Professional Documents
Culture Documents
للمذهب المالكي
فقه النوازل
في الغرب اإلسالمي
وزارة الشؤون الدينية واألوقاف
ِّين» ( ).
2
يقل النبي × الفقهَ « :منْ يُ ِر ْد هَّللا ُ بِ ِه َخ ْي ًرا يُفَقِّ ْههُ فِي الد ِ
وال أريـد أن أدخـل في تحديـد المصــطلحات وبيـان المفـاهيم العلميـة
المتعلقة بالشريعة والفقه والفتوى ،وال أن أسترسل في الحديث عن القضايا
المتعلقة بالفقه عموما ،وفقه النوازل خصوصا ،ولكــني أ ّود أن أبيّن أنــه إذا
كان علم الفقه هو اإلطار النظري الذي ينظِّم التصــرفات العمليــة للمكلفين،
فن النوازل هو الميدان الخصب الذي تتفاعل فيه أحكام الفقه ونظرياته فإن َّ
مع مستجدات الناس وتفاصيل حياتهم ،في تناغم اجتمــاعي ،وملمح واقعي،
يتم فيــه تنزيــل قواعــد الفقــه ومســائله على وقــع النــاس المعيش ،لضــبط
عباداتهم وعاداتهم ومعامالتهم.
كما أن فن النــوازل وســيلة تتفاعــل من خاللهــا الطبقــات االجتماعيــة
المختلفة مع العلماء والفقهاء ،حرصا من الجميــع أن يخرجــوا بأنفســهم من
دواعي األهــواء إلى لينقــادوا إلى داعي الشــرع ،راضــين مستســلمين دون
ﯨ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ حرج يجدونه في أنفسهم ،ﮋ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ
1
(?) سورة األنفال.24/
2
(?) أخرجه البخاري رقم 71وفي غير هذا الموضع ،ومسلم رقم .1037
ــ 3ـ
ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﮊ( ) ،وقصد الجميع هو االمتثال ألوامر هللا
1
ــ 7ـ
فالعلوم الدينية المختلفة ينبغي أن تستثمر في خدمة المجتمع ،مما يجعل
الحاجة إلى االجتهاد مستمرة ،واالختالف دائما رحمة ،ولكن داخل نسق عام
منظم وليس األمر فوضى ال ضابط له.فإذا كانت هناك اجتهادات فقهية عديدة
في مسألة واحدة ،وهي كلها صحيحة شرعا ،فاإلنسان حر في االختيار،
ولكن ينبغي أن يستحضر هذا اإلنسان دائما أنه ال يعيش وحده في جزيرة
معزولة ،وإنما يعيش في مجتمع له وحدته ومرجعيته ،فال يحق له أن يفرض
اختياره الفردي على المجتمع بكاملة،ـ فيكون قد خرج عما هو سائد ومشترك
عام بين جميع أفراده ،ويصبح هذا اإلنسان هادما لمجتمعه بنية بناءه ،وضارا
له بنية نفعه ،ومخربا له بنيةـ إصالحه ،ألن القاعدة أن ما يناسب ويصلح
لجماعة من الناس في بيئةـ معينةـ قد ال يصلح لجماعة أخرى في بيئة مغايرة
متميزة بخصوصياتها الجغرافية والثقافيةـ والتاريخيةـ والحضارية.ـ
أيها السادة األفاضل
إن الموضوع الذي يتمحض هذا الملتقى لدراسته يكتسيـ أهميةـ بالغة،ـ
ألنه يستجيب لمنطق األولويات الملحة التي يمليهاـ عليناـ واقعنا الديني،ـ بفعل
تعقد طبيعةـ الحياة ،وتسارع وتيرة التطور والتجدد في كل مجاالتها ،مما
يجعل االهتمام بفقه النوازل أمرا ضروريا،
وهو موضوع كما تعلمون واسع متشعب،ـ سواء في جانبه التاريخي
واالجتماعيـ الثقافي ،أو في جانبهـ األصولي لبيانـ خصائصه ،من أجل وضع
ضوابط للفتوى في القضايا المعاصرة والتأصيل الشرعي لها ،ولضبط
منظومة الفتوى عموما في بالدنا ،فهي ـ كما ترون ـ مسؤولية ثقيلةـ ومهمة
جليلة.
إن فقه النوازل كما تعملون من أدق مسالك الفقه وأهمها وأصعبها ،ألن
معناها النظر في مسائل لم تطرق من قبل ولم يرد فيها للسلف قول ،إنها
باختصار ،وضع أحكام شرعية لوقائع طارئة ،بكل ما يتطلب ذلك من ضوابط
شرعية ،تفنن في تحديدها العلماء ،حتى ال يتجرأ على الفتوى من ليس مؤهال
لذلك ،فـ«فََأ ْج َرُؤ ُك ْم َع َلى ال َف ْت َوى َأ ْج َرُؤ ُك ْم َع َلى النَّا ِر» ،كما جاء في األثر ،وأثر،
سَألُو ُه َع ْن ُه َف ُه َو عن ابن مسعود أنه قالَ (( :منْ َأ َج َ
اب النَّ َ
اس عَنْ ُك ِّل َما َ
َم ْجنُونٌ )).
وفي هذا قال اإلمام مالك (( :ما شيء أشد علي من أن أسأل عن
مسألة من الحالل والحرام ،ألن هذا هو القطع في حكم هللا ،ولقد أدركت أهل
العلم والفقه في بلدنا ،وإن أحدهم إذا سئل عن مسألة كأن الموت أشرف عليه،
ورأيت أهل زماننا هذا يشتهون الكالم فيه ،ولو وقفوا على ما يصيرون إليه
غدا لقللوا من هذا.))...
ــ 8ـ
هذا أيها السادة األفاضل ،في زمن اإلمام مالك فماذا نقول نحن اليوم
في هذا الزمن الذي قويت فيه الجرأة على الفتوى من غير علم وال روع،
نسأل هللا الهداية.
أيها السادة األفاضل
ينعقد هذا الملتقى المبارك والجزائر ما تزال تعيش أجواء االحتفال بيوم
العلم الذي يصادف وفاة رائد النهضة اإلصالحية الجزائرية الحديثة ،المرحوم
اإلمام عبد الحميد بن باديس ،والمعنى الجليل الذي نحرص على إبرازه ألجيالنا
الناشئة في هذه المناسبة هو أننا نؤمن بأن العلم هو أساس كل نهضة وتقدم،
ولكننا نؤمن في الوقت نفسه أن هذا العلم قد يستحيل إلى معول هدم إذا لم
يحصن بعقيدة دينية وبمنظومة قيم أخالقية تضمن تسخيره إلسعاد اإلنسان ال
إلشقائه ،وتضمن توظيفه لعمارة األرض ال لخرابها ،وهي المعاني التي يرمز
إليها ابن باديس رحمة هللا ،الذي لخص أهمية العلم في إيجاز معجز عندما قال:
((العلم هو وحده اإلمام المتبع في األقوال واألفعال والمعتقدات)).
فالغايةـ الساميةـ من إحيائناـ لهذه الذكرى هي أن نجعل من هذا اإلمام
العالم قدوتنا نستلهم من حصيلة اجتهاده ومن سيرته ما يحقق لنا العزة
والمناعة ،ألن ابن باديس لم يكن عالما نظرياـ يعيش في أجواء بعيدة عن
واقعه وواقع أمته،ـ بل كان كما قال(( :يعيش لإلسالم وللجزائر ،إذ ال يخدم
دينه من ال يخدم أمته ووطنه)).
وابن باديس خير مثالـ للعالم الذي كان يجاهد من أجل الحفاظ على
المرجعية الدينيةـ الفقهية للجزائر ،وكان شديد اإلنكار على من يتصدر لإلفتاء
من غير علم ألنه يرى أن آفة المجتمع أن يتجرأ فيه الجاهلون على الدين
واإلفتاء فيه بال مؤهل ،وكأنه يتحدث عن واقع بعض المسلمين اليوم الذين
يدفعهم غرورهم إلى ارتكاب ما نهى هللا ورسوله × عنه ،فيسيئون إلى دينهم
وأمتهم ألنهم يفتون من غير علم من جهة ،ومن جهة أخرى يستهينون
بالمرجعية الفقهية لمجتمعهم باعتمادهمـ فتاوى قد تصلح لمجتمع آخر له
خصوصياته ومميزاته ،نسأل هللا الهداية.
هذا ،وإني إذ أجدد لكم اإلعراب عن سعادتي بوجودي بينكم،ـ أعلن عن
االفتتاح الرسمي لهذا الملتقى،ـ الذي بادر السيد الوالي ـ مشكور ومأجور إن
شاء هللا ـ بإطالقـ اسم عالمنا الرّاحل محمد باي بلعالم عليه ،وأنا بدوري
أتبرك باختتامـ كلمتي هذه بالدعاء الذي كان يردده دائما ~(( :اللهم إنا نسألك
في الدنيا الستر والسعادة ،وعند الممات النطق بالشهادة ،وبعد الموت الحسنى
وزيادة)).
والسالم عليكم ورحمة هللا تعالى وبركاته
ــ 9ـ
ـ10 ــ
كلمة والي والية عين الدفلىـ
السيد عبد القادر قاضي
ﭑﭒﭓﭔ
والصالة والسالم على أشرف المرسلين وعلى آله وأصحابهـ أجمعين
وعلى التابعينـ ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
ـ السيد األمين العام لوزارة الشؤون الدينية واألوقاف
ـ معالي السادة الوزراء
ـ السادة نواب المجلس بالغرفتين األولى والثانيةـ
ـ السادة الوالة
ـ السادة رؤساء المجالس الشعبيةـ الوالئية
ـ السادة إطارات الجيش واألمن
ـ السيد النائب العام والسيد رئيس مجلس قضاء الشلف
ـ أصحاب الفضيلة السادة العلماء وضيوف الشرف وشيوخ الزوايا
ـ السادة عمداء الجامعات.
ـ أبناءنا الطلبة
ـ السادة األئمة
ـ السادة رجال األعمال
يشرفني أن أرحب بكم وأشكركم على تلبية الدعوة لحضور الطبعة
السادسة للملتقى الدولي للمذهب المالكي الذي نالت والية عين الدفلى شرف
احتضانه تحت مظلة األسبوع الوطني للقرآن الكريم برعايةـ ساميةـ لفخامة
رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقةـ حفظه هللا.
أيها السادة
ينعقد هذا الملتقى المبارك والجزائر على أبواب نهايةـ االحتفاالت
بذكرى يوم العلم السادس عشر أفريل تخليدا لوفاة العالمة الشيخ عبد الحميد
بن باديس ~ وتستعد لالحتفال بعيد الشغل العالمي مم يؤكد وعي الجزائر
بأهميةـ العلم والعمل على اعتبار أن أحدهما ظهير اآلخر فالعمل للدنيا ال
يفضله العمل لآلخرة إذا كان نافعا.
ــ 11ـ
فالقرآن الكريم حينما أمر بالسعي لصالة الجمعة ندب بعدها إلى
ﭮ االنتشار في األرض لطلب الرزق قال تعالى:ـ ﮋﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭯ ﭰ ﭱﮊ(.)1
فالتقدم الحاصل عند األمم قديما وحديثا أساسه العلم والعمل ولذلك ال
تزال األمم المتحضرة تنظر إلى الفرد بقيمت عمله وتزنه من خالل مكاسبه
ومعارفه وما قدمه من جهد خدمة ألمته.
ونحن أيها السادة إذ كنا نطمح إلى التقدم والرقي ال بد أن نتمكن من
وأن ظاهرة الخيرية لألسالف بناء ذاتنا بناءا صحيحا ال يشوبه نقص ،سيما ّ
استولت على عقولنا ردحا من الزمن وكادت تشل حركة تفكيرنا وشاع بيننا
بأن الجيل السابق خير من الجيل الالحق وهذه حقيقة ال مرية فيها بيد أنها ال
ينبغيـ أن تكون عائقاـ أمام نهماتـ عقولنا وتدفعنا إلى التوقف عن استشراف
المستقبل لنستنزل الحلول التي أوجدوها لمشاكلهم على واقعنا وفق ما يقتضيه
الحال ذلك ألن اإلقتداء بالسلف الصالح ليس في التقوقع على العلوم التي
استنبطوهاـ أو االنتسابـ المظهري ولكن البد أن نتبنىـ حلوال لمستجداتناـ
خاصة وأن القرآن الكريم ما يزال فيه فيض من علوم لم نهتد إليها.
وصدق هللا إذ يقول :ﮋﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﮊ( ،)2فاإلسالم
قادر في كل عصر على إعطاء الحلول لكل المشاكل ألنه صالح لكل زمان
ومكان أو باألحرى مصلح لكل زمان ومكان.
إن حاجتنا اليوم إلى الكفاءات العلمية في مجال الفتوى واستخراج
األحكام وخصوصا في ظل التناقضات التي يفرزها واقعنا المتغير ونحن
جزء من هذا العالم الذي ازدادت فيه وتيرة التطور وتجاسر على الفتوى
أدعياء العلم الذين قل زادهم وشحت معرفتهم بكتابـ هللا فأخضعوا نصوصهم
ألهوائهم وأولها تأويال زائفا بلي أعناقها وكسر أغصانها فضلوا وأضلوا.
أيتهاـ السّيدات أيها السادة
لقد كان ألسالفنا رؤية سديدة ونظرة واسعة دقيقة لجميع شؤون حياتهم
في نطاقـ عقيدتهمـ وشريعتهم بما كانوا يضعونه من حلول تشريعية لكل جديد
لم يرد فيه نص صريح من كتابـ أو سنة فتركوا بذلك رصيدا فقهيا ضمن
للشريعة حيويتها وقدرتها على احتواء كل جديد ما أحوج أمتنا اليوم إلى فقه
واقعي يرعى مصالح األمة ويرشد أفعالها ومن نعم هللا على أمة اإلسالم أن
زمانها ال يخلو من علماء ومجتهدين يربطون الواقع المستحدث بأحكامهاـ
الشرعية وفق ضوابط وشروط االجتهاد المعروفة لدى أصحاب
1
(?) سورة الجمعة.10/
(?) سورة اإلسراء.85/ 2
ــ 12ـ
االختصاص.و علماؤنا قديما وحديثا لم يدخروا جهدا في خدمة اإلسالم
ف ُعدُولُهُ، والنهوض به ،عمال بمقتضى قوله × «يَ ْح ِم ُل َه َذا ال ِع ْل َم ِمن ُك ِّل َخلَ ٍ
الجا ِهلِينَ ». يَ ْنفُونَ َع ْنهُ ت َْح ِريفَ ال َغالِينَ َ ،وا ْنتِ َحا َل ال ُم ْب ِطلِينَ َ ،وتَْأ ِوي َل َ
حالة إلى حالة إلى دراسة موضوعية وفهم عميق وهذا شرط البد أن
يتوفر فيمن يترشح لمعالجة قضايا األمة وهذا ما أقر عليه رسول اله × معاذ
ضيضي يَا ُم َعا ُذ؟ قَا َلَ :أ ْق ِ بن جبل لما بعثه إلى اليمن قاضيا فقال« :بِ َم تَ ْق ِ
ول هَّللا ِ × .قَا َل: س ِ ب هَّللا ِ؟ قَا َل :فَبِ ُ
سنَّ ِة َر ُ ب هَّللا ِ .قَا َل :فَِإنْ لَ ْم ت َِج ْد فِي ِكتَا ِبِ ِكتَا ِ
ب هَّللا ِ؟ قَا َلَ :أ ْجتَ ِه ُد َرْأيِي َواَل
فَِإنْ لَ ْ ِ ِ ُ ِ َ ُ ِ ِ َ ِ ِ ِ
َا تك ي ف اَلو × هَّللا ولس ر ة َّ نس ي ف د
ْ َج ت م
آلُو.»...
فـاـلـعـلـوـمـ اـلـفـقـهـيـةـ دـاـئـرـةـ رـحـبـةـ تـضـمـ دـاـخـلـ أـقـطـاـرـهـاـ كـلـ أـفـعـاـلـ
اـلـمـكـلـفـيـنـ وـتـسـتـوـعـبـ جـمـيـعـ تـصـرـفـاـتـهـمـ إـمـاـ بـنـصـ أـوـ قـاـعـدـةـ وـهـذـهـ اـلـشـمـوـلـيـةـ
مـنـ خـصـاـئـصـ اـإلـسـالـمـ فـهـوـ الـ يـدـعـ فـجـوـةـ يـقـوـمـ بـسـدـاـدـهـاـ غـيـرـهـ،ـ ﮋـﭯـ ﭰـ ﭱـ
ﭲـ ﭳـ ﭴـﮊـ(ـ )1ـ.ـ
أيتها السيدات أيها السادة
إن عزائم الشريعة التي كلف بها المؤمنون ليست أغالل في األعناق أو
قيودا في األقدام إنما هي أعمال تجمع بين الوفاء بحقوق هللا والضمان
لحظوظ الناس ومن الخطأ أن نحسب الدين أفعاال مرهقة أو واجبات مضنية
ألن اإلسالم جاء لرفع الحرج عن الناس فاألمر إذا بلغ حد المشقة والعنت،ـ
جاء لطف هللا برفع الحرج عن الناس يقول هللا تعالى :ﮋﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ
ﯝ ﯞﮊ(.)2
فاإلسقاطاتـ الحكمية واالستدالالت النصية لصور كثيرة من التعامالت
المستحدثة تحتاج إلى أولى الرسوخ في العلم ذلك ألن المتتبعـ لفقه السادة
المالكية يجده واسع النظرة فاستطاع بذلك أن يستوعب كل األبواب الفقهية
باجتهادات رجاله وبتفصيالته لمختلف الفروع والجزئيات وهو فقه أحاط
بالحياة السياسيةـ واالقتصادية واالجتماعيةـ إحاطة واعيةـ متبعاـ في ذلك الدليل
الشرعي ومتوخيا مصلحة الفرد والجماعة.وفق ما أسسه المذهب المالكي من
أصول وقواعد وما خلفه من ثروة فقهية تعد كنزا ثمينا بين يدي فقهائنا اليوم
نفتح لهم المجال واسعا لتبينـ أحكام هللا فيما ال نص فيه للقضايا والنوازل
خاصة في إطار األصول المتبعة من مصلحة مرسلة وسد الذرائع ،فالمدرسة
المالكية برهنت عبر العصور على أنها قادرة على المواكبة وإمداد الناس بما
يحتاجونه وإسعافهم بما يكون لهم عونا على معرفة دينهم.
ــ 13ـ
فالناس باستمرار تواجههم حاالت طارئةـ تقتضيهاـ تطورات الحياة
وهي تستلزم حلوال عاجلة فاستطاع المالكية بما لمذهبهم من تنوع في
األصول ومرونة في االجتهاد واعتبارـ للمصالح أن يواجهوا ذلك بفهم سليم
قائم على الدليل الشرعي دون تعطيلـ لنص أو تفويت لمصلحة ألنه فقه
واقعي مما مكنه من االستمرار والثبات في أنحاء كثيرة من العالم اإلسالمي
ومنها على الخصوص منطقة المغرب العربي والغرب اإلسالمي.
كما جاء في عنوان ملتقاناـ هذا فقه النوازل في الغرب اإلسالمي
وكالمنا هذا ال يعنيـ أننا نلغي المذاهب األخرى التي لها فضل كبير في خدمة
اإلسالم ألن اإلسالم أوسع من أن يحتويه مذهب من المذاهب وقدوتنا في ذلك
مالك الذي رفض الهيمنةـ لمذهبه واعتبر ذلك تضييقاـ على األمة فاإلسالم ال
يضيف بالنزعةـ العقلية أو بالمنهاج المتميز في االجتهاد بل يبارك ذلك
ويدعوا إليه ألن االختالف في المفاهيم والرأي أمر طبيعيـ ينسجم مع خاصية
التنوع التي يقرها اإلسالم دين التيسير والتبشيرـ فما اشتد حاجتنا اليوم إلى
فقه ميسر واقعي يحتوي مصالح الناس في ظل أحكام الشريعة.
ولذلك أيها السادة العلماء إن مسؤوليتكم جسيمة تجاه خدمة دين هللا
وتبيين أحكامه وحكمه ألنكم األعرف بأسراره وكنتم وال تزالون وستظلون
محل ثقة األمة ومظنة خير عندها فمن واجبكم أن تأخذوا بزمام األمور
وتتصد وا لكل االجتهادات القاصرة واآلراء الصبيانيةـ ألن معرفة األحكام
وسبل استخراجها ال يتوقف على القراءة المجردة أو المطالعةـ الجوفاء ولكن
يحتاج إلى عقل رصين ولب حصيف يستكنـ من الغوص في أعماق
مكنوناتهاـ فالقرآن تبيان لكل شيء ﮋﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﮊ(.)1
وال شك أن ملتقاكم هذا سيساهم بشكل عملي في زيادة إثراء هذا
الموضوع الهام والحساس الذي نحن في أمس الحاجة إليه ألنه محل اهتمام
العلماء وبدون ريب ستتوصلون بما وهبكم هللا من علم غزير وفكر ثاقب إلى
ما يمهد الطريق للوصول إلى متطلبات األمة وتحقيق غايتها وذلك من خالل
ما رصد من محاضرات وما يتبعهاـ من تعقيبات ومناقشات نتمنى لكم
التوفيق والسداد وإقامة طيبة بين أهلكم في والية عين الدفلى.
والسالم عليكم ورحمة هللا تعالى وبركاته.
ــ 14ـ
والي والية عين الدفلى
ــ 15ـ
مـدـخـلـ إـلـىـ فـقـةـ اـلـنـوـاـزـلـ
دـ/ـنـصـيـرـةـ دـهـيـنـةـ
كلية العلوم اإلسالمية جامعة الجزائر
الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم على سيدنا محمد وعلى آله
وأصحابه الطيبينـ الطاهرين،ـ ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،وبعد:
فإن من أبرز سمات هذا العصر كثرة النوازل والمستجدات التي لم تكن
معروفة من قبل ،واالجتهاد في هذه النوازل أصبح من األمور الضرورية في
حياة الناس ،وهذا يلقي مسؤولية عظيمة على علماء األمة لبيان الحكم الشرعي
فيها.
ولما كان فقه النوازل من أبواب الفقه الضرورية للناس ،لزم التقديم له ّ
بمدخل منهجي ،يتم من خالله التعريف بفقه النوازل ،وبيان األلفاظ ذات
الصلة به ،والفروق بين األلفاظ المرادفة والمشابهة ،وأنواع النوازل ،مع
اإلشارة على بعض المؤلفات في فقه النوازل.
تعريف فقه النوازل
أوال ـ باعتبار مفرديه الفقه ـ النوازل
1ـ تعريف الفقه
الفقه لغة :مصدر من فقِهَ أو فقَهَ ،ويقال أيضا فقُهَ ،فالفاء والقاف
والهاء ،أصل واحد صحيح ،يدل على إدراك الشيء والعلم به ،تقول فقهت
الحديث أفقهه ،وكل علم بشيء فهو فقه ،ثم اختص ذلك بعلم الشريعة ،فقيل
لكل عالم بالحالل والحرام فقيه(.)1
طنَةُـ))(.)2
وعرفه صاحب القاموس المحيط بأنه:ـ ((ال ِع ْل ُم بالشي ِء والفِ ْ
ـ فالفقه في اللغة :العلم بالشيء والفهم له ،وقيل الفهم فحسب ،وقد جاء
لفظ الفقه بمعنى الفهم ،كما جاء بمعنىـ العلم في القرآن والسنة.ـ
ﰁ ﰂ ـ بمعنىـ الفهم :كما في قوله تعالى:ـ ﮋﯽ ﯾ ﯿ ﰀ
ﰃ ﰄ ﮊ( )3أي يفهمونه.ـ
1
(?) انظر :ابن فارس ،معجم مقاييس اللغة.)4/442( ،
2
(?) الفيروز آبادي.)2/1642( ،
3
(?) سورة النساء.78/
ــ 16ـ
ﯥ ﯦ ﯧﯨﮊ( )1أي وفي دعاء موسى عليه السالم ﮋﯡ ﯢ ﯣ ﯤ
يفهمونه.
ـ بمعنىـ العلم :جاء لفظ الفقه بمعنىـ العلم في قوله تعالى :ﮋﯭ ﯮ ﯯ
ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﮊ( )2أي ليكونوا علماء به. ﯰ
()3
الدينِ» .
خْيًرا يَُفِّقْهُه ِفي ِّ
هللا ِبِه َ
«منْ يُِرِد ُ
ـ أما في السنة فقوله ×َ :
()4
«يَفِّقهُْه» أي يفهمهـ . قال الحافظ ابن حجر في الفتح :قوله ُ
واألحاديث واآلثار في ذلك كثيرة.
الفقه اصطالحا
كان الفقه في عرف الصدر األول يراد به معرفة علوم الدين من
الكتاب والسنة،ـ وما يتعلق بهما مطلقا ،دون تفريق بين أصول الدين
وفروعه.
ثم خصه المتأخرون بالعلم باألحكام الشرعية العملية دون العقدية.ـ
ومن التعاريف الواردة في هذا الباب:
الفقه(( :هو العلم باألحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها
التفصيلية))(.)5
2ـ تعريف النوازل
النوازل لغة :جمع نازلة ،وهي اسم فاعل من نزل ينزل فهو نازل.
ومؤنثه نازلة ،وتجمع على نازالت ،وهو جمع قياسي ،ولهذه المادة أو
الجذر(ن ز ل) معاني لغوية عديدة ،نذكر منها:
أ ـ التهيئة :فما يهيأـ للضيف يسمى نُزال ،يقال أنزله منزلتهـ إذا هيأ له
نُ ُزال يناسبه.
ب ـ الحلول واالستقرار :تقول نزل ينزل منزال ،إذا حلَّ.
ج ـ الترتيب:ـ نُ ّزل تنزيال أي رُتب ترتيبا.
د ـ التزكيةـ والنماء :ومنه قول العرب هذه أرض ن َْزلَة أي زاكية
الزرع.
1
(?) سورة طه 27/ـ .28
2
(?) سورة التوبة.122/
3
(?) رواه البخاري في صحيحه عن معاوية في مواضع منه أولها ( كتــاب العلم /35بـاب
من يرد هللا به خيرا يفقه في الـدين) رقم ،)1/216( 71ومسـلم في صـحيحه في مواضع
أولها في كتاب الزكاة /باب النهي عن المسألة رقم 1037وغيرها.
4
(?) فتح الباري شرح صحيح البخاري.)1/316( ،
5
(?) الزركشي ،البحر المحيط.)1/21( ،
ــ 17ـ
هـ ـ الشدة من شدائد الدهر تنزل بالناسـ(.)1
يقال نزلت بهم نازلة ونائبةـ وحادثة ثم آبدة وداهية وباقعة ،ثم نائقة،ـ
وحاطمة وفاقرة ،ثم غاشية وقارعة ،ثم حاقة وطامة وصاخة(.)2
وهذا التقسيم اللغوي بالنسبة للنوازل باعتبارـ درجة ومرتبةـ شدة هذه
النازلة بالناس.ـ
ومن أمثلة هذه النوازل :الحرب والوباء والقحط واألمطار والسيول
والفتن وما شابه ذلك.
النوازل اصطالحا :لها تعريف عام وخاص.
معان.
ٍ ـ التعريف العام :تطلق النوازل في كالم الفقهاء على عدة
المعنى المرادف للمعنى اللغوي :درج الفقهاء في القديم على
استصحاب المعنى اللغوي للنازلة ( ،)3وهو:
1ـ الشديدة :عرفوا النازلة بالشديدة من شدائد الدهر التي تحل على
القوم ،ومن ذلك القنوت في النوازل.
قال شيخ اإلسالم ابن تيميةـ ~(( :فيكون القنوت مسنونا عند النوازل،
وهذا القول هو الذي عليه فقهاء أهل الحديث ،وهو المأثور عن الخلفاء
الراشدين ،فإن عمر لما حارب النصارى قنت عليهم القنوت ،بل عمر
قنت لما نزل بالمسلمين من النازلة ،ودعا في قنوته دعا ًء يناسب تلك النازلة،
كما أن النبي × لما قنت أوال على قبائلـ بني سليم الذين قتلوا القراء ،دعا
عليهم بالذي يناسب مقصوده ،ثم لما قنت يدعو للمستضعفين من أصحابه دعا
بدعاء يناسب مقصوده))(.)4
2ـ الجائحة :في اللغة الشدة والنازلة العظيمة التي تجتاح المال من سنة أو
فتنة.
واصطالحا :النازلة التي تهلك الثمار واألموال وتستأصلها
كالفيضاناتـ والحريق الغالب (.)5
1
(?) انظــر :ابن منظــور ،لســان العــرب ،مــادة (نــزل) ( ،)11/656والفيــومي ،المصــباح
المنير ،ص (.)309
2
(?) أبو منصور الثعالبي ،فقه اللغة وسر العربية ،تحقيق فائز محمد ،ص(.)278
(?) انظر :عصام العنزي ،األزمة المالية العلمية نوازل وأحكام ،ص( 5ـ .)7 3
4
(?) الفتاوى.)23/109( ،
5
(?) محمد رواس قلعة جي ،معجم لغة الفقهاء ،ص (.)136
ــ 18ـ
3ـ النائبة :هي ما ينوب اإلنسان أي ينزل به من المهمات والحوادث،
واحدة نوائب الدهر ،وهي أيضا النازلة.
وفي هذا المعنى بوب البخاري باباـ عنونه بـ(( الدليل على أن الخمس
لنوائب رسول هللا × ،وإيثار النبي × أهل الصفة واألرامل)).
والسبب في عدم ذكر الفقهاء القدامى تعريفا اصطالحيا للنوازل
(يناسبـ النوازل في عصرنا) واستصحابهم المعنى اللغوي في تعريفهم:
ـ وضوح المعنى وشيوعيه،ـ عن علي قلت يا رسول هللا :األمر
«اجَمُعوا َلُه
ينزل بنا ليس فيه قرآن ولم تمض فيه منك سنة ،فقال ×ْ :
ضوا ِفيهِ ورى بَْينَُكمْ وََال َتْق ُ
ش َ
وه ُ
اجَعُل ُ
المؤِْمِنينَ َف ْ
ن ُ العابِِدينَ ِم َ
العَِالِمينَ أَِو َ
()1
احٍد» .
بَِرْأيِ وَ ِ
وعليه فالمعنى العام للنازلة ال يقصد به المعنى السائد حاليا.
ـ ويدل على ذلك أيضا أن اسم النازلة كان معروفا ،قول الشافعي ~:
((فليست تنزل بأحد من أهل دين هللا نازلة إال وفي كتابـ هللا الدليل ،على
سبيل الهدى فيها))(.)2
ومن أقوال الفقهاء
لقد شاع واشتهر عند الفقهاء إطالق النازلة على المسألة الواقعة
الجديدة التي تتطلب اجتهادا.
ـ قال ابن عبد البر(( :باب اجتهاد الرأي على األصول عند عدم
النصوص في حين نزول النازله))(.)3
ـ وقال النووي(( :وفيه اجتهاد األئمة في النوازل وردها إلى األصول))(.) 4
ـ وقال ابن القيم(( :وقد كان أصحاب رسول هللا × يجتهدون في النوازل))
(.) 5
1
(?) رواه الطبراني ورجاله ثقاة ،وفي رواية أخرى عنــه :أنه قــال :قلت يا رســول هللا إن
نزل بنا أمر ليس فيه بيان أمر وال نهي فما تأمرني؟ قال :شاوروا فيه الفقهاء أو العابــدين
وال تمضي فيه رأي خاصـــــــة ،أورده الخطيب البغـــــــدادي في الفقيه والمتفقه وأخرجه
الهيثمي في مجمع الزوائد (.)1/178
2
(?) الرسالة ،تحقيق أحمد شاكر ،ص.20
3
(?) ابن عبد البر ،جامع بيان العلم وفضله (.)2/55
4
(?) شرح صحيح مسلم (.)1/213
5
(?) إعالم الموقعين (.)1/203
ــ 19ـ
النوازل في اصطالح الحنفية
تطلق على الفتاوى والواقعات وهي مسائل استنبطها المجتهدون
المتأخرون ،لما سئلوا عن ذلك ،ولم يجدوا فيها رواية عن أهل المذهب
المتقدمين ،وهم أصحاب أبي يوسف ومحمد وأصحاب أصحابهما وهلم جرّا.
وعرفها ابن عابدين:ـ ((بأنها المسائل التي سئل عنها المشايخ
()1
المجتهدون في المذهب ،ولم يجدوا فيها نصا فأفتوا فيها تخريجا)) .
النوازل في اصطالح المالكية
خصوصا في بالد األندلس والمغرب العربي تطلق على ((القضايا
والوقائع التي يفصل فيها القضاة طبقا للفقه اإلسالمي))(.)2
التعريف الخاص (النوازل في العصر الحالي)
ـ النازلة هي(( :الحادثة التي تحتاج لحكم شرعي))(.)3
ـ النوازل هي(( :الوقائع الجديدة التي لم يسبق فيها نص أو اجتهاد))(.)4
ـ وعرفها الشيخ عبد هللا بن بيةـ بأنها(( :وقائع حقيقيةـ تنزل بالناس
فيتجهون للفقهاء بحثا عن الفتوى فيها ،فهي تمثل جانبا من جوانب الفقه
متفاعال مع الحياة المحلية لمختلف المجتمعات))(.)5
ـ وعرفها الدكتور عبد الناصر أبو البصل بقوله(( :تطلق كلمة النوازل
بوجه عام على المسائل والوقائع التي تستدعي حكما شرعيا))(.)6
ثانيا ـ تعريف فقه النوازل باعتباره علما ولقبا
ـ ((هو العلم باألحكام الشرعية للقضايا المستجدة المعاصرة))(.)7
العالقة بين علم الفقه وعلم فقه النوازل
وبهذا يظهر أن العالقة بين علم الفقه وعلم فقه النوازل هي على
العموم والخصوص الوجهي:
ـ ذلك أنهما يجتمعانـ في معرفة أحكام الوقائع العملية المستجدة.
1
(?) ابن عابدين،ـ رد المحتار على الدر المختار(.)1/35
2
(?) عبد اللطيف هداية هللا ،النوازل الفقهية في العمل القضائي المغربي ،ص(.)319
3
(?) قلعة جي ،معجم لغة الفقهاء ،ص.441
4
(?) مسفر القحطاني ،منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة ،ص(.)90
5
(?) عبد هللا بن بية ،صناعة الفتوى وفقه األقليات ص.17
6
(?) درسات فقهية في قضايا طبية معاصرة (المدخل إلى فقه النوازل) (.)1/602
7
(?) محمد الجــيزاني ،موســوعة فقه النــوازل ،)1/26( ،وانظر أيضــا :بكر أبو زيــد ،فقه
النوازل ،ومسفر القحطاني ،منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة.
ــ 20ـ
ـ ثم إن علم الفقه أعم من علم فقه النوازل من جهة أن الفقه يشمل
معرفة أحكام المسائل العملية ،سواء أكانت هذه واقعة أم مقدرة ،مستجدة أو
غير مستجدة.
ـ كما أن علم فقه النوازل أعم من علم الفقه من جهة أن فقه النوازل
يشمل األحكام الشرعية للوقائع المستجدة سواء أكانتـ هذه الوقائع عملية أو
غير عملية(.)1
األلفاظ ذات الصلة بالنوازل
هناك مصطلحات مرادفة أو مشابهةـ لها عالقة بمصطلح النازلة منها:ـ
1ـ الواقعة أو الواقعات :الواقعات جمع واقعة وهي مأخوذة من وقع
الشيء بمعنىـ نزل ،والواقعة النازلة الشديدة من صروف الدهر(.)2
الواقعة اصطالحا(( :الحادثة التي تحتاج إلى استنباط حكم شرعي لها،
المستجدة))(.)3
ِ والواقعات :الفتاوى المستنبطةـ للحوادث
والفقهاء يطلقون الواقعات على النوازل ،إال أن الظاهر أنهم ال يكادون
يستعملون لفظ الواقعات في العبادات وإنما في المعامالت.
وإطالق لفظ الواقعات على المسائلـ المستجدة فيه تعبيرـ عما يعانونه
من الشدة والصعوبة في البحث عن أحكامها.
وقد نبهـ غير واحد من الباحثينـ على أن الحنفية يطلقون مصطلح
النوازل والواقعات على كل مسألة لم يتكلم فيها علماء الطبقة األولى منهم.
بينماـ يطلق علماء بقية المذاهب هذين اللفظين على كل مسألة لم يجدوا
فيها كالما ألهل العلم قبلهم ،سواء كانوا من مذهبهم أم لم يكونوا(.)4
ومما ألف فيها :ـ الواقعات للصدر الشهير بابن مسعود.
ـ واقعات المفتين لعبد القادر بن يوسف الشهير بقدري أفندي(1085هـ).
2ـ الحوادث
لغة :جمع حادث أو حادثة ،ويقال لها األحداث ،يقال:ـ حدث الشيء بعد
أن لم يكن ،والحدث من أحداث الدهر :شبه النازلة(.)5
1
موقع المســــــلم) htt: (?) انظــــــر :ضــــــوابط فقه النــــــوازل ،ص( 2ـــــــ ،)3
)/almoslim.net/node/90202
2
(?) انظر :ابن منظور ،لسان العرب ( ،)8/403الفيومي ،المصباح المنير (.)2/921
3
(?) قلعة جي ،معجم لغة الفقهاء ،ص.468
4
(?) انظر :المستجدات ،ص.35
5
(?) انظر :ابن منظور ،لسان العرب.)2/132( ،
ــ 21ـ
وأظهر التعريفات للحدوث هو(( :أنه حصول الشيء بعد ما لم يكن))(.)1
وهو غالب استعمال الفقهاء واألصوليين ،ومن الذين رادفوا بينهماـ
وهبة الزحيلي في بحثه في مجمع الفقه اإلسالمي.
3ـ المستجدات
لغة :بكسر الجيم وفتحها ،مفردها مستجد ،ومنه جد الشيء يجد
بالكسر فهو جديد وهو خالف القديم(.)2
اصطالحا :اصطلح الباحثون على إطالق لفظ المستجدات على:
ـ المسائلـ الفقهية التي حدث أو أحدثت في هذا الزمان ،وليس لها حكم
ظاهر مفصل في المراجع الفقهية القديمة.ـ
ـ المسائلـ التي لم يتقدم فيها قول لمتبوع.
ـ المسائلـ التي تغيرت موجباتـ الحكم عليها بعاملـ الزمان والمكان أو
طبيعةـ حياة االنسان(.)3
ومما ألف في ذلك :فقه المستجدات في باب العبادات ،طاهر يوسف
صديق الصديقي.
4ـ األقضية واألحكام
ـ األقضية :جمع قضاء ويأتي في اللغة على معان متعددة ،أقربها إلى
المعنى الشرعي هو الحكم واإللزام.
القضاء اصطالحا(( :هو إظهار حكم الشرع في الواقعة فيمن يجب
عليه إمضاؤه))(.)4
ـ األحكام :مفردها حكم ،وهو العلم والفقه والفصل في األمر والقضاء .يقال
حكمت بين القوم إذا فصلت بينهم ،فأنا حاكم وحكم بفتحتين ،والجمع حكام(.) 5
ـ الحكم اصطالحا :هو إنشاء إطالق وإلزام في مسائلـ االجتهاد
المتقارب فيما يقع فيه النزاع لمصالح الدنيا(.)6
1
(?) الكفوي ،الكليات ،ص(.)400
2
(?) الفيومي ،المصباح المنير.)1/126( ،
3
(?) طاهر يوسف صديق الصديقي ،فقه المستجدات في باب العبادات ،ص(.)32
4
(?) الشربيني ،مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج.)4/373( ،
5
(?) انظر :الفيومي ،المصباح المنير.)1/200( ،
6
(?) القرافي ،اإلحكام في تمييز الفتــاوى عن األحكــام وتصــرفات القاضي واإلمــام ،ص(
.)33
ــ 22ـ
ـ ومما ألف فيها :الإحكام في تمييز الفتاوى عن األحكام وتصرفات
القاضي واإلمام لإلمام القرافي (ت684هـ).
5ـ األسئلة والسؤاالت والمسائل
ـ لغة :مفردها سؤال و ُسْؤ ل ومسألة ،وأصلها :سأل يسأل سؤاال وسؤال
ومسألة ،ورجل سَُؤلة :كثير السؤال(.)1
المسألة اصطالحا :هي القضية التي يبرهن عليها( .)2والنوازل يسأل
عنها ،والجواب ال بد له من برهان،ـ وهذا وجه تسميةـ النوازل بالمسائل،
والسؤاالت واألسئلة ،ومما ألف في ذلك:
ـ عيون المسائلـ ألبي الليث السمرقندي(ت393هـ).
ـ أنفع الوسائل إلى تحرير المسائل إلبراهيم بن علي العرسوسي (ت 785
هـ).
6ـ الفتاوى
جمع فتوى ،وهي اسم مصدر من أفتاه في األمر إذا أبانهـ له ،يقال
استفتى الفقيه فأفتاه ،واالسم الفتيا والفُتوى والفَتوى ويجمع على فتا ٍو ،وقد
يفتح تخفيفا(.)3
ـ الفتيا اصطالحا :تبيين الحكم الشرعي عن دليل لمن سئل عنه(.)4
وعرفها ابن الصالح بأنها:ـ ((توقيع عن هللا تبارك وتعالى))(.)5
ومما ألف في ذلك:
ـ فتاوى ابن رشد الجد (ت520هـ)
ـ فتاوى النوازل ألبي الليث السمرقندي(ت393هـ).
ـ الفتاوى الخيرية لنفع البرية لخير الدين الرملي(ت1081هـ).
7ـ التنزيل
تعريف التنزيل :تطلق كلمة التنزيلـ في اللغة ويراد بها ثالث معان:
ـ الترتيبّ :
نزل الشيء رتبه ترتيبا .ـ اإلسقاط :أسقط الشيء أوقعه وأنزله.
1
(?) انظر :ابن فارس ،معجم مقاييس اللغة ،ص(.)479
2
(?) الكفوي ،الكليات ،ص(.)857
3
(?) انظر :ابن منظور ،لسان العرب.)15/147( ،
4
(?) الموسوعة الفقهية الكويتية.)32/20( ،
5
(?) أدب المفتي والمستفتي ،ص(.)72
ــ 23ـ
ـ ما وصل من المأل األعلى ،وقد شاع استعمال كلمة التنزيلـ في القرآن
الكريم ،ومعناه إنزاله منجما(.)6
تعريف فقه التنزيل(( :هو الفهم العميق لكيفية تطبيق األحكام الشرعية
بما يحقق مقصود الشارع))(.)2
8ـ القضايا المعاصرة
من األلفاظ الشائعة اليوم ،ويراد بها النوازل التي لم توجد قبل هذا العصر.
فروق بين األلفاظ
أوال ـ الفرق بين النازلة والفتوى
ـ النازلة أخص من الفتوى ،فكل نوازلي مفتي ،وليس كل مفت
نوازليا.
ـ وليس كل مفت صالحا ألن يكون من علماء النوازل ،يشير إلى هذا
تقسيم ابن رشد المفتين إلى ثالثة أقسام :ـ مفت يحفظ ،ـ مفت يحفظ ويفهم ،ـ
ومفت بلغ درجة االجتهاد.
وهذا ما يفسر أن النوازليين كانوا دائما أقل من المفتين.
ثانيا ـ الفرق بين النوازل والوقائع والمستجدات
1ـ تطلق النوازل على المسائل الواقعة إذا كانت مستجدة ،وكانت
ملحة ،ومعنى كونها ملحة أنها تستدعي حكما شرعيا.
2ـ أما الوقائع :فإنها تطلق على كل واقعة مستجدة كانت أو غير
مستجدة ،ثم إن هذه الواقعة المستجدة قد تستدعيـ حكما شرعيا وقد ال
تستدعيه،ـ بمعنىـ أنها قد تكون ملحة وقد ال تكون.
3ـ المستجدات :تطلق على كل مسألة جديدة ،سواء أكانت المسألة من
قبيل الواقعة أو المقدرة.
ثم إن هذه المسألة الجديدة قد تستدعيـ حكما شرعيا وقد ال تستدعيه،
بمعنى أنها قد تكون ملحة وقد ال تكون(.)3
6
(?) انظــر :ابن منظــور ،لســان العــرب ،)6/294( ،والــرازي ،مختــار الصــحاح ،ص (
.)274
2
(?) وسيلة خلفي ،فقه التنزيل حقيقته وضوابطه ،ص(.)102
(?) انظر :ضوابط فقه النوازل ،موقع المسلم)htt: /almoslim.net/node/90202(. 3
ــ 24ـ
جوهر الفرق :إن النوازل يتعلقـ بها وال بد حكم شرعي ،أما الوقائع
والمستجدات فال يلزم أن يتعلقـ بها حكم شرعي.
ثالثا ـ الفرق بين فقه النوازل وفقه التنزيل
فقه التنزيلـ على وزن تفعيل،ـ وهو نظير التخريج والتفريع والتنظير
والتقعيد،ـ وكلها تصف فعل المجتهد ،بحيث يقوم المجتهد فيها بتنزيلـ الحكم
الشرعي المعلوم إما من جهة النص أو من جهة االستنباطـ على الواقعة
المعروضة عليه،ـ وهي الواقعة أو النازلة.
وعناصر االتجاه النوازلي ثالثة هي:
1ـ النوازل :وهي الوقائع الفائتة،ـ وهي على نوعين؛ـ متعديةـ أو
قاصرة.
2ـ النوازلي :وهو العالم المجتهد المالك لقدر كبير من الخبرات
والتجارب العلمية في مختلف مجاالت الحياة.
3ـ التنزيل :فنظر العالم النوازلي في النازلة مرتبط بثالثةـ مراحل:
ـ تصور النازلة.
ـ تحقيق المناط.ـ
ـ التنزيل :ويكون إما بالربط بين النازلة ونازلة أخرى شبيهةـ لها،
وإما باالستدالل بالنص أو بنصوص المذهب أو بالقياسـ على نظيراتها ،وإما
باالستقراء بتغليبـ القصد على اللفظ(.)1
وبهذا يتضح أن الفرق بين فقه النوازل وفقه التنزيل ،أنهما يبحثان في
الوقائع والنوازل معا ،ويختص فقه النوازل بكونه يبحث في حكم الواقعة أو
النازلة.
بينماـ فقه التنزيلـ يقوم المجتهد فيه بتنزيلـ هذا الحكم الذي استفاده من
جهة النص أو حتى من جهة االستنباط.ـ
أسماء العلم الذي يعنى بالنازلة
يطلق على العلم الذي يعنىـ بالنازلةـ عدة مصطلحات منها:
ـ فقه النوازل :ومن أشهر المؤلفات الحديثة فيه :فقه النوازل للشيخ بكر أبو
زيد.
1
(?) انظـــر :نـــدوة في فقه النـــوازل في الغـــرب اإلســـالمي ،ملتقى المـــذاهب الفقهيـــة،
والدراسات العلمية)htt: /www.mmf/vb/t3243.html( :
ــ 25ـ
ـ فقه الواقع :أي فقه الحياة التي يعيشهاـ الشخص ،وفقه الواقع يحدد
الضوابط المنهجيةـ في كيفية التعامل مع النص الشرعي الثابت والواقع
العملي المتغيى ،ومما ألف فيه:
ـ فقه الواقع وأثره في االجتهاد :ماهر حسن حصوة.
ـ فقه الواقع أصول وضوابط :أحمد بوعود.
ـ فقه األولويات :يعني أن النازلة سواء كانتـ للفرد أو المجتمع فهي
أولى بالبحثـ واالستقصاء ،وإبراز الحكم من غيرها ،فهي من األولويات في
هذا الجانب ،ومما ألف فيها:
ـ فقه األولويات،ـ دراسة في الضوابط :محمد الوكيلي.
ـ فقه األولويات:ـ الشيخ يوسف القرضاوي.
ـ فقه األولويات :سلمان بن فهد العودة.
ـ فقه المقاصد :مقاصد الشريعة هي مولدة للنوازل ،فالنوازل أحكامها
تستنبطـ من مقاصد الشريعة وتعلل بها ،ومما ألف فيها:
ـ فقه المقاصد في نوازل وقضايا المعيار للونشريسي،ـ دراسة تحليلية
تأصيلية مقارنة ،خالد ميلود عبد القادر سماحي.
ـ فقه الموازنات :إن من أبرز الوسائل إليضاح فقه النازلة ،الموازنة
بينها ما يشبهها أو يقاربها ،ومما ألف فيها:
ـ فقه الموازنات بين النظريةـ والتطبيق :ناجي إبراهيم السويد.
ـ فقه الموازناتـ بين المصالح والمفاسد دراسة أصولية فقهية تطبيقية:ـ
جبريل بن محمد بن حسن البصيلي.
أنواع النوازل :تنقسم النوازل باعتباراتـ متعددة إلى ما يلي(:)1
أوال ـ تقسيم النوازل بالنظر إلى موضوعها :تنقسم إلى:
1ـ نوازل فقهية :وهي ما كان من قبيل األحكام الشرعية العملية.
2ـ نوازل غير فقهية :مثل النوازل العقدية كظهور بعض الفرق
والنحل والصور المستجدة للشرك...ومثلـ المسائلـ اللغوية المعاصرة.
ثانيا ـ بالنظر إلى أبواب الفقه
هناك نوازل في العبادات وفي المعامالتـ وفي النكاح وفي الجناياتـ
والحدود واألقضية ،وهي تختلف باختالفـ خصائصها.
1
موقع المســـــــلمhtt: . (?) انظـــــــر :ضـــــــوابط فقه النـــــــوازل ،ص 2ــــــــ ،3
)/almoslim.net/node/90202
ــ 26ـ
1ـ نوازل العبادات تكون في مسائلـ فردية أو فرعية ،والسبب أن
األصل في العبادات المنع والحظر حتى يثبت الدليل ،لذا جاء الخالف في
العبادات من الندرة بمكان ،وهي قليلة مقارنة بنوازل المعامالت وأبواب الفقه
األخرى.
2ـ نوازل المعامالت :تمتاز بالكثرة والتوسع ،ألن األصل في
المعامالت اإلباحة ،كما تمتاز بالتقعيد في غالب األحيان،ـ كبيوع الديون
المحرمة ،والتأمينـ والرهن...
3ـ نوازل أحكام األسرة :كثيرة جدا وهي محل نظر واجتهاد
لخطورتها،ـ ألن األصل في األبضاع التحريم ،وتمتاز بالتقعيد ،مثل أطفال
األنابيبـ والتلقيح االصطناعي.
4ـ نوازل الجنايات والحدود واألقضية :وهي قليلة بالنسبة لغيرها،
مثل إعادة زرع العضو المقطوع حداً أو قصاصا.
ثالثا ـ بالنظر إلى الرجل والمرأة
1ـ نوازل خاصة بالرجل مثل نوازل الخالفة واإلمامة ونحوها.
2ـ نوازل خاصة بالمرأة مثل موانع الحمل.
رابعا ـ بالنظر إلى اإلفراد والتركيب
1ـ نوازل مفردة :مثل غسيل الكلى وأثره في الطهارة.
2ـ نوازل مركبة :مثل المراصد الفلكية وأثرها في تحديد أوقات
العبادات.
خامسا ـ بالنظر إلى كثرة وقوعها وسعة انتشارها
1ـ نوازل ال يسلم في الغالب أحد من االبتالء بها ،كالتعامل باألوراق
النقدية.
2ـ نوازل يعظم وقوعها كالصالة في الطائرة والتعامل بالبطاقاتـ
البنكية.ـ
3ـ نوازل يقل وقوعها ،كمداواة تلف عضو في حد بسبب جريمة وقعت
منه.
4ـ نوازل قد انقطع وقوعها واندثرت وصارت نسيا منسيا ،كاستخدام
المدافع والبرقيات في إثباتـ دخول شهر رمضان وخروجه.
سادسا ـ بالنظر إلى جدتها
1ـ نوازل لم يسبق وقوعها من قبل ال قليال وال كثيرا ،مثل أطفال
األنابيب.
ــ 27ـ
2ـ نوازل سبق وقوعها من قبل ،لكنها تطورت من جهة أسبابهاـ
والواقع المحيط بها ،وتجددت في بعض هيئاتها وأحوالها حتى صارت بهذا
النظر كأنها نازلة جديدة ،مثل بيوع التقسيط والعملياتـ الطبيةـ الجراحية.
سابعا ـ بالنظر إلى مكانها
1ـ نوازل واقعة بجميع األماكن ،ال تختلف في وقوعها من بلد أو
مدينة أو قرية أخرى ،ويمكن أن يمثل لها باألوراق النقدية فإن جميع األقطار
تتعاملـ بها.
2ـ نوازل ال تقع إال في أماكن معينة ،مثل االستمطار بالطرق
الحديثة ،والنوازل المتعلقةـ باألقلياتـ اإلسالمية.
ثامنا ـ بالنظر إلى تكرارها
1ـ نوازل يكثر وقوعها وتكررها في المجتمع ،مثل التأمينـ والمتاجرة
باألسهم ،واستعمال موانع الحمل الحديثة.
2ـ نوازل يقل حدوثها مثل الصعود إلى الفضاء الخارجي.
تاسعا ـ بالنظر إلى وضوحها
تنقسم النوازل باعتبارـ وضوحها من عدمه إلى قسمين:
1ـ نوازل واضحة الحكم ،مثل ربا البنوك واالكتساب في شركات صنع
الخمور.
2ـ نوازل يكتنفها غموض وإشكاالت مثل :بعض صور اإليجار
المنتهي بالتمليك،ـ وبعض صور القبض المعاصرة.
وعدم وضوح حكم النازلة له أسباب عديدة منها:ـ
جدتها المطلقة،ـ وعدم وجود أبحاث كافية حولها ،الغموض في
صورتها ،تعدد صورها....
أهمية دراسة فقه النوازل
1ـ إنارة السبيلـ أمام الناس بإيضاح حكم هذه النازلة حتى يعبدوا هللا
على بصيرة وهدى ونور.
2ـ إنقاذ األمة من اإلثم ،ألن المعرفة والبيان ألحكام النوازل فرض
كفائي ،إذا قام به من يكفي أسقط اإلثم عن سائر األمة ،وإال أثمت األمة بأسرها.
ــ 28ـ
3ـ كسب األجر والمثوبة من هللا لقوله × «ِإ َذا َح َك َم ا ْل َحا ِك ُم فَ ْ
اجتَ َه َد
اجتَ َه َد ثُ َّم َأ ْخطََأ فَلَهُ َأ ْج ٌر» (.)1 اب فَلَهُ َأ ْج َر ِ
ان ،وَِإ َذا َح َك َم فَ ْ ص َثُ َّم َأ َ
4ـ براءة الذمة من وجوب إبالغ العلم وعدم كتمانه.ـ
5ـ بيان كمال الشريعة اإلسالمية وصالحها لكل زمان ومكان ،قال
تعالى :ﮋﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮊ(.)2
6ـ إبراز قدرة الفقه اإلسالمي وفاعليته لتقديم الحلول الناجعة التي
تستجيب لواقع العصر وتحدياته.ـ
7ـ قطع الطريق على المطالبينـ بتحكيمـ القوانين البشرية األرضية
وتنحية الشريعة الربانيةـ(.)3
الخاتمة
الحمد هلل الذي وفقني إلتمام هذا البحث الذي من خالله توصلت إلى
النتائجـ التالية:
1ـ ورد مصطلح النوازل على لسان كثير من الصحابة والتابعين
والعلماء.
2ـ كان أصحاب رسول هللا × يجتهدون في النوازل ،وكذا فعل
التابعون وأئمة المذاهب الفقهية األربعة ومن جاء بعدهم من العلماء
المجتهدين.
3ـ النازلة هي الحادثة التي تحتاج إلى حكم شرعي.
4ـ فقه النوازل هو العلم باألحكام الشرعية للقضايا المستجدة
المعاصرة.
5ـ فقه التنزيلـ هو تطبيقـ الحكم الشرعي على الواقعة أو النازلة.
6ـ النازلة أخص من الفتوى ،فكل نوازلي مفت ،وليس كل مفت
نوازليا.
7ـ النوازل البد يتعلق بها حكم شرعي ،أما الوقائع والمستجدات فال
يلزم أن يتعلق بها حكم شرعي.
8ـ من األلفاظ ذات الصلة بالنوازل :ـ الواقعات ـ الحوادث ـ
المستجدات ـ األقضية واألحكام ـ األسئلة والسؤاالت ـ الفتاوى ـ التنزيل ـ
القضايا المعاصرة.
1
(?) رواه البخاري في صحيحه في كتاب االعتصام بالكتاب والسنة ،باب أجر الحــاكم إذا
اجتهد فأصاب أو أخطــأ ،)9/133( ،ومســلم في صــحيحه في كتــاب األقضــية ،بــاب أجر
الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ (.)3/42
2
(?) سورة المائدة اآلية .03
3
(?) انظر :وائل الهويريــني ،المنهج في اســتنباط أحكــام النــوازل ،ص ،15ومجلة مجمع
الفقه اإلسالمي ،العدد الحادي عشر ،المجلد الثاني.
ــ 29ـ
9ـ أطلق الفقهاء على فقه النوازل عدة تسميات أشهرها :فقه الواقع،
فقه األولويات ،فقه الموازنات،ـ فقه المقاصد.
10ـ النوازل تتطور وتتغير بتغير المجتمع وتطوره ،ولكل مرحلة نوع
خاص من النوازل ومن الفتاوى.
11ـ فقه النوازل من أهم العلوم ،ومن أهم ما يترتبـ على العنايةـ به:
إنقاذ األمة من اإلثم ،وإثباتـ صالح الشريعة للحكم في كل شؤون الحياة،
وقطع الطريق أمام المطالبينـ بتحكيمـ القوانين.
وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين.
ــ 30ـ
تدوين النوازل في الغرب اإلسالمي
أ/محمد سكحال
باحث برابطة العالم اإلسالمي ،مكة المكرمة
الحمد هلل المتفضّل بإجابة السائل،ـ المتطول بإفاضة النائل،ـ فــاتح أبــواب
اآلمال البعيــدة المنــال،ـ ومــانح الهبــات الــوافرة والعطايا الجزائــل،ـ الــذي جعل
العلم النافع من أعظم األســباب الموصــلة لمقاصد الســعادة األخروية وأشــرف
الوســائل .والصــالة والســالم األكمالن على ســيدنا وموالنا محمد المنتخب من
أشرف العشائر والقبائل،ـ اآلتي بالحجج الواضحة والدالئل( ،)1وبعد،
فـــإن البحث في النـــوازل من الناحية العمليـــة ،وتقصي ما يتعلق بنشـــأتها
ونموها عبر التاريخ اإلسالمي الطويل ،يستدعي االنطالق مما هو أساس لبنيانهــا،
ومنبع لمجراها ،وذلك في إعطاء لمحة سريعة عن بنية الفقه اإلسالمي.
لقد تمهد في بدهيات ثقافتنا أن الفقه اإلسالمي ينبني على أربعة أسس متفاوتة
في درجة االعتبار ،ومختلف في حجية بعضها اختالفاً ال يكاد يكون له أثر اليوم.
فأما الكتاب والسنة فهما األصل األصيل الــذي ينبــني عليه غــيرُه وال ينبــني
هو على شيء بل حجيته تكمن في ذاته ،كحجية المبادئ العقلية ،أو كالقاطرة الــتي
تنطلق حركتها من داخلها ،أما حركة العربات المقطورة بها ،فمستعارة منها.
وأما اإلجماع فهو متضمن لألصل ،وبتعبــيرـ التلمســانيـ في "المفتــاح":
متضمن للـدليل؛ لضـرورة اسـتناده في تك ّونه إلى نص أو قيـاس هو في معـنى
النص ،لكنه بعد انعقاده يستغني عن مستنده لــدى االحتجــاج .وأما القيــاس فهو
معقول األصل ،وبتعبيرـ التلمساني:ـ الالزم عن أصل.
فمن هذه المصادر األربعة نشأ الفقه ،وتولــدت مســائله في زمن النــبي ×،
ثم في طبقةـ الصحابة،ـ ثم في التــابعين،ـ ثم في أتبــاعهم إلى أن اســتقر به النــوى
على الحال التي نعرفه عليها اآلن.
وفي أتباع التابعين ظهر "األئمة المجتهدون" أو "فقهاء األمصــار" الــذين
تفرغوا للفقه تعلماً ثم تعليماً ،ودون فقههم تدويناً مــذهبياً ،فــدون محمد بن الحسن
الشـــيباني مذهبه ومـــذهب صـــاحبيه أبي حنيفة وأبي يوســـف ،ودون الشـــافعي
مذهبـه ،وكـذلك فعل سـفيان الثـوري بالكوفة وأبو ثـور ببغـداد ،ودون أصـحاب
مالك من المدنيين والمصريين ،ال سيما أهل الطبقة الثانية ،مذهب إمامهم.
ودون فقههم في مرحلة ثانيــــة ،تــــدويناً يعتــــني بما بينهم من اإلجمــــاع
والخالف ،فحصرت المسائل التي أجمعوا عليها بحسب اإلمكان وقــدرة المــدون
على االطالع .وكــان اإلمــام أبو بكر ابن المنــذر ~ فــارس هــذا الميــدان ،حيث
صنف أكثر كتبه في اإلجماع والخالف ،ككتاب اإلجماع ،واإلقنــاع ،واألوســط،
(?) مقتبس من تقدمة أحمد بن يحيى الونشريسي لكتابه المعيار المعرب. 1
ــ 31ـ
واإلشــراف وهو ملخص من األوســط ،كما أن األوسط ملخص من كتــاب آخر
مبسوط ذكره في مواضع عديدة من األوسط ولم يسمه(.)1
ويكشف كتــاب اإلقنــاع ألبي الحسن ابن القطــان الفاســي ،عن عــدد من
المصنفات في مسائل اإلجماع جمع منها مادة كتابه ،ككتب ابن عبد البر ،وابن
حزم ،وقبلهما ابن المنذر ومحمد بن نصر المروزي.
ودون مســـائل الخالف( )2الشـــافعي في كتابيهـ اختالف العـــراقيَّين (أبي
حنيفة وابن أبي ليلى) واختالف مالك والشــافعي ،وهما من جملة كتب "األم".
ودونها اإلمــام الطــبري في كتابهـ الــذي طبع جــزء منــه،ـ والطحــاوي في كتابه
الذي اختصره الجصاص.
وأســهم مالكيةـ العــراق في هــذا المجــال بجهد وافــر ،منهم القاضي أبو
الحسن بن القصار في كتابهـ عيون األدلة (أو عيون المجالس) الــذي اختصــره
تلميذه القاضي عبد الوهاب،ـ وصنف هو أيضا ً كتابهـ اإلشراف.
موقع فقه النوازل من مدونة الفقه العامة
إليضاح هذا الموضوع يحسن قصْرُ الكالم على المــذهب المــالكي؛ ألن من
الصعب بمكان استقصاء تاريخ الفقه اإلسالمي في مختلف مذاهبه ،وتتبع نمــوه في
داخل هذه المذاهب ،وما ُكتب في هذا الموضوع (تاريخ التشريع ،أو تــاريخ الفقــه)
يتسم في عمومه بالعموم واالختصار الذي ال يعبر عن حقيقة الصورة.
وفقه النوازل متأخر في النشــأة والرتبة عن تــدوين فقه أهل المدينــة،ـ لما
سنذكره من األسباب .لذلك يحسن أن نمهد للكالم عليه بعــرض ســريع لتــدوين
فقه أهل المدينة.
تدوين فقه أهل المدينة
نشأ في المدينة على ساكنها أفضل الصالة والسالم ،أو ما نشأ من كتاب
الســـني ،أبو عبد هللا مالك بن أنسالموطأ الـــذي صـــنفه إمـــام هـــذا المـــذهب َّ
األصبحي ،والذي كان يقرأه في المسجد النبوي .ثم نشأ ثانيـا ً من مجــالس الفقه
(?) وينظر :الدراسة التي أعـدها الـدكتور صـغير أحمد األنصـاري في الجـزء األول من 1
فقال:
واعلم أن معرفة مذاهب السلف بأدلتها ،من أهم ما يُحتاج إليــه ،ألن اختالفهم في الفــروع
والــراجح من
َ المــذاهب على وجههــا،
َ ُـ
المتمكن رحمــة ،وبــذكر مــذاهبهم بأدلتها يَعــرف
المرجوح ،ويتضح له ولغيره المشكالت ،وتظهر الفوائد النفيسات ،ويتــدرب النــاظ ُر فيها
بالسؤال والجواب ،وينفتح ذهنه ،ويتميز عند ذوي البصائر واأللباب ،ويعرف األحــاديث
الصحيحة من الضعيفة ،والدالئل الراجحة من المرجوحة ،ويقــوم بــالجمع بين األحــاديث
المتعارضات ،والمعمو ِل بظاهرها من ال ُمؤوَّالت ،وال يُشكل عليه إال أفرا ٌد من النادر.
ــ 32ـ
الــتي كــان يعقــدها لبث آراءه درس ـا ً وأجوبــة ،غــير أن األجوبة كــانتـ غالبــة،ـ
وكــانت عن أســئلة نظريةـ يعرضــها طالب لهم بصر بأوليــاتـ الفقه وأبوابــه،ـ
فجاءت مستوعبة لجميع األبواب.
ولهـــذا المعـــنى دون الفقه المـــالكي في مصـــادره المبكـــرة ،تحت اسم
المسائل ،وهو شبيه في تدوينهـ بالمذهب الحنبلي الذي نشأ ودون في بغداد.
فدون بعض أصــحاب مالك أســمعتهم ،ثم حملت إلى األمصــار ،ورواها
الناس ،وجمعوها واختصروها مرتبةـ على األبواب ،وضموا إليها أســمعة أهل
الطبقة الثانية عن كبار أصحابه كابن القاسم وأشهب وأصبغ.
فممن جمعها محمد بن أحمد العتبي القرطبي،ـ في كتابه المســتخرجة من
كتب األسمعة ،والمعروف اختصاراً باسم العتبيــة .وهي مطبوعة مع شــرحها
البن رشد المســمى البيــان والتحصــيل لما في مســائلـ المســتخرجة من الشــرح
والتوجيه والتعليل(.)1
وجمع عبد الملك بن حبيب السلمي القرطبي،ـ مســائلـ األخــوين مطــرف
وابن الماجشون ،في كتابه الواضحة في السنن والفقه .ولم يقتصر عليهمــا ،بل
ذكر مذهبه في كثير من المسائلـ واحتج له بما روى من السنن.
واختصر عبد هللا بن عبد الحكم بعض أسمعة المصريين ،ال ســيما كتب
أشهب ،في كتابيهـ المختصر الكبير واألوسط(.)2
(?) ذكر عياض في ترجمة العتــبي في المــدارك ،نقـداً شـديداً الذعـا ً لكتابه المسـتخرجة، 1
نقله عن ابن وضــاح وابن لبابــة .لكن هــذا النقد ال يلتفت إليه بعد أن تلقاها أهل األنــدلس
والمغرب بالقبول ،وعولوا عليها كتعويلهم على المدونة ،في حفظ المذهب ،حتى قال ابن
رشد ـ وهو الجهبذ الذي ال نظير له في معرفة المذهب ــ في مقدمة شـرحه هـذا (ص،28
:)29إنه كتاب عول عليه الشيوخ المتقدمون من القرويين واألندلسيين،ـ واعتقــدوا أن من
لم يحفظه ال تفقه فيه كحفظه للمدونة وتفقهه فيهـــا ،بعد معرفة األصـــول وحفظه لســـنن
الرســول × ،فليس من الراســخين في العلم وال من المعــدودين فيمن يشــار إليه من أهل
الفقه.
(?) وله المختصر األصـــغر ذكر عيـــاض أنه قصـــره على الموطـــأ .ولعله اختصر فيه 2
مسائله ،ومما يــدل على ذلك أن ابنه محمــداً رواه عنــه ،وزاد عليه خالف الشــافعي وأبي
حنيفة .ثم حذا حذوه أبو عبد هللا محمد بن عبد الرحيم البرقي ـ وقيل ابنه :أبو القاسم عبيد
هللا ـ ـ فــزاد فيه على محمد بن عبد الحكم :أقــوال ســفيان الثــوري ،وإســحاق بن راهويــه،
واألوزاعي ،والنخعي .زاد على ابن الــبرقي قــوم آخــرون أقــواالً لفقهــاء آخــرين كــالليث
والطبري وداود.
وذكر أبو القاسم الــوهراني تلميذ األبهــري وجــامع ترجمتــه ،عن شــيوخه أنهم حــزروا
المختصر الكبير ب18ألف مسألة ،نصف عدد مســائل المدونــة،ـ واألوسط ب4000مســألة
بعدد مسائل الرسالة ،واألصغر ب1200مسألة.
قلت :والمختصر األصغر عندي نسخة منه من رواية ابن البرقي وزياداته تقع في 85لوحة.
ــ 33ـ
وتعتبر العتبية والواضحة والمختصر ،مع المدونة والموازية ،األمهــات
التي لم يشذ عنها من منصوص أقوال مالك وأصحابه،ـ إال القليــل ،الــذي روي
في كتب أخرى مثل مختصر أبي مصــعب الزهــري المــدني ،ومدونة أشــهب،
وكتــاب ابن ســحنون ،ومجموعة ابن عبــدوس ،ومبســوط القاضي إســماعيل،ـ
ومختصر الوقــار ،وزاهي ابن شــعبان( ،)1وكتابهـ اآلخــر :مختصر ما ليس في
المختصر ،وكأنه زوائد على ما في مختصر ابن عبد الحكم.
وتحتل المدونة المرتبة األولى في هـــذه المجموعة كلهـــا ،فهي ديـــوان
المــذهب ومرجعه األســاس( ،)2لشــهرتها وكــثرة مســائلها ،وتقــدم صــاحبها في
السماع على مالــك ،وطــول مالزمته لــه .وكــانت في أصــلها مســائلـ ألسد ابن
الفـرات ،دونها في العــراق عن أصــحاب أبي حنيفــة ،ولما عــرف ما لمالك بن
أنس من المنزلة في الفقه والحديث ،عرضــها على ابن القاسم في مصر ليجيبه
بقول مالك فيها ،فكتب األجوبة ،ثم وقعت بيد سحنون في القيروان ،فرحل إلى
ابن القاسم وعرضــها عليــه ،فرجع عن بعض ما فيهــا ،فاص ـطُلح على تســميةـ
مدونة أسد المختلطــة .ووشى ســحنون مســائلـ المدونة بكثــير من اآلثــار من
رواية ابن وهب ،وموطأ علي بن زياد(.)3
ثم أقبل النـــاس على المدونة اختصـــاراً ،وتهـــذيباً،ـ وشـــرحاً ،وتعليقـــاً،
وحفظها الطالب في أوائل انسالكهم في طريق الفقهاء.
األعمال الفقهية بعد تدوين األصول
بعد اســتقرار مــذهب أهل المدينةـ في األصــول المــذكورة وغيرهــا ،بــدأ
عصر جديد اتسم باإلقبالـ على الشروح واالختصارات والجمع.
فأما الشــروح فانصب أكثرها على الموطأ والمدونــة ،ولو ذهبناـ نتقصى
ما وضع عليهما من شروح بسيطةـ ووسيطة ووجيزة ،ألعياناـ البحث أن نحيط
وشرح المختصر الكبير واألصــغر أبو بكر األبهــري ،وشــرح الكبــير أيضـا ً أبو بكر ابن
الجهم شرحا ً مستوعبا ً اختصره ابن أبي زيد.
(?) قال القاضي عياض في المدارك في ترجمته :وأما كتبه ففيها غرائب من قول مالــك، 1
وأقوال شاذة عن قوم لم يشتهروا بصــحبته ،ليست مما رواه ثقــات أصــحابه ،واســتقر من
مذهبه.
(?) قال الحطاب في مقدمة شرحه للمختصر :1/34والمدونة أشــرف ما ألف في الفقه من 2
ــ 34ـ
بأكثرها بله جميعها( .)1وشـــــرح ابن رشد العتبيةـ في كتابه الحافل العجـــــاب:
البيان والتحصيل ،وشرح الشيخ أبو بكر األبهري( )2مختصر ابن عبد الحكم.
وقد ســلك العراقيــون في شــروح كتب المــذهب كالمدونة ومختصر ابن
عبد الحكم والرســالة القيروانيــة،ـ مســلكا ً مختلفــا ً عن مســلك المغاربــة ،حيث
جعلــوا مســائلـ الكتــاب المشــروح كاألســاس ،ثم تكلمــوا على ما تناولته من
فصول ،بالقصد إلى تحرير الدالئل ،والردود على إيرادات المخالفين من غير
المالكية ،على طريقة الجدليين .وأما المغاربة فجل احتفالهم تصحيح الروايات
في المـــذهب ،ومناقشة األلفـــاظ ،وبيـــان وجـــوه االحتمـــاالت،ـ والتنبيهـ على
اضطراب الجوابات(.)3
وأما االختصـــــــارات ،فحظيت المدونة بأكثرها أيضـــــــاً ،وأشـــــــهر
اختصــاراتها اختصــار أبي محمد بن أبي زيد القــيرواني ،وتلميــذه أبي ســعيد
خلف بن أبي القاسم البراذعي( .)4ويليها في الرتبة اختصــار أبي عبد هللا محمد
بن عبد هللا بن عيسى بن أبي زمنين ،المسمى "المغرب"(.)5
(?) وقد اجتهد المرحـــوم عمر بن عبد الكـــريم الجيـــدي ،في محاضـــراته المطبوعة في 1
تاريخ المــذهب المــالكي ،في تقصي شــروح الموطأ والمدونــة ،فأحصى عــدداً كبــيراً من
ذلك.
(?) وهو تلميذ الجماعة ببغــداد وشــيخ الجماعة أيضــاً .أما الجماعة الــذين هو تلميــذهم 2
فأشهر أئمة المالكية في ذلك العصــر :القاضي أبو الفــرج البغــدادي،ـ وأبي بكر بن الجهم،
وأبي الحسن ابن المنتـــاب ،وابن بكـــير .وأما الجماعة الـــذين هو شـــيخهم فالقضـــاة ابن
القصــار والبــاقالني وعبد الوهــاب ،وكــذا أبو القاسم ابن الجالب ،وأبو محمد األصــيلي
األندلســي .وكــان شــيخا ً لجماعة من غــير المالكية منهم الحافظ أبي الحسن الــدارقطني،
وأبو بكر البرقاني وهما شافعيان.
ونسخ كثــيراً من الكتب منهــا :المبســوط وأحكــام القــرآن للقاضي إســماعيل ،وأســمعة
المصريين الثالثة:ـ ابن القاسم وأشهب وابن وهب ،وموطأ مالك وموطأ ابن وهب ،وكثير
من األجزاء.
(?) وينظر :مناهج التحصيل للرجراجي.1/38 3
(?) قال عنه القاضي عياض في المدارك :وقد ظهرت بركة هذا الكتاب على طلبة الفقه، 4
منهـــا" .قـــال عيـــاض :ليس في مختصـــراتها مثلُه باتفـــاق؛ قـــال ابن ســـهل :هو أفضل
مختصرات المدونــة،ـ وأقربها ألفاظـا ً ومعــانِ َي لهــا.اهـــ .قلت :وهو أحد األصــول األربعة
التي لخصها أبو بكر بن عاصم في أرجوزته المشهورة بتحفة الحكام ،وضم إليها منتخب
الحكــام البن أبي زمــنين أيضـاً ،والمقصد المحمــود المعــروف بوثــائق الجزيــري ،ومفيد
الحكام ألبي الوليد هشام بن عبد هللا القرطبي.
لكن الذي اشتهر عند المغاربة تهذيب البراذعي ،فهو الـذي كـان عليه العمل في الشـروح
والتعـــاليق والحفظ واإلقـــراء ،والنقل في المصـــنفات الـــتي بين أيـــدينا ،كعقد الجـــواهر
والذخيرة والتوضيح والحطاب والمواق .وحيث قالوا :قــال في المدونــة،ـ أو :في الكتــاب،
ــ 35ـ
وألبي ســلمة فضل بن ســلمة الجهــني األندلسي البِ َجــانِي ،اختصــارات
عديدة ،منها اختصار المدونة والواضحة(.)1
وأما الجمع فمنهم من جمع بين كتابين أو أكثر ،كما جمع فضل بن سلمة
اآلنف الذكر ،بين مسائلـ المدونة والمستخرجة والمجموعــة .وجمع الشــيخ أبو ُ
محمد بن أبي زيد في كتابهـ النوادر والزيادات،ـ ما زاد على المدونة من مسائل
مبثوثة في الموازية والعتبية ،والواضحة ،والمجموعة ،وكتاب ابن سحنون(.)2
ولعمـري كـان هـذا عمالً جليالً يجمع مع ضـمه إلى مختصـره للمدونـة ،جملة
أقوال مالك وأصحابهـ إال شيئا ً قليالً شذ وندر(.)3
واستمر الشرح واالختصــار والجمــع ،إلى القــرنين الخــامس والســادس
اللــذين يعــدان مع ما قبلها بقليل عصر النضج الفقهي وخصــوبة التــأليف في
األصول والفروع ومنها الفقه النوازلي؛ فمن ذلك تهذيبـ الطــالب والنكت على
المدونة لعبد الحق الصــــقلي ،والتعليقةـ على المدونة للمــــازري ،والعوفية في
شـــرح المدونـــة ،لمكي بن عـــوف العـــوفي اإلســـكندري ،ولشـــيخه وتلميذ
الطرطوشي سند بن عنان أيضا ً شرح على المدونة سماه طراز المجالس ،يقع
في نحو ثالثين سـفراً ،اسـتكثر القـرافي من النقل عنه في الـذخيرة ،والحطـاب
في شرح المختصر.
وصـــنف أبو الحسن الـــربعي اللخمي كتابـــاًـ خرجه على ُكتب المدونة
وأبوابهــا ،وغــذاه باألدلة والتعليالتـ واالختيــارات ســماه التبصــرة ،وليس هو
تعليقــا ً على المدونة خالفــا ً لما يوهمه كالم القاضي عيــاض،ـ وإن كــان أكــث ُر
نقوله من المدونة.
فمــرادهم مختصر الــبراذغي إال أن يقيــدوا باختصــار ابن أبي زيد أو غــيره .وأما أصل
المدونة المطبــوع باسم المدونة الكــبرى ،فيســميه الحطــاب األم ،كما في قوله في أبــواب
الوضوء ( :)1/369قال في المدونة:ـ وأنكر مالك قول من قــال في الوضــوء :حــتى يقطُـ َر
ـمعت مالك ـا ً
الما ُء ،أو يسيل .وقد كــان بعض من مضى يتوضأ بثلث المــد .ولفظ األم :وسـ ُ
يذكر قول النــاس في الوضــوء :حــتى يقطُر أو يســيل ،قــال فســمعته يقــول :قَطَـ َ
ـر قطَـ َر!!
إنكاراً لذلك.اهـ.
ْ
(?) قال ابن فرحون في الديباج(ص ،315ط .الكتب العلميــة) :زاد فيه من فِقهــه ،وتَعقب 1
فيه على بن حــبيب كثــيراً من قولــه ،وهو من أحسن كتب المــالكيين .قــال :وله مختصر
ــر ،فإنه اســتكثر من النقل عن وصــفَ ابنُ فرحــون ما خبَ َلكتــاب بن المــواز.اهـــ .قلتَ :
مختصر الواضحة في كتابه تبصرة الحكام.
(?) ينظر :مقدمة النوادر.1/10 2
(?) وقد أشار إلى ذلك في مقدمة النوادر( )1/11فقال :ليكون كتاب ـا ً جامعـا ً لما افــترق في 3
(?) قــــال في المقدمة (من النســــخة المحققة في أم القــــرى) :فقد انتهى إلي ما رغب فيه 1
جماعة من طلبة العلم ببلـــدنا في اختصـــار المدونة والمختلطـــة ،وتأليفها على التـــوالي،
وبسط ألفاظها تيسيراً ،وتتبع اآلثار المروية فيها عن النبي × وعن أصحابه ،وإســقاط
إسناد اآلثار ،وكثير من التكرار ،وشرح ما أشكل من مسائلها وبيان وجوهها وتمامها من
غيرها من الكتب .قــال :وأدخلت فيه مقــدمات أبــواب كتــاب الشــيخ محمد بن أبي زيد ~
تعالى وزياداته ،إال اليسير منها ،وطالعت في كثير منها ما نقله في النوادر ،ونقلت كثيراً
من الزيادات من كتــاب ابن المــواز والمســتخرجة ،ولم أخل من النظر إلى نقل أبي محمد
واختصاره فيها.
(?) منها الموطأ وشرحه للباجي والبن مزين ،والمدونة ،واألحكام البن العربي (نقل منه 2
بواسطة التنبيه على مبــادئ التوجيه ألبي الطــاهر بن بشــير) وشــرحه للترمــذي ،وكتــاب
المدنيةـ (لعبد الــرحمن بن دينــار رواها عنه أخــوه عيسى بن دينــار وعرضــها على ابن
القاسم) ،والواضحة ،واألسدية ،والموازية ،ومختصر ابن عبد الحكم وشــرحه لألبهــري،
والعتبيةـ وشــرحها البن رشــد ،والمبســوط ،والنــوادر ،والــزاهي ومختصر ما ليس في
المختصر كالهما البن شعبان ،والتفريع البن الجالب ،ومختصر الوقار ،والحــاوي ألبي
الفـــرج البغـــدادي ،وثمانية أبي زيد عبد الـــرحمن بن يزيد بن عيسى القرطـــبي ،وكتب
القاضي عبد الوهـــاب :التلقين(وشـــرحه للمـــازري) ،والمعونـــة ،واإلشـــراف ،وشـــرح
الرســالة ،وعيــون المجــالس ،وتعليقة الخالف ألبي بكر الطرطوشــي ،والكــافي البن عبد
الــبر ،والنظــائر ألبي عمــران الفاســي ،وتبصــرة اللخمي ،والنكت وتهــذيب الطــالب لعبد
الحق الصقلي ،والمقدمات البن رشد ،ومنتخب األحكام البن أبي زمنين.
ــ 37ـ
وهذا معنى لغوي عام ،لكنه مخصوص في االستعمالـ الفقهي وال ســيما
عند المالكية،ـ بالوقائع المســتجدة الــتي تحتــاج إلى فتــوى من الفقهــاء( ،)1ســواء
كانت في العبادات أو المعامالت أو غيرها من أبــواب الفقه وموضــوعاته،ـ إذا
صــدرت فيها فتــوى أو فتــاوى متفقة أو مختلفــة .فيقــال نــزلت نازلة في العــام
الفالني أو في العصر الفالني ،أو في زمن فالن ،ألحد الفقهـــاء أو الســـالطين
ونحوهمــا ،أو في البلد الفالني ،فــأفتى فيها فالن بكــذا وكــذا ،وأفــتى فيها فالن
بكذا وكذا(.)2
وعلى سبيل المثال،ـ لما احتلت فرنسا الجزائر ،أرسل األمير عبد القـادر
خطابــا ً للفقيه الفاسي في زمانه أبي عبد الســالم التســولي ،يتضــمن اســتفتاء
مفصــالً عن كيفية التعاملـ مع الــذين يــداخلون المحتل ويبايعونهـ ويجلبــون له
الخيــل ،بل ويدلونه على عــورات المســلمين .فكتب له جوابـا ً مفصـالً في هــذه
النازلة العظيمة.ـ
ف ـاـلـنـوـاـزـلـ فـيـ اـلـق ـاـمـوـسـ اـلـفـقـهـيـ،ـ ت ـرـاـدـفـ اـلـفـت ـاـوـىـ فـيـ كـوـنـهـاـ أـجـوـبـةـ
لـمـسـاـئـلـ وـاـقـعـةـ.ـ
وواقعية النـــوازل تســـتتبعـ في حيثياتهاـ ومالبســـاتها،ـ تصـــوير المحيط
االجتماعيـ واالقتصادي والسياسي الذي تصدر فيه ،وتصــور ألوان ـا ً من حيــاة
المستفتينـ والعوائد التي جرت عليها معامالتهم في الشــؤون المالية واألحــوال
الشخصــية .كما تُعطي صــورة مشــرقة للعقلية الفقهيــة،ـ وحسن تصــرفها في
الفتـوى ،وتعاملها مع المصـادر الفقهيــة ،وانفتاحها على المجتمـع ،ومعايشــتها
للواقع وما يســتجد فيه من تغــيرات،ـ وكيف أن البحث الفقهي كــان يتقاضــاهمـ
(?) وهذا كما قال أبو محمد بن أبي زيد في صـدر كتابه النـوادر...(( :4 ،1/3وأذن لهم في 1
االجتهاد في أحكامهم والحوادث النازلة بهم ،مما ليس بنص عندهم في الكتاب والسـنة نصـاً
ال يختلف في تأويله)) .وقــال أيضـاً( :)1/9ـ ((قــال مالــك :لم يكن الــذين مضــوا أكــثر النــاس
مســائل ،وأراهم إنما يكرهــون التكلف إلى ما ينتهي إلى التنطــع ،وال يكرهــون ما يــبين به
ال ،وما يعرض من النوازل ،وكان يقال :إذا نزل الشيء أعين عليه صاحبه)). للمتعلم مشك ً
(?) ومن ذلك قول الحطاب في فصل سجود الســهو (2/315ط .عــالم الكتب) :فائــدة :قــال 2
ابن العربي :نــزلت نازلة ببغــداد في أبْك َم أشــار في صــالته ،فقــال بعض شــيوخنا :بطلت
صــالته; ألن إشــارة األبكم ككالمــه ،وقــال بعضــهم :ال تبطــل; ألن اإلشــارة في الصــالة
جائزة.
وقــال أيض ـا ً في موضع آخر في أبــواب الصــيام ( :)3/310فائــدة :قــال ابن نــاجي وقعت
نازلة ببغداد ،في رجل حلف بالطالق وهو صائم أن ال يفطر على حــار وال بــارد .فــأفتى
ابن الصباغ إمام الشافعية بحنثه إذ ال بد له من أحدهما ،وأفتى الشيرازي بعدم حنثه قــائالً
إنه يفطر على غيرهما ،وهو حصول الليل؛ لقوله عليه الصالة والســالمِ« :إَذا َأْق َب َل اللَّيل
ائُم» .وفتوى ابن الصــباغ أشــبه بمــذهب الص ِ
طَر َّاهَنا َفَقْد َأْف َ
ن هَ ُ
ار ِم ْ
النَه ُ
اهَنا َوَأْدَبَر َّ
ن هَ ُ
ِم ْ
مالك؛ ألنه يعتبر المقاصد ،وفتوى الشيرازي صري ُح مذهب الشافعي.
ــ 38ـ
التقصي في معرفة دقــائق المالبســات الــتي تحيط بالمســائل المدروســة ،حــتى
تكون الفتوى فيها مطابقةـ لحقيقة الواقع.
ولما كانت تصرفات الناس وتقلبــاتهم في مختلف أحــوالهم ،تســتدعي بال ُبـ ٍّد
وقائ َع يحتـاجون فيها إلى معرفة حكم الشـرع الحـنيف ،حـتى يكونـوا على بينة من
أمــرهم ،وفقه من دينهم ،ال جــرم كــانت الفتــوى حاجة مســتمرة مسترســلة على
األزمان ،وكان شأنها عظيماً في االعتبار الشرعي ،وفرضي ُتها متأكدة على األمــة،
بإيجاد المفتين األكفياء في كل زمان .قال تعالى :ﮋﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ
ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾﮊ(.)1
ثم إن بعض ما يصدر من فتاوى المفتين وأجوبتهم ،ربما يموت صــاحبها
دون أن يدونها في كتــاب ،وال جــاء من يجمعها من بعــده ،فتبقى منثــورة يتناقلها
تالميــذه ومعاصــروه ســماعاً ،وقد يــروى بعضــها عنه في فهــارس الشــيوخ
وبرامجهم ومشيخاتهم ،وربما أودعها بعض المؤلفين المتأخرين في كتبهم.
وبعضـــها اآلخر ربما كتب له حظ من البقـــاء واالنتشـــار بتحريـــره في
قراطيس ،وحفظه لدى المفتي الذي أفتاه في جملة تقاييــده وطروســه ،ثم قد تســنح
السوانح له أو لغيره بعد تكاثره ،لجمع نُ َثاره وإفراده في كتــاب بعد ترتيبه وتهذيبه
إلى التجربة والتدرب العملي المتصل بمعرفة أخالق الناس وأعرافهم ،قال ابن ســهل في
صدر كتابه "اإلعالم بنوازل األحكام" ص :26 ،25كثيرا ما سمعت شيخنا أبا عبد هللا بن
عتاب رضي هللا عنه يقول :الفتيا صنعة .وقد قالها قبله أبو صــالح أيــوب بن ســليمان ~،
قال :الفتيا دربة .وحضرت الشورى في مجالس الحكام ما دريت ما أقــول في أول مجلس
شاورني ســليمان بن أســود وأنا أحفظ المدونة والمســتخرجة الحفظ المتقن .ومن تفقد هــذا
المعنى من نفسه ممن جعله هللا إماما ً يُلجأ إليه ويعول الناس في مســائلهم عليــه ،وجد ذلك
حقاً وألفاه ظاهراً وصــدقاً ،ووقف عليه عيانـا ً وعلمه ُخ ْبــرا .قـال :والتجربة أصل في كل
فن ،ومعنى مفتقَر إليه في كل علم.اهـ .وينظر :المعيار المعرب.10/78
ً
(?) طبع على الحجر في فاس في تسـعة أجـزاء ،ثم طبع في بـيروت في 13مجلـدا .ولعل 2
من الفوائد أن نشير هاهنا إلى أن الونشريسي اعتمد في تــأليف المعيــار ،على مكتبة بــني
الغرديس التغلبيينـ الــتي كــانت عــامرة بفــاس في أيــام الوطاســيين .قــال الشــيخ عبد الحي
الكتاني ،في محاضرته عن "تاريخ المكتبات اإلسالمية" (ص :)86وال زلنا نسمع أن من
بقية أوراقها المشــتتة اســتفاد حافظ المــذهب المــالكي بــالمغرب أبو العبــاس أحمد بن عبد
الواحد الونشريسي ،ثم الفاسي .كــان يأخــذها منهم ويحملها على حمــار ،ومنها ألف كتابه
المعيار.اهـ .وقوله :بن عبد الواحد ،وهم ،بل هو :بن يحي.
ويحسن هنا أن نشير إلى سمي المعيار ونظيره في االستيعاب ،وهو نوازل المهــدي
الــوزاني ~ (ت1342هـ ـ) المعروفة بالمعيــار الجديــد،ـ وصــفه الجيــدي ~ بأنه أجــود من
معيار الونشريسي من حيث القيمة ،مع ما يمتاز به من نقل فتــاوي المتــأخرين .طبع على
الحجــر ،ثم طبع طبعة حديثة بعناية وزارة األوقــاف المغربية في11مجلــدا ،تحت عنــوان
النوازل الكبرى ،تمييزاً له عن فتــاو أخــرى له تســمى النــوازل الصــغرى المســماة المنح
السامية في النوازل الفقهية.
ــ 40ـ
أو الصالة أو النكاح أو البيوع ،أو غــير ذلــك ،بما يجــده بينهماـ من التطــابقـ أو
التشــابهـ والتنــاظر .وعندئذ يظهر للفقيه المطلــع ،أن كثــيراً مما يســميهـ النــاس
اليــوم قضــايا معاصــرة ،منصــوص عليه بعينهـ أو بشــبهه،ـ في الكتب الفقهية
القديمة.
ومن هنا كـــانت النـــوازل بمفهومها الشـــائع المســتقر عند المتـــأخرين،
متأخرة في الرتبة عن التدوين الفقهي العام؛ لكونها تنزع بضرب من التخــريج
للفـروع على الفـروع ،وتحقيق منـاط المنصوصـات في الواقعـات .وإن كنا ال
ننفي أن جملة غــير قليلة من المســائل المدونة في الفقه النظــري العــام ،مبنيةـ
على وقائع حقيقية ،ال سيما في فقه أهل المدينةـ الذي يعتمد على الواقعات(.)1
وهــذا بحسب النظر إلى الواقع الــذي ســارت فيه الفتــوى بعد اســتقرار
المـــذاهب الفقهية في الـــدواوين واســـتتب العمل بها في األمصـــار ،وإال فـــإن
األصل في الفتـــوى أن تبـــنى على اجتهـــاد مطلق ليس له مرجع إال األصـــول
المعتـــبرة في التشـــريع ،من الكتـــابـ والســـنة واإلجمـــاع واعتبـــارـ الفـــروع
باألصول ،وهذا ما اصطبغ به عهد الموحدين إلى حد ما.
ولما كان الشأن كذلك ،وكان ال ُمفتون يرجعون في المسائل التي يسألون
عنها ،إلى الكتب الفقهية التي رووها عن شــيوخهم ودرســوها عليهم ،وتفقهــوا
منها بالحفظ والمــذاكرة ،مع معونة المطالعةـ للشــروح والكتب المســاعدة على
بيان ُمش ِكلها وحل ُمقفَلها ،لما كان الشأن كذلك نشأ عرف في كل إقليم باإلفتــاء
من كتب موثوقة محـــررة ،ومعتمـــدة في نقل األقـــوال عن مالك وأصـــحابه،
صــحيحة الســند إلى مصــنفيها ،أو مســتغنيةـ عن ذلك بشــهرتهاـ( .)2فاشــتهر من
ذلك في المغـرب في الـزمن القـديم المدونة في أشــهر مختصـراتها ،والعتبيــة،ـ
(?) فقد روى ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضــله( ،2/280ط.مؤسسة الريــان) عن 1
خارجة بن زيد بن ثــابت ،عن أبيــه ،أنه كــان ال يقــول برأيه في شــيء يســأل عنــه ،حــتى
يقول :أنزل أم ال؟ فإن لم يكن نزل لم يقل فيه ،وإن يكن وقع تكلم فيه .قال :وكان إذا سُئل
عن مسألة فيقول :أوقعت؟ فيقال له :يا أبا سعيد ما وقعت ،ولكنا نُ ِعـ ُّدها ،فيقــول :دعوهــا،
فإن كانت وقعت أخبَ َرهم.اهـ .وروى عن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه أيضــا ً كراهية
السؤال عما لم يقع.
(?) فقد ذكر النووي في مقدمة المجموع ( )1/46ـ وأصله البن الصالح في أدب المفتي ـ 2
أنه ال يجوز لمن كانت فتــواه نقالً لمــذهب إمــام ،إذا اعتمد على الكتب ،أن يعتمدـ إال على
كتاب موثوق بصحته ،وبأنه مذهب ذلك اإلمام .قال :فإن وثق بــأن أصل التصــنيف بهــذه
الصفة ،لكن لم تكن هذه النسخة معتمدة ،فليســتظهر بنسخ منه متفقــة ،وقد تحصل له الثقة
من نسخ ٍة غير موثوق بها ،في بعض المسائل إذا رأى الكالم منتظما وهو خبير فطن ،ال
يخفى عليه لدُربته موض ُع اإلسقاط والتغيير.اهـ .وينظــر :تبصــرة الحكــام ،61 ،1/60ط.
الكتب العلمية.
ــ 41ـ
ونوادر ابن أبي زيد ،وجامع ابن يــونس ،وبيــان ابن رشــد ،ومقدماتــه،ـ ومنتقى
الباجي(.)1
وفي األزمنة المتــأخرة اعتمد النــاس على المتــون المجــردة المختصــرة
وشــروحها وحواشــيها،ـ كالرســالة وشــروحها زروق وابن نــاجي وجســوس
والقلشــاني ،وغــيرهم ،وكمختصر خليل وشــروحه وحواشــيها كالزرقــاني مع
حاشية الرهوني والتاودي بن سودة ،والبناني ،والخرشي مع حاشــية العــدوي،
والدردير مع حاشية الدسوقي.
فمن أجــال النظر في كتب النــوازل وجــدها في عامة إحاالتها ونقولهــا،
معتمدة على ما ذكرنا من الكتب وغيرها مما يشــبهها في الوثــوق والشــهرة(.)2
وذلك يـــدل على القيمة المطلقة الـــتي تتمتعـ بها المصـــنفات الفقهية الجامعـــة،
كالمدونة والبيـــانـ والمنتقىـ وجـــامع ابن يـــونس وتبصـــرة اللخمي ،وأنها هي
المصـــدر األســـاس لتحصـــيل الملكة الفقهية واإلحاطة باألحكـــام ،وأما كتب
النــوازل فيســتفيد منها المطــالع ،بعد تمكنــه ،في االسترشــاد إلى التعامل مع
األسئلة وما تتضمنهاـ من معضالت فقهيـة ،وتكييفها تمهيـداً لردها لـدى البحث
إلى مظانهاـ من األبواب والموضوعات في المصادر.
السمات العامة لمدونات النوازل
من الصعب اإلحاطة بوصف ضابط لكتب النوازل ،ألسباب عديدة منها
التباعد الزمني بين بعضها ،فنــوازل المتقـدمينـ كسـحنون أو عيسى بن دينـار،
وهما من أهل القرن الثالث،ـ أجوبة مختصرة كأجوبة المدونــة ،بخالف نــوازل
المتــأخرين فــإن كثــيراً منها مفصــل ،وفيه اســتطرادات ومباحثــات ،وإحــاالت
على كتب وأبـــواب فقهيـــة ،بل بعض النـــوازل الـــتي انطـــوى عليها جـــامع
البرزلي( )3وكذا الونشريسي ،هي أشــبه بــالبحوث من طولها والتفاصــيلـ الــتي
فيها ،وتصلح أن تخرج في رسائل مفردة.
ومن أسباب التباين أيضا ً ـ وإن كان أثره خفيفا ً طفيفا ً ـ اختالف األحوال
االجتماعية واألعراف الناشئةـ عنها ،تبعاًـ الختالف الدول ،فاألندلس كــانت في
(?) ينظر المعيار المعرب ،11/109في جواب السرقسطي لمسترشد له إلى ما يفتي به. 1
(?) فنـــوازل ابن رشد مثالً تحتـــوي على كثـــير من المصــادر الفقهية العامـــة ،كالمدونة 2
والعتبيةـ والواضحة والموازية ومختصر ابن عبد الحكم .ونــوازل الــبرزلي تحتــوي على
بعض هــذه الكتب ،والرســالة والنــوادر وتهــذيب الــبراذعي ،ومختصر ابن الحــاجب مع
شروحه.
(?) يسمى :جامع مسـائل األحكـام لما نـزل من القضـايا بـالمفتين والحكـام .جمع فيه فتـاوى 3
كبار شيوخ اإلفريقيين واألندلسيين والمغاربـة ،واشـتمل على مراجعـات ومنـاظرات جـرت
بين علماء هذه البلدان .اختصره جماعة منهم أحمد حلولو اليزليطي والونشريسي وأفــاد منه
في المعيار ،وكذا العلمي في نوازله .وطبع في سبعة مجلدات بتحقيق محمد الحبيب الهيلة.
ــ 42ـ
فجر تاريخها اإلسالمي تحظى باالستقرار واالزدهــار ،والغلبة فيها للمســلمين
والدولة في عنفوانهاـ وتألقها ،فكــانت الفتــاوى تعكس هــذه األوضــاع المســتقرة
المتناميـــة ،بخالف الحـــال في عهد ملـــوك الطوائف وما دهاها من الفتن من
جراء ذلك ،وكذلك في عهد ما بعد الموحدين إلى سقوط غرناطــة،ـ حيث كــانت
مـذكرة التـاريخ تسـجل يوميـاتـ غـروب األنـدلس وأصـيل عهد اإلسـالم بهـا،
بتتــابعـ ســقوط حصــونها ،وضــياع أمجــاد المســلمين هنالك من تحت أيــديهم،
فنشـأت أوضـاع تسـتدعيـ فقهـا ً اسـتثنائياً ،وكـثرة نـوازل الـردة ،ودفع الجزية
للعدو ،والهجرة من البلدان التي تغلب عليها،ـ وما أشبه ذلك.
ومجــــاورة المســــلمين للنصــــارى في األنــــدلس ،ظهر أثرها في الفقه
األندلسي العـــام والنـــوازلي ،في بيـــانـ األحكـــام المتصـــلة بالتعامل مع غـــير
المسلمين.
وعلى أي حال فاختالف الظروف واألحوال واألعراف على المجتمــع،
بين المغـرب واألنــدلس عمومـاً ،أو بين العهــدين القـديم والحــديث ألحد هــذين
اإلقليمين،ـ وتأثر النــوازل بهــذا االختالف ،غــير مــانع من تلمس المنحى العــام
المتشابه لدواوين هذا النوع من الفقه .فمن ذلك:
أوال ـ العم وم والش مول :فكتب الفتــاوى أو النــوازل ال تقتصر على
أبــواب الفقه المعروفــة ،بل تتعــداهاـ إلى مســائلـ تتصل باالعتقــاد ،وأخــرى
باألخالق وثالثة بالسلوك واآلداب والزهد والتنسك.ـ
ثانيا ـ ع دم الص لة الموض وعية بين المس ائل :وهــذا واضح من كــون
الفتــاوى قبل الجمع مســائل متنــاثرة،ـ ومفــردات منفصل بعضــها عن بعض،
وأقصى ما يمكن أن يفعله الجــامع في الربط بينهــا ،أن يرتبها حسب األبــواب
الفقهية والموضوعات الدينية األخرى.
ثالثا ـ ك ون ال ذين جمعوها غالب ا ً غ ير المف تين :إما أوالدهم كما فعل
محمد بن القاضي عياض في جمع نــوازل أبيهـ في كتــابـ "مــذاهب الحكــام في
نـوازل األحكـام" ،أو تالميـذهمـ كما في فتـاوى ابن رشد الـتي جمعها ثالثة من
تالميذه :أبو الحسن الوزان القرطبي،ـ وأبو مــروان عبد الملك بن مســرة ،وأبو
بكر محمد بن خير ،ومسائل ابن زرب التي جمعها صــاحبه يــونس بن عبد هللا
ابن الصفار ،والنوازل الصغرى والكبرى ألبي الســعود الفاســي ،حيث جمعها
بعض تالمذتـــه .وقد يجمعها واحد من المتـــأخرين،ـ يســـتخرجها من بطـــون
الكتب ،كما فعل الـــدكتور محمد أبو األجفـــان ~ في جمع نثـــارة من فتـــاوى
الشــــاطبي ،والــــدكتور حميد لحمر في جمع نثــــارة من فتــــاوى ابن أبي زيد
القيرواني ،وفتاوى اللخمي.
ــ 43ـ
رابعا ـ الطابع اإلقليمي :فجامع الفتاوى قد يحصر مجموعه على فتاوى
أهل بلـــــده أو إقليم معين،ـ كما فعل الشـــــيخ عبد العزيز بن الحسن الزيـــــاتي
الغماري (ت1055هـ) حيث جمع فتاوى أهل بلده ،في مجموع سماه :الجــواهر
المختـــــارة فيما وقفت عليه من النـــــوازل بجبـــــال غمـــــارة .وكما فعل أحد
الغرناطيينـ في القــرن التاســع ،في جمعه فتــاوى أهل بلــده في مجمــوع ســماه:
الحديقة المســتقلة النضــرة في الفتــاوى الصــادرة عن علمــاء أهل الحضــرة()1؛
يعني :حضرة غرناطة.ـ
خامسا ـ الطابع الخصوصي :فــالفتوى تنشأ بــإزاء واقعة ُمعرَّفة بزمانها
ومكانها وشخصها ،وما يالبس ذلك من الخصائص العرفية الــتي قد يكــون لها
مدخل في الحكم .لكن الطابعـ الخصوصي في النازلة ،غير مــانع من صــالحية
حكمها لما يماثلها من الوقــــائع ،صــــالحيةً مطلقة عن األشــــخاص واألزمنة
والبقاع؛ فإن كون صاحب الواقعة زيداً أو عمراً أو فاطمــة ،وصف طــردي ال
تــــأثير لــــه ،وكــــذلك وقوعها في المائة الثانية أو الســــابعة ،أو في قرطبةـ أو
الجزائــر ،كل ذلك ســاقط االعتبــار ،ويبقى الحكم الشــرعي مجــرداً في أصــله
متصفا ً بالعموم واالطراد.
وقد طغى في هــذا الــزمن ترديد القــول بتغــير األحكــام والفتــوى بتغــير
األزمــان من غــير ضــابط ،والتبس الحق في ذلك بالباطــل؛ إذ لو صــحت هــذه
األطروحة على إطالقها ،لبطل أن تكون الشريعة اإلسالمية حاكمة على جميع
األزمنة إلى يــوم القيامــة ،إذ معظم أحكامها نشــأت لمقتضى أســباب من واقع
حياة المجتمع القائم في الجزيــرة العربيةـ في زمن النــبي × ،وما من شــيء من
وجه تلك الحياة إال وقد طرأ عليه تغيي ٌـر ماَ ،شسَّع البوْ ن بين ناس ذلك المجتمع
وناس مجتمع اليوم ،فالمسكن غير المسكن ،والمركب غير المـركب ،والملبس
غــير الملبس ،والســالح غــير الســالح ،ووســائل التعلم والعيش والكسب غــير
الوســـائل،ـ فعلى قاعـــدة إطالق التغـــير يجب أن ال يبقىـ حكم في الشـــريعة إال
ومقتضاه منعدم اليوم.
وربما تشــبث بعض النــاس ،في ادعــاء تغــير األحكــام بــالزمن ،بقاعــدة
فقهية تدل على هذا المعنى.ـ وهذه القاعدة ليست معروفة عند الفقهاء األقدمين،
وأول من قعــدها فيما أعلم مجلة األحكــام العدليــة ،الــتي هي القــانون المــدني
العثمــاني المــدون في أواخر عهد الخالفــة ،وصــيغتها :ال ينكر تغــير األحكــام
بتغير األزمان( .)2وهي فرع من فروع القاعدة الكلية من القواعد الخمس الــتي
بــني عليها الفقــه ،وهي :العــادة محكمــة .على أن صــيغة الجملة المــذكورة :ال
(?) ينظر الكالم عليه في :فقه النــوازل عند المالكيــة ،للــدكتور مصــطفى الصــمدي ،ص 1
204وص.213
ــ 44ـ
ينكر تغير...الخ،ـ ال تعطي معــنى قاعــدياً ،بل طارئـا ً نــادراً ،لكن بعض النــاس
يفهمها فهما ً قاعدياً؛ أي على النحو اآلتي :تتغيرـ األحكام بتغير األزمان ،وهــذا
غلط فاحش على الشريعة.
فإن قيل :فما معنى عدم إنكار تغير األحكام باألزمان الــذي ذكرته مجلة
األحكــام العدليــة؟ قيــل :معنــاه أن الحكم قد يكــون مبينـاًـ على علة مرجعها إلى
عرف قائم ،ثم يـزول ذلك العـرف أو يتغــير ،فيتغــير حكمـه ،ضـرورة دوران
الحكم مع علته وجــوداً وعــدماً .وقد يكــون مبني ـاًـ على رعي مصــلحة معينــة،
فتتغير تلك المصلحة ،فيتغير الحكم الذي بني عليها.ـ
ومثال ذلك أنه ثبتـ في الســنة الــترغيب في العنايةـ بالخيــل ،لكونها عــدة
الغــزو ووســيلة الجهــاد ،فال جــرم كــان كل ما يخــدم هــذه العــدة وينميها في
المســلمين،ـ كتربية الخيل وسياســتها واالعتنــاء بجيــاد ســالالتها وحفظها من
الهجن ،والتدريب على ركوبها ،والسباق عليها ،ووقف األوقــاف على طعامها
وشرابها ،كل ذلك كان عمالً صالحا ً مرغب ـا ً فيه مــأجوراً عليــه.ـ واليــوم انعــدم
منها أن تكـــون عـــدة للحـــرب ،فبطل كل ما يتعلقـ بالعناية بها من الفضـــائل.
وكذلك سكنى الثغــور البحرية لقصد حراســتها من العــدو ،كــان عمالً مــأجوراً
عليه ،ورباطا ً في سبيلـ هللا ،واليوم انتقلـ هذا المعنى إلى وسائل أخــرى ،فبطل
الفضل المتعلق بسكنى هذه الثغور.
مثــالـ آخــر :قضى النــبي × في المصــراة إذا ردها المشــتري بتــدليسـ
التصـرية ،أن يردها معها صــاعا ً من تمــر .ولو كــان المتبايعـان في موضع ال
تمر فيه ،بل طعام الناس القمح أو األرز ،كان عليه أن يرد صــاعا ً من الطعــام
الذي يطعمونــه،ـ وإنما ذكر التمر في الحــديث ألنه طعــام أهل المدينةـ يومئذ(.)1
وهــذا المعــنى مطــرد أيضـا ً في الصــنف الــذي تخــرج منه زكــاة الفطــر ،فــإن
التنصيص على األصناف الخمسة المــذكورة في حــديث أبي ســعيد في الموطأ
وغيره ،غير حاصرة ،بل جارية مجرى التنبيه على جنس ما يخرج منه ،وأنه
ما كان قوتا ً ألهل كل بلد ،وهو المشهور في المذهب خالفا ً ألشهب(.)2
(?) مجلة األحكام العدلية ،المـادة ،39ص 20؛ القاعـدة 38من شـرح القواعد الفقهية للزرقـا، 2
ص .226
ولعمري كيف يحتفل بها على أنها من القواعد المشــهورة ،وينســبها البعض إلى المــذهب
المــالكي ،منوهـا ً إلى أنها مكنت فقهــاءه من االنفتــاح على عصــورهم واســتنباط األحكــام
المالئمة لما استحدث من القضايا في أزمانهم؟ ينظر :مقدمة تحقيق مطالع التمام للــدكتور
عبد الخالق أحمدون ،ص.11
(?) وينظر :المنتقى للباجي5/106؛ المعلم للمازري.2/249 1
ــ 45ـ
سادسا ـ الط ابع الم ذهبي :كتب النوازل المغربيةـ تجمع فتــاوى لفقهــاء
مقلدين لمذهب مالك في الجملة ،نقالً أو تخريج ـاً ،وإن كــانت تقع لبعضــهم في
النــادر آراء في بعض المســائل ،يتفــردون فيها بــترجيح قــول ضــعيف على
المشــهور ،على خالف ما تقتضــيهـ أصــول اإلفتــاء ،أو تــرجيح خالف مــذهب
مالك جملة ،لدليل قوي يقتضي ذلك الترجيح ،أو جلب مصلحة أو دفع مفســدة.
ولما كانت كتب الفتاوى معتمدة على كتب الفقه العام في المــذهب ،في تخــريج
أحكــام المســائلـ الواقعــة ،ال جــرم كــانت هــذه الكتب مصــدراً ثانويـاًـ مهمـاً ،ال
يستغنيـ عنه الفقيه وال المتفقه،ـ في التعرف على مذهب مالك من وجوه عديدة،
كمعرفة كتبهـ وشيوخه على طبقاتهم ،ووجه تخــريج الفــروع على الفــروع ،أو
على أصول المذهب ،والفوائد التي يكشف عنها االستطراد والبحث.
وقد يعيب أهل زماننا تقيد المفــتينـ بالمــذاهب الــتي تفقهــوا عليهــا ،ولم
يرقــوا إلى درجة النظر في الخالف واختيــار األقــوى في النظر واألصح في
الدليل ،كما يفعل بعض المفتينـ اآلن حيث ال ينسبون فتواهم إلى مــذهب معين،
بل ينســبونهاـ إلى الــدليل الــذي قــادهم إلى ما قــالوا ،فيــنزلون أنفســهم في واقع
األمر ،منزلة مالك والشافعي وأضرابهم من األئمة المجتهدين.ـ
وقد ناقشت طرفا ً من هذه المسألة في البحث الذي قدمته لهــذه النــدوة في
العام الماضــي ،بعنــوان "نظــرات في االجتهــاد والتقليــد".ـ وبينت أن المغالطة
التي ينطوي عليها هذا الرأي ،تؤدي إلى فوضى فقهية ال نهايةـ لها ،وقد بــدأت
بوادرها تتفاقم مع زيادة الدعوة إلى االجتهــاد وذم التقليــد .وذكــرت أن المفــتي
في مسألة ما ال يخرج عن ثالث خيارات:
إما أن يذكر خالف األئمة في المسألة من غير ترجيح ،فيوقع المســتفتي
في حيرة من أمره ،أو يخلي بينهـ وبين هواه يتبع به ما يشاء.
وإما أن يقــول بقــول إمــام من األئمة المتقــدمين المجمع على إمــامتهم
وجاللتهم ،المقتدى بهم ،المحرر فقههم تحريراً تاما ً أصوالً وفروعاً.
وإما أن يقول بما يــراه مــذهبا ً لــه ،فيجعل نفسه مجتهــداً من المجتهــدين،ـ
وإذ ذاك فيلزمه في كل مســــألة أن يتقصى ما فيها من االختالف واألدلــــة ،ثم
يرجح ما يراه راجحاً .وإذا أجاز اإلنسان لنفسه ذلك من غــير شــهادة أهل العلم
الراسخين له به ،لــزم أن يكــون في األمة من المجتهــدين ما ال يحصــيه العــدد،
ولن يستطيعـ أحد أن يمنعـ أبسط طالب العلم من ادعاء ذلك.
فـــأي الخيَـــارات الثالثة أصـــلح للنـــاس ،وأدعى لالســـتقرار في التعليم
ُّ
والفتوى والقضاء ،وأصـون للفقه من أن يتســور على حرمته األدعيــاء؟ ثم لما
ــ 46ـ
كانت الفتوى ممارسة لمهنة الفقيه في الحيــاة العملية المتصــلة بعبــادات النــاس
ومعامالتهم وسائر تصرفاتهم ،وكان ال بد لمن يتولى هذا المنصب المــنيفـ أن
يكون مر على مرحلة تعلم فيها حتى نجب وتأهل،ـ فأي الكتب الفقهية من غــير
مصـنفات المـذاهب ،تصـلح لتخـريج الفقهـاء؟ فـإن قيـل :يوضع للنـاس كتـاب
يختار فيه الصحيح في كل مسألة ،الذي يؤيده الدليل من الكتــاب والســنة،ـ على
نحو ما أسلفنا في الفتوى في الواقعات .قيل :ال يخرج هذا الكتاب عن أن يكون
مذهبا ً لصاحبه الــذي ال أظن أنه يتجاسر على دعــوى أن يكــون أشد تمكن ـا ً في
الفقه من الشافعي مثالً ،ومعنى ذلك أن يكون هذا الكتابـ في أحسن أحواله أقل
شأنا ً من أحسن ما صنف في مذهب الشافعي .فإن زعم صــاحبه أنه استشــرف
المذاهب واألدلة ،فتبين له الحق من الباطــل ،والصــواب من الخطــأ ،فال إخاله
إال قد اســتوى هو ومن يــوحى إليــه ،إذ ليس وراء الطاقة البشــرية الــتي يظن
باألئمة المجتهــدين أنهم اســتنفدوها لــدى النظر في المســائل ،إال الــوحي الــذي
يختص به األنبياء.
وهللا أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
ــ 47ـ
ملحق في تسمية بعض ما جمعه الجزائريون من النوازل
1ـ الـــدرر المكنونة في نـــوازل مازونة ألبي زكريا يحي بن موسى المغيلي
المازوني ((في فتاوى معاصريه من أهل تونس وبجاية والجزائر وتلمسان
وغــيرهم .ينقل عنه الونشريسي كثــيراً ولعله كــان عمدته في جمعه مــادة
المعيار ليضيف إليه نوازل فاس واألندلس)).
2ـ فتاوي أحمد بن محمد بن الشهير بابنـ زاغو المغراوي التلمساني.
3ـ مسائلـ الفتوى ألحمد بن محمد بن زآري التلمساني.
4ـ فتاوي أحمد بن عيسى البَطِّيوي التلمساني.ـ
5ـ فتاوي عبد هللا بن محمد بن أحمد بن علي التلمساني.
6ـ فتاوي محمد بن أحمد الشريف التلمساني.ـ
7ـ فتاوي محمد بن أحمد التلمسانيـ المشهور بالجالب.
8ـ فتاوي محمد بن العباس ابن عيسى العبادي التلمساني.
9ـ فتاوي محمد بن عبد هللا بن عبد الجليل التَّنَسي صاحب مسألة "فتوى يهــود
توات".
10ـ فتاوي أحمد بن محمد بن ذافال الجزائري.
11ـ فتاوي علي بن محمد الحلبي الجزائري.
12ـ فتاوي عبد القادر الراشدي القسنطيني.
13ـ فتاوي حميدة بن محمد العمالي الجزائري.
14ـ فتاوي محمد بن عبد الرحمن بن أبي العيش الخزرجي التلمساني.
15ـ فتاوي عمران بن موسى ال ِم ِش َّذالي البِجائي.ـ
16ـ فتاوي علي بن عثمان ال َم ْن َجاّل تيـ الزواوي البجائي.ـ
17ـ فتاوي عمر بن محمد الكماد األنصاري القسنطينيـ الشهير بالوزان.
18ـ فتاوي عبد الرحمن بن أحمد الدغيلي.
19ـ فتاوي علي الدنيسي.ـ
20ـ المســــائلـ المســــطرة في النــــوازل الفقهية لحسن بن علي بن بــــاديس
القسنطينيـ المعروف بابن قنفد.
ــ 48ـ
ـ49 ــ
خصائص النوازل الفقهية في الغرب اإلسالمي
د/يحيى سعيدي
كلية العلوم اإلسالمية جامعة الجزائر
الحمد هلل ،والصالة والسالم على رسول هللا ،وعلى آله وصحبه و َمن
وااله ،وبعد:
فإن العنايةـ بأصول العلوم من أهم الطرق إلحياء األمة في جميع
المجاالت؛ ألن األمة محتاجة في نهضتها لجميع العلوم ،والعنايةُ بأصول كلِّ
علم هو حفظٌ له ،وتجديد لحياة األمة الدينية والدنيويةـ وتحقيق مصالحها.
وكذلك العناية بالنوازل والمسائل المستج َّدة ،التي لها أثر على كيان
األمة العقدي ،أو االقتصادي ،أو االجتماعي،ـ أو السياسي،ـ أو التربوي ...إلخ.
و َمن تأمل تاريخ المسلمين،ـ يجد أن لهم عنايةً فائقة بأصول العلوم،
ولهم عناية فقهيَّة بالنوازل التي ت َِج ُّد في حياة األمة ،وردها إلى تلك األصول،
وتختصُّ هذه المقالة ببيانـ معنى النوازل وحقيقتها،ـ وأوصافها ،وخصائصها
التي تمتاز بها في الغرب اإلسالمي( ،بالد شمال إفريقية األندلس).
معنى النازلة في اللغة
النوازل جمع (نازلة)،ـ والنَّازلة اسم فاعل من (نزل ينزل) ،إذا حلَّ،
ومن ذلك القنوت في النوازل(.)1
قال ابن فارس(( :النون والزاي والالم)) :كلمة صحيحة ،تدل على
()
هبوط شيء ووقوعه)) . 2
فهي المصيبة الشديدة تنزل بالناس ،يقال نزلت بهم نازلة ،ونائبة،ـ
وحادثة،ـ ثم آبدة ،وداهية وباقعة ثم بائقة وحاطمة وفاقرة ثم غاشية وواقعة
()
وقارعة ثم حاقة وطامة وصاخة . 3
وهذا التقسيم اللغوي للنوازل باعتبار درجة ومرتبة شدة هذه النازلة
بالناس ،وتجمع على نوازل ونازالت.
وأما في االصطالح
(?) فقه اللغة وسر العربية ألبي منصور الثعالبي ص ،278بتحقيق د.فائز محمد ،دار 3
(.)3
ويمكن أن يستنبط جملة من األوصاف للنازلة ،منها:
1ـ كونها واقعةً.
2ـ كونها جديدة.
3ـ كونها شديدة.
وقد استنبط بعض أهل العلم هذه الشروط من المعنى اللغوي للنازلة(.)4
والذي يظهر لي أن الوصف األول والثاني وصفان طبيعيان لمعنى
النَّازلة؛ ألن المسألة التي تحتاج إلى اجتهاد شرعي في الغالب ال بد أن تكون قد
وقعت( ،)5وكانت من المسائل الجديدة ،وهذا في جميع المسائل ،ثم تختص ْ
النازلة بكونها شديد ًة ،بحيث تلتفت لها األمة في مجموعها ،وتستدعي موقفاً
اجتهاد ًّيا شرع ًّيا ،ويترتب على ترك االجتهاد فيها ضررٌ على المسلمين.
وهذا المعنى ـ وهو كونها تتَّصف بالشدة ـ وإن كان له أصل في
اللَّغة ،لكن األقوى االستدالل عليه بما ورد في بعض نصوص السيرة ،وفيها
أن النبي × كان يقنت في النَّوازل( ،)6كما ورد في كتب الحديث (القنوت في
النوازل) ()7؛ أي :ال َّشدائد.
1
(?) جامع بيان العلم وفضله (.)2/55
(?) شرح النووي على صحيح مسلم( .)1/213 2
5
(?) قلت" :في الغالب"؛ ألنه يجوز أن يسأل عن مسألة لم تقع ،كما ورد في سؤال
ض َر َب ِإ ْحدَى بعض الصحابة في حديثَ« :أ َرَأيْتَ ِإنْ لَقيتُ َر ُجالً ِمنَ ال ُكفَّا ِر فَا ْقتَتَ ْلنَا ،فَ َ
سلَ ْمتُ هللَِ ،أ ْقتُلُهُ يَا َر ُ
سو َل هللاِ بَ ْع َد ف ،فَقَطَ َع َها ،ثُ َّم الَ َذ ِمنِّي ِبش ََج َر ٍة ،فَقَا َلَ :أ ْ
س ْي ِ
ي بِال َّ يَ َد َّ
َأنْ قال َها؟ »...الحديث؛ أخرجه البخاري ،4/1474رقم ( ،)3794ومسلم ،1/95رقم ( َ َ
،)95عن المقداد بن األسود ـ رضي هللا عنه.
6
(?) ومن ذلك قنوته ـ عليه الصالة والسالم ـ بعدما قُتل أصحابه القراء انظر:
"صحيح البخاري" ،3/1156رقم ( ،)2999و"صحيح مسلم" ،1/468رقم (.)677
7
(?) انظر :فقه النوازل ،د .محمد الجيزاني.)1/20( ،
ــ 51ـ
وقد عرَّفها بعض أهل العلم بقوله(( :ما استدعى حك ًما شرعيًّا من
الوقائع المستج َّدة))( ،)1أو يقال:ـ هي الوقائع المستجدة الملحَّة.
وعرفها البعض اآلخر بقوله(( :الوقائع الجديدة التي لم يسبق فيها
نصٌ أو اجتهاد))(.)2
وإذا انضاف إلى ذلك كونها َّشديدة؛ أي :متعلقة بأمور لها أهميتها في
ق بينهاـ وبين عموم المسائلـ الجديدة؛ إذ واقع األمة ،يستقيمـ لنا حينئ ٍذ التفري ُ
ليس كل مسألة جديدة نازلة.
ويمكن تعريفها بأنها(( :الوقائع الجديدة ال َّشديدة التي ال نص فيها وال
اجتهاد)).
فالوقائع :هي كل ما يقع للناس من قضايا ومسائل تحتاج إلى بيان
حكم الشرع فيها سواء كانتـ في أبواب العبادات أو المعامالتـ أو أحوال
األسرة أو ما يتعلق بالحدود والبيناتـ والدعاوى واألقضية وغيرها من قضايا
الناس االجتماعيةـ أو االقتصادية أو السياسية.ـ
والمراد بالجديدة :قيد يخرج الوقائع القديمة التي سبق وأن وجد لها
حكم شرعي ،أو ما زال النظر االجتهادي فيها قائ ًما.
والمراد بالشديدة :قيد يخرج المسائل الجديدة غير الشديدة ،ألن
الوقائع ال ّشديدة ملحة أي تحتاج إلى حكم شرعي في الحال وال تقبلـ االنتظار.ـ
أما قيد (التي ال نصّ فيها وال اجتهاد) لنخرج به المسائل التي سبق
فيها الحكم بنص أو إجماع ،ولم يصدر فيها فتوى أو حكم شرعي من قبل
العلماء المجتهدين.
األلفاظ ذات الصلة بمصطلح النوازل
استخدم الفقهاء ألفاظًا أخرى تدل على معنى النوازل وهي:
1ـ الفتاوى :وهي األجوبة عما يشكل من المسائل الشرعية.
ومن ذلك :فتاوى ابن أبي زيد القيرواني (ت386هــ)(،)3
1
(?) انظر :فقه النوازل ،د .محمد الجيزاني.)1/20( ،
(?) منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة لمسفر بن علي بن محمد القحطاني ص 90 2
.
3
(?) هو أبو محمد عبدهللا بن أبي زيد عبدالرحمن النفزي القيرواني ،إمام الـمالكية في
وقته ،أخذ عن جـماعة منهم محمد بن مسرور والقطان واألبياني ،وتفقه به أبو بكر بن
عبدالرحمن ،والبرادعي واللبيدي وغيرهم ،من تآليفه النوادر والزيادات ،والرسالة،
والذب على مذهب مالك وغيرها ،توفي سنة 386هـ.
ــ 52ـ
وفتاوى ابن رشد (ت520هــ)(.)1
وفتاوى الشاطبيـ (ت790هــ)(.)2
وفتاوى البُر ُزلي (ت841هــ)(.)3
واشتهر هذا المصطلح عند الحنفية والمالكية.
2ـ األجوبة أو الجوابات ،أو األسئلة ،أو األسئلة واألجوبة :ويقصد
بها أجوبة المفتي عن األسئلة التي قدمت إليه ليفتي فيها في أمر مشكل.
ومن المؤلفات في ذلك:
()4
ـ األجوبة ألبي الحسن علي بن محمد القابسي (ت403هــ) ،
ـ واألسئلة لمحمد بن إبراهيم بن عباد (ت792هــ)(.)5
3ـ العمل أو العمليات :وهي ما اتفق أهل بلد ما على العمل به،
كعمل أهل فاس.
انظر :طبقات الفقهاء للشيرازي ص ،160ترتيب الـمدارك للقاضي عياض ( 2/492ـ
،)497سير إعالم النبالء للذهبي ( 17/10ـ
1
(?) هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي المالكي ،زعيم فقهاء وقته بأقطار األندلس
والمغرب ،تفقه بابن رزق وابن فرج وجماعة ،وعنه ابنه أحمد والقاضي عياض وغيرهم،
تصانيفه كثيرة أهمها :البيان والتحصيل ،المقدمات والممهدات على المدونة ،توفي سنة 520هـ.
انظر ترجمته في :سير أعالم النبالء ( ،)19/501الديباج ( ،)2/248بغية الملتمس ص ( ،)50
تذكرة الحفاظ ( ،)4/127شذرات الذهب ( ،)4/62شجرة النور ص ( ،)129األعالم ( 5/389
).
2
(?) هو اإلمام إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشاطبي ،له القدم الراسخة
واإلمامة العظمى في الفنون فقها وأصوال وتفسيرا وحديثا وغيرها ،له مؤلفات عظيمة
منها :الموافقات واالعتصام ،توفي سنة 790هـ .انظر ترجمته :نيل االبتهاج للتنبكتي ،تقديم عبد
الحميد الهرامة ،ط 1398 :1هـ 1989م ،كلية الدعوة اإلسالمية ،طرابلس ،ليبيا ،ص ( ،)48
األعالم ( ،)1/71معجم المؤلفين لكحالة ( )1/118إيضاح المكنون للبغداي ،دار العلوم الحديثة،
بيروت ،)2/127 ( ،شجرة ا لنور لمحمد مخلوف ،دارالفكر ،بيروت ،ص ( .)231
)?( 3هو اإلمام أبو القاسم بن أحمد بن محمد البلوي القيرواني المعروف بالبرزلي ،أحد
أئمة المالكية في المغرب سكن تونس وانتهت إليه الفتوى ،له مصنفات عدة منها:
الفتاوى والقضايا واألحكام توفي سنة 844هـ ،انظر ترجمته في شجرة النور ص،245
معجم المؤلفين (.)2/158
)?( 4هو أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري المعروف بأبي الحسن القابسي
الفقيه النظار األصولي المتكلم اإلمام في علم الحديث وفنونه وأسانيده ،كان عليه
االعتماد ،له تآليف بديعة منها :الممهد في الفقه وأحكام الديانة ،والملخص في الموطأ،
توفي بالقيروان سنة 403هـ .انظر :شجرة النور الزكية ص.97
)?( 5هو أبو عبد هللا محمد بن الشيخ ابراهيم الرندي النفزي المعروف بابن عباد شيخ
العلماء الزهاد أخذ عن الشريف التلمساني ،واإلمام المقري واآلبلي وانتفع به جماعة
منهم عيسى المصمودي وعبد هللا الفشتالي ،له تصانيف كثيرة منها شرح الحكم
العطائية ،كانت وفاته سنة 792هـ .انظر شجرة النور الزكية ص 238ـ .239
ــ 53ـ
ومن ذلك(( :العمل الفاسي)) الذي نظمه الشيخ عبد الرحمن الفاسي (ت
1096هــ) ( ،)1في منظومة ضمنها حوالي ثالثمائة مسألة مما جرى به العمل
بفاس ،وقد شرحها ولم يتمها ،وشرحها القاضي العميري وأبو القاسم
السجلماسي (ت1214هــ) ( ،)2وشرحها الشيخ المهدي الوزاني( )3في كتابه:
((تحفة األكياس بشرح عمليات فاس)) ،كما شرحها ـ شرحاً وسطاً ـ العالمة عبد
الصمد كنون في كتابه(( :جنى زهر اآلس في شرح نظم عمل فاس)) .وهذه
الشروح مطبوعة على الحجر ،واألخير منها على الورق بمطبعة الشرق
بمصر.
4ـ األحكام :وهي غالبًا ما تتعلقـ بأبواب األقضية ،والمعامالتـ
المستجدة.
ومن ذلك :كتابـ ((األحكام)) للقاضي أبي المطرف عبد الرحمن بن
قاسم الشعبي المالقي (ت497هــ) (.)4
وهو من أوائل من صنف في هذا اللون من الفقه المالكي .ومنها :جامع
مسائل األحكام لما نزل من القضايا بالمفتين والحكام للبرزلي (ت 841هــ).
خصائص فقه النوازل في الغرب اإلسالمي
تتميزـ النوازل الفقهية بعدة خصائص ال يشاركها فيها غيرها من
الفنون األخرى .ودراسة هذه الخصائص تعد الوجه المشرق للشريعة
اإلسالمية بعامة،ـ والفقه اإلسالمي بخاصة.
فمن خاللها نرى واقعية الفقه ،ومسايرته لتطور الحياة ،وتغير
أنماطها،ـ وقدرته على حل كل ما يعترض المسلمين من صعوبات ومشكالت.
كما نرى مراعاة أحوال المكلفين،ـ وتغير عاداتهم وأعرافهم ،ويظهر
هذا ـ جليًا ـ من خالل ما يسمى بفقه المقاصد ،ومراعاة األعراف.
(?) عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي العالمة العمدة المحقق أخذ عن جماعة منهم 1
القاضي ابن سودة وميارة الكبير ،له تآليف حسان منها نظم العمل الفاسي ،وشارك
بالتأليف في علوم كثيرة ،توفي سنة 1096هـ .انظر :شجرة النور الزكية ص 315ـ .316
(?) أبو عبد هللا محمد بن أبي قاسم الفاللي السجلماسي اإلمام الفقيه المتفنن المحقق 2
المتقن البارع في تحرير األحكام والنوازل ،أخذ عنه أعالم ،له شرح على العمل
الفاسي ،توفي سنة 1214هـ ،انظر في ترجمته شجرة النور الزكية ص.376
(?) أبو عبد هللا محمد المهدي الوزاني الفاسي مفتيها وفقيهها ،صاحب التآليف المفيدة 3
والرسائل العديدة ،الفاضل العارف بمدارك األحكام والنوازل ومسائل المذهب والمنقول
والمعقول ،له حاشية على شرح التاودي على التحفة ،النوازل ،ومعيار علماء المغرب،
توفي سنة 1342هـ ،انظر :شجرة النور ص 435ـ .436
(?) هو أبو المطرف عبد الرحمن بن قاسم الشعبي المالقي اإلمام الفهامة العالم باإلحكام 4
والنوازل له فتاوى في غاية النبل اعتمده ابن عرفة توفي سنة 497هـ ،انظر في ترجمته
شجرة النور الزكية ص.123
ــ 54ـ
يضاف إلى هذا كله التنوع الظاهر في التأليف،ـ والتجدد المستمر
للمسائل المختلفة.
وإليك هذه الخصائص بشيء من التفصيل:
الخاصيَّة األولى :الواقعية
تتميزـ النوازل ـ عموما ً ـ بالواقعية؛ نظراً لتعلقها بقضايا ومسائل
وقعت ونزلت بالفعل.ـ وترتبط نوازل المالكية ـ بصفة خاصة بهذه الواقعية
ارتباطا ً شديداً ـ منذ عهد التأسيس؛ـ حين كان اإلمام مالك يستنكف عن
الخوض في الفرضيات.ـ
ولهذا لما رحل أسد بن الفرات (ت 213هــ) ( )1إلى المدينة ولقي اإلمام
مال ًكا (ت179هــ) ،وسأله عن بعض األسئلة التي لم تنزل ،فما كان من اإلمام
مالك إال أن قال له(( :هذه سلسلة بنت سليسلة ،إن أردت هذا؛ فعليك بالعراق))
(.)2
ولذلك كان من الطبيعي أن تكثر نوازل المذهب المالكي الذي يرتكز
فقهه على الواقعية .وهي تختلف ـ أساساً ـ عن االفتراضات النظرية التي طالما
شعبت الفقه
ّ وضخ
َمته
ّ وعق
َدته .فكانت األحداث التي عاشها
النّ
َاس في الجناح الغربي من العالم اإلسالمي ـ مصطبغة بالصبغة الواقعية
المحلية ،ومتأثرة بالمؤثرات الوقتية ـ َمدعاة إلى اجتهاد الفقهاء؛ الستنباط
األحكام الشرعية المالئمة عن طريق استقراء النصوص الفقهية القديمة
ومقارنتها وتأويلها.
فنوازل الونشريسي والبرزلي ـ بخاصة ،وغيرهما بعامة ـ لها قيمة
حقيقية في حلول كثير من مشكالت عصرهم ،وأهل زمانهم ،إذ هي حلول
لمعضالت نزلت بأهل بالدهم ،سواء أكانتـ هذه النوازل مما يتعلق بأمور
العبادات ،أم بأمور المعامالت.ـ
ولهذا نجد أن هذه النوازل تختلف من ناحيةـ الموضوع ،فمنها :ما
يتصل بالفقه،ـ وهو الغالب ،ومنها :ما يتعلق بمسائل العقيدة ،وهي قليلة
(?) أبو عبد هللا أسد بن الفرات ،أصله من نيسابور ،وقدم به أبوه تونس ،تفقه بأبي 1
الحسن بن زياد ،رحل إلى المشرق وسمع من مالك كوطأه وغيره ،وعنه أخذ أئمة منهم
أبو يوسف الموطأ ،تولى القضاء بالقيروان سنة203هـ ،مات وهو يغزو صقلية سنة
213هـ ،انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص.62
(?) انظر :ترتيب المدارك ( 1/190ـ )191و(.)3/292 2
ــ 55ـ
بالنسبةـ لغيرها من مسائل الفقه ،فنجد المسائل النازلة في بعض الفرق،
والمذاهب الكالمية ،والطرق الصوفية،ـ حيث يكثر السؤال عنها؛ـ نتيجةـ عدم
معرفة هذه المسائل.ـ وقد ساعد على إيجاد هذه الطرق والمذاهب قيام بعض
الدويالت في المغرب اإلسالمي ،التي اعتقد بعض أمرائها بعض المسائلـ
العقدية وساعد على نشرها ،وقد تكون هذه اآلراء غريبة على أهل تلك
البلدة؛ مما حدا بهم إلى السؤال عنها.
ومن النوازل الفقهية :ما يتعلقـ بمسائلـ العبادات بدءاً من كتاب
الطهارة وانتها ًـء بكتابـ الفرائض والكتاب الجامع ،كما هو الحال في ترتيبـ
األبواب عند المالكية.
ومن األمثلة على ذلك :ما جاء في نوازل الطهارة من كتاب المعيار
للونشريسي:ـ ((الصالة في ثوب الملف الذي نسجه النصارى)) حيث سئل
الفقيه الحافظ سيدي أبو العباس أحمد القباب عن حكم الصالة بالملف الذي
نسجه النصارى قبل غسله ،وذلك أنهم يجعلون فيه شحم الخنزير ،وبعد
الغسل لما يبقى فيه من الرطوبة الناشئة عن الشحم ،والماء ال يزيلها (.)1
ومن األمثلة على نوازل المعامالت :ما يتعلق بالنكاح ،حيث ورد في
نوازل العلمي(( :سئل أبو مهدي عيسى بن علي الشريف ~ عن امرأة زنى بها
رجل فحملت ،ثم إن الرجل تزوجها بولي وصداق ،فبقيت خمسة أشهر من يوم
العقد ووضعت الحمل ،فعزلته الجماعة عنها ،هل يتأبد عليه التحريم لكونه عقد
على امرأة في استبرائها ،فال تحل له أبداً؟ أو يجوز له أن يعقد عليها بنكاح
جديد بولي وصداق وشاهدين؟ وهل الولد الحق به أم ال؟ وإن قيل :بصحة العقد
فما يكفي في استبرائها؟ هل وضع حملها؟ أو البد من ثالثة أقراء؟)).
ومن األمثلة على نوازل الجهاد الواقعية:ـ ما قام به األمير عبد القادر
الجزائري(ت1300هـ) من االستفتاء بالمراسلة للشيخ علي التسولي( ،)2حيث
ضمن رسالته بعض األسئلة المتعلقةـ باستعمارـ الفرنسيينـ للجزائر ،وفي
مقدمة هذه الرسالة يقول…(( :جوابكم ـ أبقاكم هللا ـ فيما عظم من الخطب،
واشتد من الكرب ،بوطن الجزائر الذي صار لقربان الكفر جزائره ،وذلك أن
العدو الكافر يحاول ملك المسلمين ـ مع استرقاقهم ـ تارة بالسيف،ـ وتارة
)?( 1المعيار المعرب للونشريسي (.)1/3
2
(?) هو أبو الحسن علي بن عبد الســـالم التســـولي ،من كبـــار فقهـــاء المالكية المتقـــنين
والعـــارفين بأســـراره ،المحققين لمســـائله مع صـــالح وزهد وورع ،أخذ عن محمد بن
إبراهيم وحمدون بن الحاج ،له تــآليف شــاهدة له بطــول البــاع وســعة اإلطالع منها كتابة
(البهجــة) ،وجمع فتــاوي شــيخه محمد بن إبــراهيم وضــمها إلى فتاويه فجـاءت في مجلــدات
وتوفي سنة 1258هـ.
انظر ترجمته في شجرة النور ص (.)397
ــ 56ـ
بحبال سياستهم ،ومن المسلمين:ـ من يداخلهم ويبايعهم،ـ ويجلب لهم الخيل،
وال يبخل من داللتهم على عورات المسلمين ،ويطالُِعهم ،ومن أحياء العرب
المجاورين لهم :من يفعل ذلك ،ويتمالؤون على الجحود واإلنكار ،فإذا
طولبوا بتعيينهـ جعجعوا ،والحال أنهم يعلمون منهم األعين واآلثار .فما حكم
هللا في الفريقين في أنفسهم وأموالهم؟ فهل لهم من عقاب،ـ أم يتركون على
حالهم؟ وما الحكم فيمن يتخلف في المدافعة عن الحريم واألوالد إذا استنفر
نائب اإلمام الناس للدفاع والجالد؟ فهل يعاقبون؟ وكيف عقابهم،ـ وال يتأتى
بغير قتالهم؟ وهل تؤخذ أموالهم وأسالبهم؟….)1( )).
() 2
وما أفتى به عبد الكريم المغيلي في ح ّ
ق يهود توات
وكتب نوازل الجهاد أكثر من أن تحصى ،وذلك بسببـ كثرة الحروب
التي وقعت بين المسلمين والنصارى في الغرب اإلسالمي عموما ً وفي بالد
األندلس خصوصاً .وممن ألف في هذا المجال :الكردودي الفاسي في كتابه:
((كشف الغمة)) ،ومنهم :محمد بن إدريس ،الوزير الشهير ،والوزير محمد
المكناسي.
وإن كان بعض الباحثينـ يذهب إلى ((أن تطور فقه النوازل بزيادة
نسبة الواقعية بواسطة السوابق في القضاء وسجالت المشورة باألندلس،
صحبه طغيان التقليد ،وفقدان الحرية في الترجيح ،مثال لدى أبي األصبغ
عيسى بن سهل (ت486هـ) ( )3الذي كان يرى أن المجتهد ح ْسبَهُ اتباع السلف،
وأن من مضى أعلم ممن بقي))(.)4
(?) انظر :أجوبة التسولي عن مسائل األمير عبد القادر الجزائري في الجهاد ،تأليف عبد 1
اللطيف أحمد الشيخ محمد صالح ،ص 102وما بعدها .وتحفة الزائر في مآثر األمير عبد
القادر ،لألمير محمد بن عبد القادر ص( 206ـ ،)216وأشار إلى هذه النازلة مخلوف في
كتابه شجرة النور الزكية في طبقات المالكية في ترجمة علي بن عبد السالم التسولي ص
.397
(?) انظر :أعالم الفكر والثقافة في الجزائر المحروسة ،للدكتور يحيى بوعزيز (2/145 2
ـ .)149
3
(?) هو أبو األصبغ عيسى بن سهل األسدي القرطبي ،اإلمام القاضي الـمشاور العالـم
بالنوازل ،تفقه بأبي عبدهللا بن عتاب ،وابن القطان ،وابن عبدالبر وغيرهم ،وأخذ عنه
جـماعة منهم القاضيان أبو محمد بن منظور ،وأبو عبدهللا التميمي ،له كتاب اإلعالم
بنوازل األحكام ،وفهرست ،توفي سنة 486هـ.
انظر :الديباج البن فرحون ( ،)2/65بغية الـملتمس البن عميرة الضبي ص ،403
الصلة البن بشكوال (.)2/438
(?) القسم الدراسي لكتاب مسائل أبي الوليد ابن رشد ( )1/10لمحقق الكتاب محمد 4
الحبيب التجكاني.
ــ 57ـ
إال أن هذا التقليد نبذه أبو الوليد ابن رشد من خالل مسائله،ـ والتي
نجدها تجمع باإلضافة إلى الواقعية الترجيح والتخريج ،والعودة إلى اعتماد
األصول .لكن األمر انتهىـ في األخير إلى االكتفاء بالجمع مع النص على
الراجح والمشهور ،أو ما جرى به العمل كما عند أحمد بن يحيى
الونشريسي(ت914هـ) ( )1وعند محمد المهدي الوزاني (ت1342هـ).
الخاصية الثانية :الظَْرِفَية أو النِّسِْبيَة
و هي خاصية مهمة جدا ،وأؤكد هذا ألن هناك دراسات كتبهاـ
مستشرقون فيها اتهام لدولة اإلسالم في الغرب اإلسالمي ،وبخاصة في
األندلس ،ومن ذلك ادعاؤهم أنها عرفت بالتعصبـ والتشدد إزاء أهل الذمة
(اليهود والنصارى) ،وهذا غير صحيح ،ألنهم انطلقوا من فتاوى ونوازل
وقعت في فترات ظرفية زمانيةـ ومكانيةـ خاصة .إذن فالظرفية أو النسبيةـ
خاصية مهمة جدا ،ولهذا نرى أن المتتبع لكتب النوازل يجد أن العلماء
النوازليين كانوا يراعون المالبساتـ التي تحيط بالفعلـ والحال الحاضرة
الناس أو ينزل والنازلة المتعينة ،ويجعلونها مناط التفريع،ـ فالمجتهد كي يفتيـ َّ
على النازلة ملزم بمعرفة الظروف واألحوال ،يقول العالمة عبد السالم
()
الهواري (ت749هـ) (( : 2إنما الغرابة في استعمال كليات علم الفقه وانطباقها
على جزئيات الوقائع من الناس ،وهو عسير على كثير من الناس ،ولهذا اشتهر
بأن الفتوى دربة وصنعة ،ألن األحكام تتغير بتغير األزمنة)) .ومن هنا نصوا
أيضا على أن مراعاة المآل بالنسبة إلى حال الزمان وأهله أمر ضروري
للمفتي ،ومن الالفت لالنتباه أن الفقهاء المالكية المتأخرين بالغرب اإلسالمي
اعتمدوا في معالجة النوازل والقضايا واألعراض على هذا المسلك ،هناك
مثاالن مشهوران:
األول :فقه العمل الذي اشتهر به المالكية ،وهو كله مبني على
الظرفية والنسبية،ـ أو ما يمكن أن يصطلح عليه "الذرائعية"ـ.
1
(?) هو أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي التلمساني ثم الفاسي ،اإلمام العمدة
المحقق ،أخذ عن العقباني وأبي عبد هللا الجالب وابن مرزوق الكفيف وابن زكري
التلمساني ،وعنه ابنه عبد الواحد ومحمد بن عيسى المغيلي وابن هارون وغيرهم ،من
مصنفاته المعيار المعرب ،تعليق على ابن الحاجب الفرعي ،إيضاح المسالك إلى قواعد
اإلمام مالك ،الفائق في الوثائق ،توفي سنة 914هـ.
انظر ترجمته في :البستان ص ( ،)53درة الحجال ( ،)1/91الفكر السامي ( ،)4/99شجرة
النور ص (.)274
2
(?) هو محمد بن عبد السالم التونسي قاضي الجماعة بها الحافظ المتبحــر ،أخذ عن أبي
عبد هللا بن هارون وابن جماعــة ،وعنه القاضي ابن حيــدرة وابن عرفــة ،من كتبه شــرح
جــامع األمهــات في الفقه شــرح فيه مختصر ابن الحــاجب ،وديــوان فتــاوى ،تــوفي ســنة
انظر في ترجمته :الديباج ( ،)2/329نيل االبتهاج ص ( ،)406شجرة 749هـ.
النور ص ( ،)210الحلل السندسية (.)1/577
ــ 58ـ
والثاني :أن كثيرا من القضايا االجتماعية الشائكة في الغرب
اإلسالمي بحثها العلماء من منطلقـ مراعاة األحوال والظروف والمالبسات.ـ
و الخالصة أن نقول إن المالبساتـ التي تحيط بالنازلةـ في االتجاه
النوازلي ال بد من مراعاتها،ـ فكما يقول األصوليون في باب القياس(( :الحكم
يدور مع علته وجودا وعدما)) ،يمكنناـ أن نقول(( :النازلة الفقهية تدور مع
مالبساتهاـ وظروفها وأحوالها وجودا وعدما)).
الخاصيَّة الثالثة :الطابـع المحلِّي
ظاهرة الطابعـ المحلي في كتب النوازل من أبرز خصائصها ،فهي ال
تبقى سابحة في المطلق كما هو الشأن في كتب الفقه العامة ،وإنما تتحدد
مسائلها في المكان والزمان والموضوع ،بحسب ما تأتي به األسئلة التي
تنبنيـ عليها،ـ وما تطرحه من مشاكل دينية واجتماعية وسياسيةـ واقتصادية.
وبذلك فإن المهم بالدرجة األولى ـ من هذا المنظور ـ ليس هو الجواب
الفقهي ،وإنما السؤال الذي يأتي بتفاصيل النازلة ،ويذكر أسماء األطراف
المعنية،ـ وحتى تاريخ النازلة أحياناً.ـ
ويظهر هذا األمر في غاية الوضوح في أسماء هذه الكتب التي تشير
إلى وقائع بلدة ما ،أو أسماء المستفتين،ـ ونسبهم ،وقريتهم ،وما يتبعـ ذلك من
ظروف معيشيةـ وبيئية ،مما يدل على أن السِّمة المحلية هي الغالبة على هذه
النوازل ،وهذا يعني أن الفتاوى التي صدرت كانتـ تعايشـ أحوال الناس،
وتالمس ظروفهم؛ مما يعطيها مزيداً من القبول.
ومن المقرر لدى علماء الفقه واألصول :أن فقه الواقعة والواقع
المحيط بها دليل على قرب إصابةـ الناظر فيها للحكم الشرعي ،متى ما
توافرت بقيةـ الضوابط.
السمة تختلف عن األحكام المقررة في كتب الفقه والتي تسرد وهذه َّ
أحكاما ً عامة،ـ قد ال تناسبـ كل مكان وكل زمان.
فهناك قرائن وأمارات تحيط بالنازلةـ يلزم الناظر معرفتها ،فقد
يختلف الحكم في النازلة من مكان آلخر ،ومن زمان لغيره ،ومن أناس
آلخرين ،حسب ما يقتضيه المقام .ولهذا قعدت القاعدة المشهورة(( :ال ينكر
تغير األحكام بتغير األزمان))(.)1
ومن أجل ذلك اختلفت فتاوى أتباع المذاهب عن فتاوى أئمتهم بسببـ
تغير األزمان ،وتبدل األحوال .ولهذا فإن هناك تأثيراًـ للظروف الجغرافية
(?) شرح القواعد الفقهية للزرقاء ،ص ،173الوجيز ص ،310موسوعة القواعد الفقهية(8/11 1
.)00
ــ 59ـ
والبيئيةـ في صياغة األحكام الشرعية ،على أن هذا التأثير هو في الحقيقة
تحقيق لمناط الحكم الشرعي وتحصيل لمقاصده.
وال يخفى أن للمناطقـ الباردة خصوصياتها،ـ وكذا المناطق الحارة،
وإن إجراء األحكام التي ال يمكن تحقيق مناطها إال باعتبار هذا الجو
الطبيعي،ـ يكون فيه إجحاف ومشقة للمكلف ،ولهذا نجد الفقهاء يتعاملون مع
هذه الظروف الطبيعيةـ في أبواب كثيرة من الفقه ،كإقامة الحدود على
الجاني ،فإنه ال يحد في وقت شديد البرودة وال في وقت شديد الحرارة؛ بل
يلتمس الجو المعتدل مخافة أن يهلك الجاني.
وكذلك فيما يتعلق بالتيمم واستعمالـ الماء أثناء البرد من مكان آلخر،
واختالف وقت الليل عن النهار بصورة غير طبيعية؛ كأن يكون الليل أو
النهار أربع ساعات أو أقل من ذلك.
كما أن الختالف البيئةـ واإلقليم ـ بداوة وحضراً ـ أثراً في تغير الحكم
الشرعي ،ومن أمثلة ذلك :ما قاله اإلمام مالك(( :الضيافة إنما تتأكد على أهل
القرى (البادية)،ـ وال ضيافة في الحضر؛ لوجود الفنادق وغيرها ،وألن
القرى يقل الوارد إليها فال مشقة بخالف الحضر))(.)1
وـمـنـ ذـلـكـ:ـ شـهـاـدـةـ اـلـبـدـوـيـ لـلـحـضـريـ،ـ حـيـثـ مـنـعـهـاـ اـلـفـقـهـاـءـ إـالـ أـنـ
يـكـوـنـ اـلـبـدـويـ مـمـنـ يـدـيـمـ اـالـخـتـالـفـ إـلـىـ اـلـحـاـضـرـةـ،ـ وـيـخـاـلـطـ اـلـنـاـسـ،ـ وـيـشـهـدـ
اـلـمـجـاـلـسـ واـلـمـشـاـهـدـ،ـ فـإـنـهـ كـاـلـحـضـرـيـ،ـ وـقـيـلـ:ـ بـمـنـعـ شـهـاـدـةـ أـحـدـهـمـاـ لـآلـخـرـ،ـ
إـالـ فـيـ اـلـجرـاـحـ واـلـقـتـلـ واـلـزـنـاـ وـاـلـشـرـبـ واـلـشـتـمـ،ـ وـمـاـ أـشـبـهـ ذـلـكـ؛ـ مـمـاـ الـ يـقـصـدـ
إـالـ اـإلـشـهـاـدـ عـلـيـهـ.ـ
والحاصل مما سبق :هو إبراز هذه الخصيصة القيِّمة في علم النوازل
الفقهية ،والتي يظهر من إبرازها عظمة التشريع اإلسالمي ،ومسايرته
لمصالح الناس على مختلف أحوالهم وبيئاتهم،ـ واختالف عاداتهم وتقاليدهم؛
ما لم يصادم ذلك نصا ً صحيحا ً صريحاً.
وهذا الفهم يتضح من خالل معرفة المفتي لمقاصد الشريعة
اإلسالمية ،ومدى مراعاتهاـ ألحوال المكلفين ،وعدم المشقة عليهم.
ولعل مما يحسب لفقهاء المالكيةـ المغاربة:ـ تميزهم في علم المقاصد؛
بل ويضاف إلى ذلك بلوغ هذا العلم القمة في زمن كثرت فيه الفتن والتقلبات
السياسية؛ـ مما يدل على براعة المالكيةـ المغاربةـ في هذا الفن الذي يحتاج إليه
في النوازل أكثر من غيرها.ـ
ــ 60ـ
ومن أبرز تلك المؤلفات النوازلية التي تؤكد هذه الخصيصة:
1ـ األجوبة الناصرية في بعض مسائلـ البادية،ـ البن ناصر الكبير
(ت1085هــ)(.)1
2ـ الجواهر المختارة مما وقفت عليه من النوازل بجبالـ غمارة ،لعبد
العزيز الزياتي (ت1055هــ).
3ـ الدرر المكنونةـ في نوازل مازونة ،ألبي زكريا المازوني (ت
883هــ).
4ـ نبراس اإليناس بأجوبة سؤاالت أهل فاس ،لبرهان الدين
الكوراني (ت1101هــ).
التلمسانية،ـ ألبي عثمانـ قدورة.
5ـ النوازل ِّ
6ـ نوازل علماء جزولة ،جمعها ابن عبد السميع.
7ـ نوازل بردلة ،لمحمد العربي بن أحمد األندلسي الفاسي (ت
1133هــ) (.)2
8ـ فتاوى تتحدى اإلهمال في شفشاون وما حولها من الجبال ،جمع
محمد الهبطيـ المواهبي.
9ـ أجوبة سبعة في حكم ما تقوم به قبيلة الحيَايْنة من قطع الطرقات،
ألبي الربيع سليمان العلمي الحوات الشفشاوني (ت1231هــ) (.)3
10ـ فتاوى في األعراف البربرية ،البن غازي المكناسي،ـ مخطوط
بالخزانة الحسنية بالرباط ،رقم9713 :ب.
11ـ مختصر الفصول في أجوبة فقهاء القرويين لمسائلـ أهل البادية،ـ
ليَ ْعلَى بن مصلين الرجراجي ،مخطوط الخزانة الناصرية بتم َكروت
بالمغرب ،رقم3057 :ج.
