You are on page 1of 475

‫أعمالالملتقى الدولي السادس‬

‫للمذهب المالكي‬

‫فقه النوازل‬
‫في الغرب اإلسالمي‬
‫وزارة الشؤون الدينية واألوقاف‬

‫والية عين الدفلى‬

‫دار الثقافة‪ ،‬والية عين الدفلى‬


‫‪ 13‬ـ ‪ 14‬جمادى األولى ‪1431‬هـ‬
‫‪ 28‬ـ ‪ 29‬أفريل ‪2010‬م‬
‫ــ ‪ 2‬ـ‬
‫تـــقـــديـــــم‬
‫‪‬الدكتور بوعبد هللا غالم هللا‬
‫وزير الشؤون الدينية واألوقاف‬
‫ﭑﭒﭓﭔ‬
‫الحمد هلل رب العــالمين‪ ،‬والصــالة والســالم على ســيدنا محمد النــبي‬
‫الكريم‪ ،‬وعلى آله وأصحابه أجمعين‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان‪ ،‬إلى يــوم الــدين‪،‬‬
‫وال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم‪ ،‬وبعد‪،‬‬
‫فــإن الفقه اإلســالمي كتــاب مفتــوح على حيــاة النــاس يــو ّجهُهم نحو‬
‫خــيري الــدنيا واآلخــرة‪ ،‬ويجد الحلــول لما استعصى عليهم من مشــكالت‬
‫الحيــاة من نصــوص الشــريعة وأدلتها قواعــدها في ظل روحها مقاصــدها‬
‫السامية‪ ،‬سعيا إلى تحقيق الحياة الطيبة الكريمة ﮋﯛـ ﯜـ ﯝـ ﯞـ ﯟـ ﯠـ ﯡـ ﯢ‬
‫ﯣ ﯤﯥ ﮊ( )‪ ،‬لذلك كان الفقهـ في الدين مؤشرا عن الخيرية في البشر‪ ،‬ألم‬ ‫‪1‬‬

‫ِّين» ( )‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫يقل النبي × الفقه‪َ « :‬منْ يُ ِر ْد هَّللا ُ بِ ِه َخ ْي ًرا يُفَقِّ ْههُ فِي الد ِ‬
‫وال أريـد أن أدخـل في تحديـد المصــطلحات وبيـان المفـاهيم العلميـة‬
‫المتعلقة بالشريعة والفقه والفتوى‪ ،‬وال أن أسترسل في الحديث عن القضايا‬
‫المتعلقة بالفقه عموما‪ ،‬وفقه النوازل خصوصا‪ ،‬ولكــني أ ّود أن أبيّن أنــه إذا‬
‫كان علم الفقه هو اإلطار النظري الذي ينظِّم التصــرفات العمليــة للمكلفين‪،‬‬
‫فن النوازل هو الميدان الخصب الذي تتفاعل فيه أحكام الفقه ونظرياته‬ ‫فإن َّ‬
‫مع مستجدات الناس وتفاصيل حياتهم‪ ،‬في تناغم اجتمــاعي‪ ،‬وملمح واقعي‪،‬‬
‫يتم فيــه تنزيــل قواعــد الفقــه ومســائله على وقــع النــاس المعيش‪ ،‬لضــبط‬
‫عباداتهم وعاداتهم ومعامالتهم‪.‬‬
‫كما أن فن النــوازل وســيلة تتفاعــل من خاللهــا الطبقــات االجتماعيــة‬
‫المختلفة مع العلماء والفقهاء‪ ،‬حرصا من الجميــع أن يخرجــوا بأنفســهم من‬
‫دواعي األهــواء إلى لينقــادوا إلى داعي الشــرع‪ ،‬راضــين مستســلمين دون‬
‫ﯨ‬ ‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬ ‫حرج يجدونه في أنفسهم‪ ،‬ﮋ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬

‫‪1‬‬
‫(?) سورة األنفال‪.24/‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أخرجه البخاري رقم ‪ 71‬وفي غير هذا الموضع‪ ،‬ومسلم رقم ‪.1037‬‬
‫ــ ‪ 3‬ـ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﮊ( )‪ ،‬وقصد الجميع هو االمتثال ألوامر هللا‬
‫‪1‬‬

