Professional Documents
Culture Documents
الثقافة اإلسالمية هي مصطلح أو تعبير يستعمل في أغلب األحيان لوصف جميع المظاهر الثقافية
والحضارية الشائعة والمرتبطة تاريخيا ً بالمسلمين في جميع أنحاء العالم ,ومن أهم إطالقات الثقافة
اإلسالمية أنها هيالعلم الذي يجمع بين التأصيل الشرعي ,والوعي الواقعي بتاريخ األمة وحاضرها
ومستقبلها ..أي أنها هي علم معياري وواقعي في آن واحد ,وهي علم كلي شمولي ينظر لإلسالم
بشموليته من حيث عقيدته ومقاصيده وفهمه على مر التاريخ بما أن دين اإلسالم انبثق في القرن
السادس عشر الميالدي في بالد العرب ,ومع االنتشار الهائل والسريع المبراطورية اإلسالمية ,فإن
الثقافة اإلسالمية قد أثرت وتأثرت بغيرها من الثقافات والحضارات مثل ثقافات بالد فارس (إيران
حاليا) ,وتركيا ,والبربر ,والماالي ,والهند وأندونيسيا وغيرها من األمم والحضارات التي دخلها
.اإلسالم
تتعدد تعريفات الثقافة اإلسالمية ،ويرجع ذلك إلى جدية هذا المصطلح وحداثته ،واختالف تصورات
العلماء المعاصرين حول هذا المصطلح ،ومع ذلك يوجد تعريف واضح لها ،حيث ت َّم تعريفها بأنها
معرفة مقومات األمة اإلسالمية العامة بتفاعالتها في الماضي والحاضر ،ويشمل ذلك الدين ،واللغة،
.والتاريخ ،والحضارة ،والقيم ،واألهداف المشتركة بصورة واعية هادفة
:تعتمد الثقافة اإلسالمية على أربعة مصادر رئيسية ،وهي كما يلي
القرآن الكريم :يُعتبر القرآن الكريم المصدر األول للثقافة اإلسالمية ،حيث يتم أخذ التوجيهات
الرشيدة منه ،والقرآن الكريم هو الكتاب الرئيسي في الديانة اإلسالمية ،وهو الكتاب الذي يؤمن به
.المسلم ،ويثق بأنه كالم هللا عز وجل المنزل على النبي محمد صلى هللا عليه وسلم
السنة النبوية :تعتبر السنة النبوية ثاني مصادر الثقافة اإلسالمية بعد القرأن الكريم ،وهي منهاج
.للمسلم يعمل على تفصيل األحكام ،كما أنها خطة يومية لعمل ونشاطات المسلم
الخبرات البشرية النافعة :هي عبارة عن نتائج فكر واجتهاد ألشخاص بذلوا جهدهم في إفادة المسلم،
.وبشكل عام تتراكم الخبرات عبر العصور نتيجة تعدد األبحاث والعلوم والمخترعات
ٍ
الفكر والتراث اإلسالمي :يُعتبر مصطلح الفكر اإلسالمي من المصطلحات الجديدة ،وهو جميع ما
أنتجه المسلمون خالل اإلسالم من المعارف الكونية المتعلقة باهلل عز وجل واإلسالم منذ عصر
صحابة الرسول عليه السالم.
من أهم خصائص هذا العلم الشمولية" ،فالشمول هو القاعدة األساس لمنهج علم الثقافة اإلسالمية،
وهي الحاكمة للقواعد األخرى في حدود النظر والتناول ،والمراد بالشمول :التناول الكلي للموضوع
باعتباره وحدة مترابطة ،يُنظر إليها باعتبار كليّتها أو تركيبها؛ لتقديم صورة شاملة عن الموضوع
المراد دراسته
وبهذا المفهوم نستطيع أن نقول أنه منذ العصر اإلسالمي كانت نصوص الوحي تتسم بالشمول،
فالوحي خطابٌ شامل لشؤون الحياة كلها ،وأسلوب القرآن يختلف عن شؤون العلوم اإلسالمية
المتخصصة التي تقوم على تقسيم العلوم إلى تفسير وحديث وفقه ..الخ ،فاألصل هو النظرة الشمولية
الكليّة ،وهو المنهج الذي تقوم عليه الثقافة اإلسالمية في العصر الحاضر..
