You are on page 1of 7

‫التطبيقات ا‪/‬عاصرة للفلسفة الشرقية‬

‫التطبيقات ا‪/‬عاصرة للفلسفة الشرقية‬

‫إن استقراء التاريخ وا‪C‬فادة من دروسه وعبره‪ ،‬من أعظم ما تنتفع به ا‪D‬مة ا‪C‬س‪A‬مية‪ ،‬فتتشكل لدى أفرادها نظرة‬
‫استشرافية تتوقع معها تشابه النتائج عند تشابه ا‪/‬قدمات‪ ،‬فتتعامل مع ا‪D‬حداث والظروف بحنكة تُحقق بها‬
‫ا‪/‬كاسب وتتجنّب ا‪/‬كاره وا‪D‬ضرار‪ ،‬وكما قال ا‪/‬صطفى عليه الص‪A‬ة والس‪A‬م‪ c» :‬يُلدغ ا‪/‬ؤمن من جحر مرت_«‪.‬‬

‫ومن أهم ا‪/‬نعطفات الخطرة في تاريخ ا‪D‬مة‪ ،‬تلك الحقبة التي ظهر فيها كثيرمن الفرق وا‪/‬ذاهب العقدية‪ ،‬حيث‬
‫أسهمت عوامل عدة في تشكيل تلك ا‪/‬ذاهب ا‪/‬نحرفة‪ ،‬من أبرزها‪ :‬دخول الفلسفة إلى العالم ا‪C‬س‪A‬مي وانبهار‬
‫طائفة من ا‪/‬سلم_ بها‪.‬‬

‫ففي منتصف القرن الثاني للهجرة ‪ -‬في عهد الخليفة العباسي ا‪/‬نصور ‪ -‬ازدهرت حركة الترجمة‪ ،‬ثم توسعت‬
‫بشكل كبير في عهد ا‪/‬أمون‪ ،‬وتناولت أعمال الترجمة كثيراً من كتب الفلسفة التي تضمنت علوم ا‪/‬نطق والطبيعيات‬
‫وما يُعرف با‪/‬قادير‪ ،‬إ‪ c‬أن أخطر تلك العلوم على ا‪C‬ط‪A‬ق كان ما يتعلق با‪C‬لهيات والعلوم ا‪/‬يتافيزيقية‪ ،‬ومما زاد‬
‫الط_ بلة أن تلك ا‪D‬عمال لم تُسند إلى أمناء ا‪/‬سلم_‪ ،‬وإنما إلى النصارى من أهل الذمة‪.‬‬

‫فانقسم الناس حيال تلك الفلسفات الدخيلة إلى ث‪A‬ثة أقسام‪:‬‬

‫‪ -‬قسم تقبل الفلسفة كما هي وتشربها ودعا إلى مبادئها‪ ،‬وهؤ‪c‬ء هم زنادقة الف‪A‬سفة‪ ،‬وإن حاول بعضهم أن يكسو‬
‫مخ الفلسفة بلحاء الشريعة‪.‬‬

‫‪ -‬وقسم حاولوا تنقيح الفلسفة والجمع بينها وب_ الشرع‪ ،‬فأضافوا إليها ما ظنوا أنه ينقيها مما فيها من الباطل‪،‬‬
‫وهؤ‪c‬ء هم ا‪/‬تكلمون الذين كان فعلهم سبباً في ظهور كثير من البدع ا‪c‬عتقادية التي ‪ c‬نزال نرى آثارها اليوم‪.‬‬
‫‪ -‬وقسم رفض الفلسفة بالجملة‪ ،‬و‪ c‬سيما ما يتعلق بالغيبيات وا‪C‬لهيات‪ ،‬فجاهدها بلسانه وقلمه‪ ،‬ومن أبرز هؤ‪c‬ء‬
‫ا‪D‬ئمة‪ :‬ابن الجوزي وابن الص‪A‬ح وابن تيمية والذهبي وابن القيم ‪ -‬رحمهم ا† ‪ ،-‬حيث وضّحوا أوجه مخالفة‬
‫مقا‪c‬ت الف‪A‬سفة للشريعة بالتفصيل‪ ،‬وانحرافهم في عقيدة ا‪C‬له ومفهوم العبادة وتصور العالم‪ ،‬مع خلل جلي في‬
‫تناول النصوص الشرعية وتفسيرها‪.‬‬

