You are on page 1of 17

‫‪‬‬

‫منهج الشيخ محمد المكي الناصري في‬


‫اإلصالح‬
‫من خالل تفسيره (التيسير في أحاديث التفسير)‬

‫أ‪.‬م‪.‬د‪ .‬آراس محمد صالح‬


‫جامعة السليمانية‪ /‬العراق‬
‫كلية العلوم االسالمية‬
‫قسم أصول الدين‬

‫‪009647701989094‬‬
‫‪arashama70@hotmail.com‬‬

‫المقدمة‬
‫‪0‬‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على خاتم األنبياء والمرسلين‪ ،‬نبينا محمد وعلى آله‬
‫وأصحابه والتابعين لهم بإحسان الى يوم الدين‪ ،‬أما بعد‪.‬‬
‫يعد الشيح محمد الناصري من العلماء البارزين في القرن العشرين الذي يدعو الى اإلصالح‬
‫والتجديد في الفكر االس__المي واص__الحه في بالد المغ__رب الع__ربي‪ ،‬وي__رى الش__يخ أن إص__الح‬
‫المجتمع مره__ون بإص__الح وتجديد ال__دين‪ ،‬ول__ذا ب__ذل قص__ارى جه__ده رحمه هللا من أجل تجديد‬
‫وإصالح فكر وعلوم الدين االسالمي‪ ،‬ويرى أن ال__دين منبع وأس__اس إص__الح المجتمع االس__المي‬
‫وانقاذه من التخلف وتمسك بالماضي‪ ،‬ولكي يكون الخطاب الديني على مستوى العصر ومواجهة‬
‫األفكار المستوردة يجب أصالحه وتجديده وتنقيته من الش__وائب والرواسب الدخيل__ة‪ ،‬فعلى علم__اء‬
‫االسالم أن يكونوا على مستوى مسؤولية ال_دعوة اإلس_المية‪ ،‬وي_دعو الش_يخ الناص_ري العلم_اء‬
‫ال__ذين تقاعس__وا عن أمر ال__دعوة إلى الحق في واقعنا المعاصر إلى ض__رورة المش__اركة في‬
‫إصالح المجتمع و ذلك عند تصحيحه المفاهيم الخاطئة‪.‬‬
‫ويرى الشيخ محمد الناصري إن االسالم إذا حسن فهمه‪ ،‬وأحسن خطابه‪ ،‬وتمت تنقية‬
‫رؤيته القرآنية الكونية الحض____ارية من التش____وهات‪ ،‬وتمت تنقية منهج فك____ره ومفاهيمه من‬
‫االنحرافات والخرافات‪ ،‬وحسنت أساليب تربية ناشئة‪ ،‬سيجد االنسان المادي المعاصر فيه وال‬
‫شك الخالص من الص__راعات والمظ__الم والمخ__اطر ال__تي ته__دد وج__وده‪ ،‬وس__يجد فيه الهداية‬
‫والرشد الذي تتطلع اليه أشواقه الروحانية وفطرته السوية‪ ،‬ليبدل االنسانية من بعد خوفها أمنا ً‬
‫وطمأنينة نفسية ورفاها ً وعدالً ومعاشا‪.‬‬
‫وه__ذه المهمة اإلص__الحية هي مهمة المفك__رين واإلص__الحيين االس__الميين إذا ما تحل__وا‬
‫بالموضوعية والصبر والشجاعة التي يتغلبون بها على كوابح الثقافة‪ ،‬وتخلف الفكر وجم__وده‪،‬‬
‫وصدأ األنظمة‪ ،‬وتكلس الحضارة‪.‬‬
‫أهمية البحث‪ :‬يستمد ه_ذا البحث أهميته من موض_وعه وهو تفس_ير الق_رآن الك_ريم ومنهج أحد‬
‫علماء االصالح في القرن العشرين من خالل تفسيره‪.‬‬
‫مش__كلة البحث‪ :‬هل يعد الش__يخ محمد المكي الناص__ري من علم__اء اإلص__الح االس__المي؟ وهل‬
‫يمكن أن يقول أن تفسيره من التفاسير الذي انتهج منهج اإلصالح؟ ه__ذا البحث يجب عن ه__ذا‬
‫السؤال‪.‬‬
‫منهج البحث‪ :‬يعتمد الباحث في بحثه على المنهج الوثائقي التحليلي في هذه الدراسة‪.‬‬

‫التمهيد‬
‫الوجيز عن حياة الشيخ محمد المكي الناصري‬

‫‪1‬‬
‫الشيخ محمد المكي بن محمد اليمني بن سعيد الناصري (من بني ناصر المعروفين بالنسب‬
‫الجعفري الزينبي من آل البيت والمشهورين في ت_اريخ المغ_رب ب_العلم والص_الح)_ ولد في رب_اط‬
‫الفتح بت__اريخ ‪14‬ش__وال ع__ام ‪1324‬هـ ‪1906‬م‪ ،‬وأنهى تعليمه االبت__دائي ع__ام ‪1336‬هـ‪ ،‬وأنهى‬
‫مرحلتين الثانوية والمتوسطة عام ‪1342‬هـ‪ ،‬وأنهى المرحلة الجامعية ع__ام ‪1350‬هـ‪ .‬وي__دل على‬
‫تعدد مشارب ثقافته وموسوعيتها‪ ،‬دراس__ته الواس__عة للثقافة االس__المية والعربية وتخصصه فيه__ا‪،‬‬
‫درس فروع الفلسفة واالجتماع بكلية اآلداب بجامعة الق__اهرة وعل__وم التربية بكلية اآلداب بجامعة‬
‫باريس‪ ،‬ومادة القانون الدستوري‪ ،‬والقانون الدولي بكلية الحقوق بجامعة جنيف‪.‬‬
‫ومن شيوخه وأساتذته بالمغرب‪ :‬الشيخ أبو ش__عيب ال__دكالي والم__دني بن الحس__ني والح__اج محمد‬
‫الناص__ري‪ ،‬وأخذ بالمش__رق عن مص__طفى عب__دالرزاق ومنص__ور فهمي وطه حس__ين واحمد أمين‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫حياة الشيخ محمد الناصري حافلة بإسهاماته الوطنية ونش__اطاته الثقافية المختلف__ة‪ ،‬أسس ع__دة‬
‫صحف باللغة االسبانية والفرنسية والعربية‪ ،‬وللتمكن من القيام ب__الطبع والنشر من غ__ير وص__اية‪،‬‬
‫أسس مطبعة عربية إفرنجية خاصة تحت اسم (مطبعة الوحدة المغربي__ة) ع__ام ‪1367‬هـ بطنج__ة‪،‬‬
‫كما أسس (دار الش__عب) بالرب__اط ع__ام ‪1380‬هـ وله__ذه المط__ابع فضل كب__ير في طبع ع__دة كتب‬
‫مدرسية ومؤلفات دينية ووطنية وتاريخية‪ ،‬كما كان للناصري نشاط سياسي وثق__افي واسع ق__ام به‬
‫خارج الوطن من خالل مشاركته في المؤتمرات_ التي دعي اليها والرحالت الطويلة ال__تي ق__ام بها‬
‫الى مختلف دول الع___الم‪ ،‬وعمل كعضو مؤسس في العديد من المج___الس والهيئ___ات‪ ،‬وتقلد ع___دة‬
‫مناصب سامية‪ ،‬له عدة مؤلفات قيمة ن__ذكر منه__ا‪ :‬التيس__ير في أح__اديث التفس__ير‪ ،‬وهو في األصل‬
‫تفسير بثه الشيخ عن طريق إذاعة المملكة المغربية‪ ،‬ثم جمعه وضمه في كت__اب مس__تقل وطبع في‬
‫دار الغ__رب االس__المي في ست مجل__دات‪ ،‬و (إظه__ار الحقيقة وعالج الخليقة)‪ ،‬وهي رس__الة ضد‬
‫الخرافات والبدع‪ ،‬و (حي__اة س__قراط زعيم الفالس__فة وأبو الفلس__فة القديمة)‪ ،‬و (ح__رب ص__ليبية في‬
‫م___راكش)‪ ،‬و (فرنسا وسياس___تها البربرية في المغ___رب األقصى)‪ ،‬و (وص___ايا دينية من مل___وك‬
‫الدولة)‪ ،‬و(األحباش اإلس_____________المية في المملكة المغربية)‪( ،‬موقف األمة المغربية من الحماية‬
‫الفرنسية)‪ ،‬و(مطالب الشعب المغربي)‪ .‬وغيرها من الكتب والمقاالت الصحفية‪.1‬‬

‫المطلب األول‬
‫أهم مميزات تفسير (التيسير في أحاديث التفسير)‬
‫كما هو المعل__وم أن ه__ذا التفس__ير الرائع في األصل ح__ديث إذاعي‪ ،‬وبعد أن تم تس__جيل ه__ذه‬
‫األحاديث اإلذاعية في تفس_ير الق_ران الك_ريم‪ ،‬وبثها على أم_واج اإلذاعة الوطنية المغربية م_رات‬

