و التوهج و عمق اللغة صار شعار الشعر المعاصر الما بعد‬
‫حداثي ‪ ،‬وهو من ميزات اللغة القوية ‪ ،‬او لغة ما بعد الحداثة المشتملة‬
‫على التوصيل واايحاء ‪ ،‬بلغة جمالية ذات ايحاءات عالية و توصيلية‬
‫عرضية و عمق واسع ‪ .‬فبقي التكثيف و اللغة الكثيفة من مامح الشعرية‬
‫تخصصا من قبل اادباء‬
‫في عصر ما بعد الحداثة ‪ ،‬و نجد مطلبا نقديا و ّ‬
‫‪ ،‬بل وكذا صار معلوما لدى القراء المتذوقين ‪.‬‬

‫اما التصويرية العالية ‪ ،‬فان اانزياح او المجاز قد بلغ درجات عالية‬


‫تستحق الدراسة لوحدها كظاهرة فريدة ‪ ،‬من حيث كسرها لكثير من شروط‬
‫و متطلبات المجاز العربي المعهود ‪ ،‬كما ا ّن ه اك لغات شعرية لكتّاب‬
‫ت طلق بالمجاز من العمق ‪ ،‬أي من عالم المع ى قبل اللفظ ‪ ،‬وهو ما‬
‫نسميه المجاز على مستوى المع ى ‪ ،‬فيحصل تغيّر في المفهوم و إبداع‬
‫مع ى جديد للمفردة و ليس إستخداما مجازيا بالمع ى المعروف ‪.‬‬

‫واما الت اغم التضادي فا زال ع صرا أسلوبيا موافقا لروحية قصيدة ال ثر‬
‫القائمة على التضاد و الث ائيات ‪ ،‬و نجد هذ التضادية و بشكل متطور‬
‫يتجلّى في ال ص المفتوح الذي هو شكل متطور لقصيدة ال ثر و ليس‬
‫‪194‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ج سا مستقا مقابا لها كما يقول البعض ‪ ،‬حيث ا ّن التضادية تتحقق على‬
‫مستوى الج س الكتابي فيجمع بين السردية و الشعرية و على مستوى‬
‫الدالة فيجمع بين المجمل و البين و استحضار عوالم دالية مختلفة‬
‫مت وعة في تركب تعبيري واحد وهذا وجود و شكل متطور للغة ‪.‬‬

‫و على مستوى وحدة القصيدة و موضوعا ‪ ،‬فقد برزت ع اصر إسلوبية‬


‫تحرر لغة الشعر من م طقيات البوح و الب اء‬
‫كثيرة لوحدة القصيدة ‪ ،‬و مع ّ‬
‫‪ ،‬لجأت لغة الشعر المعاصر الى عوامل ف يّة أعمق و أوسع من الموضوع‬
‫أجل الوحدة كما نجد في لغة الموضة و اللغة المعلّقة ‪ ،‬طبع مع إعتماد‬
‫جمهور عريض من الشعراء على الوحدة الموضوعية للقصيدة ‪ ،‬اا ا ّن‬
‫الشيء الذي ا ريب فيه ان الكتلية المتوهجة التي نادى بها رواد قصيدة‬
‫ال ثر بدأ تهتز و تعاني من قلّة الحضور ‪.‬‬

‫وأخيرا ا بد من التأكيد انّ ا في عصر ما بعد الحداثة نواجه لغة شعرية‬


‫كل سابقاتها ‪ ،‬اا ان ا‬
‫متطورة و أكثر عمقا و نضجا و حقيقية و جمالية من ّ‬
‫في الوقت نفسه نجد ال قد متأخرا تجا تلك اللغة ‪ ،‬بل ا ّن بعض اساليب‬
‫جر تلك اللغة المتطورة ‪ ،‬الى قوالب اللغات القديمة من‬
‫ال قد يحاول ّ‬
‫جماليات كاسيكية ‪ ،‬او حداثية ‪ ،‬مع ا ّن هذ اللغة قد تجاوزت تلك‬
‫اللغات و ما يميزها ‪ ،‬و طبعا هذا صاحبه تراجع ع د بعض الشعراء و‬
‫اللجوء الى تق يات الحداثة أجل م اسبة ذلك ال قد المتخلف ‪ ،‬نعم طلب‬
‫تق يات الحداثة في الشعر المعاصر من قبل ال اقد او الشاعر هو فعل‬
‫تخلفي ف ي و جمالي ‪ ،‬و الصحيح هو طلب ع اصر جماليات و ف يات ما‬
‫بعد الحداثة فعلي ا ان نبحث و نطلب عن هذ الجماليات و هي عالم‬
‫زاخر و أ ّخاذ ‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫مبادئ ااستجابة الجمالية‬

‫كلما اتجه ال ظر نحو فكرة اعمق و اشمل تخص الف ون كلما استشعر القصور‬
‫و الاموضوعية في ااقتصار على مادة ف ية واحدة ‪ .‬و في ضوء السعي نحو‬
‫فكرة جمالية عامة فانه يكون باديا قصور ااقتصار على احدا لف ون ‪ ،‬كاللغوية‬
‫مثا ‪ .‬و ربما يكون من الجائز التساؤل عن انظمة جمالية موحدة للف ون اذا ما‬
‫كانت ااجابة إيجابية فيما يخص سؤاا يمهد اارضية نحو هكذا فكرة ‪.‬‬
‫السؤال هو فرع فكرة ان العامل المشترك بين الف ون هو ااثارة ‪ ،‬اذ يمكن‬
‫بحث باقي الع اصر على انها ع اصر اختاف اا ااثارة فانه ا يمكن‬
‫ااختاف في انها عامل مشترك في الف ون باعتبارها اعمال ابداعية ‪ .‬في ضوء‬
‫ذلك يكون السؤال ُ هل ان ااثارة التي تحصل ل ا ازاء ااعمال الف ية ترجع‬
‫الى نقاط موحدة في المجال الشعوري و الفكري لإنسان ام انها مختلفة ؟َ‬
‫طبعا الوجدان و العلم بل و الممارسة الخبروية تؤكد محدودية نقاط الشعور و‬
‫ااثارة في ا ‪ ،‬اذن يصح افتراض رد ااختاف الخارجي الى مشترك داخلي ‪ ،‬و‬
‫بذلك يكون لدي ا واسط حقيقي يكون كاشفا عن ع اصر الجمال الخارجية و‬
‫نقاط ااستجابة الداخلية ‪ ،‬اذن يصح افتراض وجود ثاث مجموعات من‬
‫الع اصر المكونة لعملية التذوق الجمالي ع اصر العمل الف ي ‪ ،‬ع اصر‬
‫ااستجابة الجمالية و ع اصر الوسط الجمالي ‪ ،‬و يمكن فهم العملية على ان‬
‫المجموعة ااولى من المركبات الجميلة و ان الثانية هي مركبات ااستجابة و‬

‫‪196‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الثالثة اي ع اصر الوسط محفزات من جهة الطرف الخارجي و مستقبات من‬


‫جهة الطرف الداخلي ‪ .‬التباين الكبير في المركبات الجميلة ي تهي الى عدد‬
‫محود ومشترك من المحفزات و التي لها مستقبات محدودة و ع ها مركبات‬
‫استجابة محدودة ايضا ‪.‬‬

‫من الواضح ان هذا الفهم يشتمل على واقعية ظاهرة مصدقة بالوجدان و العلم‬
‫‪ ،‬و يكون البحث في كل من المجاات الثاث مثمرا دوما و اختصاصي ايضا‬
‫‪ ،‬و البحث و ااكتشاف في كل من تلك الجوانب يؤدي الى ثمرة مختلفة ‪.‬‬
‫فتطوير المعرفة بالع اصر الجميلة يمكن من قدرة اكبر على اعادة انتاج الجميل‬
‫‪ ،‬و التطوير في مجال ااستجابة يمكن من قدرة اكبر على التدخل في تطوير‬
‫ااستجابة و تشخيص ما هو غير طبيعي ‪ ،‬و التطوير في مجال ع اصر الوسط‬
‫يمكن من انتاج محفزات و مستقبات اكبر‪.‬‬

‫بعد وضوح امكانية فكرة المشترك الجمالي ‪ ،‬و رجوع الت وع الظاهري لأشياء‬
‫الجميلة الى مشتركات في مجال استجابت ا لها و الع اصر الوسطية بين كل‬
‫ذلك ‪ .‬ان اهم و اوضح ظاهرة تشخص القصور في استفادة احكام عامة من‬
‫البحث المقتصر على مادة ف ية واحدة كاللغة او الرسم مثا ‪ ،‬ان ما يبدو‬
‫للعيان ان ه اك نوع من العمل الف ي احادي البعد ‪ ،‬ساكن في البعد ااخر‬
‫كاللغة الزمانية الامكانية ‪ ،‬و الرسم المكاني الازماني ‪ ،‬طبعا الكام ه ا من‬
‫حيث المادة بذاتها ‪ ،‬لكن لدي ا ف ون زمكانية كالتمثيل ‪ ،‬فا ريب جمعها‬
‫للزماني و المكاني ‪ ،‬و يكون غير محكوم بما يمكن ان يستخلص من الزماني‬
‫او المكاني الم فرد ‪ .‬السؤال ااهم ه ا ُ هل عملية ااستجابة الجمالية عملية‬
‫زمانية ام زمكانية ؟ َ ‪ ،‬طبعا من الظاهر انها زمكانية ‪ ،‬سواء من حيث التحليل‬
‫للظاهري او من حيث استراجاع المدرك و تخيله ‪ ،‬اذن فمقولة ان اللغة تعكس‬

‫‪197‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫نظام التفكير تكون في المحك و تعاني حرجا في ااثبات ‪ ،‬و يكون ااصح‬
‫ان الف ون الزمكانية أي المكاني المتطور في الزمن ‪ ،‬كالتمثيل ‪ ،‬هو الصورة‬
‫الخارجة ااصدق المقاربة لعملية التفكير وااستجابة الجمالية ‪ ،‬بحيث يمكن‬
‫تمثيل عملية اادراك بانها صورة متتالية كالشريط السي مائي ‪.‬‬

‫هذا الفهم يمكن ان يكون مدخا نحو فكرة جمال عرفية وجدانية ‪ ،‬مدعومة‬
‫بمظاهر فسلجية علمية ‪ ،‬تكون اقرب للواقع و اصدق في تمثيل ااستجابة‬
‫الجمالية ‪.‬و ا يبقى الع صر الجمالي متذبذبا بين الشكلي او المع وي او ما‬
‫هو داخل العمل الف ي او ما خارجه ‪ ،‬و انما تكون لدي ا جهات بحث و‬
‫ميادين تصدق كل فكرة واقعية في مجالها و ان كانت تخالف غيرها ‪ ،‬فيرتفع‬
‫الت اقض فيما كان يعتقد انه مت اقض ‪ ،‬لتعدد ابعاد التجربة الجمالية و تجلي‬
‫ميكانزما لاستجابة الجمالية ‪ .‬هذا الم هج العرفي الجمالي يبين انه ا ت اقض‬
‫بين القول بالجمالية الداخلية و بين القول بالجمالية الخارجية ‪ ،‬بل يؤكد ان‬
‫تلك ال ظريات تشامل على مواطن للصحة و يمهد نحو نظام علمي عام و‬
‫شامل موحد لفكرة الجميل و الجمال ‪.‬‬

‫اادب الممتع و ال قد القريب‬

‫ساحة الفن روح اانسان و مشاعر و احاسيسه ‪ ،‬و ما كان ال قد اا‬


‫تفسيرا لجمال اادب و الفن ضمن تلك الفضاءات ‪ ،‬و انما اقحمت‬
‫اابحاث التخطابية و اللغوية فيه اقحاما مرا و مؤسفا ‪ ،‬و ا ّن تلك‬
‫المجاات اانسانية يعكسها الوجدان و الحس المرهف ‪ ،‬فان ا يمكن ان‬
‫نقول ان اعظم ال ظريات اادبية يسقطها الوجدان ‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫لقد رأي ا كيف تهاوت كثير من نظريات ال قد الوصفي التخاطبي امام ظاهرة‬
‫اابداع و جماليته ‪ ،‬انها لم تكن ممثا حقيقا و مبرزا امي ا لظاهر الجمال‬
‫اادبي ‪.‬‬

‫ا ريب ان الرمزية و اايحائية و تعدد الداات من اهم انجازات اانسانية‬


‫الكتابية ‪ ،‬وهي اركان ال ص اادبي المعاصر ‪ ،‬اا انه كما ان ه اك ف ّخفا‬
‫في كل شكل كتابي يوقع صاحبه في الكتابة الاأدبية ‪ ،‬كال ظم في الشعر‬
‫الترهل في شعر التفعلية و الف ون السردية ‪ ،‬و التعقيد‬
‫الموزون ‪ ،‬و ّ‬
‫المجافي في ال قد ‪ ،‬فان شعر ال ثر فيه فخ الجفاء و الجفاف اللغوي ‪،‬‬
‫سواء كان قصيدة نثر ام نصا مفتوحا ‪.‬‬

‫ربما صار راسخا حتى ع د القارئ العادي ان التعبير المباشر و الحكاية‬


‫الوصفية ا تقترب كثيرا من غايات اادب شعرا كان ام سردا ‪ ،‬لذلك دوما‬
‫ه اك بحث قراءاتي عن اايحاء ‪ ،‬و ا يظَ ّن ان ه اك مازمة بين الرمزية‬
‫العالية و الجفاف اللغوي ‪ ،‬بل باامكان ان تكون ه اك لغة تجريدية قريبة‬
‫ممتعة ‪.‬‬

‫ان الع صر اأهم في اامتاع اادبي هو الضربة الشعورية و احضار القارئ‬


‫الى ال ص ‪ ،‬وهذا فن قائم ب فسه ‪ ،‬و ا يتاثر بطبيعة اللغة المستخدمة ‪،‬‬
‫مضرة ‪ ،‬كما ا ّن المباشرة قد‬
‫اا انه قد تكون الرمزية في بعض ااساليب ّ‬
‫تكون مضرة ‪ ،‬بمع ى أخر اجل ادب ممتع ا بد من الحرص على احضار‬
‫هز مشاعر بادهاش ظاهري او عميق ‪.‬‬
‫القارئ الى ال ص و ّ‬

‫ا بد من اادهاش اجل اامتاع ‪ ،‬و مع اايحائية و الرمزية ا يتسير ذلك‬


‫اا بلغة متموجة تعتمد الضربة الحسية ‪ ،‬اجل احضار القارئ الى ال ص ‪،‬‬

‫‪199‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫حي ها يتحقق اادب القريب الممتع ‪ .‬اذن اادب القريب ليس اادب‬
‫المباشر بالضرورة ‪ ،‬بل وا الرمزية القريبة و ا اانزياحات الم طقية في‬
‫قبال اانزياح العالي ‪ ،‬و انما هو ادب يستطيع ان يحضر القارئ الى ال ص‬
‫و يجعله يعيش اجواء و يهز مشاعر و فكر و يبهر بأي شكل من‬
‫اشكال اللغة حتى لو كانت لغة تجريدية ا توصيل فيها و ا حكاية ‪.‬‬

‫و كما ان ه اك ادبا قريبا و ممتعا فان ه اك نقدا قريبا و ممتعا ‪ ،‬و ا‬


‫يقتضي ذلك ااخال من العلمية و التقريرية ‪ ،‬و انما يعتمد ااقتراب من‬
‫الشيوع الفهمي و التطلع الفكري للقارئ العام ‪ ،‬بلغة تحافظ على‬
‫المضمون اا انها تصاغ بتراكيب قريبة للقارئ ‪ ،‬ا يعسر ت اولها ‪،‬و ا‬
‫تكون جافة ‪ ،‬مع التاكيد دوما على الحفاظ على مستوى الفكرة و طبيعتها‬
‫‪.‬ان لكل فكرة علمية تقريرية مستوى فكريا ا يصح التخلي ع ه اجل‬
‫التبسيط ‪ ،‬و انما ال قد القريب يصوغ تلك الفكرة في مستواها بلغة قريبة ‪،‬‬
‫بمع ى اخر ان الفكرة و بذات المستوى بدل ان تطرح بلغة معقدة بعيدة‬
‫فانها تطرح بلغة قريبة ‪ ،‬و هذا التباين الكتابي نجدد ايضا في الكتابات‬
‫الفلسفية و ااجتماعية و التي يعاني بعضها من البعد و الجفاف ‪ ،‬بي ما‬
‫يتصف ااخر بالحاوة و اامتاع ‪ ،‬مع ان الكل يحافظ على ذات‬
‫المستوى من الطرح المعرفي ‪.‬‬

‫تعبيرية القراءة و ااستجابة الجمالية‬

‫‪200‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ا يمكن احد انكار ال قلة التي احدثتها الرومانسية في الكتابة اادبية من‬
‫المادية الباغية لادب الكاسيكي الى فضاءات اوسع و اكثر حرية و عمقا‬
‫ممهدة لعصر الحداثة ‪ ،‬لكن في الخمسين س ة ااخيرة نجد عودة الى المادية‬
‫اادبية و خصوصا على ايدي ااسلوبيين ‪ ،‬و جعل الكتابة ممارسة مادية‬
‫خاضعة امور وصفية و تجريبية و ع اصر ظاهراتية ‪ ،‬و ما كان التعمق في‬
‫عوالم المع ى و الداات اا امرا هامشيا ا ي اسب سعة اادب و الظاهرة‬
‫اابداعية ‪.‬‬

‫لقد كانت الباغة شكا واضحا للمادية اادبية ‪ ،‬و بمظاهر عالية التحديد و‬
‫التجريب ‪ ،‬و حي ما ارتفع صوت الرمزية ‪ ،‬مالت الكتابة و القراءة معا الى‬
‫المع ويات و الخيال و تعالت المثالية اادبية و صارت المفاهيم الظاهرية اقل‬
‫و ضوحا و فضفاضة في كثير من ااحيان ‪ ،‬اا انها انتهت الى عقل ة الظاهرة‬
‫اادبية في الم اهج الظاهراتية و الوصفية من الب يوية و مابعدها وخصوصا‬
‫ااسلوبية ‪.‬‬

‫المشكلة ااهم في ال قد ااسلوبي كما هي في الباغة انها تعتبر البعد‬


‫الشعوري للتجربة اادبية عامة على اادب و ليست م ه ‪ ،‬بمع ى اخر ان‬
‫ااسلوبية قد اوغلت في المادية اادبية ‪ ،‬حتى اهتمامها بالتصور القراءاتي فانه‬
‫لم يكن متطورا و كافيا ‪.‬‬

‫ان في الوضع غير المستقر لاسلوبية مجموعة مظاهر انفتاحية تتوسع باتجه‬
‫عوالم كتابية و قراءاتية اكثر سعة و عمقا و حرية ‪ ،‬يمكن ان تمهد الى حالة‬
‫من الامادية في هذا الب اء ‪ ،‬و هي حقيقة ان للكتابة بعدين و ليس واحدا ‪،‬‬
‫فظاهرة القراءة ا تقتصر على البعد الدالي ‪ ،‬بل ه اك بعد اخر هو بعد‬
‫ااستجابة الجمالية ‪.‬‬
‫‪201‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫و يمكن بيان هذين البعدين في اربعة مستويات ظاهرة في القراءة ‪ ،‬المستوى‬


‫البصري الكتابي و السمعي اللفظي ‪ ،‬و التصوري القراءاتي ‪ ،‬و الشعوري‬
‫الجمالي ‪ ،‬و من الواضح ان الثاث ااولى هي من البعد الدالي ‪ ،‬و الرابع من‬
‫بعد ااستجابة الجمالية ‪ .‬و من الواضح ان المستوى الرابع ا يمكن تفسير‬
‫ماديا و ظاهراتيا ‪ .‬اضافة الى ذلك ه اك وسائط نقل و معادات انتقال بين‬
‫الدال و المدلول و ااستجابة ‪ ،‬هذ الوسائط غير مبي ة ماديا و ظاهراتيا ‪،‬‬
‫بمع ى اخر انها ايضا ا يمكن تفسيرها ماديا ‪.‬‬

‫ان مستوى ااستجابة الجمالية و وسائط اانتقال بين المستويات من المظاهر‬


‫المهمة التي تعارض ال ظرة المادية و الظاهراتية لاسلوبيين و ما بعد الب يوية ‪.‬‬
‫من ه ا يكون واضحا الحاجة الى فهم اخر القراءة يتجاوز حدود المادية و‬
‫الوصفية نحو فضاءات اكثر حرية و سعة ‪ ،‬تت اسب مع التجرية الجمالية لدى‬
‫كل انسان مهما كان بسيطا ‪ .‬ربما تكون ه اك حاجة الى نقد ي طلق من نظام‬
‫مركب من مستويات متعددة ‪ ،‬مستوى الكتابة و مستوى القراءة و مستوى‬
‫ااستجابة الجمالية ‪ ،‬من دون تفكيك او تمييز ‪ ،‬بل كلها متواجدة في نظام‬
‫موحد يمثل التعبيرية من جهات متعددة و ليس فقط من جهة الكتابة ‪ ،‬بل‬
‫اضافة الى التعبير الكتابي فه اك التعبير القراءاتي و التعبير الشعوري الجمال‬
‫اادبي ‪ ،‬فتفهم القراءة على انها تعبير كما الكتابة تعبير و ااستجابة الشعورية‬
‫تعبير ايضا ‪ .‬و يكون البحث الموضعي في كل جزئية نصية انما ي طلق من‬
‫ذلك ال ظام ‪ ،‬هكذا فهم يمكن ان نصفه بالفهم التعبيري لادب ‪ ،‬و مقدمة‬
‫ل قد يتجاوز ااشكات الحادة في ال قد ااسلوبي و ما بعد الب يوي الظاهراتي‬
‫المادي ‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ال قد المفتوح‬

‫دوما ه اك سؤال ‪ :‬ما هي القراءة الصحيحة ؟ بل ان ال قد في جانب من بحث‬


‫م هجياته انما يحاول ان يجب عن هذا السؤال ‪ ،‬و ان ال ظرية ال قدية انما‬
‫تقدم ك موذج للقراءة الصحيحة ‪.‬‬

‫و ربما يمكن اعادة السؤال ‪ :‬كيف نعرف ان قراءت ا لل ص صحيحة ؟‬

‫لاجابة الواضحة و الصحيحة عن هذا السؤال ا بد من تذكر امرين ‪:‬‬

‫ااول ‪ :‬ان الصحة و ال موذجية امور تطورية ‪ ،‬لذلك من الخطأ تصور وجود‬
‫قراءة صحيحة خالدة و دائمة ‪ ،‬كما انه ا بد من اليقين انه ليس ه اك قراءة‬
‫صحيحة اكثر من القراءة المعاصرة ‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الثاني ‪ :‬ان لل ص غايات تتجلى فيه هي ‪ :‬اللغة و ال ص نفسه و قصد المؤلف‬


‫‪ ،‬كل م ها يتجلى بمظاهر واعية و غير واعية ‪ ،‬و حي ما تكون تجربة الكاتب‬
‫ناضجة و متكاملة تكون مظاهر تجلي تلك الغايات على درجة عالية من الف ية‬
‫و الرقي و الثراء ‪ .‬هذا الثراء يحتاج الى قراءة مخلصة تتبع جهات اادباع في‬
‫ال ص في كل مستوياته ‪.‬‬

‫في ضوء ما تقدم تكون القراءة الصحيحة متسمة بصفتين اوا المعاصرة و ثانيا‬
‫ااخاص ‪ ،‬انه من دون قراءة معاصرة تكون قراءة متخلفة و مسيئة لل ص ‪ ،‬و‬
‫اما ااخاص ‪ ،‬فمن دونه لن يكون ه اك مجال لتبين اوجه اابداع في غايات‬
‫ال ص المتقدمة ‪ ،‬فتكون القراءة ناقصة ايضا ‪.‬‬

