Professional Documents
Culture Documents
-4-
املقدمة
الحمد لله الذي هدانا ،وعلمنا وبين لنا سبيل الرشاد ،ونصلي ونسلم
على جميع األنبياء والمرسلين
داعين العلي القدير أن يهدينا إلى سواء السبيل فإنه نعم المولى
تجلى في عاله
في هذه الطبعة الجديدة لكتاب التبصرة تميزت بحذف وإضافة بعض
المفردات للمقرر آمال في المسقبل القريب العمل مع الزمالء على تأليف
كتاب نتناول فيه رؤية شاملة تتناسب واألهداف وإيقاع العصر
-5-
-6-
شكر وتقدير
فإنني أتوجه بالشكر الجزيل للدكتور سري نسيبة رئيس جامعة القدس
«السابق» صاحب الرؤية في التركيز على متطلبات الجامعة ،والقراءة
الجديدة الهادفة وخاصة منها مساق الثقافة اإلسالمية.
وأشكر بكل صدق واعتزاز الدكتور ح ّنا عبد النور نائب الرئيس للشؤون
األكاديمية والذي أشرف على تنفيذ الفكرة دون كلل ،أو ملل ،وإتاحته
الحرية الكاملة والمسؤلة في تأليف هذا الكتاب .
( )1رواه اإلمام أحمد في المسند ،ج ،2ص ،295وأخرجه الترمذي في السنن ،ج ،4ص ،329وقال حسن
صحيح.
-7-
-8-
الوحدة األوىل
ً
أوال :مفهوم اثلقافة اإلسالمية
هـذا المصطلـح يكثـر اسـتخدامه فـي حياتنـا اليوميـة ،ونـردده فـي مجالسـنا
المختلفـة ،نقـول مث ً
ال :هذا شـخص مثقف ،وآخر متعلـم ولكنه غير مثقف،
ونصـف شـعب ًا بعينـه أنـه ذو ثقافـة عاليـه ،وآخـر متـدن ثقافيـ ًا ،وحيـن ننتقد
بعـض السـلوكيات السـلبية فنعـزو السـبب فـي كثير مـن األحيـان للثقافة التي
تربـى عليهـا صاحبهـا ,وفـي الـدول الحديثـة أنشـأت وزارة تعـرف بـوزارة
الثقافـة ،وتنشـأ المراكـز الثقافيـة ويتبـع السـفارات فـي الوقـت الحديـث مـا
يسـمى بالملحـق الثقافـي ،مـا المعنـى المتبـادر لهـذا المصطلـح ؟ ومـا هـو
تعريفـه؟ وتاريـخ نشـأته ؟ وقبـل الخـوض فـي تعريفـه اصطالحـ ًا فإننـا نبيـن
معنـاه لغـه مـن خلال معاجم اللغـة ؛لمـا للمعنى اللغـوي من عالقـة بالمعنى
االصطالحي.
ّ -1
الذكاء والفطنة -:فنقول غالم لقن ثقف « أي ذو فطنة وذكاء ،والمراد»
أنه :ثابت المعرفة بما يحتاج اليه ،وقد ورد في حديث الهجرة « ..ثم لحق
-9-
النبي وأبو بكر بغار في جبل يُقال له ثور فمكث فيه ثالث ٍ
ليال عندهما
شاب لقن ثقف فيرحل من عندهما سحرا
ٌ غالم
ٌ عبد الله بن أبي بكر وهو
,فيصبح مع قريش بمكة كبائت ,فال يسمع أمرا يكادان به اال وعاه حتى
يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظالم».1
( )1البخاري ،محمد بن اسماعيل،صحيح البخاري ،كتاب اللباس ،باب العمائم به ،ج ،5ص ،2187تحقيق د.
مصطفى البغا1407 ،ه1987 ،م ،دار ابن كثير ،اليمامة.
( )2انظر ،ابن منظور،محمد بن مكرم ،لسان العرب ،مادة ثقف ج ،9ص ،19ط ،1دار صادر ،بيروت ،ومصطفى،
إبراهيم وآخرون ،المعجم الوسيط ،تحقيق ،مجمع اللغة ،دار الدعوة ،ج ،1ص.98
-10-
ً ً
ثانيا :تعريف اثلقافة اصطالحا
شي مربك
ٌ أن الوقوف على تعريف اصطالحي واضح ومحدد ويعتمد،
وصعب المنال ،وكثرة ايراد المشتغلين بهذا الفن للتعاريف المختلفة يشوش
الطالب دون فائدة ،لذا فإنني سأحاول وضع اآلثار والنتائج ثم أذك ُر عدد ًا
من هذه التعريفات والتي أراها أقرب إلى الفهم والهضم .
-11-
“ تعود جذور كلمة »” Cultureإلى اللفظ الالتيني “ .” Cultureالذي
يعني :حرث االرض وزراعتها ،وقد ظلت اللفظة مقترنه بهذا المعنى طوال
العصرين اليوناني والروماني ،وقد ظلت الكلمة هكذا حتى القرون الوسطى
حيث أطلقت في فرنسا على الطقوس الدينية ،وفي عصر النهضة اقتصر
مفهوم “ ”Cultureعلى مدلوله الفني واألدبي ،فتمثل في دراسات تتناول
مد فالسفة القرن السابع عشر إلى تطبيق المناهج
التربية واإلبداع ،وبعدها َع َ
العلمية في دراسة المسائل اإلنسانية وأفردوا مضمار ًا خاص ًا للعمليات
المتعلقة بمفهوم “ ،”Cultureفي كتابه-:
ً
ويمكن أن جنمل أهم اتلعريفات للثقافة اصطالحا بما ييل-:
وهو « أقدم التعريفات التي وضعت للثقافة ،وذلك سنة 1871م ،ويعد هذا التعريف
أول تعريف في علم اإلنسان لمصطلح الثقافة « -:الثقافة هي الكل المعقد أو
المتشابك الذي يضم المعرفة ،والمعتقدات ،والفن ،واألخالق ،والقانون ،والتقاليد،
2
وكل اإلمكانات األخرى ،والعادات التي يكتسبها اإلنسان كعضو في المجتمع”.
( )1عارف ،نصر محمد ،الحضارة – الثقافة – المدنية ،ص ، 20- 19ط1415 ،2ﻫ 1994 ،م ،المعهد العالمي للفكر اإلسالمي ،
الواليات المتحدة األمريكية.
( )2نوفل ،أحمد } وزمالؤه{ ،الثقافة اإلسالمية وقضايا العصر ،ص ،13-12ط 1434 ،2ﻫ 2013 ،م دار الحامد،
للنشر والتوزيع ،عمان.
-12-
-2تعريف ايلونسكو
الثقافة هي« :جميع السمات الروحية ،والمادية ،والفكرية ،والعاطفية التي تميز
مجتمع ًا بعينه،أو فئة اجتماعية بعينها ،وهي تشمل الفنون،واألدب وطرآئق الحياة،
1
كما تشمل الحقوق األساسية لإلنسان ،وتضم القيم والتقاليد والمعتقدات».
على ضوء ما تقدم فإن الثقافة فيها شق معرفي وخر قيمي سلوكي وبيان هذه
العالقة على النحو اآلتي « -:فهناك من يقصر الثقافة عل الجانب المعرفي
في الحياة ،أي ما يتعلق بالعلم والفكر ،وهناك من يوسع مفهوم الثقافة بحيث
ال تقتصر على الجانب المعرفي والفكري ،بل تشمل الجانب الوجداني الذي
يعن به الفن ،والجانب الروحي لذي يعن به الدين ،والجانب العملي أو السلوكي
الذي تعنى به األديان واألخالق ،بل تشمل الجانب المادي أيضا من الحياة،
فالثقافة أفكار ومعارف وإدراكات ،ممزوجة بقيم وعقائديات ،ووجدانيات ،تعبر
عنها أخالق وعبادات ،ودآداب وسلوكيات ،كما تعبر عنها علوم وآداب وفنون
متنوعات ،وماديات ومعنويات فاألكل يعتبر ثقافة فإذا كان المقصود باألكل البلع
والمضغ والهضم ،فليس من الثقافة في شيء ،فهذا يشترك فيه اإلنسان والحيوان
....ولكن إذا قيل لإلنسان سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك ،وكل من الحالل
-13-
الطيب وال تأ كل الخبيث ،وكل في إناء مباح ال في ذهب وال فضة وال تسرف وقل
الحمد لله بعد األ كل فهنا يصبح األكل ثقافة .وليس مجرد عملية حيوانية ...وكل
األمور المادية تنقلب إل ثقافة إذا ارتبطت بقيمة وهدف نبيل ،ومعايير وآداب
ترقى بها ,وتنقلها من المعنى الحيواني إلى األفق اإلنساني بالرغم من أن الجانب
المعرفي والفكري له أولوية على غيره ،على أساس أن الفكر يسبق الحركة ،وأن
العلم يسبق العمل ،وأن حركة اإلنسان ال تستقيم إال إذا استقام فكره وتصوره».
« مجموعة من الصفات الخلقية ،والقيم االجتماعية التي يلقاها الفرد منذ والدته
كرأسمال أولي في الوسط الذي ولد فيه «والثقافة على هذا هي « المحيط الذي
1
يشكل فيه الفرد طباعة وشخصيته»
ً
ثاثلا -:تعريف اثلقافة اإلسالمية
« -2طريقة الحياة التي يعيشها المسلمون في جميع مجاالت الحياة وفق ًا لوجهة نظر
اإلسالم وتصوراته سوآء في المجال المادي الذي يُسمى المدنية ،أو المجال الروحي أو
الفكري الذي يعرف بالحضارة»
( )1الدكتور نوفل ،أحمد} ،وآخرون{ في الثقافة اإلسالمية ،ص ،8ط 1411 ،2ﻫ 1990 ،م ،دار عمار ،االردن.
ط ،7 ( )2الدكتور أبو يحيى ،محمد }وآخرون { ،الثقافة اإلسالمية « ثقافة المسلم وتحديات العرص ،ص،19
1427ﻫ 2007 ،م ،دار المناهج للنشر والتوزيع ،عمان.
-14-
اإلسالمية ،بقصد سعادة الفرد والمجتمع ،وتقديم الحلول السلمية لكل مشكالتها،
1
والوفاء لكل ما يجد في حياتهما من حاجات»
«والثقافة اإلسالمية التي نعنيها ,ليست مجرد ( الثقافة الدينية ) كما يتوهم بعض
الناس .فكل ما هو إسالمي أوسع مما هو ديني باعتبار أن اإلسالم دين ودنيا ،وهذا
يلتبس فهمه على كثير من املتعلمني ،في قضايا كثيرة ,فمنهم من يتحدث عن التربية
الدينية ويحسب أنها هي التربية اإلسالمية ..مع أن التربية الدينية واحدة من أنواع شتى
من التربية كلها إسالمية ،مثل التربية العقلية أو التربية اخللقية أو التربية البدنية والتربية
املهنية ...وكذلك نقول :إن الثقافة اإلسالمية تشمل الثقافة األدبية واللغوية ,وتشمل
الثقافة التاريخية .وتشمل الثقافة اإلنسانية التي تتصل بالعلوم اإلنسانية واالجتماعية،
وتشمل الثقافة الفنية التي تتصل بالفنون املختلفة ،وتشمل ثقافة الواقع سواء كان واقع
3
املسلمني أم واقع غيرهم .كما تشمل الثقافة الدينية أيضا ».
أما في االصطالح وعلى الراجح -:يقتصر على الجانب المادي من الحياة ويشمل
مظاهر ال ّرقي العمراني ،والتكنولوجيا ،والوسائل واألدوات.
( )1الدكتور الشرقاوي ،أحمد }وآخرون { ،مدخل إلى الثقافة اإلسالمية ،ص ،21ط 1425 ، 1ﻫ 2004 ،م ،مكتبة
الرشيد ،الرياض.
( )2الدكتور نوفل ،أحمد وزمالؤه ،الثقافة اإلسالمية وقضايا العصر ،ص ،13المرجع سابق.
()3القرضاوي ،يوسف ,ثقافتنا بين االنفتاح واالنغالق ,ص 22 , 21
-15-
وبهذا املفهوم تشتمل املدنية ىلع جانبني-:
أ -المدنية العامة وهي التي ال تختص بأمّة دون أمّة كالمخترعات والمكتشفات .
ب -المدنية الخاصة -:وهي الصناعات التي تحمل إشارات وعالمات خآصة برمز
1
لفكر معين وهذه يحرم التعامل معها»
-2بيان موقفنا من المدنية الغربية حتى نميز خيرها من ش ّرها ،ونعرف ماذا نأخذ،
2
وماذا ندع من أنواع المدنيات الخاصة منها والعامة»
( )1الدكتور سعيد ،همام ،وآخرون ،الوجيز في الثقافة اإلسالمية،ص ،30ط1425 ،2ﻫ2005 ،م،دار الفكر ،عمان.
( )2الدكتور أبو يحيى ،محمد ،وزمالؤه ،الثقافة اإلسالمية ،ص ،46ط1427 ،7ﻫ2007 ،م ،دار المناهج للنشر
والتوزيع ،عمان.
( )3الخطيب ،عمر عوده ،لمحات في الثقافة اإلسالمية ،ص،42ط1401 ،7ﻫ1981 ،م ،مؤسسة الرسالة ،بيروت.
-16-
والحضارة تعتبر كيان ثقافي مستقل ،ويمكن أن تدوم وتتطوّر أو تنهض وتسقط كما يمكن
أن تندثر في رمال الزمن ،وهناك نظريات مختلفة في المراحل التي تمر بها الحضارة.
اثلقافة والعلم-:
ال َ
شك أن الثقافة كمدلول اصطالحي عن العلم ،وال يجوز الخلط بينهما وأهم
الفروق بينهما-:
أن ك ً
ال من العلم والثقافة معرفة ،ولكن طريقة الحصول على المعرفة فيهما َ -1
مختلفة ،فالمعرفة الثقافية نحصل عليها عن طريق اإلخبار ،والتلقي واإلستنباط،
وميدانها األفكار ووجهات النظر ،وما يترتب عليها من نظم وقوانين ،بينما نحصل
على المعرفة العلمية عن طريق المالحظة والتجربة واإلستنتاج ،وميدانها المواد
المحسوسة التي نجري عليها التجارب.
فهي
َّ -2أن العلم عالمي ال تختص به أمّة دون أخرى فهو ال وطن له ،أمّا الثقافة
خاصة بأمّة معينة بمعنى أن العلم ال يختلف من بيئة إلى بيئة أخرى ،فمث ً
ال علم
عما في الصين أو الهند أو أمريكيا ،أما الثقافة
الكيمياء ال يختلف في اإلسالم ّ
فإنها تختلف ،فالثقافة اإلسالمية تختلف عن الثقافة الغربية وعن الثقافة الصينية
2
وعن الثقافة الهندية ،فلكل أمّة دينية ثقافتها الخآصة بها»
( )1هنتجتون ،صامويل ،صدام الحضارات ،ص ،67،68،73،75،76،77،78ط ،1999 ،2ترجمة طلعت الشايب
( )2الدكتور الشرقاوي ،أحمد ،وزميله ،مدخل إلى الثقافة اإلسالمية ،ص،20مرجع سابق ،الرشيد.
-17-
-3الثقافة تحتوي على جانب معياري ،بمعنى ؛ أنها تتضمن مقاييس للسلوك
كالتحسين والقبيح ،والخير والشّ ر ،وما ينبغي وما ال ينبغي.
ب األمّة،
وح ّ
ب اللهُ ،
وح ّ
الدينُ ،
كحب ْ
-4الثقافة في جزء مهم منها مشاعر ُ
واالنتماء إلى التاريخ ،واالعتزاز بالشخصية الوطنية ،وليس العلم كذلك « فهو
1
حقل معرفي يتصل بالعقل التجريبي ،ال بالقلب والمشاعر»
العلم طريق بناء الحضارة وبه يحارب الجهل فهو رفعة لصاحبه وتحيا النفوس
وتزدان به وال يمكن تحقيق سبل العيش الرغيد دونه وقد ذكر العلماء آدابا لطالب
العلم ومن أهمها:
أو ً
ال -اإلخالص :فالعلم في حقيقته عبادة يتقرب بها لله سبحانه وتعالى ومن
شرو قبولها أن تكون موافقة للشرع الحنيف وأن تكون خالصة لله سبحانه فالرياء
في العبادة يحبط العمل فينبغي لطالب العلم ابتداء أن يصحح ويراقب نيته بحيث
( )1الدكتور نوفل ،أحمد ،وزمالؤه ،الثقافة اإلسالمية وقضايا العصر ،ص.15
( )2الدكتور أبو يحيى ،محمد ،وزمالؤه ،الثقافة اإلسالمية ،ص.56
-18-
يبغي من طلبه العلم في أي مجال علمي يختار أن يكون مقصده رضوان الله سبحانه
فالعمل مهما كان جليل القدر إذا لم تتبعه النية الصادقه فهو خسارة في الدنيا
واآلخرة يقول عليه الصالة والسالم « »:مَن تع َّل َم ِعلم ًا ِم َّما ي ُْب َتغَ ى بِ ِه وَج ُه اللهُ ،ال
1
يوم ال ِقيا َم ِة»
الج َّن ِة َ
ف َ الدنياَ ،ل ْم ي َِج ْد َع ْر َ
يب بِ ِه َع َرض ًا ِمن ُّ
ص َيتع َّل ُمه ِإال ل ُي ِ
َ
ثانيا -علو الهمة فال بد لطالب العلم أن تسمو همته في طلبه فيبذل ما في وسعه
لتحصيله وال يركن إل الكسل والتواني وال يسوف ,ويجعل قدوته العلماء العاملين
2
الذين جدوا وتابقوا في هذا الميدان»
3
سادسا -إدامة الذكر والتواضع والصدق»
اتلعايش اثلقايف
في ظل التطورات التكنولوجيه المتسارعة :يشهد العالم تقارب ًا تكاد تختفي معها
الفوارق الزمانية والجغرافيا ،والبشرية المنتشره على أصقاع هذه المعمورة ذات
مشارب وحضارات مختلفة ،ونحن نناقش المصطلح أعاله فإننا نسلط الضوء على
المبادىء األساسية التي يمارسها المسلم في التعامل مع اآلخر ،وأقصد هنا باآلخر
من هو من جنس أو عرق أو دين أو ثقافة مختلف عنا.
( )1اإلمام أحمد ,المسند ج , 2ص 338
()2الشرقاوي وزمالؤه ,مدخل إل الثقافة اإلسالمية ,ص 256
( )3رسالن ,أبو عبد الله ,محمد ,آداب طالب العلم ,ط , 1993 , 1دار ابن حزم بيروت بتصرف ,يراجع الكتاب
-19-
يقول هيقل « إن الوعي بالذات يستوجب حضور اآلخرين» 1ويذهب» ميشال
2
تورناي إلى القول « :إن االحتكاك يولد وعي ًا ،جديد ًا لالختالف مع اآلخر»
ينبغي أن ينظر إلى إشكالية األنا واآلخر ،وفق منظور أن األنا ليس خير ًا مطلق ًا؛
ألنها تتضمن التجربة التاريخية التي ارتكبت فيها المظالم ،كما أن اآلخر ال
يشكل الشر المطلق ،فهو يتضمن التطور والعلم والتكنولوجيا ،إننا ال ندعو إلى
مواءمة بين األنا واآلخر وإنما ندعو إلى بلورة األطر المناسبة لإلفادة المتبادلة عن
3
طريق الحوار ،والتفكير المشترك بين األنا واآلخر»
ويمكن أن نسجل أهم انلقاط اليت يدعو إيلها اإلسالم يف سبيل تعزيز العيش مع اآلخر-:
إن التعايش ضرورة يعني االعتراف باآلخر وبحقوقه ،ولكنه ال يعني اإلقرار
ّ -1
بصحة دين اآلخر وثقافته ،فهما أمران مختلفان.
-2إن االطالع على ثقافات اآلخرين؛ لمحاورتهم مطلب شرعي ،وطريق هام
4
للدعوة إلى الله تعالى »
-4إن التنوع والتمايز والتعدد واالختالف هو ُس ّنة إلهية كونية مطردة في سائر
عوالم المخلوقات ،وأن هذه التعددية هي في إطار وحدة األصل الذي خلقه الله
سبحانه وتعالى ،فاإلنسانية التي خلقها الله من نفس واحدة تتنوع إلى شعوب
(http:flasaflgtga.c.blogspot.com )1
(tareekeihajeh.blogspot.com )2
(http: www.hiramagazine.com )3
( )4الدكتور نوفل ،أحمد ،وزمالؤه ،الثقافة اإلسالمية وقضايا العصر ،ص ،43مرجع سابق.
-20-
وقبائل وأمم وأجناس وألوان ،وكذلك إلى شرائع في إطار الدين الواحد وإلى
مناهج ،أي ثقافات وحضارات في إطار المشترك اإلنساني الواحد الذي ال
تختلف فيه الثقافات ،كما تتنوع إلى عادات وتقاليد وأعراف متمايزه حتى
داخل الحضارة الواحدة بل والثقافة الواحدة ،وهذا التنوع واإلختالف والتمايز
فهذه مسألة بالغة األهمية ولها األثر الطيب على األمم والمجتمعات فلكل أمة
عقيدة أو مبادىء تقدسها وتلتزم بها وتعتبرها أسمى من غيرها ويدخل في هذا أركان
اإليمان عند المسلمين ،ولغير المسلمين ما يقدسونه ويحتفون به من آلهة يعبدونها
أو مبادىء يعتزون بها ،ومبدأ االحترام مبدأ قرآني أصيل ».قوله تعالى ﭽﮬ ﮭ
ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﭼ األنعام.2 »١٠٨ :
لنا أن نأخذ منها ما كان منسجم ًا مع ثقافتنا ومفيد ًا ،ونرد ما يتعارض مع ديننا
ونجري التعديالت الالزمة على ما يتعارض جزيئ ًا مع ثقافتنا كما في أساليب
«فالمسلمون عندما انفتحوا على ثقافة 3
اللباس والطعام والرياضة والحياة »
مدرسة اإلسكندرية في القرن الهجري األول ،ترجموا علوم الطبيعة « تقنيات
العلوم الطبيعية والدقيقة المحايدة» ،ولم يترجموا ديانات مصر « الوثنية أو
( )1مقال بعنوان فلسفة اإلسالم في التعايش مع اآلخر الديني الثقافي أ.د .محمد عمارة.
( :http:alwaei.com )2مقال بعنوان :التعايش مع اآلخر حقيقة تاريخية وضرورة واقعية ،الشيخ محمد الحسن ولد
الددو الشنقيطي ،وزارة األوقاف ،الكويت ،رقم العدد ،532 :بتاريخ2010/9/3 :م.
( )3د .نوفل ،أحمد }وزمالءة{ ،الثقافة اإلسالمية وقضايا العصر ص 44بتصرف واختصار بسيط.
-21-
النصرانية» وال الفلسفات الهلينية والغنوصية ،وكذلك صنع المسلمون عندما
انفتحوا على التراث الروماني منذ عصر الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي
الله عنه.
فلقد أخذوا نظم الدواوين دون أن يأخذوا القانون الروماني ،والحال نفسه مع
الحضارة الفارسية فأخذوا التراتيب اإلدارية دون أن يأخذوا فلسفات المجوسية
والهندية ،إذ أخذ المسلمون الفلك والهندسة والحساب دون العقائد والتراث
اإلغريقي ،بنفس الطريقة وبنفس المعايير كان انفتاح الحضارة االوروبية إبان
نهضتها على الحضارة اإلسالمية عندما أخذت العلوم التجريبية والمنهج التجريبي
والخبرات اإلسالمية ،دون منظومة القيم اإلسالمية ،والعقائد اإلسالمية وفلسفة
1
العلم عند المسلمين»
« ومن دالئل االنفتاح في الثقافة اإلسالمية أن القرآن الكريم جاء مصدقا ومهيمنا
على الكتب السماوية السابقة ومن هيمنته عليها أنه جاء متمما لها ،مرتقيا بالبشرية
إلى أبلغ مدى تستطيع الوصول إليه في زمن الرسالة الخاتمة ...ونجد أن الرسول
صلى الله عليه وسلم في سيرته لم يلغ كل ما كان عليه العب قبل اإلسالم ،بل
ألغى الفاسد وأبقى على الصالح من أعرافهم وعقودهم ومعامالتهم فمثال الحج
أبقى اإلسالم على الكثير من مناسكها التي توارثها العرب من ملة إبراهيم،
مثل الطواف والسعي بين الصفا والمروة وغيرها ،وحذف منها ما يخالف عقائد
اإلسالموقيم اإلسالم ،مثل قولهم في التلبية :لبيك ال شريك لك ،إال شريكا
2
هو لك ،تملكه وما ملك .يعنون األصنام »
-22-
الويع اثلقايف
تعريف الويع:
تعبر عن حالة عقلية يكون فيها العقل بحالة إدراك وعلى تواصل
«الوعي :كلمة ّ
مباشر مع محيطه الخارجي عن طريق منافذ الوعي التي تتمثل عادة بحواس
اإلنسان الخمس ،كما يمثل الوعي عند العديد من علماء ال ّنفس الحالة العقلية
التي يتميز بها اإلنسان بملكات المحاكاة المنطقية الذاتية(( :اإلحساس ّ
بالذات،
واإلدراك الذاتي ،والحالة الشفوية ,والحكمة ,أو العقالنية والقدرة على اإلدراك
الحسي للعالقة بين الكيان الشخصي والمحيط الطبيعي له ،والوعي بأمر ما يتضمن
معرفته ،والعمل بهذه المعرفة)) ،وقد يكون الوعي وعي ًا زائف ًا ،وذلك عندما تكون
أفكار اإلنسان ووجهات نظره ومفاهيمه غير متطابقة مع الواقع من حوله ،أو غير
واقعي وقد يكون جزئي ًا ،وذلك عندما تكون األفكار والمفاهيم مقتصرة على
جانب أو ناحية معينة وغير شاملة لكل النواحي والجوانب المترابطة والتي تؤثر
1
وتتأثر في بعضها البعض في عملية تطور الحياة»
(http:ar.wikwpedia.org )1
(http:www.dabakkar.com )2
-23-
إن الوعي الثقافي مقتضاه أن يتضمن مدلول الوعي كمصطلح إدراكي ثم تطبيق
مقتضى الثقافة كمصطلح شائع اليوم على األلسنة وهو من المصطلحات المعاصرة
كما هو مدون في كتب المعاجم ،والراجح أن هذا المصطلح حتى تتحقق شروطه
البد من توافر عنصرين فيه وهما:
ّ
-أو ً
ال :األفكار والمعارف ونمط التفكير.
-ثاني ًا :مدى تطبيق القيم والمثل التي هي دالئل ومؤشرات ثقافية ،إذ ال يستقيم
مصطلح الوعي الثقافي دون الممارسة العملية لهذه القيم.
ّ
وحنن إذا أردنا أن حنقق هذا املفهوم فالبد من العمل ىلع ما ييل:
ً
-أوال :العمل ىلع إجياد الشخصية املتوازنة:
بأن له رسالة
ونقصد بذلك اإلنسان المسلم اإليجابي والذي يعي حقيقة وجوده ّ
في هذه الحياة وهي مهمة كبرى يقول سبحانه :ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
1
ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ البقرة:
«والخليفة هو القائم مقام غيره يقال هذا خلف فالن وخليفته قال ابن األنباري:
واألصل في الخليفة خليف بغير هاء قد حلت الهاء للمبالغة في مدحه بهذا الوصف
ونسآبه وراوية وفي معنى خالفة آدم قوالن: كما قالوا ّ
عالمة ّ
أحدهما :أنّه خليفة عن الله تعالى في إقامة شرعه ودالئل توحيده والحكم في
خلقه وهذا قول ابن مسعود ومجاهد .والثاني :أنّه خلف من سلف في األرض
عباس والحسن»
2
قبله وهذا قول ابن ّ
( )1ابن الجوزي ،عبد الرحمن ،زاد المسير في علم التفسير ،ج ،1ص ،60ط1404 ،3هـ ،الكتب اإلسالمية ،بيروت.