‫‪ -1‬ينظر‪ :‬سعاد أش_قر‪ ،‬التفس_ير والمفس_رون ب_المغرب األقص_ى‪ ،‬الطبعة األولى ‪1431‬هـ ‪2010‬م‪ ،‬دار الس_الم للطباعة‬
‫والنش__ر‪ ،‬الق__اهرة‪ ،‬ص ‪ .105-104‬و د‪.‬محمد بن رزق بن طره__وني‪ ،‬التفس__ير والمفس__رون في غ__رب أفريقي__ا‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى ‪1426‬هـ‪ ،‬دار ابن الجوزي‪ ،‬السعودية‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.360-359‬‬
‫‪2‬‬
‫عديدة‪ ،‬طبعت في س__نة (‪1405‬هـ‪1985-‬م) في ش__كل تفس__ير مطب__وع يضم س__تة أج__زاء‪ ،‬ويحمل‬
‫عنوان (التيسير في أحاديث التفسير)‪.‬‬
‫ونستطيع أن نلخص أهم مميزات هذا التفسير في النقاط اآلتية‪:‬‬
‫قسم التفسير الى حلقات كل واحدة منها تشمل ربع حزب من الق__رآن‪ ،‬فيك__ون ع__دد حلقاته مئت__ان‬
‫وأربعون حلقة‪.‬‬
‫وضع تمهيد لكل حلقة يناسب المس__تمع لالذاعة ويفي__ده‪ ،‬في ه__ذا التمهيد يتط__رق المفسر‬
‫لمض__مون الربع أو موض__وعه الع__ام‪ ،‬ثم يع__رض للس__ياق ال__ذي ورد فيه وارتباطاته بما قبله من‬
‫القرآن‪ ،‬مبرزاً أوجه التناسب بين اآلي‪ ،‬فإذا تعلق األمر ببداية السورة تكلم أيضا ً عن تسميتها‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬تفس__ير إص__الحي‪ :‬وإن الق__ارئ والمطلع على (التيس__ير في أح__اديث التفس__ير) والمتأمل في‬
‫فقراته اليستطيع أن يتنكر لنفسه التربوي‪ ،‬ولما ج_اء فيه من أفك_ار توجيهي_ة‪ ،‬ته_دف الى إص_الح‬
‫المجتمع االس__المي وإع__ادة زرع القيم والمثل ال__تي من أجلها أوحي الى خ__اتم النب__يين وأش__رف‬
‫المرسلين سيدنا محمد‪.‬‬
‫وقد كشف الشيخ الناصري عن معالم اتجاهه اإلصالحي في التفسير بما سطره في مقدمة‬
‫تفسيره (التيسير) حيث يقول‪ :‬وكان من ذلك ما تطوعت به في العش__رينات والثالثين__ات من إلق__اء‬
‫دروس ومحاضرات في تفسير بعض السور وبعض اآليات‪ ،‬بمساجد الرباط ومس__اجد تط__وان‪ .‬ثم‬
‫ما كرست له قسما ً كبيراً من وقتي وجهدي في األربعينات‪ ،‬من اإلقبال على تفسير القرآن الك__ريم‬
‫كل يوم بين العشائين‪ ،‬خالل سنتين متواليتين بالمسجد األعظم بطنجة‪ ،‬وخالل سنة ثالثة بالمس__جد‬
‫المحمدي والمسجد العتيق بالدار البيضاء‪ .‬وكانت هذه الدروس العامة التي احتككت فيها بالش__عب‬
‫الم__ؤمن احتكاك_ا ً يومي_ا ً مباش__راً فرصة للتأكيد من جدي__د‪ -‬إن ك__انت هن__اك حاجة الى التأكي__د‪ -‬بما‬
‫يحدثه كتاب هللا من تعبئة روحية‪ ،‬وتأثير عميق‪ ،‬وانقالب سريع في نفوس المؤم__نين والمؤمن__ات‪.‬‬
‫فكت__اب هللا هو ال__ذي أحيا من المس__لمين الم__وات‪ ،‬وأع__دهم للب__ذل والعط__اء وعظيم التض__حيات‪،‬‬
‫فانطلقوا كالسيل الجارف‪ ،‬والجيش الزاحف‪ ،‬يدكون صروح االستعمار‪ ،‬في مختلف الديار‪.2‬‬
‫ثانياً‪ :‬تفسير دعوي‪ :‬حضور الطابع الدعوي والتربوي والهم اإلصالحي‪ ،‬ب__االنطالق من التفس__ير‬
‫إلصالح النفوس وتهذيبها وتثقيف الشعب وإصالح تدين العباد‪ ،‬وه__ذا التفس__ير كلم__ات مختص__رة‬
‫وض__عتها بين أي__دي ه__ذه األح__اديث‪ ،‬قصد تعريف الق__راء األع__زاء ب__الظروف ال__تي أوحت به__ا‪،‬‬
‫والغاية المتوخاة منها‪ ،‬والطريقة المتبعة في إمالئها‪ ،‬حتى يكونوا على بينة من أمرها‪ ،‬وعسى أن‬
‫تكون هذه األحاديث فاتحة عهد جديد‪ ،‬بصفتها أول تفسير إذاعي للمصحف الكريم‪.3‬‬
‫ثالثاً‪ :‬عدم االس__تطراد في ذكر النظري__ات العلمية والقواعد ال__تي تؤسس لعلم من العل__وم أو فن من‬
‫الفنون‪ ،‬بما يخرج التفسير عن غرضه األصلي‪ ،‬حتى تحولت بعض التفاس__ير إلى مي__دان للس__جال‬
‫الفكري‪ ،‬كما يشير اليه في تفس__يره حيث يق__ول‪ :‬وح__تى ال يتش__عب الق__ول في ه__ذه األح__اديث‪ ،‬وال‬
‫تخ__رج عن الغ__رض ال__ذي من أجله وقع التفك__ير في إمالئها لم أجعل منها معرض_ا ً للمص__طلحات‬
‫‪ -2‬الش___يخ محمد المكي الناص___ري‪ ،‬التيس___ير في األح___اديث التفس___ير‪ ،‬الطبعة األولى ‪1405‬هـ ‪1985‬م‪ ،‬دار الغ___رب‬
‫االسالمي‪ _،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬م‪ 1‬ص ‪.6-5‬‬
‫‪ -3‬المصدر نفسه‪ ،‬م‪1‬ص ‪.10‬‬
‫‪3‬‬
‫العلمي__ة‪ ،‬وال مرجع _ا ً للخالف__ات المذهبي__ة‪ ،‬وال معترك _ا ً للج__دل والفض__ول وك__ثرة القيل والق__ال‪،‬‬
‫والتوسع الزائد عن الحاجة المؤدي الى اإلمالل‪ ،‬ولم أشحنها بذكر (القواعد العلمية) ال__تي تض__بط‬
‫كل فروع الثقافة االسالمية‪ ،‬ولم أشر إليها إال لماما ً وعند الضرورة‪.4‬‬
‫رابعاً‪ :‬اإليجاز وتجنب اإلطناب‪ :‬تجنب اآلثار الواهية واألخبار الموضوعة التي حشيت بها كث__ير‬
‫من كتب التفس__ير فأس__دت علة العامة فهمهم لكت__اب ربهم‪ ،‬وشوشت عليهم عقي__دتهم وتص__وراتهم‪_،‬‬
‫من ثم كان لزاما ً على المفسر التح__ري في ص__حة الرواي__ات واالل__تزام في تفس__ير الق__رآن بالث__ابت‬
‫الصحيح من المنقول والمأثور‪.5‬‬
‫خامساً‪ :‬االهتمام بالقضايا الواقعية‪ ،‬وبهموم الناس المعاشة‪ ،‬فكان ذلك تفس__يرا ك__امال للق__رآن على‬
‫نمط جدي__د‪ ،‬س__واء في اللغة في التبس__يط أو التن__اول أو في اإليج__از‪ ،‬وتفس__يره هو نهج جدي__د‪ ،‬فيه‬
‫تق__ريب للق__رآن من عامة المس__لمين‪ ،‬وذلك بتبس__يط العب__ارة ووض__وحها‪ ،‬وتجنب وحشي األلف__اظ‬
‫وغريبه__ا‪ ،‬ومحاش__اة الحشو والض__ياع في اإلطن__اب المم__ل‪ ،‬وع__دم إقح__ام المص__طلحات النحوية‬
‫والبالغية واألصولية الكالمية‪ ،‬وكل ما يستعصي فهمه على السواد األعظم من مستمعيه‪.‬‬
‫الوقوف عند النصوص دون إعمال للتأويل خصوصا في بعض النصوص التي ال مجال للرأي‬
‫فيها‪.6‬‬
‫سادساً‪ :‬تفسير س__هل مبس__ط‪ :‬الش__يخ محمد الناص__ري رحمه هللا ال يس__لك بالمس__تمعين في تفس__يره‬
‫دروب لغوية صعبة‪ ،‬وإنما يعتمد أسلوبا ميسرا في بيان معاني القرآن‪ ،‬كما قال في مقدمة تفسيره‪:‬‬
‫أما األسلوب الذي اخترته إلمالء هذه األحاديث فهو أسلوب مبسط وسط يفهمه األمي ويرتاح إليه‬
‫المتعلم‪ ،‬بحيث الينزل‪ ،‬حتى يبتذل عند الخاصة‪ ،‬وال يعلو‪ ،‬حتى يص__عب على العام__ة‪ ،‬بل هو بين‬
‫بين‪ ،‬يتجافى عن استعمال الوحشي والدخيل والغريب‪ ،‬ويتف__ادى كل ما فيه تعقيد أو غم__وض‪ ،‬من‬
‫بعيد أو قريب‪ ،‬ويتحدث الى أهل العصر بلغة العص__ر‪ ،‬ويضع نفسه في جو المش__اكل ال__تي يتخبط‬
‫فيها هذا العصر‪ ،‬وفي المستوى الثقافي للعصر‪ ،‬وهذا النوع المتميز بالسهولة واليسر من أس__اليب‬
‫البيان‪ ،‬يتجاوب كل التجاوب مع توجيهات القرآن‪.7‬‬
‫وقد بنى رحمه هللا تعالى صرحا شامخا من الحب للق__رآن تتوارثه األجي__ال بعد األجي__ال‪ ،‬ب__ذلك‬
‫التفسير الذي ينساب مع نسمات الفجر فيبعث الروح نشطة مرفرفة بالس__عادة كأنها لم تولد إال ذلك‬
‫الصباح‪ ،‬والذي ما يزال شامة رائعة تزين اإلذاعة إلى اليوم‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫مفهوم اإلصالح لغة واصطالحا ً‬
‫اإلصالح لغة‪ :‬الصالح‪ :‬ضد الفساد‪ ،‬كالصلوح‪ ،‬صلح‪ ،‬وصالح وص__ليح‪ .‬وأص__لحه ضد أفس__ده‪،‬‬
‫الس_لم‪ ،‬وأستص_لح‪ :‬نقيض استفسد‪ .8‬الص_لح والفس_اد‪ :‬وهما مختص_ان في أك_ثر‬ ‫والصلح‪ ،‬بالضم‪ِ :‬‬
‫االس__تعمال باألفع__ال‪ ،‬وقوبل في الق__رآن ت__ارة بالفس__اد‪ ،‬وت__ارة بالس__يئة‪ .‬ق__ال تع__الى‪َ [ :‬وَآ َخ_ رُونَ‬

‫‪ -4‬المصدر نفسه‪ ،‬م‪1‬ص ‪.9‬‬


‫‪ -5‬ينظر‪ :‬عبدالعزيز عبدالرحمن الض_امر‪ ،‬التفس_ير اإلذاعي للق_رآن الك_ريم‪ ،‬مجلة معهد االم_ام الش_اطبي‪ ،‬الع_دد ‪ 1‬ريع‬
‫اآلخر ‪1427‬هـ ‪ ،‬ص‪.138‬‬
‫‪ -6‬الشيخ محمد المكي الناصري‪ ،‬التيسير في األحاديث التفسير‪ ،‬م‪1‬ص‪.9‬‬
‫‪ -7‬المصدر نفسه‪ ،‬م‪1‬ص ‪.10-9‬‬
‫‪ - 8‬ينظر‪ :‬محمد بن يعقوب الفيروزآبادي‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1428‬هـ ‪2007‬م‪ ،‬دار المعرف__ة‪ ،‬ب__يروت‪-‬‬
‫لبنان‪ ،‬ص ‪.748‬‬
‫‪4‬‬
‫ض بَعْ___ َد‬ ‫خَ___ر َس___يًِّئا‪َ [ ، ]...‬واَل تُ ْف ِس___ ُدوا فِي اَأْلرْ ِ‬ ‫ص___الِحًا َوَآ َ‬ ‫ا ْعتَ َرفُ___وا بِ___ ُذنُوبِ ِه ْم خَ لَطُ___وا َع َماًل َ‬
‫‪9‬‬

