You are on page 1of 151

‫‪ 1441‬هـ ‪ 2019 -‬م‬

-4-
‫املقدمة‬

‫الحمد لله الذي هدانا‪ ،‬وعلمنا وبين لنا سبيل الرشاد ‪،‬ونصلي ونسلم‬
‫على جميع األنبياء والمرسلين‬

‫داعين العلي القدير أن يهدينا إلى سواء السبيل فإنه نعم المولى‬
‫تجلى في عاله‬

‫في هذه الطبعة الجديدة لكتاب التبصرة تميزت بحذف وإضافة بعض‬
‫المفردات للمقرر آمال في المسقبل القريب العمل مع الزمالء على تأليف‬
‫كتاب نتناول فيه رؤية شاملة تتناسب واألهداف وإيقاع العصر‬

‫وقد احتوى الكتاب على ست وحدات‬

‫وجاءت على النحو اآلتي‪-:‬‬

‫الوحدة األولى ‪ :‬مقدمات في الثقافة اإلسالمية‬

‫الوحدة الثانية‪ :‬خصائص الثقافة اإلسالمية‬

‫الوحدة الثالثة‪ :‬أهم مصادر الثقافة اإلسالمية‬

‫الوحدة الرابعة‪ :‬حقوق اإلنسان في اإلسالم‬

‫الوحدة الخامسة‪ :‬أدب الحوار في اإلسالم‬

‫الوحدة السادسة‪ :‬أهم مشاكل الشباب وطرق حلولها‬

‫‪-5-‬‬
-6-
‫شكر وتقدير‬

‫العرفان بالجميل لصاحبه من الوفاء‪ ،‬ونبل المشاعر الصادقة تجاه من‬


‫يستحقها‪ ،‬وحتى ال نغمط ال ّناس حقهم‪ ،‬ونشكرهم على حسن صنيع افعالهم‬
‫‪1‬‬ ‫وعم ً‬
‫ال بقوله ‪« :‬من ال يشكر ال ّناس ال يشكر الله»‬

‫فإنني أتوجه بالشكر الجزيل للدكتور سري نسيبة رئيس جامعة القدس‬
‫«السابق» صاحب الرؤية في التركيز على متطلبات الجامعة‪ ،‬والقراءة‬
‫الجديدة الهادفة وخاصة منها مساق الثقافة اإلسالمية‪.‬‬

‫وأشكر بكل صدق واعتزاز الدكتور ح ّنا عبد النور نائب الرئيس للشؤون‬
‫األكاديمية والذي أشرف على تنفيذ الفكرة دون كلل ‪،‬أو ملل ‪ ،‬وإتاحته‬
‫الحرية الكاملة والمسؤلة في تأليف هذا الكتاب ‪.‬‬

‫والشكر موصول لألستاذ سمير حجازي المشرف التربوي في جامعة القدس‬


‫والذي عمل معي وبمتابعة حثيثة وصادقة حتى خرج هذا الكتاب في حلته‬
‫النهائية‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه اإلمام أحمد في المسند‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،295‬وأخرجه الترمذي في السنن‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،329‬وقال حسن‬
‫صحيح‪.‬‬
‫‪-7-‬‬
-8-
‫الوحدة األوىل‬

‫مقدمات يف اثلقافة اإلسالمية‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬مفهوم اثلقافة اإلسالمية‬

‫هـذا المصطلـح يكثـر اسـتخدامه فـي حياتنـا اليوميـة‪ ،‬ونـردده فـي مجالسـنا‬
‫المختلفـة ‪ ،‬نقـول مث ً‬
‫ال‪ :‬هذا شـخص مثقف‪ ،‬وآخر متعلـم ولكنه غير مثقف‪،‬‬
‫ونصـف شـعب ًا بعينـه أنـه ذو ثقافـة عاليـه‪ ،‬وآخـر متـدن ثقافيـ ًا‪ ،‬وحيـن ننتقد‬
‫بعـض السـلوكيات السـلبية فنعـزو السـبب فـي كثير مـن األحيـان للثقافة التي‬
‫تربـى عليهـا صاحبهـا ‪ ,‬وفـي الـدول الحديثـة أنشـأت وزارة تعـرف بـوزارة‬
‫الثقافـة‪ ،‬وتنشـأ المراكـز الثقافيـة ويتبـع السـفارات فـي الوقـت الحديـث مـا‬
‫يسـمى بالملحـق الثقافـي‪ ،‬مـا المعنـى المتبـادر لهـذا المصطلـح ؟ ومـا هـو‬
‫تعريفـه؟ وتاريـخ نشـأته ؟ وقبـل الخـوض فـي تعريفـه اصطالحـ ًا فإننـا نبيـن‬
‫معنـاه لغـه مـن خلال معاجم اللغـة ؛لمـا للمعنى اللغـوي من عالقـة بالمعنى‬
‫االصطالحي‪.‬‬

‫معاين «ثقف» يف اللغة‪-:‬‬

‫‪ّ -1‬‬
‫الذكاء والفطنة ‪ -:‬فنقول غالم لقن ثقف « أي ذو فطنة وذكاء‪ ،‬والمراد»‬
‫أنه‪ :‬ثابت المعرفة بما يحتاج اليه‪ ،‬وقد ورد في حديث الهجرة « ‪ ..‬ثم لحق‬

‫‪-9-‬‬
‫النبي ‪ ‬وأبو بكر بغار في جبل يُقال له ثور فمكث فيه ثالث ٍ‬
‫ليال عندهما‬
‫شاب لقن ثقف فيرحل من عندهما سحرا‬
‫ٌ‬ ‫غالم‬
‫ٌ‬ ‫عبد الله بن أبي بكر وهو‬
‫‪ ,‬فيصبح مع قريش بمكة كبائت ‪ ,‬فال يسمع أمرا يكادان به اال وعاه حتى‬
‫يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظالم»‪.1‬‬

‫‪ -2‬الظفر‪ ،‬واالنتصار‪ ،‬والمصادفة‪ ،‬واالدراك‪ ،‬فيقول سبحانه‪ :‬ﭽ ﯿ‬


‫ﰀ ﰁﰂ ﭼ النساء‪ ٩١ :‬وقوله سبحانه‪ :‬ﭽ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲ ﭼ األحزاب‪٦١ :‬‬

‫‪ -3‬التسوية والتهذيب‪ ،‬فالثقاف‪ :‬أداة من خشب أو حديد ُتث ْ‬


‫َقف بها ال ّرماح‬
‫‪2‬‬
‫لتستوي وتعتدل‪.‬‬

‫(‪ )1‬البخاري ‪،‬محمد بن اسماعيل‪،‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب اللباس ‪،‬باب العمائم به ‪،‬ج‪ ،5‬ص‪ ،2187‬تحقيق د‪.‬‬
‫مصطفى البغا‪1407 ،‬ه‪1987 ،‬م‪ ،‬دار ابن كثير‪ ،‬اليمامة‪.‬‬
‫(‪ )2‬انظر‪ ،‬ابن منظور‪،‬محمد بن مكرم‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة ثقف ج ‪ ،9‬ص ‪ ،19‬ط‪ ،1‬دار صادر ‪،‬بيروت‪ ،‬ومصطفى‪،‬‬
‫إبراهيم وآخرون‪ ،‬المعجم الوسيط‪ ،‬تحقيق‪ ،‬مجمع اللغة‪ ،‬دار الدعوة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.98‬‬

‫‪-10-‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ثانيا ‪ :‬تعريف اثلقافة اصطالحا‬

‫شي مربك‬
‫ٌ‬ ‫أن الوقوف على تعريف اصطالحي واضح ومحدد ويعتمد‪،‬‬
‫وصعب المنال‪ ،‬وكثرة ايراد المشتغلين بهذا الفن للتعاريف المختلفة يشوش‬
‫الطالب دون فائدة‪ ،‬لذا فإنني سأحاول وضع اآلثار والنتائج ثم أذك ُر عدد ًا‬
‫من هذه التعريفات والتي أراها أقرب إلى الفهم والهضم ‪.‬‬

‫اآلثار وانلتائج املستقاه من اثلقافة‪-:‬‬


‫ً‬
‫‪ -‬أوال‪ :‬العلم بمبادىء المعارف المختلفة فإذا صادفنا شخص ًا يلم بالجغرافيا‪،‬‬
‫والتاريخ‪ ،‬والعلوم الشرعية‪ ،‬والسياسة فنقول‪ :‬هذا مُ ث ْ‬
‫َقف‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬ثانيا‪ :‬السلوك الحضاري الراقي‪ ،‬فالذي يحافظ على النظافة الشخصية‪،‬‬
‫والمرافق العآمة‪ ،‬والذي يحافظ على النظام‪ ،‬واالهتمام بالصالح العام فنقول‬
‫ينم عن ثقافة حسنة‪ ،‬وعكس هذا التصرف نقول هذه ثقافة سيئة‪.‬‬
‫هذا السلوك ُ‬
‫ً‬
‫يمارس حياته بنمط يجسد فيه تقاليد ومفاهيم معينة‪ ،‬نقول‪:‬‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬ثاثلا‪ :‬الذي‬
‫هذه ثقاف َة‪.‬‬
‫ً‬
‫المصاحب له‪ ،‬فمن يملك هذا‬
‫ُ‬ ‫والوعي‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬رابعا‪ :‬القدرة على فهم الواقع‬
‫األسلوب فنقول هذا مُ ث ْ‬
‫َقف؛ ألنه يملك القدرة على حل المشكالت‪ ،‬ويفهم‬
‫مبادىء العلوم االجتماعية‪ ،‬ويوظفها في حياته الشخصية واالجتماعية على‬
‫عكس من يحمل شهادة جامعية في تخصص معين دون التفاعل مع المنطلق‬
‫المختلفة‪.‬‬
‫الفلسفي للعلوم ‪ ،‬وتوظيفه في شؤون الحياة ُ‬

‫‪-11-‬‬
‫“ تعود جذور كلمة ‪ »” Culture‬إلى اللفظ الالتيني “ ‪ .” Culture‬الذي‬
‫يعني‪ :‬حرث االرض وزراعتها‪ ،‬وقد ظلت اللفظة مقترنه بهذا المعنى طوال‬
‫العصرين اليوناني والروماني‪ ،‬وقد ظلت الكلمة هكذا حتى القرون الوسطى‬
‫حيث أطلقت في فرنسا على الطقوس الدينية ‪ ،‬وفي عصر النهضة اقتصر‬
‫مفهوم “‪ ”Culture‬على مدلوله الفني واألدبي‪ ،‬فتمثل في دراسات تتناول‬
‫مد فالسفة القرن السابع عشر إلى تطبيق المناهج‬
‫التربية واإلبداع‪ ،‬وبعدها َع َ‬
‫العلمية في دراسة المسائل اإلنسانية وأفردوا مضمار ًا خاص ًا للعمليات‬
‫المتعلقة بمفهوم “‪ ،”Culture‬في كتابه‪-:‬‬

‫التميز الزراعي؛ للداللة على‬


‫ّ‬ ‫«تقدم المعرفة» يعتمد فرنسيس بيكون صورة‬
‫أحد مرامي الفلسفة الكامن في هذا المفهوم واستخدمها بذات المعنى‬
‫«فولتير» وأقرانه من مفكري فرنسا‪ ،‬حيث كانت كلمة “‪ ”Culture‬تعني‬
‫‪1‬‬ ‫لديهم تَنمية العقل وغرسه ّ‬
‫بالذوق والفهم وتزيينه بالمعرفة ‪.‬‬

‫ً‬
‫ويمكن أن جنمل أهم اتلعريفات للثقافة اصطالحا بما ييل‪-:‬‬

‫‪ -1‬تعريف تايلور «‪ ،»1917-1832‬األنرثوبولويج الربيطاين‬

‫وهو « أقدم التعريفات التي وضعت للثقافة ‪ ،‬وذلك سنة ‪1871‬م‪ ،‬ويعد هذا التعريف‬
‫أول تعريف في علم اإلنسان لمصطلح الثقافة‪ « -:‬الثقافة هي الكل المعقد أو‬
‫المتشابك الذي يضم المعرفة‪ ،‬والمعتقدات‪ ،‬والفن‪ ،‬واألخالق‪ ،‬والقانون‪ ،‬والتقاليد‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وكل اإلمكانات األخرى‪ ،‬والعادات التي يكتسبها اإلنسان كعضو في المجتمع‪”.‬‬
‫(‪ )1‬عارف‪ ،‬نصر محمد‪ ،‬الحضارة – الثقافة – المدنية ‪ ،‬ص ‪ ، 20- 19‬ط‪1415 ،2‬ﻫ ‪1994 ،‬م‪ ،‬المعهد العالمي للفكر اإلسالمي ‪،‬‬
‫الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬

‫( ‪ )2‬نوفل‪ ،‬أحمد } وزمالؤه{ ‪ ،‬الثقافة اإلسالمية وقضايا العصر‪ ،‬ص‪ ،13-12‬ط ‪1434 ،2‬ﻫ ‪2013 ،‬م دار الحامد‪،‬‬
‫للنشر والتوزيع ‪ ،‬عمان‪.‬‬

‫‪-12-‬‬
‫‪ -2‬تعريف ايلونسكو‬

‫الثقافة هي‪« :‬جميع السمات الروحية‪ ،‬والمادية‪ ،‬والفكرية‪ ،‬والعاطفية التي تميز‬
‫مجتمع ًا بعينه‪،‬أو فئة اجتماعية بعينها‪ ،‬وهي تشمل الفنون‪،‬واألدب وطرآئق الحياة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫كما تشمل الحقوق األساسية لإلنسان‪ ،‬وتضم القيم والتقاليد والمعتقدات‪».‬‬

‫‪ -3‬ابلويط رمحه اهلل فيقول‪:‬‬

‫إن الثقافة هي‪«-:‬مجموعة األفكار‪ ،‬والخبرات‪ ،‬والمعارف النظرية التي ال بد‬


‫منها بين يدي ممارسة أي من العلوم التطبيقية‪،‬أو المعتقدات الدينية أو المعامالت‬
‫‪2‬‬
‫السلوكية»‪.‬‬

‫على ضوء ما تقدم فإن الثقافة فيها شق معرفي وخر قيمي سلوكي وبيان هذه‬
‫العالقة على النحو اآلتي‪ « -:‬فهناك من يقصر الثقافة عل الجانب المعرفي‬
‫في الحياة‪ ،‬أي ما يتعلق بالعلم والفكر‪ ،‬وهناك من يوسع مفهوم الثقافة بحيث‬
‫ال تقتصر على الجانب المعرفي والفكري‪ ،‬بل تشمل الجانب الوجداني الذي‬
‫يعن به الفن‪ ،‬والجانب الروحي لذي يعن به الدين‪ ،‬والجانب العملي أو السلوكي‬
‫الذي تعنى به األديان واألخالق‪ ،‬بل تشمل الجانب المادي أيضا من الحياة‪،‬‬
‫فالثقافة أفكار ومعارف وإدراكات‪ ،‬ممزوجة بقيم وعقائديات‪ ،‬ووجدانيات‪ ،‬تعبر‬
‫عنها أخالق وعبادات‪ ،‬ودآداب وسلوكيات ‪،‬كما تعبر عنها علوم وآداب وفنون‬
‫متنوعات‪ ،‬وماديات ومعنويات فاألكل يعتبر ثقافة فإذا كان المقصود باألكل البلع‬
‫والمضغ والهضم‪ ،‬فليس من الثقافة في شيء‪ ،‬فهذا يشترك فيه اإلنسان والحيوان‬
‫‪ ....‬ولكن إذا قيل لإلنسان سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك‪ ،‬وكل من الحالل‬

‫(‪ )1‬المرجع نفسه‪.‬‬


‫(‪ )2‬د‪ .‬البوطي‪ ،‬محمد سعيد‪ ،‬وهذه مشكالتنا‪ ،‬ص‪ ،179‬ط ‪2008 ، 1‬م ‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬دمشق‬

‫‪-13-‬‬
‫الطيب وال تأ كل الخبيث‪ ،‬وكل في إناء مباح ال في ذهب وال فضة وال تسرف وقل‬
‫الحمد لله بعد األ كل فهنا يصبح األكل ثقافة‪ .‬وليس مجرد عملية حيوانية ‪ ...‬وكل‬
‫األمور المادية تنقلب إل ثقافة إذا ارتبطت بقيمة وهدف نبيل‪ ،‬ومعايير وآداب‬
‫ترقى بها ‪ ,‬وتنقلها من المعنى الحيواني إلى األفق اإلنساني بالرغم من أن الجانب‬
‫المعرفي والفكري له أولوية على غيره‪ ،‬على أساس أن الفكر يسبق الحركة‪ ،‬وأن‬
‫العلم يسبق العمل‪ ،‬وأن حركة اإلنسان ال تستقيم إال إذا استقام فكره وتصوره»‪.‬‬

‫‪ -4‬اثلقافة تعرف بصورة عملية ىلع أنها‪-:‬‬

‫« مجموعة من الصفات الخلقية‪ ،‬والقيم االجتماعية التي يلقاها الفرد منذ والدته‬
‫كرأسمال أولي في الوسط الذي ولد فيه «والثقافة على هذا هي « المحيط الذي‬
‫‪1‬‬
‫يشكل فيه الفرد طباعة وشخصيته»‬

‫ً‬
‫ثاثلا‪ -:‬تعريف اثلقافة اإلسالمية‬

‫‪ « -1‬معرفة التحديات المعاصرة المتعلقة بمقومات األمة اإلسالمية ومقومات الدين‬


‫‪2‬‬
‫اإلسالمي‪ ،‬بصورة مقنعة موجهة»‬

‫‪ « -2‬طريقة الحياة التي يعيشها المسلمون في جميع مجاالت الحياة وفق ًا لوجهة نظر‬
‫اإلسالم وتصوراته سوآء في المجال المادي الذي يُسمى المدنية‪ ،‬أو المجال الروحي أو‬
‫الفكري الذي يعرف بالحضارة»‬

‫‪ -3‬مجموعة من القيم االجتماعية‪ ،‬والصفات الخلقية المكتسبة والمستمدة من التعاليم‬

‫(‪ )1‬الدكتور نوفل ‪ ،‬أحمد‪} ،‬وآخرون{ في الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ص‪ ،8‬ط ‪1411 ،2‬ﻫ ‪1990 ،‬م‪ ،‬دار عمار‪ ،‬االردن‪.‬‬
‫ط ‪،7‬‬ ‫(‪ )2‬الدكتور أبو يحيى‪ ،‬محمد }وآخرون { ‪ ،‬الثقافة اإلسالمية « ثقافة المسلم وتحديات العرص‪ ،‬ص‪،19‬‬
‫‪1427‬ﻫ ‪2007 ،‬م‪ ،‬دار المناهج للنشر والتوزيع ‪ ،‬عمان‪.‬‬

‫‪-14-‬‬
‫اإلسالمية‪ ،‬بقصد سعادة الفرد والمجتمع‪ ،‬وتقديم الحلول السلمية لكل مشكالتها‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫والوفاء لكل ما يجد في حياتهما من حاجات»‬

‫‪« -4‬مجموعة العقائد‪ ،‬والمشاعر‪،‬والسلوكيات المستمدة من اإلسالم‪ :‬عقيدة‪ ،‬وشريعة‪،‬‬


‫‪2‬‬
‫ونظام حياة‪ ،‬ومنظومة قيم وأخالق التي تميز األمة اإلسالمية عن غيرها من األمم»‬

‫«والثقافة اإلسالمية التي نعنيها ‪ ,‬ليست مجرد ( الثقافة الدينية ) كما يتوهم بعض‬
‫الناس‪ .‬فكل ما هو إسالمي أوسع مما هو ديني باعتبار أن اإلسالم دين ودنيا ‪ ،‬وهذا‬
‫يلتبس فهمه على كثير من املتعلمني‪ ،‬في قضايا كثيرة ‪ ,‬فمنهم من يتحدث عن التربية‬
‫الدينية ويحسب أنها هي التربية اإلسالمية ‪ ..‬مع أن التربية الدينية واحدة من أنواع شتى‬
‫من التربية كلها إسالمية‪ ،‬مثل التربية العقلية أو التربية اخللقية أو التربية البدنية والتربية‬
‫املهنية ‪ ...‬وكذلك نقول ‪ :‬إن الثقافة اإلسالمية تشمل الثقافة األدبية واللغوية ‪ ,‬وتشمل‬
‫الثقافة التاريخية ‪ .‬وتشمل الثقافة اإلنسانية التي تتصل بالعلوم اإلنسانية واالجتماعية‪،‬‬
‫وتشمل الثقافة الفنية التي تتصل بالفنون املختلفة‪ ،‬وتشمل ثقافة الواقع سواء كان واقع‬
‫‪3‬‬
‫املسلمني أم واقع غيرهم ‪ .‬كما تشمل الثقافة الدينية أيضا ‪».‬‬

‫عالقة اثلقافة باملدنية‪-:‬‬


‫تقدمت حياة اإلنسان وتطورت‬
‫المدنية هي أصل المعنى اللغوي نسبة إلى المدينة‪ ،‬حيث ّ‬
‫وسائله‪ ،‬عندما انتقل من البادية أو من الريف إلى المدينة‪.‬‬

‫أما في االصطالح وعلى الراجح‪ -:‬يقتصر على الجانب المادي من الحياة ويشمل‬
‫مظاهر ال ّرقي العمراني ‪ ،‬والتكنولوجيا ‪ ،‬والوسائل واألدوات‪.‬‬
‫(‪ )1‬الدكتور الشرقاوي‪ ،‬أحمد }وآخرون { ‪ ،‬مدخل إلى الثقافة اإلسالمية ‪ ،‬ص‪ ،21‬ط ‪1425 ، 1‬ﻫ ‪2004 ،‬م‪ ،‬مكتبة‬
‫الرشيد‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدكتور نوفل‪ ،‬أحمد وزمالؤه‪ ،‬الثقافة اإلسالمية وقضايا العصر‪ ،‬ص‪ ،13‬المرجع سابق‪.‬‬
‫(‪)3‬القرضاوي ‪ ،‬يوسف ‪ ,‬ثقافتنا بين االنفتاح واالنغالق ‪ ,‬ص ‪22 , 21‬‬

‫‪-15-‬‬
‫وبهذا املفهوم تشتمل املدنية ىلع جانبني‪-:‬‬

‫أ‪ -‬المدنية العامة وهي التي ال تختص بأمّة دون أمّة كالمخترعات والمكتشفات ‪.‬‬

‫ب‪ -‬المدنية الخاصة ‪ -:‬وهي الصناعات التي تحمل إشارات وعالمات خآصة برمز‬
‫‪1‬‬
‫لفكر معين وهذه يحرم التعامل معها»‬

‫اثلمرة املرتتبة ىلع عالقة اثلقافة باملدنية‪-:‬‬


‫‪ -1‬تحديد المصطلحات وضبط المفاهيم‪ ،‬وذلك لتجنب الخلط في المسميات ‪.‬‬

‫‪ -2‬بيان موقفنا من المدنية الغربية حتى نميز خيرها من ش ّرها‪ ،‬ونعرف ماذا نأخذ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وماذا ندع من أنواع المدنيات الخاصة منها والعامة»‬

‫العالقة ما بني اثلقافة واحلضارة‪-:‬‬


‫التقدم في الوسائل والمخترعات واالبتكارات‬
‫ّ‬ ‫من التعريفات لمصطلح الحضارة هو»‬
‫التي توصل المجتمع اإلنساني بها إلى آفاق بعيدة من ال ّرقي والتنظيم المادي وال ّرفاهية‪،‬‬
‫كما استخدمت الحضارة؛ للداللة على ال ُنظم التي يضعها المجتمع لدعم كيانه االجتماعي‬
‫‪3‬‬
‫وتحقيق أهدافه في سهولة ويسر»‬

‫ونالحظ هنا أن احلضارة تشتمل ىلع ركنني هما‪-:‬‬

‫أ‪ -‬الثقافة وما تشتمل عليه من قيم وأفكار وعادات‪.‬‬

‫ب‪ -‬الركن المادي والمتعلق بالمدنية التي ذكرنا سابق ًا‪.‬‬

‫(‪ )1‬الدكتور سعيد‪ ،‬همام‪ ،‬وآخرون‪ ،‬الوجيز في الثقافة اإلسالمية‪،‬ص‪ ،30‬ط‪1425 ،2‬ﻫ‪2005 ،‬م‪،‬دار الفكر ‪ ،‬عمان‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدكتور أبو يحيى‪ ،‬محمد‪ ،‬وزمالؤه‪ ،‬الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ص‪ ،46‬ط‪1427 ،7‬ﻫ‪2007 ،‬م‪ ،‬دار المناهج للنشر‬
‫والتوزيع ‪ ،‬عمان‪.‬‬
‫(‪ )3‬الخطيب‪ ،‬عمر عوده‪ ،‬لمحات في الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ص‪،42‬ط‪1401 ،7‬ﻫ‪1981 ،‬م‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪-16-‬‬
‫والحضارة تعتبر كيان ثقافي مستقل‪ ،‬ويمكن أن تدوم وتتطوّر أو تنهض وتسقط كما يمكن‬
‫أن تندثر في رمال الزمن ‪ ،‬وهناك نظريات مختلفة في المراحل التي تمر بها الحضارة‪.‬‬

‫إال أنّها جميع ًا ترى َ‬


‫أن الحضارات تتطور عبر مرحلة من الصعوبات أو الصراعات إلى‬
‫ثم إلى تآ كل وتفسخ‪ ،‬والبشّ رية موزعة على ثمان من الحضارات‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫دولة شاملة ّ‬
‫الصينية‪ ،‬اليابانية‪ ،‬الهندية‪ ،‬اإلسالمية‪ ،‬الغربية‪ ،‬األمريكية الالتينية‪ ،‬واإلفريقية‪ ،‬ومعظم‬
‫الباحثين ال يعترفون بها باستثناء «برودل»‪.1‬‬

‫اثلقافة والعلم‪-:‬‬
‫ال َ‬
‫شك أن الثقافة كمدلول اصطالحي عن العلم ‪ ،‬وال يجوز الخلط بينهما وأهم‬
‫الفروق بينهما‪-:‬‬

‫أن ك ً‬
‫ال من العلم والثقافة معرفة‪ ،‬ولكن طريقة الحصول على المعرفة فيهما‬ ‫‪َ -1‬‬
‫مختلفة‪ ،‬فالمعرفة الثقافية نحصل عليها عن طريق اإلخبار‪ ،‬والتلقي واإلستنباط‪،‬‬
‫وميدانها األفكار ووجهات النظر‪ ،‬وما يترتب عليها من نظم وقوانين‪ ،‬بينما نحصل‬
‫على المعرفة العلمية عن طريق المالحظة والتجربة واإلستنتاج‪ ،‬وميدانها المواد‬
‫المحسوسة التي نجري عليها التجارب‪.‬‬

‫فهي‬
‫َّ‬ ‫‪ -2‬أن العلم عالمي ال تختص به أمّة دون أخرى فهو ال وطن له‪ ،‬أمّا الثقافة‬
‫خاصة بأمّة معينة بمعنى أن العلم ال يختلف من بيئة إلى بيئة أخرى ‪ ،‬فمث ً‬
‫ال علم‬
‫عما في الصين أو الهند أو أمريكيا ‪ ،‬أما الثقافة‬
‫الكيمياء ال يختلف في اإلسالم ّ‬
‫فإنها تختلف‪ ،‬فالثقافة اإلسالمية تختلف عن الثقافة الغربية وعن الثقافة الصينية‬
‫‪2‬‬
‫وعن الثقافة الهندية‪ ،‬فلكل أمّة دينية ثقافتها الخآصة بها»‬
‫(‪ )1‬هنتجتون‪ ،‬صامويل‪ ،‬صدام الحضارات‪ ،‬ص‪ ،67،68،73،75،76،77،78‬ط‪ ،1999 ،2‬ترجمة طلعت الشايب‬
‫(‪ )2‬الدكتور الشرقاوي‪ ،‬أحمد ‪ ،‬وزميله‪ ،‬مدخل إلى الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ص‪،20‬مرجع سابق‪ ،‬الرشيد‪.‬‬

‫‪-17-‬‬
‫‪ -3‬الثقافة تحتوي على جانب معياري‪ ،‬بمعنى ؛ أنها تتضمن مقاييس للسلوك‬
‫كالتحسين والقبيح‪ ،‬والخير والشّ ر‪ ،‬وما ينبغي وما ال ينبغي‪.‬‬

‫ب األمّة‪،‬‬
‫وح ّ‬
‫ب الله‪ُ ،‬‬
‫وح ّ‬
‫الدين‪ُ ،‬‬
‫كحب ْ‬
‫‪ -4‬الثقافة في جزء مهم منها مشاعر ُ‬
‫واالنتماء إلى التاريخ‪ ،‬واالعتزاز بالشخصية الوطنية‪ ،‬وليس العلم كذلك « فهو‬
‫‪1‬‬
‫حقل معرفي يتصل بالعقل التجريبي‪ ،‬ال بالقلب والمشاعر»‬

‫‪ -5‬العلم ومعطياته المادية‪ ،‬يجب أن يتحرك في إطار الثقافة األخالقية‪ ،‬ويعمل‬


‫على خدمة اإلنسان‪ ،‬ال أن يكون عامل بغي أو ظلم أو تحكم‪ ،‬أو إبادة ‪ ،‬فاإلسالم‬
‫يوظف معطيات العلم في إطار التقوى والرحمه واألخوة اإلنسانية ‪ ،‬واإلسالم وهو‬
‫يقبل العلم ويستفيد من معطياته‪ ،‬فإنه يقف من أسلوب العيش الغربي وثقافته موقف ًا‬
‫‪2‬‬
‫مختلف ًا ذلك ؛ أن ثقافة الغرب تقوم أساس ًا على الترف والحريات المطلقة»‬

‫آداب طالب العلم‬

‫العلم طريق بناء الحضارة وبه يحارب الجهل فهو رفعة لصاحبه وتحيا النفوس‬
‫وتزدان به وال يمكن تحقيق سبل العيش الرغيد دونه وقد ذكر العلماء آدابا لطالب‬
‫العلم ومن أهمها‪:‬‬

‫أو ً‬
‫ال ‪ -‬اإلخالص‪ :‬فالعلم في حقيقته عبادة يتقرب بها لله سبحانه وتعالى ومن‬
‫شرو قبولها أن تكون موافقة للشرع الحنيف وأن تكون خالصة لله سبحانه فالرياء‬
‫في العبادة يحبط العمل فينبغي لطالب العلم ابتداء أن يصحح ويراقب نيته بحيث‬

‫(‪ )1‬الدكتور نوفل‪ ،‬أحمد‪ ،‬وزمالؤه‪ ،‬الثقافة اإلسالمية وقضايا العصر‪ ،‬ص‪.15‬‬
‫(‪ )2‬الدكتور أبو يحيى‪ ،‬محمد‪ ،‬وزمالؤه‪ ،‬الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.56‬‬

‫‪-18-‬‬
‫يبغي من طلبه العلم في أي مجال علمي يختار أن يكون مقصده رضوان الله سبحانه‬
‫فالعمل مهما كان جليل القدر إذا لم تتبعه النية الصادقه فهو خسارة في الدنيا‬
‫واآلخرة يقول عليه الصالة والسالم ‪« »:‬مَن تع َّل َم ِعلم ًا ِم َّما ي ُْب َتغَ ى بِ ِه وَج ُه اللهُ‪ ،‬ال‬
‫‪1‬‬
‫يوم ال ِقيا َم ِة»‬
‫الج َّن ِة َ‬
‫ف َ‬ ‫الدنيا‪َ ،‬ل ْم ي َِج ْد َع ْر َ‬
‫يب بِ ِه َع َرض ًا ِمن ُّ‬
‫ص َ‬‫يتع َّل ُمه ِإال ل ُي ِ‬
‫َ‬

‫ثانيا ‪ -‬علو الهمة فال بد لطالب العلم أن تسمو همته في طلبه فيبذل ما في وسعه‬
‫لتحصيله وال يركن إل الكسل والتواني وال يسوف ‪ ,‬ويجعل قدوته العلماء العاملين‬
‫‪2‬‬
‫الذين جدوا وتابقوا في هذا الميدان»‬

‫ثالثا ‪ -‬تزكية النفس بتطهيرها من العيوب والشواب‬

‫رابعا ‪ -‬التفرغ للعلم وعدم االنشغال بملهيات الحياة‬

‫خامسا ‪ -‬أ كل اليسير من الحالل واالبتعاد عن الكسب الخبيث‬

‫‪3‬‬
‫سادسا ‪ -‬إدامة الذكر والتواضع والصدق»‬

‫اتلعايش اثلقايف‬
‫في ظل التطورات التكنولوجيه المتسارعة‪ :‬يشهد العالم تقارب ًا تكاد تختفي معها‬
‫الفوارق الزمانية والجغرافيا‪ ،‬والبشرية المنتشره على أصقاع هذه المعمورة ذات‬
‫مشارب وحضارات مختلفة‪ ،‬ونحن نناقش المصطلح أعاله فإننا نسلط الضوء على‬
‫المبادىء األساسية التي يمارسها المسلم في التعامل مع اآلخر‪ ،‬وأقصد هنا باآلخر‬
‫من هو من جنس أو عرق أو دين أو ثقافة مختلف عنا‪.‬‬
‫(‪ )1‬اإلمام أحمد ‪ ,‬المسند ج‪ , 2‬ص ‪338‬‬
‫(‪)2‬الشرقاوي وزمالؤه ‪ ,‬مدخل إل الثقافة اإلسالمية ‪,‬ص ‪256‬‬
‫(‪ )3‬رسالن ‪ ,‬أبو عبد الله ‪ ,‬محمد ‪ ,‬آداب طالب العلم ‪ ,‬ط‪ , 1993 , 1‬دار ابن حزم بيروت بتصرف ‪ ,‬يراجع الكتاب‬

‫‪-19-‬‬
‫يقول هيقل « إن الوعي بالذات يستوجب حضور اآلخرين»‪ 1‬ويذهب» ميشال‬
‫‪2‬‬
‫تورناي إلى القول‪ « :‬إن االحتكاك يولد وعي ًا‪ ،‬جديد ًا لالختالف مع اآلخر»‬

‫يذهب محمد محفوظ إلى القول في كتابه اإلسالم والغرب‪-:‬‬

‫ينبغي أن ينظر إلى إشكالية األنا واآلخر ‪ ،‬وفق منظور أن األنا ليس خير ًا مطلق ًا؛‬
‫ألنها تتضمن التجربة التاريخية التي ارتكبت فيها المظالم‪ ،‬كما أن اآلخر ال‬
‫يشكل الشر المطلق‪ ،‬فهو يتضمن التطور والعلم والتكنولوجيا‪ ،‬إننا ال ندعو إلى‬
‫مواءمة بين األنا واآلخر وإنما ندعو إلى بلورة األطر المناسبة لإلفادة المتبادلة عن‬
‫‪3‬‬
‫طريق الحوار‪ ،‬والتفكير المشترك بين األنا واآلخر»‬

‫ويمكن أن نسجل أهم انلقاط اليت يدعو إيلها اإلسالم يف سبيل تعزيز العيش مع اآلخر‪-:‬‬

‫إن التعايش ضرورة يعني االعتراف باآلخر وبحقوقه‪ ،‬ولكنه ال يعني اإلقرار‬
‫‪ّ -1‬‬
‫بصحة دين اآلخر وثقافته‪ ،‬فهما أمران مختلفان‪.‬‬

‫‪ -2‬إن االطالع على ثقافات اآلخرين؛ لمحاورتهم مطلب شرعي‪ ،‬وطريق هام‬
‫‪4‬‬
‫للدعوة إلى الله تعالى »‬

‫‪« -3‬أن الواحدية واألحدية هي فقط للذات االلهية‪.‬‬

‫‪ -4‬إن التنوع والتمايز والتعدد واالختالف هو ُس ّنة إلهية كونية مطردة في سائر‬
‫عوالم المخلوقات‪ ،‬وأن هذه التعددية هي في إطار وحدة األصل الذي خلقه الله‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬فاإلنسانية التي خلقها الله من نفس واحدة تتنوع إلى شعوب‬
‫(‪http:flasaflgtga.c.blogspot.com )1‬‬
‫(‪tareekeihajeh.blogspot.com )2‬‬
‫(‪http: www.hiramagazine.com )3‬‬
‫(‪ )4‬الدكتور نوفل‪ ،‬أحمد‪ ،‬وزمالؤه‪ ،‬الثقافة اإلسالمية وقضايا العصر‪ ،‬ص‪ ،43‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪-20-‬‬
‫وقبائل وأمم وأجناس وألوان‪ ،‬وكذلك إلى شرائع في إطار الدين الواحد وإلى‬
‫مناهج‪ ،‬أي ثقافات وحضارات في إطار المشترك اإلنساني الواحد الذي ال‬
‫تختلف فيه الثقافات‪ ،‬كما تتنوع إلى عادات وتقاليد وأعراف متمايزه حتى‬
‫داخل الحضارة الواحدة بل والثقافة الواحدة‪ ،‬وهذا التنوع واإلختالف والتمايز‬

‫يتجاوز كونه «حق ًا» من حقوق اإلنسان إلى حيث هو ُ‬


‫«س ّنه» من سنن الله «‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭼ النساء‪ ١ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫‪1‬‬
‫ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭼ هود‪»181 :‬‬

‫‪ « -5‬احترام المعتقدات والمبادىء األساسية لكل طرف‪-:‬‬

‫فهذه مسألة بالغة األهمية ولها األثر الطيب على األمم والمجتمعات فلكل أمة‬
‫عقيدة أو مبادىء تقدسها وتلتزم بها وتعتبرها أسمى من غيرها ويدخل في هذا أركان‬
‫اإليمان عند المسلمين‪ ،‬ولغير المسلمين ما يقدسونه ويحتفون به من آلهة يعبدونها‬
‫أو مبادىء يعتزون بها ‪ ،‬ومبدأ االحترام مبدأ قرآني أصيل ‪».‬قوله تعالى ﭽﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﭼ األنعام‪.2 »١٠٨ :‬‬

‫لنا أن نأخذ منها ما كان منسجم ًا مع ثقافتنا ومفيد ًا‪ ،‬ونرد ما يتعارض مع ديننا‬
‫ونجري التعديالت الالزمة على ما يتعارض جزيئ ًا مع ثقافتنا كما في أساليب‬
‫«فالمسلمون عندما انفتحوا على ثقافة‬ ‫‪3‬‬
‫اللباس والطعام والرياضة والحياة »‬
‫مدرسة اإلسكندرية في القرن الهجري األول‪ ،‬ترجموا علوم الطبيعة « تقنيات‬
‫العلوم الطبيعية والدقيقة المحايدة» ‪ ،‬ولم يترجموا ديانات مصر « الوثنية أو‬

‫(‪ )1‬مقال بعنوان فلسفة اإلسالم في التعايش مع اآلخر الديني الثقافي أ‪.‬د‪ .‬محمد عمارة‪.‬‬
‫(‪ :http:alwaei.com )2‬مقال بعنوان‪ :‬التعايش مع اآلخر حقيقة تاريخية وضرورة واقعية‪ ،‬الشيخ محمد الحسن ولد‬
‫الددو الشنقيطي‪ ،‬وزارة األوقاف‪ ،‬الكويت‪ ،‬رقم العدد‪ ،532 :‬بتاريخ‪2010/9/3 :‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬د‪ .‬نوفل‪ ،‬أحمد }وزمالءة{ ‪ ،‬الثقافة اإلسالمية وقضايا العصر ص‪ 44‬بتصرف واختصار بسيط‪.‬‬

‫‪-21-‬‬
‫النصرانية» وال الفلسفات الهلينية والغنوصية‪ ،‬وكذلك صنع المسلمون عندما‬
‫انفتحوا على التراث الروماني منذ عصر الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي‬
‫الله عنه‪.‬‬

‫فلقد أخذوا نظم الدواوين دون أن يأخذوا القانون الروماني‪ ،‬والحال نفسه مع‬
‫الحضارة الفارسية فأخذوا التراتيب اإلدارية دون أن يأخذوا فلسفات المجوسية‬
‫والهندية ‪ ،‬إذ أخذ المسلمون الفلك والهندسة والحساب دون العقائد والتراث‬
‫اإلغريقي‪ ،‬بنفس الطريقة وبنفس المعايير كان انفتاح الحضارة االوروبية إبان‬
‫نهضتها على الحضارة اإلسالمية عندما أخذت العلوم التجريبية والمنهج التجريبي‬
‫والخبرات اإلسالمية‪ ،‬دون منظومة القيم اإلسالمية‪ ،‬والعقائد اإلسالمية وفلسفة‬
‫‪1‬‬
‫العلم عند المسلمين»‬

‫« ومن دالئل االنفتاح في الثقافة اإلسالمية أن القرآن الكريم جاء مصدقا ومهيمنا‬
‫على الكتب السماوية السابقة ومن هيمنته عليها أنه جاء متمما لها ‪ ،‬مرتقيا بالبشرية‬
‫إلى أبلغ مدى تستطيع الوصول إليه في زمن الرسالة الخاتمة ‪ ...‬ونجد أن الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم في سيرته لم يلغ كل ما كان عليه العب قبل اإلسالم ‪ ،‬بل‬
‫ألغى الفاسد وأبقى على الصالح من أعرافهم وعقودهم ومعامالتهم فمثال الحج‬
‫أبقى اإلسالم على الكثير من مناسكها التي توارثها العرب من ملة إبراهيم‪،‬‬
‫مثل الطواف والسعي بين الصفا والمروة وغيرها‪ ،‬وحذف منها ما يخالف عقائد‬
‫اإلسالموقيم اإلسالم‪ ،‬مثل قولهم في التلبية ‪ :‬لبيك ال شريك لك‪ ،‬إال شريكا‬
‫‪2‬‬
‫هو لك‪ ،‬تملكه وما ملك ‪ .‬يعنون األصنام »‬

‫(‪ )1‬مرجع سابق ‪htte: www.hiramagazine‬‬

‫(‪ )2‬القرضاوي ‪ ,‬يوسف ‪ ,‬ثقافتنا بين االنفتاح واالنغالق ‪ ,‬ص ‪37-35‬‬

‫‪-22-‬‬
‫الويع اثلقايف‬

‫كيف حنقق الويع اثلقايف‬

‫تعريف الويع‪:‬‬
‫تعبر عن حالة عقلية يكون فيها العقل بحالة إدراك وعلى تواصل‬
‫«الوعي‪ :‬كلمة ّ‬
‫مباشر مع محيطه الخارجي عن طريق منافذ الوعي التي تتمثل عادة بحواس‬
‫اإلنسان الخمس‪ ،‬كما يمثل الوعي عند العديد من علماء ال ّنفس الحالة العقلية‬
‫التي يتميز بها اإلنسان بملكات المحاكاة المنطقية الذاتية‪(( :‬اإلحساس ّ‬
‫بالذات‪،‬‬
‫واإلدراك الذاتي‪ ،‬والحالة الشفوية‪ ,‬والحكمة ‪,‬أو العقالنية والقدرة على اإلدراك‬
‫الحسي للعالقة بين الكيان الشخصي والمحيط الطبيعي له‪ ،‬والوعي بأمر ما يتضمن‬
‫معرفته‪ ،‬والعمل بهذه المعرفة))‪ ،‬وقد يكون الوعي وعي ًا زائف ًا‪ ،‬وذلك عندما تكون‬
‫أفكار اإلنسان ووجهات نظره ومفاهيمه غير متطابقة مع الواقع من حوله‪ ،‬أو غير‬
‫واقعي وقد يكون جزئي ًا‪ ،‬وذلك عندما تكون األفكار والمفاهيم مقتصرة على‬
‫جانب أو ناحية معينة وغير شاملة لكل النواحي والجوانب المترابطة والتي تؤثر‬
‫‪1‬‬
‫وتتأثر في بعضها البعض في عملية تطور الحياة»‬

‫يقول د‪ .‬عبد الكريم ّ‬


‫بكار «الوعي هو معرفة المرء بوجوده وإدراكه ألفكاره‬
‫يصبح مدرك ًا لمحيطه‪ ،‬وزمانه وما فيه من‬
‫ُ‬ ‫ومشاعره‪ ،‬وحين تتسع دائرة وعي اإلنسان‬
‫ُصبح مدرك ًا للفرص والتحديات‬
‫مصادر السرور وبواعث الحزن واالكتئاب‪ ،‬كما ي ُ‬
‫أن وعي اإلنسان‬
‫واإلمكانات المتوفرة في ذلك المحيط‪ ،‬ومن المهم أن نالحظ ّ‬
‫ُّ‬
‫يظل منقوص ًا ونسبي ًا‪ ،‬وقاب ً‬
‫ال للجدل والمراجعة» ‪.2‬‬ ‫ّ‬
‫بكل ذلك‬

‫(‪http:ar.wikwpedia.org )1‬‬
‫(‪http:www.dabakkar.com )2‬‬

‫‪-23-‬‬
‫إن الوعي الثقافي مقتضاه أن يتضمن مدلول الوعي كمصطلح إدراكي ثم تطبيق‬
‫مقتضى الثقافة كمصطلح شائع اليوم على األلسنة وهو من المصطلحات المعاصرة‬
‫كما هو مدون في كتب المعاجم‪ ،‬والراجح أن هذا المصطلح حتى تتحقق شروطه‬
‫البد من توافر عنصرين فيه وهما‪:‬‬
‫ّ‬

‫‪ -‬أو ً‬
‫ال‪ :‬األفكار والمعارف ونمط التفكير‪.‬‬

‫‪ -‬ثاني ًا‪ :‬مدى تطبيق القيم والمثل التي هي دالئل ومؤشرات ثقافية‪ ،‬إذ ال يستقيم‬
‫مصطلح الوعي الثقافي دون الممارسة العملية لهذه القيم‪.‬‬

‫ّ‬
‫وحنن إذا أردنا أن حنقق هذا املفهوم فالبد من العمل ىلع ما ييل‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬أوال‪ :‬العمل ىلع إجياد الشخصية املتوازنة‪:‬‬

‫بأن له رسالة‬
‫ونقصد بذلك اإلنسان المسلم اإليجابي والذي يعي حقيقة وجوده ّ‬
‫في هذه الحياة وهي مهمة كبرى يقول سبحانه‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫‪1‬‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ البقرة‪:‬‬

‫«والخليفة هو القائم مقام غيره يقال هذا خلف فالن وخليفته قال ابن األنباري‪:‬‬
‫واألصل في الخليفة خليف بغير هاء قد حلت الهاء للمبالغة في مدحه بهذا الوصف‬
‫ونسآبه وراوية وفي معنى خالفة آدم قوالن‪:‬‬ ‫كما قالوا ّ‬
‫عالمة ّ‬

‫أحدهما‪ :‬أنّه خليفة عن الله تعالى في إقامة شرعه ودالئل توحيده والحكم في‬
‫خلقه وهذا قول ابن مسعود ومجاهد‪ .‬والثاني‪ :‬أنّه خلف من سلف في األرض‬
‫عباس والحسن»‬
‫‪2‬‬
‫قبله وهذا قول ابن ّ‬

‫(‪ )1‬ابن الجوزي‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬زاد المسير في علم التفسير‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،60‬ط‪1404 ،3‬هـ‪ ،‬الكتب اإلسالمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫(‪ )2‬ابن الجوزي‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬زاد المسير في علم التفسير‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،60‬ط‪1404 ،3‬هـ‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪-24-‬‬
‫وهذا الهدف النبيل الب ُّد من إذكائه بين ال ّناس؛ كي يستحصروا عظمة المسؤولية‬
‫ّ‬
‫يستفز ذاته نحو الكمال وتحري متطلبات‬ ‫وك ّلما أدرك اإلنسان أنه مسؤول ومكلف‬
‫المسؤولية يقول سبحانه‪ :‬ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ الزخرف‪:‬‬
‫‪ ٤٤‬يقول الرازي في تفسيره‪« :‬وفيه وجهان‪ :‬أحدهما أنه ذكر من الله تعالى ذكر‬
‫به عباده فعرفهم تكاليفه وأوامره والثاني‪ :‬أنّه ذكر شرف وفخر لمن آمن به وأنّه‬
‫شرف لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته»‪.1‬‬

‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬العمل ىلع إجياد الشخصية انلاقدة‪:‬‬

‫وأقصد بذلك‪ :‬القدرة على إبداء الرأي أو اآلراء المناسبة‪ ،‬والحضور العلمي واالجتماعي‬
‫والسياسي الفعال‪ ،‬وإبداء الرأي ال يعني إطالق األحكام جزاف ًا‪ ،‬انّما المقصود الشخصية‬
‫التي لها القدرة على التحليل‪ ،‬وربط الجزئيات بالكليات‪ ،‬واألهم من ذلك أو في مرحلة‬
‫نهائية القدرة على إصدار الحكم وهذه الحالة في نظري تفتقد إليها ّ‬
‫جل مجتمعاتنا؛ ألنها‬
‫استمرأت التلقين دون الهضم المعرفي‪ ،‬وحشو المعلومات دون القدرة على التميز‪.‬‬

‫«في دراسة استخدمت التحليل العلمي طبقت في الثقافة الخليجية البحرينية‪ ،‬لتحديد‬
‫سمات الشخصية الناقدة‪ ،‬تتمحور في ست أبعاد رئيسة‪:‬‬

‫‪ -1‬بعد التقويم‪ :‬ويتضمن القدرة على إصدار الحكم‪ ،‬وتقويم الحجج‪ ،‬والقدرة على‬
‫االستدالل‪.‬‬

‫‪ -2‬بعد المعرفة‪ :‬ويتضمن القدرة على التحدي والتخيل ال ّنقدي‪ ،‬والمخاطرة المدروسة‬
‫والمرونةالمعرفية‪.‬‬

‫(‪ )1‬الرازي‪ ،‬فخر الدين‪ ،‬التفسير الكبير‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،14‬ط‪1421 ،1‬هـ‪2000 ،‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪-25-‬‬
‫‪ -3‬بعد فهم قواعد المنطق‪ :‬ويشمل معرفة قواعد المنطق‪ ،‬وال ّربط‪ ،‬والتنظيم العقالني‬
‫وكشف المغالطات أثناء النقاش‪.‬‬

‫‪ -4‬بعد القدرة على التفسير‪ :‬ويتضمن القدرة على االكتشاف والنقاش والجدل والميل‬
‫إلى التناسق المعرفي‪ ،‬والتفسير المنطقي للظواهر الحياتية وتطبيق المعارف‪.‬‬

‫التكيف مع المواقف الجديدة‪ ،‬والثقة‬


‫ّ‬ ‫‪ -5‬البعد الوجداني‪ :‬وينطوي على القدرة على‬
‫بال ّنفس‪ ،‬والدرجة العالية من اإلتزان‪ ،‬وتقبل آراء اآلخرين‪ ،‬واالتصاف بالنشاط والفاعلية‪.‬‬

‫‪ -6‬بعد الحساسية تجاه المشكالت ويتضمن الحساسية تجاه المشكالت‪ ،‬والقدرة على‬
‫وضع االفتراضات الصحيحة وتحديد المشكالت بطريقة منطقية‪».‬‬
‫‪1‬‬

‫وتكمن أهمية انلّقد يف أمرين أساسيني‪:‬‬

‫أن ال ّنقد يسهم في بلورة وعينا بذاتنا من خالل منحه المحددات والمشخصات‬
‫‪ -‬األول‪ّ :‬‬
‫ألبعاد هذا الوعي ومفاصله ومحصالته؛ حيث نحاول أن نجعل منه ذاتا « (ال‬
‫استمرارية) للسياقات والمعطيات السابقة‪.‬‬

‫ونجعل مما ننقد موضوع ًا نعمل فيه وعينا وخبراتنا المتراكمة وذلك سعي ًا للمحافظة‬
‫على التواصل مع أهدافنا واالتجاه الذي رسمناه ألنفسنا‪ ،‬كيال يذهب به االمتداد‪.‬‬

‫أن ال ّنقد يساعدنا على النجاة من تكرار األخطاء السابقة؛ فال ّنقد ُّ‬
‫يدل‬ ‫‪ -‬الثاني‪ّ :‬‬
‫على إدراك الخطأ وتشخيصه ورفضه‪ ،‬وحين يشفع بالتعليل المنهجي والمنطقي‬
‫ضد النكوص والتلطخ بأوحال‬
‫ّ‬ ‫والتجريبي الكافي؛ فإنّه يمنحنا حصانة ممتازة‬
‫األخطاء السابقة‪.‬‬
‫(‪http:tfkernaged.word )1‬‬

‫‪-26-‬‬
‫أن من المفيد كثير ًا أن نذكر نماذج مما ثبت خطؤه أو قصوره من أعمال‬
‫وال أظن ّ‬
‫السابقين‪ ،‬فذلك كثير ومعروف‪ ،‬لكن يظل المهم بالنسبة لنا هو امتالك التفكير‬
‫السببي المنطقي‪ ،‬والتمتع بالحس ال ّنقدي واإلستحواذ على رؤية حضارية شاملة‪،‬‬
‫تمكن من إدراك العناصر واألبعاد الالزمة لقيام أمة عاملة بواجب االستخالف في‬
‫األرض‪ ،‬ونشر أعالم الهداية وإعجاز األرض بعيد ًا عن اإلنسياق وراء عنصر من‬
‫‪1‬‬
‫عناصر البناء أو االنجراف في تيارات المبالغات وردود األفعال»‬
‫ً‬
‫‪ -‬ثاثلا‪ :‬املعرفة باآلخر وخطورة اجلهل به‪:‬‬
‫يقول اإلعالمي عماد الدين أديب «الجهل بهموم ال ّناس مصيبة‪ ،‬والجهل بأفكار‬
‫وحقائق اآلخر من أبناء الوطن الواحد الذي قد يختلفون معك في المنطقة‪ ،‬أو‬
‫الطبقة‪ ،‬أو الديانة‪ ،‬أو المذهب‪ ،‬أو الحزب السياسي كارثة‪ ،‬والجهل بظروف‬
‫جيرانك‪ ،‬ودول الجوار المحيطة بك نذير حرب إقليمية‪ ،‬والجهل بالقرارات‪،‬‬
‫والقوانين الدولية هو أقصر طريق يؤدي إلى ضياع الحقوق الوطنية‪ ،‬الجهل‬
‫بشؤون المال واالقتصاد مقدمة منطقية للخراب‪ ،‬والجهل بأصول الدين والديانات‬
‫أن أخطر حاالت الجهل‬
‫األخرى هو وصفة مؤكدة للحروب الطائفية‪ ،‬وفي يقيني ّ‬
‫‪2‬‬
‫على اإلطالق هو أن أجهل أنني جاهل»‬

‫تحت عنوان خطورة الجهل باآلخرين كتب الشيخ محمد الغزالي –رحمه الله‪-‬‬
‫«من األخطاء التاريخية التي أساءت إلينا طوي ً‬
‫ال جهلنا بغيرنا‪ ،‬وقصورنا عن إدراك‬
‫عدو ًا مزعج ًا وأكثر الغارات‬
‫أحوالهم العامة‪ ،‬وقد يكون هذا الغير خصم ًا ضاغن ًا‪ ،‬أو ّ‬
‫التي قوضت بنياننا الحضاري كانت تشبه الزالزل المباغتة ال يعرف لها وقت‬

‫( ‪ )1‬بكار‪ ،‬عبد الكريم‪ ،‬المسلمون بين التحدي والمواجهة‪ ،‬ص ‪ ،43-42‬ط‪1432 ،4‬هـ‪2011 ،‬م‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫(‪ / http:classic.aawsat.com )2‬جريدة الشرق األوسط‪ ،‬مقال لإلعالمي عماد الدين أديب‪ ،‬الجهل أخطر من‬
‫مائة فتنة‪ ،‬األربعاء‪ 13 ،‬رمضان ‪1433‬هـ‪ ،‬اغسطس ‪2012‬م‪ ،‬العدد ‪12300‬‬

‫‪-27-‬‬
‫أو تتخذ لها أهمية‪ .‬وقد سقطت لنا عواصم‪ ،‬وضاعت من دار اإلسالم أقطار‪،‬‬
‫والمسلمون في غفالت أوّل الليل التي يقول فيها الشاعر‪:‬‬

‫إن الحوادث قد يطرقن أسحارا‬


‫ّ‬ ‫يا نائم الليل مسرور ًا بأوله‬

‫ويقرتح يف سبيل ماكفحة هذا اخلطر تكوين جهاز ذو نشاط مزدوج‪:‬‬

‫‪ -‬النشاط األول يقوم على األسس اآلتية‪:‬‬

‫‪ -1‬سبر اإلرتقاء الثقافي واإلحاطة باآلماد التي بلغها غيرنا حتى نعرف من‬
‫نخاطب؟ وماذا نقول؟‬

‫‪ -2‬إدراك المستوى العمراني والصناعي والحضاري الذي يسود العالم من حولنا‪،‬‬


‫فإن من الهزل أن تعرض اإلسالم أمم متخلفة ينظر إليها غيرها شزر ًا‪ ،‬وال تستطيع‬
‫ّ‬
‫أن تساند ّ‬
‫حقها بدعائم مادية أو علمية‪.‬‬

‫‪ -3‬دراسة التيارات السياسية والقوى العسكرية التي حظي بها غير المسلمين‬
‫وتقدير ما تقدمه لألديان والمذاهب األخرى من دعم‪ ،‬ووضع ذلك تحت أنظار‬
‫المسؤولين‪.‬‬

‫‪ -‬أما النشاط الثاني فهو داخلي يتحرك في دار اإلسالم ويقوم بما يأتي‪:‬‬

‫‪ -1‬محاربة الغش الثقافي واالنحراف الفكري اللذين أبعدا األمّة اإلسالمية عن‬
‫كتاب ربّها وس ّنة نبيها وجعالها صورة مشوهة للدين الحق‪ ،‬وأعجزها عن نصرته‪.‬‬

‫‪ -2‬إعادة بناء األمّة اإلسالمية على أساس أن الوحي حياة‪ ،‬وأن دراسة الكون أهم‬
‫ينابيع اإليمان‪ ،‬وأن حسن استغالله سالح اقتصادي وعسكري خطير‪.‬‬

‫‪-28-‬‬
‫‪ -3‬تالوة الكتاب العزيز على أنه منهج للعمل‪ ،‬وتربية األمّة على األخالق المتينة‬
‫وتعلم الحكمة‪.‬‬

‫‪ -4‬غربلة التراث اإلسالمي الذي آل إلينا في هذا العصر الستبقاء ما يوافق‬


‫الكتاب والسنة واستبعاد ما عداه»‪.1‬‬
‫ً‬
‫رابعا‪ :‬بناء العقلية الفاعلة‪:‬‬

‫إن العقول التي تسترسل مع األهواء والخرافات ال تصنع فكر ًا وال حضارة إنّما‬
‫ّ‬
‫أن‬
‫تؤسس للتخلف والجهل؛ ولذا جاء اإلسالم يدعو إلى إعمال العقل‪ ،‬فنجد ّ‬
‫القرآن يعزز مفهوم إذكاء السنن الربانية والتي تتطلب العمل الدؤوب والعمل‬
‫الجاد في كآفة الميادين‪.‬‬

‫يقول األستاذ جودت سعيد «وهذا الموضوع‪ :‬موضوع الس ّنة ربما يمكن تقبله‬
‫أن المشكلة مشكلة العقل وما يعرض له من الركود والعطالة‬ ‫بدون صعوبة كبيرة‪ ،‬إ ّ‬
‫ال ّ‬
‫عن أداء وظيفته أو ارتباطه بسنن الكون هذه الوظيفة وظيفة التسخير‪ ،‬ولقد اعتنى‬
‫القرآن الكريم عناية بالغة واستنهض الهمم؛ حتى ال يفقد العقل مضاءه وقوّته في‬
‫إدراكه لسنن الحوادث واالعتبار بها واعتبر الذين عط ّلوا قلوبهم كاألنعام‪ ،‬بل‬
‫ّ‬
‫أضل والمصدر األساسي للعطالة‪ :‬العقيدة العبثية في الوجود والكون‪ :‬اعتقاد‬ ‫هم‬
‫العبث واللعب في الوجود‪ ،‬يقول تعالى في هذا ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ‬
‫ﰄ ﰅ ﰆ ﭼ الدخان‪ ٣٨ :‬وقوله تعالى‪ :‬ﭽ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﭼ المؤمنون‪.١١٥ :‬‬

‫(‪ )1‬الغزالي‪ ،‬محمد‪ ،‬تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل‪ ،‬ص‪ ،38-37‬ط‪1401 4‬هـ‪1981 ،‬م‪ ،‬المعهد العالمي‬
‫للفكر اإلسالمي‪ ،‬الواليات المتحدة األمريكية‪.‬‬

‫‪-29-‬‬
‫السنن‪ ،‬وعالقة الطاقة‬
‫إن العقيدة العبثية في الكون هي‪ :‬عدم رؤية ال ّنظام وعدم رؤية ُّ‬
‫إن الذي ال يرى‬
‫ظن العبثية في الوجود‪ّ ،‬‬
‫المفكرة اإلنسانية بسنن الكون‪ ،‬وهذا هو ّ‬
‫يقدر المسؤولية الدنيوية وال المسؤولية‬
‫هذه العالقة وهذا االرتباط ال يمكن أن ّ‬
‫يقدر المسؤولية االجتماعية وال المسؤولية الفردية» ‪. 1‬‬
‫األخروية‪ ،‬أي ال ّ‬

‫وسخر بها السنن‪ ،‬والنواميس للتعبير عن إرادته‪،‬‬


‫ّ‬ ‫«واإلنسان إذا ما سعى باألسباب‬
‫أدى واجبه‪ ،‬واستجاب لفطرته وحمل‬
‫وأداء واجباته في خالفة األرض فإنّه قد ّ‬
‫وليس من شأنه في المحصلة النهائية‬
‫َ‬ ‫مسئوليته في التعامل مع نظام الحياة والكون‪،‬‬
‫فليس هذا من مسؤوليته‬
‫َ‬ ‫تحديد موقع جهده‪ ،‬وسعيه من خارطة الكليات الربانية‬
‫وال في حدود علمه أو إدراكه ‪ ،‬ومن األمثلة القرآنية على هذه السنن‪:‬‬

‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭼ الكهف‪٨٤ :‬‬ ‫قوله سبحانه‪ :‬ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬


‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﭼ األنبياء‪.2 »١٦ :‬‬

‫ونحن أحوج ما نكون إلى ترسيخ هذه المفاهيم في الوقت «الذي تهيمن‬
‫الحضارة الغربية على أوجه النشاط اإلنساني المختلفة‪ ،‬في ربوع الغرب على‬
‫اختالفه‪ ،‬ويعكس ذلك تأثير ًا مباشر ًا على العالم اإلسالمي بدرجات متفاوتة بين‬
‫صقع وآخر‪ ،‬وفئة وأخرى ومن المعلوم أن عناصر هذه الحضارة إنما تدور على‬
‫محورها الوحيد أال وهو الزخم المادي الذي أحال اإلنسان بكل خصائصه الفكرية‬
‫البد أن‬
‫ّ‬ ‫والوجدانية والروحية إلى حيوان يلهث سعي ًا وراء المتعة المادية‪ ،‬ثم كان‬
‫يفقد الفكر اإلنساني حريته تحت سلطان هذا الزخم المادي فيتحول إلى جندي‬
‫‪3‬‬
‫يتحرك في خدمة ذلك الحيوان المادي الهائج بين جوانح هذا اإلنسان الجديد»‬
‫(‪ )1‬سعيد‪ ،‬جودت‪ ،‬حتى يغيروا ما بأنفسهم‪ ،‬ص‪ ،202-201‬ط‪1414 ،7‬هـ‪1993 ،‬م‪ ،‬دار الفكر المعاصر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬أحمد‪ ،‬أبو سليمان‪ ،‬عبد الحميد‪ ،‬أزمة العقل المسلم‪ ،‬ص‪ ،152-151‬ط‪1414 ،3‬هـ‪1994 ،‬م‪ ،‬ط‪ ،3‬المعهد‬
‫العالمي للفكر اإلسالمي‪ ،‬الواليات المتحدة األمريكية‪،‬‬
‫(‪ )3‬البوطي‪ ،‬محمد سعيد‪ ،‬وهذه مشكالتنا‪ ،‬ص‪1431 ،120‬هـ‪2010 ،‬م‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق‪.‬‬

‫‪-30-‬‬
‫ً‬
‫خامسا‪ :‬إثبات األنا اثلقايف‪:‬‬

‫أقصد هنا أن تبق الهوية الثقافية للمسلم في حصانة من التيارات الوافدة الجارفة‪،‬‬
‫أن هذا تحدي كبير‬
‫وتركز معالم هذه الهوية على الدين واللغة والتاريخ وال شك ّ‬
‫بعد الهيمنة الغربية علينا في كل المجاالت‪.‬‬
‫يحيط بنا َ‬

‫ويمكن أن نحقق هذا المفهوم بما يلي‪:‬‬

‫حد البذخ والترف ﭽ ﭙ‬


‫‪ -1‬عدم اإلسراف في المأكل والمشرب والملبس إلى ّ‬
‫ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭼ األعراف‪.٣١ :‬‬

‫واإلسالم يريد لنا مستوى فوق مستوى الضرورة‪ ،‬أو مستوى الكفاف إلى مستوى‬
‫ّ‬
‫بكل عناصرها ومقوّماتها‪ ،‬قال النووي في تحديد الكفاية‪،‬‬ ‫الكفاية بل الكفاية التآمة‬
‫قال أصحابنا‪:‬‏»المعتبر المطعم‪ ،‬والملبس‪ ،‬والمسكن‪ ،‬وسائر‏ما ال ب ُّد منه‪ ،‬على ما‬
‫يليق بحاله بغير إسراف وال إقتار‪ ،‬لنفس الشخص ولمن هو في نفقته»‪ 1‬‏‪.‬‬

‫واالقتصار على االستهالك للمنتج الوطني‪ ،‬أو المحلي‪ ،‬أو الذي يدعم اقتصاد‬
‫األمّة دون اإلنبهار بكل ما أنتجته يد الغرب‪ ،‬وما نشتريه يكون للحاجة ال إلشباع‬
‫نهم التسوق أو المباهاة أمام اآلخرين‪.‬‬

‫‪ -2‬المحافظة على العادات‪ ،‬والتقاليد‪ ،‬واآلداب في مجتمعاتنا العربية واإلسالمية‬


‫والتي ال تصطدم وبشكل حاد مع تعاليم اإلسالم سوآء في األفراح‪ ،‬أو األحزان أو‬
‫المناسبات العامة‪.‬‬

‫جدة‪.‬‬
‫(‪ )1‬النووي‪ ،‬أبو زكريا‪ ،‬محيي الدين‪ ،‬المجموع‪ ،‬ط‪ ،6‬ص‪ ،172‬تحقيق محمد المطيعي‪ ،‬مكتبة اإلرشاد‪ّ ،‬‬
‫‪-31-‬‬
‫‪ -3‬اإلعتزاز بالثقافة اإلسالمية وتعليمها بالقول‪ ،‬والعمل في المؤسسات والمحاضن‬
‫التربوية المختلفة‪.‬‬

‫‪ -4‬العمل على إيجاد المؤسسات ذات العالقة بالمجتمع المدني والتي تقوم بدور‬
‫الرافد للثقافة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪-32-‬‬
‫الوحدة اثلانية‬

‫خصائص اثلقافة اإلسالمية‬


‫ُ‬
‫سنعرف بأهم خصائص الثقافة اإلسالمية دون اإلسهاب الممل‪،‬أو‬ ‫في هذه الوحدة‬
‫التقصير المخل في بيان أصل المفهوم‪ ،‬وبالضرورة تنطبق هذه الخصائص على‬
‫اإلسالم نفسه ومن أهمها‪:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ -:‬الربانية‬

‫حد التمام‪ .‬يقال رب ُه‬ ‫ال فحا ً‬


‫ال إلى ّ‬ ‫ب في االصل‪ :‬التربي ُة وهو إنشاء الشيء حا ً‬
‫«ال ّر ُ‬
‫ٌ‬
‫رجل من‬ ‫الي من أن يُربّني‬
‫أحب َّ‬
‫ُّ‬ ‫ٌ‬
‫رجل من قريش‬ ‫وربّاه وربيته‪ ،‬وقيل ألن ُي ّربني‬
‫ب مطلق ًا اال لله تعالى المتكفل‬
‫هوازن‪ ،‬فال ّرب مصد ٌر مستعا ُر للفاعل‪ ،‬وال يقال ال ّر ُّ‬
‫ُّ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫‪1‬‬
‫بمصلحة الموجودات كقوله سبحانه « بدلة طيبة ورب غفور» سبأ‪»15 :‬‬

‫وال ّرباني‪ :‬العالم الصابر‪ ،‬كقوله تعالى في سورة المائدة «والربانيون» المائدة ‪،44‬‬
‫‪2‬‬
‫يعني العلماء الصابرين»‬

‫يعبد ال ّرب‪ ،‬زيدت األلف والنون‬


‫ُ‬ ‫َ‬
‫وقيل ال ّرباني‪ :‬الذي‬ ‫ورب العلم‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫الحب ُر‪،‬‬
‫باني ْ‬
‫« وال ّر ُّ‬
‫للمبالغة في ال ّنسب‪ ،‬وقال سيبويه‪ :‬زادوا ألف ًا ونون ًا في ال ّرباني اذا أرادوا تخصيص ًا‬
‫صاحب علم بال ّرب دون غيره من العلوم‪ « ،‬وقال‬
‫ُ‬ ‫بعلم ال ّرب دون غيره كأن معناه‬
‫عباس رضي الله عنهما‪ :‬اليوم‪ :‬مات‬
‫محمد بن علي بن الحنفية لما مات عبد الله بن ّ‬
‫رباني‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫عالم‬
‫ٌ‬ ‫الناس ثالث ٌة‪:‬‬
‫ُ‬ ‫رباني هذه األمّة‪ ،‬وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال‪:‬‬
‫ُّ‬

‫(‪ )1‬األصفهاني ‪ ،‬الراغب‪ ،‬معجم مفردات ألفاظ القرآن‪ ،‬ص ‪ .189‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‬
‫الدامغاني‪ ،‬أبو عبد الله ‪ ،‬الحسين‪ ،‬الوجوه والنظائر أللفاظ كتاب الله العزيز‪ ،‬تحقيق عربي عبد الحميد‪ ،‬ص‪،238‬‬
‫(‪ّ )2‬‬
‫ط ‪2003، 1‬م ‪1424 ،‬ﻫ ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت‬

‫‪-33-‬‬
‫منسوب‬
‫ٌ‬ ‫أتباع كل ناعق»‪ ،‬قال ابن األثير‪ :‬هو‬
‫ُ‬ ‫ومتعلم على سبيل نجاة‪،‬وهمج رعاع‬
‫ٌ‬
‫إلى ال ّرب بزيادة االلف والنون للمبالغة قال‪ :‬وقيل هو من ال ّرب بمعنى التربية‪ ،‬كانوا‬
‫يربّون المتعلمين بصغار العلوم قبل كبارها‪ ،‬والرباني العالم الراسخ في العلم والدين‬
‫يطلب بعلمه وجه الله‪ ،‬وقيل‪ :‬العالم العامل المتعلم» ‪.1‬‬
‫ُ‬ ‫أو الذي‬

‫وعندما نقول بأن الربانية من خصائص الثقافة اإلسالمية فهي في حقيقتها «‬


‫ثقافة معجونة بالجانب اإللهي‪ ،‬قد امتزجت فكرة اإليمان عامة ‪ ،‬والتوحيد خاصة‪،‬‬
‫بجوانبها كلها‪ ،‬وجرت فيها مجرى الدم في الشعيرات في ِش ْع ِرها ونثرها‪ ،‬في‬
‫أدبها وعلمها وفلسفتها‪ ،‬في كتب اللغة وكتب الدين‪ ،‬وكتب العلم‪ ،‬على اختالفها‪،‬‬
‫تجمل به المنازل‪ ،‬قد يوجد فيها بعض المالحدة‬
‫ّ‬ ‫فيما تزين به المساجد‪ ،‬وفيما‬
‫او الشكاك ولكنهم يمثلون الشذوذ الذي يثبت القاعدة وال ينفيها ومع هذا تجد‬
‫‪2‬‬
‫نضح هذه الثقافة الربانية عليهم‪ ،‬أحبوا أو كرهوا»‬
‫ُ‬
‫« املراد من الربانية أمران‪-:‬‬
‫‪ -1‬ربانية الغاية والوجهة‪.‬‬

‫‪ -2‬ربانية المصدر والمنهج‪.‬‬

‫ُ‬
‫يجعل غايته األخيرة وهدفه البعيد‬ ‫فأما ربانية الغاية والوجهة‪ ،‬تعني ‪ :‬أن اإلسالم‬
‫هو‪ -:‬حسن الصلة بالله تبارك وتعالى ‪ ،‬والحصول على مرضاته‪ ،‬فهذه هي غاية‬
‫اإلسالم‪ ،‬وبالتالي هي غاية اإلنسان ‪،‬ووجهة اإلنسان ومنتهى أمله وسعيه‪ ،‬وكدحه‬
‫في الحياة ﭽ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭼ االنشقاق‪.٦ :‬‬

‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬محمد بن مكرم‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،403‬ط‪ ، 1‬دار صادر ‪ ،‬بيروت‬

‫(‪ )2‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ ،‬الثقافة اإلسالمية بين األصالة والمعاصرة‪ ،‬ص‪ ،26‬ط‪1456 ،2‬هـ‪2005 ،‬م‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪-34-‬‬
‫ومن ثمرات هذه الربانية يف انلفس واحلياة ‪-:‬‬
‫ً‬
‫أوال‪ :‬معرفة غاية الوجود اإلنساني‪.‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬االهتداء إلى الفطرة؛ فيهتدي اإلنسان إلى فطرته التي فطره الله عليها‪ ،‬والتي‬
‫تتطلب اإليمان بالله تعالى وال يعوضها شيء غيره‪ .‬يقول تعالى ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﭼ الروم‪٣٠ :‬‬
‫ً‬
‫ثاثلا‪ :‬سالمة النفس من التمزق والصراع‪.‬‬
‫ً‬
‫رابعا‪ :‬التحرر من العبودية لألنانية والشهوات‪.‬‬

‫« ‪ -2‬ربانية المصدر والمنهج‪.‬‬

‫أن هذه الثقافة مصدرها وحي من الله سبحانه وتعالى إلى خاتم رسله محمد صلى‬
‫بمعنى ّ‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬فلم ِ‬
‫يأت هذا المنهج نتيجة إلرادة فرد‪ ،‬أو إرادة أسرة ‪ ،‬أو إرادة طبقة‪،‬‬
‫أو إرادة حزب‪ ،‬أو ارداة شعب‪ ،‬وإنّما جاء إلرادة الله‪ ،‬الذي أراد به الهدى والنور والبيان‪،‬‬
‫والشفاء والرحمة لعباده‪ ،‬كما قال تعالى يخاطبهم « ﭽ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ‬
‫ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﭼ النساء‪ ١٧٤ :‬ﭽ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫‪1‬‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﭼ يونس‪»57 :‬‬

‫(‪ )1‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ ،‬مدخل لمعرفة اإلسالم‪ ،‬ص‪ ،137-133‬باختصار بسيط‪ ،‬ط‪1417 ،1‬هـ‪1996 ،‬م‪،‬‬

‫مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪-35-‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬اإلجيابية‬

‫الثقافة اإلسالمية تسلح أتباعها بالطاقة اإليجابية والتي تتمثل بالنظرة الفاعلة دون‬
‫التواني والعجز والكسل‪ ،‬فال مكان لليأس واإلحباط‪ ،‬فاإلسالم يحرص على ما‬
‫ويفيد في استمرارية الحياة ‪ ،‬يقول عليه الصالة والسالم‪ « :‬احرص على ما‬
‫ُ‬ ‫ينفع‬
‫ينفعك‪ ،‬وال تعجز‪ ،‬وإن أصابك شيء فال تقل لو أني فعلت لكان كذا وكذا ولكن‬
‫‪1‬‬
‫قل قدر الله وما شاء فعل‪ ،‬فإن لو تفتح عمل الشيطان»‬

‫ومن مظاهر االيجابية لهذه الثقافة أنها تدعو إلى األمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر‪ ،‬وهذه قاعدة عظيمة فهي صمام أمان للمجتمع مع انتشار الفساد وإحالل‬
‫الخير والصالح على المجتمع‪.‬‬

‫يقول سبحانه وتعالى ﭽ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬


‫ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ آل عمران‪.١٠٤ :‬‬

‫«ويوصي النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بالعمل؛ لعمارة الحياة حتى آخر‬
‫لحظة في عمر الدنيا ولو لم ينتفع أحد بثمرة العمل‪ ،‬ولكن احترام ًا لقيمة العمل‬
‫في ذاته عن أنس بن مالك قال قال النبي ‪« ‬إن قامت الساعة وفي يد أحدكم‬
‫‪2‬‬
‫فسيله‪ ،‬فإن استطاع أن ال تقوم حتى يغرسها فليغرسها فله بذلك أجر»‬

‫إن اإلسالم يرفض اإلتكالية المنهزمة التي نراها في قول أصحاب موسى له «‬

‫(‪ )1‬النيسابوري‪ ،‬أبو الحسين‪ ،‬مسلم‪ ،‬صحيح مسلم‪ ،‬تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬كتاب القدر ‪ ،‬باب األمر بالقوة‬
‫وترك العجز واالستعانة بالله وتفويض المقادير لله‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪ ، 2052‬رقم ‪2664‬‬

‫(‪ )2‬البخاري‪ ،‬محمد بن إسماعيل‪ ،‬األدب المفرد‪ ،‬تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬باب اصطناع المال ص ‪،168‬‬

‫ط‪1409 ،3‬هـ‪1989 ،‬م‪ ،‬دار البشائر اإلسالمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪-36-‬‬
‫ﭽ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭼ المائدة‪ ٢٤ :‬ولكن يريد‬
‫اإليجابية الفاعلة التي تتمثل في قول أصحاب النبي ‪ ‬اذهب أنت وربك فقاتال‬
‫‪1‬‬
‫إنا معكما مقاتلون‬
‫ً‬
‫ثاثلا‪ -:‬الوسطية واالعتدال‬
‫هذه الثقافة تقوم على االعتدال دون إفراط أو تفريط‪ ،‬كما يقال خير األمور الوسط‪،‬‬
‫واختار الله سبحانه وتعالى لهذه األمّة الوسطية‪ ،‬كي تكون شاهدة على سائر‬
‫األمم يقول سبحانه وتعالى‪ :‬ﭽﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭼ البقرة‪ ١٤٣ :‬يقول سيد قطب رحمه الله» وإنّها‬
‫لألمة الوسط بكل معاني الوسط سوآء من الوساطة بمعنى الحسن والفضل‪ ،‬أو من‬
‫الوسط بمعنى‪ :‬االعتدال والقصد‪ ،‬أو من الوسط بمعناه المادي الحسي‪ ،‬أمه وسط‬
‫في التصور واالعتقاد ال تعلوا في التجرد الروحي‪ ،‬وال في االرتكاس المادي وأمة‬
‫وسط ًا في التفكير والشعور ال تجمد على ما علمت‪ ،‬وتغلق منافذ التجربة والمعرفة‬
‫شعارها الدائم ‪ :‬الحقيقة ضآلة المؤمن أنّى وجدها أخذها في ثبت ويقين‪ ،‬أمّة‬
‫وسط ًا في التنظيم والتنسيق‪ ،‬فال تدع الحياة كلها للمشاعر والضمائر‪ ،‬وال تدعها‬
‫كذلك للتشريع والتأديب ‪ ،‬أمّة وسط ًا في االرتباطات والعالقات‪ ،‬ال تلغي شخصية‬
‫الفرد ومقوماته‪ ،‬وال تالشي شخصيته في شخصية الجماعة أو الدولة ‪ ،‬أمّة وسط ًا‬
‫في المكان فهي ‪ ،‬تتوسط أقطار األرض بين شرق وغرب ‪ ،‬جنوب وشمال‪ ،‬أمّة‬
‫وتحرس عهد الرشد العقلي‬
‫ُ‬ ‫وسط ًا في الزمان تنهي عهد طفولة البشرية من قبلها ‪،‬‬
‫من بعدها‪ ،‬وأمّة تلك وظيفتها‪ ،‬وذلك دورهما خليقة بأن تحتمل التبعية وتبذل‬

‫(‪ )1‬ابن هشام‪ ،‬السيرة النبوية في غزوة بدر الكبرى‪ ،‬استشارة النبي صلى الله عليه وسلم ‪ 205/2‬بوساطة كتاب‬

‫الشرقاوي‪ ،‬أحمد محمد وزميله عيسى‪ ،‬ابراهيم علي‪ ،‬مدخل الثقافة اإلسالمية ص ‪ ،52-51‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪-37-‬‬
‫التضحية‪ ،‬فللقيادة تكاليفها وللقوامه تبعاتها‪ ،‬وال بد أن تفتن قبل ذلك وتبتلى‬
‫‪1‬‬
‫ليتأ كد خلوصها لله وتجردها»‬

‫وروي عن علي ‪ ‬أنه قال» عليكم بالنمط االوسط فإليه ينزل العالي واليه يرتفع‬
‫‪2‬‬
‫النازل»‬

‫لذلك نجد أن اإلسالم نهى عن الغلو والتشدد في العبادة‪.‬‬

‫عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال‪-:‬‬

‫جاء ثالثة رهط إلى بيوت أزواج النبي ‪ ،‬يسألون عن عبادة النبي‪ ،‬فلما أخبروا‬
‫كأنهم تقآلوها ‪ ،‬فقالوا أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وقد غفر له ما‬
‫تقدم من ذنبه وما تأخر‪ ،‬قال أحدهم‪ :‬أما أنا فإني أصلي الليل أبد ًا‪ ،‬وقال آخر‪ :‬أنا‬
‫ّ‬
‫أصوم الدهر وال أفطر‪ ،‬وقال آخر‪ :‬أنا أعتزل النساء فال أتزوج أبد ًا‪.‬‬

‫فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله‬
‫إني ألخشاكم لله‪ ،‬وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر‪ ،‬وأصلي وأرقد‪ ،‬وأتزوج النساء ‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫فمن رغب عن سنتي فليس مني»‬

‫«والغرض هنا بيان ما جاءت به الحنيفية من مخالفة اليهود فيما أصابهم من القسوة‬
‫عن ذكر الله وعما أنزل من الهدى الذي به حياة القلوب ومخالفة النصارى فيما هم‬
‫عليه من الرهبانية المبتدعة وإن كان قد ابتلى بعض المنتسبين م ّنا إلى علم أو دين‬

‫(‪ )1‬قطب‪ ،‬سيد‪ ،‬في ظالل القرآن‪،‬م‪ ،1‬ص‪ ،132-131‬باختصار ط‪1425 ،35‬ﻫ ‪2005‬م‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‬
‫(‪ )2‬ابن عمر‪ ،‬أبو بكر‪ ،‬طبقات الشافعية‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪ ،291‬تحقيق الحافظ عبد الحليم خان‪ ،‬ط‪1407 ،1‬هـ‪ ،‬عالم‬
‫الكتب‪ ،‬بيروت‪ .‬رواه أبو عبيد في الغريب موقوف ًا عن علي‪.‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ ،‬محمد بن اسماعيل‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب الترغيب في النكاح‪ ،‬ج ‪،5‬ص‪1949‬‬

‫‪-38-‬‬
‫فيصيب من هذا أو من هذا ففيهم شبه بهؤالء وهؤالء‪ ،‬ومثل ما رواه ابن عباس‬
‫رضي الله عنه قال‪ -:‬قال رسول الله ‪‬غداة العقبة وهو على ناقته التقط لي حصى‬
‫ُ‬
‫فلقطت له سبع حصيات مثل حصى الخذف فجعل ينفضهن في كفه ويقول أيها‬
‫‪1‬‬
‫الدين ‪ ،‬فإنما هلك من قبلكم بالغلو في الدين »‬
‫الناس إياكم والغلو في ّ‬

‫عام في جميع أنواع الغلو في االعتقادات واألعمال‬


‫« وقوله إياكم والغلو في الدين َ‬
‫والغلو هو‪ :‬مجاوزة الحد بأن يزاد في حمد الشيء أو ذمه على ما يستحق ونحو ذلك‪.‬‬

‫وسبب هذا اللفظ العام رمي الجمار وهو داخل فيه فالغلو فيه؛ مثل رمي الحجارة‬
‫الكبار ونحو ذلك بنا ًء على أنه قد بالغ في الحصى الصغار‪ ،‬ثم علل ذلك بأن ما‬
‫‪2‬‬ ‫أهلك من كان قبلنا إ ّ‬
‫ال الغلو في الدين»‬
‫ً‬
‫رابعا‪ :‬اتلنوع‬

‫« ومن خصائص هذه الثقافة «التنوع»‪ ،‬فهي ليست مجرد ثقافة دينية الهوتية‪،‬‬
‫كما يتصور بعضهم‪ ..‬إنها ثقافة واسعة متنوعة‪ ،‬فيها الدين بفروعه المتعددة‪ ،‬واللغة‪،‬‬
‫واألدب‪ ،‬والفلسفة‪ ،‬والعلوم الطبيعية والرياضية‪ ،‬والعلوم اإلنسانية‪ ،‬والفنون المختلفة‪.‬‬

‫فيها فقه أبي حنيفة‪ ،‬وأصول الشافعي‪ ،‬وكالم األشعري‪ ،‬وتفسير الطبري‪ ،‬ورواية‬
‫البخاري‪ ،‬وأدب الجاحظ‪ ،‬ومعجم الخليل‪ ،‬ونحو سيبويه‪ ،‬وبالغة عبد القاهر‪ ،‬وطب‬
‫ابن سينا‪ ،‬وشعر المتنبي‪ ،‬ومقامات الحريري‪ ،‬وبصريات ابن الهيثم‪ ،‬ورياضيات‬

‫(‪ )1‬ابن ماجه‪ ،‬محمد بن يزيد‪ ،‬باب قدر حصي الرمي‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص‪.1008‬تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬دار الفكر‬

‫‪ ،‬بيروت‬

‫‪ )2‬ابن تيميه‪ ،‬أحمد الحراني‪ ،‬اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.106‬تحقيق محمد‬

‫الفقي‪ ،‬ط‪1369 ،2‬ﻫ‪ ،‬مطبعة السنة المحمدية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪-39-‬‬
‫البيروني‪ ،‬وتصوف الغزالي‪ ،‬وفلسفة ابن رشد‪ ،‬وتحليل ابن خلدون‪ ،‬وخط ابن‬
‫مقله‪ ،‬وألحان الموصلي‪ ،‬فيها ابن طفيل من األندلس‪ ،‬وابن حجر من مصر‪ ،‬وابن‬
‫الوزير من اليمن‪ ،‬والشيرازي من إيران‪ ،‬والزمخشري من خوارزم والبهلوي من الهند‪،‬‬
‫وجالل الدين الرومي من تركيا‪ ،‬فيها صالح أهل السلوك‪ ،‬وخالعة أهل البطالة‪،‬‬
‫فيها نهج البالغة وألف ليلة وليلة‪ ،‬فيها زهديات أبي العتاهية‪ ،‬وخمريات أبي‬
‫نواس‪ ،‬فيها سلفية ابن تيمية‪ ،‬وصوفية ابن عربي‪ ،‬فيها ظاهرية ابن حزم‪ ،‬ومقاصدية‬
‫الشاطبي‪ ،‬فيها عقالنية الفالسفة‪ ،‬والتزام الفقهاء‪ ،‬فيها اجتهاد المجدين‪ ،‬وتزمت‬
‫المقلدين‪ ،‬فيها الفرق المختلفة من أهل الم ّلة‪ ،‬والفرق المنشقة عن الم ّلة فيها‬
‫الكتب المقروءة التي امتألت بها المكتبات‪ ،‬والصور المشهودة التي ازدانت بها‬
‫الجوامع والمدارس والعصور»األموي في دمشق‪ ،‬والحمراء في األندلس‪ ،‬واألزهر‬
‫‪1‬‬
‫في مصر‪ ،‬والسلطان أحمد في استنابول‪ ،‬وتاج محل في الهند»‬

‫ً‬
‫خامسا‪ :‬اثلبات‬
‫الثبات في اإلسالم أو الحركة داخل إطار ثابت حول محور ثابت‪ ،‬انبثق من‬
‫ليس نتاج‬
‫َ‬ ‫الخاصية األساسية للتصوّر اإلسالمي‪ -‬خ ّاصية الربانية‪ -‬فاإلسالم‬
‫فكر بشري‪ ،‬وال بيئة معينة‪ ،‬وال فترة من الزمن خآصة‪ ،‬هناك ثبات في مقومات‬
‫تتغير وال تتطوّر حينما تتغير ظواهر‬
‫ّ‬ ‫هذا التصوّر األساسية‪ ،‬وقيمة ذاتية‪ ،‬فهي ال‬
‫التغير في ظواهر الحياة وأشكال‬
‫ّ‬ ‫الحياة الواقعية‪ ،‬وأشكال األوضاع العلمية فبهذا‬
‫ّ‬
‫يظل محكوم ًا بالمقومّات والقيم الثابتة لهذا التصوّر‪ ...‬ومن الحقائق‬ ‫األوضاع‪،‬‬
‫األساسية الثابتة وغير قابلة للتغيير والتطوير حقيقة وجود الله‪ ،‬وسر وحدانيته‪،‬‬
‫أن اإليمان‬
‫وحقيقة أن الكون من خلق الله وإبداعه‪ ،‬وحقيقة العبودية‪ ،‬وحقيقة ّ‬

‫(‪ )1‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ ،‬الثقافة العربية اإلسالمية بين االصالة والمعاصرة‪ ،‬ص‪ ،30‬مرجع سابق‬

‫‪-40-‬‬
‫أن اإلنسان‬
‫أن الدين عند الله اإلسالم‪ .‬وحقيقة ّ‬
‫شرط لصحة األعمال وحقيقة ّ‬
‫أن‬
‫أن الناس من أصل واحد‪ ،‬وحقيقة ّ‬
‫مخلوق مك ّرم على سائر الخالئق‪ ،‬وحقيقة ّ‬
‫غاية الوجود اإلنساني هي العبادة لله‪ ،‬وحقيقة أن الدنيا دار ابتالء وعمل وأن‬
‫اآلخرة دار حساب وجزاء»‪.1‬‬

‫«والنوع الثاني من األحكام يتصف بالمرونة واإلتساع حيث يخضع لظروف الزمّان‪،‬‬
‫وتغير األعراف والعادات التي تعتبر المصلحة تابعة لها‪ ،‬لذلك‬
‫ّ‬ ‫والمكان‪ ،‬واألحوال‬
‫مرنة تستمد منها مناهجه شريطة أن ال تتناقض مع األحكام‬
‫وضع اإلسالم قواعد ِ‬
‫الشرعية العآمة الثابتة‪ ،‬وأن تكون متفقة مع اإلطار العام للفكر اإلسالمي وقد فتحت‬
‫الشريعة اإلسالمية مجال االجتهاد أمام العقل؛ الستخراج األحكام الشرعية بطريق‬
‫سد ذرائع الفساد وفق‬
‫القياس‪ ،‬أو االستحسان‪ ،‬أو العرف‪ ،‬أو المصالح المرسلة‪ ،‬أو ّ‬
‫‪2‬‬
‫شروط بينها العلماء وأقاموا لها علم ًا خاص ًا يُسمى علم أصول الفقه»‬

‫« وللجمع بين الثبات والمرونة نذكر المثال اآلتي ‪-:‬‬

‫الشورى فقد أمر القرآن الكريم بالشورى « وشاورهم في األمر « آل عمران ‪ 159:‬وتبدو‬
‫المرونة في الشورى أنه لم يجعل لها أسلوبا واحدا ومحددا وشكال خاصا ال محيد عنه‬
‫‪3‬‬
‫بل ترك تحديد ذلك لرأي الحاكم المسلم »‬

‫(‪ )1‬قطب‪ ،‬سيد‪ ،‬خصائص التصوّر اإلسالمي ومقوماته‪ ،‬ص‪ ،89-85‬ط‪1400 ،7‬هـ‪1980 ،‬م‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهره‪.‬‬

‫(‪ )2‬د‪ .‬أبو يحيى‪ ،‬محمد‪ ،‬وزمالؤه‪ ،‬نظام اإلسالم‪ ،‬ص‪ ،26‬مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪ )3‬السيد ‪ ,‬عزمي طه ‪ ,‬وزمالؤه ‪ ,‬الثقافة اإلسالمية ‪ ,‬ص ‪ 142‬ط‪ ,1996 , 1‬دار المناهج للنشر والتوزيع‬

‫‪-41-‬‬
-42-
‫الوحدة اثلاثلة‬

‫أهم مصادر اثلقافة اإلسالمية‬

‫املصدر األول‪ :‬القرآن الكريم‬

‫« المصادر تعني‪ :‬األسس واألصول التي تقيم عليها األمم عقيدتها وشريعتها‬
‫تستمد منها ثقافتها‪ ،‬والتي‬
‫ُ‬ ‫وفكرها وقيمها ومبادئها وأصل وجودها‪ ،‬والمنابع التي‬
‫تنتج نمط ًا معين ًا من السلوك الثقافي في حياة األمم‪ ،‬فإذا انفصلت الثقافة عن‬
‫المصادر واألصول‪ ،‬فقدت األمّة هويتها‪ ،‬واضطربت مفاهيمها‪ ،‬واهتزت شخصيتها‬
‫‪1‬‬
‫ومقوماتها ومالمحها التي تنفرد بها‪ ،‬وصارت تبع ًا لغيرها»‬

‫وأعجبني ما ذهب إليه البعض بالتفريق ما بين المصادر للثقافة اإلسالمية وال ّروافد‪،‬‬
‫فالمصادر هي‪« :‬ال ّنص الشرعي‪ ،‬وهو وحي من الله تعالى مثل القرآن الكريم‬
‫تساعد على فهم ال ّنص الشرعي وتطبيقه‬
‫ُ‬ ‫والس ّنة النبوية‪ ،‬وال ّروافد‪ :‬هي العلوم التي‬
‫على الواقع مثل‪ :‬اللغة العربية‪ ،‬والتاريخ اإلسالمي» ‪.2‬‬

‫والقرآن الكريم هو وحي من الله سبحانه وتعالى أنزله على سيدنا محمد ‪ ‬وهو‬
‫آخر الكتب السماوية فعن علي ‪ ‬عن النبي ‪‬بشأنه‪ « :‬فيه نبأ ما قبلكم‪ ،‬وخبر‬
‫جبار قصمه‬
‫ليس بالهزل‪ ،‬من تركه من ّ‬
‫َ‬ ‫ما بعدكم‪ ،‬وحكم ما بينكم‪ ،‬هو الفصل‬
‫الله‪ ،‬ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله‪ ،‬وهو حبل الله المتين‪ ،‬وهو الصراط‬
‫المستقيم‪ ،‬وهو ّ‬
‫الذكر الحكيم‪ ، ،‬وهو الذي لم تنته الجن ْ‬
‫إذ سمعته أن قالوا‪ :‬ﭽﭚ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭼ الجن‪.3»٢ – ١ :‬‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬شهوان‪ ،‬راشد‪ ،‬مذكرة في الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ص‪ ،23‬بوساطة كتاب الثقافة اإلسالمية‪ ،‬د‪ .‬أبو يحيى وآخرون‪ ،‬محمد‪ ،‬ص‪.63‬‬