‫ورغم وجود جهود مضادة للمد الفلسفي في العالم ا‪C‬س‪A‬مي منذ ذلك الوقت‪ ،‬حيث أُحرقت كتب الفلسفة ومُنع‬
‫تداولها وتدريسها‪ ،‬وأُبعد بعض رموزها‪ ،‬وأقيم الحد على من ارتد بسبب تأثره بها؛ إ‪ c‬أن ذلك ا‪/‬د أحدث تأثيراً‬
‫كبيراً في تشكيل ا‪/‬نظومة العقدية لكثير من الفرق واسعة ا‪c‬نتشار‪ ،‬وما زالت أمتنا اليوم تعاني تلك ا•ثار‪ ،‬فهل‬
‫يُمكن تصور حال ا‪D‬مة لو لم يقف أمام ذلك الزحف جهابذة علماء السلف؟‬

‫فإذا انتقلنا إلى العصر الحديث سنجد مقدمات وإرهاصات لزحف فلسفي من نوع جديد يتمثل في إحدى أشهر‬
‫الفلسفات القديمة على ا‪C‬ط‪A‬ق‪ ،‬وهي الفلسفة الشرقية النابعة من الص_ والهند‪ ،‬ومن الهندوسية والبوذية والطاوية‬
‫تحديداً‪ .‬ورغم أنه ‪ c‬يمكن اعتبار تأثير تلك الفلسفة في الفرق ا‪/‬نتسبة إلى ا‪C‬س‪A‬م جديداً بالكلية‪ ،‬حيث كان لها‬
‫نصيب يسير من الترجمة في العهد العباسي جعلها من أبرز مصادر الفكر الصوفي ا‪/‬غالي الذي يعتمد في كثير‬
‫من عقائده على الفيدانتا الهندوسية؛ إ‪ c‬أن دخولها عبر تطبيقات معاصرة إلى من نشؤوا على التوحيد ومنهاج‬
‫السلف‪ ،‬أمر جديد ب‪ A‬شك‪.‬‬

‫فبعد أن انحسر تأثير الفلسفة الشرقية واقتصر على أتباعها في ا‪D‬عم ا‪D‬غلب لعدة قرون‪ ،‬ولم يظهر لها أثر يذكر‬
‫في تشكيل الفكر أو نشأة ا‪/‬ذاهب؛ بدأت تُبعث من جديد حينما تُرجمت النصوص الشرقية للغة ا‪C‬نجليزية‪ ،‬وظهر‬
‫اهتمام شعبي غير مسبوق بمحتواها من قبل من هم خارج الدوائر العلمية والبحثية ا‪D‬كاديمية في الغرب‪.‬‬

‫ومع توالي هجرة كهّان الديانات الشرقية للدول الغربية ومشاركتهم في ا‪/‬ناسبات الثقافية‪ ،‬إضافة إلى عدد من‬
‫العوامل ا‪D‬خرى ا‪c‬جتماعية والجغرافية؛ تزايد ا‪c‬هتمام بروحانيات الشرق لدى الغرب ا‪/‬ادي‪.‬‬

‫ونظراً للطبيعة العلمانية السائدة في العالم الغربي‪ ،‬تم تحوير بعض ا‪/‬فاهيم الفلسفية وإلباسها لبوس الفكر‬
‫ا‪/‬شترك والعلم التجريبي ليتم نشرها ب_ الناس بشكل أيسر وبأقل مقاومة ممكنة‪ .‬فظهر أثرها جلياً في الفكر‬
‫الثيوصوفي و»الفكر الجديد«‪ ،‬وأخيراً في حركة العصر الجديد التي أحدثت نقلة نوعية في أساليب نشر الفكر‬
‫الباطني الشرقي‪.‬‬

‫ومصداقاً لحديث النبي ‪» :#‬حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه«‪ ،‬انتقل ا‪c‬هتمام بالفلسفات الشرقية إلى العالم‬
‫ا‪C‬س‪A‬مي‪ ،‬وبا‪D‬ساليب ذاتها التي تستخدمها حركة العصر الجديد‪ ،‬فباتت تروج عبر ث‪A‬ثة منابر رئيسة‪:‬‬