‫ِإصْ اَل ِحهَا‪ ، 10]...‬في مواضع كثيرة‪.‬‬


‫ص لِ َحا‬ ‫والصلح يختص بإزالة النفار بين الناس‪ ،‬يقال منه‪ :‬اصطلحوا وتصالحوا‪ ،‬ق__ال‪َ... [ :‬أ ْن يُ ْ‬
‫_ان ِمنَ ْال ُم_ ْؤ ِمنِينَ ا ْقتَتَلُ__وا فََأ ْ‬
‫ص _لِحُوا بَ ْينَهُ َما‪ِ [ ،12]...‬إنَّ َما‬ ‫ْح َخ ْي ٌر‪َ [ ،11]..‬وِإ ْن َ‬
‫طاِئفَتَ_ ِ‬ ‫الص ل ُ‬
‫ْحا َو ُّ‬ ‫صلً‬ ‫َب ْيَن ُه َم ا ُ‬
‫ص_لِحُوا بَ ْينَ َأخَ_ َو ْي ُك ْم‪ ،13]...‬وإص_الح هللا تع_الى اإلنس_ان يك_ون ت_ارة بخلقه إي_اه‬ ‫ْال ُمْؤ ِمنُونَ ِإ ْخ َوةٌ فََأ ْ‬
‫صالحا‪ ،‬وتارة بإزالة ما فيه من فساد بعد وجوده‪ ،‬وتارة يكون بالحكم له بالصالح‪.‬‬
‫قال تعالى‪ِ... [ :‬إ َّن هَّللا َ اَل يُصْ لِ ُح َع َم َل ْال ُم ْف ِس ِدينَ ]‪ ،14‬أي‪ :‬المفسد يضاد هللا في فعله؛ فإنه يفسد‬
‫وهللا تعالى يتحرى في جميع أفعاله الصالح‪ ،‬فهو إذا ال يصلح عمله‪.15‬‬
‫اإلصالح في االصطالح‪ :‬يقول اإلمام الزمخشري‪ :‬والصالح هو الحصول على الحالة المستقيمة‬
‫النافع___ة‪ ،‬والفس___اد في األرض هيج الح___روب والفتن ألن في ذلك الفس___اد في األرض وانتق___اء‬
‫االستقامة عن أحوال الناس والزورع والمنافع الدينية والدنيوية‪.16‬‬
‫وجاء في تعريف بن باديس‪ :‬اإلصالح هو إرجاع الشيء إلى حالة اعتداله بإزالة ما طرأ عليه من‬
‫فساد‪.17‬‬
‫مما سبق أن اإلصالح يعني‪ :‬تقويم وتصحيح األخط__اء أو الفس__اد ال__ذي اع__ترى الف__رد أو الجماعة‬
‫في وقت من األوقات للوصول الى الحالة المستقيمة والسوية‪.‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫منهج الشيخ الناصري في اإلصالح‬
‫إن الشيخ محمد الناصري ينظر الى اإلصالح نظرة ش__املة‪ ،‬كما أش__ار إليه الق__رآن الك__ريم‬
‫ال يَا قَوْ ِم‬ ‫كمسألة شاملة تشمل جميع زوايا حياة اإلنسان‪ ،‬كما يقول الشيخ في تفسير قوله تعالى‪ [:‬قَ َ‬
‫ت َعلَى بَيِّنَ_ ٍة ِم ْن َربِّي َو َر َزقَنِي ِم ْن_هُ ِر ْزقًا َح َس_نًا َو َما ُأ ِري_ ُد َأ ْن ُأ َخ_ الِفَ ُك ْم ِإلَى َما َأ ْنهَ__ا ُك ْم‬ ‫َأ َرَأ ْيتُ ْم ِإ ْن ُك ْن ُ‬
‫ت َوِإلَ ْي ِه ُأنِيبُ ]‪ ،18‬إن اله__دف‬ ‫َع ْنهُ ِإ ْن ُأ ِري ُد ِإاَّل اِإْل صْ اَل َح َما ا ْستَطَع ُ‬
‫ْت َو َما تَوْ فِيقِي ِإاَّل بِاهَّلل ِ َعلَ ْي ِه تَ َو َّك ْل ُ‬
‫األساسي من كل رس__الة إلهية بعث هللا بها الى الن__اس‪ ،‬وه__ذه الرس__الة تتلخص أوالً وأخ__يراً في‬
‫‪ -9‬سورة التوبة‪ ،‬اآلية‪.102 :‬‬
‫‪ -10‬سورة األعراف‪ ،‬اآلية‪.56 :‬‬
‫‪ ?-11‬سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.128 :‬‬
‫‪ -12‬سورة الحجرات‪ ،‬اآلية‪.9 :‬‬
‫‪ -13‬سورة الحجرات‪ ،‬اآلية‪.10 :‬‬
‫‪ - 14‬سورة يونس‪ ،‬اآلية‪.81 :‬‬
‫‪ -15‬الراغب األصفهاني‪ ،‬مفردات ألف_اظ الق_رآن‪ ،‬تحقيق ع_دنان ص_فوان داوودي‪ ،‬الطبعة الرابعة ‪1430‬هـ‪2009‬م‪ ،‬دار‬
‫القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬ص ‪.490-489‬‬
‫‪ -16‬أبو القاسم جارهللا محم__ود بن عمر الزمخش__ري‪ ،‬تفس__ير الكش__اف عن حق__ائق التنزيل وعي__ون األقاويل في وج__وه‬
‫التأويل‪ ،‬تحقيق خليل مأمون شيحا‪ ،‬الطبعة األولى ‪1423‬هـ ‪2002‬م‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬ص‪.47‬‬
‫‪ -17‬عبدالحميد بن باديس‪ ،‬تفسير بن باديس‪ ،‬تحقيق أبو عبدالرحمن محمود‪ ،‬الطبعة األولى ‪1430‬هـ ‪209‬م‪ ،‬دار الرش__يد‬
‫للكتاب والقرآن الكريم‪ ،‬الجزائر‪ ،‬م‪ 1‬ص ‪.206‬‬
‫‪ -18‬سورة هود‪ ،‬االيتان‪.88-87 :‬‬
‫‪5‬‬
‫إصالح أحوال الناس إصالحا ً شامالً‪ ،‬تصلح معه عقيدتهم‪ ،‬وتص__لح معه ش__ريعتهم‪ ،‬ويص__لح معه‬
‫سلوكهم‪ ،‬ويصلح معه مجتمعهم‪ ،‬وتصلح معه معايش__هم‪ ،‬وتص__لح معه عالق__اتهم‪ ،‬وهك__ذا يتس__رب‬
‫اإلص__الح الى كل زوايا حي__اتهم الظ__اهرة والباطن__ة‪ ،‬فيص__بحون أمة فاض__لة وص__الحة‪ ،‬ويص__بح‬
‫مجتمعهم مجتمع _ا ً فاض _الً وص__الحاً‪ ،‬وذلك ما يش__ير اليه قوله تع__الى هنا على لس__ان ش__عيب عليه‬
‫ت َوِإلَ ْي ِه ُأنِيبُ ]‪.‬‬ ‫السالم [ِإ ْن ُأ ِري ُد ِإاَّل اِإْل صْ اَل َح َما ا ْستَطَع ُ‬
‫ْت َو َما تَوْ فِيقِي ِإاَّل بِاهَّلل ِ َعلَ ْي ِه تَ َو َّك ْل ُ‬
‫وها هنا كلمتان في غاية األهمية البد من الوقوف عندهما ولو قليالً‪ ،‬أال وهما كلمة (اإلصالح)‬
‫وكلمة (التوفيق) فكلمة اإلص__الح تع__ني على العم__وم اإلتي__ان بما هو ص__الح ون__افع ومناس__ب‪ ،‬من‬
‫الصالح‪ ،‬فيكون الصالح الذي ضد الفس__اد عب__ارة عن س__لوك طريق اله__دى واالس__تقامة‪ ،‬والعمل‬
‫على نفع الخلق نفع _ا ً عام _ا ً أو خاص _اً‪ ،‬ويك__ون (الص__الح)_ هو ال__ذي ق__ام بما يلزمه من حق__وق هللا‬
‫وحقوق العباد‪.19‬‬
‫كما يؤكد الشيخ الناصري أن مسألة اإلصالح الهدف األساسي من كل رسالة سماوية‪ ،‬والقرآن‬
‫الكريم كخ__اتم الرس__االت الس__ماوية يؤكد على إص__الح الن__اس من كل ج__وانب‪ ،‬الج__انب المعن__وي‬
‫والم__ادي‪ ،‬والب__احث هنا يتط__رق الى اإلص__الح العق__دي واالجتم__اعي والسياسي من خالل تفس__ير‬
‫(التيسير في أحاديث التفسير)‪.‬‬
‫المطلب الرابع‬
‫اإلصالح العقدي والفكري‬
‫يرى الشيخ الناصري ان اإليمان أساس اإلصالح‪ ،‬ويؤكد في كثير من المواضع في تفسيره‬
‫أن اإليمان أساس اإلصالح وأن الكفر والنف__اق مص__در كل الفس__اد وال__دمار‪ ،‬كما يق__ول في تفس__ير‬
‫قوله تعالى‪[ :‬الَّ ِذينَ يَ ْنقُضُونَ َع ْه َد هَّللا ِ ِم ْن بَ ْع ِد ِميثَاقِ ِه َويَ ْقطَعُونَ َما َأ َم َر هَّللا ُ بِ _ ِه َأ ْن ي َ‬
‫ُوص _ َل َويُ ْف ِس _ ُدونَ‬
‫اس_____رُونَ ]‪ ،20‬وأما قطع الفاس_____قين لما أمر هللا به أن يوصل فيتجلى في‬ ‫ض ُأولَِئكَ هُ ُم ْالخَ ِ‬
‫فِي اَأْلرْ ِ‬
‫قطعهم صلة األرحام المش__تركة‪ ،‬وفي قطعهم ص__لة العقائد المش_تركة‪ ،‬وفي قطعهم ص_لة الروابط‬
‫المشتركة‪ ،‬فهم أنانيون مغرقون في األنانية ال يعرفون الرحمة وال اإلحسان‪ ،‬واليهمهم من العيش‬
‫إال أنفسهم‪ ،‬وشعارهم المميز‪( :‬أنا وبعدي الطوفان) ومن بلغت به األنانية الى ه__ذا الحد ال ي__رجى‬
‫منه خير‪ ،‬وال ينتظر منه نفع‪ ،‬ال للقريب وال لبعيد‪.‬‬
‫وأما فساد الفاسقين وإفسادهم في األرض‪ ،‬فيتجلى في سعيهم الى تحطيم جميع المقدسات‪ ،‬وفي‬
‫استهانتهم الظاهرة والباطنة بجميع القيم‪ ،‬وفي اعتدائهم المتوالي على حق__وق أف__راد والجماع__ات‪،‬‬
‫وفي إجب__ارهم للغ__ير على الرضى بالفس__اد والعيش في ظل__ه‪ ،‬ويتجلى ب__األخص في مح__اربتهم‬
‫إلوامر هللا وانته___اكهم لحرمات___ه‪ ،‬والعمل بالخص___وص على اقص___اء تعاليمه وطردها من جميع‬
‫مجاالت العيش ومواكب الحياة‪.21‬‬