‫(‪ )2‬د‪ .‬نوفل‪ ،‬ومالؤه‪ ،‬الثقافة اإلسالمية وقضايا العصر‪ .53 ،‬خالصة حكم المحدث إسناده مجهول‪.‬‬
‫(‪ )3‬الترمذي‪ ،‬أبو عيسى‪ ،‬السنن‪ ،‬ص أو الرقم ‪ ،2966‬الدرر الس ّنية‪ ،‬خالصة حكم المحدث إسناده مجهول‪.‬‬

‫‪-43-‬‬
‫« وللقرآن الكريم أسماء كثيرة ذكرها بعض العلماء بخمس ٍة وخمسين اسم ًا ومنها‪:‬‬

‫‪ -1‬الكتاب كما في قوله سبحانه‪ :‬ﭽ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ‬


‫ﯩ ﭼ األنبياء‪ .١٠ :‬وتسميته بالكتاب‪ :‬فلجمعه أنواع العلوم والقصص واألخبار‬
‫على أبلغ وجه‪.‬‬

‫‪ -2‬القرآن‪ :‬ﭽ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ اإلسراء‪ ٩ :‬وسمي قرآن ًا لكونه؛ جمع ثمرات‬
‫الكتب السابقة الم ّنزلة‪ ،‬وقيل؛ ألنه جمع أنواع العلوم ك ّلها‪.‬‬

‫‪ -3‬الفرقان‪ :‬ﭽ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ‬
‫الفرقان‪ ١ :‬وسمي بذلك فألنه ف ّرق بين الحق والباطل‪.‬‬

‫‪ -4‬الذكر‪ :‬ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ الزخرف‪ ،٤٤ :‬أي‪:‬‬


‫شرف‪ ،‬ألنّه بلغتهم‪.‬‬

‫ألن فيه بالغة وكفاية‬


‫‪ -5‬البالغ‪ :‬فأنه أبلغ به ال ّناس ما أمروا به ونهوا عنه‪ ،‬أو‪ّ :‬‬
‫ُ‬
‫سمعت أبا الكرم‬ ‫عن غيره‪ ،‬قال السلفي‪ « :‬أحمد بن محمد‪ :‬في بعض أجزائه‪:‬‬
‫النحوي يقول‪ :‬سمعت أبا القاسم التنوخي يقول‪ -:‬سمعت أبا الحسن ال ّرماني‬
‫سئل‪ّ :‬‬
‫كل كتاب له ترجمة (عنوان) فما ترجمة كتاب الله؟ فقال‪ :‬ﭽ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫ ﯬ ﭼ إبراهيم‪.1 ”٥٢ :‬‬

‫وتعريف القرآن الكريم‪« :‬هو الكالم المعجز المنزل على النبي ‪ ،‬المكتوب في‬

‫(‪ )1‬السيوطي‪ ،‬جالل الدين‪ ،‬اإلتقان في علوم القرآن‪ ،‬ص‪ ،117-115‬تحقيق شعيب األرنؤط‪ ،‬ط‪1429 ،1‬ه‪،‬‬
‫‪2008‬م‪ ،‬مؤسسة الرسالة ناشرون‪ ،‬دمشق‬

‫‪-44-‬‬
‫المصاحف‪ ،‬المنقول عنه بالتواتر‪ ،‬المتعبد بتالوته»‪ 1‬والقرآن الكريم‪ :‬محفوظ‬
‫تعهد الله بحفظه يقول سبحانه‪ :‬ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﭼ الحجر‪٩:‬‬

‫أن القرآن الكريم قامت له في أوّل العهد دولة تنشره‬


‫«ومن أهم أسباب الحفظ ّ‬
‫وتدعو إليه وتمد نوره وبساطه‪ ،‬وهذا بخالف ما لو كانت الدولة الموجودة القائمة‬
‫السالم‪،‬‬
‫السيد المسيح عليه ّ‬
‫ّ‬ ‫تطارد حملته كما كانت الدولة الرومانية تطارد أتباع‬
‫فصاروا يخفون نسخهم‪ ،‬ف ّلما أرادوا بعد عهود أن يكتبوا اإلنجيل استعانوا ببقايا‬
‫ّ‬
‫الذاكرة وما تناقله التالميذ واحد ًا عن واحد‪ ،‬فدخله من هذه الناحية كثي ٌر من‬
‫ال ّنقص ‪ ،‬أمّا القرآن فقد جمعه أبو بكر ‪ ‬بعد ستة أشهر من موت النبي ‪ ،‬وما‬

‫وجد أوراق ًا بال غالف يجمعها في جلد وغالف واحد‪ّ ،‬‬


‫ثم‬ ‫َ‬ ‫جمعه إ ّ‬
‫ال بمثابة من‬
‫تتابعت النسخ في األمصار وتكاثرت الكتب‪ ،‬والحفظة كثر يستحيل معها أن يقع‬
‫تحريف أو تزييف‪ ،‬ومن هنا يستطيع المسلم أن يبني وجوده على أساس أمكن‬
‫أن بين يديه أصدق وثيقة على وجه األرض وعبر الزّمان‪،‬‬
‫من الصخر ‪ ،‬وأن يعتقد ّ‬
‫‪2‬‬
‫وهذه ميزة للثقافة اإلسالمية ببقاء مصدرها وثبوت ذلك بالقطع»‬

‫والقرآن هو معجزة الرسول ‪ ‬الخالدة‪ ،‬فكانت معجزته بيانية عقلية على خالف‬
‫حسية على‬
‫ّ‬ ‫معجزات األنبياء السابقين عليهم السالم جميع ًا والتي كانت معجزات‬
‫ما اشتهر به كل قوم؛ فكانت المعجزة تحاكي الواقع الموجود فتحداهم القرآن‬
‫أن يأتوا بسورة‪ ،‬أو بعشر سور‪ ،‬أو بالقرآن الكريم كام ً‬
‫ال ولكنهم لم يستطيعوا وأنّى‬
‫لهم ذلك‪.‬‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬زرزور‪ ،‬عدنان‪ ،‬علوم القرآن‪ ،‬ص‪ ،46‬ط‪1404 ،2‬ه‪1984 ،‬م‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫(‪ )2‬د‪ .‬نوفل‪ ،‬أحمد‪ ،‬وآخرون‪ ،‬في الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.22-21‬‬

‫‪-45-‬‬
‫وجوه إعجاز القرآن‪:‬‬

‫ُّ‬
‫يدل على تصديق الله تعالى للمدعي‬ ‫المعجزة اصطالح ًا‪ :‬هي أمر خارق للعادة‬
‫في دعواه الرسالة‪ ،‬أو هي تأييد الله تعالى مدعي النبوة بما يؤيد دعواه لتصديق‬
‫‪1‬‬
‫المرسل إليهم»‬

‫«معنى إعجاز القرآن عجز الناس عن اإلتيان بمثله‪ ،‬فكلمة إعجاز مصدر وإضافتها‬
‫فكأن التقدير‪ :‬أعجز القرآن ال ّناس أن‬
‫ّ‬ ‫إلى القرآن من إضافة المصدر إلى فاعله‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫يأتوا بمثله»‬

‫أن هذا القرآن الكريم بليغ وأنه‬


‫ولقد أدرك العرب بفطرتهم السليمة وصفاء القريحة ّ‬
‫ليس بكالم بشر وأنّه من عند الله سبحانه وتعالى‪ :‬روى البيهقي في دالئل النبوة‬

‫«أن أبا جهل بن هشام‪ ،‬وأبا سفيان بن حرب‪ ،‬واألخنس بن شريق كانوا يتواصون‬
‫ّ‬
‫أال يستمعوا لهذا القرآن ويحذرون ال ّناس أن يميلوا إلى سحره‪ ،‬ولك ّنهم تحت‬
‫تأثيره ال يستطيعون مقاومته كانوا يتسل ّلون تحت جنح الظالم إلى حيث يستمعون‬
‫إلى النبي ‪ ‬وهو يقرؤه في الكعبة فإذا انصرفوا بعد القراءة تالقوا في الطريق‬
‫ال يعودوا؛ وذلك خوف ًا من أن يقتدي بهم المأل‬
‫فأخذوا يتالومون ويتعاهدون أ ّ‬

‫من قريش‪ ،‬وفي الليلة الثالثة اجتمعوا وتالقوا مستنكرين‪ ،‬ف ّلما كان الصباح ذهب‬
‫األخنس بن شريق إلى أبي سفيان‪ ،‬فقال له‪ :‬لقد سمعت أشياء أعرفها وأعرف ما‬
‫ثم انصرف إلى أبي جهل؛ ليسأله عما‬
‫يراد منها‪ ،‬فقال األخنس‪ -:‬وأنا كذلك‪ّ ،‬‬
‫سـأله أبو سفيان‪ ،‬فقال أبو جهل في غيظ‪ :‬تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف‪:‬‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬عباس‪ ،‬فضل حسن‪ ،‬محاضرات في علوم القرآن‪ ،‬ص‪ ،54‬ط‪1427 ،1‬ه‪2007 ،‬م‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬األردن‪.‬‬

‫(‪ )2‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪.55‬‬

‫‪-46-‬‬
‫أطعموا فأطعمنا‪ ،‬وحملوا فحملنا‪ ،‬وأعطوا فأعطينا! حتى إذا تجاثينا على ال ّركب‪،‬‬
‫السماء‪ ،‬فمتى ندرك هذه؟‬
‫ّ‬ ‫وك ّنا كفرسي رهان‪ ،‬قالوا‪ :‬م ّنا نبي يأتيه الوحي من‬
‫‪1‬‬
‫والله ال نسمع إليه وال نصدقه»‬

‫جوانب «وجوه» اإلعجاز يف القرآن الكريم‪:‬‬

‫« ‪ -1‬اإلعجاز البياني واللغوي‪:‬‬

‫وهذا اإلعجاز كان مفصل اإلعجاز حيث تحدى القرآن الكريم العرب به‪ ،‬فالعرب‬
‫اشتهروا بالبالغة والفصاحة وقد عجز العرب عن معارضته ومن يأتي من بعدهم‬
‫من باب أولى ال يستطيع‪.‬‬

‫‪ -2‬اإلعجاز الغيبي‪:‬‬

‫وهي األخبار التي ذكرها القرآن الكريم وتشمل‪:‬‬

‫أ‪ -‬غيب الماضي‪ :‬ما ذكره القرآن الكريم عن قصص السابقين وأحوال األمم‬
‫الغابرة‪.‬‬

‫ب‪ -‬غيب الحاضر‪ :‬كإخبار القرآن الكريم عن المنافقين وعن المالئكة وغيرهم‪.‬‬

‫ج‪-‬اإلخبار عن المستقبل والتي وقعت كما في قوله سبحانه‪ :‬ﭽ ﮭ ﮮ‬


‫ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﭼ الروم‪ ٣ – ٢ :‬وقوله‬
‫سبحانه‪ :‬ﭽ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﭼ القمر‪ ٤٥ :‬وما أخبر عنه من عالمات‬
‫الساعة منها ما حصل ومنها لم يتحقق بعد‪.‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ ،‬البيهيقي‪ ،‬دالئل النبوة‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،206‬مؤسة البراق‪ ،‬وانظر‪ ،‬ابن اسحاق‪ ،‬محمد‪ ،‬سيرة ابن اسحاق‪ ،‬ج‪،4‬‬
‫ص‪ ،170‬تحقيق محمد حميد الله‪ ،‬معهد الدراسات واألبحاث للتعريف‪.‬‬

‫‪-47-‬‬
‫‪ -3‬اإلعجاز العلمي‪:‬‬

‫ويقصد به‪« :‬ما تضمنه القرآن من إرشادات ودالالت على «حقائق علمية» كانت‬
‫مجهولة لل ّناس في وقت نزول القرآن‪ ،‬وتعتبر سابقة لعصرها‪ ،‬وال يتصور أن تصدر‬
‫من رسول أمي في بيئة أمية وفي عالم ال يعرف عن هذه الحقائق شيئ ًا‪.‬‬

‫وأكثر من اهتم بهذا اللون من اإلعجاز‪ :‬هم علماء الكون والحياة من الطبيعيين‬
‫والبيولوجيين وال ّرياضيين وأمثالهم‪ ،‬وبعضهم وصل إلى نتائج مقبولة وثمرات‬
‫‪1‬‬
‫طيبة»‬

‫ومثال ذلك ما ورد من آيات قرآنية تتعلق بمراحل خلق اإلنسان يقول سبحانه‪:‬‬
‫ﭽﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫ﮦﮧﮨﮩﮪﮫ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﭼ المؤمنون‪١٤ – ١٢ :‬‬

‫«يقول البروفيسور يوشيوري كوزات مدير مرصد طوكيو في أوصاف الجنين «ال‬
‫أن القرآن كالم الله؛ فإن أوصاف الجنين في القرآن ال‬
‫أجد صعوبة في قبول ّ‬
‫يمكن بناؤها على المعرفة العلمية للقرن السابع ‪،‬االستنتاج الوحيد المعقول هو‬
‫مقدم‬
‫ّ‬ ‫أن هذه األوصاف قد أوحيت إلى محمد ‪ ،»‬ويقول هنري ديك استري‬
‫ّ‬
‫«إن العقل يحتار كيف يتأتى أن تصدر تلك اآليات‬
‫ّ‬ ‫سابق في الجيش الفرنسي‬
‫عن رجل أمي‪ ،‬وقد اعترف الشرق قاطبة بأنها آيات يعجز فكر بني اإلنسان‬
‫عن اإلتيان بمثلها لفظ ًا ومعنى» وتقول الصحفية األمريكية ديبورا بوتر «كيف‬
‫استطاع محمد ال ّرجل األمي الذي نشأ في بيئة الجاهلية أن يعرف معجزات الكون‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ ،‬كيف نتعامل مع القرآن‪ ،‬ص‪ ،40‬ط‪2007 ،6‬م‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪-48-‬‬
‫التي وصفها القرآن الكريم‪ ،‬والتي ال يزال العلم الحديث حتى يومنا هذا يسعى‬
‫‪1‬‬
‫البد إذن أن يكون هذا الكالم هو كالم الله ع ّز وجل»‬
‫ّ‬ ‫الكتشافها‪،‬‬

‫‪ -4‬اإلعجاز التشريعي‪:‬‬

‫لقد حوى هذا القرآن من التوجيهات والتشريعات التي استطاعت تنظيم حياة‬
‫ال ّناس وحققت السؤدد والرفعة واألمن في تاريخ الحضارة اإلسالمية على وجه‬
‫العموم يقول سبحانه‪ :‬ﭽ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭼ اإلسراء‪٩ :‬‬

‫«واقتضت مشيئة الله وحكمته أن ينزل القرآن الكريم وقد م ّر على القانون‬
‫مرجع البالد المتمدنة وقد بلغ من اإلصالح والتهذيب‪،‬‬
‫َ‬ ‫كان‬
‫َ‬ ‫الروماني‪ ،‬الذي‬
‫فكان نتيجة إصالحات لكبار الفالسفة ورجال العلم والقانون واالجتماع مدة‬
‫ثالثة عشر قرن ًا‪ ،‬ابتداء من سنة سسبعمائة وأربعة وأربعين قبل الميالد إلى سنة‬
‫خمسمائة وثالث وثالثين ميالدية في عهد «جوستنيان» فكان القرآن كذلك‬
‫‪2‬‬
‫معجزة تشريعية؛ ليتحدى القوانين والفلسفة والفالسفة كما تحدى القويين»‬

‫«إن الغربيين والمستشرقين وكثير ًا من المصلحين يعتمدون بطريقة مباشرة أو غير‬


‫مباشرة على المبادئ اإلسالمية من أجل حل بعض المشكالت الطارئة‪ ...‬ومن‬
‫النماذج على اإلعجاز التشريعي‪-:‬‬

‫‪ -1‬تشريع العقوبات التي تبدو شديدة في ظاهرها‪ ،‬لك ّنها رحمة لإلنسان وأمن‬
‫للمجتمع في واقع األمر‪.‬‬

‫‪ -2‬كيف حل اإلسالم مشكلة ال ّرق التي عانت منها البشرية بينما لم ينته الرق في‬
‫الغرب إال حديث ًا‪ ،‬وما زالت آثاره بينة في بعض ّ‬
‫الدول‪.‬‬
‫(‪ )1‬اإلعجاز في القرآن والس ّنة ‪http:www.path-2-hap‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬عباس‪ ،‬فضل حسن‪ ،‬محاضرات في علوم القرآن‪ ،‬ص‪ ،68 ،‬مرجع سابق‬

‫‪-49-‬‬
‫‪ -3‬النظام الرائع للميراث‪ :‬وقد فصله الله في آيات ثالث فقط‪ ،‬ولك ّنه أعطى كل‬
‫إنسان من الورثة حقه‪ ،‬وفق تشريع دقيق عادل‪ ،‬عجزت األنظمة الوضعية ك ّلها عن‬
‫أن تصل إليه‪ ،‬وتزيل الضغائن من النفوس‪.‬‬

‫‪ -4‬أن بعض المصارف اليوم في الغرب أخذت نظام المصارف اإلسالمية في‬
‫‪1‬‬
‫تعامالتها بدل نظامها الربوي‪.‬‬

‫ّ‬
‫املصدر اثلاين‪ :‬السنة انلبوية‬

‫تعتبر الس ّنة النبوية المصدر الثاني للثقافة اإلسالمية وهي في أصلها وحي غير متلو‬
‫يقول سبحانه‪ :‬ﭽ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭼ النحل‪ ٤٤ :‬ويقول سبحانه‪ :‬ﭽ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬
‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﭼ النحل‪ ٦٤ :‬فتبين هذه‬
‫أن وظيفة الرسول ‪ ‬هي وظيفة البيان لكتاب الله عز وجل بالقول والفعل‪.‬‬
‫اآليات ّ‬

‫تعريف السنة انلبوية‪:‬‬

‫«الس ّنة‪ :‬ما أضيف إلى النبي ‪ ‬من قول أو فعل أو تقرير» والحديث أعم من الس ّنة‬
‫فالحديث‪« :‬ما أضيف إلى رسول الله ‪ ‬من قول‪ ،‬أو فعل أو تقرير‪ ،‬أو صفة من‬
‫صفاته»‪.‬‬

‫فيتناول الحديث صفات النبي ‪ ‬من حيث لونه‪ ،‬وجسمه‪ ،‬وشعره‪ ،‬وطوله‪ ،‬وصفاته‬
‫«الخ ْل ِق ّية» مما يعتريه من السقم والصحة»‪2‬‬
‫َ‬ ‫الجبلية‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬نوفل‪ ،‬أحمد‪ ،‬وزمالؤه‪ ،‬الثقافة اإلسالمية وقضايا العصر‪ ،‬ص‪.67‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬الصالح‪ ،‬محمد أديب‪ ،‬لمحات في أصول الحيث‪ ،‬ص‪ ،32 ،28‬ط‪1418 ،6‬هـ‪1997 ،‬م‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪،‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪-50-‬‬
‫‪ -1‬الحديث القولي ومثله ما رواه ابن عمر ‪ ،‬عن النبي ‪ ‬قال‪« :‬المسلم من‬
‫سلم المسلمون من لسانه ويده‪ ،‬والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» ‪.1‬‬
‫يصف فيه أحد الصحابة فع ً‬
‫ال من أفعال النبي‬ ‫ُ‬ ‫‪ -2‬الحديث الفعلي‪ :‬وهو حديث‬
‫‪ ‬ومثله ما رواه ابن عباس ‪ ،‬قال‪« :‬توضأ النبي ‪ ‬م ّرة م ّرة» ‪.2‬‬

‫‪ -3‬الحديث التقريري‪ :‬وهو أن يرى النبي ‪ ‬صحابي ًا مث ً‬


‫ال يفعل شيئ ًا أو يسمعه أو‬
‫يقول قو ً‬
‫ال فال ينكر عليه بل يسكت‪ ،‬أو يقول له ال بأس‪ ،‬أو ال حرج‪ ،‬أو ما شابه‬
‫ذلك ومثله ما رواه أبو سعيد الجذري قال نزل أهل قرنطة على حكم سعد بن معاذ‬
‫بأن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذريتهم‪ ،‬فقال النبي ‪« : ‬قضيت بحكم الله» ‪ 3‬فقد أمر‬
‫النبي ‪ ‬سعد بن معاذ على حكمه‪.‬‬

‫‪ -4‬الصفة الخلقية‪ :‬وهي ما يتعلق بأخالقه ‪ ‬الحميدة وشمائله الكريمة مثل ما‬
‫روته أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها‪ ،‬قالت‪« :‬وما انتقم رسول الله ‪‬‬
‫‪4‬‬
‫لنفسه إال أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله»‬

‫فقد ذكرت أم المؤمنين رضي الله عنها خلق العفو عند رسول الله ‪ ‬في حقوقه‬
‫الشخصية‪ ،‬وأنه لم يكن يعفو ولم يكن يتسامح في حقوق الله تعالى‪.‬‬

‫‪ -5‬الصفة الخلقية‪ :‬وهي تتحدث عن خلقه النبي ‪ ‬مما ليس له فيه إرادة‪،‬‬
‫كالطول واللون‪ ،‬وتقاسيم الوجه مثل ما رواه أنس بن مالك ‪ ،‬قال‪« :‬كان رسول‬
‫وليس باآلدم‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫بالطويل البائن وال بالقصير‪ ،‬وال باألبيض األمهق‪،‬‬ ‫الله ‪ ‬ليس‬
‫‪6 5‬‬
‫بالسبط»‬
‫وليس بالجعد القطط وال ّ‬
‫َ‬
‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬محمد بن اسماعيل‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب المسلم من سلم المسلمون‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.13‬‬

‫(‪ )2‬البخاري‪ ،‬محمد بن اسماعيل‪ ،‬كتاب الوضوء‪ ،‬باب الوضوء م ّرة م ّرة‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪.70‬‬

‫(‪ )3‬النيسابوري‪ ،‬مسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب الجهاد والسير‪ ،‬باب جواز قتال من نقض العهد‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.1388‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ ،‬محمد بن اسماعيل‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب المناقب‪ ،‬باب صفة النبي ‪ ،29 ،‬ج‪ ،3‬ص‪.1306‬‬
‫(‪ )5‬البخاري‪ ،‬محمد اسماعيل‪ ،‬كتاب اللباس‪ ،‬باب الجعد‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.2260‬‬
‫(‪ )6‬د‪ .‬الصوا‪ ،‬علي‪ ،‬وزمالؤه‪ ،‬ص‪ ،230-229‬كتاب العلوم اإلسالمية‪ ،‬وزارة التربية والتعليم األردنية‪ ،‬ط‪1417 ،1‬هـ‪1996 ،‬م‪.‬‬

‫‪-51-‬‬
‫أقسام السنة انلبوية‪:‬‬

‫«تنقسم الس ّنة من حيث سندها وعدد رواتها إلى قسمين‪-:‬‬

‫أ‪ -‬سنة متواترة‪ :‬وهي التي رواها جمع غفير يستحيل تواطؤهم على الكذب من‬
‫مبدأ السند حتى منتهاه‪ ،‬وتفيد العلم اليقيني وتوجب العمل‪.‬‬

‫ب‪ -‬سنة آحاد وتنقسم هذه إلى ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪ -1‬المشهورة‪ :‬وهي التي رواها عدد محصور ثالثة فأ كثر دون أن تصل‬
‫إلى حد التواتر‪.‬‬

‫‪ -2‬العزيز‪ :‬ما رواه اثنان عن اثنين في أغلب حلقات الس ّند‪.‬‬

‫واحد فقط‪ ،‬وك ّلها تفيد العلم الظ ّني وال تثبت‬
‫ٍ‬ ‫راو‬
‫‪ -3‬الغريب‪ :‬ما رواه ٍ‬
‫إ ّ‬
‫ال بأحد أمرين‪:‬‬

‫أ‪ .‬صدق الناقلين‬

‫ب‪ .‬سالمتها من أسباب الضعف كاالنقطاع واإلرسال والتدليس‬


‫ونحو ذلك»‪.1‬‬

‫ّ‬
‫مبادئ أساسية للتعامل مع السنة‪:‬‬

‫‪ -1‬اإلستيثاق من ثبوت الس ّنة‪ :‬أن يستوثق من ثبوت الس ّنة وصحتها‪ ،‬حسب‬
‫الموازين العلمية الدقيقة التي وضعها األئمة األثبات‪ ،‬والتي تشمل السند والمتن‬
‫ال‪ ،‬أم فع ً‬
‫ال‪ ،‬أم تقرير ًا‪ ،‬ومجال ذلك هو علم مصطلح‬ ‫جميع ًا وسواء أكانت الس ّنة قو ً‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬سعيد‪ ،‬همام‪ ،‬وآخرون‪ ،‬الوجيز في الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.54‬‬

‫‪-52-‬‬
‫الحديث وهو بمنزلة علم أصول الفقه للفقه وهو في الواقع مجموعة من العلوم بلغ‬
‫بها العالمة ابن الصالح في مقدمته الشهيرة «‪ »65‬نوع ًا وزاد عليها من بعده حتى‬
‫أوصلها الحافظ السيوطي في «تدريب ال ّراوي على تقريب النواوي‪ ،‬إلى ‪ 93‬نوع ًا‪.‬‬

‫‪ -2‬حسن الفهم للس ّنة النبوية‪ :‬فيحسن فهم ال ّنص النبوي‪ ،‬وفق دالالت اللغة‪،‬‬
‫وفي ضوء سياق الحديث‪ ،‬وسبب وروده‪ ،‬وفي ظالل النصوص القرآنية والنبوية‬
‫األخرى‪ ،‬وفي إطار المبادئ العآمة‪ ،‬والمقاصد الكلية لإلسالم مع ضرورة التمييز‬
‫بين ما جاء منها على سبيل تبليغ الرسالة‪ ،‬وما لم يجي كذلك من الس ّنة ما كان‬
‫تشريع ًا ومنها ما ليس بتشريع‪.‬‬

‫فإن‬
‫والدوام وما له صفة الخصوص أو التأقيت ّ‬
‫ّ‬ ‫وما كان من التشريع له صفة العموم‬
‫‪1‬‬
‫من أسوأ اآلفات في فهم الس ّنة خلط أحد القسمين باآلخر»‬

‫«والس ّن ُة التي ال يرادُ بها التشريع‪ ،‬وهو واقع‪ ،‬كما ّ‬


‫دل على ذلك حديث تأبير ال ّنحل‬
‫‪2‬‬
‫في قوله ‪« :‬أنتم أعلم بأمر دنياكم»‬

‫أن من األحاديث‪ ،‬ما جاء في أمور المعيشة والحياة على سبيل‬ ‫ُّ‬
‫يدل على ّ‬ ‫فهذا‬
‫الرأي‪ ،‬ال على سبيل التبليغ عن الله‪.‬‬

‫«والس ّنة التي يرادُ بها التشريع العام والدائم‪ ،‬والتي ال يراد بها ذلك أي تمييز ما‬
‫صدر عن الرسول ‪ ‬بوصفه قاضي ًا على الناس كما بين ذلك اإلمام القرافي في‬
‫‪3‬‬
‫كتابه الفروق»‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ ،‬كيف نتعامل مع الس ّنة النبوية‪ ،‬ص‪ ،45-44‬ط‪1427 ،4‬هـ‪2006 ،‬م‪ ،‬دار الشروق‪.‬‬
‫(‪ )2‬النيسابوري‪ ،‬مسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب الفضائل‪ ،‬باب وجوب امتثال ما قاله شرع ًا دون ما ذكره ‪ ‬من معايش الدنيا‬
‫على سبيل الرأي‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.1835‬‬
‫(‪ )3‬د‪ .‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ ،‬تيسير الفقه للمسلم المعاصر‪ ،‬ص‪ ،66-65‬ط‪1422 ،1‬هـ‪2001 ،‬م‪ ،‬مؤسسة الرسالة‬
‫ناشرون‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪-53-‬‬
‫‪ -3‬سالمة ال ّنص النبوي من معارض أقوى‪ :‬أن يتأ كد من سالمة ال ّنص من معارض‬
‫أقوى منه‪ ،‬من القرآن الكريم‪ ،‬أو أحاديث أخرى أوفر عدد ًا‪ ،‬أو أصح ثبوت ًا أو أوفق‬
‫باألصول وأليق بحكمة التشريع‪ ،‬أو من المقاصد العامة للشريعة التي اكتسبت‬
‫صفة القطعية؛ ألنها لم تؤخذ من نص واحد‪ ،‬أو نصين بل أخذت من مجموعة من‬
‫النصوص واألحكام أفادت بانضمام بعضها إلى بعض يقين ًا وجزم ًا بثبوتها‪ ،‬وهذا‬
‫‪1‬‬
‫األمر يتصل بقضية هامة من قضايا علم أصول الفقه‪ ،‬وعلم أصول الحديث»‬

‫املصدر اثلالث‪ :‬اللغة العربية‬


‫اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم يقول سبحانه‪ :‬ﭽ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯﭼ يوسف‪ ،٢ :‬ويقول سبحانه‪ :‬ﭽ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ الشعراء‪.١٩٥ – ١٩٣ :‬‬

‫«اللغة هي وسيلة التفاهم األولى بين ال ّناس‪ ،‬ولذا كانت أحد أهم روافد الثقافة‬
‫اإلسالمية‪ ...‬واللغة ليست طريقة تعبير فقط‪ ،‬بل هي أيض ًا طريقة تفكير‪ ،‬فكل‬
‫إنسان ّ‬
‫يفكر من خالل لغة‪ ،‬ولذلك ال يمكن لإلنسان أن يبدع إ ّ‬
‫ال من خالل اللغة‬
‫فإن كل دول العالم‬
‫الغالبة عليه وهي التي يستعملها أكثر من غيرها‪ ،‬ولهذا السبب ّ‬
‫المتقدم علمي ًا حتى الصغيرة منها تدرس كل التخصصات بلغتها‪ ،‬وليس باللغات‬
‫ّ‬
‫العالمية كاإلنجليزية أو الفرنسية‪ ،‬وال يشذ عن هذه القاعدة سوى العالم العربي» ‪.2‬‬

‫تتضمن أكثر من اللغة‪ ،‬كالتقليد والمؤسسات والقوانين‬


‫ُ‬ ‫«وإذا كانت «الثقافة»‬
‫فإن اللغة تحتل‬
‫واآلداب والفنون‪ ،‬والمهن والمهارات وكل ما صنعه اإلنسان‪ّ ،‬‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ ،‬كيف نتعامل مع الس ّنة النبوية‪ ،‬ص‪.45‬‬
‫(‪ * )2‬باستثناء سوريا والعراق فإنها تدرس المقرر الجامعي باللغة العربية‪ .‬د‪ .‬نوفل‪ ،‬أحمد‪ ،‬وزمالؤه‪ ،‬الثقافة اإلسالمية‬
‫وقضايا العصر‪ ،‬ص‪.97‬‬

‫‪-54-‬‬
‫من بين جميع هذه المظاهر مكان ًا فريد ًا بوصفها «مرآة الثقافة ك ّلها»؛ ألن كل ما‬
‫يصنعه اإلنسان يحمل اسم ًا‪ ،‬فقوانينه‪ ،‬ومؤسساته‪ ،‬ودياناته لها تعبيراتها اللفظية‪،‬‬
‫واألشياء التي تكون في الطبيعة تظهر أيض ًا في اللغة ولكن من وجهة نظر ثقافة‬
‫معينة على الدوام‪ ،‬ولهذا فإن اللغات ال تختلف أساس ًا في الطرق المختلفة للتفكير‬
‫أو في مجموعة المعاني التي يعبر عنها خالل اللغة‪ ،‬فلكل ثقافة مفاهيمها الخاصة‬
‫بالحياة والعالم‪ ،‬وتنعكس هذه المفاهيم على طبيعة لغتها» ‪.1‬‬

‫أهمية اللغة‪:‬‬

‫«اللغة أي ًا كانت هي أهم مالمح الشخصية اإلنسانية وهي من مكونات فكر‬


‫اإلنسان‪.‬‬

‫اللغة معلم بارز في تحديد الهوية وإثبات ّ‬


‫الذات‪.‬‬

‫اللغة رمز الهوية ودليل السيادة الوطنية التي تحرص عليها كل دولة‪.‬‬

‫تطور اللغة ورقيها وانتشارها في العالم دليل على روح االبتكار ومظهر لحياة األمّة‬
‫صاحبة هذه اللغة‪ ،‬أمّا ضعفها فداللة ضعف وهزيمة وجمود» ‪.2‬‬

‫مزايا اللغة العربية‪:‬‬

‫‪ -1‬القدم‪ :‬فاللغة العربية هي أقدم اللغات الحية زمن ًا وأطولها عمر ًا؛ ْ‬
‫إذ نشأت في‬
‫الجزيرة العربية التي يرى البعض أنّها‪« :‬مهد اإلنسان ومهبط آدم‪ ...‬واللغة العربية‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬ز زرزور‪ ،‬عدنان‪ ،‬مدخل إلى تفسير القرآن وعلومه‪ ،‬ص‪ ،40-39‬ط‪1419 ،2‬هـ‪1998 ،‬م‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪.‬‬

‫(‪http:al9asimy.com/files )2‬‬

‫‪-55-‬‬
‫الحية‪ ،‬ولكنها مع هذا القدم لم تثبت وال تجمد على حال‪ ،‬وإنّما‬
‫ّ‬ ‫هي أقدم اللغات‬
‫وعبرت عنه بحيث أصبحت نموذج ًا في التواصل والعطاء‬
‫ّ‬ ‫سايرت روح كل عصر‬
‫من خالل مخزون ال ينفذ مع مرور األيام‪ ،‬وإنّما يتجدد هذا المخزون ليوائم‬
‫أن القارئ العربي يستطيع أن يفهم اليوم ما‬
‫متطلبات كل عصر‪ ،‬والدليل على ذلك ّ‬
‫كتب باللغة العربية منذ ألف وخمسمائة عام في حين ال يستطيع القارئ اإلنجليزي‬
‫مث ً‬
‫ال فهم اللغة التي كان يكتب بها شكسبير منذ حوالي أربعمائة عام فقط»‪.1‬‬

‫‪ -2‬التمام‪ :‬بمعنى أنها لم تكن بحاجة إلى إدخال حروف جديدة أو أصول لم‬
‫تكن فيها من قبل‪.‬‬

‫‪ -3‬الجمال‪ :‬ويكمن جمالها في فصاحتها وبالغتها‪.‬‬

‫‪ -4‬السعة والمرونة‪ :‬تحتوي اللغة العربية على ‪ 80‬ألف مادة المستعمل منها اليوم‬
‫‪ 10‬آالف فقط بينما ال تحتوي كثير من اللغات األخرى على أ كثر من ‪ 60‬ألف‬
‫‪2‬‬
‫جذر»‪.‬‬

‫املصدر الرابع‪ :‬اتلاريخ اإلساليم‬

‫يعتبر التاريخ اإلسالمي رافد ًا مهم ًا للثقافة اإلسالمية‪ ،‬فهو ذاكرة األمة الحية‪ ،‬وفيه‬
‫ماض ليس له حاضر أو‬
‫ٍ‬ ‫خبرات األجداد وإنجازاتهم الحضارية والذي ليس له‬
‫مستقبل‪.‬‬

‫(‪ )1‬بيومي‪ ،‬أحمد سعيد‪ ،‬أم اللغات «دراسة في خصائص اللغة العربية والنهوض بها‪ ،‬ص‪ ،34‬ط‪1423 ،1‬هـ‪2002 ،‬م‪.‬‬

‫(‪ )2‬د‪.‬أبو حماد‪ ،‬زياد‪ ،‬وزمالؤه‪ ،‬معالم في الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.63-62‬‬

‫‪-56-‬‬
‫أهمية اتلاريخ اإلساليم‪-:‬‬

‫ُ‬
‫يقف على رأسه النبي‬ ‫‪« -1‬التاريخ اإلسالمي تاريخ دين وشريعة وهداية وس ّنة‪،‬‬
‫‪ ،‬ومعه الصحابة الكرام والتابعون لهم بإحسان‪ ،‬والسيرة النبوية أعظم فصل من‬
‫فصول التاريخ اإلسالمي ويكفي التاريخ اإلسالمي شرف ًا أن يؤرخ للوحي اإللهي‪.‬‬

‫‪ -2‬التاريخ اإلسالمي تاريخ علم وحضارة ودعوة أ كثر منه تاريخ حكام وأمراء‪،‬‬
‫والجانب السياسي منه أقل شأن ًا من بقية الجوانب‪ ،‬ولم يكن الهبوط السياسي‬
‫معبر ًا عن حقيقة التاريخ اإلسالمي‪ ،‬فعصر المماليك كان مليئ ًا باألحداث السياسية‬
‫ّ‬
‫واالنقالبات وتغير الحكام ولك ّنه كان من أبهى عصور التاريخ اإلسالمي بالمدارس‬
‫والجامعات وتطوّر العلوم والصناعات» ‪.1‬‬

‫‪ -3‬التاريخ مصدر للثقافة وتكوين الشخصية‪ ،‬ومن هنا تحرص كل األمم على‬
‫تاريخها‪ ،‬فتنشئ له الدراسات والمعاهد والكليات والمتاحف‪ ،‬وتهتم باآلثار وترمم‬
‫أن‬ ‫المحتاج للترميم منها‪ ،‬وتبرز معالم المطمور منها‪ ،‬وما ذلك إ ّ‬
‫ال لشعور أولئك ّ‬
‫وجود األمة في حاضرها إنّما هو امتداد واستمرار لوجودها في ماضيها‪.‬‬

‫ُ‬
‫تقف عليها األمّة وتغتذي منها‬ ‫‪ -4‬التاريخ هو الجذر الفكري واألرضية التي‬
‫وتكتسب شخصيتها المشتركة‪ ،‬والتاريخ هو الذي يحدد األعداء ويع ّرف بأساليبهم‬
‫والسير –أي‬
‫ّ‬ ‫وفهم الصحابة هذه القضية فهم يقولون‪« :‬ك ّنا نعلم أبنائنا المغازي‬
‫التواريخ‪ -‬كما نعلمهم السورة من القرآن» ‪.2‬‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬سعيد‪ ،‬همام وآخرون‪ ،‬الوجيز في الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.70-69‬‬


‫(‪ )2‬د‪ .‬نوفل‪ ،‬أحمد‪ ،‬في الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.26‬‬

‫‪-57-‬‬
‫يمكن فهم تفسير التاريخ على ضوء القرآن الكريم بشأن سقوط الحضارات وتداول‬
‫الدول وقد وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم تدعو إلى التفكير واالعتبار‬
‫باألقوام الغابرة‪ ،‬يقول سبحانه‪ :‬ﭧﭨﭽﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﭼ الروم‪٩ :‬‬
‫وقوله سبحانه‪ :‬ﭽ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ‬
‫ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ‬
‫ﰜ ﭼ فاطر‪ ٤٤ :‬يقول د‪ .‬عبد الستار قاسم‪« :‬هذه آيات تؤكد بكل قوة أهمية‬
‫دراسة التاريخ والجغرافيا دراسة مستفيضة معمقة؛ لما فيها من فوائد في بناء األمّة‬
‫أن التاريخ‬
‫التقدم في مختلف مجاالت الحياة‪ ،‬هناك من يظهر ّ‬
‫ّ‬ ‫والدولة وتحقيق‬
‫عبارة عن قصص قديمة ال قيمة لها في تنمية المعرفة اإلنسانية التطبيقية‪ ،‬وأن‬
‫اإلطالع على سير األمم عبارة عن مضيعة للوقت والجهد‪ ،‬أما بالنسبة للجغرافيا‬
‫فهناك من ال يرى في دراستها فوائد استراتيجية من النواحي االقتصادية واألمنية‬
‫والعسكرية‪ ...‬وفي هذه اآليات أيض ًا ما يشجع على دراسة مادتي األنثروبولوجيا‬
‫«علم الحفريات» واآلثار‪ ،‬نحن ال نستطيع تكوين صورة جيدة الوضوح عن األمم‬
‫الغابرة بدون العثور على بينات والتي هي عبارة عن وثائق أو حفريات أو آثار‬
‫حضارية نستطيع دراستها واستخالص بعض االستنتاجات العلمية منها»‪.1‬‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬قاسم‪ ،‬عبد الستار‪ ،‬المنهج االستقرائي في القرآن الكريم‪ ،‬ص‪2011 ،75-74‬م‪ ،‬اصدار رابطة الكتاب واألدباء‬
‫الفلسطينين‪.‬‬

‫‪-58-‬‬
‫وسائل األعداء يف حماربة اتلاريخ‪-:‬‬

‫‪ -1‬التجهيل‪ :‬طويت كثير من الصفحات الناصعة‪ ،‬وأهملت أحداث مهمة ذات‬


‫عبرة وتصوير حق لإلسالم‪ ...،‬وقد لقي تاريخنا حظ ًا من التعتيم كبير ًا‪ ،‬فصار‬
‫الناشئة يعرفون عن تاريخ الغرب القديم والحديث أ كثر مما يعرفون عن تاريخهم‪،‬‬
‫ويعرفون عن جان دارك مث ً‬
‫ال أكثر مما يعرفون عن فاطمة بنت محمد الفهري التي‬
‫بنت جامع القرويين سنة ‪245‬ه على نفقتها الخاصة وظلت صائمة طيلة فترة البناء‬
‫ُ‬
‫يعرف عن تاريخ الثورة الفرنسية أو نابليون أو هتلر أو لنكولن‪ ،‬أ كثر‬ ‫ّ‬
‫ولعل أغلبنا‬
‫مما يعرف عن الدعوة اإلسالمية وأحداثها» ‪.1‬‬

‫‪ -2‬سوء تفسير التاريخ‪« :‬في عصرنا هذا نجد األهواء والعصبيات والتيارات‬
‫الفكرية تعمل عملها في قراءة التاريخ وتفسيره وتوجيه وقائعه‪ ،‬وقد انعكس‬
‫هذا على التاريخ اإلسالمي أيض ًا‪ ،‬فالمستشرقون –في الغالب‪ -‬حين يبحثون في‬
‫التاريخ‪ ،‬يخدمون به فكرة بيتوها عن محمد صلى الله عليه وسلم ودينه‪ ،‬محمد‬
‫ليس برسول الله‪ ،‬واإلسالم ليس بدين الله‪ ،‬وأصحابه ليسوا إال ث ّلة من المغامرين‬
‫المتنافسين على الدنيا‪ ...‬وفي سبيل هذا يغفلون أحداث ًا قيمة‪ ،‬ويضخمون أحداث ًا‬
‫تافهة‪ ،‬ويردون أخبار ًا صحيحة ويعتمدون أخبار ًا ضعيفة أو مكذوبة‪ ،‬يتصدرونها‬
‫من أي كتاب مثل‪« :‬اإلمامة والسياسة» المنسوب البن قتيبة‪ ،‬ومن كتب األدب‬
‫مثل كتب الجاحظ‪ ،‬ومثل كتاب «األغاني» لألصفهاني» ‪.2‬‬

‫تحمل وزر هذه القضية من الرواة المتهمين‪ ،‬الذين تصدروا‬


‫‪ -3‬اإلفتراء والتزوير‪ :‬وقد ّ‬
‫الرواية كثير من األحداث‪ ،‬وخاصة في مرحلة الفتن كمرحلة نهايات الخالفة الراشدة‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬نوفل‪ ،‬أحمد‪ ،‬في الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.29-28‬‬

‫(‪ )2‬د‪ .‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ ،‬تاريخنا المفترى عليه‪ ،‬ص‪ ،282‬ط‪2006 ،2‬م‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪-59-‬‬
‫ونشوء الدولة األموية‪ ،‬يزورون بدافع الحقد الدفين أو بسبب العداء الباطني‪ ،‬أو‬
‫العصبية القاتلة ومنهم على سبيل المثال ال الحصر‪ :‬أو مخنف لوط بن يحيى‪،‬‬
‫ومحمد بن عمر الواقدي‪ ،‬وسيف بن عمر الضبي‪ ،‬وهشام بن محمد الكلبي‪ ،‬وسار‬
‫على هذا المنهج الكثير من المستشرقين وأبنائهم من المستغربين» ‪.1‬‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬أبو حماد‪ ،‬زياد‪ ،‬وزمالؤه‪ ،‬معالم في الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.58‬‬

‫‪-60-‬‬
‫الوحدة الرابعة‬

‫حقوق اإلنسان يف اإلسالم‬


‫الحق هو « الثابت الذي ال يجوز إنكاره‪ ،‬ومنه قولهم‪ :‬القرآن‪ ،‬حق‪ ،‬والنصيب‪،‬‬
‫الواجب‪ ،‬ومنه قولهم‪ :‬حق فالن من التركه أي ‪ :‬نصيبه منها‪ ،‬وحق اآلدمي‪ :‬ما‬
‫وجب لآلدمي على غيره‪ ،‬وحق الله‪ :‬ما وجب لله تعالى على اإلنسان‪ ،‬الحق العام‪.‬‬

‫وحق شخصي‪ :‬ما وجب لشخص معين على غيره‪ ،‬والحق العيني‪ :‬تعلق الحق‬
‫بعين معينه ال بذمّة» ‪.1‬‬

‫ويحق حق ًا‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫يحق‬ ‫« والحق نقيض الباطل وجمعه حقوق وحقاق‪ ،‬وحق األمر‬
‫‪2‬‬
‫وحقوق ًا صا َر حق ًا وثبت‪ .‬قال األزهري معناه‪ :‬وجب يجب وجوب ًا «‬

‫ع ّرفه الجرجاني « الحكم المطابق للواقع ‪ ،‬ويطلق على األقوال والعقائد واألديان‬
‫‪3‬‬
‫والمذاهب باعتبار إشتمالها على ذلك ويقابله الباطل «‬

‫ويقصد بحقوق اإلنسان في اإلسالم‪« :‬الواجبات والمبادئ والمفاهيم التي ال يمكن‬


‫أن يعيش اإلنسان بدونها‪ ،‬وال يستمتع بالحياة اال مع توافرها‪ ،‬فهي من مكمالت‬
‫‪4‬‬
‫ومتممات منحة الحياة التي وهبها الله عز وجل لإلنسان على األرض «‬

‫«إن حقوق اإلنسان في اإلسالم أصيلة وليست دخيلة عليه وسبقت األنظمة الغربية‬
‫ّ‬
‫المعاصرة في إقرار هذه الحقوق ‪ ،‬وهذا مثبت في النصوص الشرعية المختلفة‪،‬‬
‫وما مارسه الصحابة الكرام فع ً‬
‫ال في حياتهم وما ذكره الفقهاء‪ ،‬والصبغة العآمة التي‬
‫كانت عليها الحضارة اإلسالمية في إرساء هذه الحقوق‪.‬‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬قلعة جي ‪ ،‬محمد رواس وزميله‪ ،‬معجم لغة الفقهاء ‪ ،‬م‪ ،1‬ص‪ ،139‬ط‪1408 ،2‬هـ‪1988 ،‬م‪ ،‬دار النفائس‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫(‪ )2‬ابن منظور ‪،‬محمد بن مكرم‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬م‪ ، 10‬ص‪ ،49‬مرجع سابق‬
‫(‪ )3‬الجرجاني‪ ،‬علي بن محمد‪ ،‬التعريفات‪ ،‬ص‪ ،120‬ط‪1405 ،1‬هـ‪ ،‬تحقيق إبراهيم األنباري‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫(‪ )4‬أبو يحيى‪ ،‬محمد وزمالءه‪ ،‬الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ص‪ ،221‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪-61-‬‬
‫أمّا العالم العربي المعاصر فلم يعرف هذه الحقوق إ ّ‬
‫ال في نهاية القرن الثامن‬
‫عشر حيث بدأت المطالبة بحقوق اإلنسان على يد الفالسفة والمفكرين ‪ ،‬مثل‬
‫جان جاك روسو‪ ،‬ومونتسكيو‪ ،‬وديدرو‪ ،‬وغيرهم من مفجري الثورة الفرنسية‪،‬‬
‫حيث تمخضت هذه الثورة عن وثيقة حقوق اإلنسان والمواطن ‪ ،‬وصوتت عليه‬
‫«الجمعية الوطنية»‪.‬‬