جــــــدد المستّمــــر
ّ الخاصيَّة الرابعة :التَّ
(?) أبو عبد هللا محمد بن محمد بن أحمد المعروف بابن ناصر الدرعي الفقيه القدوة ،له 1
فتاوى في الفقه مشهور منقول بعضها في نوازل الشيخ المهدي الوزاني ،توفي سنة
1085هـ ،شجرة النور الزكية ص.313
(?) هو أبو عبد هللا محمد العربي بن أحمد بردلة الفاسي إمامها وفقيهها وشيخ الجماعة 2
بها وقاضيها العادل واستاذها الفاضل خاتمة العلماء ،له أجوبة ورسائل مفيدة توفي سنة
1133هـ ،شجرة النور الزكية ص.332
(?) أبو الربيع سليمان بن محمد بن عبد هللا الشفشاوني الشهير بالحوات الشريف العلمي 3
العالمة لسان األدباء وتاج األذكياء البلغاء ،من تآليفه البدور الضاوية في التعريف
بالسادات أهل الزاوية الدالئية،ـ توفي سنة 1231هـ ،انظر في ترجمته شجرة النور
الزكية ص.379
ــ 61ـ
حد؛ ذلك أن
تتميزـ النوازل الفقهية بالتَّجدد المستمر الذي ال يقف عند ٍّ
لكل نازلة زمانها ومكانها ،ومصالحها ومفاسدها ،مع اختالف أحوال
المكلفين وبيئاتهم؛ مما يجعل السؤال عن مسألة واحدة يختلف في بعض
جوانبهـ من شخص آلخر.
فهي ليست متنا ً فقهيا ً يحفظ ويُدرَّس ويشرح لكل الناس ،ويستوي
الحكم للناظر فيه من أول وهلة للجميع.
التجدد المستمر هو الوجه المشرق للفقه اإلسالمي الذي
ويعد هذا َّ
استطاع ـ بفضل هللا وكرمه ـ أن يواكب حياة الناس ،ويساير اختالف
أحوالهم ،رغم التطور الذي أفرزته الحياة المادية من حقبة زمانية ألخرى.
ولما كانت النصوص محدودة ،والنوازل غير معدودة أوكل هللا أحكام
هذه النوازل لقرائح المجتهدين ـ بحثا ً ونظراً ـ في أنوار التنزيلـ الحكيم،
والقبساتـ النبويةـ المطهرة ،ومن خالل القواعد العامة المقررة ،ومراعاة
المقاصد ،فسايرت الشريعة اإلسالمية بذلك كل تغير وتطور.
وهنا ال نستطيعـ أن نحصر مؤلفات بعينهاـ للتمثيل على هذه
الخصيصة؛ ألن جميع كتب النوازل توضح هذه الخصيصة ،فكل كتاب
يختلف طرحه وعرضه عن غيره من الكتب .وإذا أردنا أن نتجوز في
التمثيلـ فإننا سنذكرـ على سبيل المثال ـ مثاالً ظاهراً للعيان :هو مؤلفات
فقهاء المالكيةـ المغاربةـ المتعلقةـ بالجهاد.
فهذا محمد بن عيسى بن المناصف (ت620هــ) ،يستجيبـ في كتابه
((اإلنجاد في أبواب الجهاد)) لرغبة أمير بلنسية محمد ابن أبي حفص عمر بن
أمير المؤمنين عبد المؤمن الموحدي الذي ولي إمرتها سنة (607هــ) ،في
تأليف هذا الكتاب،ـ ولكنه جدد في تأليفه على نسق يختلف عن غيره.
وهذا التسولي (ت1258هــ) يجيب عن أسئلة األمير عبد القادر
الجزائري بأسلوب ،وتقسيم ،وعرض ال يشابه غيره.
ومسائل الجهاد تعرض نوازلها في أمهات النوازل في تجدد مستمر،
كما في المعيار للونشريسي،ـ وفتاوى البزلي وغيرهما.
خاصية الخامسة :تنــــــوع التآليــــف
ال ِّ
تختلـفـ كـتـبـ اـلـنـوـاـزـلـ فـيـمـاـ بـيـنـهـاـ شـكـالًـ وـمضـمـوـنـاًـ.ـ فـمـنـ حـيـثـ اـلـشـكـلـ
نـجـدـ بـعـضـهـاـ مـنـ تـأـلـيـفـ اـلـفـقـيـهـ اـلـذيـ كـتـبـ اـلـفـتـاـوـىـ،ـ وـهوـ حـاـلـ غـاـلـبـ كـتـبـ
اـلـنـوـاـزـلـ،ـ وـبـعـضـهـاـ تـرـكـهـ اـلـمـفـتـيـ مـشـتـتـاًـ فـيـ أوـرـاـقـ أـوـ مـجـمـوـعـةـ كـرـاـرـيـسـ،ـ
ــ 62ـ
جـمـعـهـاـ فـيـ حـيـاـتـهـ أـوـ بـعـدـ وـفـاـتـهـ أـحـدـ أـبـنـاـئـهـ أـوـ تـالـمـذـتـهـ،ـ كـمـاـ هـوـ اـلـشـأـنـ فـيـ
مـسـاـئـلـ اـبـنـ زرـبـ اـلـتـيـ جـمـعـهـاـ صـاـحـبـهـ يـوـنـسـ بـنـ عـبـدـ هللاـ اـبـنـ اـلـصـفـاـرـ،ـ
وفـتـاـوـىـ اـبـنـ رـشـدـ اـلـتـيـ جـمـعـهـاـ تـلـمـيـذـاـهـ أـبـوـ اـلـحـسـنـ اـبـنـ اـلـوـزـاـنـ وأـبـوـ مـرـوـاـنـ
اـبـنـ مـسـرـةـ،ـ وـمـذـاـهـبـ اـلـحـكـاـمـ لـلـقـاـضـيـ عـيـاـضـ اـلـتـيـ جـمـعـهـاـ وـلـدـهـ مـحـمـدـ،ـ
واـلـنـوـاـزـلـ اـلـصـغـرىـ واـلـكـبـرـىـ ألـبـيـ اـلـسـعـوـدـ اـلـفـاـسـيـ،ـ حـيـثـ جـمـعـهـاـ بـعـضـ
تـالـمـذـتـهـ،ـ واـألـمـثـلـةـ عـلـىـ ذـلـكـ كـثـيـرـةـ.ـ
وقد يجمعها من يأتي بعده بفترة زمنية ،كما هو الحال في فتاوى
الشاطبي التي جمعها وحققها وقدم لها األستاذ الدكتور محمد أبو األجفان،
حيث جمع ك ّما ً منها:ـ من موسوعة ((المعيار المعرب والجامع المغرب عن
فتاوى علماء إفريقيةـ واألندلس والمغرب)) ألبي العباس أحمد الونشريسي.
ومنها :مجموعة فتاوى بمكتبة األسكولاير اإلسبانية ،ال يعرف
جامعها ،ومجموعة أخرى للقاضي األندلسي أبي الفضل ابن طركاظ الذي
أورد نصوصها المشابهةـ لنصوص مجموعة األسكولاير مع نوع من
االختصار يؤدي إلى حذف عبارات من أول الفتوى ومن آخرها ،دون أن
يؤثر على معنى الحكم الشرعي المشتملة عليه.ـ
وتجمع بعض الفتاوى المختلفة في الموضوع أو المتحدة فيه لجمع
من العلماء في القطر الواحد في مؤلف واحد ،كما في األجوبة النفيسةـ في
الفقه لبعض فقهاء غرناطة.ـ
هذا من حيث طريقة التدوين .أما من حيث مضمون هذه الكتب فإنه
يختلف من ُمَؤلَّف آلخر .فبعض هذه الكتب يشمل جميع أبواب الفقه أو أغلبها
وهذا هو الغالب كما في المعيار للونشريسي ،والنوازل للعلمي ،وفتاوى ابن
رشد ،وفتاوى الشاطبي ..وغيرها.
وهناك بعض آخر يقصره ُمَؤ لِّفه على باب واحد أو بابين من أبواب
الفقه كما في كتابـ أجوبة التسولي عن مسائلـ األمير عبد القادر الجزائري
في الجهاد ،واألجوبة المرضية عن مسائل مرضية في البيع بالثُّنيا والوصية،
لعمر بن عبد العزيز الكرسيفي.
ومنهم :من يفرد التأليف لنوازل صنف من الناس كأهل البادية ،أو ألهل
بلدة معينة ،كما في األجوبة
النّ
َاصرية في بعض مسائل البادية ،البن ناصر الكبير ،والجواهر المختارة من
نوازل جبال غمارة ،لعبد العزيز الزياتي ،ونبراس اإليناس بأجوبة سؤاالت أهل
ــ 63ـ
فاس ،لبرهان الدين الكوراني ،وفتاوى تتحدى اإلهمال في شفشاون وما حولها
من الجبال ،جمع محمد الهبطي المواهبي.
الخاصية السادسة :المذهبية
اصطبغتـ كتب النوازل في الغرب اإلسالمي بصبغة المذهب الذي
يتمذهب به هذا الصقع من أصقاع اإلسالم ،وهو المذهب المالكي ،الذي
يتوسع في أصلين يعدان من أهم أصوله :المصالح المرسلة ،وسد الذرائع،
وهما لصيقان بواقع الناس وتطور الحياة.
الخاصية السابعة :خاصية االجتهاد
أن االتجاه النوازلي دائما نجده مرتبطا بأصول االجتهاد واالستنباط،
فإذا كان نظر الفقيه النوازلي في الوقائع يعبر عن ارتباط الفقه بالحياة اليومية
التي تتطلبـ أحكاما لما يطرأ ويستجد من القضايا والنوازل وجعلها مالئمةـ
لروح الشريعة مسايرة للتطور ،فإننا نجد باب االجتهاد ظل مفتوحا في هذا
االتجاه من اتجاهات الفقه في الغرب اإلسالمي ،ولهذا نرى أن كل من أرخ
للمراحل التاريخية التي مر بها هذا االتجاه ينص على أن مرحلة القرنين
النوازلي،
الرابع والخامس الهجريين تعد عصر ازدهار اإلفتاء أو االتجاه َّ
ومن هذه المرحلة وصلتنا أهم المؤلفات في النوازل الفقهية،ـ بل ظل هذا
العصر مرجعا لكل المدونات الالحقة ،وهذا العصر أيضا هو عصر ازدهار
الدراسات الفقهية ،وهو العصر الذي انتقل فيه االجتهاد واالستنباط في
الغرب اإلسالمي إلى مرحلة النضج واإلبداع فحصل التكاملـ الذي أنتج لنا
أن االتجاه النوازلي في الغرب اإلسالمي كان دائما ممتزجا بأصول االجتهاد
واالستنباط ،وأن باب االجتهاد فيه كان مفتوحا.
الخاصية الثامنة :خاصية نوازل األحكام
توجد خصوصية أخرى لنوازل المغرب واألندلس ،فإلى جانب الفتاوى
المعهودة التي تتضمن أجوبة المفتي على أسئلة الناس ،كما هو الحال في سائر
األقطار اإلسالمية ،هناك صنف آخر من النوازل يدعى "نوازل األحكام"
شاورين ،ألن القضاء في هذه المنطقة
خاص بكبار شيوخ الفقه والفتوى ال ُم َ
الغربية كان مبنيا على خطة الشورى ،حيث يعين الخليفة أو األمير إلى جانب
كل قاض من قضاة الحواضر فقيها مشاورا أو أكثر ،يستشيره القاضي ـ كتابة ـ
في المسائل التي ينظر فيها بين الخصوم .وقد بدأت خطة الشورى في قرطبة
خالل القرن الثالث الهجري ،وكان المشاور فيها واحدا ،وأقدم من عرف اسمه
ــ 64ـ
منهم يحيى بن يحيى الليثي (ت234هـ) ،وهو تلميذ مالك ،وعبد الملك بن
()
حبيب (ت238هـ) ، 1
()
وأحمد بن بقي بن مخلد (ت324هـ) . 2
ونوازل األحكام ذات صبغة قضائيةـ بخالف األولى ،فهي أقرب ما
()3
تكون إلى ما يسمى اآلن مجموعات االجتهاد القضائي ،يقول أبو األصبغ
في كتابهـ نوازل األحكام(( :فإني بجميلـ صنع هللا ،وجليل أفضاله عندي،
وحسن عونه لي ،أيام نظري من القضاء واألحكام ،وزمن تقييدي أحكام
ي منغيري من القضاة والحكام ،جرت علي يدي نوازل ،استطلعتـ فيها رأ َ
أدركت من الشيوخ والعلماء ،وانفصلت لد َّ
ي مسائلـ كاشفت كبار الفقهاء
منها ،إذ كانوا من هذا الشأن بأرفع مكان ،وأعلى منزلة ،وأعظم درجة،
رسوخا وعلما ً ودراية وفهماً ،منها ما شافهتهم ،ومنها ما كاتبت في معانيه))
()
.4
فهي نوازل موجهة إلى القضاة والمفتين،ـ لتنقلـ إليهم صناعة الفتوى
والمشورة ،وفن القضاء ،بتعريف كيفية االستدالل من أصول المذهب على
الوقائع المعروضة في انجاز التكييفـ والحكم ،وهي بهذه الصفة تتميزـ عن
األنواع األخرى من النوازل.
1
(?) هو أبو مروان عبد الملك بن حبيب السلمي القرطبي ،الفقيه األديب الثقة العالم
المشاور ،روى عن الغازي بن قيس وزياد بن عبد الرحمن ،وسمع ابن الماجشون ومطرفا
وابن عبد الحكم ،وسمع منه تقي الدين بن مخلد وابن وضاح وجماعة ،ألف كتبا كثيرة
منها :الواضحة ،الجامع ،تفسير الموطأ ،فضل المسجد ،توفي سنة 238هـ
انظر ترجمته في :ترتيب المدارك ( ،)3/30الديباج ( ،)2/8تذكرة الحفاظ ( ،)2/537تهذيب
التهذيب ( ،)6/390شذرات الذهب ( ،)2/90جذوة المقتبس ص ( 282ـ ،)283شجرة النور
ص ( .)74
(?) قاضي الجماعة بقرطبة ابو العباس أحمد بن بقي بن مخلد الفقيه العالم الفاضل ،تولى 2
القضاء سنة 317هـ ،وتوفي وهو يتواله سنة324هـ .انظر ترجمته في شجرة النور الزكية
ص.87
3
(?) هو أبو األصبغ عيسى بن سهل األسدي القرطبي ،اإلمام القاضي الـمشاور العالـم
بالنوازل ،تفقه بأبي عبدهللا بن عتاب ،وابن القطان ،وابن عبد البر وغيرهم ،وأخذ عنه
جـماعة منهم القاضيان أبو محمد بن منظور ،وأبو عبدهللا التميمي ،له كتاب اإلعالم
بنوازل األحكام ،وفهرست ،توفي سنة 486هـ .انظر :الديباج البن فرحون (،)2/65
بغية الـملتمس البن عميرة الضبي ص ،403الصلة البن بشكوال (.)2/438
(?) من القسم الدراسي لكتاب مسائل أبي الوليد ابن رشد ( 1/111ـ ،)112لمحققه محمد 4
الحبيب التجكاني.
ــ 65ـ
الخاصية التاسعة :كثرة الفقه النوازلي وغزارة التأليف في النوازل،
بما لم يقع في أي قطر من أقطار اإلسالم.
هذا ما استطعتـ أن أجمعه والحظه من خصائص فقه النوازل في
الغرب اإلسالمي ،وربما هناك خصائص أخرى لم تتكشفـ لي ،ولم تتمثل،
أسأل هللا أن يوفقنا إليها.
آمين والحمد هلل رب العالمين.ـ
ــ 66ـ
موجّهات الفتوى في النّوازل عند المالكيّة
د/مح ّمد سماع ّي
كلية العلوم اإلسالمية جامعة الجزائر
والســـالم على أشـــرف األنبيـــاء ّ ّ
والصـــالة الحمد هلل ربّ العـــالمين،ـ
ّ
والمرسـلين ،وعلى آله وصـحابته الطـاهرين ،وعلى من سـلك طـريقهم واتّبعـ
هداهم إلى يوم ال ّدين ،وبعد:
فإن "مقام الفتوى" يُع ّد مقاما ً عظيم القدر ،خطير ال ّشأن؛ وهو من أجــ ّل ّ
فروض الكفاية وأعظمهاـ؛ إذ ال بُـ ّد للمســلمين م ّمن يُــبيّنـ لهم أحكــام دينهم فيما
ُحسن ذلك إال َمن استجمع شروط اإلفتــاء وامتلك من يقع لهم من نوازل ،وال ي ُ
المؤهّالت ما يم ّكنه من الوقوف على أرضيّتهـ من غير انحراف.
وفي هــذا البحث الــذي ُأق ّدمه عــرضٌ مــوج ٌز لبعض أه ّم الموجّهــات
والمعــانيـ العا ّمة الــتي قرّرها فقهاؤنا في كتب األصــول والفــروع وفتــاوى
النّوازل ،وهي من األمــور الــتي ال يحسن بمن تأهّلـ لإلفتــاء في ال ُمســتج ِّد من
الوقـــائع أن يغفُل عنهـــا؛ـ لما لها من أثر واضح في تقـــويم ملكتـــه ،وترشـــيد
مسلكه ،وتوجيه رأيه.
وهذه الموجّهات:ـ ـ إنما هي قواعد ومبــادئ عا ّمـ ةٌ من شــأنها أن ((تُنــير
درُوب تطبيق النّصوص على الوقائع ال ُمتج ـ ّددة ،وتُعين المفــتين على ُمقارعة
صعاب النّوازل ،وتُقيم اعوجاج ُملتويات المسائل)). ِ
والنّوازل( )1كلمةٌ :ـ تطلق بوجه عامّ على المسائل والوقائع التي
تستدعي حكما ً شرعيّاً ،وهي بهذا المعنى تش ُمل جميع الحوادث التي تحتاج
لفتوى أو اجتهاد؛ ليَتبيّن حك ُمها ال ّشرع ّي سواء كانت هذه الحوادث ُمتكرّرةً
أن الذي يتبادرـ إلى األذهان في أو نادرةً ،وسواء كانتـ قديمةً أو جديدةً؛ غير ّ
زماننا من إطالق هذا المصطلح :ـ انصرافُه إلى واقعة أو حادثة جديدة لم
تكن معروفة في ما غبَر من األزمان؛ فهي الوقائع الجديدة التي تتطلّب حكما ً
شرعيّا ً ليس فيه نصٌّ من كتابـ وال سنّة وال إجماع وال فتوى سابقة؛ـ وال
يُستخرج حكمها إال باالجتهاد والقياس على غيرها من مسائل الفرُوع(.)2
أنفالنّوازل مسائلُـ ((تتميّزـ بالتج ّدد ال ُمستم ّر الذي ال يقف عند حـ ّد؛ ذلك ّ
لكل نازلة زمانها ومكانها ومصالحها ومفاسدها؛ فهي ليست متنا ً فقهيــا ً ُيحفظ
(?) النّوازل :لغةّ :جمع نازلة؛ اسم فاعل من «نزل»؛ وهي ما ّدةٌ تد ّل على هبوط شي ٍء 1
ووقوعه؛ يقال :نَ َزل عن دابَّتِه نُ ُزوالً؛ ونَزَ َل المط ُر من السَّما ِء نزوالً؛ والنَّازلة :ال َّشديدةُ
َنزل بالنّاس؛ انظر :ابن فارسُ « ،معجم مقاييس اللّغة».)5/334( : من شدائد ال ّدهر ت ِ
(?) انظر :يحيى بن البراء« ،تحقيق نظم بوطليحيّة»( :ص.)137/ 2
ــ 67ـ
الحكم للنّـــاظر فيه من أوّل وهلةُ ويُـــدرَّس ويُشـــرح لكل النّـــاس ،ويســـتوي
للجميع))(.)1
وجه األ ّول :فتوى النّوازل ال تستق ّل عن الماضي :والمراد بهذا ـ ال ُم ّ
أن المفتي في النّوازل المستج ّدة ينبغي أن يكون على قدر من العلم الموجّه ّ
بفتاوى َمن سبقه في النّوازل القديمة المشابهةـ لها؛ فيُلحقها بها ،ويُعطيهاـ
األمة قبله؛ وألهميّة هذا
حكمها الذي سبق أن اجتهد فيه جماعةٌ من علماء ّ َ
المعنى في توجيه من يتص ّدر للفتوى في النّوازل؛ قرّر اإلمام ابن عبد البَ ّر
حيث قال(( :ال يكون فقيها ً في الحادث ُ المالك ّي مقولةً جرت مجرى القواعد؛
من لم يكن عالما ً بالماضي)).
الدربة واالِرتياض في والنظر في كتب النوازل يُعطي الفقيه مزيداً من ّ ّ
الشورى حضوري مجلس ّ ُ الفتوى؛ ولذلك قال أبو األصبغ بنُ سهلٍ(( :لوال
ابن األمير سليمانُ أول مجلس شاورني فيه ُ الحكام ما َدَريت ما أقول في ّ ّ مع
تفقد
ومن ّ تقن؛ َالم َ
ستخرجة الحفظ ُ
َ ُ والم المدونة
ّ ابنُ أسود ،وأنا يومئذ أحفظ
عول النّاس في مسائلهم وي ِّ
ممن جعله هللا إماماً يُلجأ إليهُ ، هذا المعنى من نفسه ّ
) (2
وصدقا)) . ِ ً ظاهرا حقاً ،وألفاه
عليه؛ وجد ذلك ّ
وما يُحكى في النّوازل القديمة من خالف بين فُقهاء المذهب؛ ليس
إثارة الموضوع؛ ُليعلم ّ
أن ُ مطلوبا ً من المفتي أن يلتزم به؛ ((إذ إ ّ
ن المقصود
حرمه ،أو تحكي الخالف فيه؛ وهو أمر له شواهد في النّوازل تُبيحه أو تُ ّ
رجح من النوازل سنداً يستند إليه؛ ليُ ِّ
سيُتيح للفقيه عندما يُعالج ّأيا ً من هذه ّ
المرجّحات؛ ويكفيه منقبةًـ لهذا الخالف :ـ ّأنه يرفع الخالف على أساسٍ من ُ
االتباع)).
صَر ُمخالفة اإلجماع ،ويسلك به مسلك ّ عن الباحث ِإ ْ
إن الفقه اإلسالم ّي بح ٌر ال ساحل له ،قاد ٌر على استيعابـويُمكنناـ القولّ :
ك ّل نازلة من النّوازل ،وكتب نوازل فُقهاء المغرب تحوي حلوالً ناجعةً لكثير
من قضاياناـ ال ُمعاصرة هذه األيّام ،باإلمكان أن نُفيد منها في ُمختلف مجاالت
حياتنا؛ـ فما عليناـ سوى الرّجوع إلى هذه الكنوز ال ّدفينة،ـ والنَّهل من معينهاـ
الثرِّ .
(?) انظر :بحث ال ّدكتور ُمبارك جزاء الحرب ّي« ،جهود فقهاء المالكيّة المغاربة في 1
ي الجيّاني؛ سكن قُرطبة وتفقّه بابن عتّاب والزمه واختصّ به؛ له كتابٌ في عبد هللا األسد ّ
ّ
النّوازل اسمه« :اإلعالم بنوازل األحكام»؛ توفي بغرناطة سنة (486هـ)؛ انظر :ابن
ُ
فرحون« ،الدِّيباج ال ُم ْذهَب في معرفة أعيان علماء المذهب».)1/106( :
ــ 68ـ
ب:ـ اـلـفـقـهـ هـوـ مـعـرـفـةـ بـاـطـنـ وجه الثّاني :فقه النّوازل فقه ٌ ّ
مرك ٌ الم ّ ـ ُ
اـلـ ّشـيـءـ وـاـلـو ُ
صـوـلـ إـلـىـ أـعـمـاـقـهـ؛ـ وـاـلـمـرـاـدـ بـهـذـاـ اـلـمـوـ ّجـهـ أـ ّـنـ اـلـمـفـتـيـ فـيـ أـيّـةـ
نـاـزـلـةـ يـحـتـاـ ُجـ إـلـىـ نـوـعـيـنـ مـنـ اـلـفـهـمـ:ـ ـ أـحـدـهـمـاـ:ـ فـهـمـ واـقـعـ اـلـنّـاـزـلـةـ بـاـلـنّـظـرـ فـيـ
اـلـقـرـاـئـنـ واـلـظّـرـوـفـ اـلـمـالـبـسـةـ لـهـاـ؛ـ وـثـاـنـيـهـمـاـ:ـ فـهـمـ حـكـمـ هللاـ اـلوـاـجـبـ فـيـ ذـلـكـ
صـلـ بـمـعـرـفـةـ اـلوـاـقـعـ وـاـلـتـفـقّـهـ فـيـهـ إـلـىـ اـلوـاـقـعـ؛ـ وـاـلـمـفـتـيـ اـلـ ُمـوـفَّـقـ:ـ هـوـ َمـنـ يـتـوـ ّ
مـعـرـفـةـ حـكـمـ هللاـ ورـسـوـلـهـ ×ـ.ـ
أدلة الواقع القرافي ~ بين ّ ّ ولهذا المعنى الم ّتفق عليه في الجملة؛ فرّق اإلمام
أدلة مشروعيّة حيث قال ~ّ (( : الثانية؛ ُ أن األولى أوس ُع من ّ وأدلة الحكم؛ وانتهى إلى ّ ّ
وأدلة وقوع نحو العشرين؛ ّ األحكام محصور ٌة شرع ًا تتو ّقف على ال ّشارع وهي ُ
وحصول شروطها ِ وقوع أسبابها ِ الدال ُة على وقوع األحكام؛ أي األدلة ّاألحكام هي ّ
وانتفاء موانعهاّ ...أما وقوع هذه األمور؛ فال يتو ّقف على نصب من جهة صاحب
القضاء عليها بال ّتناهي))(.) 1 ُ األدل ُة في عدد ،وال يُمكن ال ّشرع ،وال تنحصر تلك ّ
وجه الثّالث :الفتوى في النّازلة اجتها ٌد ال نق ٌل :الفتوى :ـ هي بيان ـ ال ُم ّ
الحكم ال ّشرع ّي في أمر من األ ُمور؛ جوابا ً عن سؤال سائل؛ـ سوا ًء أكان ُمعيّناـ
أم ُمبهماً،ـ فرداً أم جماعة؛ والمفتي إ ّما أن يكون ناقالً أو مجتهداً:
فالنّاقل:ـ ـ هو َمن يحفظ أقوال الفقهاء في المسائل ،وينقلها إلى غيره
عند السّؤال عنها أو الحاجة إليها؛ وشرطه عند العلماء(( :يقوم بحفظ المذهب
وفهمه في الواضحات والمشكالت،ـ ومعرفة عا ّمه وخاصّه ،و ُمطلقه
ومقيّده ...فهذا يُعتمد نقلُه وفتواه فيما يحكيهـ من مسطُورات مذهبه،ـ وما ليس
كذلك يجب إمسا ُكه عن الفتوى به ،وال يجوز ألحد العملُ به))(.)2
والمجته ُد ال ُمطلق :ـ هو َمن ملك وسائل االجتهاد واستكملـ شرائط
ع شرعا ً من اإلفتاء بغير ما يتوصّل إليه بنظره في االستنباط؛ـ وهو ممنو ٌ
()3
المسائل؛ ومثلُه مجتهد المذهب؛ غير أنّه ال يخرج عن أصُول إمامه .
أن المفتي في النّوازل والمسائلـ المستج ّدة ينبغي والمراد بهذا الموجّه ّ
ٌ
ألن النوازل وقائع اجتماعيّة يُبحث لها عن ّ أن يكون مجتهداً ال ناقالً؛ وذلك ّ
)?( 1القراف ّي« ،الفروق»)1/128( :؛ وراجع نحواً من ذلك المعنى عند:ـ ابن القيّم« ،إعالم
ال ُموقّعين»:ـ (.)1/69
)?( 2انظر :ال ّشنقيط ّي« ،نشر البنود»:ـ ()2/317؛ وفي السّياق عينه يقول ابن القيّم « :قال
ابنُ القيّم« :ال يجوز لل ُمقلّد أن يُفتي في دين هللا بما هو ُمقلِّ ٌد فيه ،وليس على بصير ٍة فيه
ع من السّلف كلِّهم»؛ انظر له« :إعالم ال ُموقّعين»:ـ (4/1 سوى أنّه قو ُل َمن قلّده؛ هذا إجما ٌ
ّ ّ
)49؛ وراجع :ابن أمير الحاجّ« ،التقرير والتحبير».)3/347( :
3
ٌ
خالف بين العلماء يُعرف (?) وهل ذلك على وجه اإلطالق أو في أحوال االتّساع فقط؟
من مظانّه.
ــ 69ـ
شأن المجتهد ُ شرعي خاصٍّ بها من مصادره األصليّة أو التّبعيّة؛ وهذا ٍّ حُكم
ٌ
ونقله إنما هو حكاية لقول غيره من ّ ّ
ال الناقل الذي هو في الحقيقة ُمقل ٌد لغيره؛ ُ
طلق عليه لفظ "فُتيا" من باب التج ّوز؛ وقد قعّد الفقهاء قاعدة المجتهدين ،وُأ ِ
()1
أن :ـ ((المقلّد يحكي وال يُفتي)) . مفادها ّ
تخريج
ٌ ستجدّة على نوعين: واالجتهاد في النّوازل والوقائع ال ُم ِ
واستنباطٌ :فالتّخريج :هو استخراج الحكم في النّازلة بالتّفريعـ على نصّ
اإلمام في صُور ٍة ُمشابه ٍة لها من غير أن يكون الحك ُم منصوصا ً عليه منه؛ـ
فالمخرِّ ج يقوم بالبحثـ والتّفتيش عن بعض النّوازل التي تُشبه قضاياه
ال ُمعاصرة في وجه من الوجُوه وصُورة من الصُّ ور؛ فيُطبِّقـ عليها،ـ أو
يستأنس بها إليجاد حكم القضيّة ال ُمستجدِّة .واالستنباط :هو استخرا ُج الحكم
بنا ًء على األصول؛ وهو وظيفةٌ ال يجوز أن يُقدم عليها إال الفقيهُ الذي بلغ
رُتبة االجتهاد (.)2
واجتهاد االستنباطـ وبناء األحكام على أصُول اإلمام ومداركه التي بنى
عليها مذهبَه أولى من التّخريج؛ وذلك لمعنيين:
ً
أن التّخريج فيه شبهٌ كبير بالنّقل؛ والنّقل ال يستقيمـ مسلكا في أ ّولهماّ :
الوقوف على حكم ما يستج ّد من الوقائع.
فإن االختالف في الباطنـ ّ
أن الوقائع وإن تشابهت في الظاهر؛ ّ ثانيهماّ :
ُ
محتملٌ؛ فقد يكون في بعضها ما يمنع إلحاقها بغيرها مما نصّ على حكمه في
ُمقتضى النّظر ،وعند ذلك يكون اإللحاق باألصول والكليّاتـ أسلَم مسلكا ً من
رضي ُمتناسق مع قواعد التّشريع ومقاصده. ٍّ أجل الوقوف على حُكم َم
ومما ينبغي التّنبيهـ إليه في هذا المقام(( :أنّ بعض المُفتين يتكلّف في
ستجدة على ما يظن ُمشابهتهاـ لها من المسائلـ السّابقة ِّ إلحاق بعض المسائلـ ُ
الم
مع الفرق البيّن بينهما،ـ وكثيراً ما يكون ذلك في المعامالت الماليّة
المتعلِّقة
إلحاق بعض النّوازل َُ المعاصرة؛ حيث يُحاول بعضُهم جاهداً
ً دراسة السابقة؛ مع ّأنه لو قام بدراستها
الشرعيّة ّ
العقود ّ
باألموال ببعضـ ُ
الشرعيّ)).
ُمستقلًَّة ألغناه ذلك وأراحه في إبراز الحكم ّ
1
(?) انظر :العدويّ« ،حاشية العدوي».)2/339( :
2
ي« ،البحر المحيط»8/36( : (?) انظر :ال ّشنقيط ّي« ،نشر البنود»:ـ ( ،)2/271وال ّزركش ّ
،)0وقال هناك« :أ ّما من شدَا شيئا ً من العلم؛ فقد نُقل اإلجما ُ
ع على أنّه ال يح ّل له أن
يُفتي».
ــ 70ـ
وجه الثّالث :الحكم في االنتهاء قد يختلف عن الحكم في االبتداء: ـ ال ُم ّ
أن النظر في النازلة بعد وقوعها قد ّ ّ والمراد بهذا الموجّه عند فقهاء المالكيّة ّ
مختلف في صحّته ٌ يختلف عن النّظر فيها قبل وقوعها؛ وذلك بأن يقع فع ٌل
البطالن من الفقهاء بصحّته بعد ُ وبُطالنه بين العلماء؛ فيحكم َمن مذهبُه
()1
وقوعه؛ الشتمال التّصحيح على مصلحة أعظم من مصلحة اإللغاء .
ي وغــيرُه عن أ ّم واألص ـ ُل في ذلك عند المالكيّة ما رواه اإلمــام التّرمــذ ّ
أن رسول هللا × قالَ« :أيُّ َما ا ْم َرَأ ٍة نَ َك َحتْ بِ َغ ْي ِر ِإ ْذ ِن َولِيِّ َها المؤمنين عائشةـ < ّ
اط ٌل فَ ِإنْ د ََخ َل بِ َها فَلَ َها ا ْل َم ْه ُر بِ َما اح َها بَ ِاط ٌل فَنِ َك ُ
اح َها بَ ِاط ٌل فَنِ َك ُ فَنِ َك ُ
اح َها بَ ِ
س ْلطَانُ َولِ ُّي َمنْ اَل َولِ َّي لَهُ»(.)2 شت ََج ُروا فَال ُّ ست ََح َّل ِمنْ فَ ْر ِج َها فَِإنْ ا ْ ا ْ
الزوج بدفع المهر بعده؛ قبل وقوعه ،وألزم ّ النبي × ببطالن ال ّنكاح َ ّ فقد حكم
اطبيَ (( :من واقع منه ّيـاً عنــه؛ ّ ّ
ش ال م
ُ اإلما يقول له أصيل ّ
ت وال المعنى ذلك وفي تقرير
يكون فيما يــتر ّتب عليه من األحكــام زائ ـ ٌد على ما ينبغي بحكم التبعيّة ال بحكم ُ فقد
أمر أش َّد عليه من ُمقتضى النهّي؛ ف ُيــترك وما فعل من ذلــك، األصالة ،أو ُمؤ ٍّد إلى ٍ
َ
أن ذلك الوا ِقـ َع واقـ َع ً
أو ُنجيز َما وقع من الفساد على وج ٍه يلي ُق بالعدل؛ نظــرا إلى ّ
ال على الجملـة ،وإن كـان مرجُوحـاً؛ فهو راجحٌ بال ّنسـبة إلى إبقـاء ـف فيه دلي ً ّ
المكل ُ
ضـــرر على ٍ دخـــول ألن ذلك أو َلى من إزالتها مع ُ الحالة على ما وقعت عليـــه؛ ّ
قبـل ُ
أن ال ّنهي كـان دليله أقـوى َ الفاعل أشـ َّد من ُمقتضى ال ّنهي؛ فـيرج ُع األمـرُ إلى ّ
() 3
الوقوع ،ودليلُ الجواز أقوى بعد الوقوع؛ لما اقترن من القرائن ال ُمرجّحة)) .
فإن للمسألة ضابطا ً أشار إليه وال يعنيـ ذلك إقرار ك ّل منه ّي يقع؛ ّ
ُ
بعضُ فقهاء "مالقة" بقوله(( :إذا كانت المسألَة ظا ِه َرةَ المنع ابتدا ًءَ ،شدي َدةَ
ي القو ُل بفسخها بعد ال ُوقوعْ ،
وإن الشرع :ـ قَ ِو َ التّحريم لكثرة ُمنافرتها لمقصد ّ
كان في ذلك المشقَّةُ وال َحر ُج؛ َرعيًا للمصلحة في ِح ْفظ نِظام ال َّشريعة وس ًّدا
للذريعة. ّ
وإن كانت المسألةُ في ابتدائهاـ ُمختلَفاً فيهاُ ،متردِّدةً بين المنع والجــواز، ْ
الحتِمالـ معناهاـ المالء َمةَ لغَرض ال َّشارع وال ُمنافَ َرة له معًا على ح ـ ٍّد واحــد :ـ ـ
ك الفَس ـ ُخ ،ألنها إذا كــانت في االبتــداء تَرجَّح القو ُل باإلمضاء بعد ال ُوقوع وتُ ِر َ
ْ
أن الخالف في جوازهــا ،إذ هي من المســائل ضـعيفةَـ المنع ألجل َّ قبل ال ُوقوع َ
ُ َّ َ
المــتردِّدة بين المالءمة وال ُمنــافرة ـــ :فال شــك أنها بعد ال ُوقــوع أضــعف في
(?) التّرمذيّ ،كتاب :النّكاح ،باب :ال نكاح إال بولِ ّي ،رقم)3/407( ،1102 :؛ قال 2
حسن صحيحٌ»؛ وقوله ׫ :اشتجرُوا»؛ معناه :تخالفوا وتنازعوا؛ ٌ ٌ
حديث التّرمذيّ« :هذا
يقال :شج َر بينهم األمر ُشجوراً؛ أي تَنازعُوا فيه؛ انظر :الفيروز آباديّ« ،القاموسُ
المحيط»( :ص.)530/
(?) ال ّشاطب ّي« ،الموافقات»)4/203( :؛ وراجع منه في المعنى عينه أيضاً.)1/295( : 3
ــ 71ـ
ُأ
ْــرم من معــنى ال َحــ َرج المنــع ،ألجْ ل ما في المنع بعد ال ُوقــوع والنَّ ْقض لِ َما ب ِ
ع على ِخالفهما))(.)1 والمشقَّة اللَّذين بُنِ َي ال َّشر ُ
الخروج عن ال ّراجح في النّوازل محتم ٌل :الرّاجح في ُ وجه ال ّرابع: ـ ال ُم ّ
المذهب :ما قوي دليلُه؛ ويُقابله الضّعيف؛ـ وهو ما ضعُف دليلُه من أقوال أئ ّمة
المذهب؛ قيل :ومن غيرها؛ـ قال الهاللي(( :و ُمقتضى نصوص الفقهاء
أن العمل بالرّاجح واجبٌ ))(.)2 واألصُوليّين ّ
أن المفتي قد يُضط ّر إلى الخروج عن الرّاجح في والمراد بهذا ال ُموجّه ّ
ّ
بعض النّوازل إلى الضّعيف ألسباب؛ منها ما أشار إليه الحطاب بقوله(( :إذا
صا ً في المسألة في مذهب إمامه وال وجد َمن له معرفةٌ لم يجد ال ّشخص ن ّ
بمداركه؛ فالظّاهر أنّه يسأل عنها في مذهب الغير ويعم ُل عليه ،وال يعمل
بن عمر :والحالل ضالّةٌ مفقودةٌ؛ بجهل ،ويُؤيّد هذا ما قاله ال ّشيخ يوسف ُ
ي من الخالف؛ فيجتهد اإلنسان في ال ُمتّفق عليه في المذهب؛ فإن لم يجد فالقو ّ
فإن لم يجد؛ فينظر الخالف خار َج المذهب ،وال يخرج عن أقاويل العلماء؛
وكذا ينبغي في كل مسألة وهللا أعلم))(.)3
ويُعبّر فقهاء المالكيّة عن هذا المعنى بـ((الحكم بالضّعيف))؛ ويذكرون
لجوازه جملةً من القيود؛ يأتيـ في ُمق َّدمِها :ـ أهليّةُ المفتي للحكم بالضّعيف،ـ
ج إلى الخروج عن المذهب في النّازلة؛ كأن تُلجئ حو ِالم ِق ال ّداعي ُ وتحقّ ُ
بحيث يبعد مأخذه ك ّل البعدُ ضرورةُ إلى العمل به؛ ولم يكن ضعفه شديداً ال ّ
()4
عن مسالك االجتهاد المعتبر .
أن المجتهد لما كان ال يقطع بصحّة ال ـرّأي والمعنى في تقرير ذلك :هو ّ
الذي يعتقده الستناده إلى ظن ّي ،وكــان احتمــا ُل الخطأ عليه وارداً في الجملــة؛
جاز له أن يخرُج عنه إلى ما يُخالفه من األقوال التي ال يقطع بخطئهــا؛ـ وليس
ألن له ُمرجّحـــا ً في الواقـــع ،وهو اشـــتمالـ ذلك من قَبِيل التّح ّكم الممنـــوع؛ ّ
ـوت الرّجحــان ونفيُه أن ال ّشرع يُراعي مثلهـا،ـ وثبـ ُ ال ُمراعاة على مصلحة ثبتـ ّ
()5
إنما يكون بحسب نظر المجتهد في النّوازل .
ّ
الحطاب« ،مواهب الجليل»)1/33 ( :؛ وانظر في نفس المعنى :الهاللي« ،نور البصر»: (?) 3
(ص.)156 /
(?) انظر :ال ّشنقيط ّي« ،نشر البنود»:ـ ( ،)2/270والغالويّ« ،بُوطليحيّة»( :ص،)66/ 4
(?) انظر :علّيش« ،فتح العل ّي المالك في الفتوى على مذهب مالك».)1/82( : 1
(?) الونشريسي« ،المعيار المعرب» ،)5/215( :ال ّشاطب ّي« ،الفتاوى» 207( :ـ ،208 2
وال ُم َزابنة هي بي ُع الرُّ طَب في رُُؤس النَّ ْخل بالتَّمر ،وأصلُه من ال َّزبْن وهو الد ْفعُ؛ َّ
كأن ُك ّل
واح ٍد من ال ُمتبَايعيْن يَ ْزبِن صاحبَه عن حقِّه بما يزدَا ُد منه؛ انظر :ابن األثير« ،النّهاية
في غريب األثر».)2/711( :
(?) الونشريسي« ،المعيار المعرب» ،)5/216( :الشّاطبي« ،الفتاوى».)209/210( : 3
ــ 73ـ
فِي ِس َّك ٍةَ ،و ْالقَ ْس ُم َأيْضا ً نِ ْسبِ ْي َو ِم ْثلُهُ َج ْم ُع ُذهُو ٍ
ب الضَّرْ ِ
ب
() 1
ت ص ِة ْال ُك ِّل ِّي ِذي ْال َح َ
اجا ِ ِل ْ
رُخ َ ت َو ِم ْثلُهَا ُجب ُْن اللَّب ِ
َّان آ ِ
خامس :أحكام النّوازل تتغيّر بتغيّر وقائعها :المراد بهذاُ الموجه ال
ّ ـ
أن النّوازل التي سبقت وتقرّر بشأنها أحكا ٌم مبنيّةٌـ على مصالح الموجّه ّ
أن ((الفُتيا بالحكم المبن ّي على
ُعرفيّة؛ فإنها تتب ّدل بتب ّدلها؛ـ لما قرّره فقهاؤنا ّ
خالف اإلجماع))()2؛ قال القراف ّي(( :وهذا هو القاعدة
ُ ُمدرك بعد زوال ُمدركه
في جميع األحكام المبنيّةـ على العوائد ..فتأمّل ذلك؛ فقد غفل عنه كثي ٌر من
الفقهاء ،ووج ُدوا األئ ّمة اُأل َول قد أفتوا بفتاوى بنا ًء على عوائ َد لهم وسطّروها ُ
في كتبهم..ـ فأفتوا بِها ،وقد زالت تلك العوائ ُد؛ فكانوا ُمخطئينـ خارقين
ُ
خالف ي على ُمدرك بعد زوال ُمدركه فإن الفُتيا بالحكم المبن ّـلإلجماع؛ ّ
اإلجماع))(.)3
ومن األمثلة على ذلــك(( :لفظ الحــرام والخليّة والبَريّةـ ونحوها ممّ ـا هو
الث بنــا ًء على عــادة كــانت في زمانــه؛ـ ق الثّ ُ مسطو ٌر لمالك ّأنه يلــزم به الطّال ُ
فأكثر المالكيّة اليــوم يُفتِيـ بلــزوم الطّالق الثّالث بنــا ًء على المنقــول في الكتب
عن مالك ،وتلك العوائد قد زالت فال نجد اليوم أحــداً يُطلّق امرأته بالخليّة وال
تأخرون من الفتاوى الفاسدة بالبَ ِريّة ..فتأمل ذلك ويظهر لك ما عليه هؤالء ال ُم ِّ
ق بين قاعدة الصّريح وقاعدة ما في هذه األلفاظ ويظهر لك بهذه المباحث الفر ُ
ليس بصريح على القواعد الصحيحة))(.)4
ومن أجل ذلك اختلفت فتــاوى أتبــاع المــذهب عن فتــاوى أئ ّمتهم بســببـ
أن للظّــروف تغــير األزمــان ،وتبــ ّدل األحــوال؛ ممّــا يــد ّل بوضــوح على ّ
الشـرعيّة؛ وذلك التّــأثي ُر إنما هو في والمناســبات تــأثيراً في صــياغة األحكــام ّ
ق لمناط الحكم الشرع ّي وتحصي ٌل لمقاصــده الــتي ُش ـرع من أجل الحقيقة تحقي ٌ
تحقيقها.
الونشريسي عن
ّ ومن فتاوى ال ّنوازل الجارية على ذلك المعنى :ـ ما أورده
التضخم التي طال حولها الجدل في زمننا المعاصر؛ فقد ذكر ّ مسألة تُشبه مسألة
سئلوا :ع ّمن أوصى لرجل بدنانير ،فحالت الس ّكة إلى س ّكة طليطلة ُ أن فقهاء ُّ
وور فيها فقها ُء قرطبة؛ فأجابوا بوجُوب الوصيّة في الس ّكة الجارية أخرى ،ف ُش ِ
الوزاني« ،تحفة األكياس»( :ص.)145/ّ (?) 1
ــ 74ـ
يطي ونصّه :لو اكترى دار ًا يوم مات ال ُموصي ،ال يو َم أوصى .ث ّم ذكر كالم الم ّت ّ
لكلّ شهر بكذا ،فاستحالت ال ّس ّكة ،وتمادى ال ُمكتري في السكنى حتى مضت ُم ّدةٌ،
وكانت ال ّس ّكة التي استحالت أحسنَ من القديمة التي عقد عليها ال ِكراء؛ فهل يجب
ابن سهل :له من الس ّكة كري على المكتري من القديمة أو من الحادثة؟ فقال ُ لل ُم ِ
رُخص،
ٍ بغالء أو
ٍ حُجة لبعض على بعض القديمة التي عقد عليها ال ِكراء ،كما ال ّ
يجوز على األصول سواه؛ قيل :هذا في ُ غير هذا ،وال وال يحتمل ال ّنظرُ َ
() 1
أواخر ال ُّدور . الحق في نكته ِ ّ الفاسد فنصَّ عليه عبد
ُ الصّحيح؛ وأ ّما
ي في عوائد النّاس وأحوالهم؛ السو ّ وهكذا :ـ ((كلما تج ّدد النّظر الفقه ّي ّ
ألن هناك أحاط الفقها ُء بحدود المنافع والمفاسد وما يُفضي إليها من وسائل؛ ّ
مصالح ومفاسد كثيرةً تتأثّرُـ باختالفـ األحوال وتغيُِّر الظّروف؛ فتُغيِّر
أوضاعَها وسُلّم أولويّاتِها،ـ ويتغيّر نفعُها أو ضرُرها؛ م ّما يستدعي نظراً
جديداً ،وتقديراً ُمناسباًـ)).
سادس :االحتياط في النّوازل ينبغي أن يكون وسطاً: الموجه ال ّ
ّ ـ
ّ
المراد باالحتياط في هذا الموجّه :الحكم على النازلة ب ُمقتضى ما تؤول إليه
أن ذلك ينبغي أن يكون على سبيل التوسّط من صالح أو فساد؛ غير ّ
واالقتصاد؛ دون اإلغراق في العمل باالحتياط.ـ
قال ال ّشاطب ّي:ـ ((ال ُمفتي البال ُغ ذروةَ ال ّدرجة هو الــذي يحمل النّــاس على
ـذهب الش ـ ّدة ،وال يمي ـ ُـل ق بالجمهور؛ فال يــذهبُ بِهم مـ َ المعهُود الوسط فيما يلي ُ
ُ
بِهم إلى طرف االنحالل ،وال ّدليل على صحّة هذا أنّه الصّراط المســتقيم الــذي
الشــريعةُ...ـ فــإذا خــرج عن ذلك في ال ُمســتفتين خــرج عن قصد جــاءت به ّ
ً
الشــارع؛ ولــذلك كــان ما خــرج عن المــذهب الوسط مــذموما عند العلمــاء ّ
()2
الرّاسخين)) .
الذرائع آي ٌل في الجملة إلى حرمــان المكلّفين ق في منع ّ ولما كان اإلغرا ُ
للذريعة أن ما (( ُمنع سـ ّداً ّ من بعض المصالح التي يحتاجونها؛ فقد قرّر الفقهاء ّ
ّ
يجب فتحُه للمصلحة ال ّراجحة»؛ وبنا ًء على ذلك؛ فال يمن ُع المكلفَ من اإلقدام
على ال ّزواج مخافةُ الوقوع في الكسب المح ـرّم؛ «وكــذلك طلبُ العلم إذا كــان
في طريقه مناكر يسمعها ويراها ،وشهو ُد الجنائز ،وإقام ـةُ وظــائف شــرعيّة؛
ـرج هــذا العــارضُ إذا لَم يقدر على إقامتها إال ب ُمشاهدة ما ال يُرتضـى؛ فال يُخـ ِ
تلك األمو َر عن أصُولها؛ ألنّها أصُول ال ّدين وقواع ُد المصــالِح ،وهو المفهــوم
ق الفهم))(.)3
من مقاصد ال ّشارع؛ فيجب فه ُمها ح ّ
ــ 75ـ
إن ال ّشريعة
ابن عاشورّ (( : وفي تقرير ما يقرُب من ذلك المعنى يقول ُ
كما س ّدت ذرائع ..قد عمدت إلى ذرائع المصالِح ففتحتها؛ بأن جعلت لها حكم
الوجُوب ،وإن كانت صورتُها ُمقتضيةً المن َع أو اإلباحةَ ،وهذه المسألة هي
بأن ما ال يت ّم الواجبُ إال به؛ فهو واجبٌ ،وهي الملقّبة الملقّبةُ في أصُول الفقه ّ
في الفقه باالحتياط))(.)1
الموجه الثّ امن :المقلّد في اختالف األق وال عليه مث ُل ما على ّ ـ
أن المقلّد مطالبٌ شرعا ً بسؤال أهل العلم عندما المفتِي( :)2المراد بهذا ال ُموجّه ّ
تنزل به نازلةٌ ال يعلم حكمها؛ فإن سأل أكثر من عالم واتّفقت أجــوبتُهم؛ـ فعليه
بنوع من التّرجيح.
ٍ العمل بذلك ،وإن اختلفوا؛ فعليه العم ُل
أن لل ُمكلَّف أن يفعل ألن حاصل األمر مع القــول بــالتّخيير ّ وال يتخيّرّ (( ،
إن شـــاء ،ويـــترك إن شـــاء؛ وهو عين إســـقاط التّكليـــف؛ـ بخالف ما إذا تقيّد
بالتّرجيح؛ فإنّه ُمتَّبِ ٌـع لل ّدليل؛ فال يكون ُمتّبعاًـ للهوى ،وال ُمسقطا ً للتّكليفـ))(.)3
أن الترجيح يكون باعتقـادـ ال ُمسـتفتيـ في الـذين أفتـوه أيُّهم واألكثر على ّ
الشــاطب ّي(( :إذا تعارضت أعلم ،فيأخذ بقولــه ،ويــترك قــول من عــداه؛ قــال ّ
األقــوال على المقلد في المســألة بعينهــا..ـ ولم يتــبينـ له األرج ُح من العــالمينـ
والســـؤال عنهماـ حتّى يتـــبيّن له األرجحُ؛ ّ ُ
الوقـــوف بأعلميّةـ أو غيرهـــا؛ـ فحقّه
فيمي َل إلى تقليده دون اآلخر؛ فإن أقدم على تقليد أحدهما من غير ُمرجِّ ح كــان
حك ُمه حك َم المجتهد إذا أقـــدم على العمل بأحد الـــ ّدليلين من غـــير تـــرجيح؛
فالمثاالن في المعنى واحد))(.)4
أن فتـاوى ال ُمجتهـدين بالنّسـبةـ إلى العـوا ّم ومن المعاني ال ُملت َِحقة بـذلكّ :
كاألدلّة ال ّشرعيّة بالنّسبة إلى المجتهدين ،وال ّدليل عليه ـ كما يقول ال ّشاطب ّي ـ :
أن وجُود األدلّة بالنّسـبةـ إلى ال ُمقلِّدين وعـدَمها سـوا ٌء؛ إذ كـانوا ال يسـتفيدون (( ّ
منها شيئاً؛ـ فليس النّظ ُر في األدلّة واالســتنباطُ من شــأنِهم ،وال يجــوز ذلك لهم
ﮩـ ﮪ ﮊ()5؛ والمقلِّد غي ُر عالِم؛ ﮧ ﮨ البتّة ،وقد قال تعالى :ﮋﮤ ﮥ ﮦ
ّ
فال يصـــ ّح له إال ُســـؤا ُل أهل الـــذكر ،وإليهم مرجعُه في أحكـــام الـــ ّدين على
(?) انظر :ال ّشاطب ّي« ،الموافقات» ،)4/134( :وما بعدها. 3
ــ 76ـ
اإلطالق؛ فهم إذاً القائمون له مقام ال ّشارع ،وأقوالُهم قائمةٌ مقـــــــا َم ّ
الش ـارع
))
(.)6
وهذا المعنى يُفيد منه ال ُمفتي في النّوازل؛ فإنّه ُمعلِ ٌم له بمنزلة رأيه فيها
بالنّســبة لمن يســتفتيه؛ـ فال يُقــدم على تقرير حكم بشــأنهاـ حــتى يُعطي نظــره
حاجتَه من الوقت وتقليب الفكر.
هــذا وصــلّى هللا على ســيّدنا مح ّمد النــب ّي األم ّي ،وعلى آله وصــحبه
الطّاهرين ،والخلفاء الرّاشدين ،واألئ ّمة المهـديّين ،والتّـابعين لهم بإحسـان إلى
يوم ال ّدين ،وسلّم تسليما دائما مباركا ً إلى يوم ال ّدين...
(?) ال ّشاطب ّي« ،الموافقات»)4/293( :؛ وراجع :ابن عابدين« ،ر ّد المحتار».)3/346( : 6
ــ 77ـ
حدود النظر في النوازل
قراءة في نصوص المغاربة
د/أحمد معبوط
كلية العلوم اإلسالمية جامعة الجزائر
الحمد هلل رب العالمين ،وأفضل الصالة وأتم التسليم على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه وتابعيهمـ بإحسان إلى يوم الدين ،أما بعد:
فإن النوازل والفتاوى واألجوبة والمسائلـ أسماء لمسمى واحد في
غالب استعمالـ الفقهاء ،ومنهم الفقهاء المغاربة.ـ
فهذه األسماء تتعاور في عناوينـ كتبهم في الفتوى دون النص منهم
على اختالف في موضوعها ،أو يُوقف على ذلك من خالل مطالعتها.
كما نجد هذه األسماء تتردد في كتب الفقه والنوازل بصيغ مختلفة
للداللة على مسمى واحد .وهكذا نجدهم يقولون :فتاوى ابن عرضون،
وأجوبة المجاصي ،ونوازل ابن الحاج ،ومسائل ابن رشد ،فالكل شيء واحد
عندهم ،وال يخرج في كل األحوال عن سؤال السائل،ـ وجواب المفتي،ـ مهما
كانت طبيعةـ السؤال.
والفتوى والفتيا هي القول الذي يفتىـ به ،واإلفتاء هو(( :اإلخبار عن
حكم شرعي ال على وجه اإللزام))( .)1والقيد األخير يفيد في إخراج حكم
الحاكم عند من عرّفه بأنه:ـ إخبار عن حكم شرعي على وجه اإللزام .وال
حاجة إليه عند من يرى أن القضاء ال يدخل في الحد؛ كون الحكم إنشاء ال
إخبار ،كالقرافي(.)2
والفتوى بالقول هو األمر المشهور ،لكنها تحصل من المفتي من جهة
القول ،والفعل ،واإلقرار .فالمفتي قائم في األمة مقام النبي ×(.)3
وبناء على ما سبق التنبيهـ إليه فإن هذا التعريف هو تعريف للنوازل
أيضا ،إذ ال فرق بين االسمين في االستعمال.ـ
ويمكن القول إذا رُمنا التمييزـ بينهما والتدقيق في العبارة :أن النوازل
تختصّ بالحدوث والوقوع ،فتقتصر على الوقائع الحادثة ،أما الفتاوى فتشمل
(?) مــواهب الجليل لشــرح مختصر خليل للحطــاب ج1ص .32ط.3ــ 1992م ،دار الفكــر، 1
دمشق.
(?) انظر :المرجع السابق نفسه. 2
(?) انظر :الموافقات للشاطبي ج4ص597وص .595ط2004 .6م دار المعرفة ،بيروت. 3
ــ 78ـ
سؤال الناس عن األحكام الشرعية ،سواء حدثت أم لم تحدث ،فتكون المسائلـ
عبارة عن تفريعات وفروض.
وإذا تصفّحنا في الكتب التي تناولت الفتوى وأركانها وشروطها
وآدابها ،سواء منها التي استقلت بذكرها ،أو تلك التي ذكرتها مع غيرها من
المباحث ككتب أصول الفقه التي يع ّد باب الفتوى من أركان أبوابها ،عرفنا
أن الفتوى ليست مجرّد إجابة عن سؤال ،وإنما هي نظر واجتهاد فهي
معروضة في هذه الكتب المتخصصة على هذا األساس ال غيره.
ففي مثل هذه الكتب نجد الفتوى تقوم على أركان ال تكون إال بها وهي:
المفتي والمستفتي والفتوى ،فإذا ذكرت فيها صفات المفتينـ وجدناها مطابقةـ
لما يذكر في شروط االجتهاد ،واألمر فيها كذلك إذا ذكرت مراتبهم إذ نجدها
مطابقة لمراتب المجتهدين.ـ
وإذا تأ ّملناـ في أحكام الفتوى فيها تيقنّا أنّها تتعلقـ بما يتعلّق به االجتهاد
من المسائل واألحكام.
والفتوى ببيان أركانها وشروطها وأحكامها ترتسم كثير من الحدود
التي تحفظ بها من جهة الوجود ومن جهة العدم ،وهي من حدود النظر في
أن التعرّض لها على ما هي مرسومة عليه في كثير من كتب النوازل .إال ّ
التراث على سبيل االجترار قد يبدو تعرّضا ً متكلّساً ،خاصة إذا غابت األذن
والذكاء الوقّاد ،فهو عندئذ ال يساعد في عالج الالقطة والعين المتفحّصة ّ
أدوائنا،ـ وال حتى تسكينـ آالمنا وأوجاعنا.ـ كما أن التعرّض لها بالتبسيطـ
واإلرسال الذي يشوب بعض كتب المعاصرين ،حتى ال نقول الكثير منها،
فال طائلـ من ورائه وال جدوى من التعويل عليه.ـ وعلى ما فيه من الحركة
والتلميع،ـ فهو أشبه بحركة الولدان وتلميع األحداث.
أما إذا حاولنا التخفّف والتّحرّر من سلطان العوائد التي تجرّنا إلى ما
ألمحنا إليه بحكم النشأة والعشرة ،وقعنا على اكتشاف نصوص أعالم فيما له
عالقة بالنظر في النوازل لعلماء مميّزين،ـ من المشرق والمغرب ،تبدو من
خاللها حدود النظر في النوازل دقيقة عميقةـ حيّة تالمس شغاف الحقائق،
وتزهو بإدراكها المهج والعقول .وهذا ما أزعم محاولة تناوله من خالل
قراءة في بعض نصوص المغاربةـ التي حوتها كتبهم وتناقلتهاـ رواياتهم.
الخطط الدينية الشرعية ،التي يجب على أولياء األمور واإلفتاء من ِ
رعايتها،ـ مثل رعايتهم لما تقوم عليه حماية البالد من األخطار ،ومثل
ــ 79ـ
رعايتهم لما يتحقق به العدل بين الناس .فحفظُها من حفظ الدين ،واإلخالل
بحدودها بالتقصير في رعايتها تفريط في الدين(.)1
فلول ّي األمر ـ كما يقول ابن خلدون ـ (( :تصفُّ ُح أهل العلم والتدريس،
ليس أهالً لها
ور ُّد الفتيا إلى من هو أهل ٌ لها ،وإعانَتُهُـ على ذلك ،ومن ُع من َ
وزجرُه؛ ألنّها من مصالح المسلمين في أديانهم ،فتجبُ عليه مراعاتُها؛ـ لئالَّ
اس))(.)2
ُض َّل النّ َ
بأهل في ِ
ٍ َّض لذلك من ليس لهُ
يت َعر َ
غير أن هذه الرعاية السياسيةـ مهما كان شأنها وحالها ال يصلح معها
أو دونها غياب ال ّزاجر النابع من النفس عند المقدم على التصدي لما ليس له
بأهل ،الذي من شأنه أن يمنعهـ عن المخاطرة باإلقدام على ما يض ّل به
المستهدي ويض ّل به المسترشد ،وفي األثر :أجرأكم على الفتيا أجرأكم على
جهنم(.)3
وليس فيما ذكره ابن خلدون أو ما يذكره غيره من العلماء ما يفهم منه
أن لول ّي األمر التح ّكم فيما يدخل في اختصاص المفتي أو ما يؤثّر على سير
هذه الوظيفة الدينية؛ـ ألن مثل هذا التح ّكم إن وقع منه فهو خيانة عظيمة لما
ا ْستُأمن عليه وإفساد لما ُأمر بحفظه،ـ كما هو كذلك في حق المفتي إن
استجاب وأذعن ،إذ ال طاعةـ لمخلوق في معصية هللا.
وما مثل هذا المتح ّكم إالّ كمثل آكل مال اليتيم يأكل في بطنهـ نارا
تهلكه؛ ألنّه بتصرّفه المناقض لمقتضياتـ السياسة الحكيمة إنما يزرع أسباب
نقض أركان الدولة التي ينتمي إليها وإضعافها وهو يحسب أنه يحسن صنعا.
أما حماية الفتوى واإلفتاء من جهة االختصاص فيكون بعدة أمور
منها :سيرة المفتي وأخالقه التي تلحظها األبصار ،وطبيعة التعليم الذي تلقاهّ
على أصوله ،ونصوص وأصول وقواعد وفروع الشريعة ومد ّوناتها التي
هي َح َكم عليه،ـ باإلضافة إلى الرقابة الشرعيّة من قبل نظرائهـ التي ال تغفل
وال تسكت على انحرافه .فإن أفلت من هذا وغيره في زمانه،ـ فلن يفلت منه
مع تعاقب الزمان .وألن المفتي يوقّع عن هللا بنسبةـ ما يصدر عنه إلى
فإن الشريعة شريعته ،والشريعة عامة ومستمرة لصالحها لكل زمان ومكانّ ،
تنفي ما ينسب إليها من الخبث ،فهي محفوظة مصانة ،وال تّؤ ثر عليها
المؤثّرات غير المعتبرة فيها مهما كانت ،بخالف ما يتلفّظ به البعض بوعي
أو دونه.
ــ 80ـ
هذا وقد ظل اإلفتاء في المغرب اإلسالمي مطلقا من ك ّل قيد ،إال القيود
الشرعية واألخالقية الخاصة بأصوله وقواعده وشروطه وآدابه ،فال حجر
للسلطة على المفتي،ـ وال تد ّخل لها في شؤونه ،فك ّل من بلغ مبلغا من العلم
وحاز على ما يلزم من مؤهالت يرتقي بها إلى هذه الرتبة،ـ وأنس من نفسه
القدرة على إفتاء الناس ،له أن يفتي الناس بما يراه ،فكان هذا عامال من
عوامل توسّع التأليف فيها واالعتناء بها في هذه البالد .أما في المشرق
اإلسالمي فقد خضع اإلفتاء للتقنينـ واعتبر وظيفة رسمية ،ومنصبا من
مناصب الدولة ،بحيث تسند إلى أشخاص بالتعيينـ من قبل السلطة ،ولم يبقوا
عليه مرسال .واألصل في اإلفتاء اإلرسال فال يقيّد بقيود ،وال يخضع لتنظيم
أو تقنين( .)1ويكفي في سياستهاـ في رأيي ما أشار إليه ابن خلدون المذكور
آنفا.
ولقد سمعت الكثير من دعوات الداعين إلى اقتفاء أثر أهل المشرق
باستحداث منصب للفتوى ودار لها في بالدنا على النمط السائد عندهم ،زعما
من أصحاب هذه الدعوات أن ذلك سيقضي على الفوضى الحاصلة في
الفتوى عندنا.
وإلى ح ّد تسطير هذه األحرف لم يظهر لي أي وجه فائدة لما يدعون
ألن الناس في الغالب ينجذبون إلى من هو مح ّل ثقة عندهم ألخذ دينهم إليه؛ ّ
عنه ،سواء نُصّب رسميا لإلفتاء أم لم يُنصّب ،وسواء كانوا مصيبين في
ثقتهم تلك أم مخطئين ،في نظرناـ أو في نظر غيرنا .وليس بالضرورة أن
يكون ذلك مرتبطاـ بموقفهم من السلطة التي نصّبتهـ أو بموقف ال ُمنَصَّب منها.ـ
ويمكن للمرء أن يالحظ هذا ويدركه بنفسه .ولقد خبرت شيئا من هذا في
البالد التي تأخذ بنظامـ تنصيبـ المفتي الرسمي كسورية ولبنان .حيث ترى
الكثير من الناس هناك منصرفين في استفتائهمـ إلى من يثقون في علمهم
ودينهم دون اعتبار آخر في الغالب ،وال يرجعون في ذلك إلى من يُنَصَّب
رسميا لإلفتاء .وال ترى من أكثر هؤالء المستفتين مواقف سلبيةـ تجاه وطنهم
أو دولتهم.
والذي أراه عالجا لما يشكون منه هو تعليم الدين الصحيح للناس على
أوسع نطاق،ـ وعلى أصوله ومناهجه الصحيحة ،وبكل الوسائل المتاحة ،وأن
يكون للدولة الدور األساسي في كل هذا .فذلك الدين وتلك األصول والمناهجـ
هي التي عاشت بها أمتناـ وبالدنا القرون الطويلة في استقرار وأمان ووحدة
ووئام ،محصّنة من كل وافد يعلن أو يضمر لها السوء ،مرحّبة بك ّل قادم مفيد
لها ولو من الصين.
(?) انظر :محاضرات في تاريخ المذهب المالكي في الغــرب اإلســالمي ص 95ــ .96ط 1
(?) انظر :إحكام األحكام البن حزم ج2ص 666ـ .669 3
ــ 82ـ
الصعب أو المستحيل التسليم لمن ا ّدعى أو لمن ا ّدعي عنه ذلك ،بل قد يكون هذا
سببا قويّا للريبة في عقله ورأيه ودينه والحذر واالحتياط من مسلكه(.) 1
ولِما كان لإلفتاء والنظر في النوازل من المكانةـ عند أئمة المذاهب
األربعة وأتباعهمـ من المجتهدين،ـ كثر منهم االعتناء به ،حتى بلغ ما تكلّم فيه
اإلمام مالك ـ مثال ـ من المسائل سبعين ألف مسألة ،وجمع أبو بكر المعيطيـ
وأبو عمر اإلشبيلي فتاويه في مائة جزء(.)2
ظروا فيما اعترضهم من نوازل ووقائع بناء وإذا كان أئمة االجتهاد قد ن َ
ال من أصول ،فإنهم بلغوا في تقرير هذه األصول إلى ح ٍّد من أو ً
على ما قرّروه ّ
النضج لم يظهر له في الواقع مزيد ،ومقتضى العادة أن تنحصر األصول
والقواعد كما انحصرت النصوص ،وتتوسّع الفروع والمسائل بتوسع النوازل
والوقائع.
ول ّما كان فرض الوقت االعتناء بالنظرـ في النوازل لتعلّقه ببيان الحكم
الشرعي الذي يحتاج إليه المكلّف وال يحتملـ التأخير ،وكان حال االطمئنان
إلى صحّة األصول المقرّرة لمذهب اإلمام المجتهد بحيث يُع ّول على االستناد
إليها عند النظر في النوازل ،وقد بلغ صاحبها رتبة االجتهاد المطلق المستقل،
الذي مقتضاه أنه مهّد لهذا النّظر له ولغيره بهذا األساس ،فإن االنصراف ع ّما
مهّد به وإعادة البحث فيه من جديد للنظر في النوازل الحقا بناء على ما ينتج
عن هذه اإلعادة ،هو عزوف عن فضيلة االشتراك في تواصل جهد آخر هذه
األمة بجهد أ ّولها ،وتقويض لبنيانها العلمي.
أما المنهج السليم الذي صار إليه المجتهدون من كل مذهب بعد
تسليمهم بأصول إمامهم ،أنهم إذا احتاجوا إلى النظر في النوازل ،يلجأون ـ
كما قال ابن خلدون ـ إلى ((تنظيرـ المسائلـ في اإللحاق وتفريقها عند االشتباه
بعد االستناد إلى األصول المقررة من مذهب إمامهم ،وصار ذلك كلّه يحتاج
إلى َملَ َكة راسخة يُقتدر بها على ذلك النوع من التنظيرـ أو التفرقة واتباع
()3
مذهب إمامهم فيهما ما استطاعوا وهذه الملكة هي علم الفقه لهذا العهد)) .
وما أشار إليه هنا هو التخريج الفقهي الذي استمر به النظر في
النوازل وازدهر ،وهو فرع عن القياس ،يعتمد على تخريج حكم النازلة التي
ال يوجد نص لإلمام صاحب المذهب فيها على مسألة تشبههاـ قد نصّ عليها
اإلمام ،أي تخريج الفرع من الفرع ،ويستعملـ إلثباتـ تماثلـ المسألتينـ على ما
يشبه ما يعمل به في القياس إلثبات العلة الجامعة بين الفرع واألصل .وقد
(?) انظر :المرجع السابق نفسه. 1
.92
(?) مقدمة ابن خلدون ص .449 3
ــ 83ـ
يكون تخريج حكم النازلة على أصل ـ أو قاعدة ـ تنسبـ إلى اإلمام لكونها
خرّجت بطريقـ االستقراء على فروعه مما نصّ عليه،ـ أي يكون تخريج
األصول على الفروع المنصوص عليها ثم يكون تخريج الفروع الجديدة
عليها .وهذا النوع من االجتهاد يقوم به مجتهد التخريج المنتسب للمذهب،
وهو الذي يتوفر على شروط االجتهاد لكنها قاصرة عن بلوغ رتبة المجتهد
المطلق(.)1
وكثير مما نراه اليوم من اضطراب في الفتوى يرجع إلى عدم
استيعاب هذا التطور في النظر الفقهي وحدوده في كل مرحلة من مراحله.
فترى من صور الجهل المر ّكب الذي يخرج من هذا القالب ما يخجل من
رؤيتهـ العقالء فضال عن التع ّوذ من إصابتهم بشيء من رذاذه ،ولوال حرمة
الدين ألشفقوا على أصحابه وهم يعتلون الكراسي والمنابرـ وتصدح بهذيانهم
الحناجر.
فترى منهم من يحاكي في تصرّفه تصرّف المجتهد المطلق في األدلة،
ومنهم من يحاكي فيه تصرّف المجتهد المرجّح في األقوال ،ومنهم من يحاكي
فيه تصرّف مجتهد الترجيح في نصوص األئمة ،ومنهم من يخلط من ذلك
كلّه ويلفّق ما ال يمكن وصفه إال بالجنون ،وش ّر الفضائح ما لبِس لبوس
الدين ،نعوذ باهلل من ذلك ونسأله الستر.
ويمكن ضبط شروط االجتهاد المقيد ومقدارها بالنظر إلى المراحل
التي يمر عليها طالب العلم ليصير مجتهدا مطلقا وأحواله فيها سواء استقر
على حال منها أو ارتقى إلى ما يفوقها .وهذا ما حاول بيانهـ القرافي في
فروقه( )2والشاطبي في موافقاته( )3فطالب العلم له أحوال:
الحالة األولى :أن يشتغل بمختصر من مختصرات مذهبه ورغم
اعتماد هذا المختصر في المذهب إال أن في عباراته ما هو مطلق يفتقر إلى
قيود مذكورة في غيره من مصادر المذهب ،وفيها ما هو عام يفتقر إلى
مخصصات مذكورة في غيره كذلك .وإذا كان هذا الكتاب المختصر في
المذهب كذلك وصلح أن يكون كتابا تعليميا للمبتدئ في التفقه فيه بحفظه
تصوره ومعرفة مقاصده عموما .فإنه ّ وفهمه الشتماله على ما يم ّكن من
يحرم عليه أن يفتي بما فيه وإن أجاده حفظا وفهما ،إال في مسألة يقطع فيها
أنها مستوعبة التقييد ،وأنها ال تحتاج إلى معنى آخر من كتاب آخر فيجوز
)?( 1انظر :االختيارات الفقهية (أسســها ،ضــوابطها ،ومناهجهــا) وهي أطروحة دكتــوراه
الباحث.
2
(?) انظر :الفروق للقرافي 543\2وما بعدها (الفرق الثامن والسبعون).
3
(?) انظر :الموافقات للشاطبي 163\4وما بعدها.
ــ 84ـ
له أن ينقلها لمن يحتاجها على وجهها من غير زيادة ،وال نقصان ،وتكون
هي عين الواقعة المسئول عنها ال أنها تشبهها وال تخرج عليها بل ال بد أن
تكون مطابقة تماما حرفا بحرف؛ ألنه قد يكون هناك فروق تمنع من
اإللحاق ،أو تخصيص أو تقييد يمنع من الفتيا بالمحفوظ فيجب الوقف.
وربما بدأ في هذه المرحلة يتنبه عقله إلى النظر فيما حفظ والبحث
عن أسبابه بفعل ما ينقدح له من شعور بمعنى ما هو منشغل بتحصيله ،لكن
هذا الشعور ال يعول عليه فهو مجمل بعد ،وإن بدا له مفصال في بعض
المسائل أو أطراف منها في بعض األحيان .وواجب المعلم في هذه المرحلة
إعانته بما يتناسب مع مرتبته ،فيرفع عنه ما يعرض له من أوهام
وإشكاالت ،ويوجهه إلى طريقة إزالتها ،مثبتا قدمه شيئا فشيئا ،ومشجعا له
يقوم المنهج السليم للنظر
ومؤنسا في مواجهة المثبطات ،ومؤدبا له بما ّ
والبحث.
فهذا الطالب في هذه المرحلة ال يملك نظرة واضحة كاملة عن
موارد الشريعة وأصولها وحَِكمها ومقاصدها ،مع ما يجده من المعاناة
طمعا في إدراك ذلك .وواضح أنه ال يصح منه االجتهاد حتى في المسائلـ
التي ينظر فيها نظرا يعتقد أنه مستوعبا؛ ألنه لم يسلس له بعد سند
االجتهاد بما ينشرح له الصدر .وما دام هو كذلك يجب عليه الكف
واالكتفاء بالتقليد ،وإال ضل وأضل والعياذ باهلل.
الحالة الثانية :أن يتسع تحصيله في المذهب بحيث يطّلع من
تفاصيلـ الشروح والمطوالت على تقييدـ المطلقاتـ وتخصيص العمومات
المشار إليها في الحالة األولى .ولكنه مع ذلك لم يضبط مدارك إمامه
ومستنداتهـ في فروعه ضبطا متقنا،ـ بل سمعها من حيث الجملة من أفواه
طلبة العلم ومشايخه ،فهذا يجوز له أن يفتي بجميع ما ينقلهـ ويحفظه في
مذهبه اتباعا لمشهور ذلك المذهب بشروط الفتيا،ـ ولكنه إذا وقعت له
واقعة ليست في حفظه ال يخرّجها على محفوظاته،ـ وال يقول :هذه تشبه
المسألة الفالنية؛ ألن ذلك إنما يصح ممن أحاط بمدارك إمامه،ـ وأدلته،
وأقيسته ،وعلله التي اعتمد عليها مفصّلة ،ومعرفة رتب تلك العلل،
ونسبتهاـ إلى المصالح الشرعية ،وهل هي من باب المصالح الضرورية أو
الحاجية أو التحسينية،ـ وهل هي من باب المناسب الذي اعتبر نوعه في
نوع الحكم أو جنسه في جنس الحكم؟ وهل هي من أدنى المصالح المرسلة
رتبة أم من قبيل ما شهدت لها أصول الشرع باالعتبار إلى أن علت
رتبتها؟ أو هي من باب من أبواب القياس كقياس الشبه أو قياس الداللة
مثال؟ إلى غير ذلك من تفاصيل األقيسة ورتب العلل في نظر المجتهدين
في الشرع.
ــ 85ـ
وسبب ما سبق بيانه أن الناظر في مذهبه والمخ ّ ِرج على أصول
إمامه نسبته إلى مذهبه وإمامه كنسبة إمامه إلى صاحب الشرع في اتباع
نصوصه ،والتخريج على مقاصده ،فكما أن إمامه ال يجوز له أن يقيس
مع قيام الفارق ألن الفارق مبطل للقياس ،والقياس الباطلـ ال يجوز
االعتماد عليه فكذلك هو أيضا ال يجوز له أن يخ ّرج على مقاصد إمامه
فرعا على فرع نص عليه إمامه مع قيام الفارق بينهما،ـ لكن الفروق إنما
تنشأ عن رتب العلل ،وتفاصيل أحوال األقيسة…وكذلك إذا كان إمامه قد
اعتبر مصلحة سالمة من المعارض لقاعدة أخرى فوقع له هو فرع فيه
عين تلك المصلحة لكنها معارضة بقاعدة أخرى أو بقواعد فيحرم عليه
التخريج حينئذ لقيام الفارق ،أو تكون مصلحة إمامه التي اعتمد عليها من
باب الضروريات فيفتي هو بمثلها ،ولكنها من باب الحاجيات أو
التحسينيات وهاتان ضعيفتانـ مرجوحتان بالنسبة إلى األولى ،ولعل إمامه
راعى أمرا خاصا في اعتباره تلك المصلحة ،وال خصوص هنا ،ومتى
حصل التردد في ذلك والشك وجب التوقف ،كما أن إمامه لو وجد صاحب
الشرع قد نص على حكم ومصلحة من باب الضروريات حرم عليه أن
يقيس عليه ما هو من باب الحاجيات أو التحسينياتـ ألجل قيام الفارق،
فكذلك هذا المقلد له؛ ألن نسبته إليه في التخريج كنسبةـ إمامه لصاحب
الشرع ،والضابط له ،وإلمامه في القياس والتخريج أنهما متى جوزا فارقا
يجوز أن يكون معتبرا حرم القياس ،وال يجوز القياس إال بعد الفحص
المنتهيـ إلى غايةـ أنه ال فارق هناك،ـ وال معارض ،وال مانع يمنعـ من
القياس ،وهذا قدر مشترك فيه بين المجتهدين والمقلدين لألئمة المجتهدين،
فمهما جوز المقلد في معنى ظفر به في فحصه ،واجتهاده أن يكون إمامه
قصد أو يراعيهـ حرم عليه التخريج ،فال يجوز التخريج حينئذ إال لمن هو
عالم بتفاصيلـ أحوال األقيسة والعلل ورَُتب المصالح وشروط القواعد وما
يصلح أن يكون معارضا وما ال يصلح ،وهذا ال يعرفه إال من يعرف
أصول الفقه معرفة حسنة؛ فإذا كان موصوفا بهذه الصفة وحصل له هذا
المقام تعيّنـ عليه مقام آخر وهو الذي يلي هذا.
الحالة الثالثة :وتتمثل في مقام أرقى من المقام السابق وهو النظر
وبذل الجهد في تصفح تلك القواعد الشرعية وتلك المصالح وأنواع
األقيسة وتفاصيلها المذكورة في الحالة الثانية .فإذا بذل جهده فيما يعرفه
ووجد ما يجوز أن يعتبره إمامه فارقا أو مانعا أو شرطا وهو ليس في
الحادثة التي يروم تخريجها ،حرم عليه التخريج ،وإن لم يجد شيئا بعد
بذل الجهد وتمام المعرفة جاز له التخريج حينئذ وكذلك القول في إمامه
مع صاحب الشرع ال بد أن يكون إمامه موصوفا بصفات االجتهاد التي
ق المقلّد المخ ّرج ،ثم بعد اتصافه بصفات بعضها ما تقدم اشتراطه في ح ّ
ــ 86ـ
االجتهاد ينتقل إلى مقام بذل الجهد فيما علمه من القواعد ،وتفاصيل
المدارك ،فإذا بذل جهده ،ووجد حينئذ ما يصلح أن يكون فارقا أو مانعاـ أو
حرم
شرطا قائما في الفرع الذي يروم قياسه على كالم صاحب الشرع ُ
عليه القياس ووجب التوقف ،وإن غلب على ظنه عدم جميع ذلك ،وأن
الفرع مساو للصورة التي نص عليها صاحب الشرع وجب علي اإللحاق
حينئذ،ـ وكذلك مقلده ،وحينئذ بهذا التقرير يتعين على من ال يشتغلـ بأصول
الفقه أن ال يخ ّرج فرعا أو نازلة على أصول مذهبه ،ومنقوالته ،وإن
كثرت منقوالته جدا فال تفيد كثرة المنقوالت مع الجهل بما تقدم ،كما أن
إمامه لو كثرت محفوظاته لنصوص الشريعة من الكتاب والسنة وأقضية
الصحابة ،ولم يكن عالما بأصول الفقه حرم عليه القياس والتخريجات
على المنصوصات من قبل صاحب الشرع ،بل حرم عليه االستنباطـ من
نصوص الشارع؛ ألن االستنباطـ فرع معرفة أصول الفقه ،فهذا الباب
المجتهدون والمقلدون فيه سوا ٌء في امتناع التخريج بل يفتي كل مقلّد
وصل إلى هذه الحالة التي هي ضبط مطلقات إمامه بالتقييد ،وضبط
عمومات مذهبه بمنقوالت مذهبه خاصّة من غير تخريج إذا فاته شرط
التخريج ،كما أن إمامه لو فاته شرط أصول الفقه وحفظ النصوص
واستوعبها يصير محدثا ناقال فقط ال إماما مجتهدا ،كذلك هذا المقلد.
فبما سبق ينضبطـ االجتهاد المقيد بمذهب من المذاهب الفقهية
ويستقيم ويصح وبدونه يكون القول بالهوى واللعب في دين هللا تعالى
والفسوق لمن تعمده قال القرافي بعدما بين الشروط والضوابط السابقة
الذكر(( :فالناس مهملون له إهماال شديدا ويقتحمون على الفتيا في دين هللا
تعالى والتخريج على قواعد األئمة من غير شروط التخريج واإلحاطة
بها؛ فصار يفتي من لم يحط بالتقييداتـ وال بالتخصيصاتـ من منقولات
إمامه وذلك لعب في دين هللا تعالى،ـ وفسوق ممن يتعمده.ـ
أوَ ما عَِلموا أن المفتي مخبر عن هللا تعالى وأن من كذب على هللا
تعالى أو أخبر عنه مع عدم ضبط ذلك الخبر فهو عند هللا تعالى بمنزلةـ
الكاذب على هللا؟! فليتق هللا تعالى امرؤ في نفسه وال يقدم على قول أو
فعل بغير شرطه))(.)1
ثم إن في هذه المرتبة من االجتهاد المقيد إذا حصلت شروطه مجال
واسع لالجتهاد والتحقيقـ فالتقليد هنا ال يعفي صاحبه من بذل الوسع في
تبيّنـ ما هو صحيح مما هو بخالفه ما دام محصال للقدرة على ذلك في هذا
المقام .فكل شيء أفتى فيه المجتهد فخرجت فتياه فيه على خالف الإجماع،
أو القواعد أو النص أو القياس الجلي السالم عن المعارض الراجح ال يجوز
1
(?) الفروق للقرافي 545\2ـ .546
ــ 87ـ
لمقلده أن ينقله للناس وال يفتي به في دين هللا تعالى فإن هذا الحكم لو حكم به
قاض كان حكمه منقوضا وما ال يقر شرعا بعد تقرره بحكم الحاكم أو
القاضي أولى أن ال
ُيَقّر
َ شرعا إذا لم يتأكد بتقريره ،والذي ذكرناه لم يتأكد فال يقر شرعا ،والفتيا
بغير شرع حرام ،فالفتيا بهذا الحكم حرام ،وإن كان اإلمام المجتهد غير
عاص به بل مثاب عليه؛ ألنه بذل جهده على حسب ما أمر به كما ورد في
ان ،وَِإ َذااب َف َلهُ َأ ْج َر ِ
ص َاج َت َه َد ثُ َّم َأ َ
ذلك الحديث المشهورِ« :إ َذا َح َك َم ا ْل َحا ِك ُم َف ْ
طَأ َف َلهُ َأ ْج ٌر» (.)1
اج َت َه َد ثُ َّم َأ ْخ َ
َح َك َم َف ْ
فبناء على ما تقدم يجب على أهل كل عصر تفقد مذاهبهم ،فكل ما
وجدوه من هذا النوع يحرم عليهم الفتيا به وقد ال يخلو مذهب من
المذاهب منه ،لكنه قد يقل وقد يكثر ،وفي البحث في ذلك مجال واسع
للنظر لمن تأهلـ له ،إذ ال يقدر أن يعلم هذا في مذهبه إال من عرف
القواعد والقياس الجلي والنص الصريح وعدم المعارض لذلك ،وكل ذـلـكـ
يـعـتـمـدـ تـحـصـيـلـ أـصـوـلـ اـلـفـقـهـ،ـ بـلـ واـلـتـبـحـرـ فـيـ اـلـفـقـهـ فـإـنـ اـلـقـوـاـعـدـ لـيـسـتـ
مـسـتـوـعـبـةـ فـيـ أصـوـلـ اـلـفـقـهـ،ـ بـلـ هـنـاـكـ قوـاـعـدـ لـلـتـشـرـيـعـ كـثـيـرـةـ جـدـاـ قـرـرـهـاـ
أـئـمـةـ اـلـفـتـوىـ واـلـفـقـهـاـءـ الـ تـوـجـدـ فـيـ كـتـبـ أـصـوـلـ اـلـفـقـهـ أصـالـ،ـ وـهـذـاـ اـلـذيـ
أـدـىـ بـبـعـضـ اـلـعـلـمـاـءـ،ـ وـمـنـهـمـ اـلـقـرـاـفـيـ،ـ لـتـتـبـعـ وضـبـطـ تـلـكـ اـلـقـوـاـعـدـ كـلـ
بـحـسـبـ طـاـقـتـهـ.ـ
وإذا اعتبرنا هذا الشرط تبين لنا عظم المخاطر التي تحيط
بالمجازفينـ في اقتحام حرم الفتوى الذي هو توقيع عن هللا .فالحقيقة أن
أكثر الخائضين في هذا األمر في عصرنا كما نشاهده ونراه قد يكونون
ممن يحرم عليهم الفتوى ،فالواجب تعظيمـ حرمات هللا كما كان السلف
واألخبار عن توقفهم في الفتيا وتشددهم في ذلك كثيرة جدا ،حتى قال
مالك(( :ال ينبغيـ للعالم أن يفتيـ حتى يراه الناس أهال لذلك ويرى هو نفسه
أهال لذلك)) ،يريد بذلك أن تثبتـ أهليتهـ عند العلماء ويكون بعد ذلك متيقنا
مطلعا ما على ما قاله العلماء في حقه من األهلية؛ ألنه قد يظهر من
اإلنسان أمر على خالف ما هو عليه ،فإذا كان مطلعا على ما وصفه به
الناس حصل اليقين في ذلك .وهذا مالك ما أفتى حتى أجازه أربعون
محنّكا؛ ألن التحنّك وهو اللثام بالعمائم تحت الحنك شعار العلماء ،حتى إن
مالكا سئل عن الصالة بغير تحنك فقال :ال بأس بذلك ،وهو إشارة إلى
تأكد التحنيك ،وهذا هو شأن الفتيا في الزمن القديم ،وأما اليوم فقد انخرق
1
(?) أخرجه البخاري؛ كتاب االعتصام.
ومسلم وأبو داود؛ كتاب األقضية ،والنسائي وابن ماجه؛ كتاب األحكام.
ــ 88ـ
الحبل على الراقع ،وسهل على الناس أمر دينهم فتحدثوا فيه بما يصلح
وما ال يصلح ،وعسر عليهم اعترافهم بجهلهم وأن يقول أحدهم :ال أدري،
حتى صار األمر إلى االقتداء بالجهال.
الحالة الرابعة :أن يصير طالب العلم إلى المقام الذي يحصل فيه ما
ذكرناه من الشروط مع الديانة والورع الذي يمنعهـ عن الباطلـ والعدالة
المتمكنة التي تلجمه عن اإلسفاف والرقة في الدين ،فهذا يجوز له أن يفتيـ
في مذهبه نقال وتخريجا ،ويعتمد على ما يقوله في جميع ذلك.
اإلفتاء بين النظر الكلي والجزئي وعوارضه()1
إن تحصيل ما يفتقر إليه المجتهد من العلوم ،تخول صاحبها
االجتهاد بإطلاق .ودون ذلك مراتب مشوبة بشوائب تعود إلى اإلخالل
ومقدارا .ولقد رأينا فيما سبق طرفا من ذلك .لكن إذا
ً بتلك الشروط نوعا
انتهىـ المشتغل بالعلم ومداومة النظر إلى التحقق بمعنى مستند في نظره
على أدلة الشرع ،بحيث يحصل له اليقين،ـ ويقدر على دفع ما يورد عليه
من شكوك بما يزيده تمسكا بما عنده ،وأصبح ال يبالي في القطع بما يراه
في المسائل التي ينظر فيها ،سواء نص عليها أو على خالفها أم ال .أي أنه
أصبح ملما بأصول الشريعة وقواعدها ومقاصدها وعللها وطرق النظر
فيها ولو أنه ال يحيط بكثير من جزئياتها.ـ
فإذا حصل فيه هذا الوصف ،هل يصح منه االجتهاد في األحكام
الشرعية بعد استقصائه موارد الشريعة في نظره وتجاوزه ربقة التقليد
بذلك أم ال؟ فهذا محل نظر والتباس ،ومما قد يقع فيه الخالف.
وإنما ينطلق المحتج للجواز من أن المعنى المذكور هو المقصود
الشرعي وقد صار له أوضح من الشمس في رابعة النهار إذ تبينـت له
معانيـ النصوص الشرعية وبلغ في ذلك الغايةـ فالذي حصل عنده هو كلية
الشريعة وعمدتها ومنبع التكليف ،وقد يغنيهـ عن اإلحاطة بالمسائل
الجزئية وأدلتها التفصيلية .خاصة وان النظر في الجزئيات
والمنصوصات إنما مقصوده التوصل إلى ذلك المعنى الكلي الشرعي،
حتى يبنيـ عليه فتياه ويرد إليه حكم اجتهاده ،وقد حصل .وإنما انتظم له
كلي المقصود الشرعي من التفقه في الجزئيات وكل ما هو خاص،
وبمعانيها ترقى إلى ما ترقى إليه .فال تكاد تجد صاحب هذه المرتبة يقطع
بالحكم بأمر ،وهو غير منتبهـ ألدلته الجزئية إال ووجدتها موافقة لما ذهب
إليه ،وهذا يدل على شدة تمكنهـ من االستنباطـ واالجتهاد.
1
(?) انظر :الموافقات للشاطبي 163\4ـ .169
ــ 89ـ
أما المانع فينطلقـ من أن اعتبار الكلي من اطراح الجزئي خطأ كما
في العكس ،فإذا تحقق بركن من أركان االجتهاد بما حصله من إدراك
مقاصد الشريعة ،فهو غير حاصل على الركن الآخر ،وهو اعتبار
الجزئي ،وإذا كان كذلك لم يستحق أن يترقى إلى درجة االجتهاد حتى
يكمل ما يحتاج إلى تكميله.ـ خاصة وأن للخصوصيات خواص يليق بكل
محل منها ما ال يليق بمحل آخر؛ كما في النكاح مثال ،فإنه ال يسوغ أن
يجري مجرى المعاوضات من كل وجه ،كما أنه ال يسوغ أن يجري
مجرى الهباتـ والنحل من كل وجه .فلكل باب ما يليق به ،ولكل خاص
خاصية تليق به ال تليق بغيره .فمن صبغ على الخصوصيات المختلفة
صبغة واحدة بتعميمه حكم واحد عليها،ـ ولم ينظر في الحكم العيني
المقصود بحسب كل نازلة ،ال يستقيمـ له اجتهاد إلغفاله طائفة من مقاصد
الشرع.
وقد يضيف المانع أنه إذا لم يعتبرـ الخصوصيات التي في جزئياتـ
جِري الكليات الشريعة أال يعتبرـ محالها أيضا وهي أفعال المكلفين ،فكما ُي ْ
في كل جزئيةـ على اإلطالق يلزمه أن يجريها في كل مكلف على اإلطالق
من غير مراعاة لخصوصياتهم وهذا يتنافىـ مع مقاصد الشريعة ،فال
يصح مع اعتبار خصوصيات المكلفين إال اعتبار خصوصيات األدلة.
فصاحب هذا الوصف أو هذه المرتبةـ ال يجوز له النظر فيما
تقتضيهـ رتبة االجتهاد وال يستطيعه ،فهو ليس من أهل االجتهاد فقد رأينا
مما سبق ما يثير التردد.
ويمثل الشاطبيـ لهذه الحالة أو المرتبة بمذهب من نفى القياس جملة
وأخذ بالنصوص على اإلطالق ،ومذهب من أعمل القياس على اإلطالق
ولم يعتبرـ ما خالفه من األخبار جملة؛ فإن كل واحد من الفريقين أسرف
في تبني منحى شرعي مطلق عام وصل إليه الطراده عنده بعد نظره في
جملة الشريعة اطرادا ال يتوهم معه في الشريعة نقص وال تقصير منسجما
مع قوله تعالى :ﮋﭻ ﭼ ﭽ ﭾﮊ( .)1أي :إن كل واحد منهما وصل إلى
كلية أصولية مفادها اعتبار القياس عند أحدهما ،واعتبارـ األدلة التفصيلية
ال غير عند الثاني.
فصاحب الرأي يقول :الشريعة كلها ترجع إلى حفظ مصالح العباد
ودرء مفاسدهم ،وعلى ذلك دلت أدلتها عموما وخصوصا ،دل على ذلك
االستقراء .فكل فرد جاء مخالفا فليس بمعتبر شرعا؛ إذ قد شهد االستقراء
بما يعتبر مما ال يعتبر ،لكن على وجه كلي عام .فهذا الخاص المخالف
1
(?) سورة المائدة.3/
ــ 90ـ
يجب رده وإعمال مقتضى الكلي العام؛ ألن دليله قطعي ،ودليل الخاص
ظني ،فال يتعارضان ،إذ ال يقوى الخاص الظني على معارضة العام
القطعي.
والظاهري يقول :الشريعة إنما جاءت البتالء المكلفين أيهم أحسن
عمال ،ومصالحهم تجري على حسب ما أجراها الشارع ،ال على حسب
أنظارهم في األشياء التي من شأنها أن يختلف الحكم عليها بأن فيها
مصلحة أو مفسدة ،فإذا اتبعناـ النصوص ومقتضياتها نكون على يقين في
إصابة تلك المصالح ،فالصواب اتباع مقتضى النصوص ،من حيث أن
الشارع إنما تعبدناـ بذلك .أما اتباع المعاني فهو مجرد رأي ،فكل ما خالف
النصوص منه غير معتبر؛ ألنه أمر خاص مخالف لعام الشريعة،
والخاص الظني ال يقوى على معارضة العام القطعي.
فأصحاب الرأي وقفوا عند المعاني من األسرار والحكم والمصالح
والمفاسد التي فهموها مقصدا للشارع من استقرائهم لموارد الشريعة بعد
أن نظروا فيها ولم يلتفتوا إلى خصوصيات األلفاظ.
وعلى العكس من ذلك فإن الظاهرية وقفوا عند مقتضيات األلفاظ
فنظروا في الشريعة بها ،ولم يلتفتوا إلى خصوصيات المعاني القياسية من
حكم وأسرار ،بل التفتوا فقط إلى مدلوالت التراكيب ولم يتجاوزوها حتى
ولو كانت في نظرهم مخالفة لما قد يفهم بأنه مصلحة بما يتبادر إلى الذهن.
حدتها االستبداد بالكلية على ما اعتمدته
الحدية بلغت من ّ
وهذه الثنائية ّ
في فهم الشريعة ،استبدادا يمنع كل طرف منها النظر فيما نظر إليه الطرف
اآلخر.
والمالحظ أن كال االتجاهينـ يظهران من حين إلى آخر في تاريخ
الفقه اإلسالمي في رقع محدودة لكن سرعان ما تنطفئـ جذوتهما ويغلب
المنهج الوسط الذي يأخذ بالطرفينـ ويخوض فيما خاض فيه الفريقان،
ويتحقق بالمعانيـ الشرعية منزلة على الخصوصيات الفرعية ،بحيث ال
يصده التبحر في النظر واالستبصار بهذا عن التبحر في النظر
واالستبصار بذاك ،إذ ال يجري على عموم واحد منهما دون أن يعرضه
على اآلخر ،ثم يلتفت مع ذلك إلى تنزيلـ النتائج التي وصل إليها على
الوجه الالئق في أفعال المكلفين ،فهو ينظر أيضا في محال الخصوصيات
وهي أفعال المكلفين فال يكونون عنده سواء.
وهذا التوجه ال خالف في صحة االجتهاد من صاحبه ،إذ بلغ مبلغ
التمكن في معالجة األمرين ،والتحرر من استبداد أي منهما،ـ بخالف ما
قبله فإن صاحبه الفتقاره إلى ذلك التمكن ،يستبد به أحدهما ويحكم على
ــ 91ـ
اجتهاده ،فقد تستفزه معانيه الكلية عن االلتفات إلى الخصوصيات ،وإذا
اتصف بهذه الصفة دل ذلك على عدم رسوخه في االجتهاد.
فصاحب التمكينـ والرسوخ الذي يتحكم في األمرين بنظره هو الذي
يستحق االنتصاب لالجتهاد والتعرض لالستنباط .لكن كثيرا ما يختلط أهل
الرتبة الوسطى السالفة الذكر بأهل هذه الرتبة،ـ فيحصل الخالف في عدها
منها أم ال.
وهذا المجتهد المتمكن هو الذي يوصف بالرباني،ـ والحكيم والراسخ
في العلم ،والعالم ،والفقيه،ـ والعاقل ،لتحققه بالعلم حتى صار كالوصف
المجبول عليه ،ولفهمه عن هللا مراده.
ويمتاز بأمرينـ أساسيين:ـ
أحدهما :أنه يجيب السائل على ما يليق به في حالته على
الخصوص إن كان له في المسألة حكم خاص ،بخالف صاحب الرتبة
األخرى فإنه إنما يجيب من رأس الكلية من غير اعتبار بخاص فهو أميل
إلى التعميم الذي قد يتخلف عن بعض األفراد.
والثاني :أنه ينظر في المآالت قبل الجواب عن األسئلة التي ترد
عليه،ـ وصاحب الرتبة األخرى ال ينظر في ذلك ،وال يباليـ بالمآل ال في
األمر وال في النهي وال في غيرهما إذا كان مساقه كليا.
والناظر في عصرنا ال يفوته تسجيل انحصار أصحاب هذا المنهج
الوسط الراسخين في االجتهاد والمتمكنينـ من شروطه وأوصافه ،بل
ظهور صور مشوهة من االتجاهينـ المذكورين متمثلةـ في توجه ظاهري
ويا ليتهـ تحقق بأصول الظاهريةـ ومنهجها أو توجه يناقضه ،ولم يأخذ من
أهل الرأي حصافتهم واستيعابهم.ـ فاتصف األول بالعجرفة والشذوذ
واتصف الثاني بالعمايةـ والجهل المركب.
الخاتمة
لقد أشرنا في هذا المقــال على حسب ما يقتضــيهـ المقــام فيما نــزعم إلى
جملة من الحدود يصــان بها النظر في النــوازل ويحفظ به من جهــتي الوجــود
لخطّة اإلفتـــاء ،ومنها ما هو والعـــدم ،فمنها ما هو متعلّق بالرعايةـ السياســـيةـ ِ
متعلّق بالرعاية التربوية والتعليميةـ لروادها وروافـــدها ومجاالتهـــا،ـ ومنها ما
هو متعلّق بفقهها وضــبط شــروطها ،ومنها ما هو متعلّق بمراتبهاـ وطبيعتها،
ومنها ما هو متعلّق باستيعاب تط ّور النظر الفقهي عند سـواد األمة اإلسـالمية
األعظم المؤيّد بدالئل الوحي الذي خصّها هللا به والذي ضـ ّل بســبب القصــور
عن فهمه فئام من الناس ،فإن حالف هذه اإلشارة القبول فهمها اللبيبـ وأفهمها
ــ 92ـ
غــيره ومن حوله بالبيــانـ والتفصــيل ،وإن تخلّفت عن ذلك فنســأل هللا الســتر
والعفو .وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين.ـ
فهرس المراجع
ـ اإلحكــام في أصــول األحكـام :ابن حـزم ،أبو محمد علي بن أحمد بن سـعيد .تحقيـق:
أحمد محمد شاكر .بيروت :دار اآلفاق ،ط1400 ،1هـ ـ 1980م.
ـ االختيارات الفقهية (أسســها ،ضــوابطها ،ومناهجهــا) :أطروحة دكتــوراه في أصــول
الفقه للباحث ،جامعة الجزائر ،كلية العلوم اإلسالمية2007 ،م.
ـ سنن ابن ماجه ،ط .1دار السالم ،الرياض1999 ،م.
ـ سنن أبي داود ،ط .1دار السالم ،الرياض1999 ،م.
ـ سنن النسائي ،ط .1دار السالم ،الرياض1999 ،م.
ـ صحيح البخاري ،ط .1دار السالم ،الرياض1999 ،م.
ـ صحيح مسلم ،ط .1دار السالم ،الرياض1998 ،م.
ـ الفروق (المسمى :أنوار البروق في أنواء الفروق) :القرافي ،شهاب الدين أبو العباس
أحمد بن إدريس الصنهاجي .القاهرة :ط أوالد الحلبي ،ط1344 ،1هـ ـ 1346هـ.
ـ محاضــرات في تــاريخ المــذهب المــالكي في الغــرب اإلســالمي لعمر الجيــدي ط.
منشورات عكاظ ،الرباط.
ـ المعيار المعـرب والجـامع المغـرب عن فتـاوى علمـاء إفريقية واألنـدلس والمغـرب:
الونشريسي ،أحمد بن يحيى .بيروت :دار الغرب اإلسالمي،ـ 1401هـ ـ 1981م.
ـ مقدمة ابن خلدون :ابن خلدون ،عبد الرحمن بن محمد (ت808هـ) .بــيروت :مؤسسة
األعلمي .نسخة أخرى :دار الكتاب اللبناني ،ط1979 ،2م.
ـ الموافقات في أصول الشريعة :الشاطبي ،أبو إســحاق إبــراهيم بن موسى اللخمي (ت
790هــــ) .تحقيـــق :عبد هللا دراز .بـــيروت :دار الكتب العلمية .دار المعرفـــة ،ط،6
1425هـ ـ 2004م .نسخة أخرى بتعليق محمد الخضر حسين التونســي :دمشــق :دار
الفكر.
ـ مــواهب الجليل لشــرح مختصر خليــل :الحطــاب ،أبو عبد هللا محمد بن عبد الــرحمن
المغربي .بيروت :دار الفكر ،ط1398 ،2هـ .دمشق :دار الفكر ،ط1992 ،3م.
ــ 93ـ
فقه النوازل عند علماء توات
المنهج والمضمونـ
أ.د/محمد دباغ
كلية العلوم االجتماعية والعلوم اإلسالمية ،جامعة أدرار
تمهيد
تعد حاضرة توات منطقةـ زاخرة بالعلوم والمعارف المختلفة ،وقد برز
شيوخها في شتى فنون العلم والمعرفة ،وكان لهم نصيب أوفر في مجال
القضاء والفتيا وفقه النوازل الذي يعد المرآة العاكسة لمظاهر الحياة في
مختلف فروعها.
ولقد اهتم العلماء ،قديما وحديثا ً بالتأليفـ في فقه النوازل لما له من
أهمية تراثية وتاريخية ناهيك عن أهميته الفقهية والقضائية .وفيما يلي
نتعرض لفقه النوازل عند علماء توات من خالل العناصر اآلتية:ـ
ـ مفهوم فقه النوازل.
ـ أعالم النوازل بتوات.
ـ التعريف بمخطوط نوازل الغنية.
ـ مميزات فقه النوازل عند علماء توات.
ـ دراسة نماذج من نوازل توات.
تعريف فقه النوازل
النوازل لغة جمع نازلة وهي من معنى هبوط الشيء ووقوعه(.)1
وتطلق النازلة على الوقائع والمسائل المستجدة وكذا الحادثة التي
تحتاج إلى حكم شرعي(.)2
ولقد جرى اصطالح أهل الفن على إطالق عدة معان على النوازل
ومن ذلك األجوبة ،المسائل ،الفتاوى(.)3
ومن هنا نخلص إلى تعريف فقه النوازل فنقول(( :هو بيانـ حكم
الحوادث التي لم يسبق فيها حكم شرعي))(.)4
(?) محمد دبــاغ ،المدرسة المالكية بتــوات ،مناهجهــا ،خصائصــها وأعالمهــا ،محاضــرة 2
منشورة ضمن أعمال الملتقى الوطني الخامس للمذهب المالكي ،عين الدفلى ،ص205 :
(?) عبد الحميد بكري ،النبذة،ـ 122وما بعدها 3
(?) مقدمة تحقيق الغنية ،مجموعة من الباحثين ،وحدة بحث بجامعة أدرار 2000 4
ــ 95ـ
قدمنا أن كتابـ نوازل الغنيةـ يعد عمدة التأليفـ في هذا الباب ولذلك من
الضروري أن نعرف به في هذا المقام ،فنقول:
اعتنىـ الشيخ محمد بن عبد الرحمن البلباليـ المعروف سيدي الحاج (ت
1244هـ) وابنه عبد العزيز(ت1261هـ) ،بجمع ما تحصل عندهماـ من أجوبة
علماء توات على المسائل الواردة عليهم ،وكذا أجوبة غيرهم من علماء
المالكية ،فلما توفي الوالد استمر االبن الذي خلف والده في منصب القضاء
على ذلك الحال وضم إليها تقييدات وإشكاالت وسمى هذا المجموع غنية
المقتصد السائل فيما وقع بتوات من القضايا والمسائل(.)1
ولما رأى تلميذه أحمد الحبيب البلباليـ أن بعض مسائل المجموع
مذكوراً في غير بابهـ قام بترتيبه وفق ترتيبـ مختصر خليل ،وبذلك سهل
اإلفادة للدارسين والباحثينـ(.)2
منهج الغنية في النوازل(.)3
أ ـ ترتيبـ النوازل حسب األبواب الفقهية.ـ
ب ـ تصوير النازلة تصويراً كامال.
ج ـ عدم االقتصار على المسائل الفردية ،بل نجد الغنيةـ تعتم
باالستشارات الواردة على المفتين.
د ـ دعم األجوبة بالتوحيد والتعليل.
مميزات فقه النوازل عند علماء توات
أ ـ عوامل الثراء والتنوع في النوازل التواتية
1ـ كون المنطقة حاضرة علمية متميزة بعلمائها ومحاضرها ومدارسها
() 4
ويتجلى هذا التميز في محافظة المنطقة على تلقي العلوم وتناقلها جيال عن جيل .
2ـ عالقة علمائهاـ بأعالم باقي الحواضر اإلسالمية كالجزائر
والمغرب وشنقيطـ واألزواد(.)5
3ـ تفرد منطقةـ توات بأمور في حياة الناس المعاشيةـ كنوازل تسيير
الفقارات وبعض مسائل الزراعة والسقي(.)6
(?) مقدمة تحقيق الغنية 1
(?) أبو القاسم ســعد هللا ،كلمة في ملتقى إســهامات علمــاء تــوات 19ـــ 20أبريل 2010 4
ــ 96ـ
ب ـ بيان المميزات المتعلقة بفقه النوازل عند علماء توات
1ـ اعتماد المذهب المالكي في الفروع مع بيانـ اختالف الروايات
واألقوال داخل المذهب وكذا ذكر مختلف أوجه التوجيه والتعليل(.)1
2ـ اعتماد المنهج التطبيقي في التدريس قصد تهيئة الدارس لفهم
النوازل وذلك مثال عن طريق االختبار بمسائل األلغاز.
ومن ذلك قولهم في مسائلـ الميراث:
فما له من شبيهـ أيها العالم الفقيه الذي فاق ذكاء
كل قاض يقضي وكل فقيه أفتنا في قضية حاد عنها
تقي من أمه وأبيهـ رجل مات عن أخ مسلم
أخ خالص بال تمويه وله زوجة لها أيها الحبر
ما تبقىـ باإلرث دون أخيه فحوت فرضها وحاز أخوها
فهو نص ال خلف يوجد فيه فاشفنا بالجواب عما سألنا
اجلواب
كاشف سرها الذي تحويه قل لمن يلغز المسائل إني
أخا عرسه على ابن أبيه إن ذا الميت الذي قدم الشرع
بحماة له وال عز وفيه رجل زوج ابنه برضاه
بابنـ له يسر ذويه ثم مات ابنهـ وقد علقت منه
وأخو عرسه بال تمويه فهو ابن ابنه بغير مراء
وأولى بإرثهـ من أخيه وابن االبن الصريح أدنى إلى
ثمن التراث تستوفيه فإذن حين مات أوجب للزوجة
أخوها من أمها باقيه وحوى ابنه الذي هو في
األصل
وقلنا يكفيك أن تبكيهـ وتنحى األخ الشقيق ما اإلرث
ــ 97ـ
كل قاض يقضي وكل فقيه هاك منا الفتوى التي يحتذيها
1
(?) إعالم الموقعين3/100 ،
(?) أحمد الحمــدي ،محمد بن عبد الكــريم المغيلي رائد الحركة الفكرية بتــوات ،عصــره 2
ــ 98ـ
وفي هذه النازلة نالحظ أن المغيلي اعتمد ما نقل عن ابن الحاجب
حيث قال(( :وكره مالك إخراج البنات،ـ وقال عمل الجاهلية،ـ وإذا وقع فقال
ابن القاسم الشأن يبطل وقال أيضا إن حيز مضى وإن لم يحز عنه فليرده
مسجال))(.)1
3ـ من نوازل الغنية
في والية النكاح( :ثم إذا قلنا بانتقال الوالية عن األب في النازلة فال
جبر حينئذ لغيره إذ الجبر مقصور على األب في أبكار بناته ومن تنزل
منزلته)(.)2
وبناء على هذه النازلة تم استنباطـ كون اإلجبار قاصرا على األب ومن
في حكمه وذلك لوفور شفقته على ابنته(.)3
الخاتمة
بعد استعراض مميزات فقه النوازل عند علماء توات وذكر نماذج من
النوازل ،نخلص إلى النتائجـ اآلتية:ـ
1ـ حاضرة توات حاضرة علميةـ متميزة بمنهجها في مجال التدريس
واإلفتاء كما تشهد بذلك المخطوطات وكتب التراث المختلفة.
2ـ اعتمد علماء توات في اإلفتاء منهجا متكامال شمل االستدالل
بالنصوص والقواعد ومسائل التوجيه والتعليلـ وإعمال العادة والعرف.
3ـ ضرورة االعتناء بفقه النوازل باعتبارهـ فقها تطبيقياـ يسهم في
تكوين الملكة الفقهية للدارس.
4ـ توجيه األبحاث العلمية إلى دراسة التراث النوازلي وتحقيقه.
5ـ تكثيف الجهود في البحث عن كتب النوازل النادرة والمنسيةـ
والمغمورة قصد إخراجها وتحقيقها واالستفادة منها.ـ
2
(?) الغنية،ـ مخط60 :
(?) وحدة بحث الغنية،ـ وينظر ،دراسات في التراث78 ، 3
ــ 99ـ
فقه النوازل عند القاضي عياض
ومواصفات الفقيه الباحث عن فتوى للمستجدات والوقائع في عصرنا
د /التواتي بن التواتي
جامعة عمار ثليجي ،األغواط
الحمد هلل الــذي أنــزل األحكــام إلمضــاء علمه القــديم ،وأجــزل اإلنعــام
لشاكر فضله العميم ،وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شــريك له الــبر الــرحيم،
وأشــهد أن محمــدا عبده ورســوله المبعــوث بالــدين القــويم ،المنعــوت بــالخلق
العظيم صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه وسلم أفضل الصالة والتسليمَ ،وبَ ْع ُد،
أيها العلماء األجالء واألستاذة األفاضـل ،أيها الحضـور الكـرام السـالم
عليكم ورحمة هللا وبركاته وبعــد :اســمحوا لي أن أقــدم لكم عناصر المداخلة
حتى ُأ َم ِّكنَكم من متابعتِها،ـ فأقول ـ سائال هللا تعــالى التوفيق ـــ :ل ّما كــان شــعا ُر
فإن موضوع الملتقى وموضو ُعه يتناولـ "فقهَ النوازل في الغرب اإلسالمي"ّ :
مــداخلتي "فقه النــوازل عند القاضي عيــاض ومواصــفات الفقيه البــاحث عن
فتوى للمستجدات والوقائع في عصرنا" .وقد وضعت لمداخلتي خطة قدر لها
أن تكون وفق النقاط التالية:ـ
1ـ تمهيد:ـ تناولت فيه ارتباط الفقه بالحياة ،وارتباطـ الحياة بالفقه.ـ
2ـ تعريف فقه النوازل لغة واصطالحا.
3ـ مسألة مهمة حول االجتهاد.
4ـ فقه الصحابة ومعرفتهم بالواقع.
5ـ مصنفات فقه النوازل.
6ـ القاضي عياض وفقه النوازل.
7ـ تقييمـ نوازل عياض.ـ
8ـ منهج القاضي عياض في الفتوى.
9ـ مستجدات ووقائع تنتظرـ الفتوى.
10ـ مواصفات الفقيه المفتي في النوازل.
تمهيد
قبل الحــديث عن فقه النــوازل عند القاضي عيــاض أمهد بهــذه الحقيقة
التي تجاهلها كثير من الناس ،وهي أن الفقه مرتبط بالحياة بل الشريعة نفســها
مرتبطة بالحياة ،ألننا في هذا الصدد وفي هذا المجال أمام أمرين:
ـ األمر األول :أمــام شــريعة منزلة من رب الســماوات واألرض منهاجا
ـبي × لحياتهم ،ونبراسا يهتدون به للوصول إلى هللا تعــالى ،وقد أشــار إلى ذلك النـ ّ
قبل المغــادرة ،في خطبة الــوداع بقوله ׫ :تَ َر ْكتُ فِي ُك ْم َما ِإنْ َأ َخ ْذتُ ْم بِ ِه لنَْ
سنَّتِي».
َاب هللاِ َو ُ َضلُوا الطَّ ِري َ
ق بَ ْع ِديِ :كت َ ت ِ
ــ 100ـ
ـ األمر الثاني :أمام فقه مستنبطـ في مضانه الشــرعية يمثل فهم العلمــاء
والمجتهــدين لهــذه الشــريعة ،وكالهما يكوّنــان ثــروة من األحكــام ال يســتغني
عنهما أحد أبــــدا ،فالفقه مرتبط بالحيــــاة ،والحيــــاة يجب أن ترتبط بالفقه وال
يزدهر الفقه إال إذا كان مرتبطا ً بالحياة،ـ كما أن الحياة ال تزدهر إال إذا كــانت
تحت سلطة الفقه والفقهاء ،فأما إذا كان هناك خصام نكد بينهماـ فإنهما يفقــدان
االزدهــار ،فالفقه يصــيبهـ الشــلل وقد يمــوت كما حصل في عصــور الجمــود
واالنحطــاط،ـ والحيــاة يصــيبها الفســاد ،والمجتمع قد ينهــار بل ينهــار فعالً
ويتفكــك ،فاالرتبــاط بين الفقه وبين الحيــاة ارتبــاط وثيــق ...ثم هنــاك حقيقة
أخرى :وهي أن الفقه اإلسالمي ال يؤتي ثمرتهـ المرجوة إال إذا كانتـ
جــوانب الحيــاة كلها مرتبطةـ به خاضــعة لســلطته ،وفي أي مجتمع إذا
كانت هنــاك جــوانب من الحيــاة أو بعض مرافق المجتمع خــرجت عن ســلطة
الفقــه ،فــإن الفقه ال يــؤتي ثمرتهـ المرجــوة ،كما هو الحــال اليــوم في أكــثر
مجتمعــاتـ المســلمين ،إذ أن هنــاك جــوانب من الحيــاة ال تخضع للفقه ،وفي
بعض المجتمعـــات ال يخضع التعليم أيضـــا ً للفقـــه ،فـــإذا خـــرجت مثل هـــذه
الجوانب األساسـية في المجتمع عن سـلطة الفقه يفسد المجتمـع ،ولكن الحقيقة
األخرى أن الفقه أيضا ً ينقص وال يــؤتي ثمرته المرجــوة؛ ألن الفقه ال يزدهر
إال بالتطبيق.
ويقــول أحد العلمــاء النــابهينـ ـــ حفظه هللا تعــالى ورعــاه ـــّ :
إن الفقه
اإلسالمي ليس مجرد نظرياتـ ميتةـ في الكتب فقط كنظريات الفالسفة ،بل هو
فقه للحياة ،ألن الشريعة التي أنزلها هللا أنزلها قانونا ً للحياة ،فالفقه يواكب
الحيــاة دائما مرتبطــاًـ بحركتهــا،ـ ويزدهر بهــذا االرتبــاطـ يزدهر على أيــدي
القضاة وأيدي المفتينـ وأيدي المجتهدين الذين يتقون هللا في بيان األحكام.
وهنا تعين أن نضرب مثال :ورد في األخبار أن ســيدنا حسن البصــري ~
تعــالى جــاءه عبد طالبا منه أن يحث النــاس على عتق الرقيــق ،فمكث ســيدنا
الحسن البصــري ســنة كاملة لم يتعــرض لمســألة العتــق ،وذات يــوم راح يحث
النــاس على مزايا عتق العبيــد ،وما لها من فضل عند هللا تعــالى فقــام ســيد ذلك
العبد وقال له(( :اذهب فأنت حرّ في ســبيل هللا)) ،فجــاء ذاك العبد إلى الحسن ~
وقال له(( :تأخرت يا سـيدي فقد طلبت منك هـذا منذ سـنة)) .فكـان جـواب حسن
البصري(( :منذ أن طلبتَ مني الحديث عن الترغيب في عتق العبيد ،وما له من
فضل عند هللا تعالى ،رحت أجمع َما ً
ال ليطابق قولي فعلي.))...
ــ 101ـ
إن الفقهاء مطالبون شرعا طابقة األقوال مع األفعال وقد جــاء التحــذير ّ
عن ذلك في القرآن الكريم قال تعالى:ـ ﮋﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ
ﮫ ﮬﮊ(.)1
لعلي أشير هاهناـ إلى من أراد أن يتلمس أمثلة لهذا االزدهــار في الكتب
فليقــرأ كتب النــوازل وكتب الواقعــات وكتب الفتــاوى ،فعنــدما تقــرأ المعيــار
للونشريسي ~ لو قدر لك أن تقرأ هذا الكتابـ بتــأن وتثبت وتــدقيق فإنك تقــرأ
حيـــــاة أمة كاملة بكل نواحيها السياســـــيةـ واالقتصـــــادية ،واالجتماعيـــــة،ـ
والثقافيــة...فما رأيت أعجب من كتابته النــوازل والوقــائع الــتي أصــدر فيها
فتاواه واستطاع من خاللها تصوير حالة العــالم اإلســالمي من الناحية العقدية
والسياسيةـ واالجتماعيةـ في عصره وبيّن حال الغرب اإلسالمي.
فهــذا كتــاب من الكتب إذا قرأته تــرى كيف يرتبط الفقه بالحيــاة ،كيف
يواكب الفقه الحياة ،فيصـدر لها أحكاما مسـتمدة من روح الشـريعة السـمحاء.
لعلنا نتساءلـ هاهناـ ما المراد بفقه النوازل؟
أ ـ الفقه في الدين بنوعيه فقه العقيدة وفقه األحكام هذا هو الواجب وما
عداه من العلوم أكثره نافلة .قال تعالى:ـ ﮋﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ
ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﮊ( ،)2فهذه اآلية دلت على مسألتين:
أوالهما :أن الناس جميعا ً بأمس الحاجة إلى الفقه لقوله تعالى:ـ ﮋﯷ ﯸ ﯹ
ﯺ ﯻﮊ ،فــإذاً كل قــوم هم بــأمس الحاجة إلى فقهــاء في الــدين يــبينونـ لهم
وينذرونهم.
ثانيهما :أنه ينبغي أو يجب أن َي ْن َتــدب أنــاسٌ أنفســهم ،أو ُي ْن َتـ َدبُونَ للتفقه في
يعلموا غـيرهم ﮋﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﮊ ،فالتفقه بقصد تعليم اآلخـرين الدين وبقصد أن ّ
واجب كفائي بدليل أول اآلية وهو قوله تعالى :ﮋﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫﮊ ،فالتفقه بذلك القصد
واجب كفائي ،أما التفقه بقصد معرفة األحكام لالمتثال فهذا واجب عيـني على كل
مسلم بقدر طاقته ووسعه.
فمقصودنا بالفقه في هذه المداخلة تحت هذا العنوان المـذكور سـلفاً ،هو
ما قاله العلماء في تعريفهـ أنه(( :األحكام الشــرعية العملية المكتســبةـ من أدلتها
التفصيلية)) ،أي :فقه األحكام.
ب ـ النوازل جمع النازلة والقصد منها الشـديدة من شـدائد الـدهر تـنزل
بالقوم نسأل هللا العافية ـ.
ــ 102ـ
قــال ابن فــارس :النــون والــزاء والالم كلمة صــحيحة تــدل على هبــوط
شيء ووقوعه...ـ والنازلة:ـ الشديدة من شدائد الدهر تنزل.ـ
ـ اصطالحاً :يختلف مفهوم النازلة عند أهل العلم في القديم والحديث:
1ـ ففي القديم تطلق ويراد بها الشديدة من شدائد الــدهر تــنزل بالنــاس:ـ
ومن ذلك مشروعيةـ القنوت في النوازل .وليس هذا المراد في هذا الباب.ـ
2ـ وفي الحـديث عـرفت النازلة بعـدة تعريفـات منهـا( :وهي المـرادة بهـذا
الباب).
أ ـ الوقائع والمسائل المستجدة والحادثة ،ويــراد به الوقــائع والمســائلـ
المســتجدة والحادثة المشــهورة بلســان العصر باســم :النظريــات ،والظــواهر
أن فقه النــوازل والواقعــات أحد المســتجدة ،وهــذا يجعلنا نقــرر حقيقة وهي ّ
موضـــوعات الســـاعة وال يبلغ فهمه إال من أتـــاه هللا تعـــالى الحكمة وفصل
الخطاب قال تعالى :ﮋﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﮊ( ،)1قال
مجاهد ~ :الحكمــة(( :العلم والفقه والقــرآن)) ،وقــال اإلمــام مالك (( :وقع في
قلبي أنه الفقه في الــدين)) ،ومما يــدل على ذلك ما جــاء في الحــديث الصــحيح
س َد ِإاَّل فِي ا ْثنَتَ ْي ِن َر ُج ٌل آتَ اهُ عن عبد هللا بن مسعود أن النبي ×قـالَ« :ال َح َ
ض ي بِ َها قَ ،و َر ُج ٌل آتَاهُ هَّللا ُ ا ْل ِح ْك َمةَ فَ ُه َو يَ ْق ِ هَّللا ُ َمااًل فَ ُ
سلِّطَ َعلَى َهلَ َكتِ ِه فِي ا ْل َح ِّ
َويُ َعلِّ ُم َها» ،ويــدل عليه أيضــا ً قوله ×َ « :منْ يُ ِر ْد هَّللا ُ بِ ِه َخ ْي ًرا يُفَقِّ ْه هُ فِي
ِّين» ،فــالخير كل الخــير في الفقه في الــدين ،ومن أوتي الفقه فحــري به أن الد ِ
ّ
يعرف كتابـ هللا تعالى ،وأن يعــرف ســنة نبيهـ × ،وأن يَــذكر فــإن التــذ ّكر من
شــيم أهل العلم والفقه والفهم ،والفقه هو الفهم :فهم مــرامي الكالم ومــرادات
الحديث ،قال تعالى في ذم المنافقين :ﮋﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﮊ( ،)2وقــال ســبحانهـ
وتعالى منبهاًـ المؤمنين :ﮋﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮊ(.)3
ب ـ الحادثة التي تحتاج إلى حكم شرعي :فيكــون تعريف فقه النــوازل
بناء على ما سبق(( :معرفة الحوادث التي تحتاج إلى حكم شرعي)).
ش رح التعري ف :التعريف اآلنف الـذكر فيه ثالثة ألفـاظ تحتـاج فضل بيـان
وهي:
أ ـ معرفة :يشمل العلم والظن فخرج بذلك الجهل والــوهم والشــك؛ ألن
إدراك األحكام الفقهية قد يكون يقينياًـ وقد يكون ظنيّاً.
ــ 103ـ
قال ابن القيم ~ في إعالم الموقعين(( :الفائدة الحادية عشــرة :إذا نــزلت
بالحاكم أو المفتي النازلة فإما أن يكــون عالمـا ً بــالحق فيها أو غالبـا ً على ظنه
بحيث إنه اســتفرغ وســعه في طلبه ومعرفته أو ال ،فــإن لم يكن عالمـا ً بــالحق
فيها وال غلب على ظنه لم يحل له أن يفتي وال يقضي بما ال يعلم.))...
ب ـ الحوادث :ويراد بها الشيء الذي يقع على غــير مثــال ســابق،ـ ولها
عدة صور:
الصورة األولى :حوادث جديدة تقع ألول مــرة ،مثــل :النقــود الورقيــة،
وزراعة األعضاء.
الصورة الثانية :حوادث جديدة تغيّر حكمها لتغير ما اعتمدت عليه من
عرف ،مثل :صور قبض المبيع المعاصرة.
الص ورة الثالث ة :حــوادث اشــترك في تكوينها أكــثر من صــورة من
الصور القديمة،ـ مثل:ـ عقد االستصناع ،بيع المرابحة لآلمر بالشراء.
ج ـ تحتاج إلى حكم شرعي :يخرج بهذا القيد الحوادث الــتي ال تحتــاج
إلى حكم شـــرعي ،مثـــل،ـ الـــزالزل والكـــوارث والـــبراكين .وهنالك ألفـــاظ
ومصطلحات تطابقـ أو تقارب مصطلح فقه النوازل ،ومنها:
ـ الواقعات :وهي جمع واقعة ،مأخوذة من وقع الشيء بمعنىـ نزل.
ـ الفت اوى :ويراد بها األمر الــذي يحتــاج إلى فتــوى ،وهــذا المصــطلح
مشــهور في المــذاهب ،فهم يطلقــون على كتــابـ الفتــاوى" :النــوازل" مثل
"النــوازل الصــغرى" للــوزاني" النــوازل الكــبرى" له أيضــا" .والنــوازل"
للعلوي.
ـ القضايا المعاصرة :ويراد بها األمور المتنازع عليها في الوقت الحاضر.
ـ القضايا المستجدة :ويراد بها القضايا المعاصرة نفسها.
ثالثا ـ أس ماء العلم ال ذي يع نى بالنازل ة :يطلق على العلم الذي يُعــنى
بالنازلة عدة مصطلحات:
1ـ فقه النوازل.
2ـ فقه الواقع :يعنى فقه الحياة التي يعيشها الشخص.
3ـ فقه األولويّات:ـ يعنى أن النازلة سواء كــانتـ للفــرد أو المجتمع فهي
أولى بالبحثـ واالستقصاء وإبــراز الحكم من غيرهــا .فهي من األولويــاتـ في
هذا الجانب.
4ـ فقه الموازنــات :أي إن من أبــرز الوســائل إليضــاح فقه النازلــة؛
الموازنة بينها وبين ما يشبههاـ أو يقاربها.ـ
ــ 104ـ
فهذا القرآن الذي أنزله هللا تعالى ﮋﮞـ ﮟـ ﮠـ ﮡـ ﮢﮊ( )1قـد أحكمت
وفصـلت آياتــه ،وهــذه ســنة النــبي ×قد ثبتت ولكن أكــثر النـاس ال يعلمــون وال
يفقهون ،فكم من مرتل آليات القـرآن الكـريم ال يفقه كثــيراً مما يُرتــل،ـ وكم من
حافظ لحــديث الرســول ×ال يفقه ما يحفظ ،والفقه مــراتب ،والفقهــاء مــراتب
ب ب َحا ِم ِل فِ ْق ٍه َغ ْي ِر فَقِي ٍهَ ،و ُر َّ بعضهم أفقه من بعض كما قال النــبي ×ُ « :ر َّ
َحا ِم ِل فِ ْق ٍه ِإلَى َمنْ ُه َو َأ ْفقَهُ ِم ْنهُ».
وأصحاب النبي × وهم أصدق هذه األمة إيماناًـ وأنقاهاـ قلوبــا ً وأغزرها
علما ً كانوا يتفاوتون في الفقه ،وهم في الجملة أفقه ممن جاء بعدهم ،يقول
خ اذِ» ،هو انوا َكاإلِ َ حَّمٍد × َف َك ُ اب ُم َ ح َ ت أ َص ْ َ جَالس ْ ُمســروق بن األجــدع ~َ « :
ُمجْ تَ َم ُع الماء ،وجمعه ُأ ُخـ ٌذ ككتــابـ كتب ،وقيل هو جمع اِإل َخــاذة وهو مصــنع
للمـــاء يجتمع فيه ،واألولى أن يكـــون جنسا لإلخَـــاذة ال َج ْمعا ووجه التَّ ْشـــبيه
مذكور في سياق الحديث.
ولما كــانتـ نصــوص الكتــاب والســنة محــدودة والنــوازل والوقــائع
والحوادث غير محدودة ،فمن هنا تأتيـ أهميةـ االجتهاد.
وهنا مســألة ال بد من التنبيهـ عليهــا ،وهي أن االجتهــاد في حقيقة األمر
ليس تشــريعاً،ـ بمعــنى أنه ليس منشــئا ً للحكم ،لكنه مظهر لــه ،فاالجتهــاد فهم
لنصــوص الكتــابـ والســنة،ـ أو إظهــار لحكم مســألة لم يجد فيها المجتهد نصـا ً
فيجتهد في استخراج الحكم الشرعي لها بفهم نصوص المصدرين األساسيين،
ولـــذلك كما ســـيأتيـ فإنه مقيد بـــأن يكـــون ضـــمن القواعد الكلية واألصـــول
والضوابط الشرعية المستنبطةـ من الكتابـ والسنة ،وأن يكون بواسطة إحــدى
دالالت الكتاب أو السنة المعتبرة لدى العلماء ،وذلك االجتهاد حث عليه النبي
× أصحابه واألمة من بعده ،بل ودرب أصحابه عليه ،وأشرف عليهم مصوبا ً
ومقومــاً ،فمثالً قــال × لمعــاذ بن جبل وهو واحد من أشــهر وأفقه أصــحاب
ض لَ َك ض ي ِإ َذا َع َر َ رســول هللا × لما أرســله إلى اليمن ،قــال لــهَ « :ك ْي فَ تَ ْق ِ
س نَّ ِة ب هَّللا ِ؟ قَ ا َل :فَبِ ُ ب هَّللا ِ .قَا َل :فَ ِإنْ لَ ْم ت َِج ْد فِي ِكتَ ا ِضي بِ ِكتَا ِ ضا ٌء؟ قَا َلَ :أ ْق ِ قَ َ
ب هَّللا ِ؟ قَ ا َل: ول هَّللا ِ × َواَل فِي ِكتَا ِ س ِ سنَّ ِة َر ُول هَّللا ِ × .قَا َل :فَِإنْ لَ ْم ت َِج ْد فِي ُس ِ َر ُ
ق َّ
ص ْد َرهَُ ،وقَا َل :ا ْل َح ْم ُد هَّلِل ِ الَّ ِذي َوف َ سو ُل هَّللا ِ × َ ب َر ُ ض َر َ َ ْأ
َأ ْجتَ ِه ُد َر يِي َواَل آلُو .ف َ
سو َل هَّللا ِ».
ضي َر ُ ول هَّللا ِ لِ َما يُ ْر ِ
س ِسو َل َر ُ َر ُ
وقد تكلم بعضـــهم في ســـند هـــذا الحـــديث من جهة الجهالة في بعض
أصحاب معاذ ،ولكنها جهالة ال تضــر ،فقد روي موصــوالً من طــرق أخــرى
ومن أراد التفصيل فليراجع إلى كتاب "أعالم الموقعين" البن القيم.
1
(?) سورة البقرة.185/
ــ 105ـ
فاالجتهاد إذاً مهم جداً ،وعظيم األثر في حيــاة النــاس ،وعظيم األثر في
بيان األحكام الشــرعية ،لكنه يحتــاج إلى ذكــاء وإلى قريحة فقهية قويــة ،وإلى
فراسة وإلى فهم للواقع وإدراك للوقائع ..فمن لم يفهم الواقع ولم يدرك الوقائع
وإن فهم الحكم قد يعجز عن التطــــــبيق،ـ فالفقه في حقيقة األمر في مجــــــال
األحكام الشرعية فقه للحكم الشــرعي وفقه للتطــبيق،ـ وكــان من أفقه أصــحاب
رسول هللا × في التطبيقـ عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طــالب وعبد هللا بن
مســـعود ،هـــؤالء كـــانوا أفقه وأبـــرز الصـــحابة في الفقه بعامة وفي فقه
التطبيقـ بخاصة(.)1
فقه الصحابة ومعرفتهم بالواقع :فإذا رجعنا إلى عهد الصحابة نجد أن
الفقه كان مرتبطاً بالحياة بالواقع لو سميناه فقهاً واقعياً أو فقه الواقع بهذا المعــنى،
لصحت هذه التسمية ،ما كان الفقهاء يفترضون مسألة من المسائل أبد ًا بل كــانت
الواقعة تقع ،والنازلة تنزل فيسألون فتصدر الفتوى وإذا لم يجدوا نصاً في النازلة
اجتهدوا في استخراج الحكم لها ،وربما كان االجتهاد جماعياً.
قلت :لما تعلم الصــحابة الفقه في مدرسة النبــوة بإشــراف النــبي ×
واجهوا النوازل والحوادث والواقعــات المســتجدة بعقليةـ فقهية راقية وممتــازة
تــدل ليس فقط على علم بكتــابـ هللا وســنة النــبي × وعلم بأحكــام الشــريعة
فحســب ،بل تــدل على بصر نافذ وبصــيرة ممتــازة بواقع الحيــاة الــذي كــانوا
يعيشونه،ـ وبحقيقة الوقائع التي كــانوا يواجهونها فبصــرهم في ذلك بصر نافذ
وبصـــيرتهم صـــحيحة ،ولـــذلك برعـــوا رضـــوان هللا عليهم أجمعين في فقه
التطــبيق مؤسس ـا ً على معرفة الواقع وكيف يطبق الفقه عليــه،ـ وإدراك لحقيقة
الوقــائع وكيف يســتخرج الحكم لها ،وسأضــرب لمنهج الصــحابة في فقه
النوازل والواقعات أربعة أمثلة:
المثال األول في العبادات :األذان يوم الجمعة :فقد كــان األذان في عهد
النـــبي × أوله عنـــدما يجلس اإلمـــام على المنـــبر ،وكـــذلك في عهد أبي بكر
وعمـــر ،وفي عهد عثمـــان وعلي ،كـــثر النـــاس وزاد األذان الثـــالث على
الزوراء ،األذان الثــالث كما ورد في النص باعتبــار األذان الــذي عند جلــوس
اإلمام على المنبر وباعتبار اإلقامة فإنها تسمى أيضا ً أذان ،فزاد األذان األول
على الزوراء ،وفي بعض الروايات أن الــزوراء دار كــانت في الســوق ،وفي
بعض الروايــات أنه أمر بــذلك ليعلم النــاس بــدخول أو بحضـور وقت الجمعة
قبل أن يخرج اإلمام إلى المسجد أو إلى المنبر.
ــ 106ـ
ما كــان هــذا األذان على عهد النــبي × وال على عهد الصــاحبين ،وإنما
هو سنّه الخليفة الراشد عثمــانـ قياسـا ً على بــاقي الصــلوات ،هــذا أذان إلعالم
الناس بدخول الوقت في أوله ،فقاس الجمعة على باقي الصــلوات ،هــذه نازلة
وهذا ما واجهها به الصحابة من فقه ،والصحابةـ في عهد عثمــانـ عملــوا بفعله
في سائر المدن واألمصار ،وقد كانوا منتشرينـ فيها.
المثال الثاني في الطالق :قد روى مســلم عن ابن عبــاس { أن الطالق
كــان على عهد النــبي × وعهد أبي بكر وســنتينـ من خالفة عمــر ،أن طالق
جُلوا ِفي أَ ْم ٍر َلُهم
الثالث كانتـ توقع واحدة ،فقال عمرِ« :إنَّ النَّاسَ َق ِد اس َْتعْ َ
عَليِْهمْ» ،فأمضــاه عليهم بمشــاورة من الصــحابة، اه َ
اةَ ،ف َل ْو َأْمض َْينَ ُ
ِفيهِ أَ َن ٌ
ً
وحقيقة هذه المسألة كما أفهم وهللا أعلم أن عمر أوال كان يســأل المطلق الــذي
أوقع الثالث دفعة واحدة عن قصــده مــاذا يقصد هل يقصد إيقاعها ثالثـا ً أو ما
قصد إال التأكيد وإيقاعهاـ واحــدة ،ثم لما تتــابع النــاس على ذلــك ،وكــثر منهم
واستخفوا به صار ال يسأل أحداً عن مقصده ،وال يفــرق بين من يقصد التأكيد
وإيقاعهاـ واحــدة أو ال يقصد ذلــك ،ويمضــيه على الجميع ثالث ـا ً ردع ـا ً للنــاس
الذين كثر منهم هذا واستخفوا بحدود هللا .
هـذا مثـال آخر لطريقة الصـحابة في مواجهة النـوازل ،فـإن الحـال في
وقت عمر تغير عن الحال في وقت النبي × وأبي بكر.
المثال الثالث حد الخمر :وهو يشبه هذا المثــال،ـ ولكنه في الحــدود (حد
الخمــر) ،فشــارب الخمر في عهد النــبي × كــان يضــرب بالجريد وبالنعــال
ويبكت (بمعــنىـ أن يقــال له أما تســتحي أما تتقيـ هللا ..ونحو ذلــك) ،وفي عهد
أبي بكر جلد أربعين ،وفي عهد عمر قال عمر :ويبدو أن شاربي الخمر قد
كــثروا في عهــده فاستشــار الصــحابة،ـ فقــال علي إنه إذا شــربها ســكر وإذا
سكر هذى وإذا هذى افترى ،فجلده ثمــانين مثل عقوبة القربــة ،وفي رواية أن
عبد الــرحمن بن عــوف قــال له :إن أخف الحــدود ثمــانون جلــده فأمضــوا
عقوبة شارب الخمر ثمانينـ جلدة ،فاختلف الفقهاء في فهم ذلك :بعضــهم قــالوا
إن حد الخمر ثمــانون،ـ وبعضــهم قــالوا حــدها أربعــون وما زاد فهو تعزيــر،
ولإلمام أن يزيد تعزيراً إذا كان ذلك اجتهاد من إمام عادل.
المثال الرابع في المع امالت :وهو تضـمين الصـناع ،فالصـانع إذا ادعى
هالك المتــاع الــذي بحوزته وليست له بيّنة على ذلــك ،كــان في عهد النــبي ×
وعهد الخلفــاء قبل علي يُصــ ّدق ،وفي عهد علي ألــزمهم بالضــمان ،وقــال :ال
يصلح الناس إال ذلك .لماذا؟ ألن الناس في عهد علي اختلف حالهم عن حــال
الناس في عهد النبي × وعهد أبي بكر وعثمان فإن الــتزامهم بالصــدق وبــالحق
ــ 107ـ
صار أخف مما سبق فاختلف حالهم عن ذي قبل ،ومن مثل هذا استنبط العلمــاء
قاعدة اختالف الفتـوى بسـبب فسـاد النـاس ،كما تحـدث للنـاس أقضـية بقـدر ما
أحدثوا من أحكام ففساد الناس وفساد األحوال تتغير بموجبه الفتوى.
ومن أعجب األمثلة على ذلك :ما رواه ابن أبي شيبة عن سعد بن عبيــدة
قال :جاء رجل إلى عبد هللا ابن عباس { فقـال لـه :ألمن قتل مؤمنا توبـة؟ قـال:
إلى النــار ،فلما ذهب وانصــرف قــال له جلســاؤه :ما هكــذا كنت تفتينا فما شــأن
اليـوم؟ قـال :إني أحسـبه مغضـباً يريد أن يقتل مؤمنـاً فبعثـوا في أثـره فوجـدوه
كذلك.
فــاختالف الحالة لــدى المفــتي كــالطبيب يصف لكل مــريض ما يناسبـ
حاله فلو أفتى هــذا بــأن له توبة كأنهـ حرّضه على أن ينفذ ما في قــرارة نفس،
وفي رواية أنه سئل يعــني أن ســائلينـ ســأاله فســأله ســائل هل لمن قتل توبــة؟
قــال :ال وســأله ســائل آخر في مــرة أخــرى فقــال :نعم ،فلما ســئل عن هــذا
االختالف في الفتوى قال :رأيت في عيني األول أنه يقصد القتل فقمعته،ـ وأما
الثاني فكان صاحب واقعة يطلب المخرج.
هل تريـــدون مثـــاالً أوضح من هـــذا على عظم أهميةـ أن يكـــون الفقيه
متبصراً بالواقع ،عالما ً بأحوال الناس ،عالم ـا ً بمالبســاتـ الوقــائع الــتي تطــرأ
عليه ،والنوازل الــتي تســتجد في مجتمعه فيجد لها الحلــول المناســبة والفتــوى
الشرعية الصحيحة المستمدة من روح الشريعة؟!
فهـــذه أربعة أمثلة تـــبين لنا منهج الســـلف أصـــحاب رســـول الله ×في
مواجهة ما يســتجد من واقعــات ونــوازل ،فقد اســتفاد منها فقهاؤنا المالكية في
مواجهة النوازل التي تحدث بينهم:ـ ولعل ما صنف في هذا المجال في الغرب
اإلسالمي خير دليل على ذلك:
مصنفات فقه النوازل :يقول الدكتور محمد بن شريفة :وثمة فــرع آخر
برز فيه الفقهاء األندلســيون والمغاربة وهو النــوازل الــتي تــدعى كتبها بكتب
الفتاوى وكتب األحكام وكتب المسائل.
وقد اســـتمر األندلســـيون يؤلفـــون في هـــذا النـــوع إلى ســـقوط مملكة
غرناطة،ـ ولع ّل نوازل "ابن طركاط" هي آخر مجموع وصل إلينا من تــراث
"النوازل" األندلسي الضخم.
أما في الع دوة الس فلى أي :الجــانب الجنــوبي من البحر فثمة تــراث
ضخم قائمة يصعب حصـرها نـذكر نـوازل سـيدي المهـدي الـوزاني ويـدعى
"المعيــار الصــغير" وما خلّفه الونشريسي الموســوم "المعيــار الكبــير" الــذي
سبقت اإلشارة إليه.
أن تمسك أهل األندلس بالمواقف المالكية وخاصة فقه ولعلنا نشير على ّ
النــوازل وفقه المســتخرجة أثــار العديد من المشــاكل بين الظاهريةـ والمالكية
باألنـــدلس وســـبب في تعميق الخالف والجـــدال بينهمـــا ،ولـــذلك كـــانتـ جل
ــ 108ـ
اعتراضــات ابن حــزم مركــزة على أخذ المالكيةـ بــالنوازل وأخــذهم بالقيــاس
"وقد كانت الخصــومة بين ابن حــزم وفقهــاء المالكية عنيفة بالغة العنف؛ ألن
إبطــالـ القيــاس والــرأي والتقليد كــانت تعــنيـ حربا ال هــوادة فيها على فقهــاء
المالكية باألندلس يومئذ(.)1
وتعتبر نوازل عياض ونوازل عبد هللا دبوس ومسائل ابن ز ّكــون أقــدم
ما ألفه المغاربة أو ما وصل إلينا مما ألّفوه في موضوع النوازل وهي إحــدى
المجموعات المشهورة في النوازل التي ترجع إلى عهد المــرابطين،ـ وقد ذكر
األســتاذ الــدكتور محمد بن شــريفة قائمة لمصــنفات المغاربةـ في فقه النــوازل
إن ظهــور هــذه الــنزاول في عصر واحد متقــارب يــد ّل وختمها بتعليقـ فقــالّ :
على حركة الفقه ورواج في عصر المــرابطين الــذي كــان عصر الفقهــاء أو
عصر "قــال مالــك" كما عبّر الشــاعر األعمى التطيلي في كافيتهـ يشــكو فيه
كساد بضاعة الشعر ونفاق سوق الفقه(.)2
القاضي عياض وفقه النوازل
أوال القاضي عياض :كان عياض ~ تعالى مشاركا مشاركة فعالة في علوم
كثيرة كالحديث والسيرة والتفســير والتــاريخ واألدب واللغــة ،ولــه في هــذه العلــوم
أن صفة "الفقيه" الزمته وكانت ألصق به من غيرها ،ولذلك مؤلفات مذكرة ،غير ّ
ال يذكر اسم "عياض" إ ّال مقرون بحلية "القاضي" وتجلي هذه الصــفة فيــه
على مستوى تطــبيقي وآخــر نــري ،فقــد تقلّــد القضــاءـ اإلفتــاء،
وخلّف آثارا فقهية ليس فقه النوازل إالّ جزءا يسيرا منها ولع ّل
مــا يهمنــا في هــذا اللقــاءـ المبــارك هــو هــذا الجــانبـ من الفقــه
الموسوم بفقه النوازل أو الوقائع .وقد صدق فيه قول الشاعر:
معالي رسائـل
وكل لنيـل ْال ِ إذا نزلت بالمسلمينـ النـوازل
جواب من التحقيق شاف ونائل سوى أنه للبحر يوجد ساحل
وهذا زمان تسمو منه األسافل وعاش زمانا ذكره فيه كامـل
وتتمــيز هــذه النــوازل الــتي تركها عيــاض بأ ّنها تشــتمل على أجوبة ّ
تمثل
الفتوى في الغرب اإلسالمي على عهده ،ونجد فيها أسماء المعة لعدد من المفتين
المعروفين في الجنــاح الغــربي من العــالم اإلســالمي ،نــذكر منهم ابن رشد وابن
(?) المناظرة في أصول التشريع اإلسالمي2/119 ، 1
(?) مــذاهب الحكــام في نــوازل األحكــام للقاضي عيــاض وولــده محمــد( ،مقدمة المحقق 2
ــ 110ـ
2ـ وس ئل القاضي عي اض عن الحــديث الــذي نص عن حرمة ســفر
الث ا ً ِإَّال وََمَعهَ ا ُذو
الم ْرَأُة ثَ َ
افُر َ
«ال ُتس َ ِ
المــرأة بــدون محــرم ونص الحــديثَ :
حَرمٍ» .والحديث له روايات كثيرة.
َم ْ
فأجـــاب ~ :اتفق العلمـــاء على أنه ليس لها أن تخـــرج في غـــير الحج
والعمرة إال مع ذي محرم ،إال الهجـرة من دار الحـرب فـاتفقوا على أن عليها
أن تهاجر منها إلى دار اإلسالم ،وإن لم يكن معها محرم...
وقال ~ أي :القاضي عياض:ـ قال الباجي :هذا عنــدي في الشــابة ،وأما
الكبيرة غير المشتهاة فتسافر في كل األسفار بال زوج وال محرم.
وقال :وهــذا الــذي قاله البــاجي ال يوافق عليه؛ ألن المــرأة مظنةـ الطمع
فيها ،ومظنة الشهوة ولو كانتـ كبيرة ،وقد قالوا :لكل ســاقطة القطــة .ويجتمع
في األسفار من ســفهاء النــاس ،وســقطهم من ال يــترفع عن الفاحشة بــالعجوز
وغيرها ،لغلبة شهوته وقلة دينه ومروءته ،وخيانته ،ونحو ذلك ـ وهللا أعلم ـ.
3ـ س ؤال عن الم رأة تمتع في مالها ف أراد زوجها ر ّد فعله ا :وصــيغة
ت في دار السؤال الواردة :جوابك ـ وفقك هللا ـ في امرأة أمتعت أباها سنين ُم َســ َّميا ٍ
ال تملك سواها أو هي أكثر من ثلثها ،فقام زوجها َيرُ ُّد فعال ،وقــال تفويتها للمنــافع
تفــويت لألصل هل له ذلك وتكــون كمســألة الوصــايا أو هي خالفها الســتحقاق
الورثة المال بموت الميت والزوج إنما استحقاقه مرتقب وهي لم تفوت أصال.
الجواب :تصفحت ســؤالك هــذا ووقفت عليــه ،وإن كــانتـ أمتعت الــدار
الســنين الكثــيرة الــتي تســتغرق مــدة معــترك زوجها فــبيّن من فعلها أنّها إنما
قصت إلى اإلضرار به بتفويتـ الدار عليه فله ر ّد ذلك إن توفيت ،وال كالم له
في ذلك ما دامت حية وباهلل التوفيق ،قاله محمد بن رشد(.)1
منهج القاضي عي اض في الفت وى :يتضح من منهجه الفقهي أنه بال
شك من أهل العلم الكبـــار في زمانه في الحـــديث والفقه ،ومنهجه في اإلجابة
ي نازلة من النــوازل :أنه يبــني جوابه على ما عن الســؤال الــوارد عليه في أ ّ
وصــله من آراء الفقهــاء الــذين ســبقوه من فقهــاء المــذاهب عامــة،ـ والفقهــاء
المالكية على وجه الخصوص ،وإن كان في الغــالب يقتصر على آراء اإلمــام
مالك ،والفقهاء المالكية ،وفي ك ّل هذا يســلكه مســلك العــرض والتوجيــه ،دون
تعقيب عليها أو مناقشتها ،ولعله في تلك الحالة يكون قد ارتضاها.
أن أئمتناـ وأســالفنا كــانوا
ولعلنا نشير هاهناـ إلى أنّه مما يلزم ذكره ّ
يعالجون القضايا التي احتاجت إليها عصورهم ،وفق أصول مذاهبهم فقضــية
اإلمــام الشــافعي ،تختلف عن قضــية اإلمــام أحمد بن حنبــل ،وقضــية اإلمــام
(?) مــذاهب الحكــام في نــوازل األحكــام للقاضي عيــاض وولــده محمــد( ،مقدمة المحقق 1
ــ 113ـ
وهو مما حرّمه هللا تعالى بنصــوص قطعيــة ،إرضــاء لبعض المــرابين الــذين
أجزلوا له العطاء ـ حسب ما قيل لي ـ فباع دينه بدنياـ ال تسوي عند هللا تعــالى
جنــاح بعوضــة ،وقد رد عليه الشــيخ محمد بــاي بلعــالم ~ تعــالى في كتابهـ
الموسوم "السيف القاطع والرد الرادع لمن أجاز في القروض المنــافع" ،وفي
بلد مســـلم آخر أفـــتى بعضـــهم بإباحة الربا إذا مارســـته الدولة وتحريمه إذا
أي حد يصل النفــاق والمداهنــة ،فســأل ســائل مارسه أفراد الشعب ،انظر إلى ّ
أيعد هــذا فقيهــا؟ نعم ،يعد فقيها ولكن هــذا النــوع من الفقهــاء له ســلف ،ذلك
المنافق الذي رأى حمام ـا ً يلعب به أحد الخلف ـاء فكــذب على رســول هللا × في
ق ِإاَّل فِي
س بَ َ
الحديث الصحيح مروي عن أبي هريــرة عن النــبي × قــالَ« :ال َ
ص ٍل»( ،)1فزاد ((أو جناح هذا مثل ذاك)) ،فأمثــال هــؤالء ُخفٍّ َأ ْو فِي َحافِ ٍر َأ ْو نَ ْ
موجودون نسأل هللا أن يكفيناـ شرهم.
وهنا قد وصل بنا البحث إلى أننا مطــالبون بإيجــاد حلــول لكثــير من
المستجدات والنوازل والوقائع التي تحدث حتى نجعل الفقه يواكب سير الحياة
ولم يكن غائباـ عنها فــإني أقــترح منهجا لإلفتــاء عــثرت عليه أثنــاء مطالعــاتيـ
ألحد علمــاء موريطانيا ووجدته يســتجيب لــروح عصــرنا ،وهــذا المنهج في
الحقيقة هو عبارة عن مقارنة بين أدلة االجتهاد األصــولية وما يقابلها من أدلة
التخريج مفاده:
أ ـ اإلجماع جريا على منوال أبي حامد الغـزالي في المستصـفى ،الـذي
أن اإلجماع يقابله من أدلة التخريج اتفاق علماء المذهب ،وكان الغــزالي يرى ّ
ولوعا بهذه المقابلة،ـ ويدرك هذا من قرأ المستصــفى قــراءة بــاحث مــدقق من
أو ّل الكتـــاب إلى آخـــره ،بين ســـطور ومســـتنطقا الكلمـــات،ـ وعارفا بداللة
المصــطلحات المســتعملة في هــذا الكتــاب القيّم ،وإن كــان مفعما باألســاليبـ
المنطقيةـ التي هي هانة في جنب حجة الغزالي ~ تعالى.
ب ـ ق ول الص حابي يقابله قول عــالم المــذهب ،وهنا يجب أن ننبه إلى
أقوال علماء المذهب ال تتعارضـ مع أقوال الصحابة لكون هــذه األخــير أصل
من أصول المذهب.
ج ـ أما الق رآن فليس من الالئق أن نبحث له عن مقابلـ لقوله تعــالى:
ﮋﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮊ( ،)2وقوله تعالى:ـ
ﮋﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮊ( ،)3والقــرآن هو عند جميع األئمة كلّي
الشريعة وعمدة الملة وينبوع الحكمة ،وهو الدليل األول عندهم.
) التمهيد البن عبد البر14/93 ، 1
ــ 114ـ
د ـ أما الس نة فنقابلها بألفــاظـ األئمــة ،ونطبق عليها المبــاحث المعروفة
فـــالقول المرجـــوع عنه يعتـــبرـ منســـوخا .والـــتيقن على أن الســـنة في جميع
المذاهب اتفاق على حجيتها،ـ وقد وجه اإلمــام الشــافعي إلى المعترضــين على
حجيتهاـ أقوى السهام في الرسالة وفي األم...
ويتطلبـ مـــني توضـــيح أي :يجب مراعــاة قضــية الخالف المشــهور
والتعرض للمرجحات ـ كعلو الســند والتــواتر ــ والقواعد األصــولية والعمــوم
والخصوص واإلجمال والبيان...وغيرـ ذلك.
هـ ـ القياس ولنا كثير من أقوال أئمتنا ملتمسة من الكتابـ والســنة جــاز
لنا القياس عليها طبقا لقواعد القياس المبينة ،ولعل ما ذكره ابن تيمية في حــ ّ
ق
مالك خــير دليل إذ قــال حجة اإلســالم ~ ولمالك بن أنس نظر ثــاقب في
كثير من القضايا كثيرا ما تغيب عنا.