‫‪ -19‬الشيخ محمد المكي الناصري‪ ،‬التيسير في أحاديث التفسير‪ ،‬م ‪ 3‬ص ‪.141-140‬‬
‫‪ -20‬سورة البقرة‪ ،‬االية‪.27 :‬‬
‫‪ -21‬الشيخ محمد المكي الناصري‪ ،‬التيسير في أحاديث التفسير‪ ،‬م ‪1‬ص‪.33‬‬
‫‪6‬‬
‫ويؤكد آثار الكفر والنفاق على هالك النسل والزراعة والبالد في تفسير قوله تعالى على‪َ [ :‬و ِمنَ‬
‫ص _ ِام (‪َ )204‬وِإ َذا‬ ‫ْجبُكَ قَوْ لُهُ فِي ْال َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا َويُ ْش ِه ُد هَّللا َ َعلَى َما فِي قَ ْلبِ _ ِه َوهُ _ َو َألَ _ ُّد ْال ِخ َ‬ ‫اس َم ْن يُع ِ‬ ‫النَّ ِ‬
‫_ل لَ _هُ‬‫ث َوالنَّ ْس َل َوهَّللا ُ اَل يُ ِحبُّ ْالفَ َسا َد (‪َ )205‬وِإ َذا قِي_ َ‬ ‫ض لِيُ ْف ِس َد فِيهَا َويُ ْهلِكَ ْال َحرْ َ‬ ‫تَ َولَّى َس َعى فِي اَأْلرْ ِ‬
‫س ْال ِمهَ_ا ُد]‪،22‬وه_ذا بي_ان الوصف الواضح الكاش_ف‪،‬‬ ‫ق هَّللا َ َأ َخ َذ ْتهُ ْال ِع َّزةُ بِاِإْل ْث ِم فَ َح ْس_بُهُ َجهَنَّ ُم َولَبِْئ َ‬
‫اتَّ ِ‬
‫وتقديم التعريف الجامع المانع الذي يعرف المؤمنين بطائفة المن_افقين‪ ،‬وذلك زي_ادة على ما س_بق‬
‫في وصفهم أول سورة البقرة‪ ،‬فبيّن أن طائفة المنافقين تحاول دائما ً س__لب العق__ول وبلبلة األفك__ار‬
‫عن طريق السفسطة والتضليل‪ _،‬وتواجه البس__طاء بما يعجبهم ويغ__ريهم‪ ،‬ح__تى يقع__وا في ش__بكتها‬
‫من أيسر طريق‪ ،‬وال تتورع أن تحلف األيمان المغلظة‪ ،‬تأكيداً لص__دقها المزع__وم‪ ،‬وإثبات_ا ً لحسن‬
‫نيتها المزيفة‪ ،‬إذ أنها تحس من أعماقها بما عليه من تزييف يهددها بالفضيحة في كل حين‪ ،‬ح__تى‬
‫إذا ما أتاها الحظ وأدركت القصد‪ ،‬انكشف عورتها‪ ،‬وظه__رت حقيقته__ا‪ ،‬وت__بين للن__اس أنها عامل‬
‫من عوامل افس__اد‪ ،‬ال من عوامل اإلص__الح‪ ،‬وأنها س__بب من أس__باب الهالك والخس__ران‪ ،‬من من‬
‫أسباب الفالح والعمران‪.23‬‬
‫وعلى عكس طائفة المنافقين التي وصفتها اآليات أدق وصف‪ ،‬وتحذيراً من أالعيبها وتنبيها ً‬
‫الى مناوارتها‪ ،‬وتريفا ً بمظاهرها البراقة الخالبة حتى اليقع المسلمون في أشراكها‪ ،‬ت__ولت آي__ات‬
‫أخرى وصف المؤمنين الصادقين أحسن وصف وأصدقه تعريف _ا ً بهم‪ ،‬وتنبيه _ا ً إليهم‪ ،‬ح__تى يلتف‬
‫ض_ا ِة هَّللا ِ َوهَّللا ُ‬
‫اس َم ْن يَ ْش ِري نَ ْف َسهُ ا ْبتِ َغ__ا َء َمرْ َ‬
‫المسلمون حولهم كل االلتفاف‪ ،‬فقال تعالى‪َ [ :‬و ِمنَ النَّ ِ‬
‫وف بِ ْال ِعبَا ِد]‪ ،24‬وه_ذا يقضي أن هن_اك طائفة من الن_اس تك_رس حياته_ا‪ ،‬وتخصص جهوده_ا‪،‬‬ ‫َر ُء ٌ‬
‫وتبيع نفسها في سبيل هللا‪ ،‬ابتغاء مرض__اة هللا‪ ،‬ال ابتغ__اء مرض__اة الن__اس‪ ،‬فهي التبخل ب__وقت وال‬
‫بجهد في سبيل الصالح الع__ام والخ__ير المش__ترك‪ ،‬والتع__اون على ال__بر والتق__وى‪ ،‬وفي س__بيل ذلك‬
‫تتنازل على شهواتها‪ ،‬وتتخلى عن أهوائها‪ ،‬وتجرد من أنانيتها‪ ،‬ح__تى تتقمص فيها روح الجماعة‬
‫وخيرها‪ ،‬والتتحرك إال بها ولها‪ ،‬امتثاالً ألمر هللا‪ ،‬وابتغ_اء مرض_ات هللا‪ ،‬والشك أن وج_ود ه_ذه‬
‫الطائفة من الناس في المجتمع__ات واألمم نعمة ك__برى من أك__بر النعم ال__تي ينعم هللا بها عليه__ا‪ ،‬إذ‬
‫بواسطتها يتحقق كثير من اإلصالح‪ ،‬وعلى يدها يزول كثير من الفساد‪ ،‬وبفضل توجيهها والمثل‬

‫‪ -22‬سورة البقرة‪ ،‬اآليات‪.206-205-204 :‬‬


‫‪ -23‬الشيخ محمد المكي الناصري‪ ،‬التيسير في أحاديث التفسير‪ ،‬م ‪1‬ص‪.131‬‬
‫‪ -24‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.207 :‬‬
‫‪7‬‬
‫الصالح الذي تضربه لبقية الناس يتم كث__ير من التق__دم واألزده__ا‪ ،‬وتنتشر بينهم ظ__اهرة التض__حية‬
‫واإليثار‪ ،‬فهي رحمة من هللا عميقة األثر في األفراد والجماعات‪.25‬‬
‫كما يؤكد الشيخ الناصري رحمه هللا على أثر اإليمان والعقيدة على الفرد والجماعة في تفسير‬
‫قوله تعالى في سورة العصر‪َ [ :‬و ْال َعصْ ِر (‪ِ )1‬إ َّن اِإْل ْن َسانَ لَفِي ُخ ْس _ ٍر (‪ِ )2‬إاَّل الَّ ِذينَ َآ َمنُ__وا َو َع ِملُ__وا‬
‫صب ِْر]‪ 26‬ومدار الح__ديث في ه__ذه الس__ورة على التعريف‬ ‫اصوْ ا بِال َّ‬ ‫صوْ ا_ بِ ْال َح ِّ‬
‫ق َوتَ َو َ‬ ‫ت َوتَ َوا َ‬
‫الصَّالِ َحا ِ‬
‫بالقيمة الحقيقية لحياة اإلنسان‪ ،‬واإلشارة الى أن الع__برة في حياته إنما هي ينب__وع المس__اعي ال__تي‬
‫يس_عى فيه_ا‪ ،‬والتص_رفات ال_تي يتص_رفها‪ ،‬خ_يراً أو ش_راً‪ ،‬ص_الحا ً أو فس_اداً‪ ،‬والمقسم عليه هو‬
‫إثبات أن اإلنسان يظل خاسراً لنفسه ولحياته‪ ،‬واليعت__بر من الف__ائزين المفلحين‪ ،‬إال إذا تح__ول من‬
‫اإلنس__ان جاح__د‪ ،‬فاسد أن__اني‪ ،‬الى إنس__ان م__ؤمن باهلل‪ ،‬ق__ائم بالعمل الص__الح‪ ،‬متمسك ب__الحق‪،‬‬
‫و(موص) لغيره بالتمسك به‪ ،‬ومعتصم بالصبر‪ ،‬و(موص) لغيره باإلعتصام به‪.27‬‬
‫كما يؤكد سيد قطب رحمه هللا في تفسير هذه السورة على آثار اإليمان على اإلنسان ويدفعه نحو‬
‫اإلص_الح واالرتف_اع عن التك_الب على أع_راض الحي_اة ال_دنيا ‪ -‬وهو بعض إيح_اءات اإليم_ان ‪-‬‬
‫واختي____ار ما عند هللا‪ ...‬مما يه____دئ في نفسه القلق على النتيجة والعجلة على الثم____رة‪ .‬فهو يفعل‬
‫الخير ألنه الخير‪ ,‬وألن هللا يريده‪ ,‬وال عليه أال يدر الخير خ__يرا على مش__هد من عينيه في عم__ره‬
‫الفردي المحدود ‪ .‬فاهلل الذي يفعل الخير ابتغاء وجهه ال يم__وت ‪ -‬س__بحانه ‪ -‬وال ينس__ى‪ ,‬وال يغفل‬
‫شيئا من عمله‪.‬‬
‫إن اإليمان هو أصل الحياة الكبير‪ ,‬الذي ينبثق منه كل فرع من فروع الخير‪ ,‬وتتعلق به‬
‫كل ثمرة من ثماره ‪ ,‬وإال فهو فرع مقطوع من شجرته‪ ,‬صائر إلى ذبول وجفاف‪ .‬وإال فهي ثمرة‬
‫شيطانية‪ ,‬وليس لها امتداد أو دوام !وهو المحور الذي تشد إليه جميع خيوط الحي__اة الرفيع__ة‪ .‬وإال‬
‫فهي مفلتة ال تمسك بشيء‪ ,‬ذاهبة بددا مع األهواء والنزوات_ ‪.‬‬
‫إن اإليمان دليل على صحة الفطرة وسالمة التكوين اإلنساني‪ ,‬وتناسقه مع فطرة الكون كله‪,‬‬
‫ودليل التجاوب بين اإلنسان والك__ون من حوله ‪ .‬فهو يعيش في ه__ذا الك__ون‪ ,‬وحين يصح كيانه ال‬
‫بد أن يقع بينه وبين هذا الكون تج__اوب‪ .‬وال بد أن ينتهي ه__ذا التج__اوب إلى اإليم__ان‪ ,‬بحكم ما في‬
‫الكون ذاته من دالئل وإيح__اءات عن الق__درة المطلقة ال__تي أبدعته على ه__ذا النس__ق‪ .‬ف__إذا فقد ه__ذا‬
‫التجاوب أو تعطل‪ ,‬كان هذا بذاته دليال على خلل ونقص في الجهاز الذي يتلقى‪ ,‬وهو هذا الكي__ان‬

