Professional Documents
Culture Documents
تع ددت مص طلحات الس ّيميائية من ب احث إلى آخ ر ،فهن اك من يق ول بعلم العالم ة وعلم
اإلش ارة والّس يمولوجيا والّس يميوطيقا ...وغيره ا من المص طلحات الّد ال ة على اعتب ار العالم ة
الّلغوي ة بوص فها إش ارة ت ّد ل على أك ثر من مع نى ،بمع نى تنظ ر إلى أنظم ة العالم ات بوص فها
أنظم ة رام زة ودال ة ،وه ذه النظ رة متج ّذ رة في الّد راس ات الّلغوي ة القديم ة ق دم اإلنس ان ،وفي
الحضارة الصينية واليونانية والرومانية والعربية ،لكن هذه المالحظات بقيت أسيرة تجربة ذاتية
ال ترقى إلى مستوى الّنظر العلمي الموضوعي.
وقد بدأت الّس يمائية تتبلور مع تقّد م العلم والعلوم اإلنسانية حيث مّر ت بمراحل عديدة ،وأّو ل
باحث قّد م مصطلح الّس يميولوجيا هو الفيلسوف "ج ،لوك" ،ولكن هذا العلم لم تكتمل أجزاؤه ،بل
أثمر ثماره في القرن العشرين .تدرس الّس يميائية العالمات في كنف الحياة االجتماعية ،ونظام
الكون بكّل ما يحويه من عالمات ورموز ،هو نظام ذو داللة ،أي الّس يميائية هي علم يدرس بنية
اإلشارات.
مفهوم السيميائية:
يمكن اعتب ار الس يميائية علم ي درس «مختل ف العالم ات واإلش ارات أو م ا ين وب عن
ش يء آخ ر كج زء من منظوم ة م ا؛ أي كي ف يص نع المع نى؟ وكي ف يمث ل الواق ع؟ س واء
بالكلمات أم باألصوات؟ أم بلغة الجسد؟ أم اإلشارات المرئية...
تنظ ر الس يميائية إلى العالم ة الّلغوي ة بوص فها إش ارة مكّثف ة بال ّد الالت واإليح اءات،
والّس يميولوجيا اهتمت بالعالم ات الّلغوي ة وغ ير الّلغوي ة في آن واح د ،فالنظ ام الّس يميولوجي ق د
يكون رسما ليس بالضرورة أن يكون لغة ،المهّم أن يكون التعبير بوساطة أنظمة من العالمات
(لغوية وغير لغوية).
ينطل ق الب احث الّس يميوطبقي من الّش كل أو ال ّد وال لمس اءلة المض امين أو الم دلوالت لفهم م ا
تخفي ه ال ّد وال من إيح اءات ،والمهّم ليس الوص ول للم دلوالت في ح ّد ذاته ا ،وإ ّنم ا ه و طريق ة
1
تأليف هذه المدلوالت ،ومجاورة بعضها البعض ،ويبقى النظر في العالقات المؤلفة لهذا الّش كل،
وكذا وظيفة الوحدات والملفوظات هو ما تطمح إليه الّس يمائية والّس ميولوجيا والّس ميوطيقا ،وإ ن
تعددت هذه المصطلحات فإّن غايتها واحدة.
وهذه المص طلحات ش هدت تجّليات محتش مة في الّد راس ات التراثي ة القديم ة ،إّال أن التأس يس
الحقيقي للّس يميائيات ،قد ظهر بشكل واضح مع العالم الّلغوي السويسري دي سوسير حيث تنبأ
بظهور هذا العلم ،وما قّد مه الفيلسوف األمريكي "تشارلز سندرس بيرس" في حديث ه عن العالم ة
والمؤش ر واأليقون ة ،لق د ح اول ب يرس أن يق ّد م من خالل نظريت ه طريق ة في الفهم عن طري ق
االستدالل (المقصود باالستدالل استخراج الجواب أو النتيجة بناء على معلومات معروفة مسبقا).
حيث تح ّد ث ب يرس عن الخلفي ة المعرفي ة وعالقته ا بالعالم ة ،لق د أعطى قيم ة للخلفي ة المعرفي ة،
الّتي اصطلح عليها بالمعارف القبلية ،هذه المعارف تساعدنا على تأويل العالمة وهذا هو منطق
العالمة= السيرورة الّتي ال تكون إّال بالخلفية.
إّن تحلي ل دي سوس ير للّر م وز الّلغوي ة ق اده إلى تص ّو ر علم جدي د س يدرس الّر م وز غ ير
الّلغوية ،في قوله «بوسعنا أن نتص ّو ر علما يتخذ موضوعا له دراسته حياة الرموز في رحاب
الحي اة االجتماعي ة ،ويص بح ه ذا العلم ج زءا من علم الّنفس االجتم اعي ،وبالّت الي من علم النفس
الع ام ،ونحن نطل ق علي ه "الّس يميولوجية" أو علم العالم ات ون درس في ه كيفي ة تك ّو ن الّر م وز
والق وانين الّتي تحكمه ا ،ولّم ا ك ان ه ذا العلم غ ير موج ود حّتى اآلن فال يمكنن ا أن نق ول كي ف
سيصبح ،لكّننا نؤكد أّن من حّقه أن يوجد وأن مكانه محفوظ له مسبقا ،وليس علم الّلغة إّال ج زءا
من ه ذا العلم الع ام ،والق وانين الّتي سيكتش فها علم العالم ات ه ذا يمكن تطبيقه ا على علم الّلغ ة،
وبهذا يحتل مكانة المحّد د في مجموعة العلوم الّتي تدرس الوقائع اإلنسانية المختلفة».