و ـ المص الح المرس لة :ويقابلها المصــالح الــتي ســكت عنها رجــال
المــذهب ،وبــذلك نحقق للفقه وجــوده في حيــاة النــاس ،واحترامه في عقــول
المسلمين ،ونكون قد برهنا أن األحكــام تتجــدد بتجــدد األعــراف ،وأن فتــاوى
القديمة فإنّها تفيد المفــــتي في إنــــارة الطريق له وال ينبغيـ أن تطبــــق حرفيا
ال على المصادر االجتهادية. وخاصة إذا كانت هذه الفتاوي ال تستند إ ّ
ويجب أن نفرق بين دائرتين (دائرة النص ،ودائرة االجتهاد):ـ
ي مـؤمن أن ي مســلم ،وال أل ّ أ ـ دائ رة النص المحكم :هـذه ال يجــوز أل ّ
يتعد حدودها ،وهي تشمل ك ّل ما علم من الدين بالضرورة ،غــير أنها مع ذلك
تحتـــاج إلى تحديد دقيق ونرجو من علمائنا أن يبـــذلوا كـــ ّل جهد في رســـمها
وتبيين معالمها تبييناـ واضحا للجميع.
ب ـ أما دائ رة االجته اد :فـــنرجو من علمائناـ أن ال يجعلوها ضـــيقة
مغلقة ،وأن يراعوا تسامح الشريعة ،وأن يــذكروا ما رواه مالك بن الحــويرث
قــال :أتيتـ النــبي × في نفر من قــومي فأقمنا عنــده عشــرين ليلة وكــان
ار ِجُعوا َفُكونُ وا ِفيهِْم َوعَِّل ُم ُوُهم
رحيما رقيقا فلما رأى شوقنا إلى أهلنا قالْ « :
()1
ح ُدُكمْ وَْل َي ؤَُّمُكمْ أَْكبَ ُرُكمْ» .وذلكت الصَّلاَةُ َفْلُيؤَِّذنْ َلكُْم َأ َ
ضَر ِ
ح َ
صُّلوا َفِإَذا َ
وَ َ
حين علم رسول هللا × أنهم قد تضايقوا من المقام بالمدينةـ فنــالوا منه كل رفق ّ
وحنان ،فأمرهم أن يعودوا إلى ذويهم ،وأن يصلوا مثلما رأوه يصلي.
وبهــذا توجيه فعلى علمائناـ أن يراعــوا مصــلحة المســلمين اليــوم من
الوحدة والقــوة ،والسياسة الشــرعية ســواء كــانت اقتصــادية أو اجتماعيةـ لكي
ينتصروا على أنفسهم باالعتزاز بالنفسـ واالحتكام إلى دينهم ولكي ينتصــروا
على عدوهم بالعلم بك ّل معانيه ،وبالعمل في ك ّل مظاهره.
ــ 115ـ
وأختم مـداخلتي بهـذا القـول المسـند لإلمـام مالك قـال(( :أدركت أهل
هذا البلد وما عندهم علم غير الكتابـ والسنة فإذا نزلت نازلة جمع لها األمــير
من حضر من العلمـــاء فما اتفقـــوا عليه من شـــيء أنفـــذه وأنتم تكـــثرون من
المسائل وقد كره رسول هللا × المسائل وعابها))(.)1
وأخــيرا إن وفقت ما انتــدبتـ إليه وألــزمت نفسي بالقيــام به فــذاك من
فضل هللا تعالى ،وإن جانبنيـ الصواب فأستغفره وأتوب إليه ،إنّه تواب غفــور
رحيم والسالم عليكم ورحمة هللا تعالى وبركاته وشكرا.
ــ 116ـ
ابن جزي الغرناطي ونوازل عصره
أ/محمد عمارة
باحث ،كلية العلوم اإلسالمية ،جامعة الجزائر
تمهيـــد
تعتبر مملكة غرناطةـ( )1من آخر قالع المسلمين في األندلس ،وبالرغم
من الصراعات والحروب والغـزوات فقد شهدت حركة علميـة وإثراء
للثقافـة والفنون والتأليفـ وقد نبغ مجموعة من العلمـاء في عدة ميادين
وازدهرت الحركة العلمية بالمغرب واألندلــس عمومـا ومملكـة غرناطــةـ
خصوصــا وفي هذا المضمار نتعرف على ابن جزي ومكانته العلمية،
ونوازل عصره التي طرحت عليه وعلى معاصريه من داخل وخارج
غرناطة.ـ
ظهر ابن جزي بغرناطة األندلس في القرن الثامن الهجري ،واشتهر في
عصره وذاع صيته بالغرب اإلسالمي ،وعرف بمصنفاته العديدة وخاصة كتابه
القوانين الفقهية الذي صنف في معلمة الفقه المالكي ،حيث أبدع في تقسيمه وترتيبه
وتقريبه للدارسين ،ونبغ في الخطابة ،والتدريس ،واإلفتاء حتى وصلت فتاويه إلى
أقطار المغرب اإلسالمي ،قال عنه المقري (صاحب نفح الطيب)(( :أحد المفتين
بغرناطة عالم األندلس الطائرة فتياه منها إلى طرابلس))( ،) 2ونقل عنه الونشريسي
في معياره مسائل ونوازل فقهية طرحت في عصره داخل وخارج غرناطة منها
(?) غرناطة :مدينة أندلسية أصبحت فيما بعد مملكة وهي آخر قالع المسلمين ويرجع 1
ــ 117ـ
مسألة (أجرة الشاهدين عند الموثق) ،ومسألة (استغالل عقارات الزوجة من قبل
زوجها)( ) 1وغيرها من النوازل التي سنتناولها في موضوع المداخلة.
أوال ـ شخصية ابـن جـزي
يعد ابن جزي شخصية علمية بارزة لها دور فعّال في الحياة الفكرية
واالجتماعية في القرن الثامن الهجري في األندلس عموما وغرناطة موطنه
األصلي خصوصا ويعتبر من رواد المذهب المالكي بروزا ،وتذكره
المصادر( )2في موضع االهتمام والتقدير واالعتزاز وتضعه في صف
األعالم الذين برزوا خالل القرن الثامن الهجري بمملكة غرناطة باألندلس
قبل سقوطها بقرن من الزمن( ،)3ولقد ترك ابن جزي آثارا متجسدة في
تالميذه واصلوا مسيرة دربه وسـاروا على خطاه وأنتجوا كتباـ ومؤلفـات في
عدة ميادين،ـ وآثارا أخرى تركهـا ابن جزي تتمثل في مؤلفاته العلمية في عدة
ميادين وخاصة الفقه المالكي..
اسمه وكنيته :هو محمد بن أحمد بن محمد بن عبد هللا بن يحي بن عبد
الرحمـان بن يوسـف بن سعيـد بن جـزي ،يكنى بأبي القاسـم( ،)4الشهير بابنـ
()5
جزي ،وعرف كذلك بالكلبيـ نسبةـ إلى قبيلة كلب بن وبرة العربيةـ
الغرناطي نسبة إلى غرناطة( )6موطنه الذي ولد فيه ونشأ،
مولده ونشأته :ولد ابن جزي بغرناطة في اليوم التاسع عشر من ربيع
األول عام ثالثةـ وتسعين وستمائة هجرية ( 19/03/693هـ) ،الموافق للسابع
عشر من شهر فيفري عام أربعة وتسعين ومائتين وألف ميالديةـ (17/02/129
(?) المعيار 26 /3ـ 27ـ 10/210ـ .211 1
(?) انظر مصادر ترجمته :نيل االبتهاج ـ بابا التنبكتي ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ،ص 2
،238والدرر الكامنة ـ ابن حجر العسقالني ـ تح :سيد جاد الحق ـ دار الكتب الحديثة3 ،
،/446والديباج ـ ابن فرحون ـ ص ،295ونفح الطيب ـ ،5/514وشجرة النور ـ مخلوف
،213 /1والكتيبةـ الكامنة ـ ابن الخطيب ـ ،46وطبقات المفسرين ـ الدوادي ـ ـ دار
الكتب العلمية ـ بيروت ،85/ 2 ،وفهرس الفهارس واإلثبات ـ الكتاني ـ تح :إحسان عباس
ـ دار الغرب اإلسالمي ،بيروت ،ط 2ـ 1982م ،1/306 ،وألف سنة من الوفيات (ثالث
كتب في كتاب ـ شرف الطالب البن قنفذ ـ الوفيات للونشريسي ،لقط الفوائد البن
القاضي) ـ تح :محمد حجي ـ دار المغرب ـ الرباط ـ 1976م ص ،192وغاية النهاية
في طبقات القراء ـ ابن الجزري ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ،2/83 ،االحاطة لابن
الخطيب ،مكتبة الخانجي ،ط 1ـ 1975م 3/20ـ ،23والفكر السامي للحجوي .2/240
(?) انظر :مصرع غرناطة ،شوقي أبو خليل ،دار الفكر تصوير 1985م عن ط 02ـ 3
1981م ،وكذلك سقوط غرناطة ،للمستشرق واشنطن أرفنج ،ترجمة إسماعيل العربي،
المؤسسة الوطنية للكتاب ،ط1988 ،م.
(?) انظر ترجمته في المصادر السابقة الذكر (هامش .)4 4
(?) انظر :جمهرة أنساب العرب ـ ابن حزم ـ تح :عبد السالم هارون (دار المعارف 5
ــ 118ـ
4م)( ،)1نشأ ابن جزي وترعرع في غرناطة في بيتـ ذي حسب ونسب،
وأسرة مشهورة بالعلم واألصالة والنباهة،ـ فقد كان جده يحي بن عبد الرحمان
بن يوسف صاحب ملك ورئاسة(.)2
وبيتهم مشهور بالمغرب واألندلس ،وأسرته أصيلة صاحبة مجد وعلم ،فقد
أنجبت العلماء والقضاة ،وأصحاب الملك والرئاسة ،وابن جزي إحدى ثمراتها ،فال
شـك أن الذي تربى ونشأ في أحضان أسرة تمتاز بهذه الخصائص يرث بعضها ؛
ألن البيئة األسرية والعوامل الوراثية لها دور هام في تكوين الشخصية من علم
وفطنة ،وذكاء ،وغيرها من الملكـات المميزة في حياة عالم كابن جـزي الذي نشأ
وشب حتى اكتملت قدراته العقلية ،وأصبح أهـال لتلقي العلـم على أعالم عصره
الذين أخذ عنهم وتتلمـذ على مشاهيرهم كما كان يزاحمهم ويالزمهم ،حيث تربى
ابن جزي منذ نعومة أظافره على األخالق الحميدة من ورع وتقوى ومروءة،
وزهد ،وتصوف.
قــال عـــنـه تـلـمـيـذه الحـضـرمـي((( : )3كـان رجـال ذا مـــــــــــروءة
كـامــــــلــــــة،
(?) انظر المصادر السابقة الذكر التي ترجمته له (هامش .)4 1
(?) انظر :نفح الطيب ـ المقري ـ ،7/282 ،5/514وشجرة النور ـ مخلوف ـ ،1/231 2
فهرس الفارس أن اسمه (أبو عبد هللا الحضرمي صاحب الفهرسة والذي ينقل عليه
صاحب نيل اإلبهاج) ،انظر :فهرس الفهارس ،350 /1ونيل االبتهاج ص ،238 :حيث
قال(( :قال :الحضرمي في فهرسته شيخنا الفقية …)) يقصد ابن جزي (النيل ص ،)238
وقال الكتاني في معرض ترجمه البن جزي (( :وقال عنه تلميذه الحضرمي في فهرسته
…)) فهرس الفهارس ـ الكتاني ـ ، 1/306وقد استبعدـ الكتاني أن يكون الحضرمي هو
(أبو محمد عبد المهيمنـ رئيس الكتابة بالحضرة السلطانية المولود سنة 677هـ،
والمتوفي سنة 747هـ) ،انظر :ترجمته في فهرس الفهارس ،404 ،348 /1وكتاب
الوفيات البن القاضي القسنطيني ص ،352وشجرة النور 1/220ـ ،221ونفح الطيب5 ،
( 464 ،/240وهو أحد أشياخ لسان الدين ا بن الخطيب كما ذكر المقري في نفح الطيب 5
/464ـ ،465والذي رجحه الكتاني ما ذكرناه سابقا ؛ ولكن لم يترجم له لعدم وقوفه على
مصادر ترجمته حيث قال(( :ولم أقف على فهرسته المذكورة وال على شيء من ترجمته
اآلن ،وال أحفظ له اتصاال)) ولكن على الزبيري جعل الحضرمي (أبو محمد عبد
المهيمنـ صاحب القلم األعلى بفاس) هو تلميذـ ابن جزي وهو يكبر ابن جزي وجعل هذا
التتلمذـ من رواية األكابر عن األصاغر ،انظر :ابن جزي ومنهجه في التفسير ـ 1/212
وعبد الحق بن عطية المولود 709هـ وتوفي سنة 770هـ ،انظر :اإلحاطة ،3/561وقد
ذكره كذلك الزبيري من تالميذـ ابن جزي ،المصدر نفسه ،1/209وكذلك جعل من
تالميذه (سعيد ابن محمد ابن إبراهيم الغساني) المصدر نفسه ،1/213وصاحب شجرة
النور ذكر أن له تالميذ غير ما ذكرناهم ولم يذكر أسماءهم واكتفى بقوله (وغيرهم)،
انظر :شجرة النور1/213
ــ 119ـ
حــافــظــا مـتـفـنـنـاـ ذا أخلـاق فاـضـلـة ،وديانـةـ وعـفـة وطـهـارة وشهرته
دينا وعلما أغنت عن التعريف به))(.)1
() 2
وكان لطيف المعشر طيب المجالسة والمخالطة ،وصفه ابن الخطيب
() 3
حيث قال(( :حسن المجلس ،ممتع المحاضرة ،قريب الغور ،صحيح الباطن)) .
ووصف بأنهـ من أهل الفضل والجاه ،قال الحضرمي ((الحسيب الماجد
المثيل الصدر المعظم الفاضل))(.)4
ووصف أيضا بأنهـ من أهل األصالة والعدالة والمنـزلة الرفيعة قال
عنه صاحب شجرة النور الزكية(( :أبو القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي
الغرناطي من ذوي األصالة والوجاهة والنباهةـ والعدالة))(.)5
تحصيله العلمي
تتلمذ ابن جزي على ثلة من العلماء كان لهم األثر في تكوينهـ العلمي
حتى وصل إلى درجة العلماء في عصره ،فقد أخذ ابن جزي العلوم الشرعية
واللغوية عن أئمة عصره نذكر أبرزهم فيما يلي:
شيوخ ابن جزي
أبو جعفر بن الزبـير( :)6وله تصانيفـ عديدة منها:ـ صلة الصلة،
مالك التأويل( ،)7البرهان في ترتيب القرآن(.)8
(?) أحد تالميذـ ابن جزي ستأتي ترجمته في موضعها عند تعرضنا لتالميذـ ابن جزي. 2
(?) انظر ترجمته في :اإلحاطة ـ ابن الخطيب ـ (ط ـ دار المعارف) ،1/195 ،والدرر 6
مالك التأويل ـ حققه سعيد الفالح وهو مطبوع ،وذكر صاحب تحقيق القوانين الفضيلي أن
عنوانه (مالك التأويل في المتشابه من اللفظ والتأويل) ،انظر :القوانين الفقهية لابن جزي ،تح:
عبد الكريم الفضيلي ،المكتبة العصرية ،بيروت ،ط 1ـ 1420هـ2000 /م ،ص 10
(?) وهو كتاب رتب فيه سور القرآن وفق ترتيب مصحف عثمان رضي هللا تعالى عنه، 8
حيث يتحدث عن فضل كل سورة وكيفية بدايتها ونهايتها ومناسبتها لما قبلها وما بعدها ،
وهو كتاب مطبوع ،حققه محمد شعباني ،وطبع من قبل وزارة األوقاف والشؤون
اإلسالمية بالمغرب طبعة 1410هـ 1990/م.
ــ 120ـ
()9
ابن الكماد :ومن تصانيفه :الممتع في تهذيبـ المقنع في القراءات
والمقنع في القراءات( ،)10قال صاحب غايةـ النهايةـ (قرأ عليه أبو القاسم محمد
بن أحمد بن جزي)( ،)11وكذلك قرأ عليه القرآن وذكر ذلك في التسهيل فقال:
((قرأت القرآن على األستاذ الصالح أبي عبد هللا بن الكماد فلما بلغت إلى آخر
سورة الحشر قال لي :ضع يدك على رأسك…)(.)12
ـ ابن رشيد :هو محمد بن عمر الفهري السبتي( ،)5ويكنى بأبي عبد
هللا المشهور بابن رشيد ولد سنة 657هـ( ،)6وقد ترك آثارا دالة على سعة
علمه وبراعته في التصنيفـ والكتابةـ منها:ـ إفادة النصيح( )7السنن األبين(،)8
إحكام التأسيس( ،)9اإلضاءات( .له فتاوى في المعيار)(.)10
ـ ابن الشاط :هو قاسم بن عبد هللا بن محمد بن الشاط األنصاري(،)11
يكنى بأبي القاسم ،ولد سنة 643هـ بمدينة سبتة بالمغرب ،أخذ عن أئمة
عصره ،له تصانيفـ منها:ـ إدرار الشروق( ،)12غنيةـ الرائض(.)13
(?) انظر :الدرر ،3/405ذكر أن له(المقنع وشرحه بالممتع) ،وانظر :الديباج ص 298 9
(ذكر أنه اختصر المقنع بالممتع ) ،ويظهر من خالل العنوانين أن الممتع اختصار للمقنع
بعبارة تهذيب كما ذهب إليه ابن فرحون في الديباج خالف ما ذكر ه ابن حجر في الدرر
وذكر محقق كتاب القوانين الفضيلي أن المقنع من تصنيف أبي عمرو الداني ،انظر:
القوانين ص 10للمحقق ،مصدر سابق.
(?) انظر :الدرر 3/405ـ وشجرة النور ،1/212والديباج ص 298 10
ص 11
(?) التسهيل ،ابن جزي4/205 ، 12
(?) انظر ترجمته في :الدرر ،4/229وشجرة النور ،1/216وغاية النهاية ،2/219 5
(?) انظر :شجرة النور 1/216وذكر صاحب الدرر أنه حج في سنة 685هـ ،انظر: 7
(?) انظر :شجرة النور ،1/217والديباج ص ،311والدرر ،231 /4والإحاطة 3/143 9
(?) انظر ترجمته في :شجرة النور ،1/217والديباج المذهب ص ،226والفروق 11
للقرافي ،تـح :محمد رواسي قلعتجي ،دار المعرفة بيروت ،دون تاريخ4/306 .
(?) انظر :الديباج ص ،226وشجرة النور.1/217 12
(?) أورده الزبيري وذكر أنه مخطوط في األسكولاير C.Q.S 1780ـ انظر :ابن جزي 13
(.) 6
وعن استيعابهـ للعلم وحفظه ،وولعه بجمع الكتب قال ابن الخطيب:ـ
()
((مستوعبا لألقوال جماعة للكتب ملوكي الخزانة)) ، 7وكانت أمنيتهـ
الوصول إلى أعلى مراتب العلم وخاصة في علوم الشريعة فقد قال عن نفسه:
وإن مرادي صحة وفـراغ لكل بني الدنيا مراد ومقصـد
(?) انظر :الدرر 3/462لم يذكر ابن حجر سنة ميالده ؛ ولكن ذكر سنة وفاته وعمره 2
عند الوفاة كان ثمان وسبعين سنة ،فتكون سنة ميالده 646هـ
(?) نفخ الطيب ،المقري ـ 5/514 3
(?) الكتيبة الكامنة ،ابن الخطيب ،ص 46ـ اإلحاطة ـ ابن الخطيب ـ 3/20 5
(?) انظر :نفح الطيب ـ المقري ـ 5/514ـ اإلحاطة ـ ابن الخطيب ـ 3/20 6
(?) اإلحاطة ،ابن الخطيب ،3/23وطبقات المفسرين ،الداودي 85 /2 7
ــ 122ـ
يكون به لي في الحيـاة بالغ ألبلـغ في علم الشريعـة مبلغا
وحسبي من الدنيا الغرور بالغ ففي مثل هذا فلينافس أولو النهى
() 1 فما العيش إال في نعيم مؤبـد
به العيش رغد والشراب يساغ
لقد حقق هللا أمنيته بأن بلغ مراده الذي قصده فاجتهد ،وعكف على
التعلم ،والتدوين فتضلع في علوم الشريعة حتى نبغ فيها ،واشتهر بين أقرانه،
وذاع صيته في المجتمع الغرناطيـ خاصة ،والمجتمع المغربي عامة ،وأقوال
العلماء فيه دالة على مكانتهـ العلمية ومنزلته الخلقية وهذا بسببـ اجتهاده الذي
أوصله إلى هذه المكانة ،وتربيته الخلقية التي استقاها من أسرته ،وشيوخه
فكان خير خلف لخير سلف ،وآثاره دالة على منزلته العلمية.
ـ المناصب التي تقلدها :لقد أهلته منزلته العلمية إلى تقلد مناصب
مهمة في مجتمعه فدرّس وخطب وأفتى.
ـ التدريس :تقدم لتدريس العلوم الشرعية والعربية ،قال عنـه ابن
الخـطيب(( :فـقيها حافظا قائما على التدريس))( ،)2فهذا أحد تالميذه الذين تخرجوا
على يديه ولزم دروسه فأخذ عنه جملة من العلوم الشرعيـة والعربية وشهد له
برسوخه في العلوم ،ومنهجـه القويم في التعليم ،وقـال عنـه كذلك(( :ولم يزل يقيم
الرسوم تدريسا وتعليما وردا وتسليما ويسرح في روض المعارف مسيما))(.)3
ومن العلوم التي اشتغل بتعليمها لطلبة العلم القرآن الكريم حيث قال
عن نفسه (( :وأن هللا أنعم عل ّي بأن شغلني بخدمة القرآن وتعلمه وتعليمهـ
وشغفني بتفهم معانيه وتحصيل علومه))( .)4وبجانب القرآن الكريم وما يتعلقـ
به من علوم كعلم القراءات ،والتفسير ،درس الّلغة واألصول والحديث والفقه
لتضلعه فيه وخاصة الفقه المالكي ،وأغلب ما ألف فيه يكون قد درسه لطلبته.ـ
ـ الخطابة :كانت الخطابة من جملة المهام التي تقلدها العلماء ،وهي
مركز اجتماعيـ مرموق ويستحسن تقديم األفضل لمنزلته العلمية ،ومكانته
الخلقية ،ألنه محل اقتداء ،ولقد تقلد ابن جزي هذا المنصب االجتماعي على
حداثة سنه ،قال عنه تلميذه ابن الخطيب:ـ ((تقدم خطيبا بالمسجد األعظم من
بلده على حداثة سنه فاتفق على فضله وجرى على سنن أصالتهـ))(.)5
(?) انظر :نفح الطيب ـ المقري ـ .5/514ـ اإلحاطة ـ ابن الخطيب ـ 3/20 2
(?) انظر :نفح الطيب ـ المقري ـ .5/514ـ اإلحاطة ـ ابن الخطيب ـ 3/20 5
ــ 123ـ
وبالرغم من وجود أقرانه ومن هم أكبر منه سنا وعلما وقع عليه االختيار
لتمكنه من الخطابة ،وسعة علمه ،ومعرفته بأسلوبها وتعمقه في اللغة ،وآدابها،
وقد وصف هذا االختيار مع وجود غيره ممن هو أهل لهذه الرتبة والمكانة
االجتماعية قال عنه ابن الخطيب بكالمه المسجوع(( :تقدم بالجامع خطيب حفله،
وإمام فرضه ،ونفله مع توافر أصله وتعدد شيخه في االختيار ،وكهله فوقع عليه
االتفاق وانعقد األصفاق ،وعقد له في عصا منبره اللواء الخفاق))(.)1
وهذا تلميذه الحضرمي يصفه بالخطيب المتفنن حيث قال(( :شيخنا
الفقيه الجليـل األستـاذ المقرئ الخطيب العالم المتفنن المصنف))( ،)2وهذا
تلميذه النباهيـ( )3يصفه بالخطيبـ الحافظ حيث قال(( :شيخنا األستاذ الحافظ
الخطيب الشهير بأبيـ القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي))(.)4
وصاحــب فهرس الفهارس ينقلـ عنه بأنه اإلمام الخطيب بالجامع
األعظم بغرناطهـ حيث قال(( :هو اإلمام العالم الحافظ المدرس الشهير خطيب
الجامع األعظم بغرناطةـ أبو القاسم محمد بن أحمد بن جزي)) ،فهـؤالء
وغيرهم يشهدون له بالحفظ ،واإلتقان ،وحسن التدريس ،والخطابة،ـ وبما أن
المسجد األعظم بغرناطه وهو الجامع الذي تؤدي فيه الصلوات الخمس
بصفة عامة وخطبة الجمعة بصفة خاصة ،حيث يأتيـ إليه من كل أنحاء
المدينة؛ ألنه جامع ألهل المدينة ويحضره العلماء وأعيانـ البلدة وهذا دليل
على مكانة المسجد ومكانة خطيبه ،حيث يختار له من كان أهال ألداء هذه
الرسالة النبيلة،ـ مما يدل على مكانة ابن جزي منذ الصغر أخالقا ،وعلما ،فقد
فاق أقرانه واشتهر من بينهم،ـ وذاع صيته في المجتمع الغرناطي وكان يق ّدم
على غيره في مجالس العلم من تدريس وخطابةـ ألهليتهـ ومكانتهـ العلمية.ـ
ـ آثاره العلمية :ترك ابن جزي نوعين من اآلثار منها المتجسدة في
الواقع وهم تالميذه ومنها المصنفات الدالة على قدراته العلمية:
تـالميـذه :أنجب ابن جزي نخبة من التالميذ أخذوا عنه عدة علوم
نذكر من أبرزهم أبناؤه الثالث:
(?) أحد تالمذته ،ووهوأبو الحسن النباهي على بن عبد هللا بن الحسن الجذامي له كتاب 3
تاريخ قضاة األندلس انظر ترجمته في :نيل االبتهاج بها مش الديباج ص ،205ومقدمة
كتاب تاريخ قضاة األندلس المسمي (المرقبة العليا) ألبي الحسن النباهي مصدر سابق،
وقد قال مؤلفه عن تعريفه البن شيخنا ابن جزي(أبو بكر)(( :أبو بكر ابن شيخنا األستاذ
الحافظ الخطيب الشهير أبي القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي …) تاريخ قضاة
األندلس ص 177ـ وهذا ما يثبت مشيخته على ابن جزي.
(?) تاريخ قضاة األندلس للنباهي ص 177 4
ــ 124ـ
ـ أبو عبد هللا :هو محمد بن محمد بن جزي(ـ)1ـ،ـ وـلـدـ سـنـةـ 721هــ
بـغـرـنـاـطـةـ،ـ نـشـأـ وـتـرـعـرـعـ بـهـاـ فـيـ كـنـفـ وـاـلـدـهـ،ـ أـخـذـ عـنـهـ اـلـعـلـمـ،ـ لـهـ اـلـتـصـاـنـيـفـ
مـنـهـاـ:ـ تـاـرـيــخـ غـرـنـاـطــةـ(ـ)2ـ (ـكـاـتـبـ رـحـلـةـ اـبـنـ بـطـوـطـةـ اـلـمـغـرـبـيـ)ـ تـوـفـيـ بـفـاـسـ
مـبـطـوـنـاـ سـنـةـ 757هــ(ـ)3ـ.ـ
ـ أبـو بكــر :هو أحمد بن محمد بن جزي( ،)4يكنىـ بأبيـ بكر ،ولد
بغرناطةـ سنة 715هـ نشأ وتربى في كنف والده وأخذ عنه العلم ومن تآليفه:
رجز في الفرائض( : )5شرح ألفية ابن مالك( ،)6توفي سنة 785هـ(.)7
أبـو محـمـد :وهو عبد هللا بن جزي( ،)8يكنى بأبي محمد ولد سنة
731هـ( ،)9نـــشـــأ وتربى في كنف والده ومن مؤلفاته :كتابـ مطلع
()10
اليــمـــــــن
(?) انظر ترجمته في :شجرة النور ،1/213واإلحاطة ،2/256والكتيبةـ الكامنة ،ابن 1
(?) اختلف في سنة وفاته فمنهم من يجعلها سنة 756هـ (الدرر ،)4/283ومنهم من 3
يجعلها سنة 758هـ ،ولكن ابن الخطيب بعد ذكر سنة الوفاة ( 758هـ) فلما حقق في ذلك
ذكر أنها سنة 757هـ حيث قال( :اتصل بنا خبر وفاته بفاس مبطونا في أوائل ثمانية
وخمسين وسبع مائة ،ثم قال :ثم تحققت أن ذلك في آخر شوال من العام قبله) ،انظر:
اإلحاطة 2/265
(?) انظر ترجمته في :شجرة النور ،1/231واإلحاطة (طبعة الخانجي) ،1/165والكتيبةـ 4
الكامنة ابن الخطيب ،ص ،138ونفح الطيب 5/517ـ 525وبغية الوعاة للسيوطي 1/37
،5مصدر سابق ،وتاريخ قضاة األندلس للنباهي ص ،177مصدر سابق ،والديباج
المذهب البن فرحون ،ص 41ودرة الجحال .1/27
(?) انظر :شجرة النور ،مخلوف ،1/231ودرة الحجال 1/27بالهامش ،والديباج ،ابن 5
(?) انظر :درة الحجال ،1/27وشجرة النور ،1/231ونفح الطيب 5/525 7
(?) انظر :ترجمته في النفح 5/539ـ ،540والكتيبةـ الكامنة ص ،96ونيل االبتهاج 8
(?) وهو كتاب اختصر فيه كتاب "االحتفال في استفاء تصنيف ما للخيل من األحوال" 10
لمؤلفه أبو عبد هللا محمد بن رضوان بن أرقم وذلك تلبية لطلب السلطان أبو عبد هللا
الغني باهلل الذي امتد حكمه من سنة 755هـ إلى سنة 793هـ ،فكان الكتاب بهذا العنوان
وهو يتحدث عن الخيول بأنواعها وأوصافها ،وقد طبع هذا الكتاب تحت عنوان(كتاب
الخيل) بتحقيق محمد العربي الخطابي سنة 1986بدار الغرب اإلسالمي ـ بيروت وقد
ــ 125ـ
(المعروف بكاتب الخيل) ،مجموعة من األشعار( )1توفي سنة 810هـ(.)2
ـ ابن الخشاب :هو محمد بن محمد بن يوسف األنصاري( ،)3يكنى
بأبي القاسم الشهير بابن الخشاب ولد بعد سنة 720هـ بقليلـ(.)4
ـ لسان الدين ابن الخطيب :هو محمد بن عبد هللا السلماني( ،)5وله
كتب ورسائل تنيفـ عن الستين وأغلبهاـ في التراجم والتاريخ ،واألدب،
والشعر منها :اإلحاطة( ،)6الكتيبةـ الكامنةـ( ،)7أعمال األعالم( ،)8اللمحة
البدرية.
()9
توفي ابن الخطيب بفاس سنة 776هـ .
تحصلت على نسخة منه ولم تذكر المصادر التي ترجمت له اسم الكتاب ،وكذلك لم يذكر
الزبيري في رسالته ـ ابن جزي ومنهجه في التفسير ـ عند ما تعرض لترجمة ابنه عبد
هللا اسم هذا الكتاب ،انظر 1/165 :ـ 168من الرسالة.
(?) انظر :نفح الطيب ،5/540 ،ونيل االبتهاج ،ص ،155والكتيبة الكامنة البن الخطيب ،ص 1
،96مقدمة محقق مطلع اليمن ص 10حيث اكتفى بتسميتها (وله شعر نبيل األغراض حسن
المقاصد)
(?) انظر :برنامج المجاري ،المجاري ص ،92والمصادر األخرى التي ترجمت له لم تذكر 2
سنة ميالده وال سنة وفاته واكتفى المقري بقوله(( :إنه عمر طويال وتعذر ذلك على محقق
كتاب مطلع اليمن تقدير سنة وفاته واستنتج أنه عاش إلى آخر القرن الثامن وربما أدرك
القرن التاسع)) ،انظر :الخيل ،مقدمة المحقق ص ،9وكذلك ذكر فركوس أن المصادر لم
تذكر سنة وفاته ،انظر :تقريب الوصول تح :فركوس ،ص ،19وكذلك الزبيري في كتابه
ابن جزي ومنهجه في التفسير (رسالة ماجستير مطبوعة)ذكر أن المصادر لم تذكر سنة
ميالده وال سنة وفاته ،انظر :المصدر السابق ،1/168ولكن صاحب البرنامج وهو أحد
تالميذ أبو محمد ذكر سنة ميالده ووفاته وقد يكون هذا المصدر الوحيد الذي ذكر ذلك ،وهو
ما اعتمدناه في المتن.
(?) انظر ترجمته في :الدرر ،5/9وغاية النهاية ،2/257فهرس الفهارس .348 /1 3
(?) انظر ترجمة في :نفح الطيب 7/97 ،5/464 ،5/7ـ ،100وشجرة النور ،1/230 5
وكتاب اإلحاطة مقدمة المحقق عنان (القسم الدراسي) والدرر البن حجر ،4/88ومقدمة
كتاب (روضة التعريف بالحب الشريف) لابن الخطيب وهو كتاب في التصوف ،تح:
محمد الكتاني ط ،1دار الثقافة المغرب.
(?) وهو كتاب عن تاريخ غرناطـة ورجالهـا مطبـوع ومحقـق من قبـل محمـد عبد هللا 6
مطبوع.
(?) وهو كتاب يذكر فيه الملوك الذين اعتلوا العرش قبل سن البلوغ وهو مطبوع تحت 8
،0ونفح الطيب ،5/110وانظركذلك :شذرات الذهب الحنبلي المكتب التجاري ،بيروت/6 ،
،245والوفيات ابن قنفذ القسنطيني ،تح :عادل نويهض ،مؤسسة نويهض بيروت ـ 1982
ــ 126ـ
مصنفـاتـه
تفرغ ابن جزي للتصنيف وانقطع للتأليف وكان شغوفا بذلك محبا للتدوين،
والكتابة فألف في علوم الشريعة الكتب والمصنفات ،وصنف في التفسير وعلم
القراءات ،والحديث ،والفقه ،واألصول والعقيدة ،والتراجم ،وهذه المؤلفات منها
ما خرج إلى النور فحقق وطبع ومنها ما بقي مخطوطا في المكتبات ينتظر
التحقيق ،ومنها ما اندثر وفقد بسبب ظروف مرت عليه فبقي اسمه وذهب
رسمه ،ومنها ما شرح عن طريق علماء بعده وهذه المصنفات هي:
1ـ العقيدة :وله مصنف في هذا المجال وهو اآلتي:
ـ (النور المبين في قواعد عقائد الدين)( )1وهو كتابـ في العقيدة
وأصول الدين ،وهذا يظهر من خالل عنوانه،ـ أنه يتكلم عن القواعد واألسس
العقدية (قواعد عقائد الدين)( ،)2وقد تحدث ابن جزي عن العقيدة ومسائل
التوحيد في ثنايا تفسيره وفي مقدمة القوانين (كاتبـ مفقود).
2ـ التفسير :وضع في علم التفسير مصنفا مختصرا وعنونه اآلتي:
وبرنامج المجاري ،المجاري ،ص 88مصدر سابق ،وانظر كذلك :مصنفات ابن جزي
في إيضاح المكنون ،البابلي 3/314ـ /218ـ .448 ،244 ،207 ،708 /4
(?) وتذكر بعض المصادر أن له كتابا آخر وهو (الضروري من علم الدين)،ـ انظر: 2
برنامج المجاري ص ،88وذكره علي الزبيري ضمن مؤلفات ابن جزي انظر :ابن
جزي ومنهجه في التفسير 1/219وذكر أنه انفرد بذكره محمد بن عبد الملك القيسي وهو
يتكلم عن ابن جزي في خطبة كتابه(منهاج العلماء األخيار شرح أحاديث كتابا ألنوار)،
ويظهر لي مما سبق أنه ظن وتوهم ؛ ألن أغلب المصادرلم تذكره ويغلب على ظني أنه
تابع للعنوان السابق (النور المبين) فيكون عنوان الكتاب ـ النور المبين في قواعد عقائد
الدين والضروري من علم الدين) ـ فاختصر العنوان فذكر الشطر األول ولم يذكر الثاني
كما جرت به العادة عند ذكر العناوين وهللا أعلم.
ــ 127ـ
ـ (كتاب التسهيل لعلوم التنـزيل)( ) 1هكذا سماه مؤلفه حيث قال(( :وسميته
كتاب التسهيل لعلوم التنـزيل))( ، ) 2وهو كتاب في تفسير القرآن الكريم ،ويعتبر
كتابا ضخما وأكبر مؤلفات ابن جزي ،وهو في أربعة أجزاء من الحجم
المتوسط ،وقد أكمل تفسيره للقرآن من الفاتحة إلى الناس ،افتتحه بالحمد والثناء،
والصالة على المصطفى × ،ثم تحدث عن فضل علوم القرآن وأنها أجل العلوم
وأرفعها وبين إعجاز القرآن ،وقدم لتفسيره هذا بمقدمتين ،وبعدها تحدث عن
االستعاذة ومعانيها وأحكامها( ،) 3ثم تحدث على البسملة ومعانيها وأحكامها(.) 4
وقد نهج فيه منهج االختصار ،وقد يطيل في بعض األحيان ،ويذكر
الفوائد واألحكام ،وقد يأتي على بعض اآليات وال يتعرض لتفسيرها ،ويعتبر
تفسير ابن جزي من أغنى التفاسير علما وفائدة ،وقد تأثر به بعض المفسرين،
(?) انظر :نفح الطيب ،المقري ،5/515 ،والديباج ابن فرحون ،ص ،295وشجرة النور، 1
مخلوف ،1/213الإحاطة ،3/22إال أن هذه المصادر لم تذكر اسمه وإنما ذكرت أنه تفسير
بعبارة (إلى غير ذلك مما قيده من التفسير والقراءات) ،وصاحب فهرس الفهارس ذكره مرة
دون اسمه ،ومرة صرح باسمه ففي المرة األولى قال( :التفسير المشهور الذي حشا عليه
الشيخ التاودي بن سودة وهو عندي) ،1/306وذلك عند ترجمته البن جزي وذكره لمصنفاته
وهذا يدل على أن الشيخ التاودي قد حشا وعلق على تفسير ابن جزي ،والمرة الثانية ذكره
باسمه قال(( :وأقرأ التسهيل والمغني والكافيه والشافية)) ،انظر :المصدرنفسه ،1/258 ،وهذا
عند ترجمته للشيخ التاودي وإقرائه لهذه الكتب ومنها كتاب التسهيل ،وكذلك صاحب معجم
المفسرين عادل نويهض ،ذكره باسمه الكامل (التسهيل لعلوم التنـزيل) ،انظر :معجم
المفسرين ،نويهض ،،مؤسسة نويهض الثقافية ،ط 1ـ 1983م 481 /2 ،ـ ولم يذكره األستاذ
فركوس عند سرده لمصنفات ابن جزي في تحقيق كتابه تقريب الوصول ،وأخطأ صاحب
تحقيق المختصر البارع عندما نسب إليه كتاب الجواهر الحسان والصحيح أنه لعبد الرحمان
الثعالبي الجزائري ،انظر :المختصر البارع في قراءة نافع البن جزي ص ،8تحقيق الدكتور
فتحي العبيدي ،دار الرفاعي للنشر والتوزيع ـ سوريا ـ حلب /دار القلم العربي للنشر
والتوزيع ـ سوريا ـ حلب ،ط 1425 1هـ2004/م وتوجد منه نسخة كاملة في مكتبة الحاج
البلبالي ،انظر :فهرس لثبت المخطوطات ،ص ،16وتوجد نسختان كاملتان في مكتبة ابن
عبد الكبير بالمطارف أدرار ،المصدر نفسه ص 16
(?) التسهيل ،ابن جزي 1/5 2
ــ 128ـ
والعلماء ،وأخذوا من معينه( ،)1ورغم عدم شهرته وتأخر طبعته( )2اهتم به
المفسرين والعلماء ،وقد تناوله بعض الباحثين بالدراسة( ،)3ونرجو من هللا تعالى
أن يسخر له من يقوم بتحقيقه تحقيقا علميا ويخرج أحاديثه ويبين قيمته العلمية.
3ـ القـراءات :وقد وضع في هذا العلم مصنفين أحدهما عام واألخر
خاص وهما كاآلتي:
1
(?) هناك من المفسرين من أخذ منه ومنهم (سليمان بن عمر العجيلى الشافعي الشهير بالجمل
المتوفى سنة 1204هـ في تفسيره (الفتوحات اإللهية بتوضيح تفسير الجاللين للدقائق الخفية)
وهو مطبوع في أربع مجلدات(طبع بمطبعة عيسى البابي الحلبي بمصر) ،ومن أمثلة ذلك عند
تعرضه لقوله تعالى :ﮋ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﮊ [البقرة ]40 /ـ قال الجمل(( :قال ابن جزي الكلبي
في تفسيره "لما قدم دعوة الناس عموما وذكر مبدأهم دعا بني إسرائيل ،))"..انظر :الفتوحات
اإللهية 3/154 4/614 ،1/44ـ ومنهم محمد علي الصابوني في تفسيره (صفوة التفاسير) ،وهو
مشهور ومطبوع وذلك عند تعرض ألول آية من سورة اإلخالص قوله تعالى (قل هو هللا أحد)،
قال(( :قال في التسهيل "وأعلم أن وصف هللا تعالى بالواحد له ثالث معان…")) انظر :صفوة
التفاسير ،الصابوني ،دار القرآن الكريم ـ بيروت ط 4ـ 1402هـ 1981 /م ـ 3/620ـ 621
وانظر كذلك 3/559 :وفي العديد من المرات يحيل على التسهيل في الهامش بالجزء والصفحة ـ
انظر :نفس الصفحات واألجزاء السابقة.
ـ وقد أورد على الزبيري أثر ابن جزي في المفسرين والعلماء فذكر كل من الجمل
والصابوني والدكتور مصطفي زيد في بعض كتاباته انظر :ابن جزي ومنهجه في التفسير 2
/917
)?( 2ويذكر الزبيري أن أول ما طبع التسهيل سنة 1355هـ بالمكتبة التجارية بمصر ،انظر :ابن
جزي ومنهجه في التفسير 1/14المقدمة ،وقد أورد صاحب كتاب(الكتب العربية التي نشرت
في مصر بين عامي ( 1926م ـ 1940م) ،هذه الطبعة تحت عنوان (التسهيل لعلوم
التنـزيل)وذلك سنة 1936م والتي توافق سنة 1355هـ بمطبعة الرحمانية بالقاهرة مصر،
انظر الكتب العربية التي نشرت في مصر بين عامي( 1926م ـ 1940م) عايدة إبراهيم نصير ـ
وقام كل من محمد عبد المنعم يونس وإبراهيم عطوة عوض باالعتناء بنشره وطبع في أربع
أجزاء بالقاهرة ـ دار الكتب الحديثة سنة 1973م وهو موجود اآلن ولكنه قليل ونادر وقد أورد
هذه الطبعة صاحب(المعجم الشامل للتراث العربي المطبوع) ولكن ذكر أنها سنة 1976م ـ
انظر :المعجم الشامل للتراث العربي المطبوع صالحية ص ( 63ـ )64ـ وطبع سنة( 1403هـ/
1983م) بلبنان من قبل دار الكتاب العربي بيروت تحت إشراف لجنة تحقيق= =التراث في
دار الكتاب العربي ـ تحت عنوان(تفسير ابن جزي) في مجلد ضخم جعلت مقدماته في األخير
وذيل بخالصة في فضل القرآن وجعلت له فهارس موضوعات القرآن وختم بجدول بترتيب
السور ،لم يتطرق لحد اآلن حسب علمي أحد لتحقيقه أو تخريج أحاديثه وأما ما قام به كل من
اليونسي وعوض فما هو إ ّال طبعة جديدة بعنايتهما وأما التحقيق العلمي فلم يكن موجودا.
3
(?) منهم عبد الحميد محمد ندا قدم رسالة ماجستير سنة 1400هـ بكلية الدعوة وأصول الدين
باألزهر تحت عنوان (اإلمام ابن جزي الكلبي وجهوده في التفسير من خالل التسهيل لعلوم
التنزيل) ،وقد علق عليها على الزبيري ،انظر :ابن جزي ومنهجه في التفسير 1/19المقدمة.
وكذلك علي محمد الزبيري قدم رسالة ماجستير سنة 1402هـ بالجامعة اإلسالمية
بالمدينةـ المنورة تحت عنوان (ابن جزي ومنهجه في التفسير من خالل التسهيل) وقد
طبعت في مجلدين بدار القلم دمشق ،طبعة أولى سنة 1407هـ 1987/م ،وكذلك عبد
ــ 129ـ
ـ أصول القراء الستة غير نافع( :)1وهو كتاب في علم القراءات
يؤصل فيه للقراء الستة ما عدا اإلمام نافع ألن القراء المشهورين سبعة
وخص اإلمام نافع بكتاب خاص به سنذكره فيما يلي ،وهذا يظهر من خالل
العنوان(.)2
ـ المختصر البارع في قراءة نافع( :)3وهو كذلك كتابـ في علم
القراءات يؤصل فيه لقراءة نافع فقط وهذا خاص بقراءة اإلمام نافع بخالف
السابق الذي خصه للقراء الستة وتخصيصه لقراءة نافع بكتاب لوحده يعتبر
اهتماما بقراءة نافع ؛ ألنها القراءة المشهورة والمنتشرة بالمغربـ واألندلس
ومنها أخذ اإلمام ورش (وقد حقق هذا الكتابـ وطبع وخرج إلى النور ط 1ـ
2004ـ على يد الدكتور العبيدي التونسي.
4ـ الحديث :وله ثالث مصنفات في شرح وتهذيب بعض كتب
الصحاح وهي كاآلتي:
ـ وسيلة مسلم في تهذيب مسلم( :)4وهو كتابـ اختصر فيه صحيح
مسلم ،ويظهر ذلك من عنوانه ومايفهم من كلمة (تهذيب)ـ الدالة على
االختصار واإليجاز.
الرحمان مسعد على بركة قدم رسالة ماجستير بعنوان(ابن جزي ومنهجه في التفسير من
خالل التسهيل) وقد طبعت في كتاب واحد سنة 1994م ،بمنشورات كلية اآلداب والتربية
بجامعة سبها ليبيا.
(?) انظر :نفح الطيب ،المقري ،5/515 ،والديباج ابن فرحون ،ص ،295وشجرة النور، 1
446والإحاطة ،3/22توجد نسخة منه خطية بالمكتبةـ الوطنية بتونس ،انظر :مجلة معهد
المخطوطات العربية المجلد الثامن عشر الجزء األول ص ( 09مج 18ـ .)09 /1
(?) اـنـظـرـ:ـ نـفـحـ اـلـطـيـبـ ،5/515ـ واـلـدـيـبـاـجـ صـ،295ـ وشـجـرةـ اـلـنـوـرـ،1/213ـ وإـيـضـاحـ 4
(?) انظر :نفح الطيب ،5/515والديباج ص ،295وشجرة النور ،213 /1وفهرس 1
الشافعية تولى القضاء بمصر من كتبه (الشهاب في المواعظ واآلداب) وله تفسير القرآن
الكريم وله مسند في الحديث انظر ترجمته في :ابن خلكان الوفيات ،1/462الزركلي
األعالم ،7/16المنجد في اللغة واألعالم ص.440
ــ 131ـ
ـ الوجه الثاني :أن صاحب الشهاب اقتصر على أحاديث الرقائق،ـ
واآلداب ،أما هذا فزاد على ذلك.
ّ
ـ الوجه الثالث :أن ترتيبـ أحاديث الشهاب على المشاكلة اللفظية ،أما
هذا الكتابـ فرتبه على ترتيب الكتب العلمية.ـ
ـ وذكر أن صاحب الشهاب له فضل السبق(.)1
ـ وذكر في المقدمة سبب تأليفه لهذا الكتاب ،فقد ألفه البنه أحمد( )2؛
وذلك بعد حفظه للقرآن فأراد أن يحفظ بعض األحاديث ،قال ابن جزي(( :ولما
يسر هللا على ابني أحمد المكنى أبا بكر أبلغ هللا فيه األمل وجعله من أهل العلم
والعمل حفظ القرآن العظيم أحببت أن يفوز بحظه من حفظ حديث المصطفى
الكريم عليه الصالة والسالم فجمعت له في هذا الكتاب جملة صالحة من كالم
رسول هللا ×))( ،)3وكتاب (األنوار) بدأه بكتاب الرقائق ،وختمه بكتاب
الـدعــوات ،واألذكار ،وهو كتاب قيم الفائدة ،وتوجد منه نسخ مخطوطة(، )4
وقد طبع( )5ولم يحقق بعد(( ،)6كتاب األنوار صغير الحجم) وقد تناوله بعض
العلماء بالشرح(.)7
5ـ الفقـه :وله كتابـ مشهور في مسائلـ الفقه وسماه كاآلتي:
(?) انظر :األنوار السنية ـ ابن جزي ـ ص 6مصدر سابق. 1
(?) توجد منه نسخة خطية بخزانة القرويين بالمغرب ،انظر( :فهرس مخطوطات خزانة 4
القرويين ،محمد الفاسي الفهري ط1409 1هـ1989/م 4/64 ،ـ ،65وقد ذكر فركوس
وجود عدة نسخ منه بالخزانة الملكية بالرباط تحت األرقام اآلتية 6150 :ـ 7307ـ 5468
ـ 9260ـ تقريب الوصول ،ص 20بالهامش ،وقد ذكر الزبيري وجود نسخة منه في
مكتبة البلدية باإلسكندرية تحت رقم 1864د انظر :ابن جزي ومنهجه في التفسير 1/227
بالهامش.
(?) طبع بالجزائر سنة 1983م بدار الكتب عن مخطوطة أصلية بالمكتبةـ الكنونية،ـ انظر: 5
ـ طبع بتونس بمطبعة النهظة سنة 1344هـ1926/م تحت عنوان (القوانين الفقهية) قام بنشره
عبد الرحمان بن حمده ومحمد األمين ،وطبع بفاس المكتبة األدبية سنة 1935م ،وكذلك بالدار
البيضاء بالمغرب في طبعة منقحة ،وفي سنة 1982م نشر بليبيا بطرابلس وطبع كذلك تحت
عنوان(قوانين األحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية) بتحقيق عبد العزيز سيد األهل،
ببيروت ،دار العلم للماليين ،مطبعة ،الناشر1968 ،م ،انظر :المعجم الشامل للتراث العربي،
محمد عيسى صالحية ص ،63وطبع بالرباط سنة 1370هـ1951/م تحت عنوان (كتاب
القوانين الفقهية) ،مطبعة األمنية ،وطبع في الجزائر سنة 1987م بمطبعة دار الكتب.
(?) انظر :نفح الطيب ،المقري ،5/515 ،والديباج ،ابن فرحون ،ص ،295وشجرة 1
النور ،مخلوف ،1/213 ،وإيضاح المكنون البابلي 4/207 ،والدرر البن حجر ،3/446
والإحاطة .3/22
ــ 134ـ
وقد تحدث ابن جزي في مقدمة تفسيره عن اللغة ومدى أهميتها في
جانب التفسير ،وبيّن جميع الكلمات الغامضة التي ذكرت في القرآن وأعطى
لها تفسيراً من الجانب اللغوي(( .)1كاتبـ مفقود)
8ـ التاريخ والتراجم
وله في هذا المجال مصنف وعنوانه كاآلتي:ـ
ـ (فهرسة)( )2وهو كتاب كبير في تراجم علماء المشرق والمغرب،
كما جاء اسمه في المصادر(.)3
وـهـذـاـ يـبـيّـنـ أـنـ اـبـنـ جـزـيـ تـرـجـمـ لـجـمـلـةـ مـنـ عـلـمـاـءـ أـهـلـ اـلـمـغـرـبـ
وـعـلـمـاـءـ أـهـلـ اـلـمـشـرـقـ،ـ وـالـ يـسـتـبـعـدـ أـنـهـ ذـكـرـ جـمـلـةـ مـنـ شـيـوـخـهـ مـمـنـ أـخـذـ
عـنـهـمـ بـطـرـيـقـةـ مـبـاـشـرـةـ أـوـ غـيـرـ مـبـاـشـرـ،ـ وـهـذـهـ عـاـدـةـ أـصـحـاـبـ اـلـفـهـاـرـسـ فـيـ
اـلـتـأـلـيـفـ وـاـلـتـسـمـيـةـ بـهـذـاـ اـلـمـصـطـلـحـ (ـفـهـرـسـةـ)ـ،ـ فـإـنـهـ يـوـضـعـ لـسـرـدـ اـلـشـيـوـخـ
وـتـرـجـمـتـهـمـ،ـ وـأـسـاـنـيـدـ اـلـمـؤـلـفـ وـمـاـ يـتـعـلـقـ بـذـلـكـ كـمـاـ يـفـعـلـ أـصـحـاـبـ اـلـفـهـاـرـسـ
وـاـلـبـرـنـاـمـجـ(ـ)4ـ.ـ ـ (ـكـاـتـبـ مـفـقـوـدـ)ـ
هذه مصنفات ابن جزي التي ذكرتها المصادر( ،)5وهي تدل على سعة
علمه وتبحره في كثير من العلوم والفنون فهو موسوعة علم كبيرة ومتنوعة،
وإلى جانب هذه المصنفات الدالة على آثاره ،فقد ترك آثارا أخرى متمثلة في
تالميذه الذين خلدوا ذكره وأظهروا فضله فورثوا علمه وجسدوا آثاره
جهاده واستشهاده :لقد جاهد بقلمه فدون وصنف ،وبلسانه فخطب
ودرس ،وبعقله اجتهد وأفتى ،وساهم في تكوين جيل من األعالم ،وبجانب
(?) نفخ الطيب ،المقري ،515/ 5والإحاطة ،3/22فهرس الفهارس ،الكتاني ،306 /1 2
(?) يطلق مصطلح فهرسة على الكتاب الذي يجمع فيه الشيخ شيوخه ،وأسانيده وما 4
يتعلق بذلك ومنهم من يطلق عليه مصطلح المشيخة ،انظر :فهرس الفهارس ،1/67ومن
أمثلة ذلك مشيخة ابن الجزري ـ ألحمد بن على الجزري ،ومنهم من يطلق عليه مصطلح
البرنامج ككتاب برنامج المجاري لعلي المجاري وبالنسبة للفهارس ككتاب فهرس ابن
عطية لعبد الحق بن عطية ،وغيرها من هذا الصنف ،وقد ألف الكتاني معجما جمع فيه
هذه الكتب من هذا النوع وأطلق عليه اسم (فهرس الفهارس واإلثبات ومعجم المعاجم
والمشيخات والمسلسالت) في ثالثة مجلدات وبين في المقدمة هذه المصطلحات ،انظر:
1/67وما بعدها ثم ذكر في كتابه هذا المصنفات التي هي من صنف الفهرسة والثبت
والمعجم والمشيخة والبرنامج والمسلسل ،انظر :األجزاء الثالثة من هذا الكتاب واسمه
دال عليه.
(?) مصادر ترجمة ابن جزي السابقة الذكر. 5
ــ 135ـ
هذا الجهاد العلمي فقد جاهد بنفسهـ وحمل سيفه في وجه األعداء ،حيث خاض
معركة طريف ،)1التي استشهد فيها يوم االثنينـ التاسع من جمادى األولى
عام واحد وأربعينـ وسبعمائةـ للهجرة ( 9جمادي األولى741هـ) الموافق 29
أكتوبر 1340م( ،)2وبذلك فقدت األندلس أحد أعالمها ومجاهديها الذي ترك
آثارا مجسدة في تالميذه وأبنائهـ حملوا علمه وواصلوا دربه ،والذي ترك
مصنفات مازالت لوقتنا هذا منهال للعلم والمعرفة والبحث.
ثانيا ـ نـوازل عصـره
رغم عدم االستقرار السياسي والصراعات الداخلية والخارجية وتكالب
النصارى على غرناطة كانت الحياة الفكرية والحركة العلمية متواصلة
واإلنتاج العلمي موفور حيث ظهر في غرناطة على عهد ابن جزي أعالم
في شتى العلوم والفنون منها الشرعية ،واألدبية والعقليةـ ،وبروز حركة
االجتهاد في العلوم الشرعية ،وكان من نتائجها اشتهار بعض العلماء في
االجتهاد ،حيث وقعت وقائع ونزلت نوزل بالمجتمع في شتى الميادين
طرحت على علمائه وأجابوا عنها،ـ وقد جمع أحمد بن يحي الونشريسي في
موسوعته الفقهية التي تجمع فتاوى أهل األندلس والمغرب وسماها المعيار
المعرب والجامع المغرب لفتاوى األندلس وأفريقية والمغرب منها مسائلـ
ونوازل فقهية ظهرت في عصره داخل وخارج غرناطةـ وسنتناولـ بعضها
كأمثلة على ذلك في موضعها.
لقد تضلع ابن جزي في الفقه المالكي ،وأصبح من أعالم هذا المذهب
ود ّون كتابه المشهور (القوانين الفقهية) ،وهو كتاب لخص فيه المذهب
المالكي ،وأشار إلى المذاهب الثالثةـ األخرى مما يدل على تعمقهـ في الفقه
بصفة عامة ،والفقه المالكي بصفة خاصة ،وكما أشار إلى األحكام الفقهية في
ثناياـ تفسيره ،وذلك عند تعرضه آليات األحكام(.)3
(?) هي شبه جزيرة تقع جنوب األندلس ،انظر ، :نزهة المشتاق أبو عبد هللا الشريف 1
4
(?) سورة البقرة.184/
5
(?) التسهيل .1/71
6
(?) سورة المائدة.89/
ــ 137ـ
مالك أيضا أن يكونوا أحرارا مسلمين وليس في اآلية ما يدل على ذلك))(،)1
()
وفي قوله تعالى :ﮋﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮊ . 2
قال ابن جزي(( :وفي هذا دليل على جواز النظر إلى المرأة إذا أراد
الرجل أن يتزوجها))(.)3
هذه بعض النماذج من آيات األحكام التي تعرض لها بن جزي في
تفسيره ،وكذلك في طرحه للمسائلـ في كتابه القوانين والذي رتبه على أبواب
الفقه في العبادات والمعامالتـ فيأتيـ بالموضوع ويقسمه ويتحدث فيه عن
مذهب مالك ويسند األقوال إلى أعالم المذهب وفي بعض األحيان يذكر
أصحاب المذاهب األخرى حتى المذهب الظاهري أحيانا ومثاله في العبادات
الكتاب األول الطهارة وفيها مقدمة وعشرة أبواب والمقدمة فيها مسألتان
األولى في أنواع الطهارة وهي على نوعين معنوية وحسية والمسألة الثانيةـ
في شروط وجوب الطهارة وعدها عشرة شروط والبابـ األول من الكتاب
األول في الوضوء وقسمه إلى أربعة فصول فاألول في أنواع الوضوء
والثانيـ قي فرائض الوضوء وأورد هنا مذهب الظاهرية وهكذا في تـقسيمه
لموضوع العبادات وكذلك في المعامالت وهو القسم الثانيـ من كتابـ القوانين
مثاله كتاب البيوع حيث قسمه إلى اثنا عشرة بابا فاألول في أركان البيع
فتحدث فيه عن شروط كل ركن وأورد كالم بعض المذاهب األخرى
كالشافعي وأبي حنيفة وفي بعض األحيان يذيل الباب بفرع أو مسألة وهكذا
في سائر المواضيع.
لقد تكلم ابن جزي في الفتوى والنازلة وشروط المفتي وحالة المستفتى
حيث أشترط على المفتي أن تتوفر فيه شروط االجتهاد وإال أن ينقلـ أقوال
إمام المذهب فالمفتى على مذهب مالك يستند إلى أقوال مجتهدي المالكية
ويحقق في أقوالهم في النوازل حيث قال ابن جزي(( :فيجب أن يحقق قول
إمامه في النازلة التي أفتى بها))( ،)4وأجاز للمفتى الذي لم يبلغ درجة االجتهاد
أن يقلد عالما من علماء مذهبه وأن يكون أعلم منه ال مثله،ـ قال بن جزي:
((أما العالم فإن كان عالما لم يبلغ درجة االجتهاد جاز له أن يستفتيـ ويقلد
إماما وإن لم يبلغ درجة االجتهاد فا كثر أهل السنة أنه ال يجوز له التقليد
1
(?) التسهيل 1/186
2
(?) سورة األحزاب.52/
(?) التسهيل .3/105 3
ــ 138ـ
وأجازه أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه( )1وسفيان الثوري( )2مطلقا
وأجازه محمد بن الحسن( )3أن يقلد من هو أعلم منه ال من هو مثله))(.)4
وتحدث ابن جزي عن حالة المستفتي وهو العامي الذي ال يعرف
طرق األحكام فال يجوز له أن يستفتيـ من شاء على اإلطالق ألنه ربما
استفتى من ال يعرف الفقه بل يجب عليه أن يتعرف على حال الفقيه في علمه
وعدالته فإن وجد عالما واحدا قلده وإن وجد أكثر من ذلك يختار أعلمهم
وأفضلهم وإن استفتىـ عالمينـ فاختلفا في الفتيا فيأخذ بالقول االحوط.
ومن أمثلة النوازل التي طرحت على ابن جزي من خارج غرناطة
كالجزائر (تلمسان)،ـ حيث ورد في المعيار أنه طرحت عليه عدة مسائل،
منها مسألة (القاضي الذي يقسم أجرة الوثائقـ مع الشاهدين)ـ ونص السؤال
كاآلتي:
((سئل من تلمسان الخطيب الشهير أبو القاسم بن جزي عمن ثبت عليه
من القضاة أنه كان يقسم أجرة الوثائقـ على الشاهدين القاعدين معه.
فأجاب :وأما المسألة السادسة وهي ما ثبتـ عليه من أنه كان يقسم
أجرة الوثائقـ على الشاهدين القاعدين معه فينظر ،فإن كان فيها عمل من
تبييضـ العقد وإصالحه ،وتعليم الكاتبين فذلك جائز له ،وإن كانت تدعوه
لذلك ضرورة لكونه ال يعطاه من بيت مال المسلمين ما يكفيه فيسامح في ذلك
ألجل الضرورة ،على أنه كان ينبغي له أن ينزه نفسه عنه ؛ وإن كان ال
يعمل في ذلك عمال وال تدعوه حاجة وال ضرورة فقد أساء في ذلك))(.)5
ومن النوازل التي عقب عليها ابن جزي على العلماء كالمازري( ،)6قال
الونشريسي((( :)7ولما وقف الخطيب الشهير أبو القاسم بن جزي على جواب
اإلمام أبي عبد هللا المازري (ملخص المسألة :إمتاع الزوج من مال الزوجة
منها أو من أبيها في عقد النكاح وكذلك السكنى في دارها واستغالل أرضها
وكتبه في عقد منفرد فبين المازري أنه إن عثر على نكاح تحقق انعقاده على
(?) إسحاق ابن راهويه هو أحد علماء نيسابور له مسند وتفسير توفي سنة 238هـ. 1
(?) سفيان الثوري هو أحد علماء الكوفة عالم في الحديث والفقه والتصوف توفي سنة 2
161هـ
(?) محمد بن الحسن الشيباني هو عالم بالفقه واألصول من أصحاب أبي حنيفة تولى 3
القضاء له كتاب الجامع الكبير والجامع الصغير وكتاب الزكاة توفي 189هـ)
(?) التقريب .161 4
ــ 139ـ
هذا الشرط فإنه يقضي بفسخه ))1(...قال ابن جزي( :هذه المسألة التي تكلم
عليها المازري ،قد كثر في زمننا وبلدتنا وقوع الناس فيها وتفاقم األمر فيها
بإمتاع المرأة ،أو والدها للزوج في سكنى دارها واستغالل أرضها ،وذلك فاسد
من ثالثة أوجه:
ـ األول :ما ذكره المازري من الجهالة في ذلك فيما يقابلهـ من
الصداق.
ـ الثاني :أن يجتمع في ذلك بيع ونكاح واجتماعهاـ ممنوع.
ـ الثالث :أنه يؤدي ألن يبقي النكاح بغير صداق فإن الذي ينتفع به
الزوج من االستغالل والسكنى ربما قد يكون مثل الصداق أو أكثر والسيما إن
طالت مدة اإلمتاع فيقابل الصداق بذلك فكأنه لم يعطها شيئا ،ولكن إنما يمنع من
هذا الوجه إذا كان اإلمتاع شرطا مقارنا للعقد فإن كان تطوعا بعد انعقاد العقد
لم يمنع من هذا الوجه ،ألنه كأن المرأة أعطته حظا من مالها ،وذلك جائز
بشرط أال تنعقد عليه القلوب حين العقد ،ويجوز أيضا أن يكون مقارنا للعقد إذا
كان اإلمتاع في ملك غير ملك الزوجة أال ترى ماروي عن مالك أنه أجاز أن
يقول الرجل آلخر تزوج ابنتي على أن أعطيك مائة دينار وذلك أن المائة
دينار من مال والد الزوجة ال من مالها وهو أشد من اإلمتاع))(.)2
وطرحت على معاصريه نوازل عدة نذكر منها على سبيل المثال ال
الحصر:
() 3
ـ وسئل الجزولي عن شركة الخماس فأجاب أختلف في األمر فقيل
جائز ألنه شريك وقيل غير جائز ألنه أجير(.)4
ـ وسئل ابن لب( )5عن من تزوج أو راجع زوجته من غير إشهاد
فأجاب أن اإلشادة بالزواج وشهرته مع علم الزوجين والولي يكفي وان لم
يحصل إشهاد(.)6
(?) الجزولي :وهو إمام حافظ ،مجتهد في مذهب مالك ،حجة في الرسالة ،والمدونة، 3
أعلم الناس بمذهب مالك يحضر مجلسه أكثر من ألف فقيه ،له فتاوى في المعيار.
(?) المعيار 151 /4ـ 152 4
(?) ابن لب :أحد علماء غرناطة ومجتهديها ،اشتهر بالفتوى والمناظرة ،له فتاوى في 5
المعيار
(?) المعيار 28 /3ـ 29ـ .30 6
ــ 140ـ
ـ وسئل كذلك عن امرأة زوجت بنتـ لها واعترفت لها بأصول وحلي
ثم توفيت البنتـ فأجاب بأن كل ما صنعت األم البنتهاـ لجهازها أو صنعت لها
غيرها موروث عن البنت لورثتهاـ(.)1
ـ وسئل الشاطبيـ( )2عن تطهير أواني الخمر انه قد اختلف فيها على
قولين فأجاب األظهر من القولين صحة التطهير بالماء(.)3
ـ وسئل الشريف التلمسانيـ( )4عن قوم جمعوا زكاتهم لشخص غريب
هدفه طلب العلم وهو في أشد الحاجة إلى مال ،فأجاب إن كان أشد حاجة جاز
إعطاء الزكاة إياه(.)5
ـ وسئل المواق( )6عن من تزوج في أرض الحرب بامرأة أسيرة وولد
له معها أوالد فأجاب لألسير أن يتزوج نصرانية ألنه قد تعذر خروجه،
وكذلك لألسير أن يطأ زوجته األسيرة وأوالده نسبهم ثابت(.)7
ـ وسئل كذلك عن من تزوج بكرا فدخل بها فوجدها ثيبا فأجاب فإن
كان زناها بعد ما كتبتـ فهي مصيبة نزلت بالزوج وإن كان قبل ذلك وعقد
عليها قبل االستبراء فالنكاح مفسوخ وإن كان العقد بعد االستبراء فذلك عيب
ترد به(.)8
ـ وابن رشيد( )9قد وقعت له واقعة بمسجده بجامع غرناطة حيث ظن
أن المؤذن الثالث قد فرغ من أذانه فشرع يخطب والمؤذن قد رفع صوته
بأذانه فاستعظم ذلك بعض الحاضرين فهم آخر بإشعاره وتنبيهه وكلمه آخر
فلم يثنهـ ذلك عما شرع فيه ،وقال بديهة( :أيها الناس رحمكم هللا إن الواجب ال
(?) الشاطبي :أحد علماء غرناطة ومجتهديها اشتهر بالفتوى والمناظرة ،وتخصص في 2
(?) الشريف التلمساني :العالم الحجة الناظر ،نشر العلم باألندلس والجزائر له فتاوى في 4
(?) المـــــــــوّاق :وهو محمد بن أحمد األنصاري ،يكنى بأبي عبد هللا ،معلم لكتاب هللا 6
خطيب بمسجد ربض الفخارين ،مستقيما في طريقته توفي سنة 750هـ ،له فتاوى في
المعيار.
(?) المعيار 210 /3ـ .211 7
(?) أحد شيوخ ابن جزي ،سبق التعريف به ضمن تحصيله العلمي. 9
ــ 141ـ
يبطله المندوب وإن األذان الذي بعد األول غير مشروع الوجوب فتأهبوا
لطلب العلم وانتبهوا)...ـ(.)1
هذه نماذج من النوازل التي طرحت على ابن جزي ومعاصريه تدور
معظمها في العبادات والمعامالتـ والعقائد وشؤون الناس في الحرب والسلم
واالستقرار والترحال واالختالط بأصحاب الملل والنحل والديانات األخرى
كنصارى األندلس.
ــ 142ـ
فقهاء النوازل المالكية في القرنين الثامن والتاسع الهجريين
ـ أجوبة أبي الحسن الصغير نموذجا ـ
د/الناجي لمين
دار الحديث الحسنية للدراسات اإلسالمية العليا
الرباط .المملكة المغربية
تمهيد
لقد كان من خصائص التأليف في المذهب المالكي بــالغرب اإلســالمي:
إفراد أجوبة العلمــاء على نــوازل الــوقت بكتبـ خاصــة ،مســتقلة عن مؤلفــات
الفقه العام.
وعرف القرنان الثامن والتاسع الهجريان نشاطاـ غــير مســبوق في هــذا
الفن من التأليف .ولــذلك وجــدنا ــ مثال ــ الفقيه النــوازلي أبا العبــاس أحمد بن
يحيى الونشريسي في كتابه "المعيــار المعــرب والجــامع المغــرب عن فتــاوي
أهل إفريقيةـ واألنــدلس والمغــرب" يعتمدـ كثــيرا على فتــاوى فقهــاء هــذين
القرنين.
لذلك أحببت أن أعرف بأعالم هذه المرحلة التاريخية ،وأبرز جهــودهم
في فقه النـــوازل ،وأفصل الحـــديث بعض التفصـــيل عن الشـــيخ أبي الحسن
الصغير باعتباره رائد هؤالء الفقهاء ومقــدمهم ،وعن أجويته الــتي من خاللها
أبــرز منهج أبي الحســين الصــغير االســتنباطيـ الــذي يمثل إلى حد بعيد منهج
النوازليين في عصره ،وبعد عصره .فأقول وباهلل التوفيق:
الفصل األول :التعريف بفقهاء الن وازل في الق رنين الث امن والتاس ع،
وإبراز جهودهم في فقه النوازل.
المبحث األول :فقهاء النوازل بالقرن الثامن ،وإبراز جهودهم في فقه
النوازل
1ـ أبو الحسن الص غير :علي بن محمد بن عبد الحق الــزرويلي (ت
719هـ) .له أجوبة قيدها عنه تالمذته.ـ وسيأتي الحديث عنها إن شاء هللا.
2ـ أبو عبدهللا ابن عبد الن ور :محمد بن محمد بن عبد النـور التونسي
(توفي بعد سنة 726هـ)(( ،اإلمام الفقيه المتفننـ في ســائر العلــوم))( .)1نص ابن
فرحــون في الــديباج على أن له في الفقه كتابا ((جمع فيه فتــاوى على طريقة
أحكام ابن سهل ،سماه الحاوي في الفتاوي))(.)2
3ـ بره ان ال دين الصفاقصي :إبــراهيم بن محمد بن إبــراهيم القيسي
الصفاقسي (ت743هـ).
(?) الديباج ص .419والكتاب وصلنا .ومنه نسخة موجودة باألزهر الشريف. 2
ــ 143ـ
ذكر ابن حجر في الــدرر الكامنة أنه ولد في حــدود ســنة ســبع وتســعين
وستمائة ،وأنه ((ســمع ببجايةـ من شــيخها ناصر الــدين ،ثم حج ،وأخذ عن أبي
حيـان بالقـاهرة ،وعن غـيره .ثم قــدم هو وأخـوه()1دمشق ســنة ثمــان وثالثين،ـ
فســـمعا كثــــيرا من زينب بنت الكمـــال ،وأبي بكر بن عنــــتر ،وأبي بكر بن
الرضى ،والمزي وغيرهم.) 2())...
وله بعض التـــآليفـ في النـــوازل؛ فقد نقل صـــاحب نيلـ االبتهـــاج عن
الخطيب ابن مـــرزوق الجد قولـــه(( :من شـــيوخي إبـــراهيم الصفاقصي نزيل
القــاهرة ،وأحد أئمتهــا..قــرأت عليه بعض تآليفهـ في نــوازل من الفــروع الــتي
سئل عنهــا،ـ منهــا:ـ "الــروض األريج في مســألة الصــهريج":ـ ســئل عن أرض
ابـــتيعتـ فوجد فيها صـــهريج مغطى:ـ هل يكـــون كواحد من األحجـــار أم ال؟
)
3
وأبدع فيهــا ،وخــالف كثــيرا من المالكيــة ،وعمل على مذهبه فيهــا ،والجــزء
(الذي ألفه في إسماع المؤذنين خلف اإلمام ،وغيرها.(4)))...
4ـ إب راهيم بن عبد هللا بن أبي زيد( )5ابن أبي الخ ير( )6اليزناسي.
ُوصف بالعلم والفقه والصالح .وهو أحد أعيان أصحاب أبي الحسن الصغير.
كان مفتي فاس .وله فتاوى نقلها الونشريسي في المعيار.
كـــان حيّـــا ً بعد األربعينـ وسبعمــــائة( .)7وله حفيد جليل القـــدر ،اســـمه
أبراهيم ـ أيضا ـ ابن محمد .سيأتي.
(?)كذا في طبعة «جــذوة االقتبــاس» ،وفي طبعة «نيل االبتهــاج» ألحمد بابا ــ وقد نقل 5
أبو موســى ،وفي بعضــها أبو ســالم ،وفي بعضــها أبو إســحاق ،وهو أشــبه بالصــواب.
وبعض هــذه المصــادر ســكتت عن الكنيــة ،كمـا هو الحــال عند ابن القاضي في «جــذوة
االقتباس» ،1/86رقم ،6 :وتبعه أحمد بابا في «نيل االبتهاج» .1/24
(?)ينظر :نيل االبتهاج 1/24؛ وشجرة النور.218 : 7
ــ 144ـ
5ـ أبو الضياء مص باح بن محمد بن عبد هللا اليلصــوتي(( )1ت750هــ)
(« ،)2الفقيه الصالح»(.)3
قــال أحمد باباـ التنبكــتي« :كــان ..حافظــا ً نوازليــاً .وهو أول من درّس
بمدرسة أبي الحسن المريـــني بفـــاس ،فنُســـبت إليه( ،)4وتفقه على أبي الحسن
الصغير ،وغيره»(.)5
وله فتاوى ،نقل الونشريسي بعضها في المعيار(.)6
6ـ أحمد بن عيسى البج ائي .له فتــاوى؛ قــال صــاحب نيل االبتهــاج:
((أحمد بن عيسى البجائي ،عالمتها وصالحها ،في طبقة ابن إدريس ،أخذ عنه
الوغليسي) ،(7وأبو القاسم المشدالي ،وأبو الحسن المانجالتيـ) ،(8وغيرهم .وله
فتاوى .ولم أقف على وفاته وال على والدته))).(9
7ـ أبو عبد هللا الرعي ني :محمد بن ســــعيد بن محمد بن عثمــــانـ
الرعيني ،األندلســي ،الفاسي مولــدا ووفــاة (ت778هـ) .من أعالم مدينةـ فــاس.
يعرف بالرعيني وبالسراج .تفقه على أبي الحسن الصغير ،وعبد الــرحمن بن
)10
عفان الجزولي ،وغيرهما من أهل المشرق والمغرب .له األسئلة واألجوبة
(.
8ـ أبو العب اس القب اب :أحمد بن قاسم بن عبد الرحمــان (ت779هـــ).
وصف بالحفظ والعلم والصــــــــــــالح .رحل وحج ،ولقي أهل العلم والفضل
والصالح وانتفع بهم .قال فيه أحمد باباـ التبكتي في نيلـ االبتهاج(( :تــولى الفتيا
(?)في أكثر المصادر والمراجع «اليالصوتي» ،وهو خطأ نحوا وتاريخا .وأبعد من ذلك 1
ما جــاء في بعض المصــادر والمراجع من تقــديم الصــاد على الالم «الياصــلوتي» .وفي
طبعة «جذوة االقتباس» ُكتبت الكلمة مــرة بتقــديم الالم ،ومــرة بتأخيرهــا ،مع إثبــات ألف
المد في الموضعين .وهناك بشمال المغرب أسرة تسمى« :األسرة اليلصــوتية» ،وينتسب
إليها جمع من العلمـاء ،منهم أبو الحسن الصغير.
(?)ينظر :وفيات الونشريسي ضمن كتــاب «ألف ســنة من الوفيــات» .119 :وينظر فيه 2
(?)قال ابن القاضي« :وإليه تنسب المدرسة المصــباحية» .ينظر «لقط الفرائــد» ضــمن 4
ــ 145ـ
بفــــاس ،وله فتــــاوى مشــــهورة مجموعة وقفت عليهــــا .وهو أول من نقل
الونشريسي عنه في المعيار)) .ونقل عنه البرزلي أيضا في نوازله).(1
9ـ أبو علي الونشريس ي :الحسن بن عطيةـ التجـــاني المكناسي (ت
781هـــ) .الفقيــه ،العــالم المفــتي،ـ القاضــي .وصف بالعــدل.ـ له فتــاوى ذكر
الونشريسي في المعيار جملة منها).(2
10ـ أبو سعيد ف رج بن قاسم بن لب الغرناطي(ت782هـ) .له "فتــاوى
مشهورة").(3
11ـ أبو زيد عبد ال رحمن بن أحمد الوغليسي البجــائي (ت786هـــ).
شيخ الجماعة ببجاية .له "فتاوى مشهورة").(4
12ـ أبو إس حاق الش اطبي :إبـــراهيم بن موسى بن محمد اللخمي
الغرناطي..ـ (ت790هـ) ،له فتاوى كثيرة ،أورد بعضا منها التنبكــتي في أثنــاء
ترجمتــــه.ـ وذكر بعضا منها الونشريسي في معيــــاره( .)5وجمعها في كتــــاب
الدكتور محمد أبو األجفان.~ ،
13ـ أبو علي الحسن بن عثمان بن عطية الونشريسي (ت بعد790هـ).
((الفقيه الفرضــي ،الفاضــل ،المفــتي ،المــدرس ،القاضي العــادل))( .)6ابن أخ
الحسن بن عطيةـ السالف الذكر .له فتــاوى ،نقل الونشريسي في معيــاره جملة
منها(.)7
14ـ أبو الحسن علي بن عثم ان الم انجالتي الــزواوي البجــائي .من
علمــاء بجاية وفقهائهاـ الجلــة .قــال أحمد بابــا:ـ ((وله فتــاوى نقل بعضــها في
المازونية والمعيار))(.)8
15ـ أبو إس حاق اليزناس ي :إبــراهيم بن محمد بن ابــراهيم بن عبد هللا
(ت794هـ) .حفيد أبــراهيم ابن أبي الخــير المتقــدم الــذكر .قــال أحمد بابــا:ـ ((له
فتاوى كثيرة ،ناظر فيها وحقق .ذكر جملة منها صاحب المعيار))(.)9
المبحث الثاني :فقهاء الن وازل ب القرن التاس ع ،وإب راز جه ودهم في فقه
النوازل
(?) نيل االبتهاج 1/100ـ ،102وشجرة النور ص.235 : 1
ــ 146ـ
1ـ أبو عبد هللا ابن عالق :محمد بن علي بن قاسم بن علي بن عالق
(ت806هـ)(( .األمي ،األندلسي الغرناطي حافظها وخطيبها ،وقاضي الجماعة
بهــا ..ســبط اإلمــام أبي القاسم ابن جــزي المفســر ..له فتــاوى نقل بعضــها في
المعيار))(.)1
2ـ أبو عبد هللا الحف ار :محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن ســـعد
األنصاري الغرنــاطيـ (ت811هـــ) .كــان إمــام غرناطةـ ومحــدثها ومفتيهــا.ـ له
فتاوي منقولة عند الونشريسي في المعيار(.)2
3ـ أبو القاسم التازغ دري :محمد بن عبد العزيز (ت832هــــ) .قـــال
السخاوي في الضوء الالمــع(( :التازغــدري نســبةـ لموضع من نــواحي طنجة،
المغربي( ،)3المالكي ،ممن أخذ عن عيسى بن عالل( .)4وله تعليقة على شــرح
المدونة ألبي الحسن الصــغير .مــات مقتــوال غــدرا بعد الثالثينـ .ولم يعــرف
قاتله .أفــاده لي بعض أصــحابنا( .)5وكــان مفــتي فــاس ،وحافظهــا ،وخطيب
جامعها األعظم .قال أحمد بابا التنبكـتي(( :أكـثر ابن غـازي من النقل عنه في
كتبه .وله فتاوى في المعيار))(.)6
4ـ أبو القاسم بن أحمد بن محمد البلوي القــيرواني الشــهير ب البرزلي
(ت841هـ)((( .)7نزيل تـــونس ،مفتيهـــا ،وفقيههـــا ،وحافظهـــا ..أحد األئمة في
المذهب ،صاحب الديوان المشهور في الفقه والنوازل ..أجـاد فيه ما شـاء))(.)8
أخذ عن جماعـــة ،منهم ابن عرفـــة :الزمه نحـــوا من أربعين ســـنة .قـــال فيه
الســـخاوي..(( :الـــبرزلي نزيل تـــونس ،وأحد أئمة المالكيةـ ببالد المغـــرب،
وصــاحب الفتــاوى المتداولة ..قــدم القــاهرة حاجا في ســنة ثمانمائةـ ..أخذ عنه
(?) وفي نقل التنبكتي..(( :طنجة المغرب)) .وهي صواب أيضا. 3
(?) يعني عيسى بن عالل المصمودي ،كما أفاده الشــيخ محمد مخلــوف في شــجرته ص 4
.252
(?) الضوء الالمع للسخاوي .11/140 5
(?) نيل االبتهــاج ،2/17وفي شــجرة النــور(( :تــوفي ســنة 841أو ســنة 843أو ،844 7
ــ 147ـ
غير واحد ممن لقيناه كأحمد بن يونس))( .)1والكتاب مطبوع متــداول بعنــوان:
"جامع مسائل األحكام لما نزل من القضايا بالمفتين والحكام"(.)2
()4
5ـ أبو حفص القلش اني( :)3عمر بن محمد بن عبد هللا البــــاجي
التونسي (ت848هــــ)(( .قاضي الجماعة بتـــونس ،الفقيـــه ..اإلمـــام ..المحقق
النظار ،الحافظ الحجة ..نقل عنه المازوني والونشريسي جملة من فتاويه))(.)5
6ـ أبو القاسم محمد بن محمد بن سراج الغرناطي (ت848هـــ) .مفــتي
غرناطة وقاضي الجماعة بهــا .كــان ((حامل راية الفقه والتحصــيل ،عالمــة،
بارعـــا ،جليال ،جامعا للفنـــون ،محصـــال ،قـــدوة ..له فتـــاوى كثـــيرة ،ذكر
(الونشريسي) جملة وافرة منها في المعيار))(.)6
7ـ أبو محمد عبد هللا بن محمد بن موسى بن معطي العبدوسي التلمساني
(ت 849هـ) .قال فيه السيوطي(( :كــان عالمـاً بارعـاً صــالحاً مشــهور ًا .ولي الفتيا
بفاس))( .)7وقال فيه السخاوي(( :كان واسع البـاع في الحفـظ .ولي الفتيا بـالمغرب
األقصــى ،واإلمامة بجــامع القــرويين (بفــاس)( .)8ووصــفه الشــيخ أحمد زروق
بالزهد والصالح ،والجود ،والنصح في الدين ،قــال(( :كــان أبو محمد العبدوسي
عالما صالحا ،مفتيا .حملت إليه وأنا رضيع .ولم أزل أتردد عليه في ذلك الســن،
لكون جدتي تقرأ عليه مع أختيه فاطمة وأم هـانئ ــ وكانتا فقيهـتين صـالحتين ــ.
وكان قطبا في السخاء ،إماما في نصح األمة ،أمات كثــيرا من البــدع بــالمغرب،
وأقام الحدود والحقوق .)9())..له فتاوى كثيرة ،نقل الونشريسي جملة منها(.)10
8ـ أبو عبد هللا ابن عق اب( :)11محمد بن محمد بن إبــراهيم بن عقــاب
التونسي(ت851هـ) ،قاضي الجماعة بتونس(( ،الفقيه العالم ،الحجة المحصــل،
(?) طبع بتحقيق األستاذ محمد الحبيب الهيلة ،طبعة دار الغرب اإلسالمي .1999 2
(?) ((القلشــاني :بكسر أوله أو فتحه وســكون ثانيه ثم معجمــة ..قرية من نــواحي تــونس 3
(?) بضم المهملة ،وتخفيف القاف ،وآخره موحدة .أفاده السخاوي في الضـوء الالمع 8/1 11
.55
ــ 148ـ
8ـ أبو عبد هللا ابن عق اب( :)1محمد بن محمد بن إبــراهيم بن عقــاب
التونسي(ت851هـ) ،قاضي الجماعة بتونس(( ،الفقيه العالم ،الحجة المحصــل،
المحقق ..النظار .)2("..ذكر محمد مخلوف أن "له أجوبة مفيدة))(.)3
9ـ أبو عبد هللا المش دالي( :)4محمد بن أبي القاسم بن محمد بن عبد
الصـــمد المشـــدالي ،البجـــائيـ(ت866هــــ) ،علم بجاية ((وفقيههـــا،ـ وإمامهـــا،
وخطيبهــا ،ومفتيهــا ،وصــالحها ،ومحققهــا ،الفقيــه..النظــار،ـ الــورع الزاهد
البركة .))..له فتاوى منقولة في المازونية والمعيار(.)5
10ـ أبو عبد هللا ابن األزرق :محمد بن علي بن محمد األصـــــبحي
الغرنـــاطي (ت895هــــ)( ،)6تـــولى قضـــاء الجماعة بغرناطةـ( .)7ثم انتقلـ من
غرناطة إلى تلمسان ،ثم إلى المشرق(( ،وتولى قاضي القضاة بــبيتـ المقــدس،
وبه توفي" ."..وله فتاوى بعضها منقول في المعيار))(.)8
11ـ أبو إسحاق إبراهيم بن فتوح العقيلي الغرناطيـ (ت867هـــ) .كــان
مفتي غرناطةـ ((وعالمها ،الفقيه ،العالم المتفنن ،النظــار ،المحقــق ،المتقن..ـ له
فتاوى نقل بعضها في المعيار))(.)9
12ـ أبو عبد هللا ابن العب اس :محمد بن العبــاس بن محمد بن عيسى
العبادي التلمسانيـ (ت871هـ)(( ،اإلمام ،العالمة ،المحقق ،المتفنن،ـ المحصل،
القدوة ،الحجة ،المفتي،ـ الصالح ،الحافظ ،المتقن ،البركة .))..له فتاوى كثــيرة،
مذكور بعضها في المازونية والمعيار(.)10
13ـ أبو عبد هللا الزلديوي :محمد بن محمد بن عيسى (ت874هـ) .قال
فيه الســخاوي(( :كــان عالمــا .ولي قضــاء األنكحــة .وانتفع به الفضــالء))(.)11
وذكر التنبكتيـ أن له ((فتاوى مذكورة في المازونية والمعيار))(.)12
(?) بضم المهملة ،وتخفيف القاف ،وآخره موحدة .أفاده السخاوي في الضـوء الالمع 8/1 1
.55
(?) نيل االبتهاج .2/206 2
(?) بفتح الميم ،والمعجمــة ،وتشــديد الــدال :نســبة لقبيلة من زواوة .أفــاده الســخاوي في 4
ــ 149ـ
14ـ أبو عبد هللا الجالب :محمد بن أحمد بن عيسى التلمســــانيـ (ت
875هـــ)(( ،الفقيــه،ـ العــالم..أحد شــيوخ الونشريســي..لهـ فتــاوى في المازونية
والمعيار.ـ ووصفه المازوني بصاحبنا الفقيه))(.)1
15ـ أبو سالم إبراهيم ((بن شيخ اإلســالم مفــتي األمة أبي الفضل قاسم بن
سعد بن محمد العقباني التلمساني (ت880هـ) .كان قاضي الجماعة بتلمسـان .نقل
عنه المازوني في نوازله .وأثنى عليه الونشريسي ،ونقل عنه في كتبه))(.)2
16ـ أبو زكرياء المازوني :يحيى بن أبي عمران موسى بن عيسى (ت
883هـ) .كان قاضي مازونة .وصفه التنبكتيـ في نيل االبتهاج باإلمــام العالمة
الفقيه ،ثم قال(( :أخذ عن األئمة :كابن مرزوق الحفيــد ،وقاسم العقبــاني ،وابن
زاغــو ،وغــيرهم .ونجب وبــرع ،وألف نوازله المشــهورة المفيــدة في فتــاوى
المتأخرين :أهل تونس ،وبجاية،ـ والجزائر ،وتلمسان ،وغيرهم ..ومنه اســتمد
الونشريسي مع نــوازل الــبرزلي فيما يظهر لي ،وأضــاف إليهما ما تيسر من
فتاوى أهل فاس ،واألندلس))(.)3
17ـ أبو عبد هللا القلشاني( :)4محمد بن عمر التونسي (ت890هـ) .كان
قاضي الجماعة بتــونس.ـ وذكر الســخاوي في الضــوء الالمع أن ذلك كــان في
سنة تسع وخمسين وثمانمائة..وأنه أقام في ذلك المنصب سبع عشــرة ســنة .ثم
جاء القاهرة(( ،وراج أمره فيها))( .)5ثم عاد إلى بلده لطلب قضاء الجماعة ،فلم
يتيسر له إال منصب القضاء بجامع الزيتونة.)6(..
وأفـــاد التنبكـــتي في نيلـ االبتهـــاج أن ((له فتـــاوى منقولة في المازونية
والمعيار))(.)7
18ـ أبو عبد هللا الرص اع( :)8محمد بن قاسم األنصــاري التلمســانيـ ثم
التونسي (ت894هـ) .صاحب شرح حدود ابن عرفة(.)9
(?) بفتح القاف ،وسكون الالم ،وجيم أو شين معجمة .أفـاده السـخاوي في الضــوء الالمع 4
.8/275
(?) أنوه هنا بأن السخاوي توسع بعض الشيء في ترجمته ،ولم يذكره بخير. 5
(?) بمهملتتين،ـ والتشديد:ـ صنعة ألحد آبائه .أفاده في الضوء الالمع. 8
ــ 150ـ
ذكر السخاوي أنه تولى ((قضــاء المحلــة ،ثم األنكحــة ،ثم الجماعة( )1ثم
صــــرف نفسه)) عن ذلــــك(( ،واقتصر على إمامة جــــامع الزيتونة وخطابته
متصديا لإلفتــاء وإلقـراء الفقه وأصــول الــدين والعربيةـ والمنطق وغيرها))...
(.)2
ووصفه محمد مخلوف بــ((الفقيــه ،اإلمــام ،النظــار ،العالمــة ،المحقــق،
الشــيخ الصــالح الفهامة)) ،وأنه "قصد بالفتــاوى" .وذكر أن بعض فتــاواه في
المازونية والمعيار(.)3
19ـ حسن بن علي الرجراجي الشوشاوي .ذكر التنبكــتيـ أن له نــوازل
في الفقه ،ثم قال(( :توفي أواخر التاسعة بتارودنت من سوس))(.)4
20ـ أبو العب اس أحمد بن محمد بن زك ري التلمســاني (ت899هـ)(.)5
كان عــالم تلمســان ،ومفتيهــا،ـ ((...اإلمــام األصــولي الفــروعي .))..وله فتــاوى
عديدة مذكورة في المعيار وغيره(.)6
21ـ أبو إس حاق السجلماسي :إبــراهيم بن هالل الفاللي السجلماسي
(ت903هـ)( .)7مفــتي سجلماسة ((وعالمهــا ،الفقيه العــالم الحافظ الصــالح ..له
فتــاوى مشــهورة ..وكــان آية في النظم والنــتر ونــوازل الفقــه .)8())..وله من
التآليف كتاب الدر النثير على أجوبة أبي الحسن الصغير"(.)9
الفصل الثاني :أبو الحسن الصغير وأجوبته
المبحث األول :التعريف بأبي الحسن الصغير وبـمكانته العلمية
المطلب األول :االسم والنسب
هو أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الحق الـــــزرويلي اليلصـــــوتي،
الشهير بـالصغير:
(?) شجرة النور ص 268 :ـ .269والكتاب حققه األســتاذ مبــارك رخيص .نــال به درجة 9
ينظر بحث لألســـتاذ عبد القـــادر العافية بعنـــوان« :العالمة األديب أبوالحسن مصـــباح
الزرويلي ( 1097ـ 1150هـ)» ،دعوة الحق ،العدد ،1السنة ،21ص.133 :
(?) مخطــوط بالمكتبة الوطنية بالربــاط ،له ثالث نســخ :األولى تحمل رقم ،596 :وهي 2
أجودهــا ،وتُعــرف بالنســخة الزيدانيــة،ـ والثانية لها رقم ،521 :والثالثة تحمل رقم .2637
ينظر المرجع السابق.
(?) وقيــل :ابن مــروان .ينظر «الحيــاة السياســية واالجتمـــاعية والفكرية بشفشــاون 3
العافيــة .ينظر كتــاب «الحيــاة السياســية واالجتماعية والفكرية بشفشــاون وأحوازهــا»،457 :
وبحث «العالمة األديب أبوالحسن مصـباح الـزرويلي» ،دعـوة الحـق ،العـدد ،1السـنة ،21
ص.134 :
وـيـنـظـرـ كـذـلـكـ «ـدـوـحـةـ الـنـاـشـرـ لـمحـاـسـنـ مـنـ كـاـنـ بــالـمـغـرـبـ مـنـ مـشـاـيـخـ اـلق ـرـنـ الـعـاـشـرـ»ـ:ـ
.6ـ
ــ 152ـ
لكن يجــوز نُطقُهاـ بــالتكبيرـ أيضــا ،ولــذلك قـال ابن القاضي في «جــذوة
االقتبــــاس»« :أبو الحسن الصــــغير :بفتح الصــــاد وضــــ ّمها مع كسر الغين
وفتحها»( .)1وقال محمد مخلوف بعد ذكره لقبه« :مكبَّراً ومص َّغراً»(.)2
أن إبــــراهيم ابن هالل والــــذي يــــدلّك على جــــواز نطقهـ بــــالتكبيرـ ّ
السجلمــــاسي (ت903هــــ) ســـ َّمى كتابه الـــذي شـــرح فيه أجوبة أبي الحسن
ص ِغير».الصغير« :الدرُّ النَّثِير على أجوبة أبي الحسن ال َّ
المطلب الثاني :المولد والنشأة العلمية
()3
إذا كان المترجمون ألبي الحسن الصغير قد اتفقوا على تــاريخ وفاته
ص ـوا على تــاريخ والدتــه ،شــأنه في ذلك شــأن كثــير من العلمـ ـاء فــإنهم لم يَنُ ّ
()4
أن منهم من ينصّ على أنه عــاش نحو مائةـ وعشــرين ســنة . المشــاهير .إالّ ّ
وهذا جائ ٌز عقالً وواق ٌع عادة.
أن الرجل ُع ِّمر طــويالً .يــدلُّك على ذلك أن شــيخه ك فيه ّ لكن الذي ال ش ّّ
أبا الفضل راشد بن أبي راشد الـــذي الزمه وتفقه عليه قد تـــوفي ســـنة خمس
وسبعينـ وستمـائة .وقد نقل ال َمقَّري في «أزهار الرياض» عن بعض العلمـ ـاء
ـ ولم يُـس ِّمه ـ ما نصه :كان الشيخ أبو الحسن «إمـام وقته في فقه المدونـة ،وهو
المستقلّ برياسـتها بعد شـيخه الفقيه راشـد ،ما َأخذ عنه حـتى ظهـرت على يديه
الكرامات الخارقة في شــفاء أصــحاب العلل المزمنة وغــير ذلــك ،ولم ينظر في
الفقه حتى أتقن علم الفــرائض وفنــون البالغــة ،وتلقى ذلك من أربابــه ،وارتحل
ال ،ثم اعتكف وانتقل إلى «تازا»( ) 5فالزم أهل اللسان وفرسان المعارف وقتاً طوي ً
على قراءة «التهذيب» ،والزم الفقيه راشد ًا ،واقتصر عليه .وكان الفقـيــه راشد ال
ض َره و َيعتـني بـه ،فلم ُتخطئ ين ِّفذ بمدينة فاس حُكمـاً وال جواباً في نازلة حتى يُحــ ِ
فراسته فيه .وكان ال يحجّر عليه في القراءة ،بل يقرأ من «التهذيب» من أيّ مكان
شاء.) 6(»..
أن الشيخ أبا الحسن لم يلتق بشــيخه فمن خالل هذا الكالم النفيس نتبـيّن ّ
راشـ ـد المتــوفى ســنة 675هـ ـ إال بعد أن بلغ درجـ ـة عاليةـ في العلم والعمــل،
سن الشـباب بسنوات(.)7 وذلك ال يـكون إال بعد ّ
(?) يـنـظـرـ:ـ ج ـذـوـةـ اـالـقـتـب ـاـسـ .2 / 472ـ لـكـنـهـ اـقـتـصـرـ فـيـ «ـدـرـةـ اـلـحـج ـاـلـ»ـ 3/ 243عـلـىـ 1
ضـبـطـهـ بـاـلـتـصـغـيـرـ.ـ
(?)ينظر :شجرة النور ص.215 : 2
(?)ال مناص من التنبيه على كالم ألحمد الونشريسي في «وفياته» ،ظاهره يـخالــف ما 7
قررنـاه ،يـقــول« :تق ّدم ــ~ (أي أبو الحسن الصـغير)ــ قاضـيا ً بتـازة على سن الفـتـوة
واألشـــياخ متـــوافرون ..ق ّدمه الســـلطان أبو يـعـقــــوب يـــــوسف ابن يعقـــوب ،فحُمـــدت
ــ 153ـ
ونـتبـيـّـــن كــذلك أنه بــدأ بتعلم علــوم اللغة العربيــة :نحــواً ،وصــرفاً،
وبالغةً ،وبتعلم علم المواريث.
وال شك أنه حفظ قبل ذلك كله القرآن الكــريم ،على عــادة المغاربةـ أنهم
يبــدأون حيــاتهم العلمية في الكتّــاب،ـ فيتعلّمــون القــراءة والكتابة ويحفظــون
القرآن.
والخلُقية
ُ الخ ْلقية
المطلب الثالث :صفاته َ
أما صــــفاته الخ َْلقية فيقــــول فيه أبو البركــــات ابن الحــــاج البلفيقي:
ض ـين،العار َ
ِ «حضــرت مجلس إقرائــه ،وكــان َربْعة( ،)1آ َد َم اللــون( ،)2حفيف
ي صنعة(.)4(»..)3 يلبس أحسن ز ّ
وقال ابن القاضي« :وكــان قصــيراً ،يلبس الثيــابـ الــبيض الحســنة ،آدم
اللون ،حفيف العارضين ،منخفض الصوت»(.)5
وأما عن صفاته ال ُخلُقية فيقول فيه أبو البركات ابن الحاج أيضا« :كـان
حسن اإلقراء ،وقورا فيــهَ ،سـكونا ً(ُ ( ،)6متَثـ ـبِّتاً)( ،)7صــابراً على هجــوم طلبة
البربر وسُوء طريقتهمـ في المناظرة والبحث»(.)8
ومن أخالقه أيضا أنه من العلمـــاء الــذين جمعــوا بين العلم والعمل(،)9
وكان عادالً في قضائه،ـ شديداً على الظّلَمة والمستهترينـ بأحكام الشريعة(.)10
المطلب الرابع :مكانته العلمية
سيرته« »..وفيات الونشريسي» ضمن كتـاب «ألف ســنة من الوفيـات» .103 :والمعلــوم
أن السلطان أبا يعقــوب تــولّى الحكم ســنة 685هـ ،وتــوفي ســنة 706هـــ .فليُنظر ما معــنى
سن الفتوة؟. قولهّ :
(?)ال َّر ْب َعة :الوسيط القامة .المعجم الوسيط ،مادة (ر ب ع). 1
(?)في طبعة «الديباج» البن فرحون« :صنفه» ،وهو الموافق للطبعة الحجرية لــ «ســلوة 3
األنفاس».
(?) «ـاـإلـحـاـطـةـ»ـ،ـ الـبـنـ اـلـخـطـيـبـ .4 / 186ـ نـقـلـهـ عـنـ كـتـاـبـ «ـاـلـمـؤـتـمـنـ عـلـىـ أـنـبـاـءـ أـبـنـاـءـ 4
اـلـزـمـنـ»ـ لـلـبـلـفـيـقـيـ.ـ
(?)ينظر :درة الحجال ()3/243؛ وجذوة االقتباس (.)2/472 5
(?)في :الــديباج (ص :)305 :ـ «وقــور ،فيه ُس ـكون» .وهو الموافق لما في طبعــة :درة 6
وسلوة األنفاس.
(?)اإلحاطة .4/186 8
(?)ينظر :تاريخ ابن خلدون ()7/318؛ واالستقصا ( 3/101ـ )103؛ وسلوة األنفاس (3/ 10
(?)ومن أقرانه من المدرسين في ذلك الوقت :أبو زيد عبد الرحمن بن عفان الجــزولي، 1
الـــذي كـــان يحضر مجلسه أكـــثر من ألف شـــخص ،معظمهم يحفظ المدونـــة ..وســـيأتي
الحديث عنه ضمن شيوخ أبي الحسن.
(?)في سلوة األنفاس« :لخمولهم». 2
(?)ينظــر :التعريف بــابن خلــدون( 31 :في ســياق ترجمته للحافظ الســطي ،أحد تالميذ 5
(?)ينظر «وفيات الونشريسي» ضمن كتاب «ألف سنة من الوفيات».103 : 9
ــ 155ـ
ويقول ابن فرحــون بعد ن ْقل ترجمة الشــيخ أبي الحسن من «اإلحاطــة»
ت من خطّ شيخنا اإلمــام العــالم أبي عبدهللا ابن مـ ـرزوق على ما نصهْ « :
ونقل ُ
()1
طرّة كتابـ اإلحاطة عند ذكر أبي الحسن الصغير ما نصّه :قصّر المصنف
في التعريف واإلعالم بالشـــيخ أبي الحســـن ،شـــيخ اإلســـالم ،وهو الـــذي ما
عاص َرهُ مثلُه،ـ بل وما تق َّدمه فيمـا قارب( )2من األمصار ،وهو الــذي جمع بين
العلم والعمل ،وبمقامه في التفقّه والتحصيل يضرب المثل.)3( »..
هــذا وقد نقلنا لك من «أزهــار الريــاض» أنه كــان متقنا علم الفــرائض
وفنون البالغة،ـ وأنه تلقى ذلك من أربابهـ(.)4
المبحث الثالث :مشيخته وتالميذه
المطلب األول :مشيختـه
لم يكن ألبي الحسن الصغير شيوخ كثـيرون ،فـالمترجمون له يــذكرون
له أربعة أو خمسة شــيوخ .وعلى قلّة شــيوخه فـ ّ
ـإن الــذي ع ـ ّول عليه والزمه
وتفقّه به ،وسار على َسنَنهـ في التدريس واإلفتاء :هو أبو الفضل راشد بن أبي
راشد الوليدي (ت675هـ).
ـهره أبا الحسن علي بن سليمــ ان القرطــبي (ت 730أن صـ َأضف إلى ذلك ّ
هـ) ،وأبا زيد عبد الرحمن ابن عفان الجزولي (ت741هـ) أخذ عنهمـا ْ
أخ َذ العالم
العارف ال أخذ المتعلم الجاهل؛ ألنهمـا أصغر منه بسنوات عديدة.
وفيمـا يلي تعريف موجز بهؤالء الشيوخ:
1ـ أبو الفضل راشد بن أبي راشد الوليدي،
اإلمام ،الفقيـه،ـ الحافـظ ،العـالم ،الفاضـل ،القـدوة ،شـيخ شـيوخ المدونة
بفـــــاس(« ،)5ال تأخـــــذه في هللا لومة الئم ،ولم يكن في وقته من هو أتبع منه
للحق»(.)6
أخذ عن أبي محمد صالح بن محمد الهسكوري ،وغيره(.)7
ــ 156ـ
قــال ابن القاضي في «جــذوة االقتبــاس» «وهو مؤلف كتــاب الحالل
والحرام ،له أجوبة( ،)1وطرر على المدونة»(.)2
أخذ عنه أبو زيد عبد الرحـمن بن عفان الـجزولي( ،)3وأبو الحسن علي
بن سليمـ ـان القرطــبي( ،)4وأخذ عنه أبـ ـو الحسن الصغـيـ ـر ،وكــان اعتمـ ـاده
عليه ،وبه انتفع( .)5وكان أبو الفضل يستشيره فيمـا يعــرض عليه من نــوازل،
ويَ ِرد عليه من أسئلة(.)6
توفي بمدينة فاس سنة خمس وسبعين وستمـائة (675هـ)(.)7
2ـ أبو إب راهيم إس حاق بن يح يى بن مطر الوري اغلي ،المعــروف
بــاألعرج ،اإلمــام ،الفقيــه ،العــالم ،الفاضــل ،فقيه فــاس ،أخذ عن أبي محمد
صالح الهسكوري وغيره.
كان آية في المدونة ،وله طُ َرر عليها.
توفي بفاس سنة ثالث وثمـانينـ وستمـائة (683هـ)(.)8
3ـ أبو الحسن علي بن سليمـان بن أحمد بن سليمـان األنص اري
القرطبي
قــال ابن القاضي في «جــذوة االقتبــاس»« :من أهل فــاس ،وهو صــهر
أبي الحسن الصغير .كان فقيها أستاذاً نحويا ً»(.)9
(?)ينظر :اإلحاطة 4/187؛ وشجرة النور الزكية ،215 :رقم.757 : 5
(?)ينظر :جذوة االقتباس 1/164؛ ونيل االبتهاج 1/159؛ وشجرة النور الزكية.202 : 8
(?)جذوة االقتباس .1/473وكان عالما بالقراءات أيضا .وقد عقد له الدكتور عبدالهادي 9
حميتو ترجمة حافلة في الجزء الثالث من كتابه «قراءة نافع عند المغاربة»« :أبو الحسن
علي ابن سليمـان ،زعيم المدرسة األصـولية في قـراءة نـافع ،ورائد «االتجـاه التـوفيقي»
في القراءة ،وشيخ الجمـاعة بفاس في المائة الثامنة» .ينظر منه 3/7ـ .94
ــ 157ـ
أخذ عنه أبو الحسن الصــغير( .)1وهو أصــغر منــه.ـ تــوفي ســنة ثالثين
وسبعمـائة (730هـ)(.)2
4ـ أبو عمران الجورائي(.)3
لم أقف له على ترجـمة(.)4
5ـ أبو زيد الجزولي :عبد الرحمن بن عفان ،الشيخ ،الفقيــه،ـ الحافــظ،
شيخ المدونة والرسالة(.)5
قــال ابن القاضــي« :كــان أعلم النــاس بمــذهب مالك ابن أنس ،وأصــل َح
الناس وأو َرعهم ،وكان يحضر مجلسه أكثر من ألف فقيــه ،معظمهم يســتظهر
المدونة ،إال عبد هللا الفشتالي فإنه كان يحفظ التفريع البن الجالب»(.)6
أخذ عن أبي الفضل راشد بن أبي راشد الوليـــــــدي ،وأبي عمـــــــران
الجورائي ،وأبي محمد عبد الصادق الصبان(.)7
وأخذ عنه أبو الحسن الصغير ،وغيره(.)8
كان السلطان أبو الحسن المريني يُجلُّه كثيراً.
و ُقيّدت عنه على «الرسالة» ثالثة تقاييد ،وك ُّلها مفيدة ،انتفع بها الناس(.) 9
كانتـ وفاته سنة إحدى وأربعينـ وسبعمـائة (741هـ)( .)10توفي عن مائة
وعشرين سنة ،كذا ذكر الشيخ زروق .وذكر غيره أنه توفي عن نحو تســعين
سنة .قال أحمد بابا« :وكأنه أشبه»(.)11
المطلب الثاني :تالمذتـه
(?)انظر «اإلحاطة» ،4/187وفيه «سليم» عوض «سليمـان»؛ و«سلوة األنفاس»3/1 : 1
(?)هكــذا ذ ِكر في طبعة «جــذوة االقتبــاس» عند ذكر ابن القاضي شــيوخ أبي الحسن 3
(?)جذوة االقتباس 2/401؛ ودرة الحجال ،3/79رقم1000 :؛ وشجرة النور الزكية ص: 8
.219
(?)جذوة االقتباس 2/401؛ وشجرة النور الزكية.219 : 9
ــ 158ـ
لقد تـــرك الشـــيخ أبو الحسن خلفا بلغـــوا درجة عالية في العلم والعمـــل،
أبرزهم:
1ـ أبو عبد هللا محمد بن الحس ين( )1بن محمد اليحصـــبي التلمســـاني.
يعــرف بــابن البــاروني( .)2دخل مدينة فــاس ،وأخذ عن أبي الحسن الصــغير،
وغيره ،كأبي زيد عبد الرحمن بن عفان الجزولي ..وكان من صدور الفقهاء(.)3
قال لسان الدين ابن الخطيب:ـ «قَ ـ ِدم عليناـ( )4من األنــدلس ،فأقــام إلى أن
مات(.)6(»..)5
وكانت وفاته سنة أربع وثالثينـ وسبعمـائة (734هـ)(.)7
2ـ أبو الحسن الطنجي :علي بن عبد الرحمن بن تميم اليفرني ،الفقيــه،
الفرضي ،األصولي ،الحافظ.
()8
أخذ عن أبي الحسن الصـــغير ،وغـــيره .وأخذ عنه الحافظ الســـطي ،
وغيره.
()9
جــاء في «نيل االبتهــاج»« :له تقييدـ على المدونة» .وفي «تبصــرة
نصـه« :وفي الطــرر على التهــذيبـ ألبي الحسن الطنجي عن أبي الحكام» ما ُّ
()10
الحسن الصغير قال عند قوله في التهذيب..ـ» .
()11
توفي سنة أربع وثالثين وسبعمـائة (734هـ) .
3ـ إب راهيم بن عبد هللا بن أبي زيد ابن أبي الخ ير .تقــدم في المبحث
األول من الفصل األول.
(?)كـذا في الطبعة المعتمــدة من «نيل االبتهـاج» 2/39؛ وطبعة «نفح الطيب» .7/160 1
بـابن البـارق» .ووصف في طبعة اإلحاطة 2/201بــ« :البَـرّوني» .ووافقتها طبعة «نفح
الطيب» .ونقل ذلك منها أحمد بابا التنبكتي في «النيل» .وما أثبته هو األشبه بالصواب.
(?)ينظر :نيل االبتهاج 2/39؛ وجذوة االقتباس ،1/296رقم.301 : 3
(?)في الطبعة المعتمدة من نفح الطيب« :عليها» ،والتصويب من «نيل االبتهاج». 4
(?)ينظر «وفيــات الونشريســي» ضــمن كتــاب «ألف ســنة من الوفيــات»108 :؛ و«نيل 11
(?)هذا الكتاب ال يعرف مصيره إلى حد اآلن حسب علمي .وكان ابن الخطيب ينقل منه 7
في «اإلحاطة».
(?)أي :الرّياسة .وانظر هامش «اإلحاطة» .1/373 8
ــ 160ـ
ل انتفاعه«الزم أبا الحسن الصغير ،وهو كان قارئ كتب الفقه عليه ،وجُ ـ ّ
في التفقه به» .وأخذ عن غـيره ،كـأبي الحسن بن سـليمان ،قـرأ عليه رسـالة ابن
أبي زيد القيرواني ،وأبي عبد هللا ابن رشيد السبتي ،قرأ عليه الشفا لعياض.)1(..
وهو الــــذي جمع أجوبة شــــيخه أبي الحسن الصــــغير في كتــــابـ(،)2
وشرحها الشيخ إبراهيم بن هالل السجلمـاسي المتوفى سنة ثالث وتسعمـائة (
903هـ) في كتابـ سمـاه «الدر النثير على أجوبة أبي الحسن الصغير»(.)3
توفي ابن أبي يحيى بفاس بعد عام ثمـانيةـ وأربعين وسبعمـائة(.)4
6ـ أبو عبد هللا الكرس وطي :محمد بن عبد الــرحمن بن ســعد التميمي
التسولي الكرسوطي.
من أهل فاس .نزيل مالقة .كان فقيهاً ،مح ّدثاً ،متكلّمـاً .أثــنى على حفظه
ابن الخطيب في «اإلحاطــة» ثنــا ًء عظيمــاً ..وذكر أنه أخذ الفقهوفقهه وفهمه ُ
عن أبي الحسن الصــغير ،وعبد الــرحمن بن عــفان الجـزولي ،وعبد المــؤمن
الجاناتي..ـ وأنه أخذ القــرآن على أبي الحسن القيجــاطيـ البلــوي ،وأبي الحسن
علي بن سليمـان ،وابن آجروم..
ثم قال ابن الخطيب محصيا تآليفه:ـ «منها «الغرر في تكميلـ الطــرر»،
طــرر أبي إبــراهيم األعــرج ،ثم «الــدرر في اختصــار الطــرر» المــذكور،
وتقييــدان على الرســالة :كبــير وصــغير ،ولَـ ـ َّخص «التهــذيب» البن بشــير،
وحذف أسانيد المصنفات الثالثة:ـ البخاري ،والترمذي ،ومسلم ،والتزم إســقاط
التكرار.)5(»..
مولده بفــاس عــام تســعينـ وستمــائة( .)6قــال محمد مخلــوف« :ولم أقف
على وفاته»(.)7
7ـ أبو عبد هللا الس طي :محمد بن سليمــان ،اإلمام ،الفقيـه،ـ الفرضـي،
حافظ المغرب ،وشيخ الفتوى ،وإمام مذهب مالك في زمانــه .من أكــبر تالميذ
(?)هــذا الكتــاب حققه ـ ـ كما ســبقت اإلشــارة إلى ذلك ـ ـ األســتاذ مبــارك رخيص ،لنيل 3
ــ 161ـ
ي الجــاه عند أبي الحسن المريــني،ـ يــُؤ ُّم به
أبي الحسن الصــغير .كــان « َحظ َّ
()1
ويخطب ،»..ويفتيه.ـ وكان هو ال ُمدرِّ س في حضرته .
قــال ابن خلــدون في التعريف به وبيــان قيمته في العلم« :وأما الســطي
ـواس ُمه محمد بن سليمـان()2ـ من قبيلة «ســطة» ،من بطــون «أوْ َربــة» بنــواحي
فاس .نزل أبُـوه سليمـان( )3مدينة فــاس .ونشأ محمد بهــا ،وأخذ العلم عن الشــيخ
أبي الحسن الصغير ـ إمام المالكية بالمغرب ،والطائر الذكر ،وقاضي الجمـاعة
بفاس ـ ،وتفـقَّــه عليه ،ـ وكان( )4أحـفـظ النــاس لمــذهب مالك وأفـقـهــهم فيه ــ.
وكـ ـان السلطـ ـان أبـ ـو الحسن( )5لديـنـ ـه وسـ ـراوته( )6وبعد شــأوه في الفضــل،
ف إلى تنويه مجلسه بالعلمـاء ،واختــار منهم جماعة لصــحابته ومجالســته، َيتش َّو ُ
()7
وكــان منهم هــذا اإلمــام محمد ابن سليمـ ـان ،و َق ـ ِدم علينا بتــونس في جملته ،
وشهدنا وفور فضائله ،وكان في الفقه (نَبيها)( ،)8ال يُجارى حفظا وفهْمـاً.»..
ثم قــــال ابن خلــــدون :وكــــان «أخي محمد ~ يقــــرأ عليه من كتــــابـ
«التبصـــرة» ألبي الحسن اللخمي( ،)9وهو يصـــحّحه عليه من إمالئه وحفظه
في مجالس عديدة.)10(»..
ّصــاع« :وناهيك من جاللته أنه لما وقال أحمد باباـ التنبكتي نقال عن الر ّ
ْأ ()11
وصل تونس طلب منه ابن عرفة قــراءة الحوفية ،فقــال :بلغــنيـ أنك قر تَ ـهُ
على ابن عبد الســالم ،فقــال لــه :نعم ،ولكن وقف عليه منه مواضــع .قــال ابن
(?)ينظر :نيل االبتهاج 2/63؛ وجذوة االقتباس .1/228 1
(?)الســراوة :الشــرف والســخاء مع مــروءة .وفي طبعة نيل االبتهــاج« :ســرارته»، 6
الح َسـب:
والمعــنى قــريب .يقــال :ســرارة األرض :أفضل مواضــعها وأكرمهــا .وســرارة َ
أوسطه وأفضله.
انظر «مختار الصحاح» ،مــادة (س ر ا)؛ والمعجم الوســيط مــادة (س ر ا) ،ومــادة (س ر
ر).
(?)كذا في النسخة المعتمدة من كتاب «التعريف بــان خلــدون» بــالجيم ،ولعل الصــواب 7
«حملته» بالحـــاء المهملـــة ،أي في حملة أبي الحسن المريـــني على تـــونس .وفي نيل
االبتهاج« :فقدم السطي معه (أي مع السلطان) تونس».
(?)في الطبعة المعتمدة من «التعريف بابن خلدون»« :من بينها» ،والتصويب من طبعة 8
«نيل االبتهاج».
(?)كتاب «التبصــرة» ألبي الحسن اللخمي ،ديــوان كبــير في الفقــه .والرابطة المحمدية 9
ــ 162ـ
عرفة :قال لي :ليس لي وقت إال ساعة خروجي من عند السلطان .قال :فكنت
أنتظرُه قرب الزوال حتى يخرج من عند الســلطان .فــإذا خــرج قـ ُ
ـرأت عليــه،ـ
حــــتى إذا وصــــلنا إلى تلك المواضع الــــتي توقف فيها ابن عبد الســــالم من
المناسخات واإلقرارات فقررها لي أت ّم ما كان وأحسنه»(.)1
ثم قــال أحمد بابــا« :ومن تآليفــه :تعليقـ صــغير على المدونــة ،وشــرح
جليل على الحوفية ،وتعليق على ابن شاس( )2فيمـا خالف فيه المــذهب .ذكــره
تلميذه ابن عرفة عنه»(.)3
لقد أقام السطي بتونس نحو العامين .ثم لما رجع بحراً غرق في ســواحل
بجاية مع َمن غـــرق من العلمــــاء والفضـــالء بأســـطول الســـلطان أبي الحسن
المريني .وكان ذلك سنة خمسين وسبعمـائة (750هـ)(.)4
8ـ عبد العـزيز بن مـحمد الفاسي القـــروي(()5أو القيــــرواني) أبو
محمد( ،)6الفاسي (ت750هـ)(« .)7الشـــيخ ،الصـــالح ،كبـــير طلبة الشـــيخ أبي
الحسن الصغير»(.)8
قـــال أحمد باباـ التنبكـــتي« :قـــال اإلمـــام ال َمقَّري :هو أكـــبر تالميذ أبي
الحسن علمـا ودينا.ـ وكذا قــال اإلمــام ابن مــرزوق الحفيد( ،)9وزاد :إن تقييــده
عنه على المدونة أحسن تقاييده» .وقال ابن الخطيب القسـنطيني:ـ «وهو الـذي
(?)وهو كتــاب في المــواريث .وقد قــرأه الســطي على أبي الحسن الطنجي ،ختمه عليه 11
(?)يعــني كتــاب «عقد الجــواهر الثمينةـ في مــذهب عــالم المدينــة»،ـ مطبــوع بتحقيقين: 2
(?)التعريف بابن خلدون32 :؛ ونيل االبتهاج 2/63؛ وشجرة النــور ،221 :رقم.785 : 4
أيضا «لقط الفرائد» البن القاضي ضمن كتاب «ألف سنة من الوفيات»203 :؛ و«جـذوة
االقتباس» البن القاضي كذلك .2/451
(?)وفيات الونشريسي ضمن كتاب «ألف سنة من الوفيات».119 : 8
(?)عالم كبير من تلمسان ،وج ُّده كذلك من كبار العلمـاء .وقد كان آية في الحفــظ .تــوفي 9
(?)البلفيقي :نســـبة إلى بلفيـــق( ،)Belfiqوهي بلـــدة من بالد والية ألمريـــة .ينظر 2
(?)في هــذا الوصف إشـارة إلى أنه كــان له اطالع على الفنــون المعقوليــة .وهو كــذلك. 7
ــ 164ـ
ومن تآليفه:ـ «المؤتمن على أنباء أبناء الزمن» .واعتمد عليه تلميذه ابن
الخطيب كثيرا في «اإلحاطة».
أما أخــذه عن أبي الحسن الصــغير فقد ذكر ذلك في كتابه «المــؤتمن»
حضرت مجلس إقرائه..ـ»( .)1توفي سنة إحدى وســبعين
ُ في ترجمته،ـ قال..« :
ً()2
وسبعمـائة (771هـ) عن نحو تسعين سنة تـخمينا .
11ـ أبو عبد هللا الرعي ني :محمد بن ســــعيد بن محمــــد ،األندلسي
األصل ،الفاسي المولد والقرارُ .عرف بالرعينيـ وبالسراج .تقــدم في المبحث
األول من الفصل األول.
12ـ محمد بن محمد بن غالب
قــال فيه أحمد بابا التنبكــتي« :أحد أصــحاب أبي الحسن الصــغير .نقل
عنه في المعيار .ولم أقف على ترجمته»(.)3
13ـ اليحمدي
الظــاهر من كالم ابن الخطيب القســنطينيـ في التعريف بعبد العزيز بن
()5
محمد القروي( )4أنه من طلبة أبي الحسن الصــغير .قــال« :وهو الــذي جمع
تقييد المدونة على الفقيه أبي الحسن الصغير ،وهو اآلن مـحبــس بفـاس بخـطّ
يده .وأ ّما التقييدـ الكبير ف َج َمعه رجل من صدور الطلبة ،يقال له اليَحمدي»(.)6
14ـ السلطان أبو سعيد عثمـان بن يعقوب بن عبد الحق المريني
نص الناصري في كتابهـ «االستقصا» على أنه كان يحضر مجلس أبي
الحسن الصــغير قبل تولِّيه حُكم المغــرب( .)7والمعلــوم أن الســلطان أبا ســعيد
«بُويع له بالخالفة ليلة األربعاء منسلخ جمادى األخيرة سنة عشر وسبعمـــائة
بقصـــبة ربـــاط تـــازة ،ول ّما تمت له البيعة فـــرّق األمـــوال على قبائل مـــرين
والعـــرب واألجنـــاد ،ووصل الفقهـــاء والصـــلحاء واألشـــراف .وفي العشر
األواخر من شهر رجب خرج ..إلى مدينةـ فــاس ف ـ َدخَلها ،وقَ ـ ِدمت عليه وفــود
البالد ،فأقــام بمدينة فــاس وعيّد بها عيد الفطــر .وفي شــهر ذي القعــدة خــرج
ــ 165ـ
لرباط الفتح برسم التفقد ألمر رعيّته،ـ وإنشاء السفن لغ َْزو العــد ّو ،فعيّد به عيد
األضحى ،ورجع إلى مدينةـ فاس»(.)1
كان من أهل العلم والحلم ،وكان عصْ ره كان من أحسن عصور تــاريخ
المغرب ،وقد ((بنى مدارس عدة بمدينةـ فاس ،كمدرسة العطارينـ))(.)2
وكانت وفاته سنة إحدى وثالثينـ وسبعمائةـ (731هـ).
المبحث الث الث :آث ار أبي الحسن الص غير ،ووظائف ه ،ومنهجه في
أجوبته
المطلب األول :آثاره
اآلثار العلمية الــتي خلفها أبو الحسن الصــغير لم يؤلف أيا منها بنفســه،
إنما قيدها عنه تالميذه الذين الزموه وتفقهوا عليه.
وهذه اآلثار هي:
ـ تقييدان على المدونة
أحدهما كبير ،قيده أحد طلبة العلم ،يقال له اليحمــدي .وآخر صــغير ،وهو
الذي قيده عن أبي الحسن تلميذه الفقيه عبد العزيز القروي .وهو أحسن تقاييده.
وأفاد فؤاد سزكين أن بعض القطع وصلتنا من هذا الكتابـ(.)3
ـ التقييد على تهذيب البراذعي
قيده عنه طلبته ،أبرزهم ابن أبي يحيى،ـ فقد كتب عنه تقييدا نبيال .وهذا
الكتاب حققه مجموعة من الباحثين بالجامعة اإلسالمية بالمدينة المنورة(.)4
ـ التقييد على الرسالة
ذكر المترجمون ألبي الحسن الصغير أن تالمذته قيدوا عنه تقاييد على
الرسالة .ولكن ال ندري ما مصير هذه التقاييد.ـ
ـ األجوبة
(?)جذوة االقتباس 2/456؛ وينظر كذلك «روضة النسرين في دولة بني مرين» 23 :ـ 1
.24
(?) جذوة االقتباس .2/457وينظر االستقصا .3/111 2
(?) ينظر تاريخ الــتراث العــربي 2/140ــ .141ومع هــذا النقل عن فــؤاد ســزكين فــإني 3
أسجل تحفظي على ما نقلت؛ ألن بعض المفهرسين يخلطون بين تقييد تهــذيب الــبراذعي
وتقييدـ المدونة.
(?) بعضــهم نــال به درجة دكتــوراه ،وبعضــهم نــال به درجة الماجســتير .وينظر موقع 4
مكتبة الملك فهد اإللكتروني ،وموقع ملتقى أهل الحديث اإللكــتروني .ووقفت على قطعة
منه (من بداية الســلم األول إلى نهاية بيع الخيــار) ،من تحقيق البــاحث طــارق محفــوظ
محمد الصحاري .نال به درجة دكتوراه من جامعة سـيدي محمد بن عبد هللا ،كلية اآلداب
والعلوم اإلنسانية بفاس سايس ـ المغرب.
ــ 166ـ
جمعها في كتــاب أبو ســالم ابــراهيم بن عبد الــرحمن التســولي التــازي
المعروف بابنـ أبي يحيى (ت749هـ).
ولقد وصلتنا هذه األجوبة .وقد أخبرت أن أحد الباحثين بصدد إخراجها
محققـــة .واطلعت عليها بشـــرح إبـــراهيم بن هالل السجلماسي (ت903هــــ)
وترتيبه على التبويب المتعــارف في مؤلفــات الفقــه .وهو المعــروف بـــ"الــدر
النثير على أجوبة أبي الحسن الصغير"( .)1وهو معتمد عند المالكية .والحديث
عن هذه األجوبة في المطلب التالي.
المطلب الثاني :وظائفه ،ومنهجه في أجوبته
لقد تقلد الشيخ أبو الحسن وظائف جليلة ،أوالها وظيفة التدريس وإقراء
المدونة والتهذيبـ والرسالة .وهي الوظيفةـ األصل ،وفيها أمضى قسطا ً كبــيراً
من عمره.
وتــولى كــذلك منصب القضــاء .وكــانت أ ّول مدينةـ تقلّد فيها أبو الحسن
منصب القضاء هي «تازة» الواقعة شرق مدينةـ فاس :ق ّدمه السلطان المريني
أبو يعقوب يوسف ابن يعقوب .قال الونشريسي« :فحُمدَت سيرتُه»(.)2
ثم ُولّي قضــاء فــاس .قــال أبو البركــات ابن الحــاج البلفيقي« :ق َّدمه أبو
الربيع سلطان المغرب»(.)3
وتذكر بعض المصادر التّاريخية أنّه كان «قاضي الجماعة بفاس»(.)4
وولي كــذلك وظيفة الســفارة .ذكر ذلك غــير واحد م ّمن تــرجم لــه ،ففي
اإلحاطة:ـ «ودخل( )5غرناطة ل ّما وصل رســوالً على عهد مستقضــيه رحمهما
هللا»( .)6وقــال ابن القاضي في «درة الحجــال»« :وراح ســفيراً إلى األنــدلس،
استُعمل في السفارة عن أمر مستقضيه»(.)7
(?) حققه األسـتاذ مبـارك رخيص .نـال به درجة دكتـوراه من كلية الشـريعة ،آيت ملـول 1
(?)ينظــر :التعريف بــابن خلــدون( 31 :ترجمة الحافظ الســطي) .وقاضي الجماعة هو 4
الذي يتولى القضاء في جميع األحكام .قال الصاوي« :فإن كـان (أي القاضـي) ُمـولّى في
شــيء خــاص كاألنكحة اش ـتُرط علمه بها فقــط ،وهكــذا»« .حاشــية الصــاوي» بهــامش
«الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب اإلمام مالك» ،للدردير .4/188
(?)أي أبو الحسن. 5
ــ 167ـ
وما يعنيناـ هنا هي وظيفة اإلفتــاء .والّــذي يظهر م ّما كتبهـ الــدكتور عبد
أن وظيفة اإلفتاء كانتـ منصبا ً ساميا ً في دولة بــني الهادي التازي عن المفتي ّ
خصـص له توضـع تحت تصـرّف المفــتي،ـ وتُ َّ َ مرين :تُر َ
صد له ميزانيةـ كبيرة
بناية ..يمـارس فيها مها َّمه ،ويستقبل فيها المستفتينـ والمستشيرين من الرجال
والنســاء .وجُعل للنســاء مــدخل خــاص بهن .وتلحق بهــذه البناية مكتبة تض ـ ّم
المصادر والمراجع التي يَحتاج إليها المفتي(.)1
ومصدرنا في الحــديث عن هــذه الوظيفةـ بالنســبة ألبي الحسن الصــغير
هو تلميذه أبو البركات ابن الحاج البلفيقي،ـ قال« :وكان( )2أحد األقطاب الــذين
َـرد عليه السـؤاالت من جميع بالد المغـرب، تدور عليهم الفتوى أيام حياتـه ،ت ِ
()3
فيُحسن التوقيع على ذلك ،على طريقة االختصار وترك فضول القول» .
أن أبا الحسن لم يكن هو المفـــــتي الوحيدفمن خالل هـــــذا النصّ نعلم ّ
وأن هناك مفتين آخــرين .لكن أبا الحسن تميّز عنهم باإلجابةـ على قــدر بالبلدّ ،
السؤال واجتناب ما ال تعلّق له بالنّازلة مح ّل الفتوى.
وفي تاريخ ابن خلــدون ما يفيد أنه كــان رئيس المفــتين ،حيث حالّه بـــ:
«شيخ الفتيا،ـ المذكور بها»(.)4
و َمن تأ َّمل أجوبة أبي الحسن الصــغير وجد ما قاله البلفيقي من أنّه كــان
يحسن التوقيع على األجوبة «على طريقة االختصار ،وترك فضــول القــول»
واضحاً .وأكتفي هنا بإيراد مثالين:ـ
َّب( )5على رجل زوجتَه حتى طلَّقها. المثال األ ّول« :وسُئل عن رجل َخب َ
َّ
فلمـا ت ّمت العــدة خطبها المتهم بتخبيبهــا .فهل يُمكن من نكاحها إن ثبت بالبيّنة
أو بالسمـاع الفاشي؟.
()6
فقال :يمنعـ وال يُم َّكن منها» .
المثال الثاني« :وسُئل عن صــب ّي تَ َرك ْتهـ أ ّمـ هُ ،فــاختلفت عليه المراضع
حتى مات؟
()7
فقال :ال تُطلَب األ ّم به» .
ــ 168ـ
بل أحيانا ً ال يوفي السؤا َل حقَّه من الجــواب ،وفي أحيــان أخــرى يــترك
شطراً من السّؤال ال يُجيب عنه.ـ ومن أمثلة ذلك:
المث ال األ ّول« :وســئل ~ عن وصي ز ّوج محجورته من نفســه ،وهي
في حال مرض .وبعد عقده عليها بعشرة أيام ونحوها ماتتـ من ذلك المــرض
قبل البناء بها .فهل يصح النكاح ويرثها أم ال؟
أن المــرض الــذي فأجــاب ~ :أكــرمكم هللا .زاد لي الســائل من لفظــهّ :
تــوفيت منه هو المعــروف بال َّشوْ صة( ،)1وهو على ما ال يخفى من األمــراض
ال َم ُخوفــة .فــإذا تــوفيت بعد النكــاح المــذكور بعشــرة أيــام فالنكــاح فاســد؛ ألن
المــرض المــذكور إن كــان من األمــراض المتطاولــة،ـ فــالمرض المخــوف
المتطــاول:ـ ما عقد في آخــره كمــا ُعقد في المــرض المخــوف المشــرف على
الهالك على المنصوص .فيكون النكاح في مسألتكم فاســداً حسبمــا تقــدم .وإذا
كان فاسداً فال يرث الزوج المذكور الزوجة المذكورة .والسالم»(.)2
السـؤال حقّه من الجــواب لعــدم بيــانـ حكم فــأنت تَــرى هنا أنّه لم يــوف ّ
تزويج الوصي محجورته من نفسه .ولذلك قــال إبــراهيم بن هالل السجلماسي
في «الدر النثير» في هذا التزويج« :قال مالك في كتابـ ابن المواز :ال أحبــه.
قال في «الواضحة»( :)3وال من ابنه ..فــإن وقع نظر فيه الســلطان ،فــإن كــان
صوابا ً مضى ،وإال فسخ .ابن المــواز :إال أن يُت َّم لها ما يشــبهُها ،أو يــنز َل بها
بعد النكــاح ضــرر في بــدن أو مــال ،ويصــير الفسخ غــير نَظَــر ،فيمضي
استحسانا .ابن حبيب :فإذا فات بالبناء قُضي لها بتمـام صداق مثلها في قدرها
ومالها.)4(»..
المثال الثاني« :وسُئل ~ عن الجمع بين المغــرب والعشــاء ليلة المطر
()6
ألهل العمود( ،)5هل يرخص لهم في ذلك؟ وإذا كــان إمــام راتب في الـ َّد َّوار
وصلَّى بجمـاعة ،وصلَّت جماعة خارجه ،هل تص ّح صالة الفريقين أم ال؟
فأجــاب :إذا كــان ألهل ال ـ ّد ّوار موضع يجتمعــون فيه للصــلوات فلَهُــ ـم
الجمع ليلة المطــر ،لوجــود العلة المبيحة للجمع وتعجيل الصــالة اآلخــرة قبل
(?)قـال الجـوهري :ال َّشوْ صة ريح تعتــقب في األضـالع .وقـال جـالينوس :هو ورم في 1
حجاب األضالع من داخل .انـظــر :الدر النثير 1/98؛ والصَّحاح ،مادة( :ش وص).
(?)الدر النثير ( 1/97المسألة .)31 2
(?)هم أهل األخبية والخيام .ينظر «الدر النثير» مع هامشه .1/14 5
(?)ال ّدوّار عبارة عن مخيم لألعراب ال ّرحّل يقـام على شــكل دائــري تتواجه فيه الخيـام. 6
وهو يقابل القرية أو الدشر .ينظر :الدر النثير ،مع هامشه .1/14
ــ 169ـ
ألن المطلوب من الصالة إيقاعهاـ في جماعة .والمطر وما وقتها في مسألتكم؛ـ ّ
في معنـــــاه من الطين والظلمة يمنعهاـ من صـــــالتها في جماعة في الموضع
المعتاد إال مع الحرج ،وهو مرفوع ،فكان لهم الجمع حسبمـا تقدم»(.)1
قال ابن هالل السجلمـاسي« :ولم يُجب الشيخ ~ ع ّمـا في الســؤال «إذا
كــان إمــام راتب في ال ـ ّد ّوار وصــلى بجمــاعة ،وص ـلَّت جماعة خارجــه ،هل
تصح صالة الفريقين أم ال.)2(»..
لكنه أحيانا يَذ ُكر فرعا ً مرتبطاًـ بتمـام السّؤال ،وإن لم يُذ َكر في السؤال.
مثــال ذلك قــول ابن أبي يحــيى جــامع أجوبتــه« :وســئل ~ عن من زنى
بامرأة ثم عقد النكاح عليها ،ثم استبرأها بحيضة ،ثم دخل بها ،فهل يفسخ أم ال؟
ألن العقد وقع م ـ ّدة االســتبراء .واســتبراؤه بحيضة ال فأجــاب :يفســخ؛ ّ
ّ
يُجـــــزئ؛ ألنه في الحرائر بثالث ِحيَض ،فقد دخل بها في مـــدة االســـتبراء
أيضاً .وهل تَحرُم عليه بذلك؟ أربعة أقوال :تحرم ،ال تحــرم ،تحــرم إن كــانتـ
حـــــامال ال حـــــائال( .)3ابن رشـــــد :العكس أصـــــوب .ذكرها ابن رشد في
"المقدمات"».
) (
فـــإن تحقّق من مائه الفاسد
ْ 4
ثم قـــال أبو الحسن« :وأما لُحـــوق النسب
وإن تحقّق أنه من هذا الماء اآلخر بعد الحيضة الذي قبل حيضة فال يلحق بهْ ،
لحق بـــه؛ ألنه شـــبهة ،وإن أشـــكل األمر وال يعـــرف :هل من األول أو من
اآلخر؟ لحق به ،ألجل هذا الفراش األخير»(.)5
وفي أحيــان أخــرى يطيل النفس في الجــواب ويكــثر من األدلة( .)6لكن
ذلك قليل بالنظرـ إلى مجموع األجوبة.
وعلمنا في أكثر من جواب أنه كتب بخطه.ـ وهذا ظاهر م ّما هو مكتوب
في المسألة الخامسة والثالثين من «الدر النثير»..« :فأجاب بمـــا نصه وكتب
من خطه.)7(»..
وفي مسألة أخرى ذيّل أبو الحسن جوابه بهذه العبارة« :وكتب علي بن
محمد بن عبد الحق»(.)8
(?)الدر النثير ( 1/14المسألة .)3 1
(?)السابق. 2
(?)هذا هو الشطر الذي لم يذكر في السـؤال ،وأجـاب عنه الرتباطه بـه ،ال أ ّنه فضـول من 4
القول.
(?)الدر النثير ( 1/104المسألة .)33 5
ــ 170ـ
وفي أ ّولها يقول ابن أبي يحيى جامع أجوبته« :فأجاب بخطه.)1(»..
ومما يُنتَقدـ عليه في فتـــاواه أنه أحيانـــا ً يُخطئ في نســـبة األقـــوال إلى
أصحابها( .)2وأحياناـ يعزو قوالً ألحد علمــاء المالكيــة،ـ ويعقب عليه ابن هالل
السجلمـاسي بقولــه« :ال أعرفه» .فقد يكــون التّقصــير من ابن هالل في أنّه لم
ق.يستقص المصادر ،وقد يكون ما نفاه هو الح ّ
صا ً» ،أي في المذهب. وأحيانا ً يقول أبو الحسن في سؤال« :لم أ َر فيه ن ّ
والنصّ موجود(.)3
ـر ُد على أبي ونســتفيد كــذلك من خالل نص البلفيقي ّ
أن األســئلة الــتي تَـ ِ
وأن الســائل قد يكــون من الحسن كــانتـ تأتيه من أنحــاء مختلفة من المغــربّ ،
عا ّمة الناس ،وقد يكون من أحد الفقهاء أو األمراء(.)4
َت من «تــازة»(،)5 أن بعض هــذه األســئلة أت ْ فقد علمنا من خالل أجوبته ّ
وبعضها من «سال»( ،)6وبعضــها من «سجلمـ ـاسة» ،وبعضــها من «قصر
()7
(?)ينظر مثال :الدر النثير ( 1/105المسألة .)33وستأتي ضمن النمـاذج التي ســنوردها 2
ــ 171ـ
محبكم فالن ،يرغب من فضول أذيالكم ،تشفيه بجوابكم على مســألة ،وهي»..
وذكر نصّ المسألة(.)1
وأحيانا تجد في نصّ الســـؤال أو الجـــواب ألفاظـــا ً دارجة على ألســـنة
أن ّ
فن النــاس أو على ألســنة الحــرفيّين ،وهي ليست عربيــة ،مما يــد ّل على ّ
النوازل ـ ومنها النوازل التي أجــاب عليها أبو الحسن ــ مرتبــطٌ بحيــاة النــاس
واهتمـامهم في معادهم ومعاشهم.
أ ّما منهجه في االســتنباط في نوازله فــإنني أود أن أنــوه في البداية على
أن حديثي عنه يمثل إلى حد كبير حديثي عن فقهاء النــوازل في عصــره وبعد
عصره ،فهو رائدهم ومقدمهم..
أهم مــــــيزة في منهجه هي القيــــــاس على النظــــــائر المتفق عليها أو
المشهورة في المذهب ،والتخريج عليها.ـ وكذلك رأيناه يخرج على أقوال أئمة
المـذهب من المتقـدمينـ والمتـأخرين.ـ وكثـيرا ما يكــون التخـريج على مسـائلـ
المدونة.
وتمتاز فتاواه أيضا بالتعليل والتدليل،ـ وبيان علل األحكام أحيانــا ،وذكر
األشباه والنظائر،ـ وبيان الفروق بين المسائل التي تبدو متشابهة.
إال أن استدالله بالقرآن والحديث وآثــار الصــحابة والتــابعين قليل جــدا،
شأنه في ذلك شأن الفقهاء العاكفينـ على فــروع المــذهب والمقيمين عليــه.ـ وال
يبالي عند ما يريد االستدالل بالحديث أن يكون صحيحا أو ضعيفا.
أما اســتثماره للقواعد األصــولية فقليل جــدا .على الــرغم من أن بعض
المصادر التاريخيةـ تــذكر أنه كــان في مجلس الــدرس يــذكر شــيئا من القواعد
األصولية كمـا هي ُمسطّرة في «البرهان» للجويــني ،والمستصــفى للغــزالي،
وغيرهما ،فقد ذكر تلميـذه البلفيقي أنه كـان ((يطـرز بـذلك مجالسـه ،مغربا به
بين أقرانه من المدرســـــين في ذلك الـــــوقت ،لخلـــــوهم من تلك الطريقة في
الجملة))(.)2
أن هذا النوع من القواعد كــان المالكيةـ في الغــرب اإلســالمي والمعلوم ّ
ال يهتمون به كثيرا في معالجة الفروع ،عــدا طائفةـ تــأثّرتـ بالمشــارقة،ـ كــابن
رشد الجد ،والمازري ،وابن العربي ..إنمـا كــان اهتمــامهم في التأصــيل ينحو
منحى التعليلـ داخل المذهب ،وذكر األشباه والنظــائر،ـ ومالحظة الفــروق بين
المسائل.
ــ 172ـ
وكثيرا ما كان يعتمد على العــرف ،سـواء كــان عرفا في التخــاطب ،أو
في غيره من تصرفات الناس وحوادثهم .ورأيتهـ مرة يقول..(( :العــرف عنــدناـ
كالشرط" ،ويقول ..:العرف على مذهبناـ كالشرط))(.)1
كــذلك وجــدناه كثــيرا ما يبــنيـ فتــاواه على القواعد والضــوابط الفقهية
المقررة في المذهب ،ويفتي بما جرت به الفتوى ،وبما استقر عليه القضاء.
المطلب الثالث :نماذج من فتاواه
سئل ~ عن الصباغين يصبغون بالورشلة وهي من البول تصلح لون
الزبيبي ( )2وشبهه ،هل يجوز هذا؟ وما الفرق إن كان ال يجوز بينه وبين شعر
أن لونه باق كما كان ،أو ال؟الخنزير؟ وإذا لم يجز فهل يطهره الغسل ،مع ّ
فقال :اإلقدام على استعمالهاـ ابتداء ال يجوز ،إذ ال يجوز استعمال شيء
من النجاسات .وليس هذا مثل شعر الخنزير ،إذ ال دسم فيه ،وال مثل عظام
الميتة ،وأنيابـ الفيل ،بعد إزالة ما فيها من الدسم بالطبخ ،أو لكونها بالية.
وأما هذه فتنجِّ س ما لقيها في الحال .وال يقال إنها ضرورة كشرب
جرعة من خمر لمن غص بلُقمة،ـ بل هي من الحاجيات .وإن وقع هذا
فيُطهِّرها الغسل بال إشكال؛ ألن عين النجاسة يزول ،وغايتهـ أن يقال :يبقى
أثرها وهو اللون ،والمنصوص في الدم ،إذا غسل فلم يذهب :أنه طاهر،
وكذلك السيف الصقيل يمسح دون غسل ،ومن هذا المعنى كثير .ومن هذا
الطرطار( )3من الخمر ،وهو أخف ،النقالب عينه.
قال :وقد كان ابن زيد المابوسي( )4من طنجة سأل عن هذه المسألة
شيخنا أبا الفاضل راشد فأجاب بنحوه(.)5
سئل ~ عن الجمع بين المغرب والعشاء ليلة المطر ألهل 1ـو ُ
العمود( ،)6هل يرخص لهم في ذلك؟ وإذا كان إمام راتب في ال َّد َّوار( )7وصلَّى
بجماعة ،وصلَّت جماعة خارجه ،هل تص ّح صالة الفريقين أم ال؟
فأجاب :إذا كان ألهل ال َّد َّوار موضع يجتمعون فيه للصلوات فلَهُم
الجمع ليلة المطر ،لوجود العلة المبيحة للجمع ،وتعجيل الصالة اآلخرة قبل
(?)الطرطار :خمر تحجّر ،أي صار حجرا .انظر هامش :الدر النثير .1/4 3
(?)كذا في المتن الذي حققه الدكتور مبارك رخيص .وانظر هامش ص( 5 :المسألة .)1 4
(?)ال ّدوّار عبارة عن مخيم لألعراب ال ّرحّل يقـام على شــكل دائــري تتواجه فيه الخيـام. 7
(?)عقّب السجلمـاسي في «الدر النثير» فقال« :ما عزاه الشــيخ ~ ألشــهب وابن حـبيب 2
رحمهمـا هللا من جواز ذلك في الجمعة لغير عذر ال أعرفه »..انظر :الدر النثير .1/19
(?)الدر النثير ( 1/18المسألة .)5 3
(?)عقّب السجلمـاسي في «الدر النثير» فقال« :ما حكاه عن أشهب ال أعرفه .»..انظر: 5
(?)لعله يقصد «القصر الكبير» الواقع جنوب العرائش بشمـال المغرب. 2
ــ 175ـ
وهل تحرم عليه بذلك؟ أربعة أقوال :تحرم ،ال تحرم ،تحرم إن كانت
حامالً ال حائالً .ابن رشد :العكس أصوب ،ذكرها ابن رشد في المقدمات(.)1
وأما لحوق النسب فإن تحقق من مائه الفاسد الذي قبل حيضة فال يلحق
به ،وإن تحقق أنه من هذا الماء اآلخر بعد الحيضة لحق به؛ ألنه شبهة ،وإن
أشكل األمر ،وال يعرف :هل من األول أو من اآلخر؟ لحق به ،ألجل هذا
الفراش األخير(.)2
وس ئل ~ـ عـنـ نـكـاـحـ اـنـعـقـدـ بـخـالـخـلـ فـضـةـ وـأـسـوـرـةـ وـعـقـدـ جـوـهـرـ،ـ 8ـ ُ
وـأـمـثـاـلـ هـذـهـ اـألـشـيـاـءـ مـنـ غـيـرـ قـيـمـةـ وـالـ زـنـةـ،ـ هـلـ يـصـحـ اـلـنـكـاـحـ وـيُـقـضـىـ فـيـهـ
بـاـلـ َوـ َسـطـ أـوـ بـاـلـعـاـدـةـ كـاـلـرـقـيـقـ وـاـلـثـيـاـبـ أـمـ الـ،ـ الـخـتـالـفـ عـاـدـةـ اـلـحـاـضـرـةـ
وـاـلـبـاـدـيـةـ؟ـ أـمـ يـخـ َّرـ جـ فـيـ ذـلـكـ خـالـفـ،ـ فـيـجـوـزـ عـلـىـ مـذـهـبـ اـبـنـ اـلـقـاـسـمـ الـ عـلـىـ
مـذـهـبـ غـيـرـهـ.ـ
فأجاب بما نصّه :وكتب من خطه :أكرمكم هللا :أما النكاح بخالخل
وأسورة مطلقة فيقضي في ذلك بال َو َسط من ذلك الجنس بالبلد الذي انعقد فيه
النكاح به؛ ألن هذه األشياء تختلف باختالف البلد ،كالرقيق يُقضى بال َو َسط
من رقيق ذلك البلد الذي وقع فيه النكاح به ،إن حُمران فحُمران ،وإن سُودان
فسُودان ،وإن كان الحُمران والسُّودان في البلد فمن وسط الغالب ،فإن لم
يغلب نوع فالنصف من وسط هذا ،والنصف من وسط هذا ،وال بد من اعتبار
البلد الذي وقع فيه ال َعقد ،إذ به يتفسر ما أبهم المتعاقدان حال العقد؛ ألن العادة
عندنا كالشرط .وكذا يتفسر مبهم عقد السلم في الثمن بنقد البلد ،ويكون
العرف على مذهبنا كالشرط .وكذلك مبهم الشوار المتزوج عليه بالبلد الذي
وقع فيه النكاح من حاضرة أو باديةـ .وكذلك إن اختلفت عادة أهل البوادي،
فتراعى الناحية التي وقع فيها العقد ،وخص النكاح بهذا التسامح لما كان مبنيا
على المكارمة .وابن عبد الحكم يمنع النكاح مع هذا القدر من غرر كالبيع،
واألول أشهر وأبين لما تقدم ،وهللا الموفق(.)3
9ـ وسئل عن رجل عقد على ابنتهـ البكر نكاحا ً من رجل نكاح
األب أن يسقط ما س ّمياه وير ّداه َ تفويض ،ثم سميا صداقاً ،ثم ر َّغب الزو ُج
تفويضاً ،ففعالَ ،فماتت الزوجة قبل البناء ،ما الحكم في الصداق والميراث؟.
فقال :أما الميراث فيرث ،وأما الصداق فيلزم ما س َّمياه ،ويرث منه،ـ
وال يصح انتقالهماـ من تسميةـ إلى تفويض؛ ألنه انتقال من معلوم إلى مجهول،
(?)عقّب السجلمـــاسي في «الــدر النــثر» فقــال« :قولــه :ذكرها ابن رشد في المقــدمات 1
غلط ،إنمـا ذكر األقوال المــذكورة في رسم الرهــون من سمـــاع عيسى من كتــاب النكــاح
من البيان .»..يريد« :البيان والتحصيل» .انظر «الدر النثير» .1/105
(?)الدر النثير( 1/104المسألة .)33 2
ــ 176ـ
وقد منعوه في الخصمين يصطلحان ،ثم يفسخان الصلح ،ويعودان للخصام،
وإن قيل فيه :إنه يجوز .وأيضا ً ففي مسألتناـ أن األب أسقط حق البنت بغير
عوض وال لمصلحة رآها ،وذلك غير سائغ له؛ إذ ال يفعل لمحجوره إال ما
ي نظر في هذا؟(.)1 يراه نظراً ،وأ ّ
10ـ وسئل ~ عن رجل زوج ابنته البكر من رجل ولم يس ّمياـ صداقا ً
ال عاجالً وال آجالً ،إال أن عادتهم في ذلك معلومة متقررة ،ال يزيدون لجمال
وال مال ،وال ينقصون لقبح وفقر ،ثم إن الرجل توفي قبل البناء هل ذلك
العرف المعتاد كالتسمية ،فتأخذ جميع المهر المتعارف من التركة أو ال يكون
ذلك كالتسمية؟.
الجواب :ال يلزم من كون ص ُدقات نساء أهل بلدها على مقدار واحد
في عادتهم أن يكون في حكم المس َّمى حتى يكون للزوجة جميع المعتاد في
الموت ،ونصفُه في الطالق قبل البناء .على هذا يدل الكتابـ والسنة وأقوال
الفقهاء دون خالف في علمي ،وألنه لو كان كالمسمى لم يحتج إلى تسمية
عند الدخول ،ولكانت الشهادة على العقد مغنيةـ عن تسميته عند الدخول؛ ألن
العقد على ذلك التقدير كان يوجب المقدار المعتاد للزوجة على الزوج ،فال
فائدة للتسمية عند الدخول إذاً ،وفي اتفاق أهل البلد على التسمية عند الدخول
ُعولوا عند العقد على مقتضى العادة .وإن كانت العادة دليل (على) أنهم لم ي ِّ
تختلف في مقدار النقد من الكالئ أو في مقدار أجل الكالئ ،أو كانتـ تختلف
في أنواع الثياب والحُلي المأخوذة عند النقد ،أو كانت تختلف في أصداق الخدَم،
وفي الخدَم ،وفي واألجنة ،والجنات والديار ،والبهائم ،أو تختلف في مقدار ما
يزاد في قيمة ما يؤخذ عن بعض عدد الصداق على أثمان السوق ،فهو أجلى
وأبين .وألن الزوج قد يزيد الزوجة على المعتاد ،أو تنقص الزوجة منه أو والد
البكر ،لما يرى الوالد ،ولتكارم الزوجين ،فكيف يتخيل أنه كالتسمية مع هذا
كله ،ومع ما تقدم من نصوص الكتاب والسنة وأقوال العلماء.
نعم ،فائدة هذه العادة المتحدة في مقدار الص ُدقات الرجوع إليها عند
الفرض والتشاح فيما يفرض حسبما تقدم .هذا مراد اللخمي ال محالة؛ ألن
اإلشارة من قوله :وهذا يصح ،إلى آخر ما ذكر ،راجعة لقول مالك ~ ومقيدة
إلطالقه :إن الصداق يختلف باختالف أحوال الزوجين .ال يفهم بأدنىـ نظر
غير هذا .وحمل كالم اللخمي على أن العادة إذا اتحدت في مقدار الصداق
بالبلد يكون في حكم المسمى خالف ما دل عليه لفظه ،وهذا يصح ،ألنه إنما
يرجع لقول مالك قطعا ،ومالك لم يتكلم إال على اختالف الصداق باختالف
أحوال الزوجين ،فلو حمل قول اللخمي على هذا المحمل لكان موجبا ً
النقطاع قوله عن قول مالك ،وهو إنما جاء به في سياق تقييده وتفسيره
بقوله :وهذا يصح ،وهذا ما ال يعقل.
ــ 177ـ
وقد بلغني أن بعض الطلبة اعتمد هذا الخيال ،وأفتى به ،وسلط المسددين
على الحكم بمقتضاه ،وهذه مفسدة عظيمة؛ ألنه من الخطأ الصراحَ ،ينقضُ
الحك َم به كلُّ من رُفع إليه من القضاة ،ثم ال عبرة بشاذ إن ُعثر عليه لبعض
أهل المذهب ،وال بقول غير أهل المذهب في مقابلة ما قدمناه ،وال بحديث قد
ترك مالك األخذ به لمعارض راجح عنده؛ ألن القاضي ال يقضي بين المالكية
إال بمشهور مذهب مالك أو بما صحبه العمل ال بشاذ من المذهب ،وال بغير
المذهب ،وال بحديث متروك ألرجح منه ،على ما ال يخفى .فلو أمعن النظر فيه
قليال لظهر الصواب ،والنكشف لمتخيِّل السراب ماء أنه سراب ،وهذا واضح
غير خاف لمن ركب جادة اإلنصاف .والسالم(.)1
ق عين ،فكساها 11ـ وسئل ~ عن زوج كان بذمته لزوجه صدا ُ
ُأ
واشترى لها حُلياً ،ثم بعد سنين طلبتهـ بصداقها ،فقال لها :قاصُّ ك من
صنعت لك ،فقالت :هو هبة ال من الصداق ،فقال :إنما صنعته ُ صداقك بما
ِ
من الصداق.