‫ا‪c‬ستشفاء والطب البديل‪.‬‬

‫تطوير الذات والتنمية البشرية‪.‬‬

‫وفي الفتزة ا‪D‬خيرة عبر ا‪D‬طروحات »الروحانية« الصوفية‪.‬‬


‫لكن ا‪/‬ستغرب فع‪ ًA‬هو عدم التفات كثير من ط‪A‬ب العلم الشرعي للتطبيقات ا‪/‬عاصرة للفلسفة الشرقية‪ ،‬وعزوف‬
‫كثير منهم عن التحذير منها وإيضاح الخلل العقدي الكبير الذي تتضمنه‪ ،‬ولعله يمكن إرجاع ذلك ‪D‬حد أمرين‪:‬‬

‫أولهما‪ :‬عدم ا‪c‬ط‪A‬ع الكافي على التطبيقات ذاتها لكونها في ا‪D‬صل بعيدة عن التخصص‪.‬‬

‫وا•خر‪ :‬عدم ا‪/C‬ام الكافي بالفلسفة الشرقية وتصورها بشكل دقيق‪ ،‬بحيث ‪ c‬يتمكن من الربط ب_ ا‪/‬مارسة‬
‫الحديثة والفلسفة ا‪D‬م‪ ،‬بخ‪A‬ف الفلسفة اليونانية التي تعتبر من ا‪/‬ناهج ا‪/‬همة في التخصص بكثير من الجامعات‪.‬‬

‫ولذلك كان ‪ c‬بد من تقديم تصور مجمل للفلسفة الشرقية قبل الحديث عن تطبيقاتها ا‪/‬عاصرة‪.‬‬

‫ترتكز الفلسفة الشرقية على خمسة مبادئ رئيسة‪:‬‬

‫عقيدة وحدة الوجود‪ ،‬ومنها تتفرع بقية ا‪/‬بادئ‪.‬‬

‫ا‪c‬عتقاد بالشرارة ا‪C‬لهية‪ ،‬وهي »الحقيقة« الدفينة في الذات البشرية‪.‬‬

‫ا‪C‬شراق وا‪c‬ستنارة‪ ،‬وهي إدراك »الحقيقة« ووحدة الوجود‪.‬‬

‫وحدة ا‪D‬ديان‪.‬‬

‫نسبية الحقائق والقيم‪.‬‬

‫وهما متقاربتان‪ ،‬ونتيجتان حتميتان للقول بوحدة الوجود‪.‬‬

‫كما أن للفلسفة الشرقية اصط‪A‬حات خاصة يعبّر بها عن بعض العقائد الشائعة عند القوم؛ كالطاو والبراهمان‬
‫وال_ يانغ والشاكرا والكارما والنيرفانا واليوغا وغيرها‪.‬‬

‫إن تسرب هذه ا‪/‬صطلحات ا‪/‬شبعة با‪/‬فاهيم الفلسفية والخلفيات الثقافية‪ ،‬بل العقائد الشرقية‪ ،‬عبر تطبيقات‬
‫متنوعة – رغم خطورته –؛ ‪ c‬يمثل ا‪C‬شكالية الكبرى لدى الشريحة ا‪/‬تبنية لها‪ ،‬بل إن الخلل ا‪D‬كبر يكمن في‬
‫اخت‪A‬ل مصادر التلقي ومصادر ا‪/‬عرفة الحسية عند أكثرهم‪ ،‬إذ ‪ c‬يقتصر التلقي الغيبي على مصادر الوحي‬
‫ا‪/‬نضبطة بمنهجية السلف في الفهم والتفسير‪ ،‬وإنما يعول فيه على ا‪/‬صادر »الداخلية« والكشوفات وا‪C‬لهامات‬
‫والحدوس‪.‬‬

‫أما ا‪/‬عرفة الحسية ف‪ A‬يُعتمد فيها على ا‪/‬نهج العلمي التجريبي )‪ (method Scientific‬و‪ c‬يلتفت فيها إلى‬
‫الدراسات ا‪/‬حكمة وا‪c‬ختبارات ا‪/‬عملية ا‪/‬نضبطة‪ ،‬وإنما يُعتمد على التجارب الفردية وا‪D‬حكام والروايات‬
‫الشخصية التي تخضع ‪/‬تغيرات ‪ c‬محدودة‪.‬‬