‫في ‪ 26‬آب اغسطس ‪ ، « 1789‬واعتمد في مقدمة الدستور الفرنسي األول‬


‫‪1‬‬
‫الصادر عام ‪1791‬م‪ ،‬وتضمن مقدمة وسبع عشرة مادة «‬

‫يقول العالمة البوطي رحمه الله « هناك دراسات كثيرة مقارنه بين حقوق اإلنسان‬
‫في اإلسالم وغيرها من الدساتير الغربية‪ ،‬مقارنات بين أسماء هذه الحقوق‬
‫وشعاراتها المعلنه‪ ،‬هنا وهناك ‪ ،‬فقورن مث ً‬
‫ال حق الحرية الذي تنادي به المجتمعات‬
‫الغربية مع هذا الحق ذاته في اإلسالم‪ ،‬وقورن حق المساواة في تلك المجتمعات‬
‫بهذا الحق ذاته في اإلسالم دون ال ّرجوع إلى دراسة المنطلقات والعوامل الدافعة‬
‫إلى رسم كل من هذين الحقين وتثبيته في كل من الشريعة اإلسالمية والنظم‬
‫الديمقراطية في الغرب‪ ،.......‬الرجوع إلى دراسة المنطلقات الخفيه والعوامل‬
‫ويميز ما بين الشريعة‬
‫ّ‬ ‫الدافعة فذاك هو الذي يكشف فرق ًا ما بين األصيل والزيف ‪،‬‬
‫التي تقدس حقوق اإلانسان واألنظمة التي تستخدم وتستغل هذه الحقوق‪.‬‬

‫فاإلذعان بما لإلنسان من حقوق في هذه الحياة الدنيا‪ ،‬جزء ال يتجزأ من العقائد‬
‫اإلسالمية إنها يقين واعتقاد قبل أن تكون ممارسة فقهية او سلوك ًا أخالقي ًا‪.‬‬

‫على حين أن حقوق اإلنسان في األنظمة الغربية تابعة لمصالحها السياسية‪،‬‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬الزحيلي‪ ،‬وهبه‪ ،‬حق الحرية في العالم‪ ،‬ص‪ ،21-20‬ط‪1421 ،1‬ﻫ‪2000 ،‬م‪ ،‬دار الفكر ‪ ،‬دمشق‪.‬‬

‫‪-62-‬‬
‫وليست في واقعها الممارس‪ -‬أثر ًا من آثار رؤيتها اإلنسانية‪ ،‬ولذا فإن مقياس هذه‬
‫الحقوق لديها يخضع لمرونة عجيبه ال يكاد العقل اإلنساني قادر ًا على اللحاق بها‬
‫فض ً‬
‫ال عن تفهمها وهضمها وإنّما الذي يستطيع أن يسع الهث ًا وراء هذه المرونة‪،‬‬
‫هو الفكر أو التكتيك السياسي‪ ،‬فهو الذي يدرك مث ً‬
‫ال سر انحباس الديمقراطية‬
‫األمريكية فيما بين الكونغرس والبيت االبيض‪ ،‬وهو الذي يدرك معنى هيمنة حق‬
‫إن المصالح الغربية هي القياس‬
‫الفيتو على قدسية الحقوق اإلنسانية في العالم ّ‬
‫اللعب بورقة حقوق اإلنسان جزء ًا‬
‫ُ‬ ‫والمقيس‪ ،‬وهي الميزان والموزون ‪ .‬ولما كان‬
‫من هذه المصالح‪ ،‬فقد كان ال ب ُّد أن يرتفع منها شعار يعلو إلى سدة هذه المصالح‬
‫‪1‬‬
‫ذاتها‪ ،‬ثم ال يتجاوزها‪« .‬‬

‫ويمكن أن نوجز أهم احلقوق يف اإلسالم بما ييل‪-:‬‬


‫ً‬
‫أوال‪ :‬حق احلياة‬

‫من الكليات الخمس التي أمر اإلسالم بالمحافظة عليها هي‪ :‬النفس‪ ،‬فح ّرم‬
‫االعتداء عليها بأي شكل كان دون مُ ّسوغ ‪.‬‬

‫يقول سبحانه وتعالى ﭽ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬


‫ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ اإلسراء‪ ٣٣ :‬ويقول‬
‫سبحانه ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭼ المائدة‪ « ٣٢ :‬قال مجاهد‪:‬‬
‫المعنى أن الذي يقتل النفس المؤمنه متعمد ًا جعل الله جزاءه جهنم‪ ،‬وغضب‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬اليوطي‪ ،‬محمد سعيد ‪ ،‬الحقوق والحريات المدنية والسياسية في اإلسالم‪ ،‬ص‪ ،108-107‬بحث مقدم لندوة‬
‫« حقوق اإلنسان في اإلسالم بين الخصوصية والعالمية» عقدت في الرياض‪ 20-18 ،‬جمادي االخر ‪1418‬ﻫ ‪-20،‬‬
‫‪ 22‬تشرين االول ‪1997،‬م ‪ .‬منشورات المنظمة اإلسالمية للتربية والعلوم والثقافة‪2001 ،‬م‪1422 ،‬ﻫ‬

‫‪-63-‬‬
‫عليه‪ ،‬ولعنه وأعد له عذاب ًا عظيم ًا ولو قتل الناس جميع ًا لم يزد على ذلك ‪ ،‬ومن‬
‫‪1‬‬
‫اس منه «‬
‫حيي ال ّن ُ‬
‫َ‬ ‫لم يقتل فقد‬

‫«وروي عن مجاهد ايض ًا‪ :‬أن احياءها إنجاؤها من غرق‪ ،‬أو حرق‪ ،‬أو هدم أو‬
‫هلكة حكاه عنه إبن جرير وإبن المنذر‪ ،‬وقيل المعنى أن من قتل نفس ًا فالمؤمنون‬
‫‪2‬‬
‫ُك ُلهم خصماؤه؛ ألن ّه قد وتر الجميع»‬

‫وعن عبد الله بن عمر أن النبي ‪ ‬قال « لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل‬
‫‪3‬‬
‫مسلم»‬

‫وحرمة دم أهل الذمة ينطبق عليها نفس الحكم‪ ،‬وعن عبد الله بن عمر رضي الله‬

‫عنهما عن النبي ‪ ‬قال‪ « :‬من قتل معاهد ًا لم يرح رائحة الج ّنة ّ‬
‫وإن ريحها توجد‬
‫‪4‬‬
‫من مسيرة أربعين عام ًا «‬

‫واذا كان مبدأ القتل محرم ًا فإنه ال يجوز ألي إنسان أن يباشر القتل بنفسه إ ّ‬
‫ال في‬
‫موطن الدفاع عن النفس فيما يعرف في الفقه اإلسالمي‪ « :‬بدفع الصائل» ‪،‬‬
‫والذي يتولى تنفيذ القصاص والحدود في الدولة ممثلة بولي األمر أو من ينوبه ‪،‬‬
‫فالقتل على خلفية الثأر والقتل بدافع الشرف هي جرائم في نظر اإلسالم يعاقب‬
‫ٌ‬
‫عمل فيه تعد على النفس المعصومة‪.‬‬ ‫فاعلها‪ ،‬وحتى قتل النفس أو االنتحار‪ ،‬فهو‬

‫(‪ )1‬الشنقيطي‪ ،‬محمد األمين‪ ،‬أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن‪ :‬ج‪ ، 1‬ص‪ ،400‬تحقيق ‪ .‬مكتبة البحوث‬
‫والدراسات‪1415 ،‬ﻫ‪1995 ،‬م‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‬
‫(‪ )2‬الشوكاني‪ ،‬محمد علي‪ ،‬فتح القدير ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص‪ ،34‬دار الفكر ‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫(‪ )3‬النسائي‪ ،‬أحمد بن شعيب‪ ،‬المجتبى من السنن‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪ ،82‬تحقيق عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬ط‪1406 ،2‬هـ‪ ،‬مكتبة‬
‫المطبوعات اإلسالمية‪ ،‬حلب‪.‬‬
‫(‪ )4‬البخاري‪ ،‬محمد بن إسماعيل‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب الجزية والموادعة‪ ،‬باب إثم من قتل معاهد ًا بغير جرم‪ ،‬ج‪،3‬‬
‫ص‪.1155‬‬

‫‪-64-‬‬
‫يقول عليه الصالة والسالم ‪ :‬من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم‬

‫تحس ُس ّم ًا فقتل نفسه‪ُّ ،‬‬


‫فسمه في يده‬ ‫ّ‬ ‫يتردى فيها خالد ًا مخلد ًا فيها أبد ًا ‪ ،‬ومن‬
‫يتحساه في نار جهنم خالد ًا مخلد ًا فيها أبد ًا‪ ،‬ومن قتل نفسه بحديده ‪ ،‬فحديدته‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫في يده يج ُأ بها في بطنه في نار جهنم خالد ًا فيها أبد ًا»‬

‫« من تردى أي أسقط نفسه منه‪ ،‬وقال الكرماني‪ :‬تردى إذا سقط في البئر‪ .‬قوله‬
‫« ومن تحسى» من باب ّ‬
‫التفعل والتشديد ومعناه‪ :‬تج ّرع وأصله‪ :‬حسوت المرق‬
‫ُحس م ّرة واحدة‪ ،‬وقوله»‬
‫والحسوة بالضم الجرعة من الشراب بقدر ما ي ّ‬
‫ُ‬ ‫حسو ًا‬
‫يتوجأ» من وجاته بالسكين إذا ضربته ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقوله « خادلا خمدلا فيها» أي في نار جهنم والمراد بذلك إمّا في حق المستحل أو‬
‫‪2‬‬
‫المراد المكث الطويل؛ ألن المؤمن ال يبقى في النار خالد ًا مؤبد ًا»‬

‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬حق الكرامة اإلنسانية‬

‫إن ما يميز اإلنسان عن الحيوان هذه المشاعر المرهفة‪ ،‬واألحاسيس الدافئة التي‬
‫ّ‬
‫تغذي كينونته‪ ،‬ويتدفق في عروقه‪ :‬أنا اإلنسان وأنا العزة والكرامة‪ ،‬إذ ال معنى‬
‫تضح األشياء‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وبضدها‬ ‫للحياة دون العزة والسؤوده والكرامه فدونها الموت‪،‬‬
‫فنقيض الكرامة العبودية والذل‪.‬‬

‫لذا جاء اإلسالم معلي ًا هذا الحق مقر ًا له لجنس البشرية جمعاء ‪ ،‬يقول سبحانه‬
‫وتعالى‪ :‬ﭽﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬

‫السم والدواء به وبما يخاف منه والخبيث‪،‬‬


‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬محمد بن اسماعيل‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب الطب‪ ،‬باب شرب ّ‬
‫ج‪ ،5‬ص‪2179‬‬

‫(‪ )2‬العيني‪ ،‬بدر الدين‪ ،‬عمدة الفاري‪ ،‬باب شرب السم والدواء به وبما يخاف منه الخبيث‪ ،‬ج‪ ،21‬ص‪292‬‬

‫‪-65-‬‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﭼ اإلسراء‪ ٧٠ :‬ومعيار التفاضل بين‬
‫الناس قائم على أساس التقوى دون النظر إلى العصبيات أو المكانة االجتماعية‬
‫أو الطبقية يقول سبحانه وتعالى‪ :‬ﭽ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ الحجرات‪ ١٣ :‬وفي‬
‫الحديث الشريف عن أبي هريره قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬إن الله‬
‫قد أذهب عنكم ُع َّب َّي َة الجاهلية وفخرها باآلباء ‪ ،‬مؤمن تقي‪ ،‬وفاجر شقي‪ ،‬والناس‬
‫بنو آدم ‪ ،‬وآدم من تراب‪ ،‬لينتهين أقوام عن فخرهم برجال‪ ،‬أو ليكونن أهون عند‬
‫‪1‬‬
‫الج ْعالن التي تدفع بأنفها ال ِ ّن َ‬
‫تن»‬ ‫الله من عدتهم من ِ‬

‫أن الناس أمام القضاء سواء ال فرق بين حاكم ومحكوم‪،‬‬


‫لذا نجد في اإلسالم ّ‬
‫واإلسالم مارس هذا المبدأ فع ً‬
‫ال قبل أن تمارسه بعض الدول الغربية المتقدمة‬
‫اليوم والتي تعبت ُر سر ًا من أسرار نجاحها وإزدهارها‪.‬‬

‫«فحين شفع وجهاء القوم في إعفاء امرأة شريفة وجب عليها حد السرقة‪ ،‬حتى‬
‫ال توقع عليها العقوبة فأبى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك‪ ،‬ونبه إلى عدم جواز‬
‫الشفاعه في حدود الله ‪ ،‬ألن ذلك يخل بمبدأ المساواة بين الناس‪ ،‬ويؤدي إلى‬
‫إيثار ذوي الوجاهه بإعفائهم من العقاب‪ ،‬مع إقامة الحدود على ضعفاء الناس‬
‫وبين الرسول صلى الله عليه وسلم إن ذلك األمر اذا ساد في مجتمع أدى به إلى‬
‫الزوال‪ ،‬فقال ‪ :‬فإنّما أهلك الناس قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ‪»2‬‬

‫(‪ )1‬اإلمام‪ ،‬ابن حنبل‪ ،‬أحمد‪ ،‬المسند‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.361‬‬


‫(‪ )2‬البخاري‪ ،‬محمد بن اسماعيل‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب المغازي‪ ،‬باب من شهد الفتح‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.1566‬‬
‫(‪ )3‬التركي‪ ،‬عبد الله عبد المحسن‪ ،‬حقوق اإلنسان في اإلسالم‪ ،‬ص‪ .43‬نق ً‬
‫ال عن موقع ‪http.dl.islam house.com‬‬

‫‪-66-‬‬
‫« وال محل ألن نقارن تعاليم اإلسالم في هذا بما أخذت به الثقافات القديمة‬
‫والحديثة‪ ،‬فالفرق شاسع‪ ،‬والموقف مختلف كل االختالف ذلك؛ ألن هذه‬
‫الثقافات جميعها تسلم بالتفرقة العنصرية وتقيم عليها سلوكها وتشريعها‪ ،‬في حين‬
‫أن اإلسالم يرفضها رفض ًا قاطع ًا‪ ،‬نجد أن اليونان وفالسفتهم يعتمدونهاوعلى‬
‫رأسهم أرسطو فمقولته المشهورة « كل ما وراء أثينا بربر « خير دليل على ذلك»‪،‬‬
‫وجاراهم الرومان الذين كانوا يعتزون بعنصريتهم كل االعتزاز‪ ،‬وقد أقاموا عليها‬
‫تفرقة في تشريعهم وقوانينهم بين الرومان وغير الرومان‪ ،‬ولهم قسمتهم الشهيرة‬
‫للشعب بين‪ « :‬البترشيان والبلبيان» ونظام الطبقات سمه واضحة من سمات‬
‫الثقافة الهندية ‪ ،‬وعلى رأسهم البراهمة‪ ،‬ويزعم اليهود وال يزالون يزعمون أنهم‬
‫أبناء الله وأحباؤه وأنهم الشعب المختار!‬

‫وكم عانى زنوج أمريكا من هذه النظرة العنصرية التي كانت بعدها الكنيسه أمر ًا‬
‫واقعي ًا ال مفر منه‪ ،‬رغم قانون الحقوق المدنية الذي حاول أن يساوي بين البيض‬
‫ُ‬
‫يزال لهذا األمر رواسب وذيول في نظم بعض الدول الكبيره‬ ‫والسود‪ ،‬إال أنه ال‬
‫‪1‬‬
‫وشرائعها»‬

‫ً‬
‫ثاثلا‪ :‬حق احلرية اإلنسانية‬
‫موضوع الحرية من الموضوعات التي ال تنفك عن حياة الناس وواقعهم‪ ،‬فهذا‬
‫المصطلح يهتف به الجميع الرئيس والمرؤوس‪ ،‬الثائر‪ ،‬واإلداري القابع في مكتبه‪،‬‬
‫العامل في مزرعته‪ ،‬والتاجر في سوقه‪ ،‬وهذا الشعار ال طالما استهوى الجماهير‬
‫المضللة وقادها لتخدم في فلك األعداء‪ ،‬وتقاتل دونه‪ ،‬وانجرت في الهاوية وهي‬

‫(‪ )1‬عثمان‪ ،‬فتحي ‪ ،‬حقوق اإلنسان بين الشريعة اإلسالمية والقانون الغربي ‪،‬ص‪ ،72‬بوساطة كتاب الثقافة اإلسالمية‬
‫للدكتور – محمد ابو يحيى وآخرون ‪ ،‬ص ‪229-228‬‬

‫‪-67-‬‬
‫ال تدرك الحقائق؛ بسبب الزيف والكذب الذي تنادي به المنظمات المشبوهه أو‬
‫األحزاب المستأجرة‪.‬‬

‫وإن كان يسهل على‬


‫ّ‬ ‫هذا المصطلح من أ كثر المصطلحات غموض ًا وتعقيد ًا‬
‫الكثيرين النطق به‪ ،‬والتغني به أيض ًا‪.‬‬

‫يقول الدكتور البوطي رحمه الله‪ « :‬إن مشكلة الحرية اإلنسانية كانت وال تزال من‬
‫أهم المشكالت التي استعصت على معالجة جميع علماء الفلسفة واألخالق على‬
‫َ‬
‫يتخل عن الهتاف بها‪ ،‬واالنتساب اليها‪ ،‬والبحث عنها على‬ ‫اختالف مذاهبهم‪ ،‬لم‬
‫م ّر األحقاب والدهور‪ ،‬والريب أن من أهم العوامل التي جعلته يتعلق بها كل هذا‬
‫شدة صلة هذه الحرية بحياة اإلنسان‬
‫التعلق مع جهله صحيحة ذلك الجهل المطبق‪ّ ،‬‬
‫ُحب اإلنسان شيئ ًا‪،‬‬
‫الفردية واالجتماعية مهما بلغ غموضها وتعقيدها‪ ،‬وما أكثر ما ي ُّ‬
‫‪1‬‬
‫دون أن يعلم حقيقته أو يتلمس ذاتيته «‬

‫أن الحرية شرط الزم لالبداع والتقدم ونقيضها االستعباد‪ ،‬واألسر ‪،‬‬
‫وال شك ّ‬
‫شداد إلبنه عنتره في حرب داحس والغبراء‪ ،‬عندما دارت‬
‫والموت‪ ،‬والقهر «قال ّ‬
‫الدائرة على قومه بني عبس‪ « .‬ويلك عنترة ك ّر‪ ،‬فأجابه العبد االسود‪:‬‬

‫يحسن الك َّر والف َّر» فقال له والده الذي كان حتى ذلك التاريخ‬
‫ُ‬ ‫« إن العبد ال‬
‫يرفض االعتراف بابنه األسود‪« :‬ك ّر وأنت حر»‪ ،‬عند ذلك انقض عنترة على‬
‫ً‬
‫مبال بالموت ‪ ،‬فردهم عن قومه‪ ،‬ومنذ ذلك التاريخ أصبح فارس‬ ‫األعداء ‪ ،‬غير‬
‫بني عبس ‪ ،‬وعرف في التاريخ أفضل بطل شعبي‪ ،‬وما زالت سيرته تتلى وتدرس‬
‫‪2‬‬
‫في مختلف األوساط ‪ ،‬ولدى معظم الشعوب»‬

‫الدار المتحدة‪ ،‬دمشق‬


‫(‪ )1‬الدكتور البوطي‪ ،‬محمد سعيد‪ ،‬حوار حول مشكالت حضارية‪ ،‬ص ‪ ،101‬ط‪1410 ،3‬ﻫ‪1990 ،‬م‪ّ ،‬‬

‫(‪ )2‬الكواكبي‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬طبائع االستبداد ومصارع االستعباد‪ ،‬ص‪ ،24‬ط‪1414 ،3‬ﻫ‪1993 ،‬م‪ ،‬دار النفاس ‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪-68-‬‬
‫ويمكن أن ّ‬
‫تعرف احلرية بما ييل‪-:‬‬

‫المادة الرابعة من إعالن حقوق اإلنسان الفرنسي الصادر سنة ‪1879‬م‬


‫ّ‬ ‫حددت‬
‫فقد ّ‬
‫‪1‬‬
‫« هو قدرة اإلنسان على ممارسة أي عمل ال يضر باآلخرين»‬

‫« واحلريات يف اإلسالم ثالثة أقسام‪ « -:‬الحرية الشخصة‪ ،‬والحرية السياسية‪ ،‬والحرية‬


‫االقتصادية واالجتماعية « ويمكن أن نلخص الحرية الشخصية بالنقاط اآلتية‪-:‬‬

‫(أ) الحرية الشخصية وتشتمل على‪:‬‬

‫‪ -1‬حق األمن‪ :‬أي حماية نفس اإلنسان وماله وعرضه‪ ،‬وكفالة سالمته ومنع االعتداء‬
‫عليه‪ ،‬أو التحقير من شأنه أو تعذيبه واضطهاده سوآء من الدولة أو من األفراد ‪ ،‬وقد‬
‫كفلت الشريعة هذا الحق ‪ ،‬ومنعت االعتداء على أي شخص‪ ،‬يقول الله تعالى»‪ :‬ﭽ‬
‫ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭼ البقرة‪ ١٩٠ :‬وقوله عليه الصالة‬
‫‪2‬‬
‫والسالم « كل المسلم على المسلم حرام‪ :‬دمه وماله وعرضه»‬

‫‪ -2‬حرمة المسكن‪ :‬أي عدم جواز اقتحامه من دون إذن صاحبه إ ّ‬


‫ال لضرورة‬
‫شرعية‪ ،‬أو قانونية مقرره‪ ،‬والضرورة تقدر بقدرها‪ :‬كإطفاء حريق‪ ،‬أو إسعاف‪.‬‬

‫حرية التنقل‪ :‬أي إباحة االنتقال في داخل الدولة من مكان إلى آخر ‪ ،‬والسفر‬
‫من بلد إلى آخر ‪ ،‬والشريعة والقوانين تكفل هذه الحرية‪ ،‬وأباحت الشريعة التنقل‬
‫والسير في األرض واإلبحار في نواحيها في آيات قرآنية كثيرة منها‪ :‬قولة سبحانه»‬
‫ﭽ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﭼ يوسف‪١٠٩ :‬‬

‫(‪ )1‬خليل‪ ،‬عثمان‪ ،‬الديمقراطية اإلسالمية‪ ،‬ص‪ ،44‬نق ً‬


‫ال عن د‪ .‬وهبي الزحيلي‪ ،‬حق الحرية في العالم‪ ،‬ص‪.86‬‬
‫(‪ )2‬النيسابوري‪ ،‬أبو الحسين‪ ،‬مسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪1986‬م‪.‬‬

‫‪-69-‬‬
‫لكن حرية التنقل مقيدة بمقتضيات الصالح العام‪ ،‬واآلداب العامة‪ ،‬والصحة مثل‬
‫ّ‬
‫بالطاعون‬ ‫رعاية قواعد الحجر الصحي‪ ،‬جاء في الحديث الشريف» إذا سمعتم‬
‫‪1‬‬
‫بأرض وأنتم بها فال تخرجوا منها»‬
‫ٍ‬ ‫بأرض فال تدخلوها وإذا وقع‬
‫ٍ‬

‫«ومثل فعل عمر ‪ :‬رضي الله عنه بإلزام كبار الصحابة في اإلقامة بالمدينة المنورة‬
‫ومنعهم من الخروج منها‪ ،‬ليستشيرهم في مستجدات األمور‪ ،‬وأمر عمر أيض ًا نصر‬
‫بن حجاج بإبعاده عن المدينة ‪ ،‬خشية أن تفتتن النساء به‪ « ،‬وقد سمع عمر قائلة‬
‫تقول هل من سبيل إلى خمر فأشربها أو هل من سبيل إلى نصر من حجاج فنفاه‪،‬‬
‫ألن الجمال‬
‫ذلك كما يقول السرخي بطريق المصلحة ال بطريق الحد والعقاب‪ّ ،‬‬
‫ال يوجب النفي‪ ،‬ولكنه فعل ذلك للمصلحة‪ ،‬فإن نصر ًا قال‪ :‬وما ذنبي يا أمير‬
‫أطهر دار الهجرة منك‪،‬‬
‫المؤمنين؟ قال‪ :‬ال ذنب لك‪ ،‬وإنما الذنب لي حيث ال ّ‬
‫‪2‬‬
‫وكما نفى رسول الله ‪ ‬هيت المخذث من المدينة»‬

‫(ب) الحرية السياسية‬

‫والحرية السياسية نقصد بها مشاركة أو مساهمة المواطن في صنع القرار السياسي‬
‫سوآء بإبداء الرأيأو اإلنتخاب أو تكوين األحزاب والجمعيات ذات الطابع‬
‫اإلجتماعي أو السياسي‪.‬‬

‫وهذا األمر متحقق في اإلسالم ضمن قواعد الشورى التي أقرها اإلسالم ﭽ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠ ﭼ الشورى‪ ٣٨ :‬ﭽ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭼ آل عمران‪١٥٩ :‬‬

‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬محمد بن اسماعيل‪ ،‬كتاب الطب‪ ،‬باب ما يذكر في الطاعون‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.2163‬‬
‫(‪ )2‬الدكتور تشاكش‪ ،‬كريم‪ ،‬الح ّريات العامة في األنظمة الغربية‪ ،‬د‪ .‬الزحيلي‪ ،‬وهبه‪ ،‬بوساطة الدكتور الزحيلي ‪ ،‬وهبة‬
‫‪ ،‬حق الحرية في العالم‪ ،‬ص‪39‬‬

‫‪-70-‬‬
‫وتطبيق مفهوم الحسنة المتمثل بقاعدة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقول‬
‫سبحانه ﭽﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ آل عمران‪ ١٠٤ :‬وإثبات الذات معلم بارزٌ في‬
‫اس‪ ‬أحس َّنا‬
‫‪ :‬إن‪ ‬أحسن‪ ‬ال َّن ُ‬
‫َ‬ ‫تقولون‬
‫َ‬ ‫شخصية المسلم‪ ،‬فقال النبي ‪ »‬ال تَكونوا إمَّع ًة‪،‬‬
‫ُحسنوا‪ ،‬وإن أساءوا‬
‫اس‪ ‬أن ت ِ‬
‫كم‪ ،‬إن‪ ‬أحسن‪ ‬ال َّن ُ‬
‫َ‬ ‫أنفس‬
‫َ‬ ‫‪ ،‬وإن ظلموا ظ َلمنا‪ ،‬و َلكن ِ ّ‬
‫وطنوا‬
‫‪1‬‬
‫فال تظ ِلموا ‪».‬‬

‫(ج) حرية النشر والصحافة‪-:‬‬

‫هذه الحرية من أهم فروع حرية الرأي‪ ،‬والتعبير وتشمل الصحافة‪ ،‬والطباعة‪،‬‬
‫والتوزيع‪ ،‬والحرية الصحفية جائزة ولكن بشرط مرآعاة ما يلي‪-:‬‬

‫‪ -1‬الحفاظ على أسرار الدولة حتى ال تتسرب إلى األعداء‪ ،‬وتكون سبب ًا في‬
‫اإلضرار واإلساءة‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -2‬الكف عن ترويج اإلشاعات الضآرة «‬

‫(د) تكوين األحزاب والمذاهب السياسية‪-:‬‬

‫يذهب البعض إلى إنكار وجود األحزاب اإلسالمية أو المذاهب المختلفة داخل‬
‫إطار الدولة اإلسالمية‪.‬‬

‫(‪ )1‬الهندي‪ ،‬عالء الدين كنز العمال‪ ،‬ج‪،15‬ص‪ ،327‬محمود الدمياطي‪ ،‬ط‪1419 ،1‬ﻫ‪ ،1998 ،‬دار الكتب العملية‪،‬‬

‫بيروت‪ ،‬والحديث عن حذيفة أخرجه الترمذي ‪ ،‬كتاب البر والصلة‪ -‬باب ما جاء في اإلحسان والعفو رقم ‪،2000‬‬

‫إلمّعة هو الذي ال رأي معه فهو يتابع كل أحد على رأيه»‬


‫وقال حسن غريب‪ « ،‬ا ِ‬

‫(‪ )2‬الزحيلي‪ ،‬وهبة‪ ،‬حق الحرية في العالم‪ ، ،‬ص ‪.128‬‬

‫‪-71-‬‬
‫أن نعلم ان من نتائج ما قد يملكه اإلنسان في ظل‬
‫يقول البوطي رحمه الله « ينبغي ّ‬
‫المجتمع اإلسالمي من حرية التعبير عن الفكر‪ ،‬والرأي والمعتقد حرية إنشاء الجماعة‬
‫أن كل ما هو حق للفرد ال ب ُّد أن يكون حق ًا‬
‫التي تنادي بفكرة ما أو مذهب ما‪ ،‬إذ ّ‬
‫أن على رجال الدولة‬
‫تنس ّ‬ ‫للجماعة وا ّ‬
‫ال وقع الخلف والتناقض‪ ،‬ولكن على أن ال َ‬
‫اإلسالمية وعلماء الشريعة اإلسالمية وحراسها‪ ،‬أن يقفوا في طريق الباطل من الرأي‬
‫والفكر العلمي أو السياسي بالمجادلة او المحآجة اللتين تبرزان وتميزان الحق من‬
‫الباطل على رؤوس األشهاد على نحو ما كان يفعل السلف الصالح رضوان الله‬
‫جائزة‪،‬ألن في أصل األشياء اإلباحة‪ ،‬شريطة أن ال تكون‬
‫ّ‬ ‫عليهم‪ ..‬وهذه المسألة‬
‫هذه األحزاب مشبوهة ولها ارتباطات سياسية بالعدو واألجنبي‪ ،‬وخير مثال على‬
‫ذلك موقف الشارع ّ‬
‫جل جالله من تلك الثلة التي كانت تتحرك في المدينة المنورة‬
‫مرتبطة بتعاليم تتلقاها من أبي عامر الراهب الذي فر إلى هرقل ملك الروم يستنصره‬
‫على النبي ‪ ‬ووعده هرقل خير ًا‪ ،‬فأرسل إلى جماعة في المدينة يعدهم ويمنيهم‬
‫وأمرهم أن يتخذوا لهم معق ً‬
‫ال يتخذ نقطة لقاء بينهم وبين كتبه ورسله‪ ،‬فشرعوا في‬
‫بناء هذا المعقل وجعلوه مسجد ًا أقيم على ضاحية من ضواحي المدينة‪.‬‬

‫وجاؤوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يأتي اليهم فيصلي في مسجدهم‬
‫ذاك ليحتجوا بذلك على تقريره واثباته‪ ،‬فأنزل الله عز وجل «ﭽ ﭑ ﭒ‬
‫ﭓﭔﭕﭖﭗ ﭘﭙﭚ ﭛﭜﭝﭞ‬
‫ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ‬
‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ‬
‫ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﭼ التوبة‪ ١٠٨ - ١٠٧ :‬فبعث رسول الله إلى ذلك‬
‫المسجد من يهدمه‪ ،‬وتعقب القائمين على شأنه بالنكال»‬
‫‪1‬‬

‫(‪ )1‬البوطي‪ ،‬محمد سعيد‪ ،‬الحقوق والحريات المدنية والسياسية في اإلسالم‪ ،‬ص‪ ،121-120‬الندوة المنعقدة في‬
‫الرباط‪ ،‬حقوق اإلنسان في اإلسالم بين الخصوصية والعالمية ‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪-72-‬‬
‫ً‬
‫رابعا‪ :‬احلقوق االجتماعية‬

‫(أ) حق حرية االعتقاد واتلفكري‪:‬‬

‫يقصد بها حرية الفرد في الدين الذي نختاره يقول سبحانه ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﭼ‬


‫البقرة‪ ٢٥٦ :‬ويقول سبحانه ﭽﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭼ الكهف‪ ٢٩ :‬ويقول‬
‫سبحانه مخاطب ًا محمد صلى الله عليه وسلم ﭽﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭼ الكهف‪٦ :‬‬

‫(ب) حق اتلعليم ‪:‬‬

‫جاءت النصوص الشرعية المختلفة التي تؤكد هذا الحق‪ ،‬فأول سورة نزلت‬
‫مخاطبة الرسول ‪ ‬ﭽ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ‬
‫ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﭼ العلق‪ ، ٦ - ١ :‬وقوله‬
‫عليه الصالة والسالم « طلب العلم فريضة على كل مسلم‪ ،‬وإن طالب العلم يستغفر‬
‫‪1‬‬ ‫له ّ‬
‫كل شيء حتى الحيتان في البحر»‬

‫والحضارة اإلسالمية قامت أساس ًا على العلم وتطبيقاته واإلسالم إذ يدعو إلى‬
‫العلم يدعو إلى العلم الجاد النافع والمثمر‪ ،‬العلم الذي يقذف في القلوب ثورة‬
‫فتصبح طآقة منفجرة تؤتي األمّة بالخير النافع ال تخاف من مستبد أو ظالم ‪.‬‬

‫إن المستبد ال يخاف من العلوم كلها‪ ،‬بل‬


‫يقول عبد الرحمن الكوكبي رحمه الله» ّ‬
‫من التي توسع العقول‪ ،‬وتعرف اإلنسان ما هو اإلنسان‪ ،‬وما هي حقوقه‪ ،‬وهل هو‬
‫مغبون؟ وكيف الطلب؟ وكيف النوال؟ وكيف الحفظ؟ المستبد عاشق للخيانة‬

‫(‪ )1‬السيوطي‪ ،‬الجامع الصغير‪ ،‬الصفحة أو الرقم ‪ ،5266‬الدرر السنية‪ ،‬رواه عن أنس بن مالك‪.‬‬

‫‪-73-‬‬
‫والعلماء عواذ له‪ ،‬المستبد سارق ومخادع‪ ،‬والعلماء منبهون محذرون‪ ،‬وللمستبد‬
‫أعمال وصوالح ال يفسدها عليه إ ّ‬
‫ال العلماء ‪ :‬المستبد كما يبغض العلم لنتائجة‬
‫ألن للعلم سلطان ًا أقوى من كل سلطان‪ ،‬فال بُد للمستبد من أن‬
‫يبغضه لذاته‪ّ ،‬‬
‫يستحقر نفسه كلما وقعت عينه على من هو أرقى منه علم ًا ولذلك ال يحب المستبد‬
‫أن يرى وجه عالم ذكي‪ ،‬فإذا اضطر لمثل الطبيب والمهندس يختار المتصاغر‬
‫المتملق‪ ،‬وعلى هذه القاعدة بنى ابن خلدون قولة « فاز المتملقون» بل هذه‬
‫طبيعة في كل المتكبرين وعليها مبني ثنائهم على كل من يكون مسكين ًا خام ً‬
‫ال ال‬
‫‪1‬‬
‫يرجى لخير وال لشر»‬

‫حق العمل واتلوظيف‬

‫« هذا من الحقوق االجتماعية المستحدثة في تعداد حقوق اإلنسان ‪ ،‬وهو أن‬


‫يجد الفرد عم ً‬
‫ال ‪ ،‬وحقه في أن ينال أجر ًا عاد ً‬
‫ال ‪ ،‬وحقه في أن يعمل في ظروف‬
‫‪2‬‬
‫مشرفة ‪ ،‬وكذلك حقه في الراحة واالستجمام‪ ،‬وفي أوقات الفراغ وغير ذلك»‬

‫والعمل في نظر اإلسالم مقدس وبدونه ال تستقيم الحياة ‪ ،‬يقول سبحانه « ﭽ ﯟ‬


‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﭼ التوبة‪ ١٠٥ :‬ﭽ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﭼ‬
‫األنعام‪ ،١٣٥ :‬ويقول سبحانه ﭽ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭼ الملك‪١٥ :‬‬

‫(‪ )1‬الكواكبي ‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬طبائع االستبداد ومصارع االستعباد ‪ ،‬ص‪ ،52-51‬مرجع سابق‬

‫(‪ )2‬خليل والطماوي‪ ،‬موجز القانون الدستوري‪ ،‬ص‪ ،382‬بوساطة كتاب حق الحرية في العالم‪ ،‬د‪ .‬الزحيلي‪ ،‬وهبة‪،‬‬

‫ص‪.188‬‬

‫‪-74-‬‬
‫واهم حقوق العامل يه‪-:‬‬

‫‪« -1‬أن يوفي أجره المكافىء لجهده دون حيف عليه أو مماطلة له يقول عليه‬
‫‪1‬‬
‫الصالة والسالم ‪ « :‬أعطوا األجير أجره قبل أن يجف عرقه»‬

‫‪ -2‬أن توفر له حياة كريمة تتناسب مع ما يبذله من جهد ﭽ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﭼ‬


‫األحقاف‪. ١٩ :‬‬

‫‪ -3‬أن يمنح ما هو جدير به من تكريم المجتمع كله له يقول عليه الصالة والسالم‬
‫‪2‬‬
‫« إن الله يحب المؤمن المحترف»‬

‫‪ -4‬أن يجد الحماية‪ ،‬التي تحول دون غبنه واستغالل ظروفة « ففي الحديث «‬
‫باع حر ًا فأ كل ثمنه‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫رجل أعطى بي ثم غدر‪ ،‬ورجل َ‬ ‫ثالثة أنا خصمهم يوم القيامة‬
‫‪4‬‬
‫ورجل استأجر أجير ًا فاستوفى منه ولم يعطه ‪»3‬‬

‫حقوق غري املسلمني‬


‫« من المعروف شرع ًا ‪ :‬أن أصحاب األديان المخالفة لإلسالم صنفان‪ :‬صنف هم‬
‫عباد األوثان‪ ،‬والمجوس‬
‫أصحاب الديانات الوثنية أو الوضعية‪ ،‬مثل‪ :‬المشركين ّ‬
‫عباد النار‪ ،‬الصائبين عباد الكواكب‪.‬‬

‫وصنف هم أصحاب الديانات السماوية‪ ،‬أو الكتابية وهم الذين لهم دين سماوي‬

‫(‪ )1‬ابن ماجة‪ ،‬محمد بن يزيد‪ ،‬سنن ابن ماجة‪ ،‬باب أجر األجراء‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.816‬‬
‫(‪ )2‬رواه الطبراني‪ ،‬المعجم الوسيط‪ ،‬صم‪ ،380 ،8‬والحديث فيه ضعف راجع الدرر السنية‪.‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ ،‬محمد بن اسماعيل‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب اإلجارة‪ ،‬باب إثم من منع أجر األجير‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.792‬‬
‫(‪ )4‬الغزالي‪ ،‬محمد‪ ،‬حقوق اإلنسان بين تعاليم اإلسالم وإعالن األمم المتحدة‪ ،‬ص‪ ،181‬ط‪1422 ،5‬هـ‪2002 ،‬م‪،‬‬
‫دار الدعوة اإلسكندرية‪.‬‬

‫‪-75-‬‬
‫في األصل ولهم كتاب منزل من عند الله كاليهود والنصارى‪ ،‬وهم الذين يسميهم‬
‫‪1‬‬
‫القرآن أهل الكتاب « تلطف ًا بهم وإيناس ًا لهم»‬

‫وهؤالء أهل الكتاب الذين يعيشون في كنف الدولة اإلسالمية يطلق عليهم ُ‬
‫أهل‬
‫الذمة وهذا المصطلح للمدح وليس ذم ًا او تحقير ًا او انتقام ًا من قدر وقيمة القوم‪.‬‬

‫ألن لهم‬
‫« والذمة « كلمة من معناها العهد والضمان واألمان وإنّما ُسموا بذلك ‪ّ ،‬‬
‫عهد الله‪ ،‬وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وعهد جماعة المسلمين‪ :‬أن يعيشوا‬
‫في حماية اإلسالم‪ ،‬وفي كنف المجتمع اإلسالمي آمنين مطمئنين‪ ،‬فهم في أمان‬
‫المسلمين وضمانهم‪ ،‬بنا ًء على «عقد الذمة» بينهم وبين أهل اإلسالم ‪ ،‬فهذه‬
‫الذمة تعطي أهلها من غير المسلمين ما يشبه في عصرنا «الجنسية السياسية التي‬
‫تعطيها الدولة لرعاياها‪ ،‬فيكتسبون بذلك حقوق المواطنين ويلتزمون بواجباتهم‪،‬‬
‫فالذمي على هذا األساس من أهل دار اإلسالم» كما يعبر الفقهاء ‪ ،‬أو من حاملي‬
‫‪2‬‬
‫«الجنسية اإلسالمية» كما يعبر المعاصرين»‬

‫ويمكن أن جنمل أهم احلقوق فيما ييل‪-:‬‬


‫حرية اتلدين‪-:‬‬
‫نرغم أحد ًا من أهل الكتاب على اعتناق الدين اإلسالمي ‪ ،‬فهو حر‬
‫َ‬ ‫ال يجوز لنا أن‬
‫فيما يختار ما يشاء ‪ ،‬لقول سبحانه وتعالى‪:‬ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ‬
‫ﰈﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕﰖ‬
‫ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﭼ البقرة‪٢٥٦ :‬‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ ،‬األقليات الدينية «الحل اإلسالمي» ص‪ ،33‬ط‪1417 ،1‬هـ‪1996 ،‬م‪ ،‬دار الفرقان‪ ،‬األردن‪.‬‬

‫(‪ )2‬الدكتور القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ ،‬غير المسلمين في المجتمع اإلسالمي ‪ ،‬ص‪ .30-29‬ص‪ ، 7‬ط‪1425 ،4‬ﻫ‪2005 ،‬م‪ ،‬مكتبة ‪ ،‬القاهرة‬

‫‪-76-‬‬
‫يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله « واإلكراه هو أن تحمل الغير على فعل ال يرى‬
‫هو خير ًا في أن الله يفعله أي ال يرى الشخص المكره فيه خير ًا حتى يفعله‪ ...‬كان‬
‫من الممكن أن الله يقهر اإلنسان المختار كما قهر السموات واألرض والحيوان‬
‫يعص أمره فيقول سبحانه ﭽ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫ِ‬ ‫والنبات والجماد‪ ،‬وال أحد يستطيع أن‬
‫يريد أن يعلم من يأتيه محب ًا مختار ًا‬
‫ُ‬ ‫ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﭼ الرعد‪ ، ٣١ :‬لكن الحق‬
‫وليس مقهور ًا‪ ..‬تقول لمسلم‪ :‬لماذا ال تصلي؟ يقول لك‪ « :‬ال إكراه في الدين‬
‫ويدعي أنه مثقف‪ ،‬ويأتيك بهذه اآلية ليلجمك بها‪ ،‬فتقول له‪ :‬ال» ال إكراه في‬
‫الدين» عقيدة وايمان ًا‪ ،‬إنما إن آمنت وأعلنت أنك آمنت بالله وصرت معلن ًا مسلم ًا‬
‫فال بُد أن تعرف أنك ان كسرت حكم ًا من أحكام اإلسالم نطلب منك أن تؤديه ‪،‬‬
‫أنت حر أن تؤمن أو ال تؤمن‪ ،‬لكن حين التزمت باإليمان ‪ ،‬فعليك مسؤولية تنفيذ‬
‫ُ‬
‫تصرفك أنه من تصرفات اإلسالم‪ ،‬فاذا كنت تشرب‬ ‫مطلوب اإليمان‪ .‬وإ ّ‬
‫ال ُحسب‬
‫خمر ًا فإنك حر‪ ،‬ألنك كافر مث ً‬
‫ال ‪ ،‬لكن أتؤمن ثم تشرب خمر ًا؟ ال ‪ ،‬أنت بذلك‬
‫‪1‬‬
‫تكسر حد ًا من حدود الله ‪ ،‬وعليك العقاب»‬

‫« وعن ابن عباس قوله» ال إكرآه في الدين « قال‪ :‬نزلت في رجل من األنصار من‬
‫بني سالم بن عوف يقال له الحصيني كان له ابنان نصرانيان وكان هو رج ً‬
‫ال مسلم ًا‬
‫فقال للنبي صلى الله عليه وسلم أال استكرهما فإنما قد أبيا إ ّ‬
‫ال النصرانية فأنزل الله‬
‫الس ُدى نحو ذلك وزاد ‪ ،‬وكانا قد تنصرا على أيدي تجار قدموا‬
‫فيه ذلك‪ ،‬وروى ّ‬
‫من الشام يحملون زبيب ًا فلما عزما على الذهاب معهم أراد أن يستكرهما وطلب من‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث في آثارهما فنزلت هذه االية» ‪ 2‬وأساس‬
‫التعامل مع اآلخر هو التسامح واالحترام ‪ ،‬فعن جابر بن عبد الله « م ّرت بنا جناز ًة‬

‫(‪ )1‬الشعراوي‪ ،‬محمد‪ ،‬تفسير الشعراوي‪ ،‬م‪ ،2‬ص‪ ،1127-1126‬أخيار اليوم‪ ،‬القاهرة‬
‫(‪ )2‬ابن كثير‪ ،‬أبو الفداء‪ ،‬تفسير ابن كثير‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص‪ ،312‬مطبعة األنوار المحمدية‪.‬‬

‫‪-77-‬‬
‫فقام لها النبي ‪ ‬واقف ًا فقلنا له‪ :‬يا رسول الله إنها جنازة يهودي ‪ ،‬فقال‪ ،‬إذا رأيتم‬
‫‪1‬‬
‫الجنازة فقوموا أليست نفسا»‬

‫وقد وردت أحاديث خاصة ختص أقباط مرص‪:‬‬

‫فقد روت أم المؤمنين أم سلمه رضي الله عنها‪ :‬أن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم أوصى عند وفاته فقال‪ -:‬الله‪ ،‬الله في قبط مصر‪ ،‬فإنكم ستظهرون عليهم‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫ويكونون لكم عدة وأعوان ًا في سبيل الله «‬

‫وعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪ « :‬إنكم‬
‫‪3‬‬
‫ستفتحون أرض ًا يذكر فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خير ًا‪ ،‬فإن لهم ذمة ورحما «‬

‫« ويلتزم أهل الذمة بمقتضى عهد الذمة بأمرين أساسيين األول‪ :‬دفع الجزية‬
‫وبعض التكاليف المالية على القادر منهم للمساهمة في أعباء الدولة المالية‪ ،‬أو‬
‫المشاركة في العدالة االجتماعية في مقابل الحماية والرعاية المتوافرة لهم‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬اإللتزام باألحكام الشرعية في المعامالت والعقوبات والقضاء‪ ،‬ليكونوا‬


‫مع المسلمين على حد سواء وتطبق على الجميع أحكام واحدة ‪ ،‬وشريعة واحدة‪.‬‬

‫ويترك ألهل الذمة أمران‪ :‬االول‪ :‬الدين والعقيدة والعبادة التي يؤمنون بها‪ ،‬الثاني‪:‬‬
‫أحكام األسرة في الزواج والطالق‪ ،‬ويلحق بذلك شرب الخمر‪ ،‬وأكل لحم الخنزير‪،‬‬
‫لصلة ذلك بأصل التدين وأنها تعتبر مباحة بمقتضى عقيدتهم الخاصة « أما في‬
‫عصرنا الحاضر ‪ ،‬فلم يبق عقد الذمة موجود ًا بصورته القديمة‪ ،‬واختلفت األسس‬

‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬محمد بن اسماعيل‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب من قام بجنازة يهودي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.441‬‬
‫(‪ )2‬األلباني‪ ،‬السلسلة الصحيحة‪ ،‬رقم ‪ ،3113‬إسناده صحيح رجاله ثقات‪.‬‬
‫(‪ )3‬ابن حبان‪ ،‬الصحيح‪ ،‬رقم الحديث ‪ ،6676‬رواه أبو در‪ ،‬الدرر السنية‪ ،‬وحكم عليه بالصحة‪.‬‬

‫‪-78-‬‬
‫واألنظمة التي تنظم عالقات الدول مع بعضها ‪ ،‬وعالقات الدولة مع المواطنين‬
‫القاطنين في أرضها بمختلف فئاتهم‪ ،‬واذا أردنا أن نطبق عقد الذمة في عصرنا‬
‫الحاضر فال بد من التفريق في أحكامه بين حالتين‪-:‬‬

‫الحالة األولى‪ -:‬في تطبيقه في القانون الدولي‪ ،‬وإنهاء القتال مع الدول األخرى‬
‫أثناء الحرب وبعد انتها ِئها ففي هذه الحالة لم يبق مجال لتطبيق عقد الذمة ودفع‬
‫الجزية‪ ،‬لعدم تعارف الدول عليه في الوقت الحاضر‪ ،‬وزوال استعماله في التعامل‬
‫الدولي‪ ،‬وااللتزام بمبدأ المعاملة بالمثل وفي هذه الحالة يتطور عقد الذمة بما‬
‫يتناسب مع األنظمة العالمية بدون دفع الجزية ‪ ،‬وهذا جائز شرع ًا‪ ،‬فيجوز لولي‬
‫األمر أن يعقد اتفاقيات ومعاهدات وعقود ًا تحقق المصالح العامة للمسلمين‪،‬‬
‫ومركزهم المناسب في المجتمع الدولي بما ال يتناقض مع أحكام اإلسالم‪.‬‬

‫الحالة الثانية‪ :‬في تطبيق عقد الذمة ودفع الجزية في األنظمة والقوانين الداخلية‬
‫على المواطنين القاطنين في أرض الدولة‪ ،‬وهنا ال نجد عضاضة من تطبيقه‬
‫ألن عقد الذمة تنظيم داخلي لفئة من المواطنين ‪.‬‬
‫في األلفاظ والمصطلحات‪ّ ،‬‬
‫ويتضمن دفع ضريبة معينة على فئة من الناس‪ ،‬ويقابلها التزامات أخرى على بقية‬
‫الفئات‪ ،‬وهذا ال غبار عليه‪ ،‬والدول الحديثة تفرض ضرائب معينة على فئات دون‬
‫أخرى ‪ ،‬كما أن السلطات العليا تنظم أحكام الجنسية والتجنيس» ‪.1‬‬

‫(‪ )1‬الصوا‪ ،‬علي‪ ،‬موقف اإلسالم من غير المسلمين في المجتمع اإلسالمي‪ ،‬ص‪ ،50-49‬كتاب الموجز في معاملة‬
‫غير المسلمين في اإلسالم ‪ ،‬منشورات مؤسسة آل البيت ‪1994 ،‬م‬

‫‪-79-‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬حق احلماية‪ :‬ويتمثل هذا احلق بما ييل‪-:‬‬
‫(أ) احلماية من االعتداء اخلاريج‪:‬‬

‫قال صاحب كتاب « مطالب أولي النهى» « يجب على اإلمام حفظ أهل الذمة‬
‫ومنع من يؤذهم‪ ،‬وفك أسرهم‪ ،‬ودفع من قصدهم بأذى إن لم يكونوا بدار حرب‪،‬‬
‫بل كانوا بدارنا ولو كانوا منفردين ببلد‪ ،‬وعلل ذلك بأنهم جرت عليهم أحكام‬
‫‪1‬‬
‫اإلسالم وتأبد عقدهم‪ ،‬فلزمه ذلك كما يلزمه للمسلمين»‬

‫(ب) احلماية من الظلم ادلاخيل‪-:‬‬

‫«أمّا الحماية من الظلم الداخلي فهو أمر يوجبه اإلسالم ويشدد في وجوبه ‪،‬‬
‫ويحذر المسلمين أن يمدوا أيديهم أو ألسنتهم إلى أهل الذمة بأذى أو عدوان فالله‬
‫يحب الظالمين وال يهديهم بل يعاجلهم بعذابه في الدنيا أو يؤخر لهم‬
‫ُ‬ ‫تعالى ال‬
‫العقاب مضاعف ًا في اآلخرة‪ ،‬وقد تكاثرت اآليات واألحاديث الواردة في تحريم‬
‫الظلم وتقبيحه‪ ،‬وبيان آثاره الوخيمة في اآلخرة واألولى‪ ،‬وجآءت أحاديث خاصة‬
‫تحذر من ظلم غير المسلمين من أهل العهد والذمة‪.‬‬

‫يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ « :‬اال من ظلم معاهد ًا‪ ،‬أو انتقصه‪ ،‬أو كلفه‬
‫‪3‬‬
‫فوق طاقته‪ ،‬أو أخذ منه شيئ ًا بغير طيب نفس منه‪ ،‬فأنا حجيجة يوم القيامة‪»2‬‬

‫«عن سويد بن غفله قال لما قدم عمر الشام قام اليه رجل من أهل الكتاب فقال‪ -:‬يا‬

‫(‪ )1‬الرحيباني‪ ،‬مصطفى السيوطي‪ ،‬مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى ‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،603-602‬ط‪1415 ،2‬هـ‪،‬‬

‫المكتب اإلسالمي ‪ ،‬دمشق‪.‬‬

‫(‪ )2‬أبو داود‪ ،‬سليمان بن األشعب‪ ،‬السنن‪ ،‬باب تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات ‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪170‬‬

‫(‪ )3‬د‪ .‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ ،‬غير المسلمين في المجتمع اإلسالمي‪ ،‬ص‪.11-9‬‬

‫‪-80-‬‬
‫أمير المؤمنين إن رج ً‬
‫ال من المؤمنين صنع بي ما ترى قال وهو مشجوج‪ ،‬مضروب‬
‫فغضب عمر غضب ًا شديد ًا‪ ،‬ثم قال لصهيب انطلق وانظر من صاحبه فائتني به فانطلق‬
‫صهيب فإذا هو عوف بن مالك األشجعي فقال‪ -:‬إن أمير المؤمنين قد غضب عليك‬
‫غضب ًا شديد ًا‪،‬فأت معاذ بن جبل فليكلمة فإني أخاف أن يعجل اليك فلما قضى‬
‫عمر الصالة قال أن صهيب أجئت بالرجل قال‪ :‬نعم وقد كان عوف أتى معاذ ًا فأخبره‬
‫بقصته‪ ،‬فقام معاذ فقال‪ -:‬يا أمير المؤمنين إنه عوف بن مالك فاسمع منه وال تعجل‬
‫ُ‬
‫رأيت هذا يسوق امرأة مسلمة‬ ‫إليه ‪ ،‬فقال له عمر‪ :‬مالك ولهذا؟ قال‪ :‬يا أمير المؤمنين‬
‫على حمار فنخس بها‪ ،‬ليصرع بها فلم يصرع بها فدفعها فصرعت فغشيها‪ ،‬أو أ كب‬
‫عليها فقال له أئتني بالمرأة فلتصدق ما قلت فأتاها عوف فقال له أبوها وزوجها ما‬
‫أردت إلى صاحبتنا قد فضحتنا فقالت والله ألذهبن معه فقال أبوها وزوجها‪ :‬نحن‬
‫نذهب فنبلغ عنك فأتيا عمر فأخبراه بمثل قول عوف وأمر عمر باليهودي فصلب‪،‬‬
‫وقال ما على هذا صالحناكم‪ ،‬ثم قال أيها الناس اتقوا الله في ذمة محمد فمن فعل‬
‫‪1‬‬
‫منهم هذا فال ذمة له‪ ،‬قال سويد فذلك اليهودي أول مصلوب رأيته في اإلسالم»‬

‫ً‬
‫ثاثلا‪ :‬إسناد األعمال لغري املسلمني‬
‫جيوز إسناد األعمال لغري املسلمني ضمن القيود اتلايلة‪-:‬‬

‫‪ -1‬في الحاالت التي لم يشترط الفقهاء فيها شرط اإلسالم ‪ ،‬كاألمامة العظمى‪،‬‬
‫والقضاء بين المسلمين‪ ،‬وغير ذلك من األعمال ذات الصفة الدينية ‪.‬‬

‫‪ -2‬عند الحاجة والمصلحة التي يقدرها ولي األمر بمقتضى السياسة الشرعية ‪.‬‬

‫‪ -3‬توافر الثقة بنا ًء على الخبرة والتجربة والمعرفة الكافية‪.‬‬

‫(‪ )1‬الهندي‪ ،‬علي القادري‪ ،‬كنز العمال في سنن األقوال واألفعال‪ ،‬أحكام أهل الذمة ‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪211 – 210‬‬

‫‪-81-‬‬
‫‪ -4‬انتفاء التهمة‪ ،‬وعدم وجود العداء والبغضاء ‪ ،‬وعدم االرتباط بدولة أجنبية أو‬
‫مصالح أجنبية‪.‬‬

‫‪ -5‬عدم التطاول والتعالي على المسلمين‪ ،‬وعدم استغالل الناس ألغراض شخصية‬
‫أو إيقاع االذى والض َر بالمسلمين‪ ،‬وبذلك تتحقق مصلحة األمة باإلستفادة من‬
‫جميع عناصرها‪ ،‬واستغالل الطاقات التي فيها ‪ ،‬مع تأمين االستقرار‪ ،‬والعدالة‬
‫‪1‬‬
‫لجميع األفراد والمواطنين «‬

‫يقول د‪ .‬عبد الكريم زيدان‪« -:‬ونحن اذا تجاوزنا إلى واقع الدولة اإلسالمية‪ ،‬نجد‬
‫أن المسلمين في مختلف العصور يشركون الذميين والمستأمنين‪،‬عندما جاء سبي‬
‫قيسارية جعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بعضهم في الكتابة وأعمال المسلمين‪،‬‬
‫وسليمان بن عبد الملك عهد باإلشراف والنفقة على بناء مسجد الجماعة في بلدة‬
‫الرملة في فلسطين إلى كاتب نصراني يقال له البطريق «ابن النقا»‬

‫لما فتح المسلمون مصر ًا أبقوا العمال البيزنطيين‪ ،‬وكان من هؤالء شخص يدعى‬
‫«مثياس» كان هرقل قد واله أعمال المنطقة الشمالية من مصر ‪ ،‬ومن األشخاص‬
‫المعروفين «اثناسيوس» الذي شغل بعض مناصب الحكومة في مصر زمن األمويين‬
‫حتى بلغ مرتبة الرئاسة في دواوين اإلسكندرية‪ ،‬وكان لمعاوية بن سفيان كاتب‬
‫نصراني اسمه «سرجون» وفي زمن العباسيين عين الخليفة أبو جعفر المنصور‬
‫يهودي ًا اسمه « موسى « كان أحد اثنين في جباية الخراج‪ ،‬وقد تولى الوزارة في‬
‫زمن العباسيين بعض النصارى أ كثر من م ّره منهم» نصر بن هارون « سنة ‪369‬ﻫ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وعيسى بن نطورس النصراني سنة ‪380‬ﻫ «‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬الصوا‪ ،‬علي‪ ،‬موقف اإلسالم من غير المسلمين في المجتمع اإلسالمي‪ ،‬ص‪ ،54-53‬مرجع سابق‪.‬‬

‫(‪ http:www.odabasham )2‬وانظر ‪ ،‬البالذري‪ ،‬أحمد بن يحيى‪ ،‬فتوح البلدان‪ ،‬ج‪،1‬ص‪ ،149‬تحقيق رضوان‬
‫محمد‪1403 ،‬ﻫ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ ،‬بيروت‬

‫‪-82-‬‬
‫الوحدة اخلامسة‬

‫أهم القيم يف اإلسالم‬


‫ً‬
‫أوال‪ :‬االنتماء للوطن‬

‫قال صاحب لسان العرب « الوطن المنزل تقيم به ‪ ،‬وهو موطن اإلنسان ومح ّله‪،‬‬
‫والجمع أوطان‪ ،‬وأوطان الغنم والبقر‪ :‬مرابطها وأماكنها التي تأوي إليها‪ ،‬يقال أوطن‬
‫فالن أرض كذا وكذا أي‪ :‬اتخذها مح ً‬
‫ال ومسكن ًا يقيم فيها والموطن «المشهد من‬
‫مشاهد الحرب وفي النزيل»‬

‫ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﭼ التوبة‪ ٢٥ :‬وأوطنت األرض ووطنتها‬


‫توطين ًا واستوطنتها اي‪ :‬اتخذتها وطن ًا‪ ،‬أما المواطن‪ :‬فكل مقام قام به اإلنسان‬
‫فادع الله لي‬
‫ُ‬ ‫ألمر فهو موطن له ‪ ،‬كقولك اذا أتيت فوقفت في تلك المواطن‬
‫وإلخواني»‬

‫ُ‬
‫ووطنت نفسي على كذا فتوطنت أي‬ ‫يطن وطن ًا بالمكان أقام به وألفه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫« وطن»‬
‫مهدتها له وحملتها عليه قال الشاعر ‪: 1‬‬
‫‪2‬‬
‫الدهر حين تنوب»‬
‫على نائبات ّ‬ ‫وال خير فيمن ال ّ‬
‫يوطن نفسه‬

‫من طبيعة اإلنسان أنه يألف المكان الذي ولد فيه‬

‫(‪ )1‬الشاعر هو‪ :‬صابي البرجمي وهو أبو إسحاق إبراهيم بن هالل بن زهرون بن حبوت الحمراني الصابي‪ ،‬صاحب‬
‫الرسائل وال ّنظم‪ ،‬وكان كاتب اإلنشاء ببغداد عن الخليفة وعن عز الدولة أبو بويه توفي قبل سنة ثمانين وثالث مئة‪.‬‬
‫الدمشقي‪ ،‬شمس الدين محمد بن عبد الله‪ ،‬توضيح المشتبه في ضبط أسماء الرواة وأنسابهم وألقابهم وكناهم‪ ،‬تحقيق‬
‫محمد العرفسوسي‪1993 ،‬م‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫(‪ )2‬ابن منظور‪ ،‬محمد بن مكرم‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج‪ ، 13‬ص‪ 451.‬وانظر الفراهيدي‪ ،‬الخليل بن أحمد‪ ،‬العين‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫ص‪ ،435‬تحقيق الدكتور مهدي المخزومي والدكتور إبراهيم السامراني ‪ ،‬دار ومكتبة الهالل‬

‫‪-83-‬‬
‫ُ‬
‫يحمل‬ ‫«والوطن عزيز على النفس‪ ،‬ففيه ولد اإلنسان‪ ،‬وفيه يعيش مهد طفولته‪ ،‬وفيه‬
‫ُ‬
‫ويتمثل عاداتهم وأساليب حياتهم‬ ‫ْ‬
‫جل ذكرياته‪ ،‬واإلنسان يألف مع بني جلدته‪،‬‬
‫ُ‬
‫ينتقل اإلنسان إلى بيئة أخرى‬ ‫بكل عفوية وبساطة دون وجل أو تردد‪ ،‬وعندما‬
‫جديدة فهو مضطر إلى التكيف مع العادات والقيم السائدة في ذلك المجتمع فهذا‬
‫يكابد نمط هذه الحياة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يجعل اإلنسان يشعر بالتوتر‪ ،‬والضيق‪ ،‬والخوف وهو‬ ‫الحال‬
‫إن القرآن الكريم يدعو أتباعه إلى الضرب في األرض‪ ،‬والسير فيه سوآء‬
‫الجديدة ‪ّ ،‬‬
‫من أجل الفرار بالعقيدة‪ ،‬أو الرزق‪ ،‬أو العلم ‪ ،‬أو اإلتعاظ باألمم السابقة واكتشاف‬
‫مدى هذا الكون الرحيب ‪.‬يقول سبحانه « ﭽ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫‪1‬‬
‫ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﭼ آل عمران ‪:١٣٧‬‬

‫هذا الشعور وهذه العاطفة ال ينكرها اإلسالم ‪ ،‬قال الرسول ‪ ‬عندما خرج من‬
‫أن‬
‫ألحب أرض الله إلى الله‪ ،‬ولوال ّ‬
‫ُّ‬ ‫مكة بعدد اضطهاد قريش له قال‪ « :‬والله إنّك‬
‫‪2‬‬
‫قومي أخرجوني منك ما خرجت»‬

‫«وعندما مرض بالل رضي الله عنه‪ ،‬فدخل عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو‬
‫ينشد ويقول‪-:‬‬

‫بواد وحولي ْ‬
‫إذخ ّر وجليل‬ ‫ٍ‬ ‫أبيتن ليلة‬
‫َّ‬ ‫أال ليت شعري‪ :‬هل‬

‫َبد ُو َن لي شآمة وطفيل‬


‫وهل ي ْ‬ ‫وهل أر َْد َن يوم َا مياه م َ‬
‫َج ّنة‬

‫يتمنى بالل أن يسعده القدر يوم ًا بليلة يبيت فيها بهذا الوادي الذي قال عنه القرآن‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬الديك‪ ،‬محمد‪ ،‬األمن في القرآن الكريم دراسة موضوعية‪ ،‬ص ‪،48‬رسالة دكتوراة‪ ،‬إشراف د‪ .‬محمود جادين‪،‬‬
‫‪2003 ،1424‬م‬

‫(‪ )2‬الترمذي‪ ،‬محمد بن عيسى‪ ،‬سنن الترمذي‪ ،‬باب في فضل مكة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ ،722‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪-84-‬‬
‫« بواد غري ذي زرع « ابراهيم ‪ 37:‬وحوله حشيش األذخر ‪ ،‬وأن يجود عليه الدهر فيرد‬
‫مياه مج ّنة بمكة‪ ،‬ويظهر له شامة وطفيل ‪ ،‬وهما من جبال مكة‪ « ،‬وعن عائشة قالت‬
‫قدمنا المدينة وهي وبيئة فاشتكى أبو بكر واشتكى بالل فلما رأى رسول الله صلى‬
‫حبب إلينا المدينة كما ح َب ّبت مكة أو‬
‫الله عليه وسلم شكوى أصحابه قال‪ :‬اللهم ّ‬
‫‪1‬‬
‫حماها إلى الجمعة»‬
‫ومدها وحوّل ّ‬
‫وصححها‪ ،‬وبارك لنا في صاعها ّ‬
‫ّ‬ ‫أشد‬

‫يظلم فيه‪ ،‬وال‬


‫ُ‬ ‫ونجد القرآن الكريم يفرض على المسلم الهجرة من وطنه الذي‬
‫ّ‬
‫يتمكن من إقامة فرائض فيه وشعائر دينية‪ ،‬باحث ًا عن مكان آخر في أرض الله‬
‫يجد فيها حريته الدينية ‪ ،‬واذا لم يفعل ذلك كان آثم ًا عند الله لرضاه‬
‫ُ‬ ‫الواسعة‬
‫بالهوان لنفسه ودينه طائع ًا مختار ًا ‪ ،‬ما لم يكن عاجز ًا عن الهجرة لسبب من‬

‫األسباب ‪ ،‬فهذا يرجى له أن يعفو الله عنه ‪ ،‬يقول تعالى‪ :‬ﭽ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬


‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ‬
‫‪2‬‬
‫ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ النساء‪»٩٨ - ٩٧ :‬‬

‫ولسائل أن يسأل هل يقيم اإلسالم اعتبار ًا لجغرافيا األرض؟‬

‫بالتأ كيد اإلسالم في أهدافه العليا يقصد إلى إيجاد البيئة المكانية الحاضنة وهذه‬
‫والديار عزيزة‬
‫ّ‬ ‫ال تتم اال بأداء كل شخص يقيم فيها بالدور االيجابي الفاعل‪،‬‬
‫فقد جعل القرآن الكريم اإلخراج من الديار صنو القتل ‪ .‬يقول سبحانه وتعالى‪:‬‬

‫(‪ )1‬النيسابوري‪ ،‬مسلم‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬الصحيح‪ ،‬باب الترغيب في سكن المدينة المدينة والصبر على ألوانها‪ ،‬ج‪،2‬‬

‫ص‪.1503‬‬

‫(‪ )2‬د‪ .‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ ،‬الوطن والمواطنة في ضوء األحوال العقدية والمقاصد الشرعية‪ ،‬ص‪ ،2010 ،16-15‬دار‬

‫الشروق‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪-85-‬‬
‫لذا استحقت منا ضريبة الشرف والدفاع عن الحمى ‪ ،‬لذا أفتى الفقهاء بوجوب‬
‫التصدي للعدو في حاله اعتدى عليها ‪.‬‬

‫يقول د‪ .‬القرضاوي‪ :‬اذا هجم العدو على بلد من بالد المسلمين‪ ،‬أو ضيق هجومه‬
‫العام‪ ،‬وهو أن يحتاج إلى جميع‬
‫ّ‬ ‫وبدون بوادره‪ ،‬وهذه الحالة تسمى‪»:‬النفير‬
‫المسلمين عند دخول الكفار واحتاللهم ألرض إسالمية أو تهديدهم لها وتوقع‬
‫خطر عليها فال يكتف ببعض المسلمين من أهل هذا البلد عن بعض آخر‪ ،‬بل‬
‫يهبون جميع ًا لمقاومة الغزو حسب اإلمكان كل بما يقدر عليه ‪ ،‬وال يجوز لقادر‬
‫التخلف عن المشاركة في المقاومة‪ ،‬ولهذا رأينا النبي ‪ ‬عام الخندق حين هاجم‬
‫المشركون المدينة لم يأذن ألحد في ترك الجهاد ونزل القرآن الكريم يذم الذين‬
‫يستأذنون النبي ‪‬ﭽﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﭼ‬
‫األحزاب‪.١٣ :‬‬

‫كما ذم القرآن الذين يتسللون خفية ويلوذون بيوتهم فرار ًا من واجب الحراسة‪ ،‬الذي‬

‫ُكلف به الجميع في مواجهة الخطر الزاحف وفيهم نزل قوله تعالى‪ :‬ﭽ ﭼ ﭽ‬
‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﭼ‬
‫«حقيقة ال تعارض بين أن ينتمي اإلنسان إلى وطنه أو إلى دينه‬ ‫‪1‬‬
‫النور‪»٦٣ :‬‬
‫فاإلنسان ينتمي إلى أسرته‪ ،‬وينتمي إلى عشيرته‪ ،‬وينتمي وإلى وطنه‪ ،‬وينتمي إلى‬
‫أمته الكبرى‪.‬‬

‫ولكن التعارض واإلشكالية تحدث عند تعارض الوالءات واالنتماءات ‪ ،‬وعند‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ ،‬فقه الجهاد‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،95‬مكتبة وهبه ‪ ،‬القاهرة‬

‫‪-86-‬‬
‫اقتران الوطنية بالعلمانية التي تفصل الدين عن الدولة كخالف ما هو معروف عن‬
‫شمولية اإلسالم‪ ،‬وعند الغلو في الوطنية حتى تصبح بدي ً‬
‫ال عن الدين ‪ ،‬وعندما‬
‫‪1‬‬
‫تتحول الوطنية إلى عصبية جاهلية»‬

‫االنتماء للمؤسسات اجلامعية‬


‫«الجامعة ‪ :‬هي مؤسسة للتعليم العالي‪ ،‬وهي تعطي شهادات‪ ،‬أو إجازات أ كاديمية‬
‫لخريجيها ‪ ،‬وهي توفر دراسة من المستوى الثالث والرابع كاستكمال للدراسة‬
‫المدرسية االبتدائية والثانوية‪ ،‬وكلمة جامعة مشتقه من كلمة الجمع واالجتماع‬
‫ككلمة جامع‪ ،‬ففيها يجتمع الناس للعلم‪،‬‬

‫ويطلق لفظ جامعه على مجموعة من المدرسين‪ ،‬والطلبة الذين يتابعون في مكان‬
‫مجتمعا‪ ،‬أو هيئة متضامنه لها سلطة منح‬
‫ً‬ ‫معين هؤالء األفراد‪ ،‬ويكونون بترابطهم مع ًا‬
‫‪2‬‬
‫الدرجات العلمية واإلمتيازات ‪ ،‬كما يشمل مصطلح الجامعة المباني والمعامل»‬

‫«الجامعات من األمور المستحدثة في القرون االخيرة وقد تطورت حتى بلغت‬


‫بصورة الفته‪ ،‬وهي تقوم بصنع اإلنسان‪ ،‬وتخريج القيادات والكفاءات للمجتمع‪،‬‬
‫وهذه المؤسسة لها حق علينا وللطالب أن يسأل كيف يكون الدور اإليجابي الب ّناء‬
‫تجاهها؟ بشكل مختصر نقول باالنتماء الصادق‪.‬‬

‫واالنتماء في حقيقته هو « إحساس تجاه أمر معين يبعث على الوالء له‪ ،‬واستشعار‬
‫‪3‬‬
‫الفضل في السابق والالحق»‬

‫(‪)1‬د‪ .‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ ،‬الوطن والمواطنة‪ ،‬ص‪ 49-45‬باختصار شديد‬


‫(‪File:///C:users/rtc/Desktop )2‬‬
‫(‪ ،.File:///users/rtc/desktop )3‬المرجع السابق‬

‫‪-87-‬‬
‫ويمكن أن جنمل هذا االنتماء بانلقاط اآلتية‪-:‬‬

‫أو ً‬
‫ال‪ -:‬المحافظة على سمعة الجامعة‪ ،‬واإلعتزاز بها فهذا من باب الوفاء‪.‬‬

‫ثاني ًا‪ :‬المحافظة على التعليمات واللوائح الداخلية‪ ،‬وكل ما يتعلق بالنظام الداخلي‬
‫الندب والواجب‪ ،‬ألن‬
‫فهذه التعليمات تطبيقها في منظور الشرع‪ ،‬يتراوح ما بين ّ‬
‫كل ما يعين على إظهار مكارم األخالق والرقي يشجعه اإلسالم ويدعو إليه‪ ،‬وكل‬

‫ما يؤدي إلى الفساد وثلم المؤسسات بدون وجه حق يأثم صاحبه‪ ،‬ﭽ ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﭼ المائدة‪٢ :‬‬

‫ثالث ًا‪ :‬في الجامعات التخصصات المختلفة ‪ ،‬إمّا علوم دينية أو علوم دنيوية‪.‬‬

‫والعلوم الدينية الغرض الالزم منه ما ال يستغن عنه المسلم في حياته ‪ ،‬أمّا التخصص‬
‫الدقيق في علوم الشريعة‪ ،‬فاإلسالم أوجبه على فئة قليلة تقوم بهذا الواجب « يقول‬

‫سبحانه ﭽ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﭼ التوبة‪١٢٢ :‬‬

‫وأما علوم الدنيا فمنها ما هو فرض كفائي «‬

‫ُستغنى عنه في قوام أمور الدنيا كالطب‪ ،‬إذ هو ضروري في حاجة بقاء‬
‫َ‬ ‫كل علم ال ي‬
‫األبدان‪ ،‬وكالحساب فإنه ضروري في المعامالت‪ ،‬وقسمه الوصايا‪ ،‬والمواريث‬
‫وغيرها‪ ،‬وهذه هي العلوم التي لو خال البلد عمن يقوم بها حرج أهل البلد‪ ،‬واذا‬
‫إن الطب‬
‫قام بها واحد كفى وسقط الفرض عن اآلخرين فال يتعجب من قولنا َ‬
‫والحساب من فروض الكفايات‪ :‬فإن أصول الصناعات أيض ًا من فروض الكفايات‬
‫‪1‬‬
‫كالفالحة والحياكة والسياسة «‬
‫(‪ )1‬الغزالي‪ ،‬أبو حامد‪ ،‬محمد‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪16‬‬

‫‪-88-‬‬
‫بنا ًء على ما تقدم فإن على الطالب أن يجد ويجتهد في دروسه دون تواكل أو‬
‫كسل ‪ ،‬وأكثر شيء يسيء إلى سمعة المتعلم أن يلجأ إلى الغش في امتحاناته‬
‫ويحصل على عالمات ال يستحقها‪ ،‬ويجب أن يعلم قطع ًا أن جنس الغش حرام‪،‬‬
‫وأن مرتكبه عدا أنه مخالف للقانون والنظام وأنه يرصد له عالمة مزورة ‪ ،‬والرسول‬
‫‪1‬‬
‫ومن غشّ نا فليس منا»‬
‫ْ‬ ‫فليس م ّنا‬
‫َ‬ ‫السالح‬ ‫َ‬
‫حمل علينا ّ‬ ‫‪ ‬قال « من‬

‫وشهادة الزور من أ كبر الكبائر‪ ،‬وبالتالي سيخرج إلى المجتمع قيادة مغشوشة‬
‫تحمل شهادات كاذبة‪ ،‬وهذا ما ينعكس مستقب ً‬
‫ال على مجتمعهم في الوظائف‬
‫فمآالت الغش اذا لم نشعر بها‬
‫التي يتقلدون ويتأذى بها كل واحد في المجتمع‪ّ ،‬‬
‫آنّي ًا فإنها على المستوى الزمني البعيد نتجرع العلقم الذي سمحنا به‪ ،‬أو لم نقطع‬
‫شأفته منذ المراحل التعليمية األولى في المدارس‪.‬‬

‫رابع ًا‪ :‬المحافظة على مرآفق الجامعة المتمثلة‪ :‬بالمباني واألثاث واألجهزة العلمية‬
‫المتخصصة ‪ ،‬المختبرات‪...،‬الخ محافظتنا على بيوتنا أو ممتلكاتنا الخآصة‪ ،‬وهذه‬
‫المرافق ليست ملك ًا لشخص‪،‬أو فئة وإنما هي ملك للمجتمع‪ ،‬والتعدي عليها حرام‬
‫شرع ًا والسرقة من ممتلكاتتها يصل إلى ما يسمى بالفقه اإلسالمي «بالغلول» ‪. 2‬‬

‫يقول سبحانه‪ :‬ﭽ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ ﭼ آل‬


‫عمران‪١٦١ :‬‬

‫(‪ )1‬النيسابوري‪ ،‬مسلم‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب قول النبي ‪ ‬من غشنا فليس منا‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪99‬‬

‫اله اإلنسان وهو مح ّرم إجماع ًا بل هو من الكبائر‪ ،‬السعدي‪،‬‬ ‫(‪ )2‬الغلول‪ ،‬هو الكتمان من الغنيمة والخيانة في ّ‬
‫كل ما يتو ّ‬

‫عبد الرحمن بن ناصر‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ ،155‬تحقيق ابن عثميين‪1421 ،‬ﻫ‪2000 ،‬م‪ ،‬مؤسسة الرسالة ‪ ،‬بيروت‬

‫‪-89-‬‬
‫ً‬
‫ثاثلا‪ :‬االنتماء للعشرية‬
‫من الواقع الذي نشاهده اإلنتماء إلى العائلة‪ ،‬أو العشيرة وهذا اإلنتماء نوع من‬
‫الروابط االجتماعية والتي بدأت منذ سيدنا آدم عليه السالم هذه الرابطة في‬
‫تطبيقاتها لها وعليها من وجهة نظر الشرع‪.‬‬

‫تعريف العشرية‪-:‬‬

‫والعشرة‪ :‬المخالطة‪ ،‬عاشرته معاشرة واعتشروا وتعاشروا تخالطوا‪ ،‬وعشيرة الرجل‪:‬‬


‫بنو أبيه األدنون‪ ،‬وقيل هم القبيلة والجمع عشآئر‪ ..‬وعشيرة المرأة زوجها ‪ ،‬ألنه‬
‫يعاشرها وتعاشره كالصديق والصادق‪ ،‬ومعشر الرجل‪ :‬أهله والمعشر الجماعة‬
‫‪1‬‬
‫متخالطين كانوا أو غير ذلك »‬

‫‪2‬‬
‫« وفي الحديث « أنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير»‬

‫‪3‬‬
‫يعني الزوج وقول الله تعالى‪:‬ﭽ ﯭ ﯮ ﯯ ﭼ الحج‪« ١٣ :‬والعشيرة»‬
‫مجتمع إنساني صغير يشترك في ملكية واحدة ويتضامن في أخذ الثأر من خصومه‬
‫‪4‬‬
‫وهو أضيق من القبيلة «‬

‫واإلسالم بطبيعته ال ينكر هذه النزعة القائمة على حب التفاخر باألحساب‬


‫واألنساب ولك ّنه يوجهها إلى المثل السامية « عن أبي مالك األشعري أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال‪ -:‬أربع في أمتي من أمر الجاهلية ال يتركونهن ‪ :‬الفخر‬
‫في األحساب ‪ ،‬والطعن في األنساب‪ ،‬واإلستسقاء بالنجوم‪ ،‬والنياحة» ‪.5‬‬
‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬محمد مكرم‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.574‬‬
‫(‪ )2‬البخاري‪ ،‬محمد بن اسماعيل‪ ،‬الصحيح‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.116‬‬
‫(‪ )3‬مختار الصحاح‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.182‬‬
‫(‪ )4‬نق ً‬
‫ال عن معجم اللغة العربية المعاصرة‪http:www.almaany.com ،‬‬
‫(‪ )5‬الحميدي‪ ،‬محمد بن فتوح‪ ،‬الجمع بين الصحيحين‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،468‬تحقيق د‪ .‬علي البواب‪ ،‬ط‪1423 ،2‬هـ‪2002 ،‬م‪ ،‬دار ابن‬
‫حزم‪ ،‬البيان‪.‬‬

‫‪-90-‬‬
‫وقال ‪ :‬ال ّنائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران‬
‫‪1‬‬
‫ودرع من جرب»‬

‫« الحسب الفعال الحسن للرجل وآلبائة مأخوذ من الحساب إذا حسبوا مناقبهم‪،‬‬
‫وعد كل واحد مناقبه ومآثر آبائه وكسبها فمن كان أ كثر فيها كان أولى بها وأعلى‬
‫ُّ‬
‫فيها‪ ،‬وإنما جعلها في الحديث من أمر الجاهلية؛ ألنهم كانوا يجعلون ذلك سبب ًا‬
‫للحروب والفتن واالستعالء ‪ ،‬واإلسالم قد ساوى بين الكل وهدم التفاخر المؤدي‬
‫إلى الضغآئن‪ ،‬ومناقب اإلسالم وشرائطه على خالف ما كانوا عليه ‪ ،‬وأصلها ُكلها‬
‫في اإلسالم هو كل ما يؤدي إلى األلفة والتعاون على البر وإطفاء الضغآئن وذم‬
‫‪2‬‬
‫الفتن كلها وأسبابها‪ ،‬وفي بعض اآلثار كرم المرء دينه‪ ،‬وحسبه خلقه»‬

‫والحقيقه أن أهل بيت اإلنسان وعائلته هم قوة ومنعة لإلنسان وقت الشدائد‪،‬‬
‫وهناك اإليجابيات العديدة في حياتنا اليومية والتي تعززها العشيرة منها الصلح‪،‬‬
‫ونصرة المظلوم‪ ،‬واإلشتراك بالديه والتكافل اإلجتماعي والتباحث في كل ما هو‬
‫خير على وجه العموم‪.‬‬

‫ونجد في سيرة الرسول ‪ ‬العطره أنه ابتدأ دعوته ألهله وعشيرته يقول سبحانه‪:‬‬
‫ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﭼ الشعراء‪ « ٢١٤ :‬عن عائشة قالت لما نزلت «‬
‫وأنذر عشيرتك األقربين « قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا فقال‪:‬‬
‫يا فاطم ُة بنت محمد‪ ،‬يا صفية بنت عبد المطلب‪ ،‬يا بني عبد المطلب ال أملك‬
‫‪3‬‬
‫لكم من الله شيئ ًا سلوني من مالي ما شئتم»‬
‫(‪ )1‬التيسابوري‪ ،‬مسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.644‬‬

‫(‪ )2‬الحميدي‪ ،‬محمد نصر‪ ،‬تفسير غريب ما في الصحيحين‪ ،‬البخاري ومسلم‪ ،‬ج‪ ،1‬تحقيق د‪ .‬زبيدة عبد العزيز‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫ص‪1415 ،445‬هـ‪1995 ،‬م‪ ،‬مكتبة الس ّنة‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫(‪ )3‬النيسابوري‪ ،‬مسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.129‬‬

‫‪-91-‬‬
‫ومما يؤكد منعة الشخص وقوته في عشيرته ما ذكره قوم شعيب عليه السالم له»‬

‫ﭽ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﭼ هود‪« ٩١ :‬عن زيد رضي الله عنه في قوله» ولوال‬
‫رهطك لرجمناك» قال» لوال أن نتقي قومك ‪ ،‬ورهطك لرجمناك» وقال علي «‬
‫‪1‬‬ ‫فوالله الذي ال إله غيره ما هابوا جالل ربهم ما هابوا إ ّ‬
‫ال العشيرة»‬

‫« ويقول العز بن عبد السالم في تفسيره» ما نفقة‪ :‬ما نفهم صحة ما تقول من‬
‫البعث والجزاء أو قالوه إعراض ًا عن سماعه‪ ،‬أو احتقار ًا لكالمه» ضعيف ًا « أعمى‬
‫أو ضعيف البصر أو البدن أو وحيد ًا أو ذلي ً‬
‫ال مهين ًا أو قليل العقل أو قليل المعرفة‬
‫بمصالح الدنيا‪ ،‬وسياسية أهلها‪ .‬رهطك»عشيرتك عند الجمهور أو شيعتك «‬
‫‪2‬‬
‫لرجمناك» بالحجارة‪ ،‬أو بالشتم» بعزيز» بكريم أو بممتنع»‬

‫االنتصار للحق هو المقياس الصحيح‪ ،‬أما ما سوى ذلك فهذا من شعار الجاهلية‬
‫التي تنصر أخاها ظالم ًا أو مظلوم ًا ‪ ،‬ولألسف فإننا نجد أن عيوب مسلكيات‬
‫القبيله‪« :‬القتل بدافع الثأر‪ ،‬فتقوم عائلة المغدور باإلنتقام وال ينتقمون من القاتل‬
‫بالذات بل يثأرون من أي شخص من القبيلة‪ ،‬وربما يكون رئيس العشيرة أو القبيلة‬
‫والقرآن بينه إلى أن ﭽ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ﮧﮨ ﭼ اإلسراء‪ ٣٣ :‬أي ال يتجاوز الحد الشرعي في القتل بأن يقتل عن جنب‬
‫وطرف ويقتل األشخاص الذين ال عالقة لهم بالقاتل‪.‬‬

‫ونجد مسألة غسل العار‪ ،‬حيث يقتلون المرأة لمجرد إشاعة تقول أنها زنت‪ ،‬أو‬
‫انحرقت مع شخص آخر من دون أي تحقيق‪ ،‬واإلسالم ال يثبت ُمسألة الزنا اال‬

‫(‪ )1‬السيوطي ‪ ،‬عبد الرحمن‪ ،‬الدر المنثور ‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص‪1993 ،471‬م‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫(‪ )2‬ابن عبد السالم‪ ،‬اإلمام عز الدين‪ ،‬تفسير العز بن عبد السالم‪ ،‬اختصار النكت والعيون للماوردي‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪ ،102‬تحقيق عبد‬
‫الله الوهبي‪1416 ،‬ﻫ‪1996 ،‬م‪ ،‬دار إبن حزم‪ ،‬بيروت‪http//Arabic.gayynat.org .‬‬

‫‪-92-‬‬
‫بأربعة شهود ‪ ،‬فإذا لم يأتوا بأربعة شهود فال يجوز لهم حتى الحكم عليها بأنها زنت‪.‬‬

‫واإلنسان الذي يقذف امرأة لمجرد شهادة رجل واحد‪ ،‬فهذا القاذف شرع ًا يجلد‬
‫ثمانين جلده‪ ،‬وال يُقبل له شهادة‪ ،‬ويعتبر من الفسقة؛ لذلك ال بد عند الحكم بالزنا‬
‫على المرأة أو الرجل من شهادة أربعة شهود يرون عملية الزنا في تفاصيلها‪ .‬اإلسالم‬
‫ال يجعل الدماء تحت تأثير حاالت عشائرية وقبلية وما إلى ذلك ‪ ،‬يوجد عندنا قيم‬
‫جاهلية ال تزال موجودة في مجتمعاتنا وكثير من الناس يتأثرون بها‪ ،‬حتى وإن كانوا‬
‫من الذين حجوا ويصلون‪ ،‬ويصومون‪ ،‬اال أنهم في مثل هذه األمور يمارسون كل‬
‫العادات العشائرية وحجته أنه اذا لم يقتلها‪ ،‬فمعنى ذلك أنه سيطأطىء رأسه أمام‬
‫العشيرة‪ ،‬ولكن أن تطأطئ رأسك أمام العشيرة‪ ،‬أفضل من أن تطأطىء رأسك أمام الله‬
‫سبحانه‪ ،‬والحسين عليه السالم ينسب اليه أنه عندما برز إلى المعركة قال‪-:‬‬

‫الموت أولى من ركوب العار‪ ،‬والعار أولى من دخول النار‪ ،‬وأي عار أعظم من أن‬
‫يقال لك أمام الخالئق كلها ﭽ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬
‫ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﭼ الحاقة‪ ٣٢ - ٣٠ :‬هل هذا أفضل أو أن يأتي اليك‬
‫‪1‬‬
‫شخص ويسخر منك ويقول لك ليس عندك شرف أو ما أشبه ذلك»‬

‫أمّا إذا كانت رابطة الوالء العشائري تقوم على حب أفرادها لبعضهم البعض‪،‬‬
‫وتعاونهم على الخير‪ ،‬وتناصحهم لما فيه مصلحتهم ولما تقتضية مناسبات األفراح‬
‫واألحزان من مشاركة ومواساة‪ ،‬ونصرة المظلوم ومساعدة المحتاج‪ ،‬ومنع الظالم‬
‫من التمادي في ظلمه فهذه قيم يباركها اإلسالم ويحث عليها‪ .‬عن أنس رضي‬
‫َ‬
‫أخاك ظالم ًا أو مظلوم ًا‬ ‫الله عنه قال‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « أنّصر‬
‫‪2‬‬
‫فكيف ننصره ظالم ًا؟ قال‪ -:‬تمنعه من الظلم فإن ذلك ْ‬
‫نص ُره»‬
‫(‪ )1‬الدكتور فضل الله‪ ،‬محمد حسين ‪ ،‬تقاليدنا العشائرية والغرب ‪24 ، 2014/1/28‬رجب ‪1425‬ﻫ باختصار‬

‫(‪ )2‬البخاري‪ ،‬محمد بن اسماعيل‪ ،‬كتاب اإلكراه‪ ،‬باب يمين الرجل لصاحبه أنه أخوه إذا ضاق عليه‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.255‬‬

‫‪-93-‬‬
‫« والصلح العشائري من العادات الحميدة المتفقه مع نصوص الشرع ومقاصده‬
‫في درء الفتنة‪ ،‬والتقريب بين الناس‪ ،‬وإعادة اللحمة والصلة والمودة بعد التباغض‬
‫الدماء‪،‬‬
‫والتدابر والتقاتل‪ ،‬فقد اعتادت العشائر على األخذ بكل ما من شأنه حقن ّ‬
‫وتسكين الشر‪ ،‬والحجز بين المتخاصمين من خالل ما يُسمى بالعطوة‪ ،‬وتعني «‬
‫الفترة الزمنية التي يمنحها أهل المجني عليه للجاني وأهله أو األهله فقط‪ .‬وذلك‬
‫بعد وقوع الجناية مباشرة‪ ،‬فيتوسط في العطوة أهل الخير « الجاهة» ويعتمد‬
‫عليها المصلحون خطوة أولية في حل مشكالت الناس عند وقوع الجناية نظر ًا‬
‫لتوتر النفوس‪ ،‬وتحركها نحو الشر وتأهب الطرفين للصد وال ْرد وهي هدنه مؤقته‪.‬‬
‫لحين السير في إجراءات التقاضي وهدوء النفوس ثم إجراء الصلح لمسعى أهل‬
‫الخير من وجود العشائر‪ ،‬ولوال هذه العادة الحميدة لوقعت كثي ٌر من الفتن والتارات‬
‫‪1‬‬
‫وردود االفعال غير المتوقعة «‬

‫ً‬
‫رابعا‪ :‬ثقافة الصالح العالم‬
‫اإلنسان بطبيعته يميل إلى حب الذات‪ ،‬وتحقيق الكمال اإلنساني ويرنو دوم ًا إلى‬
‫التفوق والصدارة ما إستطاع إلى ذلك سبيال‪ ،‬من القيم التي ال يأبه لها كثير من‬
‫الناس تتعلق من حيث المبدأ بما يسمى بفقه األولويات أو فقه الموازنات‪.‬‬

‫«وفقه األولويات يعني‪ :‬وضع كل شيء في مرتبته‪ ،‬فال يؤخر ما حقه التقديم أو‬
‫‪2‬‬
‫يكبر األمر الصغير‪».‬‬
‫يقدم ما حقه التأخير وال يصغر األمر الكبير وال ّ‬

‫وفقه الموازنات يعني‪ -:‬العلم بالدالئل واألسس التي تضبط النظر في الترجيح‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬نوفل‪ ،‬أحمد وزمالؤه‪ ،‬الثقافة اإلسالمية وقضايا العصر‪ ،‬ص‪.271-270‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ ،‬أولويات الحركة اإلسالمية في المرحلة القادمة‪ ،‬ص‪.34‬‬

‫‪-94-‬‬
‫بين المصالح والمفاسد في ذاتها‪ ،‬أو مع بعضها عند التعارض‪ ،‬لتبين الغالب منها‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ويقدم في الحكم»‬
‫ّ‬

‫ونقصد بثقافة الصالح العام‪ :‬كقيمة مهمة في المجتمع أي نحتاج إلى تحقيق هذا‬
‫المفهوم عملي ًا من تقديم الخير النافع لعموم الناس واحترام القوانين السائدة التي‬
‫تخدم هذا المفهوم‪ ،‬وفلسفة هذه القيمة دافعها حب العطاء والتفاني من أجل اآلخر‪.‬‬

‫« الصالح العام أو الخير العام تعبير يستخدم لإلشارة إلى عدد من المفاهيم‬
‫المختلفة ‪ ،‬فيصف في معناه خير ًا» معين ًا ثم مشاركته واإلستفادة منه على صعيد‬
‫‪2‬‬
‫جميع أعضاء الجماعات المشتركة «‬

‫« أسوأ ما ابتليت به أمتنا اإلنصراف وراء الملذات‪ ،‬وتحقيق مظاهر الترف الزائدة‬
‫عن الحاجيات فض ً‬
‫ال عن الضروريات لمتطلبات الحياة وقد حذرنا الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم من هذه الحالة والتي تقوم على الشح والحرص واتباع الهوى دون‬
‫تحقق بخلق اإليثار‪.‬‬

‫يقول عليه الصالة والسالم‪:‬‬


‫ً‬
‫هوى متبع ًا ‪ ،‬وشح ًا مطاع ًا‪,‬‬ ‫«مروا بالمعروف ‪,‬وانهوا عن المنكر حتى اذا رأيت‬
‫وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخآصة نفسك‪ ،‬ودع عنك أمر العوام‪ ،‬فإن من‬
‫ورائكم أيام ًا الصبر فيهن كالقبض على الجمر‪ ،‬أجر العامل فيهن أجر خمسين قيل‬
‫‪3‬‬
‫يا رسول الله ‪ ،‬م ّنا أو ممن بعدنا‪ ،‬قال منكم»‬