فقال :مسألة من ادعى أن هذا من دين ،وقال الغريم :بل هو هبة ،وديني
باق :القول قول مدعي القضاء من الدين ،سيما إن كان مجانساً للدين.
والمناسب لهذه مسألة النكاح الثاني إذا أعطاها ثوباً فقالت :هدية ،وقال الزوج
فرضك الذي لك عل َّي ،فالقول قوله ،إال أن يكون الثوب ال يفرضه مثله
ِ من
()2
لمثلها ،فالقول قولها ،وانظره .والعادة مسامحة الزوجين في مثل هذا بينهما .
12ـ وسئل عما يشترطه الرجل في ابنته من الهدية على جري العادة
ويُط ِعم منه عند زفافها ،ويحبس منه لنفقته ،ثم لما دخلت وبقيت سنتين طلبت
ذلك ،هل لها ذلك أم ال؟ وهل يص َّدق أنه أطعمه للناس أو أنفقه في مصالحها
أم ال؟ وهل إذا بقيت تحت الحجر يبقى في يده؛ ألنها تحت حجره؟.
فأجاب أعزه هللا :كل ما يعطىـ لولي المرأة فهو من صداقها ،من هدية
أو غيرها ،شرطها أم ال ،وإذا تقرر ذلك فكل ما أنفقه في مصالحها من طعام
أو غيره مما جرت به العادة مضى عمله فيه؛ إذ هو عادة الناس؛ وألنه لو لم
يصنع ذلك لكان وصما ً لها بين أمثالها .أال ترون أنهم نصوا على أن اليتيمة
يطعم الناس من عرسها ،وهو من صداقها ،مع أنها محجورة ،ويأكل منه
الناس ،وهو مباح؛ ألنه إن لم يصنع كان وصما ً في حقِّها .واألب مص َّدق في
ُ
ذبحت يكذبه الحس ،مثل أن يقول:مقدار ما أطعم مع يمينه إن اتهم ،إال أن ّ
الثور ،وهو يحرث به ،وشبهه،ـ فمتى قامت بينة أنه بقي بيده شيء من
(?)الدر النثير 1/113ـ ( 115المسألة .)37والمالحظ أن السجلماسي لم يــزد شــيئا على 1
هذا الجواب الذي أطال النفس فيه أبو الحسن ،على غير عادته.
(?)الدر النثير ( 1/123المسألة .)39 2
ــ 178ـ
الهدية ،أو جميع ما قبض ألجل نكاحها أو أقر ،أو شهدت العادة أن الذي
قبض أكثر مما أنفق ،فلها الرجوع عليه بالباقيـ.
قال الشيخ :ويُؤخذ هذا من مسألة الشغار ،حيث قالوا :ترجع كل واحدة
بصداق مثلها ،فال شك أنهم اعتبروا أن البضع الذي قبضه الولي كان صداقا ً
لهذه ،وبالعكس ،فأغرموا القابض كل بضع صداق المثل بِ ِوزان البُضْ ع ما
قبض من هدية .وهللا أعلم.
وأما بقاؤه في يد األب إذا بقيت تحت الحجر فيبقى في يده ،انظر تعديه
أوال ،هل يسقط أمانته أخيراً أم ال؟ لم يُجب عليه(.)1
13ـ وسئل ~ عن طعام يهدى لليتيمة،ـ وهو من صداقها ،ألنه في عقد
النكاح ،هل يؤكل منه؟.
فقال :المنصوص أنه حالل أكله؛ ألنه إن لم يُؤ َكل كان وصماً بها عند
أمثالها .قيل :هل يجوز بيع ما شرط على الزوج في عقد النكاح ،وتؤخذ فيه
القيمة؟ قال :ال يجوز؛ ألنه بيع الطعام قبل قبضه ،وكذا طعام الخلع والصلح،
وكل طعام خرج على عوض .واعترض بالطعام المفروض للزوجة في نفقتها،
تأخذ فيه العوض؟ فقال :لم أر فيه نصّ اً( ،) 2وقد استسهله الناس ،وال فرق ،إال هل ُ
أن تقول :إن فرض لها قبل وجوبه ،فكأنه أعطاها ما تشتري به شيئا يجب عليه
في ثاني حال ،وإنما يتخوف من الربا فيما وجب واستقر ،فعلى هذا يجوز فيما
يأتي ال فيما استقر ومضى .فتأمله .لم يجزم به ،وإنما ذكره على وجه
() 4( ) 3
المذاكرة .
سئل عن رجل زوج ابنة عمه يتيمة فأخذ ما جرت به العادة من 14ـ و ُ
ً ً
الهدية ،فصنع به طعاما في داره ،وكانت البنت في دار خالها بعيدا من دار ابن
عمها ،فلم ترض بذلك ،فلما كان بعد ذلك طلبته ،وقالت له :لم تصنع لي عرساً،
إنما صنعت طعاماً في دارك .وأما أنا فكنت وحدي لم يدخل علي أحد ولم يخرج.
(?)الدر النثير 1/139ـ ( 140المسألة .)44وقوله« :لم يجب عليه» الظاهر أنه كالم ابن 1
المفروض في نفقة الزوجة» عجيب ،فإن الخالف حكاه غير واحد ،وعزا عياض الجواز
لمحمد (يعــني ابن المــواز) وابن حــبيب .ومن البعيد أن يكــون الشــيخ لم يطلع عليــه ،فاهلل
أعلم فيمـا لم ير فيه نصا »..انظر :الدر النثير .1/142
(?)قوله« :لم يجزم به »..إلخ ،لعله من زيادة تلميذه ابن أبي يحيى جامع هــذه األجوبــة. 3
ــ 179ـ
فقال :يغرم ذلك؛ ألنه لم يصنعه على الصفة المطلوبة؛ ألن ذلك إنما
هو لسرورها .انظر اللخمي من هذا المعنى(.)5
سئل ~ عن امرأة تزوجها رجل فتوفي ،ثم تزوجها أخوه، 15ـ و ُ
فطلّقها بعد مشاررة جرت بينهما،ـ فمكثت بعد ذلك نحو ثالثين سنة ،حتى
مات الثاني،ـ وانتقل المال إلى العصبة األباعد ،فقامت اآلن بصداقها على
الميت األول ،وقالت :إنما سكت هذه المدة ألجل بقاء المال في أيدي إخوة
تركت عندهم بنتا ً من األول ،فهل هذا ُ ُ
وكنت الميت ،وأخوهم زوجي الثاني،
قرينةـ تبقىـ معها على دعواها ،أو طول المدة ،وكونها تشاررت مع الثانيـ
قرينةـ على عدم تصديقها ،وإسقاط حقها ،مع أن عقد صداقها ضاع لها؟.
فأجاب أعزه هللا بأن الظاهر أنه ال يسقط حقّها ،وأنها على قولها؛
ألن العادة بقاء الص ُدقات ،حتى يطلبهاـ األحفاد ،ال سيما وقد بقيت عندهم
ابنتها،ـ وهذا سكوت ال يقطع حقا ً ثابتاً،ـ وهو صداقها .وكونه ضاع عقده وقد
علمت الزوجية يقضى بصداق المثل .والسالم(.)2
16ـ وسئل عن رجل قالت له زوجه :أعطني صداقي ،فقال لها :ال شيء
عندي ،فقالت له :بع ثورك ،وأعطني ثمنه ،فقال لها :إن خرج هذا الثور من
هذه الدار فهو خروجك منها .فلم تزل به حتى باعه وأعطاها ثمنه ،وكانت
تقدمت له فيها طلقة ،وذكر أنه لم تكن له فيها نية في عدد من الطالق فأراد
ارتجاعها.
فأجاب :أكرمكم هللا ،الخروج من البيت في لسان الناس اليوم هو
الخروج من العصمة ،وال تخرج من العصمة إال بخلع أو بتات .وال خلع ،فتبيَّن
البتات ،سيما وقد أراد الطالق ،فال تحل له على هذا حتى تتزوج زوجاً
غيره(.)3
17ـ وسئل أيضا ~ عن هذا المعنى في رجل جرى بينهـ وبين زوجه
كالم بسبب ولدها ،فقال لها :وهللا ما يدخل لي بيتاً،ـ فقالت له :ال بد منه ،فقال
لها :دخوله هو خروجك أنت ،اختاري أنا أو ولدك .ثم أخذت ولدها فخرجت
به ،فبقيت أياما ً ثم رضيت بترك ولدها ،وترجع وحدها ،فهل ترجع أم ال؟.
فأجاب :إذا صح ما ذكرتم أن الرجل قال لها :اختاريني أو اختاري
ولدك بعد أن تق َّدم في المحاورة بينهماـ قوله :إن دخل البيتـ فهو خروجك منه،ـ
فاختارت ولدها فهو الثالث ،ألن الخروج من البيتـ ال يراد به في لسان
الناس اليوم إال العصمة ،والعصمة ال تزول بعد البناء إال بالخلع أو الثالث،
(?)الدر النثير 1/142ـ ( 143المسألة .)46 5
ــ 180ـ
وإن لم يدخل الولد البيت ،لكن يكون ذلك القول قرينةـ تدل على أنه أراد
بقوله :اختاريني أو اختاري ولدك الطالق ،فإن اختارت ولدها صارت طالقا ً
ثالثا ً .وال يُن َّوى في هذه المسألة بخالف مسألة كتابـ التخيير والتمليكـ من
المدونة في قوله لزوجه :اختارينيـ أو اختاري أباك أنه يُن ّوى إذا لم يتقدم من
سياق كالمه ما يمنع تديّنه،ـ بخالف هذه المسألة ،الحتمال أن يريد في مسألة
التخيير والتمليك اختاري رضائي ،أو اختاري سخطي .وهذه المسألة تقدمت
فيها قرينةـ تدل على الطالق .وباهلل التوفيق(.)1
18ـ وسئل عن رجل طلب من آخر حاجة فقال له :اصبر إلى غد ،فإني
مشغول اآلن ،فألحَّ عليه ،فامتنع ،فقال :ما منعك اآلن من الذهاب معي إلى دارك
لتعطيني حاجتي إال خوفاً على طعامك ،ثم قال بلسانهم البربري« :حرام
ْك َرا ِل ْغ»( ،) 2ال دخلت لك داراً إلى سنة ،ثم بعد مدة جاء الحالف إلى قرب الدار
المحلوف عليها،ـ فدعا رب الدار أضيافا ،وقال للحالف :ادخل معهم ،قد كنتَ
حلفت ال أدخل دارك سنة ،ادخل في بيت منها قد بعتها لزوجتي في حق كان
لها علي ،فلم يزل به َمن حضر حتى دخل ،ولم يثبتـ تصيير البيت للزوجة
إال بتقارر الزوجين خاصة ،وحين يمينهـ ال نية له في إدخال الزوجة وال في
إخراجها.
فأجاب :قول الرجل بلسان الغماري« :حرام كرالغ» كقول الرجل
باللسان العربي :جميع ما أملك حرام؛ فإن نوى إدخال الزوجة في ذلك أو
كان الحالفون يدخلون الزوجة أو كانوا ال يريدون به إال الزوجة حرمت عليه
زوجته ،وإن لم تكن له نيةـ ولم يكن عُرْ ف الحالفين عندهم إدخال الزوجة،
وال أنهم ال يعنون بذلك اللفظ إال هي ،فال تحرم؛ ألن الزوجة ال تُملَك ،إنما
تُملَك األموال .وبهذا أفتى الشيخ أبو بكر ابن عبد الرحمن()3؛ إذ كتب بها
أعني بمسألةـ جميع ما أملك من إشبيليةـ إلى القيروان(.)4
19ـ وسئل ~ عن قوم قتلهم أعداؤهم ،فانجلوا عن بالدهم ،وفيهم كبار
وصغار ،وقد يئسوا من الرجوع لتلك األرض لما يخافون من قتل أعدائهم
إياهم ،فهل يجوز لهم بيع أرضهم هناك؟ إذ ال يقدرون على الوصول إليها ،وال
على استغاللها ،وإذا جاز البيع هل يباع على األصاغر ويعوض لهم منه أم ال؟
فقال :هذا مثل بيع المسجون في ظلم ،الممنوع من الخروج والوصول
إلى ماله ،فقال :هذا البيع ال أدري هل يجوز أم ال؟ فإذا قلنا بالجواز يجوز
(?)أبو بكر أحمد بن عبد الــرحمن بن عبد هللا الخــوالني ،شــيخ المالكية بــالقيروان مع 3
صاحبه أبي عمران الفاسي ،توفي سنة 432هـ ،وقيل 435هـ (المدارك .)7/239
(?)الدر النثير 1/157ـ ( 158المسألة .)56 4
ــ 181ـ
على األصاغر كما يجوز على األكابر ،إذا ثبتت الحاجة للبيع ،إما ليعوض
لهم أو خيفة الغصب(.)1
20ـ وسئل ~ عن رجل اشترى ثوراً ،ثم بعد شهر رأى فيه
خنزيرا( ،)2فاعتقد أنه حدث عنده ،فكواه ،ثم رآه بعض أهل المعرفة ،فرأوا
عليه كيا ً قديماً ،فقالوا :ال يكوى مثل هذا إال للخنزير ،وهو قديم في هذا
الثور ،فأراد رده به ،هل له ذلك أم ال؟ أو يع ُّد كيه إياه رضا؟.
فقال :له ذلك ،وكيُّه إياه مع ظنه أنه حادث ال يضرّه ،بدليل حديث
المصراة .قيل له :إن في كتابـ الخيار :إذا َو َد َج( )3الدابة أو عربها ،ذلك دليل
على الرضا بالبيع ،فكذلك بالعيبـ بجامع المداواة .فقال :أما هناك فليس عنده
ما يتأول ،وهنا يقول :ظننت أنه حادث ،فال ر ّد لي ،قيل له :فهل يحلف أنه لم
يرض؟ قال :إن اتهم حلف(.)4
سئل عن رجل خرج يريد الحج فخرج معه أهله يشيعونه،ـ فقال 21ـ و ُ
ً
ألخيه بمحضر العدول :إن دفع لك فالن أربعين دينارا فاصرف عليه الفدان
الذي اشتريته منه ،فعرف بذلك بائعهـ فبعث رجال عدال ليتعرف ما يقول األخ
الباقي ،فأجابه إلى قبض الدراهم منه كما أمر أخوه ،فقال :ال أفعل شيئا إال ما
يريد البائع المذكور ،فوثق بذلك البائع،ـ ثم عمد األخ إلى الفدان بالفور
يحرثه ،فقام عليه البائع،ـ فطلبه في قبض الثمن وصرف الفدان ،فامتنع وقال:
ك الفدان غائب ،وال يحكم على الغائب إال قاضي الجماعة ،فهل يم ّكن من مالِ ُ
هذا مع إقراره وقيام البينة بما أمر به الغائبـ أم ال؟ وما الذي يلزمه في حرثه
للفدان والقيام في إبان الزراعة؟ والسالم.
صرف الفدان على فالن كما أمر به أخوه بمحضر ُ فأجاب :يلزم األ َخ
العدول ،إن دفع له أربعين ديناراً ،وال تفتقر إلى قضاء قاض ،ألمر أخيه إياه
بصرفه بمحضر العدول ،وإن امتنعـ من صرفه شهد العدول بما علموا عند
القاضي المنصوب ألحكام القضاء من قبل السلطان ،وحكم بصرف الفدان
على فالن إذا أحضر األربعينـ دينارا وأوقفها عند ثقة للغائب،ـ وإن لم يكن
القاضي المذكور قاضي الجماعة .وكتب فالن .والسالم(.)5
(?)كــذا في األصل المنقــول منــه .وفي «المعجم الوســيط»« :الخنــازير :قــرو ٌح صــلبة 2
ــ 182ـ
سئل عن مسجد حبس عليه أرض لمصالحه ،فاجتمع عليه أهلُ 22ـ و ُ
ال ارتضوه لإلمامة ،فاقتطعوا له سدس تلك األرض الموضع بالبادية ،فق َّدموا رج ً
يحرثه على أن يؤم بهم ،وبقي كذلك مدة حتى مات ،ثم قام ابنُه مكانه يؤم ويقوم
على باقي األرض يعقد الكراء ،ويقبض الفوائد ويصرفها في مصالح المسجد،
ويأخذ السدس من األرض يحرثه لنفسه ،فهل يسوغ له ذلك؟.
فقال :اإلجارة على اإلمامة معلوم ما فيها من الخالف ،وإمامة االبن
إن انضمت إليها زيادة خدمة فتسوغ ،ولكن هؤالء إن عقدوا بحضرة
السلطان أو فعلوا مثل ما يفعل مضى ،ويرفع إليه ما يأتي،ـ وإن كان ال
سلطان أو كان ،لكن يعسر تناوله ،أو يمهل األحكام ،أو يجور ،فال يرفع إليه،
ويعقدون ألنفسهم .فإذا صح هذا صح أخذ اإلجارة على ما تقدم ،لكن في هذه
اإلجارة أن األرض غير مأمونة ومنافعها مقبوضة ،فهو نقد في كراء أرض
غير مأمونة فال يصح .قيل له :ال تجري على معنى الكراء وهي كدار
األمير ،أال ترى أنها ال تحتاج إلى أجل .قال :ألن المعنى كل شهر أو سنة
يعمل فله سكناها،ـ وإن كانت دار األمير على معنى االرتزاق ،هل بينهماـ
فرق؟(.)1
الئحة بأسماء المصادر والمراجع المعتمدة
ـ أزهار الرياض في أخبار عياض .أحمد بن محمد المقري التلمساني (ت1041هـ).
طبع اللجنة المشتركة لنشر التراث اإلسالمي بين حكومة المملكة المغربية وحكومة
دولة اإلمارات العربية المتحدة1398 ،هـ ـ 1978م.
ـ ألف سنة من الوفيات ،في ثالثة كتب :شرف الطالب في أسنى المطالب البن
الخطيب القسنطيني (ت809هـ) ،ووفيات الونشريسي (ت914هـ) ،ولقط الفرائد من
لفاظة حقق الفوائد البن القاضي (ت1025هـ) .تحقيق :محمد حجي .مطبوعات دار
المغرب للتأليف والترجمة والنشر ـ الرباط 1396 ،ـ 1976م.
ـ االستقصا ألخبار دول المغرب األقصى .أبو العباس أحمد بن خالد الناصري (ت
1315هـ) .تحقيق :جعفر الناصري ومحمد الناصري .دار الكتاب ـ الدار البيضاء،
ط 1954هـ.
ـ تبصرة الحكام في أصول األقضية ومناهج األحكام .أبو الوفاء إبراهيم بن محمد بن
فرحون المالكي (ت799هـ) .دار الكتب العلمية ـ بيروت ،مصورة عن المطبعة
العامرة الشرفية بمصر ،ط ،1سنة 1301هـ.
ـ جامع القرويين :المسجد والجامعة بمدينة فاس .عبد الهادي التازي .دار الكتاب
اللبناني ـ بيروت ،ط1/1972م.
ـ شجرة النور الزكية في طبقات المالكية .محمد بن محمد مخلوف (ت1360هـ) .دار
الفكر (دون تاريخ).
ـ الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب .أبو الوفاء إبراهيم بن محمد بن فرحون
المالكي (ت799هـ) .دار الكتب العلمية ـ بيروت ط 1/1417هـ ـ 1996م.
(?)الدر النثير ( 1/390المسألة .)133 1
ــ 183ـ
ـ المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية واألندلس والمغرب .أبو
العباس أحمد بن يحيي الونشريسي (ت914هـ) .خرجه مجموعة من الفقهاء بإشراف
محمد حجي .دار الغرب اإلسالمي،ـ نشر وزارة األوقاف المغربية ،ط 1401هـ ـ
1981م.
ـ المعجم الوسيط .أخرجه جماعة من العلماء .مجمع اللغة العربية ،دار الدعوة (د.ت).
ـ الفكر السامي في تاريخ الفقه اإلسالمي .محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي (ت
1376هـ) .مكتبة دار التراث ـ القاهرة ،ط 1396 /1هـ.
ـ روضة النِّسرين في دولة بني َم ِرين .أبو الوليد إسماعيل بن األحمر (ت807هـ).
باعتناء :األستاذ عبد الوهاب بنمنصور .المطبعة المالكية ـ الرباط ،ط 1382هـ ـ
1962م.
ـ جذوة االقتباس في ِذ ْكر َمن َح ّل من األعالم مدينة فاس .أحمد ابن القاضي المكناسي
(ت1025هـ) .دار منصور للطباعة والوراقة ـ الرباط ،ط 1974م.
ـ نيل االبتهاج بتطريز الديباج .أحمد بابا التنبكتي (ت1036هـ) .تحقيق :علي عمر.
مكتبة الثقافة الدينية ـ القاهرة .ط 1/1423هـ ـ 2004م.
ـ جنى زهرة اآلس في بناء مدينة فاس .علي الجزنائي .المطبعة الملكية ـ الرباط،
1387هـ ـ 1967م.
ـ سلوة األنفاس ومحادثة األكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس.
محمد بن جعفر الكتاني (ت1345هـ) .الطبعة الحجرية.
ـ درة الحجال في أسماء الرجال .أبو العباس أحمد بن محمد المكناسي الشهير بابن
القاضي (ت1025هـ) .تحقيق محمد األحمدي أبو النور .دار التراث ـ القاهرة،
والمكتبة العتيقة ـ تونس.
ـ نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين ابن الخطيب.
أحمد بن محمد ال َمقَّري التلمساني (ت1041هـ) .تحقيق :محمد محيي الدين عبد
الحميد .مطبعة السعادة ـ مصر .ط 1/1369هـ ـ 1949م.
ـ التعريف بابن خلدون في رحلته غربا شرقا .عبد الرحمن ابن خلدون (ت808هـ).
تحقيق :محمد بن تاويت الطنجي .لجنة التأليف والترجمة والنشر ـ القاهرة .ط
1370هـ ـ 1951م.
ـ اإلحاطة في أخبار غرناطة .لسان الدين ابن الخطيب .تحقيق :محمد عبد هللا عنان.
مكتبة الخانجي ـ القاهرة .ط 1393 /2هـ ـ 1973م.
ـ تاريخ ابن خلدون (كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم
والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان األكبر) .عبد الرحمن ابن خلدون (ت
808هـ) .دار الفكر ،ط 2/1408هـ ـ 1988م ،وطبعة دار الكتاب اللبناني1959 ،م.
ـ الحياة السياسية واالجتماعية والفكرية بشفشاون وأحوازها خالل القرن العاشر
الهجري .عبد القادر العافية .طبعة وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية بالمغرب،
1402هـ ـ 1982م.
ـ دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر .محمد بن عسكر
الحسني الشفشاوني .تحقيق :محمد حجي .دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر ـ
الرباط ،ط 1396هـ ـ 1976م.
ــ 184ـ
صحاح .محمد بن أبي بكر الرّازي (ت660هـ) .دار الكتب العلمية ـ بيروت. ـ مختار ال ّ
ط 1406هـ ـ 1986م.
ـ الدر النثير على أجوبة أبي الحسن الصغير .إبراهيم بن هالل السجلماسي (ت
903هـ) .دراسة وتحقيق :مبارك رخيص .أطروحة بإشراف الدكتور جميل مبارك
لنيل دكتوراه الدولة من كلية الشريعة بأكادير ،جامعة القرويين ،سنة 1423ـ
1424هـ 2002 /ـ 2003م.
ـ قراءة نافع عند المغاربة من رواية أبي سعيد ورش :مقوماتها البنائية ومدارسها
األدائية إلى نهاية القرن العاشر الهجري .د.عبد الهادي حميتو .منشورات وزارة
األوقاف والشؤون اإلسالمية ـ المملكة المغربية1424 ،هـ ـ 2003م.
ـ مقدمة ابن خلدون .عبد الرحمن ابن خلدون (ت808هـ) .دار الفكر ـ بيروت،
1427هـ ـ 2007م.
ـ العالمة األديب أبو الحسن مصباح الزرويلي ( 1097ـ 1150هـ) .عبد القادر
العافية .دعوة الحق ،المغرب ،العدد ،1السنة .21
ـ لقط الفرائد من لفاظة حقق الفوائد ،البن القاضي (ت1025هـ) ،ضمن كتاب ألف
سنة من الوفيات ،تحقيق :محمد حجي .مطبوعات دار المغرب للتأليف والترجمة
والنشر ـ الرباط 1396 ،ـ 1976م.
ـ الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ،ابن حجر العسقالني (ت852هـ) .مجلس
دائرة المعارف العثمانية بالهند ،ط 1392هـ ـ 1972م.
ـ الضوء الالمع ألهل القرن التاسع ،شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت
902هـ) ،دار الحياة ـ بيروت (د.ت).
ـ نظم العقيان في أعيان األعيان ،لجالل الدين السيوطي (ت911هـ) ،المكتبة العلمية ـ
بيروت.
ـ حاشية الصاوي بهامش الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب اإلمام مالك،
للدردير .أحمد بن محمد الصاوي المالكي .دار المعارف ـ القاهرة.
ــ 185ـ
الجامع لمؤلفات النوازل في الفقه المالكي
دراسة وتعريف
د/محمد العلمي
كلية اآلداب ،جامعة سال ،المملكة المغربية.
(?) قال ابن عابدين(( :وأول كتاب جمع في فتاواهم فيما بلغنا كتاب النوازل لفقيه أبي 1
الليث السمرقندي ،ثم جمع المشايخ بعد كتبا أخر ،مجموع النوازل والواقعات للناطفي،
والواقعات للصصدر الشهيد ،ثم ذكر المتأخرون هذه المسائل مختلطة غير متميزة ،كما
في فتاوى قاضي خان والخالصة وغيرهما ،كما في كتاب املحيط لرضي الدين
السرخسي ،فإنه ذكر مسائل األصول أوال ثم النوادر ثم الفتاوى ونعم ما فعل)).
شرح منظومة رسم المفتي البن عابدين ضمن مجموعة رسائله .1/17ط عالم الكتب ،د.
ــ 186ـ
الفتوى وأصول القضاء المعتمدة في المذاهب الفقهية قاطبة،ـ كأدب المفتي
البن الصالح ،واألحكام السلطانية وأدب القضاء للماوردي ،وكإعالم
الموقعين البن القيم ،فال وجود فيما نعلم لكتب النوازل كمصادر للمذهب عند
الشافعية وال الحنابلة.ـ
ويمكننا تاريخ الفقه من تعليل هذه الظاهرة وتفسير هذا التميز ،إذ سبق
الحنفية والمالكية غيرهما من المذاهب في قيادة المجتمعات التي سادت فيها،
وانتشرت بين أهلها ،وقد عبر ابن حزم عن هذا تعبيرا نوقش فيه عندما قال:
((مذهبان انتشرا في بدء أمرهما بالرياسة والسلطان :مذهب أبي حنيفة ..ومذهب
مالك عندنا باألنـــدلـــس))(،) 1
)?( 1تمام قول ابن حزم(( :مذهبان انتشرا في بدء أمرهما بالرياسة والسلطان :مذهب أبي
حنيفة ،فإنه لما ولي القضاء أبو يوسف كانت القضاة من قبله من أقصى المشرق إلى
أقصى عمل إفريقية ،فكان ال يولي إالّ أصحابه والمنتسبين لمذهبه ،ومذهب مالك عندنا
باألندلس ،فإن يحيى بن يحيى كان مكينا ً عند السلطان مقبول القول في القضاة ،وكان ال
قاض في أقطار بالد األندلس إالّ بمشورته واختياره ،وال يشير إالّ بأصحابه ومن ٍ يلي
كان على مذهبه،ـ والناس سراع إلى الدنيا ،فأقبلوا على ما يرجون بلوغ أغراضهم به،
على أن يحيى لم يل قضاء قطّ ،وال أجاب إليه ،وكان ذلك زائداً في جاللته عندهم،
وداعيا ً إلى قبول رأيه لديهم)) ،انتهى .نفح الطيب ،2/10وقد نقل المقريزي في الخطط 2
/333مقالة ابن حزم ،وعبارته هناك(( :وكذلك لما قام باألندلس الحكم الربضي (..في
المطبوعة :المرتضى) اختص بيحيى بن يحيى بن كثير األندلسي..،
=
= فنال من الرياسة والحرمة ما لم ينله غيره ،وعادت الفتيا إليه ،وانتهى السلطان والعامة
إلى بابه ،فلم يقلد في سائر أعمال األندلس قاض إال بإشارته واعتنائه ،فصاروا على
رأي مالك بعدما كانوا على رأي األوزاعي ،وقد كان مذهب مالك أدخله األندلس زياد
بن عبد الرحمن الذي يقال له شبطون قبل يحيى بن يحيى وهو أول من أدخل مذهب
مالك األندلس)) ،وهذا الرأي منهما يتقارب مع مع ما حدث تاريخا ،وإن كان فيه بعض
التعسف في التعليل ،وأما ما علل به المقدسي من انتشار مذهب مالك باألندلس فغاية في
الضعف والشذوذ ،إذ نقل حكاية مرسلة عن سبب تفرد مذهب مالك باألندلس ،قال:
((قلت :فلم لم يفش باألندلس ،قالوا :لم يكن باألندلس أقل منه ههنا ولكن تناظر الفريقان
(أي الحنفية والمالكية) يوما ً بين يدي السلطان ،فقال لهم :من أين كان أبو حنيفة ،قالوا:
من الكوفة ،فقال :مالك ،قالوا :من المدينةـ قال :عالم دار الهجرة يكفينا ،فأمر بإخراج
أصحاب أبي حنيفة وقال :ال أحب أن يكون في عملي مذهبان ،وسمعت هذه الحكاية من
عدة من مشايخ األندلس)) أحسن التقاسيم ص :ص ،76 :وهذا الكالم يضعفه شذوذه عن
جميع الروايات ،لذلك لم يعرج عليه المؤرخون ولم يسمع لهم مثله ،والمقولة العلمية
األدق عند المؤرخين هي رأي عياض الذي علل تفرد مذهب مالك باألندلس بأمرين،
أحدهما يعود إلى العلماء واآلخر يعود إلى الحكام ،قال(( :وأما أهل األندلس ،فكان رأيهم
منذ فتحت على رأي األوزاعي ،إلى أن رحل إلى مالك زياد بن عبد الرحمن وقرعوس
بن العباس والغازي بن قيس ،ومن بعدهم ،فجاؤوا بعلمه ،وأبانوا للناس فضله ،واقتداء
األمة به فعرف حقه ،ودرس مذهبه،ـ إلى أن أخذ أمير األندلس إذ ذاك هشام بن عبد
الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان الناس جميعا بالتزام مذهب مالك،
وصير القضاء والفتيا عليه)) ترتيب المدارك .1/27
ــ 187ـ
وهو يقصد اعتماد الخلفاء من بني العباس بالمشرق لرأي أهل العراق وبني
أمية باألندلس لرأي المدنيين.ـ
ونحن نقول :مذهبان انتشرا بالقضاء والنوازل ،فهذا التعبيرـ أدق وال
يرد عليه االعتراض الوارد على عبارة ابن حزم ~.
موقع مؤلفات النوازل في المكتبة الفقهية المالكية
يـهـيـمـنـ اـلـفـقـهـ اـإلـسـالـمـيـ عـلـىـ حـيـاـةـ اـلـمـكـلـفـيـنـ وـوـاـقـعـهـمـ كـمـاـ هـوـ مـعـرـوـفـ
مـنـ تـعـرـيـفـهـ،ـ وـتـنـدـرـجـ فـيـهـ جـمـيـعـ اـلـخـطـطـ وـمـجـاـالـتـ اـلـنـشـاـطـ اـالـجـتـمـاـعـيـ
اـلـمـتـوـقـفـ عـلـىـ اـلـمـشـرـوـعـيـةـ اـلـدـيـنـيـةـ شـكـالـ وـمـوـضـوـعـاـ،ـ كـمـاـ يـشـمـلـ اـلـفـقـهـ
بـتـعـرـيـفـهـ ظـوـاـهـرـ اـألـفـعـاـلـ وـبـوـاـطـنـهـاـ،ـ وـاـلـتـصـرـفـاـتـ اـلـحـسـيـةـ وـاـلـقـنـاـعـاـتـ
اـلـمـضـمـرـةـ،ـ هـذـاـ هـوـ مـصـدـاـقـ اـلـفـقـهـ فـيـ تـعـرـيـفـهـ بـأـنـهـ (ـ(ـاـلـعـلـمـ بـاـألـحـكـاـمـ اـلـشـرـعـيـةـ
اـلـمـقـتـبـسـ مـنـ أـدـلـتـهـاـ اـلـتـفـصـيـلـيـةـ)ـ)ـ.ـ
ومنذ أن رحم هللا األمة اإلسالمية بالمذاهب الفقهية المشهورة،
وانحسار الفوضى التشريعية التي كانتـ تهدد مستقبلـ الناس في عهد السلف،
اتسع العلماء في خدمة الفقه وتشعبت مواردهم وعناياتهم ،واستقلت بالتدريج
علوم الفقه وفنونه وتخصصت ،لتصور للدارس مقدار العمق الذي حصل في
التشريع اإلسالمي والتوسع الذي حصل في العمران والحياة االجتماعيةـ
للمسلمين ،وتصور بموازاة ذلك التطور الحاصل في أساليب النظر العقلي
وقواعد االستنباط واكتمالـ المنهجيةـ التشريعية.
وقد حاول عدد من المتأخرين التعرض لعلوم الفقه بالتصنيف
والتعريف،ـ منهم النووي( )1والزركشي( )2وابن خلدون وحاجي خليفة ،كل
()3
(?) قال النووي (ت )676في مقدمة المجموع شرح المهذب إن مصنفات الفقه منها: 1
3ـ بناء المسائل 4ـ المطارحات 5ـ المغالطات 6ـ الممتحنات 7ـ األلغاز 8ـ الحيل 9ـ
معرفة األفراد 10 .ـ معرفة الضوابط .المنثور في القواعد للزركشي ص 69 :ـ 70ـ .71
(?) علوم الفقه كما عددها حاجي خليفة نقال عن طاش كبري زاده صاحب مفتاح السعادة 3
هي 1 :ـ علم حكم الشرائع 2ـ علم الفتاوى 3ـ علم القضاء 4ـ علم الشروط والسجالت
5ـ علم الفرائض كشف الظنون .1/17
ــ 188ـ
لكنا نرى الداعي ملحا إلعادة تصنيف علوم الفقه ،وموقع علم النوازل
ضمنها ،فبذلك يقتدر على فهم الفقه والتأريخ الصحيح لمذاهبه ومدارسه ،وتفسير
العوارض التي وسمته ،كما يمكن التعامل مع مصادره بطريقة صحيحة
وسليمة ،وتمحيص ما سلف من أحكام للدارسين عن المنهجية الفقهية عموما.
إننا في الفقه المالكي نتعامل مع فنون وعلوم فقهية كثيرة تختلف بينها في
الداللة عليه قوة وضعفا ،وتتفاوت في أهميتها حسب المجال الذي يتعلق بها.
وهذه العلوم تتصنف ثالث مجموعات:
1ـ متون المذهب وما تركب عليها من شروح وجهود :وتضم:
أ ـ األسمعة والجوابات التي نقلت عن اإلمام مالك وجمعها تالميذه فمن
بعدهم.
ب ـ المختصرات والمبسوطات والمتوسطات الجامعة ألحكام المذهب،
وهي التي غدت تعرف باسم" :متون المذهب".
ج ـ ما تركب على هذه المتون من الشروح واالختصارات والحواشي
والطرر والتعاليق ،وهي التي امتد فيها المذهب وتوسع ،وفيها كثرت مسائلهـ
بالتخريج والتأويلـ والقياس واالستقراء ،ولهذا فال عجب أن مذهب مالك الذي
كان يضم حوالي 40ألف مسألة في المدونة أصبح يشمل حوالي 100ألف
مسألة منطوقة في مختصر الشيخ خليل.
2ـ علوم الحجة واالستدالل والتأصيل ،وهي تضم األقسام التالية:ـ
أ ـ أحكام القرآن
()1
ب ـ متون الحديث الفقهية ،وشروحها الفقهية.
ج ـ أصول الفقه على طريقة الفقهاء(.)2
(?) نقصد بمتون الحديث الفقهية كتب الجوامع ككتاب البخاري ومسلم وأصحاب السنن، 1
والموطآت كموطإ مالك ،وكتب األحكام كأحكام عبد الحق اإلشبيلي ،وعمدة األحكام
للمقدسي ،في حين ال تدخل مثل المسانيد والمستخرجات في هذا الباب ،وكتب المتون
الحديثيةـ هي كتب فقهية ،وإن لم تبرز فيها الخصائص المذهبيةـ مثل الشروح ،ولهذا تجد
مثال شروحا مالكية لعمدة األحكام للحافظ عبد الغني المقدسي الجماعيلي الحنبلي ،كشرح
ابن دقيق العيدـ وابن الفاكهاني وابن مرزوق الجد وغيرهم.
(?) كتب أصول الفقه تنتمي لعلوم الفقه من حيث مصدرها ،إذ إن القواعد مستقرأة من 2
فروع المذاهب ،ولهذا فإن مصادر األصول لكل مذهب تختلف عن غيره في العموم،
على أن هناك من مباحث في األصول مأخوذة مباشرة من الفروع ،كأغلب مسائل
االجتهاد والتعارض والترجيح ،وعدد من مسائل األحكام وكعددـ من مسائل القياس التي
تعد مشتركة بين األصول وعلم الخالف الذي يتعرض لحماية مسائل المذاهب من نقض
الخصم ،إضافة إلى أن المالكية على الخصوص يدرجون القواعد األصولية في الفروع
لتعليل الخالف (خصوص أهل القرن السادس والسابع) ،فمن هذه الحيثيات اعتبرنا
األصول من علوم الفقه ،أما من حيث االنبناء والتأسس ،فنظريا تتأسس الفروع على
األصول ال العكس ،ولذلك قيدنا بطريقة الفقهاء (عموم الفقهاء ال خصوص الحنفية) ،أما
طريقة المتكلمين،ـ فمائلة إلى التجريد ،وهو ما انتقده بشدة ابن السمعاني في قواطع األدلة
ــ 189ـ
د ـ القواعد الفقهية والكليات واألشباه والنظائر والفروق.
هـ الردود على المذاهب األخرى.
و ـ مسائل الخالف
ز ـ االنتصار والحجة والذب عن المذهب وفضائل اإلمام ومناقبه
ومحاسن الشريعة(.)1
3ـ علوم اإلفتاء والفقه العملي ،وتشمل العلوم التالية:ـ
أ ـ النوازل
ب ـ مسائل األحكام
ج ـ أصول الفتوى ومناهج األقضية
د ـ الوثائق والشروط
هـ السياسة الشرعية.
و ـ الحسبة وأحكام السوق.
ز ـ األجزاء والمسائل الفقهية والنوازل في قضايا مفردة :كالمناسك
والبيوع والتوقيت والفرائض..إلخ.ـ
وأنت إذا تأملت هذه المجموعات وجدتها تفترق في عدة أمور أصولية
في طريقة االشتغال في كل مجموعة منها ،فالمتون وما عليها بابها النقل
وصحة التوثيق باألساس ،وأما طريقة شرحها والتخريج عليها وتدريسها
فتعتمد قواعد األلفاظ وتحقيق بواطن األبواب ،وهو مدلول الطريقة القروية التي
هيمنت على مذهب مالك بعد فترة من وجود االصطالح العراقي معها(.)2
وأما علوم النظر الفقهي والحجة واالستدالل ،فطريقتها هي طريقة
المجتهدين ،إذ تعتمد حجج الشريعة وقواعد األصول كما في أحكام القرآن
وشروح الحديث ،واالستقراء كما في أصول الفقه والقواعد الفقهية ،وتصحيح
إذ اعتبر أن المتكلمينـ أجانب عن الفقه وأهله.
(?) إنما أدرجنا محاسن الشريعة في كتب التأصيل والحجة ألن بعض المؤلفين ألفوها 1
نصرة للمذهب ،منهم عبد الملك بن العاصي بن السعدي أبو مروان األندلسي ( 276ـ
)330قال عياض « :وألف في نصرة مذهب مالك تواليف كثيرة ،منها كتاب الذريعة إلى
علم الشريعة ،وكتاب الدالئل والبراهين على أصول المدنيين،ـ وكتاب الدالئل واألعالم
على أصول األحكام ،كتاب االعتماد ..وكتاب الرد على من أنكر على مالك العمل بما
رواه » ترتيب المدارك .6/145
(?) قال الرجراجي(( :وكان للقدماء في تدريس المدونة اصطالحان :اصطالح 2
عراقي واصطالح قروي ،فأهل العراق جعلوا في مصطلحهم مسائل المدونة كاألساس،
وبنوا عليها فصول المذهب باألدلة والقياس ،ولم يعرجوا على الكتاب بتصحيح الروايات
ومناقشة األلفاظ ،ودأبهم القصد إلى إفراد المسائل وتحرير الدالئل على رسم الجدليين
وأهل النظر من األصوليين .وأما االصطالح القروي ،فهو البحث عن ألفاظ الكتاب
وتحقيق ما احتوت عليه بواطن األبواب وتصحيح الروايات ))..مقدمة مناهج التحصيل
للرجراجي ،وأزهار الرياض .3/22
ــ 190ـ
المسائل كما في الردود على المذاهب األخرى ومسائل الخالف ،والتوسع في
المعاني واألدلة كما في كتب الذب عن المذهب ومسائل الخالف.
أما علوم الفتوى والعمل ،فبابها هو تحقيق المناط وإجابة السائلينـ وحل
مشاكل الوقت بالفتوى ،وتدبير الناس بالشريعةـ كما يقول اإلمام المازري،
ولذلك فهي تعتمد متون المذهب أساسا ،وتعول على االختيار والتخريج بناء
على المصالح المرسلة (كما في السياسة الشرعية والحسبة)،ـ وعلى العرف
وما سبق به عمل المفتين والقضاة (ما جرى به العمل) وذلك في النوازل
ومسائل األحكام ،وعلى رصد ما يرمي به الوقت من حادثات ،كما في
األجزاء التي كثر التأليفـ فيها في المذهب المالكي ،وأجاب العلماء فيها يقظةـ
وتحرزا من أن تخلو واقعة من حكم هلل تعالى فيها.
وتتسم علوم العمل بأنهاـ علوم مذهبية،ـ ومعنى االجتهاد فيها
واالستبحار في مسائلهاـ هو في نطاقـ مذهب معين ،بل حتى الفقهاء الذي
تميزوا باالستبحار في الشريعة واشتهروا ببلوغهم درجة االجتهاد لم يكونوا
يجتهدون في علوم العمل والفتوى إال ضمن مذهب معين ،كابن القاسم
وأشهب وابن رشد الفقيه والمازري والقاضي عياض والشاطبيـ( ،)1فهؤالء
وإن بلغوا شأوا عظيما في العلم حتى قيل في بعضهم إنه بلغ درجة االجتهاد
المطلق( ،)2ومع ذلك لم يعرف عنهم اإلفتاء بغير المشهور.
تعريف المذهب المالكي بالغرب اإلسالمي
من الفوائد التي نجتنيها من تقسم الفقه المالكي إلى ثالث شعب من
المعارف الفقهية المتميزة :متون المذهب وفنون الحجة واالستدالل وفنون
الفتوى والعمل الفقهي ،هو تمكنناـ من تحديد سمات االشتغال الفقهي في كل
مصر من أمصار المذهب المالكي وكل مدرسة من مدارسه.
ومدارس المذهب المالكي هي مدرسة المدينةـ والمدرسة العراقية
والمدرسة المصرية ومدرسة الغرب اإلسالمي .وهذه المدارس لم تكن على
قدم واحدة من االشتغال.ـ
)?( 1قال الشاطبي مادحا هذه الطريقة(( :ومن ههنا شرطوا فى الحاكم بلوغ درجة االجتهاد
وحين فقد لم يكن بد من االنضباط إلى أمر واحد كما فعل والة قرطبة حين شرطوا على
الحاكم أن ال يحكم إال بمذهب فالن ما وجده ثم بمذهب فالن فانضبطت األحكام بذلك
وارتفعت المفاسد المتوقعة من غير ذلك االرتباط وهذا معنى أوضح من إطناب فيه))
الموافقات .4/142
2
(?) قال السيوطي نقال عن الصفدي(( :أخبرت عن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد أنه
كان يقول :ما رأيت أعجب من هذا ،يعني المازري ،ألي شيء ما ادعى االجتهاد؟)) الرد
على من أخلد إلى األرض ص ،195 :وقال الونشريسي« :وقد قال المازري وهو في
العلم هنالك ما أفتيت قط بغير المشهور وال أفتي به ..كان المازري وهو في طبقة
االجتهاد ال يخرج عن الفتوى بالمشهور وال يرضي حمل الناس على خالفه» عدة
البروق ص.542 :
ــ 191ـ
فبالنسبة لمتون المذهب وما تركب عليها من جهود نجد أن هذا الجانب
كان مشتركا بين هذه المدارس ،وال توجد مدرسة مالكية هي أولى باالنتساب
إلى بناء المتون وخدمتها من األخرى ،فالمدنيون جمعوا سماعات كثيرة عن
مالك ،وإلى تراثها تنتمي كتب الفقه التي ألف ابن الماجشون والمغيرة وابن كنانة
ومطرف ومحمد بن مسلمة ومختصر أبي مصعب الزهري .والعراقيون ألف
منهم إسماعيل القاضي المبسوط وأبو الفرج كتاب الحاوي ،وألف األبهري شرح
مختصر ابن عبد الحكم ،وكل هذه كتب معتمدة في الروايات عن مالك .وأما
المصريون والقريون فاشتغالهم على المتون مشهور محسوس ،كالمدونة وكتاب
ابن المواز وابن سحنون وابن عبدوس وابن ميسر وغيرهم ،ثم منهم نبغ ابن
الحاجب وابن شاس وخليل وابن عرفة ،وأما األندلسيون فعندهم ألفت العتبية
والواضحة والمدنية وكتب يحيى بن مزين وغيرها.
وأما المغرب األقصى واألوسط فأكثر نبوغهم كان في خدمة المتون
وشرحها والتحشية عليها ،وعمل المتأخرين كان بازرا فيهم ،فمنهم ظهر ابن
بشير وابن النحوي والقلشانيـ والتلمسانيونـ وابن غازي وابن زكري وزروق
والتاودي والهاللي وأضرابهم ،المهم أن متون مذهب مالك وشروحها كانت
شركة بين مدارس المذهب.
لكن الحقيقة التي ال يجوز إغفالها هي أن المنهجية المعتمدة في دراسة
متون المذهب اآلن هي منهجية القرويين،ـ فشروح خليل والتحفة وابن
الحاجب تعتمد المذهب من خالل ألفاظه وضبط عبارته،ـ ال من خالل تعاليل
أحكامه وأقيسته ،فطريقة العراقيين مهجورة لهذا الوقت ،ومن الطرائف أن
القرافي ناقش ما ورد في المدونة من أن قول الرجل المرأته أنت خلية وبرية
أو أو وهبتك ألهلك أنه يلزمه الطالق الثالث في المدخول بها وال تنفعه النية
أنه أراد أقل من الثالث ،وسلك القرافي مسلك العراقيين في بيانـ علة قول
مالك بهذا الرأي ،ثم انتهى إلى أن ذلك راجع إلى العرف ،وبما أن العرف
تغير ولم يعد الناس يستعملون الخلية والبرية وأشباهها ،فإن الفتوى ينبغيـ أن
تتغير ،وأال يؤخذ بمنصوص المدونة ،قال اللقاني بعد أن أورد احتجاج
القرافي في المسألة(( :وكل ما بحثه جيد بال خفاء ،والذي به الفتوى معلوم من
متن سيدي الشيخ خليل))( )1أي أنها تلزمه الثالث على منصوص المدونة،
وهذا يعنيـ أن االصطالح القروي هو المعمول به والمعول عليه،ـ أما
التعليالت التي تفضي إلى ترك منصوص المذهب فليست متبوعة.ـ
أما علوم الحجة واالستدالل في المذهب المالكي فهي عراقية بامتياز،ـ
وال يضاهيهم في ذلك إال من أخذ عنهم أو سلك سبيلهم واقتفى طرقهم.
فأصول الفقه صناعة العراقيين ،ومن أهم ما صنف مالكية العراق في
أصول الفقه نجد مؤلفات منها :كتابـ األصول للقاضي إسماعيلـ (ت282هـ)،
(?) منار أصول الفتوى للقاني ح ذ عبد هللا الهاللي ط وزارة األوقاف المغربي ص: 1
.304
ــ 192ـ
وبيان السنة ألبي بكر بن الجهم (ت329هـ) ،واللمع في أصول الفقه ألبي
الفرج (ت338هـ) ،وأصول الفقه لبكر بن العالء القشيري (ت344هـ)،
والقياس له ،ومآخذ األصول له ،واألصول لألبهري (ت375هـ) ،وإجماع
أهل المدينة له ،ومسألة الجواب والدالئل والعلل له ،وإجماع أهل المدينة
ألبي الحسن علي بن ميسرة (طبقةـ األبهري) ،وكتاب األصول ألبي عيد هللا
بن مجاهد البصري (ت370هـ) ،وإثباتـ القياس ألبي العالء عبد العزيز
البصري (طبقة األبهري) ،ومقدمة في األصول ألبي الحسن بن القصار (ت
،)1()398وكتاب األصول له ،وأصول الفقه ألبي تمام البصري (طبقةـ ابن
القصار) ،والجامع في أصول الفقه ألبي بكر بن خويزمنداد (طبقة ابن
القصار) ،واإلفادة للقاضي عبد الوهاب (ت422هـ) ،والتلخيص له
والمروزي في األصول له ،ناهيك عما ألف الباقالني (ت403هـ) في أصول
الفقه والجدل.
وهذه هي المؤلفات التي اعتمدهاـ الباجي في كتبهـ األصولية والقرافي
في شرح تنقيحـ الفصول ونفائس األصول ،وإياهاـ اعتمد سائر األصوليين
المالكية الالحقين.
وأما مسائل الخالف والردود على المذاهب األخرى فالمعول فيها على
مالكية العراق أيضا ،فباستثناءـ ابن سحنون ومحمد بن عبد الحكم فإن أغلب
الذين ردوا على الشافعية والحنفية هم مالكية العراق أو من أخذ عنهم واقتفى
طريقتهم من األندلسيين والمصريين والقرويين .هذا علما أن هناك ردودا
تفرد بها مالكيةـ العراق دون مدارس المذهب األخرى ،كالرد على ابن
(?) قال في مستهلها « :هذه مقدمة من األصول في الفقه ذكرتها في أول مسائل الخالف 1
ليفهمها أصحابنا ،ولم أستقص الحجج عليها ألنه لم يكن مقصودي ذلك » مقدمة األصول
البن القصار ،بتحقيق محمد السليماني ،ط دار الغرب اإلسالمي.
ــ 193ـ
علية( )1والرد على المزني( )2والرد على محمد بن الحسن( )3والرد على
الصيرفي(.)4
أما علوم الفقه العملي فأصلها األندلسيون بدرجة أكثر ،وكل مدارس
المذهب عالة عليهم فيها ،فمسائل القضاء وقواعده والوثائقـ والشروط على
األندلسيين المعتمد في مذهب المالكية،ـ وطريقتهم هي التي سارت عليها هذه
العلوم في المذهب ،وما جرى به عملهم القضائي بقرطبةـ على الخصوص،
هو نواة ما جرى به العمل الذي نما وتطور كثيرا في القرن العاشر وما بعده
على الخصوص ،ويمكن القول إن المالكيةـ أندلسيينـ في هذا العلوم كما أنهم
عراقيون إذا اعتنوا بعلوم النظر والحجة واالستدالل.
حقيقة أن النوازل تقدم فيها المتأخرون المغاربة أكثر من غيرهم،
كالمازوني والبرزلي والونشريسي ،لكنهم في ذلك إذا أسسوا فتاواهم على
نصوص المذهب فطريقتهم قروية ،وإذا أسسوا على ما جرى به العمل
فطريقتهم أندلسية.ـ
وتبعيةـ المالكيةـ في طرقهم لألندلسيينـ ال تعني تبعيتهمـ لهم في المسائلـ
والقضايا ،فلكل بلد عرفه وعاداته والفتوى فيه تتبعـ تلك العوائد حسبما هو
مقرر في أصول الفتوى.
مؤلفات المالكية في النوازل والفتاوى
1ـ من أول ما كتب في النوازل رسالة مالك في الفتوى ،ذكرها
عياض ضمن مصنفات مالك ،قال« :ومن ذلك رسالته إلى أبي غسان محمد
بن مطرف في الفتوى وهي مشهورة ،يرويها عنه خالد بن نزار ومحمد بن
مطرف وهو ثقة من كبار أهل المدينة»(.)5
)?( 1ألف محمد بن عبد هللا أبو جعفر األبهري الصغير الشهير بالوتلي وبابن الخصاص(ت
(( )365الرد على ابن علية فيما أنكره على مالك)) ترتيب المدارك ،7/72قال ابن النديم:
«وله من الكتب..كتاب الرد على ابن علية سبعون مسألة ولم يتمه» الفهرست ص .283
)?( 2ألف بكر بن محمد بن العالء أبو الفضل القشيري (ت ،)344كتاب الرد على
المزني ،وألف محمد بن عبد هللا أبو جعفر األبهري الصغير الشهير بالوتلي وبابن
الخصاص(ت )365الرد على مسائل المزني ،قال ابن النديم:ـ «وله من الكتب ..كتاب
الرد على مسائل المزني» الفهرست ص ،283وألف أبو بكر محمد بن عبد هللا بن صالح
األبهري الكبير (ت375هـ) كتاب الرد على المزني ،قال ابن النديم(( :الرد على المزني
في ثالثين مسألة)) ،الفهرست ص ،341 :وألف القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي
بن نصر (ت )422كتاب الرد على المزني ،وهؤالء كلهم عراقيون.
)?( 3ألف القاضي إسماعيل كتاب ((الرد على محمد بن الحسن)) «وهو كتاب كبير مائتا
جزء ،ولم يتم» ترتيب المدارك ،4/291وألف أبو بكر بن الجهم (ت 329هـ) ((الرد على
محمد ابن الحسن))(( ،تمام كتاب اسماعيل بن اسحق)) الفهرست البن النديم ص.253 :
4
(?) من أشهر ردودهم على الصيرفي كتاب أبي الحسين بن أبي عمر القاضي (ت
365هـ) « الرد على من أنكر إجماع أهل المدينة،ـ وهو نقض لكتاب أبي بكر
الصيرفي( المقصود بكتاب الصيرفي الدالئل واألعالم ،وفيه رد على مالك وإبطال
إلجماع أهل المدينة)» طبقات الفقهاء ص ،155 :ترتيب المدارك .5/257
)?( 5ترتيب المدارك .2/92
ــ 194ـ
()
2ـ أجوبة الفقهاء ،لمحمد بن سحنون (ت256هـ) ، 1وهو من الكتب
المشكوك في نسبتها البن سحنون ،ومما ال يعتمد في الفتوى ،وعرفها
بعضهم بأنهاـ من الكتب الشيطانية الليطانية ،قال النابغةـ الشنقيطي:ـ
فعزوها له من الجنون ومنه األجوبة لسحنون
3ـ فتاوى أصبغ بن خليل أبي القاسم القرطبي (ت293هــ) (.)2
4ـ نوازل ألحمد بن نصر الهواري التونسي (ت317هـ)(( ،له نوازل
كثيرة سئل عنها))(.)3
5ـ مسائلـ عن شيوخه لحبيب بن الربيع مولى أحمد بن سليمان (ت
339هـ) ،قال عياض(( :ووقفت على جزء من مسائله،ـ مما سأله عنه مواله،
وابن الحداد ،وعبد الرحمن الوزنة ،وابن بطريقة))( ،)4ومنها نقول في
المعيار(.)5
6ـ النوازل ألبي محمد بن التبان (ت371هـ)(.)6
7ـ فتاوى ابن الزويزي ،القاضي عبد هللا بن أيمن األصيلي المغربي
(توفي في حدود 400هـ) يحقق.
()7
8ـ كتابـ األسئلة واألجوبة في الفقه لأحمد بن نصر الداودي (ت40
2هـ) (.)8
9ـ أجوبة القابسي،ـ أبي الحسن علي بن محمد بن خلف التونسي (ت
403هـ) (.)9
10ـ المسائلـ ألبي عمران الفاسي (ت422هـ) ،جاء في المعيار(( :قال
الشيخ أبو عمران في مسائله))(.)10
11ـ فتاوى الشيخ أبي إسحاق التونسي (ت443هـ) (.)11
(?) خ الخزانة العامة بالرباط ،رقم1341 :د ،وقد حقق في رسائل جامعية منها رسالة 1
(?) في مقدمة تحقيق كتاب ألموال لأحمد بن نصر لرضا محمد سالم شحادة ص،7 : 8
11
(?) مخطوط األزهر الشريف عدد 327022فقه االمام مالك
ــ 195ـ
12ـ فتاوى الشيخ أبي الحسن علي بن محمد اللخمي (ت478هـ)(.)1
13ـ مسائلـ أبي الوليد بن رشد الجد (ت520هـ)( ،)2جمعها تلميذاه
الفقيهان القرطبيان:ـ أبو الحسن محمد بن الوزان ،وأبو مروان عبد الملك بن
مسرة( .يحقق).ـ
14ـ المسائلـ واألجوبة لعبد هللا بن محمد بن السيد البطليوسي (ت
521هـ) (( )3يحقق).
15ـ النوازل( )4ألبي عبد هللا محمد بن أحمد بن خلف التجيبي القرطبي
المعروف بابن الحاج (ت 529هـ)( ،)5وتسمى أيضا أجوبة ابن الحاج ،وهي
مرتبة على األبواب ،كما تدل عليه نقول منها في المعيار ،كقوله(( :ومثله في
سماع ابن القاسم في اللعان من أجوبة ابن الحاج))(.)6
16ـ مسائلـ ابن أبي حاج اإلشبيلي،ـ قال أبو الفضل راشد الوليدي:
))
((وقد وقفت في مسائل ابن أبي حاج اإلشبيلي ~ ،وقد سأل عنها ابن دحون
(.)7
17ـ أجوبة ابن ورد أبي القاسم أحمد بن محمد التميمي (ت540هـ)
()
«األجوبة الحسان» ، 8أو ((الجوابات الحسان عن السؤاالت ذوات األفنان))
( ،)9وقد دونت عنه ،قال ابن األبار(( :والبن ورد ..أجوبة مدونة عنه))(،)10
وهي مختصرة في جزء(.)11ـ
1
(?) مطبوع جمعه د حميد لحمر.
(?) حققها ذ محمد الحبيب التجكاني في إطار بحث الدكتوراه بدار الحديث الحسنية سنة 2
،1978وقد طبعت ط دار اآلفاق الجديدة بالمغرب ،ثم طبعت بتحقيق المخمتار بن
الطاهر النيلي ط دار الغرب سنة .1987
(?) طبع قسم منه ببغداد ح إبراهيم السامرائي (يحقق). 3
(?) بلغني أنه اآلن في طور التحقيق ،ونرجو أن يرى النور قريبا ،ألن ابن الحاج صحبة 4
ابن رشد من المعتمدين في النوازل في المذهب المالكي ،وممن انتهت إليهم طرق
الفتوى.
(?) شجرة النور .)388( 132 5
(?) وقد حققت بإشراف ذ محمد السرار بكلية الشريعة بفاس ،ثم طبع ط الرابطة 11
المحمدية.
ــ 196ـ
18ـ النوازل ألبي الطاهر بن بشير (كان حيا سنة ،)526ذكرها له
خليل في التوضيح والحطاب في شرح المختصر(.)12
19ـ الفتاوي ألبي عبد هللا محمد بن علي بن عمر التميمي المازري
(ت536هـ) (.)2
20ـ فتاوى ألبي يحيى زكريا بن الحداد المهدوي (ت بعد 566هـ)
«فتاوى محررة»(.)3
21ـ فتاوى أبي عبد هللا عبد السالم البرجيني (ت بعد 606هـ) ((له
فتاوى مشهورة))(.)4
22ـ مسائلـ ابن البرذعي محمد بن يحيى بن هشام أبي عبد هللا
األنصاري الخزرجي (ت649هـ) ((مسائل في أسفار))(.)5
23ـ أجوبة عبد هللا بن علي بن محمد بن إبراهيم األنصاري األوسي
يعرف بابنـ ستارى (ت647هـ) ،له "أجوبة في مسائل"ـ قال التنبكتيـ نقال
عن ابن اآلبار(( :له أجوبة في مسائلـ تدل على نباهتهـ ومتانةـ علمه..ـ قلت:
وله كالم حسن في غايةـ التحقيق نقله عنه ابن فرحون في أوائل التبصرة))
(.)6
24ـ أجوبة أبي الحسن الصغير (ت719هـ) ((( ،)7قيدها عنه تالمذتهـ
وأبرزت تأليفاـ))(.)8
ـ جمع أجوبة أبي الحسن الصغير ألبي سالم ابراهيم بن عبد الرحمن
التسولي التازي عرف بابنـ يحيى (ت749هـ) (.)9
ـ الدر النثير على أجوبة أبي الحسن الصغير ألبي اسحاق ابراهيم بن
هالل السجلماسي (ت903هـ) ((كان آية في النظم والنثر ونوازل الفقه))(،)10
الدر النثير هو ترتيبـ ألجوبة أبي الحسن الصغير على التبويبـ المتعارف
في مؤلفات الفقه ،وهو معتمد عند المالكية.ـ
(? انظر التنبيهـ على مبادئ التوجيه قسم الدراسة .1/86 12
ــ 197ـ
25ـ الحاوي في الفتاوي البن عبد النور محمد بن محمد أبي عبد هللا
التونسي الحميري (ت بعد 726هـ)(( ،له تأليفـ جمع فيه فتاوى على طريقة
أحكام ابن سهل سماه :الحاوي في الفتاوي))(.)1
26ـ نوازل في الفروع إلبراهيم بن محمد القيسي الصفاقسي (ت
743هـ) له ((تآليفـ بارعة منها نوازل في الفروع سئل عنها))( ،)2منها
"الروض األريج في مسألة الصهريج"(.)3
27ـ فتاوى أحمد بن عيسى البجائيـ(.)4
28ـ األسئلة واألجوبة لمحمد بن سعيد بن محمد الرعيني األندلسي
الفاسي (ت778هـ) (.)5
29ـ فتاوى مجموعة ألبي العباس أحمد بن قاسم بن عبد الرحمان
شهر بالقباب (ت779هـ) ( ،)6نقل بعضها في المعيار( ،)7ونقل بعضها
البرزلي في ديوانه(.)8
30ـ األسئلة واألجوبة ألبي عبد هللا محمد بن سعيد الرعيني األندلسي
الفاسي (ت779هـ) (.)9
31ـ فتاوى ذكر في المعيار جملة منها للحسن بن عطية التجاني
المكناسي المعروف بالونشريسيـ (ت781هـ) (.)10
32ـ فتاوي مشهورة ألبي سعيد فرج بن قاسم بن لب الغرناطي(ت 782
هـ)(.)11
33ـ فتاوى ألبي زيد عبد الرحمن بن أحمد الوغيسي البجائي (ت
786هـ) ((( ،)12مشهورة))(.)13
1
(?) شجرة النور ص ،206 :وهو مخطوط األزهر بعنوان :الحاوي جمال من الفتاوي
عدد .308228
(?) شجرة النور ص.209 : 2
(?) شجرة النور ص ،231 :وذكر لي أنها :األجوبة الثمانية ،وأنها مخطوطة بالخزانة 11
ــ 198ـ
34ـ فتاوى إبراهيم بن موسى أبي إسحاق الشاطبي (ت790هـ) ( ،)1له
(فتاوى كثيرة) (.)2
35ـ فتاوى ألبي علي الحسن بن عثمان بن عطيةالونشريسي (ت بعد
790هـ) ((نقل الونشريسي في معياره جملة منها))(.)3
36ـ أجوبة علي بن عثمانـ المنجالتيـ الزواوي البجائيـ(.)4
37ـ فتاوى ألحمد بن عيسى البجائي (من شيوخ أبي القاسم المشدالي)(.) 5
38ـ فتاوى أبي اسحاق ابراهيم بن محمد بن ابراهيم بن عبد هللا
اليزناسي (ت794هـ)(( ،له فتاوى كثيرة ،ناظر فيها وحقق))(( ،)6نقل
الونشريسي في معياره جملة منها))(.)7
39ـ فتاوى ألبي عبد هللا محمد بن علي عرف بابنـ عالق (ت806هـ)
((نقل بعضها في المعيار))(( ،نقل عنه المواق))(.)8
40ـ فتاوى ألبي عبد هللا محمد بن علي الغرناطيـ شهر الحفار (ت
811هـ) ((نقل بعضها في المعيار))(.)9
41ـ أجوبة لخلف بن أبي بكر النحريري (ت818هـ) ،وهي ((أجوبة
على مسائل النجم بن فهد))(.)10
42ـ أجوبة لمحمد بن أحمد بن عثمانـ بن عمر الوانوغي التونسي (ت
819هـ) ،وهي ((أجوبة على مسائلـ عبد النجم بن فهد))(.)11
43ـ فتاوي أبي القاسم محمد بن عبد العزيز التازغدري (ت832هـ)
((نقل في المعيار جملة منها وأكثر ابن غازي من النقل عنه في كتبهـ))(.)12
44ـ الديوان في الفقه والنوازل ،وهو "الحاوي في النوازل"( ،)13أو
"جامع مسائل األحكام لما نزل من القضايا بالمفتين والحكام( ،)14ألبي القاسم بن
(?) شجرة النور ص231 : 1
(?) نيل االبتهاج ص ،49وقد أورد التنبوكتي بعض فتاويه في كتابه ص 50ـ 51ـ ،52 2
وكذا الونشريسي في المعيار ،وقد جمعها ذ محمد أبو اإلجفان ،وطبعت سنة .1404
(?) شجرة النور ص238 : 3
(?) وبهذا العنوان طبع ح ذ محمد الحبيب الهيلة ط دار الغرب .1999 14
ــ 199ـ
أحمد بن محمد المعتل البلوي القيرواني شهر بالبرزلي (ت(( ،)1()841أحد
األئمة في المذهب ،صاحب الديوان المشهور في الفقه والنوازل من كتب
المذهب األجلة أجاد فيه ما شاء))((( ،)2صاحب الفتاوى المتداولة وهي في
مجلدين))(.)3
45ـ فتاوي كثيرة في فنون من العلم ألبي القاسم بن أحمد البرزلي (ت
.)4( )841
46ـ نوازل ابن زاغو أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المغراوي
التلمساني (ت845هـ) (.)5
47ـ جملة من الفتاوي ألبي حفص عمر بن الشيخ محمد القلشاني(ت
848هـ) نقلها عنه المازوني والونشريسي(.)6
48ـ فتاوى كثيرة نقل الونشريسي في معياره جملة منها.ـ ألبي القاسم
محمد بن محمد بن سراج الغرناطي قاضي الجماعة (ت848هـ)(.)7
49ـ فتاوى ألبي محمد عبد هللا محمد بن موسى العبدوسي الفاسي
(ت849هـ)(( ،فتاوى كثيرة نقل عنها في المعيار))(.)8
50ـ "أجوبة مفيدة" ألبي عبد هللا محمد بن ابراهيم بن عقاب (ت
851هـ) (.)9
51ـ فتاوى ألبي عبد هللا بن علي عرف بابن االزرق (ت859هـ)،
((منقول بعضها في المعيار))(.)10
52ـ فتاوي ألبي عبد هللا محمد بن أبي القاسم المشدالي (ت866هـ)،
((نقلت في المعيار والمازونية))(.)11
53ـ فتاوى أبي إسحاق إبراهيم بن فتوح العقيلي (ت867هـ) ((بعضها
في المعيار))(.)12
(?) نيل االبتهاج ،2/17قال في شجرة النور(( :توفي سنة 841أو 843أو ،844وعمره 1
(?) شجرة النور ص ،248 :وقد طبعت باعتناء ذ أبو األجفان ~. 7
(?) شجرة النور ص ،255 :وهو مخطوط الخزانة الناصرية ،رقم( .853 :يحقق). 8
ــ 200ـ
54ـ فتاوى كثيرة ألبي عبد هللا محمد بن العباس العبادي شهر بابن
عباس (ت871هـ)(( ،بعضها في المازونية والمعيار))(.)1
55ـ أجوبة القَوري ،محمد بن قاسم اللخمي الفاسي (ت872هـ)(.)2
56ـ فتاوى ألبي عبد هللا محمد بن محمد بن عيسى العقدي الزنديوي
(ت874هـ) ((منقولة في المازونية))(.)3
57ـ فتاوي ألبي عبد هللا محمد بن أحمد بن عيسى عرف بالجالب
(ت875هـ) ((نقل الونشريسي والمازوني بعضها))(.)4
58ـ فتاوي ألبي سالم ابراهيم بن أبي الفضل العقباني (ت880هـ)
((نقل بعضها المازوني))(.)5
59ـ نوازل مازونة( )6ألبي زكرياء يحيى بن أبي عمران موسى بن
عيسى المازوني (ت883هـ) ،وهي "النوازل المشهورة بالمازونية" ،وتسمى
الدرر المكنونة في نوازل مازونة ،قال التنبوكتي(( :ألف نوازله المشهورة
المفيدة في فتاوى المتأخرين ،أهل تونس وبجاية والجزائر وتلمسان وغرهم في
سفرين))((( ،)7المشهور بها فتاوي المتأخرين من علماء تونس وبجاية وتلمسان
والجزائر وغيرهم ومنه استمد الونشريسي مع نوازل البرزلي وغيرها))(.)8
ومن الذين لهم فتاوى في نوازل مازونة
ـ عبد الحق علي قاضي الجزائر(.)9
ـ بركات البراني أبي الخير (معاصر ألبي حمد سلطان تلمسان) (.)10
ـ إبراهيم بن عبد الرحمن بن اإلمام التلمساني نزيل فاس (ت797هـ)،
((له علوم جمة وفتاوى نقل منها المازوني ثم الونشريسي في نوازلهما))(.)11
ـ محمد أبو عبد هللا القاضي التلمساني يعرف بحمو الشريف (ت833هـ)
(.)12
ــ 201ـ
محمد بن أحمد بن محمد بن مرزوق الحفيد العجيسي التلمساني (ت 842هـ)
(.) 1
ـ علي بن عثمان المنجالتي الزواوي البجائي(.)2
ـ أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الشهير بابن زاغو (ت845هـ)(.)3
ـ عمر بن محمد بن عبد هللا الباجي التونسي القلشاني (ت848هـ) (.)4
ـ منصور بن علي بن عثمان الزواوي المنجالتي البجائي (كان حيا في 850
)(.) 5
ـ أحمد بن محمد الجزائري (من طبقة قاسم العقباني) (.)6
ـ محمد بن أبي القاسم بن محمد بن عبد الصمد المش َّدالي (ت 866هـ)(.) 7
علي بن محمد الحلبي الجزائري(.)8
ـ محمد بن العباس بن محمد بن عيسى العبادي شهر بابن العباس
التلمساني (ت871هـ) (.)9
ـ محمد بن أحمد بن عيسى المغيلي شهر بالجالب التلمساني التونسي ( )875
(.) 10
ـ إبراهيم بن قاسم بن سعيد بن محمد العقباني التلمساني (ت880هـ)(.)11
ـ محمد بن محمد بن عيسى العقوي الزلديوي التونسي (ت882هـ)(.)12
ـ محمد بن عمر ابن محمد بن عبد هللا القلشاني التونسي (ت890هـ)(.)13
ـ عيسى بن أحمد الهنديسي (كان حيا في .)14()890
ـ محمد بن محمد بن أحمد بن الخطيب عرف بالكفيف (ت 901هـ)(.)15
60ـ فتاوى ألبي عبد هللا محمد بن عمر القلشاني (ت890هـ)((منقول
بعضها في المعيار والمازونيةـ))(.)16
ــ 202ـ
61ـ فتاوى ألبي عبد هللا محمد بن قاسم الرصاع األنصاري (ت
894هـ) ((بعضها في المعيار والمازونية))(.)1
62ـ فتاوي ألبي عبد هللا محمد بن يوسف الحسني السنوسي (ت
895هـ) ((بعضها في المعيار))(.)2
63ـ نوازل في الفقه لحسن بن علي الرجراجي الشوشاوي (ت899هـ)
(.)3
64ـ فتاوي كثيرة منقولة في المعيار ألبي العباس أحمد بن محمد بن
زكري التلمساني (ت899هـ) (.)4
65ـ نوازل وفتاوى مشهورة ألبي اسحاق إبراهيم بن هالل بن علي
الفياللي الصنهاجي السجلماسي (ت903هـ)( ،)5و((كان آية في النظم والنثر
ونوازل الفقه))( ،)6رتبها تلميذه أبو القاسم بن أحمد بن علي (ت901هـ)،
وجمعها علي بن أحمد الجزولي (ت1049هــ) (.)7
66ـ فتاوى ألبي عبد هللا المغيلي محمد بن عبد الكريم التلمساني (ت
909هـ)(( ،مذكورة في المعيار))(.)8
67ـ فتاوى أبي عبد هللا محمد بن أبي العيش الخزرجي التلمسانيـ (ت
911هـ) ((بعضها في المعيار))(.)9
68ـ أجوبة عن أسئلة وردت إليه ألحمد بن يحيى بن محمد بن عبد
الواحد أبي العباس التلمساني الونشريسي (ت914هـ) (.)10
69ـ المعيار المعرب عن فتاوى علماء إفريقياـ واألندلس والمغرب
ألحمد بن يحيى بن محمد بن عبد الواحد أبي العباس التلمسانيـ الونشريسي
(ت914هـ)(( ،ألف المعيار في اثني عشر مجلدا جمع فأوعى وأتى على
ــ 203ـ
كثير من فتاوى المتقدمينـ والمتأخرين))((( ،)1في ستة أسفار جمع فأوعى،
وحصل فوعى))(.)2
قـاـلـ اـلـتـنـبـوـكـتـيـ:ـ (ـ(ـوـبـخـزـاـنـةـ هـذـاـ اـلـرـجـلـ (ـأـيـ مـحـمـدـ بـنـ اـلـغـرـدـيـسـ
اـلـتـغـلـبـيـ اـلـقـاـضـيـ بـفـاـسـ وـتـلـمـيـذـ اـلـوـنـشـرـيـسـيـ)ـ اـنـتـفـعـ اـلـوـنـشـرـيـسـيـ،ـ وـقـدـ
اـحـتـوـتـ عـلـىـ تـصـاـنـيـفـ فـنـوـنـ اـلـعـلـمـ،ـ وـبـهـاـ اـسـتـعـاـنـ فـيـ تـصـنـيـفـ كـتـاـبـهـ
اـلـمـعـيـاـرـ،ـ سـيـمـاـ فـتـاـوـىـ فـاـسـ وـاـألـنـدـلـسـ،ـ فـإـنـهـ تـيـسـرـتـ لـهـ مـنـ هـذـهـ اـلـخـزـاـنـةـ.ـ.ـ
قـلـتـ:ـ أـمـاـ فـتـاـوـىـ إـفـرـيـقـيـةـ وـتـلـمـسـاـنـ فـاـعـتـمـدـ فـيـ ذـلـكـ عـلـىـ نـوـاـزـلـ اـلـبـرـزـلـيـ
وـاـلـمـاـزـوـنـيـ فـيـمـاـ يـظـهـرـ لـمـنـ طـاـلـعـهـاـ)ـ)ـ.ـ
ومن الفقهاء الذين ذكر لهم فتاوى في المعيار
() 3
ـ إبراهيم بن عبد هللا بن زيد بن أبي الخير اليزناسني (ت بعد 745هـ) .
ـ محمد بن محمد بن غالب( ،)4عمران بن موسى البجائيـ المش َّدالي أبو
موسى (ت745هـ) (.)5
ـ مصباح بن عبد هللا الياصلوتي (ت750هـ)(.)6
ـ عبد الحق بن علي قاضي الجزائر( ،)7عبد النور بن محمد بن أحمد
الشريف العمراني الفاسي (مولده .)8( )685
ـ بركات البروني الجزائري أبو الخير(.)9
ـ عبد هللا بن محمد بن أحمد الشريف التلمسانيـ الحسني (ت772هـ)(.)10
ـ عبد هللا الوانغيلي الضرير أبو محمد (ت776هـ) (.)11
ـ محمد بن عبد المومن (من طبقةـ العبدوسي) (.)12
ـ أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن شهر بالقبابـ (ت779هـ)(.)13
(?) نيل االبتهاج ص ،135وطبع الكتاب عدة مرات أولها عام 1314هـ على الحجر 2
بفاس ثم طبع أخيرا بدار الغرب اإلسالمي باعتناء ذ محمد حجي وجماعة من العلماء في
13مجلدا خصص األخير منها للفهارس.
(?) نيل االبتهاج ص .40 3
ــ 204ـ
ـ الحسن بن عثمانـ بن عطيةـ (ت781هـ)(.)14
ـ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عبد هللا اليزناسني (ت794هـ)(.)2
ـ إبراهيم بن الرحمن بن اإلمام التلمساني (ت797هـ)(.)3
ـ محمد بن علي بن قاسم بن علي بن عالق األموي األندلسي الغرناطيـ
(ت806هـ)(.)4
ـ محمد بن علي بن محمد األنصاري شهر بالحفار (ت811هـ) ،محمد
بن عبد العزيز التازغدري (ت832هـ) (.)5
ـ أحمد بن محمد الهنتانيـ أبو العباس (ت833هـ) (.)6
ـ محمد بن أحمد الحفصي (ت839هـ) (.)7
ـ محمد بن أحمد بن محمد بن مرزوق الحفيد العجيسي التلمساني (ت 84هـ)
(.) 8
ـ علي بن موسى بن عبد هللا اللخمي البسطي عرف بالقرباقي (ت 844هـ)(.) 9
ـ أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الشهير بابنـ زاغو (ت845هـ)(.)10
ـ محمد بن محمد بن سراج أبو القاسم األندلسي الغرناطي (ت 848هـ)(.) 11
ـ عمر بن محمد بن عبد هللا الباجي التونسي عرف بالقلشاني (ت 848هـ)(.) 12
ـ عبد هللا بن محمد بن موسى بن بن معطي العبدوسي (ت849هـ)(.)13
ـ منصور بن علي بن عثمان الزواوي المنجالتي البجائي (ت بعد 850هـ)(.) 14
ـ محمد بن يوسف الصناع األندلسي الغرناطي(.)15
(?) نيل االبتهاج ص ،102وله فتاوى مجموعة ،وهو أول من نقل عنه الونشريسي في 13
المعيار.
(?) نيل االبتهاج ص .159 14
ــ 205ـ
ـ أحمد بن محمد ذاقال الجزائري (من طبقة قاسم العقباني)(.)16
ـ محمد بن محمد (خمسا) بن عاصم القيسي الغرناطي (ت857هـ)(.)2
ـ عبد هللا بن أحمد البقني أبو الفرج الغرناطيـ (كان حيا في 860هـ)(.)3
محمد بن أبي القاسم بن محمد بن عبد الصمد المش َّدالي (ت 866هـ)(.) 4
ـ إبراهيم بن محمد بن فتوح العقيلي األندلسي يعرف بابن فتوح (ت 867هـ)(.) 5
ـ علي بن محمد الحلبي الجزائري(.)6
ـ محمد بن العباس بن محمد بن عيسى العبادي شهر بابنـ العباس
التلمساني (ت871هـ)(.)7
ـ محمد بن أحمد بن عيسى المغيلي شهر بالجالب التلمساني (ت 875هـ)(.) 8
ـ إبراهيم بن قاسم بن سعد بن محمد العقباني التلمساني (ت 880هـ)(.) 9
ـ محمد بن محمد بن عيسى العقوي الزلديوي التونسي (ت882هـ)(.)10
ـ محمد بن محمد (أربعا) بن منظور األندلسي الغرناطيـ أبو عمرو
(كان حيا في 887هـ)(.)11
ـ محمد الجعدالة األندلسي المالقي (كان حيا في .)12()880
ـ محمد الفخار الغرناطي (كان حيا في 880هـ).
ـ محمد الذبح الغرناطيـ (كان حيا في.)880
ـ محمد بن سيد بونة الغرناطي (كان حيا في.)880
()13
ـ محمد بن عمر بن محمد بن عبد هللا القلشاني التونسي (ت890هـ) .
ـ عيسى بن أحمد بن مهدي الماواسي البوطي الفاسي (ت896هـ) (.)14
ـ أحمد بن محمد بن زكري المانوي التلمسانيـ (ت899هـ)(.)15
(?) نيل االبتهاج ص .121 16
ــ 206ـ
ـ محمد بن عبد الجليل التنسي التلمساني (ت899هـ)(.)1
ـ محمد بن أبي العيش الخزرجي التلمساني أبو عبد هللا (ت911هـ) (.)2
ـ عمر بن عبد الرحمن بن يوسف الكزنائيـ الفاسي (كان في.)3( )911
70ـ نوازل الجزولي ،الحسن بن عثمان التملي السوسي (ت 932هـ)
(يحقق).
71ـ فتاوى لعبد الواحد بن أحمد بن يحيى بن علي الونشريسي (ت
955هـ)( )4قال التنبوكتي(( :وفتاويه محررة محققة))(.)5
72ـ فتاوى لعمر بن بن محمد الكماد األنصاري القسنطيني (ت960هـ)
قال التنبوكتيـ(( :أبدع فيها ما شاء ،سأله عن بعضها الفقيه الكبير المحقق
الصالح أبو زكريا يحيى بن عمر الزواوي))(.)6
73ـ نوازل أحمد بن زكرياء البعقيلي السوسي (ت969هـ) (يحقق).
74ـ أجوبة التمنارتي ،محمد بن إبراهيم الشيخ اللكوسي السوسي (ت
971هـ) (يحقق).
75ـ أجوبة ابن عرضون أحمد بن الحسن بن يوسف الزجلي
الشفشاوني (ت992هـ) (يحقق).
76ـ أسئلة وأجوبة ،ومسائل من األجوبة الحسان ،لسعيد بن علي بن
مسعود السوسي (ت1001هـ)(( )7يحقق).
77ـ فتاوى ألبي عبد هللا محمد بن محمود بن أبي بكر النكري التنبكتيـ
المعروف ببُغبُعـ (ت1002هـ) ((( ،)8فتاوى كثيرة))(.)9
78ـ نوازل العباسي،ـ سعيد بن عبد هللا بن إبراهيم السماللي السوسي
(ت1007هـ) (( )10يحقق).
79ـ أجوبة على نوازل في الفقه سئل عنها ألبي الفضل قاسم بن
()11
زروق (ت بعد1009هـ)(( ،في نحو ثالثينـ مجلدا ،محررة مع إطناب)) .
(?) نيل االبتهاج ص .573 1
(?) طبعت رسائل اليوسي بتحقيق ذة فاطمة خليل القبلي ،وضمنها رسائل في الفقه وهي 7
ــ 207ـ
80ـ األجوبة ،للعربي بن يوسف الفاسي (ت1052هـ) ((.)1يحقق)
81ـ الجواهر المختارة فيما وقفت عليه من النوازل بجبالـ غمارة لعبد
العزيز بن الحسن الزياتيـ الغماري (ت1055هـ) ،جمع فيه ما وقف عليه من
فتاوى الفقهاء المتأخرين من أهل فاس وغيرهم ،وأضاف إليه من نوازل
الونشريسي ومن غيرها(( )2يحقق).
82ـ النوازل البرجية ،لعبد العزيز بن أبي بكر الرسموكي السوسي
(ت1065هــ) .وهي تضم إلى الفتاوى مناقشاتـ فقهية بين القاضي البرجي
والفقهاء بسوس ومراكش (يحقق).
83ـ تاج المجاميع في الفتاوى ،لتاج الدين بن أحمد بن بن إبراهيم
المكي المعروف بابنـ يعقول (ت1066هـ) ((له ..فتاوى نفيسةـ جمعها ولده..
في مجموع سماه تاج المجاميع))(.)3
84ـ فتاوى "حسنة" لحمدون بن محمد بن موسى (ت1071هـ)(.)4
85ـ األجوبة الناصرية في بعض مسائلـ البادية،ـ ألبي عبد هللا محمد
بن محمد بن أحمد بن ناصر الدين الدرعي (ت1085هـ) ،جمعها تلميذه محمد
ابن أبي القاسم الصنهاجي ،وأكثر مسائلهاـ تدور حول الباديةـ ،وهي تحتوي
على مسائل في الفقه والتوحيد والتصوف(( )5يحقق).
86ـ ((فتاوى مشهورة في الفقه منقول بعضها في نوازل الشيخ المهدي
الوزاني))(.) 6
87ـ أجوبة لعبد القادر بن علي بن أبي المحاسن الفاسي أبي محمد (ت
1091هـ) ((ومع غزارة علمه لم يتصدر لتأليفـ خاص ،وإنما تصدر منه
أجوبة عن مسائل سئل عنها جمعها بعض أصحابه في مجلد))( .)7والمذكور
لعبد القادر الفاسي األجوبة الكبرى والصغرى.
88ـ ((أجوبة على أسئلة رفعت إليه)) لعبد الباقي بن يوسف بن أحمد
الزرقاني أبي محمد (ت1099هـ) (.)8
89ـ نوازل المجاصي أبي عبد هللا محمد بن الحسن المغراوي الفاسي
(ت1103هـ) ،قاضي الجماعة بفاس ومكناس(( )9يحقق).
(?) مخطوط الخزانة الحمزية بالراشدية جنوب المغرب عدد .1260 1
(?) خ الخزانة العامة بالرباط ،بعد ،1250وقد طبعت على الحجر بفاس عام 1319هــ. 5
(?) شجرة النور ص ،351 :منها نسخة بالخزانة الحسنية بالرباط ،عدد ،4417وقد طبعت على 7
الحجر بفاس.
(?) شجرة النور ص.304 : 8
(?) منها نسخة بالخزانة الملكية بالرباط رقم ،3310 :وقد طبعت على الحجر بفاس. 9
ــ 208ـ
90ـ نوازل العلمي علي بن عيسى الحسني الشفشاوني (ت1127هــ)،
قاضي شفشاون وابن قاضيها ،جمع فيها أجوبتهـ وأجوبة بعض معاصريه
ومن سبقهم من فقهاء شمال المغرب(.)1
91ـ األجوبة ألحمد بن محمد بن ناصر الدرعي أبي العباس (ت 1129هـ)
(.) 2
92ـ نوازل محمد بن علي المنبهي (ت1133هـ) ،جمعها تلميذه علي بن
القاسم بن أحمد البوسعيدي(( )3يحقق).
93ـ أجوبة بُر ُدلّه محمد العربي بن أحمد األندلسي الفاسي (ت
1133هـ) ،جمعها له تلميذه أحمد بن محمد الخياط بن إبراهيم الدكالي
الفاسي(( .)4يحقق)
94ـ أجوبة لمحمد بن أحمد أبي عبد هللا المسناوي الدالئي (ت1136هـ)
((كثيرة وتقاييد مفيدة في أنواع مختلفة ،لو جمعت لكانتـ مجلدا))( ،)5جمعها
أحمد بن محمد الدكالي(.)6
95ـ فتاوى كثيرة ألحمد بن محمد أبي العباس الشدادي (ت 1146هـ)(.)7
96ـ نوازل الورزازي محمد بن محمد الدليمي الورزازي (ت
1166هـ) .بوبها على أبواب الفقه(( .)8يحقق)
97ـ النوازل لعلي بن علي أبي الحسن الشريف العلمي (تلميذ عبد
القادر الفاسي)(.)9
98ـ مواهب ذي الجالل في نوازل البالد السائبة والجبال لمحمد بن
عبد الله بن عبد الرحمن السكتانيـ الكيكي (ت1185هـ)(( .)10يحقق).
99ـ عنوان الشرعة وبرهان الرفعة في تذييل أجوبة فقيه درعة،
لمحمد بن عبد هللا بن عبد الرحمن السكتانيـ الكيكي (ت1185هـ) (يحقق).ـ
() 11
100ـ فتاوى ألبي محمد عبد اللطيف بن محمود الطوير (ت 1199هـ) .
(?) طبعت أوالً على الحجر بفاس في جزأين سنة (1332هــ) ،ثم أعادت وزارة األوقاف 1
والشؤون اإلسالمية بالمغرب طبعها سنة (1403هـ) ،بتحقيق المجلس العلمي بفاس.
(?) شجرة النور ص.332 : 2
ــ 209ـ
101ـ تقاييدـ وأجوبة ألحمد بن مبارك بن محمد أبي العباس
السجلماسي البكري (ت1155هـ)(.)1
102ـ أجوبة أبي عبد هللا محمد بن الحسين الورزازي (ت1174هـ)(.)2
103ـ نوازل ابن سودة ،محمد التاودي بن الطالب المري الفاسي (ت
1209هــ) ،شيخ الجماعة بفاس ،جمعها له ولده القاضي أحمد بن سودة(.)3
(يحقق)
104ـ فتاوى لحسن بن عبد الكبير أبي محمد الشريف التونسي (ت
1234هـ)(.)4
105ـ فتاوى عبد الرحمن الحائك أبي زيد التطاوني (ت بعد1220هـ)
((له فتاوى محررة غاية في التحرير جمعها تلميذه المأمون المذكور بعضها
منقول في نوازل الشيخ المهدي الوزاني))(.)5
106ـ نوازل عبد هللا العلوي الشنقيطي (ت1230هـ) صاحب نشر
البنود (يحقق).
107ـ ثالثمائة سؤال وجواب ،لمحمد بن محمد الدكالي الفاسي (ت
1241هـ)(( )6يحقق).
108ـ أجوبة التسولي علي بن عبد السالم المدعو مديدش (ت1258هـ)
قاضي الجماعة بفاس(.)7
109ـ فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم وتلميذه مديدش أبي الحسن علي
بن عبد السالم التسولي (ت1258هـ) ((فجاء في مجلدات))(.)8
110ـ رسائل وأجوبة عن مسائلـ علمية،ـ في تسع مجلدات إلبراهيم بن
عبد القادر الرياحي أبي إسحاق (ت126هـ)(.)9
111ـ فتاوى محررة لمحمد البنا أبي عبد هللا التونسي (ت1283هـ)(.)10
112ـ فتاوى ألحمد بن حسين أبي العباس الغماري (ت1285هـ)(.)11
(?) شجرة النور ص.352 : 1
(?) طبعت على الحجر بفاس ،ثم طبعت مع النوازل الصغرى لعبد القادر الفاسي ،على 3
ــ 210ـ
113ـ فـتـاـوـىـ لـمـحـمـدـ بـنـ أـحـمـدـ أـبـيـ عـبـدـ هللاـ عـلـيـشـ اـلـمـصرـيـ (ـتـ
1299هــ)ـ (ـ(ـفـيـ مـجـلـدـيـنـ)ـ)ـ(ـ،)1ـ وـهـيـ اـلـمـسـمـاـةـ فـتـحـ اـلـعـلـيـ اـلـمـاـلـكـ فـيـ اـلـفـتـوىـ عـلـىـ
مـذـهـبـ مـاـلـكـ()2ـ.ـ
114ـ فتاوى ورسائل ((محررة منها رسالة في المحاباة)) لمحمد
الشاذلي بن عثمان بن صالح أبي عبد هللا (ت1308هـ)(.)3
115ـ مجموع الفتاوى ((نحو ثمانية مجلدات)) لمحمد بن عثمانـ النجار
أبي عبد هللا (ت1331هـ) (.)4
116ـ اختصار أجوبة الشيخ عظوم ألبي عبد هللا بن حمودة جعيط (ت 1337
هـ)(.) 5
117ـ النوازل الصغرى أو المنح الساميةـ في النوازل الفقهية ،ألبي
عيسى محمد المهدي بن محمد الوزاني العمراني الحسني الفاسي (ت
1342هـ) ،جمع فيها فتاويه،ـ وأضاف إليها فتاوى غيره من معاصريه
وشيوخه وبعض من تقدمهم(.)6
118ـ اـلـنـوـاـزـلـ اـلـجـدـيـدـةـ اـلـكـبـرـىـ فـيـ أـجوـبـةـ أـهـلـ فـاـسـ وـغـيـرـهـمـ مـنـ
اـلـبـدـوـ وـاـلـقـرىـ،ـ أـوـ اـلـمـعـيـاـرـ اـلـجـدـيـدـ اـلـجـاـمـعـ اـلـمـعـرـبـ عـنـ فـتـاـوـىـ اـلـمـتـأـخـرـيـنـ مـنـ
عـلـمـاـءـ اـلـمـغـرـبـ،ـ ألـبـيـ عـيـسـىـ مـحـمـدـ اـلـمـهـدـيـ بـنـ مـحـمـدـ اـلـوـزـاـنـيـ اـلـعـمـرـاـنـيـ
اـلـحـسـنـيـ اـلـفـاـسـيـ (ـتـ1342هــ)ـ،ـ وقـدـ أـلـفـهـ بـعـدـ مـضـيـ عـقـدـيـنـ عـلـىـ تـأـلـيـفـهـ
اـلـنـوـاـزـلـ اـلصـغـرـىـ،ـ وفـيـهـاـ تـجـمـعـ لـدـيـهـ عـدـدـ أـكـثـرـ مـنـ فـتـاـوـيـهـ وـمـنـ مـخـتـاـرـاـتـ
فـتـاـوىـ غـيـرـهـ مـنـ أـهـلـ فـاـسـ وـغـيـرـهـمـ مـنـ اـلـمـتـأـخـرـيـنـ،ـ وـلـكـنـهـ أـضـاـفـ إـلـىـ ذـلـكـ
فـتـاـوىـ بـعـضـ اـلـمـتـقـدـمـيـنـ اـألـنـدـلـسـيـيـنـ وـاـلـقـيـرـوـاـنـيـيـنـ واـلـبـجـاـئـيـيـنـ واـلـتـلـمـسـاـنـيـيـنـ
وـغـيـرـهـمـ،ـ والـ يـكـرـرـ فـيـهـاـ شـيـئـاًـ مـنـ اـلـنـوـاـزـلـ اـلصـغـرـىـ إـالـ نـاـدـرـاًـ؛ـ حـيـنـ تـكـتـمـلـ
بـهـ فـاـئـدـةـ،ـ أـوـ يـدـعـوـ إـلـيـهـ اـلـتـنـظـيـرـ(ـ.)7ـ
119ـ نتائج األحكام في نوازل األحكام ،كالهما ألحمد بن محمد بن الحسن
الرهوني التطواني (ت 1373هـ) ،قاضي تطوان ووزير العدلية(( .) 8يحقق).
120ـ فتاوى تتحدى اإلهمال في شفشاون وما حولها من الجبال ،جمع
وترتيب محمد الهبطي المواهبي( ،) 9حيث جمع ما ينيف على سبعمائة وستين
(?) ط وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية بالمغرب في أربعة أجزاء سنة .1992 6
(?) ط باعتناء الفقيه عمر بن عباد ط وزارة األوقاف بالمغرب سنة .2000 7
ــ 211ـ
فتوى مهجورة بشفشاون وناحيتها ،لم تجمع في كتاب ،ولم يهتم بها أحد ،فجمعها
(يحقق).
121ـ األجوبة الرشيدة في َحلِّ النوازل الفقهية والمعامالت المعاصرة
للفقيه رشيد ابن الفقيه محمد الشريف العلمي (ولد سنة (1934م))(( )1يحقق).
خدمة كتب النوازل
أوال ـ نوازل ابن رشد ألبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد الجد (ت 520
هـ)
()2
1ـ اختصار أجوبة ابن رشد البن عبد الرفيع (ت733هـ) ،وسماه
في المعيار ((اختصار األسئلة))(.)3
2ـ ترتيب نوازل ابن رشد لعبد الرحمن بن محمد بن أحمد القيسي
أبي زيد وأبي القاسم (ت737هـ) (.)4
3ـ غنية المريد في شرح مسائلـ أبي الوليد البن أبي مريم محمد بن
أحمد أبي عبد هللا المليتيـ المديوني التلمساني (ت بعد1014هـ) (.)5
ثانيا ـ نوازل ابن الحاج محمد بن أحمد بن خلف التجيبي المعرف
بابن الحـــاج (ت529هـ)
1ـ المنهاج في ترتيب نوازل ابن الحاج لعبد هللا بن أبي أحمد محمد بن
سعيد الغافقي أبو محمد (ت731هـ) ،قال التنبوكتي(( :ورتب نوازل ابن الحاج
على أبواب الفقه سماه المنهاج في ترتيبـ نوازل ابن الحاج))(.)6
2ـ ترتيبـ نوازل بن الحاج لعبد الرحمن بن محمد بن أحمد القيسي أبي
زيد وأبي القاسم (ت737هـ)(( ،ترتيبـ نوازل ابن الحاج الشهير))(.)7
ثالثا ـ الحاوي في الفتاوي البن عبد النور محمد بن محمد أبو عبد هللا
التونسي (ت بعد726هـ).
()8
1ـ مختصر الحاوي في الفتاوي لمحمد بن أحمد بن محمد ابن
مرزوق الحفيد العجيسي (ت842هـ)(.)9
2ـ مختصر الحاوي في النوازل للبوسعيدي.
رابعا ـ نوازل البرزلي أبي القاسم بن أحمد بن محمد البلوي القيرواني (ت
841هـ)
(?) طبع في المغرب سنة .2004 1
(?) نيل االبتهاج ص ،244والكتاب طبع بدار الغرب اإلسالمي بتحقيق التليلي تحت 4
ــ 212ـ
1ـ مختصر نوازل البرزلي ألحمد بن عبد الرحمان بن موسى بن عبد
الحق اليزلتنيـ عرف بحلولو القروي (ت898هـ)((( ،)1اختصار جيد لفتاوى
شيخه البرزلي"(" ،)2مختصر نوازل البرزلي في سفر))(.)3
2ـ مختصر نوازل البرزلي ألبي العباس الونشريسي (ت914هـ)(.)4
(?) نيل االبتهاج .1/135وقد طبع هذا الكتاب بتحقيق الدكتور أحمد الخليفي بطرابلس ـ 3
المراجع أو على شـــبكة اإلنـــترنت وخصوصا فيما تعلق بهـــذه الوســـيلة األخـــيرة موقع
«الرابطة المحمدية للعلماء» بالمغرب الشقيق.
ــ 214ـ
والطّب ،وغيرها من المسائل المتفرّقة الخارجة عن مجال الفقه
وموضوعاته.
وهو من تلك ال ّدواوين التي جمع فيها مؤلّفها ،على غرار غيره من
الفقهاء م ّمن ألّف على طريقته،ـ باإلضافة إلى أجوبته ،أجوبة غيره من
معاصريه ومن تق ّدمه من العلماء من أقطار مختلفة ،متّسعة اتّساع بالد
اإلسالم.
وهو يفيد أيضا ً في معرفة ثراء أجوبة الفقهاء ،واتّساع دائرة اجتهاداتهم،ـ
كما يفيد معلومات تاريخية واقتصادية واجتماعية وسياسيةـ متعلّقةـ بالعصور
التي أفتى فيها أصحاب اإلجاباتـ المذكورة فيه.
«وقد ذكر البرزلي في مقدمة كتابه أنّه قصد فيه إلى جمع أسئلة
اختصرها من نوازل ابن رشد ،وابن الحاج ،والحاوي البن عبد النّور،
وأسئلة ع ّز ال ّدين ،وغيرهم من فتاوى المتأخرّين من أئ ّمة المالكيين من
المغاربة واإلفريقيين،ـ م ّمن أدركهم ،وأخذ عنهم ،أو عن غيرهم ،م ّمن نقلوا
عنهم ،وغير ذلك م ّما اختاره هو أو بعض مشايخه»(.)1
والكتابـ مطبوع في سبع مجلّدات بتحقيق أ.د /محمد الحبيب الهيلة ،طبع
سنة 2002م بدار الغرب اإلسالمي ببيروت.ـ
النّموذج الثّاني :كتاب «المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى
أهل إفريقية واألندلس والمغرب» للعالّمة اإلمام أحمد بن يحيى الونشريسي
أصالً ،الفاسي داراً ووفاة (ت914هـ).
وهذا الكتاب النّفيس جامع لكثير من فتاوى األندلسيين والمغاربة المتق ّدمين
والمتأخرين ،وحا ٍو لمجموعة ال تق ّدر ،قيمة وعدداً ،من فتاوى واجتهادات ّ منهم
فقهاء القيروان ،وبجاية ،وتلمسان ،وقرطبة ،وغرناطة ،وسبتة ،وفاس،
ومراكش ،وغيرها من مدن العلم وعواصم المعرفة بالغرب اإلسالمي ،وهو
حافظ لجملة م ّما ضاع من فتاوى المتق ّدمين من الفقهاء واألئ ّمة ،على مدى
يقارب الثّمانية قرون ،وهو ،كسابقه ،مرتّب على أبواب الفقه .وفيه أيضاً نقل
لبعض الرّسائل التي ألّفت إجابة عن أسئلة في موضوعات مختلفة خارجة عن
مجال الفقه اإلسالمي المراد به األحكام الفرعية العملية.
وـهوـ بـاـعـتـبـاـرـ مـاـ حـوـاـهـ مـنـ اـألـجـوـبـةـ واـلـفـتـاـوـىـ،ـ مـنـ أـوـسـعـ وأـوـعـبـ كـتـبـ
اـلـنّـوـاـزـلـ اـلـفـقـهـيـةـ،ـ وـهوـ إـلـىـ جـاـنـبـ هـذـاـ اـلـمـحـتـوىـ اـلـفـقـهـيـ اـلـكـبـيـرـ،ـ مـوـسـوـعـةـ
عـلـمـيـةـ شـاـمـلـةـ فـيـ مـجـاـالـتـ غـيـرـ مـجـاـلـ اـلـفـقـهـ،ـ كـمـاـ تـقـ ّدـمـ،ـ مـثـلـ اـلـتّـاـرـيـخـ وـعـلـمـ
اـالـجـتـمـاـعـ.ـ فـهوـ يـضـ ّمـ مـعـلـوـمـاـتـ عـزـيـزـةـ عـنـ أـحوـاـلـ اـلـمـجـتـمـعـاـتـ فـيـ اـلـغـرـبـ
اـإلـسـالـمـيـ وـعـنـ تـقـاـلـيـدـ شـعـوـبـهـ؛ـ مـنـ بـيـاـنـ لـعـاـدـاـتـهـمـ فـيـ اـألـفـرـاحـ واـألـتـرـاـحـ،ـ
وفـيـ اـلـمـوـاـسـمـ،ـ وألـعـرـاـفـهـمـ فـيـ أـنـوـاـعـ اـلـمـلـبـوـسـاـتـ وـاـلـمـطـعـوـمـاـتـ،ـ وفـيـ اـلـكـالـمـ
(?) د .مبارك جزاء الحربي في نكاذج من جهـود علمـاء المالكية المغاربة في تـدوين النـوازل 1
وم ّما يالحظ في هذا الكتاب ،تكرّر بعض الفتاوى بنصّ سؤالها
وجوابها .ووقوع ذلك فيه لسببين اثنين هما:
أ ّوالً ـ اشتمال الفتوى المكرّرة على مسائلـ تتعلّقـ بأبواب فقهية
متع ّددة تستدعي إدراجها في أبواب مختلفة.
ثانيا ً ـ سهو المؤلّف وعدم انتباههـ إلى أنّه سبق أن أثبتـ هذه
المسائل في محآل أخرى من كتابه،ـ خصوصا ً عندما يقع التّكرار في
نفس الباب.
أن من صنيع المؤلّف في كتابهـ تدارك فتاوى فآته كما يالحظ أيضا ً ّ
إثباتهاـ في أبوابها ،فيدرجها في غيرها من األبواب حين يذكرها ،معتذراً
بالنّسيانـ وحرصه بإثباتهاـ على اإلفادة.)2(...
اهت ّم الفقهاء بكتاب المعيار اهتماماًـ كبيراً ،استفادة ،واعتماداً،ـ
واختصاراً ،واعتنىـ به أخيراً جماعة من العلماء على رأسهم ابن
العباس البوعزاوي الفاسي (ت1337هـ1918/م) ،وطبع إثر ذلك ،وأل ّول
مرّة ،طبعةـ حجرية بفاس سنة (1314هـ1897/م) في اثني عشر جزءاً،
ث ّم أعادت وزارة األوقاف المغربية نشره عام (1401هـ1981/م) بعنايةـ
جماعة من الفقهاء تحت إشراف ال ّدكتور محمد حجّي(.)3
ط ٍر من سير الحكام» النّموذج الثّالث:ـ كتاب «اإلعالم بنوازل األحكام وقِ ْ
أو «ديـوان األحكـام الكبـرى» ،المعروف أيضا ً بـ ((أحكام) أو (نوازل) ابن
سهل) لإلمام ال َعلَم أبي األصبغ عيسى بن سهل األسدي الغرناطي (ت
486هـ) .وهو من أقدم ما يعرف من مجاميع النّوازل األندلسية في المصنفات
ّ
التي جمعت فتاوى علماء ومشايخ منطقة واحدة ،وقد خصّ مؤلِّفُه معظَ َمهـ
بنوازل األندلسيين،ـ إالّ ما أورد فيه من بعض فتاوى فقهاء القيروان القليلة
(?) ينظر /المعيار :مقدمة المحقق ،صفحة (ز). 1
(?) عن مركز الدراسات واألبحاث وإحياء الــتراث (الرابطة المحمدية للعلمــاء ،المملكة 3
المغربية).www.arrabita.ma .
ــ 216ـ
النّادرة.
والكتاب،ـ الذي ع ّده علماء المالكية موسوعة قضائية جامعة ألحكام
قضاء األندلس ،مرتّب على النّسق الفقهي المعروف ،وفيه مق ّدمة بيّن فيها
المؤلّف سبب تأليف الكتاب ،ومنهجه فيه.
وقد كثر المشتغلون بهذا الكتاب والمستفيدون منه ،فمنهم من اعتمد عليه
في أحكامه ونوازله ،ومنهم من علّق عليه حواش ،ومنهم من اختصره(.)1
والكتابـ مطبوع في مجلد واحد سنة 1428ـ 2007بتحقيقـ د /يحيى
مراد ،بدار الحديث /القاهرة؛ وحققته قبل ذلك في دراسة أكاديمية
(ماجستير) :نورة محمد عبد العزيز التويجري سنة 1401هـ بجامعةـ الملك
سعود ،كلية اآلداب؛ كما اشتغل به أيضا ً األستاذ أنيس العالئي الذي حقّق
جز ًءا منه في رسالة دكتوراه بإشراف ال ّشيخ محمد ال ّشاذلي النّيفر سنة
1402هـ ،بكلية الزيتونة بتونس.
النّموذج ال ّرابع :كتاب «الدرر المكنونة في نوازل مازونة»
(المازونية) ،ليحيى بن موسى المازوني المغيلي (ت883هـ) .وهو كتاب
جمع فيه ـ كما صرح بذلك مؤلّفه في مقدمة الكتاب ـ نوازل معاصريه
ومعاصري والده من علماء وطنه( ،)2مرتبة على أبواب الفقه في مجموع
يحصل به االنتفاع …(.)3
وقد استم ّد واستفاد منه كثير من العلماء ،منهم الونشريسي في «المعيار
المعرب».
وأجزاء من الكتاب حقّقت ،وأخرى طور التّحقيق من قبل جماعة من طلبة
الماجستير في قسم ال ّشريعة والقانون من كلّية العلوم اإلسالمية بجامعة الجزائر.
النّموذج الخامس :كتاب «الحديقة المستقلّة النّضرة في الفتاوى
الصادرة عن حاضرة غرناطة» ،لمؤلف مجهول ،وقيل هو لمحمد بن
طركاظ الغرناطيـ ،أبي الفضل أو أبي العباس.
جمع مؤلّفه بين دفتيه النّوازل الصّادرة عن كبار علماء حاضرة
غرناطة من أهل القرن الثّامن والتّاسع الهجريين ،بما فيها من بيان لحالة
بالد األندلس العلمية واالجتماعيةـ والسّياسية إبّان سقوطها.
ومسائله معروضة فيه دون ترتيب ،وال تبويب ،وشملت جميع قضايا
األحكام من صالة ،وصوم ،وزكاة ،وحجّ ،ومسائل األيمان والنّذر،
(?) مقدمة محقق كتاب «اإلعالم بنوازل األحكام» يحيى مراد.4 : 1
(?) ال ّدرر المكنونة(و )1نسخة وهران .نقال عن الجزء المحقق من زهرة شرفي.91 : 2
(?) ال ّدرر المكنونة(و )1نسـخة وهـران .نقال عن الجـزء المحقق من زهـرة شـرفي87 : 3
المغربية).www.arrabita.ma .
(?) ينظر /التقديم لكتاب «فتاوى تتحدى اإلهمال» لوزير األوقاف والشــؤون اإلســالمية 2
بعدها.
ــ 218ـ
وأجوبة ،لم يلتزم فيها ابن رشد منهجا ً موحّداً كما هو حال أغلب كتب
النّوازل الفقهية؛ فمنها مسائلـ توسّع في اإلجابةـ عنها وأخرى اختصر فيها
حسب مقتضى السّؤال أو النّازلة»( ،)1ذاكراً في ذلك كلّه أدلّة المسائل من
القرآن والسّنة ،مستشهداً بما في كتب المذهب من أقوال اإلمام مالك ،وأقوال
كبار أتباعهـ ومحقّقي مذهبه ،بال غياب لشخصيتهـ في عرض اآلراء ونقدها،
والتّرجيح بينها،ـ وتقديم األص ّح منها في اجتهاده ،بأسلوب سلس واضح
مفهوم(.)2
ومتتبّع الفتاوى في الكتاب يجد تن ّوعا ً في مصادرها ،وتع ّدداً في أسماء
هذه المصادر ،وقد يذكرها ابن رشد أحيانا ً مقترنة بأسماء أصحابها ،وأحياناًـ
غير مقترنة بها.
ومن جملة مصادر ابن رشد في «فتاويه» بعد كتابـ هللا ؛ «موطأ
مالك» (ت 179هـ) ،و«مد ّونة سحنون» (ت240هـ) ،و(العتبية)ـ أو
(المستخرجة من األسمعة) ألبي عبد هللا محمد العتبيـ (ت255هـ)،
و(الموازية) ألبي عبد هللا ابن المواز (ت269هـ) ،و«جامع التّرمذي» (ت
279هـ) ،وغير ذلك من الكتب المعتمدة في المذهب وخارجه(.)3
وج ّل مسائلـ الكتابـ من الفتاوى الفقهية ،وبعضه مسائل نحوية(.)4
وقد حظيت «الفتاوى» باهتمام علماء عصره والفقهاء من بعده دراسة
واعتماداً عليه .وقد طبع الكتاب بتحقيقين:ـ
األ ّول :لل ّدكتور المختار بن الطّاهر التّليلي سنة 1407هـ ـ 1987م بدار
الغرب اإلسالمي ،ببيروت.
والثّاني :لمحمد الحبيب التّيجاني ،حقّق الكتاب تحت عنوان «مسائلـ أبي
الوليد بن رشد الج ّد» ،طبع سنة 1414هـ ـ 1993م طبعة ثانيةـ بدار الجيل
ببيروت ودار اآلفاق الجديدة بالمغرب.
النّموذج الثّامن :كتاب «مذاهب الحكام في نوازل األحكام» للقاضي
عياض بن موسى بن عياض السّبتي (ت544هـ) وهي عبارة عن نوازل
قضاء فصل فيها القاضي عياض،ـ جمعها بعد موته ابنهـ أبو عبد هللا محمد (ت
575هـ) .وكانت قبل ذلك عبارة عن بطائقـ أو جذاذات من الفتاوى المتفرّقة،
وهي من أقدم مؤلفات المغاربةـ في النّوازل.
(?) عن مركز الدراسات واألبحاث وإحياء الــتراث (الرابطة المحمدية للعلمــاء ،المملكة 1
المغربية).www.arrabita.ma .
(?) فتاوى ابن رشد ،القسم الدراسي للمختار التليلي 69 ،1/61 :ـ .71 2
(?) فتاوى ابن رشد ،القسم الدراسي 1/43 :وما بعدها. 3
ــ 219ـ
ويمثّل كتابـ «مذاهب الحكام في نوازل األحكام» نموذجا ً للمؤلفات
الفقهية التي تهتم بوقائع النّاس الجارية ومشكالتهم النّاشئة،ـ وأقضيتهم
الطّارئة ،وهو مرجع فقهي يحتوي نوازل تكشف عن وقائع الحياة اليومية
بالمغرب واألندلس إبَّان عهد المرابطين.
ّ
وهو كتاب يض ّم بين دفّتيه ذخائر فكر القضاء المالكي ،ويمثل بما
تض ّمنه من أجوبة فقهية ،ما استقرّت عليه الفتوى في الغرب اإلسالمي على
عهد القاضي عياض ،وهو ما جعل كبار فقهاء النّوازل الذين أتوا بعد عياض
وابنهـ محمد ،يعتمدون عليه في أحكامهم.
وإجاباتـ القاضي في المسائل التي تعرض عليه تبيّن حرصه على بيانـ
الحكم مشفوعا ً بدليله ،مهتديا ً بأصول مصادر المذهب المالكي ،وآراء كبار
شيوخه؛ كابن رشد وابن الحاج ،ثم يحكم في النّازلة بما يثبت عنده ،أو
التّعليق على المسألة بحسب وقوعها متو ّخيا ً أثناء جوابه اإليجاز واالختصار،
ووضوح التّعبير ،وسالسة األلفاظ.
وأ ّما عن عمل ابنه أبو عبد محمد بن عياض فيه ،فإ ّنه قال« :فإن أبي …
خطة القضاء دوامه ،وساعدته لياليه وأيامه ،نزلت إليه من األقضية لما طال في ّ
نوازل تحار فيها األذهان واألفهام ،ويبعد مأخذها من طرق القضايا واألحكام،
لفيت بعد موته رحمة هللا عليه سؤاالته على تلك ف َيحك ُم فيها بما ي ّتجه عنده … وَأ ُ
ال ما نب ُ
َّهت خطه إ ّ
ال ّنوازل واألجوبة عليها في بطائق ،فنقلت تلك األسولة من ّ
عليه؛ وكذلك أجوبته وأجوبة الفقهاء عليه أيضاً … ،وجعلت كتابي هذا ديوان فقه
يشتمل على جميعها ،وترجمته بـ «مذاهب الحكام في نوازل األحكام»؛ وربّما
ذيّلت بعض تلك ال ّنوازل بما تق ّدم فيها أو في نوعها للقرويين واألندلسيين
وغيرهم»(.) 1
طبع الكتاب مرّتين بتحقيق ال ّدكتور محمد بن شريفة ،عن دار الغرب
اإلسالمي ،ببيروت .وترجمته إلى ّ
اللغة اإلسبانية دلفينا سيرانو Delfina Serano
(.) 2
النّموذج التّاسع :كتاب «مصباح األرواح في أصول الفالح» لمحمد بن
عبد الكريم المغيلي التّلمسانيـ (ت909هـ) ،وهو جواب سؤال يُطلب فيه منه
توضيح ما يجب على المسلمين من اجتنابـ الكفّار ،وما يلزم أهل ّ
الذمة،
وخاصة يهود ناحية «توات» من جنوب الجزائر ،بما بلغوا من النّفوذ
والتّد ّخل في شؤون الحكم ،وما ظهر من جهتهم من التّعالي والطّغيان
والتّمرّد على األحكام ال ّشرعية ،وما أثاروا بغيرهاـ من التّصرّفات من
(?) عن مركز الدراسات واألبحاث وإحياء الــتراث (الرابطة المحمدية للعلمــاء ،المملكة 2
المغربية).www.arrabita.ma .
ــ 220ـ
الحوادث في تلك المنطقة ،وما نجم عن ذلك من ردود فعل المسلمين(.)1
ووقف ال ّشيخ المغيلي من بين العلماء موقف حزم وق ّوة في تلك القضيّة،
وألّف فيها هذه الرّسالة ،و«قسّمها إلى ثالثةـ فصول؛ خصّ الفصل األ ّول بما
يجب على المسلمين من اجتنابـ الكفّار ،بحيث ال يقرّب مسلم كافراً من نفسه
أو عياله أو يستعمله في أعماله،ـ وال يفعل ذلك من المسلمين إالّ من ال دين
الذمة … من الجزية وال مروءة له .وتناول في الفصل الثّانيـ ما يلزم أهل ّ
والصَّغار .أ ّما الفصل الثّالث،ـ فقد تح ّدث فيه عن «يهود هذا ال ّزمان في سائر
األوطان من الجرأة والطّغيانـ والتّمرّد على األحكام ال ّشرعية» ،والتّدخل في
شؤون ال ّدولة اإلسالمية»(.)2
وموقف ال ّشيخ الحازم في هذه الفضية أثار حوارات علمية كثيرة
ومناقشات فقهية مع بعض العلماء المعاصرين له ،م ّمن وافقوا المغيلي على
موقفه ،أو م ّمن وضعوا أجوبة للنّازلة ،م ّما كان له الصّدى البعيد في المواقف
السّياسية وفي بعض المؤلفات التّاريخية المعاصرة له.
والكتابـ مطبوع بتحقيقـ رابح بونار ،الجزائر .1968
النّموذج العاشر :كتاب «أسنى المتاجر في بيان أحكام من غلب على
وطنه النصارى ولم يهاجر وما يترتب عليه من العقوبات ّ
والزواجر»
للونشريسي ،أحمد بن يحيى الونشريسي التّلمساني صاحب «المعيار» (ت 914
هـ).
أن الونشريسي أورد هذه الفتوى في باب نوازل الجهاد من كتابه كما ّ
()3
الجامع« :المعيار المعرب» .
وفحوى المسألة طلب معرفة واجب مسلمي األندلس (المورسكيين)ـ بعد
سقوطها واستيالء اإلفرنج النّصارى على بالدهم وأمالكهم ،وفي حكم بقاء
جماعات منهم منقطعينـ عن بالد يغلب عليها اإلسالم ،وفيما يجب عليهم من
الهجرة أو عدمها ،وفي إعالن إسالمهم أو إخفائه بين النّصارى المتغلّبين.
فالرّسالة تبحث في حكم بقاء المسلم في البلد الذي غلب عليه الكفار
بخاص ٍة ،وحكم اإلقامة في بالد الكفار بعامة.
وكان حكم الونشرسي فيها «قاسياً» شيئا ً ما على «المورسكيين» إذ
حكم بكفر ك ّل من لم يهاجر وتخلّف عن االلتحاق ببالد اإلسالم وبقي بأرض
أن في الحكم يغلب فيها حكم النّصارى الكفّار وأص ّر على البقاء كذلك ،ورأى ّ
(?) ينظر /تاريخ الجزائر الثقافي للدكتور أبو القاسم سعد هللا.1/54 : 1
(?) تاريخ الجزائر الثقافي للدكتور أبو القاسم سعد هللا.1/54 : 2
ــ 221ـ
بمثل ذلك تبرئةـ لذ ّمته ،وإعذاراً لمن وصله نصّ الفتوى … ،و َح َكم بتعزير
ك ّل من يزدري دار اإلسالم ،ويتطلّع إلى العودة إلى دار الكفر بعد أن أنجاه
هللا منها .واستد ّل على ما في فتواه بالكتابـ والسّنة واإلجماع والقياس.
وفتوى الونشريسي هذه هي أقدم نصّ معروف من فتاوى المغاربة في
هذا الموضوع كما قال ال ّدكتور سعد هللا(.)1
وقد حقّق نصّ الفتوى وعلّق عليها في دراسة ضمن «صحيفة معهد
ال ّدراسات اإلسالمية» في مدريد ،المجلد الخامس ،العدد 1ـ ،2السنة:
أيضا ال ّدكتور أحمد بن عبد
ً 1377هـ ـ 1957م ،ال ّدكتور حسين مؤنس .وحقّقها
الكريم نجيب.
سولي عن مسائل األمير عبد النّموذج الحادي عشر :كتاب« :أجوبة ال ُّت ُ
القادر الجزائري» ألبي الحسن علي بن عبد السّالم بن علي التّسولي (ت1258
هـ).
والكتابـ عبارة عن جواب سؤال وجهه األمير عبد القادر الجزائري
للفقيه أبي الحسن التّسولي ،يستفتيه به عن حكم المسلمين الذين يداخلون
العد ّو (الفرنسي) ويبايعهم ،ويجلب لهم الخيل ،وال يبخل من داللتهم على
عورات المسلمين،ـ وإذا طولبت أحياؤهم بتسليمهم جحدوا وأنكروا ،فما حكم
هللا في الفريقين في أنفسهم وأموالهم؟ فهل لهم من عقاب،ـ أم يتركون على
حالهم؟ وما الحكم فيمن يتخلّف في المدافعة عن الحريم واألوالد إذا استنفر
نائب اإلمام النّاس لل ّدفاع والجالد؟ فهل يعاقبون؟ وكيف عقابهم،ـ وال يتأتّى
بغير قتالهم؟ وهل تؤخذ أموالهم وأسالبهم؟ ….
وهو في نوازل الجهاد الواقعية،ـ ومن نماذجها المرجوع إليها عند
الحاجة.
والكتابـ مطبوع سنة 1996بدار الغرب اإلسالمي ،بيروت ،بتحقيق:
عبد اللّطيف أحمد ال ّشخي محمد صالح.
خاتمة
يظهر لمن يطالعـ النّماذج المتق ّدمة من المصنّفات في فقه النّوازل،
أن التّصنيف في ويتبيّن للنّاظر في مضامينها أو في التّقريرات الخاصّة بهاّ ،
وأن هذه المصنّفات،ـ في الجملة، النّوازل الفقهية له أساليبهـ ومناهجه المتّبعة،ـ ّ
ال تعدو أن تكون:
1ـ دواوين جامعة ألجوبة مؤلفيها ،وأجوبة غيرهم من معاصريهم أو
السّابقين لهم من مختلف البالد ،في شتّى مجاالت العلوم ال ّشرعية وغيرها،
وهي مرتّبة على ترتيب كتب الفقه في تبويبهم،ـ تتميّزـ بثراء أجوبة الفقهاء
(?) تاريخ الجزائر الثقافي لسعد هللا.55 : 1
ــ 222ـ
المذكورين فيها ،واتّساع دائرة اجتهاداتهم في ال ّشرعيات،ـ مع ما فيها من
وفرة المعلومات التّاريخيةـ واالقتصادية واالجتماعيةـ والسّياسية.
2ـ دواوين جامعة ألجوبة فقهاء وعلماء ينتسبونـ إلى منطقةـ واحدة ،أو
إلى مدينة واحدة.
3ـ دواوين جامعة ألجوبة فقيه واحد ،جمعها أو جمعت له من أحكامه
وفتاويه خالل م ّدة قضائه وتولّيه الفتوى ،أو أجاب عنها عن مجموعة أسئلة
وجّهت إليه من جهة معيّنة.
4ـ دواوين مؤلّفة لإلجابة عن قضيّة واحدة ،ونازلة مفردة في موضوع
واحد؛ إ ّما في العبادات،ـ وإ ّما في المعامالت،ـ أو األحوال ال ّشخصية ،أو
السّياسة ال ّشرعية ،أو الجهاد ،وغيرها من مجاالت الفقه والعقيدة
وموضوعاتهما.
أن هناك مصنّفات اشتغل فيها أصحابها باالختصار والتّرتيب للكتب كما ّ
المط ّولة.
هذا ما تم ّكنتـ من جمعه إلى هذا الحين من البياناتـ عن هذه الجملة من
الكتب النّوازلية ،وغيرها كثير ،المؤلّفة من علماء المغرب أو الغرب
الفن الجليل. اإلسالمي (شمال إفريقياـ واألندلس) ،وفي موضوع هذا ّ
وهي نماذج معبّرة ،فيما أحسب ،مع ما في كلّها من البراعة في التّأليف
وحسن في التّرتيب وتجديد في االجتهاد ،عن اختالف أشكال ومناهج الكتابة
في فقه النّوازل.
وهي تد ّل أيضا ً على االهتمام الكبير الذي أواله ،بمناهج مختلفة
لمؤثّرات موضوعية ،فقها ُء الغرب اإلسالمي لهذا النّوع من العلوم
والتّصنيفـ فيه ،اعتنا ًء بتاريخهمـ العلمي العريق وبتراثهم الفقهي ال ّزاخر،
الحامل للفوائد الكثيرة ،متعلّقة بأصول األحكام وطرق تطبيقها ،وبإيجاباتـ
فقهية واقعية على حوادث تحكي ظروفًا دينية،ـ واجتماعية،ـ وسياسية،ـ
وتاريخية عايشتهاـ المجتمعاتـ المغربية.ـ
وـمـنـ خـالـلـ هـذـهـ اـألـحـكـاـمـ اـلـتّـطـبـيـقـيـةـ اـلـمـحـاـطـةـ بـظـرـوـفـهـاـ اـلـمـؤـثّـرـةـ،ـ
تُـدـرـكـ وـتُـلـمـسـ وـاـقـعـيـةـ اـلـفـقـهـ،ـ وـمـسـاـيـرـتـهـ ألـطـوـاـرـ اـلـحـيـاـةـ فـيـ تـغـيّـرـ أـنـمـاـطـهـاـ
وـدـوـرـاـنـ أـحـوـاـلـهـاـ،ـ وـقـدـرـتـهـ عـلـىـ حـ ّلـ كـ ّلـ مـاـ يـعـتـرـضـ اـلـمـسـلـمـيـنـ مـنـ
مـعـضـالـتـ وـمـسـتـجـ ّدـاـتـ،ـ مـثـلـ تـلـكـ اـلـتـيـ عـرـفـتـهـاـ مـجـتـمـعـاـتـ شـمـاـلـ إـفـرـيـقـيـاـ
وـاـألـنـدـلـسـ فـيـ فـتـرـةـ زـمـنـيـةـ غـيـرـ بـعـيـدـةـ عـنّـاـ فـيـ مـقـيـاـسـ اـلـ ّزـمـاـنـ،ـ كـقـضـاـيـاـ
غـزـوـ اـلـنّـصـاـرـىـ لـبـالـدـ اـإلـسـالـمـ،ـ وـهـجـرـةـ اـلـمـسـلـمـيـنـ مـنـ أـوـطـاـنـهـمـ،ـ وـمـخـاـلـطـةـ
اـلـكـفـاـرـ،ـ وـاـالـرـتـدـاـدـ عـنـ اـلـ ّدـيـنـ،ـ وـغـيـرـهـاـ مـنـ اـلـمـوـضـوـعـاـتـ اـلـجـدـيـدـةـ
ــ 223ـ
وـاـلـمـسـتـجـ ّدـةـ،ـ وـاـلـتـيـ وـجـدـنـاـ كـتـبـ اـلـنّـوـاـزـلـ تـتـنـاـوـلـهـاـ بـاـلـمـنـاـقـشـاـتـ اـلـعـلـمـيـةـ
وـتـعـاـلـجـهـاـ بـاـلـبـيـاـنـ وـاـلـبـرـهـاـنـ.ـ
وهللا تعالى أعلم ،وسبحانك اللّهم وبحمدك ،ال إله إالّ أنت ،أستغفرك
وأتوب إليك.
***
ــ 224ـ
فقه النوازل عند اإلباضية
الشيخ عبد الرحمن بكلي نموذجًا
د .داود بن عيسى بورقيبة
جامعة عمار ثليجي ،األغواط
الحمد هلل الذي أنزل القرآن شــريعة ومنها ًجــا ،وجعل السنّة له شــرحًا
المنة
فاتضحت معالم األحكام ،واستبان الحالل والحرام ،ثمّ اكتملت ّ وتبيانًا،ـ ّ
األمة ببقاء هذه الشــريعة الخالــدة ،ودوام صــالحيتها
وتمّت النعمة على هذه ّ
لكلّ زمان ومكان ،فال ينضب معينها،ـ وال ينفذ عطاؤها،ـ فهي تفي ـ أب ـدًا ـ ـ
إال وللشريعة فيها
كل دهر ،فال تجد حادثة ّ
بحاجات كلّ عصر ،وبمتطلّبات ّ
إال وألهل العلم والفقه فيها رأي ،والصــالة والســالم
حكم ،وال تــنزل نازلة ّ
على خـــيرة خلق هللا في أرضه وســـمائه ،محمّـــد بن عبد هللا سيّد أنبيائـــه،
وعلى آله وأصحابه والتابعينـ لهم بإحسان إلى يوم الدين .وبعد،
فقد نزلت شريعة اإلسالم وحيًا من عند هللا ـ تبــارك وتعــالى ــ تحمل
في أصــولها ما يعــالج قضــايا االعتقــاد ،ويرسي قواعد العــدل والمصــلحة
والرحمة في األحكــام واســتقامةـ الســلوك .وخلــود الشــريعة وكمالها وتمــام
النعمة بها يصدق بنصوصها وأصولها الثــوابت ،منضـ ًما إلى ذلك مجــاالت
ومقرراتها ،وفي
ّ تفهم النصــوص
االجتهــاداتـ النابعة من أصــالة الفكر في ّ
تطورات
ّ يلم بها من
يجد في الحياة من وقائع ،وما ّ
حسن تطبيقهاـ في كلّ ما ّ
وتلوث البيئــاتـ والتحوّالت في
ّ ومتغيّ ـرات بســببـ حــوادث الفكر اإلنســاني
المجتمع وما تقتضيه سنن هللا في هذا(.)1
وتتو ّزع هذه المداخلة على المحاور اآلتية:
أوالً :مفاهيم الدراسة.
ّ
ثانياً :أهمية دراسة فقه النوازل.
ثالثًاـ :بطاقةـ تعريفية للشيخ عبد الرحمن بن عمر بكلي.
(?) صالح بن عبدهللا بن حميد ،الجامع في فقه النوازل ،مكتبة العبيكان ،الرياض ،ط،1 : 1
،2003ص11 :
ــ 225ـ
رابعًا :ضوابط اإلفتاء في النوازل عند الشيخ
خامسًا :نماذج من النوازل التي أفتى فيها الشيخ
سادسًا :ندوة الشيخ عبد الرحمن ومواجهة فقه النوازل
أوال ـ مفاهيم الدراسة
تعد المفاهيم العلمية بمثابة الوسيلة الرمزية التي يستعانـ بها في التعبيرـ ّ
وتعد تحدي ـدًا مختص ـرًا لمجموعة من ّ عن المعاني واألفكــار بغية توضــيحها،
الحقائق التي تساعد على توجيه مسار البحث:
ـ الفتوى لغـة واصطـالحا
أ ـ لغة(َ :)1
الف ْتوَى والفُ ْت َوى والفُ ْتيـَا :ما أفتى به الفقيه ،ومعناها :اإلبانــة،
يقــال:ـ أفتــاه في األمر إذا أبانهـ لــه ،وأفــتى الرجل في المســألة واســتفتيتهـ فيها
فأفتاني إفتاء ،إذا أجابه وأبان الحكم فيها.
ومن ذلك في القرآن الكريم :ﮋﮱ ﯓ ﯔﯕـ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﮊ()2؛ أي :يُبيّن
()
ك فِي النَّ ْف ِ
س َوتَ ـ َر َّد َد فِي لكم حكم ما سألتم عنه . 3وفي الحــديث« :اِإْل ْث ُم َما َحــا َ
ك» ( ،)4أي :وإن جعلــــوا لك فيه رخصة ك النَّاسُ َوَأ ْفتَــــوْ َالصــــ ْد ِر َوِإ ْن َأ ْفتَــــا َ
َّ
ً ()5
وجوازا .
والفتــوى والفــتى :اســمان يوضــعان موضع ((اإلفتــاء)) ،وتفــاتوا إليــه:
ارتفعوا إليه في الفتيا.ـ
وجمع فتــوى :فتــاوى ،فتــاوي وكونه منقوصا هو األصــل ،أ ّما القصر
فهو وارد على سبيل التخفيف ،وتجمع أيضا على فتا ٍو(.)6
وعليه فمدار الفتوى في اللغة :على البيان واإليضاح واإلظهــار ،فبتتبّع
ما ّدة (ف ت ي) في القــرآن ـ ـ الــتي وردت في مواضع عـ ّدة( )7ــ نجــدها كلّها
متضافرة على هذا المعنى اللغوي للكلمة.
(?) ابن منظــور ،لس ان العـرب المحيط ،إعـ ـداد :يوسف خيــاط ،بــيروت ،دار الجيل، 1
1051/ 4 ،1988؛ الرازي ،مختار الصحاح ،بيروت ،دار الفكر ،1981 ،ص 191مادة:
(ف ت ي)؛ سعدي أبو جيب ،القاموس الفقهي ،دمشق ،دار الفكر ،1988 ،ص281 :؛
الجوهري ،الصحـاح ،ت :أحمد عبد الغفـور عطـار ،بـيروت ،دار العلم للمــاليين،ـ ط،2
،3/2452 ،1984مادة( :فتى).
2
(?) سورة النساء.127/
(?) القرطبي ،الجامع ألحكام القرآن ،دت.402/ 5 ، 3
(?) أخرجه الدارمي ،السنن ،كتاب :البيوع ،باب :دع ما يريبك ،ح.2533 : 4
(?) ابن رجب الحنبـلي ،جامع العلوم والحكم ،الرياض ،مكتبة العبيكــان ،ط،1993 ،1 : 5
(?) في سورة النساء اآليتين ،)127/176( :الصافات اآليتين ،)11/149( :يوسف اآلية( : 7
وأ ّما في االص طالح :فقد اختلف المتــــأ ّخرون في تعريفها على عــــ ّدة
تعريفات:ـ
ّ
فقيل :إنها الوقائع الجديدة التي لم يسبق فيها نصّ أو اجتهاد.
وقيل :بأنّهاـ الحادثة الجديدة التي تحتاج إلى حكم شرعي.
وقيل :الحادثة التي تحتاج إلى حكم شرعي.
(?) عبد الكريم زيدان ،نظام اإلفتاء ،قسنطينة ،دار البعث ،1958 ،ص.81 : 2
(?) الحطاب ،مواهب الجليل ،دار الفكر ،ط.1/32 ،1992 ،3 3
(?) محمد عمر الحاجي ،عولمة الفتوى :مالها وما عليها ،دار المكتبي ،دمشــق ،ط،1 : 5
،2010ص18 :
ــ 227ـ
ويعرّفها أستاذناـ الفاضل الدكتور الزحيلي بقوله(( :النوازل أو الواقعات
أو العمليات :هي المسائل أو المستج ّدات الطارئةـ على المجتمع ،بسبب ّ
توس ـع
األعمال ،وتعقّد المعامالت،ـ والتي ال يوجد نصّ تشريعي مباشــر ،أو اجتهــاد
فقهي سابق ينطبق عليها))(.)1
وهناك تعريفات أخرى ،لكن نكتفي بهذه التعريفات.ـ
أن النازلة في االصــطالح(( :هي الحادثة الجدي دة وأقرب هذه األقوالّ :
التي تحتاج إلى حكم شرعي)).
فقولنـــا(( :الحادثة الجديـــدة)) أي ما يَ ِجـــ ُّد من الوقـــائع والمســـائل الـــتي
تستدعي إلى بيان حكمها الشرعي باالجتهاد عند أهل العلم.
وقولنا(( :التي تحتاج إلى حكم شرعي)) يُخرج الحوادث الجديدة الــتي ال
تحتاج إلى حكم شرعي؛ مثل البراكين ،والزالزل ،والفيضانات.ـ فهذه حوادث
جديدة لكنها من أقدار هللا الكونية القدرية ،ومثل هذه ال ينظر فيها المكلّف فيما
يتعلّق بحدوثها هل يحتاج إلى حكم شرعي أو ال يحتاج.
وقولنا(( :التي تحتاج إلى حكم شرعي)) يخرج الحوادث التي استق ّر فيها
الرأي واتّفق على حكمها.
أهمية دراسة فقه النوازل ـ ثانيا ـ ّ
1ـ إنارة السبيل أمام الناس بإيضــاح حكم هــذه النازلة حتّى يعبــدوا هللا
على بصــيرة وهــدى ونــور؛ في منهج إســالمي واضح فلو تــرك المجتهــدون
التصدي لتلك النـــوازل دون إيضـــاح ألحكامها لصـــار النـــاس في تخبّط ثمّّ
ُض ّل. استفتوا من هو غير مؤهّ ٍل ،وهذا قد يفتي بغير علم فيَ ِ
ض ّل وي ِ
التصدي لدارسة فقه النوازل من العلماء عند وقوع الواقعة إلظهــار
ّ 2ـ
لكل زمان ومكان،
حكمها الشرعي يبيّن للعالم أجمع كمال الشريعة وصالحها ّ
وأنها الكفيلة بتقــديم الحلــول الناجعة لكل
وأنها هي الشريعة الخالدة الباقيــةّ ،
المشكالت والمعضالت .فاهلل يقول :ﮋﭻـ ﭼـ ﭽـ ﭾـ ﭿـ ﮀـ ﮁـ ﮂـ ﮃـ ﮄ
ﮅﮊ(.)2
(?) د .وهبة الـــزحيلي ،س بل االس تفادة من الن وازل والفت اوى والعمل الفقهي في 1
ــ 229ـ
يكتف بما يق ّدم له في الزيتونة ،بل التحق
ِ وم ّما يالحظ على الشيخ ~ أ ّنه لم
بالمدرسة الخلدونية لينهل من العلوم العصرية على يد كبار العلماء منهم المؤرّخ
عثمان الكعّاك ،واألستاذ حسن حسني عبدالو ّهاب والشيخ العبيدي.
في ســنة ُ 1931د ِع َي الشــيخ عبد الــرحمن للمشــاركة في تأســيس جمعية
العلماء المسلمين الجزائريين وشارك في لجنة صياغة قانونها األساسي.
ونظــرًا لثقافته اللغوية المزدوجة فقد كــان يــترجم أه ّم المقــاالت الــتي
كانت تصدر في الصحف الفرنسية بالجزائر وفرنسا.
وقد نشر الشــيخ في تلك الفــترة سلســلة من المقــاالت في صــحف أبي
اليقظـــان،ـ يوقّعها باسم البكـــري ،وتنـــ ّوعت الموضـــوعات الـــتي كتبهـــا ،من
مواضيع تنقد األوضاع الثقافية أو االجتماعية أو االقتصــادية ،إلى المواضــيع
السياسية أو األحداث العالمية.ـ
في سنة ُ 1939د ِع َي إلى مدينة بريــان ،وتفـرّغ للتعليم وإدارة المدرســة،
ث ّم ُعيّنَ واعظًا ومرشدًا ،ث ّم مفتيًا وعض ًوا في حلقة الع ّزابة( )1ث ّم رئيسًا لها.
شارك مشــاركة فعّالة في العمل السياسي والتنظيميـ في الثــورة ،وألق َي
عليه القبض في سنة 1957واعتقله االستعمار ع ّدة شهور في سجن األغواط.
في ســنة 1966عيّن عضـ ًوا بــالمجلس اإلســالمي األعلى ،وعضـ ًوا في
لجنة اإلفتاء لنفس المجلس.
عمي ســعيد( ،وهو الهيئة العليا لمســاجد اإلباضــية في ّ
تــولى رئاسة مجلس ّ
الجزائر) وذلك ّلما عجز الشيخ بيوض إبراهيم ~ عن حضور جلسات المجلس(.) 2
في صبيحة يوم األربعــاء 22محـرّم 1400الموافق نوفمــبر 1979افتتح
في مكتبته نــدوة فقهية ســ ّميت نــدوة األربعــاء ،وهي نــدوة تكوينية لألئ ّمــة،
ومجمعًا للفتوى الجماعية.
تــوفّي ~ في بريــان مســاء يــوم االثــنينـ 03جمــادى األولى 1406هـ،
الموافق يوم 13جانفي 1986م.
وتتمثّلـ أعماله المطبوعة فيما يأتي:
ّ
(?) فتاوى البكري ،عبد الــرحمن بن عمر بكلي ،تحقيــق :داود بورقيبــة ،مكتبة البكــري، 2
(?) فتاوى البكري ،عبد الــرحمن بن عمر بكلّي ،تحقيــق :داود بورقيبــة ،مكتبة البكــري، 1
وقد كان الشيخ ~ يستنفذ الجهد في البحث ،ومن أمثلة ذلك قول الشيخ
إن األ ّمة في في العمل بالحســاب الفلكي في إثبــات أوائل الشــهور القمريــةّ (( :
الش ْه ُر َه َك َذا
ب َّ عهده × أ ّمة أ ّمية كما قال ×ِ« :إنَّا ُأ َّمةٌ ُأ ِّميَّةٌ اَل نَ ْكت ُُب َواَل نَ ْح ُ
س ُ
َو َه َك َذ»( ،)2يعــنيـ تســعة وعشــرين يو ًما أو ثالثينـ يو ًمــا .وكــان من
الطـــبيعيـ أن ال يكلّفها بما ليس في اســـتطاعتها كالحســـاب الفلكي
تتيس ـر لك ـ ّل أحــد ،ولم ّ مثالً ،بل علّق إثبــات الشــهر بالرؤية الــتي
يقصد أن تكـــــون الرؤية تعبّدية ال يمكن الحيد عنها إلى وســـــيلة
أخرى يحصل بها العلم بثبوتـ الشــهر مــتى رفعت أ ّميتهاـ وتــوفّرت
لــديها وســائلـ العلم ،بل ألنّها الوســيلة الوحيــدة الــتي تملكها وقتئــذ،
كيف والغــرض من بعثتهـ × هو أن يخــرج أ ّمته من الظلمــات إلى
وأن هللا تعالى يقول في كتابهـ الكريم :ﮋ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ّ النور،
ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﮊ( ، )3وقال :ﮋﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ
(?) ولفظه عند البخــاري 1780 :عن النــبي × أنه قــال إنا أمة أمية ال نكتب وال نحسب 2
َواَل تُ ْف ِطرُوا َحتَّى تَ َروْ هُ فَِإ ْن ُغ َّم َعلَ ْي ُك ْم فَا ْق ُدرُوا لَـهُ « وغ ّم أي :حــال الغيم بينكم وبين رؤية
الهالل.
ّ
(?) فتاوى البكــري ،عبد الــرحمن بن عمر بكلي ،تحقيــق :داود بورقيبــة ،القسم ،2ص: 3
142ـ 143
ــ 233ـ
هذا كلّه فيما إذا كــانت ال تــزال في األ ّم بقية حيــاة ،لكن إذا تحقّق موتها
وأثبتـ األطبّــاء حيــاة جنينهاـ( )1فالعلمــاء في هــذه الحالة على فــريقين :فريق
ق بطن األ ّم وإخراج جنينها الح ّي رعاية للمصلحة الراجحة؛ وفريق يوجب ش ّ
ّ
آخر ـ ـ ومنهم علماؤنا ـ ـ ال يجــيزون العمليــة ،وإن تحقق مــوت األ ّم لحــديث:
ائنَا» .وهللا أعلم))(.)2
حيَ ِ
حرَمِة َأ ْ
«حرَمُة َأْمواتِنَا كَ ْ
ْ
ـ النظر عند الفتوى في النازلة إلى جوانبها المختلفة
فقد كــان ~ عنــدما تعــرض عليه النــوازل ،أو يســتفتى ينظر
إلى المســألة المعروضة من جوانبها المختلفــة :الصــحّية واالجتماعيةـ
واألخالقيــة ،إضــافة إلى الجــانب الشــرعي ،وهــذا من الفقه بالــدين،ـ
ألن مســائل التشــريع مرتبطةـ بك ـ ّل الجــوانب ذات الصــلة باإلنســان ّ
بمعزل عنهــا ،وهــذا النظر هو الــذي يميّز الفقيه ٍ والمجتمع،ـ وليست
ّ
عن المتفيقــه،ـ ومن ذلك ما جــاء في الفتــوى المتعلقة بحبــوب منع
الحمـــل ،فقد ســـئل :هل يس وغ اس تعمال حب وب منع الحيض والحمل
العتبارات معقولة؟.
فأج اب ~(( :كــ ّل ما عطّل ســير الحيــاة الطبيعيةـ في اإلنســان أو غيّر
مجراه الب ّد وأن يكــون له ر ّد فعل طــال الــزمن أو قصر إذ لو لم يكن لتعاطيهـ
تــأثيرـ ما كــان هنــاك تعطيلـ أو تغيــير .ومن ذلك ما يــذكره بعض األطبّــاء
المخلصين عن حبوب وأقراص تأخير الحيض ومنع الحمل من ّ
أن لها تــأثيرًا
خبيثًا وخطيرًا على الالئي يستعملنهاـ وإن بعد حين ،ذلك هو ما يعقب من قلق
واهتياج األعصاب م ّما يك ّدر صــفو حياتهاـ وهو ما يســتروح من قوله تعــالى:ـ
أن دم الحيض داء ،فاحتقانهـ ﮋﮠـ ﮡـ ﮢﮣ ﮤـ ﮥ ﮦﮊ( ،)3فقد أخبر العليم الخبير ّ
في جسم المرأة واتّخــاذ الوســائلـ لمنع خروجه اســتبقاء للــداء ،ســوف ال تلبث
عواقبه السيّئة أن تنبعثـ من جديد إن لم تظهر ســريعًا مــتى كــان الجسم يتمتّع
فإن ظهوره فيه متى ضعفت تلك الحصانة أو فقدت يكــون صحّية ّ بالحصانة ال ّ
نتيجة طبيعية.
ودم الحيض في جسم المرأة كالبخار في جوف األرض ،إ ّما أن يخــرج
وإ ّما أن يحدث زلزاالً ،ولوال ما يعلمه هللا من ضــرر في حبس حيض المــرأة
ما أهدر ألجله حرمة الصالة والصيام ،فأوجب عليها اإلفطار وتــرك الصــالة
أن ك ـ ّل ما يض ـ ّر بالص ـحّة ويفقــدها توازنها يحــرم أيّــام الحيض .وأنت خبــير ّ
)?( 1يقول الشيخ ~(( :سألت الدكتور حجاج إبراهيم الطبيب الجـراحي بمستشــفى غرداية
إن الجــنين ال يبقى حيًّا بعد أ ّمه أكــثر من خمس إلى عشر ميزاب ،عن المســألة فأجــابنيّ :
دقائق ،وفي إنقاذه مخاطرة ،السـتلزامه أن يكـون الطـبيب حاضـرًا في الدقيقة األولى من
موت األ ّم ،وال رجاء في استمرار حياته إذا بلغ الشهر السابع فأكثر واعتن َي به طبّيًّا)).
)?( 2فتاوى البكري ،عبد الرحمن بن عمر بكلّي ،تحقيق :داود بورقيبة ،القسم ،3ص9 :
3
(?) سورة البقرة.222/
ــ 234ـ
ضَرَر وََال ض َِرا َر»( .)1أ ّما ما يشــاع ويــذاع
«ال َ
تعاطيهـ شرعًا لقول الرسول ×َ :
وأن من أنّه ال ضـرر في تعاطيها فمن الدعاية المزدوجة لترويجها وانتشــارهاّ ،
أمعن النظر في شأن هذه الحبوب واألقراص ،وجدها من ابتكارات دعـاة تحديد
النسل اإلبـــاحيين الـــذين يســـهّلون للشـــبان والشـــوابّ طـــرق التنقّل في مراتع
الشهوات ،إشباعًا لغريــزتهم الجنســية ،وهم في مــأمن أن تنــالهم آثــار انهمــاكهم
السيّئة))(.)2
ـ اغتنام الفرصة لنصح المس تفتي وت ذكيره ببعض التع اليم
الشرعية
ّ
ليبث لقد كـــان الشـــيخ ~ يســـتغ ّل المســـائلـ المعروضة عليه
للسائل التوجيهات المناسبة،ـ وهو ال يألو جهدًا في وعظه وإرشاده،
وتذكيره في ثنايا إجابتــه ،وهــذا متوافق مع رأي بعض العلمــاء إذ
يقــول(( :وينبغيـ للنــاظر في النازلة أن يعتــبر نفسه عند اإلجابة مفتيًا ومعلّ ًما
ومصلحًا وطبيبًا ومرشدًا))(.)3
ومن ذلك ما جاء في ر ّده عن الســؤال المــذكور ســابقًا...(( :أ ّما
األسباب التي بدت لك مبيحة لمنع اإلنجاب ،فأكثرها خيال ووهم ،فــأين اإليمــان
باهلل الخالق الرازق الهادي من يشاء من عبــاده إلى ما فيه خــيره وســعادته؟ فما
ال أن تحسن ظنّك باهلل ،وتحتسب أجرك لديه ،وتحسر عن ذراعيك للقيام عليك إ ّ
األبوة من تنشــئتهم تنشــئة صــالحة ما اســتطعت ،ث ّم ال ّ بما يفرضه عليك واجب
عليك بعد ذلك ،فلست بمسؤول ع ّما عدا ذلك من صالح وطهر .قال هللا تعــالى:
ﮋﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮊ( ، )4وقال :ﮋﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ
ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝﮊ(.)5
ولو استرسل النــاس وراء تخيّالتك لتعطّلت وظيفة اإلنســانية وانقطعتـ
الخليقة ،ول ّما كنت أنت في حيّز الوجود.
الدنيا يا هذا كفاح وتضحية واعتراف بالجميل،ـ إنّها ر ّد قرض ق ّدم إليك
يــوم كنت ال تعلم يمينكـ من شــمالك وال يــدري من ربّــاك أينسأ في أجلك حتّى
تقابل إحسانه بإحسان،ـ أم تذهب جهوده هدرًا .ال يدري أتصبح عض ًوا صالحًا
في المجتمع زينة لمن ربّــاك أم تكــون بــالعكس من ذلك ال ق ـ ّدر هللا .هــذا من
مخلصـا حتّى صــار ً جهة ،ومن جهة أخرى هبك ربّيت ولدًا فأحســنت تنشــئته
عال ًما يعبد هللا ويتّقيه،ـ وينشر دينه وينير طريق الســعادة في وجه الخلــق ،أفال
يسرّك أن تكون شــري ًكا له فيما كسب من أجر ســواء في حياتك أو بعد مماتك
)?( 1رواه ابن ماجه2331 :
ّ
)?( 2فتاوى البكري ،عبد الرحمن بن عمر بكلي ،تحقيق :داود بورقيبة ،القسم ،3ص29 :
ـ 30
)?( 3مسفر القحطاني ،م.س ،ص96 :
4
(?) سورة البقرة.272/
5
(?) سورة القصص.56/
ــ 235ـ
جزاء إخالصك في تنشئته؟ـ أو ربّيت بنتًا فأنجبت زعي ًما يقدم قومه أيّام الش ـ ّدة
ويتح ّمل أعبــاءهم الثقيلة فيــوردهم مــورد الع ـ ّزة والكرامــة ،أتــدري بربّك كم
يكون ربحك عند هللا عظي ًما؟
كلّ ذلك عند االختيار ،أ ّما إذا اعترتك حــاالت اســتثنائية وظــروف قــاهرة
ال إلى الخطر حقيقة ال وه ًما ـ وليس مـرض الثـديين من ذلك ــ عرضت باأل ّم مث ً
يســـوغ لنا حينئذ تنظيم النسل ــــ ال ّ فاهلل أرحم أن يح ّملنا ما ال طاقة لنا بـــه ،بل
ّ
تحديده ـ السيّما إذا كان با ّتفاق الزوجين .وعليه فتوكل على هللا واترك فطــرة هللا
تســير في مجراها الطــبيعي ،فال أرى لك مــبرّرًا لالسترســال وراء المخــاوف
واألوهام ،وامض لما أ ّهلك هللا له ما دمت قادرًا وال تتهرّب من مسؤولية الحيـاة،
فالخراج بالضمان يا فتى .والدنيا أخذ وعطاء .واستعن باهلل في كــلّ أمــورك ،فال
ال .وهللا أعلم))(.)1 ال ،وإن شاء جعل الحزن سه ً ال ما جعله هللا سه ً سهل إ ّ
سط والمرونة في الفتوى ـ التو ّ
فقد كــانت ردوده وأجوبته مرنة بعيــدة عن الغلـ ّو ،يفتح للس ائل أب واب
اإلناب ة ،ويلتمس له المخـــارج وأســـبابـ النجـــاة ،من ذلك ما جـــاء ر ًّدا على
السؤال اآلتي :إنسان تاب إلى هللا ،وقد كان مولَ ًعا بالقمار ،وربح منه أم واالً
طائلة أنفقها في ق وت عياله وبن اء مس كنه وش راء بعض متطلّب ات الحي اة
سع بالباقي تجارت ه ،فهو يس أل كيف يتحلّل من تبعات ه؟ يق ول العصرية ،وو ّ
الش يخ(( :ما أحسن الرجــوع إلى هللا واســتعتاب المخطئ م ّما فــرط منه أيّــام
انحرافــه ،بعد أن تو ّغل وبــالغ في االنتفــاع م ّما اســتولى عليه من مــال غــيره
بالباطل ،ورغم ذلك ال يمكن أن يوصد في وجهه باب التوبة.وعليه فالب ـ ّد لتت ّم
توبته وتقبل إن شــاء هللا أن يتحلّل من حقــوق العبــاد بــأن يستســمحـ أصــحابها
ويستبرئهم م ّما استولى عليه من أموالهم على سبيل القمار ،أيّام فجراتهم فــإن
أبــرءوه فــذاك ،وإالّ أرجع إليهم ما ربحه منهم في القمــار ،فــإن كــان عــدده
ترضــــاهم ببعضه ّ (مبلغــــه)ـ معلو ًما وأصــــحابه معــــروفين أرجعه إليهم أو
واستصفحهم في الباقي .أ ّما إذا كان مجهوالً عدده ،مجهــوالً أصــحابه،ـ فتوبته
التنصـل من أمــوال النــاس ،ويكــثر ّ أن يكــثر من الصــدقات على الفقــراء بنيّة
س نَةَ
َ َ ح ْ
ل ا َ ةَئ ي
َّ ِّ الس ِ ع بت
َ ِْ َأو« : × بقوله ً ال البــذل في المشــاريع الخيرية العا ّمة عم
تَ ْم ُح َها»( ،)2فليستغفر هللا م ّما أكل من السحت وأطعم به عياله ،فقد
ويسـرهم بـذلك للعسـرى ،لقوله ×: ّ غـذاهم بـالحرام، ّ جنى عليهم إذ
()3
ار َأوَْلى ِب ِه» ،فعسى هللا إن فعــل ،أن يتجــاوز الن ُ
ت َف َّح ٍ
س ْ ن ُت ِم ْ حمٍ نََب َ«كلُّ َل ْ
ُ
عفو غفور. عنه ،وهللا ّ
(?) فتاوى البكري ،عبد الرحمن بن عمر بكلّي ،تحقيق :داود بورقيبة ،القسم ،3ص30 : 1
ـ 31
(?) رواه الترمذي في سننه1910 : 2
(?) رواه أحمد 13919 :بلفظ» :إنه ال يدخل الجنة لحم نبت من سحت النار أولى به « 3
ــ 236ـ
وإن هنــاك من العلمــاء من يــرى أن يتص ـ ّدق بــذلك على ّ هــذا
رأسـا ،سـواء كـان أصـحابه معلـومين أو مجهـولين ،كما أفـتى ً الفقراء
البغي ،وهو وجيه لما فيه من قمعّ ّ
بـــــــذلك بعض المحققين في مهر
الفساد ونفع صالحي العباد.وهللا أعلم))(.) 1
خامسا ـ نماذج من النوازل التي أفتى فيها الشيخ:
الموضوع الصفحة القسم
التبرّع بالدم على المرضى 1 181
التلفزيون واقتناؤه 1 186
ترقيع الجسم بقطعةـ لحم من اإلنسان نفسه أو من غيره 1 189
نقل عضو لح ّي من ميّت مسلم أو مشرك 1 189
التنظيف اآللي للثيابـ 2 18
حكم "افياندوكس" 2 35
حكم الغـــاء المســـتعمل في تبطين الطـــرابيش المتّخذ من 2 62
أظالف وقرون الحيوان
حكم الشمع 2 62
اعتماد الحساب الفلكي في إثباتـ الصوم واإلفطار 2 141
ضمان البنوك 3 6
حوادث السيارات ومسؤوليتهاـ 3 20
التعاملـ بالكمبيالةـ 3 76
صندوق التوفير 3 75
امرأة في حالة احتضار ،واألطبّاء أثبتوا حياة جنينها 4 8
استعمالـ حبوب منع الحمل 4 28
استعمالـ حبوب منع الحمل لتأخير الدورة قصد الصيام 4 63
سادسا ـ نــدوة البكري
نــدوة الشــيخ البكــري ،نــدوة فقهية تعــنىـ بــالتكوينـ الشــرعي ،وإصــدار
الفتوى فيما يحتاجه المسلم .وكان الشيخ عبد الرحمن بكلّي مؤسّس الندوة ،مع
الشيخ بكير أرشوم والشيخ أحمد أوبكة.ـ
وتواصلت النــدوة ليحضــرها المشــايخ:ـ الشــيخ عــدون شــريفي والشــيخ
حمو فخار ،والشيخ صالح بزمالل ،والشيخ ناصر المرمــوري والشــيخ بكــير
الشيخ بالحاج ،والشيخ محمد الشيخ بالحاج.