‫واجتناب ونواهيه‪ ،‬ﮋﰓ ﰔ ﰕ ﰖﰗ ﮊ( )‪.‬‬


‫‪2‬‬

‫هذا‪ ،‬والبحث عن الحلول الشرعية للنوازل والمستجدات أمــر عظيم‪،‬‬


‫لذلك تولى هللا بيانه ﮋـ ﭑـ ﭒـ ﭓـ ﭔـ ﭕـ ﭖ ﮊ( ) ‪ ،‬وجعله من مهام النبوة‬
‫‪3‬‬

‫والرسالة‪ ،‬وشغل به ذمــة العلمــاء الراســخين‪ ،‬فاجتهــدوا في تبليــغ الرســالة‬


‫وأداء األمانة من عهـد الصــحابة الكــرام إلى التــابعين ومن تبعهم بإحسـان‪،‬‬
‫وقدموا لإلنسانية تراثا فقهيا ال نظير له‪.‬‬
‫وكــان ســلفنا الصــالح في الغــرب اإلســالمي حريصــين على اختيــار‬
‫المورد العذب في معرفة أحكام الشريعة اإلسالمية‪ ،‬واالستفتاء في النوازل‬
‫الــتي تعــرض لهم‪ ،‬فكــانوا يقطعــون المســافات والفيــافي‪ ،‬ويتنقلــون أفــرادا‬
‫وجماعات‪ ،‬ميممين شطر مسجد رسول هللا × ومدينته‪ ،‬ليسألوا اإلمام مالكا‬
‫‪ ،‬عالم المدينة الذي ال يفتى وهو فيها‪ ،‬لِ َمــا بلغهم عنــه من العلم والــورع‪،‬‬
‫والفطنة الملكة الفقهية التي سارت بها الركبان‪ ،‬وكان ذلك سببا من رســوخ‬
‫مذهبه واختيار مدرسته في هذه األرض الطاهرة المباركة‪.‬‬
‫والمتصفح لكتب النوازل المغربية يجد هذا االلتفاف حول المرجعيــة‬
‫الفقهيــة‪ ،‬دون تعصــب وال إلغــاء لالجتهــادات والمــذاهب األخــرى‪ ،‬ألن‬
‫الجميع يخرج من مشكاة واحدة‪.‬‬
‫ومن هنــا بــدأ التفكــير في موضــوع هــذا الملتقى الــذي يعــالج مســألة‬
‫علميــة في غايــة األهميــة تتعلــق بـ "الن وازل في الغ رب اإلس المي"‪،‬‬
‫فاســتجاب الســادة العلمــاء واألســاتذة من الجزائــر وإخــوانهم من أقطــارـ‬
‫المغرب العربي في بلورة محاورـ هذا الموضوع وإثرائه‪ ،‬من خالل مدخل‬
‫أوضح فيه الباحثون ـ مشكورين مأجورين ـ مدلول النوازل‪ ،‬وحدود النظر‬
‫فيها‪ ،‬ومنهجية تدوينها‪ ،‬وخصائصــها وموجهاتهــا عنــد المالكيــة‪ ،‬ليعرجــوا‬
‫بعد ذلــك على مالمح فقــه النــوازل عنــد بعض المــدارس المالكيــة الفرعيــة‬
‫والشخصيات العلمية الفقهية التي أثرت هذا العلم وقدمت فيه قيما مضافة‪.‬‬
‫كما ُعنِ َي الدارســون باســتثمار كتب النــوازل واألحكــام ألنهــا وثــائق‬
‫مهمة في دراسة التــاريخ االجتمــاعي والثقــافي وغــير ذلــك‪ ،‬وتطرقــوا إلى‬
‫‪1‬‬