‫(‪ )1‬انظر منهج فقه الموازيات في الشريعة اإلسالمية ‪ ،‬ص‪ ، 3‬بوساطة ‪ « ،‬فقه الموازنات رؤية تأصيلة تطبيقية» ‪،‬أيوب‬
‫سعيد العطيف‪ ،‬رسالة دكتوراه‬
‫(‪ )2‬الدكتور القرضاوي‪ ،‬يوسف ‪ ،‬أولويات الحركة اإلسالمية في المرحلة القادمة‪ ،‬ص‪http//ar.wikipedia.org/wiki 35/8/6 .34‬‬

‫(‪ )3‬الشوكاني ‪ ،‬الفتح الرباني‪ ،3784/8 ،‬صحيح ثابت‪ ،‬الدرر السنية‬

‫‪-95-‬‬
‫وفي المقابل جاءت النصوص الشرعية والتي تحث على فضائل األعمال والتي‬
‫تتعلق بصالح المجتمع ونفعها ال يقتصر على صاحبها أو الفرد ‪.‬‬

‫عن ابي هريرة رضي الله عنه قال‪-:‬‬

‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « من أصبح منكم اليوم صائم ًا ‪ ،‬فقال أبو بكر‬
‫رضي الله عنه‪ :‬أنا ‪ ،‬فقال‪ :‬من أطعم منكم اليوم مسكين ًافقال أبو بكر‪ :‬أنا ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫من تبع منكم اليوم جنازة‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬أنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫‪1‬‬ ‫ما اجتمعت هذه الخصال قط في رجل إ ّ‬
‫ال دخل الجنة»‬

‫وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪-:‬‬

‫ُ‬
‫مرضت‬ ‫ُ‬
‫يقول يوم القيامة يا ابن آدم‬ ‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « إن الله عز وجل‬
‫يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال ‪ :‬أما علمت أن عبدي‬
‫ّ‬ ‫فلم تعدني قال‪:‬‬
‫فالن ًا مرض فلم تعده‪ ،‬أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده يابن آدم استطعمتك فلم‬
‫تطعمني‪ ،‬قال ‪ :‬يارب وكيف أطعمك وانت رب العالمين قال‪ :‬أما علمت أنه استطعمك‬
‫عبدي فالن فلم تطعمه‪ ،‬أما علمت أنك لو اطعمته لوجدت ذلك عندي؟‬

‫يا ابن ادم استسقيتك فلم تسقني ‪ ،‬قال يارب كيف أسقيك وأنت رب العالمين‬
‫‪2‬‬
‫وقال‪ :‬استسقاك عبدي فالن فلم تسقه أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي»‬

‫وعن أبي أمامه رضي الله عنه قال‪:‬‬

‫قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « صنائع المعروف تقي مصارع السوء وصدقة‬
‫‪3‬‬
‫السر تطفىءغضب ال ّرب‪ ،‬وصلة الرحم تزيد في العمر»‬
‫(‪ )1‬السلمي ‪ ,‬أبو بكر‪ ,‬محمد ‪ ,‬صحيح ابن خزيمة‪,‬ج‪ ,3‬ص‪ ,304‬تحقيق د‪ .‬محمد األعظمي‬

‫(‪ )2‬النيسابوري‪ ،‬أبو الحسين‪ ،‬مسلم ‪ ،‬الصحيح‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪301‬‬


‫(‪)3‬‬

‫‪-96-‬‬
‫ومما يرسخ الجانب التطبيقي للصالح العام الوقف هو‪« :‬حبس مال يمكن‬
‫االنتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقيته وتصرف منافعه إلى البر تقربا‬
‫‪1‬‬
‫إلى الله تعالى‪».‬‬

‫تجد في الوقف مرفق ًا اجتماعي ًا واقتصادي ًا لمساعدة الفقراء‬


‫ُ‬ ‫أما بالنسبة لألمة فإنها‬
‫والمعوزين‪ ،‬ومعالجة المرضى في المستشفيات الخيرية ‪ ،‬وتسهيل التنقل بالقناطر‪،‬‬
‫ُ‬
‫ُشيد بيوت الله‬
‫وحفر اآلبار واتخاذ الصهاريج‪ ،‬وقد نجد مؤسسة دينية وثقافية ت ُ‬
‫وترفع صروح المدارس والجامعات للعلماء والطالب والمدرسين‪،‬‬
‫ُ‬ ‫للمصلين‪،‬‬
‫الذين يأتيهم رزقهم بال خوف أو وجل أو أذى ‪ ،‬فيهتمون بالدرس والعلم والبحث‬
‫‪2‬‬
‫ونشر المعرفة»‬

‫أهم مؤسسات الوقف اإلساليم يف احلضارة اإلسالمية‪:‬‬

‫«كانت هذه المؤسسات نوعين‪ :‬نوع ًا تنشئة الدولة وتوقف عليه األوقاف الواسعة‪،‬‬
‫ونوع ًا ينشئه األفراد من أمراء وقواد وأغنياء ونساء‪ .‬وال نستطيع في مثل هذا‬
‫نلم بأهمها‪:‬‬
‫الحديث أن نعدد أنواع المؤسسات الخيرية كلها‪ ،‬ولكن حسبنا أن ّ‬

‫فمـن أول المـؤسسـات الخيرية المساجد‪ ،‬وكان الناس يتسابقون إلى إقامتها ابتغاء‬
‫وجه الله‪ ،‬بل كان الملوك يتنافسون في عظمة المساجد التي يؤسسونها‪ ،‬وحسبنا‬
‫أن نذكر هنا مبلغ ما أنفقه الوليد بن عبد الملك من أموال بالغة على بناء الجامع‬
‫األموي‪ ،‬مما ال يكاد يصدقه اإلنسان لكثرة ما أنفق من مال وما استخدم في إقامته‬
‫من رجال‪.‬‬

‫(‪ )1‬المنادي‪ ،‬تيسير الوقوف على غوامض أحكام الوقوف‪ ،‬مخطوط في مكتبة األزهر تحت رقم ‪،5581-701‬ص‪.3‬‬

‫(‪ )2‬ابن بيه‪ ،‬عبد الله‪ ،‬رعاية المصلحة في الوقف‪ ،‬ص‪ ،5‬بوساطة كتاب روائع األوقاف في الحضارة اإلسالمية‪ ،‬الدكتور راغب‬
‫السرجاني‪ ،‬ص‪ ،19-18‬ط‪2012 ،4‬م‪ ،‬مصر‪ ،‬دار النهضة‪.‬‬

‫‪-97-‬‬
‫ومن أهم المؤسسات الخيرية المدارس والمستشفيات‬

‫ومن المؤسسات الخيرية بناء الخانات والفنادق للمسافرين المنقطعين وغيرهم من‬
‫ذوي الفقر‪ ،‬ومنها التكايا والزوايا التي ينقطع فيها من شاء لعبادة الله عز وجل‪،‬‬
‫ومنها بناء بيوت خاصة للفقراء يسكنها من ال يجد ما يشتري به أو يستأجر دار ًا‪،‬‬
‫ومنها السقايات أي تسبيل الماء في الطرقات العامة للناس جميع ًا‪ ،‬ومنها المطاعم‬
‫الشعبية التي كان يفرق فيها الطعام من خبز ولحم وحساء (شوربة) وحلوى‪ ،‬وال‬
‫يزال عهدنا قريب ًا بهذا النوع في كل من تكية السلطان سليم‪ ،‬وتكية الشيخ محيي‬
‫الدين بدمشق‪ ،‬ومنها بيوت للحجاج في مكة ينزلونها حين يفدون إلى بيت الله‬
‫الحرام‪ ،‬وقد كثرت هذه البيوت حتى عمت أرض مكة كلها‪ ،‬وأفتى بعض الفقهاء‬
‫ببطالن إجارة بيوت مكة في أيام الحج ألنها كلها موقوفة على الحجاج‪ ،‬ومنها حفر‬
‫اآلبار في الفلوات لسقي الماشية والزروع والمسافرين‪ ،،‬فقد كانت كثيرة جد ًا بين‬
‫بغداد ومكة‪ ،‬وبين دمشق والمدينة‪ ،‬وبين عواصم المدن اإلسالمية ومدنها وقراها‪،‬‬
‫حتى قل أن يتعرض المسافرون – في تلك األيام – لخطر العطش‪ .‬ومنها أمكنة‬
‫المرابطة على الثغور لمواجهة خطر الغزو األجنبي على البالد‪ ،‬فقد كانت هنالك‬
‫مؤسسات خاصة بالمرابطين في سبيل الله‪ ،‬يجد فيها المجاهدون كل ما يحتاجون‬
‫إليه من سالح وذخيرة وطعام وشراب‪ ،‬وكان لها أثر كبير في صد غزوات الروم أيام‬
‫العباسيين‪ ،‬وصد غزوات الغربيين في الحروب الصليبية عن بالد الشام ومصر‪.‬‬

‫ويتبع ذلك وقف الخيول والسيوف والنبال وأدوات الجهاد على المقاتلين في‬
‫سبيل الله عز وجل‪ ،‬وقد كان لذلك أثر كبير في رواج الصناعة الحربية وقيام‬
‫مصانع كبيرة لها في بالدنا‪ ،‬حتى كان الغربيون في الحروب الصليبية‪ ،‬يفدون‬
‫إلى بالدنا – أيام الهدنة – ليشتروا منا السالح‪ ،‬وكان العلماء يفتون بتحريم بيعه‬

‫‪-98-‬‬
‫لألعداء‪ ،‬فانظر كيف انقلب األمر اآلن فأصبحنا عال ًة على الغربيين في السالح ال‬
‫يسمحون لنا به إال بشروط تقضي على كرامتنا واستقاللنا‪.‬‬

‫ومن المؤسسات االجتماعية ما كانت وقف ًا إلصالح الطرقات والقناطر والجسور‪،‬‬


‫ومنها ما كانت للمقابر يتبرع الرجل باألرض الواسعة لتكون مقبرة عامة‪.‬‬

‫ومنها ما كان لشراء أ كفان الموتى الفقراء وتجهيزهم ودفنهم‪ ،‬أما المؤسسات الخيرية‬
‫إلقامة التكافل االجتماعي‪ ،‬فقد كانت عجب ًا من العجب‪ ،‬فهناك مؤسسات للقطاء‬
‫واليتامى ولختانهم ورعايتهم‪ ،‬ومؤسسات للمقعدين والعميان والعجز‪ ،‬يعيشون فيها‬
‫موفوري الكرامة لهم كل ما يحتاجون من سكن وغذاء ولباس وتعليم أيض ًا‪.‬‬

‫وهناك مؤسسات لتحسين أحوال المساجين ورفع مستوى تغذيتهم بالغذاء الواجب‬
‫لصيانة صحتهم‪ ،‬ومؤسسات إلمداد العميان والمقعدين بمن يقودهم ويخدمهم‪.‬‬

‫ومؤسسات لتزويج الشباب والفتيان العزّاب ممن تضيق أيديهم أو أيدي أوليائهم‬
‫عن نفقات الزواج وتقديم المهور‪ ..‬فما أروع هذه العاطفة وما أحوجنا إليها اليوم!‬

‫ومنها مؤسسات إلمداد األمهات بالحليب والسكر‪ ،‬وهي أسبق في الوجود من‬
‫تمحضها للخير الخالص لله عز وجل‪ ،‬وقد كان‬
‫ُّ‬ ‫جمعية نقطة الحليب عندنا‪ ،‬مع‬
‫من مبرات صالح الدين أنه جعل في أحد أبواب القلعة – الباقية حتى اآلن في‬
‫دمشق – ميزاب ًا يسيل منه الحليب‪ ،‬وميزاب ًا آخر يسيل منه الماء المذاب فيه السكر‪،‬‬
‫تأتي إليه األمهات يومين في كل أسبوع ليأخذن ألطفالهن وأوالدهن ما يحتاجون‬
‫إليه من الحليب والسكر‪.‬‬

‫وآخر ما نذكره من هذه المؤسسات‪ ،‬المؤسسات التي أقيمت لعالج الحيوانات‬

‫‪-99-‬‬
‫المريضة‪ ،‬أو إلطعامها‪ ،‬أو لرعايتها حين عجزها‪ ،‬كما هو شأن المرج األخضر في‬
‫دمشق الذي يُقام عليه الملعب البلدي اآلن‪ ،‬فقد كان وقف ًا للخيول والحيوانات‬
‫العاجزة المسنة ترعى منه حتى تالقي حتفها‪.‬‬

‫أما بعد‪ ،‬فهذه ثالثون نوع ًا من أنواع المؤسسات الخيرية التي قامت في ظل‬
‫حضارتنا‪ ،‬فهل تجد لها مثي ً‬
‫ال في أمة من األمم السابقة؟ بل هل تجد لكثير منها‬
‫مثي ً‬
‫ال في ظل الحضارة الراهنة؟‪ ..‬اللهم إنه سبيل الخلود تفردنا به وحدنا يوم‬
‫كانت الدنيا كلها في غفلة وجهل وتأخر وتظالم‪ ..‬اللهم إنه سبيل الخلود كشفنا‬
‫به عن اإلنسانية المعذبة أوصابها وآالمها‪ ..‬فما هو سبيلنا اليوم؟ أين هي تلك‬
‫األيدي التي تمسح عبرة اليتيم‪ ،‬وتأسو جراح الكليم‪ ،‬وتجعل من مجتمعنا مجتمع ًا‬
‫‪1‬‬
‫متراص ًا‪ ،‬ينعم فيه الناس جميع ًا باألمن والخير والكرامة والسالم‪.‬؟‪»..‬‬

‫ووجوب تقديم المصلحة العآمة على الخآصة أو األعم مصلحة أولى بالتقديم من‬
‫األخص‪.‬‬

‫ٌ‬
‫أصل شرعي بدليل نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحاضر‬ ‫« هذا‬
‫للبادي»‪ »2‬وعن تلقي الركبان‪ ،‬رعاية لمصلحة أهل الحضر‪ ،‬وأهل السوق‪،‬‬
‫السفيه حفاظ ًا‬
‫وتحريم االحتكار‪،‬رعاية لمصلحة الجماعة‪ ،‬وجواز الحجر على ّ‬
‫على مال الجماعة‪ ،‬ومنع أبي بكر من االتجار بعد الخالفة‪ ،‬ليتفرغ للنظر في‬
‫مصالح المسلمين‪ ،‬ويطبق هذا المبدأ عند المالكية على تضمين الصناع ما يتلف‬
‫السراق والقصاب‪،‬‬
‫بأيديهم‪ ،‬وجواز ضرب المتهم الستخالص األموال من أيدي ّ‬
‫أو النتزاع اإلقرار حال وجود قرينة على التهمة‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬السباعي‪ ،‬مصطفى‪ ،‬من روائع حضارتنا ‪ ,‬ص ‪182-178‬‬

‫‪-100-‬‬
‫ومن التطبيقات لهذا المبدأ أيض ًا جواز التسعير إذا تعدى التجار ثمن المثل‬
‫واستغلوا حاجة الناس إلى ما بأيديهم من السلع فإنهم يجبرون على المعاوضة‬
‫للمصلحة الراجحة أو لرفع الضرر العام‪.‬‬

‫فإن كان ارتفاع األسعار بسبب ظروف العرض والطلب وال دخل للتجار في‬
‫األسعار فال حاجة للتسعير‪ ,‬ومن تطبيقاته أيض ًا منع المنافسة غير المشروعة التي‬
‫‪1‬‬
‫تؤدي إلى التحكم في أقوات الناس وتمنع من المنافسة الحرة في التجارة‪« .‬‬

‫ومنه أيض ًا « تشريح الجثث من القضايا المستجدة في عالم الطب‪ ،‬وقد أجازه‬
‫العلماء للضرورة والحاجة‪ ،‬وذكروا من هذه الحاجات‪-:‬‬

‫(أ) حاجة التعليم‪ :‬فالتعليم في جثة ميته أهون من إجراء التجارب في أجساد‬
‫األحياء‪.‬‬

‫(ب) معرفة سبب الوفاة في الموت غير الطبيعي الذي تتهم فيه جهة معينة بالقتل‪.‬‬

‫فهذه المصالح حاجبة وعامة‪ ،‬بينما تشويه جسد الميت مفسدة محلة بكمالي وهي‬
‫أن هذه الضرورة يجب تقديرها بقدرها‪ ،‬فال‬
‫خآصة ‪ ،‬لذا جاز هذا التشريح إال» ّ‬
‫يجوز التوسع فيها إلى حد اللعب بأجساد الموتى وانتهاك حرماتهم دون مبرر‬
‫‪2‬‬
‫شرعي معقول»‬

‫خامسا‪ - :‬حب العطاء‬


‫من القيم النبيلة التي ينشدها اإلسالم ُحب العطاء‪ ،‬ذلك أن هذه الفضيلة لها داللة‬

‫(‪ )1‬الدكتور الزحيلي‪ ،‬وهبي‪،‬أصول الفقه اإلسالمي ‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص‪808-793‬‬

‫(‪ )2‬الوكيلي ‪ ،‬محمد ‪ ،‬فقه األولويات دراسة في الضوابط‪ ،‬ص‪ ،236-235‬ط‪1416 ،1‬ﻫ‪1997 ،‬م ‪،‬المعهد العالمي‬
‫للفكر اإلسالمي‬

‫‪-101-‬‬
‫على نفس صاحبها من نبل األخالق‪ ،‬وصدق المشاعر‪ ،‬واإلنتماء الصادق‪ ،‬والبعد‬
‫اإلنساني النبيل‪.‬‬

‫« وفي المقابل لهذا العطاء « ضيق النفس وشعورها باألنانية المفرطة‪ ،‬التي‬
‫ينجم عنها البخل‪ ،‬والشّ ح‪ ،‬وكراهية العطاء‪ ،‬والرغة باإلستئثار بكل شيء والرغبة‬
‫ُ‬
‫بالتسلط على كل شيء‪ ،‬وقبض النفس واليد عن البذل واإلنفاق على الغير‪ ،‬من‬
‫مال‪ ،‬أو جاه أو علم ـو غير ذلك ولهذا الخلق المقابل آثار اجتماعية سيئة جد ًا‪،‬‬
‫وهو عنصر من عناصر هبوط الفطره‪ ،‬ودناءة الطبع‪ ،‬ونقص اإلنسانية‪ ،‬والحرمان‬
‫‪1‬‬
‫من رجاحة العقل»‬

‫ّ‬
‫المتفضل على عباده‬ ‫الله سبحانه وتعالى من صفاته أنه هو الرازق والوهاب فهو‬
‫يعطي هذا ويمنع هذا لحكمة يعلمها سبحانه‪ ،‬وليس العطاء من الله دوم ًا عالمة‬
‫على حب الله لهذا العبد يقول سبحانه» ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭼ اإلسراء‪ ١٨ :‬يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله‬
‫« إعلم أن المال إن كان مفقود ًا فينبغي أن يكون حال العبد القناعة وقلة الحرص‪,‬‬
‫والسخاء واصطناع المعروف‬
‫ّ‬ ‫وإن كان موجود ًا فينبغي أن يكون حاله اإليثار‬
‫السخاء من أخالق األنبياء عليهم السالم وهو‬
‫والتباعد عن الشح والبخل ‪ ،‬فإن ّ‬
‫‪2‬‬
‫أصل من أصول النجاة»‬

‫يرد سائ ً‬
‫ال على‬ ‫ولقد كان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من أجود الناس وال ّ‬
‫ُ‬
‫سمعت َس ْهل بن سعد رضي الله عنه قال ‪ :‬جاءت‬ ‫اإلطالق « فعن أبي حازم قال‬

‫(‪ )1‬الميداني‪ ،‬عبد الرحمن حسن حنبكة‪ ،‬األخالق اإلسالمية وأسسها‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،371‬ط‪1423 ،6‬هـ‪2002 ،‬م‪ ،‬دار‬
‫القلم‪ ،‬دمشق‪.‬‬

‫(‪ )2‬الغزالي ‪ ،‬أبو حامد‪ ،‬محمد‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬ج‪258 ،3‬‬

‫‪-102-‬‬
‫منسوج في حاشيتها‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫أتدرون ما البرد ُة ؟فقيل له نعم هي الشّ ْمله‬
‫َ‬ ‫ببرده‪ ،‬قال‬
‫َ‬ ‫إمرأ ٌة‬
‫نسجت هذه بيدي أ كسوكها‪ ،‬فأخذها النبي ‪‬محتاج ًا‬
‫ُ‬ ‫قالت‪ :‬يا رسول الله إني‬
‫َ‬
‫رسول الله إكسنيها‪ ،‬فقال نعم‬ ‫فخرج إلينا وإنها إزاره فقال رجل من القوم يا‬
‫َ‬ ‫إليها‬
‫ثم رجع فطواها ثم أرسل بها إليه فقال له القوم ما‬
‫فجلس النبي ‪ ‬في المجلس َ‬
‫َ‬
‫يرد سائ ً‬
‫ال فقال الرجل ‪:‬والله ما سألته إال‬ ‫أحسنت سألتها إيّاه‪ ،‬لقد علمت أنه ال ُّ‬
‫‪1‬‬
‫لتكون كفني يوم أموت قال سهل فكانت كفنه»‬

‫ُ‬
‫تحث على النفقة ومساعدة المحتاجين‪،‬‬ ‫وقد تضافرت النصوص الشرعية التي‬
‫وعندنا ما يعرف في اإلسالم بباب النفقات في اإلسالم ‪ ،‬فقد ورد في الحديث»‬
‫بعيد من النار‪ ،‬والبخيل‬
‫ٌ‬ ‫قريب من الجنة‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫قريب من ال ّناس‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫قريب من الله‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫السخي‬
‫ّ‬
‫سخي‬
‫ّ‬ ‫قريب من النار‪ ،‬ولجاهل‬
‫ٌ‬ ‫بعيد من الجنة‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫بعيد من الناس‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫بعيد من الله‪،‬‬
‫ٌ‬
‫عابد بخيل»‪2‬‬
‫ٌ‬ ‫أحب إلى الله تعالى من‬
‫ُ‬

‫« المقصود بقربه من رحمة الله وليس المساقة فالله سبحانه وتعالى ال يحل‬
‫الجهات وال ينزل األماكن‪ ،‬وقربه من الناس قرب المودة والمحبة وقربه من الجنة‬
‫لسعيه فيما يدنيه منها وسلوكه طريقها وقوله « ولجاهل سخي أحب إلى الله من‬
‫السخي أحب إلى الله من العابد‬
‫عابد بخيل» فخولف ليفيد أن الجاهل غير العابد ّ‬
‫العالم البخيل‪ ،‬فيا لها من حسنة غطت على عيبين عظيمين‪ ،‬ويا لها من سيئة‬
‫السخي سريع االنقياد إلى ما يؤمر به من‬
‫حطت حسنتين خطيرتين على أن الجاهل ّ‬
‫‪3‬‬
‫نحو تعلم وإلى ما ينهى عنه بخالف العالم البخيل»‬

‫(‪)1‬البخاري‪ ،‬محمد بن اسماعيل‪ ،‬الصحيح‪ ،‬باب ذكر الخياط‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.737‬‬


‫السخاء‪ ،‬ج‪،4‬ص‪342‬‬
‫‪ ،‬سنن الترمذي ‪ ،‬باب ما جاء في ّ‬ ‫(‪ )2‬الترمذي‪ ،‬أبو عيسى‬
‫(‪ )3‬المناوي ‪ ،‬عبد الرؤوف‪ ،‬فيض القدير‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،139‬مرجع سابق‬

‫‪-103-‬‬
‫وعن أبي سعيد الخدري قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬خصلتان ال‬
‫‪1‬‬ ‫يجتمعان في مؤمن ال ُب َ‬
‫خل وسوء الخلق»‬

‫سأل معاوية الحسن بن علي رضي الله عنهم عن المروءة والنجدة والكرم فقال‪:‬‬
‫أمّا المروءة فحفظ ال ّرجل دينه وحذر نفسه وحسن قيامه بضيفه وحسن المنازعات‬
‫واإلقدام في الكراهية‪ ،‬وأمّا النجدة فالذب عن الجار والصبر في المواطن وأما‬
‫الكرم فالتبرع بالمعروف قبل السؤال واإلطعام في المحل والرأفة بالسائل مع بذل‬
‫‪2‬‬
‫النائل»‬

‫« يجب أن تسود هذه ال ّروح أي روح العطاء والشفقة والحنو على اآلخر حتى‬
‫تختفي أثار الحقد اإلجتماعي ويعيش المجتمع بسالم ووئام فالفقر في نظر‬
‫اإلسالم مصيبة وكان يستفيد منه الرسول صلى الله عليه وسلم يقول محمد الغزالي‬
‫رحمه الله» إن الفقر مع ّره إذا الصقت بإلنسان أحرجته وهبطت به دون المكانه‬
‫التي كتب الله للبشر‪ ،‬وإنه لعزي ٌز على ال ّنفس أن ترى شخص ًا مشقوق الثياب‪ ،‬تكاد‬
‫فتوقه تكشف سوءته‪ ،‬أو حافي األقدام أبلى أديم األرض كعوبه وأصابعه‪ ،‬أو‬
‫ثم يرده الحرمان وهو حسير‪ ،‬والذي يرون هذه‬
‫جوعان يمد عينيه إلى شتى األطعمة َ‬
‫الصور الفاحشة ثم ال يكترثون بها ليسوا بشر ًا وليسوا مؤمنين‪ ،‬اإليمان أن يرهب‬
‫‪3‬‬
‫المرء ربّه في أمثال أولئك البائسين»‬

‫(‪ )1‬الترمذي‪ ،‬سنن الترمذي‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،343‬المرجع السابق‬


‫(‪ )2‬الغزالي‪ ،‬أبو حامد ‪ ،‬محمد‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪261‬‬
‫(‪ )3‬الغزالي‪ ،‬محمد‪ ،‬خلق المسلم‪ ،‬ص‪ ،125‬ط‪1408 ،7‬ﻫ‪1988 ،‬م‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‬

‫‪-104-‬‬
‫املجاالت اليت يشملها مفهوم العطاء‬

‫تتنوع المجاالت التي يشملها العطاء‪-:‬‬

‫‪ -1‬العطاء من المال‪.‬‬

‫يدخر عنده‬
‫‪ -2‬العطاء من العلم والمعرفة‪ ،‬والعطاء في هذا المجال هو الذي ال ّ‬
‫علم ًا وال معرفة عمن يحسن اإلنتفاع بذلك‪ ،‬والبخيل هو الذي يحتفظ بمعارفه‬
‫وعلومه لنفسه فال يتفق منها لمستحقيها‪.‬‬

‫‪ -3‬عطاء النصيحة فاإلنسان الجواد كريم ّ‬


‫النفس ال يبخل على أخيه اإلنسان بأي‬
‫نصيحة تنفعه في دينه أو دنياه‪.‬‬

‫ّ‬
‫النفس فيعطي من جاهه وعطفة وحنانه وحلو كالمه وابتسامته‬ ‫‪ -4‬العطاء من‬
‫وطالقة وجهه‪.‬‬

‫‪ -5‬العطاء من طاقات الجسد‪.‬‬

‫‪ -6‬العطاء بالتضحية بالحياة كلها‪ ،‬فالمجاهد المقاتل في سبيل الله يجود بحياته‬
‫إلعالء كلمة الله ونصرة دينه‪ ،‬ابتغاء مرضاة ربه والذي يؤثر أخاه بشربة الماء‪ ،‬وهو‬
‫‪1‬‬
‫على وشك الهالك‪ ،‬لينقذ أخاه من الموت يضحى ويجود بحياته من أجل غيره»‬

‫(‪ )1‬الميداني‪ ،‬عبد الرحمن حسن حنبكه‪ ،‬األخالق اإلسالمية وأسسها‪ ،‬ج‪،2‬ص‪375‬‬

‫‪-105-‬‬
‫سادسا‪-:‬الصدق‪:‬‬
‫من المشاهدات التي نعايشها اليوم ويكاد المرء ال يصدق وهو الكذب وعلى كل‬
‫المستويات وفي كل المجاالت ‪ ،‬بل يبدو وكأن له جامعات ينبثق عنها تخصص‬
‫الكذب ‪ ،‬واألدهى واألمر أن هذا الخلق السيء أصبح سجية وعادة لكثير من‬
‫الناس وزاد هؤالء القوم الكالم المعسول والتفنن في أساليب التمويه‪.‬‬

‫إن الكذب آفة نفسية تقود صاحبها إلى الهالك ‪ ،‬والصدق قيمة خلقية تقود‬
‫صاحبها الى كل فضيلة عن ابن مسعود قال ‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ -:‬إن الصدق يهدي الى البر ‪ ،‬وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى‬
‫يكتب عند الله ِ‬
‫صديقا وإن الكذب يهدي الى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار‬
‫‪1‬‬ ‫وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله ً‬
‫كذابا»‬

‫« قال الحافظ في الفتح المراد بالكتابة الحكم عليه بذلك واظهاره للمخلوقين‬
‫من المال األعلى ‪ ،‬والقاء ذلك في قلوب أهل األرض وقال النووي ‪ :‬قال العلماء‬
‫في هذا الحديث حث على تحري الصدق واالعتناء به وعلى التحذير من الكذب‬
‫والتساهل فيه فانه اذا تساهل فيه كثر منه فيعرف به»‬

‫قال أبو حاتم رضي الله عنه ‪ -:‬اللسان سبع عقور إن ضبطه صاحبه سلم وإن خلى‬
‫؛ألن‬
‫ً‬ ‫عنه عقره‪ ،‬وبفمه يفتضح الكذوب‪ ,‬فالعاقل ال يشتغل بالخوض فيما ال يعلم‬
‫رأس الذنوب الكذب وهو يبدي الفضائح‪ ,‬ويكتم المحاسن وال يجب على المرء‬
‫اذا سمع شيئا يعيبه أن يحدث به؛ ألن من حدث عن كل شيء أزرى برأيه وأفسد‬
‫‪2‬‬
‫صدقه «‬

‫(‪ )1‬البخاري ‪ ,‬محمد بن اسماعيل ‪ ,‬الصحيح ‪ ,‬كتاب اآلداب ‪ ,‬ج‪ , 5‬ص ‪2261‬‬
‫(‪ )2‬المباركفوري ‪ ,‬محمد بن عبد الرحمن ‪ ,‬تحفة األحوذي ‪ ,‬ج‪ ,6‬ص ‪ , 91‬دار الكتب العلمية ‪ ,‬بيروت‬

‫‪-106-‬‬
‫والله سبحانه وتعالى يدعونا أن نكون مع أهل الصدق يقول سبحانه ‪»-:‬يا أيها‬
‫الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين «‬

‫إن الكذاب ال يكون أخا صادقا ‪ ،‬ألن الكذب الذي‬


‫« قال عبد الله بن المقفع ‪ً « :‬‬
‫يجري على لسانه إنما هو فضول كذب قلبه ‪ ،‬وإنًما سمي الصديق من الصدق»‪ ،‬وهذا‬
‫حق ‪ ،‬فان الكذاب لن تكون أخوته صادقة ‪ ،‬وال معاملته صادقة‪ ،‬ومن ثم فلن يكون‬
‫الكذاب زعيما صادقا ‪ ،‬وال حاكما صادقا ‪ ،‬وال عامال صادقا‪ ،‬وال عالما صادقا ‪......‬‬
‫ولو استعرضت مشاكل العالم كله ‪ ،‬لوجدتها ترجع الى شيء واحد هو الكذب ‪ :‬كذب‬
‫السياسي على شعبه ‪ ،‬وكذب الرئيس على أمته‪ ،‬وكذب الحزب على أتباعه ‪ ،‬وكذب‬
‫النائب على ناخبيه ‪ ،‬وكذب العالم على العامة‪ ،‬وكذب التاجر على زبائنه‪ ،‬وكذب‬
‫الصديق على صديقه ‪ ،‬ولو صدق هؤالء جميعا الستقامت الحياة واستفاضت الثقة ‪،‬‬
‫واطمأن الناس بعضهم الى بعض فوفروا على أنفسهم خصومات وعداوات‪ ،‬وخالفات‬
‫‪1‬‬
‫لم تنشأ اال من فقدان الثقة باالحاديث والمواثيق والعقود والمعامالت «‬

‫إن قيم السعادة تكمن في البساطة المقصودة ‪,‬والتي تأخذ األشياء على‬
‫أخي الطالب ‪ً :‬‬
‫حقيقتها دون انبهار باآلخر أو النهم الذي يجاري رغائب رعونات النفس وتسلك‬
‫في سبيل تحقيق مقصودها غير مبالية باألخالق ‪ ،‬وأن الغاية تبرر الوسيلة وهذا ملمح‬
‫بارز من مالمح الحضارة الغربية اليوم «فهي حضارة مبهرة بازغة‪ ،‬سلبت األفكار‬
‫وخلبت األنظار ‪ ,‬حضارة اإلستعالء‪ ,‬واألنانية‪ ,‬والفساد والعنصرية‪ ،‬والترف والرفاهية‬
‫‪,‬والتحرر‪ ,‬واالباحية‪ ,‬والتدهور الروحي ‪,‬واالنحطاط الفكري‪ ،‬والسقوط االجتماعي‬
‫‪,‬والتفكك األسري في مقابل تقدم علمي وانتعاش اقتصادي واستكبار سياسي‬
‫واستعالء اعالمي» ‪.2‬‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬السباعي ‪ ,‬مصطفى ‪ ,‬أخالقنا االجتماعية ‪ ,‬ص ‪ , 81‬ط‪1407 , 5‬ه‪1987 ,‬م ‪ ,‬المكتب اإلسالمي ‪ ,‬بيروت‬

‫(‪ )2‬د‪ .‬الشرقاوي ‪ ,‬أحمد ‪ ,‬وزميله ‪ ,‬مدخل الى الثقافة اإلسالمية ‪ ,‬ص ‪176‬‬

‫‪-107-‬‬
-108-
‫الوحدة السادسة‬

‫أدب احلوار واالختالف‬


‫في لغة التخاطب التي تدور بين البشر تقوم على الحوار والحوار يعني ‪ :‬من‬
‫المحاورة‪ ،‬وهي المراجعة في الكالم‪ .‬والحوار في اللغة مأخوذ من المعنى حار‬
‫‪1‬‬
‫بمعنى رجع»‬

‫« كما قال سبحانه ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﭼ االنشقاق‪ ١٤ :‬بمعنى ظن أن لن يرجع‬


‫إلى الحياة‪.‬وقد ذكر الله عز وجل في سورة الكهف قصة المتحاورين ّ‬
‫الذين ذكر‬

‫الله من شأنهما ما ذكر في قوله سبحانه « ﭽ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬


‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﭼ الكهف‪ ، ٣٤ :‬والحوار عند العلماء المتقدمين‬

‫يسمونه الجدال‪ ،‬ويستدلون عليه بقوله جل وعال ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬


‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ المجادلة‪، ١ :‬‬
‫نسمي ذلك الجدال والمجادلة حوار ًا فالحوار مناقشة بين اثنين فأ كثر في قضيته‬
‫مختلف عليها بينهم» ‪2‬‬

‫« أما االختالف والمخالفة فهي أن ينهج كل شخص طريق ًا مغاير ًا لآلخر في حاله‬
‫أو في قوله ‪ ،‬والخالف أعم من « الضد» ألن كل ضدين مختلفان‪ ،‬وليس كل‬
‫مختلفين ضدين‪ ،‬ولما كان االختالف بين الناس في القول قد يفضي إلى التنازع‬
‫‪ ،‬استعير ذلك للمنازعة والمجادلة « قال تعالى‪ « :‬ﭽﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﭼ‬
‫مريم‪ « ٣٧ :‬ﭽ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭼ هود‪.١١٨ :‬‬

‫(‪ )1‬انظر مادة حور في لسان العرب ‪ ،217/4‬مختار الصحاح‪67 ،‬‬

‫(‪ )2‬الشتري‪ ،‬سعد بن ناصر‪ ،‬أدب الحوار‪ ،‬ص‪ ،10-9‬ط‪1427 ،1‬ﻫ‪2006 ،‬م ‪ ،‬دار كنوز إشبيليا للنشر والتوزيع ‪ ،‬الرياض‪.‬‬

‫‪-109-‬‬
‫ﭽ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ يونس‪ ٩٣ :‬وعلى هذا‬
‫يمكن القول بأن « الخالف واالختالف» يرادُ به مطلق المغايره في القول أو‬
‫‪1‬‬
‫الرأي أو الحالة أو الهيئة أو الموقف»‬

‫« الخالف واقع بين الناس في مختلف األعصار واألمصار‪ ،‬وهو ُس ّنة الله في خلقه‪،‬‬
‫فهم مختلفون في ألوانهم وألسنتهم وطباعهم ومدركاتهم ومعارفهم وعقولهم‪ ،‬وكل‬
‫ذلك آية من آيات الله ّنبه عليه القرآن الكريم في قوله تعالى ﭽ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﭼ‬
‫الروم‪ ٢٢ :‬وهذا االختالف الظاهري ٌّ‬
‫دال على االختالف في اآلراء واالتجاهات‬

‫واألغراض‪ ،‬وكتاب الله العزيز يقرر هذا في غيرها آية‪ ،‬مثل قوله سبحانه ﭽﭑ ﭒ‬
‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭼ‬
‫‪2‬‬
‫هود‪»١١٩ - ١١٨ :‬‬

‫«أي لو شاء الله لجعل الناس أمه على دين واحد وال يزالون مختلفين على أديان‬
‫شتى من بين يهودي ونصراني ومجوسي ومشرك « اال من رحم ربك» معناه لكن‬
‫من رحم ربك فهداهم إلى الحق فهم ال يختلفون ولذلك خلقهم‪ ..‬قال أشهب سألت‬
‫‪3‬‬ ‫ٌ‬
‫وفريق في السعير»‬ ‫ٌ‬
‫فربق في الجنه‬ ‫مالكا عن هذه االية فقال « خلقهم ليكون‬

‫ٌ‬
‫دليل ظاهر على أن األمر‬ ‫ويقول البيضاوي « ولو شاء لجعلهم مسلمين كلهم وهو‬
‫غير اإلراده‪ ،‬وأنّه تعالى لم يرد اإليمان من كل أحد‪ ،‬وأن ما أراده يجب وقوعه «‬

‫(‪ )1‬العلواني‪ ،‬طه جابر‪ ،‬أدب االختالف في اإلسالم‪ ،‬ص‪ ،22-21‬ط‪1412 ،5‬ﻫ‪1991 ،‬م‪ ،‬المعهد العالمي للفكر‬
‫اإلسالمي‪ ،‬أمريكا‬

‫(‪ )2‬حميد‪ ،‬صالح بن عبد الله‪ ،‬أصول الحوار وآدابه في اإلسالم‪ ،‬ط‪1415 ،1‬ﻫ‪1994 ،‬م‪ ،‬دار المناره‪ ،‬جده‬

‫(‪ )3‬البغوي‪ ،‬تفسير البغوي‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،406‬تحقيق خالد العك‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‬

‫‪-110-‬‬
‫وال يزالون مختلفين « بعضهم على الحق وبعضهم على الباطل ال تكاد تجد اثنين‬
‫‪1‬‬
‫يتفقان مطلق ًا ‪.‬‬

‫بعض فوائد االختالف املقبول‬


‫من أنواع االختالف ما هو مذموم والذي دافعه في األصل الهوى والتعصب ‪،‬‬
‫واإلنتصار للنفس ‪ ،‬والذي يفضي إلى الفرقة والتنازع‪ ،‬في المقابل فإننا نجد هناك‬
‫اختالف محمود إذا كان مشروع ًا في أصله وناتج ًا عن مبررات فكرية وشرعية‬
‫صحيحه‪ ،‬ويمكن أن نسجل أهم االيجابيات التي تترتب على هذا االختالف‬
‫المحمود‪:‬‬

‫أو ً‬
‫ال‪ -:‬أنه يتيح اذا صدقت النوايا‪ -‬التعرف على جميع االحتماالت التي يمكن‬
‫ُ‬
‫الدليل رمى اليها بوجه من وجوه األدلة‪.‬‬ ‫أن يكون‬

‫ثاني ًا‪ -:‬فيه رياضة لألذهان ‪ ،‬وتالقح لآلراء ‪ ،‬وفتح مجاالت التفكير للوصول إلى‬
‫سائر االفتراضات التي تستطيع العقول المختلفة الوصول اليها‪.‬‬

‫ثالث ًا‪ -:‬تعدد الحلول أمام صاحب كل واقعه ليهتدي إلى الحل المناسب للوضع الذي‬
‫‪2‬‬
‫هو فيه بما يتناسب ويسر هذا الدين الذي يتعامل مع الناس من واقع حياتهم»‬

‫رابع ًا ‪ -:‬التشبث بالفكرة القائمة على الدليل الصائب دون االرتجال‪.‬‬

‫خامس ًا‪ -:‬ايجاد بيئة اجتماعية سليمه يحترم بعضها بعض ًا دون التشدق أو التعصب‬
‫أو احتقار اآلخر‪.‬‬

‫(‪ )1‬البيضاوي‪ ،‬تفسير البيضاوي‪ ،‬ج‪،3‬ص‪ ،269‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‬


‫(‪ )2‬العلواني ‪ ،‬طه جابر ‪ ،‬أدب االختالف في اإلسالم‪ ،‬ص‪،25‬مرجع سابق‬

‫‪-111-‬‬
‫أصول احلوار‬
‫األصل األول‪ -:‬هدف المتحاورين يجب أن ينصب على الوصول للحق فقط‪،‬ألن‬
‫الهدف من الحوار هو في األصل معرفة الحقيقة‪ ،‬فال يجوز االسترسال مع هوى‬
‫النفس‪ ،‬يقول سبحانه « فال تتبعوا اهلوى»‬

‫يقول اإلمام الغزالي رحمه الله « من شروط التعاون على الحق « أن يكون في‬
‫طلب الحق كناشد ضآلة ال يفرق بين أن تظهر الضآلة على يده‪ ،‬أو على يد من‬
‫يعاونه ويرى رفيقه معين ًا ال خصم ًا ويشكره اذا ع ّرفه الخطأ‪ ،‬وأظهر له الحق كما لو‬
‫أخذ طريق ًا في طلب ضآلته فنبهه صاحبه على ضآلته في طريق آخر فإنه كان يشكره‬
‫وال يذمه ويكرمه ويفرح به‪.‬‬

‫ثم يقول اإلمام الغزالي رحمه الله» فانظر إلى مناظري زمانك اليوم كيف يسود‬
‫يجهد‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تخجل به‪ ،‬وكيف‬ ‫وجه أحدهم اذا اتضح الحق على لسان خصمه‪ ،‬وكيف‬
‫في مجاحدته بأقصى قدرته‪ ،‬وكيف يذم من أفحمه طول عمره‪ ،‬ثم ال يستحي من‬
‫‪1‬‬
‫تشبيه نفسه بالصحابة رضي الله عنهم في تعاونهم على النظر في الحق»‬

‫«ويقول الكاتب االجنبي « هاري شو»‪ « :‬بما أننا آدميون فإن كالمنا مستعد وباستمرار‬
‫لكي يتجاهل أو يشوه أو يضخم في الحقائق واألدلة الثابتة ‪ ،‬وكوننا آدميين فنحن‬
‫نفكر فيما نريد التفكير فيه‪ ،‬فبذلك نحمي أهواءنا ومعتقداتنا الراسخة ‪ ،‬نحن نمقت‬
‫األفكار المعارضة ‪ ،‬كوننا آدميين فنحن غالب ًا ما نحتقر المنطق‪ ،‬ونهزأ من التفكير‬
‫السليم‪ ،‬وكوننا آدميين فإننا نقلل من فرصنا للحصول على درجات عالية عن طريق‬
‫‪2‬‬
‫عدم التفكير كلية ‪ ،‬أو التفكير المستهتر أو التفكير الخاطىء غير المنطقي‪« .‬‬

‫(‪ )1‬الغزالي ‪ ،‬محمد‪ ،‬أبو حامد‪ ،‬إحياء علوم الدين‪ ،‬ج‪،1‬ص‪57‬‬


‫(‪ )2‬ثالثون طريقة لتحسين قدراتك ‪ ،‬ص‪ ،64‬نق ً‬
‫ال عن كتاب الحوار‪.‬أصوله المنهجية وآدابه المسلكية‪ ،‬ص ‪.79‬‬

‫‪-112-‬‬
‫األصل اثلاين‪ -:‬خماطبة العقل‪.‬‬

‫خطاب العقل في الحوار يوصل المتحاورين إلى أقصر الطرق وأسلمها‪ ،‬أما ٍأسلوب‬
‫الخطاب اإلنفعالي أو التحريضي فهو يضعف الحجة‪ ،‬ويقلل من الهيبة‪ ،‬ويؤدي‬
‫في الغالب إلى التشاحن والخصام دون جدوى‪.‬‬

‫« وقد دعا القرآن في حواره مع غير المسلمين أن يبتعدوا عن األجواء اإلنفعالية‬


‫ألن اإلنسان عادة يتأثر‬
‫وإعطاء العقل حقه في التفكير والتدبر في أجواء هادئه‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬
‫ويخضع للجو اإلجتماعي‪ ،‬ويستسلم من غير شعور مما يفقده استقالله الفكري«‬

‫ومن النماذج على هذا االصل» التفكر المخلص مثنى وفرادى‪:‬‬

‫يقول سبحانه‪ :‬ﭽ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬


‫ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭼ‬
‫سبأ‪ « ٤٦ :‬يأمر الله سبحانه وتعالى خاتم رسله في هذه اآلية ‪ :‬أن يعظ قومه‬
‫ّ‬
‫ويذكرهم ويرغبهم في خصله واحدة‪ ،‬ال يريد منهم اآلن غيرها‪ ،‬حتى يعرفوا حقيقة‬
‫أصدق هي أم كذب؟ وحقيقة شخصيتة أمجنون هو يهذي أم رسول هو‬
‫نبوته‪ْ :‬‬
‫يهدي؟ هذه الخصلة الواحدة المطلوبة مكونة من خطوتين ‪ :‬أولى وثانية‪.‬‬

‫الخطوة األولى‪ -:‬أن يقوموا لله مثنى وفرادى‪ ،‬والقومه تعني النهضة والعزيمة‪.‬‬

‫والخطوة الثانية‪ -:‬أن يتفكروا‪ ،‬أي يعملوا عقولهم وال يجمدوها‪ ،‬ومعنى الخطوة‬
‫األولى – القومة لله – أن ينهضوا بقوة‪ ،‬ويتجردوا من أهوائهم وشهوات أنفسهم‪،‬‬
‫واعتباراتهم النفعية المادية‪ ،‬ومصالحهم اآلنية والشخصية‪ ،‬ويتوجهوا إلى الله‬

‫(‪ )1‬نوفل‪ ،‬احمد‪ ،‬وزمالءه‪ ،‬الثقافة اإلسالمية وقضايا العصر‪ ،‬ص‪ ،168‬ط‪1434 ، 2‬ﻫ ‪2013 ،‬م‬

‫‪-113-‬‬
‫مخلصين في طلب الحقيقة‪ ،‬ولم يكن القوم ملحدين وال جاحدين لوجود الله‬
‫تعالى‪ ،‬بل كانوا مقرين بوجوده وخالقيته لهم وللسموات واألرض وتدبيره ألمر‬
‫الكون‪ ،‬إنما كانت آفتهم في الشرك الذي أصمهم وأعمى أبصارهم‪ ،‬فال غرو‬
‫أن يطلب اليهم القرآن هذه القومة لله متحررين من حب الدنيا ‪ ،‬وحب الذات‪،‬‬
‫والتقليد االعمى‪ .‬وهذا التجرد ‪ ....‬أمام الجمهور‬