( )2ابن الجوزي ،عبد الرحمن ،زاد المسير في علم التفسير ،ج ،1ص ،60ط1404 ،3هـ ،المكتب اإلسالمي ،بيروت.
-24-
وهذا الهدف النبيل الب ُّد من إذكائه بين ال ّناس؛ كي يستحصروا عظمة المسؤولية
ّ
يستفز ذاته نحو الكمال وتحري متطلبات وك ّلما أدرك اإلنسان أنه مسؤول ومكلف
المسؤولية يقول سبحانه :ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ الزخرف:
٤٤يقول الرازي في تفسيره« :وفيه وجهان :أحدهما أنه ذكر من الله تعالى ذكر
به عباده فعرفهم تكاليفه وأوامره والثاني :أنّه ذكر شرف وفخر لمن آمن به وأنّه
شرف لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته».1
ً
ثانيا :العمل ىلع إجياد الشخصية انلاقدة:
وأقصد بذلك :القدرة على إبداء الرأي أو اآلراء المناسبة ،والحضور العلمي واالجتماعي
والسياسي الفعال ،وإبداء الرأي ال يعني إطالق األحكام جزاف ًا ،انّما المقصود الشخصية
التي لها القدرة على التحليل ،وربط الجزئيات بالكليات ،واألهم من ذلك أو في مرحلة
نهائية القدرة على إصدار الحكم وهذه الحالة في نظري تفتقد إليها ّ
جل مجتمعاتنا؛ ألنها
استمرأت التلقين دون الهضم المعرفي ،وحشو المعلومات دون القدرة على التميز.
«في دراسة استخدمت التحليل العلمي طبقت في الثقافة الخليجية البحرينية ،لتحديد
سمات الشخصية الناقدة ،تتمحور في ست أبعاد رئيسة:
-1بعد التقويم :ويتضمن القدرة على إصدار الحكم ،وتقويم الحجج ،والقدرة على
االستدالل.
-2بعد المعرفة :ويتضمن القدرة على التحدي والتخيل ال ّنقدي ،والمخاطرة المدروسة
والمرونةالمعرفية.
( )1الرازي ،فخر الدين ،التفسير الكبير ،ج ،2ص ،14ط1421 ،1هـ2000 ،م ،دار الكتب العلمية ،بيروت.
-25-
-3بعد فهم قواعد المنطق :ويشمل معرفة قواعد المنطق ،وال ّربط ،والتنظيم العقالني
وكشف المغالطات أثناء النقاش.
-4بعد القدرة على التفسير :ويتضمن القدرة على االكتشاف والنقاش والجدل والميل
إلى التناسق المعرفي ،والتفسير المنطقي للظواهر الحياتية وتطبيق المعارف.
-6بعد الحساسية تجاه المشكالت ويتضمن الحساسية تجاه المشكالت ،والقدرة على
وضع االفتراضات الصحيحة وتحديد المشكالت بطريقة منطقية».
1
أن ال ّنقد يسهم في بلورة وعينا بذاتنا من خالل منحه المحددات والمشخصات
-األولّ :
ألبعاد هذا الوعي ومفاصله ومحصالته؛ حيث نحاول أن نجعل منه ذاتا « (ال
استمرارية) للسياقات والمعطيات السابقة.
ونجعل مما ننقد موضوع ًا نعمل فيه وعينا وخبراتنا المتراكمة وذلك سعي ًا للمحافظة
على التواصل مع أهدافنا واالتجاه الذي رسمناه ألنفسنا ،كيال يذهب به االمتداد.
أن ال ّنقد يساعدنا على النجاة من تكرار األخطاء السابقة؛ فال ّنقد ُّ
يدل -الثانيّ :
على إدراك الخطأ وتشخيصه ورفضه ،وحين يشفع بالتعليل المنهجي والمنطقي
ضد النكوص والتلطخ بأوحال
ّ والتجريبي الكافي؛ فإنّه يمنحنا حصانة ممتازة
األخطاء السابقة.
(http:tfkernaged.word )1
-26-
أن من المفيد كثير ًا أن نذكر نماذج مما ثبت خطؤه أو قصوره من أعمال
وال أظن ّ
السابقين ،فذلك كثير ومعروف ،لكن يظل المهم بالنسبة لنا هو امتالك التفكير
السببي المنطقي ،والتمتع بالحس ال ّنقدي واإلستحواذ على رؤية حضارية شاملة،
تمكن من إدراك العناصر واألبعاد الالزمة لقيام أمة عاملة بواجب االستخالف في
األرض ،ونشر أعالم الهداية وإعجاز األرض بعيد ًا عن اإلنسياق وراء عنصر من
1
عناصر البناء أو االنجراف في تيارات المبالغات وردود األفعال»
ً
-ثاثلا :املعرفة باآلخر وخطورة اجلهل به:
يقول اإلعالمي عماد الدين أديب «الجهل بهموم ال ّناس مصيبة ،والجهل بأفكار
وحقائق اآلخر من أبناء الوطن الواحد الذي قد يختلفون معك في المنطقة ،أو
الطبقة ،أو الديانة ،أو المذهب ،أو الحزب السياسي كارثة ،والجهل بظروف
جيرانك ،ودول الجوار المحيطة بك نذير حرب إقليمية ،والجهل بالقرارات،
والقوانين الدولية هو أقصر طريق يؤدي إلى ضياع الحقوق الوطنية ،الجهل
بشؤون المال واالقتصاد مقدمة منطقية للخراب ،والجهل بأصول الدين والديانات
أن أخطر حاالت الجهل
األخرى هو وصفة مؤكدة للحروب الطائفية ،وفي يقيني ّ
2
على اإلطالق هو أن أجهل أنني جاهل»
تحت عنوان خطورة الجهل باآلخرين كتب الشيخ محمد الغزالي –رحمه الله-
«من األخطاء التاريخية التي أساءت إلينا طوي ً
ال جهلنا بغيرنا ،وقصورنا عن إدراك
عدو ًا مزعج ًا وأكثر الغارات
أحوالهم العامة ،وقد يكون هذا الغير خصم ًا ضاغن ًا ،أو ّ
التي قوضت بنياننا الحضاري كانت تشبه الزالزل المباغتة ال يعرف لها وقت
( )1بكار ،عبد الكريم ،المسلمون بين التحدي والمواجهة ،ص ،43-42ط1432 ،4هـ2011 ،م ،دار القلم ،دمشق.
( / http:classic.aawsat.com )2جريدة الشرق األوسط ،مقال لإلعالمي عماد الدين أديب ،الجهل أخطر من
مائة فتنة ،األربعاء 13 ،رمضان 1433هـ ،اغسطس 2012م ،العدد 12300
-27-
أو تتخذ لها أهمية .وقد سقطت لنا عواصم ،وضاعت من دار اإلسالم أقطار،
والمسلمون في غفالت أوّل الليل التي يقول فيها الشاعر:
-1سبر اإلرتقاء الثقافي واإلحاطة باآلماد التي بلغها غيرنا حتى نعرف من
نخاطب؟ وماذا نقول؟
-3دراسة التيارات السياسية والقوى العسكرية التي حظي بها غير المسلمين
وتقدير ما تقدمه لألديان والمذاهب األخرى من دعم ،ووضع ذلك تحت أنظار
المسؤولين.
-أما النشاط الثاني فهو داخلي يتحرك في دار اإلسالم ويقوم بما يأتي:
-1محاربة الغش الثقافي واالنحراف الفكري اللذين أبعدا األمّة اإلسالمية عن
كتاب ربّها وس ّنة نبيها وجعالها صورة مشوهة للدين الحق ،وأعجزها عن نصرته.
-2إعادة بناء األمّة اإلسالمية على أساس أن الوحي حياة ،وأن دراسة الكون أهم
ينابيع اإليمان ،وأن حسن استغالله سالح اقتصادي وعسكري خطير.
-28-
-3تالوة الكتاب العزيز على أنه منهج للعمل ،وتربية األمّة على األخالق المتينة
وتعلم الحكمة.
إن العقول التي تسترسل مع األهواء والخرافات ال تصنع فكر ًا وال حضارة إنّما
ّ
أن
تؤسس للتخلف والجهل؛ ولذا جاء اإلسالم يدعو إلى إعمال العقل ،فنجد ّ
القرآن يعزز مفهوم إذكاء السنن الربانية والتي تتطلب العمل الدؤوب والعمل
الجاد في كآفة الميادين.
يقول األستاذ جودت سعيد «وهذا الموضوع :موضوع الس ّنة ربما يمكن تقبله
أن المشكلة مشكلة العقل وما يعرض له من الركود والعطالة بدون صعوبة كبيرة ،إ ّ
ال ّ
عن أداء وظيفته أو ارتباطه بسنن الكون هذه الوظيفة وظيفة التسخير ،ولقد اعتنى
القرآن الكريم عناية بالغة واستنهض الهمم؛ حتى ال يفقد العقل مضاءه وقوّته في
إدراكه لسنن الحوادث واالعتبار بها واعتبر الذين عط ّلوا قلوبهم كاألنعام ،بل
ّ
أضل والمصدر األساسي للعطالة :العقيدة العبثية في الوجود والكون :اعتقاد هم
العبث واللعب في الوجود ،يقول تعالى في هذا ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ
ﰄ ﰅ ﰆ ﭼ الدخان ٣٨ :وقوله تعالى :ﭽ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ
ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﭼ المؤمنون.١١٥ :
( )1الغزالي ،محمد ،تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل ،ص ،38-37ط1401 4هـ1981 ،م ،المعهد العالمي
للفكر اإلسالمي ،الواليات المتحدة األمريكية.
-29-
السنن ،وعالقة الطاقة
إن العقيدة العبثية في الكون هي :عدم رؤية ال ّنظام وعدم رؤية ُّ
إن الذي ال يرى
ظن العبثية في الوجودّ ،
المفكرة اإلنسانية بسنن الكون ،وهذا هو ّ
يقدر المسؤولية الدنيوية وال المسؤولية
هذه العالقة وهذا االرتباط ال يمكن أن ّ
يقدر المسؤولية االجتماعية وال المسؤولية الفردية» . 1
األخروية ،أي ال ّ
ونحن أحوج ما نكون إلى ترسيخ هذه المفاهيم في الوقت «الذي تهيمن
الحضارة الغربية على أوجه النشاط اإلنساني المختلفة ،في ربوع الغرب على
اختالفه ،ويعكس ذلك تأثير ًا مباشر ًا على العالم اإلسالمي بدرجات متفاوتة بين
صقع وآخر ،وفئة وأخرى ومن المعلوم أن عناصر هذه الحضارة إنما تدور على
محورها الوحيد أال وهو الزخم المادي الذي أحال اإلنسان بكل خصائصه الفكرية
البد أن
ّ والوجدانية والروحية إلى حيوان يلهث سعي ًا وراء المتعة المادية ،ثم كان
يفقد الفكر اإلنساني حريته تحت سلطان هذا الزخم المادي فيتحول إلى جندي
3
يتحرك في خدمة ذلك الحيوان المادي الهائج بين جوانح هذا اإلنسان الجديد»
( )1سعيد ،جودت ،حتى يغيروا ما بأنفسهم ،ص ،202-201ط1414 ،7هـ1993 ،م ،دار الفكر المعاصر ،بيروت.
( )2د .أحمد ،أبو سليمان ،عبد الحميد ،أزمة العقل المسلم ،ص ،152-151ط1414 ،3هـ1994 ،م ،ط ،3المعهد
العالمي للفكر اإلسالمي ،الواليات المتحدة األمريكية،
( )3البوطي ،محمد سعيد ،وهذه مشكالتنا ،ص1431 ،120هـ2010 ،م ،دار الفكر ،دمشق.
-30-
ً
خامسا :إثبات األنا اثلقايف:
أقصد هنا أن تبق الهوية الثقافية للمسلم في حصانة من التيارات الوافدة الجارفة،
أن هذا تحدي كبير
وتركز معالم هذه الهوية على الدين واللغة والتاريخ وال شك ّ
بعد الهيمنة الغربية علينا في كل المجاالت.
يحيط بنا َ
واإلسالم يريد لنا مستوى فوق مستوى الضرورة ،أو مستوى الكفاف إلى مستوى
ّ
بكل عناصرها ومقوّماتها ،قال النووي في تحديد الكفاية، الكفاية بل الكفاية التآمة
قال أصحابنا:»المعتبر المطعم ،والملبس ،والمسكن ،وسائرما ال ب ُّد منه ،على ما
يليق بحاله بغير إسراف وال إقتار ،لنفس الشخص ولمن هو في نفقته» 1.
واالقتصار على االستهالك للمنتج الوطني ،أو المحلي ،أو الذي يدعم اقتصاد
األمّة دون اإلنبهار بكل ما أنتجته يد الغرب ،وما نشتريه يكون للحاجة ال إلشباع
نهم التسوق أو المباهاة أمام اآلخرين.
جدة.
( )1النووي ،أبو زكريا ،محيي الدين ،المجموع ،ط ،6ص ،172تحقيق محمد المطيعي ،مكتبة اإلرشادّ ،
-31-
-3اإلعتزاز بالثقافة اإلسالمية وتعليمها بالقول ،والعمل في المؤسسات والمحاضن
التربوية المختلفة.
-4العمل على إيجاد المؤسسات ذات العالقة بالمجتمع المدني والتي تقوم بدور
الرافد للثقافة اإلسالمية.
-32-
الوحدة اثلانية
وال ّرباني :العالم الصابر ،كقوله تعالى في سورة المائدة «والربانيون» المائدة ،44
2
يعني العلماء الصابرين»
( )1األصفهاني ،الراغب ،معجم مفردات ألفاظ القرآن ،ص .189دار الفكر ،بيروت
الدامغاني ،أبو عبد الله ،الحسين ،الوجوه والنظائر أللفاظ كتاب الله العزيز ،تحقيق عربي عبد الحميد ،ص،238
(ّ )2
ط 2003، 1م 1424 ،ﻫ ،دار الكتب العلمية ،بيروت
-33-
منسوب
ٌ أتباع كل ناعق» ،قال ابن األثير :هو
ُ ومتعلم على سبيل نجاة،وهمج رعاع
ٌ
إلى ال ّرب بزيادة االلف والنون للمبالغة قال :وقيل هو من ال ّرب بمعنى التربية ،كانوا
يربّون المتعلمين بصغار العلوم قبل كبارها ،والرباني العالم الراسخ في العلم والدين
يطلب بعلمه وجه الله ،وقيل :العالم العامل المتعلم» .1
ُ أو الذي
ُ
يجعل غايته األخيرة وهدفه البعيد فأما ربانية الغاية والوجهة ،تعني :أن اإلسالم
هو -:حسن الصلة بالله تبارك وتعالى ،والحصول على مرضاته ،فهذه هي غاية
اإلسالم ،وبالتالي هي غاية اإلنسان ،ووجهة اإلنسان ومنتهى أمله وسعيه ،وكدحه
في الحياة ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭼ االنشقاق.٦ :
( )1ابن منظور ،محمد بن مكرم ،لسان العرب ،ج ،1ص ،403ط ، 1دار صادر ،بيروت
( )2القرضاوي ،يوسف ،الثقافة اإلسالمية بين األصالة والمعاصرة ،ص ،26ط1456 ،2هـ2005 ،م ،مكتبة وهبة ،القاهرة.
-34-
ومن ثمرات هذه الربانية يف انلفس واحلياة -:
ً
أوال :معرفة غاية الوجود اإلنساني.
ً
ثانيا :االهتداء إلى الفطرة؛ فيهتدي اإلنسان إلى فطرته التي فطره الله عليها ،والتي
تتطلب اإليمان بالله تعالى وال يعوضها شيء غيره .يقول تعالى ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ
ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ
ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭼ الروم٣٠ :
ً
ثاثلا :سالمة النفس من التمزق والصراع.
ً
رابعا :التحرر من العبودية لألنانية والشهوات.
أن هذه الثقافة مصدرها وحي من الله سبحانه وتعالى إلى خاتم رسله محمد صلى
بمعنى ّ
الله عليه وسلم ،فلم ِ
يأت هذا المنهج نتيجة إلرادة فرد ،أو إرادة أسرة ،أو إرادة طبقة،
أو إرادة حزب ،أو ارداة شعب ،وإنّما جاء إلرادة الله ،الذي أراد به الهدى والنور والبيان،
والشفاء والرحمة لعباده ،كما قال تعالى يخاطبهم « ﭽ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ
ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﭼ النساء ١٧٤ :ﭽ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ
1
ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﭼ يونس»57 :
( )1القرضاوي ،يوسف ،مدخل لمعرفة اإلسالم ،ص ،137-133باختصار بسيط ،ط1417 ،1هـ1996 ،م،
-35-
ً
ثانيا :اإلجيابية
الثقافة اإلسالمية تسلح أتباعها بالطاقة اإليجابية والتي تتمثل بالنظرة الفاعلة دون
التواني والعجز والكسل ،فال مكان لليأس واإلحباط ،فاإلسالم يحرص على ما
ويفيد في استمرارية الحياة ،يقول عليه الصالة والسالم « :احرص على ما
ُ ينفع
ينفعك ،وال تعجز ،وإن أصابك شيء فال تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا ولكن
1
قل قدر الله وما شاء فعل ،فإن لو تفتح عمل الشيطان»
ومن مظاهر االيجابية لهذه الثقافة أنها تدعو إلى األمر بالمعروف والنهي عن
المنكر ،وهذه قاعدة عظيمة فهي صمام أمان للمجتمع مع انتشار الفساد وإحالل
الخير والصالح على المجتمع.
«ويوصي النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالعمل؛ لعمارة الحياة حتى آخر
لحظة في عمر الدنيا ولو لم ينتفع أحد بثمرة العمل ،ولكن احترام ًا لقيمة العمل
في ذاته عن أنس بن مالك قال قال النبي « إن قامت الساعة وفي يد أحدكم
2
فسيله ،فإن استطاع أن ال تقوم حتى يغرسها فليغرسها فله بذلك أجر»
إن اإلسالم يرفض اإلتكالية المنهزمة التي نراها في قول أصحاب موسى له «
( )1النيسابوري ،أبو الحسين ،مسلم ،صحيح مسلم ،تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ،كتاب القدر ،باب األمر بالقوة
وترك العجز واالستعانة بالله وتفويض المقادير لله ،ج ،4ص ، 2052رقم 2664
( )2البخاري ،محمد بن إسماعيل ،األدب المفرد ،تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ،باب اصطناع المال ص ،168
-36-
ﭽ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭼ المائدة ٢٤ :ولكن يريد
اإليجابية الفاعلة التي تتمثل في قول أصحاب النبي اذهب أنت وربك فقاتال
1
إنا معكما مقاتلون
ً
ثاثلا -:الوسطية واالعتدال
هذه الثقافة تقوم على االعتدال دون إفراط أو تفريط ،كما يقال خير األمور الوسط،
واختار الله سبحانه وتعالى لهذه األمّة الوسطية ،كي تكون شاهدة على سائر
األمم يقول سبحانه وتعالى :ﭽﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ
ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭼ البقرة ١٤٣ :يقول سيد قطب رحمه الله» وإنّها
لألمة الوسط بكل معاني الوسط سوآء من الوساطة بمعنى الحسن والفضل ،أو من
الوسط بمعنى :االعتدال والقصد ،أو من الوسط بمعناه المادي الحسي ،أمه وسط
في التصور واالعتقاد ال تعلوا في التجرد الروحي ،وال في االرتكاس المادي وأمة
وسط ًا في التفكير والشعور ال تجمد على ما علمت ،وتغلق منافذ التجربة والمعرفة
شعارها الدائم :الحقيقة ضآلة المؤمن أنّى وجدها أخذها في ثبت ويقين ،أمّة
وسط ًا في التنظيم والتنسيق ،فال تدع الحياة كلها للمشاعر والضمائر ،وال تدعها
كذلك للتشريع والتأديب ،أمّة وسط ًا في االرتباطات والعالقات ،ال تلغي شخصية
الفرد ومقوماته ،وال تالشي شخصيته في شخصية الجماعة أو الدولة ،أمّة وسط ًا
في المكان فهي ،تتوسط أقطار األرض بين شرق وغرب ،جنوب وشمال ،أمّة
وتحرس عهد الرشد العقلي
ُ وسط ًا في الزمان تنهي عهد طفولة البشرية من قبلها ،
من بعدها ،وأمّة تلك وظيفتها ،وذلك دورهما خليقة بأن تحتمل التبعية وتبذل
( )1ابن هشام ،السيرة النبوية في غزوة بدر الكبرى ،استشارة النبي صلى الله عليه وسلم 205/2بوساطة كتاب
الشرقاوي ،أحمد محمد وزميله عيسى ،ابراهيم علي ،مدخل الثقافة اإلسالمية ص ،52-51مرجع سابق.
-37-
التضحية ،فللقيادة تكاليفها وللقوامه تبعاتها ،وال بد أن تفتن قبل ذلك وتبتلى
1
ليتأ كد خلوصها لله وتجردها»
وروي عن علي أنه قال» عليكم بالنمط االوسط فإليه ينزل العالي واليه يرتفع
2
النازل»
جاء ثالثة رهط إلى بيوت أزواج النبي ،يسألون عن عبادة النبي ،فلما أخبروا
كأنهم تقآلوها ،فقالوا أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ،وقد غفر له ما
تقدم من ذنبه وما تأخر ،قال أحدهم :أما أنا فإني أصلي الليل أبد ًا ،وقال آخر :أنا
ّ
أصوم الدهر وال أفطر ،وقال آخر :أنا أعتزل النساء فال أتزوج أبد ًا.
فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله
إني ألخشاكم لله ،وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر ،وأصلي وأرقد ،وأتزوج النساء ،
3
فمن رغب عن سنتي فليس مني»
«والغرض هنا بيان ما جاءت به الحنيفية من مخالفة اليهود فيما أصابهم من القسوة
عن ذكر الله وعما أنزل من الهدى الذي به حياة القلوب ومخالفة النصارى فيما هم
عليه من الرهبانية المبتدعة وإن كان قد ابتلى بعض المنتسبين م ّنا إلى علم أو دين
( )1قطب ،سيد ،في ظالل القرآن،م ،1ص ،132-131باختصار ط1425 ،35ﻫ 2005م ،دار الشروق ،القاهرة
( )2ابن عمر ،أبو بكر ،طبقات الشافعية ،ج ،6ص ،291تحقيق الحافظ عبد الحليم خان ،ط1407 ،1هـ ،عالم
الكتب ،بيروت .رواه أبو عبيد في الغريب موقوف ًا عن علي.
( )3البخاري ،محمد بن اسماعيل ،الصحيح ،كتاب النكاح ،باب الترغيب في النكاح ،ج ،5ص1949
-38-
فيصيب من هذا أو من هذا ففيهم شبه بهؤالء وهؤالء ،ومثل ما رواه ابن عباس
رضي الله عنه قال -:قال رسول الله غداة العقبة وهو على ناقته التقط لي حصى
ُ
فلقطت له سبع حصيات مثل حصى الخذف فجعل ينفضهن في كفه ويقول أيها
1
الدين ،فإنما هلك من قبلكم بالغلو في الدين »
الناس إياكم والغلو في ّ
وسبب هذا اللفظ العام رمي الجمار وهو داخل فيه فالغلو فيه؛ مثل رمي الحجارة
الكبار ونحو ذلك بنا ًء على أنه قد بالغ في الحصى الصغار ،ثم علل ذلك بأن ما
2 أهلك من كان قبلنا إ ّ
ال الغلو في الدين»
ً
رابعا :اتلنوع
« ومن خصائص هذه الثقافة «التنوع» ،فهي ليست مجرد ثقافة دينية الهوتية،
كما يتصور بعضهم ..إنها ثقافة واسعة متنوعة ،فيها الدين بفروعه المتعددة ،واللغة،
واألدب ،والفلسفة ،والعلوم الطبيعية والرياضية ،والعلوم اإلنسانية ،والفنون المختلفة.
فيها فقه أبي حنيفة ،وأصول الشافعي ،وكالم األشعري ،وتفسير الطبري ،ورواية
البخاري ،وأدب الجاحظ ،ومعجم الخليل ،ونحو سيبويه ،وبالغة عبد القاهر ،وطب
ابن سينا ،وشعر المتنبي ،ومقامات الحريري ،وبصريات ابن الهيثم ،ورياضيات
( )1ابن ماجه ،محمد بن يزيد ،باب قدر حصي الرمي ،ج ،2ص.1008تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ،دار الفكر
،بيروت
)2ابن تيميه ،أحمد الحراني ،اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ،ج ،1ص.106تحقيق محمد
-39-
البيروني ،وتصوف الغزالي ،وفلسفة ابن رشد ،وتحليل ابن خلدون ،وخط ابن
مقله ،وألحان الموصلي ،فيها ابن طفيل من األندلس ،وابن حجر من مصر ،وابن
الوزير من اليمن ،والشيرازي من إيران ،والزمخشري من خوارزم والبهلوي من الهند،
وجالل الدين الرومي من تركيا ،فيها صالح أهل السلوك ،وخالعة أهل البطالة،
فيها نهج البالغة وألف ليلة وليلة ،فيها زهديات أبي العتاهية ،وخمريات أبي
نواس ،فيها سلفية ابن تيمية ،وصوفية ابن عربي ،فيها ظاهرية ابن حزم ،ومقاصدية
الشاطبي ،فيها عقالنية الفالسفة ،والتزام الفقهاء ،فيها اجتهاد المجدين ،وتزمت
المقلدين ،فيها الفرق المختلفة من أهل الم ّلة ،والفرق المنشقة عن الم ّلة فيها
الكتب المقروءة التي امتألت بها المكتبات ،والصور المشهودة التي ازدانت بها
الجوامع والمدارس والعصور»األموي في دمشق ،والحمراء في األندلس ،واألزهر
1
في مصر ،والسلطان أحمد في استنابول ،وتاج محل في الهند»
ً
خامسا :اثلبات
الثبات في اإلسالم أو الحركة داخل إطار ثابت حول محور ثابت ،انبثق من
ليس نتاج
َ الخاصية األساسية للتصوّر اإلسالمي -خ ّاصية الربانية -فاإلسالم
فكر بشري ،وال بيئة معينة ،وال فترة من الزمن خآصة ،هناك ثبات في مقومات
تتغير وال تتطوّر حينما تتغير ظواهر
ّ هذا التصوّر األساسية ،وقيمة ذاتية ،فهي ال
التغير في ظواهر الحياة وأشكال
ّ الحياة الواقعية ،وأشكال األوضاع العلمية فبهذا
ّ
يظل محكوم ًا بالمقومّات والقيم الثابتة لهذا التصوّر ...ومن الحقائق األوضاع،
األساسية الثابتة وغير قابلة للتغيير والتطوير حقيقة وجود الله ،وسر وحدانيته،
أن اإليمان
وحقيقة أن الكون من خلق الله وإبداعه ،وحقيقة العبودية ،وحقيقة ّ
( )1القرضاوي ،يوسف ،الثقافة العربية اإلسالمية بين االصالة والمعاصرة ،ص ،30مرجع سابق
-40-
أن اإلنسان
أن الدين عند الله اإلسالم .وحقيقة ّ
شرط لصحة األعمال وحقيقة ّ
أن
أن الناس من أصل واحد ،وحقيقة ّ
مخلوق مك ّرم على سائر الخالئق ،وحقيقة ّ
غاية الوجود اإلنساني هي العبادة لله ،وحقيقة أن الدنيا دار ابتالء وعمل وأن
اآلخرة دار حساب وجزاء».1
«والنوع الثاني من األحكام يتصف بالمرونة واإلتساع حيث يخضع لظروف الزمّان،
وتغير األعراف والعادات التي تعتبر المصلحة تابعة لها ،لذلك
ّ والمكان ،واألحوال
مرنة تستمد منها مناهجه شريطة أن ال تتناقض مع األحكام
وضع اإلسالم قواعد ِ
الشرعية العآمة الثابتة ،وأن تكون متفقة مع اإلطار العام للفكر اإلسالمي وقد فتحت
الشريعة اإلسالمية مجال االجتهاد أمام العقل؛ الستخراج األحكام الشرعية بطريق
سد ذرائع الفساد وفق
القياس ،أو االستحسان ،أو العرف ،أو المصالح المرسلة ،أو ّ
2
شروط بينها العلماء وأقاموا لها علم ًا خاص ًا يُسمى علم أصول الفقه»
الشورى فقد أمر القرآن الكريم بالشورى « وشاورهم في األمر « آل عمران 159:وتبدو
المرونة في الشورى أنه لم يجعل لها أسلوبا واحدا ومحددا وشكال خاصا ال محيد عنه
3
بل ترك تحديد ذلك لرأي الحاكم المسلم »
( )1قطب ،سيد ،خصائص التصوّر اإلسالمي ومقوماته ،ص ،89-85ط1400 ،7هـ1980 ،م ،دار الشروق ،القاهره.