‫ال ص المعاصر ا يريد فقط الحكاية و التوصيل و ال قل ‪ ،‬لكي يكتفى في‬


‫قراءته بعملية قراءة واحدة ‪ ،‬بل هو ساحة لإيحاء و الرمزية و التق ية و الف ية‬
‫و الثقل المعرفي و اللغوي و البعد الجمالي و تمثل القضية و اانتماء و‬
‫ال فس و اايغال في عمق التجربة و عالم المع ى ‪ .‬ان الكتابة الف ية المعتبرة ‪-‬‬
‫و ليست التسويقية طبعا ‪ -‬تتمتع بعدد كبير من الجوانب اابداعية في مستويا‬
‫متعددة و مختلفة ‪ ،‬فه اك عوامل من الوعي و عوامل من الاوعي ‪ ،‬و ه اك‬
‫عوامل من ال ص ذاته و من اللغة الراسخة بفعل البيئة و الثقافة في نفس‬
‫الكاتب ‪.‬كلها تعمل على التجلي في ب اءات و تراكيب ف ية م اسبة تائم ما‬
‫ترسخ و تراكم في تجربة المؤلف ‪ ،‬وهذ الحقيقة ليس فقط المؤلف يدركها بل‬
‫القارئ ايضا ‪.‬‬

‫من ه ا اجل ان نحقق قراءة صحيحة ا بد من تتبع مظاهر اابداع في جهات‬


‫متعددة و مستويات قراءاتية مختلفة ‪ ،‬و في القراءة الف ية لل اقد ‪،‬ربما يكون‬
‫واقعا ظهور حالة ُ ال قد المفتوح َ و الذي ي فتح على جميع امكانات ال ص‬
‫‪204‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫بجميع ما يتاح من ادوات وصلت الى ال اقد المعاصر ‪ ،‬و حي ها يكون من‬
‫التعسف القول بان م هجا معي ا و مدرسة معي ة هي التي تفي بحق الظاهرة‬
‫اابداعية ‪.‬‬

‫الفن و الحياة‬

‫الكل بدأ يشعر ان الفن ما عاد مكانا للتسلية و الترويح عن ال فس ‪ ،‬و‬


‫خصوصا في عالم ا العربي الذي عصفت به موجات اجتماعية كبيرة في‬
‫العقود ااخيرة ‪ ،‬فصار من ال ادر جدا ان تجد ف ا او ادبا خاليا من‬
‫الرسالية الواقعية المباشرة ‪ .‬و تزام ا مع التطور الحاصل في الفهم بال سبة‬
‫للقراءة فان الكتابة ايضا طرأ عليها تغير مفهومي ‪ ،‬حتى انه صار من غير‬
‫الائق برفعة الفن و اادب التعبير الذاتي الغارق في اانانية ‪ ،‬بل حتى ان‬
‫الرومانسية اصبحت تفترق شيئا ما عن اادب الرفيع ‪ ،‬و في ضوء التوجه‬
‫العالمي ااكثر جدية و علمية و واقعية فانا ربما س شهد قريبا تضاؤل‬
‫الثقافة الرومانسية و ربما تاشيها ‪.‬‬

‫ان التتبع الحثيث لما ي تج من ف ون و آداب يكون من غير الموضوعي‬


‫تصور وجود فن ا ي طوي على رسالة ‪ ،‬و ان هذ حالة صحية و مؤشر‬
‫على نضج الوعي اانساني ‪ ،‬و ت اغم مع روح الفن و حقيقته الجوهرية ‪،‬‬
‫اذ ان الفن ما هو اا السعي نحو حياة افضل ‪ ،‬فان كان الف ان مقت عا‬
‫بالواقع فان ف ه سيكون طموحا نحو كمال التجربة و تمجيدا للخاص‬

‫‪205‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الحاصل ‪ ،‬و ان كان الف ان غير مقت ع بالواقع فسيكون ف ه اعتراضا على‬
‫الواقع و فكرة للخاص ‪ .‬ان فكرة الخاص متأصلة في الفن ‪ ،‬و السعي‬
‫نحو حياة م شودة امر متأصل في الفن ‪ ،‬و كل اشكال الفن و صور و‬
‫تعبيراته ا تخلو اا من ااشارة الى الخاص و حياة م شودة ‪.‬‬

‫ان الشاعر الحقيقي حي ما يكتب قصيدته ‪ ،‬فانه يعلن فكرة للخاص و‬


‫ي شد حياة افضل ‪ ،‬فان كان راضيا بالواقع كان شعر تمجيدا للخاص‬
‫الذي يرا و الحياة الجميلة التي يعيشها ‪ ،‬و ان كان يرى تعاسة الواقع كان‬
‫شعر اعتراض على الواضع و اشارة الى حياة م شودة اكمل و طرح فكرة‬
‫الخاص و صورته التي يراها ‪ .‬و مهما كانت طبيعة القصيدة و شكلها و‬
‫موضوعها فإنها تشتمل على فكرة الحياة الم شودة و الخاص ‪.‬‬

‫ان رسوخ الرسالية و نشدان حياة اكمل في الفن يتمظهر عادة بحالة التمثل‬
‫اانتمائي للمجموعة او اانسانية ‪ ،‬بصورة المدافع عن المعرفة او المطالبة‬
‫بها ‪ ،‬لذلك فالشاعر ا يمتلك رؤية مختلفة عن غير كما قد يعتقد ‪ ،‬و‬
‫انما الشاعر يرى انه يمتلك الرؤية الصحيحة التي يراها غير من العارفين ‪،‬‬
‫بمع ى اخر ان الف ان ا يطرح نفسه ابدا كأحد من ال اس البسطاء الذين‬
‫يتقبلون الواقع من دون فحص و تدقيق ‪ ،‬و انما يرى ان كل ما في الواقع‬
‫ا يجب قبوله اا من خال رؤية صحيحة و معرفة حقيقة ‪ .‬و لو قل ا ان‬
‫ه اك علوم لها مختصون فالف ان مختص بعلم الوعي اانساني و الرؤية و‬
‫فكرة الخاص ‪ ،‬لذلك فان الف ان الحقيقي عادة ما يحدث حركة اجتماعية‬
‫في الشعوب الحية ‪ ،‬و عادة ما يترك اثرا و مثاا للطالبين للخاص ‪.‬‬

‫لقد شعر اانسان و م ذ البداية انه ا غ ى له عن الفن ‪ ،‬لذلك ظهرت‬


‫الف ون م ذ الظهور ااول لإنسان ‪ ،‬و لسعة فكرة الجمال فان العمل‬
‫‪206‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الف ي تشعب و تعددت صور ‪ ،‬اا انه في الواقع بقي محتفظا على جوهر‬
‫و سيبقى محافظا عليه وهو ان الفن اعتراض على الواقع المرير و تبشير‬
‫بالخاص و الحياة الم شودة ‪.‬‬

‫لقد عمدت العقليات غير ال اضجة على ص ع وهم اثر في حركة الفن ‪،‬‬
‫بطرح فكرة ان اامن القومي و ااجتماعي يوجب وضع حدود لابداع‬
‫تقيد و تم ع من بلوغه فضاءات اوسع ‪ ،‬و هذا الكام فارغ و ا يصدر‬
‫اا عن انسان جاهل ا يعرف مع ى اامن و ا اابداع ان هكذا تكتل ا‬
‫علمي و ا موضوعي يدعي الوصاية و ااطاع و ي بذ فكرة استقال‬
‫الفكر و الثقافة و الفن ‪ ،‬و يحارب كل وسائل التطور المعلوماتي بحجة‬
‫انها مفسدة و مضرة بال اس ‪ .‬هكذا نهج ا يمثل اا نظرة بائسة متخلفة ‪.‬‬
‫و الصحيح معرفة امر مهم هو ان اابداع ممارسة انسانية حياتية ‪ ،‬ا‬
‫تختلف عن اية ممارسة اخرى ‪ ،‬لها مادتها و ادواتها ‪ ،‬و لها مسائلها و‬
‫قضاياها المستقلة ‪ ،‬و عاقتها بالمجتمع عاقة اية ممارسة انسانية‬
‫مجتمعية كااقتصاد و السياسة و غير ذلك ‪ .‬و من الخطأ الواضح تصور‬
‫ان الدين و العرف ااجتماعي السليم يضع حدودا لأبحاث الفكرية و‬
‫اابداعات الف ية و اانجازات الثقافة ‪ ،‬بل كل ما هو مطلوب اانطاق‬
‫من قاعدة ايمانية ‪ ،‬و التحليق في فضاءات الفكر و الفن و اابداع ‪.‬‬

‫لقد اصبحت البشرية على علم و ق اعة بان تمحور التجربة الف ية على‬
‫الغ ائية الشهوانية لم تخدم قضية الفن و ذهبت به نحو اشكال سطحية و‬
‫تجارية ليس اا ‪.‬من المهم جدا التأكيد على اهمية الفكر و الثقافة و الفن‬
‫في الحركة اانسانية ‪ ،‬و تشتد الحاجة في زمن الحرب و اختاط الرؤى ‪،‬‬

‫‪207‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫فانه كما ان الفكر ساحة لتجلي الذات الحقائقية ‪ ،‬و الثقافة ساحة لتجلي‬
‫الذات المعرفية ‪،‬فان الفن ساحة لتجلي الذات المعبرة ‪ .‬وهذا يدل و‬
‫بشكل ا يقبل الريب انه ا تقاطع ابدا بين الدين و الفن ‪ ،‬بل و ا يمكن‬
‫تصور تكامل التدين اا بوجود فكر مزدهر و ثقافة مزدهرة و فن مزدهر‪،‬‬
‫كما انه ا يمكن تصور فكر حقائقي و ثقافة عارفة و فن معبر بصدق اا‬
‫ما كان م طلقا عن قاعدة ايمانية ‪.‬‬
‫ان حركة المجتمع و انتصار على تحدياته الداخلية كفساد السلطة و تغلبه‬
‫على تحدياته الخارجية و من يريد السوء به‪ ،‬و تحقيق المكاسب و‬
‫المحافظة عليها كل ذلك ا يمكن ان يتحقق من دون فكر يكشف‬
‫الحقيقية و عري الزيف ‪ ،‬و من ثقافة تحصن الفرد و تعطيه ادواة المعرفة ‪،‬‬
‫و من فن يوصل الفكرة و يعبر عن االم و الحقيقة ‪.‬‬
‫ان ا نرى و بوضوح المستويات الانسانية التي بلغتها اتجاهات غلبت‬
‫استغال الفكر و الف ية أجل م افع و توجهات برجماتية شرع ت‬
‫انتهاكات جسيمة بحق اانسان ‪ ،‬و لو تأمل ا في مسيرة الشعوب و‬
‫الطواغيت نجد الساح ااقوى استمرار السلطة الغاشمة و المتخلفة هو‬
‫قتل الفكر الجوهري و الثقافة الحقيقية و الفن ااصيل‪ ،‬و‬
‫وضع م ظومات فكرية و ثقافية و ف ية تسويقية إبقاء الشعوب خاضعة‬
‫خانعة ‪.‬‬
‫ان العالم اصبح اصغر مما يبدو ‪ ،‬و صارت المعلومات تت اقل بين ارجائه‬
‫بشكل اسرع مما نتصور ‪ ،‬و عهد المعرفة الورقية آيل الى الزوال ‪،‬بل زال‬
‫عمليا ‪ ،‬و بدأت المعرفة االكترونية تطغى ‪ ،‬لذلك كيف نتصور مجتمعا‬
‫محص ا قادر على الدفاع عن مبادئه و ثقافته من دون مثقف حقيقي و ف ان‬
‫حقيقي و يكون على مستوى عالي من ااقتدار المعلوماتي و اانفتاح‬

‫‪208‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫المحصن ‪ ،‬و من التفاعلية و التحاورية الممك ة من ااستفادة ‪ .‬و بالقدر‬


‫الذي نحتاج الى م ظومات الكترونية تسع التجربة اايمانية ‪ ،‬فان من‬
‫الواجب ايضا ااهتمام بم هجية اانفتاح المحصن ‪ ،‬و ليس من سبيل اا‬
‫باإيمان ‪ ،‬و الفكر و التثقف و اابداع الرسالي ‪ ،‬نعم بالقدر الذي‬
‫نحتاج ان نكون مؤم ين فانا نحتاج ان نكون معاصرين ‪ .‬و بالقدر الذي‬
‫يحتاج المفكر ان يكون مفكرا و المثقف ان يكون مثقفا و الف ان ان‬
‫يكون ف انا فعليه ان يكون مؤم ا ‪،‬أنه ا معرفة حقيقية و ا انجاز حقيقي‬
‫و ا أبداع حقيقي غير صادر عن ذات مؤم ة ‪.‬‬

‫ان الفهم الواقعي للمعرفة يشير وبقوة الى عدم امكانية نضوج التجربة و‬
‫الذات اانسانية اا بعوامل معرفية متكاملة ‪ ،‬فما عاد التجزؤ و التشظي و‬
‫التمرد وجها فعاا للمعرفة ‪ ،‬و لم يعد مقبوا ابدا الدعوة الى عزلة المفكر‬
‫و المثقف و الف ان بحجة من الحجج ‪ .‬و انه ا تقاطع ابدا بين‬
‫الممارسات اانسانية ‪ ،‬بل كلما ازاد الضغط ااجتماعي و االم‬
‫ااجتماعي و المعاناة ‪ ،‬فان الحاجة تكون ملحة لفكر قوي و ثقافة قوية‬
‫و فن مؤثر ‪ .‬ان احد وسائل قتل الشعوب هو عزلها عن مفكريها و مثقفيها‬
‫و ف انيها ‪ ،‬ان من واجب الشعوب اعطاء مكانة متميزة للمفكر و المثقف‬
‫و الف ان ‪ ،‬و من الخطأ تصور ان تأثير و انجاز يقل عن العالم او الخبير‬
‫‪ ،‬نعم الكل له دور و الكل يعمل ‪ ،‬لكن من المهم امران اوا استقال‬
‫الفكر و الثقافة و الفن و ابعاد ال فوذ و ااستغال ع ه ‪ ،‬و ثانيا اعطاء‬
‫الفكر و الثقافة و الفن مكانها الائق ‪ ،‬أنها ممارسات انسانية لو‬
‫نضجت فإنها ستحقق اانجاز اانساني الخالد ‪ ،‬وهل يشك احد م ا ان‬
‫مسيرة الخلود لم تكن اا للمفكرين و المبدعين ‪ ،‬و هل بإمكان احد ان‬

‫‪209‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ي كر ان التغيرات التاريخية في حياة الشعوب لم تكن اا على يد هؤاء ‪.‬‬


‫‪.‬‬
‫اذن نحن اان في زمن الحرب و االم و المعاناة محتاجون ‪-‬اكثر من اي‬
‫وقت‪ -‬الى المفكر و المثقف و الف ان ‪ ،‬ا بد للشعب ان يطالب بحقه‬
‫الطبيعي بان يكون له م بر و ملجا فكري و ثقافي و ف ي يقدم الرؤية و‬
‫يشير الى الحقيقية ‪ ،‬ا بد من ذلك ‪. .‬‬

‫تجلي رؤية القارئ في الكتابة‬

‫لقد بات راسخا تدخل و مشاركة القارئ في انتاج ال ص الحديث ‪ ،‬و صار‬
‫وعي القارئ و خلفيته المعرفية جزء حاسما في تشكل معاني ال ص و‬
‫دالته ‪.‬هذا كله يكون في عملية القراءة ‪ .‬اذ قد اثبتت البحوث ان الكتابة‬
‫و القراءة كاهما عملية انتاج المعاني ُاندرسون ‪ ، 1977‬كريك ‪َ 1980‬‬
‫‪ .‬و ل ا ان نسأل ُهل لرؤية المتلقي تأثير على عملية الكتابة ؟َ‪.‬الجواب‬
‫على هذا السؤال يمكن ال ظر اليه من ثاث جهات ‪:‬‬

‫الجهة ااولى ‪:‬الكاتب باعتبار قارئا و متذوقا ع د الكتابة المؤثر بوعي ‪.‬‬
‫حتى ان بعض الباحثين يرى ان الكاتب حين الكتابة يكون قارئا ُكريف‬
‫‪ ، 1983‬سمث ‪ ، َ1983‬و يقول انجر ُ اث اء الكتابة و ب اء ال ص‬
‫يمارس الكاتب بعض القراءة ‪ ،‬بل احيانا يضع الكاتب نفسه خلف تجربته‬
‫كقارئ ُانجر ‪ . َ1994‬و يقول سكوير ُ ان الكتابة و القراءة يؤثران في‬
‫عملية القراءة و الكتابة و التفكير ُ سكوير ‪. َ1983‬‬

‫‪210‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الجهة الثانية ‪:‬الموروث المعرفي للكاتب المؤثر بالاوعي في عملية الكتابة‬


‫‪ ،‬حتى ان البحث الحضاري و الثقافي اخذ اشكاا متعددة قديمة و حديثة‬
‫‪ ،‬يقول جميل حمداوي ُيمكن الحديث عن نوعين من الدراسات التي‬
‫ت تمي إلى ال قد الحضاري‪ ،‬الدراسات الثقافية التي تهتم بكل ما يتعلق‬
‫بال شاط الثقافي اإنساني‪ ،‬وهو اأقدم ظهورا‪ ،‬وال قد الثقافي الذي يحلل‬
‫ال صوص والخطابات اأدبية والف ية والجمالية في ضوء معايير ثقافية‬
‫وسياسية واجتماعية وأخاقية‪ ،‬بعيدا عن المعايير الجمالية والف ية‬
‫والبويطيقية‪ ،‬وهو اأحدث ظهورا بالمقارنة مع ال وع اأول‪ ُ .‬جميل‬
‫حمداوي ‪ َ 2012‬و رغم ابتعاد ال قد الثقافي عن روح القراءة التي‬
‫أجلها يكون ال قد ‪ ،‬اا انه ظاهرة تدل على ما اشرنا اليه من تأثر وعي‬
‫الكاتب بالموروث الثقافي ‪.‬‬

‫الجهة الثالثة ‪:‬مراعاة الكاتب للقارئ ع د الكتابة ‪ .‬وهذا ايضا ظاهر حتى‬
‫عد ااسلوب تابعا لذلك ففي الويكيبيديا ُ ‪ ُ َ 2014‬يكشف ااسلوب‬
‫عن كل من شخصية الكاتب ورأيه‪ ,‬ولك ه يظهر أيضاً كيفية تصور الكاتب‬
‫أو الكاتبة للجمهورَ ‪ ،‬و يقول محمد المرزوقي ‪ُ2012‬قد جاء عبر هذ‬
‫التحوات على المستوى الصحفي تحول العاقة بين "الكاتب و القارئ"‬
‫عبر "رجع الصدى" من خال ردود القراء التفاعلية على كتابهم‪ ..‬مما نقل‬
‫هذ العاقة مما يشبه الشراكة في انتاج ال ص بقصد أو بدون قصد‪ ،‬إلى‬
‫ما يشبه سلطة خفية على أفكار الكاتب‪ ،‬ومع أنها ذات تأثيرات متفاوتة‬
‫من كاتب إلى آخر إا أن هذ العاقة لدى آخرين أشبه ما تكون بذراع‬
‫بوصلة يتخذ م ها بعض الكتاب وجهة لما يكتبون‪ َ .‬بتصرف ‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫من الواضح انا لو راجع ا وجدانا فانا نجد ان الجواب في هذ الجهات‬


‫هو اايجاب و ان تأثير كل م ها على الكتابة شيء ا ي كر‪ .‬و بتحليل‬
‫اعمق لهذ الجهات فانا س جد رؤية القارئ و وعيه حاضرا و بقوة في‬
‫عملية كتابة ال ص ‪.‬‬

‫فبال سبة للجهة ااولى حي ما يقوم الكاتب اث اء الكتابة بدور القارئ‪ ،‬فانه‬
‫مع حقيقة انه قارئ ه ا و يؤثر في عملية الكتابة بما هو قارئ ‪ ،‬فانه ايضا‬
‫بخلفيته الذوقية و تب يه م اهج ف ية و جمالية معي ة و بشكل واعي يسعى‬
‫لتحقيق متطلبات تلك الجهات و غاياتها ‪.‬‬

‫و بال سبة للجهة الثانية ‪ ،‬فان التراكم المعرفي المترسخ في جهة الاوعي‬
‫يحدد جزء مهما من الذائقة ‪ ،‬بل و من السلوك اانتاجي ‪ ،‬و لهذا فمع‬
‫الكم الهائل من ااعمال الصغيرة و الكبيرة ‪ ،‬ا يمكن فهم التلون الثقافي‬
‫و الهوية الثقافية انها نتاج عملية واعية بالكلية‪ ،‬وهذا اامر يشير الى‬
‫ااهتمام بمجال الاوعي العام أجل ت اول الهوية و تحدياتها ‪.‬واما الجهة‬
‫الثالثة وهي المراعاة المقصودة و الواعية لذوق الجمهور المتخصص او‬
‫غير المتخصص فان تأثيرها على الكتابة ايضا يمكن تلمسه وان كانت‬
‫الكتابة ت زع دوما نحو التحرر من ارادة المؤلف و اماءاته‪.‬‬

‫يتمثل التأثير التخصيص بمواكبة المؤلف لل ظرية اادبية و يتمثل تأثير غير‬
‫المتخصص بالتعاونية التي ا بد م ها باعتبار الكتابة خطابا‪ .‬تقول هيا عزيز‬
‫المحرض اأول على استمرارية‬
‫ّ‬ ‫ُ ما زلت أصر على أن القارئ هو‬
‫الكاتب‪ ..‬إنه يستثيرك حين يقسو في نقد ويستحثك حين يرق في‬
‫رد ‪َُ..‬هيا عزيز ‪َ2008‬‬

‫‪212‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الت اص اازلي و التقارؤ اازلي‬

‫متى تبدأ قراءة ال ص ؟ كيف نجيب عن هذا السؤال ‪ :‬متى نبدأ قراءة‬
‫ال ص ؟ و خصوصا ان رواند بارت نفى ان تكون ه اك قراءة أولى ُ ر‬
‫بارت ‪ ، َ 1990‬بل كل قراءة هي اعادة قراءة لما سبق ‪ ،‬كما ان مقولة‬
‫كون ان القراءة ااولى هي ااستث ائية و الخالصة قد عفا عليها الزمن ُ‬
‫اندرو ب ييت ‪ . َ2004‬وهذا السؤال يستتبعه سؤال اخر ‪ ،‬وهو متى يبدأ‬
‫ال ص ؟ من اول فكرة ام اول حرف ام من حين القراءة ؟‪ .‬وما هو ااصل‬
‫فيه هل هو المؤلف ام ال ص ام القارئ ؟ ‪.‬‬

‫في ضوء ما تقدم و ما قيل من الت اص اازلي و ان القراءة ااولى انما هي‬
‫تكرار لقراءات سابقة ُ اندرو ب يت ‪ ، َ 2004‬فانه يمكن القول كما ان‬
‫ه اك ت اصا ُ‪ َ inertextuality‬مازما لكل نص او كتابة ‪ ،‬فه اك‬
‫اعادة قراءة او تقارؤ ُ ُ ‪ interreading‬مازم لكل قراءة ‪ ،‬فكما انه‬
‫ليس ه اك كتابة نقية ‪ ،‬فانه ا وجود لقراءة نقية ايضا ‪ ،‬ف حن حتى في‬
‫قراءت ا ااولى ل ص ما فان ا نعيد قراءة ما قرءنا سابقا و ما قرء ااساف‬
‫‪.‬‬

‫وفق هذا الطرح الجوهري يبدو جواب هذا السؤال مستعصيا ‪ ،‬لكن لو‬
‫تأمل ا قليا في حقيقة اأصل للكتابة و القراءة ‪ ،‬و ان فكرة الت اص اأزلي‬
‫و التقارؤ اأزلي غير معقولة و ا مقبولة وانما هي محض فرضية و ادعاء‬
‫با ادنى اثبات ‪ ،‬فان لدي ا ما هو اكثر وضوحا و قوة اا وهو العامل‬
‫المعرفي المكون اساسا من البيئة المعاصرة و الموروث ‪ ،‬فان الوجدان و‬

‫‪213‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الواقع و الحقائق كلها تدل و بصورة ا تقبل الشك ان المؤلف و القارئ‬