‫‪ -25‬الشيخ محمد المكي الناصري‪ ،‬التيسير في أحاديث التفسير‪ ،‬م ‪1‬ص‪.132-131‬‬


‫‪ -26‬سورة العصر‪ ،‬االيات‪.3-1 :‬‬
‫‪ -27‬الشيخ محمد المكي الناصري‪ ،‬التيسير في أحاديث التفسير‪ ،‬م‪6‬ص ‪.464‬‬
‫‪8‬‬
‫اإلنس__اني‪ .‬وك__ان ه__ذا دليل فس__اد ال يك__ون معه إال الخس__ران‪ .‬وال يصح معه عمل ولو ك__ان في‬
‫ظاهره مسحة من الصالح ‪.‬‬
‫والعمل الصالح وهو الثمرة الطبيعية لإليمان‪ ,‬والحركة الذاتية التي تبدأ في ذات اللحظة التي‬
‫تستقر فيها حقيقة اإليم__ان في القلب‪ .‬فاإليم__ان حقيقة إيجابية متحرك__ة‪ .‬ما أن تس__تقر في الض__مير‬
‫ح__تى تس__عى ب__ذاتها إلى تحقيق ذاتها في الخ__ارج في ص__ورة عمل ص__الح ‪ . .‬ه__ذا هو اإليم__ان‬
‫اإلس__المي ‪ . .‬ال يمكن أن يظل خام__دا ال يتح__رك‪ ,‬كامنا ال يتب__دى في ص__ورة حية خ__ارج ذات‬
‫المؤمن ‪ . .‬فإن لم يتحرك هذه الحركة الطبيعية فهو مزيف أو ميت ‪ .‬شأنه شأن الزه__رة ال تمسك‬
‫أريجها‪ .‬فهو ينبعث منها انبعاثا طبيعيا‪ .‬وإال فهو غير موجود!‪.‬‬
‫ومن هنا قيمة اإليم__ان‪ ،‬إنه حركة وعمل وبن__اء وتعم__ير‪ ،‬يتجه إلى هللا‪ ،‬إنه ليس انكماشا وس__لبية‬
‫وانزواء في مكنونات الضمير‪ .‬وليس مج__رد النوايا الطيبة ال__تي ال تتمثل في حركة وه__ذه طبيعة‬
‫اإلسالم البارزة التي تجعل منه قوة بناء كبرى في صميم الحياة ‪.28‬‬
‫ويعتقد الشيخ الناصري إن سبب الفساد الفكر والتصور_ تقليد األعمى‪ ،‬ويجب إلصالحه‬
‫_ل لَهُ ُم‬
‫إنقاذه من التقليد والمورثات الماضية‪ ،‬كما قال في تفسير قوله س__بحانه وتع__الى‪َ [ :‬وِإ َذا قِي_ َ‬
‫اتَّبِ ُع__وا َما َأ ْن__زَ َل هَّللا ُ قَ__الُوا بَ__لْ نَتَّبِ _ ُع َما َأ ْلفَ ْينَا َعلَ ْي _ ِه َآبَا َءنَا َأ َولَ__وْ َك__انَ َآبَ__اُؤ هُ ْم اَل يَ ْعقِلُ__ونَ َش _ ْيًئا َواَل‬
‫يَ ْهتَ__ ُدونَ ]‪ ،29‬ومن هنا اتجهت اآلي__ات الكريمة الى اس__تنكار التقليد األعمى‪ ،‬والى الحض على‬
‫ترك التقاليد المستهجنة‪ ،‬المتوارثة عن عهود الجهالة والضاللة‪ ،‬والدعوة الى اتباع الحق الذي‬
‫أنزله هللا ن__وراً وه__دى‪ ،‬وه__ذه ال__دعوة تتض__من إعم__ال الفكر فيما يجد عليه األبن__اء آب__ائهم‪،‬‬
‫وتتطلب عدم االتكال على المألوف والرضى_ بالمتعارف دون نقد وال تمحيص‪ ،‬وتقتضي ه__ذه‬
‫الدعوة باألخص وزن التراث المتلقى من اآلباء واألجداد بميزان ال__وحي والعق__ل‪ ،‬فما وافقهما‬
‫كان حريا ً باالتباع‪ ،‬وما خالفهما كان حريا ً باإلهمال‪.30‬‬
‫وقال الشوكاني (وهو يعده بعض من رواد اإلصالح (ت‪1834‬م)‪ 31‬في تفسيره فتح القدير‪:‬‬
‫ش َوا ْعتِقَا ِد ِه ُم ْالفَا ِس ِد َما اَل يُقَا َد ُر قَ ْد ُرهُ‪َ ،‬و ِم ْث_ ُل‬ ‫الذ ِّم لِ ْل ُمقَلِّ ِدينَ َوالنِّدَا ِء بِ َج ْهلِ ِه ُم ْالفَ ِ‬
‫اح ِ‬ ‫َوفِي هَ ِذ ِه اآْل يَ ِة ِمنَ َّ‬

‫‪ - 28‬سيد قطب‪ ،‬في ظالل القرآن‪ ،‬الطبعة السابعة والثالث_ون ‪1429‬هـ‪2008‬م‪ ،‬دار الش_روق‪ ،‬الق_اهرة‪ ،‬م‪6‬ص ‪-3966‬‬
‫‪.3967‬‬
‫‪ -29‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.170 :‬‬
‫‪ -30‬الشيخ محمد المكي الناصري‪ ،‬التيسير في أحاديث التفسير‪ ،‬م ‪1‬ص ‪.101‬‬
‫‪ -31‬ينظ__ر‪ :‬زكي علي العوض__ي‪ ،‬حركة اإلص__الح في العصر الح__ديث‪ ،‬الطبعة األولى‪1425 ،‬هـ‪2004‬م‪ ،‬دار ال__رأي‪،‬‬
‫األردن‪ ،‬ص ‪ 139‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫يل لَهُ ْم تَع__الَوْ ا ِإلى َما َأ ْن_ َز َل هَّللا ُ َوِإلَى الر ُ‬
‫َّس_و ِل ق__الُوا َح ْس_بُنا َما َو َج_ ْدنا‬ ‫هَ ِذ ِه اآْل يَ ِة قَوْ لُهُ تَ َعالَى‪َ :‬وِإذا قِ َ‬
‫ْح التَّ ْقلِي ِد‪َ ،‬و ْال َم ْن ِع ِم ْنهُ‪.32‬‬
‫َعلَ ْي ِه آبا َءنا «‪ »4‬المائدة‪ .104‬اآْل يَةَ‪َ ،‬وفِي َذلِكَ َدلِي ٌل َعلَى قُب ِ‬
‫المطلب الخامس‬
‫اإلصالح االجتماعي‬
‫يعتمد الشيخ الناصري إلصالح المجتمع على جوانب متعددة ومحاور حساسة منها‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬إصالح األسرة‪ :‬ي__رى الش__يخ الناص__ري أن إص__الح المجتمع مره__ون بإص__الح األس__رة‪،‬‬
‫ولكي األسرة لبنة صالحة في بناء المجتمع البد أن تنشأ على أساس األيمان والوحي اإللهي‪ ،‬كما‬
‫ت َحتَّى يُْؤ ِم َّن َوَأَل َمةٌ ُمْؤ ِمنَةٌ َخ ْي _ ٌر ِم ْن ُم ْش _ ِر َك ٍة َولَ__وْ‬‫يقول تفسير قوله تعالى‪َ [ :‬واَل تَ ْن ِكحُوا ْال ُم ْش ِر َكا ِ‬
‫ك‬‫ك َولَ_وْ َأ ْع َجبَ ُك ْم ُأولَِئ َ‬
‫َأ ْع َجبَ ْت ُك ْم َواَل تُ ْن ِكحُ_وا ْال ُم ْش_ ِر ِكينَ َحتَّى يُْؤ ِمنُ_وا َولَ َعبْ_ ٌد ُم_ ْؤ ِم ٌن َخيْ_ ٌر ِم ْن ُم ْش_ ِر ٍ‬
‫ار َوهَّللا ُ يَ ْد ُعو ِإلَى ْال َجنَّ ِة َو ْال َم ْغفِ َر ِة بِِإ ْذنِ ِه َويُبَي ُِّن َآيَاتِ ِه لِلنَّ ِ‬
‫اس لَ َعلَّهُ ْم يَتَ _ َذ َّكرُونَ ]‪ ،33‬فه__ذه‬ ‫يَ ْد ُعونَ ِإلَى النَّ ِ‬
‫اآلية الص__ريحة تنبه المس__لمين الى أن وح__دة العقي__دة ال__تي ينط__وي قلب ال__زوج والزوجة أمر‬
‫مطلوب ومرغ__وب‪ ،‬بل أمر ض__روري لوح_دة األس_رة وأمنها واس__تقرارها‪ ،‬إذ من المس_تحيل أن‬
‫تقوم رابطة الزواج من الناحية المادية الص__رفة مق__ام العقي__دة األساس__ية ال__تي ينط__وي عليها قلب‬
‫الزوج والزوجة‪ ،‬والتي تضمن اشتراكهما الفعلي في نظرة واحدة‪ ،‬ومن زاوية واحدة‪ ،‬الى الحياة‬
‫الدنيا والحياة األخرى معاً‪ ،‬وفي نظرة واحدة‪ ،‬ومن زاوية واح__دة الى القيم الروحية واألخالقي__ة‪،‬‬
‫التي يجب أن تسود حياة األسرة واألوالد‪.34‬‬
‫واليوم قد تبدلت أوضاع الحياة‪ ،‬وانتشر ه__ذا الن__وع من ال__زواج المختلط انتش__اراً فاحش_اً‪،‬‬
‫وب__رزت آث__ار الحتمية الفاس__دة في تربية أبن__اء المس__لمين وبن__اتهم في أحض__ان األمه__ات غ__ير‬
‫المسلمات‪ ،‬الالتي يسطرن على الزوج بيته سيطرة تامة تجعل األس__رة كلها منعزلة عن المجتمع‬
‫اإلسالمي كل االنعزال‪ ،‬ومرتبطة قبل كل شئ باألخوال واألصهار والجدات من غ__ير المس__لمين‬
‫كل االرتب__اط‪ ،‬تج__دد مخ__اوف علم__اء اإلس__الم في كل بل__د‪ ،‬وتع__ود نظرية عمر بن الخط__اب في‬
‫كراهية ه__ذا ال__زواج المختل__ط‪ ،‬والتنديد به الى الظه__ور‪ ،‬وي__برز من جديد بعد نظر ه__ذا الخليفة‬
‫العبقري الذي كان مفخرة الخلفاء الراشدين‪ ،‬ويبدو للجميع أن موقفه بالنسبة للظ__روف الحاض__رة‬
‫أصبح أوفق وأنسب بمصالح المسلمين‪.35‬‬