وبعد وفــــاة الشــــيخ البكــــري خلفه في القيــــادة العلمية الشــــيخ ناصر
المرمــوري ،إلى يومنا هــذا .ويحضــرها طلبة العلم ،كما يحضــرها من ينقل
الفتوى إلى قرى ميزاب ،بمع ّدل عضوين لك ّل مدينةـ من مدن ميزاب.
(?) فتاوى البكري ،عبد الرحمن بن عمر بكلّي ،تحقيــق :داود بورقيبــة ،القســم ،4 :ص: 1
42
ــ 237ـ
وسميّت الندوة ندوة األربعاء ألنّها في أربعـاء كـ ّل أسـبوع ،كما سـ ّميت
ندوة الشيخ عبد الرحمن بكلي.
النصـية ومدارسة العلم الشــرعي ،مع كتــاب ّ والندوة قسمان ،قسم للقــراءة
جــامع في الفقــه ،مثل مختصر الخصــال للحضــرمي أو الجــامع البن بركة أو
مدونة أبي غــانم؛ وقسم للفتــوى ،حيث يتص ـ ّدى المشــايخ لقضــايا المجتمع إفتــاءّ
وإرشادا.
وقد كــانتـ نــدوة الشــيخ عبد الــرحمن المرجــ َع للفصل في كثــير من
القضايا النازلة ،سواء تعلّقت بفقه األسرة واألحوال الشخصية أو بالمعــامالت
المالية المعاصــرة ،ناهيكـ عن مســائل العبــادات من صــالة وزكــاة ومســائل
الحج ،وأحوال الصوم ...وكتاب فتاوى البكري أكبر شاهد على ذلك.
ـ أسلوب التعامل مع المسائل المعروضة
يت ّم التداول في القضايا المطروحة بتشخيصـ الوضع وضبط متغيّراته،ـ
وارتباطاتهـ بــروح الشــرع ومقاصد الشــريعة ،إضــافة إلى االســتعانة بــالعلوم
العصــرية في فهم الكثــير من المســائل ،ثم تت ّم دراسة أبعــاد الفتــوى ومــدى
ُمضي الشيخ فتــواه بعد تــداول مراعاتها لمبدأ اليسر ورفع الحرج ،وغالبا ما ي ِ
أعضاء الندوة المسألة بأبعادها.
والندوة ال تقضي في مسألة دون أن تتعـرّف على واقعها وحيثياتهــا ،إذ
الحكم على الشيء فرع عن تص ّوره ،وفي هذا الصدد تستضيفـ مختصّين في
المجال المطروح لتستفهم عن الوضع بدقّة ولتطّلع على أبعاده ،ومن ذلك:
ـ مختصّ في التوليد والجهـاز التناسـليـ لتـداول مسـألة مـوت الجـنين
وإسقاطهـ ونفخ الروح والدورة الشهرية للنساء...
ـ مختصّ في القـانون لتـداول مسـائل القضـاء واسـتيعاب قـانون األسـرة
والتعديالت األخيرة عليه ،وأبعاد تلك التعديالت ،وكيفيات تطبيق تلك القوانين.
ـ مختصّ في االقتصاد اإلســالمي ،لتــداول مســائلـ المعــامالتـ الماليةـ
واالرتباطـ بالبنوكـ والقروض المق ّدمة للشــباب ،وأبــرز تعــامالتـ البنــوك من
الناحية الشرعية.
ـ مختصّ في الدراسات القرآنية لتداول مسائل فهم القــرآن واالرتبــاطـ
بالسنّة وأسس التفسير...ـ
كما تحاول الندوة أن تربط بين المنهج الفقهي والوســائل الحديثة وكيف
تعاملت الفتوى وفقا لتغير الوسائلـ مثل:ـ
ـ الربط بين القيافة واســـتعمالـ الوســـائلـ الحديثة للكشف عن النسب
واإللحاق.
ـ دراسة حاالت القتل والموت في حوادث المرور وربط ذلك بالفحص
الجنائي.
ــ 238ـ
ـ االستفادة من وسائل كشف الطبّ الحديث في تحديد الوارث الحقيقي
في مواضع الشبهة والش ّ
ك.
ـ توظيف الوسائلـ الحديثة في تنظيمـ النسل ومنع الحمل بين األضرار
والضروريات.ـ
ـ التحقق من مــدى مســؤولية األمين على أمــوال النــاس وربط ذلك ّ
باستعمالـ الوسائل الدقيقة لحفظ الودائع.
وللنــدوة مق ـرّر يعتــنيـ بســير النــدوة ويعد تقاريرهاـ الدورية والســنوية،
ويتلقّى األســئلة ويعرضــها على مشــايخ النــدوة ،ثم يمــ ّد الســائلين بــالجواب
أن للنـــدوة لجنة للضـــبط والتنظيم إعالميا وربطا بين مـــدن المناســـب،ـ كما ّ
ميزاب.
فهذه نــدوة األربعــاء كــانت رجــاء الشــيخ بيــوض ~ ،وأثمــرت بجهــود
البكري ~ ،وال تزال في عطاء ،نسأل هللا التوفيق والمزيد.
ــ 239ـ
النوازل مصدرا للتاريخ االجتماعي والثقافي
أ.د/ع ّمار جيدل
كلية العلوم اإلسالمية جامعة الجزائر
تنطلق الدراسة من فرضية ،تروم المرافعة عنها ،مفادها(( :فقه النوازل
تاريخ اجتماعي وثقافي بامتياز)) ،وبمعنى آخر (مع مالحظة التمايز بين
بأن ((الفتاوى مصدر مهم في مصطلحي الفتاوى والنوازل) يمكن أن يقال ّ
التاريخ االقتصادي واالجتماعي والثقافي)) ،أل ّنه الوجود لنص في النوازل ال
يعكس واقعا اجتماعيا وفكريا واجتماعيا واقتصاديا معيّنا ،بل األكثر من هذا أ ّننا
من خالل النص قد نكتشف ـ بشيء من الحضور الذهني ـ الغائبين أو
أن الدارس الغربي وغير المنتمي للبالد العربيةالمستقيلين ،والسلبيين ،ذلك ّ
واإلسالمية ،تثيره صيغ األسئلة واألجوبة ومضمونيهما ،وسياق كل واحد
منهما ،ولعلّ ال َت َع ُّود على النصوص هو السبب في غياب االنتباه أو لفت النظر
التعود يطمس التركيز ويعمي البصر ّ إلى الجوانب الخفية في النوازلّ ،
ألن
والفكر.
مصطلح النوازل في األدبيات اإلسالمية
شاع في بالد المغرب استعمالـ مصطلح"النوازل" ويقابله في أدبيات
المشارقة مصطلح"الفتوى" ،ولع ّل للمصطلح ما يبرره من جهة االستعمال،
()1
وقبل التفصيل في المسألة ،يحسن التأكيد على ّ
أن النازلة بمعنىـ الشدائد
ليست مقصودة في هذا السياق،ـ وإن كانت النازلة عند القدماء
تعني"الشدائد"،ـ يشهد لهذا قولهم" :مشروعية القنوت في النوازل"،
ويقصدون األهوال التي لحقت الناس ،وإن كانت الحوادث الواقعية الشديدة
جزءا من النوازل ،ولكنّها ليست كلّها من هذا النمط.
يقصد بالنوازل "الفقه الواقعي" المتميّز عن "الفقه االفتراضي" أو
الفقه النظري التجريدي ،بصرف النظر عن طبيعتها(منـ الشدائد أوليست
منه) ،ففي بالد المغرب كانت تقع لجمهور المتدينين حاالت جديدة ومحددة
لم ينقلـ القول فيها في النصوص المنقولة من المركز(الشرق) ،فأصبح
المغرب مركزا منتجا للمعرفة الفقهية المتعلّقةـ بالمستجداتـ الحادثة لألمة في
المغرب ،فقد كانت الوقائع الجديدة فرصة لظهور فقه مغربي ،فسميت
الوقائع الجديدة "النوازل"و أجوبتها "فقه النوازل".
بالناس)).
ــ 240ـ
أن هذه المباحث هي مسائلـ تطبيقيةـ عمليةـ وليست مسائلـ لهذا نؤ ّكد ّ
ذهنية نظرية ،وفضال عن ذلك هي مسائلـ حادثة مستجدة ولهذا كان الجواب
عنها محدثا جديدا ،وليس من قبيل أجوبة مكررة ألسئلة مكررة ،يؤ ّكدها
تعريف فقه النوازل ،فقد عرف اصطالحا بـ(( :معرفة الحوادث التي تحتاج
إلى حكم شرعي)) ،يشير إلى المعنى الذي ذكرناه لفظ "الحوادث" ويقصد
المسائل الحادثة في األمة على غير مثال سابق ،ويستفاد من األلفاظ
أن فقه النوازل جزء من مباحث الفقه المفتاحية"حكمـ شرعي" الداللة على ّ
اإلسالمي ،ذلك أنّه استنباطـ للحكم الشرعي التفصيلي لقضية
فرعية(جزئية)مستجدة ،وميزة النوازل أنّها تستغرق مجمل الحادثات العملية
سواء كانت من أعمال الجوارح(الفقه) أو من أعمال القلب (االعتقاد
واألخالق) ،ولهذا ألّف بعض المشارقة فتاوى النوازل ضمن كتب الفتاوى،
فصنّف أبو الليث السمرقندي الحنفي (ت373هـ) كتابه الموسوم بـ"فتاوى
النوازل".
أن النوازلوالقول بأنّها تستغرق مجمل مك ّونات الفعل اإلنساني ،يؤ ّكد ّ
تؤرّخ لواقع اجتماعيـ وفكري وثقافي وسياسي،ـ كما يستفاد منه مستوى
التحصيل في المعرفة الدينية،ـ والسؤال المركزي ،كيف السبيل إلى استشفاف
التاريخ بمختلف مك ّوناته من نص النوازل وأجوبتها؟
تاريخ االهتمام بالدالالت التاريخية والثقافية المستفادة من مصنفات فقه
النوازل
يستشف من نصوص مقدمات مصنفات فقه النوازل أنّها تؤرّخ لواقع
معيّن ،يستشف هذا المعنى من قول الونشريسي(ـ834هـ ـ 914هـ)في مستهل
كتابه:ـ ((وبعد فهذا كتاب س ّميته بالمعيار المعرب ،والجامع المغرب ،عن
فتاوى علماء أفريقيةـ واألندلس والمغرب ،جمعت فيه من أجوبة متأخريهم
العصريينـ ومتق ّدميهم ما يعسر الوقوف على أكثره في أماكنه،ـ واستخراجه
من مكامنه،ـ لتب ّدده وتفريقه ،رغبة في عموم النفع به ،ومضاعفة األجر
أن فيها جملة من اإلشارات إلى المكان والزمان ،وجملة سببه))( ،)1ذلك ّ
(?) المعيـــار المعـــرب ،والجـــامع المغـــرب ،عن فتـــاوى علمـــاء أفريقية واألنـــدلس 1
(?) حققه محمد الحبيب الهيلة ونشره عام 2002في سبعة مجلدات. 2
ــ 242ـ
كانت كتابة في الحاضر أو الماضي السحيق أو القريب ،في إطار هذه
المقاصد كانتـ أوائل عناية الغربيين بدراسة وتحليل مصنفات النوازل.
ظهرت البوادر األولى لالهتمام بفقه النوازل مصدرا للتاريخ
االقتصادي واالجتماعيـ والثقافي والفكري من خالل مصنفي النوازل
وجامعيهاـ عبر التاريخ( )1وخاصة في القرن الماضي ،وبالضبط في منتصف
القرن العشرين ،وخاصة من خالل الدراسات االستشراقية الفرنسية ،ولع ّل
من رؤوس العناية بها الجزائري المولد(فرندة بتيارت)ـ الفرنسي الهوى
واله ّم والجنسية المسيحي الدين جاك بيرك 1910( Jacques berquesـ
،)1955ثم عمد الشرقيون من المغاربةـ والمشارقة إلى العناية بالجوانب
التاريخية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية ،فكان منها دراسات محمد
الحجي المغربي ،ومحمد المختار ولد السعد الموريتانيـ ،فصنّف دراسة تتيحـ
فرصة النظر إلى التاريخ من خالل فقه النوازل ،يشهد لما ألمحنا إليه عنوان
كتابه الفتاوى والتاريخ" وهي دراسة لمظاهر الحياة االقتصاديةـ في
موريتانياـ من خالل فقه النوازل ،وفق ما صرّح به المصنّف.
النوازل وداللتها على التاريخ االجتماعي والثقافي
تتضمن النوازل وفق ما أشرنا إليه تاريخا مكتمال،ـ لهذا تم ّكنناـ النوازل
من معرفة جملة من المعطياتـ المرتبطةـ بالمشهد ،وألجل الخلوص إلى
المراد سنتوقّف عند جملة من المك ّونات:ـ
واقع النازلة
النوازل تكشف بعض الجوانب الغامضة من واقع الحياة التي ظهر
فيها نص فقه النوازل ،ويمكن من النص الوقوف على جملة من المعارف
والمعطيات ،منها على سبيلـ المثالـ ال الحصر:
1ـ معرفة األسئلة المتداولة والقضايا المثارة ،ومنها نكتشفـ عقلية
السائل وعقلية المجيب ،ودور مؤسسات التعليم والمجتمع في صناعة
اهتماماتـ الناس والنخبة،ـ وصلة ك ّل ذلك بالمشهد السياسي واالجتماعي
والفكري ثم الديني.
2ـ معرفة درجة استحضار األسئلة واألجوبة للمشاكل اليومية للناس،
وهو مدخل رئيس لمعرفة حضور أو استحضار الدين أو المعرفة الدينيةـ في
ح ّل اليومي من المشاكل ،ويستشف منه الصلة بين المعرفة الدينية وعلماء
(?) المعيـــار المعـــرب ،والجـــامع المغـــرب ،عن فتـــاوى علمـــاء أفريقية واألنـــدلس 1
(?) اســـتعمل مع كثـــير منهم :أبو القاسم المشـــدالي ،ومحمد بن مـــرزوق ،وأبو القاسم 1
ــ 245ـ
ـ أسئلة المساكنة
يستفاد من بعض األسئلة مساكنة المسلمين لغيرهم من المخالفين في
الملّة ،منها سؤال عن القول في غسل الكافر ،والذي يه ّمنا في السياق هو
السؤال بالدرجة األولى.
ـ أسئلة المستوى الصناعي
يستشف من بعض ما ورد في سياق األسئلة المستوى الصناعي
والعالقات التجارية بين الدول ،كما يشير إلى درجة االنفتاح التجاري ،منها
السؤال عن استعمال الكاغد(الكاغط)الرومي ،وقد ورد أنّه مما كثر استعماله،
يشهد لهذا قوله في المعيار (( :أعلم من مدينة طرابلس الغرب (الليبية) إلى
مدينة تلمسان من بالد السواحل وبالد الصحراء ورقا غير الرومي ،وال أدري
ما حال باقي بالد المغرب غير مدينة فاس وغير جزيرة األندلس فإنّهم
()
يستعملون الورق)) . 1
1ـ قراءة في األجوبة
ينظر إلى الجواب من زوايا مختلفة ،منها:
ـ هندسة الجواب
يمكن بالتدقيق في هندسة السؤال أن نستدل به على منهجيةـ عرض
المعارف والمستوى المعرفي والمنهجي للمجيب ،كما يستشف منه نوع
الصلة بين المفتي والمستفتي.ـ
ـ داللة التركيز على نص السؤال وإهمال الحيثيات
يمكن أن يعرض في الجواب رد جاف عن السؤال ،رد مباشر دون
لفت نظر أو توقّف عند مجمل المعطياتـ التي كانت سببا في صناعة الرأي
الذي تولّدت عنه األسئلة المعروضة ،وفيه إشارة واضحة إلى درجة حضور
المجيب في المشهد أو غيابهـ عنه.ـ
ـ مسألة االستدالل ومختلف دالالتها
وحدة مصادر االستدالل دليل على الوحدة االجتماعية ،إذ التعدد
المدرسي يفرض شيوع ثقافتيـ التأصيل واإلبطالـ في السياق نفسه ،إذ يفرض
المجتمع المتعدد عرض األجوبة على األسئلة استحضار الرد على المخالف
المذهبي في سياق التأصيل أو عرض الرأي وفق أصول المذهب ،أما إن
كان المجتمع متميّزا بوحدته المذهبية،ـ فإنّه سيق ّل فيه االهتمام بعرض
المذاهب المخالفة فضال عن الرد عليها،ـ والغالب على المعيار المعرب
عرض اآلراء المتداولة في مذهب المالكية ،وهو شاهد استحضار النسب
المعرفي والمذهبيـ المؤسس للوحدة المذهبية في المجتمع.
(?) المعيار 1/85 1
ــ 246ـ
ـ داللة األجوبة على الوضع االجتماعي
ورد في المعيار المعرب جوابا عن سؤال متعلّق بإمامة من ال يحجب
إن قدر على حجبها،ـ وهل يتص ّور عدم قدرة امرأته عن الناس ،فذكر المجيب ْ
إمام على حجب امرأته عن الناس؟
عرض السؤال أو القضية تاريخ اجتماعيـ بامتياز ،ذلك أنّه إذا كان هذا
أن جواب مستساغا مع إمام فكيف الحال مع سائر مك ّونات المجتمع ،ذلك ّ
سيدي العقبانيـ دال على وقوعه ،قال ~(( :أما من صلى خلف هذا الشخص،
فال إعادة على مأمومه فيه ،وال يؤمر بأن يأمر أهله بالحجاب،ـ فإن فعل وإالّ
صلوا خلف من يحجب أهله)).
وقوله(( :أما من صلى خلف هذا الشخص)) شاهد إثبات عن موقف
اجتماعي يستبطنـ مفاتيحـ فهم شخصية المجيب ،كما يستفاد منه الموقف من
اآلخر والمخالف في الرأي.
ونستشف من الجواب الموقف من مسألة االختالط ،كما يستفاد منه ّ
أن
أن ينضم إلى ذلك شيء آخر. مجرد االجتماع في البيت ال محذور فيه ،إالّ ْ
ـ داللة األجوبة على المستوى االجتماعي والثقافي
يظهر من األجوبة أنّنا أمام نصوص تاريخيةـ بمضمون اجتماعيـ
وثقافي جلي ،يستشف هذا من مجمل النصوص ،فال فرق بين األجوبة
المتعلّقة بالعباداتـ أو المعامالتـ والمنازعاتـ الفردية واالجتماعيةـ
والجماعية ،كما يستفاد منه الموقف من المخالف في الرأي من أهل المذهب
أو المخالف في المذهب الموافق في الدين ،أو الموقف من أهل الملل
األخرى.
إشارة :يستفاد ما سبقت اإلشارة إلى مجمل ما كتب في مصنفات
النوازل ،فيمكن تطبيق المسلك نفسه على ك ّل ما كتب،ـ سواء ُرتِّب المصنف
()3
بحسب التقسيم االجتماعي( )1أو الفقهي( )2أو اإلفراد والتركيبـ
الخاتمة
أن كتب فقه النوازل من المصنفات التي تعد بيّن مما سلف بيانهـ ّ
مصادر أساسية للتاريخ االجتماعي الثقافي لواقع السائل والمجيب ،وال تتأتىـ
(?) مثل ترتيبها بحسب المتعلّق بهــا ،فيكــون قسم خــاص بنــوازل الرجــال وآخر خــاص 1
بالنساء.
(?) نــوازل خاصة بــالمجتمع(فقه الواجبــات الكفائية له صــلة وثيقة بالوظيفة االجتماعية 2
للدين).
(?) نوازل بالنظر إلى اإلفراد والتركيب. 3
ــ 247ـ
القراءة إالّ لمن امتلك األهلية الذهنية لقراءة نصوص النوازل ،فضال عن
األهلية المعرفية التي تيسّر له الدخول إلى رحاب نص المعرفة في العلوم
أن استنتاج التاريخ االجتماعي والثقافي من نص النوازل اإلسالمية ،كما ّ
ّ
يستدعي رصيدا مقبوال على األقل من مناهجـ التحليل والتركيبـ المتعلق
بالعلوم االجتماعية والمشهد الثقافي ،وألجل نجاح هذا المسعى ،يسحن أن
نختم الورقة بمجموعة من التوصيات:
1ـ نظرا لما تحتويه مصنفات فقه النوازل من تاريخ اجتماعي وثقافي
ّ
و...فإن قيمة هذه المصنفات كبيرة جدا من الناحيةـ المعرفية وسياسي وفكري
فضال ع ّما سلفت اإلشارة إليه ،وهذا يفرض نشر العنايةـ بتحقيقـ نصوص فقه
النوازل ونشرها وتداولها ،وتشجيع الباحثين من مختلف التخصصات
االجتماعية والثقافيةـ والفكرية على تحليل النص بعد تحقيقه من قبل مؤهلين.
2ـ تشجيع المؤسسات البحثية الرسمية وخاصة في فضاء العلوم
االجتماعية واإلنسانية والعلوم اإلسالمية على نشر وتداول هذه المصنفات،ـ
وخاصة فرق البحث ومخابر البحث التابعةـ لوزارة التعليم العالي ،زيادة إلى
تشجيع الطلبة على تحقيق المصنفات ألجل نيلـ الدرجات العلمية العالية.
3ـ الحث على التكاملـ بين مختلف المهتمينـ بتحقيقـ التراث والتعرف
على الخبرة العلمية التاريخية،ـ وعلى رأسها نص فقه النوازل ،وهذا يفرض
تشجيع عقد الندوات التي تط ّور البحث في تحقيق التراث ودراسته وتحليله.
ــ 248ـ
فتاوى التفسير
د/محمود مغراوي
كلية العلوم اإلسالمية ،جامعة الجزائر
الحمد هلل وحده والصالة والسالم على من ال نبي بعده سيدنا محمد
وآله ،وصحبه وسلم تسليماـ كثيرا وبعد.
تتضمن هذه المداخلة ثالثةـ محاور هي كاآلتي:
ــ نبذة سريعة عن الشريعة وخصائصها.
ـ نبذة عن الفتوى والمفتي.ـ
ــ نماذج من فتاوى التفسير من كتابـ المعيار.
تمهيـد
القضية التي أتكلم بخصوصها هي :أن الشريعة اإلسالمية صالحة لكل
زمان ومكان وأن الفتوى تتابع اإلنسان المسلم في كل شأن .من شئون حياته
وهو شأن من المستلزمات األولى لعقيدة اإلسالم ،بحيث يخرج المرء عن خط
اإلسالم ،إذا اعتقد خالفه ،فرأى أن الشريعة اإلسالمية ،ال تصلح لكل زمان
ومكان ،فمن المقررات األساسية المسلم بها ،في العقيدة اإلسالمية أربعة أمور:
1ـ ال ألوهية للبشر وأن محمدا × خاتم النبيين ﮋﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ
ﯲﯳﮊ(.)1
2ـ وأن مهمة اإلسالم بحسب نصوص القرآن ،والسنة النبوية الثابتة ،هي:
إصالح البشر جميعا ،إصالحا عاما شامال ،في جميع الشؤون :من فردية،
واجتماعية ،ﮋﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥﮊ(.) 2
3ـ أن الشريعة قد أكملت قواعدها ،وأسسها ،وتخطيطها ،فاتضحت
مقاصدهـا العامة ،وطريقها في الحياة ،ومعالمها ،ومناراتها الهادية ،بما
جاءت به نصوصها العامة من حيث الشمول ،وما بينتهـ نصوصها الخاصة،
من حيث الداللة ،وأسلوب التطبيق.
4ـ أن شريعة اإلسالم ودعوته ،خالدتان ،فليست شريعة اإلسالم،
موقوفة بوقت مستقبل محدود ،يقف عنده وجوب تطبيقها ،إلصالح الحياة
البشرية ،ثم يترك بعده البشر ليدبروا تنظيمـ حياتهم بأنفسهم ،دون أن يكونوا
مكلفين باتباع شريعة اإلسالم وتطبيقها.
ــ 249ـ
النصوص األصلية في الشريعة اإلسالمية ،وذلك باجتهاد الفقهاء
الشراح ،والقضاة الحاكمين،ـ وكان هذا الفقه اإلسالمي أعظم وأوسع فقه
قانوني ،عرف إلى اليوم ،في تاريخ الشرائع(.)1
وقد نشأت فيه مذاهب فقهية ،قانونية ،كثيرة :أشهرها المذاهب األربعة
الحية إلى اليوم ،وهي :المذهب الحنفي ،والمالكي ،والشافعي ،والحنبلي.ـ
فاالختالف بين هذه المذاهب ليس اختالفا دينيا عقائديا بل هو اختالف
قانوني قضائي نشأ منه ثروة تشريعيةـ عظمى في نظرياتـ الفقه اإلسالمي،
وكان دليال ناطقا على مرونة نصوص الشريعة اإلسالمية وقابليتهاـ للتطبيق
والفهم بصور وأشكال ووسائل وأساليب مختلفة في إطار الهدف الشرعي
المقصود ،ومقاصد الشريعة(.)2
بعد هذه المقدمة ،ننتقل إلى عرض الخطوط العريضة للنظام القانوني
في الشريعة اإلسالمية والقواعد التي أرساها في جميع فروع القانون،
وقيمتهاـ التطبيقيةـ الخالدة ،في مجال العدل الحقوقي واالجتماعيـ فهذه الركائز
األربع ،في عقيدة اإلسالم ،تستلزم استلزاما مباشرا ،بالدرجة األولى،
نتيجتينـ حتميتين ،ال تنفكانـ عنها وهما:
أوال ـ أن النظام القانوني من شريعة اإلسالم يتسم باالستيعاب التام،
واإلحاطة .فأحكامه تغطيـ جميع الحوادث الواقعة ،والممكنةـ الوقوع.
ثانيا :أن أحكامه قابلة ،ألن تستجيبـ إلى جميع االحتياجاتـ التشريعية،
في كل زمــان ومكان(.)3
ولذا ،يقرر فقهاء الشريعة ،في شتى المناسبات ،أنه ال يمكن أن تقع
واقعة ،في حاضر الزمن ،ومستقبله،ـ دون أن يكون لها حكم في الشرع
اإلسالمي ،مستند إلى نص ،أو إلى قياس ،أو دليل اجتهادي آخر صحيح،
(?) الدكتور زيدان ،عبد الكريم ،المدخل لدراسة الشريعة اإلسالمية ،مكتبة القدس، 1
ـ .)21
ــ 250ـ
بحيث يدخل تحت األحكام الخمسة :اإليجاب أو الندب ،أو اإلباحة ،أو
الكراهية ،أو التحريم(.)1
لكن المهم في األمر ،ليس هو مجرد االعتقاد ،بل أن تكون هذه العقيدة،
تعبيرا عن حقيقة واقعية ،ال مجرد قناعة ،سواء صدقها الواقع ،وشواهده ،أو
لم يصدقها.
إن مفهوم الشيخ في حياة المسلمين له وقع عظيم ،فال يكاد الفرد
المسلم يقطع أمرا من أمور دنياه ،دونما حضور الشيخ ،وتلك هي حياة
المسملين منذ فجر التاريخ،ـ وإلى غاية يوم الناس هذا.
فعندما يولد المولود يدعى الشيخ لكي يحنكه ،ويدعو له ،وتلك سنة
نبوية جارية منذ القدم.
وإذا ختن الطفل كان ذلك بحضور الشيخ ،تبركا وتيمنا.ـ
وإذا كبر الطفل ،وبلغ سن التمييز دفع للشيخ لكي يلقنه مباديء القراءة
والكتابة.
وإذا شب وبلغ سن الزواج ،كان الشيخ حاضرا ،ليباشر العقد الشرعي.
وإذا ما وقع خالف في الحياة الزوجية ،كان الشيخ حاضرا لفك النزاع
ورد األمور إلى نصابها.
وإذا مرض الشخص جاء الشيخ ليعوده ،ويدعو له بالشفاء ،أو يقوم
برقيته...ـ وهكذا كانت أمور المسلمين مرتبطةـ ارتباطاـ وثيقا بالشرع ،وهو ما
ينبغيـ أن يكون دائما.
حتى إذا ما داهمه الموت كان الشيخ حاضرا ـ أيضا ـ لتلقينه الشهادة،
وإحسان الظن باهلل تعالى في اللحظات األخيرة من هذه الحياة الفانية،
واالنتقالـ إلى الدار الباقية في خاتمة حسنة.
وكذلك كانت الشريعة تحوط حياة المسلم في كل سنونه صغيرها
وكبيرها ،تمده بالحلول ،وتضمن سيره الحسن نحو هللا.
والشيخ ـ هنا ـ قد يكون إمام المسجد ،أو معلم القرآن ،أو قاض ،فهو
رجل له اضطالع على الشرع ،ويعلم من مسائلـ الفقه ما يحل به مشاكل
الناس ،ويحظى بالقبولـ لدى كثير من طبقاتهم.ـ
تلك بعض معالم حياة الناس في القديم ،وتوقيرهم لشرع هللا ،والعمل
بمقتضاه.
(?) الدكتور حسان ،حامد حسان ،الحكم الشرعي عند األصوليين ،دار النهضة العربية، 1
(?) ابن قيم الجوزية ،شمس الدين أبي عبدهللا محمد بن أبي بكر ،أعالم الموقعين ،تعليق 4
ــ 252ـ
وأما قيامه مقامه × في اإلنذار بها ،فيدل له قول هللا تعالى :ﮋﯸ ﯹ
ﯺﯻﮊ(.)1
مع قوله تعالى:ـ ﮋﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﮊ(.)2
وبهذا يتضح لنا ما للمفتي في الشريعة اإلسالمية من منزلة عظمى،
حيث كان يتبوأ مقام النبي × فيما قدمناه من أمور ،ويخبر عن هللا ـ سبحانهـ ـ
ويوقع شريعتهـ على أفعال المكلفين(.)3
أمور ينبغي للمفتي أن يتفطن لها
هناك أمور كثيرة ينبغي لمن ابتلي منصب اإلفتاء أن يتفطن لها ،وأن
يأخذ نفسه بها ،إذ هي ال تقل أهميةـ عن أمور أخرى تشترط في المفتي
كاإلسالم ،والعلم ،والورع ،إلى غير ذلك من الشروط.
ومن العسير جدا أن نلم بها في بحث كهذا ـ في قصره ـ ولكن حسبنا
من ذلك معظمهاـ مما نرى أنه يحتل المكانة الكبرى بالنسبة لغيره ،ومن هنا
يمكن أن نلخصها فيما يأتي:ـ
1ـ البداءة بالنفس في كل خير يفتي به :فذلك أمر مطلوب من
المفتي ،إذ هو عالمة صدقه ،وهو السبيل لوضع البركة في قوله ،وتيسير
قبوله في نفوس مستمعيه(.)4
ولذا نجد القرآن يعتبر في الصدق مطابقة القول والفعل ،وفي الكذب
مخالفته له ،وذلك كقوله تعالى :ﮋﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙﮊ(.)5
ويقول تعالى:ـ ﮋﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ
ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﮊ(.)6
وقد سلك الرسول × هذا المسلك ،فجاءت أقواله مطابقةـ ألفعاله،
وسيرتهـ ممتلئةـ بالشواهد لذلك.
ومنها ما أخرجه مسلم من أن عمر بن أبي سلمة سأل النبي × عن
صن ُعَسو َل هَّللا ِ × يَ ْ س ْل َه ِذ ِه ُأِل ِّم َ
سلَ َمةَ فََأ ْخبَ َر ْتهُ َأنَّ َر ُ تقبيلـ الصائم .فقال لهَ « :
(?) الشاطبي إبراهيم بن موسى ،الموافقات ،ت .حسن مشهور ،دار ابن عفان ،ط،1. 3
ــ 253ـ
سو َل هَّللا ِ قَ ْد َغفَ َر هَّللا ُ لَ َك َما تَقَ َّد َم ِمنْ َذ ْنبِ َك َو َما تََأ َّخ َر فَقَا َل لَهَُذلِ َك فَقَا َل يَا َر ُ
سو ُل هَّللا ِ × َأ َما َوهَّللا ِ ِإنِّي َأَل ْتقَا ُك ْم هَّلِل ِ َوَأ ْخشَا ُك ْم لَهُ» (.)1
َر ُ
وروى مسلم أيضا أنه × لما نهى عن الربا في خطبة حجة الوداع،
ضو ٌع ُكلُّهُ». ب فَِإنَّهُ َم ْو ُ س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِض ُعهُ ِربَانَا ِربَا َعبَّا ِ قالَ « :وَأ َّو ُل ِربًا َأ َ
وروى الخمسة( )2أنه × قال ـ حين شفع عنده في حد السرقة ـَ « :وا ْي ُم
س َرقَتْ لَقَطَ ْعتُ يَ َدهَا». اط َمةَ بِ ْنتَ ُم َح َّم ٍد َ هَّللا ِ لَ ْو َأنَّ فَ ِ
فهذا منه × ظاهر في المحافظة على مطابقةـ القول للفعل بالنسبةـ إليه
وإلى قرابته ،وهكذا ينبغي لمن يتصدى ألحكام هللا من الناس.
كما جاء الشرع ذاما للفاعل بخالف ما يقول ،فقال تعالى :ﮋﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ
ﮪ ﮫﮬﮊ(.)3
وقال ـ أيضا ـ :ﮋﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮊ(.)4
ومما ينبغي التنبيهـ إليه أن هذا األمر يعتبر وجوده أكمل في انتفاع
المستفتي ،وقبوله لما يقوله المفتي وليس معناه أنه البد من وجوده من أجل
صحة الفتوى من الناحيةـ الشرعية ،اللهم إال إذا سقطت درجة المفتي إلى
مرحلة الفسق ،فإنه حينئذ ال تقبلـ فتواه ،الختالل شرط العدالة فيه.
ولهذا يقول الشاطبي( )5في ذلك (( :والمراد بما سقناه من عدم مخالفة
المفتي لما يفتيـ به ،أن هذا أكمل في االنتفاع ،وال يعني هذا عدم صحة
الفتوى من الناحية الشرعية ،ما لم ينحط المفتي إلى رتبة الفسق بالمخالفةـ)).
2ـ التريث في الفتوى حين يشتمل اللفظ على بعض المالبسات التي
تجعل المفتي يغلب على ظنه أن صيغة السؤال ال تعبر عن حقيقة الواقع
تماما
وذلك كأن يكون السائل عامياـ ال يدري مدلول اللفظ ،فنجده يطلق اللفظ
الصريح على غير مدلوله ،ويأتي باللفظ الخاص على مدلول عام ،فينبغيـ
للمفتي إذا غلب على ظنه أن مثل ذلك ال يقع له ،أن يتأنى في شأن الفتيا حتى
(?) ابن تيمية ،أبو البركات ،الجد ،منتقى األخبار ،باب "الرخصة في القبلة للصائم إال 1
ــ 254ـ
يتفقد قرائن أحوال المستفتي ،وحتى ينكشف له واقع الحال ،فيفتيه في ضوء
ما تبين به ،ال في حدود ما أطلقه من لفظ.
وإن لم يصل المفتي إلى كشف الواقع ،فال يحل له أن يفتيهـ(.)1
ومن المالبسات التي تجعل المفتي يغلب على ظنه أن صيغة السؤال ال
تعبر عن حقيقة الواقع ،كأن يكون المسؤول عنه ما مثله ال يسأل عنه،
فالغالب على الظن حينئذ أنه يقصد بالسؤال أمر لو صرح به ،المتنعت الفتيا
به.
ولهذا ينبغيـ للمفتي أن يتأنىـ في الفتيا ،ويستكشف حال المستفتيـ
ويبحث عن حقيقة سؤاله.
ويروي لنا القرافي( )2قصة حصلت له ،تمثل ذلك أتم تمثيل ،فيقول:
((ولقد سئلت مرة عن عقد النكاح بالقاهرة:ـ هل يجوز أم ال؟ فارتبت ،وقلت
له :ما أفتيك حتى تبينـ لي ما المقصود بهذا الكالم؟ فإن كل أحد يعلم أن عقد
النكاح بالقاهرة جائز ،فلم أزل به حتى قال :إنا أردنا أن نعقده خارج القاهرة
فمنعنا ،ألنه استحالل ،فجئنا للقاهرة (فعقدناه) ،فقلت له :هذا ال يجوز
بالقاهرة ،وال بغيرها)).
إلى غير ذلك من األمور التي ينبغي أن يتوفر عليها المفتي كحسن
الطريقة ،ورضا السيرة ،والورع ،والعفة ،والحرص على األكل من الحالل،
ورصانة الفكر ،وجودة المالحظة ،وطلب المشورة ،وشهادة الناس له بأنهـ
أهل لهذا المنصب.
وتلك هي مكانةـ المفتي في اإلسالم ،وهذه هي الصفات التي ينبغيـ أن
يتحلى بها من ندب نفسه لإلفتاء فما مدى انطباقـ هذه الصفات على المفتين
على العالم اإلسالمي المعاصر؟
الواقع الذي تعيشه األمة اإلسالمية في هذا الجانب مر أليم ،فكثير ممن
تصدى للفتوى ال يتوافر على أدنى شروط المفتي مما كان له األثر السيء في
المجتمع اإلسالمي.
فأحكام الدين كثيرا ما تؤخذ عن أناس ال عالقة لهم بالتأصيلـ الشرعي
الرزين ،مما يؤدي إلى اضطراب والبلبلة في أوساط العامة وتشويش على
(?) القرافي ،اإلحكام في تمييز الفتاوى عن األحكام في أماكن متفرقة .مصدر سابق، 1
(ص)252/253
ــ 255ـ
موروثهم الفقهي ،ومذهب مشايخهم الذين اعتادوا على سؤالهم في شؤون
حياتهم.
والشيء الذي يتبادر إلى الذهن اقتراحه إزاء هذه المشكلة ،للقضاء
عليها ،أو الحد من خطرها:
ـ أن ال يترك الباب مفتوحا لمن أراد أن يلج منه ،بل ينبغي لوالة
األمور ومن يعنيهمـ هذا الشأن أن يضعوا قواعد أساسية بها يقومون
الشخص ،ويعلمون مدى صالحيتهـ لذلك ،فيرشحوه لهذا األمر.
ـ ويوجهوا عامة الناس نحوه في أخذ األحكام ،حين يحتاجون لذلك،
ـ وأن يمنعوا عن اإلفتاء من ال يصلح لذلك ،وينذروه إن لم ينته عنه،
ويعاقبوه بما يتناسب مع حاله حين يتصدى له ،ولو أصاب في ذلك ،فإن
إصابتهـ مرة سيتبعهاـ خطؤه مرات كثيرة في حاالت أخرى ،وليس فيما نقول
تحجير لواسع.
ـ أن يختار في كل بلد من يصلح لذلك ،حتى يفتيهاـ في أمور دينها،
ويخلصها مما قد ينبهم عليها في صلتها مع ربها.
كما أنه ليس فيما نقول ابتكار لقول لم نسبق إليه وإلى العمل به ،فقد
قال الخطيب البغدادي((( :)1قلت ينبغيـ إلمام المسلمين،ـ أن يتصفح أحوال
المفتين فمن كان يصلح للفتوى أقره عليها ،ومن لم يكن من أهلها منعه منها،
وتقدم إليه بأن ال يتعرض لها ،أوعده بالعقوبة ،إن لم ينتهـ عنها)).
ويستأنسـ في عرض رأيه هذا بما حصل من خلفاء بني أمية في
تعيينهمـ من يتصدى للفتيات بمكة ،ومنعهم لغيرهم منها ،فيقول(( :وقد كان
الخلفاء من بني أمية ينصبون للفتوى ـ بمكة ـ في أيام الموسم قوما يعينونهم،ـ
ويأمرون بأن ال يستفتى غيرهم)).
ويروى بسنده إلى أبي يزيد الصنعانيـ عن أبيهـ قال(( :كان يصيح
الصائح في الحاج :ال يفتي الناس إال عطاء بن أبي رباح فإن لم يكن فعبد
هللا بن أبي نجيح)).
ويتابعـ ابن الجوزي المتوفى سنة (596هـ) الخطيبـ البغدادي فيقول:
((يلزم ولي األمر منعهم ،كما فعل بنو أمية))(.)2
كما أن من يتصدر للفتيا ـ ممن كانوا أهال لها ـ ينبغيـ لهم توعية العامة
بهذا الشأن ،والعمل على صرف الناس عمن ال يصلح للفتيا ،والحد من
نشاطهم ،والمنع من نفوذهم بكل الوسائل التي تخدم هذه المقاصد.
(?) الخطيب ،أحمد بن ثابت ،البغدادي،ـ الفقيه والمتفقه ،مطابع القسيم ،سنة 1389هـ، 1
(ج/2ص.)153
(?) أحمد بن حمدان الحرافي الحنبلي ،صفة الفتوى والمفتي والمستفتي( ،ص .)24 2
ــ 256ـ
ولهذا نرى القرافي يعرض رأيا ،هو في نفسه أحد هذه الوسائل،ـ
فيقول((( :)1وينبغي للمفتي متى جاءته فتيا ،وفيها خط من ال يصلح للفتيات،ـ
أن ال يكتبـ معه ،فإن كتابتهـ معه تقرير لصنيعه ،وترويج لقوله الذي ال ينبغيـ
أن يساعد عليه،ـ وإن كان الجواب في نفسه صحيحا.
فإن الجاهل قد يصيب ولكن المصيبة العظيمة،ـ أن يفتيـ في دين هللا من
ال يصلح للفتيا،ـ إما لقلة علمه ،أو لقلة دينه ،أو لهما معا)).
نسأل هللا أن ينصر دينه ،ويعلي كلمته ،وأن يوفق القائمينـ على
شؤون المسلمين لما فيه خير دينهم ،وصالح من تحت رعايتهم.
المحور الثالث :نماذج من فتاوى التفسير من كتاب "المعيار"
محاورة بين اإلمامين التلمسانيين :محمد المقري ،وإبراهيم بن اإلمام.
تكلم عليها القاضي أبو عبد هللا المقري التلمساني،ـ وتكلم معه في
بعضها الشيخ أبو الفضل إبراهيم ابن الشيخ العالم المجتهد أبي زيد عبد
الرحمن بن الشيخ اإلمام التلمساني.
قال القاضي المقري ~ تعالى :نظرت في قوله تعالى:ـ ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﮊ( )2مع ما في الصحيح من قوله ـ عليه السالم ـَ « :ما ِمنْ
ش ُر وَِإنَّ َما َكانَ الَّ ِذي ُأوتِيتُ َو ْحيًا ْط َي َما ِم ْثلهُ آ َمنَ َعلَ ْي ِه ا ْلبَ َاَأْل ْنبِيَا ِء نَبِ ٌّي ِإاَّل ُأع ِ
َأ ْو َحاهُ هَّللا ُ ِإلَ َّي فََأ ْر ُجو َأنْ َأ ُكونَ َأ ْكثَ َر ُه ْم تَابِ ًعا يَ ْو َم ا ْلقِيَا َم ِة».
ففيهما من ذلك سر رفع العذاب العام ،والمسخ وغير ذلك مما نال األمم
المتقدمة ،وذلك أن تلك اآليات آيات اضطرار ،فكانت العقوبة على تكذيبهاـ
عقوبة عناد ،وآية الوحي آية اعتبار ،فالعقوبة على ردها عقوبة اعتراض
وإلحاد.
وكأن هللا مهد لنبيه × أخباره بأن بعث األنبياء قبله باآليات ،وأهلك
المكذبين بها بمنكرات العقوبات ،ثم لم ينقطع مع ذلك شرك وال غلب توحيد.
فبعث محمدا × بوحي يعرفه المستبصر ويفهمه المذكر ،فمن أيقظ إليه
بصيرته علم أنه من عند هللا تعالى ومن حجب قلبه صرفه عن طريقه،ـ ثم
نصره بالسيفـ فبلغ حتى مات وقد أسلمت العرب وسالمت.ـ
ثم قام بعده الخلفاء به فأشاعوه في األقطار ،وقاتلوا عليه جميع الكفار،
حتى فتحوا البلدان ،وأظهروا دين اإلسالم على سائر األديان،
(?) القرافي ،اإلحكام في تمييز الفتاوى عن األحكام في أماكن متفرقة .مصدر سابق، 1
(ص.)24
(?) سورة اإلسراء.59/ 2
ــ 257ـ
فعم بلوغ دعوته المشارق والمغارب ،وعلت كلمة هللا الرؤوس
والمناكب ،فلم يدعو في األرض إال مسلما أو عابدا هلل غير جاحد له وال
مشرك به من كتابي أو مجوسي مطلوب ال طالب ،ومركوب ال راكب.
ونحن ننتظر استئصال شأفتهم ،وإخماد نار شوكتهم ،ومنار كلمتهم.
فكل من على األرض اليوم فهو مذعن هلل مقر له خائف من بطشه
راغب في فضله ،ال يدعي الشبه لغيره ،وال يقر لمعبود سواه ببركة آيو الوحي.
وهذا سر كونه × خاتم النبيينـ وأكثرهم تابعا.
ويدلك على ذلك أن اآليات كانت مع خصوص الدعوى ،والوحي مع
عمومها ،لظهور آثارها في األمور المخبر بها قبل اإلسالم ،من أكبر معجزات سيد
اآلنام.
ضا».االتَِّباعُ أَْي ً
وسى َما َوسَِعُه ِإَّال ِ
وهذا هو سرَ« :لْو َأْدَرَكنِي ُم َ
وهو سر تحريم الملك في أمته وشرع الخالف حتى يكون األمر على
نهجه ،وهللا تعالى أعلم.
وقال أيضا ~ سألني بعض الفقراء عن السبب في سوء بحث المسلمين
في ملوكهم إذا لم يل أمرهم من يسلك بهم الجادة وال يحملهم على الواضحة،
بل من يغتر في مصلحة دنياه ،غافال عن عقوبتهـ في أخراه ،فال يرقب في
مؤمن إال وال ذمة ،وال يرعى لهم عهدا وال حرمة.
فأجبته بأن ذلك ألن الملك ليس في شريعتنا ،وذلك أنه كان فيمن قبلنا
شرعا.
()1
قال هللا :ممتناـ على بني إسرائيلﭧ ﭨ ﮋﮡ ﮢﮊ ولم يقل ذلك في هذه
األمة ،بل جعل لهم خالفة.
()2
ﭧ ﭨ ﮋﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﮊ .
()3
ﭧ ﭨ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮊ .وقال سليمان:ـ ﮋﮬ ﮭ ﮮ ﮯ
ﮰ ﮱﮊ(.)4
إلى غير ذلك ،فجعلهم (كذا) هللا تعالى إلى أن جعل فيهم ملوكا ولم
يجعل فينا شرعا إال الخلفاء ،فكان أبو بكر خليفة رسول هللا × وإن لم
يستخلفه نصا ،لكن فهم الناس ذلك فهما وأجمعوا على تسميتهـ بهذا االسم ،ثم
(?) سورة المائدة.20/ 1
ــ 258ـ
استخلف أبو بكر عمر فخرج بها على سبيلـ الملك الذي يرثه المولود عن
الوالد إلى سبيل الخالفة الذي هو النظر واالختيار للناس ،ونص على ذلك في
عهده له ،ثم اتفق الناس من أهل الشورى على عثمانـ.
فخروج عمر بها عن بنيه إلى أهل الشورى دليل على أنها ليست ملكا،
ونظر الناس فيهم واختيارهم منهم دون تعصيب وغلبة مؤكدة لذلك ،ثم تعين
بعد ذلك إذ لم يبق مثله فبايعه من آثر الحق على الهوى ،واصطفى اآلخرة على
الدنيا ،ثم الحسن كذلك ،ثم كان معاوية ~ أول من حول الخالفة ملكا والخشونة
لينا ،قال تعالى :ﮋﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨﮊ( ،)1فجعلها ميراثا،ـ فلما خرج بها عن وضعها
لم يستقم ملك فيها.
أال ترى أن عمر بن عبد العزيز كان خليفة ال ملكا ،ألن سليمان ~
رغب عن بني أبيه إليه إيثارا لحق المسلمين ،وليال يتقلدهم حيا وميتا ،وكان يعلم
اجتماع الناس عليه،ـ فلم يسلك طريق االستقامة بالناس قط إال خليفة.
أما الملوك فعلى ما ذكرت إال من قل ،وغالب أحواله غير مرضية،ـ
وهللا تعالى أعلم.
وقال أيضا ~ ﭧ ﭨ ﮋﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﮊ( ،)2يدل على وجوب العمل
بالراجح ،وقد حكى اإلجماع عليه ،ألنه دليل على قولهم بعض الطريق سؤال
(كذا) ثم لم يرض للعالم غير اتباع سبيله وانتهاج طريقته.
وقوله أيضا بعدها:ـ ﮋﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﮊ(.)3
دليل على جواز التبشير بمصاب العدو الفرح به وإن كان أخرويا.
وقد اختلف في جواز الدعاء عليه بالموت على الكفر.
و أفتى شرف الدين الكركري بكفر من قال لرجل أماتهـ هللا على الكفر،
قال :ألن محبة الكفر كفر ،ووردته بقول صالح بن آدم في قوله تعالى :ﮋﮱ
ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﮊ( )4انتهى.
فكتب الفقيه العالمة اإلمام سيدي أبو الفضل ابن االمام عقب كالم
المقري هذا ما نصه :الحمد هلل .قوله في اآلية األولى تدل على وجوب العمل
بالراجح ،مما يمنع،ـ وذلك أنه ﭧ ﭨ ﮋﰇﮊ(.)5
(?) سورة األعراف.153/ 1
ــ 259ـ
يحتملـ أن يكون مفسرا يدعو على نهج ،ﭧ ﭨ ﮋﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﮊ(.)1
وعلى هذا القول إن إجابة دعوته تجب ألن االدعاء منه إلى التي هي
أقوم بأوامر ونواهي يقف مع كل منهما،ـ وتارة يكون معنى ﮋﭣﮊ يرشده،
وإرشاده من وجوه ال تحصى وال تنحصر ،كما أن ﮋﯾﮊ أيضا يحتمل أن يراد
بها الطريقة،ـ ويحتمل أن يراد بها الحالة.
ﮋﭥﮊ أيضا يحتملـ أن يكون على ظاهره مقتضيا للتفضيل ،ويحتم أن
ال ،وذلك إذا لوحظ منه التوحيد ،إذ الشرائع لم تختلف فيه ،فلو قيل مثال :ﭧ
ﭨ ﮋﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﮊ( ،)2على معنى أنه يرشد الناظر فيه إلى الحالة القويمة،
وذلك إذا نظر فيه مؤمن من وجه التوحيد ،وما يقول فيه إذا نظر فيه كتابيـ
مسلم من وجه أنبائهم،ـ فإن قال المراد مجموع القرآن من حيث هو مجموع،
وكل آياته ال كلياتهـ فيعتبر النظر في اإلشارة بهذا من قوله سبحانه:ـ ﮋﭟ ﭠ
ﭡﮊ( ،)3فتأمله.
وقوله في اآلية الثانيةـ وهي ﭧ ﭨ ﮋﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﮊ( )4دليل على جواز
التبشير بمصاب العدو ،وهذا من حيث ﭧ ﭨ ﮋﭰ ﭱﮊ( ،)5عطف على األولى،
وأن األولى في موضع نصب بـ ﮋﭦﮊ فهي داخلة في جملة بشارة المؤمن،
فالقرآن بشير المؤمنين ،بحيث إن الكافرين لهم عذاب أليم.
وما رد به على شرف الدين ال يصح ألنه ال يقال إن إرادة هابل إرادة
محبة وشهرة ،وإنما هو تخيير في شرين كما تقول العرب في الشر خيار،
فالمعنى إن قتلتني وسبق بذلك اختياري أن أكون مظلوما سينتصر هللا لي في
اآلخرة.
أال ترى إلى قوله :ﮋﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮊ( )6على معنى ال أفعل القتل.
وقد قال الجمهور(( :إن هابلـ كان أقوى منهم ،ويأتي وراء هذا قوله:
ﮋﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﮊ( )7على معنى لست بحريص على قتلك ،فاإلثم الذي
(?) سورة فصلت.17/ 1
6
(?) سورة المائدة.28/
7
(?) سورة المائدة.29/
ــ 260ـ
يلحقني لو كنت حريصا على قتلك أريد أن تحمله أنت مع إثمك في قتلي،
س ْيفَ ْي ِه َما فَا ْلقَاتِ ُل
ان بِ َ على ما أشار عليه السالم إليه بقولهِ« :إ َذا ا ْلتَقَى ا ْل ُم ْ
سلِ َم ِ
ُول؟ قَا َلِ :إنَّهُ سو َل هَّللا ِ َه َذا ا ْلقَاتِ ُل فَ َما بَا ُل ا ْل َم ْقت ِ َوا ْل َم ْقتُو ُل فِي النَّا ِر .فَقُ ْلتُ :يَا َر ُ
احبِ ِه» (.)1
ص ِ صا َعلَى قَ ْت ِل َ َكانَ َح ِري ً
ويأتي في كالم هابلـ من اللطائفـ والحكمة أنه جمع فيه االستعطاف
والزجر ،ألنه إذا نفى أن يبسط إليه يده في الوقت الذي يجب فيه البسط فلذلك
من أقوى الدعاوى في تعطف قابل ،ألن المقاومة ممانعةـ توجب الطلب في
الممنوع والرغبة.ـ
وأحب شيء لإلنسان ما منعا وزادني كلفا في الحب أني منعته
ثم أردف االستعطاف بالتسليم الباطنيـ حيث نفى أن تكون له نزعة من
المشوشات للباب ربما تخيل من خالله األخوة النسبية ،ثم أردف بالوعيد لها،
بل وهو :ﮋﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜﮊ(" .)2إذ ال زاجر وراء ذلك.
أما قوله :ﮋﯝ ﯞ ﯟ ﯠﮊ(.)3
فيحتمل أن يكون من كالمه ،ويحتمل أن يكون من كالم هللا ـ سبحانهـ.
وقال أيضا ~(( :لما نزل قوله تعالى :ﮋﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮊ(.)4
عوذُ ك» ،ﮋﮱ ﯓ ﯔ ﯕﮊ( .)5قال« :أَ ُ جهِ َوذ بَِو ْ
قال رسول هللا ×َ« :أعُ ُ
()6
ف». ك» .ﮋﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﮊ .قالَ« :هِذِه أَ َ
خ ُّ جهِ َ
بَِو ْ
فمن ثم وربك أعلم منع هذه دون تينكـ على ما ثبتـ في الصحيح من
سَأ ْلتُ َربِّي َأنْ اَل سَأ ْلتُ َربِّي ثَاَل ثًا فََأ ْعطَانِي ثِ ْنتَ ْي ِن َو َمنَ َعنِي َو ِ
اح َدةً َ قولهَ « :
سنَ ِة فََأ ْعطَانِي َها ،وهذه وهللا أعلم. يُ ْهلِ َك ُأ َّمتِي بِال َّ
(?) البخاري ،محمد بن اسماعيل ،الصحيح مع الفتح ،دار الفكر ،كتاب اإليمان1/84( ، 1
ـ )85
(?) سورة المائدة.29/ 2
5
(?) سورة األنعام.65/
6
(?) سورة األنعام.65/
ــ 261ـ
ق فََأ ْعطَانِي َها»، سَأ ْلتُهُ َأنْ اَل يُ ْهلِ َك ُأ َّمتِي بِا ْل َغ َر ِ
هي العذاب من فوقَ « ،و َ
َ
س ُه ْم بَ ْين ُه ْم ْأ اَل
س لتهُ نْ يَ ْج َع َل بَ َ َأ ُ ْ َأ وهي وهللا أعلم .العذاب من تحتَ « ،و َ
فَ َمنَ َعنِي َها» .وهذه هي اإللباس واإلذاقة.
فتأمل ذلك تجد الحديث كالكفاء لآلية! واستعذ باهلل من جميع بالئهـ ،وال
تحقر شيئا من عذابه ،نعوذ به .انتهى.
فكتب أبو الفضل بن اإلمام عقب هذا الكالم ما نصه :هذا الكالم في
غاية الحسن ،لكن كدر صفوه أني أحفظ مثله للسهيلي ،فطالعه في "الروض
األنف" فقد يكون حفظه ثم نسيه،ـ أعني نسيه على الوجه الخاص في كونه
هنالك وكونه للسهيلي.
فلكثرة الحفظ ظهر له أنه آثاره ،ويحتمل أن يكون هو المدرك له وال
يبعد ،فالمصنف كبير ،وعلمه غزير وال أحق اآلن النقل كما أني ال أشك في
أنه هنالك ،وأتخيل أن السهيلي ذاكر به بعض األشياخ ووقف النظر في تقدم
اآلية ،والغالب أن السهيلي قرره وهو الذي نفى في كالم المقري ولما لم يغلب
ذلك على ظنه بما نقصه البحث قال ومن ثم ـ وربك اعلم ـ.
ولم أجد الكتاب في الوقت ،وقد أرشدناك للمطالعةـ فيما بقي ،وفي
كالمه ~ عجلة من سوء األدب ،ولوال مكانتهـ في العلم والديانة التي ال أشك
فيها لكان التنبيهـ على غير هذا الوجه ،فيه سقطة ال أشك فيها ،وجموح قلم،
عرفنا هللا بمقادير أنفسنا ،وألهمنا رشدنا.
()2
وقال أيضا ~ :ﮋﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴﮊ( ،)1ﮋﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﮊ
يقتضي أن قبض الرهن مخالف لقبض األمانة ،ألن الظاهر كونه مستأنفاـ ال
عاما معطوفا على خاص.
فالرهن كالكتبـ جعل الرهن بدال منه ليست يد المرتهن عليه بيد أمانةـ
لكن يد ضمان كالعارية ظ ،ألن كل واحد منهما مقبوض لمنفعة القابض
يه»،ن ِبَما ِف ِ
الرْه ُ
خاصة كالقرض فهو مضمون باألصالة قال رسول هللا ×َّ « :
وباهلل التوفيق.
ــ 262ـ
ونلحق بهذا الكالم بما هو منه ما قاله ~ قال :ندب هللا إلى الكتب بما
هو توسعة على الناس ،ألن اإلنسان إذا توثق من حقه سارع إلى إخراج
شيئه ،والوثيقة إذا خفت مؤونتهاـ لم يرجع أحد على المعاملة عليها مع ما في
ذلك من الحوطة على المال ،والرفق في الحال والمآل.
فهذا إرشاد ال عزيمة ،ومعونة ال مؤونة.
ثم لما كان التوثق بالكتبـ قد يتعذر قد أرشد إلى التوثق بأثقل منه مما
ال يعسر فقال :ﮋﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛﮊ(.)1
وإلى تمام التوثق أشار بلفظ القبض كأنهـ يقول :إن تعذر الكتب فال
تمنعوا من التعاملـ الذي هو أصل صالح أحوالكم لوجود ما هو أوثق منه
وهو الرهن المقبوض ،فلم يذكر أوال المتيسر األخف ،وذكر هذا ،فإن الجزء
الحادي عشر ،والجزء الثانيـ من كتابـ "المعيار" قد احتويا على لطائفـ
كثيرة في التفسير والحديث ،ومناقشة عميقة تناول فيها بعض أهل العلم
الكثير من أقوال الزمخشري ،وابن عطية ،وغيرهما.
يجدر بالقارئ أن يعود إليها ويقف عندها مليا.
وهكذا عكف العلماء على االستفادة من هذا الفيض اإلالهي الذي ال
تنتهيـ عجائبه ،ودونوا في ذلك الكتب والموسوعات،ـ في كل ناحية من نواحي
العلوم التي تتعلق بالقرآن الكريم هو منهج هللا تعالى إلى عباده ،وكلمته
األخيرة التي ال تصلح الحياة إال بها ،ومن هنا تكفل هللا بحفظه في قوله
تعالى :ﮋﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮊ(.)2
وقد حاولت بجهدي المتواضع أن أجمع شيئا مما يتعلقـ بالقرآن الكريم
وعلومه ،والفتاوى المتعلقة ببعض اآليات مما استشكله بعض طلبة العلم
حينذاك .وفي كتابـ "المعيار" يمكن أن نقرأ عدة فتاوى وتحقيقات علميةـ تتسم
بالجودة والعمق العلميينـ في مواضع كثيرة في هذا الكتاب الذي جمع فأوعى
المواضع التاليةـ(:)3
(?) الونشريسي ،أحمد بن يحيى ،المعيار المعرب ،دار الغرب اإلسالمي ،بيروت ،سنة 3
ــ 264ـ
العذر بعوارض األهلية في العقيدة
من خالل النوازل المغربية
د/يوسف عدار
كلية العلوم اإلسالمية جامعة الجزائر
مقدمة
قد تعْرض للمكلّف ـ بعد تمام أهليته ـ عوارض تمنعه من موافقة ما
يدعو إليه الشرع ،كالجـهـل ،والخـطـأ المنافي للعمـد ،والتأويل واإلكراه وغير
ذلك.
والشرع قد اعتبر هذه العوارض فال ينبغيـ مع وجودها الحكم على من
قال قوال أو فعل فعال بما يقتضيه ظاهر ذلك القول أو الفعل من الضالل أو
الكفر أو العقوبة ،ألنه بذلك يكون قد أسقط ما اعتبره الشرع.
والجهل بهذه العوارض وآثارها الشرعية التي منها العذر ،قد يوقع في
الحكم على الناس بما تقتضيهـ اعتقاداتهمـ وأحوالهم وأفـعالهـم المخالفة للشرع
من غير اعـتـبـار للعوارض ،ولعلماء المغرب اإلسالمي فتاوى في باب
العوارض تدل في جملتها على أنهم كانوا يعتبرون هذه العوارض تبعاـ
للشرع ،ومن المفيد أن تعرف أهم هذه الفتاوى ليكون لنا في سلفنا أسوة
فنتحرى ونحتاط كما تحروا واحتاطوا.
مدخل
يتوقف إدراك أحكام العذر المذكورة الحقا في البحث على تحديد ع ّدة
مفاهيم وقضايا وقواعد والحسم فيها؛ وقد تعرض علماء المغرب اإلسالمي في
فتاويهم ـ تارة بالتصريح وتارة بالتلميح ـ إلى بعض هذه المفاهيم والقضايا
والقواعد:
على صعيد المفاهيم
ما جاء في معنى العذر :اعتبار ترك المؤاخذة على المخالفة داخال في
مفهوم العذر ،ومفهومه هو :رفع الشارع كل ما يترتب على المخالفة أو بعضه
لسبب .جاء في فتاوى المازري( ) 1ـ في العدل المقيم بدار الحرب إن لم يظهر
سبب إقامته ـ :قوله(( :من ظهرت عدالته منهم وشك في إقامته على أيّ وجه
أن مفهوم العذر يتضمن((ترك فاألصل عذره)) أي :إسقاط مؤاخذته؛ ف ُفهم منه ّ
المؤاخذة))(.) 2
(?) أبو عبد هللا محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي المــــازري ،المجتهد العــــالم 1
بالحديث ،توفي ســنة (.)536انظــر :ســير أعالم النبالء ( 20/104وما بعــدها) ،الــديباج
ص 374ـ ،375شجرة النور الزكية ( 1/127ـ .)128
(?) انظر :فتاوى المازري ص .366 2
ــ 265ـ
ما جاء في معنى التأويل :العذر بالتأويل إما أن يراد به العذر بتأويلـ
كالم الشارع ،أو يأتيـ بمعنىـ صرف ظاهر قول أو فعل المكلف إلى وجه
صحيح ،عمال بقرائن أثارت ظنّا غالبا أو إلحسان الظن بالمكلف،ـ وامتناعاـ
من معاملته بمقتضى قوله أو فعله أو لغير ذلك( )1وإلى هذا المعنى يرمي
قول ابن عباد الرندي((( :)2وإذا رأى كالما لبعض أهل عصره أو غيرهم أو
تعرّف فعال من أفعالهم فليعرضه على مقتضى الكتاب والسنة … فإن وافقه
فحسن وإال طلب له تأويال صحيحا))( .)3فمعنى التأويل في هذه العبارة
صرف ظاهر قول أو فعل المكلف إلى معنى محتمل موافق للشريعة.
على صعيد القضايا
ما جاء في قضية الزم المذهب :من أسباب نشوء الفتن بين المسلمين
أن ينسب المرء إلى الزم قوله أو فعله ،فيحكم عليه بما يقتضيه هذا الالزم.
بـل قال بـعض أهل العـلـم :إن ((التكفير باإللزام عليه مدار أكثر التكفير عند
المعتزلة والشيعة وطوائف من األمة))( .)4مع أن الزم المذهب على الصحيح
ليس بمذهب ،فكم سيرتفع عن هذه األمة من الفتن لو ُعمل بالصواب في هذه
المسألة.وجهة ارتباطـ هذه القضية بالعذر أن القائل قد يكون غافال عن الزم
قوله ،فيعذر بالغفلة عن استحضار الالزم.
و نسب القول باإللزام إلى مذهب اإلمام مالك ،فقد ذكر ابن رشد( )5في
فتاويه أن تكفير أهل الزيغ بمآل القول عليه يدل مذهب مالك الواقع في
()6
ﯛﮊ )) العتبية:ـ ((ما آية أشد على أهل األهواء من هذه اآلية :ﮋﯗ ﯘ ﯙ ﯚ
(?) محمد بن إبراهيم بن عبد هللا بن مالك بن إبراهيم بن محمد بن عباد النفري الرنــدي، 2
الفقيه الصوفي الزاهد الولي ،ولد سنة ( )733وتوفي سنة (.)792انظر :نيل االبتهــاج ص
،472شجرة النور الزكية ( 1/238ـ .)239
(?) الرسائل الصغرى ص .88 3
أن بعض أهل العلم يف ـ ِّرق بين الالّزم الــبيّن والاّل زم غــير الــبيِّن،
ويتعيّن هنا التنبيهـ على ّ
ْ
فين ِّزل البيّن منـزلـة القول الصريح ،وبنــا ًء على ذلك يُل َحق ك ـ ّل من يلــزم عن قوله لــوازم
بيِّنة بالقائل ،ويُرتّب عليه األحكام المذكورة في الفقه .انظر :بلغة السّالك .224 / 4
ألن المــرء قد يقــول قــوال أو يفعل فعال مع وهــذا التفريق بين الــبيّن والخفي ّ غــير الزمّ ،
الغفلة عن الزمه مهما كــان ذلك الالّزم بيِّنــا ً عند غــيره ،فــإذا ُوقف على الالّزم فــأنكره،
فغايته أن يقع في التّناقض ،والتناقض ليس كفرا.
(?) أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي ،اإلمام الفقيه ،ولد سنة ،455وتوفي 5
سنة .520انظر :سير أعالم النبالء 501 /19ـ ،502الديباج المذهب ص 373ـ .374
(?) سورة آل عمران.106/ 6
ــ 266ـ
( .)1ومعنى كالم ابن رشد أن اآلية واردة في الكفار؛ ألن هللا تعالى :ﮋﯝ ﯞ
ﯨﯩ ﮊ( ،)2ومالك ~ جعل اآلية تشمل ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ
()3
أهل الزيغ ،لكن الشاطبيـ قال (( :والزم المذهب هل هو مذهب أم ال؟ هي
مسألة مختلف فيها بين أهل األصول ،والذي كان يقول به شيوخنا البجائيّون
() 4
والمغربيّون ويرون أنه رأي المحققين أيضا أن الزم المذهب ليس بمذهب)) .
وربما جاء عدم اعتداد بعض المالكية ـ كشيوخ الشاطبي وغيرهم ـ بأقوال مالك
المذكورة بسبب كون ((الزم المذهب ليس بمذهب)) لم يصرح به مالك ،بل استفيد
من أقواله ،ونسبة هذا القول إلى مالك إنما تصح إذا صح كون الزم القول قوال،
فال يمكن أن نعرف رأي مالك في هذا الموضوع إال بصريح قوله ،ال بالالزم،
حتى ال نقع في الدور.
و((الزم المـذهب لـيس بمـذهب)) ،ذهـب إليه من المالكية القاضي
عياض( )5وحكاه الشاطبيـ عن شيوخه البجائيين والمغربيين كما سبق.
العذر بالعوارض في مسائل العقيدة
العذر فرع عن وجود ووقوع المخالفة ،والمخالفة في العقيدة تنشأ
عن آفات العلم ،وتنشأ المخالفة أيضا عن أضداد اإلرادة واالختيار
كاإلكراه(.)6
العذر بآفات العلم
العذر بآفات العلم الخاصة معناه العذر بالجهل ؛ والعذر باالجـتـهـاد
والتأويــل،ـ وبالتقليد.ـ
(?) أبو إسحاق إبراهيم بن موسى ،اللخمي الغرناطي الشاطبي ،اإلمــام النظّــار المحــدث 3
األصولي ،له "الموافقات في أصول الفقـه" ،تـوفي سـنة (.)790انظـر :نيل االبتهـاج ص
48وما بعدها ،فهرس الفهارس (.)1/191
(?) االعتصام .336 / 2 4
(?) أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمــرو اليحصــبي األندلسي ثم الســبتي، 5
اإلمام العالمة ،له :الشفا ،واإلكمال ،ولد سنة ،476وتوفي ســنة .544انظــر :ســير أعالم
النبالء 212 /20وما بعدها ،الديباج المذهب ص 270وما بعدها.
(?) يقصد باآلفــات العامة والخاصة للعلم أضــداد العلم العامة والخاصــة ،وهي الــتي ال 6
يجتمع العلم مع واحد منها بحـــال.والفـــرق بين العامة والخاصة أن األضـــداد العامة هي
أضداد للعـلـم وغـيره كاإلرادة والموت والنــوم والغفلة والغشــية والســهو ،فال يجتمع نــوم
مع إرادة وال مع علم مثال ،والخاصة هي أضــــــــداد للعلم خاصة كالجهل والشك والظن
والــوهم ،فهــذه الصــفات ليست أضــدادا لإلرادة مثال ،فقد تجتمع اإلرادة معهــا.و تجــدر
اإلشـارة إلى ّ
أن هـذه الصـفات المقابلة للعلم يأتي التعبير عنها تارة باآلفات ،وتـــارة يُعبّر
عنها باألضداد،ـ انظـر :مجـرد مقـاالت األشعــري ص ،13اإلرشـاد ص 8ــ ،9شـرح
الكبرى للسنوسي ص 25ـ 27شرح صغرى الصغرى للسّنوس ّي ص .10
ــ 267ـ
1ـ العذر بالجهل
المكلف إن ادعى الجهل فيما يعلمه مثله فالظاهر أنه يَتَ َستَّر على
التكذيب بادِّعاء الجهل ،إذ ال يمكن أنه ال يدري ومثله يدري( .)1ومن عذر
بالجهل ال يُقر على حالة يعذر فيها ،ألن زوال عذره مطلوب بالسعي في
إزالة سببه الذي هو الجهل ،فينبغيـ على اإلنسان أن يسعى جهده في رفع
الجهل عن نفسه وإال كان معرضا أو مقصرا ،والمعرض والمقصر ال
يعذران ،النبعاثـ داعية البحث في نفسيهماـ وعدم االستجابة لها ،بخالف
الغافل الذي لم تنبعث من نفسه داعية النظر ،فإنّه غير مكلّف بما غفل عنه
على األصّح.
وأخذت مسألة العذر بالجهل في باب الصفات حيّزا من النقاشات
والسؤاالت بين العلماء منذ قرون خلت ،ومن ذلك جواب إمام الحرمين
الجويني( )2على سؤال عبد الحق الصقلي( )3الذي تضمن الكالم على الجهل
بصفة من صفات هللا ،الذي يـعـني عدم العلم بها ،قال الجويني :هذا الجاهل
((ال معتقد له في صفات الرب نفيا وإثباتا))( ،)4وعدم علم هذا بصفات الصانع
((ال ينفي علمه بالصانع ،فإنه وإن لم يعلم صفاته ،فلم يجهلها))( .)5أي :لم يجهلها
ألن انتفاء الجهل المركب ال يستلزم انتفاء الجهل البسيط. الجهل المركب()6؛ ّ
2ـ العذر باالجتهاد والتأويل
يعذر بالتأويل واالجتهاد من اتقى هللا ما استطاع وكان ما بذله في
اجتهاده منتهى مقدوره ،سواء كانتـ المسألة اجتهادية أم قطعية أو ادعي فيها
القطع ،وهذا العذر واقع في االختالفات الحاصلة بين المسلمين الذين ص ّح
انتسابهم إلى اإلسالم باعتقادـ الحق في مهمات األصول ،كاإليمانـ برسالة
الرسول ،فال يقع النزاع في مهمات األصول إال بين مسلم وغير مسلم ،لكن
قد يقع الخالف فيما دون المهمات،ـ كرؤية هللا يوم القيامة،ـ فالمختلفون فيها
صح انتسابهمـ إلى اإلسالم باعتقاد الحق في المهمات.
(?) انظر :الشفا ص 853ـ ،854القول الجزل ص 12ـ 13ـ 24ـ .26 1
(?) أبو المعالي عبد الملك بن عبد هللا بن يوسف بن عبد هللا إمام الحــرمين ضــياء الــدين 2
الجويني ،اإلمام الكبير ،ولد سنة ( )419وتوفي سنة (.)478انظر :سير أعالم النبالء (18
/468وما بعدها) ،طبقات الشافعية البن قاضي شهبة (.)1/1/255
(?) أبو محمد عبد الحق بن محمد بن هــارون الســهمي القرشي الصــقلي ،اإلمــام العــالم 3
الفقيه الحافــظ ،تــوفي ســنة (.)466انظــر :ســير أعالم النبالء ( 18/301ــ ،)302الــديباج
المذهب ص ،275شجرة النور الزكية (.)1/116
(?) أجوبة إمام الحرمين الجويني على سؤاالت عبد الحق الصقلي ،ضمن كتاب المعيار 4
(?) الجهل البسيط عدم إدراك الشيء أصال ،والجهل المركب تصور الشيء على خالف 6
ما هو به .انظر :شرح جمع الجوامع ( ،)1/1/162شرح الورقات للحطاب ص .28
ــ 268ـ
فكلّ ما دون المهمات التي هي :اإليمان باهلل ورسوله واليوم اآلخر إذا
اختلف فيه المسلمون فالمصيب مأجور والمخطئ معذور إذا بذل وسعه ولم يعد
في مقدوره أن يفعل أكثر مما فعل وقال ابن حزم(( :وهو قول كل من عرفنا له
قوال في هذه المسألة من الصحابة ،ما نعلم منهم في ذلك خالفا أصال))(.)1
لكن خالف بعض المالكية ـ على ما جاء في المعيار المعرب ـ الرأي
الذي ذهب إليه ابن حزم ،وظهر ذلك في تفسير عبارة ابن القاسم((( :)2قد
يكون في غير أهل األهواء من هو أشد من أهل األهواء)) ،فقال ابن مزين(:)3
معناها أن أهل األهواء اجتهدوا فأخطئوا ،فهم أعذر ممن ركب شيئا بعد
معرفته .ثم قال بعد أن بيّن معنى عبارة ابن القاسم(( :وفي هذا التأويل عذر
ألهل البدع في تحريفهم لكتابـ هللا ،ومفارقتهم للسنة والجماعة بتأويلهم،ـ
وال خالف أنهم غير معذورين في مخالفة سبيل المؤمنين)).
أما القابسي( )4فقد استبعد أن يكون معناهاـ ما ذكره ابن مزين ،وقال :بل
معناها ((الذين يتدينون بالسنة وتكون منهم جهاالت من وراء نسك ،فهم
يعرفون به من يسقطونه في جهاالتهم ،وأهل األهواء الناس لهم منافرون))،
ثم قال مبرئا ابن القاسم من إرادة المعنى الذي فهمه ابن مزين(( :كيف يقال
لمن يخطئ وجه الصواب في االعتقادات إنه أعذر ممن سلم له اعتقاده من
الخطأ ،وز ّل بالجهالةـ فيما دون االعتقادات ،وأتى ذلك تقحّما ،هذا بعيد))(.)5
أن بعض العلماء رأى القط َع بأن المتأول غير معذور وينبغي التنبيه إلى ّ
صعبًاً ،وهذا ما حمل عبد الحق الصقلي ـ على ماجاء في المعلم للمازري ـ إلى
أن يراسل اإلمام الجويني يسأله ع ّمن يؤول نصوص الصفات ـ ولعله أراد
المعتزلة ـ ،فأجابه بأن المسألة عويصة ،وأنه إذا نُ ِظر إلى قصدهم وهو
إرادتهم بالتأويل التنزيه فال يكفرون .قال المازري(( :و هي المسألة التي كتب
فيها عبد الحق الصقلي ألبي المعالي وأطراه في سؤاله فأجابه أبو المعالي:
وقفت على ثناء موالي اإلمام علي حتى لعمري اتهمت نفسي ولكن مازال
األكابر يزينون لألصاغر ما هم عليه من مبادئ العلوم ليحملهم ذلك على
الخوض في بحارها ومعاناة تيارها ،والمسألة من المعوصات ال أحب القطع
فيها لئال أدخل في الملة من ليس من أهلها ،وقد كنت أمليت فيها ديوانا في
مجلدات أتيت فيه بما لم أسبق إليه ،ثم أشار إلى أن سر الخالف في نفاة
(?) الفصل في الملل واألهواء والنحل .291 /3 1
(?) أبو عبد هللا عبد الرحمــان بن القاسم العتقي المصــري ،أعلم النــاس بــأقوال مالــك، 2
صحبه عشرين سنة ،توفي سنة ( ،)191انظر شجرة النور الزكية (.)1/58
(?) أبو زكرياء يحي بن زكرياء بن مزين القرطبي ،العالم الحافظ الفقيه المشارك ،توفي 3
ــ 269ـ
الصفات أن من نظر إلى مآل قولهم كفرهم ومن نظر إلى أنهم غلطوا مع قصد
التنزيه لم يكفرهم))(.)1
وكان محمد بن يوسف السنوسي( )2يحترز احترازا كبيرا عن تكفير
المخالفين ألهل السنة ،ويشير إلى توقف الجويني وغيره عن تكفيرهم ؛ قال:
((هذه مصيبة عظمى يجب أن يحترز منها المؤمن جهده ،ولهذا توقف كثير من
أئمة السنة عن تكفير أهل األهواء المبتدعة في العقائد ورأى أن األحوط أن ال
يجزم بتكفير أحد ممن يتلفظ بكلمة التوحيد إال بدليل قطعي على كفره))(.)3
3ـ العذر بالتقليد
ّ
يعذر المسلم بالتقليد إذا قلد غيره في الموافقة للحق والخبر ،ولو لم يكن
معه سوى مجرد االعتقاد العاري عن النظر واالستدالل ،فتركه االستدالل
في محل العفو إذا كان موقنا وجازما بالمعتقد ،ألن تكليفـ عامة الناس
باالستدالل فيها مشقّة والمشقّة في ديننا مرفوعة.
ومنَ العلماء َم ْن أوجب على الناس النظر ولم يصحح العقائد المأخوذة ِ
بالتقليد لكنه ال يريد بالنظر واالستدالل معرفة األدلة على التفصيل الموجود في
علم الكالم وال يشترط القدرة على التعبير عن ذلك ،بل المطلوب هو أيسر النظر
وأسهله ولو مع العجز عن التعبير عنه.فال يرد عليه ما جاء في جواب أجاب به
ابن رشد الجد على سؤال في هذا الموضوع ،فقد رفع إلى ابن رشد الجد( ) 4سؤال
عن قوم أوجبوا تعلم الكالم وزعموا بأن معرفته مقدمة على معرفة فرائض
األعيان ألن العقائد ومسائل التوحيد إنما يعرفها من يدرس علم الكالم ،فالتبس
األمر على الناس وأجاب ابن رشد بأن تعلم الكالم إنما يقصده من يريد التص ّدر
للرد على المبتدعة وأما إلزام العامة به واالدعاء بأنه مق ّدم على معرفة فرائض
األعيان فباطل(.) 5
و ِم َّما جاء في فتواه(( :ما ذكرته فيه عن الطائفةـ المائلةـ إلى أهل الكالم
بعلم األصول على مذهب األشعرية من أنه ال يكمل اإليمان إال به ال يقوله
أحد من أئمتهم،ـ وال يتأوله عليهم إال جاهل غبي))(.)6
(?) أبو عبد هللا محمد بن يوسف السنوسي ،المحدث الفقيه الفرضي المعقولي ،ولد بعد ( 2
،)830وتوفي سنة (.)895انظر :دوحة الناشر ص 121ـ ،122شجرة النور الزكية 1/2
.66
(?) المعيار .11/341 3
(?) أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطــبي ،اإلمــام الفقيــه ،له المقــدمات 4
الممهدات ،والبيان والتحصيل ،ولد سنة 455وتوفي ســنة .520انظــر :ســير أعالم النبالء
19/501ـ ،502الديباج المذهب ص 373ـ ،374شجرة النور الزكية .1/129
(?) انظر :فتاوى ابن رشد 2/971ـ .972 5
ــ 270ـ
ولعل الخلط بين تعلم الكالم ((الذي يقصده من يريد التص ّدر للرد على
المبتدعة)) على حد عبارة ابن رشد وبين التكليف باالستدالل على الصفة
المذكورة يشيع عند من قلّ نصيبه من العلم ،قال أبو عبد هللا محمد بن عبد
المؤمن التازي عن قوم ك ّفروا المقلد(( :وقد كان ورد فيهم ظهير من السلطان ~
أن يبحث عن أمرهم ،فاجتمع الناس عليهم في مسجد السيتاني،ـ وبحثوا فلم
يوجد عندهم شيء من العلم ،واتفق الناس حينئذ أنهم قوم جهلة))(.)1
و أدرك الحسن اليوسي( )2مثل هؤالء الذين أدركهم التازي ،فقد حكا
اليوسي أنه َم َّر بسجلماسة ووجد بعض طلبة العلم يفتون بكفر العامة بسببـ
كونهم مقلدين وال يأكلون ذبائحهم ويرون أنكحتهم وإمامتهم باطلة ،فاشت ّد ذلك
على الناس فسألوا الحسن اليوسي فأجابهم بما أزال عنهم تلك الغمة .قال
اليوسي(( :فلما دخلت البلد جاءني الناس أفواجا ً يشتكون من هذا وأن ليس كل
أحد يبلغ إلى فهم تقارير العلماء فأقول لهم إن هللا تعبدكم باعتقاد الحق في
أنفسكم أفال تشهدون أن هللا تعالى حق موجود فيقولون بلى .أفال تعلمون أنه
واحد في ملكه ال شريك له وال إله معه وكل معبود سواه باطل فيقولون بلى
هذا كلّه يقين عندنا ال نشك فيه وال نرتابـ فأقول لهم هذا هو معنى كلمة
اإلخالص المطلوب منكم اعتقاده))(.)3
ولكن الحسن اليوسي نفسه هو القائل:ـ ((على أن إيجاب النظر المؤدي ّ
إلى المعرفة بشروطه الطافحة بنصوصه كتب علم الكالم هو بعينهـ إيجاب
المهم من هذا العلم))( )4أي من علم المنطق.و لعله أراد هنا ذكر إيجاب النظر
على ما هو موجود في كتب الكالم بمجرده من غير تعقيب أو تعليق ،والكالم
الذي يقوله العالم على سبيل التقرير والشرح قد ال يقوله في مقام الفتوى.
وتحرر مما سبق بيانهـ محل الخالف ،وهو المقلد الذي تجرد اعتقاده
ي دليل ،فال يشك في اعتقاده وهو إلى ذلك الجازم المطابقـ للحق والخبر من أ ّ
ليس معه دليل ولو إجمالي.
(?) أبو علي الحسن بن مسـعود ،نــور الــدين اليوسـي ،المتضــلع في العلـوم ،تــوفي سـنة 2
.1111انظر :نشر المثاني 2/142وما بعدها ،شجرة النور الزكية 1/328ـ .329
(?) المحاضرات ص 76ـ .77 3
(?) حاشية اليوسي على شرح السنوسي على مختصره في المنطق /12ظ. 4
ــ 271ـ
() 1
وممن نُسب إليه القول بعدم صحة هذا التقليد :أحمد بن إدريس البجائي
وأحمد بن عيسى البجائي( )2وعبد الرحمان الوغليسي( ،)3ففي أوائل القرن
الثامن الهجري أفتى هؤالء ثالثة بكفر من ينطق بالشهادتين وال يعرف هللا
فقضوْ ا َّ
بأن َ وأجروْ ا عليه أحكام المجوس والكفار
َ ورسوله وال يفرق بينهما.
نكاحه باطل وأنه ال يرث المسلمين إلى غير ذلك من األحكام التي تنشأ عن
التكفير.
وهذا نص االستفتاء المرفوع إليهم ،وجوابهم عليه:ـ سئل سيدي أحمد
بن عيسى فقيه بجاية عمن نشأ بين ظهراني المسلمين وهو يقول ال إله إال هللا
محمد رسول هللا ويصلى ويصوم إال أنه ال يعرف ما انطوت عليه الكلمة
العليا فيما يعتقده لعدم معرفته بها ،إذا اعتقاد الشيء فرع المعرفة به كالذي
يقول :ال أدري ما هللا ورسوله وال أدري من هو األخير منهما ،أوال أفرق
بينهماـ أو غير ذلك من كالم ال يمكن معه معرفة الوحدانية وال الرسالة وإنما
يقول سمعت الناس يقولون هذه الكلمة فقلتها وال أدري المعنى الذي انطوت
عليه وال أتصور صحته وال فساده وال أدري ما أعتقد في ذلك بوجه وال
أعبر عنه بلسانيـ وال غيره ،ألن التعبير عن الشيء فرع المعرفة به وأنا ال
أعرفه .فهل يكتفي في إيمانهـ بمجرد النطق بالشهادتين والصالة والصيام
وغير ذلك من أركان اإلسالم ويعذر بجهل معنى الكلمة؟ أوال بد من معرفة
المعنى الذي انطوت عليه الكلمة العليا من الوحدانية والرسالة وإال لم يكن
مؤمنا.
فأجاب الحمد هّلل من نشأ بين أظهر المسلمين وهو ينطق بكلمة التوحيد
مع شهادة الرسول عليه السالم ويصوم ويصلي إال أنه ال يعرف المعنى الذي
انطوت عليه الكلمة كما ذكرتم ال يضرب له في التوحيد بسهم وال يفوز منه
بنصيب وال ينسب إلى إيمان وال إسالم بل هو من جملة الهالكين وزمرة
الكافرين ،وحكمه حكم المجوس في جميع أحكامه إال في القتل ،فإنه ال يقتل
(?) أبو العباس أحمد بن إدريس البجائي ،إمام عالمة وشيخ صالح ،أخذ عنه أبو زيد عبد 1
الرحمن الوغليسي ويحــيى الرهــوني وابن خلــدون ،له شــرح ابن الحــاجب ،وتعليق على
بيوع اآلجال في مختصر ابن الحاجب ،توفي بعد .760انظر :الــديباج المــذهب ص ،138
درة الحجال 1/80ـ ،81نيل االبتهاج ص ،100تعريف الخلف برجال السلف 1/277ــ
،279شجرة النور الزكية ،1/233الفتح المبين .2/181
(?) أحمد بن عيسى البجــائي ،فقيه بجاية وعالمتهــا ،أخذ عنه عبد الــرحمن الوغليســي، 2
وأبو القاسم المشـــدالي وأبو الحسن المنجالتي ،وهو من طبقة أحمد بن إدريس المتـــوفى
بعد .760انظر :نيل االبتهاج ص ،100تعريف الخلف برجال السلف .1/321
(?) أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد الوغليسي ،المفسر المحدث األصولي الفقيـه ،أخذ عن 3
أحمد بن إدريس البجائي ،وأخذ عنه أبو القاسم المشدالي وأبو الحسن علي بن عثمــان ،له
المقدمة المشهورة وتسمى الوغليسية ،توفي .786انظر :وفيات ابن قنفذ ص ،87وفيات
الونشريسي ص ،130لقط الفرائد ص ،222نيل االبتهـــاج ص ،248تعريف الخلف
برجال السلف 1/78ـ ،79شجرة النور الزكية (.)1/237
ــ 272ـ
إال إذا امتنع من التعليم ،وكذلك الطالق إن ظن بالمطلق أنه قصد بدعواه
الجهل بمعنى الكلمة الكريمة إباحة البائن،ـ كالرجل يبينـ زوجته ثم يدعى
الجهل بمعنى الكلمة الكريمة أو غير ذلك مما يقتضي الكفر فيظن به أنه قصد
بذلك إباحة المحظور فإنه ال يصدق في دعواه ذلك ويلزمه الطالق( ،)1إال أن
يعرف ذلك منه قبل الطالق وهي حينئذ في عصمته على ما يعتقد ببينةـ
عادلة أو ما يقوم مقامها .وكذلك المرأة إذا ظن بها أنها قصدت بذلك إباحة
الممتنع فإنها ال تصدق في دعواها وال تحل لزوجها إال أن يعلم ذلك منها قبل
البينونةـ أو ما يقوم مقامها كالرجل فيما ذكر سواء .وكذلك إذا ظن بها أنها
قصدت بذلك فسخ النكاح .الحكم واحد وهللا أعلم.
وذهبت غالة المرجئة وهي طائفةـ من المبتدعةـ إلى أن النطق المجرد
عن المعرفة بما انطوت عليه الكلمة الكريمة مع صالة أو صيام أو مع عدم
ذلك يكفي في اإليمان ويكون للمتصف به دخول الجنان عصمنا هللا من
اآلراء المغوية والفتن المحيرة ،وأعاذنا من حيرة الجهل وتعاطي الباطل،
ورزقنا التمسك بالسنة ولزوم الطريقة المستقيمة.
وكتب بالمسألة أيضا إلى سيدي عبد الرحمن الواغليسي فأجاب(( :الحمد
هّلل تعالى ،أسعدكم هللا وسددكم وإيانا لمرضاته بعد السالم عليكم ورحمة هللا
وبركاته ،فقد وصل إلينا ما كتبتموه مما فهمتم من فتوى الشيخين أبي العباس بن
إدريس وأبي العباس أحمد بن عيسى ،فيمن يقول ال إله إال هللا ولم يدر ما
انطوت عليه أن فتوى سيدي أحمد بن إدريس نصها :من قال ال إله إال هللا فهو
مؤمن حقا ،فمقتضى هذا الفهم من جواب الشيخ أن من نطق بالشهادة يجزئه
نطقه وإن جهل معناه وما انطوت عليه الكلمة من مدلولها فاعلم أن هذا الفهم
عن الشيخ ~ باطل ال يصح ،فإنه ال يلزم منه أن من قال ذلك وهو معتقد في
اإلله تعالى شبه المخلوقات ،وصورة من صور الموجودات أن يكون مؤمنا حقا.
ومن اعتقد ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين .وقد نص أئمتنا على ذلك وعلى
غيره مما فهو كفر بإجماع .فال يصح ذلك عن الشيخ أصال وال يصح أن يختلف
في هذا وشبهه .وفي هذا أجاب سيدي أحمد بن عيسى .وقد تحدثت أنا مع سيدي
أحمد بن إدريس وذكرت له ما يقول صاحبنا فوافق عليه وقال هذا حق ال يقال
غيره))(.)2
)?( 1من شروط صحة الطالق :اإلسالم .انظر :الشرح الصغير .2/156
فإذا ارتد الزوج فارقته زوجته المسلمة ،وال يعد هذا االفتراق طالقـا ،فــإن كــان طلقها مــرتين
من قبل أن يرتــد ،وفارقته بســبب الــردة ال تــبين عنه بينونة كــبرى ،فــإذا تــاب وعــاد إلى
اإلسالم جــاز له أن يراجعهــا.وهــذا الــذي طلق زوجته ثالثا وادعى أنه ال يعــرف معــنى
كلمة الشهادة ليُحكم له بحكم المجوس في طالقه ،يقع طالقه صحيحا إن علم قصــده ،وإن
عرف أنه ال يعرف ما انطوت عليه كلمة التوحيد فيحكم له بحكم المجوس في طالقه ،أي
تفارقه زوجته ،فــإن تــاب كــان له أن يراجعها ألنه طلقها وهو غــير مســلم ،واإلســالم من
شروط صحة الطالق.
)?( 2المعيار المعرب 2/382ـ .384
ــ 273ـ
وقد فهم محمد ين يوسف السنوسي من نص الفتوى المذكورة أن
هؤالء العلماء ال يصححون العقائد المبنيةـ على التقليد ،قال السنوسي:
((وبعض المقلدين ينطقـ بكلمتيـ الشهادة من غير أن يعرف معناهما،ـ أوال
يميز الرسول من المرسل ،وفي مثله وقعت أجوبة علماء بجايةـ وغيرهم من
المحققين ،أن هذا ال يضرب له في اإلسالم بنصيبـ))(.)1
و السنوسي هو أشهر من نسب إليه القول بعدم صحة عقائد المقلدين،
لكن في بعض مصنفاته ما يخالف هذا القول .والصواب أنه ~ كان يرى كفر
المقلد ثم رجع عن تكفيره .قال مصطفى الرماصي( )2يحكي اختالف أقواله
ويعتذر له(( :فانظر :هذا التخالف في تآليفه،ـ لكن قد يظهر لإلنسان في موضع
ما ال يظهر له في آخر))( .)3ومن أقوال السنوسي الدالة على رجوعه عن
التكفير قوله(( :والثالثـ ـ أي األصل الثالث من أصول الكفر ـ التقليد الرديئ))،
أي الفاسد ،واحترز به عن التقليد الصحيح ،فإنه ليس من أصول الكفر(.)4
ولو سلمنا أن السنوسي ~ كان يشترط المعرفة فإنه يرى العامة عارفين غير
مقلدين ،فال يستلزم قولُه تكفي َر العامة ،قال ميارة الفاسي((( :)5ومن خط شيخنا
اإلمام الحافظ الحجة أبي العباس أحمد المقري التلمساني( )6نزيل فاس ما
نصه :وقد سئل الشيخ سيدي محمد السنوسي نفعنا هللا به :هل يشترط في
اإليمان أن يعرف المكلف معنى "ال إله إال هللا محمد رسول هللا" على التفصيل
الذي ذكر في العقيدة الصغرى أم ال؟ فأجاب بأن ذلك ال يشترط إال في كمال
اإليمان ،وإنما اشترط في الصحة معرفة المعنى على اإلجمال على وجه
يتضمن التفصيل ،وال شك أن الغالب على المؤمنين عامتهم وخاصتهم معرفة
ذلك ،إذ كل أحد يعرف أن اإلله هو الخالق وليس بمخلوق والرازق وليس
بمرزوق ،وذلك هو معنى غناه جل وعز عن كل ما سواه وافتقار كل ما سواه
ُصلَّى إال له وال يصام إال له وال يحج وال يعبد سواه،
إليه ،ويعرفون أن اإلله ال ي َ
وافتقار كل ما سواه إليه هو معنى قولهم :إن اإلله هو المستحق للعبادة وال
يستحقها سواه .وذلك الذي وقعت به الفتوى بعدم اإليمان نادر جدا ،وهو الذي ال
يدري معنى "ال إله إال هللا" ال جملة وال تفصيال ،وال يفرّق بينه وبين الرسول،
(?) شرح الكبرى للسنوسي ص 87ـ .88 1
(?) أبو الخيرات مصطفى بن عبد هللا بن موسى الرماصي ،الفقيه العالمة المحقق ،توفي 2
(?) أبو عبد هللا محمد بن أحمد ميارة الفاسي ،اإلمام الفقيه المتبحر في العلوم ،توفي سنة ( 1072 5
).انظر :صفوة ما انتشر ص ،140سلوة األنفاس ( 1/165ـ ،)167نشر المثاني ( 1/235ـ 237
).
(?) أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى شهاب الدين المقــري التلمســاني ،نزيل 6
فاس ثم القاهرة ،المتكلم الحافظ المحدث األثري العارف بسـير وأحـوال الرجـال ،المتفنن
في العلوم ،سنة (.)1041انظر :صفوة ما انتشر ص 71وما بعدها ،،شجرة النــور الزكية
( 1/300ـ .)301
ــ 274ـ
بل يتوهم أنه مثل ونظير هلل تعالى ،وهذا النوع يقع في البادية البعيدة عن
العمران جدا التي ال تخالط علما وال خبرا ،وهللا تعالى أعلم))(.)1
ولعله أشار بقوله(( :وذلك الذي وقعت به الفتوى)) إلى فتوى كان أفتى
بها بعدم جواز أنكحة بعض أهل البوادي لبقائهمـ على الكفر .ونقل المختار
الكنتي فتوى السنوسي في ذلك .قال المختار الكنتي(( :لقد وقفت على كتاب
لولي هللا محمد بن يوسف السنوسي فيه نصه أن األكثرين من نساء األعراب
من البربر وغيرهم من أهل البوادي وأهل القرى ال يحل نكاحهن لبقائهن
على أصل الكفر ،ولو تفوهن بالشهادتين ألنهن ال يميزن غالبا بين معرفة هللا
ومعرفة رسوله ،وال يقفن على دعائم التوحيد وال قواعد اإلسالم ،فحكم
نكاحهن في الحرمة حكم النساء المجوسيّات والوثنيّات))( .)2وهذا المقول
المنقول ال يعارض ما سبق ،ألن الكالم فيه ليس على المقلد التقليد الصحيح،
بل هو عن الجاهل الذي ال يفرق بين هللا ورسوله وال يميز بينهما .أما المقلد
فانتهى رأي السنوسي إلى أن إيمانه صحيح.
()3
واستمر القول بكفر المقلد بعد وفاة السنوسي فهذا أبو القاسم بن خجو
يقول بكفر من لم يعرف معنى كلمة الشهادة ،قال(( :من لم يعرف معنى
الكلمة المشرفة ولم يفرق بين الخالق والمخلوق ولم يتيقن بالبعث فهو من
الكفار المجوس ال تحل ذبيحته وال نكاحه حتى يتوب ويتعلم ويدخل باالعتقاد
الصحيح في اإلسالم))(.)4
و ذكر عبد الكريم الفكون( )5أنه لقي أبا عبد هللا البوزيدي في قسنطينةـ
وأخبر عنه أنه كان يقول بتكفيرـ المقلد .قال الفكون(( :وكان يقال عليه أنه
يصرح في مجلسه بأن المقلد غير مؤمن ،وربما ينقلـ عنه أنه يجاهر بأن
العامة مختلف في إيمانهمـ فكان له بينهمـ انسفال))(.)6
(?) أبو القاسم بن علي بن خَجُّ و الحساني ،العالم الفقيــه ،وتــوفي ســنة .956انظــر :دوحة 3
(?) أبو محمد عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الفكون القسنطيني ،الجــامع بين علمي 5
الظاهر والباطن ،له جزء في تحــريم الــدخان ،تــوفي ســنة .1073انظــر :صــفوة ما انتشر
ص ،141 140نشر المثاني 1/243ـ ،245تعريف الخلف برجال السـلف 1/191وما
بعدها.
(?) منشور الهداية ص .113 6
ــ 275ـ
أن العلماء الذين منعوا التقليد أطبقت عباراتهم على و ينبغي التنبيهـ إلى ّ
ألن المعرفةكون المقلد عير عارف ،وليس اليقين المجرد عندهم معرفةّ ،
هي ما نشأ عن دليل ونظر صحيح.
وأما العلماء الذي قالوا بأن التقليد كاف في العقائد فكثر ،ومنهم:
راشد بن أبي راشد الوليدي( ،)1فقد سئل راشد عن الخواطر الفاسدة
التي يلقيهاـ الشيطانـ في النفس هل يدفع ذلك بالنظرـ واالستدالل وتعلم األدلة
على طريقة أهل الكالم فأجاب بأن المطلوب االستقرار على العقيدة
الصحيحة ثم أداء العبادات والفرائض وبين أن التقليد في العقائد كاف إن لم
يكن المكلَّف قادرا على النظر(.)2
ومنهم كذلك ابن مرزوق الحفيد( )3فقد أفتى بتحريم تحريك عقائد
العوام بامتحانهم وسؤالهم عما ال يستطيعون أن يجيبوا عليه ،وهذا نص
االستفتاء والفتوى(( :سئل الشيخ أبو عبد هللا بن مرزوق عن فتوى أفتى بها
رجل ممن يتصدر لإلفتاء وهي أنه يجب على من له زوجة أن يسألها عن
عقيدتها فإن وجدها معتقدة ما يستحيلـ في حق هللا تعالى كالجهة مثال فإنه
يجب عليه أن يفارقها ألنها مشركة .فهل يا سيدي يجب هذا ويكون الحكم ما
أفتى به أم ال يجب؟ وكيف الحكم فيمن وجد جاهال لم يعتقد غير قول ال إله
إال هللا محمد رسول هللا كما تعلمونهـ من أكثر الناس؟ بينوا لنا ذلك مأجورين
مشكورين والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته.
فأجاب :هذه إحدى الطوام فإذا فتح هذا الباب على العوام اختل النظام فال
تحرك على العوام العقائد وليكتف بالشهادتين كما قال اإلمام أبو حامد ،وبهذا
جاءت األحاديث الصحاح ،ولو وجب سؤال النساء عن هذا بعد التزويج لوجب
قبله فال يقوم على نكاح امرأة تشهد أن ال إله إال هللا وأن محمدا رسول هللا إال
بعد اختبار عقيدتها ،ألن من أصولهم :أن ما إذا طرأ قطع فهو إذا قارب منع.
نعم إن بدا من بعض الزوجات معتقد سوء دون أن يطلب ذلك منها نظر فيه بما
يقتضي فيه الحكم ،ألنه كثير جدا ال ينضبط .وهللا الموفق بفضله وهو سبحانه
وتعالى أعلم وكتبه محمد بن أحمد ابن محمد بن مرزوق))(.)4
ومنهم كذلك محمد بن أحمد بن أبي جمعة الوهراني ثم الفاسي( )5فقد
سئل عن حكم التقليد في العقائد وهل يص ّح تكفير العامة بسببـ كونهم مقلدين
(?) أبو الفضل راشد بن أبي راشد الوليــدي ،اإلمــام الفقيــه ،تــوفي ســنة .675انظــر :نيل 1
(?) محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد ،عرف بابن مــرزوق الحفيد العجيسي التلمســاني، 3
المفسر المحــدث األصــولي الفقيه اللغــوي ،ولد ســنة ( )766وتــوفي ســنة (.)842انظــر:
البستان ص ،201نيل االبتهاج ص 499وما بعدها ،تعريف الخلف برجال السلف (1/1
45وما بعدها).
(?) نوازل العلمي الشفشاوي /194ظ. 4
ــ 276ـ
وهل تصح إمامتهم وأنكحتهم .فأجاب بأن العامة عارفون وتصح إمامتهم
بشروطها المذكورة في كتب الفروع ويقال مثل ذلك في أنكحتهم وتجري
عليهم سائر أحكام اإلسالم ،وكتب في الجواب على هذا السؤال كتابا سماه
"الجيش الكمين في الك ّر على من يكفر عوام ّ المسلمين".ـ
العذر بآفات اإلرادة
والعـذر بآفات اإلرادة المراد به العـذر باآلفات الخـاصـة باإلرادة أي
مـع وجـود وحضور العلم بالمكلّف به.
وآفات اإلرادة :اإلكراه واالستضعاف ،وهما حمل على المخالفة للدين،
فاإلكراه حمل فوري وعنيف بالتهديد أو بالـفـعـل ،واالستضعاف حمل متراخ
ممتد ربما يكون أقل عنفا ،وهذا التفريق بين نوعي الحمل هو على مستوى
التنظير ،أما في الواقع فقد يتداخل النوعان فيمارس على الفاعل نوعا الحمل مثل
ما كان واقعا بالمسلمين الموريسك في األندلس عند استيالء النصارى عليها.
و المكره مأذون له أن يجيب الحامل إلى ما أراد بشروط هي:
ـ اطمئنانـ القلب بالحق واإليمان،ـ وعدم الرضا بالمكره عليه ،وعدم
إيثاره ،وهذا الشرط هو فيما بين العبد وربه أما بالنسبة ألحكام الدنيا فيتم
باشتراط عدم ظهور ما يدل على االختيار.
فإن فيها مندوحة عن الكذب ،وقد وقع أن أرسل ـ استعمال المعاريض ّ
أحمد بن أبي جمعة الوهراني( )1إلى أهل األندلس المسلمين عند استيالء
النصارى على بالدهم فتوى ذكر لهم فيها كثيرا من المعاريض،ـ وحثهم على
استعمالها إذا أكرهوا على أقوال .فذكر مع كل قول ما يناسبهـ من المعاريض،ـ
وطلب منهم أن يراسلوه بما سواها من األقوال التي يكرهون عليها ليبعثـ
إليهم ما يناسبهاـ من المعاريض(.)2و إذا ضيّق الحامل على الفاعل نطاق
المعاريض ،حتى أتاه بما ال يقدر فيه على التعريض ،فقد ذهب فريق من
العلماء إلى التوسيع للمكره في هذه الحالة ،ومنهم أحمد بن أبي جمعة
الوهراني فإنه كتب إلى أهل األندلس يقول(( :وإن أكرهوكم على كلمة الكفر،
فإن أمكنكم التورية واإللغاز فافعلوا ،وإال فكونوا مطمئني القلب باإليمان إن
نطقتم بها ناكرينـ لذلك))( .)3والمكره في هذه الحالة ال يكون منشًئا للقول ،بل
هو حاك ،وال شيء على الحاكي.
ي ال ـ َو ْهران ّي الفَاسـ ّي ،الفقيه العــالم،
(?) أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن بُ َوجْ َمعة المغــراو ّ 5
توفي شقرون الوهراني عام (929هـ) ،انظر :شجرة النور الزكية (.)1/277
ُوجمعة ،المغراوي الوهراني الفاسـي ،لـه :جـامع جوامع التبيـان فيما (?) أبو العباس أحمد بن ب َ 1
يعـرض بين المعلمين وآبـاء الصـبيان ،تـوفي في العشـرة الثالثة بعد المائة التاسـعة.انظـر :دليل
الحيران ص ،57طلوع سعد السعود /1ـ ،86اليواقيت الثمينة /1ـ ،16معجم أعالم الجزائر
ص .19
(?) انظر :فتوى أحمد المغراوي المرسلة إلى أهل األندلس ،ضمن كتاب :نهاية األندلس، 2
ص 342ـ .344
ــ 277ـ
ال يكون في اإلجابة مفسدة دينية عا ّمة كأن يكون في اإلجابة إضعافـأ ّ
للمسلمين وإعانة للعدو عليهم ،خاصة إذا كان الحمل على المخالفة في قضية
عقائدية هي من مهمات األصول ،المؤدي إلى تعطيل الشرائع ،وتغيير الدين
بالكليّة ،في بلد اإلسالم فيه ظاهر ،لكن للحامل فيه السلطان والقوة ،ففي هذه
الحالة يرى بعض العلماء تعيّن عدم اإلجابة على الناس والعلماء كافّة ،ويفتي
من ال يستطيع ذلك أن يغادر البلد إلى غيره .ويشت ّد النّكير على من أجاب مع
العلم بحال الحامل ،وأن ما أراده باإلكراه شيء عظيم .ومثل هذا وقع لما
استولى بنو عبيد الباطنيّون على القيروان ومصر ،فاإلسالم رغم كونه فيهما
((هو الظاهر ووالتهم على ذلك ال يجاهرون بالبراءة من اإلسالم))(.)1
لكنهم كانوا يبطنون دعوة ،تؤول إلى إبـطال الدين( ،)2ووقع االستفتاء
فيمن أكرهوه على الدخول في دعوتهم ،فكان جواب بعض العلماء كأبي
محمد بن الكواني تحريم اإلجابة ،وقال(( :ال يعذر أحد بهذا))( ،)3إما أن يقيم
على إعالن المباينةـ لهم ولو قتل أو يهاجر .وإقامة العلماء والمتعلمين هنالك ـ
مع علمهم بحال بني عبيد ـ إنما كان ((على المباينة لهم ،لئال يخلو بالمسلمينـ
عدوهم ،فيفتنوهم عن دينهم))(.)4
والمستضعف يكون في الغالب مسلما مقيما بين غير المسلمين خارج
األوطان والديار اإلسالمية حيث ال يمكنهـ إظهار االنتسابـ إلى اإلسالم
وإظهار أداء الشعائر الدينيةـ كالصالة فهذا قد أذن له الشارع أن يكتم دينه لكن
ال يباح له البقاء بينهم بعذر االستضعاف إال بوجود شروط هي:
ـ أالّ يوافقهم على دينهم بقلبه ،وأالّ يكون سكوته على اإلنكار رضا بما
هم فيه.
ـ أن ال يواليهم ويركن إليهم ،ويعينهم على المسلمين بلسان أو بيد ،فإن
أكره على ذلك فقد قال بعض العلماء ،له حكم المكره.
ـ أن يكون عاجزا عن الهجرة إلى الديار واألوطان اإلسالمية ،مع عدم
الفتور عن البحث على وسيلة يتمكنـ بها من الهجرة.
وأه ّم األسباب التي تؤدي إلى استضعاف المسلم استيالء الكفار على
بعض البالد اإلسالميّة ،وفرض دينهم وأفكارهم على األهالي المسلمين،
(?) فتوى أحمد المغرواي المرسلة إلى أهل األندلس ،ضمن كتــاب :نهاية األنــدلس ،ص 3
343ـ .344
(?) المحلى .201 /11 1
(?) قد ذكر عبد القاهر البغدادي كثيرا من أخبـار القرامطة وأخبـار بـني عبيدـ الـتي تـدل 2
على حقيقة دعوتهم ،وإرادتهم التوصل إلى تغيير الدين وإبطاله .انظر :الفرق بين الفــرق
ص 281وما بعدها.
(?) فتوى أبي محمد بن الكواني ،ضمن كتاب ترتيب المدارك .719 /2 3
ــ 278ـ
مثل :استيالء النصارى اإلسبان على األندلس ،فقد وقع منهم أن استضعفوا
المسلمين ،ولم يقبلوا منهم إظهار شعائر دينهم ،فرفع المسلمون إلى بعض
العلماء االستفتاء بجواز إخفاء الشعائر ،فكان جواب أحمد بن أبي جمعة
الوهراني بالجواز ،وبيّن لهم ما يفعلون في اإلخفاء ـ بعد التحقق من دخول
الشر عليهم من عدوهم إن أظهروا له طويتهم ـ ومـمـا جاء في الجواب:
((...فالصالة ولو باإليماء ،والزكاة ولو كأنها هديّة لفقيركم أو رياء؛ ألن هللا ال
ينظر إلى صوركم ولكن إلى قلوبكم ،والغسل من الجنابة ولو عوما في البحور،
وإن منعتم فالصالة قضاء بالليل لحق النهار ،وتسقط في الحكم طهارة الماء،
وعليكم بالتيمم ولو مسحا بالحيطان ،فإن لم يكن فالمشهور سقوط الصالة،
وقضاؤها لعدم الماء والصعيد ،إال أن يمكنكم اإلشارة باأليدي والوجه إلى
تراب طاهر أو حجر أو شجر مما يتيمم به فاقصدوا باإليماء))(.)1
قائمة المصادر والمراجع
أوال ـ المخطوطات
ـ األجوبة المهمة لمن له في أمر دينه همة ،لمختار بن أحمد بن أبي بكر الكنتي،
المكتبة الوطنية الجزائرية ح ( 37ـ د).
الرماصي ،خزانة المخطوطات بوزارة الشؤون ّ ـ شرح العقيدة الوسطى ،لمصطفى
الدينية (.)253
ـ نفائس الدرر في حواشي المختصر ،ألبي علي الحسن بن مسعود اليوسي ،المكتبة
الوطنية الجزائرية (.)1382
ـ نوازل العلمي ،ألبي الحسن بن عيسى العلمي الشفشاوني ،المكتبة الوطنية الجزائرية (
.)2122
ثانيا ـ المصادر والمراجع المطبوعة
ـ اإلرشاد إلى قواطع األدلة في أصول االعتقاد ،أبو المعالي عبد الملك بن عبد هللا بن
يوسف الجويني ،اعتنى بطبعه :د.ج.لوسياني ،المطبعة الدولية :باريس1938 ،م.
ـ االعـتصام ،أبو إسحاق الشاطبي ،تحقيق :عبد الرزاق المهدي ،دار الكتاب العربي:
بيروت ،الطبعة األولى1417 :هـ1996م.
ـ الدر الثمين والمورد المعين شرح المرشد المعين ،لمحمد بن أحمد ميارة ،معه شرح
خطط السداد والرشد على نظم مقدمة ابن رشد للتتائي ،مكتبة المنار تونس.
ـ الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب ،ابن فرحون المالكي ،تحقيق :مأمون بن
محيي الدين الجنان ،دار الكتب العلمية :بيروت ـ لبنان ،الطبعة األولى1417 :هـ ـ
1996م.
ـ الرحلة المراكشية ،لمحمد بن محمد بن عبد هللا المؤقت ،مطبعة مصطفى البابي
الحلبي 1351هـ.
ـ الرسائل الصغرى ،ابن عباد الرّندي ،تحقيق ونشر :األب بولس نويا اليـسوعي،ـ دار
المشرق :بيروت ـ لبنان ،توزيع المكتبة المشرقية.
(?) فتوى أحمد المغراوي المرســلة إلى أهل األنــدلس ،ضــمن كتــاب نهاية األنــدلس ص 1
.343
ــ 279ـ
ـ الشفا بتعريف حقوق المصطفى ،أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي ،تحقيق:
عبده علي كـوشك ،مكتبة الغزالي :دمشق ،دار الفيحاء :بيروت ،الطبعة األولى:
1420هـ 2000م.
ـ العواصم والقواصم ،محمد بن إبراهيم الوزير اليماني ،تحقيق :شعيب األرنؤوط،
مؤسسة الرسالة :بيوت ـ لبنان ،الطبعة األولى141 :هـ 1992م.
ـ الفتح المبين في طبقات األصوليين ،عبد هللا بن مصطفى المراغي،ـ مطبعة عبد
الحميد أحمد حنفي :مصر.
ـ الفرق بين الفرق ،عبد القاهر بن طاهر البغدادي ،دار اآلفاق الجديدة :بيروت ـ
لبنان ،الطبعة الرابعة1400 :هـ 1980م.
ـ الفصل في الملل وا ألهواء والنحل ،أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم
األنـدلسي ،تحقيق :د.محمد إبراهيم نصر ،د.عبد الرحمن عميرة ،دار الجيل:
بيروت1405 ،هـ 1985م.
ـ الفِصل في الملل واألهواء والنحل ،أبو محمد علي بن أحمد بن حزم األندلسي ،دار
المعرفة :بيروت ـ لبنان1403 ،هـ 1983م.
ـ القـول الجزل فيما ال يعذر فيه بالجهل ،أبو الفضل عبد هللا بن الصديق الغماري ،دار
الكتبي :القاهرة ،الطبعة األولى1411 :هـ 1990م.
ـ المحاضرات ،ألبي عل ّي الحسن بن مسعود اليوسي ،تصحيح أحمد بن العباس
ومحمد بن الطالب الحاج بن عبد السالم اللجاني ،طبعة حجرية.
ـ المحلّى ،أبو محمد عل ّي بن أحمد بن سعيد بن حزم األندلسي ،تحقيق :لجنة إحياء
التراث العربي ،دار الجيل :بيروت ،دار اآلفاق الجديدة :بيروت ،الطبعة األولى:
1416هـ .1996
ـ المعلم بفوائد مسلم ،أبو عبد هللا محمد بن علي بن عمر المازري ،تحقيق :محمد
الشاذلي النيفر ،الدار التونسية للنشر :تونس ،المؤسسة الوطنيّة للكتاب :الجزائر،
1988م.
ـ المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقية واألندلـــس والمغرب،
أحمد بن يحي الونشريسي ،خرّجه جماعة من الفقهاء بإشراف :د .محمد حج ّي ،دار
الغرب اإلسالمي :بيروت1401 ،هـ 1981م.
ـ المواهب الربانية شرح المقدمات السنوسية ،ألبي إسحاق إبراهيم السرقسطي
البناني ،تصحيح محمد الزهري العمراوي ،المطبعة الميمنية مصر1324 ،هـ.
ـ بلغة السالك ألقرب المسالك على الشرح ألحمـد الدردير ،أحـمد الصاوي ،ضبـطـه
وصححـه :محمد عبد السالم شاهين ،دار الكتب العلمية :بيروت ـ لبنان ،الطبعة
األولى1415 :هـ 1995م.
ـ ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعالم مذهب مالك ،أبو الفضل القاضي
عياض بن مـوسى بن عياض اليحصبي السّبتي ،تحقيق د.أحمد بكير محمود ،نشر:
دار مكتبة الحياة :بيروت ،دار مكتبة الفكر :طرابلس ـ ليبيا.
ـ تعريف الخلف برجال السلف ،ألبي القاسم محمد الحفناوي ،تقديم محمد رؤوف
القاسمي الحسني ،موفم للنشر الجزائر1991 ،م.
ــ 280ـ
ـ حاشية على شرح متن جمع الجوامع ،ألبي زيد عبد الرحمن البناني ،ومعها شرح
جمع الجوامع للمحلي وتقريرات الشربيني على الحاشية والشرح ،مطبعة البابي
الحلبي ،مصر 1356هـ ـ 1937م.
ـ حاشية على عمدة أهل التوفيق والتسديد ،إسماعيل بن موسى بن عثمان الحامدي،
ومعها شرح الكبرى للسنوسي ،مطبعة مصطفى البابي الحلبي1354 ،هـ ـ 1936م.
ـ درة الحجال في أسماء الرجال ،أبو العباس أحمد بن محمد بن القاضي المكناسي،
تحقيق :محمد األحمدي أبو النور ،دار التراث :القاهرة ،الطبعة األولى1390 :هـ
1970م.
ـ دليل الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران ،محمد بن يوسف الزياني،
تعليق :المهدي البوعبدلي ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع :الجزائر1398 ،هـ
1978م.
ـ دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر ،محمـد بن عسكر
الشفشاوني ،تحقيق :محمد حجي ،دار المغرب :الرباط1397 ،هـ ـ 1977م.
ـ سلوة األنفاس ومحادثة األكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس ،لمحمد بن
جعفر بن إدريس الكتاني ،طبعة حجرية.
ـ سير أعالم النبالء ،شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ،تحقيق جماعة من
المحققين ،مؤسسة الرسالة :بيروت1405 ،هـ 1985م.
ـ شجرة النور الزكية في طبقات المالكية ،مـحمد بن محمد مخلوف ،دار الكتاب
العربي :بيروت ـ لبنان ،عن الطبعة األولى1349 :هـ.
ـ شرح الورقات ،أبو عبد هللا محمد الحطاب ،طبع سنة 1299هـ.
ـ شرح صغرى الصغرى ،محمد بن يوسف السنوسي ،المطبعة الميمنية :مصر:
1324هـ.
ـ شرف الطالب في أسني المطالب ،ألحمد بن قنفذ ومعه وفيات أحمد الونشريسي
ولقط الفرائد البن القاضي ،تحقيق محمد حجي ،دار المغرب الرباط1396 ،هـ ت
1976م.
ـ صفوة ما نتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر ،لمحمد الصغير األفراني
المراكشي ،طبعة حجرية.
ـ طبقات الشافعية ،أبو بكر أحمد بن محمد ابن قاضي شهبة ،تحقيق :د.الحافظ عبد
العظيم خان ،عالم الكتب :بيروت ،الطبعة األولى1407 :هـ 1987م.
ـ طبقات الشافعية ،أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر بن محمد تقي الدين ابن قاضي
شهبة الدمـشقي،ـ اعتنى بتصحيحه وعلّق عليه :د.الحافظ عبد العليم خان ،مؤسسة
دار الندوة الجديدة1408 ،هـ 1987م.
ـ طلـوع سعد السعود ،اآلغا بن عودة المزاري ،تحقيق :د .يحيى بوعزيز ،دار الغرب
اإلسالمي ،الطبعة األولى1990 :م.
ـ فتاوى ابن رشد ،أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي ،تحقيق :د.المختار بن
طاهر التليلي ،دار الغرب اإلسالمي،ـ الطبعة األولى 1407 :هـ 1987م.
ـ فتاوى المازري ،تقديم وجمع وتحقيق :د.الطاهر المعموري ،الدار التونسية للنشر،
مركز الدراسات اإلسالمية بالقيروان ،فيفري 1994م.
ــ 281ـ
ـ فهرس الفهارس واألثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسالت ،عبـد الحي بن
عبد الكبير الكتاني ،تحقيق د .إحسان عباس ،دار الغرب اإلسالمي :بيروت ـ لبنـان،
الطبعة الثانية1402 :هـ 1982م.
ـ مجرد مقاالت األشعري ،أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك ،تحقيق :دانيال
جيماريه ،دار المشرق :بيروت1987 ،م.
ـ معجم أعالم الجزائر ،عادل نويهض ،المكتب التجاري للطباعة والنشر :بيروت،
الطبعة األولى1971 :م.
ـ منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والوالية ،لعبد الكريم الفكون ،تحقيق
الدكتور أبي القاسم سعد هللا ،دار الغرب اإلسالمي،ـ الطبعة األولى 1408هـ ـ
1987م.
ـ نشر المثاني ألهل القرن الحادي عشر والثاني ،ألبي عبد هللا محمد بن الطيب بن
عبد السالم الشريف القادري ،طبعة حجرية.
ـ نهاية األندلس وتاريخ العرب المتنصرين ،محمد عبد هللا عنان ،مطبعة لجنة التآليف
والترجمة والنشر :القاهرة ،الطبعة الثالثة1386 :هـ ـ1966م.
ـ نيل االبتهاج بتطريز الديباج ،أحمد بابا التنبكتي ،منشورات كلية الدعوة اإلسالمية:
طرابلس ،الطبعة األولى1398 :هـ 1989م.
ـ اليواقيت الثمينة في أعيان مذهب عالم المدينة ،محمد البشير ظافر األزهري ،مطبعة
المالجئ التابعة لجمعية العروة الوثقى1325 ،هـ.
ــ 282ـ
الفكر الصوفي في النوازل التواتية
أ/زهير بن عبد الرحمان قزان
كلية العلوم اإلسالمية والعلوم االجتماعية ،جامعة أدرار
الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على أشــرف المرســلين وعلى
آله وصحبه والتابعينـ ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،وبعد،
فإن مما تفخر به األمة اإلسالمية احتضانها للعلم المتحكم في
تصرفات العباد انطالقا من الخطابات اإللهية واألقوال النبوية ذالك هو علم
ﯱ ﯲ ﯳ الفقه الذي مدح هللا عز وجل حامليه فقال :ﮋﯭ ﯮ ﯯ ﯰ
ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﮊ( ،)1وما ثبتـ على لسان النبي × في قوله «َمنْ
الدينِ» ،وتظهر قيمة الفقه إذا ثبتت قدرته
خْيًرا ُيَفِّقهُْه ِفي ِّ
هللا بِ ِه َ
يُِرِد به ُ
على مسايرة المجتمعات المختلفة وجميع الفعال اإلنسانيةـ في ظل ضوابطه
وأحكامه وهذا ما تكفل به المفتون والقضاة منذ زمن الصحابة والتابعينـ
فلم يزل الفقهاء يتطرقون النشغاالت المسلمين الفكرية والعملية
والسلوكية بعرضها على ضوابط الفتوى وأصول القضاء ويبينوا لهم حكم
هللا فيها ،وحتى يثبتوا هذه الخاصية للفقه لألجيال الالحقة لم يألوا جهدا في
تدوين ما كانوا يجيبون به الناس في كتب اختلفت أشكالها وتعددت
مناهجها ،ليظهر بهذا ما عرف بكتب النوازل أو كتب الفتاوى وربما
سماها البعض بكتب األجوبة ،ثم إن المطالع فيها يجد تمازجا رائعا بين
الشريعة والحياة تتجلى به شمولية الدين اإلسالمي وخصائص الشريعة
ومدى صالحية األحكام لكل زمان ومكان ولجميع االنشغاالت.
وأمام هذه الميزة لمصنفات النوازل نجد العلماء قد اهتموا بتدوين ما
يصدر عنهم من إجابات وما وقفوا عليه من أحكام القضاة ،وقد عرفت
المشاركة المالكية أوفر نصيب في هذا المضمار فألف المغاربةـ فيه
كنوازل الوزاني ونجد في ليبيا أجوبة ابن عبد الصادق الطرابلسي ونقف
في تونس على نوازل البرزلي وغيرهم كثير.
ــ 283ـ
أما المشاركة الجزائريةـ فقد تصدرت الطليعةـ من خالل المعيار
المعرب عن فتاوى علماء إفريقيةـ واألندلس والمغرب للونشريسي
التلمساني الذي أطبق المالكية على االعتناء به ،وهذا الكتاب يمثلـ بعض
عطاء الحاضرة التلمسانيةـ وهي في هذا األمر كباقي الحواضر الجزائرية،
ففي حاضرة بجاية أجوبة أحمد بن عيسى البجائيـ ومن منطقة الحضنة
نوازل ابن عزوز القاسمي وبأقصى الصحراء نوازل الشيخ محمد باي بن
عمر الكنتيـ وغيرهم كثير ،ولم تكن الحاضرة التواتيةـ لتقف أمام هذا النوع
من العطاء العلمي شاخصة البصر بل راحت تدلي بدلوها خاصة وأن
كثيرا من علمائهاـ تقلدوا منصب القضاء وبعضهم جمع بين خطتي الفتوى
والقضاء ،فكان نتيجةـ ذالك ثروة من كتب النوازل كنوازل الجنتوري
ونوازل الزجالوي وأجوبة عمر ابن عبد القادر التنالنيـ وغنية المقتصد
السائل فيما وقع في توات من القضايا والمسائل الذي جمع فتاوى عدد من
علماء المنطقة.ـ
فموضوع النوازل إذن من المواضيع المهمة في حياة المسلمين وذالك
الرتباطه الشديد بالواقع ألنه خروج من دائرة الفقه النظري المليء بالخالف
وتشعب المسائل إلى رحابةـ الفقه التطبيقي المبني على مراعاة حال الناس
وروح التشريع ،وهو دليل واضح على مواكبة الشريعة لكل زمان ومتطلباتـ
كل مكان ،وفيه التنبيه على ثقافة الفقيه األصلية في تلونها بالحياة وانسجامها
مع الوقع ،لذالك عالجت كتب النوازل جميع القضايا المطروحة على أرض
الواقع في مختلف المجاالت الفكرية والعمليةـ والسلوكية كما يدل على ذالك
مصطلح النوازل في مفهومه إذ النوازل جمع نازلة من النزول وهو الحلول
يقال نزل بهم ينزل نزوال إذا حل والنازلة المصيبة الشديدة من شدائد الدهر
تنزل بالناسـ وفي االصطالح ((تطلق على المسائل والقضايا الدينية
والدنيوية التي تحدث للمسلم ويريد أن يعرف حكم هللا فيها فيلجأ إلى أهل
العلم الشرعي يسألهم عن أحكام هذه النوازل))(.)1
وهي بهذا المعنى تشمل جميع الحوادث التي تحتاج لفتوى تبينها سواء
أكانت متكررة أم نادرة الحدث وسواء كانتـ قديمة أم مستجدة ،وسواء كانت
القضية فكرية كمسائل العقيدة أم عمليةـ كسائر مسائلـ الفقه أم سلوكية كمسائل
(?) فقه النوازل عند المالكية ص13 1
ــ 284ـ
التصوف ،وتظهر النوازل في شكل أسئلة توجه إلى العلماء يجيبون عنها
مبينينـ حكم هللا فيها ،ومن هنا تعددت تسمياتها ((فتسمى أحيانا باألجوبة وتارة
بالفتاوى وتارة بالنوازل وتارة أخرى باألحكام أو مسائلـ األحكام أو
األسئلة)) ،وتسمى المدونات التي تجمع تلك االنشغاالت وحلولها بكتب
النوازل كنوازل البرزلي وكتب الفتاوى كفتاوى ابن رشد وكتب األحكام
كأحكام ابن سهل وكتب المسائل كمسائل ابن قداح وكتب األجوبة كأجوبة ابن
سحنون فكتب النوازل مدونات تضم الحلول الشرعية لقضايا طرحت في
واقع المسلمين في أي مجال من المجاالت.
وبهذا نعلم أن لفظ النوازل يطلق ويراد به نفس القضايا واالنشغاالت
كما يقال هذه نازلة صعبة وتلك نازلة وقعت لفالن ونحوه ويطلق ويراد به
كتب هذا الفن كما يقال نوازل المعيار ونوازل ابن رشد ونوازل المسناوي
ونحوه ،ومهما يكن إطالق لفظ النوازل فالمهم أنها تعرض النشغاالت
المسلمين المختلفة في كل المجاالت وقد تناول الباحثون موضوع النوازل من
عدة جوانب الفقهية والفكرية والتاريخية واالجتماعية واالقتصادية إال أننا ال
نلمس اهتماما بالجانب الصوفي فيها على الرغم من العالقة الوطيدة بين
الموضوعين ألن العلم إنما المقصود منه العمل والعمل إنما المقصود منه
تحقيق العبودية هلل لذالك جاءت هذه المداخلة إللقاء الضوء على هذا الجانب
من موضوع النوازل آخذا النوازل التواتية كنموذج لما عرف عن علماء هذا
اإلقليم من رسوخ القدم وعلو الكعب في التصوف معالجا إياه في مبحثينـ
الـأول فقه النوازل عند علماء توات وفيه مطلبان األول التعريف بتوات
والثانيـ في اسهاماتهم في مجال النوازل والمبحث الثانيـ في الفكر الصوفي
عند علماء توات وفيه مطلبان األول في فلسفة التصوف عندهم والثانيـ في
مجال النوازل.
فأقول وهللا المستعان وعليه التكالن
المبحث األول :فقه النوازل عند علماء توات
المطلب األول :التعريف بتوات
يزداد األمر غموضا إذا تعلقت المصطلحات المدروسة بتاريخ
وجغرافية األمة اإلسالمية في ظل غياب ثقافة التعرف على الماضي وانتشار
هواية تقليد الغرب المتطلع إلى المستقبل ،والبحث في كل ما له صلة
بالتاريخ يوقفنا أمام كلمات ألماكن ربما نمر أو نقيم بجوارها لكننا نجهلها،
ولفظ توات الذي غاب بعد أن امتألت به كتب المتقدمين أمثال أحمد بابا
ــ 285ـ
التمبكتي وعبد الرحمان السعدي ومحمد بللو الفوتي وغيرهم ظهر اليوم اسم
آخر على مسماه فصرنا نعرف أدرار وتميمون وأولف وعين صالح بدل
توات وقورارة وتيديكلت ،ولعل التعريف باإلطار الجغرافي والوسط السكاني
يرفع بعض الجهالة عنه.
أوال :اإلطار الجغرافي
التسمية
اختلف المؤرخون والباحثون في أصل تسميةـ المنطقةـ بتوات وفي
معناها فبعضهم أرجعها إلى أصول غير عربيةـ فقيل أصلها بربري وتعني
األماكن المنخفضة ((و في بعض التعاريفـ األخرى فإن تواتا اسم بربري
األصل معناه الواحات ،وقد جازف بعض الدارسين الفرنسيينـ عندما حاولوا
أن يربطوه باألصل اإلغريقي فزعموا أن الفرنسيين يطلقون على الواحات
اسم وازيس ووازيس هذا مصطلح إغريقي األصل مركب من مقطعينـ األول
"وا" وقد توصل علماء االشتقاق اللغوي إلى أن "وا" هذا يتطابقـ مع
()
المصطلح البربري "وا" الذي هو تعبير عن الجمع مفرده توات)) ، 1
ويلحق بهذه األقوال من اعتبرها كلمة سودانية تطلق على نوع من األمراض
أطلقه أهل مالي عند ما مروا بهذه المنطقة في طريقهم إلى الحج مع السلطان
وكان هذا المرض سببا في تخلف جماعة من الركب في توات فأطلق االسم
()
عليها ، 2وتمسك البعض اآلخر بعربيةـ الكلمة ورأى أن أصلها اإلتوات
فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه بدله كما قال ابن مالك:
َع ْنهُ في اإلع َرا ِ
ب إ َذا َما ُح ِذفَا ضافَ يَاتِيـ َخلَفَا
َو َما يَلِي ال ُم َ
(?) أحمد العمــاري تــوات في مشـروع التوسع الفرنسـي بــالمغرب منشــورات كلية اآلداب 1
والعلوم اإلنسانية بفاس مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء المغرب سنة 1988ص .11
(?) أنظر عبد الرحمان السعدي تاريخ السودان طبعة هوداس بـاريس سـنة 1981ص 2
.08
ــ 286ـ
اإلقليم بأهل اإلتوات وأطلق على قطرهم ( ،)1وقيل هي لفظة عربية أطلقها
عقبة بن نافع لما رأى من قساوتها وجفاف طبعهاـ هل تواتي لنفي
المجرمين فأجابه من كان حاضرا أنها تواتي فانطلق اللسان بذالك( ،)2ومن
المعنى نفسه يرى الشيخ محمد بن عبد الكريم بكراوي أصلها غير أن
السائل ليس عقبة بن نافع بل قبائل زناتةـ لما انقرضت دولتهم ونزلوا
أرض الصحراء فوجدوها أرضا تواتي للسكن فقالوا أرضٌ تواتي فانطلق
اللسان بذالك( ،)3ونحا الشيخ موالي أحمد الطاهري المنحى نفسه لكنه
اعتبرها أرضا تواتي للعبادة ولذالك كانت مفزعا للصالحين ينقطعونـ فيها
للعبادة والزهادة(.)4
الموقع الجغرافي
يقع إقليم توات جنوب غرب الجزائر بين خطي طول ْ 1شرقا وْ 3
غربا وبين دائرتي عرض ْ 20إلى ْ 30شماال وسط الصحراء الكبرى
اإلفريقيةـ يحده شماال العرق الغربي الكبير وواد مقيدن ويحده جنوبا
صحراء تنزروفت وواد قاريت وجبال مويدار أما شرقا فيحده العرق
الشرقي الكبير المحاذي لواد الماية ويحده غربا واد الساورة وراوفده ،فهي
تشكل أرخبيال من واحات الصحراء تبدأ من قصر تبلكوزة شماال إلى عين
صالح جنوبا وتنقسم هذه القصور إلى مناطق ثالثة هي قورارة من تبلكوزة
شماال إلى عريان الراس بتسابيت جنوبا ،ومنطقة توات الوسطى من عريان
(?) أنظر محمد بن عبد الكــريم بكــراوي درة األقالم في أخبــار المغــرب بعد اإلســالم 1
(?) أنظر موالي أحمد الطاهري نســيم النفحــات في ذكر جــوانب من أخبــار تــوات ومن 4
دفن فيها من األوليــاء والصــالحين والعــاملين الثقــات مخطــوط بخزانة الشــيخ عبد هللا
البلبالي كوسام (الورقة /07ظهر).
ــ 287ـ
الراس شماال إلى رقان جنوبا ،ثم منطقة تديكلت من رقان بالشمال الغربي
إلى عين صالح بالشمال الشرقي(.)5
و إقليم توات حاليا يقع ضمـن امتداد شمال والية أدرار بالجنوب
الغربي الجزائري وهـي الوالية رقم 01في ترتيب واليات الجزائر ،كما
يشمل إقليم توات منطقة عين صالح وهي حاليا دائرة تابعة لوالية
تمنراست الوالية رقم 11في ترتيبـ الواليات الجزائرية.
التضاريس الجغرافية
تلعب التضاريس الجغرافية دورا هاما في توزيع السكان وحركة
مسير قوافل التجارة نحو السودان الغربي مما يساعد على تحليل عدة
معطياتـ اجتماعيةـ واقتصادية،ـ وعليه إذا نظرنا إلى المميزات الجيولوجية
نالحظ أن البنية الصخرية لمنطقةـ توات تتكون من صخور قديمة وصخور
الزمن الثانيـ وصخور الزمن الرابع أما الصخور القديمة فإنها تمثل القاعدة
السفلى للطبقاتـ الرسوبيةـ وهي ترجع إلى الزمن األول وتظهر هذه
القاعدة أحيانا على السطح خصوصا بمنطقة الخطوط االنكسارية ،أما
صخور الزمن الثانيـ فإنها تظهر بشكل واسع على الجانب الشمالي
والشمال الغربي ،وأما صخور الزمن الرابع فإنها تظهر بالسبخةـ الواقعة
شرق تسفاوت وشرق شروين وفي بعض النقاط المحددة جدا ،هذه
الصخور التي ت ّكون البنيةـ السطحية لمنطقة توات أعطت تضاريس ذات
(?) أنظر موالي أحمد الطاهري المصـدر السـابق (الورقة / 14ظهـر) ،أحمد العمـاري 5
المرجع السابق ص ،11فرج محمود فرج إقليم توات خالل القرنين الثامن عشر والتاسع
عشر الميالديينـ ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر الطبعة الثانية سنة 2007ص ، 13
عبد الحميد بكري النبذة في تــاريخ تــوات وأعالمها من القــرن 9إلى القــرن 14الهجــري
مطبعة دار الهــدى عين مليلة الجزائر الطبعة األولى ســنة 2005ص ،17محمد الصــالح
حوتية إقليم توات واألزواد دار الكتاب العربي الطبعة األولى سنة ،)1/28( 2007موالي
التهــامي غيتــاوي لفت األنظــار إلى ما وقع من النهب والتخــريب والــدمار بوالية أدرار إبــان
احتالل االســتعمار منشــورات ANEPالمطبعة الحديثة للفنــون الجميلة الطبعة األولى ســنة
2006ص .29
ــ 288ـ
ميزات صحراوية أهمها العرق الذي يمتد بالقسم الشمالي لإلقليم باإلضافة
إلى تضاريس الحمادة ذات الشكل المتحجر التي تظهر بالمنطقةـ من وقت
آلخر ،كما توجد سالسل جبلية ذات ارتفاع بسيط كالكتل المتناثرةـ في
القسم الشرقي من توات ،أما المناخ فهو صحراوي يتميزـ بارتفاع درجة
الحرارة صيفا والبرودة شتاء وتكون األمطار نادرة للغاية وأما الرياح فهي
كثيرة الهبوب تبلغ سرعتها أحيانا /100كلم في الساعة وتكثر أيضا بها
الزوابع الرملية(.)1
الغطاء النباتي
لقد كان للموقع الجغرافي والتركيبة الجيولوجية وما نتج عنها أثر
بليغ في نوع النباتاتـ التي تنمو بالمنطقة وفي األماكن التي تنموا بها ،فأما
أفضل األماكن فذات المستوى المنخفض نسبياـ عما حولها لمظنةـ اجتماع
مياه األمطار فيها وغالبا ما تكون تربتها طينية ورملية ناعمة،ـ وأما
النباتاتـ التي تنموا هناك فتتمثلـ في زراعة النخيل باعتبارهاـ نباتاـ
صحراويا وتتميز التمور في إقليم توات برطوبتهاـ لفترة زمنيةـ محدودة ثم
تتعرض لليبس والجفاف ما يجعل السكان يدخرونها في أشكال متعددة،
وتتمثل النباتات أيضا في زراعة الحبوب من قمح وشعير والذرة
(التافسوت) والدخن (البشنة)ـ وتتميز حبوب المنطقةـ بكون دورتها الزراعيةـ
قصيرة جدا بحيث تبذر في شهر أكتوبر وتحصد في نهاية شهر أفريل،
كما تتمتعـ المنطقة بأنواع أخرى من المحاصيل الزراعية كالخضراوات
من طماطم وثوم وبصل وجزر وبطاطا،ـ ومن المحاصيل أنواع من
البقوليات كالعدس والحمص واللوبيا ومنها بعض األعشاب كالنعناع
(?) أنظر أحمد العمــاري المرجع الســابق ص 12وما بعــدها ،مــوالي التهــامي غيتــاوي 1
المرجع الســابق ص 29وما بعــدها ،محمد الصــالح حوتية المرجع الســابق ص 43وما
بعدها.
ــ 289ـ
والفصة ،غير أن هذه المحاصيل والنباتاتـ ال تتعدى كونها محلية معاشية
ال تتعدى إشباع حاجات الناس ومتطلباتهم(.)1
أـمـاـ اـلـثـرـوـةـ اـلـحـيـوـاـنـيـةـ فـقـدـ كـاـنـ لـطـبـيـعـةـ اـلـتـمـدـنـ اـلـتـيـ طـغـتـ عـلـىـ اـلـبـالـدـ
مـتـمـثـلـةـ فـيـ نـظـاـمـ اـلـقـصـوـرـ فـإـنـ أـهـلـ اـلـمـنـطـقـةـ اـعـتـنـوـاـ أـسـاـسـاـ بـتـرـبـيـةـ اـلـمـوـاـشـيـ
ـ اـلـغـنـمـ وـاـلـمـاـعـزـ ـ يـتـمـ تـدـجـيـنـهـاـ فـيـ اـلـبـيـوـتـ وـتـتـمـيـزـ بـوـبـرـهـاـ وشـعـرـهـاـ مـمـاـ
يـجـعـلـهـاـ سـالـلـةـ مـحـلـيـةـ خـاـصـةـ،ـ كـمـاـ يـهـتـمـ أـهـاـلـيـ اـلـقـصـوـرـ بـتـرـبـيـةـ اـلـدـجـاجـ
لـالـسـتـفـاـدـةـ مـنـ بـيـضـهـاـ واـسـتـهـالـكـهـاـ اـلـسـرـيـعـ عـنـدـ اـلـحـاـجـةـ،ـ أـمـاـ اـلـبـدـوـ اـلـرحـلـ
فـالـ تـخـلـوـ أـنـشـطـتـهـمـ مـنـ رـعـيـ اـإلـبـلـ()2ـ.ـ
ثانيا :الوسط البشري
التركيبة البشرية
تتكون التركيبةـ البشرية في إقليم توات من مزيج من األجناس
البشرية التي تعود إلى أصول مختلفة تتعايش في شكل جماعات تلعب
المصالح والمعتقدات المتوارثة دورا هاما في العالقة بينها ،أما عن األصل
الواحد الذي يشكل في بعده األنتربولوجي القبيلة الواحدة كون القبيلة تعتبرـ
مجموعة بشرية مكونة من قسمات ومجموعات اجتماعيةـ يجمع بينهاـ رابط
القرابة الدموية وتحتل مجاال ترابياـ ال يهم فيه المجاورة بالجنبـ ويكفي
فيه اعتقاد االنتماء إلى األصل النَّ َسبِي لتمتين العالقة بين أفراده والنظر
إلى الخارج عن هـذا النسب نظرة مختلفة تتحكـم المرجعية الدينية
واالجتماعية اللتان تعتبرانـ رمزية ذات أهمية قصوى في تنظيم العالقة
بينها ،و إذا رجعنا إلى بُنيةـ سكان المجتمع التواتي نجدها تتركب من
أصناف منها:ـ
(?) أنظر محمد الصــالح حوتية المرجع الســابق ص ،46عبد المجيد قـــدي صـــفحات 1
ــ 290ـ
البربر :لم يختلف المؤرخون في وجود العنصر البربري باإلقليم ألن
أغلب تسمياتـ القصور التواتيةـ أعجمي بربري لكن اختلفوا في كونهم من
َم َّ
ص َر البالد قال ابن خلدون(( :و من بطون بني وماتوا هؤالء بنو يامدس
وقد يزعم زاعمون أنهم من مغراوة ومواطنهم متصلة قبلة المغرب
األقصى واألوسط وراء العرق المحيط بعمرانها المذكور قبل واختطوا في
المواطن القصور واألطم واتخذوا بها الجنات والنخيل واألعناب وسائر
الفواكه فمنها على ثالثة مراحل قبلة سجلماسة ويسمى وطن توات))( ،)1وقد
وقع هذا االختطاطـ قبل اإلسالم على ما ذكر الشيخ محمد بن عبد الكريم
بكراوي ((أن بعض البدو من البربر كانت تنزل هذا القطر بخيام من
الشعر قبل اإلسالم وتجول في أطرافه بقصد رعي مواشيهم وربما سكن
البعض وبنى بناء خفيفا يسكنهـ وقت المقام ويتركه وقت الظعن وفي هذا
الوقت كان بعض قصور توات مثل تمنطيطـ وما ضهاها))(.)2
وقد تعددت قبائل البرابر باإلقليم كما قال ابن خلدون(( :ومن قبائلـ
مطغرة أيضا بصحراء المغرب كثيـرون نزلوا بقصورها واغترسوا شجرة
النخل على طريقة العرب فمنهم بتوات قبلة سجلماسة إلى تمنطيط آخر
عملها قوم كثيـرون موطنون مع غيرهم من أصناف البربر))( ،)3فالبربر
من قبائلـ زناتة هم أول من نزلوا بالمنطقة واختطوط أمصارها وبرطانتهمـ
تسمت القصور وبقي ذالك شاهدا على عمارتهم ومساكنهم لهذا العهد
بتكورارين فما تزال سكناهم بقصورها ولغتهم غالبة،ـ كما يوجد بتيديكلت
بعضٌ من قبائلـ الطوارق المنتمينـ إلى صنهاجة البربر.
(?) عبد الرحمان بن خلدون ديوان المبتدأـ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر ومن 1
عاصرهم من ذوي السلطان األكــبر ضــبط خليل شــحاذة دار الفكر بــيروت الطبعة الثانية
سنة .)7/76( 2001
(?) محمد بن عبد الكريم بكراوي درة األقالم في أخبــار المغــرب بعد اإلســالم مخطــوط 2
ــ 291ـ
العرب :توافدت العرب على إقليم توات منذ أن وطأت أقدامهم
المغرب العربي في فترات متفاوتة ومن أنساب متعددة فمنهم الشرفاء
المنتمون إلى الدوحة النبويةـ فقد وردوا على البالد فرادى وجماعاتـ منهم
من يرجع إلى األصل اإلدريسي ومنهم من يرجع إلى األصل العلوي(،)1
ومن العرب من يرجع نسبهـ إلى أصول بعض الصحابة كالبوبكريينـ يرجع
نسبهم إلى الصحابي أبي بكر الصديق وهم من ذرية الشيخ عبد القادر ابن
محمد دفين األبيض سيد الشيخ مواطنهم بعينـ صالح من تيديكلت( )2ومنهم
فروع بتكورارين ،وممن يرجع نسبهـ إلى الصحابة العثمانيونـ يرجع نسبهم
()3
إلى الصحابي عثمان بن عفان متواجدون بتنيالنـ وفروعهم بالمهدية
ومنهم ببودة ،وممن يرجع نسبهم إلى الصحابة المرابطون أبناء علي بن
أبي طالب من غير فاطمة الزهراء كأبناء محمد بن الحنفية بتيديكلتـ
وغيرهم ومنهم الجعافرة الذين يرجع نسبهم إلى الصحابي جعفر بن أبي
طالب وفد على توات من نسله أخوان ((األول منهما ع ّمر في قصر
بوحامد والثاني ع ّمر في قصر بودة ومن هذين الرجلين توزعت العائلةـ
الجعفرية بين قصور توات))(.)4
وممن يرجع نسبهـ إلى الصحابة األنصار بقصر زاجلو وفروعهم
بأنزجمير من ذرية الصحابي أبي أيوب األنصاري( ،)5وبتوات ذرية
(?) أنظر أحمد أبا الصافي جعفــري من تــاريخ تــوات أبحــاث في الــتراث مكتبة النهضة 1
والعلماء الثقات تحقيق وتعليق موالي عبد هللا الطاهري تحت الطبع ص.11
(?) أنظر محمد عبد العزيز ســيد عمر كتــاب قطف الزهــرات من أخبــار علمــاء تــوات 3
الجعفري حياته وشعره منشورات الحضارة الجزائر الطبعة األولى سنة 2009ص .11
(?) أنظر موالي أحمد الطاهري المصدر السابق ص.45 5
ــ 292ـ
الصحابي عقبة بن نافع ممثلين في قبيلة كنتةـ التي وفد جدهم عثمانـ بن
دومان إلى توات ومنه نسلهم في كامل الصحراء(.)1
هذا ،ومن العرب قبائلـ الفالّن المتواجدة بتيديكلت وقد اختلف في
نسبهم فقيل من ذرية أبي بكر الصديق وقيل من ذرية عمر بن الخطاب
وقيل من ذرية عقبة بن عامر وقيل عرب حميريون من أهل اليمن( ،)2ثم
إن أغلب القبائل العربيةـ المتواجدة باإلقليم من غير من ذكرنا هم من عرب
المعقل قال ابن خلدون في معرض الحديث عن عرب المعقل ((فأما ذوي
عبيد هللا فهم المجاورون لبني عامر بن زغبة من سلطان بني عبد الواد
من زناتةـ فمواطنهم من بين تلمسان إلى وجدة إلى مصب وادي ملوية في
البحر ومنبعث وادي صا مـن القبلة وتنتهي رحلتهم في القفار إلى قصـور
توات وتمنطـيط وربما عاجـوا إلى ذات الشمال إلى تسابيت وتكورارين))
( ،)3وقـد ذكـر الشيخ محمد بن عبد الكـريم بكـراوي أسماء القبائل العـربيةـ
الوافـدة على تـوات وتواريخ دخولهم في كتابهـ درة األقالم(.)4
الفرس :ويمثلهم البرامكة المتواجدون بتيديكلت الذين جاؤا إلى
اإلقليم سنة 656هـ بعد نكبةـ هارون الرشيد معهم(.)5
الزنوج :وهم العنصر اإلفريقي الزنجي الذي قد يكون هو األقدم
بالمنطقة ،ومن هذا العنصر العبيد الذين كانوا يجلبـون مـن بلدان السـودان
الغربي ((كبـالد برنـوا وعفنوا وكنوا وكوغوا وكشن ونحوها))( ،)6فقدومهم إلى
(?) أنظر بــول مــارتي كنتة الشـرقيون تعـريب وتعليق محمد محمـود ولد و ّدادي مطبعة 1
والمآثر مطبعة دار هومة الجزائر الطبعة األولى سنة 2004ص .05
(?) عبد الرحمان ابن خلدون المصدر السابق (.)6/80 3
(?) أنظر محمد بن عبد الكريم بكراوي المصدر السابق (الورقة /04وجه). 4
(?) سعيد بن إبراهيم قــدورة رسـالة اســتفاء إلى علمــاء الســودان بــذيل معــراج الصــعود 6
ألحمد بابا التمبكـــتي تحقيق وترجمة فاطمة الحـــراف وجـــون هانويك منشـــورات معهدـ
الدراسات اإلفريقية مطبعة المعارف الجديدة الرباط الطبعة األولى سنة 2000ص .43
ــ 293ـ
توات كان في فترات متعاقبة لم يشكلوا بنية َق َب ِل َية لعدم رجوعهم إلى أصل
نسبي واحد.
هذه العناصر البشرية التي تتكون منها تركيبة سكان إقليم توات
كباقي المدن والحواضر المغاربية من أصول بربرية وعربية تتخللها
بعض العناصر الفارسية أو الرومانيةـ أو التركيةـ أو الزنجية أو غير ذالك
مما كانتـ تربطه بإقليم من األقاليم المغاربيةـ عالقة ينتجـ عنها استقرار
أفراد من ذالك العنصر باإلقليم ،ولئن كانتـ هذه العناصر من أصول
مختلفة إال أن ((اإلسالم ساهم في االنصهار والتعايشـ بين هذه األعراق
التي تدين كلها باإلسالم وتتبع المذهب المالكي....ـ ولكون العربية هي لغة
القرآن أصبحت لغة الجميع))(.)1
المطلب الثاني :إسهامات علماء توات في مجال النوازل
لقد أدرك علماء المنطقة العالقة الوطيدة بين علم الفقه وعلم الفتاوى
وعلموا أن األول يجسد نشاط الفقيه وحيويته نظرياـ وعلى صعيد التأصيل
والتقعيد واالستنباطـ وأن العلم الثاني يجسد تفاعلـ علم الفقيه مع الواقع لينتج
حلوال وفق ضوابط الشريعة للمشاكل اليومية في المجتمع ويتقرر بذالك
أوصاف الاستمرايةـ والمرونة والشمولية والصالحية لكل زمان ومكان
للشريعة اإلسالمية فهي تتماشىـ حسب القضايا وظروف األشخاص
بمراعاة القرائن واألحوال ،ولم يتوقف فقهاء توات عند حد اإلدراك بل
تعداه لتسجيل الـقـضايا والمسائلـ مع الحلول المقترحة من طرف من تأهلوا
إليجادها فنتج عن ذالك ثروة من كتب النوازل نذكر بعضا منها كنماذج:
1ـ األجوبة :للشيخ سيدي عمر بن عبد القادر أبو حفص التنيالني (ت
1152هـ) وهو كتابـ جمع فيه كاتبهـ أجوبة للشيخ عمر بن عبد القادر التنيالنيـ
وفتاوى بعض تالميذه كالشيخ عبد الرحمان بن عمر التنيالني ولم يرتبه
ترتيباـ معيناـ بل جاءت فتاويه مسرودة ،توجد منه نسخة مخطوطة بخزانة بن
عبد الكبير بالمطارفةـ ونسخة بخزانة بلوليد بقصر باعبدـ هللا بتمي ونسخة
بخزانة الشيخ محمد باي بلعالم بأولف.