‫و الكتابة و القراءة و ال ص و الفهم كلها وليدة العالم المعرفي الذي‬
‫يتحقق وسطه ذلك ال ظام ‪ ،‬سواء من معارف معاصرة او موروثة ‪ ،‬وهو‬
‫المقدار المتيقن من المؤثر على تلك العوامل ااساسية في انتاج ال ص ‪ ،‬و‬
‫لحقيقة ان الموروث انما يكون بشكل مادة م قولة ‪ ،‬فيمكن بهذا المع ى‬
‫ان تكون من البيئة المعرفية ‪ ،‬اذن ليس ه اك ت اص ازلي مطلق و انما ه اك‬
‫ت اص مقيد بيئي معرفي ‪ ،‬و ليس ه اك تقارؤ ازلي مطلق و انما ه اك تقارؤ‬
‫مقيد بيئي معرفي ‪ .‬اذن يمك ا ان نقول ان الكتابة و القراءة تبدأ من البيئة‬
‫المعرفية للمؤلف و القارئ ‪ .‬فااصل في ال ص ليس المؤلف و ا القارئ‬
‫و ا ال ص و انما البيئة المعرفية لهم ‪.‬‬

‫تكون القراءة بفعل الزخم المعرفي للقارئ‬


‫ان ما قل ا من حقيقة تأثّر بل و ّ‬
‫هو الراسخ في وجدان كل انسان بل هو كالبديهة التي يكون ال قاش فيها‬
‫محض وهم ‪ .‬كما ان هذا الفهم يؤشر و بقوة الى وجود استقالي لل ص‬
‫بما هو وليد معرفة المؤلف في قبال اانتاج القراءاتي لل ص بما هو وليد‬
‫القراء يظهر ل ا وسط ثالث متميز اا وهو‬
‫معرفة القارئ ‪ ،‬وفي حال تفاوت ّ‬
‫ال ص في ضوء القراءات المتعددة ‪ ،‬كما انه لو تعدد المؤلف ايضا يظهر‬
‫ل ا ال ص في ضوء التأليفات المتعددة ‪.‬‬

‫من ه ا يكون واضحا ما هي نقطة بداية ال ص كما انه يكون واضحا نقطة‬
‫بداية القراءة ‪ ،‬و بذلك يكون واضحا الم هج الواجب اتباعه في تعريف‬
‫ال قد اادبي و نقطة بدايته ‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫السردية التعبيرية و اسلوبياتها‬

‫‪ -1‬ابعاد ال ص و القراءة التعبيرية‬


‫لل ص اادبي ابعاد ثاثة ‪ ،‬فاضافة الى بعد الكتابي الب ائي ك ص بمفردات و‬
‫جمل و فقرات متجاورة ‪ ،‬فان له بعدا ابداعيا اسلوبيا يتمثل بالف ية و‬
‫الجمالية و الرسالية ‪ ،‬و له ايضا بعد لغوي دالي يتمثل بتجلّي اللغة و ال ص‬
‫و المؤلف و القارئ ‪ .‬ما يحصل اث اء الكتابة هو تقاطع خطوط هذ اابعاد و‬
‫تقابلها و تاقيها في ال هاية في نقاط تعبيرية ‪ .‬بي ما يكون تتبع ع اصر البعد‬
‫اابداعي ااسلوبي هو من القراءة ااسلوبية ‪ ،‬و تتبع ع اصر البعد اللغوي‬
‫الدالي هو من القراءة الدالية اللغوية ‪ ،‬فان تتبع نقاط تاقيهما التعبيرية‬
‫يكون بالقراءة التعبيرية بادوات ال قد التعبيري ‪ .‬و من ه ا يتجلى الفرق الواضح‬
‫واصالة ال قد التعبيري و تميز عن اابحاث الدالية و ااسلوبية و ان كانت‬
‫جزء م ه و مستفيدا من ادواتهما ‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫و من ه ا ايضا يظهر ان التصور السائد كون ال ص كيانا زمانيا ترتب ع اصر‬


‫في الزمن ا يتسم بالواقعية ‪ ،‬بل ان ال ص كيان ثاثي اابعاد ‪ ،‬بعد كتابي‬
‫نصي و بعد لغوي دالي و بعد اسلوبي ابداعي ‪ .‬يعتمد وضوح و تجلي هذا‬
‫الشكل على مدى ظهور و قوة نقاط ابعاد المتقدمة اث اء القراءة ‪.‬‬
‫حي ما تحدث عملية القراءة فانها تتطور من مستوى المفردة الى مستوى‬
‫ااس اد او التجاور المفرداتي الى مستوى الجملة الى مستوى الفقرة ثم الى‬
‫مستوى ال ص بكله ‪ .‬اث اء كل مستوى يحضر البعد اللغوي الدالي و البعد‬
‫اابداعي ااسلوبي ‪ ،‬و بمجموع ما يتم من انظمة احتكاك و تقابل و التقاء و‬
‫تقاطع و بفعل مستوى ال قطة التعبيرية لكل بعد تحصل في الفكر و ال فس‬
‫مواضع تعبيرية لكل وحدة كتابية فيه يقابله بعد رابع خاص بالقارئ هو البعد‬
‫الشعوري و ااستجابة الجمالية ‪ ،‬بعبارة اخرى بي ما يكون ال ص ككيان مكتوب‬
‫شكا ثاثي اابعاد ساكن ا حراك فيه ‪ ،‬فانه ككيان مقروء يكون كيانا متحركا‬
‫له اربعة ابعاد البعد الرابع هو البعد الشعوري ويمثل بعد الحركة الذي يخرج‬
‫ال ص من السكون ‪ .‬فتكون القراءة هي العملية التي تعطي لل ص روحا و‬
‫تخرجه من الموت الى الحياة ‪ ،‬وهذا ما نسميه ُ حركة ال ص َ‬

‫القراءة ما هي اا عملية مشاهدة و تلقي تبحر فيها ال فس في عوالم ال ص و‬


‫الكتابة ‪،‬و الفكر و اللغة ‪ ،‬و الخيال و اابداع ‪ ،‬و الشعور و المتعة ‪ .‬هذ‬
‫العوالم ااربعة الحاضرة دوما في الكتابة اابداعية هي التي تضرب في عمق‬
‫ال فس و تجعل الكتابة اادبية مميزة ‪ ،‬و بمقدار تجلي ع اصر و اشياء تلك‬
‫العوالم و تلك اابعاد يتحدد وقع القراءة و مقدارها التعبيري ‪ .‬ال قد التعبيري‬
‫هو المجال الذي يبحث اانظمة المتحققة من تفاعل تلك اابعاد و ما ي تج‬
‫ع ها من مواضع و قيم تعبيرية في فضاء الكتابة و عوالمها ‪ .‬ان التشخيص‬

‫‪216‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الدقيق و عالي الكفاءة للبعد الجمالي للكتابة بواسطة ادوات ال قد التعبيري و‬


‫تحديد المقادير الكمية و التشكات الكيفية للبعد الجمالي لل ص يمكن من‬
‫تشخيص عالي المستوى لقيم ال صوص جماليا مما يعد مدخا علميا للظاهرة‬
‫الجمالية و ااستجابة الشعورية تجا الجمال ‪.‬‬

‫تعتمد التعبيرية في اللغة على التوظيفات في ثاث مستويات كما بي ا‬


‫سابقا في مقاات ا ‪ ،‬مستوى ال ص كقول و كتركيب لفظي مع وي ‪ ،‬و مستوى‬
‫التجربة كعالم من المعاني و الحقول الفكرية المع وية ‪ ،‬و المستوى الوسيط‬
‫الرابط ي هما ‪ ،‬فبي ما الجمالية في ع اصر ال ص التعبيرية تعتمد على انجازات‬
‫فردية اسلوبية على مستوى المفردات و التراكيب كوحدات كامية ‪ ،‬فا ّن‬
‫ع اصر الجمالية اللغوية في حقول المع ى الفكرية العميقة و العامة تكمن في‬
‫اشكال تمظهر و تجلّي لم اطق و افراد تلك الحقول ‪ ،‬و اما الع صر الوسيط‬
‫فهي عملية ذه ية رابطة ت تج عن عملية القراءة ‪ ،‬بمع ى اخر لدي ا ثاثة عوامل‬
‫ت تج اللحظة الجميلة و اادهاش المصاحب ‪ :‬ع اصر كتابية نصية و ع اصر‬
‫التجربة العميقة و ع اصر قراءاتية و سيطة بالمع ى المتقدم ‪ ،‬هذا الت اول هو‬
‫شكل من اشكال ال قد التعبيري ‪،‬و الذي بتجاوز اخفاقات ال قد ااسلوبي في‬
‫م طقتي الع اصر القراءاتية الوسيطة و ع اصر التجربة اللغوية العميقة ‪.‬‬

‫‪ - 2‬السردية التعبيرية‬

‫‪217‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ان ما يقابل الشعر هو ال ثر و ليس السرد كما يعتقد البعض ‪،‬السرد يقابله‬
‫التصوير ‪ ،‬و الشعر حي ما يكتب بشكل نثر فانه بال هاية سيكون شعرا ‪ ،‬و‬
‫المميز بين ال ثر و الشعر ليس الوزن كما هو معلوم ‪،‬و ا الصورة الشعرية و‬
‫المجاز العالي كما اثبتته قصيدة ال ثر السردية بالكتلة ال ثرية الواحدة ‪ ،‬انما‬
‫المميز بي هما ان الشعر يشتمل على السردية التعبيرية و ا يقصد الحكاية او‬
‫التوصيل ‪ ،‬بي ما ال ثر اما قصصي حكائي يقصد الحكاية او توصيلي بشكل‬
‫خطاب و رسالة‪ .‬بمع ى اخر ان الفرق بين الشعر و القص و اللذين يشتمان‬
‫على السرد ‪ ،‬ان السرد في القصة حكائي قصصي يقصد الحكاية و الوصف‬
‫ولو خياا ‪،‬بي ما السرد في الشعر تعبيري هو سرد ا بقصد السرد هو السرد‬
‫الذي يمانع و يقاوم السرد ‪،‬انه السرد بقصد اايحاء و الرمز ونقل العاطفة و‬
‫ااحساس ا الحكاية و الوصف‪.‬‬

‫السرد ا بقصد السرد ‪ ،‬السرد الممانع للسرد ‪ ،‬السرد ا بقصد الحكاية و‬


‫القص ‪ ،‬السرد بقصد اايحاء و الرمز و نقل ااحساس و العاطفة ‪ ،‬هذ هي ُ‬
‫ّ‬
‫السردية التعبيرية َ ‪.‬‬

‫مظاهر السرد التعبيري و الذي يكون القصد م ه ليس الحكاية و الوصف و‬


‫ب اء الحدث ‪ ،‬و انما القصد اايحاء و نقل ااحساس ‪ ،‬و تعمد اابهار ‪،‬‬
‫فيكون تجل لعوالم الشعور ااحساس بمع ى اخر ُ ان الميزة اأهم للشعر‬
‫السردي الذي يميز عن ال ثر وان كان شعريا هو التعبيرية في السرد ‪ ،‬فبي ما‬
‫في ال ثر السردي يكون السرد أجل السرد و الحكاية ‪ ،‬فانه في الشعر‬

‫‪218‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫السردي يكون موظفا أجل تعظيم طاقات اللغة التعبيرية‪ ُ َ .‬انور الموسوي‬
‫‪َ215‬‬

‫‪ -3‬اللغة المتموجة و وقع ة الخيال‬

‫جمال اأدب يكمن في طريقة التعبير و أسلوب الدالة ‪ ،‬و لكل تعبير أدبي‬
‫قدرة معي ة على الكشف عن جماليات بدرجات مختلفة ‪ ،‬هذ هي المرتكزات‬
‫ااساسية لل قد التعبيري ‪ ،‬اي البحث الواسع في اسلوب التعبير اادبي ‪ ،‬و ا‬
‫بد من ااشارة انه ا عاقة لل قد التعبيري بالمدرسة التعبيرية و انما هو م هج‬
‫اسلوبي موسع ‪ .‬مما تقدم من اهمية طريقة التعبير و الدالة و تدرج تجلي‬
‫ع اصر الجمال تتبين قلة ااهمية في مبحث المداليل كهدف اساسي أنه ا‬
‫يعين المكمن الحقيقي للجمالية اادبية و ايضا تتبين ا واقعية فكرة الوجود‬
‫التام و الفقدان التام لحقيقة الوجود الدرجاتي للع اصر الجمالية في العمل‬
‫اادبي ‪.‬‬

‫ان الواقعية مهمة في كل معرفة تقريرية و ال قد معرفة تقريرية ‪ ،‬و هذ الواقعية‬


‫تحتاج الى ع صرين الوضوح و التجريبية ‪ ،‬فما لم يكن ه اك وضوح و ما لم‬
‫يكن ه اك قدرة على ااستقراء و التجريب فانه ا مجال لبلوغ الواقعية في‬
‫ال قد ‪ ،‬وا تدخل الكتابة حيز الجدية و العطاء ‪ .‬ان ال قد التعبيري ‪ ،‬بتركيز‬

‫‪219‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫على اسلوب التعبير و ال ظرة الواسعة الى الع صر اادبي ‪ ،‬و اانطاق من امور‬
‫بي ة كالتعبير و ااستجابة الجماليات و المؤثرات الجمالية من معادات و‬
‫عوامل جمالية ‪ ،‬كل ذلك يعطي لل قد التعبيري درجة عالية من الوضوح و‬
‫التجريبية و ااستقرائية ‪.‬‬

‫وفق مفاهيم ال قد التعبيري فان القراءة في جوهرها اندماج و عيش في ال ص ‪،‬‬


‫و اذا لم يكن ال ص مق عا فانه ا تتحقق هذ الغاية ‪ .‬على ال ص ان يحمل‬
‫القارئ اليه و ان يجعله يعيشه ‪ ،‬و ا يقال ان المجاز العالي يعرقل ذلك ‪ ،‬بل‬
‫العكس صحيح انما المجاز هو وسيلة لتعظيم طاقة اللغة و ال ص و اعطائه‬
‫قدرة اكبر على التأثير و التقريب من نفس المتلقي ‪.‬‬

‫الف ون اأدبية تعتمد الخيال في ب اءها ‪ ،‬ليس فقط في ما ترمي اليه من معان‬
‫وداات وانما في طريقة التعبير ‪ ،‬و ما اانزياح اا شكل من اشكال التعبير‬
‫بوساطة الخيال ‪ ،‬اذ ان العاقة اانزياحية خيالية كما هو حال المجاز ‪ ،‬اذ‬
‫ريب ان ه اك األفة بين المجاز و ذهن القارئ ‪ ،‬لذلك ا بد على ال ص ان‬
‫يطرح مجاز بشكل واقعي ‪ ،‬طرح المجاز وهو عاقة خيالية بصورة واقعية هو‬
‫ُ وقع ة الخيال َ ‪ ،‬و وق عة اشتقق اها من كلمة واقعي ‪ ،‬و يمكن وصف حالة‬
‫تحقيق األفة للاألفة التي يتميز بها الخيال التعبيري بانها حالة وقع ة له ‪،‬‬
‫فالخيال المجازي في علو و بعد و األفته الذه ية حي ما ي جح المؤلف في‬
‫تقريبه و الباسه ثوب الواقعية و الحقيقية فانه يكون طرحه بصورة واقعية‬
‫وحقيقية ‪.‬‬

‫ان اللغة المتموجة التي توفرها السردية التعبيرية ‪ ،‬و التي تت اوب بين مفردات و‬
‫تراكيب توصيلية و اخرى مجازية انزياحية ‪ ،‬يعطيها ميزة ا تتوفر في الشكلين‬
‫ااخرين من الكتابة ‪ ،‬اقصد السردية القصصية و الشعرية التصويرية ‪ ،‬فااولى‬
‫‪220‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ليس لها اا ان توغل في التداولية و التوصيلية وتخ ّفض من مجازها و الثانية‬


‫ليس لها اا ان تتعالى في المجاز ‪ .‬و ا يظن ان ذلك مختص بالب اء الشكلي‬
‫اللفظي لل ص بل انه ي فذ عميقا الى الجذور المع وية و الدالية و الفكرية له ‪،‬‬
‫اذ ان الكتابة في كل واحد من تلك ااشكال تتصف بتلك الفوارق في كل‬
‫مستوى من مستوياتها المختلفة ‪.‬‬

‫لطالما تحدث ا عن لغة قوية تصل و ت فذ الى اعماق ال فس اانسانية و في‬


‫الوقت نفسه تحافظ على ف يتها العالية ‪ ،‬و يمكن ان نرى بوضوح ان السردية‬
‫التعبيرية تحقق هذ الغاية فانها تخضع المجاز و اانزياح باي درجة كان الى‬
‫الواقعية و الحقيقية و القرب ‪ ،‬انها جمع حر بين االفة و الاألفة انها جعل‬
‫الشيء غير األيف أليفا ‪ .‬و ربما ا احد يستطيع ان يقلل من قيمة ااسلوب‬
‫الذي يتمكن بحرية و سالة ان يجعل غير المألوف مألوفا ‪ ،‬السردية التعبيرية‬
‫بكل حرية و سالة تحقق ذلك ‪.‬‬

‫ان التعبيرية المتموجة بين الواقعية و الخيالية في ب اء نصوص السرد التعبيرية‬


‫تحقق اللغة التي ت فذ الى ااعماق مع المحافظة على ف يتها العالية ‪ .‬و من‬
‫الواضح ان الفهم و التصور الذي يقدم ال قد التعبيري عن الع اصر التي يشير‬
‫اليها كما في الخيال المجازي ه ا و وقع ته و تحقيق السردية التعبيري‬
‫لتجليات عالية له و التموج التعبيري ‪ ،‬يمثل درجات عالية من الجدية و‬
‫الواقعية في م هج ال قد التعبيري بادواته ااسلوبية التعبيرية ‪ .‬كما ان وضوح‬
‫عدم امكانية بلوغ مثل تلك الدرجات من الظهور و التجلي لحالة وقع ة الخيال‬
‫في الشعر التصويري و السرد القصصي ‪ ،‬لضعف تجلي التموج التعبيري فيها‬

‫‪221‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫يدل با ريب على التجريبية العالية و ااستقرائية البي ة في ال قد التعبيرية ‪ ،‬مما‬


‫يمثل بابا واسعا و حقيقيا نحو ب اء علمي لل قد اادبي ‪.‬‬

‫‪ -4‬البوليفونية‬

‫التعمق نجد ان‬


‫البوليفونية اساسها تعدد ااصوات المتجلية في ال ص ‪ .‬ع د ّ‬
‫للبوليفونية بعدين في ال ص ‪ ،‬بعد رؤيوي و بعد اسلوبي ‪ ،‬البعد الرؤيوي يدعو‬
‫الى تحرير ال ص من رؤية المؤلف و سلطته فتتعدد الرؤى و اافكار و‬
‫اايدولوجيات و تطرح بشكل حر و حيادي ‪ ،‬اما البعد ااسلوبي فيتمثل بتعدد‬
‫اساليب التعبير و الشخوص بل حتى ااج اس اادبية في ال ص الواحد ‪.‬‬

‫من الواضح ان الفهم البوليفوني لل ص يماشي عصر العولمة و ما بعد‬


‫الحداثة و الدعوة الى الحريات الواسعة و الديمقراطيات الشعبية ‪ ،‬فيكون‬
‫ال ص انعكاسا لهذا الجو و الفكر السائد ‪ .‬و قد يعتقد ان ااسلوب‬
‫البوليفوني يتعارض مع التعبيرية التي تعكس الفهم العميق للمؤلف لاشياء و‬
‫رؤيته المتميزة تجا العالم ‪ ،‬وهذا ا يت اسب مع الحيادية الرؤيوية و تعددها ‪،‬‬
‫اا انه يمكن فهم الكتابة على مستويين مستوى ب ائي و مستوى قصدي ‪،‬‬
‫فتكون البوليفونية و تعدد ااصوات و الرؤى في مستوى الب اء محققا شكا‬
‫ثاثي اابعاد ‪ ،‬بي ما تكون رؤية المؤلف الخفية التعبيرية في مستوى القصد‬
‫تتجسد بشكل عالم ايحائي و رمزي لكلمات ال ص و ب اءاته و رؤا و اصواته‬
‫المتعددة ‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫هذا و من الظاهر ان البوليفونية تحتاج الى حد ما الى السرد ‪ ،‬وهذا‬


‫يع ي انه في الشعر يكون من خصائص السردية التعبيرية لقصيدة ما بعد‬
‫الحداثة ‪ ،‬و ا ت اسب كثيرا الشعر التصويري للقصيدة الحرة ‪.‬كما ان تعدد‬
‫ااصوات و الرؤى كما انه يمكن ان يتحقق بتعدد الشخوص و تعابريهم ‪ ،‬فانه‬
‫يمكن ان يتحقق باسلوب تداخل ااصوات ‪ ،‬بان تطرح رؤية الغير على لسان‬
‫المتكلم او ان يعطى نعت ي اسب رؤية ااخر و ليس المتكلم ‪.‬‬

‫من شعورنا العميق بان ابعاد البوليفونية عن التعبيرية يحقق خسارة ف ية‬
‫فانا نحاول طرح فكرة الجمع بين ضدين بين تعدد الرؤى الظاهري و وحدة‬
‫الرؤية العميقة وهذا التوحيد هو جمع بين متضادين و هو توتري و مفيد‬
‫لقصيدة ال ثر ‪ ،‬ت طلق من ادراك ان البوليفونية خاصية سردية اسلوبية ‪ ،‬بي ما‬
‫التعبيرية فهي فهم و ادراك عميق لادب و الشعر و ااشياء ‪ ،‬لها مظاهر‬
‫اسلوبية م ها السردية التعبيرية و التي م ها البلويفونية التعبيرية ‪.‬‬

‫‪ -5‬الفسيفسائية‬

‫المعهود ان لكل لفظ و كام غاية تعبيرية و مقصد هي نهايته التعبيرية ‪،‬‬
‫اما في لغة المرايا فان هذ القاعدة و ال اموس يُحطم ‪ ،‬لتحل محله توظيفات و‬
‫تق ية مغايرة بحيث ان معادات تعبيرية متباعدة تكون مرايا لعوامل تعبيرية‬
‫متقاربة فيكون ُ الت اص الداخلي َ او ُ الترادف التعبيري َ‪ ،‬او ان معادات‬
‫تعبيرية متقاربة تكون مرايا لعوامل تعبيرية عميقة او ُ ااشتراك التعبيري َ ‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ان طرح الفكرة ذاتها بتراكيب لفظية مختلفة يمكن من القول ان ا نظرنا‬
‫للشيء الواحد من زوايا متعددة ‪ ،‬و من هذ الحيثية يمكن وصف ال ص بانه‬
‫متعدد الزوايا ‪ ،‬اا انه لو نظرنا الى التراكيب فيما بي ها فانا س راها تركيبة‬
‫فسيفسائية يكون كل تركيب بشكل مرآة لذاك يمكن وصف هذ اللغة بلغة‬
‫المرايا و وصف ال ص بال ص الفسيفسائي ‪.‬‬

‫‪ -6‬التوافق ال ثروشعري‬

‫المعهود من الكتابة اأدبية ليس فقط التمييز بين الشعر و ال ثر ‪ ،‬بل رسوخ‬
‫فكرة تضادهما فالكتابة التي تميل الى الشعرية و توظف تق يات الشعر تضعف‬
‫فيها ال ثرية ‪ ،‬و هكذا العكس في الكتابة التي تميل الى ال ثرية و توظف‬
‫تق ياتها فان الشعرية تضعف فيها ‪ .‬هذا التضاد و الت اسب العكسي بين الشعر‬
‫و ال ثر هو المعروف و الراسخ في الكتابة لمئات الس ين ‪ ،‬و لقد مثل الشعر‬
‫الصوري المعهود ال موذج ااوضح لهذ الظاهرة ‪ ،‬اذ كلما تعالى ال ص في‬
‫شعريته ابتعد و نأى عن ال ثرية وهذا ما ا يحتاج الى مزيد بيان ‪.‬‬