‫ولعل أبرز النماذج على هذا الخلط ا‪/‬عرفي يظهر في مصطلح »الطاقة« الذي شاع استخدامه في السنوات‬
‫ا‪D‬خيرة في سياق غير متخصص‪ ،‬كالطب البديل وتنمية الذات‪ ،‬وهو مصطلح فضفاض حمّال أوجه استُخدم في‬
‫النسخ ا‪ُ/‬حدثة من الفلسفة الشرقية للتعبير عن الوجود الكلي‪ ،‬ومادة الكون‪ ،‬ومرر على كثير من الناس بصورة‬
‫العلم الزائف الذي يستر الفلسفة الباطنية ا‪/‬لحدة‪ ،‬فـ »الطاقة« ا‪/‬عنية ‪ c‬تثبت بالشرع و‪ c‬با‪/‬نهج العلمي‪.‬‬

‫لكن نظراً ‪C‬شكالية هذا ا‪/‬صطلح يحصل الجدل في نسبته إلى جذوره العقدية‪.‬‬

‫فـ »الطاقة« لها معنى مخصوص في الفيزياء والعلوم التطبيقية‪ ،‬كالطاقة الحرارية أو النووية أو الكهربائية‪،‬‬
‫ونحوها‪ ،‬وهي طاقات محسوسة قابلة ل‪A‬ختبار والقياس‪.‬‬

‫وهناك »الطاقة« بمعناها اللغوي التي تفسر بالقدرة والوسع كما في قوله تعالى‪) :‬و‪ c‬تحملنا ما ‪ c‬طاقة لنا به(‪.‬‬

‫وهناك »طاقة« تُستخدم على سبيل ا‪/‬جاز في سياقات متعددة‪ ،‬كطاقة الحب وطاقة العبادة‪ c ،‬تخلو في كثير من‬
‫ا‪D‬حيان من إشكا‪c‬ت علمية أو شرعية‪.‬‬

‫غير أن »الطاقة« ا‪/‬شار إليها في تطبيقات الفلسفة الشرقية ليست شيئاً مما سبق‪ ،‬وإن كانت تُخلط بها وتُمزج في‬
‫كثير من ا‪D‬حيان‪ ،‬وإنما هي طاقة روحانية ميتافيزيقية غير قابلة ل‪A‬ختبار والقياس‪ ،‬تُدرك بالتجربة الذاتية‬
‫والتأم‪A‬ت الباطنية‪ ،‬فهي الوجود ا‪/‬طلق الذي يتجلى في ا‪/‬وجودات ا‪/‬حسوسة‪ ،‬والذي يُعبر عنه أحياناً بالوعي‪،‬‬
‫وأحياناً بـ »ا‪C‬له«‪ ،‬و‪» c‬إله« في الفلسفات الباطنية إ‪ c‬هو‪ ،‬إذ ا‪C‬له ا‪/‬باين للمخلوقات ا‪/‬تصف بصفات الكمال‬
‫والج‪A‬ل عقيدة »بدائية« يترفع عنها ف‪A‬سفة الشرق!‬

‫وأما ا‪C‬نسان فهو »إله« في الحقيقة‪ ،‬أو هو الوجود الكلي عند من ‪ c‬يفضل استخدام اصط‪A‬ح »ا‪D‬لوهية«‪،‬‬
‫يعتريه النقص وتعترضه ا‪D‬سقام ‪c‬بتعاده عن طبيعته ا‪D‬صلية‪ ،‬وهو ما يعبر عنه باخت‪A‬ل »الطاقة«‪ ،‬و‪D‬جل التغلب‬
‫على ذلك ‪ c‬بد من أن يعود إلى تلك الطبيعة بوسائل مختلفة‪.‬‬