‫(?) سورة النساء‪.65/‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) سورة النجم‪.42/‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) سورة النساء‪.176/‬‬
‫ــ ‪ 4‬ـ‬
‫جملــة من القضــايا المعالج ـةـ في المصــادر والمراجــع النوازليــة‪ ،‬كمســائل‬
‫القرآن وعلومه‪ ،‬وقضايا العقيدة‪ ،‬وتوجيه الممارسة الصــوفية‪ ،‬دون إغفــال‬
‫الجوانب االقتصادية والسياسية‪.‬‬
‫ونخلص في النهايــة إلى القــول بــأن فقــهَ النــوازل فقــهٌ متحــرك في‬
‫رن إذا تغيرت المالبسات والظروف‪ ،‬متفاعل مع كل ما‬ ‫ال ّزمان والمكان‪َ ،‬م ٌ‬
‫يحدث ويستجد‪ .‬وإننا في زمن العولمة‪ ،‬وعصر الحداثة بل عصــر مــا بعــد‬
‫الحداثــة‪ ،‬وأمــام التحــديات الــتي تفرزهــا وتفرضــها الحيــاة المعاصــرةـ‬
‫المتسارعة‪ ،‬يتحتم علينــا تَفُقُّ ُد تراثِنــا الفقهي ومراجعتُــه‪ ،‬واســتثمار أصــوله‬
‫ومناهجه وقواعده في اإلجابة عن التساؤالت والنوازل‪.‬‬
‫فإذا اجتهد أسالفنا في إيجاد الحلول لمشـكالتهم‪ ،‬فينبغي لنـا أيضـا أن‬
‫نجــد الحلــول لمشــاكلنا‪ ،‬وهي كثــيرة جــدا‪ ،‬في عــالم االقتصــاد واألمــوال‬
‫والبنــــوك والعقــــود اإللكترونيــــة‪ ،‬في ميــــدان الطب أمــــام االكتشــــافات‬
‫واالختراعات التي تطلعنا بها العلوم كل لحظــة ال كــل يــوم‪ ،‬وفي مجــاالت‬
‫السياسة والعالقات الخارجية‪.‬‬
‫إن هذا التحدي الكبير يستدعي منا تثمين كل الجهود‪ ،‬واالســتفادة من‬
‫كــل الخــبرات‪ ،‬وترقيــة مؤسســات الفتــوى لتكــون قــادرة دومــا على أداء‬
‫الخدمات التي ينتظرها المجتمع‪.‬‬
‫وإني أرجــو أن تكــون أعمــال هــذا الملتقى العلمي الســادس للفقــهـ‬
‫المالكي الذي يرعاه فخامةـ رئيس الجمهوريــة في مظلــة األســبوع الوطــني‬
‫للقرآن الكريم‪ ،‬والذي دأبت على تنظيمه وزارة الشؤون الدينيــة واألوقــاف‬
‫بالتعاون مع والية عين الدفلى‪ ،‬أرجو أن تكون لبنة أخرى في بنيان العمــل‬
‫الحضــاري المتواصــل الــتي اشــتركت أجيــال األمــة اإلســالمية في إعالء‬
‫صرحه‪.‬‬
‫وصــلى هللا وســلم وبــارك على ســيدنا محمــد وعلى آلــه وصــحبه‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة هللا تعالى وبركاته‬