( )2د .أبو يحيى ،محمد ،وزمالؤه ،نظام اإلسالم ،ص ،26مرجع سابق.
( )3السيد ,عزمي طه ,وزمالؤه ,الثقافة اإلسالمية ,ص 142ط ,1996 , 1دار المناهج للنشر والتوزيع
-41-
-42-
الوحدة اثلاثلة
« المصادر تعني :األسس واألصول التي تقيم عليها األمم عقيدتها وشريعتها
تستمد منها ثقافتها ،والتي
ُ وفكرها وقيمها ومبادئها وأصل وجودها ،والمنابع التي
تنتج نمط ًا معين ًا من السلوك الثقافي في حياة األمم ،فإذا انفصلت الثقافة عن
المصادر واألصول ،فقدت األمّة هويتها ،واضطربت مفاهيمها ،واهتزت شخصيتها
1
ومقوماتها ومالمحها التي تنفرد بها ،وصارت تبع ًا لغيرها»
وأعجبني ما ذهب إليه البعض بالتفريق ما بين المصادر للثقافة اإلسالمية وال ّروافد،
فالمصادر هي« :ال ّنص الشرعي ،وهو وحي من الله تعالى مثل القرآن الكريم
تساعد على فهم ال ّنص الشرعي وتطبيقه
ُ والس ّنة النبوية ،وال ّروافد :هي العلوم التي
على الواقع مثل :اللغة العربية ،والتاريخ اإلسالمي» .2
والقرآن الكريم هو وحي من الله سبحانه وتعالى أنزله على سيدنا محمد وهو
آخر الكتب السماوية فعن علي عن النبي بشأنه « :فيه نبأ ما قبلكم ،وخبر
جبار قصمه
ليس بالهزل ،من تركه من ّ
َ ما بعدكم ،وحكم ما بينكم ،هو الفصل
الله ،ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ،وهو حبل الله المتين ،وهو الصراط
المستقيم ،وهو ّ
الذكر الحكيم ، ،وهو الذي لم تنته الجن ْ
إذ سمعته أن قالوا :ﭽﭚ
ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭼ الجن.3»٢ – ١ :
( )1د .شهوان ،راشد ،مذكرة في الثقافة اإلسالمية ،ص ،23بوساطة كتاب الثقافة اإلسالمية ،د .أبو يحيى وآخرون ،محمد ،ص.63
( )2د .نوفل ،ومالؤه ،الثقافة اإلسالمية وقضايا العصر .53 ،خالصة حكم المحدث إسناده مجهول.
( )3الترمذي ،أبو عيسى ،السنن ،ص أو الرقم ،2966الدرر الس ّنية ،خالصة حكم المحدث إسناده مجهول.
-43-
« وللقرآن الكريم أسماء كثيرة ذكرها بعض العلماء بخمس ٍة وخمسين اسم ًا ومنها:
-2القرآن :ﭽ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ
ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ اإلسراء ٩ :وسمي قرآن ًا لكونه؛ جمع ثمرات
الكتب السابقة الم ّنزلة ،وقيل؛ ألنه جمع أنواع العلوم ك ّلها.
-3الفرقان :ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ
الفرقان ١ :وسمي بذلك فألنه ف ّرق بين الحق والباطل.
وتعريف القرآن الكريم« :هو الكالم المعجز المنزل على النبي ،المكتوب في
( )1السيوطي ،جالل الدين ،اإلتقان في علوم القرآن ،ص ،117-115تحقيق شعيب األرنؤط ،ط1429 ،1ه،
2008م ،مؤسسة الرسالة ناشرون ،دمشق
-44-
المصاحف ،المنقول عنه بالتواتر ،المتعبد بتالوته» 1والقرآن الكريم :محفوظ
تعهد الله بحفظه يقول سبحانه :ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﭼ الحجر٩:
والقرآن هو معجزة الرسول الخالدة ،فكانت معجزته بيانية عقلية على خالف
حسية على
ّ معجزات األنبياء السابقين عليهم السالم جميع ًا والتي كانت معجزات
ما اشتهر به كل قوم؛ فكانت المعجزة تحاكي الواقع الموجود فتحداهم القرآن
أن يأتوا بسورة ،أو بعشر سور ،أو بالقرآن الكريم كام ً
ال ولكنهم لم يستطيعوا وأنّى
لهم ذلك.
( )1د .زرزور ،عدنان ،علوم القرآن ،ص ،46ط1404 ،2ه1984 ،م ،المكتب اإلسالمي ،بيروت.
-45-
وجوه إعجاز القرآن:
ُّ
يدل على تصديق الله تعالى للمدعي المعجزة اصطالح ًا :هي أمر خارق للعادة
في دعواه الرسالة ،أو هي تأييد الله تعالى مدعي النبوة بما يؤيد دعواه لتصديق
1
المرسل إليهم»
«معنى إعجاز القرآن عجز الناس عن اإلتيان بمثله ،فكلمة إعجاز مصدر وإضافتها
فكأن التقدير :أعجز القرآن ال ّناس أن
ّ إلى القرآن من إضافة المصدر إلى فاعله،
2
يأتوا بمثله»
«أن أبا جهل بن هشام ،وأبا سفيان بن حرب ،واألخنس بن شريق كانوا يتواصون
ّ
أال يستمعوا لهذا القرآن ويحذرون ال ّناس أن يميلوا إلى سحره ،ولك ّنهم تحت
تأثيره ال يستطيعون مقاومته كانوا يتسل ّلون تحت جنح الظالم إلى حيث يستمعون
إلى النبي وهو يقرؤه في الكعبة فإذا انصرفوا بعد القراءة تالقوا في الطريق
ال يعودوا؛ وذلك خوف ًا من أن يقتدي بهم المأل
فأخذوا يتالومون ويتعاهدون أ ّ
من قريش ،وفي الليلة الثالثة اجتمعوا وتالقوا مستنكرين ،ف ّلما كان الصباح ذهب
األخنس بن شريق إلى أبي سفيان ،فقال له :لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما
ثم انصرف إلى أبي جهل؛ ليسأله عما
يراد منها ،فقال األخنس -:وأنا كذلكّ ،
سـأله أبو سفيان ،فقال أبو جهل في غيظ :تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف:
( )1د .عباس ،فضل حسن ،محاضرات في علوم القرآن ،ص ،54ط1427 ،1ه2007 ،م ،دار النفائس ،األردن.
-46-
أطعموا فأطعمنا ،وحملوا فحملنا ،وأعطوا فأعطينا! حتى إذا تجاثينا على ال ّركب،
السماء ،فمتى ندرك هذه؟
ّ وك ّنا كفرسي رهان ،قالوا :م ّنا نبي يأتيه الوحي من
1
والله ال نسمع إليه وال نصدقه»
وهذا اإلعجاز كان مفصل اإلعجاز حيث تحدى القرآن الكريم العرب به ،فالعرب
اشتهروا بالبالغة والفصاحة وقد عجز العرب عن معارضته ومن يأتي من بعدهم
من باب أولى ال يستطيع.
-2اإلعجاز الغيبي:
أ -غيب الماضي :ما ذكره القرآن الكريم عن قصص السابقين وأحوال األمم
الغابرة.
ب -غيب الحاضر :كإخبار القرآن الكريم عن المنافقين وعن المالئكة وغيرهم.
( )1انظر ،البيهيقي ،دالئل النبوة ،ج ،2ص ،206مؤسة البراق ،وانظر ،ابن اسحاق ،محمد ،سيرة ابن اسحاق ،ج،4
ص ،170تحقيق محمد حميد الله ،معهد الدراسات واألبحاث للتعريف.
-47-
-3اإلعجاز العلمي:
ويقصد به« :ما تضمنه القرآن من إرشادات ودالالت على «حقائق علمية» كانت
مجهولة لل ّناس في وقت نزول القرآن ،وتعتبر سابقة لعصرها ،وال يتصور أن تصدر
من رسول أمي في بيئة أمية وفي عالم ال يعرف عن هذه الحقائق شيئ ًا.
وأكثر من اهتم بهذا اللون من اإلعجاز :هم علماء الكون والحياة من الطبيعيين
والبيولوجيين وال ّرياضيين وأمثالهم ،وبعضهم وصل إلى نتائج مقبولة وثمرات
1
طيبة»
ومثال ذلك ما ورد من آيات قرآنية تتعلق بمراحل خلق اإلنسان يقول سبحانه:
ﭽﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱ
ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﭼ المؤمنون١٤ – ١٢ :
«يقول البروفيسور يوشيوري كوزات مدير مرصد طوكيو في أوصاف الجنين «ال
أن القرآن كالم الله؛ فإن أوصاف الجنين في القرآن ال
أجد صعوبة في قبول ّ
يمكن بناؤها على المعرفة العلمية للقرن السابع ،االستنتاج الوحيد المعقول هو
مقدم
ّ أن هذه األوصاف قد أوحيت إلى محمد ،»ويقول هنري ديك استري
ّ
«إن العقل يحتار كيف يتأتى أن تصدر تلك اآليات
ّ سابق في الجيش الفرنسي
عن رجل أمي ،وقد اعترف الشرق قاطبة بأنها آيات يعجز فكر بني اإلنسان
عن اإلتيان بمثلها لفظ ًا ومعنى» وتقول الصحفية األمريكية ديبورا بوتر «كيف
استطاع محمد ال ّرجل األمي الذي نشأ في بيئة الجاهلية أن يعرف معجزات الكون
( )1د .القرضاوي ،يوسف ،كيف نتعامل مع القرآن ،ص ،40ط2007 ،6م ،دار الشروق ،القاهرة.
-48-
التي وصفها القرآن الكريم ،والتي ال يزال العلم الحديث حتى يومنا هذا يسعى
1
البد إذن أن يكون هذا الكالم هو كالم الله ع ّز وجل»
ّ الكتشافها،
-4اإلعجاز التشريعي:
لقد حوى هذا القرآن من التوجيهات والتشريعات التي استطاعت تنظيم حياة
ال ّناس وحققت السؤدد والرفعة واألمن في تاريخ الحضارة اإلسالمية على وجه
العموم يقول سبحانه :ﭽ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭼ اإلسراء٩ :
«واقتضت مشيئة الله وحكمته أن ينزل القرآن الكريم وقد م ّر على القانون
مرجع البالد المتمدنة وقد بلغ من اإلصالح والتهذيب،
َ كان
َ الروماني ،الذي
فكان نتيجة إصالحات لكبار الفالسفة ورجال العلم والقانون واالجتماع مدة
ثالثة عشر قرن ًا ،ابتداء من سنة سسبعمائة وأربعة وأربعين قبل الميالد إلى سنة
خمسمائة وثالث وثالثين ميالدية في عهد «جوستنيان» فكان القرآن كذلك
2
معجزة تشريعية؛ ليتحدى القوانين والفلسفة والفالسفة كما تحدى القويين»
-1تشريع العقوبات التي تبدو شديدة في ظاهرها ،لك ّنها رحمة لإلنسان وأمن
للمجتمع في واقع األمر.
-2كيف حل اإلسالم مشكلة ال ّرق التي عانت منها البشرية بينما لم ينته الرق في
الغرب إال حديث ًا ،وما زالت آثاره بينة في بعض ّ
الدول.
( )1اإلعجاز في القرآن والس ّنة http:www.path-2-hap
( )2د .عباس ،فضل حسن ،محاضرات في علوم القرآن ،ص ،68 ،مرجع سابق
-49-
-3النظام الرائع للميراث :وقد فصله الله في آيات ثالث فقط ،ولك ّنه أعطى كل
إنسان من الورثة حقه ،وفق تشريع دقيق عادل ،عجزت األنظمة الوضعية ك ّلها عن
أن تصل إليه ،وتزيل الضغائن من النفوس.
-4أن بعض المصارف اليوم في الغرب أخذت نظام المصارف اإلسالمية في
1
تعامالتها بدل نظامها الربوي.
ّ
املصدر اثلاين :السنة انلبوية
تعتبر الس ّنة النبوية المصدر الثاني للثقافة اإلسالمية وهي في أصلها وحي غير متلو
يقول سبحانه :ﭽ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭮ ﭯ ﭼ النحل ٤٤ :ويقول سبحانه :ﭽ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ
ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﭼ النحل ٦٤ :فتبين هذه
أن وظيفة الرسول هي وظيفة البيان لكتاب الله عز وجل بالقول والفعل.
اآليات ّ
«الس ّنة :ما أضيف إلى النبي من قول أو فعل أو تقرير» والحديث أعم من الس ّنة
فالحديث« :ما أضيف إلى رسول الله من قول ،أو فعل أو تقرير ،أو صفة من
صفاته».
فيتناول الحديث صفات النبي من حيث لونه ،وجسمه ،وشعره ،وطوله ،وصفاته
«الخ ْل ِق ّية» مما يعتريه من السقم والصحة»2
َ الجبلية
( )1د .نوفل ،أحمد ،وزمالؤه ،الثقافة اإلسالمية وقضايا العصر ،ص.67
( )2د .الصالح ،محمد أديب ،لمحات في أصول الحيث ،ص ،32 ،28ط1418 ،6هـ1997 ،م ،المكتب اإلسالمي،
بيروت.
-50-
-1الحديث القولي ومثله ما رواه ابن عمر ،عن النبي قال« :المسلم من
سلم المسلمون من لسانه ويده ،والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» .1
يصف فيه أحد الصحابة فع ً
ال من أفعال النبي ُ -2الحديث الفعلي :وهو حديث
ومثله ما رواه ابن عباس ،قال« :توضأ النبي م ّرة م ّرة» .2
-4الصفة الخلقية :وهي ما يتعلق بأخالقه الحميدة وشمائله الكريمة مثل ما
روته أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها ،قالت« :وما انتقم رسول الله
4
لنفسه إال أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله»
فقد ذكرت أم المؤمنين رضي الله عنها خلق العفو عند رسول الله في حقوقه
الشخصية ،وأنه لم يكن يعفو ولم يكن يتسامح في حقوق الله تعالى.
-5الصفة الخلقية :وهي تتحدث عن خلقه النبي مما ليس له فيه إرادة،
كالطول واللون ،وتقاسيم الوجه مثل ما رواه أنس بن مالك ،قال« :كان رسول
وليس باآلدم
َ ّ
بالطويل البائن وال بالقصير ،وال باألبيض األمهق، الله ليس
6 5
بالسبط»
وليس بالجعد القطط وال ّ
َ
( )1البخاري ،محمد بن اسماعيل ،الصحيح ،كتاب اإليمان ،باب المسلم من سلم المسلمون ،ج ،1ص.13
( )2البخاري ،محمد بن اسماعيل ،كتاب الوضوء ،باب الوضوء م ّرة م ّرة ،ج ، 1ص.70
( )3النيسابوري ،مسلم ،الصحيح ،كتاب الجهاد والسير ،باب جواز قتال من نقض العهد ،ج ،3ص.1388
( )4البخاري ،محمد بن اسماعيل ،الصحيح ،كتاب المناقب ،باب صفة النبي ،29 ،ج ،3ص.1306
( )5البخاري ،محمد اسماعيل ،كتاب اللباس ،باب الجعد ،ج ،5ص.2260
( )6د .الصوا ،علي ،وزمالؤه ،ص ،230-229كتاب العلوم اإلسالمية ،وزارة التربية والتعليم األردنية ،ط1417 ،1هـ1996 ،م.
-51-
أقسام السنة انلبوية:
أ -سنة متواترة :وهي التي رواها جمع غفير يستحيل تواطؤهم على الكذب من
مبدأ السند حتى منتهاه ،وتفيد العلم اليقيني وتوجب العمل.
-1المشهورة :وهي التي رواها عدد محصور ثالثة فأ كثر دون أن تصل
إلى حد التواتر.
واحد فقط ،وك ّلها تفيد العلم الظ ّني وال تثبت
ٍ راو
-3الغريب :ما رواه ٍ
إ ّ
ال بأحد أمرين:
ّ
مبادئ أساسية للتعامل مع السنة:
-1اإلستيثاق من ثبوت الس ّنة :أن يستوثق من ثبوت الس ّنة وصحتها ،حسب
الموازين العلمية الدقيقة التي وضعها األئمة األثبات ،والتي تشمل السند والمتن
ال ،أم فع ً
ال ،أم تقرير ًا ،ومجال ذلك هو علم مصطلح جميع ًا وسواء أكانت الس ّنة قو ً
-52-
الحديث وهو بمنزلة علم أصول الفقه للفقه وهو في الواقع مجموعة من العلوم بلغ
بها العالمة ابن الصالح في مقدمته الشهيرة « »65نوع ًا وزاد عليها من بعده حتى
أوصلها الحافظ السيوطي في «تدريب ال ّراوي على تقريب النواوي ،إلى 93نوع ًا.
-2حسن الفهم للس ّنة النبوية :فيحسن فهم ال ّنص النبوي ،وفق دالالت اللغة،
وفي ضوء سياق الحديث ،وسبب وروده ،وفي ظالل النصوص القرآنية والنبوية
األخرى ،وفي إطار المبادئ العآمة ،والمقاصد الكلية لإلسالم مع ضرورة التمييز
بين ما جاء منها على سبيل تبليغ الرسالة ،وما لم يجي كذلك من الس ّنة ما كان
تشريع ًا ومنها ما ليس بتشريع.
فإن
والدوام وما له صفة الخصوص أو التأقيت ّ
ّ وما كان من التشريع له صفة العموم
1
من أسوأ اآلفات في فهم الس ّنة خلط أحد القسمين باآلخر»
أن من األحاديث ،ما جاء في أمور المعيشة والحياة على سبيل ُّ
يدل على ّ فهذا
الرأي ،ال على سبيل التبليغ عن الله.
«والس ّنة التي يرادُ بها التشريع العام والدائم ،والتي ال يراد بها ذلك أي تمييز ما
صدر عن الرسول بوصفه قاضي ًا على الناس كما بين ذلك اإلمام القرافي في
3
كتابه الفروق»
( )1د .القرضاوي ،يوسف ،كيف نتعامل مع الس ّنة النبوية ،ص ،45-44ط1427 ،4هـ2006 ،م ،دار الشروق.
( )2النيسابوري ،مسلم ،الصحيح ،كتاب الفضائل ،باب وجوب امتثال ما قاله شرع ًا دون ما ذكره من معايش الدنيا
على سبيل الرأي ،ج ،4ص.1835
( )3د .القرضاوي ،يوسف ،تيسير الفقه للمسلم المعاصر ،ص ،66-65ط1422 ،1هـ2001 ،م ،مؤسسة الرسالة
ناشرون ،بيروت.
-53-
-3سالمة ال ّنص النبوي من معارض أقوى :أن يتأ كد من سالمة ال ّنص من معارض
أقوى منه ،من القرآن الكريم ،أو أحاديث أخرى أوفر عدد ًا ،أو أصح ثبوت ًا أو أوفق
باألصول وأليق بحكمة التشريع ،أو من المقاصد العامة للشريعة التي اكتسبت
صفة القطعية؛ ألنها لم تؤخذ من نص واحد ،أو نصين بل أخذت من مجموعة من
النصوص واألحكام أفادت بانضمام بعضها إلى بعض يقين ًا وجزم ًا بثبوتها ،وهذا
1
األمر يتصل بقضية هامة من قضايا علم أصول الفقه ،وعلم أصول الحديث»
«اللغة هي وسيلة التفاهم األولى بين ال ّناس ،ولذا كانت أحد أهم روافد الثقافة
اإلسالمية ...واللغة ليست طريقة تعبير فقط ،بل هي أيض ًا طريقة تفكير ،فكل
إنسان ّ
يفكر من خالل لغة ،ولذلك ال يمكن لإلنسان أن يبدع إ ّ
ال من خالل اللغة
فإن كل دول العالم
الغالبة عليه وهي التي يستعملها أكثر من غيرها ،ولهذا السبب ّ
المتقدم علمي ًا حتى الصغيرة منها تدرس كل التخصصات بلغتها ،وليس باللغات
ّ
العالمية كاإلنجليزية أو الفرنسية ،وال يشذ عن هذه القاعدة سوى العالم العربي» .2
-54-
من بين جميع هذه المظاهر مكان ًا فريد ًا بوصفها «مرآة الثقافة ك ّلها»؛ ألن كل ما
يصنعه اإلنسان يحمل اسم ًا ،فقوانينه ،ومؤسساته ،ودياناته لها تعبيراتها اللفظية،
واألشياء التي تكون في الطبيعة تظهر أيض ًا في اللغة ولكن من وجهة نظر ثقافة
معينة على الدوام ،ولهذا فإن اللغات ال تختلف أساس ًا في الطرق المختلفة للتفكير
أو في مجموعة المعاني التي يعبر عنها خالل اللغة ،فلكل ثقافة مفاهيمها الخاصة
بالحياة والعالم ،وتنعكس هذه المفاهيم على طبيعة لغتها» .1
أهمية اللغة:
اللغة رمز الهوية ودليل السيادة الوطنية التي تحرص عليها كل دولة.
تطور اللغة ورقيها وانتشارها في العالم دليل على روح االبتكار ومظهر لحياة األمّة
صاحبة هذه اللغة ،أمّا ضعفها فداللة ضعف وهزيمة وجمود» .2
-1القدم :فاللغة العربية هي أقدم اللغات الحية زمن ًا وأطولها عمر ًا؛ ْ
إذ نشأت في
الجزيرة العربية التي يرى البعض أنّها« :مهد اإلنسان ومهبط آدم ...واللغة العربية
( )1د .ز زرزور ،عدنان ،مدخل إلى تفسير القرآن وعلومه ،ص ،40-39ط1419 ،2هـ1998 ،م ،دار القلم ،دمشق.
(http:al9asimy.com/files )2
-55-
الحية ،ولكنها مع هذا القدم لم تثبت وال تجمد على حال ،وإنّما
ّ هي أقدم اللغات
وعبرت عنه بحيث أصبحت نموذج ًا في التواصل والعطاء
ّ سايرت روح كل عصر
من خالل مخزون ال ينفذ مع مرور األيام ،وإنّما يتجدد هذا المخزون ليوائم
أن القارئ العربي يستطيع أن يفهم اليوم ما
متطلبات كل عصر ،والدليل على ذلك ّ
كتب باللغة العربية منذ ألف وخمسمائة عام في حين ال يستطيع القارئ اإلنجليزي
مث ً
ال فهم اللغة التي كان يكتب بها شكسبير منذ حوالي أربعمائة عام فقط».1
-2التمام :بمعنى أنها لم تكن بحاجة إلى إدخال حروف جديدة أو أصول لم
تكن فيها من قبل.
-4السعة والمرونة :تحتوي اللغة العربية على 80ألف مادة المستعمل منها اليوم
10آالف فقط بينما ال تحتوي كثير من اللغات األخرى على أ كثر من 60ألف
2
جذر».
يعتبر التاريخ اإلسالمي رافد ًا مهم ًا للثقافة اإلسالمية ،فهو ذاكرة األمة الحية ،وفيه
ماض ليس له حاضر أو
ٍ خبرات األجداد وإنجازاتهم الحضارية والذي ليس له
مستقبل.
( )1بيومي ،أحمد سعيد ،أم اللغات «دراسة في خصائص اللغة العربية والنهوض بها ،ص ،34ط1423 ،1هـ2002 ،م.
-56-
أهمية اتلاريخ اإلساليم-:
ُ
يقف على رأسه النبي « -1التاريخ اإلسالمي تاريخ دين وشريعة وهداية وس ّنة،
،ومعه الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان ،والسيرة النبوية أعظم فصل من
فصول التاريخ اإلسالمي ويكفي التاريخ اإلسالمي شرف ًا أن يؤرخ للوحي اإللهي.
-2التاريخ اإلسالمي تاريخ علم وحضارة ودعوة أ كثر منه تاريخ حكام وأمراء،
والجانب السياسي منه أقل شأن ًا من بقية الجوانب ،ولم يكن الهبوط السياسي
معبر ًا عن حقيقة التاريخ اإلسالمي ،فعصر المماليك كان مليئ ًا باألحداث السياسية
ّ
واالنقالبات وتغير الحكام ولك ّنه كان من أبهى عصور التاريخ اإلسالمي بالمدارس
والجامعات وتطوّر العلوم والصناعات» .1
-3التاريخ مصدر للثقافة وتكوين الشخصية ،ومن هنا تحرص كل األمم على
تاريخها ،فتنشئ له الدراسات والمعاهد والكليات والمتاحف ،وتهتم باآلثار وترمم
أن المحتاج للترميم منها ،وتبرز معالم المطمور منها ،وما ذلك إ ّ
ال لشعور أولئك ّ
وجود األمة في حاضرها إنّما هو امتداد واستمرار لوجودها في ماضيها.
ُ
تقف عليها األمّة وتغتذي منها -4التاريخ هو الجذر الفكري واألرضية التي
وتكتسب شخصيتها المشتركة ،والتاريخ هو الذي يحدد األعداء ويع ّرف بأساليبهم
والسير –أي
ّ وفهم الصحابة هذه القضية فهم يقولون« :ك ّنا نعلم أبنائنا المغازي
التواريخ -كما نعلمهم السورة من القرآن» .2
-57-
يمكن فهم تفسير التاريخ على ضوء القرآن الكريم بشأن سقوط الحضارات وتداول
الدول وقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تدعو إلى التفكير واالعتبار
باألقوام الغابرة ،يقول سبحانه :ﭧﭨﭽﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ
ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ
ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﭼ الروم٩ :
وقوله سبحانه :ﭽ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ
ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ
ﰜ ﭼ فاطر ٤٤ :يقول د .عبد الستار قاسم« :هذه آيات تؤكد بكل قوة أهمية
دراسة التاريخ والجغرافيا دراسة مستفيضة معمقة؛ لما فيها من فوائد في بناء األمّة
أن التاريخ
التقدم في مختلف مجاالت الحياة ،هناك من يظهر ّ
ّ والدولة وتحقيق
عبارة عن قصص قديمة ال قيمة لها في تنمية المعرفة اإلنسانية التطبيقية ،وأن
اإلطالع على سير األمم عبارة عن مضيعة للوقت والجهد ،أما بالنسبة للجغرافيا
فهناك من ال يرى في دراستها فوائد استراتيجية من النواحي االقتصادية واألمنية
والعسكرية ...وفي هذه اآليات أيض ًا ما يشجع على دراسة مادتي األنثروبولوجيا
«علم الحفريات» واآلثار ،نحن ال نستطيع تكوين صورة جيدة الوضوح عن األمم
الغابرة بدون العثور على بينات والتي هي عبارة عن وثائق أو حفريات أو آثار
حضارية نستطيع دراستها واستخالص بعض االستنتاجات العلمية منها».1
( )1د .قاسم ،عبد الستار ،المنهج االستقرائي في القرآن الكريم ،ص2011 ،75-74م ،اصدار رابطة الكتاب واألدباء
الفلسطينين.