‫‪ -32‬محمد علي الش__وكاني‪ ،‬فتح الق__دير بين ف__ني الرواية والدراية من علم التفس__ير‪ ،‬تحقيق س__يد اب__راهيم‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪1413‬هـ‪1993‬م‪ ،‬دار الحديث‪ -‬القاهرة‪ ،‬م‪1‬ص‪.247‬‬
‫‪ -33‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.221 :‬‬
‫‪ -34‬الشيخ محمد المكي الناصري‪ ،‬التيسير في أحاديث التفسير‪ ،‬م ‪1‬ص ‪.140‬‬
‫‪ -35‬الشيخ محمد المكي الناصري‪ ،‬التيسير في أحاديث التفسير‪ ،‬م‪ 1‬ص‪.142‬‬
‫‪10‬‬
‫ثاني _اً‪ :‬حماية المجتمع من الرذائ__ل‪ :‬إن حماية المجتمع والف__رد من الرذائل واألخالق الفاس__دة سد‬
‫ك َع ِن‬ ‫منيع لحمايته من التفكك والدمار‪ ،‬كما يقول الشيخ الناصري في تفسير قوله تعالى‪[ :‬يَ ْس َألُونَ َ‬
‫َّاس َوِإثْ ُم ُه َما َأ ْكَب ُر ِم ْن َن ْف ِع ِه َما َويَ ْسَألُونَ َ‬
‫ك َم ا َذا ُي ْن ِف ُق و َن قُ ِل ال َْع ْف َو‬ ‫الْ َخ ْم ِر َوال َْم ْي ِس ِر قُ ْل فِي ِه َما ِإثْ ٌم َكبِ ٌير َو َمنَافِ ُع لِلن ِ‬
‫ات ل ََعلَّ ُك ْم َتَت َف َّك ُرو َن]‪ ،36‬فقد أحس المسلمون بفطرتهم السليمة‪ ،‬التي أزال‬ ‫ك يبيِّن اللَّهُ لَ ُكم اآْل َي ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ َ‬ ‫َك َذل َ َُ ُ‬
‫اإلس__الم عنها غش__اوة الجاهلية أن الخمر والميسر لم يعد لهما مك__ان وال مع__نى في المجتمع‬
‫اإلسالمي الناشئ‪ ،‬وأنهما قد فق__دا كل م__برر كا يبررهما من تقاليد الجاهلي__ة‪ ،‬الفاس__دة ونخوتها‬
‫الكاذبة‪ ،‬وفوض_اها االجتماعي_ة‪ ،‬و روحها اإلباحي_ة‪ ،‬فاإلس_الم ما يحس ويش_عر به كل المس_لم‬
‫يتلقى كالم هللا من فم رسول هللا غض_ا ً طري_ا ً بمج__رد ما ي__وحى إلي__ه‪ ،‬ليس دين له__و‪ ،‬وال ملة‬
‫عبث‪ ،‬وال ش__ريعة فوضى وإباحي__ة‪ ،‬والمس__لمون ال__ذين يع__دهم الحق س__بحانه وتع__الى لحمل‬
‫األمانة الى كافة البشر أخذوا ي__دركون من تلق__اء أنفس__هم أنه اليناسب مق__امهم‪ ،‬وال ينس__جم مع‬
‫رسالتهم ‪-‬وهم شهداء على الناس جميعاً‪ -‬أن يكونوا سكارى معربدين‪ ،‬وال مقامرين مغامرين‪.‬‬
‫وقد أثبتت األيام صدق نظر اإلس__الم‪ ،‬ف_أجمع علم__اء الطب‪ ،‬وعلم__اء االقتص__اد‪ ،‬وعلم__اء‬
‫االجتم__اع‪ ،‬والج__ديرون بحمل ه__ذه الص__فة‪ ،‬على أن الخمر والميسر لهما اآلث__ار الفاس__دة على‬
‫حي__اة األف__راد والجماع__ات ما يعت__بران معه من أك__بر أع__داء اإلنس__انية‪ ،‬ومن أعظم عوامل‬
‫التخريب والتدمير للحضارة والمدنية‪ ،‬وقد تكونت لمحاربتهما في مختلف البلدان ومن مختلف‬
‫الملل والنحل ع__دة هي__آت دولي__ة‪ ،‬ون__ادت بمكافحتهما منظمة الص__حة العالمية نفس__ها‪ ،‬وك__ان‬
‫اإلسالم هو الرائد األول للجميع في هذا الميدان االجتماعي اإلصالحي الخطير كشانه في بقية‬
‫الميادين‪.37‬‬
‫ثالثاً‪ :‬مكافحة الفواحش‪ :‬اليخفى على أحد آث__ار الف__واحش على الف__رد والمجتم__ع‪ ،‬إن الف__واحش‬
‫سبب دمار وهالك جميع األمم عبر التاريخ‪ ،‬ويح__ذرنا الحق س__بحانه وتع__الى في محكم تنزيله‬
‫بأن النتقرب من الفواحش إنه كان فاحشة وساء س__بيال‪ ،‬كما يق__ول‪َ [ :‬واَل تَ ْقتُلُ__وا َأوْ اَل َد ُك ْم خَ ْش _يَةَ‬
‫ق نَحْ ُن نَرْ ُزقُهُ ْم َوِإيَّا ُك ْم ِإ َّن قَ ْتلَهُ ْم َكانَ ِخ ْ‬
‫طًئا َكبِيرًا (‪َ )31‬واَل تَ ْق َربُوا ال ِّزنَا ِإنَّهُ َكانَ فَا ِح َشةً َو َس_ا َء‬ ‫ِإ ْماَل ٍ‬
‫ق َو َم ْن قُتِ َل َم ْ‬
‫ظلُو ًما فَقَ ْد َج َع ْلنَا لِ َولِيِّ ِه س ُْلطَانًا فَاَل‬ ‫س الَّتِي َح َّر َم هَّللا ُ ِإاَّل بِ ْال َح ِّ‬
‫َسبِياًل (‪َ )32‬واَل تَ ْقتُلُوا النَّ ْف َ‬
‫ف فِي ْالقَ ْت ِل ِإنَّهُ َكانَ َم ْنصُورًا]‪ ،38‬اتجه كت_اب هللا بجملة من األوامر والن_واهي الى مختلف‬ ‫ْر ْ‬
‫يُس ِ‬
‫األف__راد فخ__اطبهم بها ف__رداً ف__رداً‪ ،‬اتجه أيض__ا ً بجملة من األوامر والن__واهي ذات الص__بغة‬
‫الجماعية الى األمة اإلس___المية في مجموعه___ا‪ ،‬وه___ذه األوامر والن___واهي تتعلق (بالكلي___ات‬

‫‪ -36‬سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.219 :‬‬


‫‪ - 37‬الشيخ محمد المكي الناصري‪ ،‬التيسير في أحاديث التفسير‪ ،‬م‪1‬ص ‪.140-139 -138‬‬
‫‪ - 38‬سورة اإلسراء‪ ،‬اآليات‪.33-32-31 :‬‬
‫‪11‬‬
‫الضرورية) التي تتوقف حياة المجتمع اإلسالمي عليها كل التوقف‪ ،‬وب__دونها يتع__ذر العم__ران‪،‬‬
‫ويفشو االنحالل‪ ،‬ويضيع األمن ويفسد النظام‪.39‬‬
‫وق__ال س_يد قطب في تفس__يره ه__ذه اآلي_ات‪ :‬وبين قتل األوالد والزنا ص__لة مناس__بة وقد توسط‬
‫النهي عن الزنا بين النهي عن القتل أن في الزنا قتالً من ن___واحي ش___تى‪ ،‬أنه قتل ابت___دا ًء ألنه‬
‫إراقة لمادة الحياة في غ__ير موض__عها‪ ،‬يتبعه غالب_ا ً الرغبة في التخلص من آث__اره بقتل الج__نين‬
‫قبل أن يتخلق أو بعد أن يتخلق‪ ،‬قبل مولده أو بعد مول__ده‪ ،‬ف__إذا ت__رك الج__نين للحي__اة ت__رك في‬
‫الغالب لحياة ش__ريرة‪ ،‬أو حي_اة مهين__ة‪ ،‬فهي حي_اة مض_يقة في المجتمع على نحو من االنح__اء‪،‬‬
‫وهو قتل في صورة أخرى‪ ،‬قتل للجماعة ال__تي يفشو فيه__ا‪ ،‬فتض__يع األنس__اب وتختلط ال__دماء‪،‬‬
‫وتذهب الثقة في العرض والولد‪ ،‬وتنحل الجماع وتفكك روابطها‪ ،‬فتنتهي الى ما يش__به الم__وت‬
‫بين الجماعات‪.40‬‬
‫فأي قتل أكبر من وجود األوالد غير الشرعيين على ش__وارع بال أم حن__ون وأب مش__فق‪،‬‬
‫وانتش__ار الج__رائم واألعت__داء على األع__راض وتفكك روابط األس__رة‪ ،‬وفي نهاية إش__اعة الفتن‬
‫والفس__اد في المجتمع والبالد‪ ،‬فه__ذا هو سر تح__ريم الف__واحش واألمر باجتنابه__ا‪ ،‬ح__تى يص__لح‬
‫المجتمع ويبقى على الصالح وأمنه‪.‬‬
‫المطلب السادس‬
‫اإلصالح اإلداري والسياسي‬
‫يدعو الشيخ الناصري من خالل تفسيره ومؤلفاته الى إصالح الوضع السياسي واإلداري‬
‫في البل__دان اإلس__المية‪ ،‬وي__رى أن اإلص__الح السياسي له دور كب__ير في إص__الح المجتمع على‬
‫مستوى الفرد والجماعة‪ ،‬كما قال في تفسير قوله تعالى‪َ [ :‬وَأ ِن احْ ُك ْم بَ ْينَهُ ْم بِ َما َأ ْن َز َل هَّللا ُ َواَل تَتَّبِ__ ْع‬
‫ك فَ _ِإ ْن تَ َولَّوْ ا فَ__ا ْعلَ ْم َأنَّ َما ي ُِري _ ُد هَّللا ُ َأ ْن‬
‫ْض َما َأ ْن__زَ َل هَّللا ُ ِإلَ ْي _ َ‬ ‫_وا َءهُ ْم َواحْ _ َذرْ هُ ْم َأ ْن يَ ْفتِنُ__و َ‬
‫ك ع َْن بَع ِ‬ ‫َأ ْه_ َ‬
‫يب__دئ ه__ذا الربع بخط__اب موجه الى‬ ‫اس _قُونَ ]‬ ‫ْض ُذنُ__وبِ ِه ْم َوِإ َّن َكثِ__يرًا ِمنَ النَّ ِ‬
‫اس لَفَ ِ‬ ‫ُص _يبَهُ ْم بِبَع ِ‬
‫ي ِ‬
‫‪41‬‬