‫لكن الذي يبدو و كما بي ا في مقال ا ُ اللغة المتموجة و التوافق ال ثروشعري َ‬


‫ان هذا التضاد ليس ناتجا عن امر ذاتي و اساسي في نظام الشعر و ال ثر ‪ ،‬بل‬
‫هو نتاج اسلوب الكتابة و الفكر السائد ع ها ‪ .‬اذ قد بي ت نصوص السردية‬
‫التعبيرية ‪ ،‬وهو السرد الممانع للسرد و السرد ا بقصد السرد ان حالة التوافق‬
‫بين الشعر و ال ثر ممك ة و واقعية ‪ ،‬و ان الت اسب الطردي و التكامل بي هما‬
‫ايضا ممكن و واقع ‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ان السردية التعبيرية بسعيها نحو الغاية القصوى لقصيدة ال ثر في تحقيق الشعر‬
‫الكامل بال ثر الكامل و تحقيق حالة الشعر الم بثق من وسط ال ثر ‪ ،‬وفرت‬
‫اامكانية و القدرة على تحقيق نظام ُ التوافق ال ثروشعري َ ‪ .‬و ا بد من‬
‫التأكيد ان فكرة التوافق بين الشعر و ال ثر و ا ذاتية تضادهما هو نتاج اصيل‬
‫و مستقل للسردية التعبيرية و غير مسبوقة في هذا الفهم و ان كان تلمس‬
‫اشكال من تجليات نظام التوافق ال ثروشعري في سرديات تعبيرية عالية كالقران‬
‫الكريم و ملحمة جلجامش ‪.‬‬

‫ه ا س تعرض الى مامح التضاد ال ثروشعري و نظام التوافق ال ثروشعري في‬


‫نصوص من الشعر الصوري المعتمد على الصورة الشعرية و من الشعر السردي‬
‫المعتمد على السردية التعبيرية للشاعر العراقي حسن المهدي الذي يكتب‬
‫الشكلين الشعريين ‪.‬‬
‫لقد وفرت السردية التعبيرية امكانيات كبيرة لل ص لبلوغ هذ الغاية و تحقيق‬
‫هذ اللغة ‪ ،‬اذ ان السرد يتطلب و بشكل قاهر عذوبة و قربا و ساسة تحقق‬
‫الفة للقارئ ‪ ،‬و تحقق التعبيرية ابحارا و صعودا و تحليقا و تعمقا يحقق‬
‫اادهاش و اابهار الشعري‪ .‬و من الجدير بالذكر ان اية سردية تعبيرية‬
‫مستوفية لشروطها تحقق هذ الغاية ‪ ،‬لكن نصوص السرد التعبيري تتباين في‬
‫مستوى ال فوذ و اابهار ‪ ،‬اذ ان اسلوب الكاتب و قاموسه اللفظي و ميله‬
‫التعبيري و الب ائي يحدد درجة الميل نحو ال ثرية و انخفاض الشعرية او ميله‬
‫نحو الشعرية و انخفاض ال ثرية‪ .‬وهذا الميل ليس لحقيقة التضاد بين ال ثر و‬
‫الشعر في ال ص السردي التعبيري ‪ ،‬و انما هو بفعل معالجة المؤلف و طاقاته‬
‫التعبيرية ‪ ،‬فانه في قبال هذ الصورة يمكن تحقق التصاعد الت اسبي الطردي‬
‫بال ثرية و الشعرية في السرد التعبيري ‪ ،‬اي تحقيق درجات تصاعدية في كا‬
‫الجانبين في وقت واحد ‪ .‬وهذ الحالة التي يتحقق فيها علو ف ي لشعرية ال ص‬

‫‪225‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫و نثريته في آن واحد يمكن ان نسميها ُالتوافق ال ثروشعريَ وهي الحالة‬


‫الفريدة و الوحيدة ربما التي يتحقق فيها تطور و تجل اكبر لل ثر مصاحبا و‬
‫مازما لتطور وتجل اكبر للشعر ‪ ،‬فمع كل درجة شعرية اعلى يحققها الشعر‬
‫تتحقق معه درجة نثرية اعلى لل ثر ‪.‬وهذا بخاف حالة الت افر و التضاد بي هما‬
‫في الكتابات ااخر و م ها الشعر الصوري المعهود اذ ان حالة ُ التضاد‬
‫ال ثروشعري َ هي السائد بحيث ان كل تقدم و ميل نحو الشعرية في ال ص‬
‫يقابله نقصان و تراجع في نثريته وهكذا العكس ‪.‬‬
‫من اوضح ااساليب التي تحقق حالة التوافق ال ثروشعري هي اللغة التي تتموج‬
‫بين القرب و التوصيل و بين الرمز و اايحاء ‪ ،‬و بين التجلي و التعبير ‪ ،‬هذ‬
‫اللغة هي اللغة المتموجة بين التوصيل و اايحاء والتجلي ‪ ،‬بين الم طقية‬
‫اانحرافية التركيبية اي بين واقعية ااس اد اللفظي و ب اءاته و بين خياليته‬
‫واالفته فتحصل حالة ُوقع ة الخيال َ اي اظهار الخيال بلباس واقعي مما‬
‫يعطي ال ص عذوبة و قربا و الفة و يزيل ع ه اية حالة جفاء او جفاف او‬
‫اغتراب يطرا عليه بفعل الرمزية و اايحائية‪ .‬ان السردية التعبيرية باللغة‬
‫المتموجة تبلغ درجات متقدمة من التوافق ال ثروشعري ‪ ،‬و تصل ساحة الشعر‬
‫الكامل بال ثر الكامل ‪.‬‬
‫للغة المتموجة اشكال و درجات بحسب قوة الخيال و الشعرية ‪ ،‬و س ورد ه ا‬
‫ثاثة نصوص ل ا مكتوبة بلغة متموجة تتباين في درجات شعريتها و سرديتها و‬
‫ناحظ كيف ان التوافق ال ثروشعري يتجلى بوضوح في السردية التعبيرية‬
‫المكتوية بلغة متموجة ‪.‬‬

‫‪ -5‬اللغة الحرة و ال ص الحر‬

‫‪226‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ان اللغة الحرة و ال صوص الحرة العابرة لاج اس و التي ستكون و با شك‬
‫الشكل المستقبلي لادب لن تاخذ شرعيتها بسهولة و بفترة قصيرة أمور كثيرة‬
‫اهمها تجاوزها ااج اس اادبية و تحطيمها أعراف سائدة في اللغة و اادب‬
‫‪ .‬لقد بقي اادب يعاني من سطوة ال اشر فكان يفارق رغبة المؤلف و رغبة‬
‫القارئ اجل ان يعجب ال اشر فاهدر الكثير من الوقت و الجهد لتلبية تلك‬
‫اارادات الاف ية و الاعلمية ‪،‬اما اآن و بفضل ال شر االكتروني و امكانية‬
‫ال شر بشكل حر و تحرر مواقع نشر كثيرة من تلك اافكار ‪ ،‬صار الوقت‬
‫م اسبا لظهور اادب الحر و اللغة الحرة و ال ص الحر العابر لاج اس ‪،‬فا‬
‫يكون امام عين القارئ سوى ما يريد ان يقوله و ا شيء سوى اللغة التي يريد‬
‫استعمالها ‪،‬من دون وصاية ا فكرية و ا موضوعية و ا سلوبية ‪ ،‬با و ا‬
‫ادبية فالمهم الكتابة و ا يهم ما ج سها و ما تص يفها ‪ ،‬و الجمهور هو‬
‫الحكم‪ .‬لقد انتهى عصر الوصاية اادبية و بدا عصر اادب الحر و اللغة‬
‫الحرة‪.‬‬

‫لقد اثبتت الكتابات اأدبية في العشرين س ة اأخيرة انه ا اهمية تذكر‬


‫لتج يس ال صوص ‪ ،‬و صارت الكتابات اأدبية تتداخل حتى انها تصل الى حد‬
‫ا يمكن تصي ف ال ص الى ج س ادبي معين و يختلف في تج يسه ‪ ،‬ممل‬
‫مهد لظهور ال ص الحر العابر لاج اس ‪ .‬و السردية التعبيرية بامكانتها الواسعة‬
‫ّ‬
‫يمكن ان تكون البوابة الواسعة نحو ال ص الحر ‪ .‬و ا بد من تأكيد الفرق بين‬
‫ال ص الحر العابر اج اس اادببية و بين القصيدة الحرة ‪ ،‬التي تعتمد نمطيات‬
‫و تق يات الشعر الصوري ‪ .‬نعم ال ص الحر قريب جدا من قصيدة ال ثر ‪ ،‬اا‬
‫انه ليس قصيدة نثر حرة ‪ ،‬بل هو نص ‪ ،‬قد يرا البعض شعرا و البعض قصة و‬
‫البعض خاطرة و ااخر رسالة ‪ ،‬ان ال ص الحر يحرر المؤلف و القارئ و يحرر‬
‫نفسه ‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫‪ -6‬اللغة التجريدية‬

‫التجريدية في التعبير و اللغة هو استعما اللغة في نقل ااحساس و الشعور و‬


‫ليس الحكاية ‪ ،‬فتتخلى االفاظ عن وظيفة نقل المع ى الى نقل ااحساس‬
‫المصاحب له كمركز للتعبير ‪ ،‬فيرى القارئ ااحاسيس و المشاعر الم قولة‬
‫اكثر مما يرى المعاني ‪.‬‬
‫و انطاقا من فكرة ا ّن اابداع اللغوي و خصوصا الشعر ا يتجه‬
‫باأساس نحو الب اء المعرفي و المفاهيم ‪ ،‬و ا ّن محور اابداع هو عالم المع ى‬
‫و الشعور و ااحساس ‪ ،‬فان ا يمكن فهم اللغة التجريدية بانها اتجا عميق‬
‫نحو صور خالصة و مجردة وكلية لموضوعات اادب و عوالم الجمال و‬
‫الشعور و ااحساس و المع ى ‪ ،‬التي تعصف ب فس الشاعر و تلهمه ‪ ،‬و‬
‫تختلف هذ التعبيرية بشكل واضح عما يتجه نحو الجزئي من تجرية و‬
‫جماليات و موضوعات قريبة ‪ ،‬و ي عكس ذلك بشكل ملحوظ على لغة التعبير‬
‫ان خصوصية الموضوع لها تاثيرها الحاسم في شكل اللغة التي تتحدث ع ه ‪،‬‬
‫فبي ما الجاء و الوضوح و القرب و ااحتفاء و المجاز التعبيري وحتى الرمزية‬
‫الموظفة من سمات اللغة المعبرة عن التصورات الجزئية لموضوعات اابداع و‬
‫الجمال الجزئية بلغة تعبيرية جزئية تشخصية ‪ ،‬فان التجسيد الخالص ‪ ،‬و‬
‫التصورات الكلية و الرمزية المبتكرة و التحليق الحر و العمق البعيد من سمات‬
‫اللغة التي تتجسد فيها التصورات الكلية لموضوعات اابداع و الجمال الكلية‬
‫بلغة تعبيرية كلية تجريدية ‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ا بد من القول و بشكل حاسم و واضح ان اانطاق بالكتابة من‬


‫العوالم العميقة و الكلية للمع ى و الشعور ا يكفي لتحقيق التجريد ‪ ،‬بل ا بد‬
‫من ان يظهر اثر ذلك في اللغة ايضا ‪ ،‬و ا تكفي الرمزية مع توظيفها و‬
‫حكايتها و وصفيتها ‪ ،‬با ا بد ان تكون في وضع ااشعاع و التوهج المرئي‬
‫بدل الحكاية ‪.‬‬
‫بااضافة الى ع اصر اابداع من الف ية و الجمالية و الرسالية التي‬
‫يجب توفّرها في العمل الشعري ال اضج ‪ ،‬ا ب ّد ان تتصف اللغة التجريدية‬
‫اهمها ان تكون تعبيرا عن عالم عميق للمعاني و ااحاسيس ‪،‬‬
‫بصفات محددة ّ‬
‫بوجوداتها الخالصة الحرة ‪ ،‬البعيدة عن التشكل و القصد ‪ ،‬ببوح كلي و كوني‬
‫و انساني عميق ‪ ،‬بمفردات و تراكيب ا ترى فيها اا تجليات و تجسيدات‬
‫لتلك العوالم و ع اصرها من خفوت شديد للقول و الحكاية و التوصيل ‪ ،‬بلغة‬
‫تشع و ا تقول ‪ .‬حي ها نكون امام لغة تجريدية لغة ااشعاع التي تتجاوز مجال‬
‫القول و التش ّخص ‪.‬‬

‫خاصة السردية التعبيرية‬

‫السرد ا بقصد السرد ‪ ،‬السرد الممانع للسرد ‪ ،‬السرد ا بقصد الحكاية و‬


‫القص ‪ ،‬السرد بقصد اايحاء و الرمز و نقل ااحساس و العاطفة ‪ ،‬هذ هي ُ‬
‫ّ‬
‫السردية التعبيرية َ ‪.‬‬

‫‪229‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫لقد صار واضحا ا ّن السردية التعبيرية مقوم أساسي لقصيدة ال ثر المعاصرة‬


‫ذات الكتلة ال ثرية الواحدة ُ‪ ، َ block One‬حيث ي بثق الشعر من رحم‬
‫ال ثر و يحصل الشيء العجيب ‪ ،‬بسرد واضح قريب مليء باايحاءات و‬
‫الرموز و ااحساس ‪ ،‬كتلة نثرية ما إن تصل القارئ حتى تتحول الى كم هائل‬
‫من اايحاءات و الداات و الرموز و العواطف و ااحساسي ‪ ،‬مخترقة موطن‬
‫الشعور و ااحساس بالجمال ‪.‬‬

‫الشعر التصويري و الشعر السردي‬

‫مما ا شك فيه ان الشعر و الى فترة قريبة كان معتمدا في قوامه على ع صرين‬
‫مهمين هما المجاز و الصورة الشعرية ‪،‬فبعد تخلي الشعر عن الموسيقى‬
‫الشكلية و ااوزان برزت الصورة الشعرية و المجاز كمميز و معرف للشعر ‪.‬‬

‫ببروز الشكل المميّز لقصيدة نثر ما بعد الحداثة بالكتلة ال ثرية الواحدة و‬
‫خصوصا في القصيدة اامريكية المعتمدة على السرد ‪،‬اصبحت وظيفة المجاز‬
‫كمحور ضعيفة ‪ ،‬و صارت الصورة الشعرية كمقوم للشعر في وضع اهتزاز و‬
‫حرج ‪ ،‬بل ان مظاهر تخلي الشعر عن الصورة الشعرية صار واضحا‪.‬‬

‫اذن بالسردية التعبيرية يدخل الشعر مرحلة جديدة و تجديدية حقيقية و ذلك‬
‫بالتخلي عن الصورة الشعرية و التقليل من مركزية المجاز فيه ‪ ،‬و بروز السرد‬
‫التعبيري كمظهر و ع صر و معرف شعري ‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫من المهم التأكيد ان ا ه ا ا نتحدث عن الجمالية التي هي شيء اخر عن‬


‫الف ية بل نحن نتحدث عن الف ية و عن الشرط الذي يجعل الكام المعين‬
‫شعرا ‪ .‬ببروز السرد التعبيري لم تعد الصورة الشعرية هي الشرط في تعريف‬
‫معرف اخر هو السرد التعبيري ‪ .‬و من ه ا فبدل‬
‫الشعر ‪ ،‬و دخل مقوم اخر و ّ‬
‫التمييز القديم بين الشعر الموزون و شعر ال ثر ‪ ،‬صار اان تمييز اخر هو‬
‫الشعر التصويري و الشعر السردي ‪ ،‬يعتمد الشعر التصويري على الصورة‬
‫الشعرية بي ما يعتمد الشعر السردي على السردية التعبيرية ‪.‬‬

‫قصيدة ال ثر بالكتلة الواحدة و قصيدة ال ثر الحرة‬

‫بالسردية التعبيرية ‪ ،‬صار وجه القصيدة اكثر نثرية ‪ ،‬وصارت الرغبة ملحة‬
‫بالكتابة بلغة واضحة سهلة بلغة يومية ‪ ،‬و بال ثر اليومي ‪ ،‬اا ان وسط هذ‬
‫السهولة و القرب و ال ثرية و السردية ‪ ،‬و بفقرة واحدة متصلة من دون تشطير‬
‫‪ ،‬تحدث الشعرية ‪ .‬انه الشعر في قلب ال ثر انه الشعر في داخل ال ثر ‪ ،‬هذا‬
‫الشكل المتميزة بمقطوعة نثرية واحدة من دون تشطير و ا ابراز للَ َفس و‬
‫السكونات اللفظية ‪ .‬و بهذا تختلف عن القصيدة الحرة التي تعتمد على‬
‫التشطير و الشكل المعهود ‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫السردية التعبيرية و السردية القصصية‬

‫ان ما يقابل الشعر هو ال ثر و ليس السرد كما يعتقد البعض ‪،‬السرد يقابله‬
‫التصوير ‪ ،‬و الشعر حي ما يكتب بشكل نثر فانه بال هاية سيكون شعرا ‪ ،‬و‬
‫المميز بين ال ثر و الشعر ليس الوزن كما هو معلوم ‪،‬و ا الصورة الشعرية و‬
‫المجاز العالي كما اثبتته قصيدة ال ثر السردية بالكتلة ال ثرية الواحدة ‪ ،‬انما‬
‫المميز بي هما ان الشعر يشتمل على السردية التعبيرية و ا يقصد الحكاية او‬
‫التوصيل ‪ ،‬بي ما ال ثر اما قصصي حكائي يقصد الحكاية او توصيلي بشكل‬
‫خطاب و رسالة‪ .‬بمع ى اخر ان الفرق بين الشعر و القص و اللذين يشتمان‬
‫على السرد ‪ ،‬ان السرد في القصة حكائي قصصي يقصد الحكاية و الوصف‬
‫ولو خياا ‪،‬بي ما السرد في الشعر تعبيري هو سرد ا بقصد السرد هو السرد‬
‫الذي يمانع و يقاوم السرد ‪،‬انه السرد بقصد اايحاء و الرمز ونقل العاطفة و‬
‫ااحساس ا الحكاية و الوصف‪.‬‬

‫السرد الشعري و السرد التعبيري‬

‫قصيدة القصة قديمة و تمثلها الماحم وقد توصف ايضا بمصطلح حديث‬
‫بالقصيدة السردية ‪ ،‬و هي من مظاهر الشعر السردي و مثله ال ظم الذي‬
‫يحكي قصة ‪ ،‬اما السرد الشعري فغالبية هذا الوصف هو لل ثر الذي يطعم‬
‫بتق يات سعرية من مجاز ونحو للعذوبة و هو نثر في ال هاية و قصة ‪،‬و‬
‫استعمل مصطلح السرد الشعري للتعبير عن سردية القصيدة المعاصر ‪ ،‬اا ان‬

‫‪232‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫هذا ااستعمال غير جيد مع ال ظر استعمالها ااول في السرد الحكائي‬


‫الم ظوم ‪ ،‬بل السردية في قصيدة ال ثر هي السردية التعبيرية بقصد اايحاء ا‬
‫الحكاية ‪.‬‬

‫قصيدة نثر الحداثة و قصيدة نثر ما بعد الحداثة‬

‫يي ما ازمت قصيدة نثر الحداثة العطاء و الريادة الفرنسية وخصوصا برتران و‬
‫بودلير و تأثير الرمزية و التصويرية بقصيدة نثر حرة ‪ ،‬فان قصيدة نثر ما بعد‬
‫الحداثة تجتلت باابداع اامريكي وخصوصا رسل ادسن و سيميك ‪ ،‬بالسرد‬
‫التعبيري الواضح و القريب بكتلة نثرية واحدة ‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ال قطة التعبيرية‬

‫لل ص اادبي ابعاد ثاثة ‪ ،‬فاضافة الى بعد الكتابي الب ائي ك ص بمفردات و‬
‫جمل و فقرات متجاورة ‪ ،‬فان له بعدا ابداعيا اسلوبيا يتمثل بالف ية و الجمالية‬
‫و الرسالية ‪ ،‬و له ايضا بعد لغوي دالي يتمثل بتجلّي اللغة و ال ص و المؤلف‬
‫و القارئ ‪ .‬ما يحصل اث اء الكتابة هو تقاطع خطوط هذ اابعاد و تقابلها و‬
‫تاقيها في ال هاية في نقاط تعبيرية ‪ .‬بي ما يكون تتبع ع اصر البعد اابداعي‬
‫ااسلوبي هو من القراءة ااسلوبية ‪ ،‬و تتبع ع اصر البعد اللغوي الدالي هو‬
‫من القراءة الدالية اللغوية ‪ ،‬فان تتبع نقاط تاقيهما التعبيرية يكون بالقراءة‬
‫التعبيرية بادوات ال قد التعبيري ‪ .‬و من ه ا يتجلى الفرق الواضح واصالة ال قد‬
‫التعبيري و تميز عن اابحاث الدالية و ااسلوبية و ان كانت جزء م ه و‬
‫مستفيدا من ادواتهما ‪.‬‬

‫و من ه ا ايضا يظهر ان التصور السائد كون ال ص كيانا زمانيا ترتب ع اصر‬


‫في الزمن ا يتسم بالواقعية ‪ ،‬بل ان ال ص كيان ثاثي اابعاد ‪ ،‬بعد كتابي نصي‬
‫و بعد لغوي دالي و بعد اسلوبي ابداعي ‪ .‬يعتمد وضوح و تجلي هذا الشكل‬
‫على مدى ظهور و قوة نقاط ابعاد المتقدمة اث اء القراءة ‪.‬‬

‫حي ما تحدث عملية القراءة فانها تتطور من مستوى المفردة الى مستوى‬
‫ااس اد او التجاور المفرداتي الى مستوى الجملة الى مستوى الفقرة ثم الى‬
‫مستوى ال ص بكله ‪ .‬اث اء كل مستوى يحضر البعد اللغوي الدالي و البعد‬

‫‪234‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫اابداعي ااسلوبي ‪ ،‬و بمجموع ما يتم من انظمة احتكاك و تقابل و التقاء و‬


‫تقاطع و بفعل مستوى ال قطة التعبيرية لكل بعد تحصل في الفكر و ال فس‬
‫مواضع تعبيرية لكل وحدة كتابية فيه يقابله بعد رابع خاص بالقارئ هو البعد‬
‫الشعوري و ااستجابة الجمالية ‪ ،‬بعبارة اخرى بي ما يكون ال ص ككيان مكتوب‬
‫شكا ثاثي اابعاد ساك ا ا حراك فيه ‪ ،‬فانه ككيان مقروء يكون كيانا متحركا‬
‫له اربعة ابعاد البعد الرابع هو البعد الشعوري ويمثل بعد الحركة الذي يخرج‬
‫ال ص من السكون ‪ .‬فتكون القراءة هي العملية التي تعطي لل ص روحا و‬
‫تخرجه من الموت الى الحياة ‪ ،‬وهذا ما نسميه ُ حركة ال ص َ‬

‫ان ال ظام الجامع لأبعاد الثاثة في القراءة التعبيرية يتجلى بالوحدة التعبيرية‬
‫المتكونة من عامة تعبيرية ُ كيان تعبيرية او معادل تعبيري َ يحدث ااثارة‬
‫التعبيرية ُ كيان شعوري او معادل شعوري َ بواسطة عملية فكرية و عقلية‬
‫تحليلية هي الوسط او العامل التعبيري َ ‪ .‬الوحدة التعبيرية يمكن ان ي ظر اليها‬
‫من جهة جمالية باعتبار المعادل التعبيري معادل جمالي ‪ ،‬و بواسطة العامل‬
‫الجمالي يحدث ااثارة الجمالية ‪ ،‬وهذا ما يمكن ان نسميه الوحدة الجمالية ‪.‬‬
‫ان الوحدة الجمالية و الوحدة التعبيرية هي غير الوحدة الكامية او الكتابية او‬
‫ااسلوبية او الدالية ‪ .‬واهم ما يشير اليه نظام الوحدة التعبيرية ان ااثارة و‬
‫اانبهار بال ص ا يقتصر على ااثارة الجمالية و الذوقية و انما ه اك اثارة‬
‫فكرية تعبيرية قد اشرنا في مواطن عدة الى صور تجليها كالت قل بين حقول‬
‫المع ى و الدالة و نحو ذلك من انظمة عميقة فكرية ‪.‬‬