-58-
وسائل األعداء يف حماربة اتلاريخ-:
-2سوء تفسير التاريخ« :في عصرنا هذا نجد األهواء والعصبيات والتيارات
الفكرية تعمل عملها في قراءة التاريخ وتفسيره وتوجيه وقائعه ،وقد انعكس
هذا على التاريخ اإلسالمي أيض ًا ،فالمستشرقون –في الغالب -حين يبحثون في
التاريخ ،يخدمون به فكرة بيتوها عن محمد صلى الله عليه وسلم ودينه ،محمد
ليس برسول الله ،واإلسالم ليس بدين الله ،وأصحابه ليسوا إال ث ّلة من المغامرين
المتنافسين على الدنيا ...وفي سبيل هذا يغفلون أحداث ًا قيمة ،ويضخمون أحداث ًا
تافهة ،ويردون أخبار ًا صحيحة ويعتمدون أخبار ًا ضعيفة أو مكذوبة ،يتصدرونها
من أي كتاب مثل« :اإلمامة والسياسة» المنسوب البن قتيبة ،ومن كتب األدب
مثل كتب الجاحظ ،ومثل كتاب «األغاني» لألصفهاني» .2
( )2د .القرضاوي ،يوسف ،تاريخنا المفترى عليه ،ص ،282ط2006 ،2م ،دار الشروق ،القاهرة.
-59-
ونشوء الدولة األموية ،يزورون بدافع الحقد الدفين أو بسبب العداء الباطني ،أو
العصبية القاتلة ومنهم على سبيل المثال ال الحصر :أو مخنف لوط بن يحيى،
ومحمد بن عمر الواقدي ،وسيف بن عمر الضبي ،وهشام بن محمد الكلبي ،وسار
على هذا المنهج الكثير من المستشرقين وأبنائهم من المستغربين» .1
( )1د .أبو حماد ،زياد ،وزمالؤه ،معالم في الثقافة اإلسالمية ،ص.58
-60-
الوحدة الرابعة
وحق شخصي :ما وجب لشخص معين على غيره ،والحق العيني :تعلق الحق
بعين معينه ال بذمّة» .1
ويحق حق ًا
ُّ ُّ
يحق « والحق نقيض الباطل وجمعه حقوق وحقاق ،وحق األمر
2
وحقوق ًا صا َر حق ًا وثبت .قال األزهري معناه :وجب يجب وجوب ًا «
ع ّرفه الجرجاني « الحكم المطابق للواقع ،ويطلق على األقوال والعقائد واألديان
3
والمذاهب باعتبار إشتمالها على ذلك ويقابله الباطل «
«إن حقوق اإلنسان في اإلسالم أصيلة وليست دخيلة عليه وسبقت األنظمة الغربية
ّ
المعاصرة في إقرار هذه الحقوق ،وهذا مثبت في النصوص الشرعية المختلفة،
وما مارسه الصحابة الكرام فع ً
ال في حياتهم وما ذكره الفقهاء ،والصبغة العآمة التي
كانت عليها الحضارة اإلسالمية في إرساء هذه الحقوق.
( )1د .قلعة جي ،محمد رواس وزميله ،معجم لغة الفقهاء ،م ،1ص ،139ط1408 ،2هـ1988 ،م ،دار النفائس ،بيروت.
( )2ابن منظور ،محمد بن مكرم ،لسان العرب ،م ، 10ص ،49مرجع سابق
( )3الجرجاني ،علي بن محمد ،التعريفات ،ص ،120ط1405 ،1هـ ،تحقيق إبراهيم األنباري ،دار الكتاب العربي ،بيروت.
( )4أبو يحيى ،محمد وزمالءه ،الثقافة اإلسالمية ،ص ،221مرجع سابق.
-61-
أمّا العالم العربي المعاصر فلم يعرف هذه الحقوق إ ّ
ال في نهاية القرن الثامن
عشر حيث بدأت المطالبة بحقوق اإلنسان على يد الفالسفة والمفكرين ،مثل
جان جاك روسو ،ومونتسكيو ،وديدرو ،وغيرهم من مفجري الثورة الفرنسية،
حيث تمخضت هذه الثورة عن وثيقة حقوق اإلنسان والمواطن ،وصوتت عليه
«الجمعية الوطنية».
يقول العالمة البوطي رحمه الله « هناك دراسات كثيرة مقارنه بين حقوق اإلنسان
في اإلسالم وغيرها من الدساتير الغربية ،مقارنات بين أسماء هذه الحقوق
وشعاراتها المعلنه ،هنا وهناك ،فقورن مث ً
ال حق الحرية الذي تنادي به المجتمعات
الغربية مع هذا الحق ذاته في اإلسالم ،وقورن حق المساواة في تلك المجتمعات
بهذا الحق ذاته في اإلسالم دون ال ّرجوع إلى دراسة المنطلقات والعوامل الدافعة
إلى رسم كل من هذين الحقين وتثبيته في كل من الشريعة اإلسالمية والنظم
الديمقراطية في الغرب ،.......الرجوع إلى دراسة المنطلقات الخفيه والعوامل
ويميز ما بين الشريعة
ّ الدافعة فذاك هو الذي يكشف فرق ًا ما بين األصيل والزيف ،
التي تقدس حقوق اإلانسان واألنظمة التي تستخدم وتستغل هذه الحقوق.
فاإلذعان بما لإلنسان من حقوق في هذه الحياة الدنيا ،جزء ال يتجزأ من العقائد
اإلسالمية إنها يقين واعتقاد قبل أن تكون ممارسة فقهية او سلوك ًا أخالقي ًا.
( )1د .الزحيلي ،وهبه ،حق الحرية في العالم ،ص ،21-20ط1421 ،1ﻫ2000 ،م ،دار الفكر ،دمشق.
-62-
وليست في واقعها الممارس -أثر ًا من آثار رؤيتها اإلنسانية ،ولذا فإن مقياس هذه
الحقوق لديها يخضع لمرونة عجيبه ال يكاد العقل اإلنساني قادر ًا على اللحاق بها
فض ً
ال عن تفهمها وهضمها وإنّما الذي يستطيع أن يسع الهث ًا وراء هذه المرونة،
هو الفكر أو التكتيك السياسي ،فهو الذي يدرك مث ً
ال سر انحباس الديمقراطية
األمريكية فيما بين الكونغرس والبيت االبيض ،وهو الذي يدرك معنى هيمنة حق
إن المصالح الغربية هي القياس
الفيتو على قدسية الحقوق اإلنسانية في العالم ّ
اللعب بورقة حقوق اإلنسان جزء ًا
ُ والمقيس ،وهي الميزان والموزون .ولما كان
من هذه المصالح ،فقد كان ال ب ُّد أن يرتفع منها شعار يعلو إلى سدة هذه المصالح
1
ذاتها ،ثم ال يتجاوزها« .
من الكليات الخمس التي أمر اإلسالم بالمحافظة عليها هي :النفس ،فح ّرم
االعتداء عليها بأي شكل كان دون مُ ّسوغ .
( )1د .اليوطي ،محمد سعيد ،الحقوق والحريات المدنية والسياسية في اإلسالم ،ص ،108-107بحث مقدم لندوة
« حقوق اإلنسان في اإلسالم بين الخصوصية والعالمية» عقدت في الرياض 20-18 ،جمادي االخر 1418ﻫ -20،
22تشرين االول 1997،م .منشورات المنظمة اإلسالمية للتربية والعلوم والثقافة2001 ،م1422 ،ﻫ
-63-
عليه ،ولعنه وأعد له عذاب ًا عظيم ًا ولو قتل الناس جميع ًا لم يزد على ذلك ،ومن
1
اس منه «
حيي ال ّن ُ
َ لم يقتل فقد
«وروي عن مجاهد ايض ًا :أن احياءها إنجاؤها من غرق ،أو حرق ،أو هدم أو
هلكة حكاه عنه إبن جرير وإبن المنذر ،وقيل المعنى أن من قتل نفس ًا فالمؤمنون
2
ُك ُلهم خصماؤه؛ ألن ّه قد وتر الجميع»
وعن عبد الله بن عمر أن النبي قال « لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل
3
مسلم»
وحرمة دم أهل الذمة ينطبق عليها نفس الحكم ،وعن عبد الله بن عمر رضي الله
عنهما عن النبي قال « :من قتل معاهد ًا لم يرح رائحة الج ّنة ّ
وإن ريحها توجد
4
من مسيرة أربعين عام ًا «
واذا كان مبدأ القتل محرم ًا فإنه ال يجوز ألي إنسان أن يباشر القتل بنفسه إ ّ
ال في
موطن الدفاع عن النفس فيما يعرف في الفقه اإلسالمي « :بدفع الصائل» ،
والذي يتولى تنفيذ القصاص والحدود في الدولة ممثلة بولي األمر أو من ينوبه ،
فالقتل على خلفية الثأر والقتل بدافع الشرف هي جرائم في نظر اإلسالم يعاقب
ٌ
عمل فيه تعد على النفس المعصومة. فاعلها ،وحتى قتل النفس أو االنتحار ،فهو
( )1الشنقيطي ،محمد األمين ،أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن :ج ، 1ص ،400تحقيق .مكتبة البحوث
والدراسات1415 ،ﻫ1995 ،م ،دار الفكر للطباعة والنشر ،بيروت
( )2الشوكاني ،محمد علي ،فتح القدير ،ج ، 2ص ،34دار الفكر ،بيروت.
( )3النسائي ،أحمد بن شعيب ،المجتبى من السنن ،ج ،7ص ،82تحقيق عبد الفتاح أبو غدة ،ط1406 ،2هـ ،مكتبة
المطبوعات اإلسالمية ،حلب.
( )4البخاري ،محمد بن إسماعيل ،الصحيح ،كتاب الجزية والموادعة ،باب إثم من قتل معاهد ًا بغير جرم ،ج،3
ص.1155
-64-
يقول عليه الصالة والسالم :من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم
« من تردى أي أسقط نفسه منه ،وقال الكرماني :تردى إذا سقط في البئر .قوله
« ومن تحسى» من باب ّ
التفعل والتشديد ومعناه :تج ّرع وأصله :حسوت المرق
ُحس م ّرة واحدة ،وقوله»
والحسوة بالضم الجرعة من الشراب بقدر ما ي ّ
ُ حسو ًا
يتوجأ» من وجاته بالسكين إذا ضربته .
ً ً
وقوله « خادلا خمدلا فيها» أي في نار جهنم والمراد بذلك إمّا في حق المستحل أو
2
المراد المكث الطويل؛ ألن المؤمن ال يبقى في النار خالد ًا مؤبد ًا»
ً
ثانيا :حق الكرامة اإلنسانية
إن ما يميز اإلنسان عن الحيوان هذه المشاعر المرهفة ،واألحاسيس الدافئة التي
ّ
تغذي كينونته ،ويتدفق في عروقه :أنا اإلنسان وأنا العزة والكرامة ،إذ ال معنى
تضح األشياء،
ّ ّ
وبضدها للحياة دون العزة والسؤوده والكرامه فدونها الموت،
فنقيض الكرامة العبودية والذل.
لذا جاء اإلسالم معلي ًا هذا الحق مقر ًا له لجنس البشرية جمعاء ،يقول سبحانه
وتعالى :ﭽﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ
( )2العيني ،بدر الدين ،عمدة الفاري ،باب شرب السم والدواء به وبما يخاف منه الخبيث ،ج ،21ص292
-65-
ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﭼ اإلسراء ٧٠ :ومعيار التفاضل بين
الناس قائم على أساس التقوى دون النظر إلى العصبيات أو المكانة االجتماعية
أو الطبقية يقول سبحانه وتعالى :ﭽ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ
ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ الحجرات ١٣ :وفي
الحديث الشريف عن أبي هريره قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إن الله
قد أذهب عنكم ُع َّب َّي َة الجاهلية وفخرها باآلباء ،مؤمن تقي ،وفاجر شقي ،والناس
بنو آدم ،وآدم من تراب ،لينتهين أقوام عن فخرهم برجال ،أو ليكونن أهون عند
1
الج ْعالن التي تدفع بأنفها ال ِ ّن َ
تن» الله من عدتهم من ِ
«فحين شفع وجهاء القوم في إعفاء امرأة شريفة وجب عليها حد السرقة ،حتى
ال توقع عليها العقوبة فأبى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ،ونبه إلى عدم جواز
الشفاعه في حدود الله ،ألن ذلك يخل بمبدأ المساواة بين الناس ،ويؤدي إلى
إيثار ذوي الوجاهه بإعفائهم من العقاب ،مع إقامة الحدود على ضعفاء الناس
وبين الرسول صلى الله عليه وسلم إن ذلك األمر اذا ساد في مجتمع أدى به إلى
الزوال ،فقال :فإنّما أهلك الناس قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه،
3
وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد »2
-66-
« وال محل ألن نقارن تعاليم اإلسالم في هذا بما أخذت به الثقافات القديمة
والحديثة ،فالفرق شاسع ،والموقف مختلف كل االختالف ذلك؛ ألن هذه
الثقافات جميعها تسلم بالتفرقة العنصرية وتقيم عليها سلوكها وتشريعها ،في حين
أن اإلسالم يرفضها رفض ًا قاطع ًا ،نجد أن اليونان وفالسفتهم يعتمدونهاوعلى
رأسهم أرسطو فمقولته المشهورة « كل ما وراء أثينا بربر « خير دليل على ذلك»،
وجاراهم الرومان الذين كانوا يعتزون بعنصريتهم كل االعتزاز ،وقد أقاموا عليها
تفرقة في تشريعهم وقوانينهم بين الرومان وغير الرومان ،ولهم قسمتهم الشهيرة
للشعب بين « :البترشيان والبلبيان» ونظام الطبقات سمه واضحة من سمات
الثقافة الهندية ،وعلى رأسهم البراهمة ،ويزعم اليهود وال يزالون يزعمون أنهم
أبناء الله وأحباؤه وأنهم الشعب المختار!
وكم عانى زنوج أمريكا من هذه النظرة العنصرية التي كانت بعدها الكنيسه أمر ًا
واقعي ًا ال مفر منه ،رغم قانون الحقوق المدنية الذي حاول أن يساوي بين البيض
ُ
يزال لهذا األمر رواسب وذيول في نظم بعض الدول الكبيره والسود ،إال أنه ال
1
وشرائعها»
ً
ثاثلا :حق احلرية اإلنسانية
موضوع الحرية من الموضوعات التي ال تنفك عن حياة الناس وواقعهم ،فهذا
المصطلح يهتف به الجميع الرئيس والمرؤوس ،الثائر ،واإلداري القابع في مكتبه،
العامل في مزرعته ،والتاجر في سوقه ،وهذا الشعار ال طالما استهوى الجماهير
المضللة وقادها لتخدم في فلك األعداء ،وتقاتل دونه ،وانجرت في الهاوية وهي
( )1عثمان ،فتحي ،حقوق اإلنسان بين الشريعة اإلسالمية والقانون الغربي ،ص ،72بوساطة كتاب الثقافة اإلسالمية
للدكتور – محمد ابو يحيى وآخرون ،ص 229-228
-67-
ال تدرك الحقائق؛ بسبب الزيف والكذب الذي تنادي به المنظمات المشبوهه أو
األحزاب المستأجرة.
يقول الدكتور البوطي رحمه الله « :إن مشكلة الحرية اإلنسانية كانت وال تزال من
أهم المشكالت التي استعصت على معالجة جميع علماء الفلسفة واألخالق على
َ
يتخل عن الهتاف بها ،واالنتساب اليها ،والبحث عنها على اختالف مذاهبهم ،لم
م ّر األحقاب والدهور ،والريب أن من أهم العوامل التي جعلته يتعلق بها كل هذا
شدة صلة هذه الحرية بحياة اإلنسان
التعلق مع جهله صحيحة ذلك الجهل المطبقّ ،
ُحب اإلنسان شيئ ًا،
الفردية واالجتماعية مهما بلغ غموضها وتعقيدها ،وما أكثر ما ي ُّ
1
دون أن يعلم حقيقته أو يتلمس ذاتيته «
أن الحرية شرط الزم لالبداع والتقدم ونقيضها االستعباد ،واألسر ،
وال شك ّ
شداد إلبنه عنتره في حرب داحس والغبراء ،عندما دارت
والموت ،والقهر «قال ّ
الدائرة على قومه بني عبس « .ويلك عنترة ك ّر ،فأجابه العبد االسود:
يحسن الك َّر والف َّر» فقال له والده الذي كان حتى ذلك التاريخ
ُ « إن العبد ال
يرفض االعتراف بابنه األسود« :ك ّر وأنت حر» ،عند ذلك انقض عنترة على
ً
مبال بالموت ،فردهم عن قومه ،ومنذ ذلك التاريخ أصبح فارس األعداء ،غير
بني عبس ،وعرف في التاريخ أفضل بطل شعبي ،وما زالت سيرته تتلى وتدرس
2
في مختلف األوساط ،ولدى معظم الشعوب»
( )2الكواكبي ،عبد الرحمن ،طبائع االستبداد ومصارع االستعباد ،ص ،24ط1414 ،3ﻫ1993 ،م ،دار النفاس ،بيروت.
-68-
ويمكن أن ّ
تعرف احلرية بما ييل-:
-1حق األمن :أي حماية نفس اإلنسان وماله وعرضه ،وكفالة سالمته ومنع االعتداء
عليه ،أو التحقير من شأنه أو تعذيبه واضطهاده سوآء من الدولة أو من األفراد ،وقد
كفلت الشريعة هذا الحق ،ومنعت االعتداء على أي شخص ،يقول الله تعالى» :ﭽ
ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭼ البقرة ١٩٠ :وقوله عليه الصالة
2
والسالم « كل المسلم على المسلم حرام :دمه وماله وعرضه»
حرية التنقل :أي إباحة االنتقال في داخل الدولة من مكان إلى آخر ،والسفر
من بلد إلى آخر ،والشريعة والقوانين تكفل هذه الحرية ،وأباحت الشريعة التنقل
والسير في األرض واإلبحار في نواحيها في آيات قرآنية كثيرة منها :قولة سبحانه»
ﭽ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﭼ يوسف١٠٩ :
-69-
لكن حرية التنقل مقيدة بمقتضيات الصالح العام ،واآلداب العامة ،والصحة مثل
ّ
بالطاعون رعاية قواعد الحجر الصحي ،جاء في الحديث الشريف» إذا سمعتم
1
بأرض وأنتم بها فال تخرجوا منها»
ٍ بأرض فال تدخلوها وإذا وقع
ٍ
«ومثل فعل عمر :رضي الله عنه بإلزام كبار الصحابة في اإلقامة بالمدينة المنورة
ومنعهم من الخروج منها ،ليستشيرهم في مستجدات األمور ،وأمر عمر أيض ًا نصر
بن حجاج بإبعاده عن المدينة ،خشية أن تفتتن النساء به « ،وقد سمع عمر قائلة
تقول هل من سبيل إلى خمر فأشربها أو هل من سبيل إلى نصر من حجاج فنفاه،
ألن الجمال
ذلك كما يقول السرخي بطريق المصلحة ال بطريق الحد والعقابّ ،
ال يوجب النفي ،ولكنه فعل ذلك للمصلحة ،فإن نصر ًا قال :وما ذنبي يا أمير
أطهر دار الهجرة منك،
المؤمنين؟ قال :ال ذنب لك ،وإنما الذنب لي حيث ال ّ
2
وكما نفى رسول الله هيت المخذث من المدينة»
والحرية السياسية نقصد بها مشاركة أو مساهمة المواطن في صنع القرار السياسي
سوآء بإبداء الرأيأو اإلنتخاب أو تكوين األحزاب والجمعيات ذات الطابع
اإلجتماعي أو السياسي.
وهذا األمر متحقق في اإلسالم ضمن قواعد الشورى التي أقرها اإلسالم ﭽ ﮞ
ﮟ ﮠ ﭼ الشورى ٣٨ :ﭽ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭼ آل عمران١٥٩ :
( )1البخاري ،محمد بن اسماعيل ،كتاب الطب ،باب ما يذكر في الطاعون ،ج ،5ص.2163
( )2الدكتور تشاكش ،كريم ،الح ّريات العامة في األنظمة الغربية ،د .الزحيلي ،وهبه ،بوساطة الدكتور الزحيلي ،وهبة
،حق الحرية في العالم ،ص39
-70-
وتطبيق مفهوم الحسنة المتمثل بقاعدة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقول
سبحانه ﭽﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ
ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ آل عمران ١٠٤ :وإثبات الذات معلم بارزٌ في
اس أحس َّنا
:إن أحسن ال َّن ُ
َ تقولون
َ شخصية المسلم ،فقال النبي »ال تَكونوا إمَّع ًة،
ُحسنوا ،وإن أساءوا
اس أن ت ِ
كم ،إن أحسن ال َّن ُ
َ أنفس
َ ،وإن ظلموا ظ َلمنا ،و َلكن ِ ّ
وطنوا
1
فال تظ ِلموا ».
هذه الحرية من أهم فروع حرية الرأي ،والتعبير وتشمل الصحافة ،والطباعة،
والتوزيع ،والحرية الصحفية جائزة ولكن بشرط مرآعاة ما يلي-:
-1الحفاظ على أسرار الدولة حتى ال تتسرب إلى األعداء ،وتكون سبب ًا في
اإلضرار واإلساءة.
2
-2الكف عن ترويج اإلشاعات الضآرة «
يذهب البعض إلى إنكار وجود األحزاب اإلسالمية أو المذاهب المختلفة داخل
إطار الدولة اإلسالمية.
( )1الهندي ،عالء الدين كنز العمال ،ج،15ص ،327محمود الدمياطي ،ط1419 ،1ﻫ ،1998 ،دار الكتب العملية،
بيروت ،والحديث عن حذيفة أخرجه الترمذي ،كتاب البر والصلة -باب ما جاء في اإلحسان والعفو رقم ،2000
-71-
أن نعلم ان من نتائج ما قد يملكه اإلنسان في ظل
يقول البوطي رحمه الله « ينبغي ّ
المجتمع اإلسالمي من حرية التعبير عن الفكر ،والرأي والمعتقد حرية إنشاء الجماعة
أن كل ما هو حق للفرد ال ب ُّد أن يكون حق ًا
التي تنادي بفكرة ما أو مذهب ما ،إذ ّ
أن على رجال الدولة
تنس ّ للجماعة وا ّ
ال وقع الخلف والتناقض ،ولكن على أن ال َ
اإلسالمية وعلماء الشريعة اإلسالمية وحراسها ،أن يقفوا في طريق الباطل من الرأي
والفكر العلمي أو السياسي بالمجادلة او المحآجة اللتين تبرزان وتميزان الحق من
الباطل على رؤوس األشهاد على نحو ما كان يفعل السلف الصالح رضوان الله
جائزة،ألن في أصل األشياء اإلباحة ،شريطة أن ال تكون
ّ عليهم ..وهذه المسألة
هذه األحزاب مشبوهة ولها ارتباطات سياسية بالعدو واألجنبي ،وخير مثال على
ذلك موقف الشارع ّ
جل جالله من تلك الثلة التي كانت تتحرك في المدينة المنورة
مرتبطة بتعاليم تتلقاها من أبي عامر الراهب الذي فر إلى هرقل ملك الروم يستنصره
على النبي ووعده هرقل خير ًا ،فأرسل إلى جماعة في المدينة يعدهم ويمنيهم
وأمرهم أن يتخذوا لهم معق ً
ال يتخذ نقطة لقاء بينهم وبين كتبه ورسله ،فشرعوا في
بناء هذا المعقل وجعلوه مسجد ًا أقيم على ضاحية من ضواحي المدينة.
وجاؤوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يأتي اليهم فيصلي في مسجدهم
ذاك ليحتجوا بذلك على تقريره واثباته ،فأنزل الله عز وجل «ﭽ ﭑ ﭒ
ﭓﭔﭕﭖﭗ ﭘﭙﭚ ﭛﭜﭝﭞ
ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ
ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ
ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﭼ التوبة ١٠٨ - ١٠٧ :فبعث رسول الله إلى ذلك
المسجد من يهدمه ،وتعقب القائمين على شأنه بالنكال»
1
( )1البوطي ،محمد سعيد ،الحقوق والحريات المدنية والسياسية في اإلسالم ،ص ،121-120الندوة المنعقدة في
الرباط ،حقوق اإلنسان في اإلسالم بين الخصوصية والعالمية ،مرجع سابق.
-72-
ً
رابعا :احلقوق االجتماعية
جاءت النصوص الشرعية المختلفة التي تؤكد هذا الحق ،فأول سورة نزلت
مخاطبة الرسول ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ
ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﭼ العلق ، ٦ - ١ :وقوله
عليه الصالة والسالم « طلب العلم فريضة على كل مسلم ،وإن طالب العلم يستغفر
1 له ّ
كل شيء حتى الحيتان في البحر»
والحضارة اإلسالمية قامت أساس ًا على العلم وتطبيقاته واإلسالم إذ يدعو إلى
العلم يدعو إلى العلم الجاد النافع والمثمر ،العلم الذي يقذف في القلوب ثورة
فتصبح طآقة منفجرة تؤتي األمّة بالخير النافع ال تخاف من مستبد أو ظالم .
( )1السيوطي ،الجامع الصغير ،الصفحة أو الرقم ،5266الدرر السنية ،رواه عن أنس بن مالك.
-73-
والعلماء عواذ له ،المستبد سارق ومخادع ،والعلماء منبهون محذرون ،وللمستبد
أعمال وصوالح ال يفسدها عليه إ ّ
ال العلماء :المستبد كما يبغض العلم لنتائجة
ألن للعلم سلطان ًا أقوى من كل سلطان ،فال بُد للمستبد من أن
يبغضه لذاتهّ ،
يستحقر نفسه كلما وقعت عينه على من هو أرقى منه علم ًا ولذلك ال يحب المستبد
أن يرى وجه عالم ذكي ،فإذا اضطر لمثل الطبيب والمهندس يختار المتصاغر
المتملق ،وعلى هذه القاعدة بنى ابن خلدون قولة « فاز المتملقون» بل هذه
طبيعة في كل المتكبرين وعليها مبني ثنائهم على كل من يكون مسكين ًا خام ً
ال ال
1
يرجى لخير وال لشر»
( )1الكواكبي ،عبد الرحمن ،طبائع االستبداد ومصارع االستعباد ،ص ،52-51مرجع سابق
( )2خليل والطماوي ،موجز القانون الدستوري ،ص ،382بوساطة كتاب حق الحرية في العالم ،د .الزحيلي ،وهبة،
ص.188
-74-
واهم حقوق العامل يه-:
« -1أن يوفي أجره المكافىء لجهده دون حيف عليه أو مماطلة له يقول عليه
1
الصالة والسالم « :أعطوا األجير أجره قبل أن يجف عرقه»
-3أن يمنح ما هو جدير به من تكريم المجتمع كله له يقول عليه الصالة والسالم
2
« إن الله يحب المؤمن المحترف»
-4أن يجد الحماية ،التي تحول دون غبنه واستغالل ظروفة « ففي الحديث «
باع حر ًا فأ كل ثمنه، ٌ
رجل أعطى بي ثم غدر ،ورجل َ ثالثة أنا خصمهم يوم القيامة
4
ورجل استأجر أجير ًا فاستوفى منه ولم يعطه »3
وصنف هم أصحاب الديانات السماوية ،أو الكتابية وهم الذين لهم دين سماوي
( )1ابن ماجة ،محمد بن يزيد ،سنن ابن ماجة ،باب أجر األجراء ،ج ،2ص.816
( )2رواه الطبراني ،المعجم الوسيط ،صم ،380 ،8والحديث فيه ضعف راجع الدرر السنية.
( )3البخاري ،محمد بن اسماعيل ،الصحيح ،كتاب اإلجارة ،باب إثم من منع أجر األجير ،ج ،2ص.792
( )4الغزالي ،محمد ،حقوق اإلنسان بين تعاليم اإلسالم وإعالن األمم المتحدة ،ص ،181ط1422 ،5هـ2002 ،م،
دار الدعوة اإلسكندرية.