‫الرس__ول األعظم‪ ،‬آم__راً أن يحكم بما أن__زل هللا‪ ،‬وال يت__اثر ب__أهواء المحك__ومين والمخ__الفين‪ ،‬وان‬
‫يكون حذراً تجاه المحاوالت التي يحاولونها لفتنته عن بعض ما أنزل هللا إليه‪.‬‬
‫وإذا كان الخطاب اإللهي يتوجه إلى الرسول بمثل ه__ذه األوامر والن__واهي وهو المتم__يز عن‬
‫غيره بالعص__مة و الرس__الة‪ -‬حرصا على إحق__اق الحق وإبط__ال الباطل وإقامة الع__دل المطلق بين‬
‫الن__اس‪ -‬فمن ب__اب أولى وأح__رى أن يوجه ه__ذا الخط__اب اإللهي إلى غ__ير المعص__ومين من والة‬
‫المسلمين الحاكمين بين الناس من بع__ده‪ ،‬ومن ب__اب أولى وأح__رى أن تس__اق إليهم ه__ذه األوامر و‬
‫النواهي‪ ،‬بل إنهم المقصودون_ بالذات من هذا الخط__اب الموجه في الظ__اهر إلى الرس__ول األعظم‬
‫‪ -39‬الشيخ محمد المكي الناصري‪ ،‬التيسير في أحاديث التفسير‪ ،‬م‪ 3‬ص ‪.391-390‬‬
‫‪ -40‬سيد قطب‪ ،‬في ظالل القرآن‪ ،‬م‪4‬ص ‪2223‬‬
‫‪ -41‬سورة المائدة‪ ،‬االية‪.49 :‬‬
‫‪12‬‬
‫‪ ،‬إذ هم وحدهم دون الرسول المعرض__ون للت__أثر ب__أهواء المحك__ومين والمخ__الفين على حس__اب‬
‫الحق‪ ،‬وهم وحدهم المعرض__ون_ للفتنة عن الع__دل‪ .‬والفتنة أن__واع وأش__كال من بينها فتنة الرش__وة‪،‬‬
‫وفتنة البطانة والحاشية‪ ،‬وفتنة الشفاعات والوساطات‪ ،‬وفتنة االنحراف والتحري__ف‪ ،‬وفتنة اآلراء‬
‫الفاسدة والنظريات الباطلة‪.42‬‬
‫وي__رى الش__يخ الناص__ري إن للمجمتع دور م__ؤثر في أمر ب__المعروف والنهي عن المنكر لمنع‬
‫السلطة من الطغي__ان والتج__اوزات‪ ،‬كما يش__ير في تفس__ير قوله تع__الى‪[ :‬يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ َآ َمنُ__وا َعلَ ْي ُك ْم‬
‫َأ ْنفُ َس ُك ْم اَل يَضُرُّ ُك ْم َم ْن َ‬
‫ض َّل ِإ َذا ا ْهتَ َد ْيتُ ْم ِإلَى هَّللا ِ َمرْ ِج ُع ُك ْم َج ِميعًا فَيُنَبُِّئ ُك ْم بِ َما ُك ْنتُ ْم تَ ْع َملُ__ونَ ]‪ ،43‬وليس‬
‫معنى هذه اآلية اإلذن للمسلم بالتخلي عن واجباته نحو المجتمع اإلسالمي والدولة اإلس__المية وال‬
‫ال__ترخيص له ب__الوقوف منها موقف المتف__رج ال__ذي اليهمه من أمرهما ش__يء‪ ،‬ف__ذلك فهم مقل__وب‬
‫لإلسالم‪ ،‬وتأويل مضاد للمعنى هذه االية‪.44‬‬
‫روى أصحاب السنن أن أبابكر الصديق رضي هللا عنه قام فحمد هللا وأثنى عليه ثم قال‪ :‬أيها‬
‫الناس إنكم تقرأون هذه اآلية‪[ :‬يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ َآ َمنُوا َعلَ ْي ُك ْم َأ ْنفُ َس ُك ْم اَل يَضُرُّ ُك ْم َم ْن َ‬
‫ض َّل ِإ َذا ا ْهتَ َد ْيتُ ْم‪]..‬‬
‫وإنكم تضعونها على غير موض_عها‪ ،‬وإني س_معت رس_ول هللا يق_ول‪( :‬إن الن_اس إذا رأوا المنكر‬
‫‪45‬‬
‫وال يغيرنه يوشك هللا عزوجل أن يعمهم بعقابه)‬
‫وإقامة العدل بين جميع أفراد المجتمع دون التميز بين أحد وأخ__رى عامل البق__اء جميع ال__دول‬
‫واألنظمة السياسية‪ ،‬وهذا من سنن هللا سبحانه وتعالى في األرض‪ ،‬كما يؤكد القرآن الك__ريم حيث‬
‫ك ْالقُ_ َرى بِظُ ْل ٍم َوَأ ْهلُهَا ُم ْ‬
‫ص_لِحُونَ ]‪ ،46‬قوله تع__الى‪ :‬وما ك__ان ربك ليهلك‬ ‫يقول‪َ [ :‬و َما َكانَ َربُّكَ لِيُ ْهلِ َ‬
‫الق__رى‪ ،‬أي أهل الق__رى‪ ،‬بظلم‪ :‬أي بش__رك وكف__ر‪َ ( .‬وَأ ْهلُهَا ُم ْ‬
‫ص _لِحُونَ ) أي فيما بينهم في تع__اطي‬
‫الحقوق؛ أي لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده حتى ينضاف إليه الفس__اد‪ ،‬كما أهلك ق__وم ش__عيب ببخس‬
‫المكيال والميزان‪ ،‬وقوم لوط باللواط؛ ودل هذا على أن المعاصي أق__رب إلى ع__ذاب االستئص__ال‬
‫في الدنيا من الشرك‪ ،‬وإن كان عذاب الشرك في اآلخرة أصعب‪.47‬‬

‫‪ -42‬الشيخ محمد المكي الناصري‪ ،‬التيسير في احاديث التفسير‪ ،‬م‪ 2‬ص‪.66-65‬‬


‫‪ -43‬سورة المائدة‪ ،‬االية‪.105 :‬‬
‫‪ -44‬الشيخ محمد المكي الناصري‪ ،‬التيسير في احاديث التفسير‪ ،‬م‪ 2‬ص ‪.96-95‬‬
‫‪ -45‬رواه ابن ماج__ه‪ ،‬كت__اب الفتن‪ ،‬ب__اب األمر ب__المعروف والنهي عن المنك__ر‪ ،‬ال__رقم‪ .4005 :‬ورواه أبو داود‪ ،‬كت__اب‬
‫المالحم‪ ،‬باب في األمر والنهي‪ ،‬الرقم‪ .4338 :‬والترمذي‪ ،‬كتاب التفس__ير عن رس__ول هللا ‪ ،‬ب__اب ومن س__ورة المائ__دة‪،‬‬
‫الرقم‪.3057 :‬‬
‫‪ -46‬سورة هود‪ ،‬اآلية‪ِ.117 :‬‬
‫‪ -47‬محمد بن احمد األنص__اري القرط__بي‪ ،‬الج__امع ألحك__ام الق__رآن‪ ،‬تحقيق ال__دكتور محمد اب__راهيم الحفن__اوي وال__دكتور‬
‫محمود حامد عثمان‪ ،‬الطبعة األولى ‪1423‬هـ‪2002‬م‪ ،‬دار ال ِحديث‪ ،‬القاهرة‪ ،‬م‪5‬ج‪9‬ص‪.105‬‬
‫‪13‬‬
‫ويشترط القرآن الكريم بقاء التمكين والدولة بالتمسك بالروابط والمبادئ اإللهية‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫ُوف َونَهَ__وْ ا َع ِن ْال ُم ْن َك_ ِ‬
‫_ر‬ ‫صاَل ةَ َوَآتَ ُوا ال َّز َكاةَ َوَأ َمرُوا بِ_ ْ‬
‫_ال َم ْعر ِ‬ ‫ض َأقَا ُموا ال َّ‬
‫[ الَّ ِذينَ ِإ ْن َم َّكنَّاهُ ْم فِي اَأْلرْ ِ‬
‫ُأْل‬
‫_ور]‪ ،48‬مبين _ا ً ب__ذلك المب__ادئ األساس__ية ال__تي يجب أن ترعاها الدولة اإلس__المية‪،‬‬ ‫َوهَّلِل ِ عَاقِبَ _ةُ ا ُم_ ِ‬
‫وم__برزاً الط__ابع الخ__اص ال__ذي يجب أن يتم__يز به المجتمع اإلس__المي‪ ،‬وأول ه__ذه المب__ادئ‪ :‬إقامة‬
‫الصالة وربط الصلة باهلل‪ ،‬بحيث يكون المجتمع اإلس__المي والدولة اإلس__المية في انس__جام ت__ام مع‬
‫التوجيه اإللهي العام‪ ،‬فال تمرد على هللا وال عصيان‪ ،‬وال غفلة وال طغيان‪ ،‬ولكن طاعة وإذع__ان‪،‬‬
‫ويقظة وإيمان‪ ،‬والصالة هي عماد الدين‪ ،‬والحق األول من حقوق هللا على المؤنين‪.‬‬
‫وث__اني ه__ذه المب__ادئ‪ :‬إيت__اء الزك__اة‪ ،‬وتوثيق رب__اط المحبة والتكافل بين عب__اد هللا‪ ،‬بحيث يك__ون‬
‫المجتمع اإلس___المي والدولة اإلس___المية على درجة كب___يرة من اإلنس___انية والتع___اطف وال___تراحم‬
‫والتواصل‪ ،‬بدالً من األنانية والتقاطع والتهارش والتقاتل‪ ،‬والزكاة هي دعامة اإلخ__اء والوئ__ام بين‬
‫األخوة المؤمنين‪ ،‬والحق األول من حقوق المعسرين على الموسرين‪.‬‬
‫وث__الث ه__ذه المب__ادئ‪ :‬األمر ب__المعروف والنهي عن المنك__ر‪ ،‬بحيث يك__ون المجتمع اإلس__المي‬
‫والدولة اإلسالمية على تمام الوعي بخطورة المس__ؤولية الملق__اة على عاتقهما في ص__يانة اإلس__الم‬
‫من كل ماهو دخيل‪ ،‬والحفاظ عليه شكالً وموضوعاً‪ ،‬مظه__راً ومخ__براً‪ ،‬عرض_ا ً وج__وهراً‪ ،‬حماية‬
‫للكيان اإلسالمي من الفناء‪ ،‬ووقوفا ً في وجه الدسائس والمؤامرات ال__تي تح__اك ض__ده في الخف__اء‪،‬‬
‫واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ -‬بمعنى نصرة الصالح والقيام باإلصالح‪ ،‬ومحاربة الفساد‬
‫والحيلولة دون اإلفساد‪ -‬هو الواجب األول من واجبات الدولة اإلس__المية‪ ،‬وهو معي__ار فس__ادها أو‬
‫إصالحها‪ ،‬وفشلها أو نجاحها‪ ،‬وهو الض__امن األك_بر لس_المة ال_دين‪ ،‬وس_المة المجتم_ع‪ ،‬وس_المة‬
‫الدولة‪.49‬‬
‫خاتمة البحث‬
‫بعد هذه الدراسة من خالل تفسير (التيسير في أحادي التفسير) للشيخ محمد المكي الناصري‪،‬‬
‫يتضح للباحث أن الشيخ الناصري وتفسيره من امتداد مدرسة اإلصالح اإلس__المي ال__تي ظه__رت‬
‫في أواخر القرن التاسع عشر وبداية الق__رن العش__رين على يد جلة من علم__اء األم__ة‪ ،‬ب__دأ بجم__ال‬
‫ال__دين األفغ__اني والش__يخ محمد عب__ده وبن ب__اديس والش__يخ محمد المكي الناص__ري في المغ__رب‬
‫وغيرهم من العلماء األجالء في البلدان االسالمية‪.‬‬
‫يرى الشيخ محمد الناصري أن إص__الح الف__رد والمجتمع البد أن يبت__دئ من داخل الف__رد‪ ،‬أال‬
‫وهو إص__الح عقيدته وفك__ره وتص__وراته_ على منهج الق__رآن الك__ريم‪ ،‬ويؤكد أن اإليم__ان أس__اس‬
‫اإلصالح‪ ،‬وأن الكفر والنفاق أساس الفساد‪ ،‬ويدعو في تفسيره الى إصالح اإليمان والرجوع إليه‬