‫وهذا التجرد أو اإلخالص في طلب الحقيقة سيضيء لهم السبيل للوصول إليها‪،‬‬
‫ويكشف الغواشي واألقنعة عن وجهها‪ ،‬وهذه القومة لله يجب أن تكون بعيدة عن‬
‫التأثير الجماهيري الغوغائي وتأثير العقل الجمعي كما يسميه علماء النفس‪ ،‬والتحرر‬
‫من عواطف المجاملة‪ ،‬ومراعاة الخواطر‪ ،‬ومشاعر الخوف والطمع والخجل من‬
‫أن الحوار واألخذ‬
‫مخالفة اآلباء أو مخالفة الكبراء‪ ...‬وبدأ بقوله «مثنى « داللة على ّ‬
‫ألن المرء يسمع من صديقه وجليسه‪ ،‬وال يأتي أن‬
‫والرد الثنائي هنا قد يكون أجدى ‪ّ ،‬‬
‫‪1‬‬
‫يسلم له اذا أقنعه ولكنه قد يرفض الهزيمة اذا كانت أمام الجمهور‪« .‬‬

‫األصل اثلالث‪ -:‬تحديد الهدف والقضية التي يدور حولها الحوار‪ ،‬فإن كثير ًا من‬
‫الحوارات تتحول إلى جدل عقيم سائب ليس له نقطة محددة ينتهي اليها‪.‬‬

‫األصل الرابع‪ -:‬عدم مناقشة الفرع قبل اإلتفاق على األصلفال ب َُّد من البدء باألهم‬
‫من األصول وضبطها واالتفاق عليها‪ ،‬ومن ثم االنطالق منها لمناقشة الفروع‬
‫‪2‬‬
‫والحوار لها»‬

‫األصل اخلامس ‪« -:‬التسليم بإمكانية صواب الخصم‪ -:‬إذا دخل المحاور بالحكم‬

‫(‪ )1‬القرضاوي ‪ ،‬يوسف ‪ ،‬العقل والعلم في القرآن الكريم ‪ ،‬ص ‪ ،40-39‬ط‪1416 ، 1‬ﻫ‪1996 ،‬م‪ ،‬مكتبة وهبه ‪ ،‬القاهرة‬

‫(‪ )2‬كامل ‪ ,‬عمر عبد الله ‪ ,‬آداب الحوار وقواعد اإلختالف ‪ ,‬ص ‪ ,16‬بحث مقدم إلى المؤتمر العالمي حول موقف اإلسالم‬
‫من اإلرهاب ‪ ,‬جامعة اإلمام محمد بن سعود‬

‫‪-114-‬‬
‫المسبق واألفكار التي يتبناها دون أن يتوقع صواب آراء من يحاوره‪ ،‬وخطأ ما‬
‫يحمل من أفكار‪ ،‬فإن الحوار سيكون دون فائدة وكما يقولون جدل بيزنطي ‪.‬‬

‫يقول سبحانه‪ :‬ﭽ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬


‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﭼ سبأ‪ « ٢٤ :‬تقرر هذه االية « طرف الحوار‬
‫سواء في الصواب والخطأ إنه األدب الرفيع في الحوار‪ ،‬واألسلوب األمثل في‬
‫اظهار التجرد أن يبين الرسول صلى الله علسيه وسلم في حواره للمشركين أن أحد‬
‫الطرفين على هدى واآلخر على ضالل‪ ،‬ثم يترك تعيين من هو المهتدي‪ ،‬ليحفزهم‬
‫على التدبر والتفكر بأسلوب ليس فيه اعتداء أو تكبر أو الرغبة في إظهار التفوق‬
‫‪1‬‬
‫والغلبة»‬

‫وفي مجال االختالف الفقهي يقول «القرضاوي»‬

‫« واحتمال الخطأ في رأي المجتهد أو المفكر أو الباحث‪ ،‬مع احتمال الصواب‬


‫ب المسافة بين الرأيين أو الفكرين‪ ،‬على خالف من يقول‬
‫في رأي من يخالفه‪ ،‬يُق ّر ُ‬
‫من المتعصبين المتشددين‪ ،‬رأيي هو الصواب الذي ال يحتمل الخطأ‪ ،‬ورأي غيري‬
‫ألن من يقول هذا‬
‫هو الخطأ الذي ال يحتمل الصواب‪ ،‬وهذا هو الخطأ بعينه‪ّ ،‬‬
‫يضفي قدسية وعصمة على رأيه وفكره‪ ،‬وكأنه وحي يوحى‪ ،‬مع أنه فكر بشري غير‬
‫معصوم ‪ ،‬فمن أين يؤمن عليه الخطأ؟‬

‫وبعضهم يقول ‪ :‬رأيي صواب؛ ألنه يعتمد على نص من قرآن أو حديث‪ ،‬وأقول‬
‫تعتمد على نص معصوم موحى به من الله‪ ،‬ولكن فهمك للنص‬
‫ُ‬ ‫لهذا‪ :‬صحيح أنك‬
‫ليس وحي ًا‪،‬وليس معصوم ًا فقد تكون وقفت عند ظاهر النص‪ ،‬ولم تغص في‬

‫(‪ )1‬د ‪ .‬نوفل ‪ ,‬أحمد ‪ ,‬الثقافية اإلسالمية وقضايا العصر ‪ ,‬ص ‪170‬‬

‫‪-115-‬‬
‫فحواه ومقصده كالذين أبوا صالة العصر في الطريق وصلوها قضا ًء بعد أن وصلوا‬
‫إلى بني قريظة ‪ ،‬فقد أخطأوا فهم النص ‪ ،‬وإن لم يلمهم النبي ‪ ‬ألنّهم معذورون‬
‫‪1‬‬
‫بل مأجورون أجر ًا واحد ًا‪ ،‬لخطئهم في فهمهم واجتهادهم»‬

‫« وقد قال الحكماء قديم ًا‪ّ :‬‬


‫أن الحق لم يصبه الناس من كل وجوهه ولم يخطئوه‬
‫من كل وجوهه‪ ،‬بل أصاب بعضهم جهة منه‪ ،‬وأصاب آخرون جهة أخرى‪ ،‬وقد‬
‫مثلوا لذلك بجماعة من العميان انطلقوا نحو فيل ضخم فوضع كل واحد منهم‬
‫يده على قطعة من جسد هذا الفيل‪ ،‬ووصفه بالصورة التي تصورها‪ ،‬فقال الذي‬
‫وضع يده على ِر ْجل الفيل‪ّ :‬‬
‫إن هذا الحيوان هيئته كالنخله الطويلة المستديرة‪:‬‬
‫وقال الذي وضع يده على ظهر هذا الفيل إن هيئته أشبه ما تكون بالهضبة العالية‬
‫واألرض المرتفعة وهكذا ُ‬
‫كل واحد منهم وصف الفيل بالوصف الذي حسته يده‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وهو من هذه الناحية صادق‪ ،‬ولكنه من ناحية تكذيبه لغيره مخطىء»‬

‫تصبح‬
‫ُ‬ ‫فإن المناظرة‬ ‫ُ‬
‫أصل القبول والرضى بنتائج التحاور البناء‪َّ ،‬‬ ‫« اذا لم يتحقق‬
‫ضرب ًا من العبث الذي يتنزه عنه العقالء‪.‬‬

‫يقول ابن عقيل « وليقبل ُ‬


‫كل واحد منهما من صاحبه الحجة‪ ،‬فإنّه أنب ل لقدره‪،‬‬
‫وأعون على إدراك الحق وسلوك سبيل الصدق‪« ،‬قال الشافعي رضي الله عنه» ما‬
‫‪3‬‬
‫ردها اال سقط في عيني»‬ ‫ناظرت أحد ًا فقبل مني الحجة إ ّ‬
‫ال عظم في عيني‪ ،‬وال ّ‬ ‫ُ‬

‫(‪ )1‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ ،‬كيف تتعامل مع التراث والتمذهب واالختالف‪ ،‬ص‪ ،149‬ط‪1425 ،2‬ﻫ‪2004 ،‬م‪ ،‬مكتبة‬
‫وهبة ‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫(‪ )2‬الدكتور طنطاوي‪ ،‬محمد‪ ،‬أدب الحوار في اإلسالم‪ ،‬ص‪ ،10‬دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫(‪ )3‬الذهبي ‪ ,‬محمد‪ ,‬سير أعالم النبالء ‪ ,‬ج‪, 1‬ص ‪ ,23‬تحقيق شعيب األرنؤوط ‪ ,‬ط‪1413 ,9‬ه‪ ,‬مؤسسة الرسالة ‪ ,‬بيروت‬
‫‪ ,‬إال أني وجدته بلفظ غريب قال ‪ -:‬ما كابرني أحد على الحق ودافع إال سقط من عيني وا قبله إال هبته واعتقدت مودته‬

‫(‪)3‬حميد ‪ ،‬صالح بن عبد الله‪ ،‬أصول الحوار وآدابه في اإلسالم‪ ،‬ص‪ ، 24‬مرجع سابق‬

‫‪-116-‬‬
‫االصل السادس‪ -:‬قطعية النتائج وحسمها‪.‬‬

‫« من المهم في هذا األصل إدراك أن الرأي الفكري نسبي الداللة على الصواب‬
‫أو الخطأ‪ ،‬والذي ال يجوز عليهم الخطأ هم األنبياء عليهم السالم فيما يبلغون عن‬
‫ربهم سبحانه وتعالى وما عدا ذلك فيندرج تحت المقولة المشهورة « رأيي صواب‬
‫يحتمل الخطأ‪ ،‬ورأي اآلخر خطأ يحتمل الصواب»‬

‫وبنا ًء عليه‪ ،‬فليس من شرط الحوار الناجح أن ينتهي أحد الطرفين إلى قول الطرف‬
‫اآلخر‪ ،‬فإن تحقق هذا واتفقا على رأي واحد فنعم المقصود‪ ،‬وهو منتهى الغاية‪،‬‬
‫وإن لم يكن فالحوار ناجح‪ ،‬إذا توصل المتحاوران بقناعة إلى قبول كل من‬
‫منهجيهما‪ ،‬يسوغ لكل واحد منهما التمسك به ما دام أنه في دائرة الخالف السائغ‬
‫وفي تقرير ذلك يقول ابن قدامه رحمه الله» ‪-:‬‬

‫«وكان بعضهم يقدر َّ‬


‫كل من خالفه في المسائل االجتهادية‪ ،‬وال يكلفه أن يوافقه‬
‫‪1‬‬
‫فهمه»‬

‫األصل السابع‪ -:‬عدم التعصب وإنصاف الرأي اآلخر‬

‫«تقوم آلية التعصب على اعتقاد المتعصب أنه قبض عل الحقيقة النهائية التي‬
‫تدفع به إلى وجوب االلتزام الكامل برأي أو مذهب أو جماعة أو قبيلة أو فترة‬
‫تاريخية معينة مما يجمع عادة بين الفضيلة والرذيلة والحسن والقبح والخطأ‬
‫والصواب ‪ ,‬ويقتضي ذلك االلتزام الدفاع الصلب عنه في وجه كل ما يخدش‬
‫مضمون ذلك المعتقد» وبالتالي فإن الحوار القائم على التعصب وعدم إنصاف‬
‫الطرف اآلخر فإنه يقود إل طريق مسدود والتنافر والتشاحن دون الوقوف على‬
‫الحقيقة التي يسعى لها المتحاورون‬
‫(‪ )1‬حميد‪ ،‬صالح بن عبد الله‪ ،‬أصول الحوار وأدابه في اإلسالم‪ ،‬ص‪ ،23‬المرجع نفسه‬

‫‪-117-‬‬
-118-
‫الوحدة السابعة‬

‫أهم مشكالت الشباب وطرق حلها‬


‫« الشباب جمع شاب والشباب الحداثة وهو خالف الشيب» الشباب‪ :‬وهو من‬
‫جاوز البلوغ‪ ،‬والفتوة هي متوسط الشباب‪ .‬الشبب‪ -:‬هو أول ال ّنهار ويتضمن‬
‫تهيج فيها غرائزه‪،...‬‬
‫ُ‬ ‫معنى التفتح واالستبشار بالحياة والمستقبل‪ ،‬والشباب مرحلة‬
‫وتشبيب الشعر ترقيق أوله بذكر النساء‪ ،‬وشبب المرأة قال فيها الغزل‪ ،‬ويقول صاحب‬
‫شب‪ ،‬وهذه اللفظة ُ‬
‫تدل على ‪ :‬الفتوة والقوة‪،‬‬ ‫الفيرو آبادي والشباب في اللغة من ً‬
‫والنشاط‪ ،‬والحركة‪ ،‬والحسن‪ ،‬واإلرتفاع‪ ،‬والزيادة في ال ّنماء‪ ،‬وعليه فالتعريف‬
‫أي الشباب‪ :‬هو تلك المرحلة العمرية والنفسية التي تميز بها الفرد المتسم بالنمو‬
‫والفتوة والقوة‪ ،‬والشعور بالذات ‪ ،‬ورقة المشاعر واالستعداد للتضحية في سبيل‬
‫‪1‬‬
‫اختياره لمساره في الحياة وهي تبدأ بالبلوغ وتنتهي بالرجولة»‬

‫« قال بعض الحكماء‪ :‬األسنان سن الطفولية‪ ،‬ثم الشباب‪ ،‬ثم الكهولة‪ ،‬ثم‬
‫الشيخوخة‪ ،‬وهي آخر األسنان وغالب ما تكون بين الستين والسبعين فحينئذ يظهر‬
‫فينبغي له اإلقبال على اآلخرة الستحالة‬ ‫‪2‬‬
‫بالنقص ضعف القوة واالنحطاط»‬
‫والشباب هم الطاقة الحيوية لألمة‬ ‫‪3‬‬
‫رجوعه للحالة األولى من القوة والنشاط»‬
‫ّ‬
‫والذود عن حياطها وهم‬ ‫الدعامة األساسية في حماية األمة‬
‫والتي بوساطتها تمثل ّ‬
‫طلب الحوائج من‬
‫ُ‬ ‫عنوان الشرف والعطاء المتجدد‪ ».‬عن عطاء الخرساني قال‪:‬‬

‫(‪ )1‬انظر‪ ،‬ابن منظور ‪ ،‬لسان العرب ج‪ ،481 ،1‬ومختار الصحاح‪ ،‬ج‪ ،138 ،1‬والفيروز آبادي ‪ ،‬والمواقع ‪http:‬‬
‫‪.islamtoday.netgohooth‬‬

‫(‪ )2‬المناوي‪ ،‬عبد الرؤف‪ ،‬شرح الجامع الصغير ‪،‬ج‪ ،2‬ص‪،11‬ط‪1356 ،1‬ﻫ‪ ،‬المكتبة التجارية الكبرى‪.‬‬

‫(‪ )3‬المناوي‪ ،‬عبد الرؤف‪ ،‬شرح الجامع الصغير ‪،‬ج‪ ،2‬ص‪،11‬ط‪1356 ،1‬ﻫ‪ ،‬المرجع السابق‪.‬‬

‫‪-119-‬‬
‫الشباب أسهل منه من الشيوخ ألم تر إلى قول يوسف عليه السالم‪ :‬ﭽ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﭼ يوسف‪ ،٩٢ :‬وقال يعقوب‪ :‬ﭽ ﭰ ﭱ‬
‫‪1‬‬
‫ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭼ يوسف‪« ٩٨ :‬‬

‫والذين حملوا مشعل الدعوة وتحملوا اآلم مخاضها في بدايتها مع الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم كثير منهم من الشباب أمثال‪ :‬على بن أبي طالب وابن عباس وابن‬
‫عمر وعائشة‪ .‬وفي قصة أصحاب الكهف تجد أن الشباب هم الذين حملوا على‬
‫عاتقهم إنكار ما كان عليه قومهم من كفر وخروج عن منطق الفطره االيمائية‪.‬‬
‫يقول سبحانه‪ :‬ﭽ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭼ الكهف‪،١٣ :‬‬
‫وسيدنا ابراهيم عليه السالم يحطم أصنام قومه وهو فتى معلن ًا تحديه للشرك‬
‫ولعبادة األوثان من دون الله‪.‬‬

‫ً‬
‫أوال‪ -:‬اخلواء الرويح‪.‬‬
‫يعاني الشباب اليوم من أزمة روحية يكاد يلمسها ّ‬
‫كل مراقب‪ ،‬حيث التوتر‪ ،‬والقلق‪،‬‬
‫والصراع مع الذات من أهم أمراض العصر المستعصية والتي تكاد تكون الصبغة‬
‫العآمة لمعظم الشباب إال من رحم ربي‪ ،‬لهذا الخوآء أسباب عديدة من أهمها‪:‬‬
‫الجفاء عن مشارب ومنابع اإليمان الصافية‪ ،‬وكثرة المتعلقات والشواغل المادية‬
‫والتي يلهث وراءها الشباب؛ كي يمأل هذا الفراغ وأنى لهم ذلك ‪.‬‬

‫«يقول البروفيسور هوستن سميث أستاذ الفلسفة وعلم األديان في الجامعات‬


‫األمريكية المختلفة في كتابه لماذا الدين ضرورة حتمية؟‬

‫(‪ )1‬األصبهاني ‪ ،‬أبو نعيم ‪ ،‬أحمد ر‪ ،‬حلية االولياء‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ ، 196‬ط‪1405 ،5‬ﻫ‪ ،‬دار الكتاب العربي ‪ ،‬بيروت‬

‫‪-120-‬‬
‫« تعود أسباب األزمة التي يمر بها العالم مع دخوله األلفية الثالثة إلى أمور أعمق‬
‫من طرق تنظيم الحياة السياسية واالقتصادية‪ ،‬إن الشرق والغرب يعانيان كل‬
‫بطريقته من أزمة واحدة مشتركة سببها الحالة الروحية للعالم الحديث‪ ،‬فقد اتسمت‬
‫هذه الحالة الروحية بفقدان اليقين الديني‪ ،‬وفقدان اإليمان بالسم ّو والتعالي عن‬
‫الوجود المادي بآفاقه الرحبه الواسعة‪..‬ال يمكن للوجود الدنيوي « األرضي»‬
‫بسبب محدوديته وتناهيه‪ ،‬أن يشبع قلب اإلنسان بشكل كامل‪ ،‬هناك في فطرة‬
‫اإلنسان توقع وتطلع نحو « األكثر» وال يمكن لعالم الممارسات الحياتية اليومية‬
‫أن يشبع هذا التطلع‪ ،‬هذا التطلع إلى ما هو أبعد مما يتيحه العالم الدنيوي‪،‬‬
‫يوحي بقوة بوجود شيء تحاول الحياة أن تصل اليه‪ ..‬إن الحقيقة التي تهيج شوق‬
‫‪1‬‬
‫اإلنسان إليها وتشبع روحه تملؤها هي ‪ :‬الله »‬

‫«ولعله من المفيد أن اإلنسان ذو تركيب ثالثي يتكون من‪ :‬الجسد‪ ،‬والغرائز‬


‫الحيوانية المبثوثة في كيانه النفسي ‪ ،‬وال ّروح‪ ،‬وكل جزء من األجزاء له غذاؤه‬
‫وطرق إشباعه الخآصه أقصد بذلك معاني الدين والفضيلة « اإلسالم واإليمان‬
‫واإلحسان «‬

‫فاإليمان مكانه الفكر والعقل‪ ،‬واإلسالم يهيمن على الظاهر من الكيان واألعضاء‪،‬‬
‫واإلحسان صلة عاطفية تسري بالربط والتوفيق بين الفكر الذي آمن والكيان الذي‬
‫استسلم ‪ ،‬واألثر التربوي يتحقق في حياة المسلمين من انسجام هذه الجوانب‬
‫الثالثة في كيان اإلنسان وتناسقها في اإلتجاه إلى هدف مشترك‪ ...‬ومصدر‬
‫المشكالت النفسية المتنوعة التي تطفو على سطح مجتمعنا اإلسالمي‪ ،‬هو معظم‬
‫المسلمين إنّما سرى اإلسالم في أحسن االحوال إلى كياناتهم الفكرية ثم وقف‬

‫(‪http:www.alshirazi.com 35/8/14 )1‬‬

‫‪-121-‬‬
‫عندها ولم يتجاوزها إلى مكمن العواطف والوجدان من أنفسهم ‪ ،‬بل بقيت هذه‬
‫العواطف ممزقة بين عوامل الشهوات واألهواء المتنوعه التي تطوف من حولها‬
‫‪1‬‬
‫وتتربص بها»‬

‫والله سبحانه وتعالى يقول‪ :‬ﭽ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬


‫ﯻﯼﯽ ﯾﯿﰀﰁﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﭼ‬
‫طه‪١٢٥ – ١٢٤ :‬‬

‫ً‬
‫ثانيا‪ -:‬اتلحدي الفكري واثلقايف‬

‫بعد الحرب العالمية األولى والثانية نجد أن العالم اإلسالمي فقد البوصلة‪ ،‬وتعرض‬
‫لهزات سياسية واقتصادية واجتماعية عنيفة ترتبت عليها ضعف األمة الثقافي‪،‬‬
‫والذوبان في اآلخر بحيث دخلتا في مرحلة الغثائية التي أخبر عنها الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫« عن ثوبان قال‪ ،‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬يوشك األمم أن تداعى‬
‫َداعى األكل ُة إلى قصعتها‪ .‬فقال قائل‪ :‬ومن قلة يومئذ قال بل أنتم‬
‫َ‬ ‫عليكم كما ت‬
‫نزع َّن الل ُه من صدور عدوكم المهابة‬
‫السيل وَل َي َ‬
‫يومئذ كثير‪ ،‬ولكنكم غثاء كغثاء ّ‬
‫حب‬
‫منكم وليقذفن الل ُه في قلوبكم الو َْهن فقال قائل يارسول الله وما الوهن قال‪ُ :‬‬
‫‪2‬‬
‫الدنيا وكراهية الموت»‬

‫«التداعي االجتماعي ودعاء البعض بعض ًا والمراد من األمم فرق الكفر والضاللة‪،‬‬

‫(‪ )1‬الدكتور البوطي‪ ،‬محمد سعيد‪ ،‬الظالميون والمتنورون‪ ،‬ص‪ 170-169‬بتصرف بسيط‬

‫(‪ )2‬أبو داود ‪ ،‬السنن‪ ،‬باب في تداعي األمم على اإلسالم‪ ،‬ح‪ ،4‬ص‪111‬‬

‫‪-122-‬‬
‫ويوشك أي يقرب أن تتداعى األمم بأن يدعو بعضهم بعض ًا لمقاتلتكم‪ ،‬وكسر‬
‫شوكتكم وسلب ما ملكتموه من الديّار واألموال واأل كلة‪ :‬جمع آ كل والمعنى كما‬
‫يدعو آكلة الطعام بعضهم بعضا والضمير إلى قصعتها لآل كلة أي التي يتناولون‬
‫فيها بال مانع وال منازع فيأ كلونها عفو ًا وصفوا كذلك يأخذون ما في أيديكم بال‬
‫تعب ينالهم‪ ،‬أو ضرر يلحقهم‪ ،‬أو يأس يمنعهم‪ ،‬وغثاء السيل ما يحمله من زبد‬
‫ولينزعن أي ليخرجن المهابة أي‬
‫ّ‬ ‫ووسخ شبههم به؛ لق ّلة شجاعتهم ودناءة قدرهم‬
‫الخوف وال ّرعب‪.‬‬

‫قال الطيبي رحمه الله سؤال عن نوع الوهن أو كأنه أراد من أي وجه يكون ذلك‬
‫حب الدنيا وكراهية الموت» وهما متالزمان فكأنهما شيء واحد‬
‫ّ‬ ‫الوهن « قال‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫يدعوهم إلى إعطاء الدنية في الدين من العدو المبين ونسأل الله العافية»‬

‫يستمد منها الشباب المعاصر ثقافتهم‪-:‬‬


‫ُ‬ ‫يقول األستاذ رازق سرياني ‪ :‬هناك ثالثة مصادر‬

‫(أ) ‪ -‬الثقافة العلمية‪ ،‬وهي ثقافة صنعت إنتاج ًا فكري ًا قادر ًا أن يخاطب اإلنسان‬
‫أن قدر ًا كبير ًا من هذه الثقافة هو غربي‪ ،‬ولكن التفوق الغربي‬
‫أينما كان‪ ،‬صحيح َّ‬
‫إنما هو نتيجة رحلة طويلة قطعها العقل البشري‪ ،‬وأسهم فيها الشرق بدور أساسي‬
‫في العصور القديمة والوسطى‪ ،‬والتحدي الذي أمام جيل الشباب اليوم هو اللحاق‬
‫بالركب الثقافي العالمي من خالل التواصل باللغات العالمية وتعلمها وتحيط بنا‬
‫هذه الثقافة من كل جانب وليس بامكاننا وال مصلحتنا أن نعزل أنفسنا عنها‪...‬‬
‫والشباب اليوم يحاكي فقط القشور الخارجية للثقافة العالمية « لباس‪ ،‬طعام‪،‬‬
‫أشكال الموضة» دون تعمق في جوهرها ووسائلها‪ :‬التلفاز‪ ،‬اإلنترنت‪ ،‬السينما‪.‬‬

‫(‪ )1‬آبادي‪ ،‬محمد شمس الحق عون المعبود شرح سنن أبي داود‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪ ،273‬ط‪1995 ،2‬م‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪-123-‬‬
‫(ب) ‪ -‬الثقافة المحلية‪ :‬والشباب اليوم ال يلتفت إلى هذه الثقافة في الغالب‬
‫والتي مادتها الكتب‪ ،‬واختلطت الثقافة المحلية بالعالمية‪ ،‬فالجلوس في مقهى‬
‫عصري مع إنترنت فضائي وشرب األرجيله‪ ،‬والتحدث بالخليوي هو أمر مفضل‬
‫بكثير وأمتع من الجلوس في مكان هادىء للمطالعة ويتمنى الكاتب أن يرى مقهى‬
‫يقدم لزبائنه كتب ًا للقراءة والمطالعة اثناء شربهم المشروبات ‪.‬‬

‫(ت) ‪ -‬الثقافة التقليدية أو التراثية‪ -:‬وهذه الثقافة لم تنجح في تقديم التراث‬


‫بصورة حيوية‪ ،‬أـو فيها تجديد أو قدرة على التواصل مع ثقافة التراث الماضي‬
‫ألن طريقة تقديمها إليهم في عصر التغير السريع تعجز عن أن‬
‫وعن االقتناع بها‪َّ ،‬‬
‫‪1‬‬
‫تجد لنفسها منفذ ًا إلى عقولهم»‬

‫وتعد العولمة من أهم التحديات الفكرية الخارجية‬

‫« وهي تعميم النمط الحضاري األمريكي على بلدان العالم وشعوبه بقصد الهيمنة على‬
‫السياسة‪ ،‬والثقافة واألفكار‪ ،‬والسلوك‪ ،‬واالقتصاد»وتظهر آثار هذه العولمة فيما يلي‪-:‬‬

‫‪ -1‬األزياء وتصاميمها التي غزت أسواق العالم وبخآصة «الجينز» بأنواعه‪،‬‬


‫وتتفاخر المجالت المتخصصة باألزياء والقنوات الفضائية والصحف في الترويج‬
‫لذلك فض ً‬
‫ال عن عروض األزياء للرجال والنساء التي صارت عادة في بالد كثيرة‪.‬‬

‫‪ -2‬األطعمة وعلى رأسها األطعمة السريعة ‪ . Fast Food‬وأشهرها كنتاكي‪،‬‬


‫ماكدونالدز‪ ،‬هامبرجر‪ ،‬بيتزاهت‪ ،‬حتى صارت مظهر ًا أو سلوك ًا شبه يومي وعلى‬
‫حساب الطعام الوطني وتغيير األذواق ‪.‬‬

‫(‪ http:www.terezia.org )1‬محاضرة بعنوان الشباب وتحديات العصر لألستاذ رازق سرياني مدير قسم التربية‬
‫والتجديد ومدير قسم العالقات المسكونية الدولية في مجلس كنائس الشرق األوسط ‪ ،‬محاضرة عقدت بتاريخ ‪/6‬‬
‫تشرين ثاني ‪2007 /‬م‬

‫‪-124-‬‬
‫‪ -3‬مظاهر الزينة في العطور التي تنتجها شركات خاصة صارت مشهورة للنساء‪،‬‬
‫والشباب‪ ،‬والرجال‪ ،‬وأمّا في قصات الشعر للنساء والرجال وأصباغها‪.‬‬

‫‪ -4‬على صعيد العولمة االقتصادية فاصطناع األزمات‪ ،‬لتحطيم المنظومات‬


‫االقتصادية للدولة الفقيرة أو المتطورة ومنها اإلسالمية لتحقيق الهيمنة على العالم‬
‫الثالث‪.‬‬

‫‪ -5‬تفتيت البنى السياسية والنظم االجتماعية في كثير من المناطق وتفكيكها إلى‬


‫‪1‬‬
‫قوميات وعرقيات وطائفيات دينية»‬

‫ويظهر تأثير العولمة في كآفة المجاالت السياسية‪ ،‬واإلقتصادية‪ ،‬واإلجتماعية‪،‬‬


‫وأخطرها المجال الثقافي « والذي يقوم على استهداف هوية األمة وثقافتها‬
‫فاإلنسان هو الكائن الوحيد الذي يكيف سلوكه وفق معتقداته‪ ،‬وثقافته فتغيير‬
‫المجتمع يتم من خالل تغيير ثقافته ونظرته إلى اإلنسان والكون والحياة وفلسفته‬
‫في ذلك‪.‬‬

‫ودعاة العولمة يريدون إحالل ثقافة مكان ثقافة‪ ،‬ومعتقدات مكان أخرى وإحالل‬
‫فلسفة محل فلسفة وأدرك دهاقنة العولمة ومهندسوها ما لإلعالم من دور وللصورة‬
‫ّ‬
‫الجذابة من تأثير فسخروها لغزو ثقافة المصلحة واللذة العاجلة مكان القيم‬
‫واألخالق والعقائد وأسندوا إلى هوليود وإلى وكاالت اإلعالن في نيويورك‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫لتقرير المنتوجات الثقافية األكثر رواج ًا للتسويق في العالم «‬

‫« إن الفهم الغربي لعولمة الثقافة ينبعث من منطلق سيادة الثقافة الحداثية الغربية‬

‫(‪http:islamtoday.net.bohooth artshow 35/8/12 )1‬‬

‫(‪ )2‬مسلم وزمالؤه‪ ،‬الثقافة اإلسالمية‪ ،‬ص‪.293‬‬

‫‪-125-‬‬
‫على كافة الثقافات‪ ،‬وقد صرح عدد من أعمدة الفكر الغربي المعاصر مثل «‬
‫فرنسيس فوكاياما» أن عولمة الثقافة ال تتأتى إ ّ‬
‫ال بسيطرة ثقافة معينة على الثقافات‬
‫المتعددة‪ ،‬لقد يسرت وسائل األتصال صياغة العقود واألفهام حيث حملت أفكار‬
‫‪1‬‬
‫الغرب إلى كل بيت وإلى كل فرد من أفراد المجتمع»‬

‫فإن اإلسالم يدعو إلى‬


‫وفي خضم هذه الموجة العاتية التي تتعرض لها األمة ّ‬
‫التمحور حول الذات دون اكتفاء على أسباب التقدم والرفاه دون الذوبان الثقافي‪.‬‬

‫وإن ظلموا ظلمنا‪،‬‬


‫يقول الرسول ‪»‬ال تكونوا إمّعه تقولون إن أحسن الناس أحسنا‪ْ ،‬‬
‫‪2‬‬
‫ولكن وط ّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا فال تظلموا»‬

‫ً‬
‫ثاثلا‪ :‬حتدي ابلطالة والفقر‪-:‬‬

‫‪ -1‬العطل واتلعطل‪ « :‬قال ابن منظور « بطل األجير بالفتح يبطل بطالة وبطالة بفتح‬
‫‪3‬‬
‫الباء وبكسرها‪ -‬أي تعطل فهو بطال»‬

‫‪ -2‬الكسل واإلهمال‪ -:‬قال أبو ابلقاء الكفوي‪:‬‬

‫« البطالة بالكسر‪ ،‬الكسالة المؤدية إلى إهمال المهمات فجاء على هذا الوزن‬
‫‪4‬‬ ‫المختص بما يحتاج إلى المعالجة من األفعال بحمل ّ‬
‫النقيض على نقيضه»‬

‫(‪ )1‬المرجع نفسه ‪ ،‬ص ‪294‬‬

‫(‪ )2‬الترمذي‪ ،‬أبو عيسى‪ ،‬باب ما جاء في اإلحسان والعفو‪،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،364‬سبق تخريجه‪ ،‬ص‪.36‬‬

‫(‪ )3‬ابن منظور‪،‬محمد بن مكرم‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪57‬‬

‫(‪ )4‬الكفوي ‪ ،‬ابو البقاء‪ ،‬الكليات‪ ،‬ص ‪247‬‬

‫‪-126-‬‬
‫ً‬
‫تعريف ابلطالة رشاع‪-:‬‬

‫«هي‪ :‬العجز عن الكسب في أي صورة من صور العجز ذاتي ًا‪ :‬كالصغر‪ ،‬واالنوثة‪،‬‬
‫والعته‪ ،‬والشيخوخة‪ ،‬والمرض‪ ،‬أو غير ذاتي‪ -:‬كاإلشتغال بتحصيل علم‪ ،‬وليس من‬
‫العجز غير الذاتي التفرغ للعبادة مع القدرة على العمل‪ ،‬وحاجته إلى الكسب لقوته‬
‫‪1‬‬
‫وقوت من يعول حيث يرى الفقهاء‪ ،‬أن مثل هذا التفرغ حرام‪ ،‬أو مكروه»‬

‫فإن البطالة تعني « هي حالة تعطل غير إرادي‬


‫وفي القوانين الوضعية المعاصره ّ‬
‫عن العمل‪ ،‬بالنسبة لشخص قادر على العمل وال يجد عم ً‬
‫ال مناسب ًا‪.‬‬

‫وهذا المعنى العام كان في بداية نشأته لصالح فئات الكادحين‪ ،‬وأمّا اآلن فقد‬
‫توسعت بعض الدول في مفهومه‪ ،‬بحيث شمل جميع أفراد المجتمع القادرين على‬
‫‪2‬‬ ‫العمل‪ ،‬الذين ال يجدون عم ً‬
‫ال مناسب ًا»‬

‫الحياة واستحقاق والية الخالفة عليها ليس ضرب ًا من األماني واألحالم‪ّ ،‬‬
‫إذ ال بد‬
‫من العمل الدؤوب والتفنن في أساليبه بما يواكيب تطورات العصر فالعم ألمر الزم‬

‫يقول سبحانه‪ :‬ﭽ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ‬


‫ﭲ ﭳ ﭼ الملك‪ ١٥ :‬وقوله سبحانه‪ :‬ﭽ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭼ الجمعة‪«١٠:‬‬
‫إن اإلسالم ليقدس العمل الدنيوي ويعتبره حين ًا ضرب ًا من العبادة‪ ،‬وتار ًة جهاد ًا في‬
‫ّ‬
‫سبيل الله‪ ،‬إذا اقترنت به النية الصالحة وصحبه اإلخالص واإلتقان‪ ،‬وينفي الني‬

‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الموسوعه الفقهية الكويتية ‪101-100/8‬‬

‫(‪ )2‬البطالة والتسول‪ ،‬د‪.‬نهاد عبدالحليم عبيد‪ ،‬مجلة الشريعة والدراسة اإلسالمية ‪ ،‬العدد الحادي والثالثون‪ ،‬السنة‬
‫الثانية عشرة‪ ،‬ذو القعدة ‪1417‬ﻫ‪ ،‬أبريل ‪1997‬م‪ ،‬ص ‪76‬‬

‫‪-127-‬‬
‫‪ ‬فكرة احتقار بعض الناس لبعض الناس لبعض المهن واألعمال‪ ،‬ويعلم أصحابه‬
‫أن الكرامة كل الكرامة في العمل – أي عمل‪ -‬وأن الهوان والضعه في االعتماد‬
‫على معونة الناس‪.‬‬

‫َّ‬
‫فيكف الله به‬ ‫فيأخ َذ حزم ًة من حطب فيبيع‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أحدكم حب ً‬
‫ال‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫يأخذ‬ ‫يقول ‪َ « ‬ل ّ‬
‫أن‬
‫‪2‬‬
‫وجهه‪ ،‬خي ٌر من أن يسأل الناس ُأ ْع ِط َي أو مُ ِنع» ‪« 1‬‬

‫يقول محمد الغزالي رحمه الله» التعطل ‪ :‬هو جريمة خلقية واجتماعية تصاب‬
‫األمم من جرائها بشر مستطير‪ ،‬وقد نهى الدين عنه ووصى بأن يعمل المرء أي‬
‫عمل يقيم أوده‪ ،‬ويحفظ حياته وكرامته ‪.‬‬

‫والتعطل نوعان تعطل المترفين‪ :‬أصحاب القناطير المقنطرة من الذهب والفضة‬


‫وهؤالء سبب في الهالك ْ‬
‫اذ لم يستثمروا أموالهم‪ ،‬ومن باب سد الذريعه وجب‬
‫الحجر على هؤالء السفهاء‪ ،‬وتقييدحرياتهم الشخصية؛ حتى يتحولوا إلى أفراد‬
‫المدخرة مصادرخير لهم ولغيرهم‪ ،‬وهناك تعطل آخر‬
‫ّ‬ ‫منتجين وحتى تكون ثرواتهم‬
‫منتشر بين الطبقات الفقيرة ‪ ،‬وينتظم األلوف المؤلفة من أبنائها وتؤدي إليه جرائم‬
‫التسول والتشرد ‪ ،‬والفساد والعدوان‪ ،‬وحاجة هؤالء إلى العمل الشريف ال ريب‬
‫‪3‬‬
‫فيها‪ ،‬وفائدة الدولة من استغالل هذه القوى الطبيعية الريب فيها كذلك «‬

‫وتعطل الشاب يدفعه في الغالب إلى اإلنحراف السلوكي ويصاب باليأس‬


‫واإلحباط ويشعر بالالمباالة تجاه أمته ووطنه عندما يرى نفسه قعيد ًا حبيس البيت‪،‬‬

‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬محمد بن إسماعيل‪ ،‬الصحيح‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.836‬‬

‫(‪ )2‬القرضاوي ‪ ،‬يوسف‪ ،‬دور القيم واألخالق في اإلقتصاد اإلسالمي‪ ،‬ص ‪1422 ،137‬ﻫ‪2001 ،‬م‪ ،‬مكتبة وهبه‪،‬‬
‫القاهرة‬

‫(‪ )3‬الغزالي‪ ،‬محمد‪ ،‬اإلسالم واألوضاع االقتصادية‪ ،‬ص‪،68‬ط‪1،1421‬ﻫ‪2000 ،‬م‪ ،‬دار القلم ‪ ،‬دمشق‬

‫‪-128-‬‬
‫فما أجمل أن يرى الشاب نفسه منتج ًا لبلده يبادله العطاء والمنافع وتجميل نفسه‬
‫عن سؤال الناس وذل النفس وهوانها‪.‬‬

‫« قال لقمان الحكيم البنه‪ :‬يا بني‪ ،‬استغن بالكسب الحالل عن الفقر فإنه ما افتقر‬
‫أحد قط إال أصابه ثالث خصال‪ :‬رقة في دينة‪ ،‬وضعف في عقله‪ ،‬وذهاب مروءته‪،‬‬
‫ٌ‬
‫وأعظم من هذه الثالث استخفاف الناس به‪ ...‬وقال ابن مسعود رضي الله عنه‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫إنّي أل كره أرى الرجل فارغ ًا ال في أمر دنياه وال في أمر آخرته»‬

‫ومن اآلثار السلبية أيض ًا للبطالة» زيادة عدد العاطلين عن العمل‪ ،‬وكثرة الجريمة‬
‫ووقوع المجتمع تحت سيطرة العدو عند وجود الكساد االقتصادي والعدو يتحكم‬
‫فيه‪ ،‬فال يعطيهإ ّ‬
‫ال بشروط‪ ،‬يؤدي كذلك إلى تحديد النسل‪ ،‬واعتياد الخمول‬
‫‪2‬‬
‫والكسل والفراغ‪ ،‬واستمرار الربا والديون»‬

‫من األمور اليت تساعد ىلع ختفيف ومعاجلة ابلطالة‬


‫ً‬
‫أوال‪ -:‬العمل‬

‫فاإلسالم يمقت التواكل وسؤال الناس سواء أعطوه أو منعوه ويريد أن يربي في‬
‫المسلم روح العصامية واإليجابية الفاعله في اإلعتماد على النفس وبناء الذات‪،‬‬
‫ومهما انحط العمل وقل مقداره فيجب على الشاب أن ال يتوان عن العمل على‬
‫األقل ابتدا ًء ‪ ،‬فنحن سمعنا عن كثير من الشباب الذين سافروا إلى دول المهجر‬
‫وكافحوا من أجل طلب الرزق‪ ،‬وبعضهم اضطرته الظروف للعمل في أعمال بسيطة‬
‫من أجل أن يتابع تحصيله العلمي وحصلوا على أعلى الدرجات وتبؤوا فيما‬

‫(‪ )1‬الغزالي‪ ،‬محمد‪ ،‬ابو حامد‪ ،‬احياء علوم الدين‪ ،‬م‪ ،2‬ص‪71‬‬

‫(‪ )2‬البطالة والتسول‪ ،‬د‪.‬نهاد عبيد‪ ،‬كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية ‪ ،‬ص‪ 87-85‬باختصار‪ ،‬مرجع سابق‬

‫‪-129-‬‬
‫بعد مراكز مرموقه ‪ ،‬فالحياة ليست معبأة بالورود واألمنيات الكبيرة ال بُد لها من‬
‫التضحيات الجسام ‪.‬‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ -:‬توفري فرص العمل‪.‬‬

‫وهذه مسؤولية الدولة بالدرجة األولى‪ ،‬فعلى جهات االختصاص استيعاب القدر‬
‫األكبر من العاطلين بعد أن توجههم وتؤهلهم ٌ‬
‫كل وحسب اختصاصه وكفاءته‪،‬‬
‫والمثل الصيني يقول « ال تعطني سمكه ولكن علم ّني كيف اصطاد»‬

‫هذه الحكمة لها دالالت فيدل أن يتحول قسم من شبابنا إلى عاطلين أو متسولين‬
‫يجب أن نؤهلهم إلى أرقى المستويات المهنية والتقنية‪.‬‬

‫وايمان بالله‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫سألت رسول الله ‪ :‬أي العمل أفضل قال‪:‬‬ ‫وفي الحديث عن أبي ذر‪:‬‬
‫وجهادٌ في سبيله قال‪ ،‬فأي الرقاب أفضل قال‪ :‬أغالها ثمن ًا وأنفسها عند أهلها‬
‫تصنع ألخرق‪ :‬قال أرايت إن لم أفعل‬
‫ُ‬ ‫لم أفعل قال‪ :‬تعين ضائع ًا أو‬
‫إن ْ‬
‫قال‪ :‬أرأيت ْ‬
‫‪1‬‬
‫تدع الناس من الشر فإنها صدقه تصدق بها عن نفسك»‬
‫قال‪ُ :‬‬

‫والضيع ُة في األصل‪ ،‬المرة من الضياع‪ ،‬وضيع ُة الرجل في غير هذا ما يكون منه‬
‫ّ‬ ‫«‬
‫معاشه‪ :‬كالصنعه والتجارة‪ ،‬والزراعة وغير ذلك‪ ،‬والضيعات أي ‪ :‬المعايش وفيه أنه‬
‫‪2‬‬
‫نهى عن إضاعة المال‪ :‬يعني إنفاقه في غير طاعة الله تعالى واإلسراف والتبذير»‬

‫وفي فتح الباري « قوله تعين ضائع ًا» أي عاجز ًا مأخوذ من الضياع‪ ،‬وقوله من لي‬
‫بضيعتهم أي عيالهم سميت العيال بالمصدر كما تقول مات وترك فقر ًا أي فقراء‬

‫أن الرقاب أفضل‪ ،‬ج‪،2‬ص‪891‬‬


‫(‪ )1‬البخاري‪ ،‬محمد بن اسماعيل‪ ،‬الصحيح‪ ،‬كتاب العتق ‪ ،‬باب ّ‬

‫(‪ )2‬الجزري‪ ،‬أبو السعادات‪ ،‬المبارك‪ ،‬النهاية في غريب األثر‪ ،‬ج‪3‬ص‪ ،108‬تحقيق طاهر الزاوي‪ ،‬ومحمود‬
‫الطنامي‪1399،‬ﻫ‪1979 ،‬م‪ ،‬المكتبة العلمية ‪ ،‬بيروت‬

‫‪-130-‬‬
‫‪ ،‬قوله أخشى عليه الضيعة‪ :‬أي الهالك وتطلق على االرض التي يكون لها خراج‬
‫وعلى كل ما يكون المعاش من تجارة وصناعة وزراعة ‪.‬وقوله ‪ :‬إضاعة المال‪ :‬هو‬
‫انفاقه في الحرام ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫وقيل ‪ :‬ترك القيام عليه وقيل المال‪ :‬هنا هو الحيوان»‬

‫« وروي بالصاد المهملة وقال الدار قطني أنه هو الصواب لمقابلته األخرق وقال‬
‫معمر كان الزهري يقول‪ :‬صحف هشام ‪ :‬إنما هو الصانع والله تعالى أعلم واألخرق‬
‫من ليس له كسب الجاهل مما يعمله أو ال صنعه له» ‪.2‬‬

‫فالسنة في هذا الحديث يحث على العمل ‪ ،‬وذلك ببيان بعض صوره ‪ ،‬ومنها‪-:‬‬
‫ّ‬ ‫«‬

‫‪ -1‬إعانة الصانع‪ :‬يعني أن توجد له عم ً‬


‫ال‪.‬‬

‫‪ -2‬الصناعة لألخرق‪ :‬أي تعلمه مهنة أو حرفة‪ ،‬كأنه ينبغي أن يكون مال االمة‬
‫موجه ًا في عدة جهات منها‪-:‬‬

‫‪ -‬إنشاء المصانع والمؤسسات التي تستوعب أصحاب الحرف الذين ال عمل لهم‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -‬إنشاء معاهد للتدريب والتعليم‪ ،‬التي تزيد حجم أصحاب الحرف والمهن «‬

‫(‪ )1‬العسقالني‪ ،‬أحمد بن علي بن حجر ‪ ،‬هدي الساري مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪،148‬‬

‫تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي‪1379 ،‬ﻫ‪ ،‬دار المعرفة ‪ ،‬بيروت‬

‫(‪ )2‬القاري‪ ،‬علي بن سلطان‪ ،‬مرفأة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪،500‬دار المكتبة العلمية‪ ،‬بيروت‬

‫تحقيق ‪ ،‬جمال عتياني‪،‬ط‪1،1422‬ﻫ‪2001،‬م‬

‫(‪ )3‬البطالة‪ ،‬د‪.‬نهاد عبيد‪ ،‬مجلة الشريعة والدراسات اإلسالمية‪ ،‬العدد ‪ ،11‬ذو القعدة ‪1417‬هـ‪1997 ،‬م‪ ،‬ص‪101‬‬

‫‪-131-‬‬
‫ً‬
‫ثاثلا‪ :‬العمل ىلع إذاكء ثقافة العمل‪.‬‬

‫بعض الناس يربط نفسه بحالة أو بهالة ال يفتأ يشترط وظيفة‪ ،‬أو قل وظيفة مرموقة‬
‫َ‬
‫يقبل بما هو موجود‪ ،‬وال يدري‬ ‫سوآء يستحقها أو ال ‪ ،‬فاألصل في اإلنسان أن‬
‫اإلنسان ما يصلح حاله وما كتب له من خير‪ ،‬فالرزق على رب العالمين ويجب‬
‫َّ‬
‫يتخل الشاب عن ثقافة العيب‪ ،‬والمشكلة ليست في قلة الموارد وإنّما في سوء‬ ‫أن‬
‫التوزيع وظلم اإلنسان ‪.‬‬