-75-
في األصل ولهم كتاب منزل من عند الله كاليهود والنصارى ،وهم الذين يسميهم
1
القرآن أهل الكتاب « تلطف ًا بهم وإيناس ًا لهم»
وهؤالء أهل الكتاب الذين يعيشون في كنف الدولة اإلسالمية يطلق عليهم ُ
أهل
الذمة وهذا المصطلح للمدح وليس ذم ًا او تحقير ًا او انتقام ًا من قدر وقيمة القوم.
ألن لهم
« والذمة « كلمة من معناها العهد والضمان واألمان وإنّما ُسموا بذلك ّ ،
عهد الله ،وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم ،وعهد جماعة المسلمين :أن يعيشوا
في حماية اإلسالم ،وفي كنف المجتمع اإلسالمي آمنين مطمئنين ،فهم في أمان
المسلمين وضمانهم ،بنا ًء على «عقد الذمة» بينهم وبين أهل اإلسالم ،فهذه
الذمة تعطي أهلها من غير المسلمين ما يشبه في عصرنا «الجنسية السياسية التي
تعطيها الدولة لرعاياها ،فيكتسبون بذلك حقوق المواطنين ويلتزمون بواجباتهم،
فالذمي على هذا األساس من أهل دار اإلسالم» كما يعبر الفقهاء ،أو من حاملي
2
«الجنسية اإلسالمية» كما يعبر المعاصرين»
( )1د .القرضاوي ،يوسف ،األقليات الدينية «الحل اإلسالمي» ص ،33ط1417 ،1هـ1996 ،م ،دار الفرقان ،األردن.
( )2الدكتور القرضاوي ،يوسف ،غير المسلمين في المجتمع اإلسالمي ،ص .30-29ص ، 7ط1425 ،4ﻫ2005 ،م ،مكتبة ،القاهرة
-76-
يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله « واإلكراه هو أن تحمل الغير على فعل ال يرى
هو خير ًا في أن الله يفعله أي ال يرى الشخص المكره فيه خير ًا حتى يفعله ...كان
من الممكن أن الله يقهر اإلنسان المختار كما قهر السموات واألرض والحيوان
يعص أمره فيقول سبحانه ﭽ ﮑ ﮒ ﮓ
ِ والنبات والجماد ،وال أحد يستطيع أن
يريد أن يعلم من يأتيه محب ًا مختار ًا
ُ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﭼ الرعد ، ٣١ :لكن الحق
وليس مقهور ًا ..تقول لمسلم :لماذا ال تصلي؟ يقول لك « :ال إكراه في الدين
ويدعي أنه مثقف ،ويأتيك بهذه اآلية ليلجمك بها ،فتقول له :ال» ال إكراه في
الدين» عقيدة وايمان ًا ،إنما إن آمنت وأعلنت أنك آمنت بالله وصرت معلن ًا مسلم ًا
فال بُد أن تعرف أنك ان كسرت حكم ًا من أحكام اإلسالم نطلب منك أن تؤديه ،
أنت حر أن تؤمن أو ال تؤمن ،لكن حين التزمت باإليمان ،فعليك مسؤولية تنفيذ
ُ
تصرفك أنه من تصرفات اإلسالم ،فاذا كنت تشرب مطلوب اإليمان .وإ ّ
ال ُحسب
خمر ًا فإنك حر ،ألنك كافر مث ً
ال ،لكن أتؤمن ثم تشرب خمر ًا؟ ال ،أنت بذلك
1
تكسر حد ًا من حدود الله ،وعليك العقاب»
« وعن ابن عباس قوله» ال إكرآه في الدين « قال :نزلت في رجل من األنصار من
بني سالم بن عوف يقال له الحصيني كان له ابنان نصرانيان وكان هو رج ً
ال مسلم ًا
فقال للنبي صلى الله عليه وسلم أال استكرهما فإنما قد أبيا إ ّ
ال النصرانية فأنزل الله
الس ُدى نحو ذلك وزاد ،وكانا قد تنصرا على أيدي تجار قدموا
فيه ذلك ،وروى ّ
من الشام يحملون زبيب ًا فلما عزما على الذهاب معهم أراد أن يستكرهما وطلب من
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث في آثارهما فنزلت هذه االية» 2وأساس
التعامل مع اآلخر هو التسامح واالحترام ،فعن جابر بن عبد الله « م ّرت بنا جناز ًة
( )1الشعراوي ،محمد ،تفسير الشعراوي ،م ،2ص ،1127-1126أخيار اليوم ،القاهرة
( )2ابن كثير ،أبو الفداء ،تفسير ابن كثير ،ج ،1ص ،312مطبعة األنوار المحمدية.
-77-
فقام لها النبي واقف ًا فقلنا له :يا رسول الله إنها جنازة يهودي ،فقال ،إذا رأيتم
1
الجنازة فقوموا أليست نفسا»
فقد روت أم المؤمنين أم سلمه رضي الله عنها :أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أوصى عند وفاته فقال -:الله ،الله في قبط مصر ،فإنكم ستظهرون عليهم،
2
ويكونون لكم عدة وأعوان ًا في سبيل الله «
وعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال « :إنكم
3
ستفتحون أرض ًا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خير ًا ،فإن لهم ذمة ورحما «
« ويلتزم أهل الذمة بمقتضى عهد الذمة بأمرين أساسيين األول :دفع الجزية
وبعض التكاليف المالية على القادر منهم للمساهمة في أعباء الدولة المالية ،أو
المشاركة في العدالة االجتماعية في مقابل الحماية والرعاية المتوافرة لهم.
ويترك ألهل الذمة أمران :االول :الدين والعقيدة والعبادة التي يؤمنون بها ،الثاني:
أحكام األسرة في الزواج والطالق ،ويلحق بذلك شرب الخمر ،وأكل لحم الخنزير،
لصلة ذلك بأصل التدين وأنها تعتبر مباحة بمقتضى عقيدتهم الخاصة « أما في
عصرنا الحاضر ،فلم يبق عقد الذمة موجود ًا بصورته القديمة ،واختلفت األسس
( )1البخاري ،محمد بن اسماعيل ،الصحيح ،كتاب الجنائز ،باب من قام بجنازة يهودي ،ج ،1ص.441
( )2األلباني ،السلسلة الصحيحة ،رقم ،3113إسناده صحيح رجاله ثقات.
( )3ابن حبان ،الصحيح ،رقم الحديث ،6676رواه أبو در ،الدرر السنية ،وحكم عليه بالصحة.
-78-
واألنظمة التي تنظم عالقات الدول مع بعضها ،وعالقات الدولة مع المواطنين
القاطنين في أرضها بمختلف فئاتهم ،واذا أردنا أن نطبق عقد الذمة في عصرنا
الحاضر فال بد من التفريق في أحكامه بين حالتين-:
الحالة األولى -:في تطبيقه في القانون الدولي ،وإنهاء القتال مع الدول األخرى
أثناء الحرب وبعد انتها ِئها ففي هذه الحالة لم يبق مجال لتطبيق عقد الذمة ودفع
الجزية ،لعدم تعارف الدول عليه في الوقت الحاضر ،وزوال استعماله في التعامل
الدولي ،وااللتزام بمبدأ المعاملة بالمثل وفي هذه الحالة يتطور عقد الذمة بما
يتناسب مع األنظمة العالمية بدون دفع الجزية ،وهذا جائز شرع ًا ،فيجوز لولي
األمر أن يعقد اتفاقيات ومعاهدات وعقود ًا تحقق المصالح العامة للمسلمين،
ومركزهم المناسب في المجتمع الدولي بما ال يتناقض مع أحكام اإلسالم.
الحالة الثانية :في تطبيق عقد الذمة ودفع الجزية في األنظمة والقوانين الداخلية
على المواطنين القاطنين في أرض الدولة ،وهنا ال نجد عضاضة من تطبيقه
ألن عقد الذمة تنظيم داخلي لفئة من المواطنين .
في األلفاظ والمصطلحاتّ ،
ويتضمن دفع ضريبة معينة على فئة من الناس ،ويقابلها التزامات أخرى على بقية
الفئات ،وهذا ال غبار عليه ،والدول الحديثة تفرض ضرائب معينة على فئات دون
أخرى ،كما أن السلطات العليا تنظم أحكام الجنسية والتجنيس» .1
( )1الصوا ،علي ،موقف اإلسالم من غير المسلمين في المجتمع اإلسالمي ،ص ،50-49كتاب الموجز في معاملة
غير المسلمين في اإلسالم ،منشورات مؤسسة آل البيت 1994 ،م
-79-
ً
ثانيا :حق احلماية :ويتمثل هذا احلق بما ييل-:
(أ) احلماية من االعتداء اخلاريج:
قال صاحب كتاب « مطالب أولي النهى» « يجب على اإلمام حفظ أهل الذمة
ومنع من يؤذهم ،وفك أسرهم ،ودفع من قصدهم بأذى إن لم يكونوا بدار حرب،
بل كانوا بدارنا ولو كانوا منفردين ببلد ،وعلل ذلك بأنهم جرت عليهم أحكام
1
اإلسالم وتأبد عقدهم ،فلزمه ذلك كما يلزمه للمسلمين»
«أمّا الحماية من الظلم الداخلي فهو أمر يوجبه اإلسالم ويشدد في وجوبه ،
ويحذر المسلمين أن يمدوا أيديهم أو ألسنتهم إلى أهل الذمة بأذى أو عدوان فالله
يحب الظالمين وال يهديهم بل يعاجلهم بعذابه في الدنيا أو يؤخر لهم
ُ تعالى ال
العقاب مضاعف ًا في اآلخرة ،وقد تكاثرت اآليات واألحاديث الواردة في تحريم
الظلم وتقبيحه ،وبيان آثاره الوخيمة في اآلخرة واألولى ،وجآءت أحاديث خاصة
تحذر من ظلم غير المسلمين من أهل العهد والذمة.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم « :اال من ظلم معاهد ًا ،أو انتقصه ،أو كلفه
3
فوق طاقته ،أو أخذ منه شيئ ًا بغير طيب نفس منه ،فأنا حجيجة يوم القيامة»2
«عن سويد بن غفله قال لما قدم عمر الشام قام اليه رجل من أهل الكتاب فقال -:يا
( )1الرحيباني ،مصطفى السيوطي ،مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى ،ج ،2ص ،603-602ط1415 ،2هـ،
( )2أبو داود ،سليمان بن األشعب ،السنن ،باب تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات ،ج ،3ص170
-80-
أمير المؤمنين إن رج ً
ال من المؤمنين صنع بي ما ترى قال وهو مشجوج ،مضروب
فغضب عمر غضب ًا شديد ًا ،ثم قال لصهيب انطلق وانظر من صاحبه فائتني به فانطلق
صهيب فإذا هو عوف بن مالك األشجعي فقال -:إن أمير المؤمنين قد غضب عليك
غضب ًا شديد ًا،فأت معاذ بن جبل فليكلمة فإني أخاف أن يعجل اليك فلما قضى
عمر الصالة قال أن صهيب أجئت بالرجل قال :نعم وقد كان عوف أتى معاذ ًا فأخبره
بقصته ،فقام معاذ فقال -:يا أمير المؤمنين إنه عوف بن مالك فاسمع منه وال تعجل
ُ
رأيت هذا يسوق امرأة مسلمة إليه ،فقال له عمر :مالك ولهذا؟ قال :يا أمير المؤمنين
على حمار فنخس بها ،ليصرع بها فلم يصرع بها فدفعها فصرعت فغشيها ،أو أ كب
عليها فقال له أئتني بالمرأة فلتصدق ما قلت فأتاها عوف فقال له أبوها وزوجها ما
أردت إلى صاحبتنا قد فضحتنا فقالت والله ألذهبن معه فقال أبوها وزوجها :نحن
نذهب فنبلغ عنك فأتيا عمر فأخبراه بمثل قول عوف وأمر عمر باليهودي فصلب،
وقال ما على هذا صالحناكم ،ثم قال أيها الناس اتقوا الله في ذمة محمد فمن فعل
1
منهم هذا فال ذمة له ،قال سويد فذلك اليهودي أول مصلوب رأيته في اإلسالم»
ً
ثاثلا :إسناد األعمال لغري املسلمني
جيوز إسناد األعمال لغري املسلمني ضمن القيود اتلايلة-:
-1في الحاالت التي لم يشترط الفقهاء فيها شرط اإلسالم ،كاألمامة العظمى،
والقضاء بين المسلمين ،وغير ذلك من األعمال ذات الصفة الدينية .
-2عند الحاجة والمصلحة التي يقدرها ولي األمر بمقتضى السياسة الشرعية .
( )1الهندي ،علي القادري ،كنز العمال في سنن األقوال واألفعال ،أحكام أهل الذمة ،ج ،4ص211 – 210
-81-
-4انتفاء التهمة ،وعدم وجود العداء والبغضاء ،وعدم االرتباط بدولة أجنبية أو
مصالح أجنبية.
-5عدم التطاول والتعالي على المسلمين ،وعدم استغالل الناس ألغراض شخصية
أو إيقاع االذى والض َر بالمسلمين ،وبذلك تتحقق مصلحة األمة باإلستفادة من
جميع عناصرها ،واستغالل الطاقات التي فيها ،مع تأمين االستقرار ،والعدالة
1
لجميع األفراد والمواطنين «
يقول د .عبد الكريم زيدان« -:ونحن اذا تجاوزنا إلى واقع الدولة اإلسالمية ،نجد
أن المسلمين في مختلف العصور يشركون الذميين والمستأمنين،عندما جاء سبي
قيسارية جعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بعضهم في الكتابة وأعمال المسلمين،
وسليمان بن عبد الملك عهد باإلشراف والنفقة على بناء مسجد الجماعة في بلدة
الرملة في فلسطين إلى كاتب نصراني يقال له البطريق «ابن النقا»
لما فتح المسلمون مصر ًا أبقوا العمال البيزنطيين ،وكان من هؤالء شخص يدعى
«مثياس» كان هرقل قد واله أعمال المنطقة الشمالية من مصر ،ومن األشخاص
المعروفين «اثناسيوس» الذي شغل بعض مناصب الحكومة في مصر زمن األمويين
حتى بلغ مرتبة الرئاسة في دواوين اإلسكندرية ،وكان لمعاوية بن سفيان كاتب
نصراني اسمه «سرجون» وفي زمن العباسيين عين الخليفة أبو جعفر المنصور
يهودي ًا اسمه « موسى « كان أحد اثنين في جباية الخراج ،وقد تولى الوزارة في
زمن العباسيين بعض النصارى أ كثر من م ّره منهم» نصر بن هارون « سنة 369ﻫ،
2
وعيسى بن نطورس النصراني سنة 380ﻫ «
( )1د .الصوا ،علي ،موقف اإلسالم من غير المسلمين في المجتمع اإلسالمي ،ص ،54-53مرجع سابق.
( http:www.odabasham )2وانظر ،البالذري ،أحمد بن يحيى ،فتوح البلدان ،ج،1ص ،149تحقيق رضوان
محمد1403 ،ﻫ ،دار الكتب العلمية ،بيروت
-82-
الوحدة اخلامسة
قال صاحب لسان العرب « الوطن المنزل تقيم به ،وهو موطن اإلنسان ومح ّله،
والجمع أوطان ،وأوطان الغنم والبقر :مرابطها وأماكنها التي تأوي إليها ،يقال أوطن
فالن أرض كذا وكذا أي :اتخذها مح ً
ال ومسكن ًا يقيم فيها والموطن «المشهد من
مشاهد الحرب وفي النزيل»
ُ
ووطنت نفسي على كذا فتوطنت أي يطن وطن ًا بالمكان أقام به وألفه،
ُ « وطن»
مهدتها له وحملتها عليه قال الشاعر : 1
2
الدهر حين تنوب»
على نائبات ّ وال خير فيمن ال ّ
يوطن نفسه
( )1الشاعر هو :صابي البرجمي وهو أبو إسحاق إبراهيم بن هالل بن زهرون بن حبوت الحمراني الصابي ،صاحب
الرسائل وال ّنظم ،وكان كاتب اإلنشاء ببغداد عن الخليفة وعن عز الدولة أبو بويه توفي قبل سنة ثمانين وثالث مئة.
الدمشقي ،شمس الدين محمد بن عبد الله ،توضيح المشتبه في ضبط أسماء الرواة وأنسابهم وألقابهم وكناهم ،تحقيق
محمد العرفسوسي1993 ،م ،مؤسسة الرسالة ،بيروت.
( )2ابن منظور ،محمد بن مكرم ،لسان العرب ،ج ، 13ص 451.وانظر الفراهيدي ،الخليل بن أحمد ،العين ،ج،1
ص ،435تحقيق الدكتور مهدي المخزومي والدكتور إبراهيم السامراني ،دار ومكتبة الهالل
-83-
ُ
يحمل «والوطن عزيز على النفس ،ففيه ولد اإلنسان ،وفيه يعيش مهد طفولته ،وفيه
ُ
ويتمثل عاداتهم وأساليب حياتهم ْ
جل ذكرياته ،واإلنسان يألف مع بني جلدته،
ُ
ينتقل اإلنسان إلى بيئة أخرى بكل عفوية وبساطة دون وجل أو تردد ،وعندما
جديدة فهو مضطر إلى التكيف مع العادات والقيم السائدة في ذلك المجتمع فهذا
يكابد نمط هذه الحياة
ُ ُ
يجعل اإلنسان يشعر بالتوتر ،والضيق ،والخوف وهو الحال
إن القرآن الكريم يدعو أتباعه إلى الضرب في األرض ،والسير فيه سوآء
الجديدة ّ ،
من أجل الفرار بالعقيدة ،أو الرزق ،أو العلم ،أو اإلتعاظ باألمم السابقة واكتشاف
مدى هذا الكون الرحيب .يقول سبحانه « ﭽ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ
1
ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﭼ آل عمران :١٣٧
هذا الشعور وهذه العاطفة ال ينكرها اإلسالم ،قال الرسول عندما خرج من
أن
ألحب أرض الله إلى الله ،ولوال ّ
ُّ مكة بعدد اضطهاد قريش له قال « :والله إنّك
2
قومي أخرجوني منك ما خرجت»
«وعندما مرض بالل رضي الله عنه ،فدخل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو
ينشد ويقول-:
بواد وحولي ْ
إذخ ّر وجليل ٍ أبيتن ليلة
َّ أال ليت شعري :هل
يتمنى بالل أن يسعده القدر يوم ًا بليلة يبيت فيها بهذا الوادي الذي قال عنه القرآن
( )1د .الديك ،محمد ،األمن في القرآن الكريم دراسة موضوعية ،ص ،48رسالة دكتوراة ،إشراف د .محمود جادين،
2003 ،1424م
( )2الترمذي ،محمد بن عيسى ،سنن الترمذي ،باب في فضل مكة ،ج ،5ص ،722مرجع سابق.
-84-
« بواد غري ذي زرع « ابراهيم 37:وحوله حشيش األذخر ،وأن يجود عليه الدهر فيرد
مياه مج ّنة بمكة ،ويظهر له شامة وطفيل ،وهما من جبال مكة « ،وعن عائشة قالت
قدمنا المدينة وهي وبيئة فاشتكى أبو بكر واشتكى بالل فلما رأى رسول الله صلى
حبب إلينا المدينة كما ح َب ّبت مكة أو
الله عليه وسلم شكوى أصحابه قال :اللهم ّ
1
حماها إلى الجمعة»
ومدها وحوّل ّ
وصححها ،وبارك لنا في صاعها ّ
ّ أشد
بالتأ كيد اإلسالم في أهدافه العليا يقصد إلى إيجاد البيئة المكانية الحاضنة وهذه
والديار عزيزة
ّ ال تتم اال بأداء كل شخص يقيم فيها بالدور االيجابي الفاعل،
فقد جعل القرآن الكريم اإلخراج من الديار صنو القتل .يقول سبحانه وتعالى:
( )1النيسابوري ،مسلم ،أبو الحسن ،الصحيح ،باب الترغيب في سكن المدينة المدينة والصبر على ألوانها ،ج،2
ص.1503
( )2د .القرضاوي ،يوسف ،الوطن والمواطنة في ضوء األحوال العقدية والمقاصد الشرعية ،ص ،2010 ،16-15دار
الشروق ،القاهرة.
-85-
لذا استحقت منا ضريبة الشرف والدفاع عن الحمى ،لذا أفتى الفقهاء بوجوب
التصدي للعدو في حاله اعتدى عليها .
يقول د .القرضاوي :اذا هجم العدو على بلد من بالد المسلمين ،أو ضيق هجومه
العام ،وهو أن يحتاج إلى جميع
ّ وبدون بوادره ،وهذه الحالة تسمى»:النفير
المسلمين عند دخول الكفار واحتاللهم ألرض إسالمية أو تهديدهم لها وتوقع
خطر عليها فال يكتف ببعض المسلمين من أهل هذا البلد عن بعض آخر ،بل
يهبون جميع ًا لمقاومة الغزو حسب اإلمكان كل بما يقدر عليه ،وال يجوز لقادر
التخلف عن المشاركة في المقاومة ،ولهذا رأينا النبي عام الخندق حين هاجم
المشركون المدينة لم يأذن ألحد في ترك الجهاد ونزل القرآن الكريم يذم الذين
يستأذنون النبي ﭽﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﭼ
األحزاب.١٣ :
كما ذم القرآن الذين يتسللون خفية ويلوذون بيوتهم فرار ًا من واجب الحراسة ،الذي
ُكلف به الجميع في مواجهة الخطر الزاحف وفيهم نزل قوله تعالى :ﭽ ﭼ ﭽ
ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ
ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﭼ
«حقيقة ال تعارض بين أن ينتمي اإلنسان إلى وطنه أو إلى دينه 1
النور»٦٣ :
فاإلنسان ينتمي إلى أسرته ،وينتمي إلى عشيرته ،وينتمي وإلى وطنه ،وينتمي إلى
أمته الكبرى.
( )1د .القرضاوي ،يوسف ،فقه الجهاد ،ج ،1ص ،95مكتبة وهبه ،القاهرة
-86-
اقتران الوطنية بالعلمانية التي تفصل الدين عن الدولة كخالف ما هو معروف عن
شمولية اإلسالم ،وعند الغلو في الوطنية حتى تصبح بدي ً
ال عن الدين ،وعندما
1
تتحول الوطنية إلى عصبية جاهلية»
ويطلق لفظ جامعه على مجموعة من المدرسين ،والطلبة الذين يتابعون في مكان
مجتمعا ،أو هيئة متضامنه لها سلطة منح
ً معين هؤالء األفراد ،ويكونون بترابطهم مع ًا
2
الدرجات العلمية واإلمتيازات ،كما يشمل مصطلح الجامعة المباني والمعامل»
واالنتماء في حقيقته هو « إحساس تجاه أمر معين يبعث على الوالء له ،واستشعار
3
الفضل في السابق والالحق»
-87-
ويمكن أن جنمل هذا االنتماء بانلقاط اآلتية-:
أو ً
ال -:المحافظة على سمعة الجامعة ،واإلعتزاز بها فهذا من باب الوفاء.
ثاني ًا :المحافظة على التعليمات واللوائح الداخلية ،وكل ما يتعلق بالنظام الداخلي
الندب والواجب ،ألن
فهذه التعليمات تطبيقها في منظور الشرع ،يتراوح ما بين ّ
كل ما يعين على إظهار مكارم األخالق والرقي يشجعه اإلسالم ويدعو إليه ،وكل
ما يؤدي إلى الفساد وثلم المؤسسات بدون وجه حق يأثم صاحبه ،ﭽ ﯭ ﯮ
ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﭼ المائدة٢ :
ثالث ًا :في الجامعات التخصصات المختلفة ،إمّا علوم دينية أو علوم دنيوية.
والعلوم الدينية الغرض الالزم منه ما ال يستغن عنه المسلم في حياته ،أمّا التخصص
الدقيق في علوم الشريعة ،فاإلسالم أوجبه على فئة قليلة تقوم بهذا الواجب « يقول
سبحانه ﭽ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ
ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﭼ التوبة١٢٢ :
ُستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب ،إذ هو ضروري في حاجة بقاء
َ كل علم ال ي
األبدان ،وكالحساب فإنه ضروري في المعامالت ،وقسمه الوصايا ،والمواريث
وغيرها ،وهذه هي العلوم التي لو خال البلد عمن يقوم بها حرج أهل البلد ،واذا
إن الطب
قام بها واحد كفى وسقط الفرض عن اآلخرين فال يتعجب من قولنا َ
والحساب من فروض الكفايات :فإن أصول الصناعات أيض ًا من فروض الكفايات
1
كالفالحة والحياكة والسياسة «
( )1الغزالي ،أبو حامد ،محمد ،إحياء علوم الدين ،ج ،1ص16
-88-
بنا ًء على ما تقدم فإن على الطالب أن يجد ويجتهد في دروسه دون تواكل أو
كسل ،وأكثر شيء يسيء إلى سمعة المتعلم أن يلجأ إلى الغش في امتحاناته
ويحصل على عالمات ال يستحقها ،ويجب أن يعلم قطع ًا أن جنس الغش حرام،
وأن مرتكبه عدا أنه مخالف للقانون والنظام وأنه يرصد له عالمة مزورة ،والرسول
1
ومن غشّ نا فليس منا»
ْ فليس م ّنا
َ السالح َ
حمل علينا ّ قال « من
وشهادة الزور من أ كبر الكبائر ،وبالتالي سيخرج إلى المجتمع قيادة مغشوشة
تحمل شهادات كاذبة ،وهذا ما ينعكس مستقب ً
ال على مجتمعهم في الوظائف
فمآالت الغش اذا لم نشعر بها
التي يتقلدون ويتأذى بها كل واحد في المجتمعّ ،
آنّي ًا فإنها على المستوى الزمني البعيد نتجرع العلقم الذي سمحنا به ،أو لم نقطع
شأفته منذ المراحل التعليمية األولى في المدارس.
رابع ًا :المحافظة على مرآفق الجامعة المتمثلة :بالمباني واألثاث واألجهزة العلمية
المتخصصة ،المختبرات...،الخ محافظتنا على بيوتنا أو ممتلكاتنا الخآصة ،وهذه
المرافق ليست ملك ًا لشخص،أو فئة وإنما هي ملك للمجتمع ،والتعدي عليها حرام
شرع ًا والسرقة من ممتلكاتتها يصل إلى ما يسمى بالفقه اإلسالمي «بالغلول» . 2
( )1النيسابوري ،مسلم ،أبو الحسن ،الصحيح ،كتاب اإليمان ،باب قول النبي من غشنا فليس منا ،ج ،1ص99
اله اإلنسان وهو مح ّرم إجماع ًا بل هو من الكبائر ،السعدي، ( )2الغلول ،هو الكتمان من الغنيمة والخيانة في ّ
كل ما يتو ّ
عبد الرحمن بن ناصر ،ج ،1ص ،155تحقيق ابن عثميين1421 ،ﻫ2000 ،م ،مؤسسة الرسالة ،بيروت
-89-
ً
ثاثلا :االنتماء للعشرية
من الواقع الذي نشاهده اإلنتماء إلى العائلة ،أو العشيرة وهذا اإلنتماء نوع من
الروابط االجتماعية والتي بدأت منذ سيدنا آدم عليه السالم هذه الرابطة في
تطبيقاتها لها وعليها من وجهة نظر الشرع.
تعريف العشرية-:
2
« وفي الحديث « أنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير»
3
يعني الزوج وقول الله تعالى:ﭽ ﯭ ﯮ ﯯ ﭼ الحج« ١٣ :والعشيرة»
مجتمع إنساني صغير يشترك في ملكية واحدة ويتضامن في أخذ الثأر من خصومه
4
وهو أضيق من القبيلة «
-90-
وقال :ال ّنائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران
1
ودرع من جرب»
« الحسب الفعال الحسن للرجل وآلبائة مأخوذ من الحساب إذا حسبوا مناقبهم،
وعد كل واحد مناقبه ومآثر آبائه وكسبها فمن كان أ كثر فيها كان أولى بها وأعلى
ُّ
فيها ،وإنما جعلها في الحديث من أمر الجاهلية؛ ألنهم كانوا يجعلون ذلك سبب ًا
للحروب والفتن واالستعالء ،واإلسالم قد ساوى بين الكل وهدم التفاخر المؤدي
إلى الضغآئن ،ومناقب اإلسالم وشرائطه على خالف ما كانوا عليه ،وأصلها ُكلها
في اإلسالم هو كل ما يؤدي إلى األلفة والتعاون على البر وإطفاء الضغآئن وذم
2
الفتن كلها وأسبابها ،وفي بعض اآلثار كرم المرء دينه ،وحسبه خلقه»
والحقيقه أن أهل بيت اإلنسان وعائلته هم قوة ومنعة لإلنسان وقت الشدائد،
وهناك اإليجابيات العديدة في حياتنا اليومية والتي تعززها العشيرة منها الصلح،
ونصرة المظلوم ،واإلشتراك بالديه والتكافل اإلجتماعي والتباحث في كل ما هو
خير على وجه العموم.