‫‪ -48‬سورة الحج‪ ،‬اآلية‪.41 :‬‬


‫‪ -49‬الشيخ محمد المكي الناصري‪ ،‬التيسير في أحاديث التفسير‪ ،‬م‪ 4‬ص‪.182-181‬‬
‫‪14‬‬
‫ ألن األيمان يدفع باإلنسان نحو الفض__ائل ويغ__رس روح‬،‫والتمسك بالوحي اإللهي ومنهجه القويم‬
‫ وأن الكفر والنف_____اق عامل األنانية ومنبع الرذائل والتفكك‬،‫التع_____اون واإلخ_____اء في المجتم_____ع‬
.‫المجتمعي‬
‫وكان إصالح األنظمة السياسية من أوليات الش__يخ الناص__ري أن يتكلم عنها ويق__وم المس__لمون‬
‫ ويؤكد أنه‬،‫ ويرى الشيخ أن إصالح نظام الحكم في البلدان اإلس__المية أمر ض__روري‬،‫بإصالحها‬
،‫اليصلح أوضاعنا االجتماعية واالقتص__ادية والثقافية إال بعد إص__الح حكامنا وأنظمتنا السياس__ية‬
‫ ويعتقد أنه ال يصلح هذه النظم‬،‫ولكي يتقدم بلداننا يجب علينا أن نقوم بإصالح أوضاعنا السياسية‬
.‫إال بإقامة العدل والرجوع الى الوحي اإللهي أال وهو مصدر العدل والسعادة البشرية‬
Sheikh Mohammed Makki Al Nasiri approach in reform
Through interpretation (facilitation in conversations explanation)
    After this study, through the interpretation of (facilitation in a single interpretation) of
Sheikh Mohammed Makki Al Nasiri, it is clear to the researcher that the Sheikh of Al
Nasiri and his interpretation of a stretch School of Islamic reform that emerged in the late
nineteenth century and early twentieth century at the hands of nation's scientists, began
the Jamal Alddin al-Afghani and Sheikh Mohammed Abda, Ben Badis, Sheikh
Mohammed Makki Al Nasiri in Morocco and other eminent scientists in the Islamic
countries.
Sheikh Mohamed Al Nasiri see that the reform of the individual and society must starts
from within the individual, namely the reform of faith and intellect, and his views on the
approach to the Quran, and confirms that the faith-based reform, and infidelity and
hypocrisy basis of corruption, and calls in his interpretation to reform the faith because
faith is pushing the man to the virtues and instills a spirit of cooperation and brotherhood
in society, infidelity and hypocrisy factor selfishness and the source of vices and societal
disintegration.
  The reform of the political systems was the first work of Sheikh Al Nasiri to speak them
and the Muslims reform, and Sheikh Al Nasiri saw that the reform of the system of
government in Islamic countries is necessary, and underlines that the suited our situation
of social, economic and cultural, but after the reform of our rulers and our political
systems, and to advance our countries we must reform our situation political, and
believes it does not fit these systems, but the administration of justice and back to the
divine revelation, namely the source of justice and human happiness.

‫قائمة المصادر والمراجع‬


.‫ القرآن الكريم‬-1
‫هـ‬1430 ‫ الطبعة الرابعة‬،‫ تحقيق عدنان صفوان داوودي‬،‫ مفردات ألفاظ_ القرآن‬،‫ الراغب األصفهاني‬-2
.‫ دمشق‬،‫ دار القلم‬،‫م‬2009

15
‫‪ -3‬زكي علي العوض_ي‪ ،‬حركة اإلص_الح في العصر الح_ديث‪ ،‬الطبعة األولى‪1425 ،‬هـ ‪2004‬م‪ ،‬دار‬
‫الرأي‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫‪ -4‬سعاد أشقر‪ ،‬التفسير والمفسرون بالمغرب األقصى‪ ،‬الطبعة األولى ‪1431‬هـ ‪2010‬م‪ ،‬دار الس__الم‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -5‬س___ليمان بن األش___عث السجس___تاني‪ ،‬أبو داود‪ ،‬سنن أبو داود‪ ،‬حكم على أحاديثه وآث___اره وعلق عليه‬
‫العالمة ناص__رالدين األلب__اني‪ ،‬اعتنى به أبوعبي__دة مش__هور بن حسن آل س__لمان‪ ،‬الطبع _ة األولى‪ ،‬ب__دون‬
‫تاريخ الطبع‪ ،‬مكتبة المعارف‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -6‬سيد قطب‪ ،‬في ظالل القرآن‪ ،‬الطبعة السابعة والثالثون ‪1429‬هـ ‪2008‬م‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -7‬عبدالحميد بن ب__اديس‪ ،‬الش__يخ‪ ،‬تفس__ير بن ب__اديس‪ ،‬تحقيق أبو عب__دالرحمن محم__ود‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪1430‬هـ ‪209‬م‪ ،‬دار الرشيد للكتاب والقرآن الكريم‪ ،‬الجزائر‪.‬‬
‫‪ -8‬عبدالعزيز عبدالرحمن الضامر‪ ،‬التفسير اإلذاعي للقرآن الكريم‪ ،‬مجلة معهد االمام الش__اطبي‪ ،‬الع__دد‬
‫‪ 1‬ربيع اآلخر ‪1427‬هـ‪.‬‬
‫‪ -9‬محمد المكي الناصري‪ ،‬الشيخ‪ ،‬التيسير في األحاديث التفسير‪ ،‬الطبعة األولى ‪1405‬هـ ‪1985‬م‪ ،‬دار‬
‫الغرب االسالمي‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -10‬محمد بن احمد األنص__اري القرط__بي‪ ،‬الج__امع ألحك__ام الق__رآن‪ ،‬تحقيق ال__دكتور محمد اب__راهيم‬
‫الحديث‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫الحفناوي والدكتور محمود حامد عثمان‪ ،‬الطبعة األولى ‪1423‬هـ‪2002‬م‪ ،‬دار ِ‬
‫‪ -11‬محمد بن رزق بن طره__وني‪ ،‬ال__دكتور‪ ،‬التفس__ير والمفس__رون في غ__رب أفريقي__ا‪ ،‬الطبعة األولى‬
‫‪1426‬هـ‪ ،‬دار ابن الجوزي‪ ،‬السعودية‪.‬‬
‫‪ -12‬محمد بن عيسى بن سورة‪ ،‬أبو عيسى اإلمام الترمذي (الجامع الص__حيح وهو س__نن الترم__ذي) دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪.‬‬
‫‪ -13‬محمد بن يزيد القزويني الحافظ أبو عبدالله ابن ماجة_ (سنن ابن ماجة) حققه_ وصنع فهارسها محمد‬
‫مصطفى األعظمي‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬شركة الطباعة العربية السعودية‪.‬‬
‫‪ -14‬محمد بن يعقوب الفيروزآبادي‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،‬الطبعة الثانية ‪1428‬هـ ‪2007‬م‪ ،‬دار المعرف__ة‪،‬‬
‫بيروت‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -15‬محمد علي الشوكاني‪ ،‬فتح القدير بين فني الرواية والدراية من علم التفس__ير‪ ،‬تحقيق س__يد اب__راهيم‪،‬‬
‫الطبعة األولى ‪1413‬هـ‪1993‬م‪ ،‬دار الحديث‪ -‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -16‬محم__ود بن عمر الزمخش__ري‪ ،‬أبو القاسم جارهللا‪ ،‬تفس__ير الكش__اف عن حق__ائق التنزيل وعي__ون‬
‫األقاويل في وجوه التأويل‪ ،‬تحقيق خليل مأمون ش__يحا‪ ،‬الطبعة األولى ‪1423‬هـ ‪2002‬م‪ ،‬دار المعرف__ة‪،‬‬
‫بيروت‪ -‬لبنان‪.‬‬

‫‪16‬‬

You might also like