‫القراءة ما هي اا عملية مشاهدة و تلقي تبحر فيها ال فس في عوالم ال ص و‬


‫الكتابة ‪،‬و الفكر و اللغة ‪ ،‬و الخيال و اابداع ‪ ،‬و الشعور و المتعة ‪ .‬هذ‬

‫‪235‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫العوالم ااربعة الحاضرة دوما في الكتابة اابداعية هي التي تضرب في عمق‬


‫ال فس و تجعل الكتابة اادبية مميزة ‪ ،‬و بمقدار تجلي ع اصر و اشياء تلك‬
‫العوالم و تلك اابعاد يتحدد وقع القراءة و مقدارها التعبيري ‪ .‬ال قد التعبيري‬
‫هو المجال الذي يبحث اانظمة المتحققة من تفاعل تلك اابعاد و ما ي تج‬
‫ع ها من مواضع و قيم تعبيرية في فضاء الكتابة و عوالمها ‪ .‬ان التشخيص‬
‫الدقيق و عالي الكفاءة للبعد الجمالي للكتابة بواسطة ادوات ال قد التعبيري و‬
‫تحديد المقادير الكمية و التشكات الكيفية للبعد الجمالي لل ص يمكن من‬
‫تشخيص عالي المستوى لقيم ال صوص جماليا مما يعد مدخا علميا للظاهرة‬
‫الجمالية و ااستجابة الشعورية تجا الجمال ‪.‬‬

‫ال قد المفتوح‬

‫دوما ه اك سؤال ‪ :‬ما هي القراءة الصحيحة ؟ بل ان ال قد في جانب من‬


‫بحث م هجياته انما يحاول ان يجب عن هذا السؤال ‪ ،‬و ان ال ظرية‬
‫ال قدية انما تقدم ك موذج للقراءة الصحيحة ‪.‬‬

‫و ربما يمكن اعادة السؤال ‪ :‬كيف نعرف ان قراءت ا لل ص صحيحة ؟‬

‫لاجابة الواضحة و الصحيحة عن هذا السؤال ا بد من تذكر امرين ‪:‬‬

‫‪236‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ااول ‪ :‬ان الصحة و ال موذجية امور تطورية ‪ ،‬لذلك من الخطأ تصور‬


‫وجود قراءة صحيحة خالدة و دائمة ‪ ،‬كما انه ا بد من اليقين انه ليس‬
‫ه اك قراءة صحيحة اكثر من القراءة المعاصرة ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬ان لل ص غايات تتجلى فيه هي ‪ :‬اللغة و ال ص نفسه و قصد‬


‫المؤلف ‪ ،‬كل م ها يتجلى بمظاهر واعية و غير واعية ‪ ،‬و حي ما تكون‬
‫تجربة الكاتب ناضجة و متكاملة تكون مظاهر تجلي تلك الغايات على‬
‫درجة عالية من الف ية و الرقي و الثراء ‪ .‬هذا الثراء يحتاج الى قراءة‬
‫مخلصة تتبع جهات اادباع في ال ص في كل مستوياته ‪.‬‬

‫في ضوء ما تقدم تكون القراءة الصحيحة متسمة بصفتين اوا المعاصرة و‬
‫ثانيا ااخاص ‪ ،‬انه من دون قراءة معاصرة تكون قراءة متخلفة و مسيئة‬
‫لل ص ‪ ،‬و اما ااخاص ‪ ،‬فمن دونه لن يكون ه اك مجال لتبين اوجه‬
‫اابداع في غايات ال ص المتقدمة ‪ ،‬فتكون القراءة ناقصة ايضا ‪.‬‬

‫ال ص المعاصر ا يريد فقط الحكاية و التوصيل و ال قل ‪ ،‬لكي يكتفى في‬


‫قراءته بعملية قراءة واحدة ‪ ،‬بل هو ساحة لإيحاء و الرمزية و التق ية و‬
‫الف ية و الثقل المعرفي و اللغوي و البعد الجمالي و تمثل القضية و‬
‫اانتماء و ال فس و اايغال في عمق التجربة و عالم المع ى ‪ .‬ان الكتابة‬
‫الف ية المعتبرة ‪ -‬و ليست التسويقية طبعا ‪ -‬تتمتع بعدد كبير من الجوانب‬
‫اابداعية في مستويا متعددة و مختلفة ‪ ،‬فه اك عوامل من الوعي و عوامل‬
‫من الاوعي ‪ ،‬و ه اك عوامل من ال ص ذاته و من اللغة الراسخة بفعل‬
‫البيئة و الثقافة في نفس الكاتب ‪.‬كلها تعمل على التجلي في ب اءات و‬
‫تراكيب ف ية م اسبة تائم ما ترسخ و تراكم في تجربة المؤلف ‪ ،‬وهذ‬
‫الحقيقة ليس فقط المؤلف يدركها بل القارئ ايضا ‪.‬‬
‫‪237‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫من ه ا اجل ان نحقق قراءة صحيحة ا بد من تتبع مظاهر اابداع في‬


‫جهات متعددة و مستويات قراءاتية مختلفة ‪ ،‬و في القراءة الف ية لل اقد‬
‫‪،‬ربما يكون واقعا ظهور حالة ُ ال قد المفتوح َ و الذي ي فتح على جميع‬
‫امكانات ال ص بجميع ما يتاح من ادوات وصلت الى ال اقد المعاصر ‪ ،‬و‬
‫حي ها يكون من التعسف القول بان م هجا معي ا و مدرسة معي ة هي التي‬
‫تفي بحق الظاهرة اابداعية ‪.‬‬

‫ال قد المفتوح‬

‫في ال ظريات ال قدية ‪ ،‬دوما ه اك سؤال ‪ :‬ما هي القراءة الصحيحة ؟ بل‬


‫ان ال قد في جانب من بحث م هجياته انما يحاول ان يجب عن هذا‬
‫السؤال ‪ ،‬و ان ال ظرية ال قدية انما تقدم ك موذج للقراءة الصحيحة ‪.‬‬

‫و ربما يمكن اعادة السؤال ‪ :‬كيف نعرف ان قراءت ا لل ص صحيحة ؟‬

‫لاجابة الواضحة و الصحيحة عن هذا السؤال ا بد من تذكر امرين ‪:‬‬

‫ااول ‪ :‬ان الصحة و الم اسبة و ال موذجية كلها امور تطورية ان لم تصدر‬
‫من مصادر العلم الامت اهي ‪ ،‬لذلك من الخطأ تصور وجود قراءة صحيحة‬
‫خالدة و دائمة ‪ ،‬كما انه ا بد من اليقين انه ليس ه اك قراءة صحيحة‬
‫اكثر من القراءة المعاصرة لما هو معاصر ‪ ،‬لما بي ا من التطورية و تدخل‬
‫العامل التراكمي و التطوري فيها ‪.‬‬

‫الثاني ‪ :‬ان لل ص غايات تتجلى فيه هي ‪ :‬المؤلف و ال ص نفسه و اللغة ‪،‬‬


‫كل م ها يتجلى بمظاهر جلية و غير جلية واعي و غير واعية ‪ ،‬و حي ما‬
‫‪238‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫تكون تجربة الكاتب ناضجة و متكاملة تكون مظاهر تجلي تلك الغايات‬
‫على درجة عالية من الف ية و الرقي و الثراء ‪ .‬هذا الثراء و البذخ و العمق‬
‫الف ي ‪ ،‬يجعل من جهات اابداع و المتعة متعددة ‪ ،‬بل قد تصل احيانا الى‬
‫حد كبير او اكبر مما يتصور ‪.‬‬

‫في ضوء ما تقدم تكون القراءة الصحيحة متسمة بصفتين اوا المعاصرة و‬
‫ثانيا ااخاص ‪ ،‬انه من دون قراءة معاصرة تكون قراءة متخلفة و مسيئة‬
‫لل ص و تفرض عليه رؤى هو ا يمثلها و ا يقترب م ها ‪ ،‬و اما ااخاص‬
‫‪ ،‬فمن دونه لن يكون ه اك مجال لتبين اوجه اابداع في غايات ال ص‬
‫المتقدمة ‪ ،‬فتكون القراءة ناقصة ايضا ‪.‬‬

‫ال ص المعاصر ا يريد فقط الحكاية و التوصيل و ال قل ‪ ،‬لكي يكتفى في‬


‫قراءته بعملية قراءة واحدة ‪ ،‬بل هو ساحة لإيحاء و الرمزية و التق ية و‬
‫الف ية و الثقل المعرفي و اللغوي و البعد الجمالي و تمثل القضية و‬
‫اانتماء و ال فس و اايغال في عمق التجربة و عالم المع ى ‪.‬‬

‫ربما يمك ا القول في عصرنا هذا ان الكتابة الف ية المعتبرة ‪ -‬و ليست‬
‫التسويقية طبعا ‪ -‬تتمتع بعدد كبير من الجوانب اابداعية في مستويا‬
‫متعددة و مختلفة ‪ ، ،‬أجل ما بي ا ان ه اك عوامل من الوعي و عوامل‬
‫من الاوعي ‪ ،‬و ه اك عوامل من ال ص ذاته و من اللغة الراسخة بفعل‬
‫البيئة و الثقافة في نفس الكاتب ‪.‬كلها تعمل على التجلي في ب اءات و‬
‫تراكيب ف ية م اسبة تائم ما ترسخ و تراكم في تجربة المؤلف ‪ ،‬وهذ‬
‫الحقيقة ليس فقط المؤلف يدركها بل القارئ ايضا ‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫من ه ا اجل ان نحقق قراءة صحيحة ا بد من تتبع مظاهر اابداع في‬


‫جهات متعددة و مستويات قراءاتية مختلفة ‪ ،‬و في القراءة الف ية لل اقد‬
‫‪،‬ربما يكون واقعا ظهور حالة ُ ال قد المفتوح َ و الذي ي فتح على جميع‬
‫امكانات ال ص بجميع ما يتاح من ادوات وصلت الى ال اقد المعاصر ‪ ،‬و‬
‫حي ها يكون من التعسف القول بان م هجا معي ا و مدرسة معي ة هي التي‬
‫تفي بحق الظاهرة اابداعية ‪.‬‬

‫أدوات ال قد و شخصية ال ص‬

‫من الماحظ ان الكتابات ال قدية بدأت تميل بشكل شبه كامل الى طريقة‬
‫اأطروحة ال قدية ‪ ،‬بحيث يكون البحث ثيميا مركزا ‪ ،‬و يكون القصد من‬
‫المقال ال قدي استعراض جوانب تلك الثيمة المعي ة من دون ال ظر او التوسع‬
‫في غيرها من اامور الف ية و الجمالية في ال ص ‪ .‬لذلك حتى في حال اختيار‬

‫‪240‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫نص اجل الدراسة فانه ا يكون اجل ال ص باجماله و كليته ‪ ،‬و انما اجل‬
‫ثيمة معي ة قد حققها ذلك ال ص ‪ ،‬و الذي قد يشترك معه نص آخر ‪.‬‬

‫هذ الم هجية ال قدية رغم فائدتها المهمة و قدرتها التطويرية و وضوح و‬
‫تفصيلية نقاط البحث فيها اا انها قد تتعرض الى سوء التطبيق ‪ ،‬و ذلك بلوي‬
‫ال ص ‪ ،‬و اقحامه فيما ليس فيه ‪ ،‬فتكون كتابة ا واقعية ‪.‬‬

‫حي ما يؤسس و ي ظّر لثيمة معي ة ‪ ،‬و ع صر جمالي و ف ي معين ‪ ،‬فان تطبيقه‬
‫على ال ص يجب ان يكون صادقا و حقيقيا ‪ ،‬و ليس و هما و ادعاء ‪ .‬اذ ان‬
‫ااق اع ضروري في الكتابة ال قدية كما ان الوضوح و الصحة ايضا مطلوب ‪،‬‬
‫ان المقال ال قدي و ان كان ادبيا و حرا اا انه يطرح فكرة و معرفة و يؤسس‬
‫لب اء و اضافة ‪.‬‬

‫كما ان البحث الثيمي ا يصح ان يقتصر على تطبيق ما استقر من معارف و‬


‫ان كان ذلك مفيدا ‪ ،‬اا ان التجريبية في اادب محدودة ‪ ،‬و ع اصر وجهات‬
‫اابداع غير محدودة ‪ ،‬لذلك ا بد من متابعة ال ص ‪ ،‬و اانطاق م ه دوما ‪،‬‬
‫حتى في البحث الثيمي ‪ ،‬اذ ا معارضة بين البحث الثيمي و اانطاق من‬
‫ال ص كمصدر للمعرفة و الفكرة ‪.‬‬

‫ان التطبيق التعسفي للفكرة الموضوعية المعي ة على ال ص ‪ ،‬و لويه و تقريب‬
‫معطياته من متطلباتها ‪ ،‬ليس فقط يمثل خروجا عن العلمية و الواقعية ‪ ،‬وانما‬
‫يعد انتهاكا لشخصية ال ص ‪ ،‬و عبورا على حقيقة اابداع الكام ة فيه ‪.‬‬

‫ان جهات اابداع متعددة و غير مقتصرة على جهة بحثية معي ة و ا مستوى‬
‫ب ائي معين في ال ص ‪ ،‬لذلك يكون من الم اسب اعتماد ال قد الحر الذي‬

‫‪241‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫يتلمس ع اصر اابداع في ال صوص و ي طلق م ها نحو رؤية ثيمية معي ة ‪ ،‬و‬
‫ليس العكس و خصوصا حالة ااقحام و اادعاء فانها خسارة لواقعية ال قد و‬
‫لشخصية ال ص ‪ ،‬و اذا ما اريد ترسيخ فكرة و ثيمة معي ة في ابحاث و‬
‫دراسات متكررة فمن الواجب اختيار ال ص الذي يمثلها خير تمثيل ‪ ،‬و ليس‬
‫مجرد تكرار ااداة ال قدية على نص ا تتوفر فيه فانه مجانبة للصدق و الواقع‬
‫‪.‬‬

‫نقد ال قد ااسس و الغايات‬

‫تعريف نقد ال قد‬

‫إن مفهوم ُنقد ال قدَ إلى يوم ا هذا ما يزال ُمفهوماَ يشيد ويب ى‪ ،‬فهو في بدء‬
‫اامر وغايته‪ ،‬مثل كل المفاهيم التي لها حياة ت تقل من التسميات والتصورات‬
‫العامة‪ ،‬وتمر بمراحل الصقل وااختبار قبل أن تستقر على مدلول اصطاحي‬
‫صصَُ‪. َ1‬‬
‫مخ ِ‬

‫عرف نقد ال قد في الويكيبيديا انه بحث معرفي موضوعه ال قد اأدبي‪،‬‬


‫ويتقاطع في مباحثه مع جملة من السياقات المتصلة بالبحث في ميدان اابداع‬
‫بصورة عامة‪ ،‬مثل ال ظرية والت ظير ال قدي‪ . َ2ُ .‬و لقد عرف غير ناقد معاصر‬
‫مصطلح نقد ال قد‪ ،‬و لكن هذ التعريفات كانت تتسم باإيجاز الذي يقصر‬
‫عن اإيفاء بضرورة إرساء المصطلح على أسس علمية وم هجية واضحة‪ َ3ُ.‬و‬

‫‪242‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫من أوائل الذين عرفوا هذا المصطلح ال اقد جابر عصفور الذي يقول‪" :‬إن نقد‬
‫ال قد قول آخر في ال قد يدور حول مراجعة القول ال قدي ذاته و فحصه ُ‪َ4‬‬
‫و هو ع د د‪ .‬نجوى القسط طي ي‪" :‬خطاب يبحث في مبادئ ال قد و لغته‬
‫ااصطاحية و آلياته اإجرائية و أدواته التحليليةُ‪َ 5‬‬

‫نشأة نقد ال قد و تطور‬

‫ُنقد ال قدَ باعتبار كيانا معرفيا أو حقا ابستمولوجيا ما يزال ُمشروعاَ‬


‫تتضافر اجتهادات نظرية عدة في ايجاد وبلورته‪ َ6ُ :‬إن نقد ال قد ازم‬
‫التشكل اأول لل قد اأدبي‪ ،‬كما يذهب إلى ذلك ال اقد باقر جاسم محمد‪،‬‬
‫الذي عد "نظرية أرسطو في المحاكاة البذرة الج ي ية اأولى التي وصلت ا مما‬
‫يمكن عد نوعا من نقد ال قد ال ظري غير المباشر ُ‪ . َ7‬أما نقد ال قد عربياً‬
‫"باعتبار نشاطا فكريا نوعيا‪ ،‬فهو قديم في مادته حديث في مصطلحه‪ ،‬له‬
‫عاقة بكثير مما دارت حوله م اظرات العرب القدامى و مساجاتهم‪ ،‬من‬
‫قضايا أدبية و باغية و نقدية نظرية و تطبيقية لم نشك في دالتها ُ‪َ8‬‬
‫وبالرغم من أن هذا ال شاط قديم في الممارسة ال قدية العربية‪ ،‬إا أن‬
‫الت ظيرات الحديثة هي التي سعت إلى اارتقاء به إلى درجة الكيان المعرفي‬
‫ال وعي ضمن كيانات العلوم اإنسانية‪ َ9ُ .‬ولقد بدأت ارهاصات نقد ال قد‬
‫أواخر القرن التاسع عشر‪ ،‬ثم تعززت بظهور كتاب طه حسين "في الشعر‬
‫الجاهلي"‪ ،‬الذي يعتبر أول مشروع عملي يؤسس لبداية "نقد ال قد" دون أن‬
‫يستعمل المصطلح‪َ10ُ.‬‬

‫وظيفة نقد ال قد‬

‫‪243‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫بإزاء ما ورد من وظائف ل قد ال قد ع د الدارسين السابقين‪ ،‬يجد الباحث‬


‫ضرورة إفراد مجموعة من ال قاط استلها من دراساتهم‪ ،‬ليقدمها بشكل جلي‪،‬‬
‫لعلها تحيط بوظائف نقد ال قد‪ َ11ُ ،‬و هي كاآتي‪:‬‬

‫أوا‪ ":‬الكشف عن طبيعة المؤثرات الثقافية وااجتماعية و السياسية التي‬


‫جعلت ال اقد يتب ى م هجا نقديا دون سوا واضعا عمل ال اقد في سياق أكبر‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬يكشف عن صيرورة ال قد اأدبي و تحواته‪ ،‬و يربط بين العوامل السياقية‬
‫الخارجية التي تحفز عملية التطور اأدبي‪ ،‬و من ثم تطور ال قد اأدبي نفسه‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬يثير إشكاات تتصل بطبيعة ال قد و إجراءاته و لغته‪ ،‬و هو لذلك يتوجه‬
‫في البحث الى ال قد اأدبي في المقام اأول ‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬ي تج معرفة بفلسفة نقد ال قد و آلياته و مقاصد ُ‪َ12‬‬

‫تاسعا‪" :‬مراجعة مصطلحات ال قد و ب يته التفسيرية و أدواته اإجرائية ُ‪َ13‬‬

‫اهمية نقد ال قد لل ظرية اادبية‬


‫من المفروغ م ه‪ ،‬أن أي م جز فكري أو إبداعي إنساني هو بحاجة ماسة لحالة‬
‫من المراجعة والدرس والتأمل الدوري‪ ،‬للخروج بأفضل ماجاد به العقل البشري‪،‬‬
‫ومن ثم الب اء عليه‪ ،‬وا يشذ ال قد اأدبي عن ذلك‪ ،‬فهو أحد الحقول المعرفية‬
‫‪244‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الهامة التي تلعب دورا رئيسا في عملية تقويم وب اء الم تج اإبداعي ومن ه ا‬
‫تجيء أهمية تفعيل اشتغاات خطاب ُ نقد ال قدَ‪ ،‬على الم جز ال قدي‬
‫المحلي وفق رؤية‪ ،‬وم هجية واضحة ‪ ،‬وحتى ا يستمر تدوير اإبداع في فلك‬
‫نظريات وم اهج نقدية جامدة يتم اجترارها بعد أن ثبت عدم جدوى وفاعلية‬
‫بعضها‪ َ14ُ .‬ولعل معاي ة واقع ا اأدبي وال قدي تشير بقوة إلى تحقيق قدر‬
‫مهم من التراكم‪ ،‬ولك ها تشير أيضا إلى تلك الثغرة المتمثلة في ضعف نقد‬
‫ال قد ُ‪َ15‬‬

‫ا ريب ان المقال ال قدي هو نص بال هاية وهو كتابة ابداعية ‪ ،‬وهذا اامر‬
‫وان كان وجها إمكانية ت اول ال ص ال قدي بالدراسة ‪ ،‬وبيان مقدار اابداع‬
‫المتحقق و تسليط الضوء على مقدرة ال اقد اا ان ه اك امرا اكثر جوهرية من‬
‫ذلك ‪ ،‬اا وهو ب اء ال ظرية ال قدية ‪ ،‬فكما ان ال اقد يكشف عن اسرار اابداع‬
‫في ال ص اابداعي ‪ ،‬فان دراسة المقالة ال قدية ايضا تستطيع ان تكشف عن‬
‫ع اصر و مكونات ال ظرية ال قدية المتحققة في المقال المعين‪ ،‬اذ ليس من‬
‫الضرورة ان تكون الممارسة ال قدية تطبيقا حرفيا ل ظريات جاهزة ‪ ،‬كما ان‬
‫لل اقد باعتبار كاتبا خاقا فان له القدرة على وضع بصمته الخاصة و المؤثر و‬
‫التي في ال هاية تكون الوعي ال قدي من ثم تترسخ في ال ظرية ال قدية ‪ .‬و‬
‫أجل الوصول الى نظرية نقد واضحة المعالم و اصيلة ا بد من التفاعل‬
‫الفكري و التكامل الكتابي بين ما يكتب في ال قد ‪ ،‬ومن ه ا يكون ظاهرا‬
‫اهمية نقد ال قد أجل هذ الغاية ‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫اشكال نقد ال قد‬

‫لحقيقة تعدد حقول عملية ال قد اادبي فان نقد ال قد تتعدد اشكاله بذلك ‪،‬‬
‫ان السمات الخاصة بكل حقل نقدي و وظائفه تختلف عن اخر ‪ ،‬ف قد ال قد‬
‫قد يت اول ال قد ال ظري ‪ ،‬و قد يت اول الممارسة ال قدية التطبيقية العامة و قد‬
‫يت اول الممارسة ال قدية الفردية ‪ .‬فعملية نقد ال قد كما يمكن ان تكون في‬
‫ت اول اطروحات ال قد ال ظري فإنها ايضا تتلمس الرؤية في الممارسة ال قدية ‪،‬‬
‫و كما ان عملية نقد ال قد يمكن ان ت اقش الممارسة التطبيقية العامة بشكل‬
‫اجمالي وعام فإنها ايضا يمك ها ان تتعمق في الممارسات الفردية الجزئية‬
‫المشتملة على اطروحات واضحة اجل ااستفادة من التجربة ال قدية لذلك‬
‫الكاتب بمع ى انها قراءة تحريرية تبرز بشكل كتابي ‪ ،‬كما انها شكل من‬
‫اشكال التوثيق التاريخي للسبق في كشف معالم مفهوم معين و الريادة في‬
‫شكل كتابي معين ‪ ،‬و بي ما يكون التقييم و الم اقشة متأصلة في نقد ال قد‬
‫ل ظرية ال قد او الممارسة العامة فان نقد ال قد الفردي اي المتعرض لمقالة‬
‫نقدية معي ة ابعد ما يكون عن التقييم و الحكم وانما عادة ما يكون لكشف‬
‫التفرد و اابداع و الريادة ‪ ،‬لذلك نجد المهتمين ب ظرية ال قد حي ما يتطرقون‬
‫الى كتابة نقدية او يستشهدون بها فان ذلك في الغالب أجل عمق تجربة ذلك‬
‫الكاتب و رؤيا الريادية و هذا معلوم ‪ ،‬بل يمكن القول ان نقد ال قد الفردي‬
‫الخاص غير مع ي ابدا بالتقييم و الحكم انما ذلك مجاله نقد ال ظرية و‬
‫الممارسة العامة ‪.‬‬