ونجد في سيرة الرسول العطره أنه ابتدأ دعوته ألهله وعشيرته يقول سبحانه:
ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﭼ الشعراء « ٢١٤ :عن عائشة قالت لما نزلت «
وأنذر عشيرتك األقربين « قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا فقال:
يا فاطم ُة بنت محمد ،يا صفية بنت عبد المطلب ،يا بني عبد المطلب ال أملك
3
لكم من الله شيئ ًا سلوني من مالي ما شئتم»
( )1التيسابوري ،مسلم ،الصحيح ،ج ،2ص.644
( )2الحميدي ،محمد نصر ،تفسير غريب ما في الصحيحين ،البخاري ومسلم ،ج ،1تحقيق د .زبيدة عبد العزيز ،ط،1
ص1415 ،445هـ1995 ،م ،مكتبة الس ّنة ،مصر.
( )3النيسابوري ،مسلم ،الصحيح ،ج ،1ص.129
-91-
ومما يؤكد منعة الشخص وقوته في عشيرته ما ذكره قوم شعيب عليه السالم له»
ﭽ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ
ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﭼ هود« ٩١ :عن زيد رضي الله عنه في قوله» ولوال
رهطك لرجمناك» قال» لوال أن نتقي قومك ،ورهطك لرجمناك» وقال علي «
1 فوالله الذي ال إله غيره ما هابوا جالل ربهم ما هابوا إ ّ
ال العشيرة»
« ويقول العز بن عبد السالم في تفسيره» ما نفقة :ما نفهم صحة ما تقول من
البعث والجزاء أو قالوه إعراض ًا عن سماعه ،أو احتقار ًا لكالمه» ضعيف ًا « أعمى
أو ضعيف البصر أو البدن أو وحيد ًا أو ذلي ً
ال مهين ًا أو قليل العقل أو قليل المعرفة
بمصالح الدنيا ،وسياسية أهلها .رهطك»عشيرتك عند الجمهور أو شيعتك «
2
لرجمناك» بالحجارة ،أو بالشتم» بعزيز» بكريم أو بممتنع»
االنتصار للحق هو المقياس الصحيح ،أما ما سوى ذلك فهذا من شعار الجاهلية
التي تنصر أخاها ظالم ًا أو مظلوم ًا ،ولألسف فإننا نجد أن عيوب مسلكيات
القبيله« :القتل بدافع الثأر ،فتقوم عائلة المغدور باإلنتقام وال ينتقمون من القاتل
بالذات بل يثأرون من أي شخص من القبيلة ،وربما يكون رئيس العشيرة أو القبيلة
والقرآن بينه إلى أن ﭽ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ
ﮧﮨ ﭼ اإلسراء ٣٣ :أي ال يتجاوز الحد الشرعي في القتل بأن يقتل عن جنب
وطرف ويقتل األشخاص الذين ال عالقة لهم بالقاتل.
ونجد مسألة غسل العار ،حيث يقتلون المرأة لمجرد إشاعة تقول أنها زنت ،أو
انحرقت مع شخص آخر من دون أي تحقيق ،واإلسالم ال يثبت ُمسألة الزنا اال
( )1السيوطي ،عبد الرحمن ،الدر المنثور ،ج ،4ص1993 ،471م ،دار الفكر ،بيروت.
( )2ابن عبد السالم ،اإلمام عز الدين ،تفسير العز بن عبد السالم ،اختصار النكت والعيون للماوردي ،ج ،2ص ،102تحقيق عبد
الله الوهبي1416 ،ﻫ1996 ،م ،دار إبن حزم ،بيروتhttp//Arabic.gayynat.org .
-92-
بأربعة شهود ،فإذا لم يأتوا بأربعة شهود فال يجوز لهم حتى الحكم عليها بأنها زنت.
واإلنسان الذي يقذف امرأة لمجرد شهادة رجل واحد ،فهذا القاذف شرع ًا يجلد
ثمانين جلده ،وال يُقبل له شهادة ،ويعتبر من الفسقة؛ لذلك ال بد عند الحكم بالزنا
على المرأة أو الرجل من شهادة أربعة شهود يرون عملية الزنا في تفاصيلها .اإلسالم
ال يجعل الدماء تحت تأثير حاالت عشائرية وقبلية وما إلى ذلك ،يوجد عندنا قيم
جاهلية ال تزال موجودة في مجتمعاتنا وكثير من الناس يتأثرون بها ،حتى وإن كانوا
من الذين حجوا ويصلون ،ويصومون ،اال أنهم في مثل هذه األمور يمارسون كل
العادات العشائرية وحجته أنه اذا لم يقتلها ،فمعنى ذلك أنه سيطأطىء رأسه أمام
العشيرة ،ولكن أن تطأطئ رأسك أمام العشيرة ،أفضل من أن تطأطىء رأسك أمام الله
سبحانه ،والحسين عليه السالم ينسب اليه أنه عندما برز إلى المعركة قال-:
الموت أولى من ركوب العار ،والعار أولى من دخول النار ،وأي عار أعظم من أن
يقال لك أمام الخالئق كلها ﭽ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ
ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭼ الحاقة ٣٢ - ٣٠ :هل هذا أفضل أو أن يأتي اليك
1
شخص ويسخر منك ويقول لك ليس عندك شرف أو ما أشبه ذلك»
أمّا إذا كانت رابطة الوالء العشائري تقوم على حب أفرادها لبعضهم البعض،
وتعاونهم على الخير ،وتناصحهم لما فيه مصلحتهم ولما تقتضية مناسبات األفراح
واألحزان من مشاركة ومواساة ،ونصرة المظلوم ومساعدة المحتاج ،ومنع الظالم
من التمادي في ظلمه فهذه قيم يباركها اإلسالم ويحث عليها .عن أنس رضي
َ
أخاك ظالم ًا أو مظلوم ًا الله عنه قال ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أنّصر
2
فكيف ننصره ظالم ًا؟ قال -:تمنعه من الظلم فإن ذلك ْ
نص ُره»
( )1الدكتور فضل الله ،محمد حسين ،تقاليدنا العشائرية والغرب 24 ، 2014/1/28رجب 1425ﻫ باختصار
( )2البخاري ،محمد بن اسماعيل ،كتاب اإلكراه ،باب يمين الرجل لصاحبه أنه أخوه إذا ضاق عليه ،ج ،6ص.255
-93-
« والصلح العشائري من العادات الحميدة المتفقه مع نصوص الشرع ومقاصده
في درء الفتنة ،والتقريب بين الناس ،وإعادة اللحمة والصلة والمودة بعد التباغض
الدماء،
والتدابر والتقاتل ،فقد اعتادت العشائر على األخذ بكل ما من شأنه حقن ّ
وتسكين الشر ،والحجز بين المتخاصمين من خالل ما يُسمى بالعطوة ،وتعني «
الفترة الزمنية التي يمنحها أهل المجني عليه للجاني وأهله أو األهله فقط .وذلك
بعد وقوع الجناية مباشرة ،فيتوسط في العطوة أهل الخير « الجاهة» ويعتمد
عليها المصلحون خطوة أولية في حل مشكالت الناس عند وقوع الجناية نظر ًا
لتوتر النفوس ،وتحركها نحو الشر وتأهب الطرفين للصد وال ْرد وهي هدنه مؤقته.
لحين السير في إجراءات التقاضي وهدوء النفوس ثم إجراء الصلح لمسعى أهل
الخير من وجود العشائر ،ولوال هذه العادة الحميدة لوقعت كثي ٌر من الفتن والتارات
1
وردود االفعال غير المتوقعة «
ً
رابعا :ثقافة الصالح العالم
اإلنسان بطبيعته يميل إلى حب الذات ،وتحقيق الكمال اإلنساني ويرنو دوم ًا إلى
التفوق والصدارة ما إستطاع إلى ذلك سبيال ،من القيم التي ال يأبه لها كثير من
الناس تتعلق من حيث المبدأ بما يسمى بفقه األولويات أو فقه الموازنات.
«وفقه األولويات يعني :وضع كل شيء في مرتبته ،فال يؤخر ما حقه التقديم أو
2
يكبر األمر الصغير».
يقدم ما حقه التأخير وال يصغر األمر الكبير وال ّ
وفقه الموازنات يعني -:العلم بالدالئل واألسس التي تضبط النظر في الترجيح
( )1د .نوفل ،أحمد وزمالؤه ،الثقافة اإلسالمية وقضايا العصر ،ص.271-270
( )2د .القرضاوي ،يوسف ،أولويات الحركة اإلسالمية في المرحلة القادمة ،ص.34
-94-
بين المصالح والمفاسد في ذاتها ،أو مع بعضها عند التعارض ،لتبين الغالب منها،
1
ويقدم في الحكم»
ّ
ونقصد بثقافة الصالح العام :كقيمة مهمة في المجتمع أي نحتاج إلى تحقيق هذا
المفهوم عملي ًا من تقديم الخير النافع لعموم الناس واحترام القوانين السائدة التي
تخدم هذا المفهوم ،وفلسفة هذه القيمة دافعها حب العطاء والتفاني من أجل اآلخر.
« الصالح العام أو الخير العام تعبير يستخدم لإلشارة إلى عدد من المفاهيم
المختلفة ،فيصف في معناه خير ًا» معين ًا ثم مشاركته واإلستفادة منه على صعيد
2
جميع أعضاء الجماعات المشتركة «
« أسوأ ما ابتليت به أمتنا اإلنصراف وراء الملذات ،وتحقيق مظاهر الترف الزائدة
عن الحاجيات فض ً
ال عن الضروريات لمتطلبات الحياة وقد حذرنا الرسول صلى
الله عليه وسلم من هذه الحالة والتي تقوم على الشح والحرص واتباع الهوى دون
تحقق بخلق اإليثار.
( )1انظر منهج فقه الموازيات في الشريعة اإلسالمية ،ص ، 3بوساطة « ،فقه الموازنات رؤية تأصيلة تطبيقية» ،أيوب
سعيد العطيف ،رسالة دكتوراه
( )2الدكتور القرضاوي ،يوسف ،أولويات الحركة اإلسالمية في المرحلة القادمة ،صhttp//ar.wikipedia.org/wiki 35/8/6 .34
-95-
وفي المقابل جاءت النصوص الشرعية والتي تحث على فضائل األعمال والتي
تتعلق بصالح المجتمع ونفعها ال يقتصر على صاحبها أو الفرد .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أصبح منكم اليوم صائم ًا ،فقال أبو بكر
رضي الله عنه :أنا ،فقال :من أطعم منكم اليوم مسكين ًافقال أبو بكر :أنا ،فقال:
من تبع منكم اليوم جنازة ،فقال أبو بكر :أنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم،
1 ما اجتمعت هذه الخصال قط في رجل إ ّ
ال دخل الجنة»
ُ
مرضت ُ
يقول يوم القيامة يا ابن آدم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله عز وجل
يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال :أما علمت أن عبدي
ّ فلم تعدني قال:
فالن ًا مرض فلم تعده ،أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده يابن آدم استطعمتك فلم
تطعمني ،قال :يارب وكيف أطعمك وانت رب العالمين قال :أما علمت أنه استطعمك
عبدي فالن فلم تطعمه ،أما علمت أنك لو اطعمته لوجدت ذلك عندي؟
يا ابن ادم استسقيتك فلم تسقني ،قال يارب كيف أسقيك وأنت رب العالمين
2
وقال :استسقاك عبدي فالن فلم تسقه أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي»
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « صنائع المعروف تقي مصارع السوء وصدقة
3
السر تطفىءغضب ال ّرب ،وصلة الرحم تزيد في العمر»
( )1السلمي ,أبو بكر ,محمد ,صحيح ابن خزيمة,ج ,3ص ,304تحقيق د .محمد األعظمي
-96-
ومما يرسخ الجانب التطبيقي للصالح العام الوقف هو« :حبس مال يمكن
االنتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقيته وتصرف منافعه إلى البر تقربا
1
إلى الله تعالى».
«كانت هذه المؤسسات نوعين :نوع ًا تنشئة الدولة وتوقف عليه األوقاف الواسعة،
ونوع ًا ينشئه األفراد من أمراء وقواد وأغنياء ونساء .وال نستطيع في مثل هذا
نلم بأهمها:
الحديث أن نعدد أنواع المؤسسات الخيرية كلها ،ولكن حسبنا أن ّ
فمـن أول المـؤسسـات الخيرية المساجد ،وكان الناس يتسابقون إلى إقامتها ابتغاء
وجه الله ،بل كان الملوك يتنافسون في عظمة المساجد التي يؤسسونها ،وحسبنا
أن نذكر هنا مبلغ ما أنفقه الوليد بن عبد الملك من أموال بالغة على بناء الجامع
األموي ،مما ال يكاد يصدقه اإلنسان لكثرة ما أنفق من مال وما استخدم في إقامته
من رجال.
( )1المنادي ،تيسير الوقوف على غوامض أحكام الوقوف ،مخطوط في مكتبة األزهر تحت رقم ،5581-701ص.3
( )2ابن بيه ،عبد الله ،رعاية المصلحة في الوقف ،ص ،5بوساطة كتاب روائع األوقاف في الحضارة اإلسالمية ،الدكتور راغب
السرجاني ،ص ،19-18ط2012 ،4م ،مصر ،دار النهضة.
-97-
ومن أهم المؤسسات الخيرية المدارس والمستشفيات
ومن المؤسسات الخيرية بناء الخانات والفنادق للمسافرين المنقطعين وغيرهم من
ذوي الفقر ،ومنها التكايا والزوايا التي ينقطع فيها من شاء لعبادة الله عز وجل،
ومنها بناء بيوت خاصة للفقراء يسكنها من ال يجد ما يشتري به أو يستأجر دار ًا،
ومنها السقايات أي تسبيل الماء في الطرقات العامة للناس جميع ًا ،ومنها المطاعم
الشعبية التي كان يفرق فيها الطعام من خبز ولحم وحساء (شوربة) وحلوى ،وال
يزال عهدنا قريب ًا بهذا النوع في كل من تكية السلطان سليم ،وتكية الشيخ محيي
الدين بدمشق ،ومنها بيوت للحجاج في مكة ينزلونها حين يفدون إلى بيت الله
الحرام ،وقد كثرت هذه البيوت حتى عمت أرض مكة كلها ،وأفتى بعض الفقهاء
ببطالن إجارة بيوت مكة في أيام الحج ألنها كلها موقوفة على الحجاج ،ومنها حفر
اآلبار في الفلوات لسقي الماشية والزروع والمسافرين ،،فقد كانت كثيرة جد ًا بين
بغداد ومكة ،وبين دمشق والمدينة ،وبين عواصم المدن اإلسالمية ومدنها وقراها،
حتى قل أن يتعرض المسافرون – في تلك األيام – لخطر العطش .ومنها أمكنة
المرابطة على الثغور لمواجهة خطر الغزو األجنبي على البالد ،فقد كانت هنالك
مؤسسات خاصة بالمرابطين في سبيل الله ،يجد فيها المجاهدون كل ما يحتاجون
إليه من سالح وذخيرة وطعام وشراب ،وكان لها أثر كبير في صد غزوات الروم أيام
العباسيين ،وصد غزوات الغربيين في الحروب الصليبية عن بالد الشام ومصر.
ويتبع ذلك وقف الخيول والسيوف والنبال وأدوات الجهاد على المقاتلين في
سبيل الله عز وجل ،وقد كان لذلك أثر كبير في رواج الصناعة الحربية وقيام
مصانع كبيرة لها في بالدنا ،حتى كان الغربيون في الحروب الصليبية ،يفدون
إلى بالدنا – أيام الهدنة – ليشتروا منا السالح ،وكان العلماء يفتون بتحريم بيعه
-98-
لألعداء ،فانظر كيف انقلب األمر اآلن فأصبحنا عال ًة على الغربيين في السالح ال
يسمحون لنا به إال بشروط تقضي على كرامتنا واستقاللنا.
ومنها ما كان لشراء أ كفان الموتى الفقراء وتجهيزهم ودفنهم ،أما المؤسسات الخيرية
إلقامة التكافل االجتماعي ،فقد كانت عجب ًا من العجب ،فهناك مؤسسات للقطاء
واليتامى ولختانهم ورعايتهم ،ومؤسسات للمقعدين والعميان والعجز ،يعيشون فيها
موفوري الكرامة لهم كل ما يحتاجون من سكن وغذاء ولباس وتعليم أيض ًا.
وهناك مؤسسات لتحسين أحوال المساجين ورفع مستوى تغذيتهم بالغذاء الواجب
لصيانة صحتهم ،ومؤسسات إلمداد العميان والمقعدين بمن يقودهم ويخدمهم.
ومؤسسات لتزويج الشباب والفتيان العزّاب ممن تضيق أيديهم أو أيدي أوليائهم
عن نفقات الزواج وتقديم المهور ..فما أروع هذه العاطفة وما أحوجنا إليها اليوم!
ومنها مؤسسات إلمداد األمهات بالحليب والسكر ،وهي أسبق في الوجود من
تمحضها للخير الخالص لله عز وجل ،وقد كان
ُّ جمعية نقطة الحليب عندنا ،مع
من مبرات صالح الدين أنه جعل في أحد أبواب القلعة – الباقية حتى اآلن في
دمشق – ميزاب ًا يسيل منه الحليب ،وميزاب ًا آخر يسيل منه الماء المذاب فيه السكر،
تأتي إليه األمهات يومين في كل أسبوع ليأخذن ألطفالهن وأوالدهن ما يحتاجون
إليه من الحليب والسكر.
-99-
المريضة ،أو إلطعامها ،أو لرعايتها حين عجزها ،كما هو شأن المرج األخضر في
دمشق الذي يُقام عليه الملعب البلدي اآلن ،فقد كان وقف ًا للخيول والحيوانات
العاجزة المسنة ترعى منه حتى تالقي حتفها.
أما بعد ،فهذه ثالثون نوع ًا من أنواع المؤسسات الخيرية التي قامت في ظل
حضارتنا ،فهل تجد لها مثي ً
ال في أمة من األمم السابقة؟ بل هل تجد لكثير منها
مثي ً
ال في ظل الحضارة الراهنة؟ ..اللهم إنه سبيل الخلود تفردنا به وحدنا يوم
كانت الدنيا كلها في غفلة وجهل وتأخر وتظالم ..اللهم إنه سبيل الخلود كشفنا
به عن اإلنسانية المعذبة أوصابها وآالمها ..فما هو سبيلنا اليوم؟ أين هي تلك
األيدي التي تمسح عبرة اليتيم ،وتأسو جراح الكليم ،وتجعل من مجتمعنا مجتمع ًا
1
متراص ًا ،ينعم فيه الناس جميع ًا باألمن والخير والكرامة والسالم.؟»..
ووجوب تقديم المصلحة العآمة على الخآصة أو األعم مصلحة أولى بالتقديم من
األخص.
ٌ
أصل شرعي بدليل نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحاضر « هذا
للبادي» »2وعن تلقي الركبان ،رعاية لمصلحة أهل الحضر ،وأهل السوق،
السفيه حفاظ ًا
وتحريم االحتكار،رعاية لمصلحة الجماعة ،وجواز الحجر على ّ
على مال الجماعة ،ومنع أبي بكر من االتجار بعد الخالفة ،ليتفرغ للنظر في
مصالح المسلمين ،ويطبق هذا المبدأ عند المالكية على تضمين الصناع ما يتلف
السراق والقصاب،
بأيديهم ،وجواز ضرب المتهم الستخالص األموال من أيدي ّ
أو النتزاع اإلقرار حال وجود قرينة على التهمة
-100-
ومن التطبيقات لهذا المبدأ أيض ًا جواز التسعير إذا تعدى التجار ثمن المثل
واستغلوا حاجة الناس إلى ما بأيديهم من السلع فإنهم يجبرون على المعاوضة
للمصلحة الراجحة أو لرفع الضرر العام.
فإن كان ارتفاع األسعار بسبب ظروف العرض والطلب وال دخل للتجار في
األسعار فال حاجة للتسعير ,ومن تطبيقاته أيض ًا منع المنافسة غير المشروعة التي
1
تؤدي إلى التحكم في أقوات الناس وتمنع من المنافسة الحرة في التجارة« .
ومنه أيض ًا « تشريح الجثث من القضايا المستجدة في عالم الطب ،وقد أجازه
العلماء للضرورة والحاجة ،وذكروا من هذه الحاجات-:
(أ) حاجة التعليم :فالتعليم في جثة ميته أهون من إجراء التجارب في أجساد
األحياء.
(ب) معرفة سبب الوفاة في الموت غير الطبيعي الذي تتهم فيه جهة معينة بالقتل.
فهذه المصالح حاجبة وعامة ،بينما تشويه جسد الميت مفسدة محلة بكمالي وهي
أن هذه الضرورة يجب تقديرها بقدرها ،فال
خآصة ،لذا جاز هذا التشريح إال» ّ
يجوز التوسع فيها إلى حد اللعب بأجساد الموتى وانتهاك حرماتهم دون مبرر
2
شرعي معقول»
( )2الوكيلي ،محمد ،فقه األولويات دراسة في الضوابط ،ص ،236-235ط1416 ،1ﻫ1997 ،م ،المعهد العالمي
للفكر اإلسالمي
-101-
على نفس صاحبها من نبل األخالق ،وصدق المشاعر ،واإلنتماء الصادق ،والبعد
اإلنساني النبيل.
« وفي المقابل لهذا العطاء « ضيق النفس وشعورها باألنانية المفرطة ،التي
ينجم عنها البخل ،والشّ ح ،وكراهية العطاء ،والرغة باإلستئثار بكل شيء والرغبة
ُ
بالتسلط على كل شيء ،وقبض النفس واليد عن البذل واإلنفاق على الغير ،من
مال ،أو جاه أو علم ـو غير ذلك ولهذا الخلق المقابل آثار اجتماعية سيئة جد ًا،
وهو عنصر من عناصر هبوط الفطره ،ودناءة الطبع ،ونقص اإلنسانية ،والحرمان
1
من رجاحة العقل»
ّ
المتفضل على عباده الله سبحانه وتعالى من صفاته أنه هو الرازق والوهاب فهو
يعطي هذا ويمنع هذا لحكمة يعلمها سبحانه ،وليس العطاء من الله دوم ًا عالمة
على حب الله لهذا العبد يقول سبحانه» ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ
ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭼ اإلسراء ١٨ :يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله
« إعلم أن المال إن كان مفقود ًا فينبغي أن يكون حال العبد القناعة وقلة الحرص,
والسخاء واصطناع المعروف
ّ وإن كان موجود ًا فينبغي أن يكون حاله اإليثار
السخاء من أخالق األنبياء عليهم السالم وهو
والتباعد عن الشح والبخل ،فإن ّ
2
أصل من أصول النجاة»
يرد سائ ً
ال على ولقد كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من أجود الناس وال ّ
ُ
سمعت َس ْهل بن سعد رضي الله عنه قال :جاءت اإلطالق « فعن أبي حازم قال
( )1الميداني ،عبد الرحمن حسن حنبكة ،األخالق اإلسالمية وأسسها ،ج ،2ص ،371ط1423 ،6هـ2002 ،م ،دار
القلم ،دمشق.
( )2الغزالي ،أبو حامد ،محمد ،إحياء علوم الدين ،ج258 ،3
-102-
منسوج في حاشيتها،
ٌ أتدرون ما البرد ُة ؟فقيل له نعم هي الشّ ْمله
َ ببرده ،قال
َ إمرأ ٌة
نسجت هذه بيدي أ كسوكها ،فأخذها النبي محتاج ًا
ُ قالت :يا رسول الله إني
َ
رسول الله إكسنيها ،فقال نعم فخرج إلينا وإنها إزاره فقال رجل من القوم يا
َ إليها
ثم رجع فطواها ثم أرسل بها إليه فقال له القوم ما
فجلس النبي في المجلس َ
َ
يرد سائ ً
ال فقال الرجل :والله ما سألته إال أحسنت سألتها إيّاه ،لقد علمت أنه ال ُّ
1
لتكون كفني يوم أموت قال سهل فكانت كفنه»
ُ
تحث على النفقة ومساعدة المحتاجين، وقد تضافرت النصوص الشرعية التي
وعندنا ما يعرف في اإلسالم بباب النفقات في اإلسالم ،فقد ورد في الحديث»
بعيد من النار ،والبخيل
ٌ قريب من الجنة،
ٌ قريب من ال ّناس،
ٌ قريب من الله،
ٌ السخي
ّ
سخي
ّ قريب من النار ،ولجاهل
ٌ بعيد من الجنة،
ٌ بعيد من الناس،
ٌ بعيد من الله،
ٌ
عابد بخيل»2
ٌ أحب إلى الله تعالى من
ُ
« المقصود بقربه من رحمة الله وليس المساقة فالله سبحانه وتعالى ال يحل
الجهات وال ينزل األماكن ،وقربه من الناس قرب المودة والمحبة وقربه من الجنة
لسعيه فيما يدنيه منها وسلوكه طريقها وقوله « ولجاهل سخي أحب إلى الله من
السخي أحب إلى الله من العابد
عابد بخيل» فخولف ليفيد أن الجاهل غير العابد ّ
العالم البخيل ،فيا لها من حسنة غطت على عيبين عظيمين ،ويا لها من سيئة
السخي سريع االنقياد إلى ما يؤمر به من
حطت حسنتين خطيرتين على أن الجاهل ّ
3
نحو تعلم وإلى ما ينهى عنه بخالف العالم البخيل»
-103-
وعن أبي سعيد الخدري قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :خصلتان ال
1 يجتمعان في مؤمن ال ُب َ
خل وسوء الخلق»
سأل معاوية الحسن بن علي رضي الله عنهم عن المروءة والنجدة والكرم فقال:
أمّا المروءة فحفظ ال ّرجل دينه وحذر نفسه وحسن قيامه بضيفه وحسن المنازعات
واإلقدام في الكراهية ،وأمّا النجدة فالذب عن الجار والصبر في المواطن وأما
الكرم فالتبرع بالمعروف قبل السؤال واإلطعام في المحل والرأفة بالسائل مع بذل
2
النائل»
« يجب أن تسود هذه ال ّروح أي روح العطاء والشفقة والحنو على اآلخر حتى
تختفي أثار الحقد اإلجتماعي ويعيش المجتمع بسالم ووئام فالفقر في نظر
اإلسالم مصيبة وكان يستفيد منه الرسول صلى الله عليه وسلم يقول محمد الغزالي
رحمه الله» إن الفقر مع ّره إذا الصقت بإلنسان أحرجته وهبطت به دون المكانه
التي كتب الله للبشر ،وإنه لعزي ٌز على ال ّنفس أن ترى شخص ًا مشقوق الثياب ،تكاد
فتوقه تكشف سوءته ،أو حافي األقدام أبلى أديم األرض كعوبه وأصابعه ،أو
ثم يرده الحرمان وهو حسير ،والذي يرون هذه
جوعان يمد عينيه إلى شتى األطعمة َ
الصور الفاحشة ثم ال يكترثون بها ليسوا بشر ًا وليسوا مؤمنين ،اإليمان أن يرهب
3
المرء ربّه في أمثال أولئك البائسين»
-104-
املجاالت اليت يشملها مفهوم العطاء
-1العطاء من المال.