2ـ تحلية القرطاس بالكالم على مسألة تضمين الخماس :للشيخ
العالمة سيدي محمد بن أب بن أحمد ويقال احميد بالتصغير بن عثمان بن
(?) عبد المجيد قدي المرجع السابق ص .33 1
ــ 294ـ
أبي بكر الزموري (ت1160هـ) وهي رسالة صغيرة أجاب فيها مؤلفها عن
رسالة وردت إليه من الشيخ عمر بن مصطفى الرقادي الكنتي حول استغالل
خماميس بالد توات لمحاصيل التمر حتى ينقص قدره بعد الجني عن القدر
الذي حدده الخارص العارف هل يعتبرـ من التفريط الموجب للضمان أم ال؟
وقد شحن الجواب باألدلة النقليةـ والعقلية مستعمال القواعد الفقهية واألصولية
ومقاصد الشريعة بشكل ملفت لالنتباه ،وتوجد من هذه الرسالة نسخة
مخطوطة بخزانة بن عبد الكبير بالمطارفةـ ونسخة بخزانة بالوليد بقصر
باعبد هللا بتميـ ونسخة بخزانة الحاج أحمد الشيخ األنصاري بأنزجمير
ونسخة حديثة بخزانة البلباليينـ بكوسام.
3ـ رسالة المغارم :للشيخ سيدي عبد الرحمان بن إبراهيم أبو زيد
الجنتوري (ت1160هـ)و هي رسالة صغيرة الحجم أجاب فيها مؤلفها أحد
قضاة قورارة عن حكم ما أخذه الناس أثناء حكم سلطان ظالم وبأمره تنكيال
بالهاربينـ من حكمه ثم لما أنعم هللا على أهل البالد باالنفكاك عن سلطانه
رجع الهاربون وطالبوا باسترجاع أموالهم فاختلف الفقهاء وتحير القضاة
فأجاب الجنتوري في هذه الرسالة التي ق ّدم بين يدي المقصود فيها مقدمة في
شروط المفتي والقاضي وأحكام الفتوى والقضاء ثم المقصود في فصلين
األول في أصول الملكية في الشريعة وأسبابـ انتقالهاـ والفصل الثاني في
إبطال المغارم رأسا ،وقد شحذ المصنف رسالته بنصوص األصوليين
والقواعد الفقهية والمقاصدية واعتمد على ابن عرفة ومختصر الشيخ خليل
والنوازل المازونية ونوازل البرزلي وأحيانا ينقل عن الزرقاني والتتائي،ـ
وتوجد من هذا المخطوط نسخة بخزانة البلباليينـ بكوسام.
4ـ نوازل الجنتوري :للشيخ العالمة سيدي عبد الرحمن بن إبراهيم
الجنتوري (ت1160هـ) جمعها تلميذه الشيخ القاضي سيدي محمد بن أحمد بن
عبد العزيز بن محمد بن علي المسعدي الجوراري حيث قصد هذا األخير
إلى جمع ما وقف عليه من أجوبة شيخه وكان أوال جمعها من غير ترتيب ثم
إن بعض من رآها طلب منه ترتيبها فقام بذالك مقدما باب الشهادات والقضاء
ثم أبواب البيوع وما شاكلها ثم أبواب األنكحة ثم مسائل األحباس ولم أقف
على نسخة كاملة وتامة للكتاب ليتبن كل أبوابها ،والكتاب يتضمن أجوبة
الفقيه المذكور ومراسالته العلمية وآراؤه الفقهية فقد كان كثير االعتراض
على قضاة وقته مخالفا لما لم يقوى دليله في المذهب له اختيارات تدل على
سعة علمه ورسوخ قدمه مشحوذة أجوبتهـ باألدلة الفرعية واألصلية،ـ وتوجد
من هذا المخطوط نسخة قريبة من التمام بخزانة بدريان بتميمون.
5ـ نوازل الزجالوي :للشيخ العالمة سيدي محمد بن امحمد العالم
الزجالوي (ت1212هـ) ونوازله هذه جمع فيها أجوبة والده العالمة سيدي
ــ 295ـ
امحمد بن احميد الزجالوي وضم إليها أجوبة الشيخ عمر بن عبد القادر
التنيالنيـ وكان معاصرا لوالده ولم يغفل أجوبة شيخه سيدي عبد الرحمن بن
عمر التنيالني ،والكتابـ ضخم بوبه على نسق كتب الفقه مقدما مسائل
التوحيد ثم الطهارة فالصالة ثم الزكاة فالذكاة واألضاحي والعقيقةـ ثم أبواب
النكاح والطالق وبعدها أبواب البيوع والربا والسلم والصلح والضمان
والوديعة والشركة والغصب والجعل والمساقاة وإحياء الموات ثم أبواب
األحباس والهباتـ والصدقات ثم مسائل الشهادات والقضاء وتوجد من هذا
المخطوط نسخ متعددة بخزائن المنطقةـ من أجودها نسختين بخزانة بن عبد
الكبير بالمطارفةـ تامتين واضحتين.
6ـ إفهام المقتبس بثبوت التحبيس بخط المحبس :للشيخ العالمة
سيدي محمد بن الشيخ العالمة سيدي عبد الرحمن بن عمر التنيالني (ت
1233هـ) وهي رسالة صغيرة أجاب فيها مؤلفها عمن حبس على أوالده حبسا
قيده بخطه وأشهد على ذالك رجال واحد ثم لما مات قام بعض الورثة ببيع
جزء من الحبس وكان شاهد الحبس أحد شهود البيع فاختلف علماء توات في
ثبوت التحبيس بمجرد خط المحبس فجاءت هذه الرسالة إلثبات ذالك في
أربعة فصول األول في صحة إقرار المقر في الصحة سواء كان لوارث أو
غيره والفصل الثانيـ في أن الخط إقرار وشهادة على صاحبه والفصل الثالث
في أن إشهاد المحبس ونحوه على نفسه بالتحبيسـ في الصحة ال يعد توليجا
والفصل الرابع في بيان إن اإلشهاد للغير ال يحتاج إليه المحبس الذي أشهد
نفسه على تحبيسه ،وقد شحذ المصنف رسالته بنصوص علماء المذهب من
قول مالك وأصحابهـ إلى المتأخرين كالزرقاني والبنانيـ والتتائيـ بشكل منقطع
النظير تتجلى فيه ملكة الفقيه في استنطاق النصوص والتخريج منها ولم يغفل
المصنف الحجج العقلية والقواعد األصولية والفقهية فلم يترك متكأ يمكن
االعتماد عليه إال وجاء به ،والرسالة مخطوطة توجد منها نسخة بخزانة شيخ
شيوخنا سيدي الحاج أحمد الشيخ األنصاري بأنزجمير ونسخة أخرى بخزانة
موالي سليمان بن علي بأدغاغ.
7ـ رفع الحجاب وكشف النقاب عن تلبيس الملبس في ثبوت
التحبيس بخط المحبس :للشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمن بن عمر
التنيالنيـ (ت1233هـ) وهي رسالة مختصرة عن الرسالة التي قبلها وذالك أن
الشيخ ~ لما ألف رسالته إفهام المقتبس السابقة الذكر استحسنها البعض
واستطالهاـ البعض لكون المصنف أوعب فيها النصوص وأكثر من االستدالل
فحذا به ذالك إلى اختصارها في فصلين فقط األول في بيان أن إقرار المقر
في صحته ولو لوارث معمول به وأن الخط الثابتـ إقرار من صاحبه وأخذه
به صحيح غير معلول والفصل الثانيـ في ذكر الشبه التي اعتمد عليها من
أفتى بعدم ثبوت التحبيس بخط المحبس ،وتوجد منها نسخة بخزانة الحاج
ــ 296ـ
أحمد الشيخ األنصاري بأنزجمير ونسخة بخزانة موالي سليمان بن علي
بأدغاغ
8ــ أجوبة محققة النقول مهذبة الفصول :تأليف الشيخ محمد بن
عبد الرحمان بن عمر التنيالني (ت1233هـ) وهو كتاب جمع فيه مؤلفه ما
وقف عليه من أجوبة محققة النقول مهذبة الفصول لبعض فقهاء بالد توات
وكانت متفرقة في األماكن المختلفة خوف الضياع عليها وعدم االنتفاع
بها لما فيها من العلوم العزيزة واألبحاث الغريبة كما قال( ،)1ولم يلتزم
المؤلف منهجا معينا في ترتيبها وتقسيمها على الرغم من اشتماله على
مسائل من أبــواب الفقه المختلفة ،توجد قطعة مخطوطة منه بخزانة بني
تامر وقطعة مخطوطة بخزانة الشيخ محمد باي بلعالم.
9ـ مسائل التمنطيطي :للشيخ العالمة األصولي المحقق سيدي عبد هللا
بن أبي مدين التمنطيطي (ت1231هـ) وهو كتاب صغير الحجم جمع فيه
أجوبة شيخه سيدي محمد بن عبد الرحمن التنيالني وأدرج فيها بعض أجوبة
شيخيه سيدي محمد بن العالم الزجالوي وسيد الحاج البلبالي ومن تقدمهم
بقليل واختار من أجوبتهم النوازل التي لم يقع النص فيها أو وقع ولم يطلع
عليه إال المتمرس من الفقهاء وبقي مجموعه في أوراق متفرقة ومسائله
مشتتة حتى قيــض هللا لها الشيخ محمد بن أحمد بن سيد المحضي بن عبد
الكريم ابن البكري فجمع األوراق ورتب المسائل فجاء كتاباـ مستقال ،ابتدأ
بمسائل الطهارة والصالة والزكاة والنكاح ثم مسائل البيوع وما شاكلها من
بيع فاسد وسلم ثم مسائل الضمان والحجر والوديعة والصلح واإلقرار
والمساقاة والقسمة والشفعة والضرر ،وتوجد من هذا المخطوط نسخة بخزانة
الحاج أحمد الشيخ األنصاري بأنزجمير ونسخة بخزانة البكريين بتمنطيط.ـ
10ـ غنية المقتصد السائل فيما وقع في توات من القضايا
والمسائل ، :وهذا الكتاب ابتدأ جمعه الشيخ محمد بن عبد الرحمان البلبالي
الشهير بسيد الحاج البلبالي (ت1244هـ) وأتم جمعه ابنهـ القاضي الشيخ عبد
العزيز البلبالي (ت 1261هـ) وهو الذي أطلق عليه هذا االسم ،أما بداية جمعه
فإنه لما ولي الشيخ سيد الحاج البلباليـ القضاء بعد الشيخ عبد الحق البكري
(?) محمد بن عبد الرحمان التنيالني أجوبة محققة النقول مهذبة الفصول مخطوط خزانة 1
ــ 299ـ
واللعان ،فمسائل األحباس ،فمسائل البيوع والربويات والشركة والقراض،
فمسائل اإلجارة واألكرية ،فمسائل المواريث ،ثم ذيله بمسائل متنوعة من
فتاوى كاتبه الشيخ عبد العزيز سيد عمر ،والكتاب مطبوع متداول.
كانتـ هذه بعض النماذج عن إسهاماتـ علماء توات في مجال النوازل
الفقهية.
المبحث الثاني :الفكر الصوفي عند علماء توات
المطلب األول :فلسفة التصوف عند علماء توات
لقد أدرك علماؤنا أن هللا سبحانه وتعالى أنزل شرائعه
لتقويم أفعال اإلنسان باعتبارها الوصف الظاهر منه والشيء
الملموس في حياته والنفوس مجبولة على تصديق المحسوس
دون شك فيه أو ريب ،كما أدركوا أن هذه الجسد الذي يقوم
باألفعال المتعلقة بها شرائع هللا خلفه قوة دافعة تحركه في
االتجاه الذي تريده ونحو المسلك الذي تختاره تلك هي روحه
كما قال الشاعر:
تعبتـ في مرادها األجساد وإذا كانت النفوس كبارا
و قول البوصيري:
نشطت في مرادها األعضاء وإذا حلت الهداية قلبا
غير أن تلك الروح لما غادرت موطنها األصلي ومنبت أصلها حضرة
َت صفات كمالها وصدق رؤيتها وابتليتـ قدس ربها ﮋﯮ ﯯ ﯰ ﯱﮊ( ،)1فَقَد ْ
بحجب النفس والهوى عن موارد الحق فغدت تفسر الحقائق على غير ما هي
عليه فاحتيج إلى تقويم أداة الفكر لتسير في الطريق السليم إلعطاء الحقائق
معانيهاـ واألداة هي العقل ،وهنا تظهر لنا مكانةـ التصوف في فلسفة العلوم
اإلسالمية عند علمائناـ أنه أحد العلوم المقاصد الثالثةـ علم التوحيد المتكفل
بتقويم الفكر وعلم الفقه المتكفلـ بتهذيبـ السلوك واألفعال وعلم التصوف
المتكفل بتزكيةـ النفس وتربية الروح وقد أشار النبي × إلى هذه العلوم الثالثة
وأنها المقاصد في حديث جبريل وسؤاله عن اإليمان واإلسالم واإلحسان
ــ 300ـ
ألجل ذالك نجد الشيخ سيدي البكري بن عبد الرحمان التنيالني نظم قصيدة
في ضمنها مبادئ هذه العلوم الثالثة فقال:
أولـيات مـن فـنـون العلم وبـعد فالقصـد بهـذا النظم
ثالثـةـ مـن خير أنواع الفهوم أرجوزة قد شملت مـن العلوم
ثـم التصـوف الشريف الوجه أولهـا التوحيـد ثـم الفقه
ولما كان طريق السفر طويال قد يحدث للمسافر الملل لبعد الشقة
وكثرة المشقة كان لزاما عليه أن يجد السير ويحزم األمر وذالك كالمهم عن
المجاهدة وعليه أن يراعي الممهالت لتقليلـ سرعة السير عندها وتلك هي
الخواطر والبد أن يعرف مواطن االستراحات ليجدد السائر نشاطهـ ويعلي
همته وتلك هي المقامات وعليه أن ينظر في اإلشارات بدقة وحذر حتى ال
يغتر وتلك هي الكرامات والواردات فهذه هي أهم مواضيع التصوف
ومحتواه في شكل تقريبي.
أما عن أشهر الطرق الصوفية المتواجدة بتوات فهـي:
1ـ الطريقة القادرية
ــ 301ـ
يرجع تأسيسهاـ إلى الشيخ أبي محمد محي الدين عبد القادر بن عبد هللا
الملقب بالجيالنيـ دفين بغداد.
والمشهور أن دخول هذه الطريقة إلى توات كان على يد الشيخ العالمة
سيدي محمد بن عبد الكريم المغيلي حوالي ق9هـ15/م حيث أسس زاويته
على حسب بعض المصادر سنة 885هـ 1480/م ولما عرف به من شدة وحزم
في إحقاق الحق وإبطالـ الباطلـ فحارب اليهود وأجالهم من توات ثم خروجه
إلى السودان الغربي برسم الدعوة إلى هللا ونشر تعاليمـ اإلسالم وهناك أخذ
العلم عنه جمع من التالميذ الحذاق الذين التزموا أفكاره ومنهجه وطريقته
وكان ممن صحبه إلى الحج وتوات الشيخ العالمة سيدي عمر الشيخ الكنتي
الذي أخذ عنه سر العلوم الظاهرة والباطنة وورث عنه األسرار الحسية
والمعنويةـ وبطريقتهـ التزم شيوخ آل الكنتي على رفعة قدرهم وعلو مكانتهمـ
العلمية والقيادية وعنهم يأخذها من تتلمذ على أيديهم من غير آلهم.
2ـ الطريقة التيجانية
وتُنسب إلى الشيخ أبي العباس أحمد بن محمد بن مختار التيجاني
الحسيني دفين فاس.
عرفت هذه الطريقة انتشار واسعا بفضل بعض القوافل التجارية التي
اتخذها أتباع الشيخ التيجانيـ وسيلة لنشر طريقتهم،ـ فكانت قوافلهم التي
تجوب الصحاري من الشمال إلى الجنوب ،ومن الشرق إلى الغرب مرورا
بتوات إلى تمبكتو،ـ ومنها إلى السنغالـ ذهابا وإياباـ تحمل البضائع ،وفي
الوقت نفسه تبث الدعوة بين سكان تلك المناطق،ـ وتنظم أمور المريدين،
وتُس ِهل عليهم إمكانية الدخول في الطريقة وأداء تعاليمها بتوفير الشـروط
الروحـية والمادية تستقطبـ الجماهير ،وقد كان دخولها إلى توات عن طريق
سيدي علي العين صالحي(نسبه إلى عين صالح) ،الذي أخذ الطريقة وسار
بها إلى تيدكلتـ التي هي محل نشأته،ـ وأنشأ الزاوية بعينـ صالح التي تسمى
الزاوية التيجانية ،ولما توفي خلفه بعض إخوانه ،وبنى هناك زاوية يجتمع
بها الفقراء للصالة وتالوة القرآن ،ودخل على يده جملة من التوارق في
اإلسالم.
وممن كان مؤثرا في نشرها العالمة سيدي إدريس بن العربي
التينالني ،وهي منتشرة بـتوات إلى اآلن ،وزاد انتشارها بتيميمونـ على يد
أسرة "بن جعوان" منذ نهايةـ الستينات وبداية السبعينات ،وما زال أفرادها
يشرفون على نشر التيجانية،ـ وعنها تفرعت زاوية ماسين وزاوية أوقروت
القائمتانـ إلى حد اآلن على تلقين تعاليم الطريقة التيجانية وتكوين المريدين
والمقدمين فيها.
3ـ الطريقة الموساوية
ــ 302ـ
تنسبـ لصاحبها الشيخ سيدي أحمد بن موسى بن خليفة ،دفين كرزاز
من أرض الساورة بالجنوب الغربي الجزائري.
لما تمكن الشيخ سيدي أحمد بن موسى من العلوم الظاهرة وارتوى من
العلوم الباطنة سكن بالد كرزاز من وادي الساورة الواقعة اليوم دائرة بوالية
بشار ومنها انطلقت دعوته اإلصالحية وبدأت تنتشر في األنحاء المجاورة،
وسرعان ما ذاع صيته واشتهر بين الناس بصالحه وبركاته،ـ فتوجه
المريدون نحو االستقاء من ينابيع علمه الفياض،ـ ويقصدون زاويته خاصة
أهل توات ألن كرزاز كانتـ تقع في طريق قوافلهم نحو المغرب سواء لطلب
العلم أو للتجارة فكانت لهم موردا ومستراحا ومنهال فتأثروا بمنهجه وطريقته
فالتزموها للسير إلى حضرة القدس اإللهية وكان من السباقين الشيخ العالمة
سيدي بن عومر البوداوي (ت1074هـ) وازداد انتشارها على يد الشيخ
العالمة سيدنا محمد بلكبيرـ .
4ـ الطـريقة الطيبـية
وهذه الطريقة تنسبـ لشريف وزان ،ومن أبنائه :موالي التهامي،ـ
موالي الطيب،ـ موالي الهاشمي ،موالي العربي ،موالي المكي ،موالي عبد
هللا ،موالي أحمد ،وأكبر أبنائه هو موالي التهامي زاويتهاـ الرئيسيةـ بالمغربـ
األقصى.
وقد دخلت إلى توات على يد الشيخ محمد بن عمر المهداوي
التمنطيطي ،ومنها سارت إلى بودة وانتشرت بتوات كلها ،وأخذ التمنطيطي
الطريقة عن سيدي موالي التهاميـ الوزاني ،ومن أخيه موالي الطيب،ـ وأبناء
سيدي موالي عبد هللا.
وهناك طرق أخرى ذات انتشار محدود كالطريقةـ الشيخية والطريقةـ
الرقانيةـ كما توجد بعض الطرق التي التزم بها أشخاص وال يعرف لها
انتشار كالهبريةـ والعالوية والصوفية وغيرها.
أما عن مشاركة علماء توات في مجال التصوف فقد أخذ طابع النظم
والشعر خاصة القصائد التي قيلت في مدح النبي × وفي المدينة المنورة
وزيارتها وقد ضمت تلك القصائد رموزا صوفية كثيرة ومعاني روحانية
عديدة ،لكن األمر ال يخلو من وجود بعض المصنفات ككتاب تنبيه الغافلين عن
مكر الملبسين بدعوى مقامات العارفين للشيخ سيدي محمد بن عبد الكريم
المغيلي وكتاب منهاج السالكين للشيخ سيد الحاج بلقاسم األولسيفي وكتاب
المنجيات للشيخ العالمة سيدي عبد الكريم بن امحمد بن أبي محمد التواتي.
وأما مجال التدريس فإن حلقات علمائناـ اهتمتـ بشرح الحكم العطائية
البن عطاء هللا السكندري وجعلتها قطب رحى مقررات التصوف للدارسين
ــ 303ـ
كما أن اعتمادهم على متن ابن عاشر المسمى بالمرشد المعين للضروري من
علوم الدين وفيه قسم خاص بالتصوف هي مبادئ ال ينبغيـ تعديهاـ وال يستقيمـ
تجاوزها ،ويسلكون في الشرح طريقة األوقاف المعتمدة في سائر المتون
العلمية ،كما لهم اهتمام خاص بإحياء علوم الدين للشيخ حجة اإلسالم أبي
حامد الغزالي وبالقدسية للشيخ سيدي عبد الرحمان األخضري وقواعد
التصوف للشيخ زروق البرنسي ومن النكت البديعة أنهم أثناء تدريس الفقه
والنحو والتفسير يعرجون إلى ذكر اإلشارات الصوفية والمعاني الروحية.
المطلب الثاني :الفكر الصوفي في مجال النوازل التواتية
لما كان لفظ النوازل يطلق ويراد به المصنفات التي تشتملـ على
الفتاوى كما يقال نوازل البرزلي ونوازل ابن رشد ونوازل الجنتوري
ونحوها ويطلق ويراد به نفس الفتاوى فيقال هذه نازلة صعبة وتلك نازلة في
باب المعامالتـ ونحو ذالك اقتضى هذا أن نعالج موضوع الفكر الصوفي في
مجال النوازل التواتية في الطرفين:
األول :الفكر الصوفي في كتب النوازل التواتية
لقد رأينا نماذج من مؤلفات النوازل عند علماء توات والمالحظ أن
منها المختص بمسألةـ واحدة كرسالة المغارم للشيخ عبد الرحمان الجنتوري
ورسالة إفهام المقتبس في ثبوت التحبيس بخط المحبس للشيخ محمد بن عبد
الرحمان التنيالنيـ ومنها المشتمل على أبواب الفقه اإلسالمي كغنية المقتصد
السائل فيما وقع في توات من القضايا والمسائل للشيخ سيدي عبد العزيز
البلبالي ونوازل الزجالوي وغيرها ،وفي ظل غياب معلمة لتراث الصحراء
الجزائرية مع ضياع الكثير من المخطوطات تمثل المشاهدة حجر األساس
إلثبات وجود أي كتاب وتواتر األخبار دليل على نسبة المخطوط لمؤلفه وأمام
هذه المعايير ال يسعني إال القول أني لم أقف خالل بحثي وتنقيبي في الخزائن
التواتية على كتاب في النوازل مضمونه قضية صوفية إال رسالة لشيخنا
موالي الحاج عاللي عنوانها "زوال اللبس ودفع الشكوك واألوهام بإثبات
أصل مشروعية الحضرة وزيارة األولياء ولباس قبورهم واألعالم".
وقد ألف الشيخ هذه الرسالة بناء على سؤال ورد عليه من جماعة من
األشخاص وهم ((مامون السيد الحاج وبلبالي السيد الحاج محمد والداحدي
السيد الحاج عبد القادر وسلكه السيد الحاج عبد الجليل)) فقد تقدم السادة
المذكورون باستفتاء الشيخ عن أربعة أشياء وهي ((عما للفقراء وأتباع
األولياء من الراية المعروفة بال َع َلم أهل له أصل في الشرع أم هو باطل وعدم؟
وعلى اختصاص الحضرة بفصل الشتاء دون غيره من الفصول؟ وعلى إقامة
موسم زيارة األولياء واالحتفال بهم بيوم مخصوص في العام أهل لذالك أصل
منقول؟ وعن بناء القباب على قبورهم وتحليتها وكسوتها أهل له في الشرع
اعتبار معقول؟)).
ــ 304ـ
فهذه أربعة أسئلة كانت السبب في إنشاء الرسالة والتي اقتضى األمر
منه تقسيمهاـ إلى أربعة فصول أفرد لكل سؤال فصال األول في إثباتـ األصل
لل َعلَم والفصل الثاني في أصل الذكر عند الصوفية والفصل الثالث في زيارة
األولياء واالحتفال بهم والفصل الرابع في مشروعية اللباس لقبورهم ثم ختم
الرسالة بخاتمة في الصدقة والنذور إليهم ،أما عن منهجه في اإلجابة فإنه يبدأ
بتكييفـ القضية بتوضيح األلفاظ الواردة في السؤال من الجهة اللغوية ثم
الجانب االصطالحي عند علماء الشريعة وهذه الطريقة بديعةـ ألجل التكييفـ
الصحيح للمسألة والقضية المستفتى فيها ،فإذا اتضح معنى السؤال وعلم
موضعه في الشريعة انتقل إلى التخريج الفقهي للنازلة وذالك إما بإلحاقها بأصل
منقول أو معقول أما المنقول فكتاب هللا وسنة رسول هللا وأما المعقول فالقياس
الصحيح مؤسسا كالمه على أصل العرف والعادة ويتقلب في النصوص
المنقولة بين اإليماء واإلشارة والظاهر والمؤول والمنطوق والمفهوم ثم يعزز
المنقول بالقياس الصحيح األصولي منه والمنطقي فإذا أتم تخريج القضية عن
أصل من األصول أظهر الحكم المناسب الذي ظهر له من اجتهاده.
ففي هذه الرسالة أجاب مستفتيـ عن قضايا من التصوف ،هذا عما
اختص من النوازل في قضايا التصوف ،أما في الكتب التي اشتملت على
سائر أبواب الفقه نجد فيها كتاباـ جامعا على عادة المالكيينـ فقد وضع الشيخ
عبد العزيز البلبالي في غنيةـ المقتصد السائل باب جامع في القول
واالعتقاداتـ ونبذ من طرف الحكاياتـ واختلف موضعه على حسب مرتبه
وختم الشيخ عبد الكريم البلباليـ غايةـ األماني من أجوبة أبي زيد التنيالنيـ
بكتاب الجامع واستفتحـ الزجالوي نوازله بمسائل التوحيد وما إليها وختم
الشيخ عبد العزيز سيد عمر المهداوي الجواهر اللئالي من فتاوى الشيخ عبد
الكريم البلبالي بمسائل متنوعة وفي هذه المواضع من تلك الكتب نجد أسئلة
من قضايا التصوف ففي نوازل الزجالوي ((وسألتهـ عن التطريبـ الواقع
للفقراء في صالتهم على النبي × وما فيه من الزيادات الخارجة عن العادة
فقال لي ال تسأل عن ذالك فإنهم يصلون بالشوق على النبي ×))(.)1
وفـــــي غـــنـية المقتصد السائل ((وأجاب أيضا عما يظهر وأما الفقراء
يجتمعون للذكر في المسجد فإن كان صوتهم ال يشغل المصلي فهــــــو
مكروه وهذا في المذهب وإن كان يشوش المصلي فهو ممنوع))( ،)2وفي
(?) محمد بن العـــالم الـــزجالوي النـــوازل مخطـــوط بخزانة بن عبد الكبـــير المطارفة 1
( الورقة /01ظهر)
(?) عبد العزيز البلبالي غنية المقتصد السائل فيما وقع في تــوات من القضــايا والمســائل 2
(?) عبد العزيز المهداوي الجواهر اللئـالي من فتــاوى الشــيخ سـيدي عبد الكـريم البلبــالي 1
/وجه).
ــ 306ـ
ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮊ( ،)1ﮋﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﮊ(،)2ﮋﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ
ﭟ ﭠﮊ (.)4 ﯮ ﯯ ﯰﮊ( ،)3ثم قال تعالى :ﮋﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ
والذكر هو القرآن وأهله من اجتمع فيه وصفان العلم والتقوى ألن
بالعلم يعرف الرشد من الغي وبالتقوى يأمر بالرشد وينهى الغي فال تقيد في
دينك إال من ثبت أنه عالم تقي ألن من لم يثبت أنه عالـــــم يخاف أن يضل
ويضــــــل بعماه ومـــــن لم يثب أنه تقي يخاف منه أن يضل بهواه))(.)5
وفي األخير يؤكد المفتي على مقام المجاهدة بوجوب التزام أحكام هللا
وعدم مخالفتها:
اعلم بأن الصفقات غالية يا عاشقا في الدرجات العالية
إال بكد النفس واإلذعان ما نالها ذو العجز والتواني
عساك ترقى منبر المشاهدة فاشدد إزار الحزم والمجاهدة
وإلى هذا أشار الشيخ العالمة سيدي محمد بن عبد الكريم المغيلي بقوله
بعد أن أتم تقرير الجواب الفقهي(( :فاتق هللا تعالى وانظر لنفسك قبل الفوت
فإنه البد من الموت قال تعالى :ﮋﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ
ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﮊ(،)6
()
وقـــــال تعالى:ـ ﮋﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢﮊ إلى قوله :ﮋﯗ ﯘﮊ ، 7صدق العظيم ونبيهـ))
(.)8
أما المفتي فإنه يشير إلى تحليه بمقام التوكل على هللا من ذالك قول
الشيخ العالمة سيدي ُمح َّمد بن َمح َّمد بن أحمد الحبيب البلباليـ وغيره
(?) محمد بن عبد الكــريم المغيلي محمد بن عبد الكــريم المغيلي أســئلة األســقيا وأجوبة 5
المغيلي عليها بذيل الحضارة العربية والتأثير األوروبي في إفريقيا جنوب الصحراء لعبد
القادر زبادية ص .164
(?) سورة الطالق 2/ـ .3 6
ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﮊ [سورة آل عمران]185/ ﯔ ﯕ
(?) محمد بن عبد الكريم المغيلي المرجع السابق ص .191 8
ــ 307ـ
((حملني ذالك على أن قيدت عليها تقييداـ سميته كشف النقاب والمساوي
على مخدر حكم البداوي وهللا تعالى أسأل التوفيق واإلرشاد إلى سلوك
الرشد والسداد))(.)1
ويؤكد المفتي الوقوف عند أوامر هللا ومحاربـة عـدو هللا والنفس من
ذالك ما جاء في جـــواب للشيخ سيــدي محمد ابن عبد الرحمان بن عمر
التنيالنيـ ما نصه ((رغبة في إيضاح الحق وطلبا للثواب في األخرى ،أبين
فيها الصواب من القول عندي وأصدع به رغما ألنف الشيطان ومن كان
من أهل حزبه وأذكر فيها ما قصرت عنه األولى من المقال وما فتح به
بعدها من األفهام الرب المتعال))(.)2
أما أثناء الجواب وضمنه فنلمس بعض اإلشارات الصوفية على حسب
المسألة المطروحة فقد يحتاج المفتي إلى مقدمات صوفية لتهيئة النفس لتلقي
الجواب في جو رباني مهما كان ثقيال على النفس ومن ذالك قول الشيخ
المغيلي في ديباجة جواب له للسلطان األسقيا الحاج محمد الكبير ((فاعلم
أعاننا هللا وإياك أن الملك كله هلل وما النصر إال من هللا هلل فكن هلل عبدا
بطاعتهـ يكن لك ربا بحفظه وإعانته إنما أنت مملوك ال تملك شيئا وقد رفعك
موالك على كثير من عباده لتصلح لهم دينهم ودنياهم ال لتكون سيدهم
وموالهم وأنت في جميع مملكتك راع ال مالك وكل راع مسؤول عن رعيته
فانظر لنفسك قبل الفوت فإنه البد لك من الموت))(.)3
و قد يشير المفتي إلى بعض صفات النفس من ذالك ما جاء في جواب
للشيخ سيدي محمد بن أب ((ومن أوضح األدلة على إلجاء الضرورة إلى
الخماميس أمران أحدهما معاملة أكثر الناس لهم مع علمهم بما هو عليه من
(?) محمد بن امحمد البلبالي كشف النقاب والمساوي عن حكم مخــدر البــداوي مخطــوط 1
ثبوت التحبيس بخط المحبس مخطوط بخزانة الحــاج أحمد الشــيخ األنصــاري بــأنزجمير
ضمن مجموع (الورقة /04ظهر).
(?) المرجع السابق ص .162 3
ــ 308ـ
قبيح السيرة ابتداء وقد جبلت النفوس على النفور والبعد ممن توسمت به
الخيانة فضال عمن اشتهر بها وصارت هجيراه))(.)1
وغير ذالك من اإلشارات الكثيرة التي تحتاج إلى تتبعـ واستقراء تام
وعرضها على كالم السادة الصوفيين.
الخاتمة
وفي األخير أستسمح السادة العلماء والطلبة الفضالء ألقول قد شابت
اليوم التصوف شبه عديدة منها ما كان السبب فيه بعض المنتسبينـ إليه ومنها
ما كان عن جهل بحقيقته وفائدتهـ ودوره اإلصالحي أو التغافل عن مكانتهـ في
الهيكل العام لإلسالم وأنه يمثل ثلث انشغاالت الشريعة على وجه المقاصد
والغاياتـ ال على وجه الوسائل واألسباب لهذا فمن الواجب على من أوتي
علما ومكانة أن يساهم في كشف الحجب ويسعى إلزالة العالئق التي شابته،
وليجتهد الجميع في تفعيلـ دوره في وسط المسلمين كل على حسب موقعه
وبالخصوص المفتينـ الذين يعتبرون ملجأ الناس إذا حزهم األمر فتكون نفس
المستفتي قد استعدت على األقل بنسبةـ قليلة لبدأ السير في طريق هللا.
ولنا في سيدنا يوسف عليه السالم قدوة فإنه لما جاءه المستفتيان فـ ﮋﯚ
ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﮊ( ،)2لم يبدأ مباشرة
بالجواب بل استغل التهيئةـ النفسيةـ التي كانا فيها فـ ﮋﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ
ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ
ﭚ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ
ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ
ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ
()3
ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮊ . ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ
ثم شرع في الجواب فهذه مقدمة قبل الشروع في المقصود هي من
قبيل وضع اإلنسان عند أول الطريق في السير إلى هللا خاصة في هذا الزمان
الذي كثرت فيه المادياتـ وانغمس الناس فيها بعيدين عن الروحانيات.
هذا ،والجدير بالذكر التنويهـ على الكم الهائل من كتب النوازل لعلمائناـ
التواتيين وأنه تراث مازال في طي النسيانـ وسلة اإلهمال محتاج لكشف
الغبار عنه بتحقيقةـ وإخراجه في حلة قشيبة تتماشىـ مع الطبعاتـ العصرية،
(?) محمد بن أب المزمري تحلية القرطاس بالكالم على مسألة تضمين الخماس مخطوط 1
ــ 309ـ
ثم بتوجيه العنايةـ إليها بالدراسة واالستفادة منها واستخراج القواعد الفقهية
واالختيارات والترجيحات والقواعد المقاصدية والوقوف عند منهجهم في
الفتوى والقضاء وتفعيلها في مجال الدراسات المقارنة بالقانونـ الوضعي
الجزائري ومن جهة أخرى إلقاء الضوء على اللمسة الروحية والمعنوية فيها
ومحاولة استنباط معايير ومقاييس صوفية في التعاملـ مع الفتوى الفقهية
بتحديد نقاط التقاطع وخطوط التوازي بينهما.
و أجدد اعتذاري واالستسماح من جميع الحضور شيوخ أجالء وسادة
علماء وأئمة فضالء وطلبة نجباء ومستمعين نبهاء على التقدم بين أيديهم إذ
أني لست أهال لذالك وهللا أعلم بما هنالك والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته.
قائمة المراجع
ـ أحمد أبا الصافي جعفري من تاريخ توات أبحاث في التراث مكتبة النهضة
المصرية القاهرة الطبعة األولى سنة 2009
ـ أحمد أبا صافي جعفري رجال في الذاكرة الشيخ سيدي محمد بن المبروك
البداوي الجعفري حياته وشعره منشورات الحضارة الجزائر الطبعة األولى سنة
2009
ـ أحمد العماري تـوات في مشروع التوسع الفرنسي بالمغرب منشورات كلية
اآلداب والعلوم اإلنسانية بفاس مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء المغرب سنة
1988
ـ بول مارتي كنتة الشرقيون تعريب وتعليق محمد محمود ولد و ّدادي مطبعة زيد
بن ثابت دمشق بدون تاريخ
ـ سعيد بن إبراهيم قدورة رسالة استفاء إلى علماء السودان بذيل معراج الصعود
ألحمد بابا التمبكتي تحقيق وترجمة فاطمة الحراف وجون هانويك منشورات معهد
الدراسات اإلفريقية مطبعة المعارف الجديدة الرباط الطبعة األولى سنة 2000
ـ عبد الحميد بكري النبذة في تاريخ توات وأعالمها من القرن 9إلى القرن 14
الهجري مطبعة دار الهدى عين مليلة الجزائر الطبعة األولى سنة2005
ـ عبد الرحمان بن خلدون ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر
ومن عاصرهم من ذوي السلطان األكبر ضبط خليل شحاذة دار الفكر بيروت
الطبعة الثانية سنة 2001
ـ عبد الرحمان الجنتوري رسالة المغارم مخطوط بخزانة البلباليين بكوسام
ـ عبد الرحمان السعدي تاريخ السودان طبعة هوداس باريس سنة 1981
ـ عبد العزيز البلبالي غنية المقتصد السائل فيما وقع في توات من القضايا والمسائل
مخطوط بخزانة بن عبد الكبير المطارفة
ــ 310ـ
ـ عبد العزيز المهداوي الجواهر اللئالي من فتاوى الشيخ سيدي عبد الكريم البلبالي
مطبعة دار هومه الجزائر الطبعة األولى سنة 2003
ـ عبد المجيد قدي صفحات مشرقة من تاريخ أولف تحت الطبع.
ـ فرج محمود فرج إقليم توات خالل القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميالديين
ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر الطبعة الثانية سنة 2007
ـ محمد باي بلعالم قبيلة فالن بين الماضي والحاضر وما لها من العلوم والمعرفة
والمآثر مطبعة دار هومة الجزائر الطبعة األولى سنة .2004
ـ محمد بن أب المزمري تحلية القرطاس بالكالم على مسألة تضمين الخماس
مخطوط بخزانة الحاج أحمد الشيخ األنصاري بأنزجمير
ـ محمد بن العالم الزجالوي النوازل مخطوط بخزانة بن عبد الكبير المطارفة
ـ محمد بن عبد الرحمان التنيالني أجوبة محققة النقول مهذبة الفصول مخطوط
خزانة بني تامر
ـ محمد بن عبد الرحمان التنيالني رفع الحجاب وكشف النقاب عن تلبيس الملبس
في ثبوت التحبيس بخط المحبس مخطوط بخزانة الحاج أحمد الشيخ األنصاري
بأنزجمير ضمن مجموع.
ـ محمد بن عبد الكريم بكراوي درة األقالم في أخبار المغرب بعد اإلسالم مخطوط
بخزانة الشيخ محمد باي بلعالم أولف.
ـ محمد بن عبد الكريم بكراوي درة األقالم في أخبار المغرب بعد اإلسالم مخطوط
بخزانة بن عبد الكبير المطارفة.
ـ محمد بن عبد الكريم المغيلي محمد بن عبد الكريم المغيلي أسئلة األسقيا وأجوبة
المغيلي عليها بذيل الحضارة العربية والتأثير األوروبي في إفريقيا جنوب
الصحراء لعبد القادر زبادية.
ـ محمد بن عومر البداوي نقل الرواة عمن أبدع قصور توات مخطوط بخزانة أبا
سيدي جعفري بودة.
ـ محمد بن امحمد البلبالي كشف النقاب والمساوي عن حكم مخدر البداوي مخطوط
بخزانة الحاج أحمد الشيخ األنصار بأنزجمير
ـ محمد الصالح حوتية إقليم توات واألزواد دار الكتاب العربي الطبعة األولى سنة
2007
ـ محمد عبد العزيز سيد عمر كتاب قطف الزهرات من أخبار علماء توات مطبعة
دار هومة الجزائر الطبعة الثانية سنة 2002
ـ موالي أحمد الطاهري نسيم النفحات من أخبار توات ومن بها من الصالحين
والعلماء الثقات تحقيق وتعليق موالي عبد هللا الطاهري تحت الطبع
ــ 311ـ
ـ موالي أحمد الطاهري نسيم النفحات في ذكر جوانب من أخبار توات ومن دفن
فيها من األولياء والصالحين والعاملين الثقات مخطوط بخزانة الشيخ عبد هللا
البلبالي كوسام
ـ موالي التهامي غيتاوي ،لفت األنظار إلى ما وقع من النهب والتخريب والدمار
بوالية أدرار إبان احتالل االستعمار ،منشورات ،ANEPالمطبعة الحديثة للفنون
الجميلة الطبعة األولى سنة .2006
ــ 312ـ
يهود توات في كتب النوازل الجزائرية
د /محمد عبد الحليم بيشي
كلية العلوم اإلسالمية ،جامعة الجزائر
تعتبرـ مسألة الوجود العارض لليهود في منطقةـ توات الجزائرية قضية
مهمة في التدافع الفكري واالجتماعي الذي كان يحياه المجتمع في فترة ما
بعد الموحدين بكل ما في ذلك التدافع من دالالت فقهية وسياسية راسمة
لصيرورة التاريخ الثقافي الجزائري.
كما يعد محمد بن عبد الكريم المغيلي صاحب تلك المبادرة في زحزحة
ذلك التواجد الذي نحا إلى خلخلة ميزان القوى في مجتمع أصفق أهله على
اإلسالم من أماد بعيدة ،حيث سعى المغيلي بتلك المبادرة الغريبة المماثلة لغربته
هو في زمانه والتي رامت إلى تغيير واقع من رجل عالم بالواقع ،من فرد عالم،
وليس من ملك حاكم في جنوب مسلم مسالم حيث الواحات الوارفة والنخيل
الباسقة التي ظللتها الديانة الخاتمة ،وآوى إليها المذهب المالكي الرشيد.
في هذه الورقة المقتصدة نستقرأ القضية من خالل دراسة الواقع في
الرمال الصحراوية ،وكذا استلهام المبادرة المغيلية ،وتتبع الرجع وتس ّمع الصدى
للفتاوى والمواقف العلمية والسياسية التي تراكبت وتراكمت في موضوع هدم
كنائس يهود توات ،وعالئق ذلك بالنصوص الشرعية األصيلة والتطبيقات
الفقهية المالكية ،وآثار ذلك في الدرس الفقهي المتعلق بأحكام أهل الذمة.
أوال ـ اإلطار الزمكاني للقضية
منطقةـ توات هي جزء من مثلث صحراوي في الجنوب الغربي
للجزائر الكبيرة ،هذا المثلث المتجانس ثقافياـ وبيئياـ وفكريا ،يضم كلا من
مناطق قورارة (دائرة تميمون ،أوقروت وقصورهما) ،وتوات (أدرار
ورقان) ،وأخيرا منطقة تيديكلتـ (عين صالح ،أولف ،أقبلي)(.)1
وهي مجموعة من الواحات المتواصلة والهضاب والسهول الواسعة
خلف العرق الغربي الكبير ،وهي مأهولة منذ آماد بعيدة بأجناس البربر ومن
لحق بهم من العرب والزنوج بعد الفتح اإلسالمي في القرن السابع الميالدي.
عاشت المنطقة وتقلبتـ أحوالها في ظل السلطة اإلسالمية المتعاقبة
وتمتعت بشيء من االستقاللية اإلدارية عن مراكز تلك السلط (المرابطين،
الموحدين) وذلك بحكم بعدها الجغرافي ،وصعوبة الوصول إليها ،وليس
األمر بدعا حيث ال نجد في كتب الفتوح األولى وال التاريخ ما يفيد بأن
جيوش الفتح اإلسالمي وطئت المنطقةـ( ،)2وإنما أسلم أهلها طواعية بإسالم
1
(?) فرج محمود فرج :إقليم توات ،الجزائر ،ديوان المطبوعات الجامعية ،1997 ،ص6
ــ 313ـ
من في جوارهم في الشمال ،ولكن االرتباـط الروحي والعالئق الحضارية
كانت كبيرة جدا مع حواضر الشمال.
عاشت الواحات التواتيةـ وضعا إداريا مستقال ،حيث يتقاسم السلطة فيها
كلا من شيوخ القبائلـ ومقدمي القصور والفقهاء القضاة الذين احتلوا الصدارة
في توجيه الحياة الفكرية والمعيشية للواحات بتأثير من غياب سلطة مركزية
واحدة.
الزماني للموضوع فهو المنتصف األخير من القرن التاسع أما اإلطار ّ
الهجري ـ الخامس عشر ميالدي ـ حيث بداية انهيار السلط الثالث التي
ورثت الموحدين وهي الحفصيون في تونس ،والزيانيونـ في الجزائر،
والمرينيون في المغرب .والبداياتـ المفصلية في التحرشات اإلسبانية
والبرتغالية بدول المغرب عقب سقوط غرناطة سنة (1492م)(.)1
لقد صاحب هذا التَّضعضع السياسي واالنقضاض الخارجي تدهور
مشين لألوضاع االجتماعيةـ للسكان خاصة مع تزايد الهجرة الكبيرة
للمورسيكينـ من المسلمين واليهود الفارين من عسف اإلجراءات الإسبانية
المرتبطة بمحاكم التفتيشـ ومراسيم التنصير التي سلطت عليهم بغية تحقيق
الوحدة الدينية لسكان إسبانيا عقب انتهاء حروب االسترداد الطويلة التي
بدأت مع سقوط طليطلة (478هـ1086/م) وتوسطت بسقوط قرطبة (633هـ/
1236م) ،وانتهت بسقوط غرناطة (897هـ1492/م)ثم احتالل وهران سنة(
1509م) لمدة فاقت ثالثة قرون متوالية(.)2
كل هذه األحداث دفعت إلى تغيراتـ سياسيةـ واقتصادية على بلدان
الغرب اإلسالمي التي خرجت من طور حضاري عالي األفق إلى طور آخر
متأخر في كل المناحي سماه فقيه الحضارة مالك بن نبي بعصر ما بعد
الموحدين( .)3وهو طور حوى متناقضاته الكاملة بين سلطه ومتساكنيهـ ،وفتح
توج باالستعماربابا جديدا للتبعية الحضارية والانكماش التاريخي الذي ّ
الحديث.
ثانيا ـ األوضاع العامة لتوات إبان النازلة
(?) عبد الرحمن الجياللي :تاريخ الجزائر العام ،ط ،7الجزائر ،ديوان المطبوعات 2
،2000ص108
(?) توفيق المدني :حرب الثالثمائة سنة بين الجزائر واسبانيا .الجزائر ،دار البصائر، 2
،2007ص.18
(?) مالك بن نبي :مشكلة األفكار في العالم اإلسالمي ،ط ،1بيروت ،دار الفكر.1992ص 3
.47
ــ 314ـ
لم تكن منطقةـ توات إبان النازلة المتعلقةـ بتواجد مجموعات قليلة من
اليهود بها منفصلة عن أوضاع المغرب اإلسالمي عموما إال من حيث غياب
سلطة مركزية بها ،وكذا انتفاء العالئق اإلدارية بسلطة الشمال ،أي الدولة
الزيانيةـ في تلمسان(.)1
إال أن الروابط الثقافية كانت قوية كما سيبدو من تحليل فتاوى النازلة،
ومن تتبعـ الرحالت العلمية للعلماء الذين كانوا يسيحون في الديار الجزائريةـ
معلمين ومرشدين للمجموع العام.
وكذلك تتجلى تلك العالئق في الحركة االقتصادية التي انتظمت بتجارة
القوافل من مدن الشمال كالجزائر ووهران وتلمسان وفاس وتواصلت
باألعماق اإلفريقيةـ في غاو وتمبكتو في مالي وسلطنةـ كانو بنجيرياـ(.)2
حيث نشط التبادل في تجارة الذهب والعبيد والملح والجلود والتمور(.)3
وهو ما جلب للواحات الواقعة في طريق القوافل السيارة شيئا من الرخاء
المالي والدعة االقتصاديةـ التي عضدتها الوفرة الزراعيةـ من النخيل
والزراعات الموسمية في بحر الواحات التواتية التي تزيد على ثالثمائة
وخمسين واحة.
في هذه الفترة كان التواجد الظرفي لليهود بتوات ،حيث إنه بضغط من
الهجرة المكثفةـ من اسبانيا على مدن الغرب تسللت مجموعات من اليهود إلى
تلك الواحات ،وحاولت إيجاد موطأ قدم فيها مستفيدة من تهلهل السلطة من
جهة أولى ،ومن الراحة المالية لتجارة القوافل من جهة أخرى.
و هو ما هيأ لهم وضعا ماليا مريحا دفع بهم قدما إلى السيطرة على
المقدرات المالية للواحات عن طريق اللعب على التناقضات المحلية ،والتحلّل
من مغارم عقد الذمة ،والتطلّع إلى إبراز هوية دينية مخالفة أزعجت اإلمام
المغيلي ،ودفعته إلى السير بمشروعه الرامي إلى الحد من تواجد اليهود إلى
تفهم أهداف مشروع المغيلي في نازلة اليهود دون الوقوف ال يمكنناـ ّ
على بعض التغيراتـ السياسيةـ واالقتصاديةـ واالجتماعية التي خلفتها الهجرة
المكثفة لليهود من اسبانيا إلى دول المغرب اإلسالمي.
(?) بوزياني الدراجي :نظام الحكم في دولة بني عبد الواد الزيانية ،الجزائر ،ديوان 1
،1983ص.51
ــ 315ـ
رصدت لنا كتب المؤرخين والرحالة والفقهاء شيئا عن التأثيرـ السلبي
لتلك الهجرة ،فاليهود وبحكم كونهم أقلية دينيةـ وعرقية سعوا دوما إلى نسج
عالقاتهم مع الدوائر المؤثرة كالحكام واألعيان وكبار التجار للحفاظ على
تواجدهم ومصالحهم ،وقد سعد نجمهم في كثير من البالطاتـ حيث وصل
فمما يذكر في األسباب المهمة لسقوط البعض منهم إلى المناصب التنفيذية(ّ ،)1
دولة المرينيين هو السيطرة اإلدارية السافرة لليهود على مقاليد الحكم ،حيث
كان الوزير األول للسلطان عبد الحق بن أبي سعيد يهوديا يسمى هارون،
وحاكم فاس يهودي آخر هو هارون ،وكما نشط متنفذون آخرون في دوائر
جمع المكوس والضرائب ،وهو ما قاد إلى ثورة ذهبت بالنظام القائم ،وأحلت
محله سلطة جديدة بقيادة مقدم الشرفاء محمد بن عمران اإلدريسي الذي أسس
أسرة الوطاسيين سنة 869هـ ـ 1465م(.)2
قريب من هذا األمر كان في البالط الزيانيـ حيث عمل بعض اليهود
في الدوائر المالية،ـ ويمكن استجالء ذلك من بعض اآلثار والنوازل المغربيةـ
المفيدة لسماح الحكام لهم بجبايةـ األموال وتحصيل الضرائب ،حتى قال أحد
الشعراء مع ّرضا بذلك الوضع السقيم في تلمسان مفضال الهجرة عنها بقوله:
ولكن لطف هللا نسأل في تـلمسان أرض ال تليـــق
القضـــا بحالنـــا
يـهود وفـجار ومن ليس وكيف يحب المرء أرضا يسوسها
()3
يرتضـى
ولم تسلم النواحي األخالقية من ذلك التأثير السلبي ،حيث نجد في ثنايا
النوازل ما يفيد مشاركة اليهود في الترويج للخمر والموبقات والتعامل بالربا
والنقود المغشوشة.
وفي شهادته على عصره يفيدناـ الرحالة محمد بن الحسن الوزان ليون
اإلفريقي (1550م) بأن اليهود نقلوا داء الزهري من اسبانياـ إلى مدن المغرب
بسبب تعاطيهمـ للبغاء هم ونساؤهم.
قال(( :وهذا الداء لم يشاهد قط ،ولم يذكر حتى اسمه ،لكن عندما طرد
الدوق فيرديناد ملك األسبان اليهود من بالده جاء كثير منهم إلى بالد البربر،
فظهر فيها هذا الداء ،وكان لعدد من أشقياء المغاربة اتصال جنسي بنساء
(?) مسعود كواتي :اليهود في المغرب اإلسالمي ،ط ،2الجزائر ،دار هومة ،2009 ،ص 1
.198
(?) عبد الرحمن الجياللي :تاريخ الجزائر العام ،ج2ص124 2
(?) رابح بونار :مقدمة مصباح األرواح للمغيلي ،الجزائر ،الشركة الوطنية للنشر 3
والتوزيع.1968 ،ص24
ــ 316ـ
هؤالء اليهود ،وهكذا انتشر قليال قليال في ظرف عشر سنوات حتى لم تعد
تسلم منه أية أسرة))(.)1
كما يفيدناـ المغيلي في توصيفه لوضع اليهود في توات بأنهمـ كانوا
يستغلون مهارتهم االقتصاديةـ في تكوين الثروات واالستعالء األدبي على
جيرانهم المسلمين بالتحّللـ من االلتزامات المالية المترتبة عن عقد الذمة.
فقال في ديباجةـ الفصل الثالث(( :فصل في ما عليه يهود هذا الزمان في أكثر
األوطان من الجرأة والطغيانـ والتمرد على األحكام الشرعية بتولية أرباب
الشوكة وخدمة السلطان ،فاليهود المذكورون كيهود توات وتيجوارين
وتافياللت ودرعة وكثير من األوطان بإفريقية وتلمسان قد حلت دماؤهم
وأموالهم ونساؤهم وال ذمة لهم.)2())....
هذه الوضعية السلبية والتأثير األخالقي المشين والنفوذ المالي المتنامي هو
الذي دفع بالمغيلي إلى إتمام شروعه في إجالء اليهود من توات ،فمن هو
المغيلي؟.
ثالثا ـ ترجمة المغيلي
إن المغيلي هو قطب الرحى وحجر الزاوية في هذه المعركة الفقهية
والسياسية التي تداولتها أرجاء المغرب اإلسالمي في القرن التاسع الهجري،
وتبارت فيها الفتاوى بين مؤيد لموقفه ومتوقف ومخالف .وقبل أن نتدارس هذه
اآلراء فال بد لنا أن نقف عند التعريف به وبآثاره ومواقفه السياسية ورؤاه
اإلصالحية.
هو اإلمام محي الدين أبو عبد هللا محمد بن عبد الكريم المغيلي
التلمساني( ،)3ولد بتلمسان في مطلع القرن التاسع الهجري ـ الخامس عشر
ميالدي ـ وبها أخذ العلوم النقلية والعقلية المتداولة في مدارس تلمسان العتيقة.
حيث أخذ العلم عن الشيخ يحي بن يدر (ت855هـ) .وسافر إلى الجزائر
حيث تتلمذ للشيخ عبد الرحمان الثعالبي(تـ875هـ) وبرع في علوم اللغة
والمنطقـ والعقيدة ،وأخذ وارتاض في بجاية على يد أبي العباس
الوغيلسي( ،)4وكان في الفروع مالكيا ،وفي العقائد أشعريا ،كما ذكر بأنه كان
(?) ليون اإلفريقي :وصف إفريقيا ،ط ،2بيروت ،دار الغرب اإلسالمي.1983 ،ج1ص 1
.84
(?) المغيلي :مصباح األرواح في أصول الفالح ص.53 2
(?) ابن مريم :البستان في ذكر العلماء واألولياء بتلمسان ،ص/253تعريف الخلف ج 3
1ص.196
(?) عبد الرحمن الجياللي :تاريخ الجزائر العام ،ج3ص.71 4
ــ 317ـ
سالكا على منهاج الطريقة القادرية المنتسبةـ للشيخ عبد القادر الجيالني(تـ
561هـ) في التصوف.
انتقلـ في أواخر القرن التاسع إلى الصحراء الجزائرية بحواضر توات
ـ أدرار الحالية ـ وهنالك برزت إمامته العلمية ،حيث درّس العلوم المتداولة،
وذاع صيته في قضية يهود توات وهدم بيعهم وكنائسهم،ـ وسافر إلى فاس
وحواضر المغرب ،ثم كانتـ رحلته الشهيرة إلى الممالك اإلسالمية في غرب
إفريقيا،ـ حيث تنقلـ بين ممالك كانو ـ شمال نيجيرياـ ـ وألف رسالة إرشادية
لملكها( )1ثم عاد إلى بالد التكرور ـ مالي ـ حيث عمل مستشارا في بالط
األسقيا محمد ( 1493ـ 1529م) ـ ملك سنغاي ـ وألف رسالة له في السياسة
الشرعية( ،)2ومكث بتمبكوتو معلما ومرشدا ومصلحا ،ثم عاد إلى توات بعد
مقتل ولده عبد الجبار على يد اليهود ،وهنالك توفي سنة(909هـ).
تتلمذ له كثيرون منهم في السودان الغربي الفقيه أيدا أحمد ،والعاقب
األصنمي ،ومحمد بن عبد الجبار الفجيجي ،كما كانت له مراسالت
()3
ومناظرات مع الجالل السيوطي(911هـ) في شرعية وأهمية علم المنطق .
وصفه مترجموه ومعاصروه بالقوة العلمية والمكانةـ األدبية،ـ فقال عنه
ابن مريم بأنه:ـ ((خاتمة المحققين العالمة المحقق الفهامة القدوة السني الحبر
أحد أذكياء العالم)).
ووصفه اإلمام السنوسي(895هـ) بأنه(( :القائم بما اندرس في فاسد
الزمان من فريضة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي القيام بها السيما
في هذا الوقت علم على االتسام بالذكورة العلمية والغيرة اإلسالمية وعمارة
القلب بشرف اإليمان))(.)4
ومما يدل على هذه الشخصية القوية تأثيرهـ القوي حيثما حل أو ارتحل
في بالد توات أو التكرور أو نيجيريا.ـ كما يتبينـ من تتبعـ المشروع
اإلصالحي للمغيلي في نازلة يهود توات.
مؤلفاته :خلف المغيلي آثار متعددة في مختلف العلوم الشرعية.منها:ـ
1ـ البدر المنير في علوم التفسير.
2ـ شرح على مختصر خليل ـ لم يتمه ـ سماه :مغني النبيل،ـ وصل به
إلى القسم بين الزوجات ،وحاشية عليه تسمى اإلكليل.
(?) التنبكتي :كفاية المحتاج ،ط ،1مصر ،مكتبة الثقافة الدينية،ـ ،2004ج2ص?.218 1
(?) المغيلي :أسئلة األسقيا وأجوبة المغيلي ،الجزائر ،الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، 2
1974
(?) التنبكتي :كفاية المحتاج ،ج2ص.294 3
(?) ابن مريم :البستان في ذكر العلماء واألولياء بتلمسان ،ص253 4
ــ 318ـ
3ـ إيضاح السبيل في بيوع أجال الخليل.
4ـ شرح بيوع اآلجال البن الحاجب المالكي.
5ـ تأليفـ في المنهيات.ـ
6ـ مختصر تلخيص المفتاح في البالغة ـ مع شرح له ـ
7ـ مفتاح النظر في علم الحديث على التقريب للنووي.
8ـ شرح جمل الخونجي في المنطق.ـ
9ـ منح الوهاب وهو منظومة في المنطق عليها ثالثةـ شروح .وذكر
ابن مريم أن والده شرحها.
10ـ تنبيه الغافلين عن منكر الملبسينـ بدعوى مقامات العارفين
11ـ شرح خطبة المختصر.
12ـ مقدمة في العربية.ـ
13ـ مصباح األرواح في أصول الفالح ـ في نازلة يهود توات ـ
14ـ فهرست المرويات.
15ـ أسئلة األسقيا وأجوبة المغيلي.ـ
16ـ مجموع شعري في مدح النبي ×.
17ـ تاج الدين فيما يجب على الملوك والسالطين.ـ
18ـ مجموع شعري في مدح النبي × (.)1
رابعا ـ اليهود ومقتضيات عهد الذمة
ال تعد نازلة يهود توات بالجزائر سابقة في الفقه اإلسالمي حيث
تحفل كتب الفقه واألحكام والفتاوى والنوازل والمجاميعـ ومصنفات السياسة
الشرعية بقضية استحداث المعابد غير اإلسالمية كالبيع والكنائسـ والصوامع
وبيوت النار في األمصار اإلسالمية.
ويمكن بنا أن نعود إلى تأصيل المشكلة من نصوص القرآن الضامنة
لحرية العقيدة لغير المحا ّدين والمحاربين ،والتي تقر بحق االختالف في الدين
في هذه الدنيا ،وتأجيل الجزاء ليوم الدين( )2كما في قوله تعالى :ﮋﭧ ﭨ ﭩ ﭪ
ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﮊ( ،)3ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ
ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﮊ( ،)4ﮋﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﮊ(.)5
(?) انظر الحفناوي :تعريف الخلف برجال السلف ،الجزائر ،موفم للنشر.1991ج1ص 1
.196
(?) محمد عبد الحليم بيشي :حرية المعتقد في اإلسالم ـ رسالة ماجستير أصول الدين ـ 2
ص43
(?) سورة يونس.99/ 3
ــ 319ـ
واألمر نفسه يسري على نصوص السنّة التي حملت نفس المضامين
األخالقية تجاه المخالفين في الدين ممن لم ينصبوا العداوة للمسلمين،ـ ولم
يتخندقوا في صفوف المتربصين بالدينـ واألمة ،حيث تحفل األحاديث
الصحيحة النظريةـ والتطبيقية بالوفاء ألهل الذمة والعناية بهم وحمايةـ
جوارهم ،والدفاع عنهم ،وعن حرماتهم ،وكفالة أحوالهم الشخصية وإثباتـ
أهليتهم المالية ،كما ضمنت لهم حرية اعتقادهم وعبادتهم ،وأعفتهم من الزكاة
والخدمة العسكرية،ـ وفي مقابل ذلك أوجبت عليهم ضريبةـ ماليةـ هي الجزية
التي يؤدونها ،وهي ضريبةـ مفروضة على القادرين يعفى منها العاجزون
والشيوخ والنساء واألطفال والمنقطعون للعبادة من الرهبان(.)1
وهذه الجزية منصوص عليها في قوله تعالى :ﮋﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ
()
ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮊ . 2
فهي عالمة على االلتزام بنظام الدولة التي يحيون في كنفها ،والصغار
هو التسليم وإلقاء السالح والخضوع لقوانين الدولة اإلسالمية ،فهي ال تحمل
معنى اإلكراه ،أو اإلذالل ،أوإنقاص الكرامة اإلنسانية( )3ويؤيد ذلك سنة النبي
× وتطبيقات خلفائه الراشدين ،وسيرة أصحابه في فتوح البلدان.
فمن النصوص القولية في السنّة ما يأتي:ـ
َأ
صهُ ْو َكلَّفَهُ قوله عليه الصالة والسالمَ« :أاَل َمنْ ظَلَ َم ُم َعا ِهدًا ْو ا ْنتَقَ َ
َأ
يجهُ يَ ْو َم ا ْلقِيَا َم ِة»(.)4
س فََأنَا َح ِج ُ ب نَ ْف ٍش ْيًئا بِ َغ ْي ِر ِطي ِق طَاقَتِ ِه َأ ْو َأ َخ َذ ِم ْنهُ َ
فَ ْو َ
ُوج ُد ِمنْ يح َها ت َ وقوله ×َ « :منْ قَتَ َل ُم َعا َهدًا لَ ْم يَ ِر ْح َراِئ َحةَ ا ْل َجنَّ ِة وَِإنَّ ِر َ
سي َر ِة َأ ْربَ ِعينَ عَا ًما»(.)5 َم ِ
ومن النصوص العملية في سيرة النبي عليه الصالة والسالم
أوال ـ عقد المدينة الذي ضمن لليهود حقوقهم وجعل لهم النصرة واألسوة
بالمسلمين ما داموا معهم .وقد وفى النبي × لهم بعهودهم حتى نقضوها هم
تباعا ،كما حصل مع بني قينقاع في السنة الثانية للهجرة ،وبني النظير في
السنة الرابعة ،وبني قريظة في السنة الخامسة عقب غزوة األحزاب(.)6
(?) عبد الكريم زيدان :أحكام الذميين والمستأمنين ،ط ،2بيروت ،مؤسسة الرسالة، 1
1988ص116
(?) سورة التوبة.29/ 2
(?) القرضاوي :غير المسلمين في المجتمع اإلسالمي ،ط ،4بيروت ،الرسالة،1985 ، 3
ص.31
(?) سنن أبي داوود :كتاب الخراج والفيء رقم/3052السنن الكبرى للبيهقي ج9ص.205 4
(?) البخاري :كتاب الجزية والموادعة رقم/3166سنن ابن ماجة :كتاب الديات رقم 5
.2686
(?) ابن القيم :زاد المعاد في هدي خير العباد ،ط ،1القاهرة ،دار ابن الهيثم ،2005 ،ج 6
1ص.475
ــ 320ـ
ثانيا ـ معاملتهـ × ليهود خيبر بعدما أخضعهم لحكمه وأقرهم في
أرضهم يعملون فيها بالخراج للدولة ،ونفس األمر سرى على يهود فدك
وتيماء ووادي القرى(.)7
ثالثا ـ عهده × ألهل نجران النصارى الذين دخلوا في عقد الدولة
اإلسالمية ،ففرض عليهم الجزية وأ ّمنهم على أموالهم وأعراضهم ومعابدهم،
اشيَتِ َها ِج َوا ُر هللاِ َو ِذ َّمةُ ُم َح َّم ٍد النَّبِ ِّي
ومما جاء في ذلك العهدَ « :ولِنَ ْج َرانَ َو َح ِ
َشي َرتِ ِه ْم ول هللاِ َعلَى َأ ْم َوالِ ِه ْم َوَأ ْنفُ ِ
س ِه ْم َو ِملَّتِ ِه ْم َو َغاِئبِ ِه ْم َوشَا ِه ِد ِه ْم َوع ِ س ِ َر ُ
ب ِمنْ ر َهبَانِيَتِ ِهَ ،والَ َكا ِه ٍن ِمنْ سقُفِيَتِ ِهَ ،والَ َرا ِه ٌ ُأ
سقُفٌ ِمنْ ْ ُأ
َوبِيَ ِع ِه ْم.الَ يُ َغيَّ ُر ْ
()1
َك َهانَتِ ِهَ ،والَ يحش ُرونَ َوالَ يعش ُرونَ . »...
ويمكن أن ندرج في السنة العملية عهود الصحابة ألهل البلدان
المفتوحة ،مثل عهد خالد بن الوليد ألهل الحيرة بالعراق،ـ وعهد عمر بن
الخطاب ألهل بيتـ المقدس ،وغيرها(.)2
وهي عهود حكمت العالقة بين المسلمين وغيرهم في قضاياهم العبادية
والقضائية والسياسية ،وإن طرأ عليها بعض االختالل في أحايين كثيرة فمرد ذلك
إلى العامل الخارجي بسبب استقواء بعض األقليات بالسلط الخارجية المتربصة
بدولة اإلسالم كالبيزنطيين في المشرق ،والدويالت اإلسبانية في األندلس ،وأخيرا
بجموع الصليبيين التي اجتاحت الشام في القرن الخامس الهجري(.) 3
ونفس األمر من العالقة الحسنة سري في بالد األندلس والمغرب ،حيث
ضمن المسلمون ألهل الذمة يهودا أو نصارى حقوقهم الدينية والمدنية ،إال أن
المالحظ أن المجاميع المالكية (مدونات ،كتب ،شروح) وكتب الظاهرية في
عمومها كانت متشددة في بعض أنواع المعامالت وصور الحياة ألهل الذمة،
وربما يعود ذلك إلى االنسجام المذهبي في بالد المغرب ،ووفرة المسلمين،
حيث اإلسالم هو دين األغلبية من السكان على خالف المشرق الذي كان يموج
بتجمعات عقدية مغايرة كاألقباط والصابئة والموارنة والكلدان والمجوس.
ومن جهة أخرى فإن سمة ذلك التش ّدد تعود إلى بعض السوابق المشينة
لمتصرفي أهل الذمة في األندلس خاصة إبان حروب االسترداد اإلسبانية(،)4
وهو ما جعل الفتوى الفقهية تنظر بعين الريبة لسلوكات المخالفين.ـ
(?) السهيلي :الروض األنف في شرح سيرة ابن هشام ،ط ،1دار إحياء التراث العربي، 7
2000ج7ص109
(?) أبو عبيدـ القاسم بن سالم :كتاب األموال ،بيروت ،دار الفكر1988 ،ص.244 1
(?) الطبري :تاريخ األمم والملوك ،ط ،1بيروت ،دار صادر.2000ج2ص56 2
(?) حسن الميمي :أهل الذمة في الحضارة اإلسالمية ،ط1بيروت ،دار الغرب اإلسالمي 3
.1998ص.81
(?) ابراهيم بوتشيش :إضاءات حول تراث الغرب اإلسالمي ،ط ،1بيروت ،دار الطليعة 4
.2002ص125
ــ 321ـ
ومن ذلك أن المرابطينـ نقلوا بعض النصارى من األندلس إلى بالد
العدوة المغربية ،فسئل الفقيه الشهيد ابن الحاج عن طلبهم بناء الكنائس أو بيع
في موضع استقرارهم ،فأجاب(( :إن هؤالء النصارى وصفوا بالمعاهدين،ـ
وذلك يقتضي ثبوتهم على ما سلف لهم من العهد والعقد والذمة ،والوفاء لهم
واجب مباح لكل طائفةـ منهم بناء بيعةـ واحدة إلقامة شريعتهم،ـ ويمنعون من
ضرب النواقيس))(.)1
تعتبرـ هذه النازلة مقدمة لحادثة يهود توات التي حصلت في القرن
التاسع الهجري ،الخامس عشر ميالدي إبان سقوط آخر مدن األندلس سنة (
1492م) وتهجير المسلمين واليهود على السواء بعد صدور مراسيم التنصير
القسري .مما جعل أعداد اليهود تتكاثر وتضغط بشدة على مدن المغرب
والجزائر ومنها إلى األعماق الصحراوية ،حيث وجد اليهود في الفراغ
السياسي والطفرة االقتصاديةـ لتجارة القوافل فرصة إلبراز ذاتهم الدينية ببناء
بيع جديدة في توات ،فوقع الخالف فيها بين فقهاء ذلك الزمان .وكان للمغيلي
قصب السبق في إثارة القضية وبعثها من جديد عن طريق استكتاب فقهاء
المالكية في الحواضر المغربية في إشكاليةـ بناء واستحداث الكنائس في بالد
مسلمة .ويمكنناـ أن نمايز الفتاوى الواردة والمواقف العلمية بناء على تحديد
محل النزاع وتوصيف النازلة إلى اتجاهينـ اثنينـ أولهما معارض للمغيلي
والثانيـ موافق له .وذلك بناء على اآلتي:
خامسا ـ الفتاوى والمواقف العلمية المانعة لهدم الكنائس
يجمع هذا الموقف العلمي كال من معاصر المغيلي قاضي توات أبو
محمد عبد هللا بن أبي بكر العصنوني(927هـ) وكذا عالم تلمسان ومفتيهاـ أبو
العباس أحمد بن زكري(900هـ) ومفتي تونس اإلمام الرصاع(894هـ) وفقيها
تلمسان أبو البركات بن أبي يحيى الغماري (910هـ)وعبد الرحمن بن سبع(.)2
ومدار هذا الموقف على تقرير وتوصيف العصنوني فيما كتبه
معارضا للمغيلي في منع هدم بيع اليهود المستحدثة في توات ،ويمكنناـ أن
نجمل ركائز هذا الموقف العلمي الفقهي فيما يأتيـ:
أ ـ تقرير الخالف في المذهب المالكي
يقسم السادة المالكية األراضي الإسالمية إلى ثالثة أصناف،ـ وهي:
(?) البرزلي :جامع مسائل األحكام ،ط ،1بيروت ،دار الغرب اإلسالمي .2002ج2ص 1
19
(?) الونشريسي :المعيار المعرب ،ط ،1بيروت ،دار الغرب اإلسالمي .1981ج2ص 2
.232
ــ 322ـ
األول :ما اختطه المسلمون بأنفسهمـ بناء وتأسيسا وإحياء وعمارة ،مثل
البصرة والكوفة والفسطاط،ـ والرأي الغالب هو منع استحداث أهل الذمة
لكنائسهم وبيعهم ،ألنها أرض إسالم خالصة.
الثانية :البالد المفتوحة عنوة ،وينحو المذهب إلى منع إحداث الكنائسـ
فيها أيضا ،إال أن اإلمام اللخمي(478هـ) نقل الخالف في ذلك عن ابن القاسم(
191هـ) في جوازه إذا أذن اإلمام الحاكم(.)1
الثالثة :البالد التي صولح أهلها عليها ،وهذه يجوز اإلحداث فيها
والبناء والتجديد حسب عقود الصلح الموقعة مع أصحابها(.)2
حيث ورد في المدونة في كتابـ الجعل واإلجارة(( :سألت مالكا هل
ألهل الذمة أن يتخذوا الكنائس في بالد اإلسالم .فقال :ال ،إال أن يكون لهم
شيء أعطوه ،وأما ما سكن المسلمون عند افتتاحهم وكانت مدائنهم التي
اختطوها مثل الفسطاط والبصرة والكوفة وإفريقية وما أشبه ذلك من ممالك
الشام فليس لهم إال أن يكون لهم شيء أعطوه فيوفى لهم .وقال مالك :أرى أن
يمنعوا من أن يتخذوا في بالد اإلسالم كنيسةـ إال أن يكون لهم عهد فيحملون
على عهدهم))(.)3
وعليه فالخالف منقول في البالد المختطة والبالد المفتوحة عنوة
ومادام األمر مختلفا فيه فدعوى اإلجماع ساقطة ،وكنائس اليهود داخلة فيما
تمكن به الفتوى داخل المذهب ،وال يعد صاحبها مفتياـ بخالف المنقول
ب ـ الفتاوى السالفة والعمل الجاري
استعان هذا الفريق المانع للهدم بالفتاوى السالفة من شيوخ المذهب،
ومن سكوت العلماء السابقينـ على تلك الكنائس ،ومن قبيل ذلك:
ـ فتوى ابن الحاج الشهيد(529هـ) بجواز بناء كنائس النصارى في
العدوة المغربية بعد انتقالهم إليها من األندلس بأمر من المرابطينـ وذلك
استصحابا لعقد ذمتهم.
وفي ذلك يقول العصنوني(( :وهؤالء أهل الذمة يغلب على الظن أنهم إنما
انتقلوا إلى البالد الصحراوية من مكان لهم فيه عهد إما لظلم أو غير ذلك))(.)4
(?) سحنون بن سعيد :المدونة الكبرى ،ط ،1القاهرة ،مكتبة الثقافة الدينية،ـ 2004ج3ص 3
.417
(?) المعيار المعرب ج2ص.215 4
ــ 323ـ
ـ نازلة تونس :وذلك في نصارى أحدثوا كنيسةـ في فندقهم ،وأقرهم
()1
القاضي بموجبات عهدهم في أن ال يحال بينهم وبين أن يبنوا بيتا لتعبدهم .
وفي ترسيخ مبدأ العمل الجاري ذهب الفقيه ابن أبي البركات إلى
التسليم بسنةـ السابقينـ الذين مضت دهورهم ولم ينكروا وجود هذه الكنائس
فقال(( :إن سكوت أهل زمان على أمر حجة ،فكيف بأزمنة ال يدرك لها
مبدأ ..،والحاصل الذي عليه االعتماد وإليه االستناد في هذه القضية أن ال
سبيل إلى هدم الكنائسـ بحال من األحوال))( .)2وأيده في استصحاب هذا الواقع
وإبقاء ما كان على ما كان لما سلف من عدم إنكار السابقينـ الفقيه عبد
الرحمن بن سبع التلمسانيـ.
ج ـ مقتضيات عهد الذمة ليهود توات
قام توصيف العصنوني ليهود توات بأنهمـ أهل ذمة ملتزمون بعهدهم
غير ناقضين لعقدهم ،بل إنه ناقض تقرير المغيلي بكونهم ضعفاء في هذا
الزمان أضر بهم العدم ـ وطلب في ذلك شهادة التجار الوافدين على توات ـ ،
واإلشكال العارض في الجزية في كونهم ال يدفعونها بانتظامـ فمرجعه إلى
العرف الساري في كونهم يدفعون شيئا من المال لشيوخ الواحات في
األعياد( ،)3كما أنهم يتضامنونـ مع السكان في الفتن والنوائب ،وهم يسكنون
في درب خاص بهم وكنيستهم في منازلهم ،ولم يبدر منهم العصيان
والخروج أو نقض العهد ،وبالتاليـ فال موجب لهدم كنائسهم.
وإذا كان األمر كذلك فاليهود أهل ذمة وعهد ،وبالتالي فال حجة
لمخاللفين كالمغيلي وغيره في هدم معابدهم ،خاصة وأن هؤالء يخطئون
ويخلطون في مفهوم عقدي هو المحبة والموالة حيث نسب المغيلي مخالفيه إلى
موالة الكفار ومحبتهم ،فقال العصنوني في تخطئة ذلك الفهم(( :إن المغيلي يرى
أن إقرارها ـ الكنائس ـ محبة لهم ولما هم عليه من الكفر ،وضرب المثل بآيات
قرآنية وأحاديث نبوية ينفّر بها من تقريرها واستنزل بها أكثر أهل البلد إلى
حب الكفر وأهله ،والمسلمون براء من ذلك بحمد هللا تعالى))(.)4
ونفس الملحظ في تخطئة المغيلي في مفهوم الوالية قدمه شيخ الجماعة
بفاس أبو عبد هللا بن غازي(919هـ) لما اطلع على رسالة مصباح األرواح وقرأ
ــ 324ـ
ما قرره المغيلي في تفسير قوله تعالى :ﮋﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ
()
ﭪ ﭫﮊ . 1 ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ
في أن من يتوالهم بالتعصب لهم فإنه منهم في حكم التكفير ،ورد ابن
غازي ذلك لأن الكفر ضد اإليمان وهو التكذيب،ـ وال تكذيبـ للمسلم هنا(.)2
وبناء على ما تقدم كان رأي مفتي توات العصنوني في إبقاء ما كان على
ما كان لعدم وجود إجماع في المسألة ،وخوفا من حصول فتن ،أو توقع مكروه،
فضال عن وجود سلف في المذهب لهم فتاوى مماثلة لنازلة يهود توات.
وأما المعاضد األهم فهو عالم تلمسان ومفتيها أحمد بن زكري الذي
عارض المغيلي ،وبنى رأيه على جملة تقريرات فقهية ومنطقية ،وقدم حكمة في
النازلة بقوله(( :هدم الكنائس المسئول عنها ال يجوز بمقتضى الشريعة المحمدية
على رأي المحققين في الفقه المالكي الناظرين به في القضية ،والتشغيب فيها من
عدم التحقيق في أصول المسائل العلمية)) ( ،)3ويمكن أن نوجز تقريراته فيما
يأتي:
أ ـ عقد الذمة :اليهود أهل ذمة سكناهم مع المسلمين فحيثماـ نزلوا في
أرض إحياء أو اختطاط جاز لهم إحداث بيعة،ـ لأن عقد الذمة قديم ،وهم ال
يعلم لهم حرب مع المسلمين للقول بنقض العهد ،وذمة المسلمين واحدة في
كل بالدهم ،ولهذا نص المالكية على جواز نقل الجزية من بلد إلى آخر(.)4
ب ـ إثبات الملك بالحيازة والتقادم :فالكنائس الموجودة قديمة ،وملك
الحائز تام بالتقادم(عشر سنين لألجانب وخمسا لألقارب)فهدم الكنائس القائمة
الموصوفة ظلم ألهل الذمة ال يجوز شرعا ،وال يتعرض لها ،ولو كانتـ
مبنيةـ في أرض يمنعـ فيها اإلحداث ،ألنه ال يستقيم االستدالل على وجوب
الهدم بمنعـ اإلحداث ،فما دل بعمومه وإطالقه مخصوص ومقيد بغير
المعاهدين والذميينـ إذا انتقلوا في بلد اإلسالم من موضع إلى موضع ولم
يخرجوا عن العهد والذمة فسكنوا فيه وأرادوا إحداث كنيسة إلقامة دينهم
فإنهم يمكّنون من بنائهاـ وال يمنعون منها ،وإنما يمنعون من إظهار ما ال
يجوز إظهاره كالقراءة وضرب النواقيس(.)5
ج ـ النص في المذهب :الخالف وارد في المذهب في األرض العنوية
والمختطة،ـ وإذا أجاز الحاكم وأذن في اإلحداث لمصلحة رآها ،أو الجماعة
(?) سورة المائدة.51/ 1
(?) رابح بونار :مقدمة مصباح األرواح في أصول الفالح لعبد الكريم للمغيلي.الجزائر، 2
ــ 325ـ
القائمة مقام اإلمام فإن ذلك من قبيل أن حكم الحاكم يرفع الخالف .فإذا أجاز
الحاكم اإلحداث لمصلحة رآها ،أو الجماعة القائمة مقامه كما في وضع توات
فإن هذا اإلذن يرفع الخالف كما هو النص في المذهب ،وفي ذلك يقول ابن
زكري(( :ومما يحتمل إذن جماعة المسلمين للذميين في اإلحداث وهي قائمة
مقام اإلمام في الموضع الذي ال إمام فيه ،أو تكون األرض محياة فملك
الذميون باإلحياء على القول بصحة إحياء الذمي في غير جزيرة العرب،
وهو مختار الباجي(494هـ) ،أو تكون األرض مختلطة وأذنت الجماعة
لمصلحة في اإلحداث هي أرجح من المفسدة ،ويصير ذلك كحكم من حاكم
في محل الخالف فيرفعه))(.)1
د ـ األمن من المفسدة في تغيير المنكر :يشدد ابن زكري في فتواه على
توافر شروط تغيير المنكر وتحقيق الوصفية به ،إذ أن المحل وهم المسلمون
وأهل الذمة سواء في توافر الشروط من العلم واإلجماع واألمن من حصول
مفسدة أو منكر أكبر منه ،وهدم الكنائس قد يؤدي إلى مفسدة القتل والقتال بين
المسلمين للخالف المذكور سابقا بين العصنوني ومخالفيه .هذا فضال على قتال
أهل الذمة الذين لم ينقضوا العهد هو حرابة وسعي في األرض بالفساد وهو
منهي عنه.
وخلص ابن زكري في توصيفه لوضعية يهود توات بأنها وضعية
أهل ذمة ال تخفر ذمتهم ،وال تنتقص حقوقهم في معابدهم ألنهم مجاورون
للمسلمين في األرض ،فال نص قطعي وال فتوى موحدة في منعهم من
مزاولة شعائرهم ماداموا ملتزمينـ بمقتضيات عقد الذمة.
قال(( :وأما كنائس البالد الصحراوية فأقرب شيء في تلك البالد أنها
مملوكة ألهلها باإلحياء واالختطاط ،ويبعد فيها أن تكون عنوية أو صلحية،
وال سبيل إلى هدم ما وجد فيها من كنائسـ))(.)2
أما الفقيه الثالث الذي أدلى بدلوه في هذا االتجاه المجيز لبقاء الكنائس
فهو مفتي تونس اإلمام الرصاع (894هـ) الذي منع أهل الذمة من اشترط
بناء الكنائسـ في عقود ما يشترونه من المسلمين من أراض مختطة جديدة،
فالمنع واقع ابتداء ،ولكن الملك إذا انتقلـ إلى أيديهم والتزموا بشروط الذمة
من دفع الجزية ومنع الضرر فإن ألهل الذمة أن يتصرفوا فيها ببناءـ ما
يحبون( .)3والمسكوت عنه في هذه الفتوى هو جواز دخول الكنائس فيما
يحب أهل الذمة بناءه من عدمه.
وفي نفس المسلك السابق كانت فتوى الفقيه التلمساني أبو زكريا بن أبي
البركات الغماري الذي منع هدم الكنائس اليهودية العتبارات أهمها ما يأتي:
ــ 326ـ
أ ـ قاعدة درء المفاسد مقدمة على جلب المصالح ،والمفسدة العظمى
في الهدم هي الهرج والفتن المؤدية لقتل األنفس وإشعال نار الحرب بين
الخلق ،وخوفا من استغالل أهل الفساد لذلك خاصة إذا تعلق األمر بقضية
دينية بين القلوب المشحونة بالضغائن.
ب ـ األثر األخالقي السيئ لما تورثه القضية من اختالف بين العلماء
وصيرورة األمر إلى الغيبة والتكذيبـ والقطيعة المترتبة عن االختالف
والجدل.
ج ـ النظر إلى المآالت :حيث سكت العلماء على كثير من المفاسد ال
جهال بها ،أو تقصيرا في إنكارها ،وإنما وقع التغافل عنها نظرا لعواقبها
ومآالتها.
د ـ التسليم بسنة السلف والعلماء السابقينـ الذين مضت دهورهم ولم
ينكروا وجود هذه الكنائس ((إذ سكوت أهل زمان على أمر حجة فكيف
بأزمنة متصلة ال يدرك لها مبدأ)).
ثم قال مصرحا بمنع الهدم(( :والحاصل الذي عليه االعتماد وإليه
االستناد في هذه القضية أن ال سبيل إلى هدم الكنائسـ بحال من األحوال ،لأن
ذلك على ما في السؤال حرام ال يسوغ شرعا ،وال يخالف في هذا أحد من
المسلمين ،والمعترض كذلك عاص ،وإن كانت المفسدة مأمونة في الموضع
الذي منه السؤال إذ ال يؤمن وقوع الفساد في غيره))(.)1
وقد أيده في هذه الفتوى المانعةـ للهدم الفقيه عبد الرحمن بن سبع
التلمساني،ـ الذي بنى تأييده على استصحاب الواقع وبناء ما كان على ما كان
لما سلف من عدم إنكار العلماء السابقينـ وهو دفعه إلى وصف المغيلي
والتعمق والتشغيب ،وهو ما يخالف سنة السابقين وختم فتواه المؤيدة ّ بالتشدد
()2
لرأي أبي البركات الغماري باعتبار المسألة مما ال يجوز الخوض فيه ،
()3
للنهي الوارد في قوله تعالى:ـ ﮋﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﮊ .
سادسا ـ الفتاوى والمواقف المؤيدة لهدم كنائس توات
وهي الفتاوى التي انتالتـ مؤيدة للمغيلي في مسعاه الرامي إلى وضع
قيود وحدود لما رأى أنه استعالء يهودي في ديار إسالم خالية من سلطة
مركزية قاهرة ،وكان أعالم هذه الفتاوى هم اإلمام محمد بن عبد هللا
التنسي(899هـ) وأبو عبد هللا السنوسي(895هـ) وأخيرا أحمد بن يحي
الونشريسي(911هـ) ،إضافة إلى صاحب المبادرة اإلمام المغيلي وتلميذه
محمد بن عبد الجبار الفجيجي.
(?) المعيار المعرب ج2ص231 1
ــ 327ـ
يمكننا أن نجمل ركائز مبادرة المغيلي في هدم كنائس توات إلى ما
يأتي:
أ ـ استعالء اليهود بما يفيد انتقاصهم من عقد الذمة الذي يوجب
صغارهم وذلتهم ،وهذا االستعالء والتعدي والطغيانـ والتمرد على األحكام
الشرعية مسبباته سياسية واقتصادية ناتجة عن تولية أرباب الشوكة والمال
لهم واصطناعهم في حوائج المسلمين ،وهو ما رفع عقيرتهم بإظهارـ بيعهم
وشعائرهم في ديار المسلمين(.)1
ب ـ النص الفقهي المذهبي في المدونة ،والبيان والتحصيل البن
رشد الجد(520هـ) ومختصر البرادعي(438هـ) بوجوب هدم الكنائسـ والبيع
المحدثة في بالد اإلسالم ومنها توات ،ونقل إنه إجماع المسلمين(.)2
ج ـ مقتضيات العقيدة الموجبة لمعاداة اليهود وعدم محبتهم والشدة
عليهم واجتنابهم كما هو منطوق اآلية :ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ
ﭛ ﭜﮊ(.)3
د ـ إجراء مفهوم الصغار في حقهم ومفهوم العزة في حق
المسلمين ،وهو ما يقتضي إخفاء شعائرهم ،ونبذ ما يخالف الشريعة
اإلسالمية .قال المغيلي(( :فإن نحن غلبناهمـ في دينهم نحملهم على إخفائه فهم
صاغرون ،وإن ملكوا مع ذلك القناطيرـ المقنطرة من الذهب والفضة ،ألننا
إذا غلبناهمـ على ذلك ،وكانت شعائر كفرهم قائمة اختل من صغارهم ما
أقاموه من دينهم))(.)4والمقتضى المتقدم للصغار هو منعهم من إحداث
الكنائس في دار اإلسالم.
هـ ـ النصوص الحديثية المانعة من إحداث الكنائس في بلد اإلسالم:
مما استدل به في المسألة أحاديث وآثار ضعيفة ،أو هي في غير
ودَّيٌة َوَال
موضوعها نحو قوله عليه الصالة والسالمَ« :ال تُْرَفُع ِفيكُْم َيهُ ِ
صَرانَِّيُة».
نَ ْ
اهِدُموا البِيََع».اهِدُموا الصََّوامَِع وَ ْ ما روي عنه × أيضاْ « :
()5
احَدٍة»
وقوله × أيضاَ« :ال َتكُونُ ِقبَْلَتانِ ِفي بَْلَدٍة وَ ِ
يسَة ِفي َد ِ
ار في ذلك ،كقولهَ(( :ال َكنِ َ والنقل عن عمر بن الخطاب
()6
)) المِ
اإلسْ َ
ِ
(?) المغيلي :مصباح األرواح ص.27 1
(?) سنن أبي داوود ،كتاب الخراج واإلمارة والفيء رقم.3022ج3ص.193 5
ــ 328ـ
و ـ الوضعية األخالقية المشينة لليهود في بالد المغرب واستغفالهم
المسلمين ،واعتمادهمـ أساليب المكر والدهاء للعتو والخروج من عقد الذمة
محادون للدين القويم.
ّ الموجب لذلتهم وصغارهم ألنهم
وقد ذكر المغيلي شواهد شعرية وأخرى واقعية ألخالقهم الفاسدة ،فمن
الشعر :كل العداوة قد ترجى مودتها إال عداوة من عاداك في الدين
ومن الواقع ذكر قصصا في يهودي مكلف بغسل ثياب القاضي فكان
يبول عليها،ـ وأخرى يهودية تعجن العجين بعد قتل القمل دون غسل
()1
يديها.....الخ
التحقق بالحب
ّ ز ـ الوضعية اإليمانية للمسلم التي تفرض عليها
الكامل للنبي × وبغض أعدائه ،وال أعدى له من اليهود ،وهو ما يوجب
البغض والعداوة لهم ،وهو في ذلك ينبز وينتقد علماء زمانه ويصفهم بعلماء
السوء :فما أكذب قوما يزعمون أنهم يؤمنون بالنبي × ويحبونه،ـ وهم مع
يقربون من أنفسهم وأهلهم أعداءه ،ويتولون أشد الناس عداوة له،
ذلك ّ
ويقاطعون ألجله أحباءه ،حتى أنهم يؤون اليهود إليهم ويحاربون العلماء
عليهم ﮋﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ
ﯹﯺﮊ(.)2
ح ـ العمل بسنة الخلفاء الراشدين ،وعلى رأسهم عمر في عهده
المنقول في الكتب الفقهية لنصارى الشام.و مما جاء فيه(( :وشرطنا لكم على
أنفسنا أن ال نحدث في مدائنناـ وال ما حولها ديارا وال كنيسة وال بيعة ولا
صومعة راهب ،وال نجدد ما خرب منها))(.)3
وعلى رأي المغيلي فإن العلماء أخذوا بهذا الكتاب وتواطؤوا عليه،ـ
واختلفوا فيما يكون به نقض العهد بأوصاف ذكروها وشروط استوفوها.
أما يهود توات فقد نقضوا العهد في رأيه مما يوجب حربهم
وإخراجهم ،وقال في ذلك(( :فكيف بيهود لم يأتوا وال بواحدة ،بل تمردوا
على األحكام الشرعية بسكنى البالد السائبة ،والتعلق بأربابـ الشوكة
(?) نفسه ص.38 1
(?) ابن القيم :أحكام أهل الذمة ،ط ،2بيروت ،دار العلم للماليين.1981ج2ص 3
/657المعيار المعرب ج2ص .237وهناك من شكك في الكتاب بكونه ليس كتاب عمر،
لعدم النص على المدينة المصالح عليها ،ولغياب شواهد تاريخية في تمييز أهل الذمة
باللباس في زمن عمر ذاته ،ولمخالفته عهود الفاتحين مثل عهود أبي عبيدة وخالد
وعمرو بن العاص.انظر صبحي الصالح :مقدمة أحكام أهل الذمة البن القيم ج1ص
/ 16محمد الغزالي :التعصب والتسامح بين المسيحية واإلسالم ط ،3القاهرة ،دار نهضة
مصر2003 ،ص.45
ــ 329ـ
والتعصب بأموالهم على من يتسبب من العلماء بإذاللهم ،فهؤالء ونحوهم ال
خالف في نقض عهدهم وقتلهم وسبيهم ،وهو حكم يسري على يهود توات
وتيجورارين وتافياللت ودرعة وكثير من األوطان بإفريقيةـ وتلمسان قد
حلت دماؤهم وأموالهم ونساؤهم ،وال ذمة لهم لأن الذمة التي ترفع السيف
()1
عنهم هي الذمة الشرعية ال الجاهلية))
ومن قبيل هذه الذمة الجاهلية دخولهم في خدمة ذوي السلطان فهذا
الفعل موجب لنقض العهد(( :فكل يهودي تعلق بخدمة سلطان أو وزير أو
وحل ماله ودمه ،لأن خدمة أرباب الشوكة ّ قاض كبير ،فقد انتقض عهده،
()2
مناقض لشرط الذمة من الصغار والذلة)) .
يعتبرـ اإلمام محمد بن عبد الجليل التنسي أهم شخصية علميةـ اعتضد
بها المغيلي في تحقيق مبادرته الرامية إلى الحد من نفوذ اليهود في
صحراء توات ،وقد ارتكز التنسي في فتواه المانعةـ من إحداث الكنائس على
ما يأتي:
أ ـ النصوص الحدثية المانعة من إحداث الكنائس ـ وهي في مجملها
نصوص ضعيفة ـ ومن ذلك:
اهِدُموا البِيََع»، اهِدُموا الصََّوامَِع وَ ْـ حديث أنس عن النبي ×ْ « :
المِ وََال ي َُجَّدُد َما ُهِدَم
اإلسْ َ
ث َكنِيسٌَة ِفي ِ حَد ُ
وحديث عمر عن النبي ×َ« :ال تُ ْ
()3
ِمنَْها»
المَِ ،وَال بُْنيَ َ
ان اإلسْ َ
صا َء ِفي ِ ـ حديث ابن عباس عن النبي ×َ« :ال ِخ َ
()4
كَِنيسٍَة ِمنَْها»
ب ـ التوارد الفقهي على المنع في كتب المذاهب المختلفة.
()5
ـ من المالكية أبو بكر الطرطوشي(520هـ) في كتابه سراج الملوك .
ـ أبو عبد هللا بن المناصف (620هـ) في كتابهـ اإلنجاد في آداب الجهاد.
ـ الحافظ ابن خلف الغرناطيـ في تنبيهـ ذوي األلباب على أحكام خطة
االحتسابـ.
(?) ابن قدامة :المغني ،ط ،1بيروت ،دار إحياء الثراث العربي.1405 ،ج9ص.286وهو 3
ضعيف اإلسناد.
(?) البيهقي :السنن الكبرى ،ـ ت محمد عبد القادر عطا ـ مكة ،دار عباس الباز، 4
(?) ابن حزم :مراتب اإلجماع ،بيروت ،دار الكتاب العربي ،ـ ت زاهد الكوثري ـ ص 1
.115
(?) المعيار المعرب ج2ص.240 2
(?) انظر صحيح البخاري :كتاب المغازي رقم/4248أبو عبيد :كتاب األموال ص.97 3
ــ 331ـ
الفتوى والشورى مثل نوازل ابن سهل(486هـ) وابن عبد البر(436هـ) في
الكافي(.)1
كما أيد رأيه بنص القرافي(684هـ) في الذخيرة ،وخليل(772هـ) في
التوضيح ـ شرح جامع األمهات البن الحاجب ـ ،وكذا عالم تلمسان قاسم بن
سعيد العقباني(871هـ) في رسالته "تحفة الناظر في تغيير المناكر" الذي أنكر
على يهود توات إخاللهم بواجبات عقد الذمة كالضيافة والجزية واألرزاق.
وفتوى حافظ المغرب أبو القاسم العبدوسي(749هـ) الذي اعتبر إحداث
الكنائس من اليهود في بالد اإلسالم أمرا موجبا لنقض عقد الذمة ،إذا لم ينتهوا
عنه يصيرون في حكم أهل الحرب وعلى خالف المصنفات المالكية المتأخرة
عضد التنسي رأيه بالفتاوى من المذاهب المغايرة ،حيث استظهر لرأيه بعلماء
الشافعية كابن المنذر وأبي حامد الغزالي(505هـ) ،ومن الحنفية بمختصر
القدوري الذي نص فيه(( :ال يجوز إحداث بيعة وال كنيسة في دار اإلسالم)).
وكذا عن الحنابلةـ والظاهرية ،وخلص إلى أن المسالة إجماعية،ـ
والواجب على كل من له قدرة من المسلمين أن يسعى في هدم الكنيسة
المسؤول عنها ـ أي كنائسـ توات ـ قدر طاقته ويبذل جهده في ذلك ما
استطاع ،إذ ذلك من أكبر الجهاد(.)2
وبعد هذه الفتوى الحازمة جاء تأييد اإلمام السنوسي لها فيما كتبه إلى
المغيلي مشيدا به وبعمله حيث قال(( :إلى األخ الحبيب في ذات هللا تعالى القائم بما
اندرس في فاسد الزمان من فريضة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي
القيام بها ال سيما في هذا الوقت علم على االتسام بالذكورة العلمية والغيرة
اإلسالمية ،وعمارة القلب بشريف اإليمان....فقد بلغنا أيها السيد ما حملتكم عليه
الغيرة اإليمانية ،والشجاعة العلمية من تغيير إحداث اليهود أذلهم هللا تعالى وأخمد
كفرهم للكنيسة في بالد المسلمين وإنكم حرضتم أهل تمنطيطت على هدم الكنائس
التي لليهود ببالدهم ،فتوقفوا من جهة من عارضكم في ذلك من أهل األهواء.فاعلم
يا أخي إني لم أر من وفق إلجابة هذا المقصد ،وبدل وسعه في تحقيق الحق،
وشفي غليل أهل اإليمان في هذه المسألة ،ولم يلتفت ألجل قوة إيمانه ونصوع
إيقانه إلى ما يشير إليه الوهم الشيطاني من مداهنة بعض من تتقى شوكته ويخشى
أن يقع على يده أضرار ،أو حط في المنزلة سوى الشيخ اإلمام القدوة الحافظ
المحقق أبي عبد هللا محمد بن عبد الجليل التنسي))(.) 3
ولما تحصل للمغيلي هذه األجوبة المؤيدة من التنسي والسنوسي سار قدما
في تحقيق مشروعه للحد من نفوذ اليهود ،فقام بإزالة كنيستهم في تمنطيط ،رغم
(?) ابن عبد البر :الكافي في فقه أهل المدينة المالكي ،ط ،2الرياض ،مكتبة الرياض 1
ــ 332ـ
أنه قوبل بمعارضة فقيهها وقاضيها العصنوني ،لكن الشيخ إبراهيم بن عبد الجبار
()
الفجيجي أعانه في عمله وحرض على المخالفين بأبيات شهيرة منها : 1
آن أن أبوح بالبعض والكل أيا ساكني توات أصغوا إلي قولي
فقد
أم القوم واليهود شكل على شكل أأنتم على دين النبي محمـــد
واإلسالم أولى أن يشرف في األصل فما بالكم شرفتموهم عليكم
فما الظن بالسفيه والناقص العقل فإذا كان هذا الرأي رأي فقيهكم
وبعد انفضاض األمر وانتهاء القضية التي اختلفت فيها أنظار فقهاء
العصر ،جاء صاحب المعيار اإلمام أحمد بن يحيى الونشريسي ليؤيد رأي
القائلين بإزالة بيع اليهود المستحدثة في بالد توات ،ألنها في بالد إسالم
تحقيقا فقال(( :الحق األبلج الذي ال شك فيه وال محيد عنه أن البالد التواتيةـ
وغيرها من قصور الصحراء النائيةـ المسامتة لتلول المغرب األوسط
المختطة وراء الرمال الملتهبةـ التي ال تنبتـ زرعا وال ضرعا بالد إسالم
باختطاط،ـ ال تتقرر للمالعين اليهود ـ أبعدهم هللا ـ فيها كنيسة إال هدمت
(.)2
باتفاقـ ابن القاسم والغير))
ال يمكنناـ في نهاية عرض الفتاوى المختلفة في هذه النازلة من أن نذكر
المواقف المتوقف فيها مثل فتوى فقيه فاس أبي مهدي عيسى بن أحمد
الماواسي(896هـ) الذي علق الهدم من عدمه على مسالة اإلذن باإلحداث
وتحقيق المصلحة ودرء المفسدة ،فإن كان هنالك إذن وفي لهم بذلك بمقتضى
عقد الذمة ،كما إذا رجحت المصلحة ،وهو أمر يعود إلى حاكم أو جماعة
المسلمين ،ومما قاله في ذلك(( :ومدن الصحراء ونحوها كلها راجعة إلى
االختطاط ،فإن شرط الذميون اتخاذ كنيسة لهم جاز إن كانت مصلحة ذلك
أعظم من مفسدته ،ويوفى لهم))(.)3
الخالصة
إن هذا الجدل الفقهي الذي ثار بين علماء المغرب اإلسالمي في نهاية
القرن التاسع الهجري في نازلة استحداث البيع لليهود الذين كان تواجدهم عارضا
في منطقة توات بالصحراء الجزائرية في أعقاب الهجرة التي تصاعدت بعد
حروب االسترداد االسبانية والتي انتهت بتهجير المسلمين واليهود على السواء
من األندلس يعكس رؤيتين مختلفتين في التنزيل الفقهي لدى فقهاء المالكية .أما
الرؤية األولى المجيزة إلحداث الكنائس فإنها راعت مقتضيات عقد الذمة الذي
يضمن لمنتسبيه من اليهود والنصارى حرية شعائرهم وعباداتهم داخل دار
(?) محمد باي بلعلم :الرحلة العلمية إلى منطقة توات ،الجزائر ،دار هومة ،ج1ص.85 1
ــ 333ـ
اإلسالم ما التزموا بشروط ومقتضيات العقد .حيث كانت دار اإلسالم الحاضنة
األولى لليهود في عصور االضطهاد والظلم الديني في أوروبا القرون الوسطى.
لكن الرؤية الفقهية المانعة من إحداث الكنائس في بالد توات راعت مقتضيات
حرمة الدين ووحدة الجماعة المسلمة في عصر تهاوت فيه الدويالت اإلسالمية
عقب سقوط الموحدين وبروز األطماع االسبانية والبرتغالية في بالد المغرب
اإلسالمي ،ولذلك فإنها كانت تنظر بكل ريبة ألي عمل يستشعر منه انتهاك
الدين ،أو انتقاص األرض ،أو تهديد سالمة الجماعة المسلمة ،وهو ما أدركه
المغيلي بحسه الفقهي والسياسي الثاقب الذي دفعه إلى الحد من تطاول الرأس
اليهودية في منطقة بعيدة عن أي سلطة مركزية قوية.خاصة وأن السلوك
اليهودي معروف بتقلبه وتلونه بحسب الغالب الوقتي.
وما نجح فيه المغيلي في مشروعه اإلصالحي فشل فيه الخلف بعد ثالثة
قرون حينما تقاطر اليهود إلى فلسطين وأنشئوا مستعمراتهم الصغيرة التي نمت
واشتد عودها واستوى ساقها حتى كانت نكبة فلسطين سنة(1948م).
إنها الفتنة التي إذا أقبلت عرفها العلماء الربانيون فقط ،وإذا أدبرت
وخلفت أثارها المشينة عرفها كل الناس ،فندموا والت حين مندم ،وهللا غالب
على أمره ولكن الناس ال يعلمون .انتهىـ
ــ 334ـ
فتوى اإلمام ابن زكري التلمساني
في مسألة يهود توات (دراسة وتحقيق)
الدكتور محند أو إدير مشنان
نائب مدير التعليم القرآني ،وزارة الشؤون الدينية
واألوقاف.
أستاذ كلية العلوم اإلسالمية جامعة الجزائر
الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم على سيدنا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين وبعد،
فإن من النوازل التي طرحت بقوة في القرن التاسع الهجري ،وشكلت
حدثا من أحداث الساعة وقتئذ ،هي قضية "يهود توات" ،وذلك أن اإلمام عبد
الكريم المغيلي( )1رأى أن اليهود قد استفحل أمرهم وقويت شوكتهم ،وأخذوا
يتحكمون في زمام األمور في أرض توات بالجنوب الجزائري ،فأفتى بقتالهمـ
وهدم معابدهم،ـ وعارضه في ذلك قاضي توات اإلمام العصنوني(.)2
(?) هو اإلمام محمد بن عبد الكريم المغيلي التلمساني ،اإلمام العالم العالمة خاتمة المحققين، 1
مع التفنن في العلوم والصالح في الدين ،اشتهر بمواجهته ليهود توات .أخذ عن الثعالبي
والسنوسي وجماعة ،وعنه الفجيجي وغيره ،من مصنفاته :ا لبدر المنير في علوم التفسير،
شرح بيوع اآلجال من مختصر ابن الحاجب ،شرج الجمل في المنطق وغيرها ،توفي سنة
909هـ.
انظر ترجمته في :دوحة الناشر البن عسكر ص ،130نيل االبتهاج للتنبكيتي ص 576ـ
،579البستان البن مريم ص 253ـ 257
(?) هو اإلمام أبو محمد عبد هللا بن أبي بكر العصنون ّي التّواتـ ّي ،ال ّشيخ ،الفقيه المتم ّكن، 2
تولّى قضاء توات ،وتص ّدر للتّدريس واإلفتاء بها م ّدة طويلة ،تنازع مع اإلمام مح ّمد بن
عبد الكريـم المغيل ّي في كنائس يهود توات ،فقررها عليهم العصنوني ،وأفتى المغيلي
بهدمها ،توفّي سنة 927هـ.
انظر :لقط الفرائد البن القاضي ص 288؛ نيل االبتهاج للتنبكتي ص576؛ الحركة
الفكريّة بالمغرب ( ،)2/631تعريف الخلف للحفناوي (.)1/170
ــ 335ـ
فأرسل المغيلي والعصنوني إلى تلمسان وفاس وتونس يستفتيان
()1
العلماء .فمنهم من وافق رأي المغيلي ،ومنهم اإلمامان السنوسي
والتنسيـ( ،)2ومنهم من لم يوافقه في كل ما قال كاإلمام ابن زكري التلمساني،
الذي أفتى بأن اليهود أهل ذمة ،وإذا التزموا بشروط العهد والذمة فال تهدم
عليهم بيعهم،ـ وإن أخلوا بشروط العهد والذمة انتفتـ حقوقهم.
وقبل تقديم الفتوى وتحقيقها ،أرى أنه من المفيد تقديم خالصة موجزة
عن سيرة ابن زكري فيما يلي:
() 3
التعريف بصاحب الفتوى ابن زكري التلمساني
اس مه ونس به :هو شــيخ اإلســالم اإلمــام أبو العبــاس أحمد بن محمد بن
زَك ِري المغراوي المانوي التلمساني المالكي ،ولد بين سنتي 920هـ و 925هـ.ْ
نشأته األولى :عـاش اإلمـام ابن زكـري طفولته يتيمـا ،اضـطر للعمل في
مهنة الحياكة لضــمان لقمة العيش ،إلى أن تعـرف عليه الشــيخ أبو العبــاس أحمد
بن زاغو وأعجب بمواهبه ،وتفرس فيه النبــوغ والقــدرة على التحصــيل العلمي،
فضمن له ما يساوي أجرته ،مقابل أن يتفرغ لطلب العلم ،ومن هنا بــدأت رحلته
العلمية.
شيوخه
1ـ أبو العباس أحمد بن محمد ،المعروف بابن زاغو التلمساني المتوفى عــام 845
هـ.
2ـ أبو الفضل القاسم بن سعيد العقباني التلمساني ،المتوفى سنة 854هـ.
(?) هو أبو عبد هللا محمد بن يوسف السنوسي التلمساني ،العالمة الصالح الفاضل الفقيه 1
المتكلم ،شيخ العلماء الجامع بين العلم والعمل ،أخذ عن أئمة منهم والده ،وابن مرزوق،
والعقباني ،والثعالبي ،وعنه الماللي وابن صعد وزروق وغيرهم ،له تآليف كثيرة منها عقائده
المتنوعة وشروحها ،إكمال شرح صحيح مسلم ،وشرح صحيح البخاري لم يكمله ،توفي
سنة 895هـ.
انظر ترجمته في :ثبت الوادي آشي ص 436ـ ،446نيل االبتهاج للتنبكتي ص 563ـ
،572البستان البن مريم ص 237ـ .248
(?) هو أبو عبد هللا محمد بن عبد هللا بن عبد الجليل التنسي التلمساني ،اإلمام الحافظ الفقيه 2
األديب ،أحد كبار علماء تلمسان ،أخذ عن أئمة منهم أبو الفضل العقباني ،وابن مرزوق
الحفيد وغيرهما ،وعنه ابن صعد ،وابن العباس الصغير ،والوادي آشي وغيرهم ،له كتاب
نظم الدرر العقيان في دولة آل زيان ،وتعليق على مختصر ابن الحاجب ،وفهرست ،توفي
سنة 899هـ.
انظر ترجمته في :ثبت الوادي آشي ص ،318الضوء الالمع للسخاوي ( ،)5/120نيل
االبتهاج للتنبكتي ص 572ـ ،573لبستان البن مريم ص 248ـ .249
(?) انظر ترجمته في :البستان البن مريم ص ،38تعريف الخلف للحفناوي ( ،)1/42ثبت 3
الوادي آشي ص ،418دوحة الناشر البن عسكر ص ،19الضوء اللامع للسخاوي ( ،)1/303
شجرة النور لمحمد مخلوف ( ،)1/267نيل االبتهاج للتنبكتي ص .129وقسم الدراسة من كتاب
"غاية المرام في شرح مقدمة اإلمام" البن زكري 1/150 ( ،ـ .)241
ــ 336ـ
3ـ ابن مرزوق الحفيد التلمسانيـ المتوفى سنة 842هـ.
4ـ أبو عبد هللا محمد بن العباس العبادي التلمساني،،ـ المتوفى سنة 871هـ.
5ـ أبو إسحاق إبراهيم بن علي اللنتي المعروف بالتـازي ،نزيل وهـران ،المتـوفى
سنة 866هـ.
6ـ أبو الفضل محمد بن محمد المش ّدالي المتوفى سنة 864هـ.
7ـ الشــيخ أبو زيد عبد الــرحمن بن محمد بن مخلــوف الثعــالبيـ الجعفــري
المتوفى سنة 875هـ .وغيرهم...
تالميذه
1ـ أبو عبد هللا محمد بن محمد بن العباس التلمساني،ـ المتوفى سنة 920هـ.
2ـ أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي المتوفى سنة 914أو 915هـ.
3ـ أحمد بن محمد بن محمد بن عثمان ،المعـروف بـابن الحـاج البيـدري المتـوفى
حوالي عام 930هـ.
4ـ أبو العباس أحمد بن محمد بن مرزوق المعــروف بحفيد الحفيــد ،المتــوفى
في حدود عام 930هـ.
5ـ أحمد بن أحمد بن أحمد بن عيسى البرنسي الفاسي الشــــهير بــــزروق،
المتوفى سنة عام 898هـ.
6ـ أبو جعفر أحمد بن علي بن أحمد بن داود البلوي الوادي آشي ،المتــوفى عــام
938هـ.
مؤلفاته
1ـ معلم الطالب بما لألح اديث من األلق اب :وهو النظم الــذي بين يــدي
القارئ ،وقد شرحه اإلمام أبو الحسن علي بن أحمد الحريشي المتوفى ســنة 1042
هـ.
2ـ محصل المقاصد مما به تعت بر العقائ د ،توجد منه نسخ مخطوطة
كثــيرة في مكتبــات مختلفــة ،وهو نظم طويل في علم الكالم يقع في نحو 1500
بيت ،وهو غزير العلم كثير الفوائد ،وقد اهتم الناس بحفظه وشرحه وتدريسه.
3ـ بغية الط الب ش رح عقي دة ابن الح اجب ،وقد حُ ِّق َق كرسـالة علمية في
إحدى جامعات المملكة المغربية ،كما خدمه صديقنا الدكتور عبد الرزاق دحمون.
قمت بتحقيقهـ لنيلـ درجة 4ـ غاية المرام في ش رح مقدمة اإلم ام ،وقد ُ
الماجستير في الفقه وأصوله.
5ـ مس ائل القض اء والفتي ا :ذكره أغلب من تــرجم البن زكــري ،وال
أدري هل ما يزال محفوظا في إحدى المكتبات ،أم صار في عداد المفقودات؟
6ـ أجوبته وفت اواه المختلف ة :نقل الونشريسي بعضــها في المعيــار
المعرب.
ــ 337ـ
وكانت له نشاطات ووظ ائف هامة منها ،التــدريس في مختلف مســاجد
ومــدارس تلمســان ،واإلمامــة،ـ إذ تــولى إمامة الجــامع األعظم في تلمســان،
واإلفتاء فقد تقلد رتبة مفتي تلمسان في وقته.
كما اجتمعت فيه جملة من األخالق والمحاس ن ،منهـــــا :الهمة العالية
والـشغف الكبير في طلب العلم ،والـذكاء ،والفطــنة ،وسـرعة الحفـظ ،والـروح
العلمية ،وشدة احترامه لشيوخه ،واالعتراف بالفضل ألهلــه ،والتواضـع ،والثقة
بالنفس ،وحرية الرأي واستقاللية الفكر ،والزهد والورع...
وأثنى عليه العلماء ،وشهدوا له بمكانته وفضله ،ومنهم شــيخه ابن زاغــو،
وشــيخه محمد ابن العبــاس ،واإلمــام السنونسي مع ما كــان بينهما من المنــافرة،
والونشريسي ،وأبو جعفر الوادي آشــي ،وقاضي بجاية أحمد بن الحــاج ،والحافظ
السخاوي ،وأحمد بابا التنبكتي ،وابن عسكر ،وابن مريم صـاحب البسـتان ،ومحمد
شقرون بن هبة هللا ،وأبو راس الجزائري المعسكري ...وغيرهم.
وفاة الشيخ ابن زكري
بعد حيــاة حافلة بــالعلم والعمل تــوفي في تلمســان في أوائل صــفر 900هــ
الموافق ألوائل ديســمبر 1494هـــ ـــ على الــراجح ـــ ودفن في روضة الشــيخ
السنوسي ،في مقبرة تسمى مقبرة القاضي ،وقبره مشهور هنــاك ،رحمه هللا تعــالى
ورضي عنه.
وفيما يلي عرض لفتوى اإلمام ابن زكري كما نقلها صاحب
المعيار(.)1
العصنوني فقها َء تلمسان وفاس]
ِّ [سؤال
قال الونشريس ّي :كتب صاحبنا الفقيه أبو مـح ّمد عبد هللا بن أبـي بكر
العصنونـ ّي من توات لفقهاء تلمسان وفاس ما نصّه(( :سيّدي رضي هللا تعالى
عنكم ،وأدام بمنّهـ عافيتكم،ـ ومتّع المسلمين بطول حياتكم.
صحراء ،وهي جوابكم الكريم في مسألة وقع فيها النّزاع بين طلبة ال ّ
()2
كنائس اليهود الكائنين بـ(توات) وغيرها من قصور الصّحراء ،فقد شغب
علينا فيها المغيلـ ّي وولده سيّدي عبد الجبّار( )3تشغيبا كاد أن يوقع في فتنة،
وذلك أنّـي أفتيت بتقريرها ،إذ سألني الفجيج ّي( )4عنها وعن فصول أخر في
)?( 1انظر :المعيار المعرب للونشريسي ( 2/214ـ .)217
)?( 2المراد بقصور الصحراء :أحياؤها وتجمعاتها السكانية.
)?( 3هو ابن الشيخ عبد الكريم المغيلي ،وقف مع أبيه في مناهضته ليهود توات ،ومات
مقتوال بسبب ذلك.
4
(?) هو عبد الجبّار بن أحمد البـرزوز ّ
ي الفجيج ّي ،الفقيه العالـم األديب الشاعر ,توسّع
في علوم القرآن والحديث ,من طبقة اإلمام ابن غازي ,أسّس ال ّزاوية العلميّة المعروفة
باسمه ,ووضع اللّبنة األولـى لـمكتبتها الحبسيّة ،توفي سنة 945هـ
ــ 338ـ
شأنهم مـ ّمـا أنكره عليهم وعلى الغالئف( ،)1وسأشيـر لكم إلى بعض جوابـي،
وهو ما يـخصّ الكنائس وما اعتـرض به علـ ّي ،لتنظروا فيه.
وذلك أنّـي طالعت ابن عرفة( )2فوجدته حصّل في بلد العنوة والّذي
اختطّه المسلمون ثالثةـ أقوال ،ث ّم تكلّم على حكم بالد الصّلح.
ث ّم طالعت ابن يونس( )3فوجدته تكلّم على تلك األقسام الثّالثة،ـ وأتى
بقول مالك في بلد اإلسالم( )4دليال على الحكم الّذي أسّسه في البلد الّذي
اختطّه المسلمون ،وذكر خالف الغيـر في بلد العنوة خاصّة.
ث ّم طالعت البـرزلـي( ) 5فوجدته ذكر ما ذكر ابن يونس بعد نازلة ابن
()6
الحاجّ
انظر :دوحة الناشر البن عسكر ص ،132جذوة االقتباس البن القاضي (ص)94/؛
فهرس الفهارس للكتاني (.)2/263
)?( 1الغالئف :اسم لبعض الجالية اليهودية التي كانت تقطن بتوات وقتئذ ،كما أخبرني
أحد األساتذة المهتمينـ بدراسة هذه الفترة من تاريخ الجزائر.
2
(?) هو اإلمام أبو عبدهللا محمد بن محمد بن عرفَة الورغمي ،أحد أعالم المالكية ،إمام
تونس وعالمها وإمام جامعها األعظم ،أخذ عن ابن عبدالسالم ومحمد بن هارون
والشريف التلمساني وغيرهم ،وعنه البرزلي ،وابن ناجي ،وابن مرزوق الحفيد ،وابن
ي وغيرهم ،من مصنفاته الشامل في التوحيد ،والمبسوط ،والمختصر واألِّب ّ
فرحونُ ،
الكبير في الفقه ،الحدود الفقهية ،توفي سنة 803هـ.
انظر :أنباء الغمر البن حجر ( ،)4/336غاية النهاية في طبقات القراء لشمس الدين
الجزري ( ،)2/243نيل االبتهاج للتنبكتي ص .463
ـي ،اإلمام الحافظ الفقيه النظار ّ ّ
الصّقل )?( 3هو أبو بكر مـح ّمد بن عبد هللا بن يونس ال ّت ّ
ميمي
فرضي ،أحد العلماء وأئمة الترجيح المالزمين للجهاد ،أخذ عن اإلمام أبي الحسن ّ ال
القصائري ،وأبي عمران الفاسي ،وأبي الحسن القابسي ،من مؤلفاته كتاب في الفرائض،
وكتاب الجامع لمسائل المدونة وغيره من األمهات ،وعليه كان اعتماد العلماء والطلبة ،تو ّفـي
سنة 451هـ.
انظر :ال ّديباج المذهب ()2/240؛ شجرة النّور ال ّزكيّة لمحمد مخلوف ( ،)1/111الفكر
السامي للحجوي (.)2/210
)?( 4يشير إلى ما ورد في المدونة ((( :)4/424هل كان اإلمام مالك يقول :ليس للنصارى
أن يحدثوا الكنائس في بالد اإلسالم؟ قال :نعم ،كان مالك يكره ذلك)).
5
(?) هو أبو القاسم بن أحمد بن المعتل البلوي القيرواني التونسي الشهير بالبرزلي ،أخذ
عن جـماعة منهم ابن مرزوق الجد ،والبطروني ،والزم ابن عرفة ،وأخذ عنه جـماعة
منهم ابن ناجي وحلولو والرصاع ،له ديوان كبير في الفقه ،والحاوي في النوزال ،توفي
عام 843هـ.
اـنـظرـ:ـ الـضـوءـ اـلـالـمـعـ لـلـسخـاـويـ (ـ)11/133ـ،ـ نـيـلـ اـالـبـتـهـاـجـ لـلـتـنـبـكـتـيـ صـ ،368ـ تـوـشـيـحـ
الـدـيـبـاـجـ لـبـدـرـ اـلـدـيـنـ الـقـراـفـيـ صـ .266ـ
)?( 6هو أبو عبد هللا محمد بن أحمد يعرف بابن الحاج ،اإلمام الفقيه الحافظ ،أخذ عن
محمد ابن فرج وابن رزق وغيرهما ،وعنه ابنه أحمد والقاضي عياض وابن بشكوال،
ــ 339ـ
في ذلك ،وذكر نوازل أخر في الكنائسـ بعد ذلك()1؛ وسأثبتـ منها شيئا بعد إن
شاء هللا.
فتأ ّملت ما في الكتب المذكورة ،إذ هي جـملة ما حضرنـي ،فسبق منها
أن الغيـر يـخالف في أن المد ّونة مـحمولةٌ على ّ إلى فهمي من كالم ابن عرفة ّ
بلد العنوة وفي البلد الّذي اختطّه المسلمون ،لتصريـحه بخالفه فيهما عن
اللّخمي( ،)2ولق ّوة ظنّي كأكمل شارح عليها،ـ لـمـا علم من كثرة تـحصيله
وسكوته ع ّمـا تض ّمنه ظاهرها من قصر خالفه على بلد العنوة.
ولـ ّمـا أن حصل عندي هذا الفهم الّذي قرّرته لكم ،وسبق أيضا إلى
أن المسألة المسؤول عنها هي مندرجةٌ في البلد الّذي اختطّه المسلمون، فهمي ّ
ّ
إذ معنى االختطاطـ عندي :البناء والتّأسيس ،أثبتت األقوال الثالثةـ وعزوتها
كعزوه؛ وقد كنت ـ وفّقكم هللا ـ رأيت في البـرزلـي ما نصّه :شرط المأمور به
أن يكون واجبا باإلجـماع ،وشرط التّغييـرـ أن يكون المنه ّي عنه مـحرّما
باإلجـماع ،فقلت لـهـذا إثر ذكري األقوال الثّالثةـ.
والصّواب عندي تقريها اتّباعاـ لقول الغيـر لـجـري العمل به في كثيـر
من مدن المغرب ،وهي مـ ّمـا اختطّه المسلمون في صدر اإلسالم وبعده،
وفيها العلماء متوافرون في ك ّل وقت ،وفيهم من ال يسكت على باطل؛ وكذلك
قواعد هذه الصّحراء قد ح ّل بها علماء فضالء ،وقد شاهدوا الكنائسـ فيها وهم
مـ ّمن يمتثلـ قولـهـم في األحيان،ـ وقد أنكروا أشياء على أهل ّ
الذ ّمة وعلى
غاليفهم ،ولـم ينكروا الكنائس في جـملة ما أنكروه.
ث ّم قلت :ولع ّل ما ذكرته في مدن المغرب من المسامـحـة لـهم فيها إنّما
كان ألمر أعطوه أو لغبّة الواّل ة ،أو أنكر العلماء فلم يسعفوا ،أو علموا أنّهم ال
يسعفون فتـركوا التّغييـر.ـ
=
= كان القضاء دائرا بينه وابن ابن رشد الجد ،وهو صاحب النوازل المشهورة ،وله أيضا
شرح خطبة صحيح مسلم ،والكافي في بيان العلم وغير ذلك ،توفي سنة 529هـ.
انظر ترجمته في :الصالة البن بشكوال ( 3/844ـ ،)845سير أعالم النبالء للذهبي (19/
614ـ ،)615شجرة النور الزكية لمحمد مخلوف (.)1/132
)?( 1انظر :جامع مسائل األحكام بما نزل من القضايا بالمفتين والحكام ،المشهور بفتاوى
البرزلي ( 2/17وما بعدها).
( 2ـ?ـ)ـ هـوـ أـبـوـ الـحـسـنـ عـليـ بـنـ مـحـمـدـ اـلـرـبـعـيـ الـشـهـيـرـ بـاـلـلخـمـيـ،ـ اـإلـمـاـمـ الـحـاـفظـ إـمـامـ
الـمـاـلـكـيـةـ فيـ وـقـتـهـ،ـ أخـذـ عـنـ اـبـنـ مـحـرزـ وـاـلسـيـوـرـيـ واـلـتـوـنـسـيـ وـغـيـرـهـمـ،ـ وـعـنـهـ الـمـاـزـريـ
وأـبـوـ الـفـضلـ بـنـ الـنـحـوـيـ واـلـكـالـعـيـ وـغـيـرـهـمـ،ـ مـنـ مـؤـلفـاـتـهـ تـعـلـيـقـ عـلىـ اـلـمـدـوـنـةـ سـماـهـ
الـتـبـصـرـةـ،ـ تـوـفـيـ سـنـةـ 478هــ.ـ
انظر :ترتيب المدارك للقاضي عياض ( ،)2/797وفيات ابن قنفذ ص ،258الديباج البن
فرحون (.)2/95
ــ 340ـ
فقلت :هذا بعي ٌد ،إذ لو كان شي ٌء من ذلك لعلم وسمع؛ ث ّم قلت :ولع ّل
()1
إذن الغالئف منذ قديم ال ّزمان لـهم يتن ّزل منزلة العهد الّذي ذكره ابن القاسم
في قوله :إاّل أن يكون لهم عه ٌد فيوفّـى به()2؛ وفي لفظ آخر :أمر أعطوه؛
وحـملني على هذا النّظر نازلتانـ ذكرهما البـرزلـي:
أوالهما :البن الحاجّ ،إذ قال :ما طلبه النّصارى ال ّداخلون من العدوة
من بناء بيع وكنائس في موضع استقرارهم.
فأجاب(( :هؤالء النّصارى وصفوا بالمعاهدين ،وذلك يقتضي ثبوتهم
على ما سلف لهم من العهد والعقد من ّ
الذ ّمة ،والوفاء لهم واجبٌ ،مبا ٌح لك ّل
طائفة منهم بيعةٌـ واحدةٌ إلقامة شريعتهم ،ويمنعون من ضرب النّاقوسّ ،
ألن
أميـر المؤمنين أمر بنقلهم من جزيرة األندلس للخوف منهم والحذر
للمسلمين؛ ورأيت لبعض المالكيّيـنـ نحوه ،وهو الصّحيح عندي.
وتـميّزت هذه المسألة ع ّما اختلف العلماء فيها قديما وحديثا من
المالكيّيـن وغيرهم ،فلم أر لذلك الختالفهم هنا وجها)) .انتهى(.)3
يشيـر إلى ما وقع من الخالف في كتاب الجعل واإلجارة منها()4؛
فانظروا ـ وفّقكم هللا ـ كيف جعل العهد السّابق موجبا لبنائهم في المكان الّذي
الذ ّمة يغلب على الظّ ّن أنّهم إنّما انتقلوا إلى البالد
انتقلوا إليه ،وهؤالء أهل ّ
صحراويّة من مكان لـهم فيه عه ٌد إ ّما لظلم أو لغيـر ذلك. ال ّ
أن النّصارى أحدثوا في فندقهم وجعلوا والثّانية :وقعت بتونس،ـ وهي ّ
عليها شيئا يشبه الصّومعة ،فطلبوا بذلك ،فأتوا بكتاب العهد ،فوجد فيه :أنّه ال
يـحال بينهمـ وبين أن يبنوا بيتاـ لتعبّداتهم ،واعتذروا ع ّما رفعوه بأنّهـ للضّوء،
فبعث القاضي إليه فوجده لذلك.
أن لـمن له األمر أن يأذن فيها ببلد وهذه أيضا ـ حفظكم هللا ـ تقتضي ّ
اإلسالم لـمن نزلها من الكفّار(.)5
1
(?) هو أبو عبدهللا عبدالرحمن بن القاسم بن خالد العتقي المصري ،أخذ عن اإلمام مالك
الح َك ِم ويحيى
والليث بن سعد ومسلم ابن خالد وغيرهم ،وعنه أصبغ وسحنون وابْن َع ْب ِد َ
بن يحيى الليثي ،توفي سنة 191هـ.
انظر :ترتيب المدارك للقاضي عياض ( ،)2/433تذكرة الحفاظ للذهبي ( 1/356ـ ،)357تهذيب
التهذيب البن حجر ( .)6/252
للبرا ِذع ّي (.)3/361
(?) المدونة ( ،)4/424وانظر أيضا :تهذيب المدونة َ 2
(?) انظر :فتاوى البرزلي ( ،.)2/20وانظر أيضا :الدرر المكنونة في نوازل مازونة 5
ألبي زكريا يحيى المازوني ،مخطوط المكتبة الوطنية بالجزائر ،رقم ،1335الجزء
ــ 341ـ
وهو أيضا ظاهر قولها(( :إاّل أن يكون لهم أم ٌر أعطوه))( ،)1والغالئف
يشبه أن يكونوا كذلك ،ألنّهم إنّما نزلوها بأمرهم مع تقرير علمائهم لذلك منذ
قديم ال ّزمان.
إن هدمها واجبٌ ،وقال :ال يعلم فيها خالفا، وخالفني المغيـلـ ّي ،وقالّ :
وقال :ال يفتي بتقريرها إاّل دجّالٌ؛ وكان هذا الجواب هو رأي السّائل
الفجيجي ،ونفيا الخالف الّذي نقلته ،وقاال :إنّه ليس بموجود في النّازلة.
ي في بعض األوقات على رؤوس األشهاد ي ّدعي اإلجماع والمغيلـ ّـ
ويقول لـمن يدعوه إلى هدمها :تهدم وإن أ ّدى إلى قطع الرّؤوس ،ومن مات
مـ ّمن يريد هدمها فهو من أهل الجنّة ،ومن اآلخرين فهو من أهل النّار.
وحكم على من منع من هدمها بالنّار ،ألنّه رفع دين الكفر ونصره
وقرّر بيتاـ يسبّ فيه رسول هللا × ،ونحو هذا من التّغليظ.ـ
وقال مرّة لـمن يـخاطبه وهم كثيـرون(( :هذه الجنّة وهذه النّار)) ،يشيـر
إلى مكانين من األرض(( ،من هدمها فله الجنّة ،ومن حماها فله النّار)).
وقال في ذلك الموطن وفي غيره(( :هذه مـحبّة رسول هللا × ،وهذه مـحبّة
أن تقريرها مـحبّةٌ لهم ولـمـا هم عليه اليهود ،فاختاروا أيّهما شئتم)) .يشيـر إلى ّ
من الكفر ،أعاذنا هللا وإيّاكم من ذلك ،ونحو هذا من األمثلة ،وضرب األمثال
بآيات قرآنيّة وأحاديث نبويّة ينفّر بها من تقريرها ،استنزل بها أكثر البلد
بنسبتهم إلى حبّ الكفر وأهله ،والمسلمون برا ٌء من ذلك بحمد هللا تعالى.
()3
واحتجّا على ما ا ّدعياه من االتّفاق بنصّ ابن شاس( )2وصاحب البيانـ
األول (.)196
(?) المدونة ( ،)4/424تهذي المدونة للب َرا ِذع ّي (.)3/361 1
2
(?) هو جـمال الدين عبدهللا بن نجـم بن شاس الجذامي المصري المالكي ،العالمة الفقيه
شيخ المالكية ،سمع من عبدهللا بن بري النحوي ،ودرس بـمصر وأفتى وتخرج به
األصحاب ،ومات شهيدا بثغر دمياط سنة 616هـ ،من مؤلفاته المشهورة عقد الجواهر
الثمينةـ في فقه أهل المدينة.
انظر :البداية والنهاية البن كثير ( ،)13/86سير أعالم النبالء للذهبي ( ،)22/98الديباج البن
فرحون (.)1/390
3
(?) هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي المالكي ،زعيم فقهاء وقته بأقطار
األندلس والمغرب ،تفقه بابن رزق وابن فرج وجـماعة ،وعنه ابنه أحمد والقاضي
عياض وغيرهم ،تصانيفه كثيرة أهمها البيان والتحصيل ،والمقدمات المـمهدات ،توفي
سنة 520هـ.
انظر :سير أعالم النبالء للذهبي ( ،)19/501الديباج البن فرحون ( ،)2/229بغية الملتمس
البن عميرة الضبي ص .51
ــ 342ـ
ع(.)1إن ملك موضعها إ ّما أن يكون ببيع أو غيره ،وكالهما مـمنو ٌ فقاالّ :
أن الغيـر يـخالف فيما اختطّه المسلمون تـمسّكا وتعقّب ما ذكرتهّ :
ي( ،)3فإنّه ذكر قول مالك في بالد بظاهرها( ،)2السيما اختصار البرا ِذعِ ّ
اإلسالم ،وذكر قول ابن القاسم في البلد الّذي اختطّه المسلمون(.)4
فأطلعتهماـ على نصّ ابن عرفة.
أ ّما المغيلـ ّي فتأ ّمله ما شاء ،ث ّم أجابني بأن قال :ما اختطّه المسلمون
ليس كما فهمته ،بل هو البلد الّذي أذن اإلمام في بنيانه بعد الفتح ليسكنهـ
المسلمون مع الكفّار؛ ومرّة قال :البلد الّذي أخذه المسلمون ث ّم سكنه المسلمون
معهم ،ومسألة النّزاع :البلد الّذي بناه المسلمون ألنفسهم ث ّم نزل أهل ّ
الذ ّمة
عليهم.
فقلت له :كالم ابن عرفة ال يعطي ذلك ،ألنّه قال(( :فسكنوه معهم))،
الذ ّمة بعد اختطاط المسلمين شي ٌء واح ٌد. أن سكنى أهل ّ وهو مقتض ّ
أن بلد اإلسالم والبلد الّذي اختطّه المسلمون شي ٌء وكالمه أيضا مقتض ّ
واح ٌد القتصاره على أحدهما ،وذلك ظاه ٌر من اختصار ابن يونس
ألن تلك المدائن صارت أهل اإلسالم))( )5يوضّح فساد لـ(المد ّونة)؛ وقولهاّ (( :
ّ
تأويله؛ ولو ص ّح لكانتـ مسألة النّزاع لـم يتكلم عليها ابن عرفة بوجه ،وهو
(?) لم أقف على كالم ابن رشد وابن شاس في مظانه. 1
(?) يقصد بظاهر المدونة قوله فيها ((( :)4/242فأما ما سكن المسلمون عند افتتاحهم، 2
وكانت مدائنهم التي اختطوها مثل الفسطاط والبصرة والكوفة وإفريقية وما أشبه ذلك من
مدائن الشام ،فليس لهم ذلك إال أن يكون لهم شيء أعطوه فيوفى لهم به ،ألن نلك المدائن
صارت ألهل اإلسالم مال يرثون ويبيعون ،وليس ألهل الصلح فيها حق ،فقد صارت
مدائن ألهل اإلسالم وأمولهم)).
(?) هو أبو سعيد خلف بن أبي القاسم األزدي القيرواني ،الشهير بالبَ َرا ِذ ِع ّي ،الفقيه اإلمام 3
العالم ،من حفاظ المذهب المالكي ،ومن أكابر أصحاب ابن أبي زيد القيرواني وأبي
الحسن القابسي ،له تآليف منها التهذيب في اختصار المدونة،ـ واختصار الواضحة ،كان
حيا بعد سنة 430هـ.
انظر ترجمته في :سير أعالم النبالء للذهبي ( ،)17/523الديباج البن فرحون ( 1/344ـ 351
).
(?) انظر :تهذيب المدونة للب َرا ِذع ّي ( ،)3/361فقد جاء فيه ما يلي(( :وليس ألهل الذمة 4
أن يحدثوا في بلد اإلسالم كنائس ،إال أن يكون لهم أمر أعطوه.
قال ابن القاسم :ولهم أن يحدثوا في بلد صولحوا عليها ،وليس لهم ذلك في بلد العنوة،
ألنها فيء ليست لهم...
وما اختطه المسلمون عند فتحهم وسكنوه ،كالفسطاط والبصرة والكوفة وإفريقية وشبهها
من مدائن الشام ،فليس لهم إحداث ذلك فيها ،إال أن يكون لهم عهد فيوفى به ،ألن تلك
المدائن صارت ألهل اإلسالم دون أهل الصالح)).
(?) سبق توثيق هذا النص من المدونة (.)4/424 5
ــ 343ـ
مؤ ّد إلى قصوره في إغفاله مسألة ي ّدعي المنازع أنّها شهيـرة ال تـخفى على
أحد ،وأنّها إجـماعيّة.ـ
وأيضا :مالك وابن القاسم إنّمـا منعا من اإلحداث بغيـر أمر ،ومسألتنا
يتقرّر لها استنادا لقول ،أو لقوله وقول ابن القاسم على ما أشرنا إليه من
احتمال الوفاق.
بأن المنع إنّمـا هو معوأجبت ع ّما أورده من منع بيع مكانها أو هبته:ـ ّ
التّعييـن لذلك ،وال نسلّم المنع مطلقا.
هذا خالصة الخالف الّذي وقع بيننا في الكنائس.ـ
الذ ّمة بأوصاف توجب أن الفجيجي وصف في سؤاله أهل ّ واعلم سيّدي ّ
أن يكونوا ناقضين للعهد ،ونحن يا سيّدي ال نعرفها ،السيما يهود مدينة
(توات)؛ وغاية ما وقع منهم عند إهمال الغالئف لهم ما يوجب ال ّزجر أو
األدب ،بل هم عند تفطّنهمـ وزجرهم في غاية ّ
الذلّة والصّغار؛ وأ ّما الجزية
فلهم عوائد من قديم ال ّزمان مع األشياخ في األعياد وسائر النّوائب من الفتن
وغيرها من ضيافات العرب وغيرهم؛ ومرّة لو فضّ ذلك زاد على القدر
الواجب ،ومرّة ينقص،ـ ومرّة يساوي ،ويظلمون كثيـرا ،ولو وجدوا العدل
لهان عليهم القدر الواجب وأكثر منه.
الذ ّمة يتحقّقه ك ّل تاجر قدم (توات) من وك ّل ما قلناه من وصف أهل ّ
أهل بلدكم ،بل ضعفوا في هذا ال ّزمان وأض ّر بهم العدم.
أن يهود توات لهم دربٌ اختصّوا به ،وليس في خارجه واعلم يا سيّدي ّ
إاّل قلي ٌل منهم ،وكنيستهم بين دورهم ،ال تالصق دار مسلم.
جوابكم ولكم األجر ،والسّالم عليكم والرّحـمة والبـركة)).
()1
[جواب اإلمام أبي العباس أحمد بن زكري]
فأجاب فقيهـ تلمسانـ ومفتيهاـ أبو العبّاسـ أحـمد بن مـح ّمد بنـ زكري
بماـ ن ّ
صه:ـ
الحمد هلل.
الجواب عن السّؤال المكتتبـ في الورقتيـن قبل هذا هو أن نقول :هدم
الكنائس المسؤول عنها ال يـجوز بمقتضى ال ّشريعة المح ّمديّة ،على رأي
المحقّقين في الفقه المالك ّي ،النّاظرينـ به في القضيّة ،والتّشغيبـ فيها من عدم
التّحقيق في أصول المسائلـ العلميّة،ـ فيغتـ ّر المشغب في المسألة بظاهر
عمومات هي مـخصوصةٌ ،وكذلك المطلقات من النّصوص وهي مقي ٌ
ّدات،ـ
(?) انظر نص الجوب في المعيار المعرب للونشريسي ( 2/217ـ ..)225 1
ــ 344ـ
الذ ّم ّي كنيسة في بلد اإلسالم ،وموضوع قضيّة أن موضوعها إحداث ّ على ّ
ّ
النّزاع هدم ما وجد من الكنائس مبنيّا مـحوزا بيد الذ ّمييـن دهرا طويال ،ولـم
ينكر عليه أح ٌد من المسلمين؛ـ وال يد ّل منع اإلحداث على وجوب هدم المبنىـ
المحوز على الوجه الموصوف بشيء من ال ّداللة الثّالث؛ ولهذا [رأى] ال ّشيخ
بأن الظّاهر من قول ابن القاسم وغيره ّ
أن القديم من أبو الحسن اللّخمي ّ
الكنائس يتـرك وال يهدم؛ وكذا قال صاحب الجواهر((( :)1ال نتعرّض
لكنائسهم))( ،)2مع قوله بعد هذا(( :فإن كانوا في بلدة بناهاـ المسلمون فال
يم ّكنون من بناء كنيسة)) (.)3
ي من الكنائسـ القديمة ال يتعرّض له، وال فرق إاّل ما قلناه من ّ
أن المبن ّـ
وإن كان في موضع يمنعـ فيه اإلحداث ،فال يستقيم االستدالل على وجوب
الهدم بمنعـ اإلحداث.
على أنّا نقول :ما د ّل منها بعمومه وإطالقه مـخصوصٌ ومقيّ ٌد بغيـر
والذ ّمييـنـ إذا انتقلوا في بلد اإلسالم من موضع إلى موضع ،ولـم المعاهدين ّ
والذ ّمة ،فسكنوا فيه وأرادوا إحداث كنيسةـ إلقامة دينهم، يـخرجوا عن العهد ّ
فإنّهم يم ّكنون من بنائها وال يمنعون منها،ـ وإنّمـا يمنعون من إظهار ما ال
يـجوز إظهاره ،كالقراءة وضرب النّواقيس(.)4
وعلى هذا بنى ابن الحا ّج في مسألة النّصارى الرّاحلين من العدوة
بأمر أميـر المسلمين إلى موضع استقرّوا فيه وطلبوا بناء كنائسـ في موضع
استقرارهم ،فقال(( :هؤالء النّصارى وصفوا بالعهد ،وذلك يقتضي ثبوتهم
على ما سلف من العهد والعقد من ّ
الذ ّمة ،والوفاء لهم واجبٌ ،فيباح لك ّل
طائفة منهم بناء بيعة واحدة إلقامة شريعتهم ،ويمنعون من ضرب النّواقيس،
ألن أميـر المؤمنين أمر بنقلهم للخوف منهم والحذر للمسلمين؛ قال :ورأيت ّ
لبعض المالكيّيـنـ نحوه ،وهو الصّحيح عندي...
ث ّم قال :وتـميّزت هذه المسألة ع ّما اختلف العلماء فيه قديما وحديثا من
المالكيّة وغيـرهم ،لـم أر لذكر اختالفهم هنا وجها))(.)5
قلت :وأنا ال أرى لـهدم الكنائس المسؤول عنها وجها.
(?) هو اإلمام ابن شاس صاحب كتاب "عقد الجواهر الثّمينةـ في مذهب عالـم المدينةـ"، 1
ــ 345ـ
الذميّيـن المذكورين لو أرادوا إحداث كنيسةـ في موضع فألن ّ
ّ أ ّما أ ّوال:
ي وجه استقرارهم حين نزلوا فيه لساغ لهم ذلك ،وال يسوغ منعهم على أ ّ
الذ ّمة على ما علم من حال اليهود فرضت من اختطاط أو إحياء ،إذ هم أهل ّ
في بلد المسلمين،ـ إذ ال يعلم لهم فيها حربٌ ،فعقد ّ
الذ ّمة لهم قدي ٌم؛ فقد نصّ
الذ ّم ّي جزيته من بلد لغيـره من بلد اإلسالم،مشايخ المالكيّة على جواز نقل ّ
وذ ّمة المسلمين واحدةٌ في ك ّل بلد من بالدهم ،فال يتوقّف في أمرهم ،وإنّمـا
ينظر فيهم لو كانوا نصارى كما أشار إليه ابن الحا ّج في نازلتهـ.
ولعمري لو اتّفق مثل ذلك لليهود لـم يـحتج إلى مثل ما احتاج إليه من
قوله(( :هؤالء قد وصفوا بالعهد...ـ)) إلى آخر ما ذكره.
فقضيّة النّزاع ابتداء مندرجةٌ في جوابه اندراجا أحرويّا ،لـمـا علم من
الذ ّمة أقوى من العهد ،فكيف يستقيم هدم ما وجد مبنيّاـ مـحوزا بيدأن عقد ّ ّ
ّ
الذ ّمييـن المذكورين من الكنائسـ لها بأيديهمـ أم ٌد طوي ٌل ال يعلم تاريـخه ،وال
مانع من اإلنكار عليهم عادة في تلك المواضع وال في غيرها،ـ لـمـا قد علم
من حال اليهود في غالب أحوالـهم ،فيجب القضاء بالملك لـهم.
وقد قضى أهل المــذهب المــالك ّي بملك الحــائز موضــعا مــ ّدة الحيــازة
بشــــروطها ،عشــــرة أعــــوام ونحوها بين األجــــانب ،وخـمسيـن ســــنة بين
األقــارب( ،)1الســيما مع البنــاء والهــدم ،وال أثر في ذلك الحتمــال الغصب أو
التّع ّدي.
(
ي )2وعلى هذا األصل بنى شيخنا سيّدي أبو الفضل قاسم العقبانـ ّـ
رحـمه هللا ورضي هللا عنه ،فتياه للقصّارين بتلمسان ،فإنّهم تـملّكوا مقبـرة
من مقابر المسلمين يتص ّرفون فيها بالبيع واالبتياعـ وتورث عنهم ،فقام عليهم
(?) انظر :المدونة لسحنون ( ،)5/192عقد الجواهر الثمينةـ البن شاس (،)170 ،2/164 1
القوانين الفقهية البن جزي ص ،310شرح مختصر الشيخ خليل للخرشي ( 7/242ـ
،)243مواهب الجليل للحطاب ( 6/221ـ ،)226شرح تحفة الحكام لميارة الفاسي (2/16
،)170 ،4
2
(?) هو أبو الفضل قاسم بن سعيد العقباني ،قاضي الجـماعة بتلمسان ،أخذ عن والده
وابن حجر وغيرهما ،وعنه ابن مرزوق حفيد الحفيد ،والمازوني ،وابن زكري،
وطبقتهم ،له تعليق على ابن الحاجب الفرعي ،وأرجوزة في التصوف ،وشرح الرسالة،
وشرحان على المدونة،ـ توفي سنة 854هـ.
انظر :رحلة القلصادي ص 106ـ ،107ثبت الوادي آشي ص ،130نيل االبتهاج
للتنبكتي ص 365ـ .366
ــ 346ـ
قائ ٌم وأراد نزعها من أيديهم وتصييـرها حبسا كسائر المقابر ،مـحتجّا عليهم
أن الميّت إذا دفن في موضع فهو حبسٌ . باتّفاقـ المذاهب على ّ
بأن الحوز بأيديهمـ م ّدة طويلة من غير نكيـر ،وذلك فأجاب الشّيخّ :
يوجب ملكهم ،وال يسألون عن سببه،ـ وال يـحمل أمرهم على العداء ،إلمكان
طريان ال ّدين على ملكهم لحصار ونحوه.
فهذه الكنائس المسؤول عنها مندرجةٌ فيما أفتى به شيخنا ،بل هي
الذ ّمة ،وظلم أهل ّ
الذ ّمة ال أحرويّةٌ ،فنقول :هدم الكنائسـ الموصوفة ظل ٌم ألهل ّ
يجوز شرعا؛ فمن أ ّول األ ّول هدم الكنائس الموصوفة ال يـجوز شرعا.
للذميّيـن المذكورين، بيان الصّغرى :ما تق ّدم من ثبوت ملك ما أريد هدمه ّ
واحتمال ال ّتع ّدي فيها مرجوح [وحق] ّ
الذ ّم ّي ،معلو ٌم من ال ّدين ضرورة.
فهذا المنهج في تـحصيل المطلب المسؤول عنه كاف ،ويدفع ال ّشغب
سك بظاهره في عن القضيّة للمنصف واف .ث ّم نتبـ ّرع بالكالم على ما يتم ّ
منع اإلحداث ،فنقول:
ّ
قد قسّم غيـر واحد من مشايخ المالكيّةـ األرض باعتبارـ إحداث الذ ّم ّي
فيها كنيسة ثالثة أقسام :أرضٌ للمسلمين ،وأرضٌ للصّلحيّيـن ،وأرض عنوة،
وهي أيضا للمسلمين؛ وال خفاء في الفرق بين هذه األراضي الثّالث.
فاألولـى :ما ملكه المسلمون ملكا تا ّما يقبل نقل الملك بسبب من أسبابه،
والخطة :العطيّة ،قال الجوهريّ (:)1
ّ ّ
المختطة ،أي :المعطاة، ومن ذلك األرض
يعلم عليها عالمة بالخطّ، يـختطها الرّجل لنفسه ،وهو أن ّّ ّ
الخطة بالكسر :األرض
ليعلم أ ّنه قد اختارها ليبنيها دارا ،ومنه خطط الكوفة والبصرة.
قال ال ّشيخ أبو إسحاق التّونس ّي ( :)2ما اختطّ المسلمون من أرض فلهم
ك فيأن يبنوا ويتملّكوا مثل القيـروان الّتي اختطّها العرب حين نزلوا ،ال ش ّ
جواز بيعها.
1
(?) هو أبو نصر إسماعيل بن حـ ّمـاد الجوهريّ ،إما ٌم من أئمة اللغة ،أخذ العربية عن
أبي سعيد السيرافي ،وأبي علي الفارسي ،وغيرهما ،وهو صاحب معجم الصحاج
الشهير ،توفّـي سنة 393هـ ،وقيل في حدود سنة 400هـ.
انظر :إنباه الرواة للقفطي ( 1/167ـ ،)198بغية الوعاة للسيوطي ( 1/446ـ )447؛ سير
أعالم النبالء للذهبي ( 17/80ـ .)82
2
(?)هو أبو إسحاق إبراهيبم بن حسن بن إسحاق التّونس ّي ،اإلمام المحدث الحافظ الفقيه
األصولي ،تفقه بأبي بكر بن عبد الرحمن ،وأبي عمران الفاسي ،واألزدي ،وغيرهم،
وبه جماعة منهم عبد الحميد بن سعدون ،وعبد الحميد الصائغ ،له تعاليق حسنة على
المدونة وكتاب ابن المواز ،توفّـي سنة 443هـ.
انظر :الديباج البن فرحون ( ،)1/269شجرة النور الزكية لمحمد مخلوف ( 1/108ـ ،)109
وفيات ابن قنفذ ص .244
ــ 347ـ
صلح :فعلى وجهيـن: وأ ّما أرض ال ّ
األ ّول :يعمرها أهل الصّلح بخراج ،ورقبتها للمسلمين.
والثّانـي :أن تكون الرّقبة لهم ،وعليهم الخراج(.)1
وأ ّما أرض العنوة :فهي المأخوذة من أيدي الكفّار الحربيّيـنـ قهرا،
وهي أيضا للمسلمين ال تقبل النّقل للملك بسببـ من أسبابه ،فيمتنع فيها
االبتياع واإلقطاع.
فأ ّما األرض األولـى فقد ا ّتفقت المالكيّة على منع إحداث ّ
الذ ّم ّي فيها كنيسة؛
المدونة(( :وال يـجوز لـمسلم أن يكري داره أو يبيعها مـ ّمن ي ّتخذها كنيسة))(.) 2
ّ ففي
وفي رسم "يسلّف في المتاع والحيوان" من سماع ابن القاسم من كتاب
السّلطان من العتبيّة(( :سئل مالك عن الكنائسـ الّتي في الفسطاط المحدثة الّتي
في خطط اإلسالم ،إن أعطوهم العراص وأكروها يبنون فيها الكنائسـ؟
()3
قال مالك :أرى أن تغيّـر وتهدم وال يتـركوا ،وذلك ال خيـر فيه)) .
قال القاضي ابن رشد في البيان ـ عند شرحه لهذه المسألة(( :هذا مثل
ما في المد ّونة ،وال خالف أعلمه فيها))(.)4
قلت :وليس في المد ّونة ما يماثل مسألة العتبيّة الّتي حكى القاضي ابن
رشد فيها االتّفاق تص ّورا وتصديقا ،إاّل قولها(( :وال يـجوز لـمسلم أن يكري
داره أو يبيعهاـ مـ ّمن يتّخذها كنيسة أو بيت نار))(.)5
لعله أراد قولها(( :ليس ألهل ّ
الذ ّمة أن يـحدثوا ببلد اإلسالم فإن قلتّ :
كنيسة)).
ّ
قلت :ال يص ّح أن يريد ذلك ،ألن المراد ب"بـلد اإلسالم" عند شارحيها
الذ ّم ّي فيها كنيسة منصوصٌ "بلد العنوة" ال غيـرها،ـ والخالف في إحداث ّ
(?) قال اإلمام مالك في المدونة ((( :)4/424وال يعجبني أن يبيع الرجل ممن يتخذها 2
ــ 348ـ
عليه في المد ّونة عند ابن القاسم وغيـره؛ وقد أشار ابن رشد إليه في آخر
كالمه(.)1
ألن الغيـر لـم يـخالف فيها ابن وال يقال :مراده األرض المختطّةّ ،
القاسم ،كما خالفه في أرض العنوة ،حسبما هو ظاهر المد ّونة.
خمي الخالف فيها وفي العنويّة الل ّأل ّنا نقول :قد نقل ال ّشيخ أبو الحسن ّ
المختطة للغيـر المخالف البن القاسم في أرض ّ صريـحا ،إاّل أ ّنه لـم يعزه في
العنوة.
ولفظه(( :اختُِلف في الكنائس في بالد المسلمين في العنوة إذا أقـ ّر فيها
أهلها ،وفيما خطّه المسلمون فسكنه أهل ّ
الذ ّمة على ثالثة أقوال:
ـ فقال ابن القاسم( :)2ليس لهم أن يـحدثوا كنيسة في شيء من بلد
المسلمين كانوا عنوة فأقرّوا فيها أو اختطّ ذلك المسلمون فسكنها أهل ّ
الذ ّمة
معهم ،إاّل أن يكونوا أعطوا ذلك فيوفّـى لهم.
()3
ـ وقال غيـره :لـهم أن يتّخذوا ذلك في أرض العنوة إذا أقرّوا فيها .
أن القديم منها يتـرك ،قال ابن القاسم :وأ ّما أهل الصّلح وظاهر قوليهما ّ
فال يمنعوا من أن يـحدثوا الكنائس ألنّها بالدهم.
وقال ابن الماجشون( )4في كتاب ابن حبيب( ) :أ ّما أهل العنوة فال يتـرك
5
لهم عند ضرب الجزية كنيسةٌـ إاّل هدمت ،ث ّم ال يـحدثون كنيسة في بلد
المسلمين ،وإن كانوا منعزلينـ عن بلد اإلسالم...
(?) انظر نحو كالم اللخمي في البيان والتحصيل البن رشد الجد ( 9/340ـ ،)341عقد 1
3
(?) هو أبو محمد عبدهللا بن أبي زيد عبدالرحمن النفزي القيرواني ،إمام المالكية في
وقته ،أخذ عن جـماعة منهم محمد بن مسرور والقطان واألبياني ،وتفقه به أبو بكر بن
عبدالرحمن ،والبراذعي واللبيدي وغيرهم ،من تآليفه النوادر والزيادات ،والرسالة،
والذب على مذهب مالك وغيرها ،توفي سنة 386هـ.