‫محمد فقير مفهوم نقد ال قد ‪2009‬‬ ‫‪.1‬‬

‫‪246‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الويكيبيديا ‪2014‬‬ ‫‪.2‬‬

‫رشيد هارون ااسس ال ظرية ل قد ال قد ‪2012‬‬ ‫‪.3‬‬

‫جابر عصفور قراءة في نقاد نجيب محفوظ ‪ ،‬ماحظات أولية ‪،‬‬ ‫‪.4‬‬

‫‪1981‬‬
‫د‪.‬نجوى الرياحي القسط طي ي في الوعي بمصطلح نقد ال قد وعوامل‬ ‫‪.5‬‬

‫ظهور ‪2009 ،‬‬


‫محمد فقير مفهوم نقد ال قد ‪2009‬‬ ‫‪.6‬‬

‫باقر جاسم محمد نقد ال قد أم الميتانقد ‪ ،‬محاولة في تأصيل المفهوم‪،‬‬ ‫‪.7‬‬

‫‪. 2009‬‬
‫د‪.‬نجوى الرياحي القسط طي ي في الوعي بمصطلح نقد ال قد وعوامل‬ ‫‪.8‬‬

‫ظهور ‪2009‬‬
‫محمد فقير مفهوم نقد ال قد ‪2009‬‬ ‫‪.9‬‬

‫‪ .11‬نفس المصدر‬
‫‪ .11‬رشيد هارون رشيد هارون ااسس ال ظرية ل قد ال قد ‪2012‬‬
‫‪ .12‬د‪.‬نجوى الرياحي القسط طي ي في الوعي بمصطلح نقد ال قد وعوامل‬
‫ظهور ‪2009 ،‬‬
‫‪ .13‬جابر عصفور قراءة في نقاد نجيب محفوظ ‪ ،‬ماحظات أولية ‪،‬‬
‫‪1981‬‬
‫‪ .14‬شمس علي نقد ال قد طريق ا لتجديد الخطاب ال قدي ‪2014‬‬
‫‪ .15‬رشيد هارون رشيد هارون ااسس ال ظرية ل قد ال قد ‪2012‬‬

‫‪247‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ُ ازمة ال قد اادبي العربي ااسباب و المظاهر و الحلول َ‬

‫الفصل ااول ‪ :‬وظيفة ال قد‬


‫وظيفة ال قد اادبي اجماا معاي ة ال ص ‪ ،‬و يع ي ذلك تحليله و بيان مواطن‬
‫الف ية و اابداع فيه ‪ ،‬يقول سعد القصاب ُيفترض ال قد الف ي ضرورته‪ ،‬بوصفه‬
‫خطاباً وممارسة كتابية تواكب مغامرات الخبرة التجريبية للف ان‪ ،‬و بدائيتها في‬
‫العمل الف ي محاولة م ه في إيضاح أو اكتشاف بعدها التعبيري الدال‪ ،‬كي‬
‫يجعل ا نفهم ما نشاهد من انجازات تحفل بكل ما هو ابداعي وجمالي‪ .‬من ه ا‬
‫تتأتى أهميته كإجراء ثقافي يقيم عاقة تعقبيه تتوسط الم جز الف ي والمتلقي‬
‫استيضاح هذ الممارسة الخاقة‪ُ َ.‬سعد القصاب ‪ .َ2014‬اا انه قد‬
‫اختلف ال ظر الى وظيفة ال قد على التفصيل ‪ ،‬و ان تلك الع اصر ااجمالية‬
‫كيف يتعامل معها تفصيا و كيف يتم تطبيق ذلك ‪ ،‬ف تج عن ذلك اتجاهان‬
‫رئيسيان في ال قد ‪:‬‬

‫اوا ‪ :‬ااتجا الواقعي ‪ :‬و الذي يرى ان اادب ظاهرة اجتماعية وان‬
‫العاقة وثيقة بين اادب و المجتمع ‪ ،‬و يرى ان اادب انعكاس لمحيطه‬
‫اضافة الى وظيفته ااخاقية تجا المجتمع ‪ ،‬و من اشكاله الحديثة ال قد‬
‫الثقافي ‪.‬و الذي يجابه بإشكاات جدية ‪ .‬يقول ابراهيم السعافين ُ فالدعوة‬
‫الى نقض اليد من ال قد الجمالي و اياء ااهتمام الى صور معي ة يهتم بها‬
‫ال اس تحت مسميات مختلفة من مثل فلكلور و لعبة كرة القدم و وسائل‬
‫ااتصال و اصطلح بعضهم تسميتها ال قد الثقافي ليست واقعية و ا حقيقية‬
‫و ااجدر ان نفكر في حالة اابداع و المبدعين و نتحدث بصراحة عن‬

‫‪248‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الواقع و نحلل اازمة بدل الهروب م ها الى تصورات ذه ية تفاقم المشكلة‬


‫بدل ان تحلها ُابراهيم السعافين ‪ََ2011‬‬

‫الثاني ‪ :‬ااتجا الجمالي ‪ :‬و الذي يرى ان اادب عمل متفرد ‪ ،‬فيهتم‬
‫بطبيعة اادب وان رسالته فيه ‪ ،‬و ااهتمام بب اء ال ص و خصائصه و التركيز‬
‫على الجمالية التركيبية ‪ ،‬و من اشكاله الحديثة ال قد االس ي ‪.‬‬

‫وه اك اشكال اخرى من ال قد اا انها في ال هاية تعود الى احد‬


‫ااتجاهين ‪ ،‬و يمكن ببساطة تمييز كون ال اقد المعين من اي اتجا م هما ‪،‬‬
‫الواقعي ااجتماعي ام الجمالي الشكلي ‪ .‬و من المؤكد ان كل م هج ا يسلم‬
‫بهكذا تمييز بل انه يدعي اشتماله على التكامل فال قد ااجتماعي يدعي‬
‫تشخيصه لأنظمة الجمالية و ال قد الجمالي يدعي تشخيصه لأنظمة الفكرية‬
‫‪ ،‬لكن في الحقيقة كل ا صار يعرف مواطن القصور الظاهر في هذين الم هجين‬
‫‪ ،‬لذلك حصلت حالة من الحرج في ال قد التطبيقي بعد التطور الكبير في‬
‫مفهوم اادب و دخول عملية التلقي و القراءة كجزء تكميلي لعملية اابداع ‪،‬‬
‫و ت ازل ال ص عن عرشه ‪ ،‬و التي كشفت ان كا من ااتجاهين ا يقترب من‬
‫الحقيقة التي ي بغي ااذعان اليها ‪.‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬اسس ال قد‬

‫ا ريب في تميز الكتابة ال قدية عن غيرها ‪ ،‬و اجماا يمكن القول ان‬
‫المعارف اانسانية ت قسم الى ظاهرية و تحليلية ‪ ،‬تعمد المعارف التحليلية الى‬
‫اعطاء تفسيرات ممك ة للظواهر ‪ ،‬ال قد اادبي ي تمي الى مجموعة المعارف‬
‫التحليلية ‪ ،‬لذلك فهو الى العلوم اقرب وان كان الجدل قائما في علمية ال قد‬

‫‪249‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫و ف يته ‪ ،‬و على ااول ا بد ان تتسم اللغة ال قدية بأعلى درجات التقريرية و‬
‫اانضباط و الدقة ‪ ،‬و مطالبة العرف و الوجدان بذلك من الواضحات ‪ ،‬و‬
‫هذا دليل عرفي على علمية ال قد ‪.‬‬

‫اهم تلك ااسس التي تب ى عليها عملية ال قد ما يلي ‪:‬‬

‫اوا ‪ :‬التخصصية‬

‫ال قد اادبي عملية تخصصية ‪ ،‬لذلك ا بد ان تتوفر في ممارسها‬


‫المقومات الازمة ‪ ،‬و ما عدا ذلك ا تكون سوى مجرد تذوق انطباعي من‬
‫مثقف او اقحام علمي من خبير في علوم انسانية اخرى ‪.‬‬

‫و المشكلة الكبيرة انه ا يوجد م هج دراسي م عزل بكتب اكاديمية‬


‫متخصصة بال قد ‪ ،‬يقول اسك در نعمة ُ ان ااصول ال قدية شيء ا يمكن‬
‫تعلمه افتقار الى القواعد و ااصول الثابتة المطلقة اي ان ال اقد الدارس ا‬
‫يدرس ال قد في كتاب ككل العلوم ااخرى فيتعمق في البحث حتى يصبح‬
‫ناقدا ان ال قد عملية ذوقية في القسم ااكبر من ساحتها فمن امتلك ناصية‬
‫هذ الموهبة المترافقة بالذوق الف ي يستطيع ان يثقف نفسه في بطون الكتب‬
‫و بحور التجربة فتصقل موهبته و يت امى ذوقه الف يُ اسك در نعمة ‪َ 2008‬‬
‫‪ .‬و هذا ما فتح الباب واسعا امام المختصين بعلوم اللغة في تب ي الجانب‬
‫ااكاديمي من التعليم ال قدي ‪ ،‬مع ان م هجية ال قد تختلف كليا عن م اهج‬
‫علم اللغة ‪.‬في الجهة ااخرى نجد استفحال الكتابة اانطباعية ‪ ،‬المعتمدة‬
‫على ااوصاف الشعرية و الجمالية الفضفاضة البعيدة عن التشخيص لعدم‬
‫ااختصاص بالمرة ‪ .‬يقول ازراج عمر ُ السائد ع دنا في الغالب هو ال قد‬

‫‪250‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الصحفي المتسرع الذي ا يتجاوز اطر ال قد اانطباعي الذي يقوم به‬


‫الصحفيون الذين ليسوا اصا بال قاد َ ُ ازراج عمر ‪. َ 2014‬‬

‫ثانيا ‪ :‬الموضوعية و الحيادية‬

‫و من الواضح ان من دون الموضوعية ا يمكن تحقيق تشخيصات‬


‫صحيحة ‪ .‬و مما يرجع الى الموضوعية الحيادية و عدم تجهيز ااحكام‬
‫المسبقة و عدم الشخص ة ‪ ،‬و ايضا اابتعاد عن المحاباة و المجاملة ‪ ،‬فان‬
‫ذلك كله خاف وظيفة ال قد و الغرض الذي كان من اجله ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬سعة ااطاع‬

‫اعتبر في ال اقد على ان يكون واسع ااطاع ‪ ،‬و ا يقصد بذلك ان‬
‫يكون موسوعيا ثقافيا ‪ ،‬بل المقصود ان يكون قادرا على تحديد مواطن‬
‫ااصالة و المعاصرة و ب ية ال صوص ‪ .‬فان ال قد في جوهر عملية بحث و‬
‫التطوير مهمة جدا لكل باحث ‪ ،‬و ا بد من ان يكون على معرفة تامة‬
‫بالم جز اادبي ‪ ،‬ان من ااحكام الرئيسية و اانظمة التحليلية ما يحتاج الى‬
‫مرجعيات و مقارنات ا تكاد تكتمل دون ااطاع الم اسب ‪.‬‬

‫ان فكرة اأصالة تأتي من وجوب ااتصال بالسياق الثقافي الم بثق م ه‬
‫العمل ال قدي ‪ ،‬و اما المعاصرة فمن فكرة ان ال قد عملية انسانية تكون‬
‫الحركة في مجالها كوحدة واحدة ‪ .‬و من الواضح انه مع حصول ميل في‬
‫الرؤية فان هذ المكونات ستصبح م اهج مت احرة ا تلتقي ‪ ،‬فيصطدم‬
‫المواكب بالمحافظ ‪ ،‬اا ان هذا من الوهم ‪ ،‬اذ ليست المقومات الثقافية و‬
‫الفكرية مصدرا للتحزب و التعصب و انما هي ادوات و مكونات لل اقد ‪ ،‬و‬

‫‪251‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫كاهما ضروري لشخصيته الموضوعية ‪ ،‬اذ ا يمكن لل اقد غير ااصيل ان‬
‫يب ي أنه با جذور و ا يمكن لل اقد غير المعاصر ان يعطي أنه با ابواب ‪،‬‬
‫فاأول كالمعلق و الثاني كالمحبوس و كاهما يشتركان في عامل العزلة ‪.‬‬

‫الفصل الثالث ‪ :‬ازمة ال قد‬

‫المقام ااول ‪ :‬مظاهر ازمة ال قد‬

‫ازمة المصطلح ال قدي‬ ‫‪.1‬‬

‫من الظاهر جدا وجود ازمة في المصطلح ال قدي ‪ ،‬و الى ذلك اشار مختصون‬
‫يقول وجيه فانوس ُ ليس ثمة من ا يعترف بوجود ازمة مصطلح نقدي عربي‬
‫معاصر َ ُوجيه فانوس ‪َ2012‬‬

‫و عزي اامر الى ظاهرة اانكباب على ال تاج الغربي دون تروي او‬
‫استيعاب ‪ ،‬و عدم وجود مرجعية موحدة لترجمة المصطلحات ‪ ،‬يقول الطاهر‬
‫الهمامي ‪ :‬أوقعت ال قول الفردية التي واجه بها ال ّقاد العرب هجوم المدارس‬
‫جمة كان من نتائجها‬
‫ال قدية الحديثة وترسانتها ااصطاحية في إخاات ّ‬
‫فقدان المعرفة الم قولة ل جاعتها اإجرائية وهي تدخل فضاء اللغة العربية ‪-‬‬
‫الى ان يقول ‪ -‬وتصحب هذ الفوضى الترجمية لمفردات الحقل ال قدي‬
‫الشعري إخاات عديدة من شأنها أن تزيد الوضع سوءاً‪ ،‬مردها إلى قصور‬
‫في تدقيق مع ى المفردة الم قولة َُ الطاهر الهامي ‪. َ2012‬‬

‫التقليد و التبعية و ااست ساخ‬ ‫‪.2‬‬

‫‪252‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫لقد وردت في كلمات المختصين في اادب و نقد كلمات جهورية‬


‫في هذا المع ى كالتبعية و التقليد و ااست ساخ ‪ ،‬يرى سيد البحراوي ‪ :‬ان‬
‫الممارسة العربية الراه ة ا تزيد عن الجمع و التلفيق و التقميش من ال ظريات‬
‫التي تظهر في الغرب ثم تختفي ليقوم ل قاد العرب بتلقفها بعد ان تكون حلت‬
‫محلها نظريات اخرىُ سيد البحراوي ُ‪ . َ َ1993‬و في الواقع ان كل ذلك‬
‫له اسباب مفهومة فما هو اا نتاج ركود الواقع الفكري و الفلسفي العام في‬
‫المجتمعات العربية ‪ .‬فكان من الظاهر ان اارتماء في احضان ال ظريات‬
‫الغربية و اجترارها مآل ذلك الواقع ‪.‬‬

‫ان التبعية و التقليد و ااست ساخ مظاهر في غاية الضعف الثقافي ‪ ،‬و‬
‫ا يمكن قبول تبريرات وحدة اانسانية و العولمة و القرية الواحدة ‪ ،‬فان‬
‫الهوية غير الخصوصية ‪ ،‬و ااست ساخ و التبعية ليس فقط ضد الخصوصية‬
‫لكي يقال ذلك ‪ ،‬وانما هي خاف الهوية و تمييع للوجود ‪ ،‬لذلك كل ما‬
‫يتصور من انجاز مرتقب في هكذا سلوك تبعي فانه ا يثمر من جهة انه محو‬
‫للهوية و اخال بالوجود ‪ ،‬حيث انه يفتقر الى اانسجام و الت اغم من البيئة‬
‫الثقافية العربية ‪ .‬يقول فخري صالح ُ لقد انسحب ال قد العربي من المشهد‬
‫الثقافي العام أسباب عديدة اهمها انفصاله عن سياق نتاجه السياسي و‬
‫ااجتماعي الذي يفترض انه طالع م ه َ ُ فخري صالح ‪َ 2013‬‬

‫عدم الموضوعية و عدم الحيادية‬ ‫‪.3‬‬

‫بسبب عوامل كثيرة و أهمها عدم ااختصاصية و عدم الجدية ‪ ،‬و‬


‫كذلك ااهمال الواعي او الاواعي للثقافة ‪ ،‬فان ظاهرة تضاؤل نوعية‬

‫‪253‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ااحكام ال قدية صارت امرا مستشريا حتى ان اامر بلغ حد فقدان الثقة ‪،‬‬
‫فصارت تتدخل في ااحكام ال قدية عوامل كثرة ان لم تكن شخصية فهي‬
‫فكرية و غير ذلك ‪.‬‬

‫ان عدم الموضوعية و الحيادية هو من اهم العوامل التي تسبب تأخر‬


‫ال قد ‪ ،‬بل و العملية اابداعية عموما ‪ ،‬أنه يحرف البوصلة عن نقاط التطور‬
‫الحقيقة و يتجه بالفكر الى وجهة غير م اسبة تتسم بالزيف و الوهم ‪ .‬و ا‬
‫يصح ابدا التقليل من هذ الظاهرة ان التحرر من سلطة ال قد ليس امرا سها‬
‫كما يتصور ‪ ،‬ان ال قد في حقيقته وجها من وجو الثقافة و الفكر العام و‬
‫الذي ا يمكن اجراء عملية تخاطب فيه اا ضمن تلك ال قاط الفكرية و‬
‫الثقافية ‪.‬‬

‫الضعف في معاي ة اابداع و تقييمه‬ ‫‪.4‬‬

‫لقد اشير كثيرا الى عجز الم هج الشكلي الحديث و على راسه ال قد‬
‫االس ي عن تكوين احكام قيمية لل صوص ‪ ،‬فصار ال قد مجرد بيان أنظمة‬
‫لغوية و وصف لعاقات ب ائية تتساوى ال صوص فيها ‪ ،‬يقول ابراهيم السعافين‬
‫ُ ان ال قد االس ي على جدته و اهميته لم يستطع ان يفيد ال قاد و الدارسين‬
‫العرب كثيرا في معاي ة ال ص بقدر ما مهد السبيل امام باغة شكلية جديد و‬
‫حسب ا ان نتذكر كتابا هو خطاب الحكاية لجيرار جي يت الذي فيه تص يف‬
‫ذكي وجهد كبير و لك ه اورث ا هما ثقيا بما قدمه من تص يفات شكلية ا‬
‫تفرق بين نص و اخر مهما كان البون بي هما واسعا ُ ابراهيم السعافين‬

‫‪254‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫‪. ََ2011‬وهذ احدى ااشكاليات ‪ ،‬بل الحقائق التي ادت الى ق اعة‬
‫راسخة بقصور تلك الم اهج عن معاي ة ااعمال اادبية ‪.‬‬

‫من ابرز الحقائق التي تؤشر الى عدم وضوح انجاز نقدي هو ما صاحب‬
‫العملية اابداعية من عزلة متأثرة بالتبشير ال قدي نحو لغة ال خبة ‪،‬و التي‬
‫سرقت من عمر اادب عقودا ‪ ،‬و جعلت العمل اابداعي يقطن في قاع‬
‫عاجية عالية ‪ ،‬و كوكبا اخر بعيدا عن الواقع ‪ ،‬كما هو حال الكتابة ال قدية‬
‫البعيدة عن ادوات الفهم الثقافية التي ربما تطال القارئ المميز ايضا ‪ ،‬حتى‬
‫صار ادب نخبة ال خبة ‪ ،‬و تحققت عزلة مطبقة من جهتي العمل الف ي و‬
‫مفسر ال قدي يقول شاكر ال ابلسي في ُعزوف القارئ عن قراءة الدراسات‬
‫ال قدية التي اصبحت قاصرة على ال خبة الم تخبةَُ‪ .‬لقد كان أمام ال قد‬
‫العربي فرصة كبيرة لتربية أجيال من الشباب على علم وفن ال قد اأدبي‬
‫والسياسي وااجتماعي وااقتصادي‪ ،‬مما كان سيثري الحياة الثقافية العربية‬
‫بشكل كبير‪ .‬ولكن إغراق ال قد اأدبي باأيديولوجيا‪ ،‬وانتهاج لغة ملتوية‬
‫عسيرة‪ ،‬أو كما قال طه حسين ُيوناني ا يُقرأَ جعل القراء عازفين عن قراءة‬
‫ال قد الذي أصبح جزء كبير م ه طاسم أشبه بمعادات الكيمياء والفيزياء‬
‫والرياضيات‪ َُ .‬شاكري ال ابلسي ‪َ2007‬‬

‫المقام الثاني اسباب ازمة ال قد‬

‫‪255‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫انعدام المشروع الثقافي العربي‬ ‫‪.1‬‬

‫كثيرا ما يعزى الخلل الظاهر في ال قد اادبي الى غياب مشروع عربي‬


‫ثقافي ‪ ،‬يقول ازراج عمر ُ ا احد يمك ه ان ي كر وجود ازمة عميقة في حيات ا‬
‫الثقافية و الفكرية على نحو عام و تتمثل بعض صور هذ اازمة في ندرة‬
‫محاوات ب اء نظرية ادبية عربية حديثة متميزة و متفردة و مؤسسة على الفكر‬
‫الفلسفي و على ال ظريات المستجدة في المجاات العملية ‪ ُ.‬ازراج عمر‬
‫‪َ 2014‬‬

‫ان الكسل العقلي و الخمول الفكري في المجتمعات العربية ‪ ،‬ربما‬


‫يرجع الى الشعور بعدم الجدوى في التأمل الفكري و التحليل العقلي ‪ ،‬مما‬
‫ادى الى عزوف واعي او غير واعي عن اابداع الفكري ‪ ،‬مع تخيل ان ذلك‬
‫اما نوع من الترف الفكري او انه اخال بالعقيدة ‪ .‬كما انه يرجع في جزء م ه‬
‫الى قصور في المؤسسة الثقافية نفسها ‪ ،‬و الى خلل في م اهج التعليم كما‬
‫س بين ‪.‬‬

‫يرافق كل ذلك خلل واضح في المؤسسة الثقافية العربية من حيث ب اء‬


‫شخصية ثقافية عربية يستمد م ها المفاهيم التي ت طلق م ها اافكار الب اءة ‪،‬‬
‫فمن المفترض في خضم هذا التطور الهائل في نظام ااتصال و المعلومات و‬
‫العولمة الثقافية و الرقمية ‪ ،‬ان يكون ه اك حركة موازية و م اسبة في ابراز‬
‫الهوية العربية تطبيقيا ‪ ،‬و تحقيق مشاركة فاعلة و حضور معرفي و فكري ‪ ،‬و‬
‫وجه عربي لمراكز ثقافية عالمية ‪ ،‬و ا ريب ان ذلك ا يكون اا بمعونة‬
‫المؤسسة الثقافية الكبرى المدعومة بشكل ا محدود ‪ .‬كما ان المؤسسة‬
‫ال قدية مطالبة ايضا بتطوير وسائلها استجابة للواقع الجديد و الثقافة الرقمية‬
‫المتسارعة في ال مو ‪ ،‬حتى ان نبيل عبد الرحمان المحيش يعتبر أن وظيفة‬
‫‪256‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ال قد تجا اأدب الرقمي العربي ‪-‬الذي تطور نتيجة لتطور ااتصال‪ -‬واجب‬
‫حضاري بامتياز‪ ،‬وأن على ال اقد اأدبي الرقمي أن يتوفر على عدة جديدة‬
‫استجابة لمكونات ب ية ال ص الرقمي‪.‬‬