‫فنجد تطبيقات ا‪c‬ستشفاء القائمة على فلسفة »الطاقة الكونية« وا‪/‬ستقاة من الديانات والفلسفات الشرقية‪ ،‬تعمل‬
‫على »موازنة الطاقة« واستقطابها من الكون عبر طقوس ‪ c‬ع‪A‬قة لها بالعلوم التجريبية‪ ،‬وإنما هي أشبه ما تكون‬
‫بالرياضات وا‪D‬وراد الصوفية التي تهدف إلى تحقيق ا‪C‬شراق والفناء‪ .‬بل يُصرح كثير من ا‪/‬مارس_ في الشرق‬
‫والغرب بأن الهدف من تلك التطبيقات ليس مجرد تحس_ الصحة والتخلص من أعراض ا‪/‬رض‪ ،‬وإنما تحقيق‬
‫السمو الروحي وا‪c‬تحاد با‪/‬طلق‪ .‬فهذا مبتكر نظام ا‪/‬اكروبيوتك]‪ [1‬جورج أوساوا مث‪ ًA‬يقول في كتابه )دعوة إلى‬
‫الصحة والسعادة(‪» :‬إن هدفي في إصدار هذا الكتيب أن أدلك على طريقة اغتذاء واختيار أطعمة ستقودك في‬
‫آخر ا‪D‬مر إلى الحقيقة والسعادة ا‪D‬بدية«! ويقول‪ :‬إن ا‪/‬اكروبيوتيك هو »إحدى الطرائق الثماني للوصول‬
‫إلى‪ ...‬النيرفانا«! وإنه »ا‪/‬بدأ ا‪D‬ساسي ‪D‬هم ا‪D‬ديان الشرقية«‪.‬‬

‫ومن التطبيقات ا‪/‬عاصرة للفلسفة الشرقية ا‪/‬تعلقة بالتداوي وا‪c‬ستشفاء‪ :‬البرانيك هيلنغ )الع‪A‬ج بالبرانا(‪،‬‬
‫والريكي‪ ،‬وا‪D‬يورفيدا‪ ،‬والتداوي بطاقة ا‪D‬حجار وا‪D‬لوان وا‪D‬هرام‪ ،‬والفونغ شوي )طاقة ا‪/‬كان(‪ ،‬والتشي كونغ‬
‫وغيرها‪ ،‬علماً بأن هذه ا‪/‬مارسات في الجملة ‪ c‬تخلو تماماً من بعض الحق النافع‪ ،‬إذ لو‪c‬ه ما راجت ب_ الناس‪،‬‬
‫لكنها في أساسها ‪ c‬تستند إلى مصدر سليم من الشرع أو العلم التجريبي‪.‬‬
‫أما برامج تطوير وتنمية الذات فقد كانت البوابة ا‪D‬ولى التي ولجت عبرها ا‪D‬فكار الشرقية قبل خمسة عشر عام ًا‬
‫تقريباً‪ ،‬لكن ا•ثار الفلسفية أصبحت أكثر وضوحاً مع مرور الزمن‪ ،‬و‪ c‬يزال أثرها يتفاوت ب_ دورة وأخرى‪ ،‬فمن‬
‫مستقل ومستكثر‪.‬‬

‫يبدأ ا‪c‬نحراف في هذا ا‪/‬جال بالتركيز على الذات البشرية وتعظيمها‪ ،‬وا‪c‬عتماد على قدرات النفس والتعويل‬
‫عليها‪ ،‬لكنه يتطور ليصل إلى إخراجها عن حدودها البشرية ووصفها بالقدرات »غير ا‪/‬حدودة« وخوارق العادات‪،‬‬
‫حيث تعتبر النفس وسيلة لتحصيل النجاح والتوفيق والرزق والشفاء‪ ،‬وتظهر ا‪/‬نازعة السافرة ‪D‬وصاف ا‪C‬له‬
‫وخصائص الربوبية‪ .‬ويعتبر قانون الجذب‪ ،‬والحديث عن قوى العقل الباطن‪ ،‬أشهر مثال_ لهذا ا‪c‬نحراف في مجال‬
‫التنمية وتطوير الذات‪.‬‬

‫يقوم قانون الجذب الباطني ‪ -‬ا‪/‬تستر إس‪A‬مياً بأحاديث الظن والفأل ‪ -‬على نظرة الفلسفة الشرقية للكون والوجود‪،‬‬
‫والتي تقرر أن الوجود ا‪/‬طلق هو الوعي أو الفكر‪ ،‬وأن العالم الخارجي ‪ c‬وجود له إ‪ c‬في الذهن‪ ،‬فهو مجرد‬
‫انعكاس للفكر )أو التركيز(؛ ولذلك فإن التغير في »الفكر« يوجب التغير في ا‪/‬ظاهر الخارجية والعالم ا‪/‬حيط‬
‫با‪C‬نسان‪ ،‬ومن ثم تتحقق له الرغبات في إرادته ا‪/‬جردة‪ ،‬وبها تتعلق ا‪D‬رزاق وا‪D‬قدار‪ .‬فهو – في الواقع ‪ -‬ليس إ‪c‬‬
‫صورة حديثة ‪/‬ذهب القدرية ا‪/‬تقدم_‪ ،‬بل هو أشد جرأة وبشاعة من سابقه‪ ،‬وهو يخالف الشرع والعقل والحس‪،‬‬
‫وللتفصيل في الرد عليه مقام آخر‪.‬‬