انظر :طبقات الفقهاء للشيرازي ص ،160ترتيب المدارك للقاضي عياض ( 2/492ـ
،)497سير أعالم النبالء للذهبي ( 17/10ـ .)13
(?) هو عبد الملك بن الماجشون ،وقد سبقت ترجمته. 4
ــ 350ـ
ّ
للذ ّم ّي مص ّح ٌح إلحداثه الكنيسةـ فيه على مقتضى قول ابن القاسم في المد ّونة،
إذ فرّق به بين أرض الصّلح يـجوز فيها اإلحداث وبين العنوة فمنعه فيها(.)1
وكذلك يعتبـرـ الملك على قول ابن الماجشون أيضا ،غيـر أنّه جعل
شرط تأثيـرهـ السّالمة من مـخالطة ّ
الذميّيـن للمسلمين خشية الفتنة على
الضّعفاء ،ولذلك أجاز اإلحداث للمنقطعين عن المسلمين إن لـم يسكنوا
ي قال :إنّه خالف المذهب. معهم( ،)2إاّل ّ
أن اإلمام المازر ّ
ومـ ّمـا يـحتمل ِإْذنُ جـمـاعة المسلمين ّ
للذ ّمييـن في اإلحداث وهي قائمةٌ
مقام اإلمام في الموضع الّذي ال إمام فيه.
أو تكون األرض مـحياة ،فملك ّ
الذ ّميّون باإلحياء ،على القول بصحّة
الذ ّم ّي في غيـر جزيرة العرب( ،)3وهو مـختار الباجي(.)4 إحياء ّ
أو تكون األرض مـختطّة وأذنت الجماعة لـمصلحة في اإلحداث هي
أرجح من المفسدة ،ويصيـر ذلك كحكم من حاكم في مـحـ ّل الخالف فيـرفعه.
الذ ّميّون على الموضوع للسّكنى فيه عن عهد معتبـر سابق ،كما أو قدم ّ
أن وقوع واحد من شيئينـ فأكثر أقرب من تق ّدم .وقد الح في أصول الفقه ّ
وقوع واحد بعينه.
)?( 1في المدونة ((( :)4/24سألت مالكا هل ألهل الذمة أن يتخذوا الكنائس في بالد
اإلسالم؟
فقال :ال إال أن يكون لهم شيء أعطوه.
قال ابن القاسم :وال أرى أن يمنعوا من ذلك في قراهم التي صالحوا عليها ،ألن البالد بالدهم
يبيعون أرضهم وديارهم ،وال يكون للمسلمين منها شيء ،إال أن تكون بالدهم غلبهم
عليها المسلمون وافتتحوها عنوة فليس لهم أن يحدثوا فيها شيئا ،ألن البالد بالد
المسلمين)).
)?( 2انظر عقد الجواهر الثمينة البن شاس ( )1/493فقد جاء فيه ما يلي(( :فلو صولحوا
على أن يتخذوا الكنائس إن شاؤوا .فقال ابن الماجشون :ال يجوز هذا الشرط ،ويمنعون
منه إال في بلدهم الذي ال يسكنه المسلمون معهم ،فلهم ذلك وإن لم يشترطوه .قال :وهذا
هو الصلح.))...
وانظر :البيان والتحصيل البن رشد الجد (.)9/340
)?( 3انظر :المتقى للباجي (.)6/29
4
(?) هو اإلمام أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي األندلسي ،اإلمام الحافظ الفقيه ،أخذ عن
علماء األندلس والمشرق كأبي ذر الهروي ،وأبي الطيب الطبري ،والشيرازي وغيرهم،
وسمع من الخطيب البغدادي وسمع الخطيب منه ،أخذ عنه ابنه أحمد ،والطرطوشي،
وابن بشير ،وسمع منه ابن عبدالبر ،من مصنفاته :إحكام الفصول في أصول الفقه،
والمنتقى شرح الموطأ ،توفي سنة 474هـ.
انظر :تذكرة الحفاظ للذهبي ( ،)3/1178الصلة البن بشكوال ( ،)1/201ترتيب المدارك للقاضي
عياض ( .)8/802
ــ 351ـ
إن الحوز الثّابت ّ
للذ ّمييـن ـ على ما ذكر ـ مان ٌع من اعتبار الفساد، ث ّم ّ
ّ
وإن احتمل بمقتضى ما تقرّر في الفقه ،فلو ق ّدر التـرافع في الكنائسـ
الموصوفة إلى حاكم موصوف بالعلم والعدالة ال يقضي فيها سوى بال ّ
صحّة،
صحّة لنقض حكمه. ولو قضى فيها بالفساد الحتمالهـ مع قيام موجب ال ّ
ولـم يـخرج عن حكم هذا األصل سوى مسألةٌ واحدةٌ نبّه مشايخ
المالكيّة عليها ،وهي :إذا ا ّدعت المرأة على زوجها الوطء في خلوة االهتداء
وهي مـحرمةٌ أو حائضٌ ،أو في نهار رمضان ،وأنكره ال ّزوج.
قال في المد ّونة( :)1فالقول فيه كالقول في الوطء الصّحيح في وجوب
جـميع الصّداق.
وقيل :القول قول ال ّزوج ،عمال باألصل المقرّر.
وإنّما لـم يعتبـره في المد ّونة في هذه المسألة من أجل الوازع الطّبيع ّي،
فق ّدمه على الوازع ال ّشرع ّي.
هذا كلّه مـ ّمـا يتعلّق بالمق ّدمة الصّغرى من القياس ،وهي قولنا :هدم
الكنائس الموصوفة ظل ٌم ألهل ّ
الذ ّمة.
وأ ّما ما يتعلّق بالمق ّدمة الثّانية،ـ وهي الكبـرى القائلة :وظلم أهل ّ
الذ ّمة ال
يـجوز شرعا ،فنقول :قد أمر هللا بالوفاء بالعهد( ،)2وقال رسول هللا ×َ« :ال
ن َيْأَذُنوا َلُكمْ»(.)3
اهِدينَ ِإَّال أَ ْ
وت ْالُمعَ َ
خُلوا ُبيُ َ
تَْد ُ
وقد تظافرت األحاديث عنه ـ عليه السّالم ـ بالنّهيـ عن ظلم أهل ّ
الذ ّمة،
فال سبيلـ إلى استباحته ،فلزم صدق النّتيجة ،وهي :هدم الكنائسـ الموصوفة ال
يـجوز شرعا.
(?) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير حديث :)6/160( 5850قال :حدثنا صدقة بن 3
محمد بن خروف المصري ،ثنا عبد المنعم بن بشير األنصاري ،ثنا عبد الحميد بن
سليمان عن أبي حازم ،عن سهل بن سعد قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه و سلم « :الَ
ن».
وت َأْهِل الذَِّّمة ِإَّلا ِبِإْذ ٍ
خُلوا ُبُي َ
َتْد ُ
وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد [كتاب األدب/باب االستئذان ،.)8/64( ،]...وقال:
وفيه عبد المنعم بن بشير وهو ضعيف .وقال محقق الجامع الكبير للطبراني :وعبد
الحميد بن سليمان أيضا ضعيف.
وانظر كنز العمال لعالء الدين الهندي ( ،)15/41635رقم .41635
وأخرج الطبراني أيضا في المعجم الكبير رقم )18/258( 645حديثا آخر بلفظ« :الَ
تَد ُْخلُوا بُيُوتَ ال ِكتَابِيِّينَ .» ...قال محققه :وفي أسنده :أشعث بن سوار ،وهو لين،
فالحديث ضعيف أيضا.
ــ 352ـ
ث ّم خروج أهلها إن خرجوا عن الح ّد الواجب ال يستلزم استباحة
أموالـهم ،إاّل أن يكون ذلك مـ ّمـا نصّ أئ ّمتنا أنّه نقضٌ للعهد ،كما إذا تـمرّدوا
على األحكام ومنعوا الجزية،ـ أو برزوا لقتال المسلمين،ـ ال بالحرابة على
المشهور؛ وعليه فحكم المحارب منهم حكم المحارب من المسلمين،ـ أو يثبتـ
الذ ّم ّي حرّة مسلمة على ال ّزنـا ،فمكرهها ناقضٌ للعهد ،أو غرّها بأنّهإكراه ّ
مسل ٌم فتز ّوجها؛ وكذلك إن خرج لدار الحرب يريد السّكنى بها ما لـم يكن
ق على المشهور(.)1 خروجه لظلم لـحقه ،فإنّه ال يستـر ّ
الذ ّمة يقتضي وجوبا عليناـ وعليهم ،فحكمه علينا وفي الجواهر(( :عقد ّ
الكف عنهم ،وأن نعصمهم بالضّمان نفسا وماال ،وال نتعرّض ّ وجوب
لكنائسهم وال خـمورهم وال لخنازيرهم ،ما لـم يظهروها ،فإن أظهروا الخمر
أرقناهاـ عليهم ،وإن لـم يظهروها وأراقها مسل ٌم فقد تع ّدى ويـجب عليه
الضّمان؛ وقيل :ال يـجب))(.)2
قلت :مبنى الخالف في هذه المسألة وما يشبهها اختالف األصوليّيـن
في خطاب الكفّار بالفروع ،وهكذا يكون حكم األمور الّتي هي من شرعهم،
فإنّا ال نتعرّض لهم فيها ما لـم يظهروها ،فيتق ّدم إليهم فيها ،فالتّغييـرـ عليهم
كتغييـر المنكر على المسلمين بشروط ثالثة:ـ
األ ّول :العلم بالمعروف والمنكر ،والجاهل ال يص ّح منه أم ٌر وال نه ٌي،
ألنّه قد ينهىـ عن المعروف ويأمر بالمنكر؛ وقد نصّ بعض المتكلّمينـ على
أن المنه ّي عنه والمأمور به الب ّد أن يكونا مـجمعا عليهما باألمر بالوجوب
ّ
والنّهي بالتّحريم ،فيخرج المندوب وما اختلف في وجوبه ،وكذلك المكروه
وما اختلف في تـحريمه.
الثّانـي :األمن من أن يؤ ّدي إنكار المنكر إلى منكر أكبـر منه،ـ كمن
ينهى عن شرب الخمر ،بحيث يؤول نهيهـ إلى قتل نفس؛ فإن لـم يؤمن ذلك
لـم يـجـز التّغييـر ،كما ذكر من أراد هدم الكنائسـ المسؤول عنها؛ فبتقدير أن
يكون بقاؤها منكرا لـم يـجـز تغييـرها ،إن كان ذلك يؤ ّدي إلى القتل والقتالـ
بين المسلمين،ـ فال سبيل إلى تغييـرهاـ على أهلها ،وهم من أهل ّ
الذ ّمة؛ وقد
اتّفق العلماء على تـحريم قتال ّ
الذ ّميّيـن ،وهم لـم ينقضوا العهد ،فلهم ما
للمسلمين وعليهم ما عليهم ،إاّل أن ينقضوا عهد ّ
الذ ّمة ،وحيث لـم ينقضوا
عهد ّ
الذ ّمة يكون قتالـهم حرابةٌ،ـ ومن باب السّعي في الفساد في األرض،
ــ 353ـ
فالسّاعي في ذلك مندر ٌج في آية الحرابة،ـ وهي قوله تعالى :ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ
ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ...ﮊ اآلية(.)1
أن إنكاره للمنكر مزي ٌل له، الثّالث :أن يعلم المنكر أو يغلب على ظنّه ّ
فإن لـم يعلم وال غلب على ظنّه لـم يـجب التّغييـرـ.
ال ّشرطان األ ّوالن في الجواز ،والثّالثـ في الوجوب ،فإذا عدم ال ّشرط
األ ّول والثّانـي لـم يـجـز األمر وال النّهي ،وإذا عدم الثّالث ووجد األ ّول
والثّانـيـ جاز أن يأمر وينهى.
ويد ّل على وجوب األمر بالمعروف والنّهي عن المنكر بال ّشروط
الثّالثة قوله تعالى:ـ ﮋ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ...ﮊ اآلية (.)2
وفَ ،وتَ ْن َهوُنَّ سي بِيَ ِد ِه لَتَْأ ُم ُرنَّ بِال َم ْع ُر ِ وقول رسول هللا ×َ « :والَّ ِذي نَ ْف ِ
ق َأ ْط ًراَ ،أ ْو سفِي ِه َولَتَُأطِّ ُرنَّهُ َعلَى َ
الح ِّ ع َِن ال ُم ْن َك ِرَ ،ولَتَْأ ُخ ُذنَّ َعلَى يَـ ِد ال َّ
س َراِئي َلَ ،كانَ ضَ ،ويَ ْل َعن ُك ْم َك َما لَ َعنَ بَنِي ِإ ْ ض ُك ْم َعلَى بَ ْع ٍ وب بَ ْع ِص ِرفَنَّ هللاُ قُلُ َ لَيَ ْ
سهُ َ َ َ
الخ ِطيَئ ِة نَ َهاهُ النَّا ِهي تَ ْع ِزيزًا ،فِإذا َكانَ ِمنَ ال َغ ِد َجال َ ِإ َذا َع ِم َل ال َعا ِم ُل ِمن ُه ْم بِ َ
ْ
س ،فَلَ َّما َرَأى هللاُ َذلِ َك الخ ِطيَئ ِة بِاَأل ْم ِ َو َوا َكلَهُ َوشَا َربَهُ َو َكَأنَّهُ لَـ ْم يَ َرهُ َعلَى َ
سى»(.)3 ان دَا ُوو َد َو ِعي َ س ِ ض َولَ َعنَ ُه ْم َعلَى لِ َ ض ِه ْم َعلَى بَ ْع ٍ ص َرفَ قُلُ َ
وب بَ ْع ِ َ
وصلّى هللا على نبيّناـ وعليهما وعلى سائر النّبيّيـنـ والمرسلين ،وآخر
دعوانا أن الحمد هلل ربّ العالـمينـ.
وك ّل ما وقع في السّؤال من الحجج والمحاجّة صوابٌ ،أرانا هللا الح ّ
ق
حقّا ورزقنا اتّباعه،ـ وجنّبنا طرق الباطل وأشياعه ،بمنّه وفضله وجوده
وطوله.
وكتبه عبد ربّه أحـمد بن مـح ّمد بن زكري التّلمسانـ ّي ،لطف هللا به.
()4
[فتوى البن زكري في مسألة مشابهة وقعت في بيت المقدس]
الحمد هلل ،والصّالة والسّالم على نبيّنا وموالنا رسول هللا.
(?) من قوله تعالى :ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ 1
ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮊ [سورة المائدة.]33/
(?) من قوله تعالى :ﮋ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ 2
ــ 356ـ
وقد شكل الفكر النوازلي عبر العصور إضافة معرفية مهمة أثبتتـ
جدارة التشريع اإلسالمي ،ولهذا لم يخل عصر من كتب في الفقه النوازلي،
متناولة الفقه اإلسالمي في نوازله ومستجداته.
وقد اختلف التصنيفـ في هذا الفكر ،خاصة في معالجة القضايا النازلة،
فهنالك كتب تناولت القضايا النازلة في كل أبواب الفقه ،وبعضهم أفرد أبوابا
في معالجة القضايا النازلة دون غيرها من األبواب.
وفي بحثنا هذا نتناولـ علما من أعالم المالكيةـ المغاربةـ الذي كتبوا في
هذا العلم ،حيث أفرد كتاباـ في الفقه النوازلي تناول فيه باب القضايا السلطانيةـ
والسياسةـ الشرعية واألحكام القضائية،ـ وقد وسم كتابهـ هذا بـ "اإلعالم بنوازل
األحكام وقطر من سير الحكام" ،وهناك تسمية أخرى لهذا الكتاب وهي
"ديوان األحكام الكبرى" للفقيه المالكي اإلمام أبي األصبغ عيسى بن سهل بن
عبد هللا األسدي الجياني،ـ المتوفى سنة (486هـ) ~.
وقد كان موضوع بحثنا حول "االجتهاد المقاصدي في الفقه النوازلي:
اإلعالم بنوازل األحكام أنموذجا" .متناولين عالقة الفكر المقاصدي بالفكر
النوازلي من خالل هذا الكتاب ومدى حضور التوظيف المقاصدي لنوازل
األحكام السلطانية والقضائية ،لنخلص في األخير إلى حقيقة التجربة االجتهادية
التي خاضها هذا الفقيه في رؤية الحوادث السلطانية والقضائية ،مكلال كل ذلك
بمساعي وقواعد وكليات الفكر المقاصدي في جانبه التشريعي.
وهذا ما سنولي بيانهـ في هذه المفردات التي جعلنا عنوانا على مضمون
البحث ،في ثالثة مباحث.
تمهيد:ـ
المبحث األول :اإلمام الفقيه عيسى بن سهل الغرناطي وكتابه اإلعالم.
المطلب األول :سيرة مختصرة عن الفقيه
المطاب الثاني :بطاقة تعريفية عن كتاب اإلعالم بنوازل األحكام.
المبحث الثاني :الفكر المقاصدي وعالقته بالفقهـ النوازلي.
المطلب األول :اإلطار المفهومي لمقاصد التشريع والفقه النوازلي.
المطلب الثاني :عالقة مقاصد التشريع بنوازل األحكام.
المبحث الثالث :التوظيفـ المقاصدي لنوازل األحكام عند اإلمام من
خالل كتابه اإلعالم.
ــ 357ـ
ـ القواعد المقاصدية في كتابـ اإلعالم بنوازل األحكام.
ـ مظان التوظيف المقاصدي لنوازل األحكام عند اإلمام.
خاتمة:ـ أهم النتائجـ التي خلص إليها البحث.
المبحث األول :الفقيه عيسى بن سهل المالكي وكتابه اإلعالم بنوازل األحكام
المطلب األول :سيرة مختصرة عن اإلمام
اسمه ونسبه :هو عيسى بن سهل بن عبد هللا األسدي ،ويكنى بأبي
األصبغ ،ولد بجيان سنة (413هـ1022 /م) .وجيان من بالد األندلس .أما
أسدي نسبة إلى القبيلة العربية المشهورة أسد.
كان والده يتولى الصالة وخطبة الجمعة بحصن القلعة ،وكان من
العلماء المبرزين.
طلبه العلم ورحالته :درس بن سهل ببلده أوال على يدي كل من الفقيه
هشام بن عمر بن ساور الجياني،ـ والفقيه بكر بن عيسى بن سعيد الكندي.
بعد ذلك قصد ابن سهل غرناطة لألخذ عن الفقيه أبي زكريا يحي بن
محمد بن حسين الغساني المعروف بالقليعي ،وروى عنه الكثير ،من ذلك
كتاب الموطأ لمالك بن أنس.
ثم دخل ابن سهل قرطبة ولم يتجاوز عمره 24سنة ،ولقي بها المقرئ
مكي بن أبي طالب(ت437هـ) ،روى عنه مؤلفاته ككتاب الموجز في القراءات
السبع ،وكتاب الرعاية في تجويد القرآن ،ورسالة الفقيه ابن أبي زيد القيرواني،
وسمع بها أيضا من األديب محمد بن يحي العثماني القرطبي (ت433هـ).
ثم قفل ابن سهل إلى بياسة ،فواله معن ابن صمادح التجيبي (433هـ)
أمير المرية ،قضاء بياسة .ثم انتقلـ إلى إشبيليةـ بعد أن كانتـ له أدوار هامة
في قرطبة مع فقيهها ابن منظور القيسي اإلشبيلي.
ثم انتقلـ إلى المغرب في سبتة تحديدا أين نوه بمكانه حاكمها
البرغواطي ،فرأس فيها ،بعدها انتقل إلى مدينة طنجة بعد سنوات قضاها في
سبتة مدرسا للفقه.
ثم رجع إلى غرناطة للقضاء بها ،وكان هذا نتيجةـ للمالبسات السياسية
التي كانتـ وراء تولية عيسى بن سهل على قضاء غرناطة.
ــ 358ـ
تخبرنا المصادر األندلسية أن األمير عبد هللا بن بلقين قد بعث ،قاضيه
عيسى بن سهل مرتين أو أكثر إلى المغرب سفيرا لدى المرابطين ،لكن القاضي
ـ كما زعم ابن بلقين ـ قد أطلع ابن تاشفين على ضعف أميره عبد هللا بن بلقين،
وأعلمه أن غرناطة ليس فيها مختلف على طاعة ابن تاشفين ،وأن قلوب الجند
والعامة مع المرابطين ،وبهذا شجع ابن سهل المرابطين على االستيالء على
غرناطة إذ استولوا عليها سنة 483هـ ،ونفي ابن بلقين إلى المغرب سنة 484هـ.
هذه بعض المالبساتـ السياسيةـ التي ذكرتها كتب التراجم وهي تنم على
شخصية ابن سهل السياسية وال أدل على ذلك كتابهـ هذا في القضايا السلطانية
والقضائيةـ والفقهية.
تالميذه :إن الرحالت التي قام بها ابن سهل الغرناطيـ انعكست على
كثرة تالميذه في بقاع متعددة المغرب واألندلس.
فمن تالميذه المغاربة :محمد بن يعلى المعافري ،عبد هللا بن يعلى
المعافري ،القاضي أبو عبد هللا محمد بن عبد هللا األموي ،عبد هللا بن أحمد
بن خلوف األزدي ،وغيرهم كثير.
أما تالميذه في غرناطة :محمد بن حكم بن محمد الجذامي ،محمد بن
مفرج بن سليمان الصنهاجي،ـ محمد بن علي التجيبي ،محمد بن علي
الرعيني ،وغيرهم كثير
وفاته :توفى يوم الجمعة ،ودفن يوم السبت 5محرم سنة 486هـ.~ .
ثناء العلماء عليه :لقد أثنى كثير من العلماء على الفقيه القاضي عيسى
بن سهل وبينوا علمه وفضله ،فال بأس أن نختم ترجمتنا له بكالمهم:
قال ابن الصيرفي(( :كان من أهل العلم ،والفهم والتفنن في العلم مع الخير
والورع وصحة الدين وكثرة الجود مع قلة الوجود ،بارع الخط ،فصيح الكتابة،
حاضر الذهن ،سريع الخاطر ،له قريض جزل ،وهمه في اقتناء الكتب)).
ــ 359ـ
مؤلفاته :كتابهـ اإلعالم بنوازل األحكام ،شرح عيسى بن سهل لصحيح
البخاري .رسالة في الرد على ابن حزم ،كما نقل عمر رضا كحالة في معجم
المؤلفين(.)1
المطلب الثاني :بطاقة تعريفية عن كتاب اإلعالم بنوازل األحكام
يعتبرـ كتابـ "اإلعالم بنوازل األحكام وقطر من سير الحكام" ،أو
"ديوان األحكام الكبرى" ،من أهم الكتب التي ألفت في علم النوازل ،وقد مثل
هذا الكتابـ مخاض تجربة خاضها اإلمام بين الحكومة والقضاء ،ليخلص لنا
الكتاب في قشيبه على مجموعة غير قليلية من مهمات النوازل في القضاء
والحكم .يقول في ديباجة كتابه:ـ «...فإني من جميل صنع هللا وجليل
أفضاله عندي ،وحسن عونه أيام نظري في القضاء واألحكام،
وزمن تقييدي أحكام غيري في القضاء من الشيوخ والعلماء جرت
على يدي نوازل استطلعت رأي من أدركته من الشيوخ والعلماء
وانفصلت لدي مسائل كاشفت عنها كبار الفقهاء إذ كانوا من أهل
الشأن بأرفع مكان وأعلى منزلة ...وكنت قد علقت ذلك على حسب
وقوعه ال على ترتيبه وتنويعه ـ»(.)2
وقد تنوعت األبواب التي طرق مشكالتهاـ ونوازلها؛ فقد تناول
بعض المسائلـ السلطانية مثل ما يدخل في الحكم من األحكام ،وما يدخل في
القضاء منها،ـ فتكلم عن العالقة بين السلطة القضائيةـ والسلطة الحكومية،
وغيرها من األحكام.
وتناول كذلك مسائل حادثة في أبواب القضاء والشهادة وأحكامهما ،إضافة
إلى نوازل األحوال الشخصية بصفة عامة من النكاح والطالق وغيرها ،ونوازل
المعامالت المالية من بياعات وهبات وأحباس وغيرها ،وكذلك تطرق إلى بعض
مسائل العبادات من األيمان والنذور وأحكام الحلف وغيرها.
وقد نال هذا الكتابـ شهرة في أوساط المحافل العلمية حيث كان يمثل
مصدرا مقررا لدى طالب العلم ،وقد كانت عنايةـ أهل المغرب واألندلس
بكتاب اإلعالم كبيرة ،يستدل على ذلك ما قاله فيه كبار المالكية:
(?) ينظر في ترجمة اإلمام :معجم المؤلفين ،عمر كحالة ،8/25 :تاريخ قضاة األندلس، 1
أبو الحسن المــالقي .1/96 :ســير أعالم النبالء ،الــذهبي ،19/25 :الــديباج المــذهب في
معرفة علماء المذهب ،ابن فوحون.1/176 :
(?) اإلعالم بنــــوازل األحكــــام ،عيسى بن ســــهل الغرنــــاطي :تح :مــــراد يحي ،دار 2
(?) العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصـــحابة بعد وفـــاة النـــبي × :أبـــوبكر بن 1
العــربي ،دار الجيل(بــيروت) ط:2ــ 1407هـ ،ص :الــديباج المــذهب في معرفة أعيــان
المذهب :ابن فرحون.1/67 ،
(?) األعالم :الزركلي.5/103 ، 2
ــ 361ـ
وعلى هذا المعيار فإن قاعدة المصالح والمفاسد المقاصدية باتت
مستصحبة دائما ،ومستحضرة لدى المنظر األصولي والمشرع الفقيه (على
سبيل المجاز ،وإال فالمشرع هو الشارع الحكيم) ،في كل وقت وحين ،على
كر الدهور ومر السنين،ـ فكل ما ينزل بالمجتمع المسلم في أرض اإلسالم ،أو
أرض غير المسلمين،ـ أو أرض الدعوة ،سواء على مستوى األفراد أو على
مستوى الجماعات ينبغيـ أن يناطـ بقاعدة المصالح والمفاسد.
معنى مقاصد التشريع :لقد تداول هذا المصطلح الفقهاء المعاصرين
على سبيل التأصيل والتنظير والكتابة في موضوعه بشكل يلفت االنتباه ،أو
نستطيعـ القول بأن عصرنا هذا عصر المقاصد ،فقد بلوروا كثيرا من
المعارف االستداللية في الفكر األصولي لدى السابقين ،خاصة من الذين
وضعوا بصمات ملموسة من لدن اإلمام العز بن عبد السالم والغزالي وابن
تيمية،ـ واإلمام الشاطبي الذي يعد المؤسس بال منازع ،وابن عاشور الذي
أضاف ما عز عن البيانـ لدى السابقين.ـ
فهذا اإلمام الشاطبي وإن لم يعط تعريفا على وفق اصطالح التعريفات،ـ
إال أنه أصاب كبد الفكرة عندما حدد مفهوم المقاصد قائال « :أن وضع
ً ()1
الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل واآلجل معا ـ»
وقد أعطى األصولي الزركشي مفهوما تحديديا كذلك فقال « :قَا َل
ع اُأل َّم ِةح ْال ِعبَا ِد ،إجْ َما ُصالِ َِأصْ َحابُنَا:ـ ال َّدلِي ُل َعلَى َأ َّن اَألحْ َكا َم ُكلَّهَا شَرْ ِعيَّةٌ لِ َم َ
ف َو ْالفَضْ ِل َعلَى َأصْ لِنَاَ ،أوْ َعلَى ِجهَ ِة ْال ُوجُو ِ
ب ط َِعلَى َذلِكَ ،إ َّما َعلَى ِجهَ ِة اللُّ ْ
َت ُم ْعتَبَ َرةً فِي ال َّشرْ ِ
ع لَ ِكنَّهُ لَي َ
ْس َعلَى َأصْ ِل ْال ُم ْعت َِزلَ ِة،ـ فَنَحْ ُن نَقُولُِ :ه َي َوِإ ْن َكان ْ
ح يَ ْمتَنِ ُـع فِي ْال َع ْق ِل َك َما يَقُو ُل بَ ،وال َأل َّن ُخلُ َّو اَألحْ َك ِام ِم ْن ْال َم َ
صالِ ِ يق ْال ُوجُو ِ بِطَ ِر ِ
عَ ،و َكانَ يَجُو ُز ْال ُم ْعت َِزلَةَُ ،وِإنَّ َما نَقُولُِ :رعَايَةُ هَ ِذ ِه ْال َمصْ لَ َح ِة َأ ْم ٌر َواقِ ٌع فِي ال َّشرْ ِ
() 2
ور ْال َعا ِديَّ ِة» ُأل
فِي ْال َع ْق ِل َأ ْن ال يَقَ َع َك َساِئ ِر ا ُم ِ
وقد قرر هذه المعاني المقاصدية العالمة ابن القيم بأن ((الشريعة مبناهاـ
وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد .وهي عدل كلها
ورحمة كلها ومصالح كلها .فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن
(?) الموافقات .9 / 2 1
(?) البحر المحيط في أصول الفقه :البحر المحيط في أصول الفقه :بدر الدين الزركشــي، 2
وقد عزز هذا الكالم ما قاله العالمة شاه ولي هللا الدهلوي(( :وقد يظن
أن األحكام الشرعية غير متضمنة لشيء من المصالح...وهذا ظن فاسد تكذبهـ
السنة وإجماع القرون المشهود لها بالخير))(.)2
وعلى هذا فمقاصد الشريعة ومعرفتها ومراعاتها ،ليس شيئا اكتشفه
()3
الالحقون أو ابتكره المتأخرون ،بل هو من صميم الدين ،بل هو صميمه ،
من أول يوم ومن أول فهم.والقرآن الكريم والسنة النبويةـ هما أول مصرح
بمقاصد الشريعة وأول منبه على أمثلتها ونماذجها اإلجماليةـ والتفصيلية.ـ
فرغم أن أحكام الوحي لها من القداسة ومن الثقة بها والتسليم لها ما ال مزيد
عليه عند المؤمنين بها ،وما ال يحوجهم إلى بيانـ علة وال حكمة وال مقصد
وال مصلحة ،فإن القرآن والسنة ـ رغم ذلك ـ قد بينا كثيرا من علل األحكام
ومقاصدها ،في العبادات والمعامالت وسائر أبواب التشريع.وأقول كما قال
اإلمام ابن القيم ~(( :والقرآن وسنة رسول هللا × مملوآن من تعليلـ األحكام
بالحكم والمصالح...ولو كان هذا في القرآن والسنة نحو مائةـ موضع أو
مائتينـ لسقناها،ـ ولكنه يزيد على ألف موضع بطرق متنوعة))(.)4
إن هذه المعاني الكبرى التي ندب إليها الفقهاء أنفسهم وبحوثهم هي التي
أعطت بعد ذلك موقعا هاما في االستدالل والتوظيف النصي ،فمن دونها لن
نصل أبدا إلى كبد المعاني التي تغياها الشارع الحكيم من كل حكم ونازلة.
وعلى وفق هذا التصور فإن مقاصد التشريع جوهر أساس في العملية
االستداللية التي ال تقف عند حد النص في ظاهره ،بل تأخذ بنا إلى المعانيـ
االحتوائيةـ المنتجةـ لإلمكانات المعرفية في االستدالل .وسنرى هذا جليا في
المبحث األخير عند الحديث عن تجربة اإلمام عيسى بن سهل الغرناطي
بتقرير المقاصد في نوازله ،وتكليله لقواعدها وإمكاناتها.ـ
معنى الفقه النوازلي
(?) حجة هللا البالغة ،1/27وانظر كذلك تعليل األحكــام في الشــريعة اإلســالمية ،محمد 2
مقاصد الشــريعة ،الــتي نظمتها مؤسسة الفرقــان للــتراث اإلســالمي بلنــدن ،من 1إلى 5
مارس .2005
(?) مفتــاح دار الســعادة ومنشــور والية العلم واإلرادة ،2/22وانظــر كــذلك "أعالم 4
(?) انظر معجم مقــاييس اللغة ،986مــادة "نــزل" ،والقــاموس المحيط ،4/65مــادة 2
(?) الرســالة :محمد بن إدريس الشــافعي ،تحقيق أحمد شــاكر ،المكتبةـ العلميــة(بــيروت). 4
.512
ــ 364ـ
طريق الحكم الواضح والمبين االستدالل على الحكم النازل والواقع .يشير هنا
إلى القياس األصولي ،والقياس بمعنى القاعدة العامة الثابتة باالستقراء التي
يدخل فيها ما هو في معناها ،وهذا معنى قوله ...(( :إذا كانت في معناها)).
يقول اإلمام مالك (ت179هـ)(( :أدركت هذا البلد وما عندهم إال الكتابـ
والسنة فإذا نزلت نازلة جمع األمير لها من حضر من العلماء فما اتفقوا عليه
أنفذه))(.)1
وقال ابن القيم (ت751هـ) وهو يتحدث عن مشروعية تقليد العامي
للعالم(( :وقد علم هللا سبحانهـ أن الحوادث والنوازل كل وقت نازلة بالخلق،
فهل فرض على كل منهم فرض عين أن يأخذ حكم نازلتهـ من األدلة الشرعية
بشروطها ولوازمها؟.)2())...
ومن مجمول هذه المعاني يمكن أن نقول بأن الفقه النوازلي هو:
((المسائل والحوادث التي تنزل دون أن يكون للشرع في عينها
نص ،وال للسابق فيها نظر واضح ال يستدعي اجتهادا زائدا على
ما هو مقرر)).
نوضح أكثر معنى هذا التعريف حتى نخرج عن النوازل بعض
المشموالت التي ال تدخل في تحديده تحديدا دقيقا.
ـ ((المسائل والحوادث التي تنزل دون أن يكون للشرع في عينها
نص)) :يدخل فيه كل حكم نص الشرع أصالة أو تبعاـ عليه،ـ مثل حلية البيع
وحرمة الربا ،فهذا نص عليه أصالة وتبعا في نصوصه .ويخرج منه ما نص
عليه الشرع في جنسه ،حيث إن الحكم على النازلة فيه هو حكم عليه من
حيث إن جنسه معلوم في الشرع مثل حرمة تناول الحشيش فلم يرد في نصه
حكم ،حيث إن النص ورد في الخمر ،فكل ما كان من جنس علة التحريم
دخل فيه ،ولو لم يكن من قبل.
وكذلك ما ثبت فيه الحكم لكن ال على نص واحد ،ولكن من مجموع
نصوص مستقرأة ،وقاعدة كلية تمثلتـ مقصدا من مقاصد التشريع ،فكانت
النازلة في ضمن مشموالت هذا المقصد مثل قاعدة ((ال ضرر وال ضرار))،
تدلنا على حرمة ما كان فيه ضرر معتبر في الشرع ،فهو محرم ولو لم ينص
عليه الشرع ،مثل تناول الدخان فقد ثبتتـ قطعية مضرته وهي معتبرة في
الشرع ،إذن فيحرم على وفق القاعدة المستقرأة.
(?) إعالم الموقعين:ـ ابن القيم الجوزية ،دارالجيل (بيروت).2/205 . 2
ــ 365ـ
ـ ((وال للسابق فيها نظر واضح ال يستدعي اجتهادا زائدا
على ما هو مقرر)) :أي أن المجتهد السابق على حدوث النازلة لم
يكن له فيها من قبل نظر وحكم ثابت وواضح ،وهنا مقصود
الوضوح ليس في التحريم والتحليل ،ولكن في تحقيق المناط؛ أي
في تكييف النازلة ،حيث إن المسألة قد ال تتوضح صورتها على
وفق ما نزلت عليه فيما بعد ،كأن كانت تشبهها ،لكن تختلف من
حيث التكييف ،وبالتالي فهي تغاير صورة المسألة التي حكم عليها
المجتهد السابق ،ومن ثم أصبحت النازلة تستدعي نظرا جديدا ،مثل
حرمة بعض العقود المالية المعاصرة لشوبها بالربا ،وقياسها على
بعض بيوع العينة.
المطلب الثاني :عالقة مقاصد التشريع بنوازل األحكام
إن الفقه النوازلي له عالقة وطيدة بكبريات قواعد الفكر المقاصدي في
جانبه التشريعي ،بل إن الحكم على النازلة لن يكون أبدا بمنئ وبمعزل عن
مقاصد التشريع وقواعده ،وكل نظر في األحكام النازلة دون استصحابها فهو
مردود.
ومعلوم أن المسألة النازلة هي مسألة خاضعة لالجتهاد واالستنباط،
وهذه اآللية (االستنباط)،ـ تنظر إلى األحكام النازلة بنظرين:ـ
1ـ االجتهاد االستداللي.
2ـ االجتهاد التنزيلي.ـ
ألن األحكام إما أن يكون منصوصا عليها أو ال ،فإن كان منصوصا
عليها ،بحثنا عن طريق االجتهاد االستداللي في مظان النصوص والقواعد
المباشرة حول المسألة في جنسها ،أما إذا لم يكن منصوصا عليها ،أو كان
منصوصا عليها ،لكن حدثت صور مختلفة عند تطبيق النازلة على بعض
الحاالت ،فهنا نوظف االجتهاد التنزيلي ،أو ما يسمى في أصول الفقه بتحقيق
المناط.
فقاعدة تحقيق المناط هي جوهر في مقاصد التشريع ،والفقه النوازلي
له تعلق كبير بتحقيق المناط ،ألن غالبا ما تكون األحكام النازلة لها جنس في
الشرع يقضي إما بحرمتها أو وجوبها أو حليتها أو غير ذلك ،لكن تنزيلـ هذه
الصور واألحكام قد يختلف عند التطبيقـ والحدوث العملي للمسألة ،فهنا يمثل
تحقيق المناط الجوهر األساس في بيان حكم المسألة النازلة.
ــ 366ـ
وقد قال اإلمام الشاطبي في باب االجتهاد ،عن تحقيق المناط « :كل دليل
شرعي؛ فمبني على مقدمتين :إحداهما :راجعة إلى تحقيق مناط الحكم.
واألخرى :ترجع إلى نفس الحكم الشرعي .فاألولى نظرية وأعني بالنظرية هنا
ما سوى النقلية سواء علينا أثبتت بالضرورة أم بالفكر والتدبر ،وال أعني
بالنظرية مقابل الضرورية ،والثانية نقلية ،وبيان ذلك ظاهر في كل مطلب
شرعي ،بل هذا جار في كل مطلب عقلي أو نقلي؛ فيصح أن نقول :األولى
راجعة إلى تحقيق المناط ،والثانية راجعة إلى الحكم ،ولكن المقصود هنا بيان
المطالب الشرعيةـ»(.)1
ومعنى ذلك في نظر اإلمام إذا « :شرع المكلف في تناول خمر
مثال؛ قيل له :أهذا خمر أم ال؟ فال بد من النظر في كونه خمرا أو غير خمر،
وهو معنى تحقيق المناط ،فإذا وجد فيه أمارة الخمر أو حقيقتها بنظر معتبر؛
قال :نعم ،هذا خمر ،فيقال له :كل خمر حرام االستعمال .فيجتنبه ،وكذلك إذا
أراد أن يتوضأ بماء؛ فال بد من النظر إليه :هل هو مطلق أم ال؟ وذلك برؤية
اللون ،وبذوق الطعم وشم الرائحة ،فإذا تبين أنه على أصل خلقته؛ فقد تحقق
مناطه عنده ـ»(.)2
فتحقيق المناط متعلق تمام التعلق باألحكام النازلة ألنه كما قال اإلمام
الشاطبي ال ينقطع حتى ينقطع أصل التكليف ،أي أنه مساوق لما يحدث من
المشكالت والنوزال ،فهو«ال يمكن أن ينقطعـ حتى ينقطعـ أصل التكليف،
وذلك عند قيام الساعة ـ»(.)3
إضافة إلى ذلك ،فإن إثبات حكم المسائل النازلة كما قلنا في
التعريف بأنه متعلق بما ثبت بجنس الشرع ال بعينه ،فما ثبت بعين
الشرع ليس بنازل ،بل هو معهود ،ومقصود ثبوتها (النازلة) ،بجنس
الشرع أي أن المجتهد ينظر في المسألة النازلة ويحدد حقيقة متعلق
الحكم فيها ومناطه ،أي أنه يتبين عن طريق السبر والتقسيم ،وعن
طريق تخريج المناط ،إلى جوهر ما تتكون عليه المسألة وتشكل فيه
أساسا ،فإذا تبين له حقيقتها ،نظر مرة أخرى في القواعد المستقرأة
على علل ومقاصد واضحة ،فيحكم على المسألة النازلة على وفق
هذا النسق.
(?) الموافقات .3/232 1
ــ 367ـ
المبحث الثالث :التوظيف المقاصدي لنوازل األحكام عند اإلمام من
خالل كتابه اإلعالم.
1ـ العادة محكمة
العرف في التشريع اإلسالمي موصول بالقاعدة األصولية الذهبيةـ وهي
تغير األحكام بتغير األزمان ،وعلى هذا األساس يأتي التوظيف المقاصدي
لهذه القاعدة تحت مسمى مقصود الشارع الحكيم وما تغياه في مراعاة
المصلحة المعتبرة التي ال تناقض القاعدة العامة.ـ
فالعرف في اصطالح أهل الشرع :هو ما اعتاده الناس وساروا عليه
من كل فعل شاع بينهم،ـ أو لفظ تعارفوا إطالقه على معنى خاص ال تألفه
اللغة ،وال يتبادرـ غيره عند سماعه،ـ وهو بمعنىـ العادة الجماعية،ـ وقد شمل
هذا العرف القولي والعرف العملي(.)1
فالعرف هو ما اعتاده الناس في أمور دنياهمـ ومعامالتهم،ـ وهو معتبر
في الشرع ،لذلك قال ابن عابدينـ في أرجوزته :والعرف في الشرع له اعتبار
لذا عليه الحكم قد يدار.
وقد وظف اإلمام مسائلـ فقهية كثيرة مبنية على العرف وقد وظفه أيما
توظيف ،لما له من أهمية لها شق كبير في توظيف المقاصد:
ـ مسألة نفقة العرس والهدية
أي الهدايا التي يرسل بها األزواج إلى الزوجة قبل العقد ،فما الحكم إذا
امتنع عن الزواج وطلب هداياه.
عرض القاضي هذه المسألة على الشيخ ابن عتابـ فقال يقضي بها على
قدره وقدرها وقدر صداقها ،وليس عليه أن تثيبهـ إال أن تشاء ،فإن أبت أو أبى
أبوها إن كانت بكرا لم يقض عليه بذلك.
وسأله هل يقضي عليه بالعرس واألجرة المتعارفة عندهم.
فقال :ال يقضي عليه بذلك إن امتنعـ ويؤمر به وال يجبر.
ــ 368ـ
وقد رجح اإلمام ابن سهل أن الصواب في هذه المسألة :أن يقضي عليه
شاٍة»( ،)1مع
بالوليمة لقول النبي عليه الصالة والسالمَ« :أ ْولِ ْم َولَ ْو بِ َ
العمل به عند الخاصة والعامة ،بخالف ما تعطى الماشطة على
الجلوة ال يقضى به عندي إن امتنع منه وال بأجرة ضاربة دف
وال كبر(.)2
واالستدالل هنا واضح في توظيف العرف كأساس تحكم على
وفقه األحكام ،مع مراعاته أن يكون فاسدا أو غير ذلك ،فالعرف
المعمول هو أن يقضى عليه ،وقد عزز اعتبار هذا العرف
الحديث النبوي.
2ـ االستحسان
اشتهر الحنفية والمالكيةـ باالستحسانـ وطفحت كتبهم بإيراده ،وإن
القارئ ليجد في كتبهم كثيرا استعمال أستحسن كذا ،وال أستحسن كذا.
ولقد كان األخذ به مثار ضجة بين الفقهاء فأخذ به الحنفية والحنابلة
والمالكية ،حتى قال اإلمام مالك (( :االستحسان تسعة أعشار العلم))(.)3
ورفض األخذ به اإلمام الشافعي ~ واشتهر عنه ((من استحسن فقد شرع)).
لكن الشافعي نفسه إذا جئنا إلى كتابيهـ الرسالة واألم نجده يقول
أستحسن كذا وكذا ،وبالتالي فالخالف لفظي ،ومقصود الرفض عند الشافعي
هو نفسه مقصود الرفض عند غيره.
وعلى هذا األساس فاالستحسان يمثلـ شقا كبيرا وموردا عظيما من
موارد مقاصد التشريع ،ألن فلسفة االستحسان قائمة على أن المسألة ليس
منصوصا عليها في عين الشرع كتابا وسنة،ـ لكن موارد األحكام في
استقرائها تشهد بجنس نصوص الشرع بجوازه واستحسانه.ـ
ولهذا عرفه ابن رشد فقال(( :هو أن يكون طرحا لقياس يؤدي إلى غلو
في الحكم ومبالغة فيه ،فيعدل عنه في بعض المواضع لمعنى يؤثر في الحكم
يختص به ذلك الموضع.
ــ 369ـ
ومقصدية االستحسان تتبدى من المبنىـ الذي يقوم عليه ،وهي موارد
الشرع ،وموارد الشرع معناه غاياتهـ وأهدافه ،وعلى هذا األساس
فاالستحسان قائم على تقديم مصلحة جزئيةـ في جوار مصلحة كلية نص
الشرع عليها ،لكن شرود الحكم في هذه المصلحة الجزئيةـ إلى حكم آخر ،هذا
ال يعفيهاـ من كونها محاطة بسياج مصلحة كلية أخرى عززتها القواعد
واألصول.
وقد وظف اإلمام عيسى بن سهل االستحسان كثيرا فعلى سبيلـ المثال.ـ
ـ مسألة تحمل الشهادة
معنى المسألة أنه إذا كان هنالك قاض أراد أن يشهد مسألة إلى قاضي
آخر وكان صاحب القضية هو الحامل لها في تحملها ونقلها ،فهذا ال يجوز
بإجماع القضاة ،أما إذا تحمل الكتاب شاهدان وشهد به عند المكتوب إليه
وأثنىـ عليه عندهما بخير ،وإن لم يكن تعديال بينا ،أو توسم فيهما صالحا،
وكان الخط والختم مشهورين معروفين عند المكتوب إليه ،فيرى اإلمام
إجازتها استحسانا(.)1
ووجه االستدالل هنا في إجازة مثل هذا نظرا لتعذر موافقة العدول،
وكذلك ما جرى عليه العمل في صدر السلف من إجازة الخاتم ،واالستحسان
قائم على تلك القرائن المقوية باإلجازة ،وهي اإلشهاد وتوسم الصالح ،وتلك
أمور رفيعة في القضاء تستدعي الفقيه في حسمها إلى ملكة النظر والممارسة.
ـ مسألة قضاء القاضي بعلمه
ذكر اإلمام مسألة القاضي الذي يقضي بعلمه أو بما سمع في مجلس
نظره ،وهذا قياس مطرد ،لكن اإلمام رجح إجازة القاضي ذلك من دون بينة
استحسانا موافقا بذلك ما قاله ابن العطار وابن الماجشون وغيرهم ،وأعار
المسألة بعيار االستحسان ،ووجه االستدالل في نظره أن المسألة في أصلها
خاضعة للملكة التي يكتسب بها القاضي تجربة تجعله يقف على مظان المسألة،
َص ُمونَ ِإلَ َّي وقال بأن ظاهر هذا يعضده الحديثِ« :إنَّ َما َأنَا بَ َ
ش ٌر وَِإنَّ ُك ْم ت َْخت ِ
ض َي لَهُ َعلَى نَ ْح ِو َما َأ ْ
س َم ُع ض َوَأ ْق ِ
ض ُك ْم َأنْ يَ ُكونَ َأ ْل َحنَ بِ ُح َّجتِ ِه ِمنْ بَ ْع ٍ
َولَ َع َّل بَ ْع َ
ــ 370ـ
ش ْيًئا فَاَل يَْأ ُخ ْذ فَِإنَّ َما َأ ْقطَ ُع لَهُ قِ ْط َعةً ِمنْ
ق َأ ِخي ِه َ فَ َمنْ قَ َ
ض ْيتُ لَهُ ِمنْ َح ِّ
النَّا ِر»(.)1
ـ حكم اللبن المغشوش في السوق
هذه مسألة متعلقةـ باالحتسابـ مفادها أن صاحب الحسبة إذا لقي في
السوق بائعاـ يبيعـ لبنا مغشوشا فهل يقوم بإهراقه،ـ أم كيف يصنع ،ذكر مالك
في المدونة من حرف ابن القاسم أنه يتصدق به وال يهراق ،وخالف بهذا ما
روته المدونة عن عمر بن الخطاب أنه كان يطرح اللبن المغشوش في
األرض أدبا مع صاحبه.
لكن مالكا رأى استحسانا أن يتصدق به إذ في ذلك عقوبة للغاش
بإتالف عليه ،وإخراجه عنه ونفع المساكينـ بإعطائهم إياه(.)2
وهذه فقاهة تنم على البعد المقاصدي الذي راعه اإلمام مالك حيث إن
مقصود الزجر قائم ،وذلك في المعاقبةـ باالضافة إلى سلب منه متاعه
وسلعته،ـ ثم في جوار ذلك هنالك إرفاق بالتصدق باللبنـ على الفقراء أو
المعدومين .وهذا نظر حصيف.
3ـ سد الذرائع
هذا دليل يعتبرـ موردا هاما من موارد التقصيد في التشريع ،ألن
مقصود الشارع الحكيم متحقق بغاياته وأهدافه ،ولو تعددت وسائله واختلفت
مناهله،ـ فمتى ما تعطلت المصالح في نفسها ،أو كانت هنالك مسالك
مشروعة ،لكن كانت سببا في تعطيلها،ـ فما كان ذريعة إلى تفويت مقصد
الشارع فهو محظور وإن جازت وسائله.
من هذه الديباجة تظهر لنا مقصدية هذا الدليل وعلى هذا األساس قال
اإلمام القرافي في معناها:ـ ((اعلم أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها
وتكره وتندب ،وتباح ،فإن الذريعة هي الوسيلة ،فكما أن وسيلة المحرم
محرمة ،فوسيلة الواجب واجبة ،كالسعي للجمعة والحج ،وموارد األحكام
على قسمين :مقاصد :وهي المتضمنةـ للمصالح والمفاسد في أنفسها ،ووسائل:
.7رقم .1713
(?) اإلعالم بنوازل األحكام.601 : 2
ــ 371ـ
وهي الطرق المفضية إليها ،وحكمها حكم ما أفضت إليه من تحريم وتحليل،
غير أنها أخفض رتبة من المقاصد في حكمها))(.)3
من هذا النص القرافي الذي حدد المدلول الحقيقي للذرائع وربطها
بالمقاصد يتبين لنا أن مقصود الشرع حاضر في كل الصيغ التي وردت
عليها المسائلـ والنوازل ،وال عبرة بظاهرهاـ وال وسيلتها إذا كانتـ تفضي إلى
المحظور ،وهذا ما نستشفه في التوظيف المقصدي لها عند اإلمام ابن سهل
في نوازله ،فعلى سبيلـ المثال:ـ
ـ مسألة في الصالة في األسواق
وقعت نازلة في عهد اإلمام وهي في حوانيت ابتناهاـ السلطان واكتراها
الناس منه لتجارتهم ،ويقرب هذه الحوانيتـ ثالثةـ مساجد فيها أئمة راتبون،
وفي بعض هذه الحوانيت رجل يؤم الناس في الظهر والعصر ،يقف وسط
الحوانيت،ـ ويصيح الصالة يرحمكم هللا ثم يتقدمهم ويصلي في جوار
الحوانيتـ ويتركون السعي إلى تلك المساجد.
فسأل اإلمام شيخه ابن عتابـ عنها فأجاب :أن صالتهم غير جائزة
ويِؤمروا بالصالة في المساجد ،فإن انتهوا فذلك توفيق من هللا ،وإن أبوا
وذكروا عذرا تركوا على حالهم ،وهللا يعلم المفسد من المصلح.
وانظر ذلك التحقيق المقاصدي في المسألة المذلل بموارد الشرع ،فعدم
جواز صالتهم ،ليس ألن صالة الجماعة واجبة ،ال سيما وفي مذهبناـ الذي
يقول بالسنية،ـ لكن عدم الجواز متعلق بالذريعةـ التي قد تفضي إلى حرام وهي
إقامة جماعة خلف اإلمام ،حيث إن هذا سبيلـ إلى التفرق والفتنة،ـ واجتماع
المسلمين مقصد عظيم من مقاصد الشرع ،إذن فالصالة في الحوانيتـ هو
مظنة إلى االنعزال والتحزب واالنفصال ،ال سيما إذا كان لهم اجتماع كما
ذكر في المسألة ،وموعد ،والذي يعزز الرحمة كما قال ابن عتابـ هو قربهم
من المساجد ،فلو كانت المساجد بعيدة لما كان هنالك حرج ،لكن ولما كان
القرب فهو مظنة وسبيلـ هذه المفسدة.
ــ 372ـ
ثم إن ابن عتابـ قال إذا ذكروا عذرهم كأن تعذروا بسرقة رحالهم إذا
ذهبوا أو لديهم أعذار معتبرة في ال ّشرع ،قال يخلى بينهم وبين ما يفعلون،
ونياتهم إلى ربهم.
وهذا نظر آخر أصاب الفقيه كبد الحكمة فيه ،وهي مسألة النوايا
والباعثـ وهذه المسألة اختلف حولها الفقهاء اختالفا شديدا.
يعني هل ينظر إلى المآالت والنتائج أم يستصحب النظر كذلك إلى النوايا
والبواعث ،وقد وقف اإلمام الشاطبي بين االتجاهين مفترضا هذه المسألة فقال:
((ال إشكال في منع القصد إلى اإلضرار من حيث هو إضرار ،لثبوت الدليل
على أن ال ضرر وال ضرار في اإلسالم ،لكن يبقى النظر في هذا العمل الذي
اجتمع فيه قصد نفع ،وقصد إضرار غيره ،أيمنع منه فيصير غير مأذون فيه،
أم يبقى على حكمه األصلي من اإلذن ،ويكون عليه إثم ما قصد)) ،ويردف
المسألة ويعيرها شيئا من التفصيل فيقول(( :وهو أنه إما أن يكون إذا رفع ذلك
العمل وانتقل إلى وجه آخر في استجالب تلك المصلحة ،أو درء تلك المسألة،
حصل له ما أراد أو ال ،فإن كان كذلك فال إشكال في منعه منه ،ألنه لم يقصد
ذلك الوجه ،إال ألجل اإلضرار ،فلينقل عنه ،وال ضرر عليه ،كما من ذلك
الفعل إذا لم يقصد إال اإلضرار .وإن لم يكن له محيص عن تلك الجهة التي
يستضر بها غيره ،فحق الجالب أو الدافع مقدم ،وهو ممنوع من قصد
اإلضرار))(.)1
ومن هذا النص المحقق يتبين أن الفعل يمنع من صورتين :حالة إمكان
تحقيق مصلحته من طريق آخر ،وحالة قصد اإلضرار فقط ،ويجوز الفعل
في حالة تعينـ ممارسته،ـ وال سبيلـ لتحقيق المصلحة سوى ذلك.
وقد رأينا كيف أعار اإلمام عيسى بن سهل نوازله بمعيار االجتهاد
المقاصدي الذي كان حاضرا حضور المشكالت التي ال يمكن أن نجد لها
حلوال نسترشد فيها مسلكا وسطا إال بهذا االجتهاد ،والمسائل كثيرة ويطول
البحث بتحليلها،ـ فكان همنا ذكرها على سبيل المثال ال الحصر واإلكمال،
حتى نستشف كيف كانت المقاصد حاضرة في مغربنا ،وحتى نجد تفسيرا
(?) الموافقات : :أبو إسحاق الشاطبي ،تحقيق عبد هللا دراز ،المكتبة التجارية.2/349 . 1
ــ 373ـ
دقيقا لسر الطاقة التي فجرها ابنا المغرب اإلمام الشاطبيـ وابن عاشور
وغيرهم ،في تذليل مصاعب هذا العلم وإبداعه.
نكتفيـ بهذه المسائلـ النازلة التي راعى فيها فقهاؤنا الموارد المقاصدية،
وأن حضورها كان فاعال ،ألنه هو األساس في الحكم والجوهر،
فاالستصحاب المقاصدي كما قال اإلمام الشاطبي وغيره ال يمكن أن يتجاهلـ
أو يتأخر ،فالشريعة كلها مقاصد وغايات،ـ ولن ننشد التوظيف الحقيقي للعدالة
اإللهية في تشريعاته،ـ وبغية الصالح لهم ودرء الفساد عنهم عاجال وآجال إال
بمراعات المنظومة المقاصدية أصوال وفروعا وموارد.
وصلى هللا وسلم على سيدنا وموالنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
ــ 374ـ
نظرية ما جرى به العمل وتطبيقاتها على فقه النوازل
د/جمال كركار
كلية العلوم اإلسالمية ،جامعة الجزائر
تمهيد
إن نظرية العمل هي نظرية مالكية محضة ،استطاع علماء المذهب من
خاللها أن يتصدوا للوقائع والنوازل ،ولم يمنعهم تمسكهم باألقوال المشهورة من
أن يخضعوا لسلطان الواقع فتعاملوا مع المستجدات بمرونة تفرضها الضرورة
والحاجة الملّحة حينا ،وتستجيب لتحقيق المصالح ،ودرء المفاسد حينا آخر،
وفي هذه الدراسة أحاول بيان هذه النظرية وتأثيرها في فقه النوازل من خالل
نماذج من مصادر مختلفة ،وأحقاب وأماكن متنوعة مبيّنا مدى أخذ فقهاء
الغرب اإلسالمي بها على وجه العموم ،وفقهاء الجزائر على وجه الخصوص.
تعريف ما جرى به العمل
األخذ بما جرى به العمل في مقابل القول الراجح والمشهور يكون
بسبب موجب ،وهذا الموجب قد يكون لدرء مفسدة ،أو لخوف فتنة ،أو
لجريان عرف في المسائلـ التي مستنداتهاـ أعراف ،وقد يكون الموجب
مصلحة ،ويؤخذ بالعمل في محل خاص ومكان خاص ،فإذا تغير المحل
والمكان رجع إلى القول المشهور أو الراجح.
وهذا المسلك في فقه المالكيةـ راجع إلى أصولهم ،فإن األخذ بالعملـ في
مقابل المشهور يرجع إلى أصل مالك في سد الذرائع ،وجلب المصلحة راجع
إلى أصل المصلحة المرسلة.
وفي حال غياب الموجب الذي جعل الفقيه أو القاضي يأخذ بالضعيف
أو الشاذ ،عاد الحكم إلى أصله األول ،وال يكون األخذ بما جرى به العمل إال
بشروط نذكرها حتى ال نخالف النصوص ونصادم القطعياتـ بدعوى العمل،
أو بدعوى موجب العمل من مصلحة ملغاة ،أو عرف فاسد ،أو ضرورة غير
متحققة ،كأن يكون الموجب في رتبة التحسينات ،فكل هذا ليس من قبيل
العمل الذي يسمح بالخروج عن المشهور.
يطلق هذا المصطلح :ما جرى به العمل "أو" ما مضى به العمل "أو"
المعمول به وغيرها من المصطلحات ويقصد به:
أ ـ ما حكمت به األئمة لرجاحته(.)1
ب ـ ويقصد به ما اختاره القضاة والمفتون من أقوال ضعيفة أو شاذة
أو مهجورة في المذهب ،ثم الحكم واإلفتاء بها تحقيقا لمصلحة أو درءا
لمفسدة ،أو سدا لذريعة أو تحكيما لعرف غالب ،وتبقى هذه الفتوى سائدة
باستمرار الموجب ،فيبقى العمل جاريا بهذه الفتوى أو بهذا الحكم.
ــ 375ـ
تعريف األستاذ عمر الجيدي
قال الدكتور عمر الجيدي(( :والعمل كما استقر عليه الرأي عند المغاربة
هو العدول عن القول الراجح أو المشهور في بعض المسائل إلى القول الضعيف
فيها ،رعيا لمصلحة األمة وما تقتضيه حالتها االجتماعية " أو هو" حكم القضاة
بالقول وتواطؤهم عليه ،من غير أن يكون كل ما حكم به قاض جرى به العمل)).
أو هو(( :اختيار قول ضعيف والحكم واإلفتاء به ،وتمالؤ الحكام
والمفتينـ بعد اختياره على العمل به لسبب اقتضى ذلك))(.)1
الفرق بين العرف والعمل
لقد أطلق لفظ العمل عند علمائنا على معنيين:ـ
1ـ المعنى األول :أطلق مرادفا للعرف.
2ـ المعنى الثاني :مخالفا له.
فالذين لم يفرقوا وجدوا تداخال كبيرا بينهما ،فجريان العمل ما هو إال
عرف متطور.
فالحجوي في الفكر السامي بيّن أن العمل كثيرا ما يكون تابعا للعرف،
ومثل لذلك بما ذكره ابن فرحون في الخالف في متاع البيت ،أن من أدوات ّ
المنزل منها ما هو للرجال ،ومنها ما هو للنساء أي الزوجات ،حسب العوائد
واألعراف.
()2
ثم قال(( :وكل بلد يرجع إلى عمله وعرفه)) .
()3
ورأى الدكتور الجيدي نقال عن ابن خلدون والوزاني وغيرهما هذا
الرأي ورجحه قائال(( :هذا رأي غالبية الفقهاء))(.)4
أما الذين فرقوا بينهماـ فرأوا:
1ـ أن جريان العرف هو تلقائي تتناقلهـ عامة الناس ،أما جريان
العمل فيفتقر إلى قول عالم ثقة.
2ـ إن العرف الصحيح هو أحد األسباب التي ينبنيـ عليها العمل
كمصلحة معتبرة ،أو سد ذريعة ،أو ضرورة ،أو جريان عرف غالب ،أما
العرف فال يستند إلى عمل جار.
1
(?) العرف والعمل ،الجيدي.342 :
(?) الفكر السامي ،الحجوي ،4/229دار الكتب العلمية ،ط ،1بيروت1416 ،هـ ـ 1995م. 2
(?) هو أبو عيسى محمد المهدي بن محمد العمراني الوزاني ،مفتي فاس وفقيهها في 3
زمانه ،ولد بوزان سنة 1266هـ ،وتوفي ~ بفاس 1342هـ له المعيار الجديد،ـ وحاشية
على شرح ميارة وغيرهما ،شجرة النور 2/435ـ 436والفكر السامي .4/364
(?) العرف والعمل.395 : 4
ــ 376ـ
3ـ ورأى الدكتور عمر الجيدي أن الفقهاء ليسوا متفقين على إجراء
العمل في العبادات ،بل إن جمهور المحققين منهم من يمنعـ ذلك ويقصرونه
على المعامالت ،وأن العرف ليس محل اتفاق بينهم من حيث عدم تأثيرهـ في
العبادات ،إذ هناك مسائل كثيرة هي من صميم العبادات أحال الفقهاء فيها
على العرف ،فالخالف الجاري في هذا جار في ذاك ،وإذا كان األمر كذلك لم
يبق لهذا الفرق معنى(.)1
تعريف المشهور :لقد جاء معنى المشهور عند المالكية على ثالثة أقواال:
1ـ أنه ما كثر قائله.
2ـ أنه ما قوي دليله.
3ـ أنه قول ابن القاسم في المدونة.
القول األول :القول بأن المشهور ما كثر قائله.
يقصد بالكثرة عند الفقهاء ما تجاوز عدد الثالثة،ـ فال يقال ن هذا األمر
اشتهر إال إذا قاله ثالثة من العلماء فأكثر .وممن اختاروا هذا القول الدسوقي
في حاشيته،ـ وقال عنه أنه المعتمد ،وقال كذلك المشهور ما كثر قائله ولو كان
مدركه ضعيفا( .)2ومما يعضد هذا التفسير أمور ثالثة:ـ
األول :إن هذا التفسير هو الموافق للمعنى اللغوي في لفظ المشهور،
والشك أن الحكم الصادر عن جماعة أكثر من ثالثة ظاهر.
الثاني :إذا لم يكن تفسير المشهور بهذا المعنى لكان مرادفا للراجح وال
يكون فرق بينهما ،وجمهور األصوليين ال يقولون بالترادف ،بل يثبتونـ
الفرق.
الثالث :لو كان المشهور هو ما قوي دليله لم يتأت في القول الواحد أن
يجمع بين الشهرة والرجحان باعتبارين مختلفين ،رغم أنه من الثابت عند العلماء
أنه يمكن للقول الواحد أن يكون مشهورا لكثرة قائله ،وراجحا لقوة دليله(.)3
ولقد رد هذا القول بأن الكثرة ليست دليال على الصواب.
جاء في المعيار للونشريسي( )4على لسان من يرى خالف هذا الرأي،
مبيّنا أن المشهور هو ما قوي دليله :أن المشهور ما قوي دليله ،وأن مالكا ~
كان يراعي من الخالف ما قوي دليله ال ما كثر قائله ،وقد أجاز ~ الصالة
على جلود السباع إذا ذكيت وأكثرهم على خالفه.
(?) العرف والعمل ،الجيدي ،ص.395 1
(?) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ،1/34دار الفكر ،ط1419 ،1هـ ـ 1998م. 2
(?) االختالف الفقهي في المذهب المالكي ،مصطلحه وأسبابه ،عبد العزيز بن صالح 3
الخليفي ،ص 174الطبعة األولى ،المطبعة األهلية ،قطر 1414 ،هـ ـ 1993م.
(?) أبو العباس أحمد بن يحي بن محمد بن عبد الواحد الونشريسي التلمساني ثم الفاسي 4
فقيه مالكي حمل لواء المذهب على رأس السنة التاسعة ،أخذ عن علماء تلمسان كأبي
الفضل العقباني وابن مرزوق الكفيف ،توفي 914هـ ،له عدة مؤلفات أهمها المعيار.
انظر توشيح الديباج ،65 :وتعريف الخلف .1/62
ــ 377ـ
وأباح بيع ما فيه حق توفية من غير الطعام قبل قبضه ،وأجاز أكل
الصيد إذا أكل منه الكلب ولم يراع في ذلك خالف الجمهور.
وقد بيّن ابن فرحون في تبصرته أن الشهرة قد تكون غير معتمدة على
أصل فذكر قول ابن راشد((( :)1وسمعت بعض الفضالء ينكر لفظة مشهور فإنه
يعول على ما يعضده
قد يشتهر عند الناس شيء ،وليس له أصل قال :إنما ّ
الدليل))(.)2
ثانيا ـ المشهور ما قوي دليله
قال ابن بشير( (( :)3اختلف في المشهور على قولين ،أحدهما إنه ما
قوي دليله ،واآلخر ما كثر قائله ،والصحيح أنه ما قوي دليله)).
ومن المالكية من عرف المشهور بهذا الرأي ،أي ما قوي دليله وهو
ابن خويز منداد( ،)4إذ قال(( :تدل على أن المشهور ما قوي دليله ،وأن مالكا
~ كان يراعي من الخالف ما قوي دليله ال ما كثر قائله))(.)5
وقد نقل ابن فرحون عن ابن راشد :أن ما يعكر على القول بأن
المشهور ما كثر قائله أن بعض المسائلـ وجدنا المشهور فيها المنع ،بينما
عمل األكثرين على الجواز ،ومثّل لذلك بمسألةالتزامـ المرأة لزوجها إرضاع
ولدها حولين كاملين عند الطالق ،والتزام نفقته وكسوته سنتين بعد الحولين
والمشهور أنه ال يلزمها إال الحولين فقط وال يزيد على ذلك ،وجرى العمل
في األندلس على جواز الزيادة إذا اشترطها الزوج وتلزم على المطلقة.ـ
وموجب هذه الفتيا هو اعتبار عرف أهل األندلس ،فلذلك عدلوا عن
المشهور(.)6
القول الثالث :المشهور هو قول ابن القاسم في المدونة
(?) هو أبو عبد هللا محمد بن عبد هللا بن راشد البكري ،فقيه مالكي ،متفنن في علوم شتى 1
ولي قضاء قفصة توفي ~ سنة 736هـ من مؤلفاته "المذهب في ضبط قواعد المذهب".
ترجمته في الديباج 417 :ـ .418
(?) تبصرة الحكام ،1/71راجعه طه عبد الرؤوف سعد ،مكتبة الكليات األزهرية ،ط،1 2
1406هـ ـ 1986م
(?) هو عبد هللا محمد بن سعيد بن بشير ،لقي مالكا وجالسه وسمع منه ثم رحل إلى 3
األندلس ،تولى قضاء قرطبة ،توفي ~ سنة 198هـ .انظر ترجمته في المدارك 2/493
(?) هو محمد بن أحمد بن عب هللا منداد،ـ إمام متكلم فقيه أصولي ،توفي ~ سنة 390هـ، 4
ــ 378ـ
قال ابن فرحون(( :إن قول ابن القاسم هو المشهور في المذهب إذا كان
في المدونة ،والمشهور في اصطالح العلماء المغاربة هو مذهب المدونة))(.)1
وهذا الرأي عارضه فقهاء كثيرون ،فلم يقبلوا أن ينحصر المشهور في
رواية ابن القاسم في المدونة(.)2
وضربوا لذلك مثاال ،وهو أن الماء اليسير إذا أصابتهـ نجاسة ولم يتغير
وصفا من أوصافه فإنه طهور ،ويكره استعمالهـ مع وجود غيره ،فهذا هو
المشهور ،وقول ابن القاسم في المدونة يخالف المشهور فقليل الماء ينجسه
قليل النجاسة وإن لم تغيره ،فكيف يكون القول الضعيف مشهورا(.)3
أقسام العمل
ينقسم العمل إلى قسمين:
القسم األول :عمل مطلق وهو ما جرى به العمل مطلقا في مذهب
مالك غير مقيد بقطر معين ،وال بمكان مخصوص.
القسم الثاني :العمل اإلقليمي وهو الخاص بإقليم معين كمنطقة زواوة،
أو تلمسان ،أو قسنطينة،ـ فالعمل قاصر على أماكن خاصة ،وال يجوز اإلفتاء
إال بالموجب الذي يتحقق في المنطقة الخاصة ،وهو يقابل في تقسيم العرف،
العرف الخاص.
شروط العمل
شروط تقديم ما جرى به العمل
اشترط الفقهاء المالكيةـ لتقديم ما جرى به العمل خمسة شروط:
الشرط األول :ال بد أن يثبتـ جريان العمل ،حتى ال يرد القول
المشهور بمجرد الدعوى ،ومن هنا اشترطوا النقل الصحيح الذي يفيد اليقين
وال يكون هذا إال بشهادة الشهود المثبتين أن هذا الحكم جرى به العمل من
قبل العلماء المقتدى بهم.
وقالوا إن ثبوت جريان العمل ال يكون بنقل العوام الذين ال يفرقون بين
خبر صحيح وخبر كاذب .
ــ 379ـ
قال الشيخ ميارة()1في شرح الالّمية:ـ ((وال يثبت العمل المذكور بقول
عوام العدول ممن ال خبرة له بمعنى لفظ المشهور أو الشاذ فضال عن غيره،
جرى العمل بكذا فإذا سألته عمن أفتى به أو حكم به من العلماء توقف
()2
وتزلزل ،فإن مثل هذا ال يثبتـ به مطلق الخبر فضال عن حكم الشرعي)) .
قال الدكتور عمر الجيدي في هذا الشرط(( :ووجه اشتراط الشرط
األول ،أن قول القائل في مسألة معينة ،بهذا جرى العمل ،قضية نقلية يبنى
عليها حكم شرعي فال بد من إثباتها بنقل صحيح حتى يصبح في قوة
المشهور والراجح))(.)3
الشرط الثاني :معرفة محل جريانه ،عاما أو خاصا بناحيةـ من البلدان
ألنه إذا جهلنا المحل أو الزمان ،يصعب تعدي الحكم إلى مكان آخر لكون كل
مكان له خصوصياته،ـ فالحكم يتغير بتغير األزمنة واألمكنة.ـ
وهنا يدخل العرف الخاص ،فأهل الزواوة جعلوا من التين المجفف
طعاما لهم ،وأدخله بعضهم ضمن الطعام المزكى ،وهو عند غيرهم فاكهة
وليس قوتا يقتات به.
وهكذا كثير من المسائلـ التي تختلف باختالفـ الزمان والمكان ،فما
كان نفيسا عند قوم فقد يكون خسيسا عند آخرين ،وما كان عمال شريفا عند
قوم فقد يكون هوانا عند آخرين.
الشرط الثالث :معرفة زمانه ،فموجبات العمل لها عالقة بالزمان
والمكان،ـ فإذا ثبت موجب العمل في منطقة،ـ فليس بالضرورة أن يثبتـ في
غيرها ،كما إذا ثبتـ في زمان ليس بالضرورة أن يتعدى زمانا آخر ،ومتى
سقط الموجب رجع الحكم إلى المشهور.
الشرط الرابع :مـعـرـفـةـ كـوـنـ مـنـ أـجـرـىـ ذـلـكـ اـلـعـمـلـ مـنـ اـألـئـمـةـ
اـلـمـقـتـدـىـ بـهـمـ فـيـ اـلـتـرـجـيـحـ،ـ قـاـلـ اـلـدـكـتـوـرـ اـلـجـيـدـيـ:ـ (ـ(ـفـإـنـ اـلـعـمـلـ مـنـ اـلـمـقـلـدـ
بـمـاـ جـرـىـ بـهـ اـلـعـمـلـ تـقـلـيـدـ لـمـنـ أـجـرـاـهـ،ـ وـإـذـاـ لـمـ يـعـرـفـ مـنـ أـجـرـاـهـ لـمـ تـثـبـتـ
أـهـلـيـتـهـ إـذـ رـبـمـاـ عـمـلـ بـعـضـ اـلـقـضـاـةـ بـاـلـمـرـجـوـحـ لـجـهـلـهـ أـوـ جـوـرـهـ،ـ الـ
لـمـوـجـبـ شـرـعـيـ،ـ فـيـتـبـعـهـ مـنـ بـعـدـهـ بـنـحـوـ ذـلـكـ،ـ فـيـقـاـلـ جـرـىـ بـهـ اـلـعـمـلـ،ـ وـالـ
يـجـوـزـ اـلـتـقـلـيـدـ فـيـ اـلـجـوـرـ وـاـلـجـهـلـ)ـ)ـ(ـ)4ـ.ـ
(?) هو أبو عبد هللا محمد أحمد بن محمد ميارة الفاسي فقيه مالكي من أهل فاس ،ولد 1
سنة 999 هـ وتوفي 1072هـ ،من مؤلفاته" شرح األرجوزة المسماة بتحفة الحكام
البن عاصم" ،ترجمته في شجرة النور.2/309 ،
(?) البهجة ،التسولي.1/45 ، 2
ــ 380ـ
قال الحجوي((( :)1وإال فالعمل ال يعتمد إال إذا جرى بقول راجح ،أو
من قاض مجتهد الفتوى بين وجه ترجيح ما عمل به ؛ ألن المجتهد هو الذي
يقدر على تمييز ما هو مصلحة وما هو مفسدة أو ذريعة إليها ،ويميز ما هو
في رتبة الضرورات أو الحاجيات ،وما هو في رتبة التحسينيات ،وما ألجأت
إليه المحافظة على النفس أو الدين أو النسل أو المال أو العرض أو العقل))
(.)2
ولقد أكد الشيخ الشنقيطي()3على ضرورة إثبات عزو الكالم إلى
صاحبه واشترط أن يثبت عزوه إلى قائله خوف أن يكون ممن ال يقتدى به
لضعفه في الدين أو العلم أو الورع وإال فال يجوز العمل به ،ورأى وجوب
تعلق شهادة العدول بتقديم القول الضعيف على المشهور(.)4
غير أن العلماء اختلفوا في ذكر وتسمية القاضي الذي أجرى ذلك
العمل قال صاحب نظرية األخذ بما جرى به العمل :ذهب البعض إلى
التساهل في هذه المسألة وجعلوا عدم ذكر من أجرى العمل أمرا مباحا يجوز
ذكره ويجوز السكوت عنه،ـ لكن المطلوب أن يشيع ذلك العمل على ألسنة
الفقهاء ،أو في مؤلفاتهم ،وذهب آخرون كالشيخ الرّهوني( )5إلى لزوم ذكر
من أجرى تلك األعمال من المتقدمين ،كما يلزم على المتأخرين بيانـ ذلك.
وحجة أصحاب الرأي األول أن اإلمام مالك ~ بالنسبة لعمل أهل
المدينة ال يذكر في موطئه أسماء من أجرى العمل إنما يكتفي في قوله:
((األمر المعمول به عندنا ،وعليه العمل عندنا ،هو األمر المجتمع عليه
عندنا...ـ)).
(?) هو محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الفاسي ،من مؤلفاته الفكر السامي ،توفي ~ 1
(?) هو أبو محمد عبد هللا بن إبراهيم الشنقيطي ،أقام مدة بفاس ،من آثاره نشر البنود، 3
األعالم.4/187 ،
(?) نشر البنود ،2/327دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط1409 ،1هـ ـ 1988م. 4
(?) هو عبد هللا بن محمد الرّهوني ،عالم محقق ،له حاشية على شرح ميارة ،ولد سنة 5
1159هـ
وتوفي 1230م ،ترجمته في شجرة النور.2/378 :
ــ 381ـ
وأما حجة الفريق الثانيـ أن البحث عمن أجرى العمل لمعرفة هل هو
من المؤهلين المجتهدين،ـ قال اإلمام الشافعي(( :ليت شعري من هؤالء الذين
ال يسمون فإننا نعرفهم ولم يكلف هللا أحدا أن يأخذ دينه عمن ال يعرف))(.)6
الشرط الخامس :معرفة السبب الذي ألجله عدلوا عن المشهور ،فإذا
جهل الموجب امتنع تعدية الحكم إلى بلد آخر ،والموجب كما ذكرنا إما ضرورة
ملحة قائمة ،أو سد ذريعة أو سلطان عرف مستحكم ،أو مصلحة معتبرة. ّ
حجية العمل (إثبات العمل)
إن الحديث عن حجية عمل األمصار يجرنا إلى سرد أقوال علماء
األندلس والمغرب باختالف أمصاره ،غير أني اكتفي بقول علمين أحدها
أندلسي والثانيـ جزائري.
أوال ـ موقف اإلمام الشاطبي ~
قال الشاطبي مثبتا حجيته(( :واألولى عندي في كل نازلة يكون فيها
لعلماء المذهب قوالن ،فيعمل الناس فيها على موافقة أحدهما وإن كان
مرجوحا في النظر ،أن ال يعرض لهم ،وأن يجروا على أنهم قلدوه في
الزمان األول وجرى به العمل ،فإنهم إن حملوا على غير ذلك ،كان في ذلك
تشويش للعامة ،وفتح ألبواب الخصام ،وربما يخالفني في ذلك بعض
()2
الشيوخ ،ولكن ذلك ال يصدني عن القول به ،ولي فيه إسوة))
(?) المعيار الونشريسي 2/196طبعة دار الغرب اإلسالمي بيروت 1401هـ ـ 1981م. 3
ــ 382ـ
موقف المقري ~
()
رد اإلمام المقري 1شرط أهل قرطبة قائال(( :وعلى هذا الشرط
ترتب إيجاب عمل القضاة باألندلس ،ثم انتقل إلى المغرب ،فبينا نحن ننازع
الناس في عمل المدينةـ ونصيح بأهل الكوفة مع كثرة ما نزل بها من علماء
األمة كعلي وابن مسعود ومن كان معهما ثم انشد:
سنح لنا محض الجمود ومعدن ليس التكحُّل في العينين كال َك َح ِل
التقليد
ثم قال:
حتى رأيت من الزمان عجائباـ هللا أخر مدتي فتأخرت
إلى أن قال(( :يا هلل والمسلمين ذهبت قرطبة وأهلها ،ولم يبرح من
الناس جهلها ما ذاك إال أن الشيطانـ يسعى في محو الحق فينسيه والباطلـ ال
يزال يلقنه))(.)2
غير أن معظم فقهاء المذهب على خالف هذا الرأي ،وإن الذين قالوا
بحجية العمل تخوفوا من اعتبار الموجب في غير موضعه.
قال الشنقيطي(( :فال يجوز للمفتي أن يفتي بغير المشهور ،ألنه كما قال
المسناوي ال يتحقق الضرورة بالنسبةـ إلى غيره كما يتحققهاـ من نفسه ،ولذلك
سدوا الذريعة ،فقالوا تمنع الفتوى بغير المشهور خوف ان ال تكون الضرورة
محققة ،ألجل أنه ال يعمل بالضعيفـ إذا تحققت الضرورة يوما ما.)3())...
ومعظم الذين ردوا العمل لم يردوه مع تحقيق الموجب من مصلحة
قائمة أو سد الذريعة ،أو عرف جار غالب ،أو رفع ضرر عام ،وإنما تخوفوا
من التساهل في تتبعـ العمل بدعوى تحقق الموجب ،أو تتبعـ الرخص أو
األقوال الواهية الشديدة الضعف.وهذه نقول لمواقف بعض العلماء من المنع
من الخروج عن المشهور.
ضرورة العمل بالمشهور :قال عالم بجايةـ الشيخ عبد الرحمن
الوغليسي((( :)4لست ممن يتقلد غير المشهور الذي عليه القضاء والفتياـ من
السلف والخلف ،فاعمل على جادة أئمة المذهب ،واحذر مخالفتهم ،وقد قال
(?) هو شهاب الدين أحمد بن محمد بن يحي ،أبو العباس المقري التلمساني ،ولد ونشأ 1
بتلمسان ثم انتقل إلى فاس ثم القاهرة وتوفي بمصر سنة 1041هـ ،من مؤلفاته نفخ
الطيب ،انظر تعريف الخلف .1/48
(?) نفخ الطيب أحمد المقري ،557 ،1/556تحقيق إحسان عباس ،دار صادر ،بيروت، 2
1408هـ1988 م .ومن الذين اتبع منزع المقري العالمة الشريف التلمساني لكن علماء
زمانه أنكروا عليه ذلك ،ورأوا أنه ال يخرج عما عوّل عليه زعماء الفقهاء كابن رشد
وأصحاب الوثائق كالمتيطي من اعتماد أهل قرطبة ومن في معناهم.
(?) نشر البنود 2/276وما بعدها. 3
ــ 383ـ
المازري( )1ال أفتي بغير المشهور ،وال أحمل الناس على غيره ،وقد قل
الورع والتحفظ على الديانة ،وكثر من يدعي العلم ويتجاسر على الفتوى فيه
بغير بصيرة ،فلو فتح لهم باب مخالفة مشهور المذهب التسع الخرق على
الرقع ،وهتك حجاب هيبةـ المذهب ،وهذا من المفسدات التي ال خفاء بها،
وهذا في زمانه فانظر في أي زمان نحن))(.)2
ومن علماء الجزائر كذلك ما قاله سيدنا أبو الفضل قاسم العقباني ~ ما
نصه في الحكم الذي عدل عن المشهور إلى الشاذ فإن حكم به لمظنة أنه
المشهور نقض حكمه ،وإن حكم به مع العلم بأنهـ الشاذ إال أنه ترجح عنده،
فإن كان من أهل النظر ممن يدرك الراجح والمرجوح ،وهذا يعز وجوده
مضى حكمه ،وإن لم يكن من العلم بهذه المنزلة زجر عن موافقة مثل هذا،
وينبغي أن يؤخر عن القضاء إن لم ينزجز ،فإن اإلمام الذي قدمه والذي قدم
للحكم بينهمـ إنما يرضون منه الحكم بالمشهور))(.)3
ثم نقل الشيخ قول الشاطبيـ عن المازري(( :انظر كيف لم يستجز هذا
اإلمام العالم وهو المتفق على إمامتهـ وجاللته الفتوى بغير مشهور المذهب
وال بغير ما عرف منه بناء على قاعدة مصلحية ضرورية إلى أن قل الورع
والديانةـ من كثير ممن ينتصب لبث العلم والفتوى ،فلو فتح لهم هذا الباب
النحلت عرى المذهب ،بل جميع المذاهب ،ألن ما وجب للشيء وجب لمثله،ـ
وظهر أن تلك الضرورة التي أدعيت في السؤال ليست بالضرورة))(.)4
انواع العمل (العمل األندلسي ،العمل الجزائري)
العمل األندلسي
(?) هو أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد الوغليسي البجائي ،عالم بجاية ومفتيها ،إمام 4
صالح فقيه أصولي نشأ في بجاية وتولى الفتيا بها ،أخذ عن جماعة من العلماء األجالء
كأبي الحسن علي بن عثمان المنجالتي الزواوي والقاسم بن محمد المشدالي ،من مؤلفاته
الجامعة في األحكام الفقهية على مذهب اإلمام مالك ،وهي ما يعرف بالوغليسية ،توفي~
ببجاية سنة 786هـ ،شجرة النور ،ص .237
(?) هو أبو عبد هللا محمد بن علي بن عمر المازري المعروف باإلمام ،كان عالما محققا 1
مجتهدا ،بلغ درجة اإلجتهاد ،كما كان يفزع إليه في الطب توفي بالمهديةـ سنة 536هـ
ترجمته في معجم المؤلفين .11/321
(?) فتح العلي المالك ،لعليش 1/74طبعة مصطفى البابي الحلبي مصر 1378هـ ـ 2
1958م.
(?) نفس المصدر .1/74 3
ــ 384ـ
إن فقه العمل لم يبدأ من عهد مالك ~ بل ثبتـ عن شيوخه( ،)1وثبت
عند الحنفية والشافعية ،إال أن اإلمام مالك جعله من أصوله ،ولما انتشر فقه
مالك في األندلس سرت هذه الفكرة إلى المنطقةـ ثم انتقلتـ إلى المغرب
العربي ابتداء من فاس ،فإن عملهم كان في الجملة تابعا لعمل أهل األندلس
خصوصا بعد تغلب األمويينـ آخر القرن الثالث وأول الرابع.
وألن أهل المغرب نبذوا مذهب العبيديين الشيعي بالقيروان ،وأقبلوا
على اعتدال مذهب األمويينـ السني ،لهذا فضلوا عمل أهل األندلس على
عمل أهل قيروان(.)2
وأثبتتـ هذه الحقيقة من قبل أبو العباس المقري التلمسانيـ الذي قال:
((واعلم أنه لعظم أمر قرطبة كان عملها حجة بالمغرب حتى أنهم يقولون في
األحكام :هذا مما جرى به عمل قرطبة،ـ وفي هذه المسألة نزاع كثير))(.)3
وتعظيماـ لمذهب مالك ~ في األندلس فإن قوله لم يخالف لمدة خمسة
قرون إال في نحو ست مسائل،ـ ولم يخالف ابن القاسم إال في ثمانيةـ عشرة
مسألة ،وهذه المسائل المخالف فيها هي ذاتها ما يسمى بجريان عمل قرطبةـ
واألندلس ،والتي تأثر بها المغاربةـ ومن ضمنهم فقهاء الجزائر.
وأما مخالفة مالك داخل المذهب فثابتة ،لكن الحكم والقضاء كان في
الغالب بالمشهور ،وقليال ما ينتقل إلى أقوال علماء المذهب المخالفين ،وممن
خالف مالك من علماء األندلس على سبيل التمثيل أذكر بعض آراء ابن حبيب
القرطبي( )4التي خالف فيها مالكا ،والتي بنى كثير من الفقهاء فتاويهم على
اجتهاداته
1ـ في المذهب ال زكاة في التين وهو يقول بزكاتهاـ(.)5
2ـ في المذهب أن االستجمار يجزئ مع عدم الماء ومع وجوده ،خالفا
البن حبيب الذي يقول إنه ال يباح استعمال األحجار إال لمن عدم الماء(.)6
(?) الزهري ،وربيعه بن أبي عبد الرحمن ومن عاصرهما ،وشيوخهم كسعيد ابن 1
المسيب ،وأبي سلمة بن أبي عبد الرحمن ،كما أخذ الحنفية بعمل علماء العراق ،واحتج
الشافعي بعمل أهل مكة.
(?) الفكر السامي في تاريخ الفقه اإلسالمي ،محمد بن الحسن الحجوي ،4/465اعتنى به 2
أيمن شعبان ،الطبعة األولى ،دار الكتب العلمية ،بيروت لبنان 1416هـ ـ 1995م.
(?) نفح الطيب ،المقري.1/556 ، 3
(?) هو أبو مروان عبد الملك بن حبيب القرطبي ،كان حافظا للفقه على مذهب مالك، 4
انتهت إليه رئاسة األندلس بعد يحي بن يحي ،روى عنه قيس وزياد بن عبد الرحمن،
وسمع ابن الماجشون ومطرفا وغيرهما وتوفي سنة 238هـ ،شجرة النور الزكية.1/74 :
(?) انظر االستذكار البن عبد البر .3/234دار الكتب العلمية ،بيروت 1423هـ2002 ، 5
م.
(?) شرح زروق على الرسالة ،1/102وانظر رأي ابن حبيب في مواهب الجليل 1/41 6
وهذا هو مذهب سحنون ومشى عليه العالّمة خليل ومقابله البن حبيب،ـ
وهو متى تعذر باليد سقط الدلك وص ّوبه ابن رشد(.)2
5ـ إذا رفع الذابح يده عن الذبيحة بعد قطع بعض الحلقوم واألوداج
وطال رفع ثم أعاد يده فأجهز فال تأكل،ـ وهذا باتفاق،ـ واختلف إذا رجع
()3
بالقرب ،فقال سحنون(( :تحرم وقال ابن حبيب:ـ تؤكل واختاره اللّخمي ،ألن
كل ما طلب فيه الفور يغتفر فيه التفريق اليسير ،والطول مقيد بما لو تركت
لم تعش ،إماإن كانت حين الرفع لو تركت لعاشت أكلت ،ألن الثانية ذكاة
مستقلة))(.)4
ومن اآلراء واالجتهادات التي خالف فيها أهل األندلس مالكا وابن
القاسم للموجباتـ التي ذكرتها في المقدمة ما يلي:
أوال ـ المسائل التي خالفوا فيها اإلمام مالك ~
هي ست مسائلـ(:)5
1ـ مسألة سهم الفرس ،فمذهب مالك للفرس سهمين ،ولراكبه سهم
واحد في الغنيمة.
أما المالكيةـ في األندلس فيرون للفرس سهم وللراكب سهم.
2ـ غرس األشجار في المساجد ،فمالك يرى عدم جواز ذلك وعند أهل
األندلس جوازه.
3ـ الحكم باليمينـ والشاهد :ال يجوز ذلك عند األندلسيينـ والمذهب
جوازه.
(?) الفواكه الدواني ،النفراوي ،1/175 ،المكتبةـ الثقافية ،بيروت ،لبنان ،د ت ط. 2
(?) أبو الحسين على بن محمد المعروف باللخمي القيرواني ،كان إماما فقيها من علماء 3
المالكية وحفاظها ،سكن سفاقس سنة 478هـ ،الفكر السامي للحجوي.4/250 ،
(?) كفاية الطالب الرباني لرسالة ابن أبي زيد القيرواني ،ألبي الحسن المالكي،1/510 ، 4
ــ 386ـ
4ـ كراء األرض بجزء منها ،مذهب مالك عدم جواز كراء األرض
بجزء ما يخرج منها من زرع وغيره وعند أهل األندلس جواز ذلك(.)1
5ـ جرى عمل األندلسيينـ بأن يرفع المؤذن صوته أول اآلذان ومذهب
مالك إخفاء ذلك.
6ـ مذهب مالك وكافة أصحابه إلى أنه ال تجب اليمين إال إذا كانت
هناك خلطة بين المدعى والمدعى عليه ،وأما األندلسيون ال يعتبرون الخلطة،
ويوجبون اليمينـ بمجرد الدعوى وعليه العمل اليوم.
وذكر المهدي الوزاني في معياره الجديد أبياتا جمعت هذه المسائل
وهي للشيخ ابن غازي(.)2
في ستة منهن سهم الفرس قد خولف المذهب باألندلس
والحكم باليمين قل والشاهد وغرس األشجار لذا المساجد
ورفع تكبيرـ األذان األول وخلطة واألرض بالجزء تلي
(?) وجرى بهذا العمل في الزواوة فهم يعرفون عقد الخماس وكراء األرض بجزء منها، 1
انظر مقال أبي بكر عبد السالم حول المغارسة في المجلة اإلفريقية رقم 79لسنة 1936م،
ص 829هـ ،وانظر البهجة في شرح التحفة ،التسولي ،2/163 ،دار الفكر ،ط1370 ،2هــ ـ
1951م.
(?) هو أبو عبد هللا محمد بن أحمد علي بن غازي المكناسي ،ولد سنة 841هـ ،تولى 2
رئاسة العلم والفتيا بمدينة فاس ،كان فقيها مؤرخا توفي ~ بفاس 929هـ .توشيح الديباج
لبدر الدين القرافي ،ص .176
(?) حلي المعاصم ،التاودي بهامش البهجة.1/349 ، 3
ــ 387ـ
6ـ جواز التفاضل في المزارعة ،وهذا قول عيسى بن دينار وعليه
العمل(.)5
7 ـ عقد المزارعة الزم قبل البذر على األصح ،وقيل ال تلزم إال
بالشروع في العمل وهو البن كنانة في المبسوط وابن رشد وبه جرت الفتوى
بقرطبة(.)2
8ـ وجوب الشفعة في الفرن والحمام والرحى إذا بيع وحده ،وجرى
العمل في هذه الثالث ،وإن كان خالف المشهور(.)3
9ـ دخول الشيء المستحق في ضمان المستحق منه ،وتكون له الغلبة،ـ
ويجب توقيفه وقفا يحال بين الشيء وبين المستحق منه إذا ثبت بشاهدين،ـ
وهو قول مالك.
10ـ عدم جواز الشهادة على خط الشاهد إال في األحباس المعقبةـ إذا
اقترن به السماع.
11ـ وجوب اليمين على الحالف قائما مستقبلـ القبلة ،وهو مذهب
ابن الماجشون.
12ـ لو شهد قوم بالتجريحـ وآخرون بالتعديل فشهادة المجرحين أتم
ألنهم علموا من الباطن ما لم يعلم المعدلون وهو قول ابن نافع وسحنون وبه
جرى العمل(.)4
وفي الختام يمكن القول أن المتأخرين خالفوا المتقدمين في كثير من
المسائل للضرورة ولغيرها حتى بالغ بعضهم في الضرورة ومنه ما جاء في
الفواكه الدواني :أرخص للعروس في سبعة أيام أن تمسح في الوضوء والغسل
على ما في رأسها من الطيب ،وإن استعملته في سائر جسدها تيممت ،ألن إزالته
من إضاعة المال المنهي عنها ،قال الحطاب :وهذا خالف المعروف من
المذهب(.) 5
العمل الجزائري
إن عمل أهل الجزائر في أغلبه تابع للعمل األندلسي على اختالف بين
المناطق ألن من مستنداتـ األخذ بالعملـ اختالف األعراف والعادات.
()6
فعمل تلمسان مثال كان تابعاـ لعمل األندلس ،قال القاضي اليزناسي :
((والذي أخذناه عن األشياخ من أهل األحكام والموثقين أن عمل بلدنا ـ
(?) البهجة ،التسولي.2/203 ، 5
(?) الفواكه الدواني ،النفراوي ،1/174 ،وهو قول أبو عمران الفاسي. 5
(?) أبو زيد عبد الرحمن بن محمد اليزناسي ،فقيه ،فاضل ،صالح استوطن فاس ،رحل إلى 6
المشرق ولقي علماء كثيرين ،وصاحب نجم الدين بن شاس ،كان محصال لمذهب مالك
على طريقة األقدمين ،توشيح الديباج ،ص ،152وانظر ترجمته في عنوان الدراية :ص
.223
ــ 388ـ
تلمسان ـ وما بعدها من المغرب كفاس ومراكش إنما هو على عمل األندلس
ال على عمل تونس ومصر))(.)1
ولليزناسي شرح على تحفة ابن عاصم( )2التي جاءت حافلة باألخذ بما
جرى به العمل عند الفقهاء والقضاة المغاربة.ـ
وإن تأثر منطقة المغرب العربي عموما ،والمغرب األوسط على وجه
الخصوص كان بعد سقوط األندلس ،وهجرة علمائهاـ إلى المغرب(.)3
ثم إن ال ّرحالت العلمية التي كانتـ بين حواضر المغرب األوسط
واألقصى كان لها األثر في أخذ علماء الجزائر.
بيعتـ بقسنطينةـ العظيمةـ وفي جهاز صنيعة اليتيمة
()4 لما عدا معرة عليها
ترك شراء شورة إليها
ومعناه أن تشوير اليتيمة بمالها جرى به العمل وهذا خضوعا لعرف
المنطقة ،والناظر في كتاب الدرر المكنونة يجد صاحبه قد أخذ عن علماء
فاس،
وكذا عن علماء تونس وذلك ألن علماء الجزائر كانت اتصاالتهم متعددة
تأثرت في أكثر األحوال بقوة السلطات الحاكمة كالدولة الحفصية ،ولذلك نجد
بعض المسائلـ المتعلقةـ بالعملـ مطروحة في كتب تجمع فقه المغاربةـ ككتب
الونشريسي،ـ والبرزلي ،والعلمي( ،)5والمازوني( ،)6وأما المسائل المكررة في
دول المغرب العربي؛ الجزائر وتونس والمغرب.
منها مسألة الوقف على الذكور دون اإلناث وجريان العمل بذلك ،مسألة
الخماس ،مسألة شهادة اللفيف وغيرها ،وفي الخالصة فإن العمل الجزائري:
1ـ منه ما هو تابعـ لفاس واألندلس.
2ـ منه ما هو تابعـ لتونس ومصر.
3ـ عمل خاص به
لماذا لم ينتشر فقه العمل في الجزائر
(?) فتح الجليل الصمد.222 : 1
(?) أبو بكر ابن عاصم الغرناطي ،ولد سنة 760هـ كان فقيها أصوليا محدثا ،متقنا لعلوم 2
(?) هو يحيى بن أحمد بن عبد السالم عرف بالعلمي نسبة إلى العلم ،أخذ الحديث عن 5
ابن حجر ،ودرس في األزهر ،توفي رحمه 888هـ .توشيح الديباج ،ص.262
(?) هو يحيى بن موسى بن عيسى بن يحيى ،أبو زكريا المغيلي المازوني ،فقيه ،قاض، 6
من أعيان المالكية ،نشأ في مازونة وولي القضاء فيها ،توفي ~ بتلمسان ،من آثاره
الدرر المكنونة في نوازل مازونة ،معجم أعالم الجزائر ،ص.281
ــ 389ـ
هذا سؤال مهم طرحه بعض فقهاء القانون زمن االحتالل الفرنسي
لبلدنا الجزائر ،خصوصا بعض الدكاترة الذين تولوا تدريس الشريعة في
الجامعة المركزية بالجزائر ،ومن الذين قاموا بمهمةـ تدوين الفقه المالكي،
أمثال مارسل موران ( )Marcel Morandوكدوز (.)1()Kadoz
()2
وممن اهتموا بفقه العمل في المغرب أمثال " ميو" ()Milliot
و"جورج مارسي"( )Georges Marcyو"سردون " (.)Surdon
فمارسيل موران بيّن توجه فقه المالكية إلى األقوال المشهورة في
كتابه" دراسات في الفقه اإلسالمي الجزائري "( ،)3وسردون كالمه حول
تاريخ اللفيف( )4وفي كتابهـ اآلخر" مؤسسات وأعراف البربر في
المغرب"(.)5
وممن اهتموا بفقه العمل جورج مارسي في كتابهـ "القانون العرفي
لزمور"( ،)6فكل هؤالء المؤلفين بينوا نزوع الفقهاء المغاربةـ إلى نظريةـ
العمل ،وقلة هذا عند علماء الجزائر ،الذين تأثروا من باب االحتكاك
بالمغاربة،ـ كمسألة الخماس وموقف الفقه المالكي منها،ـ وكذا مسألة الوقف
على الذكور دون اإلناث وغيرهما من المسائلـ المرتبطةـ بهذا الموضوع.
وأشار هؤالء في دراستهم إلى توسع المغاربةـ في األخذ بهذه النظرية
التي انبهر بها الفقه الغربي.
وفي المقابل أشاروا إلى تشبثـ القطر الجزائري بالقول المشهور فكان
التأخر واضحا في األخذ بفقه العمل.
كما أكدوا أن االلتزام بمختصر خليل هو من أهم األسباب التي ضيقت
نطاق توسع نظرية العمل في المغرب األوسط ،وحتى أن المجلة التي د ّونها
الدكتور "مارسيلـ موران" قد اعتمدت على األقوال المشهورة في المذهب.
(?) كدوز :هو رجل قانون فرنسي ،من مؤلفاتهDroit Musulman malékite Paris : 1
1870
2
(?) ميو :دكتور في القانون ،ومحامي مشهور من مؤلفاته المؤسسات القبائلية:
Les institutions kabyles. La femme Musulmane au magreb. Introduction a Létude
du droit Musulman
3
)? (Etudes de droit musulman algérien. Alger 1910 imprimerie de
l'université.
4
)? (L'histoire de l'afif، revue magrébine 1939.
5
)? (Institutions et coutumes des berbères du page: p 435، Tanger 1936.
6
)? ( Le droit coutumier zemmour p: 43.
((وممن اهتم بفقه المغاربة جاك بيرك في كتابه
Essai sur la méthode juridique magrébine،p121، Jacques Berque، Rabat 1944
ــ 390ـ
وهذه الحقيقة نقلها الدكتور عبد السالم العسري عن المجلة المغربية
للقوانين والمذاهب التي ذكرت موقف سردون من العمل في الجزائر ،حيث
قال(( :إن مجرد اإللمام بالدواوين الموروثة عن إسبانياـ اإلسالمية تفيد القارئ
أن الفقه المالكي ينقسم إلى قسمين:
القسم األول ـ المشهور :ويعنون به األقضية الصادرة عن المتقدمين.
القسم الثاني ـ العمل :يريدون به أقضية المتأخرين،ـ ومن بابه دخل
التجديد على مذهب مالك ،ومما هو حري بالعجب أن الجزائر لم تتمسك من
هذه الناحيةـ إال بالمشهور سواء من جهة الفقه والبحث ،أو من جهة النوازل.
ولعل السبب فيه ما تقرر عند فقهاء األندلس قاطبة من أن ما د ّون
بمختصر خليل هو من حيز المشهور ،فبان مما تقدم أن الكلية الفرنساوية
فيما يرجع للفقه اإلسالمي جهلت وما زالت تجهل إلى اليوم العمل الجديد
الطارئ على مذهب مالك ،مما هو مد ّون في كتب النوازل كالمعيارـ وما
ضاهاه))(.)1
من كالم رجال القانون والشريعة خالل فترة االحتالل يظهر أن نظريةـ
العمل في الجزائر كانتـ في سيرها متأخرة عما كان عليه الحال في المغرب،
ولهذا كان التأثر بالمدرسة المغربيةـ واضحا في فتاوى علماء الجزائر في
كثير من المسائلـ المتعلقةـ بالعمل،ـ بل حتى المدارس األوروبيةـ تأثرتـ به كما
أكد ذلك دكاترة القانون أنفسهم.
(?) نظرية األخذ بما جرى به العمل عن المجلة المغربية للقوانين والمذاهب األهلية ص: 1
ــ 392ـ
الناس مع أهوائهم أو ينظر فيها بغير اجتهاد شــرعي وهو أيضا اتبــاع للهــوى
وذلك كله فســـاد ،فال يكـــون بد من التوقف ال إلى غايـــة،ـ وهو معـــنى تعطيلـ
التكليف لزوما وهو مؤد إلى تكليف ما ال يطاقـ فإذا ال بد من االجتهــاد في كل
زمان ألن الوقائع المفروضة ال تختص بزمان دون زمان))(.)1
وهذا االجتهاد لم يكن عند السالفين من الفقهــاء بضــاعة مزجــاة يــرغب
عنها الدالل ،ويطلبهاـ الــراغب لها بــأبخس األثمــان ،أو حرفة ممتهنةـ يحســنها
كل عاطل ،ويدعيها كل خاطــل ،بل االجتهــاد فريضة محكمــة ،ال يســتحقه إال
كل فقيه حاذق؛ ولذا نرى أن فقهاءنا رحمهم هللا لم يقصروا في بيانـ الحـوادث
التي تــنزل بهم ،بخالف ما يدعيهـ كثــير ممن لم يتمــرس بفقههم ولم يطلع على
تراثهم ،حيث نجدهم يدعون ـ عن قصد أو بغـير قصد ــ بـأن الفقهـاء القـدامى
كانوا جامدين على ما هو مدون في الكتب الفقهية التي خلفها األسالف ،وكــان
فقههم بعيــدا عن شــؤون الحيــاة ومتطلباتهــا،ـ وأنهم كــانوا يقــررون األحكــام
الشرعية من غير مراعــاة ألحــوال النــاس وحاجــاتهم ومصــالحهم ،ويكفي أن
نطالع فتاويهم لندرك بطالن هذا الكالم.
إن االجتهاد في النوازل الفقهية ،تحكمه أصول شــرعية بديعــة،ـ وقواعد
جامعة ،وضوابط محكمة ،قررها علماؤنا األخيار في تــواليفهم ،ونثروها فيما
سطروه من أحكامهم وفتاويهم ،وهي كالدرر المكنونة ،ال يستحقها إال أربــاب
المدارك العالية ،وأصحاب األذهان الصافية،ـ ومن حصلها من كتب المتقدمينـ
بالسبر والتتبع،ـ وشفعها بالنظرـ في جهود المعاصرين في دراساتهم للنــوازل،
حصل له الملكة الفقهية الـــتي تعينهـ على االســـتفادة والتخـــريج في النـــوازل
المعاصرة .وفي هذه الورقات بيــانـ للتأصــيل الفقهي عند المالكية في النــوازل
وسبل االستفادة منه في القضايا المعاصرة ،وهذا أوان الشروع في المقصود.
المطلب األول :مفهوم النوازل الفقهية
النوازل جمع نازلة؛ والنازلة:ـ اسم فاعل من نزل يــنزل،ـ إذا ح ـلَّ ،ومن
ذلك قنــوت النـوازل ،والنازلـة:ـ المصـيبة والخطب الجلل الـذي يــنزل بالنــاس
ويشتد عليهم(.)2
(?) الشاطبي؛ الموافقات (.)5/38 1
ــ 393ـ
أما في االصـــطالح :فقد اشـــتهر عند الفقهـــاء إطالق هـــذا اللفظ على
المسألة الجديدة التي تقع للنــاس وتتطلبـ بيانا لحكمها نصا أو داللــة ،وقد ورد
هذا اإلطالق في كالم الفقهــاء ،قــال ابن عبد الــبر(( :بــاب اجتهــاد الــرأي على
األصول عند عــدم النصــوص في حين نــزول النازلة))( ،)1وعلى هــذا فالنازلة
هي(( :الحادثة المستجدة التي تتطلب حكما شرعيا))(.)2
ويالحظ أن ثمة مناســبةـ بين المعنــيين؛ ألن النظر في المعــنى اللغــوي
للنازلة ينبئـ عن جملة من األوصاف نجدها متحققة في المعنى االصــطالحي،
وهذه المعانيـ ينبغي مراعاتها في إطالق وصف (النازلة) على المســألة الــتي
يراد بحثها،ـ وترجع هذه األوصاف إلى:
1ـ كونها واقع ة ،أي :نزلت بالنــاس ،وعلى هــذا المســائلـ المفترضة
والمتوقعة ليست من النـــوازل ،والنظر فيها ال يـــدرج في (فقه النـــوازل) ،بل
يــدرج في (الفقه االفتراضــي) ،وهو الفقه الــذي يــبينـ المســائل الــتي يتوقع
حصولها ،وقد يكون الغرض من بحثها،ـ التمرين على االجتهاد ،أو االســتعداد
لوقوعها ،وهذا النوع من الفقه واالجتهــاد ليس في مطلوبا على وجه التعــيين،
وقد حصل اختالف بين الفقهاء في طلبه وتتبعهـ ما بين مجيز ومانع(.)3
2ـ كونها جدي دة ،أي لم تكن في العصـــور الســـالفة ،إما لكونها من
القضايا المستجدة في أعقاب التطور العلمي والتقني،ـ أو لغير ذلك ،وعلى هذا
فما يحدث للناس من األقضية والحوادث التي لها نظائرـ في الشريعة ـ عينا أو
نوعا ـ ال تع ُّد من النوازل ،وقد تكون الواقعة لها أصل في الحــوادث الماضــية
غـــير أن إعـــادة طرحها في العصر الحاضر تبعاـ لوجـــود بعض األوصـــاف
المؤثرة يجعلها داخلة في النوازل.
3ـ كونها ش ديدة؛ أي فيها معــنى الشــدة والحاجــة ،وقد تكــون الشــدة
والحاجة نابعةـ من عمومهـــا ،أو شـــدة الحاجة إليهـــا ،أو عمـــوم البلـــوى بها
ونحوهـــا ،يقـــول د .محمد عابد الســـفياني:ـ ((والـــذي يظهر أن الوصف األول
(?) ابن عبد البر؛ يوسف :جامع بيان العلم (ص .)275 1
(?) انظر :الهويريني؛ وائــل :المنهج في اســتنباط أحكــام النــوازل ص ،11والقحطــاني؛ 2
ــ 394ـ
والثانيـ وصفان طبيعيان لمعنى النازلة؛ ألن المسألة الــتي تحتــاج إلى اجتهــاد
شرعي في الغالب البد أن تكون قد وقعت ،وكانت من المسائلـ الجديدة ،وهــذا
في جميع المســائل ثم تختص النازلة بكونها شــديدة ،بحيث تلتفتـ لها األمة في
مجموعها ،وتستدي موقفا اجتهادياـ شرعيا ،ويـترتب على تـرك االجتهـاد فيها
ضرر على المسلمين ،وهذا المعنى ـ وهو كونها تتصف بالشدة ـ وغن كان له
أصل في اللغـــة ،لكن األقـــوى االســـتدالل عليه بما ورد في بعض نصـــوص
السيرة أن النبي × كان يقنتـ في النوازل أي :الشدائد)).
المطلب الثاني :عناية المالكية بفقه النوازل
كـــان للمالكية اهتمـــام خـــاص بفقه النـــوازل؛ ويؤكد هـــذا االهتمـــام تلك
المصنفات الكثيرة التي ألفها فقهاء المــذهب تحت مســمى (النــوازل)؛ وهم بهــذا
الصــنيع يــبرزون الجــانب الحي من الفقــه؛ ألن االشــتغال بــالنوازل مقصــده
األساسي هو إيجاد الحلول الشرعية ألفعال العبــاد ،وإرشـاد العبـاد إلى الوقـوف
عند حـدود تلك األحكـام وعـدم مجاوزتهـا ،يقـول العالمة ابن بية ــ مـبرزا هـذا
المقصد ـــ(( :هي وقــائع حقيقية تــنزل بالنــاس فيتجهــون إلى الفقهــاء بحث ـاً عن
ال مع الحيـــاة المحلية لمختلفالفتـــوى ،فهي تمثل جانبـــاً حيـــاً من الفقه متفـــاع ً
المجتمعات).
ولم تكن هــذه التســميةـ (النــوازل) هي الســائدة في التــأليف عند المالكية
دون غيرهـــا،ـ بل أطلق بعض الفقهـــاء على مؤلفـــاتهم لفـــظ( :األجوبـــة) ،أو
(الفتـــاوى) ،ونحوهـــا ،وهي تســـمياتـ مشـــهورة في المـــذهب ال تحتـــاج إلى
إيضاح ،وال تخرج في كثير منها عما حررناه من بحث الوقائع الحقيقيةـ الــتي
تــنزل بالنــاس،ـ وإن كــانت ال تختص بالمســائلـ الــتي تحقق فيها وصف الجــدة
والشدة ،وهو وصف أساس في معنى النازلة.
وكتب النوازل على نوعين في الجملة:
النوع األول :كتب في نوازل عامة؛ وهي كثيرة ،منها:ـ
(النوازل) ألبي عيسى بن دينار الغافقي القرطبي (ت212هـ).
(النوازل) ألبي عبد هللا أصبغ بن الفرج المالكي (ت225هـ).
(النوازل) لسحنون بن عبد السالم بن سعيد التنوخي (ت240هـ).
الن وع الث اني :كتب الن وازل ال تي تن اولت قض ايا مخصوصة عقديــة،
أوفقهية،ـ وأخالقية ،أو تربوية،ـ أو سياسية ،ويمثل لهذا النوع:
ــ 395ـ
1ـ رسالة أبي العباس اإلبياني التونسي المالكي اإلمــام الفقيه (ت352هـــ)،
بعنوان (مسائل السمسرة في البيوع) ،وقد أخرجها د .إبراهيم السامرائي.
2ـ اإلشارة الناصحة لمن طلب الوالية بالنية الصالحة لمحمد بن ســعيد
السوسي المراكشي المالكي (ت1089هـ).
3ـ نازلة إجالء اليهـود من تمنطيــط؛ فتــوى العالمة محمد بن عبد الكـريم
المغيلي التلمســــاني (ت 909هـــــ) ،وقصــــته في جالء اليهــــود من تمنطيط في
المعيار(.) 1
4ـ رسالة( :تقرير الــدليل الواضح المعلــوم على جــواز النسخ في كاغد
الروم) للعالمة محمد بن أحمد بن مرزوق (ت812هـ) ،قال في مقدمتها(( :هذه
المسألة لم أجد فيها نصا بعد البحث بقدر طاقتي))(.)2
ودراسة هذه الكتب من أهم ما يمكن من معرفة أحكام النوازل ومنهجية
النظر فيهـا ،وهـذا ما قصـدته :بــ (التأصـيل لفقه النـوازل عند المالكيةـ وسـبل
االســتفادة منه في المســتجدات المعاصــرة) .فــالنظر في الفتــاوى المقــررة في
كتب (النــوازل) وردها إلى أصــولها الشــرعية الــتي اســتند إليها الفقهــاء في
االســتنباط والتخــريج ،لالســتفادة منها في المســتجدات المعاصــرة ،يعد من
أفضل السبل لبيان األحكام ،وقد بين اإلمام ابن عرفة ~ ما يختص بالنظرـ في
الفتــاوى عن النظر في الفقه عامة حيث قــال(( :علما القضــاء والفتــوى أخص
من العلم بالفقــه ،ألن متعلق الفقه كلي من حيث صــدق كليته على جزئيــات،ـ
فحــال الفقيه من حيث هو فقيه كحــال عــالم بكــبرى قيــاس الشــكل األول فقــط،
وحال القاضي والمفتي كحــال عــالم بها مع علمه بصــغراه وال خفــاء أن العلم
بها أشق وأخص ،وأيضا ً فقها القضاء والفتوى مبنيــان على إعمــال النظر في
الصور الجزئية وإدراك ما اشــتملت عليه من األوصــاف الكامنةـ فيهــا ،فيلغى
طريدها ويعمل معتبرها))(.)3
وهــذا الكالم نفيس جــد ًا ،فــابن عرفة ينبه على أن المفــتي ال بد أن يكــون
بصير ًا بالواقع ،مدركاً لجزئيات الوقائع ،حتى يسـتطيع تطـبيق األحكـام والقواعد
الفقهيـة ،فحفظ المسـائل الفقهية ال يكفي إذا لم يكن الفقيه قـادر ًا على تطبيقها على
الواقع ،وقادر ًا على االستنباط من القواعـد ،وقد شـبه الحفيد ابن رشد الفقيه الـذي
(?) الونشريسي؛ المعيار المعرب ( 2/214ـ .)263 1
ــ 396ـ
يحفظ المسائل ببـائع الخفـاف الـذي عنـده خفـاف كثـيرة لكنه ليس خفافـاً؛ ألنه ال
يحسن أن يصنع خفافاً لمن ال يوافق قدمه ما عنده من الخفاف(.)1
وهــذا ما عنــاه العالمة الشـاطبيـ بقولــه(( :أن يتحقق بالمعــانيـ الشــرعية
منزلة على الخصوصيات الفرعية))(.)2
المطلب الثالث :أصول النظر في النوازل
األصل األول :التصور الدقيق النازلة
فالمســتجدات والنــوازل يلــزم الفقيه أن يتصــور حقيقتها تصــورا كــامال
وصـــحيحا ،فالتصـــور الســـليم هو البداية المنطقية للحكم المناســـب ،والخطأ في
التصور ينتج عنه الخطأ في بيان حكمها ضرورة؛ ألن الحكم على الشــيء فــرع
عن تصوره .فالواجب على الناظر في النــوازل المتصــدر لبيانها أن يبــذل جهــده
ويستفرغ وسعه في فقه الواقعة الجديدة ومعرفة حقيقتها ،مما يمكنه من تصورها
بوضوح ،قبل تكييفها وبيان حكمها .ونعني بتصور النازلة(( :فهمها فهما دقيقا مع
معرفة أبعادها وما يتعلق بها من األوصــاف المــؤثرة فيها))( ،)3فال بد أن يكــون
التصور لها مرتبطا بالمالبسات ،والقرائن ،واألحوال التي جرت بها النازلة.
والرجــوع إلى أهل االختصــاص (أهل الخــبرة) إذا كــانتـ النازلة مما
يحتاج في بيانها إلى رأيهم وخبرتهم ضــروري؛ ليكــون الحكم وفق ذلــك ،كما
في القضايا الطبيــة ،والتقنيــة ،والماليــة،ـ ونحوهــا .وقد بين الفقهــاء رحمهم هللا
أهمية االستفادة من رأي المختصين .قال ابن القيم ~ (ت751هـ)(( :وال يتمكن
المفتي وال الحــاكم من الفتــوى والحكم بــالحق إال بنــوعينـ من الفهم ،أحــدهما:
فهم الواقع والفقه فيه ،واستنباطـ حقيقة ما وقع بالقرائنـ واألمارات والعالمــات
حتى يحيط بها علما))( ،)4وقال الشاطبي (ت790هـ) ـ وهو يتكلم عن المعارف
التي تلزم المجتهد ـ(( :لكن هذه المعارف تارة يكون اإلنسان عالما بها مجتهدا
فيهــا ،وتــارة يكــون حافظا لها متمكنا من االطالع على مقاصــدها ،غــير بــالغ
ــ 397ـ
رتبة االجتهاد فيها ،وتارة يكون غير حافظ وال عارف ،إال أنه عالم بغاياتهــا،
وأن له افتقارا إليها في مسألتهـ التي يجتهد فيهــا ،فهو بحيث إذا عنت له مســألة
ينظر فيها زاول أهل المعرفة بتلك المعــارف المتعلقةـ بمســألته فال يقضي فيها
إال بمشورتهم))(.)1
وقـــال ابن تيميةـ (ت728هــــ) ــــ في معـــرض حديثه عن جـــواز بيع
المغيباتـ(( :والمرجع في كل شيء إلى الصالحين من أهل الخبرة به))(.)2
وقــال ابن فرحــون (ت799هـــ)(( :يجب الرجــوع إلى قــول أهل البصر
والمعرفة من النخاسين في معرفة عيوب الرقيق من اإلماء ،والعبيــد ،وســائر
الحيوانات))(.)3
ويتبينـ من خالل أقوال العلماء أن الرجوع في تصوير القضــايا إلى من
له بصر بذلك الباب ــ من أهل البصر والخــبرة ــ أمر مقــرر في كتب الفقهــاء
على اختالف مــذاهبهم ،وهو الــذي دلت عليه نصــوص الشــريعة ،وقواعــدها
لقوله تعالى:ـ ﮋﭚـ ﭛـ ﭜـ ﭝـ ﭞـ ﭟـ ﭠﮊ()4؛ وألن الرجوع إليهم يعين
المجتهد على التكييفـ الفقهي للنوازل والوقائع الجديدة ،فيكشف له عن وجــوه
الجمع والفــرق بين النازلة والمســائل ذات الصــلة .يقــول العالمة أبو العبــاس
الونشريســـــــي:ـ ((والمقايسةـ بين المســـــــائل ال بد فيها من االلتفـــــــات إلى
الخصوصيات المثيرة إلى الفوارق))(.)5
وقد أكد هـــذا األمر مجمع الفقه اإلســـالمي الـــدولي في دورته الحادية
عشرة المنعقدة في مدينة المنامة في الفترة ما بين ( 25ـ )30رجب من عــام (
1430هـ) في أعطاف قراره برقم)7/11( )104( :ـ المتعلقةـ بسبل االستفادة من
النوازل (الفتاوى)(.)6
6
(?)انظر :قرارات وتوصيات مجمع الفقه اإلسالمي ( 357ـ .)359
ــ 398ـ
ومن لطيف ما هو مسطور في كتب النوازل فتــوى لمحمد بن مــرزوق
في (حكم ســلخ جلد اإلنســان واســتعماله) فيها فوائد جمة وتقريــرات حســنة،
ومنها قوله..(( :ومن الغــريب المشــاكل لما ظهر لكم في اســتعمال جلد اآلدمي
ما رأيت في التقييدـ المنســوب إلى ابي الحسن الصــغير عند قوله في المدونــة:
((وتوقف مالك أن يجيب في خنزير الماء ،وأجاز الليث أكل إنسان المــاء)) وال
أدري كيف صورة هذا اإلنسان المذكور فإن كــان نوعا من الحــوت في بعض
أعضــائه مشــبهة اإلنســان كما في القــرد ،ولعله الحيــوان الــذي يقــال له أبو
اللمرين فاألمر قريب ،وإن كانتـ صــورته صــورة إنســان على الحقيقة إال أن
مسكنه البحر فمشكل))(.)1
األصل الثاني :التكييف الفقهي للنازلة
ويــراد به عند الفقهــاء المعاصــرون(( :تحرير األصل الــذي ترجع إليه
النازلة))( ،)2ويتحقق ذلك بردها وإلحاقها إلى نظائرها إذا كـــان لها أصـــل ،أو
ردها إلى جملة أصــول ،أو اعتبارها بما يشــبهها صــورة ومعــنى ،أو اعتبارها
مسألة لها حالة خاصة ،وكل ذلك يعرف تارة بالنص ،أو اإلجمـاع ،أو التخـريج
على نازلة سابقة ،وقد ورد في كتــاب عمر بن الخطــاب ألبي موسى األشــعري
{(( :الفهم الفهم فيما ينخلج في صــدرك ويشــكل عليك مما لم يــنزل في كتــابـ
ولم تجر به ســنة ،واعــرف األشــباه والنظــائرـ ثم قس األمــور بعضــها ببعض
وانظر أقربها إلى هللا وأشبهها بالحق فاتبعه))(.)3
وهنا يتوجب على الناظر حصر القواعد واألصول الشـرعية الـتي تخـرج
عليها النازلة ما أمكن؛ لئال يكــون التقصــير في التخــريج عليها مقدمة للخطأ في
تطبيق الحكم ،فتخريج النوازل على قواعدها ،وإرجــاع الجزئيــات والفــروع إلى
أصــولها ،وإناطة األحكــام بعللها ومــداركها؛ يهــدي النــاظر إلى النظر الــرجيح،
ويعصــمه من الغلط والــوهم ،والنــوازل على اتســاعها ((وبعد غاياتها لها أصــول
ــ 399ـ
معلومة وأوضاع منظومة ،ومن ال يعرف أصولها وأوضاعها لم يحط بها علما
))
(.)1
وقــال العالمة بكر أبو زيــد(( :المهم في بيــانـ أحكــام النــوازل المســتجدة
تحرير النتيجة الحكمية من القواعد الــتي تخــرَّج عليهــا ،وســالمة التخــريج،
وتثبيتـ مــدرك الحكم والتعليــل،ـ فإنه مــتى صــحت مع البــاحث هــذه المطــالب
سهل عليه بإذن هللا تعالى ترتيب الحكم بأمانـ واطمئنانـ))(.)2
األصل الث الث :تط بيق الحكم عليها تحقيقا لمقصد الش رع ورعيا
لمصالح الخلق
وهذا األصل هو ثمرة النظر في النوازل وال يكــون بعـده إال االسـتجابة
بالتنفيذـ ممن تعلقت به النازلة من األفــــراد أو الجماعــــات ،ففي بيــــانـ الحكم
وتطبيقهـ تحقيق لمقصد الشــارع ،وتحصــيل لمصــالح الخلــق ،ودرء للمفاسد
عنهم في الحـــال والمـــآل،ـ وال يتحقق البيـــان إال إذا اعتـــبر المجتهد جملة من
األصــول الكلية والقواعد المرعيــة؛ـ والــتي ترجع في مجملها إلى درك مقصد
الشارع وتحقيق مصلحة الخلق.
تقرر في األصــول أن ال نازلة تحـــدث إال ولها حكم في كتــابـ هللا
وقد ّ
تعــالى نصا أو داللــة؛ وهــذا األصل متفق عليه بين الفقهــاء؛ والشــواهد على
صحته من القرآن والسنة ظاهرة ،قال هللا تعالى:ـ ﮋﭢﭣـ ﭤـ ﭥـ ﭦـ ﭧـ ﭨـ ﭩ
ﭪـ ﭫـ ﭬﮊ( ،)3وقال تعالى:ـ ﮋﭯـ ﭰـ ﭱـ ﭲـ ﭳ ﭴﮊ( ،)4وقال تعالى :ﮋﮀـ ﮁ
ﮂـ ﮃـ ﮄـ ﮅﮆﮊ( ،)5قال الشافعي(( :كل ما نزل بمسلم ففيه حكم الزم ،أو على
ســبيل الحق فيه داللة موجــودة ،وعليه إذا كــان فيه بعينهـ حكم وجب اتباعــه،
وإذا لم يكن فيه بعينهـ طلب الداللة على سبيلـ الحق فيه باالجتهاد))(.)6
ــ 400ـ
وقــــال ابن رشد الجد في نوازلــــه(( :ال نازلة إال والحكم فيها قــــائم من
القرآن إما بنص وإما بدليل علمه من علمه وجهله من جهله))( .)1وقــال أيضــا:
((ما حــدث من النــوازل الــتي ال يوجد فيها نص في الكتــابـ وال في الســنة وال
فيما اجتمعت عليه األمة يســـتنبط لها أحكـــام من الكتـــاب والســـنة ألن هللا
يقول :ﮋﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ
ﰆ ﰇ ﮊ( .)2وقال :ﮋﮔـ ﮕـ ﮖ ﮗـ ﮘـ ﮙـ ﮚ ﮛـ ﮜـ ﮝـ ﮞ ﰅ
()4 ()3
ﮟﮊ ،فجعل المستنبط من الكتاب والسنة علما وأوجب الحكم به فرضا)) .
وقال العالمة محمد الخضر حسين(( :وهكذا لم يختلف المسلمون في أن
الشريعة اإلسالمية نـزلت لتقرير أحكـام الوقـائع فال واقعة إال لها حكم مـدلول
عليه بالنصـ أو بأصل من األصول المستمدة من النصوص))(.)5
المطلب الرابع :كيفية االستفادة من كتب النوازل
1ـ الطريق األول :الرجوع إلى الفتــاوى المبنيةـ على األدلة من الكتــاب
والسنة واإلجماع والقياس المستوفي لشرائط اعتباره ،فكثــير من النــوازل في
كتب المالكيةـ انــتزعتـ أحكامها من الكتــاب والســنة وســائر األدلة المعتــبرة،
يقول ابن رشد الجد ـ فيمن كان مظهرا لألحكام بــاالنتزاع من الكتــاب والســنة
واإلجماع والقياس،ـ مراعيا كيفية االستدالل بها على ما هو مقرر في شــرائط
االجتهاد ـ (( :وأما الطائفةـ الثالثةـ فهي التي تصح لها الفتوى عموما باالجتهــاد
والقياس على األصول التي هي الكتابـ والسنة وإجماع األمة بالمعنىـ الجــامع
بينها وبين النازلة أو على ما قيس عليها إن عـــدم القيـــاس عليهـــا ،أو على ما
قيس عليها إن عدم القياس عليها أو على ما قيس عليها))(.)6
وهذا الطريق مفيد جدا ،ألن الفتاوى التي صدرت عن الفقهاء الســابقين
مبنيةـ ـ في الغالب ـ على األصول الشرعية التي ينبغي مراعاتها في االجتهاد،
والنظر فيها يعين على تحصــيل الملكة الفقهيــة ،واألصل في نظر المجتهد أن
يكون مبنيا على النصوص الشرعية ،يقول د .عبد هللا الشيح محفــوظ بن بيــة:ـ
ــ 401ـ
((إن فتاوى أهل زمانناـ بحاجة إلى التأصيل على ضوء أصول فتاوى األولين.
انطالقـا ً من مجمــوع الضــوابط والشــروط الــتي وضــعها العلمــاء ،ســواء في
العصــور األولى الزدهــار االجتهــاد ،أو تلك الــتي وصــلوا إليها للضــرورة
والحاجــة ،عنــدما أجــازوا قضــاء المقلد وفتــواه بشــرط أن يحكم بــالراجح
والمشهور وما عليه العمل بشــروط ،أو ما به الفتــوى الــذي يــوازي عند غــير
المالكية العمل عند المالكية.ـ كما أن الفتـوى بالضـعيفـ للضـرورة الـتي ليست
ضــرورة بــالمعنى الفقهي ،وهي األمر الــذي إذا لم يرتكبهـ المضــطر هلك أو
قــارب الهالك ،فهــذه تــبيح المحــرم ،وال يحتــاج إلى قــول لتســتند عليــه .لكن
الضرورة التي تعم الحاجة وهو تعبير مستفيض في كالم الفقهاء))(.)1
2ـ الطريق الث اني :النظر في القواعد الشــرعية والضــوابط المرعية
التي تخرج عليها النوازل ،وهي األسس التي أقــام المجتهــدون أحكــامهم على
ضــوئها ،وهــذه القواعد الشــرعية هي تســاعد على تطــبيق النصــوص على
القضايا المعاصرة(( ،فهي خـير معين على مقارعة صـعاب النـوازل ،وتقـويم
اعوجــاج ملتويــات المســائل))( ،)2وهــذه القواعد تتعلق برفع الحــرج ،وجلب
المصالح ودرء المفاســد ،ونفي الضــرر ،وارتكــاب أخف الضــررين ،والنظر
في المآالت ،والعبرة بالمقاصد والمعانيـ ال باأللفـاظ والمبـاني،ـ وسد الـذرائع،
وتحكيم العــرف ،وتحقيق المنــاط،ـ واإلذن في العقــود ،وفي مــدونات الفتــاوى
تطبيقـ حي للقواعد والضوابط على الواقعات ،منها:
أ ـ اعتبار األعراف في األيمان ،والطالق ،والنذور ،واألوقاف ،والوصــايا
ونحوهــا ،قــال أبو العبــاس الونشريســي(( :إن الفقهــاء بنــوا األحكــام على عــرف
التخاطب سيما في باب األيمان وهو مقدم عندهم على المدلول اللغوي فيها))(.)3
ب ـ اعتب ار المقاصد وع دم الوق وف مع األلف اظ ،إذا الح للمخــاطب
القصد إلى خالف ما دل عليه اللفظ ،وهي قاعدة اعتبرها الفقهــاء وبنــوا عليها
أحكاما كثــيرة ،قــال ابن رشد الجــد(( :األحكــام إنما هي للمعــانيـ ال لمجــرد
(?) مجلة مجمع الفقه اإلسالمي ،مقال :سبل االستفادة من النوازل الفتاوى والعمل الفقهي 1
ــ 402ـ
األلفاظ))( ،)1وقال أيضا..(( : :ولو قال إنه األظهر من مجرد اللفظ وســلمنا ذلك له
لما لزم اتباع مجرد ظاهر اللفظ إذا خالفه المعــنى لنا إنما تعبــدنا بمعــاني األلفــاظ
دون مجردها ولو اتبعنا مجردها دون معانيها لعاد اإليمان كفرا والــدين لعبا))(،)2
وقــال أيضــا..(( :فــوجب حمل لفظ المحبس على ما يعــرف من مقاصد النــاس
بألفاظهم وإن خالف ذلك موجب اللفظ في اللسان العربي.)3())..
ج ـ رعاية الضرورة والحاجة وبناء الحك ام عليها ،جــاء في المعيــار:
((ســئل أبو محمد عبد الحميد عن اتخــاذ الكالب في الجنــات وموضع الــزرع،
فأجــاب :إن اتخــاذ الكالب في الجنــات وموضع الــزرع جــائز ،ومن شــيوخنا
المتقــــدمين من فعل ذلك في داره ألجل الخــــوف))( .)4وقــــال أبو العبــــاس
الونشريسي أيضــا(( :قــال أبو بكر بن العــربي في أواخر كتــابـ األقضــية من
القبس ما نصــــه :وكل ما دعت الحاجة إليه في الشـــــريعة مما فيه منفعةـ ولم
يعارضه محظور فإنه جائز وواجب بحسب حاله وهذا أصل بديع))(.)5
وـفـيـ فـتـوـىـ ألـبـيـ عـبـدـ هللاـ بـنـ عـبـدـ اـلـسـالـمـ اـلـتـوـنـسـيـ(ـ(ـفـيـ حـكـمـ مـع ـاـمـالـتـ
أـهـلـ اـلـغـصـبـ)ـ)ـ جـاـءـ فـيـ آـخـرـهـاـ:ـ (ـ(ـ.ـ.ـوـأـمـاـ هـلـ يـج ـوـزـ لـه ـذـاـ اـلـت ـاـئـبـ أـنـ يـتـمـسـكـ
بـش ـيـءـ مـنـ ه ـذـاـ اـلـم ـاـلـ لـفـق ـرـهـ؟ـ فـالـ م ـاـنـعـ مـنـهـ إـنـ ك ـاـنـ اـلـمـت ـوـلـيـ لـتـفـرـقـةـ ذـلـكـ
أـعـطـاـهـ بـغـيـرـ ه ـوـىـ،ـ وـإـنـ ك ـاـنـ هـوـ اـلـمـت ـوـلـيـ لـتـفـرـقـتـهـ فـفـيـهـ نـظ ـرـ،ـ وـرـبـمـاـ وـجـدـ
فـيـ اـلـمـذـهـبـ مـاـ يـشـهـدـ لـجـوـاـزـهـ إـذـاـ أـخـذـ نـصـيـبـهـ مـعـ اـلـفـقـرـاـءـ.ـوـاـل ـذـيـ ك ـاـنـ يـف ـتـيـ
بـهـ فـقـه ـاـءـ إـفـرـيـقـيـةـ فـيـ اـلـق ـرـنـ اـلـخ ـاـمـسـ لـمـنـ ت ـاـبـ مـنـ أـع ـرـاـبـ زـم ـاـنـهـمـ عـلـىـ
سـبـيـلـ اـلـتـرـخـصـ وـاـالـس ـتـيـالـفـ لـهـمـ عـلـىـ اـلـتـوـبـةـ أـنـ يـق ـ ِّوـ مـ اـألـع ـرـاـبـيـ جـمـيـعـ مـاـ
بـيـــدـهـ مـنـ مـــاـلـ وـتـبـقـىـ تـلـكـ اـلـقـيـمـةـ عـلـيـهـ دـيـنـاـ بـعـدـ أـنـ يـخـــرـجـ مـنـهـاـ شـــيـئـاـ فـيـ
اـلـحـاـلـ ثـمـ يـخـرـجـ بـعـدـ ذـلـكـ شـيـئـاـ فـشـيـئـاـ)ـ)ـ(ـ)6ـ.ـ
والنــــاظر في كتب النــــوازل ال ينبغيـ أن يغيبـ عن ذهنه أن جملة من
الفتاوى إنما بــنيتـ في أحكامها وفق ما غلب على النــاس من المعــانيـ الجارية
ــ 403ـ
بينهم ،فكانت األحكـام المفصـلة للواقعة غـير خارجة عن رعاية تلك العوائـد؛
وعلى هــذا إذا تبــدلت تلك العوائد كــان على المفــتي إعــادة النظر في الواقعة
لتقرير حكم يناسبـ العرف الطارئ.
وليس له أن يقتصر على ما تقــــرر في (األجوبــــة) أو (النــــوازل) من
أحكام ،ظنا منه أن ما حكم به ال ينبغي العدول عنه؛ـ ولهذا نجد لفقهاء المالكيةـ
المشــهود لهم بــالتحقيقـ والتأصــيل العــدول عما هو مشــهور في المــذهب في
مســـائلـ مشـــهورة رعاية للعـــرف ،وجـــرى باختيـــارهم عمل أهل القضـــاء
والفتوى ،كما في فتاوى أبي عبد هللا بن عتابـ والقاضي ابن زرب ،والقاضي
أبي بكر بن العربي ،وأبي الوليد بن رشد ،وأبي األصبغ بن سهل(.)1
3ـ الطريق الث الث :هو البحث عن بعض النـــوازل الـــتي لها صـــلة
بالقضايا المعاصـرة في وجه من الوجـوه وصـورة من الصــور ،فيطبقـ عليها
أو يســتأنسـ بها إليجــاد حل للقضــية المعاصــرة( )2وهــذا النظر يحقق للمجتهد
()3
فوائد جمة ،فهو يمكنهـ من الوقوف على تعليالتهم ،ونقدهم ،وتخريجهم
وينبغيـ اإلشارة إلى أن ((الفتاوى والنوازل القديمة قد ال تجدي فتيالً في
حل المسائل المعاصرة التي يمكن أن تحل من خالل القواعد كما أســلفنا ،ومع
ذلك فإنه بإمعــان النظر في كتب الفتــاوى والعمل يســتطيع المتوسم أن يعــثر
على فروع ومسـائل تشـبه تلك الـتي تطرحها المعـامالت المعاصـرة ،وينبغي
التنبيهـ على أن داللتها عليها قد ال تكون داللة مطابقــة ،ومفهومها قد ال يكــون
مفهوم موافقــة ،بل أنها تــدل عليها داللة تضــمن ،أو الــتزام بوجه من الوجــوه
وشــكل من األشــكال تنـبئـ عما رواء األكمة بــدون غـوص في مضــامينها،ـ أو
تعمق في محتواهــــا ،غــــير ملــــتزم بــــترجيح وجه من أوجه الخالف ،إذ أن
المقصود إثارة الموضوع ليعلم أن له شواهد في النوازل تبيحهـ أو تحرمــه ،أو
تحكي الخالف فيه ،وهو أمر ســيتيحـ للفقيه عنــدما يعــالج أيا من هــذه النــوازل
سندا يستند إليه ليرجح من الخالف على أســاس من المرجحــات ،ويكفيه منقبةـ
(?) محمد الخضر حسين؛ الشريعة اإلسالمية (ص.)78 1
(?) مجلة مجمع الفقه اإلسالمي ،مقال :سبل االستفادة من النوازل الفتاوى والعمل الفقهي 2
ــ 404ـ
لهذا الخالف أنه يرفع عن الباحث إصر مخالفة اإلجمــاع ،ويســلكه في مســلك
االتباع))(.)1
(?) مجلة مجمع الفقه اإلسالمي ،مقال :سبل االستفادة من النوازل الفتاوى والعمل الفقهي 1
1
(?) لمزيد من التوسع انظر المرجع نفسه ص 08إلى ص.13
2
(?) اعتمدت في هذه المقارنة على أحمد أبو الوفا ،المرجع السابق ،ص23إلى ص.25
ــ 407ـ
المسائل كمسائل ابن رشد( ،)1ومصطلح األسئلة كما ذكر ذلك اإلمام البرزلي
في نوازله( ،)2ومصطلح الجوابات واألجوبة( ،)3وأخيرا مصطلح الفتاوى
كفتاوى ابن رشد( ،)4وفتاوى ابن أبي زيد القيرواني والمعيار المعرب عن
فتاوى علماء افريقية واألندلس والمغرب لإلمام الونشريسي وغيرهم.
4ـ أهمية كتب النوازل والفتاوى :تتميز كتب النوازل والفتاوى عن
كتب الفقه اإلسالمي في كون هذه األخيرة عرفت بالتنظير والتأصيلـ
الشرعي اعتمادا على األدلة الشرعية المتفق عليها والمختلف حولها ،ولهذا
ال تختلف هذه الكتابات كثيرا عن بعضها البعض العتمادها في الجملة على
نفس األصول ،أما كتب النوازل والفتاوى فإن أصحابها يتصدون لمشاكل
الناس اليومية وللظروف السياسيةـ اإلقليمية والدولية المستجدة ويحاولون
بعدها إيجاد حلول شرعية( )5انطالقا من تنزيلـ وإسقاط النص الشرعي على
الواقعة أو النازلة.
لهذا فإن أهمية هذه الكتب تكمن كما ذكر محقق كتاب الفتاوى البن
رشد بأنهاـ ((جديرة باالنكبابـ عليها،ـ حقيقة باالهتمام بما ورد فيها ،ألنها
تميزت بمزاج خاص وطابع خاص ،وتجّلت فيها ثقافة أصيلة تلونت بالحياة
ومعلومات تنوعت بالواقع وأحكام اجتهادية تعددت ،كانتـ وليدة الحاجات
والظروف ،وربطت بين الفقه وأصوله وعقدت الصلة بين الحكم وتطبيقه،
وأعطت للدين عمومه وسعته،ـ وللتشريع شموله وصالحياته في سياسة
الناس ،وترشيد البشرية،ـ وأبرزت لإلسالم صفاءه وقدرته على القيادة
الحكيمة ،ونفاذه في تغييرـ األوضاع المتردية،ـ وح ّل األزمات المستعصية
وتبديل السياسات المتعفنة والمظالم المتراكمة))(.)6
إن مصطلح القانون 5ـ تأصيل مبادئ القانون الدولي اإلنسانيّ :
ّ ّ
الدولي اإلنسانيـ وإن كان مصطلحا قانونيا وضعيا معاصرا إال أنه عند
1
(?) فتاوى ابن رشد ألبي الوليد بن رشد تحقيق المختار بن طاهر التليلي ،دار الغرب
اإلسالمي لبنان ،ط1987 ،1م ،ج 1ص .36
2
(?) المرجع نفسه ،ج 1ص 36وما بعدها.
3
(?) المرجع نفسه ،ج 1ص.37
4
(?) المرجع نفسه ،ج1ص.40
5
(?) ولدخسال سليمان ،جهود فقهاء المغرب العربي في بناء النظام السياسي اإلسالمي.
رسالة دكتوراه جامعة الجزائر 2009\2008م ،ص 51وما بعدها.
6
(?) فتاوى ابن رشد ،المرجع السابق ،ج1ص.07
ــ 408ـ
تأصيله سيسهل عمليات البحث والربط في كتب الفقه اإلسالمي عامة ،وفي
كتب النوازل والفتاوى خاصة.
وعليه فإنه من المصطلحات الشرعية التي تؤصل لهذا القانون الدولي
() 1
اإلنساني نجد أحكام الجهاد وأحكام القتال وأحكام الحرب والسير والمغازي .
فالباحث في االتفاقيات التي تفصّل في مبادئ القانون الدولي اإلنساني إذا
ما أراد أن يعرف ما يقابلها في الفقه اإلسالمي فما عليه إال أن يتتبع أحكام
الجهاد أو السير ألن تلك المبادئ ال تتحقق وال تتجسد إال في زمن الحروب
والمنازعات ،وطبيعي أن يجد مادة البحث في كتب النوازل والفتاوى باعتبار أن
هذه األخيرة حوت على فصول كاملة تحدثت عن أحكام الجهاد والسير ،وحتى
هذه المصطلحات :قانون الحرب وقانون النزاعات المسلحة ((هي التي يستخدمها
رجال القانون في هذه اآلونة وهي الشائعة والمعروفة بين الناس في هذه األيام))
(.)2
6ـ نماذج من هذا القانون في كتب نوازل المغاربة :إن مبادئ القانون
الدولي اإلنسانيـ كثيرة ،لهذا سأكتفيـ بذكر البعض منها:
أ ـ الحماية المقررة للقتلى والموتى في االتفاقيات الدولية :تقضي هذه
االتفاقيات الدولية بوجوب احترام جثث القتلى والموتى بسببـ األعمال
العسكرية أو بسببـ االحتالل الحربي ،أو الذين ماتوا أثناء األسر فيتعين على
أطراف النزاع دفن جثثهم بطريقةـ محترمة وعدم التمثيل بها(.)3
وعند النظر في كتب نوازل المغاربةـ نجد األمثلة كثيرة نذكر منها ما
قاله أبو عيسى المهدي الوزاني بأن ((الضرب في الكافر بعد موته ،أو حمل
رأسه أو حرقه بالنار مثلة وهي حرام ،وفاعل ذلك مأثوم ملعون))(.)4
ب ـ الحماية المقررة لألسرى والجرحى والمرضى في االتفاقيات الدولية:
وتتلخص في حظر قتل األسرى وتعريض حياتهم أو صحتهم للخطر ،وعلى
الطرف الذي يسيطر على ميدان القتال أن يبحث عنهم ويحميهم من أي اعتداء
أو أي معاملة سيئة ،فيحظر قتلهم أو تعذيبهم أو أخذهم كرهائن(.)5
1
(?) جابر عبد الهادي سالم الشافعي ،تأصيل مبادئ القانون الدولي اإلنساني ،دار
الجامعة الجديدة اإلسكندرية مصر 1418ﻫ 2007/م ،ص.41
2
(?) المرجع نفسه ص ،107وانظر أيضا اتفاقيات جنيف األربعة المؤرخة في 12أوت
1949وملحقيها اإلضافيين سنة 1977م.
3
(?) أبو عيسى المهدي الوزاني ،النوازل الجديدة الكبرى ،وزارة األوقاف والشؤون
اإلسالمية المغرب 1418ﻫ1997 /م ،ج3ص.46
4
(?) جابر عبد الهادي سالم الشافعي ،المرجع السابق ص83وما بعدها ،وانظر أيضا
اتفاقيات جنيف األربعة المؤرخة في 12أوت.1949
ــ 409ـ
وفي كتب نوازل المغاربة أمثلة كثيرة عن هذه الحماية فقد جاء في نوازل
البرزلي أن ((أسارى خرجوا من بلد اإلسالم فوجدهم الدليل فردهم وبيعوا ،وقد
كان فيهم من ثبت أنه فدى نفسه أو اشتراه أهله ،ومنهم من أعتقه مالكه ،ومنهم
من لم يزل على ملك صاحبه فأفتى ابن الحاج بأن بيع مثل هؤالء ال يجوز
ونقض عهدهم حتى يروا بالدهم ال يحل ،ويجب فسخ البيع مطلقا اتباعا لما
كانوا عليه من األمان إذ لم يزل قائما لهم ويتناوله أدلة الوجوب بالوفاء بالعهد
حتى يرجع إلى موضعه وأيضا فإنه في نقض العهد بهم مضرة على أسرى
المسلمين))(.)1
وجاء في النوازل الكبيرة بإن ((خيانة األسير ال تجوز إذ أؤتمن طائعا
فإن الغدر ليس من شيم المسلمين( ،)2وجاء أيضا "وقتله بعد األمان ال يحل
وتجب ديته على من قتله.)3())..
وقد علق أحد المعاصرين على عبارة ابن رضوان المالقي ((ليس من
المعالي قتل األسرى))( ،)4بأنهاـ عبارة جميلة تدل على ضرورة احترام أسرى
الحرب ،ولعل ذلك يذكر وينبهـ بعض الدول مثل إسرائيل أو الصرب أنه ليس
من المعالي أو المفاخر قتل األسرى والعزل(.)5
وقال اإلمام الونشريسي:ـ ((ومن أثقلتهـ الجراح من المحاربين األعداء
وبقي وتمكن منه لم يجز اإلجهاز عليه وكذلك أسيرهم ومنهزمهم))(.)6
ج ـ الحماية المقررة للسكان المدنيين:ـ فقد نصت المادة 45من
البروتوكول األول والثاني أن لألطراف المعنية إنشاء مناطق صحية ومواقع
آمنة لحماية الجرحى والمرضى والعجزة والمسنين واألطفال والحوامل ،قال
5
(?) أبو القاسم البرزلي ،فتاوى البرزلي ،دار الغرب اإلسالمي ،بيروت ط2002 1م ص
.40
1
(?) أبوعيسى المهدي الوزاني ،المرجع السابق ،ج3ص.45
2
(?) المرجع نفسه ،ج 3ص.46
3
(?) المرجع نفسه ،ج2ص .113
4
(?) ابن رضوان الشهب الالمعة في السياسة النافعة ،الدار البيضاء المغرب ط،1
1404ﻫ1984/م ص.412
5
(?) أحمد أبو الوفا أثر أئمة الفقه اإلسالمي في تحرير قواعد القانون الدولي والعالقات،
دار النهضة العربية القاهرة 1417ﻫ ،1997/ص305
6
(?) الونشريسي ،المعيار المعرب دار الغرب اإلسالمي بيروت 1401ه\1981م ج ،2ص
.116
ــ 410ـ
اإلمام الونشريسي:ـ ((اِعلم أن النهي قد ورد عن قتل األطفال والنساء نهيا
مطلقا لم يخص به حالة من حالة...ـ))(.)1
د ـ الحماية المقررة لألجانب المقيمين في إقليم أحد األطراف
المتنازعة:ـ وهذا ما نصت عليه المادة 35من االتفاقية الرابعة أن أي شخص
أجنبي مشمول بالحماية خصوصا رعايا أي طرف معاد ،يكون له حق
مغادرة إقليم الطرف اآلخر ،إال إذا كانتـ مغادرته تتعارض والمصالح
الوطنية لهذا األخير وبالنسبة ألولئك األشخاص الذين ال يغادرون إقليم تلك
الدولة فإنهم يتمتعونـ بكافة المساعدات المادية والطبية وبحق مغادرة
المناطق المعرضة ألخطار الحرب بنفس القدر المسموح به لرعايا دولة
اإلقليم.
ومثل هذه األحكام توجد نظائرهاـ في كتب النوازل فقد جاء في النوازل
الصغرى :أن اإلحسان ألهل الذمة مطلوب ،وأن من كان في الذمة ،وجاء
أهل الحرب إلى بالدنا يقصدونهم وجب عليناـ أن نخرج إلى قتالهم بالكراع
والسالح ونموت دون ذلك صونا لمن هو في ذمة هللا تعالى وذمة رسوله ×
فإن تسليمهم دون ذلك إهمال لعقد الذمة(.)2
وأخبر اإلمام البر زلي عن مسألة ((وهي أن بعض أمراء بني مرين
ورد على تونس وأخرج الموحدين منها،ـ وفيها نصارى لهم أمان وآلبائهمـ
ولهم فيها قريب من أول دولة الموحدين ،فلما أرادوا أن ينفصلوا ه ّموا
بأخذهم وأسرهم مع أوالدهم ونسائهم وقالوا :إنّا لم نؤ ّمنهم فاختلفوا ولم
يمكنهم الناس وال علماؤهم منهم لوجوه منها أنهم أهل ذمة ضربت عليهم
الجزية في بالد اإلسالم فال يحل ألحد التعرض لهم))(.)3
ﻫ ـ مبدأ الخضوع إلى المحاكمة:ـ فقد جاء في اتفاقياتـ جنيف أن
األسرى يحاكمون عادة أمام المحاكم العسكرية للدولة الحاجزة وبشرط توافر
الضماناتـ األساسية المعروفة مثل االستقالل والحيدة وعدم االنحياز(.)4
وفي هذا الشأن جاء في النوازل الجديدة الكبرى أن ((من ارتد من
المسلمين وتنّصر وصار إذاية عليهم كالتركي والدهداه من المرتدين
فالصواب في حق من ظفر بهم وتمكن من أسرهم أن يرفعهم إلى السلطان
1
(?) المرجع نفسه ،ج ،2ص.116
2
(?) أبو عبد هللا محمد المهدي ،النوازل الصغرى ،وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية
المغرب 1412ﻫ 1992/م ،ج 1ص.439
3
(?) فتاوى البرزلي المرجع السابق ،ج 2ص.41
4
(?) أحمد أبو الوفا ،القانون الدولي اإلنساني ،المرجع السابق ص.41
ــ 411ـ
ليفعل في شأنهم ما توجبه الشريعة المحمدية التي عليها قتالنا مع النصارى
الذين هم إخواننا من أبينا آدم وأمنا حواء عليهماـ السالم))(.)1
7ـ ضرورة االستفادة من هذا العلم :إن مبادئ القانون الدولي
اإلنساني بما تشكله من أهمية بالغة على مستوى النزاعات الحربيةـ اإلقليمية
والدولية ،وبما تحويه من نظم إنسانيةـ وآليات قانونية تخفف العنت والمشقة
زمن الحروب واألهوال ،أضحى يمثلـ هذا الشأن أكثر من ضرورة وحاجة
خاصة بالنسبة للفقهاء المعاصرين وبالنسبةـ إلى الدعاة واألئمة من أجل
اإلطالع على مافي هذا القانون من نصوص واتفاقياتـ كثير منها يتفقـ والفقه
اإلسالمي حتى يتسنى لهم االستفادة منه وإفادة الغير من هذا التراث
اإلسالمي الثري الموجود في كتب الفتاوى والنوازل.
وتأسيسا على هذا ترجى بعض المعاصرين فكتب ((يا فقهاء القانون
الدولي العام المسلمين كونوا جميعا شيبانيين))( ،)2ثم قال(( :من المؤلم للنفس
أن يكون لدينا هذا التشريع العظيم ثم نجهله أو نتجاهله ،في حين يعترف
البعض من غير المسلمين بفضل شريعة اإلسالم في مجال القانون الدولي
العام بصفة عامة وفي القانون الدولي اإلنسانيـ بصفة خاصة...فأسسوا
بألمانياـ سنة 1955م جمعية الشبابي للقانون الدولي ،واحتفلت جامعة باريس
سنة 1970م بذكرى مرور ألف ومائتي سنة هجرية على وفاته))(.)3
وهكذا فإن هذه األجيال مطالبة بخدمة هذا العلم وتفعيله تنظيرا
وممارسة خاصة في ظل الهجمات الشرسة التي تحاول النيلـ من نصاعة
اإلسالم وبياضه وأن أحكامه ضد اإلنسانية،ـ مع أن الحقيقة والموضوعية
تقتضيان اإلقرار بأن اإلسالم هو اإلنسانية وهو دين الفطرة.
الخاتمـــة
وفي خاتمة هذا البحث البد من تقرير النتائجـ التالية:
1ـ أن الكثير من بنود اتفاقيات القانون الدولي اإلنسانيـ ال تختلف عن
الكثير من األحكام الشرعية الموجودة في كتب نوازل المغاربة.
2ـ أن كتب نوازل المغاربة تشكل رصيدا معرفيا معتبرا وفي شتى
الفنون والعلوم بما في ذلك مبادئ القانون الدولي اإلنساني.
3ـ أن على الفقهاء المعاصرين واألئمة والدعاة االهتمام بهذا القانون
واستثماره خدمةً لإلسالم واإلنسانية.
1
(?) أبو عيسى المهدي الوزاني ،المرجع السابق ،ج 3ص.45
2
(?) جابر عبد الهادي سالم الشافعي ،المرجع السابق ص.171
3
(?) المرجع نفسه ص171وما بعدها.
ــ 412ـ
4ـ أن التحدي الذي يواجهه العالم اإلسالمي ،والهجمات الشرسة التي
تستهدف اإلسالم يحتمانـ البحث في مثل هذه الدراسات المقارنة بين الشريعة
والقانون.
وفي األخير فإن ما تقدم هو جهد المقل وإني أسال هللا سبحانه وتعالى
أن يكون ما قدم في ميزان حسناتنا وأن يتجاوز عنا ما كان فيه من تجاوز
وخطأ والحمد هلل رب العالمين.ـ
قائـمة المــراجــع
ـ اتففاقيات جنيف األربعة المؤرخة في 12أوت 1949م وملحقيها اإلضافيين سنة
1977م.
ـ أثر أئمة الفقه اإلسالمي في تطوير قواعد القانون الدولي والعالقات الدولية دار
النهضة العربية القاهرة 1417ﻫ1997/م.
ـ تأصيل مبادئ القانون الدولي اإلنساني جابر عبد الهادي سالم الشافعي ،دار الجامعة
الجديدة اإلسكندرية مصر 1418ﻫ2007/م.