يدخر عنده
-2العطاء من العلم والمعرفة ،والعطاء في هذا المجال هو الذي ال ّ
علم ًا وال معرفة عمن يحسن اإلنتفاع بذلك ،والبخيل هو الذي يحتفظ بمعارفه
وعلومه لنفسه فال يتفق منها لمستحقيها.
ّ
النفس فيعطي من جاهه وعطفة وحنانه وحلو كالمه وابتسامته -4العطاء من
وطالقة وجهه.
-6العطاء بالتضحية بالحياة كلها ،فالمجاهد المقاتل في سبيل الله يجود بحياته
إلعالء كلمة الله ونصرة دينه ،ابتغاء مرضاة ربه والذي يؤثر أخاه بشربة الماء ،وهو
1
على وشك الهالك ،لينقذ أخاه من الموت يضحى ويجود بحياته من أجل غيره»
( )1الميداني ،عبد الرحمن حسن حنبكه ،األخالق اإلسالمية وأسسها ،ج،2ص375
-105-
سادسا-:الصدق:
من المشاهدات التي نعايشها اليوم ويكاد المرء ال يصدق وهو الكذب وعلى كل
المستويات وفي كل المجاالت ،بل يبدو وكأن له جامعات ينبثق عنها تخصص
الكذب ،واألدهى واألمر أن هذا الخلق السيء أصبح سجية وعادة لكثير من
الناس وزاد هؤالء القوم الكالم المعسول والتفنن في أساليب التمويه.
إن الكذب آفة نفسية تقود صاحبها إلى الهالك ،والصدق قيمة خلقية تقود
صاحبها الى كل فضيلة عن ابن مسعود قال ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
-:إن الصدق يهدي الى البر ،وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى
يكتب عند الله ِ
صديقا وإن الكذب يهدي الى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار
1 وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله ً
كذابا»
« قال الحافظ في الفتح المراد بالكتابة الحكم عليه بذلك واظهاره للمخلوقين
من المال األعلى ،والقاء ذلك في قلوب أهل األرض وقال النووي :قال العلماء
في هذا الحديث حث على تحري الصدق واالعتناء به وعلى التحذير من الكذب
والتساهل فيه فانه اذا تساهل فيه كثر منه فيعرف به»
قال أبو حاتم رضي الله عنه -:اللسان سبع عقور إن ضبطه صاحبه سلم وإن خلى
؛ألن
ً عنه عقره ،وبفمه يفتضح الكذوب ,فالعاقل ال يشتغل بالخوض فيما ال يعلم
رأس الذنوب الكذب وهو يبدي الفضائح ,ويكتم المحاسن وال يجب على المرء
اذا سمع شيئا يعيبه أن يحدث به؛ ألن من حدث عن كل شيء أزرى برأيه وأفسد
2
صدقه «
( )1البخاري ,محمد بن اسماعيل ,الصحيح ,كتاب اآلداب ,ج , 5ص 2261
( )2المباركفوري ,محمد بن عبد الرحمن ,تحفة األحوذي ,ج ,6ص , 91دار الكتب العلمية ,بيروت
-106-
والله سبحانه وتعالى يدعونا أن نكون مع أهل الصدق يقول سبحانه »-:يا أيها
الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين «
إن قيم السعادة تكمن في البساطة المقصودة ,والتي تأخذ األشياء على
أخي الطالب ً :
حقيقتها دون انبهار باآلخر أو النهم الذي يجاري رغائب رعونات النفس وتسلك
في سبيل تحقيق مقصودها غير مبالية باألخالق ،وأن الغاية تبرر الوسيلة وهذا ملمح
بارز من مالمح الحضارة الغربية اليوم «فهي حضارة مبهرة بازغة ،سلبت األفكار
وخلبت األنظار ,حضارة اإلستعالء ,واألنانية ,والفساد والعنصرية ،والترف والرفاهية
,والتحرر ,واالباحية ,والتدهور الروحي ,واالنحطاط الفكري ،والسقوط االجتماعي
,والتفكك األسري في مقابل تقدم علمي وانتعاش اقتصادي واستكبار سياسي
واستعالء اعالمي» .2
( )1د .السباعي ,مصطفى ,أخالقنا االجتماعية ,ص , 81ط1407 , 5ه1987 ,م ,المكتب اإلسالمي ,بيروت
( )2د .الشرقاوي ,أحمد ,وزميله ,مدخل الى الثقافة اإلسالمية ,ص 176
-107-
-108-
الوحدة السادسة
« أما االختالف والمخالفة فهي أن ينهج كل شخص طريق ًا مغاير ًا لآلخر في حاله
أو في قوله ،والخالف أعم من « الضد» ألن كل ضدين مختلفان ،وليس كل
مختلفين ضدين ،ولما كان االختالف بين الناس في القول قد يفضي إلى التنازع
،استعير ذلك للمنازعة والمجادلة « قال تعالى « :ﭽﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﭼ
مريم « ٣٧ :ﭽ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭼ هود.١١٨ :
( )2الشتري ،سعد بن ناصر ،أدب الحوار ،ص ،10-9ط1427 ،1ﻫ2006 ،م ،دار كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع ،الرياض.
-109-
ﭽ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ يونس ٩٣ :وعلى هذا
يمكن القول بأن « الخالف واالختالف» يرادُ به مطلق المغايره في القول أو
1
الرأي أو الحالة أو الهيئة أو الموقف»
« الخالف واقع بين الناس في مختلف األعصار واألمصار ،وهو ُس ّنة الله في خلقه،
فهم مختلفون في ألوانهم وألسنتهم وطباعهم ومدركاتهم ومعارفهم وعقولهم ،وكل
ذلك آية من آيات الله ّنبه عليه القرآن الكريم في قوله تعالى ﭽ ﮟ ﮠ ﮡ
ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﭼ
الروم ٢٢ :وهذا االختالف الظاهري ٌّ
دال على االختالف في اآلراء واالتجاهات
واألغراض ،وكتاب الله العزيز يقرر هذا في غيرها آية ،مثل قوله سبحانه ﭽﭑ ﭒ
ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭼ
2
هود»١١٩ - ١١٨ :
«أي لو شاء الله لجعل الناس أمه على دين واحد وال يزالون مختلفين على أديان
شتى من بين يهودي ونصراني ومجوسي ومشرك « اال من رحم ربك» معناه لكن
من رحم ربك فهداهم إلى الحق فهم ال يختلفون ولذلك خلقهم ..قال أشهب سألت
3 ٌ
وفريق في السعير» ٌ
فربق في الجنه مالكا عن هذه االية فقال « خلقهم ليكون
ٌ
دليل ظاهر على أن األمر ويقول البيضاوي « ولو شاء لجعلهم مسلمين كلهم وهو
غير اإلراده ،وأنّه تعالى لم يرد اإليمان من كل أحد ،وأن ما أراده يجب وقوعه «
( )1العلواني ،طه جابر ،أدب االختالف في اإلسالم ،ص ،22-21ط1412 ،5ﻫ1991 ،م ،المعهد العالمي للفكر
اإلسالمي ،أمريكا
( )2حميد ،صالح بن عبد الله ،أصول الحوار وآدابه في اإلسالم ،ط1415 ،1ﻫ1994 ،م ،دار المناره ،جده
( )3البغوي ،تفسير البغوي ،ج ،2ص ،406تحقيق خالد العك ،دار المعرفة ،بيروت
-110-
وال يزالون مختلفين « بعضهم على الحق وبعضهم على الباطل ال تكاد تجد اثنين
1
يتفقان مطلق ًا .
أو ً
ال -:أنه يتيح اذا صدقت النوايا -التعرف على جميع االحتماالت التي يمكن
ُ
الدليل رمى اليها بوجه من وجوه األدلة. أن يكون
ثاني ًا -:فيه رياضة لألذهان ،وتالقح لآلراء ،وفتح مجاالت التفكير للوصول إلى
سائر االفتراضات التي تستطيع العقول المختلفة الوصول اليها.
ثالث ًا -:تعدد الحلول أمام صاحب كل واقعه ليهتدي إلى الحل المناسب للوضع الذي
2
هو فيه بما يتناسب ويسر هذا الدين الذي يتعامل مع الناس من واقع حياتهم»
خامس ًا -:ايجاد بيئة اجتماعية سليمه يحترم بعضها بعض ًا دون التشدق أو التعصب
أو احتقار اآلخر.
-111-
أصول احلوار
األصل األول -:هدف المتحاورين يجب أن ينصب على الوصول للحق فقط،ألن
الهدف من الحوار هو في األصل معرفة الحقيقة ،فال يجوز االسترسال مع هوى
النفس ،يقول سبحانه « فال تتبعوا اهلوى»
يقول اإلمام الغزالي رحمه الله « من شروط التعاون على الحق « أن يكون في
طلب الحق كناشد ضآلة ال يفرق بين أن تظهر الضآلة على يده ،أو على يد من
يعاونه ويرى رفيقه معين ًا ال خصم ًا ويشكره اذا ع ّرفه الخطأ ،وأظهر له الحق كما لو
أخذ طريق ًا في طلب ضآلته فنبهه صاحبه على ضآلته في طريق آخر فإنه كان يشكره
وال يذمه ويكرمه ويفرح به.
ثم يقول اإلمام الغزالي رحمه الله» فانظر إلى مناظري زمانك اليوم كيف يسود
يجهد
ُ ُ
تخجل به ،وكيف وجه أحدهم اذا اتضح الحق على لسان خصمه ،وكيف
في مجاحدته بأقصى قدرته ،وكيف يذم من أفحمه طول عمره ،ثم ال يستحي من
1
تشبيه نفسه بالصحابة رضي الله عنهم في تعاونهم على النظر في الحق»
«ويقول الكاتب االجنبي « هاري شو» « :بما أننا آدميون فإن كالمنا مستعد وباستمرار
لكي يتجاهل أو يشوه أو يضخم في الحقائق واألدلة الثابتة ،وكوننا آدميين فنحن
نفكر فيما نريد التفكير فيه ،فبذلك نحمي أهواءنا ومعتقداتنا الراسخة ،نحن نمقت
األفكار المعارضة ،كوننا آدميين فنحن غالب ًا ما نحتقر المنطق ،ونهزأ من التفكير
السليم ،وكوننا آدميين فإننا نقلل من فرصنا للحصول على درجات عالية عن طريق
2
عدم التفكير كلية ،أو التفكير المستهتر أو التفكير الخاطىء غير المنطقي« .
-112-
األصل اثلاين -:خماطبة العقل.
خطاب العقل في الحوار يوصل المتحاورين إلى أقصر الطرق وأسلمها ،أما ٍأسلوب
الخطاب اإلنفعالي أو التحريضي فهو يضعف الحجة ،ويقلل من الهيبة ،ويؤدي
في الغالب إلى التشاحن والخصام دون جدوى.
الخطوة األولى -:أن يقوموا لله مثنى وفرادى ،والقومه تعني النهضة والعزيمة.
والخطوة الثانية -:أن يتفكروا ،أي يعملوا عقولهم وال يجمدوها ،ومعنى الخطوة
األولى – القومة لله – أن ينهضوا بقوة ،ويتجردوا من أهوائهم وشهوات أنفسهم،
واعتباراتهم النفعية المادية ،ومصالحهم اآلنية والشخصية ،ويتوجهوا إلى الله
( )1نوفل ،احمد ،وزمالءه ،الثقافة اإلسالمية وقضايا العصر ،ص ،168ط1434 ، 2ﻫ 2013 ،م
-113-
مخلصين في طلب الحقيقة ،ولم يكن القوم ملحدين وال جاحدين لوجود الله
تعالى ،بل كانوا مقرين بوجوده وخالقيته لهم وللسموات واألرض وتدبيره ألمر
الكون ،إنما كانت آفتهم في الشرك الذي أصمهم وأعمى أبصارهم ،فال غرو
أن يطلب اليهم القرآن هذه القومة لله متحررين من حب الدنيا ،وحب الذات،
والتقليد االعمى .وهذا التجرد ....أمام الجمهور
وهذا التجرد أو اإلخالص في طلب الحقيقة سيضيء لهم السبيل للوصول إليها،
ويكشف الغواشي واألقنعة عن وجهها ،وهذه القومة لله يجب أن تكون بعيدة عن
التأثير الجماهيري الغوغائي وتأثير العقل الجمعي كما يسميه علماء النفس ،والتحرر
من عواطف المجاملة ،ومراعاة الخواطر ،ومشاعر الخوف والطمع والخجل من
أن الحوار واألخذ
مخالفة اآلباء أو مخالفة الكبراء ...وبدأ بقوله «مثنى « داللة على ّ
ألن المرء يسمع من صديقه وجليسه ،وال يأتي أن
والرد الثنائي هنا قد يكون أجدى ّ ،
1
يسلم له اذا أقنعه ولكنه قد يرفض الهزيمة اذا كانت أمام الجمهور« .
األصل اثلالث -:تحديد الهدف والقضية التي يدور حولها الحوار ،فإن كثير ًا من
الحوارات تتحول إلى جدل عقيم سائب ليس له نقطة محددة ينتهي اليها.
األصل الرابع -:عدم مناقشة الفرع قبل اإلتفاق على األصلفال ب َُّد من البدء باألهم
من األصول وضبطها واالتفاق عليها ،ومن ثم االنطالق منها لمناقشة الفروع
2
والحوار لها»
األصل اخلامس « -:التسليم بإمكانية صواب الخصم -:إذا دخل المحاور بالحكم
( )1القرضاوي ،يوسف ،العقل والعلم في القرآن الكريم ،ص ،40-39ط1416 ، 1ﻫ1996 ،م ،مكتبة وهبه ،القاهرة
( )2كامل ,عمر عبد الله ,آداب الحوار وقواعد اإلختالف ,ص ,16بحث مقدم إلى المؤتمر العالمي حول موقف اإلسالم
من اإلرهاب ,جامعة اإلمام محمد بن سعود
-114-
المسبق واألفكار التي يتبناها دون أن يتوقع صواب آراء من يحاوره ،وخطأ ما
يحمل من أفكار ،فإن الحوار سيكون دون فائدة وكما يقولون جدل بيزنطي .
وبعضهم يقول :رأيي صواب؛ ألنه يعتمد على نص من قرآن أو حديث ،وأقول
تعتمد على نص معصوم موحى به من الله ،ولكن فهمك للنص
ُ لهذا :صحيح أنك
ليس وحي ًا،وليس معصوم ًا فقد تكون وقفت عند ظاهر النص ،ولم تغص في
( )1د .نوفل ,أحمد ,الثقافية اإلسالمية وقضايا العصر ,ص 170
-115-
فحواه ومقصده كالذين أبوا صالة العصر في الطريق وصلوها قضا ًء بعد أن وصلوا
إلى بني قريظة ،فقد أخطأوا فهم النص ،وإن لم يلمهم النبي ألنّهم معذورون
1
بل مأجورون أجر ًا واحد ًا ،لخطئهم في فهمهم واجتهادهم»
تصبح
ُ فإن المناظرة ُ
أصل القبول والرضى بنتائج التحاور البناءَّ ، « اذا لم يتحقق
ضرب ًا من العبث الذي يتنزه عنه العقالء.
( )1القرضاوي ،يوسف ،كيف تتعامل مع التراث والتمذهب واالختالف ،ص ،149ط1425 ،2ﻫ2004 ،م ،مكتبة
وهبة ،القاهرة.
( )2الدكتور طنطاوي ،محمد ،أدب الحوار في اإلسالم ،ص ،10دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ،القاهرة.
( )3الذهبي ,محمد ,سير أعالم النبالء ,ج, 1ص ,23تحقيق شعيب األرنؤوط ,ط1413 ,9ه ,مؤسسة الرسالة ,بيروت
,إال أني وجدته بلفظ غريب قال -:ما كابرني أحد على الحق ودافع إال سقط من عيني وا قبله إال هبته واعتقدت مودته
()3حميد ،صالح بن عبد الله ،أصول الحوار وآدابه في اإلسالم ،ص ، 24مرجع سابق
-116-
االصل السادس -:قطعية النتائج وحسمها.
« من المهم في هذا األصل إدراك أن الرأي الفكري نسبي الداللة على الصواب
أو الخطأ ،والذي ال يجوز عليهم الخطأ هم األنبياء عليهم السالم فيما يبلغون عن
ربهم سبحانه وتعالى وما عدا ذلك فيندرج تحت المقولة المشهورة « رأيي صواب
يحتمل الخطأ ،ورأي اآلخر خطأ يحتمل الصواب»
وبنا ًء عليه ،فليس من شرط الحوار الناجح أن ينتهي أحد الطرفين إلى قول الطرف
اآلخر ،فإن تحقق هذا واتفقا على رأي واحد فنعم المقصود ،وهو منتهى الغاية،
وإن لم يكن فالحوار ناجح ،إذا توصل المتحاوران بقناعة إلى قبول كل من
منهجيهما ،يسوغ لكل واحد منهما التمسك به ما دام أنه في دائرة الخالف السائغ
وفي تقرير ذلك يقول ابن قدامه رحمه الله» -:
«تقوم آلية التعصب على اعتقاد المتعصب أنه قبض عل الحقيقة النهائية التي
تدفع به إلى وجوب االلتزام الكامل برأي أو مذهب أو جماعة أو قبيلة أو فترة
تاريخية معينة مما يجمع عادة بين الفضيلة والرذيلة والحسن والقبح والخطأ
والصواب ,ويقتضي ذلك االلتزام الدفاع الصلب عنه في وجه كل ما يخدش
مضمون ذلك المعتقد» وبالتالي فإن الحوار القائم على التعصب وعدم إنصاف
الطرف اآلخر فإنه يقود إل طريق مسدود والتنافر والتشاحن دون الوقوف على
الحقيقة التي يسعى لها المتحاورون
( )1حميد ،صالح بن عبد الله ،أصول الحوار وأدابه في اإلسالم ،ص ،23المرجع نفسه
-117-
-118-
الوحدة السابعة
« قال بعض الحكماء :األسنان سن الطفولية ،ثم الشباب ،ثم الكهولة ،ثم
الشيخوخة ،وهي آخر األسنان وغالب ما تكون بين الستين والسبعين فحينئذ يظهر
فينبغي له اإلقبال على اآلخرة الستحالة 2
بالنقص ضعف القوة واالنحطاط»
والشباب هم الطاقة الحيوية لألمة 3
رجوعه للحالة األولى من القوة والنشاط»
ّ
والذود عن حياطها وهم الدعامة األساسية في حماية األمة
والتي بوساطتها تمثل ّ
طلب الحوائج من
ُ عنوان الشرف والعطاء المتجدد ».عن عطاء الخرساني قال:
( )1انظر ،ابن منظور ،لسان العرب ج ،481 ،1ومختار الصحاح ،ج ،138 ،1والفيروز آبادي ،والمواقع http:
.islamtoday.netgohooth
( )2المناوي ،عبد الرؤف ،شرح الجامع الصغير ،ج ،2ص،11ط1356 ،1ﻫ ،المكتبة التجارية الكبرى.
( )3المناوي ،عبد الرؤف ،شرح الجامع الصغير ،ج ،2ص،11ط1356 ،1ﻫ ،المرجع السابق.
-119-
الشباب أسهل منه من الشيوخ ألم تر إلى قول يوسف عليه السالم :ﭽ ﮮ ﮯ
ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﭼ يوسف ،٩٢ :وقال يعقوب :ﭽ ﭰ ﭱ
1
ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭼ يوسف« ٩٨ :
والذين حملوا مشعل الدعوة وتحملوا اآلم مخاضها في بدايتها مع الرسول صلى
الله عليه وسلم كثير منهم من الشباب أمثال :على بن أبي طالب وابن عباس وابن
عمر وعائشة .وفي قصة أصحاب الكهف تجد أن الشباب هم الذين حملوا على
عاتقهم إنكار ما كان عليه قومهم من كفر وخروج عن منطق الفطره االيمائية.
يقول سبحانه :ﭽ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭼ الكهف،١٣ :
وسيدنا ابراهيم عليه السالم يحطم أصنام قومه وهو فتى معلن ًا تحديه للشرك
ولعبادة األوثان من دون الله.
ً
أوال -:اخلواء الرويح.
يعاني الشباب اليوم من أزمة روحية يكاد يلمسها ّ
كل مراقب ،حيث التوتر ،والقلق،
والصراع مع الذات من أهم أمراض العصر المستعصية والتي تكاد تكون الصبغة
العآمة لمعظم الشباب إال من رحم ربي ،لهذا الخوآء أسباب عديدة من أهمها:
الجفاء عن مشارب ومنابع اإليمان الصافية ،وكثرة المتعلقات والشواغل المادية
والتي يلهث وراءها الشباب؛ كي يمأل هذا الفراغ وأنى لهم ذلك .
( )1األصبهاني ،أبو نعيم ،أحمد ر ،حلية االولياء ،ج ،5ص ، 196ط1405 ،5ﻫ ،دار الكتاب العربي ،بيروت
-120-
« تعود أسباب األزمة التي يمر بها العالم مع دخوله األلفية الثالثة إلى أمور أعمق
من طرق تنظيم الحياة السياسية واالقتصادية ،إن الشرق والغرب يعانيان كل
بطريقته من أزمة واحدة مشتركة سببها الحالة الروحية للعالم الحديث ،فقد اتسمت
هذه الحالة الروحية بفقدان اليقين الديني ،وفقدان اإليمان بالسم ّو والتعالي عن
الوجود المادي بآفاقه الرحبه الواسعة..ال يمكن للوجود الدنيوي « األرضي»
بسبب محدوديته وتناهيه ،أن يشبع قلب اإلنسان بشكل كامل ،هناك في فطرة
اإلنسان توقع وتطلع نحو « األكثر» وال يمكن لعالم الممارسات الحياتية اليومية
أن يشبع هذا التطلع ،هذا التطلع إلى ما هو أبعد مما يتيحه العالم الدنيوي،
يوحي بقوة بوجود شيء تحاول الحياة أن تصل اليه ..إن الحقيقة التي تهيج شوق
1
اإلنسان إليها وتشبع روحه تملؤها هي :الله »
فاإليمان مكانه الفكر والعقل ،واإلسالم يهيمن على الظاهر من الكيان واألعضاء،
واإلحسان صلة عاطفية تسري بالربط والتوفيق بين الفكر الذي آمن والكيان الذي
استسلم ،واألثر التربوي يتحقق في حياة المسلمين من انسجام هذه الجوانب
الثالثة في كيان اإلنسان وتناسقها في اإلتجاه إلى هدف مشترك ...ومصدر
المشكالت النفسية المتنوعة التي تطفو على سطح مجتمعنا اإلسالمي ،هو معظم
المسلمين إنّما سرى اإلسالم في أحسن االحوال إلى كياناتهم الفكرية ثم وقف
-121-
عندها ولم يتجاوزها إلى مكمن العواطف والوجدان من أنفسهم ،بل بقيت هذه
العواطف ممزقة بين عوامل الشهوات واألهواء المتنوعه التي تطوف من حولها
1
وتتربص بها»
ً
ثانيا -:اتلحدي الفكري واثلقايف
بعد الحرب العالمية األولى والثانية نجد أن العالم اإلسالمي فقد البوصلة ،وتعرض
لهزات سياسية واقتصادية واجتماعية عنيفة ترتبت عليها ضعف األمة الثقافي،
والذوبان في اآلخر بحيث دخلتا في مرحلة الغثائية التي أخبر عنها الرسول صلى
الله عليه وسلم .
« عن ثوبان قال ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :يوشك األمم أن تداعى
َداعى األكل ُة إلى قصعتها .فقال قائل :ومن قلة يومئذ قال بل أنتم
َ عليكم كما ت
نزع َّن الل ُه من صدور عدوكم المهابة
السيل وَل َي َ
يومئذ كثير ،ولكنكم غثاء كغثاء ّ
حب
منكم وليقذفن الل ُه في قلوبكم الو َْهن فقال قائل يارسول الله وما الوهن قالُ :
2
الدنيا وكراهية الموت»
«التداعي االجتماعي ودعاء البعض بعض ًا والمراد من األمم فرق الكفر والضاللة،
( )1الدكتور البوطي ،محمد سعيد ،الظالميون والمتنورون ،ص 170-169بتصرف بسيط
( )2أبو داود ،السنن ،باب في تداعي األمم على اإلسالم ،ح ،4ص111
-122-
ويوشك أي يقرب أن تتداعى األمم بأن يدعو بعضهم بعض ًا لمقاتلتكم ،وكسر
شوكتكم وسلب ما ملكتموه من الديّار واألموال واأل كلة :جمع آ كل والمعنى كما
يدعو آكلة الطعام بعضهم بعضا والضمير إلى قصعتها لآل كلة أي التي يتناولون
فيها بال مانع وال منازع فيأ كلونها عفو ًا وصفوا كذلك يأخذون ما في أيديكم بال
تعب ينالهم ،أو ضرر يلحقهم ،أو يأس يمنعهم ،وغثاء السيل ما يحمله من زبد
ولينزعن أي ليخرجن المهابة أي
ّ ووسخ شبههم به؛ لق ّلة شجاعتهم ودناءة قدرهم
الخوف وال ّرعب.
قال الطيبي رحمه الله سؤال عن نوع الوهن أو كأنه أراد من أي وجه يكون ذلك
حب الدنيا وكراهية الموت» وهما متالزمان فكأنهما شيء واحد
ّ الوهن « قال:
1
يدعوهم إلى إعطاء الدنية في الدين من العدو المبين ونسأل الله العافية»
(أ) -الثقافة العلمية ،وهي ثقافة صنعت إنتاج ًا فكري ًا قادر ًا أن يخاطب اإلنسان
أن قدر ًا كبير ًا من هذه الثقافة هو غربي ،ولكن التفوق الغربي
أينما كان ،صحيح َّ
إنما هو نتيجة رحلة طويلة قطعها العقل البشري ،وأسهم فيها الشرق بدور أساسي
في العصور القديمة والوسطى ،والتحدي الذي أمام جيل الشباب اليوم هو اللحاق
بالركب الثقافي العالمي من خالل التواصل باللغات العالمية وتعلمها وتحيط بنا
هذه الثقافة من كل جانب وليس بامكاننا وال مصلحتنا أن نعزل أنفسنا عنها...
والشباب اليوم يحاكي فقط القشور الخارجية للثقافة العالمية « لباس ،طعام،
أشكال الموضة» دون تعمق في جوهرها ووسائلها :التلفاز ،اإلنترنت ،السينما.
( )1آبادي ،محمد شمس الحق عون المعبود شرح سنن أبي داود ،ج ،11ص ،273ط1995 ،2م ،دار الكتب العلمية ،بيروت.
-123-
(ب) -الثقافة المحلية :والشباب اليوم ال يلتفت إلى هذه الثقافة في الغالب
والتي مادتها الكتب ،واختلطت الثقافة المحلية بالعالمية ،فالجلوس في مقهى
عصري مع إنترنت فضائي وشرب األرجيله ،والتحدث بالخليوي هو أمر مفضل
بكثير وأمتع من الجلوس في مكان هادىء للمطالعة ويتمنى الكاتب أن يرى مقهى
يقدم لزبائنه كتب ًا للقراءة والمطالعة اثناء شربهم المشروبات .
« وهي تعميم النمط الحضاري األمريكي على بلدان العالم وشعوبه بقصد الهيمنة على
السياسة ،والثقافة واألفكار ،والسلوك ،واالقتصاد»وتظهر آثار هذه العولمة فيما يلي-:
( http:www.terezia.org )1محاضرة بعنوان الشباب وتحديات العصر لألستاذ رازق سرياني مدير قسم التربية
والتجديد ومدير قسم العالقات المسكونية الدولية في مجلس كنائس الشرق األوسط ،محاضرة عقدت بتاريخ /6
تشرين ثاني 2007 /م
-124-
-3مظاهر الزينة في العطور التي تنتجها شركات خاصة صارت مشهورة للنساء،
والشباب ،والرجال ،وأمّا في قصات الشعر للنساء والرجال وأصباغها.