‫انعدام التخصص ال قدي‬ ‫‪.2‬‬

‫رغم ان ال قد اادبي علم قائم بذاته واضح الموضوع و المسائل ‪ ،‬و له‬
‫مبادئه التصورية و التصديقية ال اضجة ‪ ،‬اا انه يعاني من عدم وضوح‬
‫ااختصاصية ااكاديمية ‪ ،‬بل حتى المدرسية ‪ ،‬فليس من شيء سوى القدرات‬
‫الفردية التي تمكن من تحقيق المقدرة ال قدية للموهوبين ‪ .‬و ربما يعزى ذلك‬
‫ايضا الى ااختافات الموجودة في البيئة ال قدية التي لم تتمكن من تحقيق‬
‫هيكلية معرفية مشتركة بخصوص ال قد و ما يتعلق به من كيانات و مفاهيم ‪ ،‬و‬
‫تطبيق ذلك بشكل كتب و مراجع موحدة لل قد تكون ااساس لكل طالب‬
‫يسلك هذا الطريق ‪ ،‬و يكون التطوير و الترقي بعد تلك المرحلة ‪.‬‬

‫حساسية الكاتب‬ ‫‪.3‬‬

‫لقد اشير كثيرا الى ان انعدام توفر الحرية الكافية لل اقد ‪ ،‬و انه كان من‬
‫ااسباب المهمة في ازمة ال قد اادبي ‪ ،‬و ليس فقط مختص بالجو‬
‫ااجتماعي السائد ‪ ،‬بل ايضا قد يكون بسبب الكتاب الذي ا يتقبلون ال قد‬
‫و يتميزن بحساسية مفرطة ‪ ،‬و اعتبار ان ال قد موجه اليهم و ليس عملية‬

‫‪257‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫تقويمية ‪ ،‬و كل هذا مفهوم في ظل الغياب الكبير للمعاير و ااهداف و الرؤية‬


‫‪.‬‬

‫الخلل في التعليم ااكاديمي‬ ‫‪.4‬‬

‫لقد اشار كثير من المختصين ان المؤسسة التعليمية تعاني من خلل كبير في‬
‫اعداد الطلبة ‪ ،‬بحيث ان الطالب في الدراسة يكون مجرد متلقي اتفاعلي‬
‫يغذى المعلومات من دون حراك فكري ‪ .‬يقول شاكر ال ابلسي في معرض‬
‫حديثه عن اسباب ازمة ال قد اادبي ان م ها ُسوء م اهج التعليم العربية‬
‫التقليدية التي ت صب في الدرجة اأولى على التركيز على التلقين والحفظ‬
‫وتدريس الم اهج الموميائية‪ ،‬ا على الخلق واابتكار‪ .‬وضعف أو خلو هذ‬
‫الم اهج من المواد الف ية كالرسم والموسيقا وال حت والغ اء ونظم الشعر وكتابة‬
‫القصة والخطابة وخاف ذلك من المواد الف ية التي ت ّمي حس الطالب الف ي‬
‫والجمالي وتث ّقف حواسه‪ ،‬وتجعل م ه ذائقة قابلة لقراءة اأعمال اابداعية‬
‫وممارسة ال قد الف ي واأدبي اأولي‪ ،‬وهو ما زال على مقاعد الدراسة‬
‫المتوسطة أو الثانوية‪ .‬ونتيجة لذلك أصبحت المدارس والجامعات تقذف كل‬
‫عام إلى الشارع العربي بآاف الطلبة الخريجين الذين ا يجيدون قراءة نص‬
‫ابداعي قراءة نقدية جمالية متذوقة‪ ،‬كما ا يجيدون انتاج اابداع أو انتاج ال قد‬
‫المبدع َُ شاكر ال ابلسي ‪َ2012‬‬

‫الفصل الرابع ‪ :‬الحلول‬

‫اوا ‪ :‬التخصص ال قدي‬

‫ليس ال قد عملية تذوق فقط ‪ ،‬و ا حكم انطباعي بسيط ‪ ،‬كما انه‬
‫ليس بحثا لغويا ‪،‬بل هو م هج موضوعي ‪ ،‬له اسسه و مقوماته و موضوعه‬

‫‪258‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫المتميز ‪ ،‬لذلك ا بد من التخصص في هذا المجال ‪ ،‬كما انه يكون ضروريا‬


‫انشاء معاهد و مدارس خاصة بال قد اادبي و دراسات عليا ايضا ‪ ،‬و كذلك‬
‫ااتجا نحو اكاديمية ال قد و نقد ال قد ‪ ،‬بدل ان يكون ال قد اادبي موزعا‬
‫بين اختصاصات لغوية بحتة او اختصاصات ادبية عامة ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬وجه عالمي للثقافة العربية‬

‫ان العولمة الثقافية حقيقة ا يصح التغاضي ع ها ‪ ،‬نتجت عن حركة‬


‫سياسية و اجتماعية عالمية مم هجة ‪ ،‬فصار البحث عن اسواق جديدة للسلعة‬
‫طريقا للعبث بثقافات الشعوب و تاعبا بمصير اانسان ‪ ،‬و لقد كان لذلك‬
‫تأثير على حركة ال قد كتأثير على الثقافة عموما ‪ ،‬يقول فخري صالح ُ ان‬
‫ال ظرية اادبية و الممارسة ال قدية هما عادة انتاج للعاقات السياسية و‬
‫ااجتماعية ‪ ،‬لقد كان انسحاب ال ظرية و ال قد في العالم خال نصف القرن‬
‫ااخير نوعا من التعليق الصامت على التوجهات السياسية و ااجتماعية التي‬
‫تلغي اانسان و تؤله السلعة بوصفه الص م الجديد الذي تتعبد له البشرية ‪َ.‬‬
‫ُفخري صالح ‪ . َ2013‬فالتأثير في الغير صار سمة للعصر ‪ ،‬لذلك ا ي فع‬
‫ابدا التمترس خلف الخصوصية و ااحتماء بالتراث تجا اافكار الوافدة ‪ ،‬بل‬
‫ا بد من امتاك زمام المبادرة و ااتجا نحو وجه عالمي للثقافة العربية ‪،‬‬
‫يكون مؤثرا في الغير ‪ ،‬و على اقل تقدير يفقد الغير قدرته على افتاح العقل‬
‫العربي ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬نظرية نقد عربية عالمية‬

‫من الظاهر ان الفشل الذريع الذي عانته ال ظريات الم قولة الي ا من‬
‫الغرب صار حقيقة راسخة ‪ ،‬يقول فخري صالح ُ ان هذ التيارات ال ظرية ا‬

‫‪259‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫تتجذر في الواقع الثقافي الوافدة اليه فإنها تظل مجرد ايقونات ثقافية تهم‬
‫ال خب دون ان تتصل بحاجات حقيقية للثقافة العربية التي يمثل اادب‬
‫بال سبة اليها بل الف ون عموما تدخا سياسيا و اجتماعيا و انخراطا كيانيا في‬
‫الحياة العامة ُ فخري صالح ‪ . َ2013‬و بدل ترامي اطراف اللوم ‪ ،‬ا بد من‬
‫العمل على التحرر من تلك السلطة ‪ .‬طبعا ا بد من ااقرار بوجود فارق‬
‫حضاري بي ا و بين الغرب و انهم اقدر فكريا و فلسفيا ‪ ،‬اا ان ذلك ا يع ي‬
‫اعان التبعية ‪ ،‬بل ان ه اك معارف مشتركة انسانية حقيقة ممكن ااستعانة بها‬
‫في ااسراع في ب اء ال ظرية العربية الم بثقة من رحم هذ اارض و المترجمة‬
‫لحقائق أناسها و افكارهم ‪.‬‬

‫و ربما يكون المدخل الحقيقي نحو نظرية نقد عربي هو ااقت اع بان‬
‫ال قد اادبي علم و ليس ف ا ‪ ،‬فيعامل كالعلوم ااخرى من حيث التسليم‬
‫بالحقائق و الب اء عليها و الم اقشة و التجريب و اللغة التقريرية ‪ ،‬و عدم‬
‫قبول ااجتهادات الفردية من دون ادلة معتبرة داعمة ‪ .‬و ا ريب ان ااستقراء‬
‫هو احد اهم اامور التي تعطي لل ظرية مصداقية و تحكم بواقعية المعامل‬
‫الثقافي او اادبي المشار اليه ‪ ،‬فا تبقى الع اصر اادبية و ال قدية مجرد‬
‫ممك ات بل واحيانا مجرد ادعاءات ا ثقة بها ‪.‬‬

‫ثالثا ‪ :‬ال قد العرفي الوضعي‬

‫ان ال قد اادبي علم موضوعه اادب ‪،‬و اادب عمل ابداعي يرتكز في‬
‫حقيقة وجود كغير من الف ون الى وجدان اانسان و مشاعر و افكار ‪ ،‬و‬
‫كل هذ اامور في حقيقة اامر ترجع الى الم ظومة الفكرية العقائية التي‬

‫‪260‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫تدار بها امور الحياة و اانسان ‪ ،‬اذن ا بد أجل التصديق و ااقرار بوجود‬
‫معرفة حقيقة معي ة في تلك الجوانب اانسانية من ان يكون عليها شاهد و‬
‫برهان من العرف و سلوك العقاء ‪ ،‬هذا الم هج في ال قد المعتمد على‬
‫الحقيقة العرفية و الوجدانية ‪ ،‬يرسخ حقيقة ان المعارف الف ية و الجمالية‬
‫ليست امورا ثابتة و خالدة ‪ ،‬و انما هي امور تتغير بتغير الفكر و امور الحياة‬
‫‪ ،‬كما انها ا تسلب صفة الجميل عما يرا العرف و العقاء جميا وان كان‬
‫ضاربا في القدم ‪ ،‬و ا يقر بجمالية ما ا يمس وعي العرف و العقاء و ان‬
‫كان مشتما على خصائص نخبوية ‪.‬و ا يكون ذلك من اانطباعية الساذجة‬
‫بل هو فهم وتحليل للمعارف الجمالية و انظمة ااستجابة الجمالية المست د‬
‫الى الحقيقة و الواقع و ليس مجرد اادعاء ‪.‬‬

‫لو رجع ا الى العرف فان الراسخ ان ااعمال اادبية ظواهر عالية‬
‫المستوى ‪ ،‬تتصف بالعبقرية ‪ ،‬لذلك فان ال قد العرفي يؤمن بوجوب رقي ال قد‬
‫الى مستوى الظاهرة اابداعية و ليس العكس ‪ ،‬و مهما تأثرت اوجه الثقافة‬
‫فان اابداع العبقري يجد طريقه للخاص الفردي و احي ا يكون شرارة‬
‫للخاص العام ‪.‬‬

‫اشارة في نقد ال ظرية‬

‫نقد ال قد اأسلوبي‬

‫‪261‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ا ريب أ ّن اادب انجاز انساني رفيع ‪ ،‬افتتن به اانسان م ذ قديم اازمان‬


‫‪ ،‬و بدأ يتحرك نحو سر الكبيرة ‪ ،‬و اسباب اابهار و الدهشة المتحققة‬
‫به ‪ ،‬فكان ال قد باشكاله المختلفة و طرقه المتعددة متصديا لذلك ‪ .‬و‬
‫كثيرا ما كان يصيب نقاطا من الحقيقة حتى بالرؤية اانطباعية و الذوقية‬
‫العامة ‪.‬‬

‫مهمة تخص‬
‫لقد اجاب ال قد اادبي حتى في صور البدائية عن تساؤات ّ‬
‫اادب و جمالياته ‪ ،‬و كان للباغة العربية و علمي البديع و البيان ب اءات‬
‫شاهقة عماقة في هذا الشأن ‪ ،‬نجد غيرها عاجزا عن بلوغ تلك المباني ‪.‬‬
‫و رغم تطور الفهم اانساني للغة و عوالم الدالة ‪ ،‬اا ا ّن نظرية ال قد‬
‫بقيت غير مستقرة ‪ ،‬حتى ظهر اتجاهان متطرفان حديثان ‪ :‬ااول ادبية‬
‫نصا جماليا فوق ال ص مليء بالعبارات‬
‫ال قد اادبي بان يكون ال قد ّ‬
‫الشاعرية و الف ية ا يقيم و ا يصف حتى و في تسمية هذا الشكل نقدا‬
‫اشكال عريض ‪ .‬و ااتجا الثانية تذويب ال قد في علم اللغة ‪ ،‬هذا العلم‬
‫الذي يتفاخر البعض انّه اول من سبر غور و واكتشف عوالمه اا ا ّن‬
‫الكثيرين ا يعلمون ا ّن المشتغلين في علم اصول الفقه لديهم ابحاث‬
‫دقيقة و عميقة في علم اللغة و الدالة و ااشارات و التفريق بين مستوى‬
‫الفكر و الوضع للغة و مستوى ااستعمال و الكام يمتد الى مآت الس ين‬
‫كما هائا و عظيما من التحليل‬
‫‪ .‬ا ّن في ابحاث ااصوليين المسلمين ّ‬
‫تصور حتى‬
‫الدقيق جدا لمستويات القول و الكام و اللغة يفوق كل ّ‬
‫تصورات االس يين انفسهم ‪ ،‬فه اك بحث مطول جدا عن الوضع و اقسام‬
‫الوضع و نشأة اللغة و تصور الموضوع له ‪ ،‬و ااصول اللفظية التي ا‬
‫نجد لها اثرا اصا ع د االس ية المعاصرة و ال قد المتكئ على علم اللعة‬
‫‪.‬‬

‫‪262‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ا ّن تع ّكز ال قد الحديث على علم اللغة الوصفي و االس ية الحديثة ارتكب‬


‫خطأ فادحا حي ما اختزل الظاهر اادبية في مفهومين ضيقين هما الخطاب‬
‫و الخرق ‪ ،‬فما عاد اادب اا اعتداء على القاعدة اللغوية ‪ ،‬و استعمال‬
‫خارق للمعروف بين ال وع ‪ ،‬و وضعت تحت ع وان فضفاض اسمه‬
‫ااسلوبية ‪.‬‬

‫ان ال قد ااسلوبي وان كان يح ّقق وصفا جيدا لجانب مهم من عملية‬
‫اابداع ‪ ،‬اا انّه ي ظر اليها من زاوية ضيقة بل و ميتة ‪ ،‬كما انّه يختزل‬
‫العمل اابداعي في هذا الجانب غير متعرض ‪ ،‬بل و ا فاهم لجوانب‬
‫جمالية كثيرة و كبيرة في لغة اابداع و اساليبه ‪ ،‬بمع ى ان ااسلوبية لم‬
‫تكن وفية اسمها ايضا اذا اقتصرت على جانب من ااسلوب و ادعت‬
‫انها تدرس ااسلوب كله ‪ .‬و مع ان ااسلوبية ت قل ال قد اادبي الى مكانه‬
‫الصحيح بتخليصه من اابحاث الخارجية كال فسية و ااجتماعية ‪ ،‬اا ان ا‬
‫نرى ا ّن تلك ال قلة مهزوزة و غير واثقة لذلك نجد احيانا عودة الى الغرق‬
‫في اابحاث الخارجية و خلط فضيع بين البحث الجمالي و مرتكزات‬
‫ااسلوب و مبادئه العامة من ظروف و احوال نفسية و تاريخية و اجتماعية‬
‫‪.‬‬

‫لو جئ ا الى تحليل عميق لل قد ااسلوبي فانا نجد وبوضح يهتم بالتوظيف‬
‫الف ي ‪ ،‬و انّه يرتكز على قواعد و مسائل علم اللغة العام و االس ية و‬
‫التخاطب ‪ ،‬فانه ا يستطيع ان يرى ذلك التوظيف اا من جهة ااسلوب‬
‫الخارق للقاعدة ‪ ،‬بي ما الواقع ليس كذلك ‪ ،‬جماليات اللغة غير محصورة‬
‫باسلوب الخرق ‪ ،‬بل احيانا يكون في توظيف راقي للمعهود و المعروف ‪،‬‬
‫و ربما تكون تلك ال تائج ناتجة عن تاثيرات الحداثة على ال قد ااسلوبي ‪.‬‬

‫‪263‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫التوظيف الف ي الذي هو احد عوامل اابهار اوسع بكثير من اسلوبية ال قد‬
‫ااسلوبي كما ان المدقق يجد ان ااسلوبية ليست في واقعها تتبع حر‬
‫لمظاهر اابداع ااسلوبية كلها و انما يختصر بحثه على جزء صغير من‬
‫المظاهر ااسلوبية و التي يمكن تلمسها عن طريق علم ااشارات و‬
‫العامات و الدالة ‪ ،‬و اما غير ذلك من ااسلوبيات اللغوية فخارجة عن‬
‫دائرة ال قد ااسلوبي و اداوته وهذ هي المعضلة و المشكلة ااهم التي‬
‫توجه ال قد ااسلوبي لذلك ظهرت دعوات الى التحرر من مستوى ال ص‬
‫الى ما بعد ال ص ‪ ،‬و في الحقيقة هذ الحركة ايضا قاصرة انّها محدودة‬
‫في هذا الفضاء الضيق ‪.‬‬

‫ا ريب ا ّن اابداع هو شيء من الفرادة و ااسلوب الخاص ‪ ،‬و تتبعه و‬


‫تفسير و قراءته تحتاج الى ادوات واسعة بسعة التجربة اانسانية ‪ ،‬لذلك‬
‫يجب ان ي تقل ال قد ااسلوبي من ااسلوبية االس ية السائدة الى‬
‫ااسلوبية اانسانية الكبيرة و توظيفات اللغة الواسعة الم بثقة و اللصيقة‬
‫بالتجربة اانسانية ‪ ،‬في نقد جمالي يقدم تفسيرا واقعيا لظاهرة اابداع‬
‫اادبي يميز بين ف ية الفن و اع اصر جماليتها و مظاهر اابداع الرسالية ‪،‬‬
‫في ع ى و ثراء واضح تقف االس ية و ااسلوبية بصورتها الحالية مدهوشة‬
‫و مبهورة تجا عظمته ‪.‬‬

‫اشكاليات ااسلوبية و ال قد ااسلوبي‬


‫لقد قدمت ااسلوبية ُ‪ َ Stylistics‬مجموعة من المفاهيم و التصورات‬
‫الجيدة و المتقدمة في الفهم العام للغة و للظاهرة اادبية ‪ ،‬اا ان تلك‬
‫التصورات طرحت ضمن انظمة و ب اءات تشتمل على كثير من الت اقضات‬

‫‪264‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫ال ظرية و ااجرائية ‪ ،‬مما يؤشر على عامات قصور سواء كم هج نقدي مستقل‬
‫او كأداة لل قد اادبي ‪.‬‬
‫لقد رفع ااسلوبيون شعار محاولة فهم الظاهرة اادبية ‪ ،‬و لماذا كون ال ص‬
‫اادبي ف يا و مؤثرا ؟ اا انهم اوغلوا في لغوية و نصية الظاهرة اادبية كما هو‬
‫معلوم ‪ ،‬حتى ان جوهر ااسلوبية التحليلية ع د شارل بالي متقومة بفهم التأثير‬
‫العاطفي للوحدات اللغوية ‪ .‬لكن ه اك امر مهم في امكانية الجواب عن هذا‬
‫السؤال الجوهري ‪ ،‬وهو ان ااستجابة الشعورية لل ص و اللغة و المفردات‬
‫ليست فقط ناتجة بفعل تلك الوحدات ‪ ،‬و انما للقراءة و القارئ دور فاعل و‬
‫تأثير مهم في تحققها و درجتها ‪ ،‬وهذا من اوضح الواضحات ‪ ،‬و ان اهمال‬
‫هذا الجانب خطأ فضيع و قاتل وقعت فيه اأسلوبية ‪.‬‬
‫ان ال ص في حقيقته ا يكون نصا كاما اا بالقراءة ‪ ،‬و ان عملية القراءة‬
‫تتصف باابداع و التعبير كما هو التأليف و ال ص ‪ .‬من ه ا فاجابة ااسلوبية‬
‫عن هذا السؤال المهم و الجوهري ا يمكن ان تكون كاملة اهمالها القارئ و‬
‫عملية انتاج ال ص اث اء القراءة ‪.‬‬
‫من اشكاليات ااسلوبية ‪ ،‬معاناة مفاهيم مهمة رك ية و اساسية في نظريتها و‬
‫اجراءاتها من الت اقض او ااصطدام بمعارف لغوية و ادبية واضحة ‪ .‬وه ا‬
‫س ت اول ثاثة مفاهيم جوهرية في ااسلوبية نظريا و اجرائيا و مدى ت اقضها مع‬
‫بعضها و اصطدامها بحقائق لغوية و ادبية ‪.‬‬
‫ان مفهوم ُ ااختيار َ جوهري اسلوبيا ‪ ،‬وهو مميز لاسلوب بل مقوم للفردية‬
‫ع د ااسلوبيين كما هو ظاهر ‪ ،‬لكن هذا الفهم يصطدم بامر داخلي تقر‬
‫ااسلوبية و اخر خارجي ‪ ،‬فالت اقض حاصل مع مفهوم ُ التركيب الغيابي‬
‫للكلمات َ ‪ ،‬و الذي هو في جوهر و نهايته شكل من اشكال اانثيال ‪،‬الذي‬
‫تتجلى فيه اللغة ‪،‬و هو مظهر من مظاهر طغيان المعارف اللغوية العامة‬

‫‪265‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫المكتسبة لدى المؤلف ‪ ،‬و التي تسلبه اارادة في بعض ااحيان ‪ ،‬حتى ان‬
‫الرمزيين قد تحدثوا عن لغة الهذيان ‪ .‬ان قاهرية ااثيال و خروجه ولو لفترة‬
‫زم ية بسيطة عن اختيار المؤلف مخالف قطعا لفهوم ااختيار الذي يعتمد‬
‫ااسلوبيون ‪.‬‬
‫هذا وان مفهوم ااختيار يت اقض مع مفهوم الت اص ‪ ،‬اذ ا ريب ان هذا الت اص‬
‫في جوهر يمثل وجها من الاوعي المتجسد في الكتابة ‪ .‬و من ه ا فان مفهوم‬
‫ااختيار يعاني حرجا ‪ ،‬و يظهر بوضوح الخلط بين الوعي و ااختيار ‪ ،‬و ليس‬
‫كل ما يكون بوعي هو باختيار فعل ‪ ،‬بل ان دوام ااختيار شيء غير معقول في‬
‫الفعل اانساني عموما و ليس اادب فقط ‪.‬‬
‫المفهوم ااخر الذي يعاني من الت اقض مع ما هو من ااسلوبية و مصطدم مع‬
‫ما هو من خارجها هو ُ التركيب َ بالفهم ااسلوبي ‪ .‬فتقسيم التركيب الى‬
‫حضوري و غيابي ا ي تهي الى حقيقة واقعية ‪ ،‬اذ ان ترتيب المفردات في‬
‫ال ص تتحكم فيه غايات مختلفة لغوية و نصية و تأليفية ‪ ،‬و ما عدا ااخير‬
‫فانها تصطدم بااختيار ‪ ،‬كما ان الت اغم الذي يفرضه ال ص و ما تتطلبه‬
‫التجاورات اللغوية بذاتها و نظام اانثيال يجعل تفسير ظاهرة اانزياح كعمل‬
‫جمالي غير مستساغ ‪ ،‬بل ان المفروض ان متطلبات ال ص و اللغة بااصوات‬
‫و نحوها من ت اغمات يكون خرقها و مخالفتها مخالفة للذائقة ‪،‬و مجرد فعل‬
‫ا جمالي و ان كان تعبيريا او صادما ‪ ،‬بمع ى اخر ان فهم التركيب بهذ‬
‫الصورة يضعف التفسير الجمالي لانزياح ‪ ،‬و ان ابقا كفعل تعبيري ‪ ،‬كما انه‬
‫يصور ااختيار كفعل اعتباطي تجريبي تجرؤي ا جمالي ‪.‬‬
‫هذا من جهة و الجهة ااخرى ‪ ،‬تصادم هذا الفهم للتركيب مع حقيقة تأثر‬
‫تأثيرية التركيب بالمتلقي ‪ ،‬فا استقالية حقيقية ا جماليا و ا تعبيريا للتركيب‬