ـ جهود فقهاء المغرب العربي في بناء النظام السياسي اإلسالمي،ـ رسالة دكتوراه
جامعة الجزائر 2008/2009م.
ـ الشعب الالمعة في السياسة النافعة ،ابن رضوان المالقي ،تحقيق علي سامي النشار
دار الثقافة ،الدار البيضاء المغرب ،ط1404 ،01ﻫ1984/م.
ـ فتاوى ابن رشد ألبي الوليد بن رشد تحقيق المختار بن الطاهر التليلي دار الغرب
اإلسالمي لبنان ط1987 1م.
ـ فتاوى البرزلي ،أبو القاسم البرزلي ،دار الغرب اإلسالمي ،بيروت ط2002 1م.
ـ القانون الدولي اإلنساني ،أحمد أبو الوفا المجلس األعلى للثقافة القاهرة ط2006 1م.
ـ المعيار المعرب عن فتاوى علماء إفريقية واألندلس والمغرب تحقيق محمد حجي
دار الغرب اإلسالمي بيروت 1401ﻫ1981/م.
ـ النوازل الجديدة الكبرى أبو عيسى المهدي الوزاني وزارة األوقاف والشؤون
اإلسالمية المغرب 1418ﻫ1997/م.
ـ النوازل الصغرى أبو عبد هللا محمد المهدي ،وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية
المغرب 1412ﻫ1997/م.
ــ 413ـ
النوازل الفقهية
المرتبطة بالوجود االستعماري في الجزائر
أ.د /محمد دراجي
كلية العلوم اإلسالمية ،جامعة الجزائر
وأخيرا أثمرت المخططاتـ الفرنسية المتتالية ،والممتدة لحوالي ثالثةـ
قرون ،وسقطت مدينةـ الجزائر في يد الغزاة البرابرة الفرنسيين.
أخيرا سقطت "المحروسة" "دار الجهاد(( :التي ظلت لقرون شوكة في
حلق الصليبيينـ من البرتغاليين واإلسبان والمالطيين تطارد سفنهم في البحر،
وتجبرهم على دفع اإلتاوات والضرائب لحكومة الجزائر.
وأخيرا دمر األسطول البحري العظيم الذي كان حامال للواء الجهاد
والدفاع عن راية اإلسالم والمسلمين في مشارق األرض ومغاربها ،وما
موقعة "نافارين" ببعيدة.
وهاهي دار اإلسالم ،وحاضرة العلم ،تدوسها سنابك خيل الكفار ،وأصبح
أقصى ما يطمح إليه المسلمون في هذه البلدة أال تمنع شعائر الدين كاألذان
والصالة ،وأال تنتهك األعراض ،وأن يعطوا األمان في أنفسهم وأموالهم.
وطبيعيـ أن يفرز الوجود االستعماري في بلد من بلدان اإلسالم حملة
من النوازل الفقهية المعقدة ،التي تواجه الفقهاء وأهل االجتهاد والمشتغلينـ
بالفتوى وتحتم عليهم تقديم إجابات فقهية لهذه المعضالت التي لم تكن لتطرح
لوال هذا الوجود االستعماري ،إذ هي من نتائج الوجود وإفرازاته،ـ وعليه فقد
أثرت قضية بقاء المسلمين في األراضي التي يستولي عليها االستعمار
ويبسط نفوذه ،وقضية التجنيد في صفوف جيش هذا االستعمار ومشاركته في
حروبه التي يخوضها والتي قد تكون ضد بعض المسلمين،ـ وقضية التجنس
بجنسيتهـ التي عرضها لنيلـ الحقوق والمساواة وغيرها كثير.
مفهوم النوازل :إذا كانتـ النوازل في اللغة هي الحوادث العظيمةـ التي
تنزل بالناسـ فتجعلهم حائرين مضطربين ،فقد قال صاحب الصباح المنير
((والنازلة المصيبة الشديدة تنزل بالناسـ))(.)1
و أشار الزمخشري في أساس البالغة إلى أن هذا االستعمال مجازي
فيه فقال(( :ومن المجاز :نزل به مكروه ،وأصابته نازلة من نوازل الدهر))
(.)2
أما في االصطالح فإن النوازل هي مرادفة للفتاوى ،ويظهر أن
مصطلح "النوازل" مصطلح مغربي ،استعمله فقهاء األندلس وإفريقيا
(?) المصباح المنير ،الفيومي ،ص 356 1
ــ 414ـ
والمغرب ،ووضعوه في عناوين كتبهم التي جمعوا فيها فتاويهم أو وضعها
تالمذتهم حين جمعوا إجابات أساتذتهم وشيوخهم على المسائلـ الفقهية
المرفوعة إليهم ،والمعالجاتـ الشرعية وللمستجدات التي كانتـ تواجههم ،وقد
نوعوا عناوينـ هذه الكتب ،فمن األجوبة ،إلى الفتاوى ،إلى األحكام أو مسائل
األحكام ،إلى النوازل ...وهكذا.
ـ جمع القاضي أبو إسحاق ابراهيم التسولي التازي (ت749هـ) أجوبة
الشيخ أبي الحسن الصغير قاضي الجماعة بفاس المتوفى (ت719هـ).
ـ جمع الشيخ أبو القاسم بن أحمد البرزلي البلوي القيرواني (ت844هـ)
مدونته الفقهية الكبرى ،المسماة بـ "جامع مسائلـ األحكام لما نزل من القضايا
بالمفتينـ والحكام".
ـ كما جمع أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي (ت914هـ)
موسوعته الفقهية ،المسماة بـ"المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى
علماء إفريقيةـ واألندلس والمغرب".
ومن المدونات الفقهية التي حملت لفظ النوازل في عناوينها:
1ـ اإلعالم بنوازل األحكام ،للقاضي أبي األصبع عيسى بن سهل
األسدي القرطبي الحافظ المشاور (ت486هـ).
2ـ األحكام ،للقاضي أبي المطرف عبد الرحمان بن قاسم الشعبي ـ
المالقي (ت497هـ).
3ـ نوازل أبي جعفر بن بشتغيرـ (ت516هـ).
4ـ نوازل القاضي أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد الجد (ت520هـ).
5ـ أجوبة فقهاء غرناطة،ـ جمعها مجهول ،تضم ثمان وأربعين فتوى
أغلبها البن لب.
6ـ نوازل القاضي أبي الفضل بن طركاط (ت854هـ).
7ـ الحديقة المستقلة النضرة في الفتاوى الصادرة عن علماء الحضرة.
8ـ تقريب األمل البعيد في نوازل األستاذ أبي سعيد(.)1
وم ّما يرجح ـ في نظري ـ أن استعمالـ النوازل بمعنىـ الفتوى ،هو أن
العالم اللغوي الفيومي أحمد بن محمد بن علي الفيومي المقري ،صاحب
كتاب "المصباح المنير" وهو معجم لغوي في شرح غريب شرح الوجيز
لإلمام الرافعي( ،)2وهو كتاب معتمد في الفقه الشافعي ،وجرت عادة الفيومي
بعد إشباع اللفظة شرحا لغويا ونقال عن أئمة اللغة وشيوخها ،أن يتعرض إلى
المعنى االصطالحي عند الفقهاء ،إذا كانتـ اللفظة لها معنى اصطالحيا،
(?) لقد اعتمدنا في هذا على المقدمة القيمة التي كتبها المرحـوم الفقيه الـدكتور محمد أبو 1
األجفانل كتابه فتــاوى اإلمــام الشــاطبي ،فرحمه هللا رحمة واســعة على ما أســدى للفقه
المالكي من خدمة جليلة.
(?) مقدمة المصباح المنير ،الفيومي ،ص .5 2
ــ 415ـ
ولكنه اصطالح مغربي (مغازي) ،عندما شرح لفظة النوازل من حيث اللغة،
فإنه لم يتعرض للمعنى االصطالحي.
األمر الذي يرجح أن هذا االصطالح مغاربي،ـ وهللا أعلم ،وأنه
مرادف ،للمصطلحات األخرى ،كاألجوبة ،والفتاوى ،ومسائل
األحكام....،إلخ.ـ
فالنوازل ـ أو الفتاوى ـ هي الجانب العملي التطبيقي للفقه النظري وهو
يواجه المشكالت الحياتية التي ال تنتهي ،ونحن في مقالنا هذا نسقط البحث على
نازلة واحدة من تلك النوازل العديدة التي أفرزها الوجود االستعماري ،ونرى
كيف واجه فقهاء تلك الفترة هذه النازلة ،وكيف تعاملوا معها ،وهذه النازلة هي:
حكم اإلقامة في بلد تغلب عليه الكفار (االستعمار)
إن من أوائل النوازل التي واجهت المسلم الجزائري بعد احتالل فرنسا
االستعمارية لحاضرة الجزائر وأحوازها ،هو حكم البقاء ومشروعية اإلقامة
في هذه المناطق المحتلة ،الواقعة تحت ذمة الملة الكافرة ،وقد اختلف النظر
الفقهي في تكييف هذه المسألة ،وتنزيل األحكام الفقهية النظريةـ على هذه
الواقعة بالذات،ـ وكان األمير عبد القادر فارس السيف والقلم من الذين تصدوا
لهذه المشكلة ،فكتب رسالة في الموضوع يظهر أنها كانتـ إجابة على سؤال
ُملِحِّ ورد إليه ،إذ في مقدمتها:ـ ((وبعد ـ يا أخي ـ فإني رأيتك متعطشا لسماع
كالم سادتنا في هؤالء الذين ركنوا إلى الكافر ،ودخلوا تحت ذمته :شعوبا
وقبائل ،أصاغر وأكابر ،فأحببت لذلك أن أذكر لك بعض ما هنالك))(.)1
كما جاء في خاتمة الرسالة(( :تم ـ بحمد هللا وحسن عونه ـ ما قصدناه
جوابا لسؤال بعض المحبين،ـ وقطعا لشبه المرتدين ،ونحن مرابطون وال
كتاب معنا إذ ذاك وفي حجة الحرام خاتم ثمانية وخمسين ومائتين وألف ،من
هجرة حائز كمال الفخر والشرف × ،وآله وصحبه وسلم تسليماـ))(.)2
وواضح أن األمير عبد القادر كان ينادي بوجوب الهجرة على األعيان،
وأن كل من تقاعس عن الهجرة من هذه المناطق الواقعة تحت االحتالل فهو
مرتد عن الدين عياذا باهلل ،مؤثر للدنيا عن الدين ،مخالف لتوجيهات اإلسالم
وأحكام الشريعة القاضيتين بوجوب الهجرة من دار الكفر (الحرب) إلى دار
اإلسالم.
وقد صرح األمير بأن هدفه من كتابةـ هذه الرسالة هو بيانـ حكم الشرع
في هذه المسألة أو النازلة ،وإقامة الحجة على المخالف وإال فهو يائس من
التحاق هؤالء بدار اإلسالم التي كانت تحت حوزته في الغرب الجزائري.
(?) حكم الهجرة من خالل ثالث رسائل جزائرية ،ص .45 1
ــ 416ـ
كما أبان األمير عبد القادر ~ عن عقلية فقهية تشريعيةـ مكينة ،ومنهج
علمي رائد ،من خالل النقول ،والردود والمناقشات،ـ والتنزيالت،ـ خصوصا
وقد صرح بأنهـ كتب هذه الرسالة وهو مرابط في الثغور ،ليس بين يديه أي
مرجع أو كتابـ علمي(.)1
والخالصة أن األمير عبد القادر قد ركز في رسالته على حكم الهجرة
وأنها الوجوب ،أما الدار فهي عنده تحصيل حاصل فهي دار الكفر بمجرد
استيالء الكفار عليها،ـ وقد أيد األمير في فتواه هذه بعض فقهاء العصر كقدور
بن رويلة ،كاتب األمير عبد القادر ،الذي خص الموضوع برسالة وجهها
لفقهاء الجزائر العاصمة.
وثانيهما الشيخ علي بن الحفاف ،ثم تراجع عن فتواه هذه ،وعاد إلى
اإلقامة في العاصمة وتولى منصب اإلفتاء فيها ،ولكن هذا االجتهاد الفقهي قد
وجد من الفقهاء من يخالفه ،وينظر إلى المسألة من زاوية أخرى ،وبالتاليـ
يختلف مع الرأي األول في تنزيلـ هذه األحكام الشرعية على هذه النازلة،
وفي مقدمة هؤالء مفتي الجزائر محمد بن الشاهد ،الذي كتب هو اآلخر
رسالة فند بها رسالة األمير وما جاء فيها ،وأوضح بأن رميه لهم بالكفر
والخروج عن الملة ،هو كالم كبير ،وحكم خطير ،يتضمن مخالفات شرعية
جمة ،ويستلزم مراجعات عميقة حتى يتوضّح هذا األمر الشائك.
وقد بني ابن الشاهد رأيه على أن الدار مازالت دار إسالم لم تتحول
إلى دار كفر ،لبقاء الشعائر فيها ،وحتى ولو فرضنا أنها أصبحت دار كفر
فإن ترك الهجرة إنما يكون معصية كبيرة ،وحرما خطيرا ولكنه ليس كفرا
وردة ،وذلك على القادر على الهجرة ،أما العاجز فال.
ولم يكتفـ ابن الشاهد بالمناقشة النظرية لألدلة للمسألة ،وإنما راح
يلتمس من واقع المسلمين في العصر الحديث ما يؤيد رأيه في الموضوع،
وهو أن علماء األزهر الشريف لم يتركوا بالدهم عندما دخلها نابليون غازيا،
ومحتال.
وأخيرا خص العلماء برؤية خاصة فقال(( :وأيضا فإن العلماء
كاألطباء ،ألديان العوام ،فلو فرضنا أنهم هاجروا وانتقلوا ،لم يجد العوام من
يطب أديانهم،ـ فربما يقعون في الكفر فلذلك تركوا الهجرة))(.)2
ومنشأ الخالف في هذه المسألة الشائكة والخطيرة هو ما هو المعيار
الذي بموجبه تتحول الدار من دار إسالم إلى دار الكفر؟
ــ 417ـ
لقد اختلفت آراء المذاهب وأئمة االجتهاد في هذه المسألة ،فذهب اإلمام
السرخسي ،الفقيه الحنفي إلى أن(( :دار اإلسالم اسم الموضع الذي يكون
تحت يد المسلمين وعالمة ذلك أن يأمن فيه المسلمون))(.)1
وعرفها الشيخ عبد الوهاب خالف ،وهو من الفقهاء المعاصرين
المعدودين ،بقوله(( :إنها الدار التي تجري عليها أحكام اإلسالم ويأمن من فيها
بأمان المسلمين سواء أكانوا مسلمين أو ذميين))(.)2
فضابط الحكم على الدار بأنهاـ دار إسالم من خالل هذين التعريفين هو
أن تكون تحت سلطة المسلمين،ـ ومحكومة بهم ،وتظهر فيها شعائر اإلسالم
بقوة المسلمين ومنعتهم ،ويحكم فيها بأحكام اإلسالم ،وليس من شروطها أن
يكون ك ّل سكانها مسلمين ،ولكن قد يكون من سكانها غير المسلمين وهم
الذميون.
أما دار الحرب فهي الدار التي ال تجري فيها أحكام اإلسالم ،وال يأمن
من فيها بأمان المسلمين ،وهو التعريف الذي عرف به الشيخ عبد الوهاب
خالف دار الحرب لما قال(( :هي الدار التي تجري فيها أحكام اإلسالم وال
يأمن من فيها بأمانـ المسلمين))(.)3
وقد عرفها غيره من الفقهاء المعاصرين بالقول(( :هي الدار التي ال
سلطان لإلسالم عليها وال نفوذ ألحكامه فيها بقوة اإلسالم ومنعته))(.)4
وضابط الحكم على الدار بالكفر من خالل هذين التعريفين ،هو أال
تكون تحت سلطة المسلمين،ـ أال تجري فيها أحكام اإلسالم ،وال تظهر
شعائره ،وال يأمن فيها المسلمين وال الذميون بأمانـ اإلسالم األول.
وبعد معرفتنا لدار اإلسالم ولدار الحرب ،بقي أن نعرف متى تصير
دار اإلسالم دار حرب ،هل بمجرد زوال السلطة اإلسالمية عنها وإظهار
أحكام غير اإلسالم فيها تصبح كذلك أم البد من توفر شروط أخرى؟
لقد ذهب جمهور الفقهاء والصاحبان إلى أن الدار تصير دار حرب
بمجرد أن تزول السلطة اإلسالمية عنها،ـ فما لم يكن الحاكم مسلما واألحكام
المطبقة هي الشرائع اإلسالمية كانتـ البالد دار الكفر.
وأما اإلمام األعظم أبو حنيفة النعمان فقد رأى بأن الدار ال تصير دار
حرب إال بشروط ثالثة ،وهي:
(?) شرح السير الكبير ،السرخسي (.)3/81 1
(?) أألحكام الذميين والمستأمنين في دار اإلسالم ،د عبد الكريم زيدان ،ص .21 4
ــ 418ـ
ـ ظهور أحكام الكفر ونفاذه فيها( :أي أن السلطة تكون فيها غير
إسالمية وال تنفذ أحكام اإلسالم).
ـ أن تكون متاخمة لدار الكفر والحرب.
()1
ـ أال يبقىـ فيها مسلم وال ذمي آمنا باألمان األول .
و لما كان األمن متوفرا اليوم في أغلب بالد العالم ،ووسائل النقل
الحديثة قد قربت البعيد م ّما لم يعد معه أثر لشرط متاخمة الدار لدار الكفر،
فإن الدكتور وهبة الزحيلي لم يجد بدا من ترجيح رأي جمهور الفقهاء ،فقال:
((فالمعول عليه في تحديد المقصود بدار الحرب :هو سيادة األحكام ونوع
السلطة ،فيتغير بذلك وصف الدار ويكون رأي جمهور الفقهاء في تعريف دار
الحرب هو األرجح ،فإذا انقطعت شعائر اإلسالم أو غالبها في بلد ،وزال
سلطان المسلمين عليها أصبحت الدار دار حرب ،وإذا أقيمت الشعائر
اإلسالمية أو غالبها كانت البالد دار إسالم ،حتى ولو تغلب عليها حاكم كافر))
(.)2
ولكن باإلضافة إلى عنصر النظام والتشريع في الحكم على الدار بأنهاـ
دار إسالم أو دار حرب ،فال بد من مراعاة عامل آخر وهو البعد التاريخي
والجغرافي والسكاني،ـ وتتجلى أهميةـ هذا البعد عندما تستولي دولة كافرة
على جزء من دار اإلسالم ،فهل تتحول تلك البلدة إلى دار الكفر ،حتى ولو
كان سكانها من المسلمين المقيمينـ للشعائر اإلسالمية؟
لقد تعرض أحد فقهاء الحنفية الكبار ،في القرن السابع الهجري ،وهو
اإلمام محمد بن أحمد األهبيجانيـ( )3إلى هذا الموضوع ،حينما استولى التتار
على بعض أجزاء البالد اإلسالمية ورأى بأن تلك البالد المحتلة من التتار ال
تزال من جملة بالد اإلسالم لعدم اتصالها بدار الحرب وألن الكفرة لم
يظهروا فيها أحكام الكفر فقد بقي القضاة من المسلمين ،ثم قال(( :وقد تقرر أن
بقاء شيء من العلة يبقي الحكم ،وقد حكمنا بال خالف بأن هذه الديار قبل
استيالء التتارعليها كانت من ديار اإلسالم ،وأنه بعد االستيالء عليها،ـ بقيتـ
()4
شعائر اإلسالم كاألذان والجمع والجماعات،ـ وغيرها فتبقى دار اإلسالم)) .
ومن خالل هذه الفتوى من هذا اإلمام نرى بأن الدار ال تتحول إلى دار
حرب أو كفر بمجرد استيالء دولة كافرة عليها ما دامت تقام فيها الشعائر
(?) بــدائع الصــنائع في تــرتيب الشــرائع ،الكاســاني ( ،)7/130وانظر كــذلك :العالقــات 1
الدولية في اإلسالم مقارنة مع القانون الدولي الحديث للدكتور وهبة الوحيلي ،ص .105
(?) العالقات الدولية في اإلسالم ص .106 2
(?) هو اإلمــــام بهــــاء الــــدين محمد بن أحمــــد ،من أئمة الحنفية في القــــرن الســــابع 3
ــ 419ـ
اإلسالمية كاألذان والجماعات والجمع ،وكذلك بعض الشرائع اإلسالمية
كاألحوال الشخصية...الخ.ـ
وبما أن األوصاف أو الشروط كثيرة ومتفاوتة ،فإن بعض الفقهاء
المعاصرين قد تكلموا عن أقسام لدار اإلسالم وأوصلوها إلى خمسة أقسام
هي(:)1
1ـ دار العدل :وهي الدار التي تقيم اإلسالم وتحمي السنة وعلى رأسها
الخليفة الشرعي للمسلمين
2ـ دار البغي :وهي التي سيطر عليها الخارجون على اإلمام الحق
ولو حكموا باإلسالم.
3ـ دار البدعة :وهي التي سيطر عليها المبتدعون وأظهروا فيها
بدعتهم.
4ـ دار الردة :وهي التي ارتد أهلها أو سيطر المرتدون عليها أو كان
أهلها كافرين خضعوا لحكم المسلمين ثم نقضوا العهد وسيطروا عليها.
5ـ الدار المسلوبة :وهي الدار التي استولى عليها كافرون من خارج
أرض اإلسالم وكانت في األصل دار إسالم.
وهذه األقسام الخمسة كلها داخلة في دار اإلسالم اصطالحا ،وعليه
فالبالد اإلسالمية التي تقع فريسة الحتالل أجنبي،ـ ال تخرج عن كونها دار
اإلسالم أو جزءا من دار اإلسالم ،إذا بقي فيها شيء من شعائر اإلسالم
وشرائعه،ـ ذلك أن دار اإلسالم ليست في مستوى واحد من حيث االلتزام
اإلجمالي بالشريعة وال شك أن دار العدل هي الصورة المثلى لدار اإلسالم،
ألنها الدار التي تقيم اإلسالم بكل شرائعه وشعائره ويرعى ذلك كله إمام
شرعي يحرص على تطبيقـ اإلسالم وسياسةـ كل أمور الدنيا به ،وإلى جانب
دار العدل هناك صور أخرى ال ترقى إلى هذا المستوى ولكنها ال تخرج عن
دائرة وضعها بدار اإلسالم إلى دار الحرب.
وبعد هذا التحليل الفقهي لمعيار التمييزـ بين دار الحرب ودار اإلسالم،
وإمكانية أن تتحول دار اإلسالم إلى دار حرب ،وحكم الهجرة منها في هذه
الحالة.
وبالعودة إلى الرسالتين أو باألحرى الفتويينـ في هذه النازلة ،ال نسجل
أي اختالف في األحكام النظرية ،تحقيق المناط،ـ فالكل متفق على التمييز بين
دار اإلسالم ،ودار الحرب ،وعلى إمكانيةـ أن تتحول دار اإلسالم ،إلى دار
الحرب ،أو دار كفر ،وعلى وجوب الهجرة من دار الحرب أو الكفر ،إذا
(?) اإلسالم ،للشيخ سعيد حوّى ،ص .400وانظر كذلك :مجموع فتــاوى ابن تيمية (28/ 1
.)18/281( ،)240
ــ 420ـ
أكرهوا على ترك ممارسة شعائرهم الدينية ،أو منعت تلك الشعائر في بالدهم
وهكذا...مع القدرة على الهجرة...الخ.
ولكن االختالف ناشئ ـ في نظري ـ في تنقيح المناط بمعنىـ أن األمير
عبد القادر كان يقدر بأن الجزائر العاصمة وأحوا زها الواقعة تحت االحتالل
أصبحت فعال دار كفر نظرا للممارسات االستعمارية فيها والمتمثلة في هدم
المساجد ،وتحويلها إلى كنائس واالستيالء على نظام األوقاف ،والتضييقـ
على الشعائر الدينية،ـ ومحاصرة الشرائع والقوانين اإلسالمية وعيرها من
التصرفات التي تجعل دين المسلمين الذين آثروا البقاء تحت سلطات
االحتالل في خطر عظيم ،وعقيدتهم مهددة باالضمحالل ،وأن مصيرهم
سيكون كمصير مسلمي األندلس الذين فقدوا دينهم وعقيدتهم وأصبحوا
نصارى كلهم ،بسبب ما مورس ضدهم من تقتيلـ وتشريد ،وحمالت إبادة،
وقمع وتنصير منهج......إلخ.
أما العلماء اآلخرون الذين خالفوا األمير في فقه التنزيلـ هذا ،فرأوا بأن
األعمال الشنيعةـ التي باشرها االستعمار ،رغم فظاعتهاـ وشناعتهاـ إال أن
األمر لم يصل إلى حد تحول الدار إلى دار كفر ،تصبح الهجرة منها واجبة
وجوبا عينيا ،بدليل بقاء كثير من الشعائر التعبدية التي يمكن القيام بها دونما
منع من االستعمار ،ثم إن محاولة التنصير لم تكن بتلك الشراسة التي
مورست ضد مسلمي األندلس ،بل وجد تيار من المفكرين األحرار من
الفرنسيين من وقف ضد تنصير الجزائريين ،وشيئاـ فشيئا بدأ أمل الفقه
والفتوى ،والدراية واالجتهاد ،يميلون ويرجحون الرأي الفقهي القائل بوجوب
البقاء في دار اإلسالم المحتلة أو المسلوبة ،واالستماتة في الثباتـ والدفاع عن
الدين وتعاليمه،ـ خصوصا العلماء.
يقول الشيخ محمد بيرم التونسي(( :ومن األخيار الذين اجتمعت بهم
ومنحوني فضائل أخالقهم التحرير لعالم الشيخ علي بن الجفاف ،المفتي
المالكي بقاعدة الجزائر ،وهو من تالمذة عالمة القطر اإلفريقي الشيخ
إبراهيم الرياحي ،كما أخبرني بذلك عن نفسه ،وله فضائل كاملة وتقوى
وسكينة ،واطالع ،والسعة في الفقه والحديث ،وذاكرني في الهجرة ،فذكرته
بأن مثله قليل الوجود في ذلك القطر ،وأن بقاءه فيه لتعليم الناس دينهم أنفع
للعامة من مثله،ـ بل ربما حمل خروج غيره ،ثمن على شاكلته على الخروج
فتبقى العامة بال تعلم لديانتهم،ـ وتضمحل منهم الديانةـ شيئا فشيئا ،والعياذ
باهلل ،بخالف ما إذا بقي ـ هو ـ و أمثالهـ فإنه ينتشر تعاليمـ العقائد والفقه ،وتبقى
الديانة ـ إن شاء هللا ـ محضوضة في األهالي.وذلك هو المنصوص عليه في
ــ 421ـ
)) كتب فقهنا ،حتى أن األسارى إذا لم يمكن فداؤهم جملة فيؤخر منهم العلماء
(.)1
ويحدثنا الشيخ عبد الحميد بن باديس ~ أنه لما هاجر إلى الحجاز عام
1913م ،ألداء فريضة الحج ،كيف كانت هذه الفكرة ،مح ّل نقاش ،ومثار جدل
بين عالمينـ جليلين ،أحدهما من المغرب اإلسالمي ،من الجزائر بالذات،ـ
واآلخر من أقصى الشرق اإلسالمي ،من الهند ،فقال(( :وأذكر أني لما زرت
المدينة المنورة ،واتصلت فيها بشيخي األستاذ حمدان لونيسي ،المهاجر
ي األول بالهجرة إلىالجزائري ،وشيخي حسين أحمد الهندي ،أشار عل َّ
المدينة المنورة ،وقطع كل عالقة لي بالوطن ،وأشار على الثانيـ وكان عالما
حكيما بالعودة إلى الوطن وخدمة اإلسالم والغزيمة بقدر الجهد ،فحقق هللا
رأي الشيخ الثاني ،ورجعنا إلى الوطن بقصد خدمته))(.)2
وبعد عودة الشيخ عبد الحميد بن باديس ~ وانخراطه في مشروعه
اإلصالحي الكبير ،القائم على المحافظة على الهوية الجزائرية،ـ التي
استهدفها االستعمار ورسم الخطط لتجسيدها حتى تؤتى أكلها ،فازداد الشيخ
قناعة بوجوب البقاء في دار اإلسالم المسلوبة ،والعمل حثيثا على تثقيف
الناس وتوعيتهم دينيا ،وحملهم على االلتزام بالدين وبما يمليه عليهم من أخالق
وتوجيهات ،وبما يلزمهم به من أحكام وإرشادات ،ووصل به األمرمن شدة ما
أدرك من هول المخططات اإلستعماريةو التهديدات الحقيقية التي تستهدف دين
األمة وعقيدتها ،أنه كان يفتي بأن ترك أهل العلم البلد فريسة لالستعمار
ومخططاته هو لون من التولي يوم الزحف الذي يعتبره الدين من أكبر الكبائر.
وقد حدث الشيخ محمد البشير اإلبراهيمي أنه في فترة من فترات
المواجهة مع االستعمار ،واالشتباك مع أذنابه ،استولت عليه مشاعر اليأس،
وسيطرت عليه فكرة الهجرة نحو المشرق العربي ،فما اقتلع هذه الفكرة من
رأسه ،وإلى صوت األستاذ اإلمام الرئيس مجلجال برأية في هجرة أمثاله،ـ
وترك عموم األمة فريسة لالستعمار يعبثـ بدينها ،وينفذ إلى عقيدتها،ـ وأنه
تول يوم الزحف فقال(( :وال أذكر أن كلمة ثنت عزيمتي عن شيء هممت به
إال كلمة الفضيل هذه ،وكلمة قبلها ألخيناـ األستاذ اإلمام عبد الحميد بن باديس
~ ،فقد وقعت مرة في هم بَ َر َح بي ،فص ّممت على الخروج من الجزائر،
وزارني بمدينة تلمسان وأنا مصمم فكشفت له عن ذات صدري ،فارتاع
ورأى أن إقناعي بالكالم المعتاد ال يثنيـ عزمي فسكت قليال وقال :إن
(?) صــفوة االعتبــار بمســتودع األقطــار ،بــيروم محمــد ،تــونس ،المطبعة اإلعالمية 1
ــ 422ـ
خروجك يا فالن أو خروجي يكتبه هللا فرارا من الزحف ،فو الذي وهب له
العلم والبيان،ـ لقد كانت كلمة تلك شؤبوبا من الماء صب على لهب))(.)1
وعمال بهذا الرأي الفقهي ،فإن العربي التبسي ~ ،لم يرتض لنفسه
الخروج من الجزائر ،حيث اشتد أوار الثورة التحريرية المباركة ،وحمي
وطيسها ،وكانت وجهة نظره أن الخروج من الجزائر في هذه الظروف
الحالكة هو نوع من الفرار عن مواجهة العدو ،وتول من الزحف الذي توعد
هللا تعالى فاعليه بأقسى العقوبات ،ولذا لما نصحه عديد من أصحابه،ـ وكثير
من محبّيه ،بالخروج أجابهم بالقول...(( :هناـ يموت قاسي ،لئن أقطع إربا إربا
في ساحة الجهاد خير لي من الموت على سرير من ذهب في أرض الفرار
لو فررنا نحن العلماء من ساحة المعركة من سيبقى فيها...؟ ماذا نقول هلل
ورسوله ولصحابته يوم نلقاهم عن فرارنا من مالقاة العدو؟ أين نرفع
رؤوسنا أمام العالم إذا فر علماؤنا؟ ماذا تقول الالحقة عنا :الفرارون يوم
الزحف))(.)2
ويحدث األستاذ أحمد بن ذياب ~ في المقالة التي كتبها عن الشيخ
العربي التبسي وإسهاماتها في بث الوعي الديني والوطني ،ودوره في
الحركة العلمية ،وتوقف مع قناعتهـ القوية ،وموقفه الصلب من هذه القضية،
ومستنداته الفقهية فيها فقال(( :انقلوا عني وبلغوا كل من لقيتم بمن تعرفون،
أن كل هجرة من الوطن إلى خارجها تعتبر مروقا من الدين ،وخيانةـ للوطن،
ما لم تكن في مهمة كلفت بها جبهة التحرير ،وكل من خالف يعتبر من
مشموالت اآلية الكريمة التي جاء فيها :ﮋﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ
ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹﯺﮊ(.)4()))3
وبعد ،فهذا نموذج لنازلة وقعت بسببـ الوجود االستعماري وماذا أثار
من نقاش علمي فقهي ،والحقيقة أن تتبع النوازل ،ودراستها دراسة مستوعبةـ
شاملة ،يمد الدارس بمعلومات تاريخية وتشريعية وسياسيةـ واجتماعيةـ قيمة،
وهذا ما تفطن له المؤرخ والفيلسوف والمستشرق جاك بيرك ،إني ألدعو هللا
العلي القدير أن يوفقني ـ مستقبال ـ إلستقصاءالنوازل المرتبطة بالوجود
االستعماري في الجزائر ،ودراستها دراسة علمية مستفيضة تكون إضافة
علمية في هذا المجال وتسد ثغرة ،نحن في مسيس الحاجة إلى من يسدها.
(?) أحمد عيساوي ،العربي التبسي مصلحا ،دكتوراه دولة مرقون’ن (.)1/133 2
(?) أحمد بن ذياب ،العربي التبسي والنهضة العلمية بالجزائر ،مجلة األصالة ،السـنة ،2 4
ــ 425ـ
ترجع إليها أحكام الشريعة وتنضبط بها الجزئياتـ المتناثرةـ عباداتـ كانتـ أو
معامالت أو جنايات كما تُرد إليها الحوادث والنوازل التي لم يرد فيها حكم
من الشارع الحتياج الناس إلى أحكامها ضرورة الستمرار الحياة وعدم
اضطرابها ورفعا للمشقة والحرج الواقعين بدونها.
قال القرافي في بيانـ الفرق بين قاعدة الجوابر والزواجر(( :وهاتان
قاعدتان عظيمتان وتحريرهما أن الزواجر تعتمد المفاسد وأما الجوابر فهي
مشروعة الستدراك المصالح))(.)1
المطلب األول :عالقة فقه النوازل بقاعدة الجوابر
تظهر العالقة بين فقه النوازل وقاعدة الجوابر في جانبين:ـ
الجانب األول :طبيعة قاعدة الجوابر
تتميز قاعدة الجوابر في كونها تحافظ على استمرارية قيام المصالح وعدم
فوات جزء منها ،فكل مصلحة فائتة وجب شرعا جبرها ،ويعد هذا الجانب من
أهم قواعد االستصالح في الشريعة ،بل هو الشريعة كلها ،لما يترتب على فوات
المصالح من فوات الشريعة ألنها مبنية عليها أساسا كما تقرر سابقا.
وفقه النوازل هو في حقيقته جملة من المصالح المركبة سواء ما تعلق
بصاحب النازلة أو الناظر فيها أو ما ارتبطت به من أشخاص أو حقوق،
ومن هنا تظهر العالقة بين قاعدة الجوابر وفقه النوازل.
الجانب الثاني :كون قاعدة الجوابر من قواعد الفقه اإلسالمي الكبرى
تنظم قاعدة الجوابر إلى قائمة القواعد الفقهية الكثيرة التي ع ّدها
القرافي أحد قسمي أصول الشريعة التي جاء بها محمد × ،حيث قال وهو
يشيد بأهمية القواعد الفقهية بقوله(( :فإن الشريعة المعظّمةـ المح ّمدية زاد هللا
تعالى منارها شرفا وعلوا اشتملت على أصول وفروع ،وأصولها قسمان
أحدهما المسمى أصول الفقه والثاني قواعد فقهية جليلة كثيرة العدد.)2())..
كما أشاد غير واحد من علماء األمة بأهميّةـ القواعد الفقهية كمرجع لكل
عالم أو مجتهد في تقرير األحكام الشرعية ،والحكم على النوازل المستجدة
وح َك ٍم متعددة ،وبيان مآخذ الشريعة
والوقائع ،نظرا لما تحتويه من أحكام ِ
ومقاصدها الجليلة ..إلى غير ذلك مما يحتاجه المجتهد أو الناظر في أحكام
النوازل.
قال السيوطي(( :إن فن األشباه والنظائر فن عظيم به يطّلع على حقائق
الفقه ومداركه ومآخذه وأسراره ويتمهّد في فهمه واستحضاره ويقتدر على
ــ 426ـ
اإللحاق والتخريج ومعرفة أحكام المسائلـ التي ليست بمسطرة والحوادث
والوقائع التي ال تنقضي على مر الزمان))(.)1
وباإلضافة إلى اإلحاطة بقواعد الفقه ،يضاف أمر آخر كشرط لسالمة
النظر وإمكانية الحكم على النوازل وهو حسن الربط بينها وبين الوقائع،
وهي مرحلة ال يصل إليها إال القليل من الناس م ّمن تدرّب على الفتيا.ـ
قال أبو عبد هللا بن عبد السالم(( :إنما الغرابة في استعمالـ كلياتـ علم
الفقه وانطباقها على جزئياتـ الوقائع بين الناس وهو عسير على كثير من
النّاس فتجد الرجل يحفظ كثيرا من الفقه ويفهمه ويعلمه غيره فإذا سئل عن
واقعة لبعض العوام من مسائلـ الصالة أو مسألة من األعيان ال يحسن
الجواب ،بل وال يفهم مرا ُد السائل عنها إال بعد عسر))(.)2
ألجل هذا تقرر عند العلماء أن الرجوع إلى قواعد الفقه من السبل التي
تعين المجتهد على إدراك حكم النازلة وما يجب مراعاته من المعاني
والمقاصد الشرعية .ذلك أن الرجوع إلى القواعد رجوع إلى رأس الفقه
ومقامه األعلى ،كما أن االشتغال بها أولى من االشتغال بالفروع والجزئياتـ
التي ال تتناهىـ لسهولة تحصيلها ويسر حفظها بخالف الفروع والجزئيات
التي يتعذر اإلحاطة بها ويعسر حفظها لتناثرهاـ في مختلف أبواب الفقه
اإلسالمي.
وعلى هذا األساس نلمس في منهج العلماء في فقه النوازل والحكم على
الوقائع والحوادث المستجدة اعتمادهم على القواعد الفقهية،ـ كبرى كانت أو
صغرى ،فرعيةـ أو أصلية ،وذلك في مختلف أبواب الفقه اإلسالمي الواسعة،
كما نلحظ فيه استدراك جملة من المصالح الفائتة.ـ
ومن نماذج هذا النوع من االستدالل على وجه من االختصار:
1ـ قاعدة األمور بمقاصدها
لم يخرج العلماء في الحكم على المسائلـ المطروحة عليهم عما تقرر
من أن المعتبر في الحكم على ما يصدره اإلنسان من عبارات وتصرفات
هو الرجوع إلى المقاصد والنيات غير أن هذا ال يعني بالضرورة إهمال
األلفاظ بالكلية فهي الوسيلة المعبرة عن المعاني ،بل المراد من اعتبار
المقاصد إذا ظهرت فتكون مقيدة للفظ وقد تلغي األلفاظ التي لم يقصد المتكلم
معانيها،ـ ومن فتاوى العلماء في هذا الباب:
ــ 427ـ
ـ سئل بن أبي زيد عمن قال المرأته تركتك هلل قال :إن نوى الطالق
لزمه ما نوى وإن لم ينو الطالق فال شيء عليه(.)3
ـ وسئل ابن هالل عمن اختلفت نيتهـ ونطقه عند اإلحرام بالصالة
فأجاب :المعتبر ما نواه بقلبه دون ما لفظ به غلطا(.)2
2ـ قاعدة التعسير سبب للتيسير
إن رفع الحرج والتيسيرـ على الناس ومراعاة المشقة والتعسير حاصلة
في التكاليفـ مقصد من مقاصد الشريعة ،بل هو من األصول التي ترجع
إليها جميع التخفيفاتـ والرخص الواردة في التكاليف الشرعية ،فأحكام
الشريعة جاءت بما يتناسبـ وقدرة المكلف واستطاعته،ـ فلم يكلف هللا تعالى
عباده إال بما يقدرون على فعله ،وهذا المعنى الشرعي العظيم هو الذي
نلمسه عند العلماء في الفتاوى وحكمهم على النوازل والوقائع التي يسألون
عنها.
ـ سئل بن أبي زيد عن الرجل البربري الذي ال يعرف العربيةـ هل له
أن يدعو في الصالة بالبربرية قال :نعم ال بأس بذلك وهللا أعلم بكل لغة(.)3
ويلحق بالبربريةـ اللغات التي تلهج بها األلسن في هذا الزمان الذي ال يقدر
أصحابها على اللغة العربية.
ـ وسئل عمن من أتى المسجد يوم الجمعة وقد ضاق ولم يجد أين
يصلي ألجل مطر ووحل قال بن أبي زيد َأ َحبُ إل ّي أن يذهب إلى داره
فيصلي فيها متمكنا(.)4
3ـ اليقين ال يزول بالشك
ـ سئل أبو القاسم بن خجو عمن صلى فرضا وشك في ركعة هل قرأ
فيها القرآن أم ال؟
فأجاب :ومن شك في قراءة أم القرآن في ركعة وهو بها ألغى الشك
وقرأها ويسجد بعد السالم الحتمال زيادتها(.)5
ـ سئل بن أبي زيد عن رجل اشترى ثوبا ملبوسا من السوق هل يغسل أو
ينضح أو ال وهو مجهول؟ وكيف إن كان في األسواق يهود ونصارى
واختلطوا مع المسلمين في لباسهم فاشترى ثوبا كذلك هل يصلي به كذلك أم ال؟
الجواب :له الصالة به إال أن يستريب أمرا فيغسله أو يكون الغالب في
بلد النصارى(.)6
(?) فتاوى ابن أبي زيد القيرواني ص ()161 3
ــ 428ـ
4ـ ال ضرر وال ضرار
ـ سئل القاضي عياض عمن استخرج عين ماء نصب عليها رحى
طحنت مدة ثم إن صهرا له مجاور في جنة أخرى استنبطـ فيها عيناـ وبينهاـ
واألولى خمسين ذراعا عرضا ونصب عليها رحى وضعفت عين األولى
وتعطلت رحاه وزعم أن ماء جاره هو ماؤه وماء هذا الجار اآلخر ضعف
ماء األول وكان يشتكيـ إال أنه لم يخاصمه.
الجواب :إذا ثبتـ عند القاضي أن ضعف الماء من عين األول وتعطيل
رحاه إنما كان بما أحدث عليه صهره وحازه من العين التي احتفرها وأنه
استفرغ بذلك ماء عين جاره بشهادة من يعرف ذلك من العدول أهل البصر
فلألول أن يقوم بحثه ويغير بمقتضى الحكم ما أحدث عليه جاره من العين
التي أضره بها وال يمنع من ذلك سكوته وقد قال عليه الصالة والسالم« :الَ
ض َرا َر»(.)1
ض َر َر َوالَ ِ
َ
ـ سئل بن أبي زيد عمن فتح باب داره فانكسر ما خلفه فإنه يضمن ألن
فتح الباب وقع هو والجناية معا والخطأ والعمد في أموال الناس سواء بخالف
واقد التنور أوائل فعله جائزة وحدثت الجناية بعد ذلك فهو كمن يباشر الجناية
بخالف األول(.)2
ـ وفي فتاوى البرزلي :سئل اللخمي عمن خرج حاجا في طريق مخوفة
ويغلب على ظنه أنه ال يسلم هل يكون ممن ألقى بيده إلى التهلكة أو هو
مأجور بسببـ قصده فريضة الحج والتقرب إلى هللا تعالى فأجاب الحج مع
هذه الصفة من الضرر ساقط وتحامله بعد ذلك ال يسلم فيه من اإلثم(.)3
وعلّق اإلمام البرزلي على هذا فقال(( :وعندي أن هذا من باب تقابلـ
الضررين فيُنفى األصغر لألكبر كما أشار إليه النبي × .فينظر ما يترتبـ من
المفاسد في ركوبه وما يحصل من المنافع األخروية والدنيويةـ فكلما عظم
المكروه اعتبر ومتى قل انتفى(.)4
المطلب األول :تعريف الجوابر
يدور معنى الجبران في معناه االصطالحي في بيانـ الجانب التشريعي
له المتمثل في جلب ما فات من المصالح الخاصة أو العامة سواء ارتبطتـ
بحقوق هللا تعالى أو حقوق عباده.
ــ 429ـ
وفي هذا المعنى يقول العز بن عبد السالم(( :والغرض من الجوابر
جبر ما فات من مصالح حقوق هللا تعالى وحقوق عباده))(.)5
وقال القرافي(( :وأما الجوابر فهي مشروعة ال ستدراك المصالح الفائتة))
(.)2
ولهذا يمكن أن نقول إن الجوابر منهج تشريعي عام مبني على
نصوص وأحكام شرعية يستدرك بها النقص الواقع في التكاليف الشرعية
بقصد إتمامهاـ وإصالح خللها تحقيقا للمصالح المنوطة بها.
المطلب الثاني :ضوابط الجبران وشروطه
ينضبط جبر المصالح الفائتة بحسب نوع الفائت بين أن يكون من
العبادات أو من المعامالت ،كما يشترط لترتب الصحة على هذه الجبران شروط
معينة ،نحاول من خالل هذه األسطر أن نلخص أهم هذه الشروط والضوابط.
الفرع األول :شروط الجبران في العبادات وضوابطه
يراد بشروط الجبران ما حكم الشارع بوجوده في األحكام إلزاما
وترتب على فقدانها البطالن،ـ والسؤال الذي يطرح هل الفقهاء في تعاملهم
مع النوازل تقيدوا بشروط الجبران المضبوطة في مسائلـ الفقه أم أن لهم
مسلكا ومنهجا خاصا في التعامل مع الوقائع.
في الواقع وبعد تصفح كتب النوازل ال نجد فرقا في منهج التعامل مع
الحوادث لخصوصية التعبد ،وعليه نحاول أن نذكر هذه الشروط والضوابط
على وجه من االختصار
ـ الشرط األول :أن ال يكون الفائت المراد جبره ركنا في العبادة
والمراد بالجبر هنا إمكانية االستدراك وإال فإعادة العبادة هي كذلك
نوع من الجبران ومسائله في فقه النوازل ال تحصى والتي يجيب فيها
الفقهاء بعدم إجزاء العبادة ووجوب إعادتها كمسائل نسيان أركان الصالة
والحج أو الترك الذي ال يمكن جبره باالستدراك ونحو ذلك.)3(...
الشرط الثاني :أن يكون المجبور قابال للجبران
ــ 430ـ
ويراد به إذن الشرع به ،فال يمكن جبر الخلل واستدراك النقص
إال على وفق تقدير الشرع(.)4
الشرط الثالث :أن يكون الفائت المراد جبره مؤقت(.)2
الشرط الرابع :أن يكون الجابر من ماهية المجبور(.)3
الشرط الخامس :ال يجبر الفائت إال بنيته
فالنية مطلوب تعي ّنهُا في العبادات ،فكذلك الشأن في جبران الفائت منها
وإصالح الخلل الواقع فيها فيجب أن يكون بنية الفائت منه ال بنية أخرى.
الشرط السادس :أن ال تفوت المصلحة التي شرعت لها العبادة المراد
جبرها
تقرر باستقراء الشريعة أنها جاءت لتحقيق مصالح معينة من خالل
تلك التكاليف فإذا كان جبران التكليف ال يحقق تلك المصلحة أصبح اإلقدام
على جبران ال معنى له في الشريعة ألنه معدوم المصلحة ،ومن أمثلة ذلك
قضاء صالة الكسوف والخسوف واالستسقاء وغيرها ،فإذا فاتت ال يشرع
قضاؤها(.)4
ضوابط الجبران في العبادات
ـ األول :ال يصار إلى الجبر إال عند تعذر تحصيل األصل
ألن الجبران شرع الستدراك المصالح الفائتةـ من العبادات فال يمكن
المصير إليه مع تحقق المصالح ،ومن شرط الجبران ثبوت النقص أو
الخلل ،فالصالة مثال ال تصح بالتيممـ مع إمكانية الضوء وهكذا..
ـ الثاني :ال ينجبر األقوى باألضعف
وهو ما نجده في تفريق العلماء بين العمد والسهو في ترك ما هو
من الصالة ألن العمد أقوى من السهو فال ينجبر بالسجود بل بالتوبةـ
وإعادة الصالة.
ــ 431ـ
الثالث :المتروك إذا كان ليس مقصودا في موضعه ال يوجب
الجبران
كترك التكبيراتـ والجهر واإلسرار في الصالة ألنها غير مقصود
في موضعها من العبادة فال يتعلقـ بتركهاـ جبران ،وكذلك ما تعلق بالحج
كنسيان الرمل واالضطباع فال يترتب عليه جبران وهكذا.)1(...
وهناك ضوابط أخرى يضيق المقام بذكرها منها:
ـ تقدير الجبران يكون مساويا للفائت في القدر والمنفعة
ـ التقرب بالعبادةـ المجبورة أولى من إعادتهاـ
ـ النفل كالفرض في الجبران
ـ الجبران ال يسقط بالنسيان
الفرع الثاني :شروط الجبران في المعامالت وضوابطه
شروط الجبران في المعامالت(.)2
1ـ أن يكون الفائت المجبور ماال فال يجبر ما ليس بمال في نظر
الشريعة أو ما تعارف الناس عليه كونه ليس ماال ،فالماليةـ تثبتـ بهذين
األمرين.
2ـ أن يتحقق الفوات المستلزم للجبران مع الديمومة واللزوم.
وذكر الفقهاء هذا لبيان أن مجرد الفعل الضار مما يترتب عليه
الفوات في الغالب ال يستلزم الجبران إال بتحقق الفوات كمن حفر بئرا
فمجرد الفعل ضار لكن ال نرتب عليه حكما إال مع حصول الضرر
بالفعل الضار.
أما معنى الديمومة واللزوم فالمراد به بقاء الضرر بعد حصوله فإن
عاد الشيء إلى ما كان عليه في األصل انتفى الجبران بارتفاع الضرر.
ضوابط الجبران في المعامالت
1ـ جبران الحقوق يكون برد أعيانها فإن تعذر فبمثلها فإن تعذر
فبقيمتهاـ
2ـ جبران الفائت يكون من مال المتسببـ
(?) النوازل الجديدة ()1/276 1
(?) لمعيار المعرب ( )5/181وما بعدها ،النوازل الجديدة ( )5/13وما بعدها 2
ــ 432ـ
3ـ جبر العين مع فوات جزء منها هل يحكم ببقاء العين مع جبران
النقص أو يحكم برد المثل ،فالذي وجدناه أنه يجوز العدول إلى المثل مع
بقاء حق المطالبةـ بالعينـ وقيمة النقصان الحاصل فيها
كما نجد تفصيال آخر أن الضرر إذا كان يسيرا لم يزل معه معظم
منافع الشيء فليس للمالك حق المطالبةـ بالمثلـ مع الجبران إذا شاء ،بل
يجب عليه أخذ العين مع الجبران
4ـ طريقة تقويم النقص فلم يختلف الفقهاء في النوازل اإلفتاء بما
هو متداول وهو إنما تُقَ ّوم العين المراد جبرها على صفة الكمال ثم تُقَ ّوم
على صفة النقص فما وجدناه من التفاوت فهو الواجب في الدفع(.)1
المطلب الثالث :أسباب الجبران
أما األسباب التي اعتبارهاـ الفقهاء موجبة للجبران في النوازل فهي
نفسها في الفقه اإلسالمي:
1ـ النسيانـ
2ـ الخطأ
3ـ العمد
4ـ التكرار
5ـ التأخير
6ـ التعدي
7ـ التفريط
8ـ التغرير الفعلي
المطلب الرابع :تطبيقات القاعدة في النوازل الفقهية
الجبر في نوازل العبادات
ـ من مسائل الصالة
1ـ من سلم في نافلة ودخل في أخرى ثم تذكر سجدة من األولى يرجع
إلى إصالحها ما لم يعقد ركعة من الثانيةـ(.)2
2ـ قال البرزلي عن الصالة في موضع كان مرحاضا وحول إلى بيت
يجلس فيه إال أنه بقي بهيئتهـ األولى ما نصه(( :إذا غيرت صورته فواضح
ودليله مسجد رسول هللا أنه كان فيه مقابر المشركين و ُح ٍول ،وأما إذا بقي
ــ 433ـ
على ما هو عليه فشرط طهارة ظاهره واضح وأما باطنهـ فيحتمل أن تكون
طهارته من باب الكمال ألنه أجاز أن يصلي على فراش طاهر فوق فراش
نجس(.)1
3ـ سئل السيوري عمن خاف أن يسرق ثوبه أو ينتهب ماله إن حضر
الجمعة هل يباح له التخلف
فأجاب بقوله(( :إذا غلب عليه الخوف بما ذكرت وال يقدر على التحرز
ساغ له التخلف وإال لم يسغ))(.)2
من مسائل الصيام
وجاء في فتاوى البرزلي(( :عمن قلع ضرسه من وجع كان به وبقي
ثقب إن جعل فيه لبان سكن وإذا أزاله عاوده الوجع العظيم وهو في رمضان،
قال يجوز له ذلك إن اضطرا ويقضي اليوم(.)3
من مسائل الزكاة
ـ سئل اللخمي هل يجوز إعطاء من أتلف ماله الزكاة إذا احتاج إليها
فقال(( :ال يعطىـ من أتلف ماله إال أن يتوب أو يخاف عليه))(.)4
ـ وجاء في فتاوى البرزلي(( :إذا حبّس جماعة على مسجد حوائط كل
إنسان حبس نخال فإنه يحسب جملة ذلك للمسجد ويُنظر فإن خرج من الجميع
خمسة أوسق زكاه عن المسجد وإنما الحوائط المحبسة تزكى ألن الزكاة
تصرف إلى السبيل والصدقة والرقاب فال يجوز أن نتركهاـ نحن ألجل أن
التمر للمساكين ألن الساعي ينظر فيها باالجتهاد فقد يكون اجتهاده في
صرفها لغير الفقراء))(.)5
مسائل الحج
ـ سئل السيوري من وقف يوم النحر بعرفة غلطا أو أغمي عليه الهالل
هل يجزيه أو ال؟ وهل يستحسن في من شك في هالل ذي الحجة أن يقف
يومين احتياطاـ أم ال؟ كالشاك في رمضان .الجواب(( :إن أخطأ بما وفق له
قبل الوقت فال أعلم خالفا أن حجه غير جائز وإن أخطأ فوقف بعدها ففيه بين
ــ 434ـ
أصحابناـ خالف فقيل يمضون على حجهم وينحرون بالغد ويتأخر عمل الحج
كله يوما))(.)1
وأجاب اللخمي عن هذه المسألة فقال ((والذي آخذ به فإنه ينظر فإن
كانوا لو اجتهدوا رأوه فإن عليهم القضاء وإن كانوا لو اجتهدوا لم يروه لكون
ذلك خفيا فال قضاء))(.)2
وفي فتاوى البرزلي فيمن نسي صالة إن صالها فاته الوقوف بعرفة
قال :القياس أحد األمرين إما الصالة مسايفة مع إسقاط أحد أركان الصالة أو
ان
ض َر َر ِ ان َأ ِو ْ
اجتَ َم َع َ تقديم الوقوف وهو األولى لقوله ×ِ« :إ َذا ا ْلتَقَى َ
ض َر َر ِ
ص َغ ُر لَِأل ْكبَ ِر»(.)3
نُفِ َي اَأل ْ
من باب الكفارات
ـ سئل الصائغ :هل يجزئ أقل مد في زمن الشدائد لعموم اآلية في
الوسط فأجاب تترك كفارة اليمين عند ضيق العيش إلى االجتهاد والتحرير
كلفة ومشقة واالجتهاد أولى(.)4
من باب الشهادة
ـ قال البرزلي عمن كثر منهم االضطراب في شهادتهم حقيقة هل
تصح شهادتهم وإمامتهم؟ .ما نصه(( :أما الشهادة فالصواب منعه إن كان
هناك من يقوم به الحال وأيضا شهادته في الماضي لتعلق حقوق بها واألصل
حقيقتها حتى يتبينـ خالفه ،وإن لم يكن هناك من يقوم به أمر الناس فينظر في
هذا من ابتلي به فإن رأى تقديمهـ للضرورة فعل شبيها بأكل الميتة ولتعذر
العدالة الحقيقية في هذا الزمان))(.)5
ـ من باب البيوع
ـ جبر العيوب في البيع
سئل بن أبي زيد عمن اشترى ثوبا فوجده معيباـ وقيمته معيبة مثل ثمنهـ
أو أكثر فهل على البائع شيء أم ال؟ فأجاب(( :ينظر إلى قيمتهـ صحيحا يوم
الصفقة وقيمتهـ وبه ذلك العيب يومئذ ،فما كان بينهماـ من النقص رجع بنسبته
من الثمن إن كان الربع فالربع وإن كان الثلث فالثلث))(.)6
ـ تعويض ما يباع على أصحابه جبرا للمصلحة العامة
ــ 435ـ
جاء في مذاهب الحكام(( :إذا ضاق المسجد الجامع عن أهل الموضع
واحتيج إلى الزيادة فيه كما وصفت ـ حوانيت أبى أصحابها البيع وادعوا
التحبيس ـ ولم يكن حواليه ما يزاد فيه إال الحوانيت التي أبى أربابها من بيعها
فالواجب في ذلك أن تؤخذ منهم بالقيمة ويحكم عليهم بذلك على ما أحبوا أو
كرهوا لمنفعة الناس بذلك وضرورتهم وهو قول ابن الماجشون وإليه ذهب أكثر
شيوخنا))(.)1
من باب النكاح
ـ جاء في النوازل لعيسى بن علي(( :فلما شاع وذاع بهذه البالد الغمارية
وما واالها من القبائل البدوية الفاحشة العظمى فاحشة هروب النساء مع الرجال
ومن الواجب علينا أن نحسم مادة الفساد ونسد كل باب يوصل إلى معصية
والقول بسد الذرائع الفاسدة من أصول قواعد مذهب مالك فالواجب أن نجتهد
جهدنا في سد الذريعة لهذه الفاحشة ولهذا اختار العلماء الصلحاء ممن سلف
الفتوى في البالد بتأبيد التحريم للهاربة على من هرب بها وإن كان على خالف
المشهور وذلك معاملة بنقيض المقصود الفاسد ألنه يريد أن يرفع الحجر عنها
لخلوة الهارب بها مدة ألنها مظنة االفتضاض وزوال البكارة))(.)2
وجاء في المسألة عن اإلمام سيدي عمر بن عبد العزيز ما نصه(( :فلو
لم يكن نص لعلماء المذهب المالكي في تحسيم هذه المفسدة وتحسيم مادتها
ووجدنا قوال خارجا يقتضي تحسيم مادتها لتعين علينا أن نرتكبه في قطع هذه
المفسدة وتحسيم مادتها ولم يزل أهل الفتوى والقضاء يختارون الفتوى بقول
شاذ ويحكمون به لدليل ظهر لهم في ترجيحه(.)3
ـ والجبران هنا في هذه المسألة يتعلقـ بثبوتـ الصداق لها حيث جاء
فيها ((إن ثبت غصبه إياها ببينةـ أو بإقرار وادعت أنه أصابها فال إشكال في
أن لها الصداق مع يمينها أنه أصابها وإن تكرر الوطء تكرر الصداق كما
عند ابن الحاجب ومن تبعهـ وهو ظاهر الفقه(.)4
من باب القصاص والديات
ــ 436ـ
1ـ جاء في كتابـ النوازل للشيخ عيس بن علي(( :عمن قتل رجال هل
يجبر على الدية مخافة إن طلب القصاص قامت الفتنة بينهم فيقتل خلق كثير
فأفتى بالدية))(.)5
و نقل في نفس الموضع عن أبي عمران أن القصاص إذا تعذر حيث ال
أحكام رجع للدية))(.)2
2ـ يجوز أن يؤخر إقامة الحد على الزاني رعاية للمصلحة ،فقد سئل
أبو عمران عن رجل زنى في جيش المسلمين وهو بأرض العدو وخيف أن
أقيم عليه الحد مفسدة قال ((يؤخر الحد وال يقام))(.)3
ــ 437ـ
فقه نوازل المالكية في االقتصاد
(األزمة المالية العالمية)
أ/عبد الرزاق دالل
باحث جامعي ،والية الوادي
المقدمة
في سبتمبر 2008بدأت أزمة مالية عالمية والتي اعتبرت األسوأ من
نوعها منذ زمن الكساد الكبير سنة1929 م ،ابتدأت األزمة أو ً
ال بالواليات
المتحدة األمريكية ثم امتدت إلى دول العالم لتشمل
الدول األوروبيةـ والدول اآلسيوية والدول الخليجية والدول الناميةـ التي
يرتبط اقتصادها مباشرة باالقتصاد األمريكي ،وقد وصل عدد البنوك التي
انهارت في الواليات المتحدة خالل العام2008 م إلى 19بنكاً ،كما توقع آنذاك
المزيد من االنهيارات الجديدة بين البنوك األمريكية البالغ عددها 8400
بنكا ً(.)1
والسبب يعود إلى المخالفات الشرعية في المعامالتـ البنكية التي أدت
لألزمة والصورة الخاطئة التي تمت في الرهن العقاري ،من حيث اعتمادهاـ
على اإلقراض بفائدة ،والذي هو عين الربا ،ثم قيام البنوك بعمليات التوريق،
والتي تعتمد على بيع الديون ،وهى مخالفة شرعية صريحة ،حيث نهى
الشرع عن هذا البيع وقيام المشتري قبل أن يسدد باقي ثمن العقار ببيعهـ أو
رهنه للحصول على قرض آخر ،وهو بيع ما ال يملك ،وهذه المعامالت
المالية التي نهاناـ عنها اإلسالم وتم وضعها ضمن المعامالت المنهي عنها.ـ
وهو كل ما دعا الدول الغربية للتعامل والعمل وإقرار قوانين التعاملـ
بالمعامالتـ اإلسالمية في الدول األوربية في الوقت الذي شهدت فيه البنوك
التقليدية انهيارات مالية وائتمانيةـ كبيرة.
و بعد هذه المقدمة القصيرة جدا نبدأ في الحديث عن النوازل التي
ظهرت في هذا العصر وهي النوازل المتجددة التي نعتبرها من أسباب األزمة
المالية الحديثة التي ظهرت سنة 2008وفي آخر هذه الورقة نقدم بعض
البدائل.
الربا
هذا العنصر من أهم العناصر ألنه سبب دمار األمم ،فقال هللا تعالى :ﮋﮥ ﮦ
ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ
ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ
ــ 438ـ
ﰂ ﰃ ﰄ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯵ
ﰅ ﰆ ﰇﰈﮊ(.)1
وقال :ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ
ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ
ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃﮊ(.)2
فهذا يدل على أن الربا خطره عظيم ،وضرره جسيم وهو سبب الدمار
والقضاء على هذه األمة ،وهذا ما جعل األمة اإلسالمية في مؤخرة القافلة
وهو دليل على عدم اتباعهاـ للتشريع الذي وضع لها والمتمثل في هدي
سو ُل هللاِ × آ ِك َل اإلسالم ،وجاء في سنة الرسول × :ع َْن َع ْب ِد هللاِ قَا َل« :لَ َعنَ َر ُ
()3 الربَا َو ُمْؤ ِكلَهُ قَا َل قُ ْلتُ َو َكاتِبَهُ َوشَا ِه َد ْي ِه قَا َل ِإنَّ َما نُ َحد ُ
س ِم ْعنَا» ، ِّث بِ َما َ ِّ
اَل
فتناول اللعن كل من له صلة أو عالقة بالربا ،وقال رسول هللا × « :تَبِي ُعوا
س َوا ٍء َوبِي ُعوا ض ِة ِإاَّل َ
س َوا ًء بِ َ ضةَ بِا ْلفِ َّ س َوا ٍء َوا ْلفِ َّ
س َوا ًء بِ َ ب ِإاَّل َ َب بِ َّ
الذ َه ِ الذه َ َّ
ب َكيْفَ ِشْئتُ ْم»(.)4 ضةَ بِ َّ
الذ َه ِ ض ِة َوا ْلفِ ََّب بِا ْلفِ َّ
الذه َ َّ
بيع الديون
وهو الذي تمارسه البنوك الربوية ،وهو القرض الذي يجر منفعة،ـ
وتقوم عليه البنوك الكبرى ،والقاعدة العامة في الشريعة ((كل قرض جر نفعا
فهو ربا)) ،والقرض يجب أن ال يكون معه أي نفع بل بذل مجاني،ـ ومحض
إحسان ،حتى لو كان النفع بعقد ثان مقرون بعقد القرض ،فإنه ربا ،ومثاله في
ئ»( )5بالهمز. عنْ الكَِال ِ ي × َنهَى َ حديث ابن عمر «َأنَّ النَّبِ َّ
قال اللغويون :وهو النسيئةـ أي الدين بالدين،ـ وهو عند الفقهاء عبارة
عن ثالثة أشياء :بيع الدين بالدين،ـ وابتداء الدين بالدين،ـ وفسخ الدين في
الدين ،وال يجوز دين بدين أي نسيئةـ بنسيئة.ـ
فأول الثالثة التي ذكرت ،وهو بيع الدين بالدينـ ال يتصور في أقل من
ثالثة ،وصورته أن يكون لك على شخص مائة شقة مثال إلى أجل فتبيعها من
شخص آخر بمائةـ إلى أجل ويصور في أربعة.
(?) الجامع الصحيح المختصر محمد بن إسماعيل أبو عبدهللا البخاري الجعفي ()5/403 4
تحقيق :د .مصطفى ديب البغا أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة ـ جامعة دمشق
دار ابن كثير ،اليمامة ـ بيروت الطبعة الثالثة 1407 ،ـ 1987
(?) المستدرك بتعليق الذهبي اإلمام الحاكم أبو عبد هللا محمد بن عبد هللا بن محمد (2/3 5
)18تحقيق تعليق اإلمام الذهبي شمس الدين أبوعبد هللا محمد بن أحمد.
ــ 439ـ
ومثاله أن يكون لشخص على آخر دين ولثالث على رابع دين فباع كل
من صاحبي الدينين ما يملكه من الدين بالدينـ الذي هو لآلخر ،فالحاصل أن
بيع الدين بالدينـ ال بد فيه من تقدم عمارة ذمة أو ذمتين على البيع،ـ وعلة
المنع كونه يوصل إلى المنازعة والمخاصمة التي يبغضها الشارع ،وقيل
محض تعبد (.)1
وجاء أيضا أن األمة أجمعت على أن بيع الدين بالدين ال يجوز
وحقيقتهـ بيع شيء في ذمة بشيء في ذمة أخرى غير سابق تقرر أحدهما على
اآلخر ،وهو معنى قولهم ابتداء الدين بالدين ،وما تقدم فيه تقرر الدين يسمى
فسخ دين في دين(.)2
وـجـاـءـ فـيـ حـاـشـيـةـ اـلـعـدـوـيـ عـلـىـ شـرـحـ كـفـاـيـةـ اـلـطـاـلـبـ اـلـرـبـاـنـيـ أـنـهـ
اـسـتـثـنـىـ مـنـ مـنـعـ سـلـمـ اـلـشـيـءـ مـنـ جـنـسـهـ فـقـاـلـ:ـ إـالـ أـنـ يـقـرـضـهـ قـرـضـاـ شـيـئـاـ،ـ
وـفـيـ نـسـخـةـ بـيـنـاـ فـيـ مـثـلـهـ صـفـةـ وـمـقـدـاـرـاـ،ـ وـجـوـاـزـ اـلـقـرـضـ فـيـ مـثـلـهـ صـفـةـ
وـمـقـدـاـرـاـ مـقـيـدـ بـمـاـ إـذـاـ كـاـنـ اـلـنـفـعـ فـيـ ذـلـكـ لـلـمـتـسـلـفـ أـمـاـ إـذـاـ كـاـنـ اـلـنـفـعـ
لـلـمـسـلـفـ فـالـ يـجـوـزـ وـالـ يـجـوـزـ دـيـنـ أـيـ بـيـعـهـ بـدـيـنـ.ـ
لـمـاـ رـوـاـهـ اـلـدـاـرـقـطـنـيـ،ـ وـاـلـبـيـهـقـيـ «أَنَّهُ عَلَيْ هِ الصَّال َةُ وَالسَّال َمُ نَهَى
عَنْ بَ ْي عِ الكَالِئِ بِالكَالِئِ» قـاـلـ أـهـلـ اـلـلـغـةـ:ـ هـوـ بـاـلـهـمـزـةـ اـلـنـسـيـئـةـ بـاـلـنـسـيـئـةـ.ـ
وـقـاـلـ أـيـضـاـ:ـ إـنـ حـقـيـقـةـ بـيـعـ اـلـدـيـنـ بـاـلـدـيـنـ مـثـلـ أـنـ تـتـقـدـمـ عـمـاـرـةـ
اـلـذـمـتـيـنـ أـوـ أـحـدـهـمـاـ عـلـىـ اـلـمـعـاـوـضـةـ كـمـنـ لـهـ دـيـنـ عـلـىـ رـجـلـ وـلـثـاـلـثـ دـيـنـ
عـلـىـ رـجـلـ رـاـبـعـ،ـ فـبـاـعـ كـلـ وـاـحـدـ مـنـ صـاـحـبـيـ اـلـدـيـنـ مـاـ يـمـلـكـهـ مـنـ اـلـدـيـنـ
بـاـلـدـيـنـ اـلـذـيـ لـآلـخـرـ.ـ
وـكـذـلـكـ لوـ كـاـنـ لـرجـلـ عـلـىـ رـجـلـ دـيـنـ فـبـاـعـهـ مـنـ ثـاـلـثـ بـدـيـنـ وـتـأـخـيـرـ
رـأـسـ اـلـمـاـلـ أيـ مـاـلـ اـلـسـلـمـ بـشـرـطـ إـلـىـ مـحـلـ اـلـسـلـمـ أـيـ أـجـلـهـ أـوـ إـلـىـ مـاـ بـعـدـ
مـنـ اـلـعـقـدـةـ أـيـ عـنـ عـقـدـةـ اـلـسـلـمـ بـأـكـثـرـ مـنـ ثـالـثـةـ أـيـاـمـ مـنـ ذـلـكـ أـيـ مـنـ اـلـدـيـنـ
بـاـلـدـيـنـ(ـ.)3ـ
() 4
و من ربا الديون ما يسمى اليوم بالتوريق
(?) الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (.)6/55 1
(?) حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني (.)6/81 3
(?) التوريق المصرفي Securitizationهو أداة مالية مستحدثة تفيد قيام مؤسسة مالية 4
لذلك يتمثل مصطلح التوريق (التسنيد)ـ في تحويل القروض إلى أوراق مالية قابلة
للتداول Marketable Securitiesأي تحويل الديون من المقرض األساسي إلى مقرضين
آخرين.
وعلى ذلك ،تبدو القروض المصرفية وكأنها قروض مؤقته أو معبريةBridging
أي تنتقل القروض عبرها من صيغة القرض المصرفي إلى صيغة األوراق المالية،
فباالعتماد على الديون المصرفية القائمة ،يمكن خلق أصول مالية جديدة ،وتوفير تدفقات
نقدية.
وتقوم تكنولوجيا التوريق أساسا على اإلبداعات المستمرة في هيكلة الموجودات،
وتبويبها بما يساعد على تقييم أدائها من جهة ،والتمويل الالحق من جهة أخرى ،بهدف
تحقيق الدخل ،واستبعاد مخاطر اإلفالس.
يتضح مما تقدم ،أن عملية التوريق تؤدي إلى تحويل القروض من أصول غير
سائلة إلى أصول سائلة The conversion of illiquid Assets to Marketable
securities
ــ 441ـ
وأجيب بأن مراده باإليماء ذكر الربح من غير تسمية قدره فسماه إيماء،
ألنه لم يذكر قدر الربح فإن صرح بقدره حرم ،وإن أومأ من غير تصريح
بلفظه نحو وال يكون إال خيرا جاز ولم يفسخ أتى به مع علمه من الكراهة لدفع
توهم أن المراد بالكراهة التحريم ،وللتصريح بالرد على من قال بالفسخ وأشار
للقسم الثالث مخرجا له من الجواز بقوله :بخالف قول اآلمر اشترها بعشرة نقدا
وأنا آخذها منك باثني عشر ألجل كشهر فال يجوز لما فيه من سلف جر نفعا.
ثم تارة يقول اآلمر لي وتارة ال يقول لي وإليهما أشار بقوله :ولزمت
السلعة اآلمر بالعشرة إن قال في الفرض المذكور اشترها لي ويفسخ البيع
باثنيـ عشر ألجل.
وهل للمأمور جعل مثله أو األقل منه ومن الربع خالف وفي الفسخ للبيع
الثاني وهو أخذها باثني عشر إن لم يقل لي فيرد عينها إال أن تفوت بيد اآلمر،
فالقيمة للمأمور حالة يوم قبضها اآلمر أو إمضائها أو بمعنى الواو كما في بعض
النسخ أي وفي الفسخ إن لم يقل لي وإمضاء العقدة الثانية بمجرد العقد ولزومه
أي اآلمر االثنا عشر لألجل ألن ضمانها من المأمور ولو شاء اآلمر عدم الشراء
كان له ذلك ،ألنها لم تلزمه فقوله أو إمضائها أي إن أخذها اآلمر وليس للمأمور
منعها منه لكونه كوكيل اآلمر قوالن والمعتمد الثاني وال جعل للمأمور على
القولين.
وبخالف قول اآلمر للمأمور اشترها لي بعشرة نقدا وأنا آخذها منك
باثنيـ عشر نقدا فيمنع إن نقد المأمور العشرة بشرط عليه من اآلمر بأن قال
اآلمر اشترها لي بعشرة وانقدها عني وأنا أشتريها منك باثني عشر نقدا ألنه
حينئذ جعل له الدرهمين في نظير سلفه وتوليه الشراء ،فهو سلف وإجارة
بشرط ،وهو يفيد أنه إذا حذف الشرط صح كالبيعـ والسلف وإن شرط النقد
كالنقد بشرط ولزمت السلعة اآلمر في هذه أيضا بالثمنـ األول وهو العشرة
نقدا ويفسخ الثاني.
وإن وقع له أي للمأمور على اآلمر األقل من جعل مثله أو الدرهمين
فيهما ،أي في هذه المسألة وفي أول قسمي التي قبلها وهو قوله اشترها لي
بعشرة نقدا وآخذها باثني عشر ألجل وأما في قسمها الثاني وهو إن لم يقل لي
فال جعل له كما تقدم واألظهر واألصح أنه ال جعل له فيهما لئال يلزم تتميم
الفاسد وهو ضعيف والراجح ما قدمه وجاز نقد المأمور بغيره أي بغير شرط
بل وقع تطوعا وله الدرهمان كنقد اآلمر نفسه بأن دفع العشرة للمأمور وقال له
اشترها لي بالعشرة وآخذها باثني عشر نقدا فإنه يجوز له الدرهمان ألنهما
أجرة له وإن لم يقل لي بأن قال اشترها بعشرة نقدا وآخذها منك باثني عشر
نقدا.
ففي الجواز أي جواز شرائه منه باثنيـ عشر نقدا والكراهة وهو
الراجح قوالن محلهما أن نقد المأمور بشرط فإن تطوع جاز قطعا وبخالف
ــ 442ـ
اشترها لي باثني عشر ألجل وأشتريها منك بعشرة نقدا فممنوع للسلف بزيادة
ألنه يسلفه عشرة على أن يشتريها له باثنيـ عشر ،فتلزم اآلمر بالمسميـ
الحالل وهو االثنا عشر ألجلها وال تعجل العشرة ،وللمأمور ألنه يؤدي إلى
السلف بزيادة.
وإن عجلت أخذت أي ردت لآلمر ولو غاب عليها المأمور وال يفسد
العقد وله جعل مثله زاد على الدرهمين أو نقص وإن لم يقل لي في الفرض
المذكور فهذا ثاني القسم الثالث وهو تمام الستة األقسام الممنوعة فهل ال يرد
البيع الثانيـ بالعشرة نقدا إذا فات بل يمضي بالعشرة نقدا وعلى المأمور االثنا
عشر لألجل يؤديها لبائعه عنده وليس على اآلمر إال العشرة التي أمر بها أو
يفسخ البيع الثاني مطلقا فات أو لم يفت لكن ترد إن كانت قائمة وإال فالقيمة
يوم قبضها وحينئذ فالقوالن متفقان على الرد إن لم تفت والخالف بينهماـ إن
فاتت فأحدهما اإلمضاء بالثمن والثانيـ لزوم القيمة.
وظاهر قوله :إال أن يفوت أي البيع فالقيمة ،أنه ال فسخ مع الفوات على
هذا القول وليس كذلك فهو إما إيضاح يغني عنه اإلطالق أو استثناءـ من مقدر
أي وترد بعينها إال الخ قوالن(.)1
بيع الصرف الممنوع
()2
بالنسبة للتأخير في صرف الفلوس قد جاء في المدونة في ما يخص
التأخير في صرف الفلوس قلت :أرأيت إن اشتريت فلوسا بدراهم فافترقنا
قبل أن نتقابضـ هذا األمر غير مقبول وفاسد عند مالك ،وقال مالك في
الفلوس :ال خير فيها نظرة بالذهب وال بالورق ،ولو أن الناس أجازوا بينهم
الجلود حتى تكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق ،ولو
اشتريت خاتم فضة أو خاتم ذهب أو تبر ذهب بفلوس وتم االفتراق قبل
(?) الشرح الكبير ألبي البركات سيدي احمد الدردير وبهامشه الشرح المذكور مع 1
تقريرات للعالمة المحقق سيدى الشيخ محمد عليش مطبعة احياء الكتب العربية عيسى
البابى الحلبي وشركاء (.)3/88/89
(?) ينظر شرح حدود ابن عرفة (( )2/5الصرف بيع الذهب بالفضة أو أحدهما بفلوس 2
وبيع جنس يدخل فيه جميع أنواع البيع وقوله ((الذهب بالفضة)) يخرج به البيع األخص
ألن من خاصته كون أحد عوضيه غير ذهب وال فضة قوله ((أو أحدهما بفلوس)) .أشار
إلى أن الفلوس حكمها حكم النقد ال حكم العرض قال الشيخ ~ مستدال على أن بيع
الفلوس بالذهب أو الفضة من باب الصرف أن في المدونة قال من صرف دراهم بفلوس
فقد أطلق على ذلك صرفا واألصل في اإلطالق الحقيقة وهذا جواب عن سؤال كأن قائال
قال اإلطالق يكون مجازا ويكون حقيقة فال دليل يدل على ذلك فأجاب بأن اإلطالق
أصله الحقيقة والحمل عليها واجب).
ــ 443ـ
التقابض أيجوز هذا عند المالكية؟ هذا األمر ال يجوز ألن مالكا قال :ال يجوز
فلس بفلسين،ـ وال تجوز الفلوس بالذهبـ والفضة وال بالدنانيرـ نظرة ،وجاء
عن ابن وهب ،عن يونس بن يزيد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال:
الفلوس بالفلوس بينهما فضل فهو ال يصلح في عاجل بآجل وال عاجل بعاجل
وال يصلح بعض ذلك ببعض إال هاء وهاء قال :الليث بن سعد ،عن يحيى بن
سعيد وربيعةـ أنهما كرها الفلوس بالفلوس وبينهماـ فضل أو نظرة وقاال :إنها
صارت سكة مثل سكة الدنانير والدراهم الليث ،عن يزيد بن أبي حبيب
وعبيد هللا بن أبي جعفر قاال :وشيوخنا كلهم أنهم كانوا يكرهون صرف
الفلوس بالدنانير والدراهم إال يدا بيد وقال يحيى بن أيوب :قال يحيى بن
سعيد :إذا صرفت درهما فلوسا فال تفارقه حتى تأخذه كله(.)1
ومما جاء في بيع الصرف هذا الحديث يروى عن عبد هللا بن يوسف
أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن مالك بن أوس أخبره أنه التمس صرفا بمائةـ
دينار ،فدعانى طلحة بن عبيد هللا فتراوضنا ،حتى اصطرف منى ،فأخذ
الذهب يقلبها فى يده ،ثم قال حتى يأتىـ خازني من الغابة ،وعمر يسمع ذلك،
ب ِربًا ِإاَّل َب بِ َّ
الذ َه ِ َّ
«الذه ُ فقال وهللا ال تفارقه حتى تأخذ منه ،قال رسول هللا ×:
ش ِعي ِر ِربًا ِإاَّل هَا َء َوهَا َء هَا َء َوهَا َء َوا ْلبُ ُّر بِا ْلبُ ِّر ِربًا ِإاَّل هَا َء َوهَا َء َوال َّ
ش ِعي ُر بِال َّ
َوالتَّ ْم ُر بِالتَّ ْم ِر ِربًا ِإاَّل هَا َء َوهَا َء»(.)2
فنطرح اإلشكالية التاليةـ هل يدخل في هذا المجال البيع بالشيكاتـ هل
يمكن أن نعتبرـ قبض الشيك قبض لحقيقة المال أم ال وهذا األمر نعرضه على
السادة الكرام فيقولون بجوازه أم ال؟.
1ـ القمار
القمار ـ أو الميسر بحسب التراث العربي ـ هو كل لعب بين متنافسينـ
على مال يجمع منهم ويوزع على الفائز منهم ويحرم الخاسر .ويوجد الكثير
من أشكال القمار من أشهرها ألعاب اليانصيب واللوتري وظهر مع
بداية اإلنترنتـ نوع جديد من القمار وهو القمار اإللكتروني.
أنواع القمار
1ـ ألعاب المائدة :في الكازينوهات،ـ يستخدم مصطلح ألعاب المائدة
لوصف ألعاب مثل البالك جاك ،الروليت ،وبوكر والتي تلعب على المائدة
وتدار بواسطة شخص أو أكثر كمدير اللعبة أو الموزع في لعبة البوكر ،في
حين أن ماكينةـ الحظ أو السلوت آلة بها ذراع يتم تحريكه فتقوم بتحريك ثالث
(?) الجامع الصحيح المختصر محمد بن إسماعيل أبو عبدهللا البخاري الجعفي (8/12 2
،)9تحقيق :د .مصطفى ديب البغا أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة ـ جامعة
دمشق دار ابن كثير ،اليمامة ـ بيروت الطبعة الثالثة 1407 ،ـ 1987
ــ 444ـ
بكرات بها أشكال مختلفة إذا تطابق أحد األشكال فيتحقق الفوز ال تستلزم
سوى الالعب فقط.
2ـ األلعاب اإللكترونية :وتشمل السلوت والفيديو بوكر والقمار عبر
األنترنت .وقد حرّم اإلسالم الميسر بكل أشكاله لقول تعالى :ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ
ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ
ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﮊ( .)1ولقد نهى الرسول عليه الصالة والسالم عن
اللعب بالنرد عن سليمان ابن بريدة عن أبيه أن النبي × قَا َلَ « :منْ لَ ِع َ
ب
صبَ َغ يَ َدهُ فِى لَ ْح ِم ِخ ْن ِزي ٍر َو َد ِم ِه»(.)2
َشي ِر فَ َكَأنَّ َما َ
بِالنَّ ْرد ِ
وقد جاء في شرح مختصر خليل :المسابقة مشتقة من السبق بسكون
الباء مصدر سبق إذا تقدم وبفتحها المال الذي يوضع بين أهل السباق.
قال القرافي المسابقة مستثناة من ثالث قواعد :القمار بكسر القاف ،وتعذيب
الحيوان لغير مأكلة ،وحصول العوض والمعوض لشخص واحد انتهى قوله.
وحصول العوض إلخ أي في بعض الصور وهي ما إذا كان الجعل من
غير المتسابقينـ على أن يأخذه السابق كما يأتي والمعوض هو الثواب ؛ ألن
السبق له ثواب لتدريبهـ على الحروب وإنما استثنيتـ من هذه القواعد
الممنوعة لمصلحة الجهاد.
وعقد المسابقة الزم بمجرد بجعل في الخيل واإلبل وبينهماـ والسهم ،أي
المسابقة حال كونها بالجعل جائزة فيما ذكر فقط ،فال تجوز في غيره إال
مجانا ،كما يأتي فقوله في الخيل خبر المسابقةـ .فهو متعلق بمحذوف لكنه
خاص أي جائزة فيما ذكر بدليل قوله فيما يأتيـ وجاز فيما عداه مجانا.
وقوله في الخيل من الجانبين كفرسين أو أفراس وقوله وفي اإلبل كذلك
وقوله وبينهما أي الخيل من جانب واإلبل من آخر وال يدخل الفيل في ذي
الخف وال الحمار وال البغل في ذي الحافر ؛ ألنها ال يقاتل عليها واألظهر
عند الشافعية الجواز لدخوله في الخبر المذكور(.)3
طرق عالج األزمة المالية (المعامالت المالية الجائزة) ورأي المالكية
ويمكن أن نقدم بعض العالج وهو من المبادئ التي نؤمن بها وهذا العالج
نادى به أصحاب القرار في الواليات المتحدة األمريكية حيث خفضوا سعر
الفائدة ،وهم اآلن يعترفون أن رفع سعر الفائدة ضار ج ًّدا باالقتصاد ،وهذا ما
نص عليه القرآن الكريم بقول هللا تعالى ﮋﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ
ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﮊ( ،)4والفائدة في اإلسالم هي الربا ،وهي محرمة واإلسالم
(?) الجامع الصحيح المسمى صحيح مسلم أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم 2
القشيري النيسابوري دار الجيل بيروت +دار األفاق الجديدة ـ بيروت (.)7/5
(?) شرح مختصر خليل (.)182 /10 3
ــ 445ـ
عندما جعل القرض بغير فائدة يحميهـ أكثر مما تحميهـ اآلن الفائدة ،والقرض
في اإلسالم مضمون بنسبةـ %100ال يمكن إطالقًا أن يضيع قرض على
صاحبه.
1ـ دور استخدام الذهب والفضة على استقرار قيمة النقود في النظام
االقتصادي
إن دور استخدام الذهب والفضة على استقرار قيمة النقود في النظام
االقتصادي له أثر كبير في استقرار النظام االقتصادي العالمي ،ألن النظام
النقدي من أهم ركائز النظام االقتصادي ،وقد اهتم فقهاء المالكيةـ وغيرهم
بمسائل النقود اهتماماـ كبيرا ألنها ذات عالقة بمسائل فقهية بارزة كالربا،
والزكاة ،والبيوع ،والصرف ،والسلف ،والشركة والمضاربة ،وغيرها.
وقد حرص فقهاؤنا على تحقيق العدالة بين الدائن والمدين ،ولذلك فقد
عبر المالكية وغيرهم عن ضرورة ثباتـ قيمة النقود ،وأنها يجب أن تكون
معيارا مستقرا ال يزيد وال ينقص ،ووضعوا من األدوات والوسائل التي
تحقق ذلك وهذا تم استنباطه من القرآن الكريم وسنة الرسول عليه الصالة
والسالم ،والسؤال المطروح هو هل يمكن الرجوع إلى الذهب والفضة
(نظام المعدنين)؟ وهل هناك معوقات تحول دون العودة إلى نظام المعدنين؟
وفي الجزائر بعد االستقالل كان سعر الصرف فيها يحدد ويثبت ليالئم
استراتيجيات التنمية فتم إنشاء العملة الوطنية المتمثلة في الدينار وحدد وزن
الذهب ،ولكن اليوم أصبح سعر صرف الدينار مرتبط بعملة واحدة أو سلة من
العمالت
2ـ المعامالت المالية الجائزة
أوال ـ المــــــرا بــحة
1ـ تعريفها :لغة :مصدر ربح من الربح وهو الزيادة.
اصطالحا :بيع ما اشترى بثمنه وربح معلوم ؛ وهو جائز بإجماع العلماء.
2ـ مشروعية المرابحة :ورد عن عثمانـ بن عفان أنه كان
يشتري العير فيقول من يربحنيـ عقلها من يضع في يدي دينارا.
3ـ حكمتها :المرابحة تسد حاجة الناس ،وهي باب من أبواب
االستثمار في اإلسالم ،ترفع الحرج عن الناس.
ثانيا ـ بيع التـــــــقسيط
1ـ تعريفه :عقد على مبيعـ حال ،بثمن مؤجل ،يؤ ّدى مفرقا على أجزاء
معلومة في أوقات معلومة.
2ـ حكمه :جائز شرعا بشروط حتى ال يؤدي إلى الربا.
3ـ حكمته :شرع بيع التقسيط لحاجة الناس إليه ومنفعة ذلك لهم ،إذ
اإلنسان قد يحتاج إلى اقتناء أشياء وال يملك ثمنهاـ الكامل فيشتريها بأقساط.
4ـ رأي المالكية :جاء في الموطأ :قال مالك في رجل ابتاع سلعة من
رجل بعشرة دنانيرـ نقدا أو بخمسة عشر دينارا إلى أجل قد وجبت للمشترى
ــ 446ـ
بأحد الثمنين إنه ال ينبغىـ ذلك ألنه إن أخر العشرة كانتـ خمسة عشر إلى
أجل وإن نقد العشرة كان إنما اشترى بها الخمسة عشر التي إلى أجل.
وقال مالك في رجل اشترى من رجل سلعة بدينار نقدا أو بشاة
موصوفة إلى أجل قد وجب عليه بأحد الثمنينـ :إن ذلك مكروه ال ينبغىـ ألن
ن َبيَْعتَْينِ فِي َبيَْعٍة» ،وهذا من بيعتينـ في بيعة.
«نَهى عَ ْ
رسول هللا × َ
قال مالك في رجل قال لرجل أشترى منك هذه العجوة خمسة عشر
صاعا أو الصيحانى عشرة أصوع أو الحنطة المحمولة خمسة عشر صاعا أو
الشامية عشرة أصوع بدينار قد وجبت لي إحداهما إن ذلك مكروه ال يحل
وذلك أنه قد أوجب له عشرة أصوع صيحانيا فهو يدعها ويأخذ خمسة عشر
صاعا من العجوة أو تجب عليه خمسة عشر صاعا من الحنطة المحمولة
فيدعها ويأخذ عشرة أصوع من الشامية فهذا أيضا مكروه ال يحل.
وهو أيضا يشبهـ ما نهى عنه من بيعتين في بيعةـ وهو أيضا مما نهى
عنه أن يباع من صنف واحد من الطعام اثنانـ بواحد(.)1
وقد بين صاحب جواهر اإلكليل هذا المعنى بقوله :وكبيعتين في بيعة أي
عقد واحد ،في الموطأ « َن َهى × عَ ْ
ن َبيَْعتَْينِ ِفي َبيَْعٍة» .ومحمله عند مالك على
صورتين أشار المصنف إلحداهما بقوله يبيعها أي مالك السلعة المعينة ،بشرط
إلزام للمشتري أو للبائع بالشراء ،وأنه ليس له تركة على وجه يتردد فيه،
ويحصل به الغرر كبيعها بعشرة من الدراهم مثال نقدًا أي حالة أو بـ أكثر منها
كعشرين ألجل كشهر ،ومفهوم بإلزام أنه لو كان بالخيار في األخذ والترك جاز
له ذلك(.) 2
()3
ثالثا ـ الـــقــراض(المــضاربة)
1ـ تعريفه :لغة :بمعنىـ القطع؛ اصطالحا :هو عقد شركة بين طرفين
على أن يدفع أحدهما ماال إلى اآلخر ليتاجر فيه ويكون الربح بينهماـ حسب ما
يتفقان عليه.
حكمه :القراض جائز ومشروع عند المسلمين وقد ضارب النبي في
مال خديجة <(.)4
(?) بداية المجتهد ونهاية المقتصد لإلمام القاضي أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن 3
أحمد بن رشد القرطبي االندلسي الشهير (بابن رشد الحفيد) ( )2/18تنقيح وتصحيح
خالد العطار طبعة جديدة منقحة ومصححة إشراف مكتب البحوث والدراسات دار الفكر
للطباعة والنشر والتوزيع
(?) مختصر خليل تأليف خليل بن إسحاق الجندي ( )1/208دار الكتب العلمية بيروت ـ 4
لبنان 1995م.
ــ 447ـ
2ـ الحكمة من تشريعه :شرع القراض لشدة حاجة الناس إليه ،فقد يملك
إنسان ما المال وال يحسن تنميته وقد يُحسن إنسان ما فنون التجارة وتنمية المال
وال يملك المال .فشرع القراض (المضاربة) ليتحد الجهد والمال.
دعوة:
وفي األخير وليس آخرا أقدم ألساتذتي الكرام هذا الطلب المتواضع
إلى دعوة تجديد الفقه المالكي ألن من مصادر التي يحتوي عليها هذا الفقه
والذي يعتبرـ ميراث الرسول عليه الصالة والسالم ما يسمى المصالح
المرسلة التي نعتبرها الميزان التي نزن بها كل النوازل التي ال يوجد في
سندها دليل شرعي من القرآن الكريم والسنة المطهرة ،وفي األخير يكمن في
العودة إلى األخالق الحسنة فهي الحل لكل المعضالت.
ــ 448ـ
نوازل الوقف في الغرب اإلسالمي
(دراسة تطبيقية عن حدود احترام شرط الواقف وأثره على تنمية الوقف)
د/عبد القادر بن عزوز
كلية العلوم اإلسالمية ،جامعة الجزائر
عرف الغرب اإلسالمي عبر تاريخه نهضة حضارية في مختلف
جوانبهـ السياسيةـ واالجتماعيةـ واالقتصادية أثرت في نمط حياتهـ الدينيةـ
والفكرية،ـ ومن أمثلة ذلك توسع ثقافة الوقف في الغرب اإلسالمي لدى كل
الفئات االجتماعية ،وما نقله الفقهاء في كتب النوازل لخير دليل على هذا
األمر.
وإن من أهم المسائل التي تناولها فقهاء المالكيةـ في الغرب اإلسالمي،
مسائل الوقف عموما ،وبحث شروط الواقف خصوصا ،والتي هي مدار هذا
البحث.وقبل بيان موقف الفقهاء في مدى احترام شرط الواقف؟ وهل يجوز
التصرف فيه؟وما هي حدود ذلك؟يجدر بالبحث أن يحدد جملة من
المصطلحات كمدخل للبحث كتعريف الوقف وبيان مكانة الشروط عموما في
المنظومة الفقهية الشرعية.
أوال ـ تعريف الحبس في اللغة واالصطالح
1ـ تعريف الوقف في اللغة :الوقف في أصل اللغة مصدر مشتق من
وقف ،نقول :وقفت الشيء إذا حبسته(.)1
2ـ الحبس في االصطالح الشرعي :هو ((إعطاء منافع على سبيلـ
التأبيد))(.)2
ثانيا ـ حكم احترام شروط العقد :أمرت الشريعة باحترام العقود
المشروعة وما تضمنته من شروط مشروعة عمال بظواهر نصوص الكتاب
والسنة.
()3
ـ فمن القرآن قوله تعالى:ـ ﮋﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮊ .
)?( 1لسان العرب ،ابن منظور ،،دار صادر ،بيروت ،ط.9/359 :01
2
(?) فتــاوى الــبرزلي الــبرزلي(841هـــ) ،تحقيق أد/محمدـ الحــبيب الهيلــة ،دار الغــرب
اإلسالمي ،بيروت ،ط2002 / 01م.5/316 :
3
(?) سورة المائدة.1/
ــ 449ـ
والوقف عقد من العقود الشرعية يتضمن أركان وشروط يجب الوفاء
بها ،واإلخالل بها إخالل بمعنىـ العقد ومقاصده في الشريعة اإلسالمية.
ـ ومن السنة حديث ابن عباس قال :قَال النَّبِ ُّي ׫ :ا ْل ُم ْ
سلِ ُمونَ ِع ْن َد
وط ِه ْم»(.)1
ش ُر ِ
ُ
أي عند شروطهم المتعلقة بالعقود المشروعة ،والوقف المشروع
يتضمن شروطا يجب الوفاء يها.
ثالثا ـ تعريف الشرط في اللغة واالصطالح
1ـ الشرط في اللغة :الشرط في أصل اللغة :هو العالمة ،ويأتي بمعنى
إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه(.)2
2ـ الشرط في االصطالح :عرف اإلمام الشرط بقوله(( :الشرط هو ما
يلزم من نفيه نفي أمر ما على وجه ال يكون سببا لوجوده وال داخال في السبب))
(.)3
رابعا ـ حكم التصرف في شرط الواقف :أوجب الفقهاء وجوب احترام
شرط الواقف عمال بقاعدة احترام مضامين العقود المشروعة والتي يتفرع عنها
الضابط الفقهي الكلي ،والذي مضمونه أن ((شرط الواقف يجب إتباعه ،إن جاز
أو كره))(.) 4
ومنه يتفرع عن هذا أن شرطه تعتريه األحكام الشرعية الخمسة من
جهة الوجوب إن عينه وكان مشروعا ومقدورا على تنفيذه،ـ وقد يكون محرما
في حالة إذ تضمن شرطا محرما...
خامسا ـ أنواع الشروط في الوقف :يقسم الفقهاء شرط الواقف إلى
قسمين :جائز وغير جائز.
ــ 451ـ
محله ،وكزيادة رواتب الطلبة لما كثروا بها ويفضل شيء من خراجها بحيث
لو كان المحبس حاضرا الرتضاه))(.)1
ومثاله أيضا ما جاء في المعيار قوله(( :وسئل الشيخ أبو عبد هللا سيدي
محمد بن مرزوق عن أرض محبسة على أستاذ ،وشرط المحبس ~ في
األستاذ شروطا ال توجد اليوم في أحد؟
وهنا بعض الطلبة ممن يحسن أن يقرأ عليه،ـ ولكن تورع عنها ألجل
الشروط التي في أصل الحبس ،وطلب مني السؤال في القضية ،فهل يأخذها
األمثل فاألمثل أو يبقى كذلك إلى أن يوجد من هو بتلك الصفات؟
والغالب على ظني أال توجد اليوم في أحد؟
فهل يا سيدي تعين ألعرف ما في الوقت عندنا ،أو تبقى كذلك دون
تعيين ألحد؟
ومن جملة ما شرطه ،أنها ال تكرى وال تحرث إال بالشركة ،وهذا
أيضا تعذر من وجوه من عدم الزريعة وغيرها ،ألن الناس يحرثونها بزريعتهم
للدراس ،ويأخذ زريعته ،فهل يجوز
وما ينوب للثلث يعطيه الذي يحرث حتى ِ
هذا أم ال؟
ولو كان متطوعا به في الظاهر ،وأما هو فما دخل إال على أن يعطيهـ
حتى إلى معظم الدراس ويأخذ زريعته ،فبين لنا وجه الحكم في هذه المسألة؟
ويخاف على األرض إن بقيتـ دون من يتكلم عليها ممن ال تكون بيده
تضيع لفساد الوقت ولعدم جريان أحكام الشريعة.
واألوصاف التي شرط ،ال توجد أصال إال في أبي عمر واإلمام
حمزة ،ولهذا كره العلماء كثرة الشروط في الحبس كما في كريم
علمكم ،والسالم التام يخص مقامكم سيدي ورحمة هللا.
فأجاب :تصرف ألمثل من يوجد من أهل المكان المذكور ،ومهما وجد
من هو أمثل منه صرفت عليه ،والشركة على الوجه المذكور وإن شرطت لم
يتلفت إلى ذلك الشرط ،ويبطل ويشارك فيها على الوجه الشرعي ،وإال أكريت
ــ 452ـ
وصرفت غلتها لمن ذكر وهللا تعالى أعلم وكتب محمد بن مرزوق ~ ولطف
به بمنهـ))(.)1
ـ الشرط الثالث :أن تنقطع منافع الوقف :يجيز فقهاء المالكية تغيير
شرط الواقف إن انقطعت منافع الوقف بالكلية وال ترجى في المستقبلـ قال
الوزاني :إن الحبس ((الذي ال نفع فيه بالكلية ،كجنان ال تفي غلته بخدمته،
وكخربة ال منفعةـ فيها ،ال فيما فيه نفع يمكن أن يصلح به ،كالحوانيت ،وكدار
يمكن كراؤها ؛فتكرى لإلصالح حسبما أشار إلى ذلك في المختصر بقوله:
وأخرج الساكن الموقوف عليه للسكنى إن لم تصلح لتكرى له مع أن العمل لم
يجر ببيعـ الحبس بفاس أصال؛وإنما جرى بالمعاوضة كما رأيت.)2())...
ـ الشرط الرابع :أن يصرف في مصلحة عامة :أفتى بعض فقهاء
المالكية بجواز تغييرـ شرط الواقف مؤقتا إن دعت الضرورة لما فيه من
تحقيق مصالح لألمة ،ومثاله ما نقله الوزاني في نوازله الصغرى عن الفقيه
سيدي عبد الرحمن الحائك إذ سئل عن(( :تصحيح ما أفتى به غيره من جواز
إصالح أسوار البلد مما جمع من أحباس مكة.
فأجاب :إنه صحيح آت على ما به الفتوى ،عمال بما رواه ابن حبيب
عن أصبغ عن ابن القاسم ،وبه قال ابن الماجشون وأسبغ ،وإن ما أريد به
وجه هللا تعالى ،فال بأس أن يصرف بعضه في بعض كما أجاب به القوري
المذكور وفي أجوبة الفاسي نوفي االستنابةـ للتلمسانيـ وفي غيرهما...ـ))(.)3
سابعا ـ أثر تغيير شرط الواقف عند تعذر تحقيقه على تنمية الوقف:
إن الناظر في كتب النوازل للغرب اإلسالمي يالحظ كثرة األسئلة الموجهة
للفقهاء للنظر في مسائلـ الوقف ،وهذا يدل على االهتمام الفردي واالجتماعي
بالوقف وفهمهم للمصالح التي يحققها في حياة الجميع ،ومن آثار تغيير شرط
)?( 1المعيار ،الونشريسي ،تحقيق د/محمدـ حجي ،دار الغرب اإلسالمي ،ط01/1401هـ ــ
1981م 7/43 :ـ .44
2
(?) النــوازل الجديــدة الكــبرى ،الــوزاني (1342هـــ) ،تحقيق أ/عمر بن عبــاد ،وزارة
األوقاف والشؤون اإلسالمية ،المملكة المغربية،ـ ط 1419هـ ـ 1998م.8/395 :
3
(?) النوازل الصغرى ،الوزاني ،وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ،المملكة المغربية،
ط 1413هـ ـ 1993م.4/156 :
ــ 453ـ
الواقف عند تعذر تحقيق شرطه ،أذكر على سبيل التمثيلـ بعض النوازل
المساعدة على معنى تنمية الوقف:
أ ـ تغيير شرط الواقف بتحويل غلة الوقف لوقف آخر :أفتى فقهاء
المالكية بمشروعية تغييرـ شرط الواقف عند تعذر تحقيق شرط الواقف كأن
تعطلت المصالح المرجوة منه ،بتحويل غلته أو ريعه إلى مرفق آخر يكون
أكثر نفعا للموقوف عليهم ،ومنه المجتمع ،ومثاله ما جاء في مسائل البرزلي
قال :الشعبي :من حبس غلة في مصالح حصن المسلمين،ـ فتغلب العدو عليه
تصرف هذه الغلة في حصن غيره على مثل تلك الوجوه.
قلت :ومثله إذا خرب وأيس من عمارته مثل ما تقدم في أنقاضه،
ورأيت هذا))(.)1
ب ـ تغيير شرط الواقف باستبدال مصالحه :أجاز الفقهاء تغيير بعض
رسوم الوقف من حالة ألخرى إن وجدت أسباب ذلك وتحقيقا لمصلحة الوقف
من جهة استمراره واستمرار منافعه ،ومثاله ما نقله الونشريسي في معياره
في مسألة استبدال مراحيض تعطلتـ عن تأديةـ وظيفتهاـ إلى محالت تجارية
ينتفع الوقف بريعهاـ كما جاء في المعيار للونشريسي ~ تعالى(( :وسئل :أبو
عمران سيدي موسى العبدوسي ~ عن ميضاة بنيت حول المسجد الجامع،
ولم يزل اإلهمال يكثر فيها حتى ترك الوضوء به لضيقه وكثرة ظلمته؛ـ
وصار جملة الناس يتغوطون فيه ،فينجس بذلك الماء الجاري فيه لباب الحفاة
في غالب األمر ،وتتطرق النجاسة إلى المسجد الجامع بسبب ذلك ،وتؤذي
رائحته من يجلس في صحنه ليصلي فيه يوم الجمعة ،أو في أيام الحر ،وآل
أمره إلى أن أغلق على أربع قطعات منه ،وبقيت القطعة الخامسة المتصلة
بباب الحفاة المذكور فصار بذلك دثروا في أربع القطعات المذكورة ،وتعذر
عودها إلى ما أسس عليه الموضع المذكور ولم يمكن ردها إلى ما قصد فيه،
لعدم احتياج الناس إليه ،ورفع الضرورة الداعية إلى الوضوء فيه ،من
الضيق والظلمة وعدم الوثوق بطهارة الماء.فهل يسوغ تغييره حوانيتـ تلحق
بأحباس المسجد الجامع المذكور مع احتياجه لذلك ،ويصير هذا من باب
ــ 454ـ
صرف نوع من الجنس إلى نوع منه؟ أم ال يسوغ ذلك؟بينه لنا مأجورا إن
شاء هللا والسالم عليكم ورحمة هللا.
فأجاب :الحمد هلل ،أكرمكم هللا بالتقوى ،ووفقنا وإياكم لما يحبه
ويرضى ،الجواب أن بنيانـ الحوانيت في الموضع الذي ذكرتم جائز؛بل هو
من قبيل المندوب المستحب ،وإزاحة الضرر والنتن من الموضع المذكور
واجب ،ووجه ذلك أن تغيير الحبس على ثالثة أوجه:
ـ واجب.
ـ وممنوع.
ـ ومختلف فيه.
فالواجب :ما في بقائهـ ضرر؛ فإذا كان يجوز بيعهـ لضرر؛ فتغيير حاله
إلى حالة أخرى مع بقائهـ حبسا أولى.
الوجه الثاني :ما في بقائه منفعة وال ضرر في بقائه ،فهذا ال يجوز بيعه
باتفاق.
والقسم الثالث :ما ليس فيه منفعة في الحال وترجى منفعته في المآل،
فهذا مختلف في بيعه،ـ فمن العلماء من أجاز بيعه نظرا إلى قصد المحبس،
وقصد المحبس االنتفاع به ،فإذا عدم االنتفاع به بيع وعوض به ما فيه منتفع،
ومن العلماء من منع بيعه محافظة أال يغير الحبس))(.)1
ثم قال ...(( :وأما مسألتكم هذه ففيها وجوه تجوز بناء الحوانيت،ـ
أحدها :ما في بقائهاـ من الضرر بنتنـ يضر بأهل المسجد.
والوجه الثاني :ما يخاف من النجاسة ببقائهـ وتلطيخ المسجد.
الوجه الثالث :لو سلم من هذه بقاؤه بغير منفعة في الحال وال في
المآل ،ال ستغنى عنه بالميضاة المتصلة به.
الوجه الرابع :افتقار المسجد إلى ما ينتفع به.
الوجه الخامس :ما يرجى من غلة الحوانيت وتكثير فوائد المسجد لو لم
يكن محتاجا فيتعين بناء الحوانيت كما ذكرتم ويكون برأي القاضي وثبوت
الضرر عنده ،كما في العقد الذي وقفت عليه بظهره ،وهللا ولي التوفيق بفضله))
(.)2
ــ 455ـ
ومثاله أيضا ما جاء عن الشيخ عبد هللا العبدوسي ~ تعالى أنه سئل:
((عن دار وضوء قديمة وأخرى حدثت جديدة ،وهي خدامة اليوم ،واألخرى
تعطلت من عدم الماء ،وأراد الناظر أن يعمل بها فندقا ينتفع بها المسجد
الجامع نفعا بينا ،فهل يجوز ذلك أم ال؟
فأجاب :أما مسألة دار الوضوء ،فإن بطلت منفعتهاـ وتعذر إصالحها
ولم ترج عودتها في المستقبل؛ـ جاز أن تتخذ فندقا لما ذكره وإال فال.)1())...
ج ـ صرف ريع األحباس بعضها في بعض :أجاز فقهاء المالكيةـ في
الغرب اإلسالمي أن تصرف ريع الوقف من وقف آلخر إن زادت عن حاجة
الوقف ،ومثاله ما نقل عن الشيخ ابن لب أنه سئل عن ((مسجد عليه أصول
زيتون محبسة تؤخذ غلتها في كل يوم عام ،ويصرف منها في استصباح
المسجد ما يحتاج إليه بطول العام ،ويبقى منه فضل في كل عام ،وأئمة سائر
المواضع ينتفعونـ بذلك الفضل في استصباح مساجدهم ومنافعهم الخاصة
بهم ،فهل يجوز ذلك لهم أو يكون الفضل لإلمام بالمسجد المذكور ،وينتفع به
لنفسه أو بموضع غير ذلك؟
فأجاب :يجوز للناظر في أصول الزيتون المحبسة المذكورة أن
يصرف ما يفضل عن زيتها في مصالح المسجد ومنافعه ببيعهـ وصرف ثمنهـ
في ذلك ،وإن صرف لخدمة المسجد ألجل خدمتهم له ،فحسن لإلمام والمؤذن
وشبههماـ مما يحتاج المسجد إليه.
وأما صرف الفاضل لمساجد أخرى أو ألئمتها وخدمتها ففيها اختالف في
المذهب ،فقد كان فقهاء قرطبة وقضاتها يبيحون صرف فوائد األحباس بعضها
في بعض ،وفي نوازل ابن سهل :ما هو هلل ال بأس أن ينتفع به فيما هو هلل))(.)2
ونقل الوزاني في نوازله أن ابن هالل نص في نوازله قوله(( :سئل عن
مسائل منها :صرف ما لمسجد في مصلحة آخر إن احتاج إليها أو لم يحتج؟
وصرف ما كان حبسا على المؤذنين لألئمة أو عكسه ،وهل يجوز ذلك أم
ال؟
جوابه :الحمد هلل ،أما صرف ما لمسجد إلى مسجد آخر ،فإن خرب
المسجد وال ترجى عمارته وال حياته ؛ فإنه يجوز نقل أحباسه إلى المسجد
(?) المعيار ،الونشريسي.7/57 : 1
ــ 456ـ
العامر لكن ليس على وجه التأبيد ،فإذا عادت العمارة إليه ،رجعت أحباسه
إليه.)1())...
الخاتمة
إن الناظر في كتب النوازل يقف على الحركة االجتماعية في مختلف
نواحي الحياة الدينية واالجتماعية واالقتصادية والثقافية...ومن ذلك االهتمام
باقتصاديات القطاع الخيري ممثال في الوقف وما يقوم به من خدمات اجتماعية
مختلفة تحفظ له استقراره وهويته العربية واإلسالمية ،وإن في اهتمام فقهاء
المالكية بعرض نوازل الوقف وتخصيص أجزاء من مؤلفاتهم للكالم عنها ؛يدل
على مدى االهتمام االجتماعي والسياسي لهذه المؤسسة وللوعي السائد لدى أفراد
األمة وشعورها ومعرفتها بدورها في المحافظة على استمرارها ،وتفعيل دورها
في الداخل والخارج ،كما يمكننا ومن خالل ما عرضناها من فتاوى من
مجموعة كتب النوازل أن الفقهاء وإن أمروا باحترام شرط الواقف ديانة وقضاء
غير أنهم استثنوا من ذلك حاالت يكون فيها المحافظة على شرطه يخالف
مقاصد الشريعة ومقتضى الوقف ومقاصده الخادمة للكليات الخمس ...وهللا أعلم
بالصواب.
فهرس المصادر والمراجع
ـ القرآن الكريم.
ـ اإلحكام لآلمدي ،تحقيق د .سيد الجميلي ،دار الكتاب العربي ،بيروت ،ط 1404 ،01هـ.
ـ الثمر الداني في تقريب المعاني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني ،صالح بن عبد
السميع اآلبي األزهري (المتوفى1335 :هـ) ،المكتبة الثقافية ،بيروت.
ـ المعيار ،الونشريسي ،تحقيق د/محمد حجي ،دار الغرب اإلسالمي ،ط 01/1401هـ ـ
1981م.
ـ شرح صحيح البخاري ،ابن بطال ،تحقيق أبو تميم ياسر بن إبراهيم ،مكتبة الرشد،
السعودية ،الرياض ،ط1423 /02هـ ـ 2003م.
ـ فتاوى البرزلي البرزلي(841هـ) ،تحقيق أد/محمد الحبيب الهيلة ،دار الغرب
اإلسالمي ،بيروت ،ط2002 / 01م.
ـ لسان العرب ،ابن منظور ،،دار صادر ،بيروت ،ط.01
ـ النوازل الجديدة الكبرى ،الوزاني (1342هـ) ،تحقيق أ/عمر بن عباد ،وزارة
األوقاف والشؤون اإلسالمية ،المملكة المغربية ،ط 1419هـ ـ 1998م.
ـ النوازل الصغرى ،الوزاني ،وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ،المملكة المغربية،
ط 1413هـ ـ 1993م.
ــ 457ـ
نوازل استثمار األراضي الفالحية واستصالحها في الغرب اإلسالمي
من خالل كتاب المعيار للونشريسيـ (843هـ914/هـ)
أ/شوقي نذير
المركز الجامعي أمين العقال الحاج موسى أق أخموك تمنراست.
توطئة
جلية هي مظاهر الحياة االقتصاديةـ للغرب اإلسالمي في كتاب المعيــار
المعـــرب ،إذ إن نوازله الفقهية المرصـــودة في ذلكم الحين تعكس بصـــورة
واضـــحة مالمحهـــا ،وهي مـــرآة عاكسة صـــادقة لنمط الحيـــاة االقتصـــادية
وركائزها.ـ
وإن من مظاهر الحياة االقتصادية الــتي تم رصــدها في هاته الموســوعة
هي:
ً
ـ النــوازل الخاصة بالمجــالـ الــزراعي بــدءا من الــري والســقي ،إذ تم
تبــيين نظــام الســقي المعمــول به في تلكم الفــترة ،وتظهر هــذه النــوازل في
النزاعات القائمةـ بسببها ،وقد أفردها اإلمام بجزء خاص(.)1
ـ النوازل الخاصة بأنواع األرضين ،وأقسام الممتلكات العقاريــة ،وهي
نوازل متناثرة بين طياتـ الكتاب.ـ
ـ نــوازل خاصة بمنح األراضي الســتثمارها وإنمائها وهي المســماة نــوازل
اإلقطاع.
ـ وهناك نوازل متعلقةـ بالنشاطـ التجاري عموما وأخرى متعلقةـ بــالثروة
الحيوانية وغيرها.
هذا؛ وإن المتتبع للنوازل الفقهية الــواردة في كتــاب المعيــار ،وبخاصة
الــتي تمس جــوانب االســتثمار الفالحي يجد أن صــاحب المعيــار إنما نقل لنا
واقعا ً معيشا أيا َمه،ـ فكانت فتــاواهم وحلــولهم لتلك المعضــالت أو المســتجدات
تنم عن وعي وإدراك بها ،وكانت أيضا بمثابة تجديد في الفتوى وتحيين لها.
وعليـــه ،ســـأركز نـــاظري على النـــوازل الفقهية الخاصة باســـتثمار
األراضي الفالحية وإحيائهـــا،ـ وهو المســـمى قـــديما نظـــام إقطـــاع األراضي
الفالحية.
وقبل التطرق إلى هذه النــوازل ،فــإني أعــرج على أنــواع األراضي أو
أنـواع الملكيـاتـ العقارية في تلكم الفـترة ،ثم أتطـرق لنظـام منح األراضي أو
إقطاعها المنتشر آنذاك ،وإلى مــدى اإلفــادة منها في عصــرنا هــذا ،باالســتناد
إلى كتاب المعيار المعرب لإلمام الجزائري الونشريسي.
أوال ـ أنواع األمالك العقارية
(?) أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريســي :المعيــار المعــرب والجــامع المغــرب عن فتــاوى 1
علماء إفريقية واألنــدلس والمغــرب ،إشـراف :محمد حجي ،دار الغــرب اإلســالمي ،بــيروت،
1981م( ،دون ذكر الطبعة) ،ج.08
ــ 458ـ
توضح نوازل الونشريسي أنواع األمالك العقارية،ـ أو أنــواع األراضي
عموماً ،وهي مقسمة إلى:
1ـ األمالك الخاص ة :وهي الـــتي تكـــون ملكيتها بجميع عناصـــرها
(التصرف ،االســتعمال ،االســتغالل) لشــخص معين أو عــدة أشــخاص ســواء
كانوا طبيعـيين أو اعتبـاريين ،بمعـنى أنها تـؤدي وظيفة ذات طبيعةـ تمليكيــة،ـ
وهــذا تم اإلشــارة إليه في النــوازل الخاصة بــالبيع والمعاوضــات وغيرهــا،
كمسائل نزع الملكية من أجل المنفعة العامة(.)1
2ـ األمالك العام ة :وهـــذا النَّوع ال يخلو منه عصـــر ،إذ هي معـــ َّدة
لالســتعمال العــام أو للجمهــور مباشــرة ،ال يســتأثر بها أحد من دون آخــر،
كأراضي المراعي وأراضي القبائل،ـ ومسائلها متناثرة بين حيثيات النوازل.
3ـ األمالك الوقفي ة :هي أمالك حبســها مالكها بمحض إرادته ليجعل
التمتع بها دائما ينتفع بها شخص طبيعي أو معنوي ،وقد أفرد لها الونشريسي
جزءاً خاصا بها(.)2
4ـ األمالك الوطني ة :أي األمالك التابعةـ للدولــة ،ســواء كــانت أمالكا
وطنية خاصة أم عامـــة ،وهي مجموعة األمالك والحقـــوق المنقولة العقارية
الـتي تحوزها الدولة في شـكل ملكية عمومية أو خاصة ،كـاألمالك الشـاغرة(،)3
أو األمالك التي تكتسبها الدولة أثناء ممارستها لحق السيادة كالتأميم ،وكــاألمالك
الـــتي ليس لها وارث ،أو أثنـــاء القيـــام بوظائفها كـــنزع الملكية من أجل المنفعة
العامة(.)4
أضف إلى كل هاتهـ األمالك مع تنوعها فقد ذكر الونشريسي أنواعا
أخرى لألراضي كانت منتشرة حينها وهي:
1ـ األراضي الموات :وهي من مكونات األمالك التابعةـ للدولة ،ميزتهاـ
أنها بور يمنحها الحاكم أو المسؤول من أجل استصالحها ،فتملك بــه ،وتــنزع
باإلهمال(.)5
2ـ أرض المخ زن :وهي األراضي التابعة للدولــة ،وقد وردت عــدة
نوازل بشأنها ،كالنوازل المتعلقةـ بالبناء على هذا النوع من األراضي ،وجعل
(?) الونشريسي :المعيــار المعــرب( ،مرجع ســابق) ،ج ،01ص ،224وج ،04ص،32 1
،103وج.5
(?) الونشريسي :المرجع نفسه ،ج.07 2
(?) األمالك الشــاغرة هي الــتي لم يكن لها مالك معــروف أو تــوفي ولم يكن لها وارث 3
ــ 459ـ
نفاذ التصرفات الواردة عليها موقوفة على إقرار المســؤول( ،)1وكــان المفــتي
الشيخ أو الحسن الصُغيّر(.)2
بعض ســالطين َ 3ـ أرض الظه ير :وهي األرض الــتي كــانتـ تقطع
وأمراء الدول ممن يؤدون خدمات لهــا ،وكــانت تمنحـ على أســاس االنتفــاع ال
الرقبة أو التمليــك،ـ بمعــنى للمقطع عنصــرا االســتعمال واالســتغالل من دون
التصرف.
4ـ األرض الموظف ة :مصــطلح الوظيف يعــنيـ ـ ـ قــديما ـ ـ الضــريبة،
بمعــنىـ أن األرض الــتي فرضت عليها رســوم أو ضــرائب من قبل الحــاكم
تــدعى األرض الموظفــة ،والنازلة الــتي ينقلهاـ صــاحب المعيــار تتحــدث عن
انتقال الضرائب من البـائعـ إلى المشــتري أو من الســلف إلى الخلف الخــاص،
حيث تكون بعد إبرام التصــرف القــانوني وليس قبله حيث جــاء في النازلة(:)3
((وسئل الشعبي عمن ابتاع أرضا ً وعليها وظيف.
فأجاب :ال يجب على المبتاع إال من يــوم الشــراء خاصة فما بعــده ،وال
قبل ذلك.
وإن لهــذا أصال عاما في القــانون المــدني الجزائــري في مســألة انتقــالـ
آثــار العقد من الســلف إلى الخلف الخــاص ،حيث يكــون انتقالها شــريطة أن
يكون هذا تاريخ التصرف سابقا على انتقالـ الشيء إلى الخلف))(.)4
5ـ األرض القانونية :مصطلح األرض القانونيةـ ذكره صاحب المعيار
في ثالثة مواضع ،إال أنه لم أجد له معنى معينا ،لكن وفي إحدى النوازل التي
ذكرها تعقب هذه النازلة بمسألةـ تخص أراضي المغرب وعن كيفيةـ افتتاحها؛ـ
صلحا أم عنوة؟ ،وهذا في موضعين(.)5
إن هذا يجعل االحتمــالـ وارداً على األرض الــتي هي بيد الحــائز عليها
أو واضع اليد عليها ولم تعلم الطريقة الــتي صــارت بها إليــه ،فســميت أرض
القــانون ،تقع عليها جميع أنــواع التصــرفات القانونية ســواء كــانت إدارة أو
تصرف ،أي أنها تملك وتباع وتورث( ،)6أو أنها األرض التي يقطعهاـ الحــاكم
أو المســؤول لبعض الشخصــيات نظــير خــدماتهم للدولة وهي بمثابة رواتب
(?) الونشريسي :المرجع نفسه ،ج ،05ص ،44وج ،06ص.205 1
المالكي المحصل ،أحد األقطاب الــذين دارت عليهم الفتيا أيــام حياتــه600( ،هــ 719/هـــ)
من مؤلفاته التقييد على تهذيب المدونة وكان يقال إن :أبا الحسن في المغــرب كــابن تيمية
في المشرق.
(?) الونشريسي :المعيار المعرب( ،مرجع سابق) ،ج ،06ص.102 3
(?) الونشريسي :المعيار المعرب( ،مرجع سابق) ،ج ،06ص 133وج ،09ص.73 5
ــ 460ـ
لهم( ،)1والمــيزة بين هــذا من النــوع من األراضي وأرض الظهــير أن األولى
تملك وتورث وتباع ،بخالف الثانية(.)2
ثانيا ـ أشكال منح األراضي
من أنواع األمالك العقارية ،أو أنواع األراضي ،وبحسب نمط الملكية ،أو
بحسب التصرفات المثقلة لها ،أو بحسب األهداف المتوخاة ،يتحدد نوع أو شــكل
منح األراضي أو إقطاعها في الغرب اإلسالمي ،هاته األنواع تتمثل في:
ـ منح األراضي لكب ار رج ال البالط والحكومة ،أو الشخص يات
السياس ية الــتي قد تكــون أجنبية عن الدولــة ،أو تكــون غــير مشــاركة في
الحكم( ،)3وهذا هو الذي يعكس نوع اإلقطاع السياسي أو ذا األبعاد السياســية،
والذي تمثلـ في إقطاع الكور والطسوج( )4والقرى ،آخــذا معــنى التولية وجمع
الضــرائب ،وكــانت عبــارة على منح حق االنتفــاع ومن دون التصــرف وقد
سمي نظام القبالة فيما بعد( ،)5ويمكن اعتباره من قبيل المنح لفائدة األشــخاص
االعتبارية.ـ
ومهما يكن من أمر فإن اإلقطاع وإن كان متعلقا بمثل هــذا ،فــإن القصد
من ورائه هو جمع الضــرائب الموظفة على الســكان ،وكــذلك الشــأن بالنســبةـ
لألرياف ،فإن اإلقطاع الممنوح للبدو يكتسي في أغلب األحيــان صــبغة جبايةـ
الضرائب ،ألنه وبواسطة هذه القطائعـ ترخص الدولة لإلقطاعيينـ اســتخالص
الضرائب وجبيتها لفائدتهم.
(?) إن هذا المعنى لو صح لكان رداً مفحما على االحتماالت التي يوردها من كتب حول 6
أزمة العقــار في الجزائر وأن مردها إلى أســباب تاريخيــة ،وبخاصة إلى كيفيــات الفتح
اإلسالمي ألرض المغرب عموما ،وللمغرب األوسط خصوصا.
(?) إن عزوف الدولة المعاصرة عن إقطاع األراضي في مجاالت غــير الزراعة لتـوفر 1
اإلقطاع المالي ،خالف ما كان عليه األمر في الســابق ،فهي التجــأت إليه لتفــادي النقص،
وبخاصة في مجال الرواتب والمنح واالمتيازات وما أشبهها من ذلك.
(?) د.كمــال الســيد أبو مصــطفى :جــوانب من الحيــاة االجتماعية واالقتصــادية والدينية 2
(?) الكور هي القرى ،والطســوج تطلق على النــواحي أو الضــواحي ،وتطلق أيضا على 4
ــ 462ـ
والصالحين ،فال تصح في ذلك حيازة لتجدد المستحقين ،وسقوط حق الميتين،ـ
وليقــدموا رجال فاضال منهم يتــولى القســمة بينهمـ كما قلنــا ،ال تحــرم المــرأة
الصالحة منهم .ولها نظائرـ يطول ذكرها من األمهات ،وهللا أعلم
إن الفائدة المرجــوة من ذكر أنــواع هــذه األمالك أو هاتهـ األراضي هو
أن االســتثمار الفالحي كمصــطلح قــانوني يطلق على األراضي الــتي تمنحها
الدولة لطالب االستثمار واإلنماء واإلحياء للمستصلحين.
وعليــه؛ ومن خالل ما ســبق ســأذكر التعريف باالســتثمار الــزراعي
والنوازل الخاصة به ،سواء المتعلقةـ باستثمارـ األراضي الفالحية ،أو المتعلقة
باستصالح األراضي الموات.
ثالثا ـ تعريف استثمار األراضي عند الفقهاء
إن استثمار األراضي أو باألصح منحها الستثمارهاـ هو تســويغ أو منح
الدولة جــزءاً من أرض عــامرة أو غــامرة غــير مملوكة ألحد لمن تــراه أهال
لذلك ،بعوض أو بغيره ،تمليكاـ أو استغالال..
والمســتثمرة الفالحية اصــطالح اقتصــادي يعــنيـ وحــدة ترابية مســيرة
ومستغلة طيلة مدة من قبل شــخص أو عــدة أشــخاص ،وتنظم وســائلـ اإلنتــاج
المعدة لخدمة اإلنتــاج الفالحي ،بمعــنىـ أنها أرض ذات مســاحة معينةـ تحتــاج
لمن يستثمرهاـ أو يحييهاـ(.)1
إن مصـــطلح االســـتثمار إنما يـــرد على األراضي العـــامرة ،بخالف
األراضي البور والموات فإنما يــرد عليها فعل االستصــالح واإلحيــاء ،مع أن
االستصالح نوع من االستثمار.
رابعا ـ النوازل الخاصة باالستصالح الزراعي
ذكر صاحب المعيار نازلةً واحــدةً بخصــوص استصــالح األراضي أو
إحياء الموات ،كانت بقرب العمران ،وإن األرض الموات أو األرض الواجب
استصالحها أو التي يقع عليها فعل اإلحياء واالستصالح هي(( :األرض الــتي
ال مالك لها وال منتفعـ بها))(.)2
إن موضــوع هاتهـ النازلة هو( )3أن رجال وجد أرضا بمقربة من العبــاد
(بقـــرب العمـــران) وكـــان قد مضى عليها ســـنون ال يعلم لها ملـــك ،أحياها
(?) شــوقي نــذير :سياسة إقطــاع األرضــين الفالحية في الفقه اإلســالمي وتطبيقاتها في 1
الجزائر( ،رسالة ماجستير) ،كلية العلوم اإلسالمية ،جامعة الجزائر2005 ،م ،ص.191
(?) الونشريسي :المعيار( ،مرجع سابق) ،ج ،05ص.116 2
(?) القــرافي :الــذخيرة ،دار الغــرب اإلســالمي ،بــيروت ،تحقيق ســعيد أعــراب ،ط،1 3
فإذا كان هناك تهاون في المطالبة بالحقوق تسقط مقالته أي ال تسمع ،وهاته المــدة تخضع
لحكمي الوقف واالنقطــــاع كما نبه إلى ذلك في المســــألة في قوله (إن ك ان له ع ذر
مستمر.)...
(?) الحكم نفسه في القانون المدني الجزائري في تقرير البطالن وأثره المــادة 103منــه، 2
ومع هذا وجب مراعاة المشتري أو الغير حسن النية كي ال تضيع حقوقهم.
(?) ابن رشد :البيان والتحصــيل والشــرح والتوجيه والتعليل في مسـائل المســتخرجة ،تحقيق 3
محمد حجي وأحمد الشرقاوي ،دار الغرب اإلسالمي ،بيروت ،ط 1988 ،2م ،ج ،10ص 254
.
(?) القرافي :الذخيرة( ،مرجع سابق) ،ج ،6ص.154 4
(?) أخرجه البيهقي :السنن الصغرى ،تحقيق خليل مأمون شيحا ،دار المعرفة ،بيروت، 5
ط1999 ،1م ،ج ،1ص ،692رقم .612278 :وفي الســنن الكــبرى ،تحقيق يوسف عبد
الرحمن المرعشلي ،دار المعرفة ،بيروت ،ط1988 ،2م ،ج ،6ص.143
ــ 464ـ
األرض هلل جل جالله وتعـــالى مقامه ولرســـوله عليه أفضل الصـــالة وأزكى
التســـليم ،بمعـــنىـ أنه جعل ملكيتها لهما وما كـــان مضـــافا إلى هللا والرســـول
فملكيته للدولة والنظر والتدبير فيه لإلمام.
وإن عدم اشتراط اإلذن مؤد إلى النزاع والشجار وال سبيل للحد منه إال
باشتراطه ،غير أنهم يؤكـدون هـذا الشـرط على القـريب من العمـران( )1ومن
دون البعيد منه(.)2
هذا بخصــوص مســألة اإلذن ،أما بالنســبةـ ألثر اإلحيــاء أو المنح فــإنهم
منقسمون إلى قســمين :فريق أثبت الملك بمجــرد المنح ،وفريق لم يثبتـ الملك
إال باإلحياء والعمل.
فعلى رأي الفريق األول يثبت الملك عند أصــحاب هــذا الــرأي بمجــرد
المنح ،ألنه مفيده بنفسه ،وال يحتاج إلى إحيــاء ،وعليه إذا أقطع الحــاكم أرضا
شخصــا ،فــإن لهــذا الرجل التصــرف في رقبة األرض بما شــاء من أنــواع
التصــرف المخولة لــه :كــالبيعـ والهبــة،ـ وتــورث عنه إن هلك( ،)3وعلى رأي
الفريق الثانيـ ال يثبت الملك عندهم إال باإلحياء والعمل ،وفي هذا يقول القرافي:
((...وإن أقطعه مواتا ،طالبه باإلحياء ،فإن لم يفعل أو عجز عنه أقطعه غــيره ،إذ
ليس له أن يتحجر األرض عن نفعه ونفع غيره))( ،)4وكان دليلهم هـو(( :ما روي
عن النبي × أنه أقطع بالل بن الحارث من العقيق ما يصلح للعمل فلم يعمــل،
فقال عمر بن الخطاب :إن قويت على عمله فاعمله ،وإال أقطعته الناس ،فقـال
بالل بن الحـارث :قد أقطعنيه رسـول هللا × ،فقـال عمـر :إن رسـول هللا اشـترط
عليك شرطا ،فأقطعه عمر الناس ،ولم يكن بالل عمل شيئا))(.)6(.)5
لكن ما العمل إن تصــرف المقطع له في األرض بــالبيع مثال ،هل هــذا
التصرف نافذ ،أم ال؟ ،وقد ذهب أصحاب هذا الــرأي إلى أن تصــرف المقطع
له في القطيعةـ صــحيح نافد ((قبل نظر اإلمــام في ذلــك ،ألن المقصــود أن ال
(?) إن تقســيم األرض إلى قريبة من العمــران وبعيــدة منه أصــبح أمراً عســيرا نوعا في 1
(?) الحطاب :مواهب الجليل شرح سيدي مختصر خليل ،تحقيق زكريــاء عمــيرات ،دار 3
(?) ابن رشد :البيان والتحصيل( ،مرجع سابق) ،ج ،10ص.301 5
(?) أخرجه البيهقي :السنن الكــبرى( ،مرجع ســابق) ،ج ،6ص.149ـ والــبيهقي :الســنن 6
الصغرى( ،مرجع سابق) ،ج ،1ص ،694رقم(.2286 :بغير هذا اللفظ) ،وذكره ابن عبد
البر :االستذكار الجامع لمذاهب فقهاء األمصار وعلماء األقطــار فيما تضــمنه الموطأ من
معاني الرأي واآلثار وشرح ذلك كلّـه باإليجـاز واالختصــار ،تحقيق عبد المعطي قلعجي
أمين ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،ط1993 ،1م ،ج ،9ص( 58منسوبا ألبي بكر).
ــ 465ـ
تبقى األرض محجورة عن االنتفاع بها ،والمبتــاع والموهــوب وغيرهما ممن
انتقل إليه الملك يحل محل البــائعـ أو الــواهب أو المتصــرف))( ،)1ألن واجب
العمل لصيق باألرض المــوات ينتقلـ معهـا حيثما كــانت ،وهو الجــواب الــذي
أورده المفتي في المسألة ،وبه تحقق المقصود.
وقد اهتدى المشرع الجزائري( )2إلى مثل هذا الحكم في جعل مستصــلح
األرض مالكا لها ،له السلطة الكاملة عليها ،غير أن هــذه الملكية تتمــيزـ بطــابع
خاص ،حيث اشترط المشرع الجزائري في حالة إرادة البيع موافقة المشــتري
على الشرط الفاسخ ،حيث ال يجــوز لمالك األرض عن طريق االستصــالح أو
المشـــتري أن يغـــير من الوجهة الفالحية لألرض ،وهو أمر حسن يضـــمن به
المحافظة على الوجهة الفالحية لألرض ،وهو الحكم المــذكور أعاله في كــون
واجب العمل ينتقلـ إلى المشتري الجديد.
لقد قــام المشــرع الجزائــري بإصــدار عــدة مراســيم بعد هــذا القــانون
المتضمن حيازة الملكية العقارية بطريق االستصالح ،والذي كــان مطبقاـ على
المنــــاطقـ الصــــحراوية فقــــط ،تحمل هاتهـ المراســــيم في موادها معــــاني
االستصـــالح ،لكن بشـــروط وكيفيـــات مختلفة عن ذلك القـــانون ،من هـــذه
المراسيم :المرسوم رقم 92/289 :المــؤرخ في06/07/1992 :م المحــدد شــروط
التنــازل عن األراضي الصــحراوية في المســاحات االستصــالحية وكيفيــات
اكتســابها،ـ والمرســوم رقم 97/483 :المــؤرخ في15/12/1997 :م الــذي يحــدد
كيفيـــات منح عقد امتيـــاز قطعة أرضـــية من األمالك الوطنيةـ الخاصة التابعة
للدولة في المســـاحات االستصـــالحية وأعبائهـ وشـــروطه ،الـــذي نص على
االمتياز ((االمتياز هو تصــرف تمنح الدولة بموجبه ولمــدة معينةـ حق االنتفــاع
بأراضي متــــوفرة تابعة ألمالكها الوطنية الخاصة لكل شــــخص طــــبيعي أو
معنوي في إطار االستصالح ،وفي المناطقـ الصحراوية والجبليةـ والســهبيةـ))،
وهو التعريف الوارد في الفقه اإلسالمي ،والمرسوم رقم 87/01 :المــؤرخ في:
05/04/2001م المحدد لشروط وكيفيات استغالل األراضي الغابية(.)3
خامسا ـ النوازل الخاصة باالستثمار الزراعي
إن منح األراضي في إطار االســتثمار لــدى الفقهــاء على نــوعين أراضي
تمنح تمليكــاً ،وأخــرى اســتغالال ،وإن النــوازل الــتي ذكرها صــاحب المعيــار
(?) القــانون رقم 83 :ــ 18المــؤرخ في13/08/1983 :م المتعلق بحيــازة الملكية العقارية 1
(?) الجريدة الرسمية العدد 55السنة ،1992والعددـ 83الســنة ،1997والعــدد 20الســنة 3
(.2001بالترتيب)
ــ 466ـ
بخصـوص األراضي موضـوع االسـتثمار على نـوعين :منح األراضي تمليكــا،
واستغالال.
ـ منح األراضي الستثمارها تمليكا ً
ال توجد وقــائع مادية مرصــودة بخصــوص منح األراضي تمليكــا ،وإنما
وردت نــوازل على ســبيل االستفســار أو االفــتراض ،ولعل هــذا راجع لألصل
العــــام عند الســــادة المالكية في منعهم منح األراضي تمليكا وبخاصة األرض
العامرة.
إن منح األراضي تمليكا هو(( :إعطاء أو منح األرض للمقطع بأن يملك
رقبتها،ـ فله الــبيع والهبة والوقف ويــورث عنه))( ،)1وإن األرض العــامرة هي
((األرض التي تزرع ،أو ما تصلح لزراعة البر))(.)2
وقد منع الســادة المالكيةـ منح األرض تمليكــاًـ في إطــار اســتثمارهاـ في
نــوع من األراضي وهــذا النــوع يعــود إلى أصل حيــازة األرض ،فــاألرض
العامرة التي أخذت عنوة ال تقطع تمليكا ،بل اســتغالال ،ألنه وبمجــرد اســتالء
المسلمين عليها صارت وقفا عليهم ،ووقفها مانع من اختصاص بعض النــاس
بها من دون البعض ،لصنيع سيدنا عمر بن الخطاب في أرض السواد التي
أوقفها ولم يقســـمها( ،)3والحكم نفسه بالنســـبةـ للأرض العـــامرة الـــتي أخـــذت
صلحا ،فليس لإلمام أن يقطعها ال تمليكاـ وال استغالال(.)4
أما الأرض العامرة التي أخذت بغــير عنــوة فال خالف بين المالكية أنها
تقطع تمليكاـ كما تقطع اســـتغالال( ،)5والحكم نفسه بالنســـبةـ لألرض العـــامرة
كــانت العمــارة فيها إســالمية ولم يتمــيزـ مالكهــا،ـ فهي في حكم المــال الضــائع
اآليل لبيت مال المسلمين.
وإن العلة في ذلك راجعة إلى تصـــنيف األراضي الـــتي يحق لإلمـــام أو
الحاكم التصرف فيها ،فقد عرفنا أن األمالك العقارية في الفقه اإلسالمي تقسم إلى
ثالثة أقســــــــام أمالك عقارية خاصة وأمالك عقارية عامة وأمالك عقارية تابعة
للدولة.
(?) الدسوقي :حاشية الدسوقي على مختصر سيدي خليــل ،دار الكتب العلميــة ،بــيروت، 1
دار الكتب العلمية ،بيروت ،ط1998 ،1م .ج ،3ص ،18الفرق رقم.116 :
(?) القرافي :الفروق( ،مرجع سابق) ،ج ،3ص ،18الفرق رقم.116 : 4
(?) القرافي :الفروق( ،مرجع سابق) ،ج ،3ص ،18الفرق رقم.116 : 5
ــ 467ـ
وفي هـــذا الســـياق نجد أن النـــوازل الخاصة بمنح أو إقطـــاع األرض
تمليكا والمــذكورة في كتـابـ المعيــار عــددها نازلتـان،ـ كــان االستفسـار حـول
إمكانيةـ منح األرض تمليكا،ـ وهما البن عرفة المــالكي ،حيث كــان الــرد بعــدم
منحها تمليكاـ في إحداهما ،وكان الرد في الثانيةـ بــأن المنح أو اإلقطــاع الثــاني
ينسخ األول وهو دال على عدم منح الرقبة في األول(.)1
ـ منح األراضي الستثمارها استغالل أو انتفاعا ً
المســألة الــواردة في هاتهـ النازلة أن أناســا ً كــانت بيــدهم أرض بــأمر
سلطاني ،فعمد منهم شخص إلى استثمارهاـ غارسا إياها بــأنواع من األشــجار
وبعد وفاته وانــدثار عملــه ،قــام ورثتهـ ببيعها لشــخص قــام باســتثمارهاـ مــرة
أخرى واالنتفاع منها،ـ فاعترضه أرباب األرض السابقينـ الذين حصلوا عليها
ماض ،وهي لــبيت مــال المســلمين ٍ بأمر سلطاني ،فكان الجواب أن البيع غير
ولجماعة المسلمين رقبتهــا ،ومنحها كــان إمتاعـا ً ال تمليكـاً،ـ بمعــنىـ أن رقبتها
تبقى للدولة وإنما حق االنتفاع ينتقل إلى المستثمر(.)2
إن إقطاع أو منح األرض اســتغالال هو منحها لمن يشــغلها إن شــاء أن
يزرعهــا ،وإن شــاء أن يؤجرهــا ،وإن شــاء أن يــزارع عليها ،أو منحها لمن
يشغلها بنفسهـ ونوابه من غير تمليك وال تأبيد(.)3
إن للدولة أن تمنح هــذه الأراضـي لأنــاس للعمل على أن تكــون
المنـــافع له والرقبة باقية تحت يد الدولـــة ،لألثر الـــوارد عن ســـيدنا عمر بن
ض))( ،)4بمعــنى أن للســلطان أن يمنح من األْر ِ الخطاب إذ قالَ(( :لنَ ا ِر َق ُ
اب َ
األراضي الــتي يحق له التصــرف فيها اســتغالال على أن تبقىـ ملكيتهاـ تحت
يده ،وله استرجاعها في أي وقت على حسب ما هو متفق عليه( ،)5وكان أكثر
ما يســـتعملـ هـــذا في إقطـــاع الجنـــد ،الســـتغاللها مباشـــرة باســـتثمارها ،أو
بإيجارها(.)6
هــذا؛ وإن قيــام الدولة بكل المؤونــات يكــون بإعطــاءـ المواطــنين من
أراضي بيتـ مــال المســلمين الســتغاللها وكسب العيش منها ،ومما تنتجهـ بكل
الطــرق الشــرعية ،بطريقةـ مباشــرة أو غــير مباشــرة ،أو يكــون بالســماح لهم
(?) الونشريسي :المعيار( ،مرجع سابق) ،ج ،09ص.73 1
(?) ابن جماعة :تحرير األحكام في تدبير أهل اإلسالم ،تحقيق عبد المنعم فؤاد ،قطر ،ط 3
ترقيم يوسف عبد الرحمن مرعشلي ،عالم الكتب ،بــيروت ،ط1994 ،1م ج ،3ص،270
رقم .5317 :وأبو عبيد :األموال ،دار الفكر ،بيروت1408 ،هـ ،ص.291
(?) الخرشي :حاشــية الخرشي على مختصر ســيدي خليــل( ،مرجع ســابق) ،ج ،7ص 5
.354
(?) الونشريسي :المعيار المعرب( ،مرجع سابق) ،ج ،05ص.43 6
ــ 468ـ
للحصول على مرتب يكــون من ريع بعض أمالك الدولــة ،وهي غالبا ما تتبعـ
المنوال الثاني ،وهذا اإلجراء عند بعض الفقهاء المعاصــرين ليس إقطاعا في
الحقيقة ،وإنما هو تكليف للفرد بأن يتعــاطىـ أجــرة من خــراج مــادة معينةـ من
األرض يحصل عليه من طريق االتصال بالمزارع(.)1
إن هذا الحكم شبيه إلى حد كبير بحق االنتفاع الدائم (حق االنتفاع الدائم هو
حق عيني عقــاري ينتقل إلى الورثة ويمكن التنــازل والحجز عليه وبالتــالي رهنه
أيضا) ،الذي تمنحه الدولة للمنتفع في إطار القانون رقم 87 :ـ 19المؤرخ في08 :
/12/1987م المتضـــــــمن كيفية اســـــــتغالل األراضي الفالحية التابعةـ لألمالك
الوطنيــة ،وتحديد حقــوق المنتجينـ وواجبــاتهم( ،)2والمتمثل في حق اســتعمالـ
األرض الفالحية واستغاللهاـ فيما أعدت لــه ،ولمــدة غــير محــدودة ،أضف إلى
ذلك حقوق االرتفــاق التابعةـ لألرض المنتفع بها من مجــرى ومســيل ،وغيرها
من الحقوق المقررة(.)3
وإن عــدم تحديد المــدة في هــذا النــوع من االســتغالل هو الــراجح لــدى
الفقهــــاء ،ومن شــــأنه أن يعطي اطمئنانــــاًـ للفالح في عمله واســــتقراره على
األرض ما يجعله أكثر نشاطا وعمال(.)4
الخاتمة
لقد أوضحت النــوازل أن هنــاك نشــاطاـ زراعيا بــالمغرب،ـ وإنما كــانتـ
على العمــوم فيما يخص الــري( ،)5وتوضح هاته النــوازل أن أراض كــانتـ
تحت فرد أو عدة أفراد ومجموعــات ثم تهجر هاتهـ األراضي لظــروف معينة
كالمجاعة أو الحروب ،وإن عامل ضعف الرقابةـ على هاتهـ العملية يــؤدي في
كثير من األحيــان إلى حــدوث نزاعــات حــول هاته األراضي الممنوحــة ،وقد
(?) محمد باقر الصدر :اقتصادنا ،دار التعارف ،بيروت1991 ،م ،ص.488 1
(?) د /بن رقية بن يوسف :شــرح قــانون المســتثمرات الفالحيــة ،طبع الــديوان الوطــني 3
القوانين الجزائرية أدى إلى نوع اختالف حول الملكية المطبقة على هــذه األرض فبعض
الباحثين ذهب إلى أن الدولة من خالل هذا القانون أقرت ملكيتين على أرض واحدة هما:
ملكية الرقبة وهي تابعة للدولة ،وحق االنتفاع الممنوح للمستفيدين أو المستفيد ،وبعضــهم
اعتبر أن المشرع الجزائري ج ّزأ ملكية واحــدة على جهــتين؛ جهة خصــها بحق االنتفــاع
فقط وهي للمســتثمرة ال يكــون لها التصــرف في األرض ،وجهة خصصــها بملكية الرقبة
وهي للدولة الـــتي يكـــون لها التصـــرف في األرض ،ومن خاللهما يتجلى لنا أن الدولة
طبقت على هــــذه األرض نوعا من الملكية هو معــــروف في الفقه اإلســــالمي بالملكية
الناقصة المقصورة على حق المنفعة دون الرقبة.
(?) إن الجــدير بالمالحظة أن هنــاك مخطوطــات كثــيرة تتحــدث عن النــوازل الفقهية 5
بالجنوب الجزائري وبخاصة منطقة تامنغست ،وبها عدد هائل من نوازل الســقي والــري
واآلبــار كمخطــوط هدية البــاري في أحكــام آبــار بالد أزواد لســيدي محمد بن بــادي،
وكنــوازل الشــيخ ســيدي محمد بــاي بن عمر الكنــتي في القــرن الرابع عشر الهجــري،
وفتاوى القالدي للشيخ لمين بن أحمد القالدي التكروري في القرن الثالث عشر الهجري.
ــ 469ـ
رأينا ذلك في غضب الفقهــاء من تحــول نــوع الملكية على بعض األراضــي،
ولعل هذا الجانب هو الذي يعانيـ منه العقار الفالحي في الجزائــر ،فضال عن
وجود عدم استقرار وانعــدام ثقة في هــذا النــوع من التصــرفات ،وعليه وجب
تفعيل آليات الرقابة في عمليةـ االستثمار ،وتوفير مناخ استثماري يشــجع على
االستثمار بشكل عام إذ االضطراب يؤدي إلى زعزعة الثقة لدى المستثمر.ـ
إن إضافة بعض الممتلكاتـ إلى هللا تعــالى من شــأنه أن يــؤدي إلى ربط
العمل الزراعي المادي بالجانب الــروحي ،وهو من مســتلزماتـ تحقيق نجــاح
سا َأ ْو يَ ْز َر ُع ز َْرعًا فَيَْأ ُك ُل
س َغ ْر ً
سلِ ٍم يَ ْغ ِر ُ
االستثمار الفالحي قال ×َ « :ما ِمنْ ُم ْ
َ ٌ ()1
ص َدقة» ،فضال عن اتبــاع س انٌ َأ ْو بَ ِهي َم ةٌ ِإاَّل َك انَ لَ هُ بِ ِه َ
ِم ْن هُ طَ ْي ٌر َأ ْو ِإ ْن َ
المناهج العلمية في تطويره.
قائمة المصادر والمراجع
ـ ابن جماعة :تحرير األحكام في تدبير أهل اإلسالم ،تحقيق عبد المنعم فــؤاد ،قطــر ،ط
1987 ،2م ،ص.110
ـ ابن رشد :البيــان والتحصــيل والشــرح والتوجيه والتعليل في مســائل المســتخرجة،
تحقيق محمد حجي وأحمد الشرقاوي ،دار الغرب اإلسالمي ،بيروت ،ط1988 ،2م.
ـ ابن عبد البر :االستذكار الجامع لمذاهب فقهاء األمصار وعلماء األقطار فيما تضــمنه
الموطأ من معاني الرأي واآلثــار وشــرح ذلك كلّـه باإليجــاز واالختصــار ،تحقيق عبد
المعطي قلعجي أمين ،مؤسسة الرسالة ،بيروت ،ط1993 ،1م.
ـ أبو عبيد :األموال ،دار الفكر ،بيروت1408 ،هـ.
ـ البخــاري :الصــحيح البخــاري ،تحقيق محمد علي قطب وهشــام البخــاري ،المكتبة
العصرية ،صيدا ،بيروت ،ط1997 ،1م.
ـ بن رقية بن يوسف :شرح قانون المستثمرات الفالحية ،طبع الديوان الوطني لألشـغال
التربوية ،الجزائر ،ط2001 ،1م ،ص.144
ـ البيهقي :السنن الصغرى ،تحقيق خليل مأمون شيحا ،دار المعرفة ،بيروت ،ط 1999 ،1م.
ـ الــبيهقي :الســنن الكــبرى ،تحقيق يوسف عبد الــرحمن المرعشــلي،ـ دار المعرفــة،
بيروت ،ط1988 ،2م.
ـ الجريدة الرسمية العدد 50السنة 1987م ،والعدد 55السنة ،1992والعدد 83السنة
،1997والعدد 20السنة .2001
ـ الحطاب :مواهب الجليل شرح ســيدي مختصر خليــل ،تحقيق زكريــاء عمــيرات ،دار
الكتب العلمية ،بيروت ،ط1995 ،1م.
ـ الخرشي :حاشية الخرشي على مختصر سيدي خليــل ،تحقيق زكريــاء عمــيرات ،دار
الكتب العلمية ،بيروت ،ط1997 ،1م.
ـ الدسوقي :حاشية الدسوقي على مختصر سيدي خليل ،دار الكتب العلمية ،بــيروت ،ط
1996 ،1م.
ـ شــوقي نــذير :سياسة إقطــاع األرضــين الفالحية في الفقه اإلســالمي وتطبيقاتها في
الجزائر( ،رسالة ماجستير) ،كلية العلوم اإلسالمية ،جامعة الجزائر2005 ،م.
ـ صبحي الصالح :وسائل الملكية وعالقتها بالعدالة االقتصادية في الشريعة اإلســالمية،
محاضــرات ومناقشــات الملتقى التاسع للفكر اإلســالمي،ـ منشــورات وزارة الشــؤون
الدينية ،تلمسان ،من 01 :ـ 10رجب 1395هـ 10/ـ 20يوليو 1975م.
(?) البخــاري :الصــحيح البخــاري ،تحقيق محمد علي قطب وهشــام البخــاري ،المكتبةـ 1
ــ 471ـ
توصيات الملتقى
ﭑﭒﭓﭔ
الحمد هلل والصالة والسالم على سيدنا محمد رسول هللا صلى هللا عليه
وعلى آله وسلم .أما بعد،
فتحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز
بوتفليقة حفظه هللا تعالى ورعاه ،وفي إطار أعمال األسبوع الوطنيـ الحادي
عشر للقرآن الكريم احتضنت والية عين الدفلى المضيافة ،الملتقى الدولي
السادس حول المذهب المالكي الذي يحمل عنوان "فقه النوازل في الغرب
اإلسالمي " وذلك يومي 13ـ 14جمادى األولى 1431هـ الموافقين 28ـ 29
أفريل 2010م ،والذي تميز بحضور عدد من العلماء واألساتذة من داخل
الوطن وخارجه ،بحضور مكثف من المشايخ واألئمة وطلبة العلم ،وقد
توجت أعمال الملتقى بالتوصيات التالية:ـ
أوال ـ إبراز المناهجـ المعتمدة في اإلفتاء في فقه النوازل عند فقهاء
المالكية عبر العصور ومحاولة االستفادة منها في دراسة القضايا المعاصرة.
ثانيا ـ توجيه الباحثين إلى دراسة وتحقيق التراث الجزائري في فقه
النوازل خصوصا والمغاربي عموما ،ونشره لتمكين األجيالـ من االستفادة
منه.
ثالثا ـ دعوة المتخصصين في مختلف العلوم اإلنسانيةـ (االجتماع،
التاريخ ،القانون ،السياسة )..لالهتمامـ بفقه النوازل وتعميق الدراسات حولها
لما تحويه من كنوز معرفية متنوعة.ـ
رابعا ـ تفعيلـ المجالس العلمية الوالئيةـ وتدعيمهاـ بأساتذة متخصصين
في العلوم الشرعية لمعالجة القضايا المعاصرة.
خامسا ـ التأكيد على االجتهاد الجماعي في النوازل.من خالل إنشاء
مجلس للفتوى يجمع بين كل الكفاءات العلمية الوطنية التي تعنيـ بهذا الجانب
الحساس من حياة المواطن الجزائري
سادسا ـ االعتناء بالجانب التربوي في اإلفتاء.
سابعا ـ التأكيد على مواصلة طبع أعمال الملتقى والحرص على
إخراج أشغاله كاملة في أقراص لالستفادة من التعقيباتـ والمناقشات.ـ
ويثمن المشاركون تسمية هذا الملتقى باسم المرحوم العالمة الفقيه
الشيخ محمد باي بالعالم الذي وافته المنيةـ يوم 23ربيع اآلخر 1430هـ
الموافق 19أفريل 2009م كما ين ّوهون بخصاله الحميدة وأعمالهـ الجليلة.
ــ 472ـ
وفي األخير ،يتوجه المشاركون في هذا الملتقى بأسمى آيات الشكر
واالمتنانـ والتقدير والعرفان لفخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز
بوتفليقة على رعايته السامية لهذا الملتقى.ـ
والشكر موصول لمعالي وزير الشؤون الدينيةـ واألوقاف على عنايته
لمثل هذه اللقاءات العلمية والتربوية.
كما نشكر جزيل الشكر والي والية عين الدفلى السيد عبد القادر قاضي
على كرم ضيافته وجميل عنايتهـ وتسخيره لكل الوسائلـ المادية والمعنويةـ
إلنجاح هذا الملتقى.
وال ننسى أن نشكر جميع من ساهم في إنجاح هذه التظاهرة من
السلطات المدنيةـ واألمنية ووسائل اإلعالم ،وجميع سكان والية عين الدفلى
المضيافة.
والحمد هلل رب العالمين
ــ 473ـ
فهرس الموضوعات
تـقديـم #
ــ 475ـ