2
الّس ميائية أو الّس يميوطيقا علم موغ ل في الق دم ،أّي ام الفك ر اليون اني الق ديم م ع أفالط ون
وأرسطو الّذ ين أبديا اهتمامهما بنظرية المعنى ،وكذلك الرواقيين الّذ ين وضعوا نظرية شاملة لهذا
العلم بتمي يزهم بين ال ّد ال والم دلول والّش يء ،ولم يكن ال تراث الع ربي بعي دا عن مث ل ه ذه
المش اغل ،فق د أولى المناطق ة واألص وليون والبالغي ون والمفّس رون وغ يرهم عناي ة ك برى بك ّل
األنساق الّد الة ،وقد تجلى ذلك في أطروحات الفالسفة اإلسالميين من أمثال الغزالي وابن سينا
الّلذين تحدثا عن الّلفظ بوصفه رمزا وعن المعنى بوصفه مدلوال .كما خّص ص ابن خلدون فصال
في مقّد مته لعلم أسرار الحروف.
الّس يمياء قد عرفت تجّلياتها األولى في كتابات الفالسفة الغربيين والعرب ،وقد جاء ذلك في
سياق حديثهم عن العالمة والداللة الّلفظية ،وقد بقيت هذه الجذور الّس يميائية معزولة عن بعضها
البعض ،وتفتق ر إلى أبني ة نظري ة تؤّطره ا وتعي د تماس كها ،ل ذا بقيت ع اجزة عن بن اء كي ان
تصوري يجعل منها علما قائما بذاته.
يعتبر دي سوسور أّو ل علماء الّس يميائية ،فقد كانت نظريته في الّلغة مؤّس سة إلى حد كبير
على فحص العالمة الّلغوية ،إّال أّن الّس يميائية بأسسها الحديثة كانت قد ظهرت في النص ف األول
من القرن العشرين بدءا من العمل الّذ ي قام به المنطقي األمريكي "شارل سندرس بيرس".
نش أت الّس يميائية على أنق اض الّلس انيات ،لكّنه ا تختل ف عنه ا ألنه ا تج اوزت البحث إلى
العالم ة غ ير اللغوي ة ،فالنق د الس يميائي كنش اط فك ري خ اص ،يس عى دوم ا إلى تعزي ز أرض يتة
تعزي زا ألس نيا ،حيث أض حى ح ديث سوس ير عن ثنائي ة (ال دال والم دلول) والعالق ة بينهم ا ،وك ذا
خطي ة ال ّد ال واآلني ة (الوص فية) ،وثنائي ة الظ اهرة الّلغوي ة (لغ ة /كالم) ،و (اختي ار /ت أليف)،
(ص وت /مع نى)( ،واق ع /خي ال)( ،حض ور /غي اب) ،وك ذا المحايث ة ،ك ّل ه ذه الّثنائي ات ك انت
بمثابة المقّد مات النظرية الّتي استثمرتها المناهج الّنصانية في ولوجها عالم الّنص األدبي ،وتأتي
الّس يمائية في طليعة هذه المناهج ،ويتجّلى ذلك في تركيزها على القطب الّد اخلي للّنص ،هذا ما
يضفي صفة األلسنة على النقد الّس يميائي ،ويتمظهر البعد الّلساني في البحث الّس يميائي عند ثنائية
3
الّد اخل والخارج ،وهي الثنائية الّتي انبنى عليها منطق الّنقد األدبي الحديث والمعاصر ،من خالل
االنتصار لقطب الداخل اّلذي انجرت عليه البنيوية والّس يميائية واألسلوبية ...الخ.
كان بحث سوسير يرّك ز على العالقات الّتي تربط بين الوحدات والعناصر الّلغوية ،ألّن قيمة
ك ّل عنص ر تح ّد د من خالل عالقت ه بالعناص ر األخ رى« :إذ ال يمكن فهم وظيف ة األج زاء إال في
عالقته ا االختالفي ة م ع الك ّل ،»...وتع ّد فك رة الهوي ة العالئقي ة ذا أهمي ة فائق ة بالنس بة للتحلي ل
البنيوي والّس يميائي ألّنه عند صياغة قواعد النظام من الضروري أن نتع ّر ف على الوح دات الّتي
تمارس فيها القواع د عملها ،معربا عن الق وانين العاّم ة الّتي تتحكم في هذه الّر م وز ،مشيرا إلى
أّن موضوع الّلسانيات الوحيد هو دراسة الّلغة في ذاتها ولذاتها ،ه ذه الّنظ رة تبّناه ا الس يميائيون
فيما بعد ،في دراستهم لألحداث الّلغوية للّنص وما تزخر به عطاءات جمالية في سياق العالقات
االعتباطية والّتي تفرض دالالت النهائية.