ومن أبرز العلماء الذين ألفوا وكتبوا بمنهج شمولي هو :شيخ اإلسالم ابن تيمية -رحمه هللا -وقام
بحركته النقدية لتراث الحضارة اإلسالمية بمنهج سلفي يتسم بالشمولية في العرض والنقد ،مما جعل
تراثه مرجعا ً أساسا ً للمفكرين والمصلحين في العصر الحديث.
علم الثقافة اإلسالمية في العصر الحديث:
واجه المسلمون في العصر الحديث تحديا ً ثقافياً ،برز هذا التحدي في االتصال بالثقافات الغربية،
وظهور المذاهب الفكرية واأليدلوجيات الغربية ،وتأثر بعض المسلمين بتلك المذاهب ،وأبرز ما يميز
تلك المذاهب الطرح الشمولي ،فتوالت النداءات وظهرت الكتابات لص ّد الغزو الثقافي القادم من
الغرب ،وكان المنهج المناسب للمواجهة هو المنهج الشمولي ،وكان نتيجة ذلك وجود مجموعة من
األفكار والكتابات ذات المنزع الشمولي ،ولم تكن في البداية تسمية معينة لهذه األفكار والكتابات.
يذكر األستاذ محمد المبارك الحاجة إلى التأليف عن اإلسالم بمنهج شمولي فيقول( :إن الحاجة إلى
ب يعرّف باإلسالم تعريفا ً شامالً صحيحا ً حاجة عامة ملحّة ال تسدها الكتب الكثيرة التي تُعرف
كتا ٍ
بجوانب من اإلسالم ،ولو كانت جيدة في موضوعها).
ويقول أيضاً( :إننا نلح على ضرورة تقديم هذه الصورة الشاملة في إطارها ،الموضحة لجوانب
اإلسالم كلها ،من عقيدته التي يرتكز عليها وتتضمن النظرة العامة إلى الوجود التي يدعو إ ليها،
والعبادة التي هي رياضة العقيدة والمحرك المستمر الستشعارها ،ومن قواعد السلوك في الحياة أو
نظامه األخالقي ،ومن قواعد تنظيم المجتمع ،أو التشريع المنظم لألسرة وللحياة االقتصادية ،وللحياة
السياسية أوالدولة .إن هذه الصورة الشاملة هي التي تعرّف باإلسالم تعريفا ً صحيحاً ،وتميزه من
غيره من المذاهب والنظم).
لفتت الكتابات ذات المنهج الشمولي بعض العلماء والمفكرين ،فبدأت الرؤية تتبلور في الحاجة إلى
تأسيس علم جديد يقوم بتوعية األجيال بهويتها اإلسالمية ويحصنها ضد الغزو الفكري والثقافي،..
وسمي هذا العلم (علم الثقافة اإلسالمية.
ويذكر األستاذ محمد المبارك -رحمه هللا -هذه المرحلة وما رافقها من اجتهادات ،فذكر أن عدة
اقتراحات طرحت لتسمية هذا العلم الجديد ،منها:
اقترح بأن يسمى( :اإلسالم في مقابل النصرانية واليهودية والشيوعية وغيرها من األديان أو •
المذاهب االجتماعية) ولكن هذا االقتراح رد لطول االسم ،وألن مصطلح اإلسالم مصطلح
عام ،ال يشير إلى المقصود من العلم.
واقترح بأن يسمى العلم (الحضارة اإلسالمية) ،ورد هذا االقتراح بأن المسمى سيدخل في •
الدراسات التاريخية وعرض الجوانب العلمية والحضاري ،وهذا غير مقصود ومخدوم في
علوم أخرى.
ٍ
واقترح بأن يسمى (النظم اإلسالمية) ،ولكن هذا التعبير بصيغة الجمع يفهم منه الداللة على •
األنظمة المختلفة لإلسالم كالنظام السياسي واالقتصادي واألسري.
ويرى األستاذ محمد المبارك بأن يسمى العلم الجديد (نظام اإلسالم) ،ويبرّر هذه التسمية •
بقوله( :ألن كلمة (نظام) باإلفراد تفيد أن لكل دين أو مذهب طريقة أو نظاما ً ينظّم به أجزائه
وأقسامه ومبادئه النظرية والعملية).