‫‪266‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫‪ ،‬و اهمال عميق لمتطلبات التداولية في الكام ‪ ،‬اذ ا تجد لها مكانا مع‬
‫هكذا نظام مغلق على ال ص و مؤلفه ‪.‬‬
‫و اما المفهوم الثالث فهو ُ اانزياح َ ‪ ،‬و الذي ربما عد احيانا المظهر اابرز‬
‫لاسلوب الف ي ‪ ،‬وهذا شيء ا يمكن ااقرار به و لن يستمر طويا الدفاع ع ه‬
‫‪ ،‬فاانزياح اداة واحدة من ادوات اابداع ‪ ،‬و ليس بالضرورة ان يكون الفعل‬
‫اادبي انزياحيا بل ان ااستعمال المت اغم و المتوافق مع القواعد العامة يمكن‬
‫ان يكون احيانا محققا للف ية و اادبية و التأثير الجمالي ‪ ،‬الذي يريد‬
‫ااسلوبيون ااجابة ع ه ‪.‬‬
‫من ه ا يكون ظاهرا العجز الخطير الذي يعاني م ه ال قد ااسلوبي في تفسير‬
‫الظاهرة اادبية ‪ ،‬وسط هذ الت اقضات الظاهرة ‪ ،‬و الخلط بين مستويات‬
‫المادة و ااداة اادبية ‪ ،‬اذ من الظاهر ان تلك المفاهيم مختلفة المستويات ‪،‬‬
‫مما يؤشر الى ضيق افق ال ظرة ااسلوبية لادب ‪ ،‬اذ من المعلوم ان الظاهرة‬
‫اادبية اوسع بكثير من تلك التصورات و لها مستويات متعددة وجهات‬
‫مختلفة في اللغة و ال ص و المؤلف و القارئ و ااستجابة الجمالية ‪ ،‬كلها‬
‫تستقل احيانا و تتداخل احيانا في نظام تعبيري عام يتطلب نقدا يتسع لتلك‬
‫الجهات التعبيرية ‪ .‬و ان الذي اشار الى قصور م اهج الباغة المعروفة كم هج‬
‫نقدي ‪ ،‬هو ذاته الذي يؤسر اخفاق ااسلوبية نقديا ‪.‬‬
‫ان امكانية تحقيق ااسلوبية اضافة جوهرية لل قد امر بعيد جدا بل غير متيسر‬
‫‪ .‬و بشكل عام فان تحقيق ااسلوبية لخطوة متقدمة استقالية عن الم هج‬
‫اللساني العام ‪ ،‬يعطيها احقية ااستقال كعلم مقابل السيمائية العامة ليس‬
‫واضحا ‪ ،‬كما انها باستث اء اعتمادها على ما قدمه علم العامات ا تحقق‬
‫تطورا جوهريا عن الباغة المعروفة ‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫نقد ال قد التفكيكي‬

‫من الظاهر لكل متابع لما تطرحه فكرة القراءة التفكيكية ‪،‬ا يجدها اا عبارة‬
‫عن تكلفات و افتعاات و اوهام ‪ ،‬التي لو سئل ع ها كاتب ال ص ااصلي‬
‫فضا عن غير لما استطاع ان يتيقن وجود ما قيل في نصه من قبل ال اقد‬
‫التفكيكي ‪ ،‬ان انطاق التفكيكية من فكرة الشك و عدم التصريح و تاجيل‬
‫البوح و ان ال ص يخون مؤلفه و غيرها من اابتعادات عن الفطرة و السلوك‬
‫السوي لانسان القصدي ‪،‬ما هو اا سير في الظام دون هدى ‪ ،‬ان هذا‬
‫اانحطاط في القراءة و التلقي اسبابه مفهومة و هو نابع من اانحطاط العام‬
‫في ااخاقيات العالمية و سيادة ال فاق و الكذب و الخيانة و الوهم ‪ ،‬اذ ا‬
‫ريب انا نعيش في عالم م افق و خائن يقول ما ا يفعل و يفعل ما ا يقول ‪،‬‬
‫لكن هذا ا يع ي ان ان كل خطاب يكون قد ب ي على ال فاق و الخيانة‪.‬‬

‫ان ادعاء وجود داات و بوح و اشارات مغاير لقصد الكاتب و على الضد‬
‫من قصد نتجت باوعي رغما ع ه و غير ذلك من اادعاءات و راء ما يمكن‬
‫تلقيه على خاف الظاهر الذي يفهمه المتلقي على اختاف مستوياته ‪ ،‬و غير‬
‫مرتبط بقصد الكاتب هو ادعاء ا يصدقه الواقع بل و يكذبه ‪ .‬و من الغريب‬
‫ان ه اك من يريد ان يق عانا ان اانسان مهما كان صادقا فانه باوعي يكذب و‬
‫ي افق و يقول غير ما نرى و نفهم و ان نصه يفضحه و انه ليس امام ا سوى‬
‫الشك ‪.،‬طبعا لو سحب هذا الكام على ال صوص الدي ية فانه سيحل الخراب‬
‫في فهم ا لها و يحل الشك المريع في اليقين بالغيبيات و الذي هو من اهم‬
‫مامح التفكيكية ‪ .‬و مع ان هذا الفهم الذي تتب ا هذ الحركة ليس له واقعية‬
‫فانه ايضا يعتمد على نزعة عدائية مستشرية عالميا تجعل من كل تلك‬
‫اادعاءات مقبولة بسبب الواقع العالمي الم افق ‪ ،‬ان هكذا قراءة تجر العالم و‬

‫‪268‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫اانسان الى مستويات اكثر كذبا و وهما و تؤسس و تشرعن لعدم الوفاء و‬
‫لعدم ااخاق‪.‬‬

‫كل ما تقدم مع اهميته المعرفية و اانسانية اا ان ما يخص ال قد اادبي فان‬


‫التفكيكية تمثل اعلى درجات الاعلمية ‪ ،‬و تقدم ال قد كعملية جمالية ‪ ،‬وهذا‬
‫الفهم وان كان مغريا في ظاهر اا انه خاف مقاصد ال قد ‪ ،‬و من يصر على‬
‫ذلك فليسمي هذا العمل بشيء اخر غير ال قد ‪ .‬ان العملية و الواقعية و‬
‫المصداقية و الحقائقية من الغايات المتاصل في ال قد ‪ ،‬بل ان اسمه و مفهومه‬
‫قائمان على ذلك و مشتقان من تلك المفاهيم ‪ .‬هذا من جهة و من جهة‬
‫اخرى فان التفكيكية ا تقرتب ابدا من جماليات ال ص اابداعي ‪ ،‬فانها كما‬
‫هي اختها الب وية ا تتجاوز حدود البوح بالصورة ‪ ،‬و ا تتفهم عمق اانظمة و‬
‫الوجودات الف ية و الجمالية المتجاوزة لذلك المجال ‪ ،‬و طبعا سبب ذلك‬
‫مفهوم ان اصل تلك الحركات لغوي متاصل فيها المطالبة بالتوصيلية و البوح‬
‫‪ ،‬بحيث ا يفهم العمل اانساني اا باعتبار عما توصيليا ‪ ،‬و خير دليل على‬
‫ذلك ان التفكيك لم تتجاوز ابدا حدود الكتابة كموضوع لها ‪.‬‬

‫يقول مجدي ممدوح ‪ َ 2011‬شبكة اادب و اللغة َ لقد تجاوز ال قد‬


‫التفكيكي الدراسة ال قدية التقليدية وطرح ما يسمى بال ص ال قدي الذي أصبح‬
‫له كي ونته المستقلة عن ال ص اإبداعي ‪ ،‬في بعض اأحيان ربما يلجأ ال اقد‬
‫التفكيكي إلى تأسيس نص شعري ‪ -‬الى ان قال ‪ -‬فالممارسة التفكيكية قد‬
‫ذهبت بعيداً في تجاوز ال صوص اإبداعية حتى أصبح من العسير على المبدع‬
‫أن يتعرف على نصه اإبداعي داخل ال ص ال قدي ‪ ،‬وكأن ال ص ال قدي يتكلم‬
‫عن نص آخر ا عاقة له ب صه‪ َ .‬هذا الكام واقعي جدا و هو يشير الى ان‬

‫‪269‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫التفكيك ليس قراءة و انما ابداع نص جديد ‪ ،‬كما انه يشير و بصراحة في‬
‫نهاية كامه الى الوهم و اادعاء و اابتعاد في مثل هكذا ممارسة ‪.‬‬

‫من الغريب فعا ‪ ،‬اعتبار ان العمل الف ي مجرد عملية بوح ‪ ،‬و قد قل ا ان ذلك‬
‫ايضا من المصائب التي خلفها اقحام اللسانيات في ال قد اادبي ‪ ،‬و مطالبتها‬
‫المستمرة بالبوح و الحكاية و التوصيل ‪ ،‬لكن كل ا يعلم ان اامر ليس كذلك ‪،‬‬
‫العمل الف ي م ظومة عظيمة من اانظمة و الكيانات و الجهات و اابعاد ‪ ،‬و‬
‫الكل فيها يسعى نحو اكبر قدر من الظهور ‪ .‬ان غاية اكبر قدر من الظهور و‬
‫الحضور ‪ ،‬هو نزعة فطرية و صفة متاصلة في كل شيء ‪ ،‬كل شيء في الوجود‬
‫يتجه و بقوة نحو التجلي و الظهور و الحضور و التاثير ‪ ،‬و ع دما يكون لدي ا‬
‫نظام مكون من اطراف متعددة ‪ ،‬تشكل كيانات محتلفة فان جميع تلك‬
‫ااطراف و جميع تلك الكيانات تميل و بشدة نحو التجلي و الظهور ‪ .‬وهذا‬
‫هو ااساس الفكري للجمالية التجلياتية ‪ ،‬التي تؤمن ان سر عظمة اابداع انه‬
‫فضاء لتجلي ذوات اطرافه التي يكون بها ‪ ،‬ان العمل الف ي اللغوي مثا هو‬
‫فرصة و ساحة لتجلي ذات الكاتب و لتجلي ذات القارئ و لتجلي عالميهما و‬
‫موروثيهما ‪ ،‬و تجلي الزمان و الحاضر و الماضي و المكان ‪ ،‬و تجلي اللغة‬
‫الكلمات و الحروف ‪ ،‬و شكل اللغة و عمقها ‪ ،‬كلها تتجه نحو الحضور‬
‫الصادق و التاثير الصادق ‪ .‬ان هذا الذي نراها هو الموافق فعا لما يحصل‬
‫من حضور قوي للعلم ‪ ،‬و العلم ما هو اا اداة التاثير ‪ ،‬ان القراءة التجلياتية‬
‫تؤمن ان ه اك عوالم و فضاءات و ب اءات خلف الظاهر ‪ ،‬اا انها ليست على‬
‫خافه ان ذلك خاف الفطرة و السلوك اانساني السوي و خاف اصالة‬
‫الصدق و الوفاء ‪ ،‬بل انها تكون به و تتحقق به وهو نور يرشد اليها ‪.‬ان في‬
‫القراءة التجلياتية يكون ال ص نور على نفسه ‪ ،‬انها ب اء على ب اء متواصل و‬
‫متوسع اشعاعي ‪ ،‬يكون محور الجميع الصدق و الوفاء و التعاون اجل وجود‬

‫‪270‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫اكمل و ظهور افضل ‪. ،‬و لو راجع ا وجدان ا نجد ذلك هو الراسخ و هو ما‬
‫نرا و نحسه به في تعامل ا مع ااشياء و ما تع يه بخاف دوامة الشك و الوهم‬
‫و اادعاء و الخيانة و الهدم التي تتباها التفكيكية ‪.‬‬

‫نقد ال قد اللساني‬

‫لقد اكدنا مرارا و تكرارا على خطورة اقحام المصطلحات اللسانية و اابحاث‬
‫اللسانية و المتطلبات اللسانية في ال قد اادبي ‪ ،‬ان ذلك اضافة الى عدم‬
‫بلوغه مكامن الجمال في العمل اادبي فانه يؤسس الى نظرية ف ية للغة مزيفة‬
‫تجر اابداع الى غير مجاله الصحيح ‪ .‬ان هذا اامر من الخطورة بمكان و‬
‫يمس جوهر عملية اابداع انه يؤسس لم ظومة مفاهيمية تتسب مع غياب نقد‬
‫جمالي اصيل الى تحول اادب الى انتاج لساني توصيلي رث ‪.‬‬

‫من اهم واخطر التاسيسات اللسانية هي فكرة ال ص اللسانية باعتبارة ُ وحدة‬


‫توصيلية َ ان هذا التعريف يقتل كل ابداع لغوي ف ي في مهد ‪ ،‬و ه اك ايضا‬
‫بعد اخر خطير هو وحدة ال ص اللسانية ‪ ،‬باعتبار انها ا تتحقق اا بالسبك‬
‫اللفظي و الحبك الدالي ‪ ،‬و هذا اضافة الى انه خاف وجدان كل شاعر حتى‬
‫من يكتب الشعر الكاسيكي فانه يمثل هبوطا خطيرا في فهم اللغة الف ية ‪.‬‬

‫ا بد من التاكيد ان اللسانيات ليست علم اللغة الف ية اابداعية انما هو علم‬


‫اللغة التخاطبية التوصيلية التقريرية ‪ ،‬و يجب ابعاد اابحاث اللسانية عن ال قد‬
‫اادبي ‪ ،‬و عدم السماح بذلك ‪ ،‬و ايضا ا بد من ااتجا نحو نقد ادبي‬
‫جمالي علمي يتبين من خاله بصورة ا تقبل الشك ابتعاد اللسانيات عن‬
‫مواطن الجمالية اللغوية ‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫نقد ال قد الحاسوبي‬

‫د انور غ ي‬

‫مع ق اعتي بوجوب ان يكون ال قد اادبي اكثر علمية وصرامة و ان يبتعد عن‬
‫الفردية و الشخص ة ‪ ،‬اا ان ذلك يجب ان ي طلق من فكرة ان ال ص اادبي‬
‫هو ظاهرة فريدة متميزة على ال قد الحاق بها ‪ ،‬و هذا التصور يعطي مركزية‬
‫كبيرة للعمل اابداعي باعتبار ظاهرة انسانية متفردة ‪ .‬ان الوسيلة المثلى لذلك‬
‫– اي لابتعاد عن الفردية و تحقيق الحيادية و الموضوعية‪ -‬هو اعتماد م هج‬
‫ااستقراء ‪ ،‬و المعارف العرفية و الوجدانية الجلية كاداة في التعامل مع‬
‫ال صوص ‪.‬‬

‫فرانكو مورتي ُ ‪ َ Franco Moretti‬بروفسور في اادب ‪ ،‬ايطالي‬


‫المولد ولد س ة ‪ ، 1950‬وهو الذي اوجد مختبر ستانفورد اادبي ُ‬
‫‪ .َ Stanford Literary Lab‬و صاحب كتاب ُ القراءة عن بعدُ‬
‫‪ ، َُ Distant Reading 2013‬الحائز على جائز الكتاب الوط ي‬
‫لدائرة ال قاد ‪Book Critics Circle (NBCC) National‬‬
‫‪ َ Award‬و المترجم الى اان الى خمس عشرة لغة ‪ ،‬يبشر بالطريقة الكمية‬
‫ُ ُ‪ quantative method‬في ال قد اادبي المثيرة للجدل ‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫يعتمد مختبر ستانفورد اادبي على التحليل الحاسوبي لادب ‪ ،‬او ال قد‬
‫الحاسوبي ُ‪ ، َ literary computational‬و الذي تدخل فيه اعمال‬
‫ادبية متفرقة حسب الفترة او الطبيعة التي يراد دراستها ‪ ،‬و تدخل بيانات و‬
‫مطاليب معي ة و يتم ااحصاء ‪ ،‬و من ثم يتم استخراج العوامل المشتركة و‬
‫مدى انتشار المعامل المعين في تلك ال صوص ‪.‬‬

‫يقول مورتي ا داعي لقراءة الكتب ‪ ،‬و ا ال صوص ‪ ،‬بحجة ان ا س قرا حي ها‬
‫جزء صغيرا مقارنة بما هو موجود و سيكون ه اك شيء كثير غير مقروء ‪ ،‬لذلك‬
‫ا بد من اعتماد قراءة واحدة لمجموعة كبيرة من ال صوص تصل الى المئات و‬
‫اااف ‪ ،‬و طبعا كلما يكون العدد اكبر يكون التحليل اكثر واقعية كما هو‬
‫معلوم للعاملين في العلوم التطبيقية و ااحصاء ‪.‬‬

‫ان من اهم مساوئ هذا ال هج امور ‪ :‬اولها الغاء ال ص تماما ‪،‬بحيث ا حاجة‬
‫لقراءته اصا و ا التعرف عليه و ا على كاتبه و ا يكون سوى بيئة لما يبحث‬
‫ع ه احصائيا ‪ .‬ثانيها الغاء عملية القراءة الفردية نفسها و استعمال طريقة‬
‫حاسوبية اكتشاف الحقائق اادبية ‪ ،‬و ثالثها تحقيق تبعية للحاسوب و‬
‫ااحصاء في تبين الحقائق ‪ .‬طبعا ستكون المجادلة ان هذا العمل مختص‬
‫بال قاد ك قاد و محترفين و ليس كقراء ‪ ،‬اذ ا عاقة لذلك بعملية القراءة ‪،‬‬
‫وهذا تصور خاطئ ان العملية ال قدية تدعي تعيين الجماليات و الحقائق ‪،‬‬
‫لذلك فان القراءة دوما تكون تابعا لها بل ان الثقافة كلها تكون تابعة لل قد ‪،‬‬
‫كما ان هذا الجواب ا يجب عن حقيقة موت ال ص ‪ ،‬حي ما ا يكون معروفا‬
‫اا للحاسوب وا حاجة لل اقد ان يقرا او ان يتعرف عليه ‪.‬‬

‫ما اريد ان اقوله ان هذا المشهد يكشف مدى التجريبية في نظريات و‬


‫تطبيقات المؤسسات الغريبة ‪ ،‬مما يدعو الى عدم التسرع في التبعية لهم ‪،‬‬
‫‪273‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫فمن موضة االس ية و الب يوية و التفكيكية ثم الى ال قد الثقافي و ال قد الرقمي‬


‫و اان ال قد الحاسوبي وغير ذلك ‪ ،‬و كل ذلك انما ناتج عن الروح التجريبية‬
‫الطاغية ع د الغرب ‪ ،‬ان هذا يدعو ايضا الى ان نراجع عرف ا و وجدان ا و‬
‫ثقافت ا و ن هض بمشروع عربي اصيل في ال قد و اادب ي بثق من الروح‬
‫الثقافية التي ع دنا و ا باس بمخالطة ااخرين و ااستفادة م هم لكن ا‬
‫تقليدهم و تقدسيهم ‪.‬‬

‫‪274‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫الفهرست‬
‫الجهة الثانية ‪ :‬ااسلوبيات الماوراء نصية ‪ϯ ................................... ................................‬‬

‫القسم ااول ‪ :‬التعبيرية ‪ϯ ................ ................................ ................................‬‬

‫اللغة التعبيرية في الشعر العراقي المعاصر ‪ϯ ............................ ................................‬‬

‫القسم الثاني ‪ :‬العامل التعبيري ‪ϭϰ ....................................... ................................‬‬

‫الكتل التعبيرية المتوهجة ع د كريم عبد اه ‪ϭϰ ....................... ................................‬‬

‫اللغة التعبيرية في ديوان ُ موسم الب فسج َ لعفاف السمعلي ‪ϯϬ ........................................‬‬

‫التجليات الماوراء نصية ع د رشا اهال السيد احمد ‪ϯϴ ............... ................................‬‬

‫اللغة المتوهجة ‪ ،‬لغة يعقوب احمد يعقوب نموذجا ‪ϰϰ ................. ................................‬‬

‫اامساك باللحظة الشعرية في مجموعة ُ أساطير الزمن َ للشاعر رياض الفتاوي ‪ϱϬ ....................‬‬

‫ص َ ‪ϱϳ .........................................‬‬
‫حياة القارئ ال صيّة ُ أساليب نقل القارئ الى عالم ال ّ‬
‫مظاهر اابداع في ديوان ُ وجع اشيب ‪ ...‬و كف عذراء َ للشاعر كريم عبد اه ‪ϲϵ ....................‬‬

‫مامح اللغة القوية ع د عيسى ابو الراغب ‪ϴϳ ......................... ................................‬‬

‫تجليّات الح ين في ُ تجليّات العزلة َ لقحطان جاسم ‪ϵϴ .............. ................................‬‬

‫ااشراق العميق في لغة هاا الشعار ‪ϭϭϳ ............................. ................................‬‬

‫القسم الثالث ‪ :‬الرسالية ‪ϭϮϮ ........... ................................ ................................‬‬

‫الجماهيرية في شعر عبد الجبار الفياض ‪ϭϮϮ ......................... ................................‬‬

‫معاني أدب القضية في الشعر الفلسطي ي المعاصر ‪ϭϮϴ ............... ................................‬‬

‫اللغة القريبة شعر جميلة عطوي ‪ϭϰϮ ................................. ................................‬‬

‫الجهة الثالثة ‪ :‬الخاصات ال قدية ‪ϭϰϵ ..................................... ................................‬‬

‫نحو علم نقد تجريبي ‪ϭϱϬ .............. ................................ ................................‬‬

‫نحو علم نقد استقرائي ‪ϭϱϲ ............ ................................ ................................‬‬

‫في اللغة المتوهجة ‪ϭϱϵ ................ ................................ ................................‬‬

‫نحو ال قد التجلياتي ‪ϭϲϮ ............... ................................ ................................‬‬

‫‪275‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫مبادئ ااستجابة الجمالية ‪ϭϲϳ ......................................... ................................‬‬

‫التعبيرية التجلياتية ‪ϭϳϬ ................. ................................ ................................‬‬

‫مقدمة في ال قد التعبيري ‪ϭϳϮ ........... ................................ ................................‬‬

‫قانون اابداع ‪ϭϳϱ ..................... ................................ ................................‬‬

‫مواطن اابداع في العمل الف ي ‪ϭϳϵ ..................................... ................................‬‬

‫جماليات اللغة المتوهجة ‪ϭϴϮ .......................................... ................................‬‬

‫اللغة التجريدية و مستويات المع ى ‪ϭϴϲ ................................. ................................‬‬

‫الشعر العربي المعاصر و تق يات ما بعد الحداثة ‪ϭϵϯ ..................... ................................‬‬

‫مبادئ ااستجابة الجمالية ‪ϭϵϲ ......................................... ................................‬‬

‫اادب الممتع و ال قد القريب ‪ϭϵϴ ..................................... ................................‬‬

‫تعبيرية القراءة و ااستجابة الجمالية ‪ϮϬϬ ................................ ................................‬‬

‫ال قد المفتوح ‪ϮϬϯ ..................... ................................ ................................‬‬

‫الفن و الحياة ‪ϮϬϱ ..................... ................................ ................................‬‬

‫تجلي رؤية القارئ في الكتابة ‪ϮϭϬ ....................................... ................................‬‬

‫الت اص اازلي و التقارؤ اازلي ‪Ϯϭϯ ..................................... ................................‬‬

‫السردية التعبيرية و اسلوبياتها ‪Ϯϭϱ ...................................... ................................‬‬

‫خاصة السردية التعبيرية ‪ϮϮϵ ........... ................................ ................................‬‬

‫ال قطة التعبيرية ‪Ϯϯϰ .................... ................................ ................................‬‬

‫ال قد المفتوح ‪Ϯϯϲ ..................... ................................ ................................‬‬

‫أدوات ال قد و شخصية ال ص ‪ϮϰϬ ...................................... ................................‬‬

‫نقد ال قد ااسس و الغايات ‪ϮϰϮ ....................................... ................................‬‬

‫ُ ازمة ال قد اادبي العربي ااسباب و المظاهر و الحلول َ ‪Ϯϰϴ ..........................................‬‬

‫اشارة في نقد ال ظرية ‪Ϯϲϭ .............. ................................ ................................‬‬

‫‪276‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫‪277‬‬
‫التعبير اأدبي الجزء الثاني‬

‫‪278‬‬

You might also like