يع ّد بيرس من الّنقاد الغربيين األوائل في الّتأسيس لعلم الّس يميوطيقا أو علم العالمات ،وقد
ظهر كتابه «كتابات حول العالمة» قبل كتاب سوسير ،محاضرات في اللسانيات العامة الّص ادر
س نة ( ،)1916ويتمّثل منط ق ب يرس في الّر ب ط بين المنط ق والّس يميولوجيا ،وأش ار إلى أّن
الّس يميوطيقا تشغل فضاء أوسع من الّلسانيات ،حيث يشمل جميع العلوم اإلنسانية والطبيعية ،قال
ب يرس« :باس تطاعتي أن أدرس ك ّل الظ واهر في الك ون ،كالّر ياض يات واألخالق ،والميتافيزيق ا
والجاذبية األرض ية ،والديناميكية الحرارية والبصريات والكيمياء وعلم الّتشريح المق ارن ،وعلم
الفلك ،وعلم الّنفس على أّنه نظام سيميولوجي».
وبه ذا التص ّو ر تتح ول الّس يميائية إلى جه از إج رائي غايت ه القص وى البحث في مختل ف
األنظمة الّد الة (لغوية وغير لغوية) وفي مختلف العلوم سواء كانت إنسانية أو عقلية ،ألّن بيرس
أدرك أّن هذه العلوم جميعا هي علوم قائمة على مبدأ اإلشارة أو العالمة.
4
مفهوم العالمة (اإلشارة) عند بيرس:
ينطل ق ب يرس في تحدي ده لمفه وم العالم ة من منطل ق الس يرورة الداللي ة التداولي ة
(الس يميوز) الق ائم على مقول ة الثالثي ة على خالف م ا ج اء ب ه دي سوس ير ال ذي حص ر
مفهوم العالمة في مقولة االختالف أو التعارض الثنائي (دال ومدلول) ،فالعالمة أو الممثل
هو« :شيء يمثل شيئا ما بالنسبة لشخص ما بمظهر ما أو بإمكانية ما» ،إضافة إلى ذلك
اعتم د ب يرس في تقس يمه للعالم ة على مب دأ التثليث انطالق ا من العناص ر المكون ة للعالم ة
وهي :الممثل والموضوع والمؤول:
الممثل:
ويقابل عند سوسير "الدال" وهو الوسيلة التي تستعمل للداللة ،أو حامل اإلشارة ،أو
الش كل ال ذي تتخ ذه اإلش ارة اللغوي ة ،أو غيره ا من العالم ات ،وتع ني اإلش ارة باعتباره ا
ممثال شيئا ما إلى الشخص؛ أي تولد في فكرة معادال لها ،أي إشارة متطورة ،وقد أطلق
بيرس على اإلشارة المولدة اسم تأويل اإلشارة األولى ،وتنوب اإلش ارة عن شيء م ا ،ليس
من جميع نواحيه ،إنما عن فكرة أطلق عليها أرضية الممثل.
الموضوع:
بعض هم يس ميه الموج ودة ( :)lobjetوه و المش ار إلي ه ،أي الش يء ال ذي تحي ل إلي ه
العالمة ،وال يوجد له مقايل عند سوسير.
المؤول (:)linterpretant
وهو إنما المعنى الذي تحدثه اإلشارة ،وهو في إشارة ثانية في فكر المؤول فيها معنى
اإلشارة األولى ،إذا معنى اإلشارة ال يحضر في ذاته ،إنما يبرز من خالل التأويل في ذهن
الم ؤول ،ويقابل ه عن د سوس ير "المدلول" مج ردا من أبع اده ،غ ير أن الم ؤول يمل ك ص فة ال
توجد في المدلول.
5
انطالقا من هذه المفاهيم فإن العالمة ال تستقيم بالمعنى الكامل إال بتعاضد ثالثة فروع،
على أن يكون كل فرع عضو من األركان الثالثة السابقة.
نج د أن ب يرس ينظ ر إلى العالم ة نظ رة ثالثي ة األبع اد تش كل واح دة منه ا في ال ذهن
عالمة ،بل البد من حضور األبعاد الثالثة في الذهن حتى تكونها وهي:
موضوع مؤّو ل
يتوّص ل جيرارد دولودال إلى أّنها ص ورة أّم ة ،فه و يحّبها لدرج ة غ ير عادية تعّب ر عن عق دة
نفسية يعاني منها الكاتب ،وهي صورة أّم ة مندمجة مع صورة ملكة.
6
المراجع المعتمدة:
-5د .وهيبة جراح ،محاضرات في مقياس المناهج النقدية المعاصرة ،المركز الجامعي ميلة.
-6د .يوسف رحيم ،محاضرات في مقياس مقاربات نقدية معاصرة ،جامعة عبد الرحمن ميرة،
بجاية.
7