ودعاة العولمة يريدون إحالل ثقافة مكان ثقافة ،ومعتقدات مكان أخرى وإحالل
فلسفة محل فلسفة وأدرك دهاقنة العولمة ومهندسوها ما لإلعالم من دور وللصورة
ّ
الجذابة من تأثير فسخروها لغزو ثقافة المصلحة واللذة العاجلة مكان القيم
واألخالق والعقائد وأسندوا إلى هوليود وإلى وكاالت اإلعالن في نيويورك،
2
لتقرير المنتوجات الثقافية األكثر رواج ًا للتسويق في العالم «
« إن الفهم الغربي لعولمة الثقافة ينبعث من منطلق سيادة الثقافة الحداثية الغربية
-125-
على كافة الثقافات ،وقد صرح عدد من أعمدة الفكر الغربي المعاصر مثل «
فرنسيس فوكاياما» أن عولمة الثقافة ال تتأتى إ ّ
ال بسيطرة ثقافة معينة على الثقافات
المتعددة ،لقد يسرت وسائل األتصال صياغة العقود واألفهام حيث حملت أفكار
1
الغرب إلى كل بيت وإلى كل فرد من أفراد المجتمع»
ً
ثاثلا :حتدي ابلطالة والفقر-:
-1العطل واتلعطل « :قال ابن منظور « بطل األجير بالفتح يبطل بطالة وبطالة بفتح
3
الباء وبكسرها -أي تعطل فهو بطال»
« البطالة بالكسر ،الكسالة المؤدية إلى إهمال المهمات فجاء على هذا الوزن
4 المختص بما يحتاج إلى المعالجة من األفعال بحمل ّ
النقيض على نقيضه»
( )2الترمذي ،أبو عيسى ،باب ما جاء في اإلحسان والعفو،ج ،4ص ،364سبق تخريجه ،ص.36
-126-
ً
تعريف ابلطالة رشاع-:
«هي :العجز عن الكسب في أي صورة من صور العجز ذاتي ًا :كالصغر ،واالنوثة،
والعته ،والشيخوخة ،والمرض ،أو غير ذاتي -:كاإلشتغال بتحصيل علم ،وليس من
العجز غير الذاتي التفرغ للعبادة مع القدرة على العمل ،وحاجته إلى الكسب لقوته
1
وقوت من يعول حيث يرى الفقهاء ،أن مثل هذا التفرغ حرام ،أو مكروه»
وهذا المعنى العام كان في بداية نشأته لصالح فئات الكادحين ،وأمّا اآلن فقد
توسعت بعض الدول في مفهومه ،بحيث شمل جميع أفراد المجتمع القادرين على
2 العمل ،الذين ال يجدون عم ً
ال مناسب ًا»
الحياة واستحقاق والية الخالفة عليها ليس ضرب ًا من األماني واألحالمّ ،
إذ ال بد
من العمل الدؤوب والتفنن في أساليبه بما يواكيب تطورات العصر فالعم ألمر الزم
( )2البطالة والتسول ،د.نهاد عبدالحليم عبيد ،مجلة الشريعة والدراسة اإلسالمية ،العدد الحادي والثالثون ،السنة
الثانية عشرة ،ذو القعدة 1417ﻫ ،أبريل 1997م ،ص 76
-127-
فكرة احتقار بعض الناس لبعض الناس لبعض المهن واألعمال ،ويعلم أصحابه
أن الكرامة كل الكرامة في العمل – أي عمل -وأن الهوان والضعه في االعتماد
على معونة الناس.
َّ
فيكف الله به فيأخ َذ حزم ًة من حطب فيبيع،
ُ أحدكم حب ً
ال، ُ َ
يأخذ يقول َ « ل ّ
أن
2
وجهه ،خي ٌر من أن يسأل الناس ُأ ْع ِط َي أو مُ ِنع» « 1
يقول محمد الغزالي رحمه الله» التعطل :هو جريمة خلقية واجتماعية تصاب
األمم من جرائها بشر مستطير ،وقد نهى الدين عنه ووصى بأن يعمل المرء أي
عمل يقيم أوده ،ويحفظ حياته وكرامته .
( )2القرضاوي ،يوسف ،دور القيم واألخالق في اإلقتصاد اإلسالمي ،ص 1422 ،137ﻫ2001 ،م ،مكتبة وهبه،
القاهرة
( )3الغزالي ،محمد ،اإلسالم واألوضاع االقتصادية ،ص،68ط1،1421ﻫ2000 ،م ،دار القلم ،دمشق
-128-
فما أجمل أن يرى الشاب نفسه منتج ًا لبلده يبادله العطاء والمنافع وتجميل نفسه
عن سؤال الناس وذل النفس وهوانها.
« قال لقمان الحكيم البنه :يا بني ،استغن بالكسب الحالل عن الفقر فإنه ما افتقر
أحد قط إال أصابه ثالث خصال :رقة في دينة ،وضعف في عقله ،وذهاب مروءته،
ٌ
وأعظم من هذه الثالث استخفاف الناس به ...وقال ابن مسعود رضي الله عنه:
1
إنّي أل كره أرى الرجل فارغ ًا ال في أمر دنياه وال في أمر آخرته»
ومن اآلثار السلبية أيض ًا للبطالة» زيادة عدد العاطلين عن العمل ،وكثرة الجريمة
ووقوع المجتمع تحت سيطرة العدو عند وجود الكساد االقتصادي والعدو يتحكم
فيه ،فال يعطيهإ ّ
ال بشروط ،يؤدي كذلك إلى تحديد النسل ،واعتياد الخمول
2
والكسل والفراغ ،واستمرار الربا والديون»
فاإلسالم يمقت التواكل وسؤال الناس سواء أعطوه أو منعوه ويريد أن يربي في
المسلم روح العصامية واإليجابية الفاعله في اإلعتماد على النفس وبناء الذات،
ومهما انحط العمل وقل مقداره فيجب على الشاب أن ال يتوان عن العمل على
األقل ابتدا ًء ،فنحن سمعنا عن كثير من الشباب الذين سافروا إلى دول المهجر
وكافحوا من أجل طلب الرزق ،وبعضهم اضطرته الظروف للعمل في أعمال بسيطة
من أجل أن يتابع تحصيله العلمي وحصلوا على أعلى الدرجات وتبؤوا فيما
( )1الغزالي ،محمد ،ابو حامد ،احياء علوم الدين ،م ،2ص71
( )2البطالة والتسول ،د.نهاد عبيد ،كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية ،ص 87-85باختصار ،مرجع سابق
-129-
بعد مراكز مرموقه ،فالحياة ليست معبأة بالورود واألمنيات الكبيرة ال بُد لها من
التضحيات الجسام .
ً
ثانيا -:توفري فرص العمل.
وهذه مسؤولية الدولة بالدرجة األولى ،فعلى جهات االختصاص استيعاب القدر
األكبر من العاطلين بعد أن توجههم وتؤهلهم ٌ
كل وحسب اختصاصه وكفاءته،
والمثل الصيني يقول « ال تعطني سمكه ولكن علم ّني كيف اصطاد»
هذه الحكمة لها دالالت فيدل أن يتحول قسم من شبابنا إلى عاطلين أو متسولين
يجب أن نؤهلهم إلى أرقى المستويات المهنية والتقنية.
وايمان بالله
ٌ ُ
سألت رسول الله :أي العمل أفضل قال: وفي الحديث عن أبي ذر:
وجهادٌ في سبيله قال ،فأي الرقاب أفضل قال :أغالها ثمن ًا وأنفسها عند أهلها
تصنع ألخرق :قال أرايت إن لم أفعل
ُ لم أفعل قال :تعين ضائع ًا أو
إن ْ
قال :أرأيت ْ
1
تدع الناس من الشر فإنها صدقه تصدق بها عن نفسك»
قالُ :
والضيع ُة في األصل ،المرة من الضياع ،وضيع ُة الرجل في غير هذا ما يكون منه
ّ «
معاشه :كالصنعه والتجارة ،والزراعة وغير ذلك ،والضيعات أي :المعايش وفيه أنه
2
نهى عن إضاعة المال :يعني إنفاقه في غير طاعة الله تعالى واإلسراف والتبذير»
وفي فتح الباري « قوله تعين ضائع ًا» أي عاجز ًا مأخوذ من الضياع ،وقوله من لي
بضيعتهم أي عيالهم سميت العيال بالمصدر كما تقول مات وترك فقر ًا أي فقراء
( )2الجزري ،أبو السعادات ،المبارك ،النهاية في غريب األثر ،ج3ص ،108تحقيق طاهر الزاوي ،ومحمود
الطنامي1399،ﻫ1979 ،م ،المكتبة العلمية ،بيروت
-130-
،قوله أخشى عليه الضيعة :أي الهالك وتطلق على االرض التي يكون لها خراج
وعلى كل ما يكون المعاش من تجارة وصناعة وزراعة .وقوله :إضاعة المال :هو
انفاقه في الحرام .
1
وقيل :ترك القيام عليه وقيل المال :هنا هو الحيوان»
« وروي بالصاد المهملة وقال الدار قطني أنه هو الصواب لمقابلته األخرق وقال
معمر كان الزهري يقول :صحف هشام :إنما هو الصانع والله تعالى أعلم واألخرق
من ليس له كسب الجاهل مما يعمله أو ال صنعه له» .2
فالسنة في هذا الحديث يحث على العمل ،وذلك ببيان بعض صوره ،ومنها-:
ّ «
-2الصناعة لألخرق :أي تعلمه مهنة أو حرفة ،كأنه ينبغي أن يكون مال االمة
موجه ًا في عدة جهات منها-:
-إنشاء المصانع والمؤسسات التي تستوعب أصحاب الحرف الذين ال عمل لهم.
3
-إنشاء معاهد للتدريب والتعليم ،التي تزيد حجم أصحاب الحرف والمهن «
( )1العسقالني ،أحمد بن علي بن حجر ،هدي الساري مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري ،ج ،1ص،148
( )2القاري ،علي بن سلطان ،مرفأة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ،ج ،6ص،500دار المكتبة العلمية ،بيروت
( )3البطالة ،د.نهاد عبيد ،مجلة الشريعة والدراسات اإلسالمية ،العدد ،11ذو القعدة 1417هـ1997 ،م ،ص101
-131-
ً
ثاثلا :العمل ىلع إذاكء ثقافة العمل.
بعض الناس يربط نفسه بحالة أو بهالة ال يفتأ يشترط وظيفة ،أو قل وظيفة مرموقة
َ
يقبل بما هو موجود ،وال يدري سوآء يستحقها أو ال ،فاألصل في اإلنسان أن
اإلنسان ما يصلح حاله وما كتب له من خير ،فالرزق على رب العالمين ويجب
َّ
يتخل الشاب عن ثقافة العيب ،والمشكلة ليست في قلة الموارد وإنّما في سوء أن
التوزيع وظلم اإلنسان .
« فإذا كان الغربيون يعتبرون أساس المشكلة هو قلة الموارد في مقابل كثرة البشر
المتزايدة ،فإن القرآن يرى أن نعم الله ال يمكن إحصاؤها ،وأن موارده غزيرة،
ولكن المشكلة تكمن في اإلنسان الظلوم الكفار فهو الذي يمكن أن يسبب الخلل
في الكون وفي أرزاق الخلق بظلمه وتجاوزه أو ببطره وكفرانه بالنعمة ،ومن هنا
ال يمكن عالج ضعف التربة ،أو نقص الموارد ،أو غير ذلك ما لم تعالج ضعف
1
اإلنسان من داخله ودخول الظلم والكفران عليه»
ً
رابعا :ضمان اجتمايع للصغار والعاجزين يف املجتمع.
-132-
عصرنا باسم» الضمان االجتماعي» أو التكافل االجتماعي ومن الناس من يظهر
أنه من ثمار هذا العصر ،ومن مبتكرات الغرب واإلسالم قد فرضه منذ أكثر من
1
أربعة عشر قرن ًا «
ً
خامسا :انتشار ظاهرة الغلو يف اصدار األحاكم ( اتلكفري)
من المصائب التي ابتليت بها األمة قديما وحديثا مصيبة التكفير واتهام اآلخرين
بهذه اآلفة دون علم أو لمجرد شبهة ال تستقيم كدليل مقنع ،وفي التاريخ نجد فرقة
الخوارج التي ظهرت ورفعت هذا السيف في وجه مخالفيها وقد أخبر عنهم النبي
صلى الله عليه وسلم وتحققت نبوءته عليه الصالة والسالم فيما أخبر» فعن أبي
سعيد رضي الله عنه قال بعث علي رضي الله عنه الى النبي صلى الله عليه وسلم
بذهيبة فقسمها بين األربعة :األقرع بن حابس الحنظلي ثم المجاشعي وعيتبة بن
بدر الغزاوي وزيد الطائي ثم أحد بني نبهان وعلقمة بن عالمة العامري ثم أحد
بني كالب فغضبت قريش واألنصار قالوا يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا قال إنما
أتألفهم فأقبل رجل غائر العينين مشرق الوجنتين ناتئ كث اللحية محلوق فقال :
-اتق الله يا محمد ،فقال :من يطع الله اذا عصيت أيأمنني الله على أهل األرض
فال تأمنونني ،فسأله رجل قتله أحسبه خالد بن الوليد فمنعه فلما ولى قال -:ان
من ضئضئ هذا أو في عقب هذا قوم يقرؤون القرآن ال يجاوز حناجرهم يمرقون
من الدين مروق السهم من الرمية يقتلون أهل اإلسالم ويدعون أهل األوثان لئن
2
أدركتهم ألقتلنهم قتل عاد»
( )1القرضاوي ،يوسف ،دور القيم واالخالق في االقتصاد اإلسالمي ،ص ،381-380مرجع سابق
( )2الغزالي ,أبو حامد ,محمد ,فيصل التفرقة بين اإلسالم والزندقة ,ص ,9ط1413 ,1ه ،1993 ,أخرجه البخاري
في الصحيح برقم 3610
-133-
وابتليت بهم األمة في وقتنا الحاضر فيقتلون أهل اإلسالم ويتفننون بأساليب القتل
ال يتصورها عاقل وال آدمي وأصبح جرح األمة نازف ًا في كل مكان ولم تعد تستطيع
أن تطفئ حرائق القتل التي ألمت بها وإلى الله المشتكى .
يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله « واعلم أن حقيقة الكفر واإليمان وحدهما،
والحق والضالل وسرهما ،ال ينجلي للقلوب المدنسة بطلب الجاه والمال وحبهما،
بل انما ينكشف دون ذلك لقلوب طهرت من وسخ أوضار الدنيا أوال ،ثم صقلت
بالرياضةالكاملة ثانيا ،ثم نورت بالذكر الصافي ثالثا ،ثم غذيت بالفكر الصائب
رابعا ،ثم زينت بمالزمة حدود الشرع خامسا ،حتى فاض عليها النور من مشكاة
النبوة ،وصارت كأنها مرآة مجلوة ،وصار مصباح اإليمان في زجاجة قلبه مشرق
األنوار ،يكاد زيته يضيء ولو لم تمسسه نار وأنى تتجلى أسرار الملكوت لقوم
الههم الهنم هواهم ،ومعبودهم سالطينهم وقبلتهم دراهمهم ودنانيرهم ،وشريعتهم
رعوناتهم وارادتهم جاههم وشهواتهم ،وعبادتهم خدمتهم أغنياءهم ،وكنزهم
سواسهم ،وفكرهم استنباط الحيل لما تقتضيه حشمتهم ،فهؤالء من أين تتميز لهم
ظلمة الكفر من ضياء اإليمان ،أبإلهام االهي ولم يفرغوا القلوب عن كدورات
الدنيا ،أم بكمال علمي وإنما بضاعتهم في العلم مسألة النجاسة وماء الزعفران
وأمثالها ،هيهات هيهات ،هذا الطلب أنفس وأعز من أن ينال بالهوينا فاشتغل أنت
-134-
يذكر الدكتور محمد عمارة « أن أسباب نفي اآلخر «واستخدام سالح التكفير»
ومحاولة اعدام اآلخر معنويا بهذا التكفير تعود لألسباب التالية-:
-2وقوع جماعات التكفير هذه نفسها في دائرة النفي «أي التكفير» من قبل
خصومها اآلخرين
2
-7الجرأة من غير أهل االختصاص على معالجة الموضوعات الدينية»
( )1د .عمارة ،محمد ،اإلسالم والتحديات المعاصرة ،ص ،243،244ط2005 ،2م ،نهضة مصر للطباعة ،مصر
للطباعة والنشر ،القاهرة.
،871عنوان المقال :ظاهرة التطرف والغلو في الدين، ( )2د .الصادق ،ربيع خليفة ،مجلة األزهر ،الجزء،9
،18990-18985سنة 1435هـ2014-م.
-135-
ً
سادسا -:إضاعة الوقت
الوقت هو الحياة فكل يوم يمر يقربنا إلى نهاية األجل المحتوم ,والوقت ألهميته
نجد أن القرآن الكريم أقسم به في العديد من السور فأقسم سبحانه بالعصر وبالليل
والنهار والفجر وأقسم بالليال العشر ...الخ
ال َتز ُ
ُول واإلنسان سيسأل عن عمره وماذا عمل يقول عليه الصالة والسالم َ « :
يم َف َع َل ،و ََع ْن َق َدمَا َع ْب ٍد َيو َْم ال ِق َيا َم ِة َح َّتى ي ُْس َأ َل َع ْن ُع ُم ِر ِه ِف َ
يما َأ ْف َنا ُه ،و ََع ْن ِع ْلمِ ِه ِف َ
1 يم َأب َ
ْال ُه». يم َأن َْف َقهُ ،و ََع ْن ِج ْسمِ ِه ِف َ مَا ِل ِه ِم ْن َأي َْن ْ
اك َت َس َب ُه َو ِف َ
« لذا كان السلف رضوان الله عليهم يحرصون رضوان الله عليهم يحرصون على
االستفادة من الوقت ويغتنمون كل فرصة سانحة لفعل الخيرات « يقول الحسن
البصري :أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصا على دراهمكم
ودنانيركم ...يقول عمر بن عبد العزيز :إن الليل والنهار يعمالن
فيك فاعمل فيهما وكانوا يقولون -:من عالمة المقت إضاعة الوقت ويقولون
2
الوقت سيفإن لم تقطعه قطعك »
على ما تقدم فهذه دعوة للشباب اليوم الذين يضيعون جل أوقاتهم بدون فائدة
تحت مسمى قتل الوقت سواء باسهر المتأخر أو اللهو غير المباح أو في الثرثرة
بدون فائدة وعدم القيام بالواجبات المناطة به الستثمار أوقاتهم بما ينفعهم في
الدنيا واآلخرة .
( )1الترمذي ,محمد عيسى ,سنن الترمذي ,ج , 4ص ,190تحقيق بشار عواد معروف 1998 ,م ,دار الغرب
اإلسالمي
( 2القرضاوي ,يوسف ,الوقت في حياة المسلم ,ص ,13 ,12ط1991 , 5م ,مؤسسة الرسالة ,بيروت
-136-
« من أهم العالمات الفارقة بين األمم المتقدمة واألمم المتخلفة ,وبين األشخاص
الناجحين واألشخاص العاديين ,ويمكن للمرء أن يقول وهو مطمئن -:إنه ليس
هناك ناجحون في الحياة على نحو ظاهر ,ال يهتمون بأوقاتهم ,وكيف للمرء أن
ينجح إذا كان ال يستغل أهم مورد يمكن االستفادة منه في تحقيق النجاح ؟ ...
المشكلة الكبرى أن الوقت ال يدار ,فهو سلسلة من المقاييس التي تسجل بقاء
دوران األرض حول محورها ,وتسجل فصولها المتعاقبة فتقدمه ثابت ,ولذا
قالوا قديما « :الوقت ال ينتظر أحدا» أما الشيء الوحيد الذي يمكن أن يدار
فهو استغاللنا للوقت ,ةلذا نحن في الحقيقة ندير أنفسنا وطاقاتنا ال أوقاتنا ومن
األسباب التي تكمن خلف ضياع الوقت عديدة من أهمها -:
-1الكسل.
-4سوء التنظيم حيث األعمال التافهة التي يمكن أن تبدد الوقت أ كثر من أن
1
تحصى»
-137-
-138-
فهرس اآليات
-139-
37 ١٤٣ ابلقرة
ﭽﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ
ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭼ .18
43 ٢–١ اجلن
ﭽﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ
ﭧ ﭨﭩ ﭼ .19
ﭽﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﭼ
44 ١٠ األنبياء .20
ﭽﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ
44 ٩ اإلرساء ﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭯ ﭼ .21
ﭽﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ
44 ١ الفرقان ﯝﭼ .22
ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ
44 .23
ﭽﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﭼ
44 .24
ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﭼ
45 ٩ احلجر .25
ﭽﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ
47 ٣–٢ الروم ﯘﯙﭼ .26
ﭽﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﭼ
47 ٤٥ القمر .27
ﭽﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ
48 ١٤ – ١٢ المؤمنون ﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮥﮦﮧﮨ .28
ﮩﮪﮫ ﮬﮭﮮﮯ
ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﭼ
ﭽﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭼ
49 ٩ اإلرساء .29
ﭽ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ
50 ٤٤ انلحل ﭬ ﭭﭮ ﭯﭼ .30
50 ٦٤ انلحل ﭽ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ .31
ﰋﰌﰍﰎﰏ ﭼ
-140-
ﭽﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ
58 ٤٤ فاطر ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ .35
ﰓ ﰔ ﰕ ﰖﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﭼ
ﭽ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ
63 ٣٣ اإلرساء ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ .36
ﮫ ﮬﭼ
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ
63 ٣٢ المائدة ﭛﭜ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭤ .37
ﭥﭼ
ﭽﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
65 ٧٠ اإلرساء ﮘﮙﮚﮛ ﮜﮝﮞﮟ .38
ﮠﭼ
ﭽﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ
66 ١٣ احلجرات ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ .39
ﭽ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭼ
69 ١٩٠ ابلقرة .40
ﭽﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﭼ
69 ١٠٩ يوسف .41
71 ﭽﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ
ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ .42
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ
72 – ١٠٧ اتلوبة ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ .43
١٠٨ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ
ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ
ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ
ﮅﮆﭼ
ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﭼ البقرة٢٥٦ :
73 .44
ﭽ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭼ
73 ٢٩ الكهف .45
ﭽﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ
73 ٦ الكهف ﭭﭮﭯﭼ .46
ﭽﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ
73 ٦–١ العلق ﮈﮉﮊﮋﮌ ﮍﮎﮏﮐﮑ ﮒﮓﮔﮕ .47
ﮖﮗﮘﭼ
ﭽ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ
74 ١٠٥ اتلوبة ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﭼ .48
ﭽ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﭼ:
74 ١٣٥ األنعام .49
74 ١٥ الملك ويقول سبحانه ﭽ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ .50
ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭼ
-141-
ﭽ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﭼ
75 ١٩ األحقاف .51
ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﰉ ﰊ ﰋ
76 ٢٥٦ ابلقرة ﰌﰍﰎﰏ ﰐﰑﰒﰓ .52
ﰔ ﰕﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﭼ
ﭽ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﭼ
77 ٣١ الرعد .53
ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﭼ
83 ٢٥ اتلوبة .54
ﭽﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ
84 ١٣٧ آل عمران ﮠ ﮡﮢ ﮣﭼ .55
ﭽ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ
85 ٩٨ - ٩٧ النساء ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ .56
ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ
ﮢﮣ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ
ﮬﭼ
-142-
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ
102 ١٨ اإلرساء ﭝﭞﭟﭼ .68
ﭽﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﭼ
109 ١٤ االنشقاق .69
ﭽﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ
109 ٣٤ الكهف ﰇﰈﰉ ﭼ .70
ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ
109 ١ المجادلة ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ .71
109 ٣٧ مريم ﭽﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﭼ .72
109 ﭽ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭼ هود.١١٨ : .73
ﭽﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ
110 ٩٣ يونس .74
ﭽﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ
110 ٢٢ الروم ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﭼ .75
ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ
110 - ١١٨ هود ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭼ .76
١١٩
ﭽ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ
113 ٤٦ سبأ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ .77
ﯷﯸ ﯹﯺﯻﯼﯽ ﭼ
ﭽ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ
115 ٢٤ سبأ ﭸ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﭼ .78
ﭽ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭼ
90 ٢٠ النساء .79
120 ٩٢ يوسف ﭽ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﭼ .80
ﭽ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭼ
120 ٩٨ يوسف .81
ﭽﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭼ
120 ١٣ الكهف .82
ﭽﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ
122 – ١٢٤ طه ﯼﯽ ﯾﯿﰀﰁﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ .83
١٢٥ ﰇ ﰈﭼ
ﭽﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ
127 ١٥ الملك ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭼ .84
ﭽﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ
127 ١٠ اجلمعة ﭰﭱﭲﭳﭴ ﭵﭶ ﭷﭼ .85
ﭽﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ
132 ٢٥ – ٢٤ المعارج .86
-143-
ﭽﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﭼ
132 ١٠٣ اتلوبة .87
ﭽﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ
116 – ٦٣ الواقعة ﭼ .88
٦٤
ﭽ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ
117 ٨٠ األنبياء ﯡﯢﯣﯤﭼ .89
ﭽ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ
117 – ٩٦ الكهف ﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙ ﰚﰛﰜﰝ .90
٩٧ ﰞﰟﰠﰡﰢﰣ ﭼ
-144-
فهرس األحاديث
36 أنس بن مالك إن قامت الساعة ويف يد أحدكم فسيله..................... .3
29 أنس بن مالك جاء ثالثة رهط إىل بيوت أزواج انليب ،يسألون .4
عن عبادة .................................................
29 ابن عباس قال رسول اهلل غداة العقبة وهو ىلع .5
ناقته...............
32 علي بن أبي طالب فيه نبأ ما قبلكم ،وخري ما بعد .6
كم...........................
48 عبد الله بن عمر لزوال ادلنيا أهون عند اهلل من قتل رجل .12
مسلم..............
ً
48 عبد الله بن عمر من قتل معاهدا لم يرح راحئة
ّ
.13
اجلنة........................
-145-
52 أبو هريرة لك املسلم ىلع املسلم حرام :دمه وماهل .17
وعرضه...........
65 عبد الله بن عدي واهلل إنك ألحب أرض اهلل إىل .26
اهلل..........................
69 أبو سعيد الخدري إنكن تكرثن اللعن وتكفرن العش .29
ير..........................
69 أبو مالك األشعري أربع يف أميت من أمر اجلاهلية ال .30
يرتكونهن...............
ً
74 أبو هريرة من أصبح منكم ايلوم صائما.............................. .31
-146-
ّ
90 أبو هريرة أن انليب بعث أبا هريرة يبرش باجلنة لك من .36
لقيه يشهد أن ال هلإ إال اهلل
101 أبو سعد الخدري بعث يلع إىل انليب بذهيبة فقسمها بني .39
األربعة.....
-147-
فهرس املحتويات
الصفحة العنوان
اإلهداء..................................................................
الشكر والعرفان..........................................................
املقدمة.................................................................
ً
9 مفهوم اثلقافة اإلسالمية............................................ أوال:
ً ً
11 تعريف اثلقافة اصطالحا ........................................... ثانيا:
-148-
19 اتلعايش اثلقايف.....................................................
ً
33 الربانية............................................................. أوال:
ً
36 اإلجيابية........................................................... ثانيا:
ً
37 الوسطية واالعتدال.................................................. ثاثلا:
ً
39 اتلنوع.............................................................. رابعا:
ً
40 اثلبات.............................................................. خامسا:
-149-
54 املصدر اثلالث :اللغة العربية.......................................
ً
ثانيا :حق الكرامة اإلنسانية..........................................
65
ً
67 ثاثلا :حق احلرية اإلنسانية..........................................
69
-احلرية الشخصية.....................................
70 -احلرية السياسية......................................
71 ّ
-حرية النرش والصحافة..............................
ً
73 رابعا :احلقوق االجتماعية...........................................
-150-
ً
81 ثاثلا :إسناد األعمال لغري املسلمني..................................
-151-