يذكر األستاذ محمد المبارك في كتابه (الفكر اإلسالمي الحديث في مواجهة األفكار الغربية) أن جيله
شهد حمالت تشكيكية في المثل والقيم اإلسالمية ،وشهد انبهاراً باألفكار الغربية كالعلمانية
والديمقراطية ،ثم جاءت موجة االشتراكية ،ويشير إلى أن هذه األيدلوجيات واألفكار جاءت إلى العالم
اإلسالمي والظروف مهيئة النتشارها ،والنفوس مستعدة لقبولها.
ومنذ ذلك الحين أصبحت الثقافة اإلسالمية تواجه تحديا ً كبيراً ،وبدأت تتبلور مراحل المواجهة مع
الثقافة الغربية الغازية ،ويمكن أن تقسم هذه المراحل إلى المراحل اآلتية:
في هذه المرحلة كانت الثقافة اإلسالمية ومثلها وقيمها ونظمها ..في قفص االتهام ،وأصبح اإلسالم
متهماً ،وتثار حوله كثير من الشبهات ،وأصبح العلماء والمفكرون يدافعون عن هذه االتهامات
ويفندون تلك الشبهات ،فاإلسالم ليس منافيا ً للرقي ،وال مانعا ً من التطور ،وال معارضا ً للعلم والعقل،
وهذا ما يالحظ في مؤلفات الشيخ محمد عبده وفريد وجدي وأمثالهما.
وفي هذه المرحلة خرج اإلسالم من قفص االتهام ،وأصبح يقاس بمقاييس غيره ،فاإلسالم صالح ألنه
يتفق مع الديمقراطية ،وهو متطور ألنه يتفق مع مبادئ االشتراكية ،وسبب القياس على هذه المبادئ
ألن كثيراً من المثقفين كانوا مبهرين بتلك المبادئ والنظم ،..وفي هذه المرحلة ألبست األفكار الغربية
أحيانا ً للباس اإلسالم ،ليسهل مرورها واجتيازها إلى المجتمع اإلسالمي ،وأحيانا ً يُلبس اإلسالم لباس
األفكار الغربية؛ ليسهل على العقول التي ألفت التفكير الغربي أن تستسيغه وتقبله ،وظهرت كتبٌ في
هذه المرحلة ،مثل كتاب (ديمقراطية اإلسالم) للعقاد ،وكتاب (اشتراكية اإلسالم) لمصطفى السباعي.
أنها كانت تقوم على أساس نفسي من اإلعجاب بالغرب وإكباره ،واستشعار النقص والضعف .1
الفكري والثقافي.
أنها كانت تقوم على األخذ بالمثل والقيم الغربية واتخاذها مقاييس لتقويم مبادئ اإلسالم .2
ونظمه وقيمه.
تأثر المسلمين وانخداعهم ببعض األفكار واالصطالحات مثل التقدمية والتطور والتجديد. .3
نقل المسلمين لمشكالت الغرب التي نشأت في ظروف تاريخية خاصة به وإقحام تلك .4
المشكالت في داخل المجتمع اإلسالمي مع اختالف الظروف والمالبسات ،مثل مشكلة
الصراع بين الدين والعلم.
المرحلة الثالثة( :مرحلة ذاتية اإلسالم وظهور تميزه على المبادئ الغربية):
وفي هذه المرحلة بدأت تتضح صورة اإلسالم الخاصة به ،ومقاييسه الذاتية ،وبدأت مرحلة الوعي
بالذات وما تملكه األمة من مبادئ عليا ونظم صالحة أفضل مما هو موجود لدى الغرب ،وجد
المسلمون بين أيديهم رصيداً ثمينا ً من المثل والقيم والمبادئ والنظم ،واكتشفوا أن ما جاء به اإلسالم
نظا ٌم كامل وشامل للحياة.
وفي هذه المرحلة بدأت تتضح عيوب وسلبيات النظم الغربية ،وأصبحت توجه االنتقادات إليها،
فبدأت تتضح عيوب االشتراكية والعلمانية والديمقراطية ،وأن الشعوب لم تجد في تلك المذاهب
والنظريات ما يحقق رقيها وسعادتها.