‫ويشبه قانون الجذب ما يتعلق بالعقل الباطن بمعناه الفلسفي ‪ c‬النفسي‪ ،‬فـ »العقل الباطن« كما يُعرّفه جوزيف‬
‫ميرفي – مث‪ - ًA‬صاحب كتاب )قوة عقلك الباطن(‪ ،‬هو القوة ا‪/‬دبرة للكون‪ ،‬وبالغوص في أعماق الذات يمكن‬
‫ل‪œ‬نسان التواصل مع هذه القوة غير ا‪/‬حدودة التي تمكنه من التحكم بالرزق والصحة والنجاح وا‪c‬ط‪A‬ع على‬
‫العلوم وا‪/‬عارف ا‪/‬طلقة‪ .‬فالعقل الباطن بهذا ا‪/‬عنى الفلسفي نظير »الطاقة« و»الوعي« والوجود الكلي‪ ،‬وصورة‬
‫من صور تأليه الذات ا‪/‬تفرعة عن الفلسفات الشرقية‪.‬‬

‫ول•سف يرتبط كثير من الدورات ا‪/‬تعلقة بتطوير الذات بهذين ا‪/‬فهوم_ وكيفية استغ‪A‬لهما لتحقيق ا‪D‬هداف‬
‫وتطوير القدرات‪.‬‬

‫أما ا‪/‬جال ا‪D‬خير – وا‪D‬خطر في رأيي –‪ ،‬فهو ما يتعلق بالطرح »الروحاني« ا‪/‬جرد‪ ،‬حيث تُعرض في تلك‬
‫الدورات والبرامج روحانيات الشرق بشكل نظري مباشر دون اللجوء لسترها بممارسات أو تطبيقات عملية‪ ،‬ثم‬
‫تُعطى صفة شرعية من خ‪A‬ل محاو‪c‬ت »ا‪D‬سلمة« واستعارة ا‪/‬صطلحات‪ .‬إ‪ c‬أن نتيجة هذا الخلط ب_ الفلسفة‬
‫الشرقية وا‪C‬س‪A‬م أفرزت – كما هو متوقع – أطروحات صوفية النفس وا‪/‬ضمون‪.‬‬

‫وأدى هذا التشابه ب_ التصوف والروحانيات الشرقية ا‪/‬ؤسلمة إلى ميل »الروحاني_ الجدد« للتراث الصوفي‬
‫الفلسفي والدعوة إلى تمجيد رموزه وإعادة إحياء تراثهم البائد في بيئات بعيدة عنه ونقية من لوثاته‪.‬‬

‫تتناول البرامج »الروحانية« قضايا ا‪/‬يتافيزيقيا وا‪C‬لهيات من منظور غير شرعي‪ ،‬أو بتأوي‪A‬ت غير منضبطة و‪c‬‬
‫سائغة لنصوص الشريعة‪ ،‬فأصبحت ا‪/‬صطلحات وا‪/‬فاهيم الشرقية تطرح كقراءات جديدة للدين‪ ،‬وتمثل خروجاً‬
‫عن القراءات التقليدية التي »عفا عليها الدهر« في نظرهم‪ .‬وبالطبع ‪ c‬يتورع أصحاب هذا التوجه عن التنقص من‬
‫منهج السلف‪ ،‬ووصف أتباعه با‪/‬برمج_ الناهل_ من »ا‪D‬وراق الصفراء«‪ ،‬منفرين من هذا ا‪/‬نهج القويم‪ ،‬داع_‬
‫إلى ا‪c‬نف‪A‬ت في قراءة النص وا‪c‬عتماد على ا‪/‬صادر الباطنية للمعرفة الغيبية والروحانيات‪.‬‬