‫« فإذا كان الغربيون يعتبرون أساس المشكلة هو قلة الموارد في مقابل كثرة البشر‬
‫المتزايدة‪ ،‬فإن القرآن يرى أن نعم الله ال يمكن إحصاؤها‪ ،‬وأن موارده غزيرة‪،‬‬
‫ولكن المشكلة تكمن في اإلنسان الظلوم الكفار فهو الذي يمكن أن يسبب الخلل‬
‫في الكون وفي أرزاق الخلق بظلمه وتجاوزه أو ببطره وكفرانه بالنعمة‪ ،‬ومن هنا‬
‫ال يمكن عالج ضعف التربة‪ ،‬أو نقص الموارد‪ ،‬أو غير ذلك ما لم تعالج ضعف‬
‫‪1‬‬
‫اإلنسان من داخله ودخول الظلم والكفران عليه»‬

‫ً‬
‫رابعا‪ :‬ضمان اجتمايع للصغار والعاجزين يف املجتمع‪.‬‬

‫« فاألصل في القادرين أن يعملوا حتى يعفوا أنفسهم ‪ ،‬ويعفوها بالحالل ويوفروا‬


‫ألنفسهم المطالب المشروعة المالئمة‪ ،‬وعلى المجتمع أن يعاونهم على توفير‬
‫العمل المالئم لهم ويدربهم عليه ‪ ،‬فإن عجزنا‪ ،‬فإن لهم في أموال القادرين حظ ًا‬
‫معلوم ًا من المعيشة يتوافر فيه الغذاء والكساء والمسكن والدواء‪ ،‬وهذا القرآن‬
‫يقول‪ :‬ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ المعارج‪٢٥ - ٢٤ :‬‬

‫ﭽ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﭼ التوبة‪ ١٠٣ :‬وهذا ما يعبر عنه في‬

‫(‪ )1‬القرضاوي‪ ،‬رعاية البيئة في شريعة اإلسالم ‪ ،‬ص‪32‬‬

‫‪-132-‬‬
‫عصرنا باسم» الضمان االجتماعي» أو التكافل االجتماعي ومن الناس من يظهر‬
‫أنه من ثمار هذا العصر ‪ ،‬ومن مبتكرات الغرب واإلسالم قد فرضه منذ أكثر من‬
‫‪1‬‬
‫أربعة عشر قرن ًا «‬
‫ً‬
‫خامسا‪ :‬انتشار ظاهرة الغلو يف اصدار األحاكم ( اتلكفري)‬

‫من المصائب التي ابتليت بها األمة قديما وحديثا مصيبة التكفير واتهام اآلخرين‬
‫بهذه اآلفة دون علم أو لمجرد شبهة ال تستقيم كدليل مقنع ‪ ،‬وفي التاريخ نجد فرقة‬
‫الخوارج التي ظهرت ورفعت هذا السيف في وجه مخالفيها وقد أخبر عنهم النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وتحققت نبوءته عليه الصالة والسالم فيما أخبر» فعن أبي‬
‫سعيد رضي الله عنه قال بعث علي رضي الله عنه الى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بذهيبة فقسمها بين األربعة ‪ :‬األقرع بن حابس الحنظلي ثم المجاشعي وعيتبة بن‬
‫بدر الغزاوي وزيد الطائي ثم أحد بني نبهان وعلقمة بن عالمة العامري ثم أحد‬
‫بني كالب فغضبت قريش واألنصار قالوا يعطي صناديد أهل نجد ويدعنا قال إنما‬
‫أتألفهم فأقبل رجل غائر العينين مشرق الوجنتين ناتئ كث اللحية محلوق فقال ‪:‬‬
‫‪-‬اتق الله يا محمد ‪ ،‬فقال ‪ :‬من يطع الله اذا عصيت أيأمنني الله على أهل األرض‬
‫فال تأمنونني ‪ ،‬فسأله رجل قتله أحسبه خالد بن الوليد فمنعه فلما ولى قال ‪ -:‬ان‬
‫من ضئضئ هذا أو في عقب هذا قوم يقرؤون القرآن ال يجاوز حناجرهم يمرقون‬
‫من الدين مروق السهم من الرمية يقتلون أهل اإلسالم ويدعون أهل األوثان لئن‬
‫‪2‬‬
‫أدركتهم ألقتلنهم قتل عاد»‬

‫(‪ )1‬القرضاوي‪ ،‬يوسف‪ ،‬دور القيم واالخالق في االقتصاد اإلسالمي‪ ،‬ص‪ ،381-380‬مرجع سابق‬

‫(‪ )2‬الغزالي ‪ ,‬أبو حامد ‪ ,‬محمد ‪ ,‬فيصل التفرقة بين اإلسالم والزندقة ‪ ,‬ص ‪ ,9‬ط‪1413 ,1‬ه ‪ ،1993 ,‬أخرجه البخاري‬
‫في الصحيح برقم ‪3610‬‬

‫‪-133-‬‬
‫وابتليت بهم األمة في وقتنا الحاضر فيقتلون أهل اإلسالم ويتفننون بأساليب القتل‬
‫ال يتصورها عاقل وال آدمي وأصبح جرح األمة نازف ًا في كل مكان ولم تعد تستطيع‬
‫أن تطفئ حرائق القتل التي ألمت بها وإلى الله المشتكى ‪.‬‬

‫يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله « واعلم أن حقيقة الكفر واإليمان وحدهما‪،‬‬
‫والحق والضالل وسرهما‪ ،‬ال ينجلي للقلوب المدنسة بطلب الجاه والمال وحبهما‪،‬‬
‫بل انما ينكشف دون ذلك لقلوب طهرت من وسخ أوضار الدنيا أوال‪ ،‬ثم صقلت‬
‫بالرياضةالكاملة ثانيا‪ ،‬ثم نورت بالذكر الصافي ثالثا‪ ،‬ثم غذيت بالفكر الصائب‬
‫رابعا‪ ،‬ثم زينت بمالزمة حدود الشرع خامسا‪ ،‬حتى فاض عليها النور من مشكاة‬
‫النبوة‪ ،‬وصارت كأنها مرآة مجلوة‪ ،‬وصار مصباح اإليمان في زجاجة قلبه مشرق‬
‫األنوار‪ ،‬يكاد زيته يضيء ولو لم تمسسه نار وأنى تتجلى أسرار الملكوت لقوم‬
‫الههم الهنم هواهم‪ ،‬ومعبودهم سالطينهم وقبلتهم دراهمهم ودنانيرهم ‪ ،‬وشريعتهم‬
‫رعوناتهم وارادتهم جاههم وشهواتهم‪ ،‬وعبادتهم خدمتهم أغنياءهم‪ ،‬وكنزهم‬
‫سواسهم‪ ،‬وفكرهم استنباط الحيل لما تقتضيه حشمتهم‪ ،‬فهؤالء من أين تتميز لهم‬
‫ظلمة الكفر من ضياء اإليمان ‪،‬أبإلهام االهي ولم يفرغوا القلوب عن كدورات‬
‫الدنيا‪ ،‬أم بكمال علمي وإنما بضاعتهم في العلم مسألة النجاسة وماء الزعفران‬
‫وأمثالها‪ ،‬هيهات هيهات‪ ،‬هذا الطلب أنفس وأعز من أن ينال بالهوينا فاشتغل أنت‬

‫بشأنك‪ ،‬وال تضيع فيهم بقية زمانك ﭽ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬


‫ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﭼ النجم‪٣٠ - ٢٩ :‬‬

‫‪-134-‬‬
‫يذكر الدكتور محمد عمارة « أن أسباب نفي اآلخر «واستخدام سالح التكفير»‬
‫ومحاولة اعدام اآلخر معنويا بهذا التكفير تعود لألسباب التالية‪-:‬‬

‫‪ -1‬التفسير الحرفي والجامد لفتاوى تراثية‪ ،‬صدرت ضد أعداء األمة األسالمية‬


‫الغزاة لدار األسالم ‪ ،‬والمدمرين للحضارة األسالمية مثل فتاوى شيخ االسالم‬
‫ابن تيمية ‪728-661‬هـ‪ 21328-1263 ،‬في التتار ونقل هذه الفتاوى الى‬
‫واقعا المعاصر مع تجريدها من سياقها التاريخي وأسبابها الموضوعية ومالبساتها‬
‫الفكرية والحضارية‪......‬يقول أبو حامد الغزالي عن هذه الصراعات الداخلية»‬
‫إنّه ال شيء فيها يستوجب التكفير»‬

‫‪ -2‬وقوع جماعات التكفير هذه نفسها في دائرة النفي «أي التكفير» من قبل‬
‫خصومها اآلخرين‬

‫‪ -3‬حاالت القهر الحضاري التي مارسها ويمارسها اإلستعمار الغربي والغزو‬


‫الفكري واالستالب الحضاري ضد االسالم والهوية االسالمية‪.‬‬

‫‪ -4‬الجهل باحكام اإلسالم وأساسياته» ‪.1‬‬

‫‪« -5‬فراغ الوسط الثقافي من األكفاء‪.‬‬

‫‪ -6‬ضعف اإلعالم الجماهيري في مواجهة هذه الظاهرة‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -7‬الجرأة من غير أهل االختصاص على معالجة الموضوعات الدينية»‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬عمارة‪ ،‬محمد‪ ،‬اإلسالم والتحديات المعاصرة‪ ،‬ص‪ ،243،244‬ط‪2005 ،2‬م‪ ،‬نهضة مصر للطباعة‪ ،‬مصر‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ ،871‬عنوان المقال‪ :‬ظاهرة التطرف والغلو في الدين‪،‬‬ ‫(‪ )2‬د‪ .‬الصادق‪ ،‬ربيع خليفة‪ ،‬مجلة األزهر‪ ،‬الجزء‪،9‬‬
‫‪ ،18990-18985‬سنة ‪1435‬هـ‪2014-‬م‪.‬‬

‫‪-135-‬‬
‫ً‬
‫سادسا ‪ -:‬إضاعة الوقت‬

‫الوقت هو الحياة فكل يوم يمر يقربنا إلى نهاية األجل المحتوم ‪ ,‬والوقت ألهميته‬
‫نجد أن القرآن الكريم أقسم به في العديد من السور فأقسم سبحانه بالعصر وبالليل‬
‫والنهار والفجر وأقسم بالليال العشر‪ ...‬الخ‬

‫ال َتز ُ‬
‫ُول‬ ‫واإلنسان سيسأل عن عمره وماذا عمل يقول عليه الصالة والسالم ‪َ « :‬‬

‫يم َف َع َل‪ ،‬و ََع ْن‬ ‫َق َدمَا َع ْب ٍد َيو َْم ال ِق َيا َم ِة َح َّتى ي ُْس َأ َل َع ْن ُع ُم ِر ِه ِف َ‬
‫يما َأ ْف َنا ُه‪ ،‬و ََع ْن ِع ْلمِ ِه ِف َ‬
‫‪1‬‬ ‫يم َأب َ‬
‫ْال ُه‪».‬‬ ‫يم َأن َْف َقهُ‪ ،‬و ََع ْن ِج ْسمِ ِه ِف َ‬ ‫مَا ِل ِه ِم ْن َأي َْن ْ‬
‫اك َت َس َب ُه َو ِف َ‬

‫« لذا كان السلف رضوان الله عليهم يحرصون رضوان الله عليهم يحرصون على‬
‫االستفادة من الوقت ويغتنمون كل فرصة سانحة لفعل الخيرات « يقول الحسن‬
‫البصري ‪ :‬أدركت أقواما كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصا على دراهمكم‬
‫ودنانيركم ‪ ...‬يقول عمر بن عبد العزيز ‪ :‬إن الليل والنهار يعمالن‬
‫فيك فاعمل فيهما وكانوا يقولون ‪ -:‬من عالمة المقت إضاعة الوقت ويقولون‬
‫‪2‬‬
‫الوقت سيفإن لم تقطعه قطعك »‬

‫على ما تقدم فهذه دعوة للشباب اليوم الذين يضيعون جل أوقاتهم بدون فائدة‬
‫تحت مسمى قتل الوقت سواء باسهر المتأخر أو اللهو غير المباح أو في الثرثرة‬
‫بدون فائدة وعدم القيام بالواجبات المناطة به الستثمار أوقاتهم بما ينفعهم في‬
‫الدنيا واآلخرة ‪.‬‬

‫(‪ )1‬الترمذي ‪ ,‬محمد عيسى ‪ ,‬سنن الترمذي ‪ ,‬ج‪ , 4‬ص ‪ ,190‬تحقيق بشار عواد معروف ‪1998 ,‬م‪ ,‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي‬
‫(‪ 2‬القرضاوي ‪ ,‬يوسف ‪ ,‬الوقت في حياة المسلم ‪ ,‬ص ‪,13 ,12‬ط‪1991 , 5‬م ‪ ,‬مؤسسة الرسالة ‪ ,‬بيروت‬

‫‪-136-‬‬
‫« من أهم العالمات الفارقة بين األمم المتقدمة واألمم المتخلفة ‪ ,‬وبين األشخاص‬
‫الناجحين واألشخاص العاديين ‪ ,‬ويمكن للمرء أن يقول وهو مطمئن ‪ -:‬إنه ليس‬
‫هناك ناجحون في الحياة على نحو ظاهر ‪ ,‬ال يهتمون بأوقاتهم ‪ ,‬وكيف للمرء أن‬
‫ينجح إذا كان ال يستغل أهم مورد يمكن االستفادة منه في تحقيق النجاح ؟ ‪...‬‬
‫المشكلة الكبرى أن الوقت ال يدار ‪ ,‬فهو سلسلة من المقاييس التي تسجل بقاء‬
‫دوران األرض حول محورها ‪ ,‬وتسجل فصولها المتعاقبة فتقدمه ثابت ‪ ,‬ولذا‬
‫قالوا قديما ‪ « :‬الوقت ال ينتظر أحدا» أما الشيء الوحيد الذي يمكن أن يدار‬
‫فهو استغاللنا للوقت ‪ ,‬ةلذا نحن في الحقيقة ندير أنفسنا وطاقاتنا ال أوقاتنا ومن‬
‫األسباب التي تكمن خلف ضياع الوقت عديدة من أهمها ‪-:‬‬

‫‪ -1‬الكسل‪.‬‬

‫‪ -2‬عدم وجود هدف محدد سبب مهم من ضياع الوقت ‪.‬‬

‫‪ -3‬عدم وجود خطة تحول الهدف إلى إنجاز‬

‫‪ -4‬سوء التنظيم حيث األعمال التافهة التي يمكن أن تبدد الوقت أ كثر من أن‬
‫‪1‬‬
‫تحصى»‬

‫(‪ )1‬بكار ‪ ,‬عبد الكريم ‪ ,‬العيش في الزمان الصعب ‪ ,‬ص ‪ 105-102‬مختصرا‬

‫‪-137-‬‬
-138-
‫فهرس اآليات‬

‫الصفحة‬ ‫رقمها‬ ‫السورة‬ ‫اآلية‬ ‫الرقم‬


‫ﭽ ﯿ ﰀ ﰁﰂ ﭼ‬
‫‪10‬‬ ‫‪٩١‬‬ ‫النساء‬ ‫‪.1‬‬
‫ﭽﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﭼ‬
‫‪10‬‬ ‫‪٦١‬‬ ‫األحزاب‬ ‫‪.2‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭼ‬
‫‪21‬‬ ‫‪١‬‬ ‫النساء‬ ‫‪.3‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫‪21‬‬ ‫‪١١٨‬‬ ‫هود‬ ‫ﭜﭼ‬ ‫‪.4‬‬
‫ﭽﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫‪21‬‬ ‫‪١٠٨‬‬ ‫األنعام‬ ‫ﯗ ﯘﯙ ﭼ‬ ‫‪.5‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ‬
‫‪24‬‬ ‫‪٣٠‬‬ ‫ابلقرة‬ ‫ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ‬ ‫‪.6‬‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫ﭯﭼ‬
‫ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ‬
‫‪25‬‬ ‫‪٤٤‬‬ ‫الزخرف‬ ‫‪.7‬‬
‫ﭽﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﭼ‬
‫‪29‬‬ ‫‪٣٨‬‬ ‫ادلخان‬ ‫‪.8‬‬
‫ﭽﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫‪29‬‬ ‫‪١١٥‬‬ ‫المؤمنون‬ ‫ﯗﭼ‬ ‫‪.9‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭼ‬
‫‪30‬‬ ‫‪٨٤‬‬ ‫الكهف‬ ‫‪.10‬‬
‫ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﭼ‪:‬‬
‫‪30‬‬ ‫‪١٦‬‬ ‫األنبياء‬ ‫‪.11‬‬
‫ﭽ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭼ‪:‬‬
‫‪31‬‬ ‫‪٣١‬‬ ‫األعراف‬ ‫‪.12‬‬
‫ﭽﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭼ‪:‬‬
‫‪34‬‬ ‫‪٦‬‬ ‫االنشقاق‬ ‫‪.13‬‬
‫ﭽﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫‪35‬‬ ‫‪٣٠‬‬ ‫الروم‬ ‫ﯞﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬ ‫‪.14‬‬
‫ﯩﯪ ﯫﯬﯭﭼ‬
‫ﭽﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫‪35‬‬ ‫‪١٧٤‬‬ ‫النساء‬ ‫ﯪ ﯫﭼ‬ ‫‪.15‬‬
‫ﭽﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫‪35‬‬ ‫‪٥٧‬‬ ‫يونس‬ ‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﭼ‪:‬‬ ‫‪.16‬‬
‫ﭽﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫‪36‬‬ ‫‪١٠٤‬‬ ‫آل عمران‬ ‫ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ‬ ‫‪.17‬‬

‫‪-139-‬‬
‫‪37‬‬ ‫‪١٤٣‬‬ ‫ابلقرة‬
‫ﭽﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ‬
‫ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭼ‬ ‫‪.18‬‬
‫‪43‬‬ ‫‪٢–١‬‬ ‫اجلن‬
‫ﭽﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ‬
‫ﭧ ﭨﭩ ﭼ‬ ‫‪.19‬‬
‫ﭽﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﭼ‬
‫‪44‬‬ ‫‪١٠‬‬ ‫األنبياء‬ ‫‪.20‬‬
‫ﭽﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ‬
‫‪44‬‬ ‫‪٩‬‬ ‫اإلرساء‬ ‫ﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭯ ﭼ‬ ‫‪.21‬‬
‫ﭽﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫‪44‬‬ ‫‪١‬‬ ‫الفرقان‬ ‫ﯝﭼ‬ ‫‪.22‬‬
‫ﭽ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﭼ‬
‫‪44‬‬ ‫‪.23‬‬
‫ﭽﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﭼ‬
‫‪44‬‬ ‫‪.24‬‬
‫ﭽ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﭼ‬
‫‪45‬‬ ‫‪٩‬‬ ‫احلجر‬ ‫‪.25‬‬
‫ﭽﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ‬
‫‪47‬‬ ‫‪٣–٢‬‬ ‫الروم‬ ‫ﯘﯙﭼ‬ ‫‪.26‬‬
‫ﭽﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﭼ‬
‫‪47‬‬ ‫‪٤٥‬‬ ‫القمر‬ ‫‪.27‬‬
‫ﭽﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫‪48‬‬ ‫‪١٤ – ١٢‬‬ ‫المؤمنون‬ ‫ﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮥﮦﮧﮨ‬ ‫‪.28‬‬
‫ﮩﮪﮫ ﮬﮭﮮﮯ‬
‫ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﭼ‬
‫ﭽﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭼ‬
‫‪49‬‬ ‫‪٩‬‬ ‫اإلرساء‬ ‫‪.29‬‬
‫ﭽ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫‪50‬‬ ‫‪٤٤‬‬ ‫انلحل‬ ‫ﭬ ﭭﭮ ﭯﭼ‬ ‫‪.30‬‬
‫‪50‬‬ ‫‪٦٤‬‬ ‫انلحل‬ ‫ﭽ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ‬ ‫‪.31‬‬
‫ﰋﰌﰍﰎﰏ ﭼ‬

‫‪54‬‬ ‫‪٢‬‬ ‫يوسف‬ ‫ﭽ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯﭼ‬ ‫‪.32‬‬


‫‪54‬‬ ‫‪– ١٩٣‬‬ ‫الشعراء‬ ‫ﭽﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬ ‫‪.33‬‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ‪:‬‬
‫‪١٩٥‬‬
‫‪58‬‬ ‫‪٩‬‬ ‫الروم‬
‫ﭽﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ‬
‫ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ‬ ‫‪.34‬‬
‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟﮠﮡ ﮢﮣﮤﭼ‬

‫‪-140-‬‬
‫ﭽﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ‬
‫‪58‬‬ ‫‪٤٤‬‬ ‫فاطر‬ ‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ‬ ‫‪.35‬‬
‫ﰓ ﰔ ﰕ ﰖﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﰛ ﰜ ﭼ‬
‫ﭽ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫‪63‬‬ ‫‪٣٣‬‬ ‫اإلرساء‬ ‫ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ‬ ‫‪.36‬‬
‫ﮫ ﮬﭼ‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫‪63‬‬ ‫‪٣٢‬‬ ‫المائدة‬ ‫ﭛﭜ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭤ‬ ‫‪.37‬‬
‫ﭥﭼ‬
‫ﭽﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫‪65‬‬ ‫‪٧٠‬‬ ‫اإلرساء‬ ‫ﮘﮙﮚﮛ ﮜﮝﮞﮟ‬ ‫‪.38‬‬
‫ﮠﭼ‬
‫ﭽﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫‪66‬‬ ‫‪١٣‬‬ ‫احلجرات‬ ‫ﭿﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﭼ‬ ‫‪.39‬‬
‫ﭽ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﭼ‬
‫‪69‬‬ ‫‪١٩٠‬‬ ‫ابلقرة‬ ‫‪.40‬‬
‫ﭽﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﭼ‬
‫‪69‬‬ ‫‪١٠٩‬‬ ‫يوسف‬ ‫‪.41‬‬
‫‪71‬‬ ‫ﭽﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬
‫ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﭼ‬ ‫‪.42‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫‪72‬‬ ‫‪– ١٠٧‬‬ ‫اتلوبة‬ ‫ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ‬ ‫‪.43‬‬
‫‪١٠٨‬‬ ‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬
‫ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁﮂ ﮃ ﮄ‬
‫ﮅﮆﭼ‬
‫ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﭼ البقرة‪٢٥٦ :‬‬
‫‪73‬‬ ‫‪.44‬‬
‫ﭽ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭼ‬
‫‪73‬‬ ‫‪٢٩‬‬ ‫الكهف‬ ‫‪.45‬‬
‫ﭽﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ‬
‫‪73‬‬ ‫‪٦‬‬ ‫الكهف‬ ‫ﭭﭮﭯﭼ‬ ‫‪.46‬‬
‫ﭽﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬
‫‪73‬‬ ‫‪٦–١‬‬ ‫العلق‬ ‫ﮈﮉﮊﮋﮌ ﮍﮎﮏﮐﮑ ﮒﮓﮔﮕ‬ ‫‪.47‬‬
‫ﮖﮗﮘﭼ‬
‫ﭽ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ‬
‫‪74‬‬ ‫‪١٠٥‬‬ ‫اتلوبة‬ ‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﭼ‬ ‫‪.48‬‬
‫ﭽ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﭼ‪:‬‬
‫‪74‬‬ ‫‪١٣٥‬‬ ‫األنعام‬ ‫‪.49‬‬
‫‪74‬‬ ‫‪١٥‬‬ ‫الملك‬ ‫ويقول سبحانه ﭽ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬ ‫‪.50‬‬
‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭼ‬

‫‪-141-‬‬
‫ﭽ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﭼ‬
‫‪75‬‬ ‫‪١٩‬‬ ‫األحقاف‬ ‫‪.51‬‬
‫ﭽ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﰉ ﰊ ﰋ‬
‫‪76‬‬ ‫‪٢٥٦‬‬ ‫ابلقرة‬ ‫ﰌﰍﰎﰏ ﰐﰑﰒﰓ‬ ‫‪.52‬‬
‫ﰔ ﰕﰖ ﰗ ﰘ ﰙ ﰚ ﭼ‬
‫ﭽ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﭼ‬
‫‪77‬‬ ‫‪٣١‬‬ ‫الرعد‬ ‫‪.53‬‬
‫ﭽ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣﮤ ﭼ‬
‫‪83‬‬ ‫‪٢٥‬‬ ‫اتلوبة‬ ‫‪.54‬‬
‫ﭽﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ‬
‫‪84‬‬ ‫‪١٣٧‬‬ ‫آل عمران‬ ‫ﮠ ﮡﮢ ﮣﭼ‬ ‫‪.55‬‬
‫ﭽ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ‬
‫‪85‬‬ ‫‪٩٨ - ٩٧‬‬ ‫النساء‬ ‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬ ‫‪.56‬‬
‫ﮗﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫ﮢﮣ ﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫ‬
‫ﮬﭼ‬

‫‪86‬‬ ‫‪١٣‬‬ ‫األحزاب‬


‫ﭽﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﭼ‪:‬‬ ‫‪.57‬‬
‫ﭽ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃﮄ‬
‫‪86‬‬ ‫‪٦٣‬‬ ‫انلور‬ ‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ‬ ‫‪.58‬‬
‫ﮏﮐﮑ ﮒﮓﮔﮕﮖ ﮗﮘ‬
‫ﮙﭼ‬
‫ﭽﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﭼ‬
‫‪92‬‬ ‫‪٣٣‬‬ ‫اإلرساء‬ ‫‪.59‬‬
‫ﭽﯼ ﯽ ﯾ ﭼ‬
‫‪93‬‬ ‫‪٣٠‬‬ ‫احلاقة‬ ‫‪.60‬‬
‫ﭽﭪ ﭫ ﭬ ﭼ‬
‫‪85‬‬ ‫‪١٣٥‬‬ ‫النساء‬ ‫‪.61‬‬
‫ﭽ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ‬
‫‪88‬‬ ‫‪٢‬‬ ‫المائدة‬ ‫ﭼ‬ ‫‪.62‬‬
‫ﭽﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬
‫‪88‬‬ ‫‪١٢٢‬‬ ‫اتلوبة‬ ‫ﯷﯸﯹﯺﯻ ﯼ ﯽﯾ ﭼ‬ ‫‪.63‬‬
‫ﭽ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝﮞ‬
‫‪89‬‬ ‫‪١٦١‬‬ ‫آل عمران‬ ‫ﭼ‬ ‫‪.64‬‬
‫ﭽﯭ ﯮ ﯯ ﭼ‬
‫‪90‬‬ ‫‪١٣‬‬ ‫احلج‬ ‫‪.65‬‬
‫ﭽﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﭼ‬
‫‪91‬‬ ‫‪٢١٤‬‬ ‫الشعراء‬ ‫‪.66‬‬
‫ﭽﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫‪92‬‬ ‫‪٩١‬‬ ‫هود‬ ‫ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﭼ‬ ‫‪.67‬‬

‫‪-142-‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫‪102‬‬ ‫‪١٨‬‬ ‫اإلرساء‬ ‫ﭝﭞﭟﭼ‬ ‫‪.68‬‬
‫ﭽﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﭼ‬
‫‪109‬‬ ‫‪١٤‬‬ ‫االنشقاق‬ ‫‪.69‬‬
‫ﭽﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ‬
‫‪109‬‬ ‫‪٣٤‬‬ ‫الكهف‬ ‫ﰇﰈﰉ ﭼ‬ ‫‪.70‬‬
‫ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫‪109‬‬ ‫‪١‬‬ ‫المجادلة‬ ‫ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭼ‬ ‫‪.71‬‬
‫‪109‬‬ ‫‪٣٧‬‬ ‫مريم‬ ‫ﭽﯸ ﯹ ﯺ ﯻﯼ ﭼ‬ ‫‪.72‬‬
‫‪109‬‬ ‫ﭽ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭼ هود‪.١١٨ :‬‬ ‫‪.73‬‬
‫ﭽﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﭼ‬
‫‪110‬‬ ‫‪٩٣‬‬ ‫يونس‬ ‫‪.74‬‬
‫ﭽﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫‪110‬‬ ‫‪٢٢‬‬ ‫الروم‬ ‫ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﭼ‬ ‫‪.75‬‬
‫ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫‪110‬‬ ‫‪- ١١٨‬‬ ‫هود‬ ‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭼ‬ ‫‪.76‬‬
‫‪١١٩‬‬
‫ﭽ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫‪113‬‬ ‫‪٤٦‬‬ ‫سبأ‬ ‫ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯵ ﯶ‬ ‫‪.77‬‬
‫ﯷﯸ ﯹﯺﯻﯼﯽ ﭼ‬
‫ﭽ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭶ ﭷ‬
‫‪115‬‬ ‫‪٢٤‬‬ ‫سبأ‬ ‫ﭸ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﭼ‬ ‫‪.78‬‬
‫ﭽ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭼ‬
‫‪90‬‬ ‫‪٢٠‬‬ ‫النساء‬ ‫‪.79‬‬
‫‪120‬‬ ‫‪٩٢‬‬ ‫يوسف‬ ‫ﭽ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ ﯗﯘ ﭼ‬ ‫‪.80‬‬
‫ﭽ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﭵ ﭼ‬
‫‪120‬‬ ‫‪٩٨‬‬ ‫يوسف‬ ‫‪.81‬‬
‫ﭽﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﭼ‬
‫‪120‬‬ ‫‪١٣‬‬ ‫الكهف‬ ‫‪.82‬‬
‫ﭽﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬
‫‪122‬‬ ‫‪– ١٢٤‬‬ ‫طه‬ ‫ﯼﯽ ﯾﯿﰀﰁﰂ ﰃﰄ ﰅ ﰆ‬ ‫‪.83‬‬
‫‪١٢٥‬‬ ‫ﰇ ﰈﭼ‬
‫ﭽﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬
‫‪127‬‬ ‫‪١٥‬‬ ‫الملك‬ ‫ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭼ‬ ‫‪.84‬‬
‫ﭽﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫‪127‬‬ ‫‪١٠‬‬ ‫اجلمعة‬ ‫ﭰﭱﭲﭳﭴ ﭵﭶ ﭷﭼ‬ ‫‪.85‬‬
‫ﭽﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ‬
‫‪132‬‬ ‫‪٢٥ – ٢٤‬‬ ‫المعارج‬ ‫‪.86‬‬

‫‪-143-‬‬
‫ﭽﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﭼ‬
‫‪132‬‬ ‫‪١٠٣‬‬ ‫اتلوبة‬ ‫‪.87‬‬
‫ﭽﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬
‫‪116‬‬ ‫‪– ٦٣‬‬ ‫الواقعة‬ ‫ﭼ‬ ‫‪.88‬‬
‫‪٦٤‬‬
‫ﭽ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ‬
‫‪117‬‬ ‫‪٨٠‬‬ ‫األنبياء‬ ‫ﯡﯢﯣﯤﭼ‬ ‫‪.89‬‬
‫ﭽ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏﰐ ﰑ ﰒ‬
‫‪117‬‬ ‫‪– ٩٦‬‬ ‫الكهف‬ ‫ﰓﰔﰕﰖﰗﰘﰙ ﰚﰛﰜﰝ‬ ‫‪.90‬‬
‫‪٩٧‬‬ ‫ﰞﰟﰠﰡﰢﰣ ﭼ‬

‫‪117‬‬ ‫‪١٢‬‬ ‫سبأ‬ ‫ﭽ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﭼ‬ ‫‪.91‬‬


‫ﭽ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭼ‬
‫‪117‬‬ ‫‪٢٥‬‬ ‫احلديد‬ ‫‪.92‬‬
‫ﭽﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬
‫‪117‬‬ ‫‪٦٧‬‬ ‫انلحل‬ ‫ﭼ‪:‬‬ ‫‪.93‬‬
‫ﭽﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ‬
‫‪117‬‬ ‫‪٨٠‬‬ ‫انلحل‬ ‫ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬ ‫‪.94‬‬
‫ﭨﭩ ﭪ ﭫﭼ‬

‫‪-144-‬‬
‫فهرس األحاديث‬

‫الصفحة‬ ‫الراوي‬ ‫احلديث‬ ‫الرقم‬


‫‪9‬‬ ‫عائشة‬ ‫ثم حلق انليب ‪ ‬وأبو بكر بغار يف جبل‪..................‬‬ ‫‪.1‬‬

‫‪36‬‬ ‫أبو هريرة‬ ‫احرص ىلع ما ينفعك‪....................................‬‬ ‫‪.2‬‬

‫‪36‬‬ ‫أنس بن مالك‬ ‫إن قامت الساعة ويف يد أحدكم فسيله‪.....................‬‬ ‫‪.3‬‬

‫‪29‬‬ ‫أنس بن مالك‬ ‫جاء ثالثة رهط إىل بيوت أزواج انليب ‪ ،‬يسألون‬ ‫‪.4‬‬
‫عن عبادة ‪.................................................‬‬

‫‪29‬‬ ‫ابن عباس‬ ‫قال رسول اهلل ‪‬غداة العقبة وهو ىلع‬ ‫‪.5‬‬
‫ناقته‪...............‬‬

‫‪32‬‬ ‫علي بن أبي طالب‬ ‫فيه نبأ ما قبلكم‪ ،‬وخري ما بعد‬ ‫‪.6‬‬
‫كم‪...........................‬‬

‫‪38‬‬ ‫ابن عمر‬ ‫املسلم من سلم املسلمون من لسانه‬ ‫‪.7‬‬


‫ويده‪...................‬‬
‫ّ‬ ‫توضأ انليب ‪ّ ‬‬
‫‪38‬‬ ‫ابن عباس‬ ‫مرة مرة‪...................................‬‬ ‫‪.8‬‬

‫‪38‬‬ ‫أبو سعد‬ ‫بأن تقتل مقاتلتهم وتسىب ذريت‬ ‫‪.9‬‬


‫هم‪...........................‬‬
‫اكن رسول اهلل ‪َ ‬‬
‫‪39‬‬ ‫أنس بن مالك‬ ‫ليس بالطول اللبائن وال‬ ‫‪.10‬‬
‫بالقصري‪.........‬‬

‫‪40‬‬ ‫أنتم أعلم بأمور دنياكم‪....................................‬‬ ‫‪.11‬‬

‫‪48‬‬ ‫عبد الله بن عمر‬ ‫لزوال ادلنيا أهون عند اهلل من قتل رجل‬ ‫‪.12‬‬
‫مسلم‪..............‬‬

‫ً‬
‫‪48‬‬ ‫عبد الله بن عمر‬ ‫من قتل معاهدا لم يرح راحئة‬
‫ّ‬
‫‪.13‬‬
‫اجلنة‪........................‬‬

‫‪49‬‬ ‫أبو هريرة‬ ‫من تردى من جبل فقتل نفسه‪.............................‬‬ ‫‪.14‬‬


‫ّ‬
‫‪50‬‬ ‫عروة بن الزبير‬ ‫فإنما أهلك انلاس قبل‬ ‫‪.15‬‬
‫كم‪....................................‬‬

‫‪53‬‬ ‫أسامة بن زيد‬ ‫إذا سمعتم بالطاعون بأرض فال‬ ‫‪.16‬‬


‫تدخلوها‪...................‬‬

‫‪-145-‬‬
‫‪52‬‬ ‫أبو هريرة‬ ‫لك املسلم ىلع املسلم حرام‪ :‬دمه وماهل‬ ‫‪.17‬‬
‫وعرضه‪...........‬‬

‫‪54‬‬ ‫حذيفة‬ ‫ال تكونوا امعة‪............................................‬‬ ‫‪.18‬‬

‫‪56‬‬ ‫اسحاق مالك‬ ‫طلب العلم فريضة ىلع لك مسلم‪.........................‬‬ ‫‪.19‬‬


‫ً‬ ‫ّ‬
‫‪59‬‬ ‫جابر بن عبد الله‬ ‫مرت بنا جنازة فقام هلا ىلع انليب‬ ‫‪.20‬‬
‫‪.....................‬‬

‫‪57‬‬ ‫عبد الله بن عمر‬ ‫أعطوا األجري أجره‪.......................................‬‬ ‫‪.21‬‬

‫‪57‬‬ ‫سالم عن أبيه‬ ‫إن اهلل حيب املؤمن املحرتف‪.............................‬‬ ‫‪.22‬‬

‫‪57‬‬ ‫أبو هريرة‬ ‫ثالثة أنا خصمهم يوم القيامة‪..............................‬‬ ‫‪.23‬‬

‫‪59‬‬ ‫أم سلمة‬ ‫اهلل‪ ،‬اهلل يف قبط مرص‪....................................‬‬ ‫‪.24‬‬


‫ً‬
‫‪59‬‬ ‫كعب بن مالك‬ ‫إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها‬ ‫‪.25‬‬
‫القرياط‪.....................‬‬

‫‪65‬‬ ‫عبد الله بن عدي‬ ‫واهلل إنك ألحب أرض اهلل إىل‬ ‫‪.26‬‬
‫اهلل‪..........................‬‬

‫‪65‬‬ ‫عائشة‬ ‫امهلل حبب إيلنا املدينة كما حببت‬ ‫‪.27‬‬


‫مكة‪....................‬‬

‫‪68‬‬ ‫أبو هريرة‬ ‫من محل علينا السالح فليس‬


‫ّ‬
‫‪.28‬‬
‫منا‪.........................‬‬

‫‪69‬‬ ‫أبو سعيد الخدري‬ ‫إنكن تكرثن اللعن وتكفرن العش‬ ‫‪.29‬‬
‫ير‪..........................‬‬

‫‪69‬‬ ‫أبو مالك األشعري‬ ‫أربع يف أميت من أمر اجلاهلية ال‬ ‫‪.30‬‬
‫يرتكونهن‪...............‬‬
‫ً‬
‫‪74‬‬ ‫أبو هريرة‬ ‫من أصبح منكم ايلوم صائما‪..............................‬‬ ‫‪.31‬‬

‫‪73‬‬ ‫مروا باملعروف وانهوا عن املنكر‪........................‬‬ ‫‪.32‬‬


‫ّ‬
‫‪74‬‬ ‫أبو هريرة‬ ‫إن اهلل عز وجل يقول يوم القيا‬ ‫‪.33‬‬
‫مة‪..........................‬‬

‫‪74‬‬ ‫أبو أمامة‬ ‫صنائع املعروف تيق مصارع السوء‪.......................‬‬ ‫‪.34‬‬

‫‪79‬‬ ‫أبو هريرة‬ ‫السيخ قريب من اهلل‪......................................‬‬ ‫‪.35‬‬

‫‪-146-‬‬
‫ّ‬
‫‪90‬‬ ‫أبو هريرة‬ ‫أن انليب ‪ ‬بعث أبا هريرة يبرش باجلنة لك من‬ ‫‪.36‬‬
‫لقيه يشهد أن ال هلإ إال اهلل‬

‫‪93‬‬ ‫ثوبان‬ ‫يوشك األمم أن تداىع يلع‬ ‫‪.37‬‬


‫كم‪..............................‬‬

‫‪99‬‬ ‫أبو ذر‬ ‫سألت رسول اهلل ‪ ‬أي العمل‬ ‫‪.38‬‬


‫أفضل‪......................‬‬

‫‪101‬‬ ‫أبو سعد الخدري‬ ‫بعث يلع ‪ ‬إىل انليب ‪ ‬بذهيبة فقسمها بني‬ ‫‪.39‬‬
‫األربعة‪.....‬‬

‫‪-147-‬‬
‫فهرس املحتويات‬

‫الصفحة‬ ‫العنوان‬

‫اإلهداء‪..................................................................‬‬

‫الشكر والعرفان‪..........................................................‬‬

‫املقدمة‪.................................................................‬‬

‫‪9‬‬ ‫الوحدة األوىل‪ :‬مقدمات يف اثلقافة اإلسالمية‪.............................‬‬

‫ً‬
‫‪9‬‬ ‫مفهوم اثلقافة اإلسالمية‪............................................‬‬ ‫أوال‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪11‬‬ ‫تعريف اثلقافة اصطالحا ‪...........................................‬‬ ‫ثانيا‪:‬‬

‫‪11‬‬ ‫اآلثار وانلتائج املستقاة من اثلقافة‪...................................‬‬


‫ً‬
‫‪12‬‬ ‫أهم اتلعريفات للثقافة اصطالحا‪.....................................‬‬

‫‪12‬‬ ‫تعريف تايلور‪.......................................................‬‬

‫‪12‬‬ ‫تعريف ايلونسكو‪....................................................‬‬

‫‪13‬‬ ‫تعريف ابلويط رمحه اهلل‪............................................‬‬

‫‪14‬‬ ‫تعريف اثلقافة اإلسالمية‪............................................‬‬

‫‪15‬‬ ‫عالقة اثلقافة باملدنية‪...............................................‬‬

‫‪16‬‬ ‫العالقة ما بني اثلقافة واحلضارة‪.....................................‬‬

‫‪17‬‬ ‫اثلقافة والعلم‪........................................................‬‬

‫‪-148-‬‬
‫‪19‬‬ ‫اتلعايش اثلقايف‪.....................................................‬‬

‫‪23‬‬ ‫الويع اثلقايف‪......................................................‬‬

‫‪23‬‬ ‫كيف حنقق الويع اثلقايف‪...........................................‬‬

‫‪23‬‬ ‫تعريف الويع‪......................................................‬‬

‫‪24‬‬ ‫العمل ىلع حتقيق الويع اثلقايف‪....................................‬‬


‫ً‬
‫‪24‬‬ ‫أوال‪ :‬العمل ىلع إجياد الشخصية املتوازنة‪...........................‬‬
‫ً‬
‫‪25‬‬ ‫ثانيا‪ :‬العمل ىلع إجياد الشخصية انلافذة‪.............................‬‬
‫ً‬
‫‪27‬‬ ‫ثاثلا‪ :‬املعرفة باآلخر وخطورة اجلهل به‪..............................‬‬
‫ً‬
‫‪29‬‬ ‫رابعا‪ :‬بناء العقلية الفاعلة‪...........................................‬‬
‫ً‬
‫‪31‬‬ ‫خامسا‪ :‬إثبات األنا اثلقايف‪..........................................‬‬

‫‪33‬‬ ‫الوحدة اثلانية‪ :‬خصائص اثلقافة اإلسالمية‪..............................‬‬

‫ً‬
‫‪33‬‬ ‫الربانية‪.............................................................‬‬ ‫أوال‪:‬‬
‫ً‬
‫‪36‬‬ ‫اإلجيابية‪...........................................................‬‬ ‫ثانيا‪:‬‬
‫ً‬
‫‪37‬‬ ‫الوسطية واالعتدال‪..................................................‬‬ ‫ثاثلا‪:‬‬
‫ً‬
‫‪39‬‬ ‫اتلنوع‪..............................................................‬‬ ‫رابعا‪:‬‬
‫ً‬
‫‪40‬‬ ‫اثلبات‪..............................................................‬‬ ‫خامسا‪:‬‬

‫‪43‬‬ ‫الوحدة اثلاثلة‪ :‬أهم مصادر اثلقافة اإلسالمية‪.............................‬‬


‫‪43‬‬ ‫املصدر األول‪ :‬القرآن الكريم‪........................................‬‬

‫‪50‬‬ ‫املصدر اثلاين‪ :‬السنة انلبوية‪.......................................‬‬

‫‪-149-‬‬
‫‪54‬‬ ‫املصدر اثلالث‪ :‬اللغة العربية‪.......................................‬‬

‫‪56‬‬ ‫املصدر الرابع‪ :‬اتلاريخ اإلساليم‪....................................‬‬

‫‪61‬‬ ‫الوحدة الرابعة‪ :‬حقوق اإلنسان يف اإلسالم‪...............................‬‬


‫‪63‬‬ ‫أهم احلقوق يف اإلسالم‪............................................‬‬
‫ً‬
‫‪63‬‬ ‫أوال‪ :‬حق احلياة‪.....................................................‬‬

‫ً‬
‫ثانيا‪ :‬حق الكرامة اإلنسانية‪..........................................‬‬
‫‪65‬‬
‫ً‬
‫‪67‬‬ ‫ثاثلا‪ :‬حق احلرية اإلنسانية‪..........................................‬‬

‫‪69‬‬
‫ ‪-‬احلرية الشخصية‪.....................................‬‬
‫‪70‬‬ ‫ ‪-‬احلرية السياسية‪......................................‬‬
‫‪71‬‬ ‫ّ‬
‫ ‪-‬حرية النرش والصحافة‪..............................‬‬

‫‪71‬‬ ‫ ‪-‬تكوين األحزاب واملذاهب‬


‫السياسية‪....................‬‬

‫ً‬
‫‪73‬‬ ‫رابعا‪ :‬احلقوق االجتماعية‪...........................................‬‬

‫‪75‬‬ ‫حقوق غري املسلمني‪................................................‬‬

‫‪75‬‬ ‫أهم حقوق غري املسلمني‪...........................................‬‬


‫ً‬
‫‪76‬‬ ‫أوال‪ :‬حرية ادلين‪....................................................‬‬
‫ً‬
‫‪80‬‬ ‫ثانيا‪ :‬حق احلماية‪..................................................‬‬

‫‪80‬‬ ‫ ‪-‬احلماية من االعتداء اخلاريج‪...........................‬‬

‫‪80‬‬ ‫ ‪-‬احلماية من الظلم ادلاخيل‪..............................‬‬

‫‪-150-‬‬
‫ً‬
‫‪81‬‬ ‫ثاثلا‪ :‬إسناد األعمال لغري املسلمني‪..................................‬‬

‫‪83‬‬ ‫الوحدة اخلامسة‪ :‬أهم القيم يف اإلسالم‪...................................‬‬


‫ً‬
‫‪83‬‬ ‫اإلنتماء للوطن‪.....................................................‬‬ ‫أوال‪:‬‬
‫ً‬
‫‪87‬‬ ‫اإلنتماء للمؤسسات اجلامعية‪........................................‬‬ ‫ثانيا‪:‬‬
‫ً‬
‫‪90‬‬ ‫اإلنتماء للعشرية‪.....................................................‬‬ ‫ثاثلا‪:‬‬
‫ً‬
‫‪94‬‬ ‫ثقافة الصالح العام‪..................................................‬‬ ‫رابعا‪:‬‬
‫ً‬
‫‪101‬‬ ‫حب العطاء‪........................................................‬‬ ‫خامسا‪:‬‬
‫ً‬
‫‪106‬‬ ‫الصدق‪.............................................................‬‬ ‫سادسا‪:‬‬

‫‪109‬‬ ‫الوحدة السادسة‪ :‬أدب احلوار واالختالف‪.................................‬‬


‫‪119‬‬ ‫الوحدة السابعة‪ :‬أهم مشالك الشباب‪.....................................‬‬
‫ً‬
‫‪120‬‬ ‫اخلواء الرويح‪......................................................‬‬ ‫أوال‪:‬‬
‫ً‬
‫‪122‬‬ ‫اتلحدي الفكري واثلقايف‪.............................................‬‬ ‫ثانيا‪:‬‬
‫ً‬
‫‪126‬‬ ‫ابلطالة‪.............................................................‬‬ ‫ثاثلا‪:‬‬
‫ً‬
‫ظاهرة اتلكفري‪.................................................‬‬ ‫رابعا‪:‬‬

‫‪139‬‬ ‫فهرس اآليات‪............................................................‬‬


‫‪145‬‬ ‫فهرس األحاديث‪.........................................................‬‬
‫‪148‬‬ ‫فهرس املحتويات‪.......................................................‬‬

‫‪-151-‬‬

You might also like