تميز علم الثقافة اإلسالمية:
من المؤسف أن ترى البعض يحمل تصوراً خاطئا ً عن علم الثقافة اإلسالمية ،بل يذهب بعضهم إلى
أنه ليس هناك حاجة إلى هذا العلم ،وأن العلوم اإلسالمية األخرى تغني عنه ،ولذا نحاول أن نشير هنا
إلى تميزه عن العلو اإلسالمية األخرى:
التكامل:
فمما يميز علم الثقافة اإلسالمية أنه علم يبحث في كليات اإلسالم في نظم الحياة كلها ،وهذا يخرج
العلوم األخرى كعلم العقيدة وعلم الفقه..؛ ألنها علوم تبحث في فروع اإلسالم وجزئياته وليس في
كليات اإلسالم.
الشمول:
أن علم الثقافة اإلسالمية يتسم بالشمول ،ويقصد به :التناول الكلي للموضوع باعتباره وحدة مترابطة،
سواء كان الموضوع قيمة أو نظاما ً أو فكراً ،فاإلسالم يُتناول بوصفه منهج للحياة مترابط من جميع
الجوانب العقدية والعبادية والخلقية واالجتماعية واالقتصادية ..الخ.
المنهج:
ويتميز علم الثقافة اإلسالمية بقيامه على منهجية توجيه النقد إلى األيدلوجيات والمذاهب األخرى ،وال
سيما في هذا العصر الذي تتنافس فيه المذهبيات وتتصارع فيه األفكار ،فبواسطة النقد بحديه اإليجابي
والسلبي يمكن بيان الجوانب الجيدة والمتوافقة مع اإلسالم في الفكر اإلنساني ،وكذلك بيان جوانب
النقص والقصور واالنحراف التي تكشف عن حاجته إلى هداية الوحي.
اإلثبات:
ويتميز علم الثقافة اإلسالمية باعتماده على منهج المقارنة ،وذلك من أجل كشف كمال اإلسالم وفضله
وحاجة البشرية إليه.
إبراز النظرة الشمولية لإلسالم ،بوصفه منهجا ً شامالً لجميع جوانب الحياة ،أساسه التوحيد، .1
والتخلص من النظرة الجزئية لإلسالم التي تقصره على بعض جوانب الحياة.
تعميق انتماء الطالب إلى اإلسالم ،وربطه بكتاب هللا -عز وجل -وسنّة نبيه صلى هللا عليه .2
وسلم ،وتبصيره بما في هذين المصدرين الرئيسين من أصول القيم الخلقية والحضارية،
وذلك من أجل تحصينه اعتقاداً وفكراً وسلوكا ً من التيارات الفكرية المعارضة لإلسالم.
تجلية مواقف اإلسالم من قضايا العصر ،وخاصة في مجاالت العلوم المختلفة وحركة الفكر .3
ونظم الحياة االجتماعية والسياسية واالقتصادية ،..ونقدها من المنظور اإلسالم.
بيان تفوق اإلسالم وتميزه على المذاهب الفكرية واأليدلوجيات في كافة شئون الحياة، .4
وإظهار قدرته على تحقيق السعادة اإلنسانية في مقابل إخفاق تلك المذاهب واأليدلوجيات.
إعطاء الطالب صورة وافية عما صنعته رسالة اإلسالم العامة الشاملة في الحياة اإلنسانية، .5
من تحريرها للبشر من الوثنيات والخرافات ،وإنقاذهم من التخلف الفكري والتفكك
االجتماعي.
تشخيص حال األمة اإلسالمية في مجالي الفكر والسلوك والحركة الحضارية ،وبيان مواطن .6
الخلل فيها ومنهج العالج.
ومن هذ المنطلق من الجلي لنا أن الثقافة اإلسالمية هي أساس كل منطلقات الحياة العلمية والعملية
والدينية والدنيوية وهي المحرك األساسي للمجتمعات اإلسالمية والوسيط بين األفراد والمجتماعات
المختلفة ,وتربط الشعوب ببعضها وتحافظ على التآلف واألمن واألمان في ربوع الول اإلسالمية.