‫ول•سف أصبحنا نسمع ونقرأ ‪/‬ن يحمل سمت ط‪A‬ب العلم الشرعي ك‪A‬ماً ‪ c‬يختلف كثيراً عن أطروحات ابن‬
‫عربي والح‪A‬ج وج‪A‬ل الدين الرومي‪ ،‬وم‪A‬حدة الباطنية‪ ،‬ويكثر فيه ا‪c‬ستشهاد بمقا‪c‬تهم ا‪/‬توافقة مع الفلسفات‬
‫الشرقية الوافدة واعتبارهم أئمة مبدع_ قتلتهم العقول ا‪/‬نغلقة‪.‬‬

‫إن إبراز تلك النماذج ا‪/‬نحرفة من التراث ا‪C‬س‪A‬مي إنما جاء في محاولة لتمرير الفلسفات الشرقية باعتبارها‬
‫متوافقة مع الدين‪ ،‬فعقائد الحلول وا‪c‬تحاد ووحدة الوجود ا‪/‬شتهرة في الشرق ظاهرة في مقا‪c‬ت غ‪A‬ة الصوفية‪.‬‬

‫وفي تلك البرامج يتم تسويق الباطنية ا‪/‬حدثة ذات ا‪D‬صول الشرقية الواضحة وتمجيد روادها أمثال أوشو وديباك‬
‫شوبرا‪ ،‬وإكهارت تولي وغيرهم‪.‬‬

‫فكان مما ظهر دورات تتناول مفهوم »ا‪C‬يجو« وترتكز على نفي الذات الفردية والغوص في الذات الكونية وفقاً‬
‫للفلسفة البوذية‪ ،‬وأخرى تتناول أسرار »الكينونة« وا‪D‬قدار والوجود‪ ،‬أو تدعو للتناغم مع الكون وا‪c‬تحاد به‪.‬‬
‫وأصبح مبدأ »هنا وا•ن« و»قوة ا•ن« يطرح في البيئات ا‪C‬س‪A‬مية‪ ،‬وتتم مناقشة أساليب تقوية »الحدس«‬
‫وا‪C‬لهام وكيفية التواصل مع مصدر ا‪/‬عرفة ا‪/‬طلقة‪ ،‬وغيرها كثير من العقائد وا‪/‬فاهيم ا‪/‬عروفة في الفيدانتا‬
‫الهندوسية وبوذية زن‪.‬‬

‫و‪ c‬شك في أن ا‪c‬نحراف العقدي في ا‪D‬طروحات الروحانية أظهر منه في تطبيقات ا‪c‬ستشفاء والتنمية‪ ،‬فتلك تخلط‬
‫ب_ الدجل والخرافة والفلسفة‪ ،‬بينما هذه مسائل عقدية وفلسفية صرفة‪ ..‬إ‪ c‬أن تلك التطبيقات كانت بمنزلة القنطرة‬
‫التي عبرها ا‪/‬غترون وتدرجوا من خ‪A‬لها إلى الطرح الفلسفي حتى لم يستنكروه‪ .‬بل قد ظهر من بني جلدتنا من‬
‫يُصرح با‪D‬لوهية الكامنة في الذات البشرية ثم ‪ c‬يستنكر قوله إ‪ c‬نزر يسير من ا‪D‬تباع‪ ،‬فللشيطان خطوات‬
‫وأساليب خفية يضلل بها بني آدم ويأتيهم بما ‪ c‬يستنكرون‪ ،‬حتى ينسلخ أحدهم من دينه وهو ‪ c‬يشعر‪.‬‬

‫وفي الختام‪ :‬أؤكد أن هذا الزحف الباطني الحديث بحاجة إلى وقفة جادة ومواجهة حازمة من قبل ط‪A‬ب العلم‬
‫الشرعي والعلماء‪ ،‬وبمؤازرة قوية من أصحاب الهمم من التخصصات التطبيقية؛ كالطب والفيزياء ونحوهما؛ لصد‬
‫هؤ‪c‬ء ا‪/‬تطفل_ على الشريعة ا‪/‬قتات_ على العلم الحديث‪.‬‬

‫‪ ::‬ملف خاص بعنوان " الوثنية الحديثة‪ ..‬ومحاو‪c‬ت ا‪D‬سلمة‬

‫‪ ::‬مجلة البيان العدد ‪ 329‬محرّم ‪1436‬هـ‪ ،‬أكتوبر ‪ -‬نوفمبر ‪2014‬م‪.‬‬

‫]‪ [1‬نظام غذائي قائم على الفلسفة الشرقية‪.‬‬

You might also like