‫‪  ‬‬

‫كلمة األمين العام‬


‫لوزارة الشؤون الدينية واألوقاف‬
‫ــ ‪ 5‬ـ‬
‫‪ ‬السيد علي حمي‬
‫ﭑﭒﭓﭔ‬
‫وصلى هللا وسلم على سيدنا محمدا لمبعوث رحمة العالمين‪،‬ـ وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫أيتهاـ السيدات الفضليات‪ ،‬أيها السّادة األفاضل‪:‬‬
‫السالم عليكم ورحمة هللا تعالى وبركاته‪،‬‬
‫يسعدنيـ أن أحييكم وأرحب بكم جميعا‪ ،‬مسؤولين وشيوخا وعلماء‬
‫ودارسين وطالبا وباحثين‪ ،‬وأن أعرب لكم عن ابتهاجي بوجودي بينكمـ‬
‫ألحضر معكم فعالياتـ ملتقى المذهب المالكي في طبعته السادسة‪ ،‬الذي‬
‫يدخل في إطار فعالياتـ األسبوع الوطنيـ الحادي عشر للقرآن الكريم المنعقد‬
‫تحت الرعاية الساميةـ لفخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة‪،‬‬
‫هذا الملتقى المبارك إن شاء هللا‪ ،‬الذي تحتضنه والية عين الدفلى الكريم‬
‫أهلها المجيد تاريخها الزاهر حاضرها الواعد مستقبلها بفضل جهود المسؤولين‬
‫عليها وعلى رأسها السيد الوالي الذي يولي عناية بالغة لكل نشاط علمي ثقافي‬
‫جاد وبصورة خاصة في المجال الديني الذي يحظى عنده باالهتمام متزايد وال‬
‫أدل على ذلك من رعايته الفائقة لهذا الملتقى وحرصه الدائم على توفير كافة‬
‫الشروط المادية والمعنوية لنجاحه وتحقيق األهداف المنشودة من تنظيمه‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة هنا إلى أن الصدى العلمي اإليجابي الكبير الذي يشهده‬
‫هذا الملتقى والثمار اليانعة الطيبة التي أصبح يجنيهاـ منه أئمتنا ووعاظناـ‬
‫وطلبتنا‪،‬ـ يعود ـ بعد فضل هللا ومنه ـ إلى الجهود المباركة المشكورة‬
‫والمأجورة إن شاء هللا التي ما فتئ يبذلها علماؤنا العاملون الذين يزدان هذا‬
‫الملتقى بحضورهم ويزدهر بمشاركتهم‪ ،‬وال عجب‪ ،‬فهم المعول عليهم في‬
‫التمكين لمرجعيتنا الدينية والفقهيةـ والعمل من أجل إرساخها والحفاظ عليها‬
‫وتواصلها عبر األجيال‪ ،‬هؤالء العلماء األعالم الذين نسأل المولى ‪ ‬أن‬
‫يطيل في طاعتهـ أعمارهم ويرفع أقدارهم‪ ،‬من أمثال شيوخنا‪ :‬عبد الرحمن‬
‫شيبان وعبد الرحمان الجياللي ومحمد شارف والطاهر آيت علجت ومحمد‬
‫أمقران بن مالك والشيخ محمد بالفقير والشيخ حسان وغيرهم من األحياء‬
‫حفظهم هللا‪.‬‬
‫كما نسأله تعالى أن يتغمد المتوفين منهم برحمته الواسعة وأن يحزيهم‬
‫بأحسن ما يجاري به علماءه العالمين‪،‬ـ ومنهم عالمناـ الجليل المغفور له بإذن‬
‫هللا محمد باي بلعالم الذي شاءت حكمة هللا سبحانهـ أن يكون حسن ختام جهاده‬
‫العلمي الطويل مشاركتهـ المباركةـ في هذا الملتقى في طبعته الخامسة‪ ،‬قد كان‬
‫ــ ‪ 6‬ـ‬
‫آخر زئير لهذا األسد الذي هدي إلى الحق وإلى الطيب من القول والفعل معا‬
‫هو ما ر ّددت أصدا َءه هذه القاعةُ منذ عام‪ ،‬وهو يؤكد أن حرصنا على‬
‫التمسك بالمذهبـ المالكي ليس تعصبا أو إنكارا للمذاهب األخرى‪ ،‬وإنما هو‬
‫من باب الحفاظ على مرجعيتناـ الفقهية وعلى هويتنا الثقافية والحضارية‪،‬‬
‫فرحم هللا شيخنا العالم المجاهد‪ ،‬فقد كان بحق قدوة حسنة‪ ،‬ومثاال للعالم الذي‬
‫يجاهد من أجل نصرة ال ّدين ونفع العباد‪ ،‬ومن منا ال يذكر سعيه المحمود‬
‫إلصالح ذات البين في منطقة بريان‪ ،‬وتأليفه‪ ،‬بفضل هللا‪ ،‬بين قلوب اإلخوة‬
‫هناك بعد أن نزع الشيطان بينهم‪ ،‬وعادوا كما كانوا بنعمةـ هللا إخوانا‬
‫متحابين‪.‬ـ‬
‫نسأل هللا تعالى أن يجعل ذلك كله في ميزان حسنات شيخنا الفقيد محمد‬
‫باي بلعالم‪ ،‬وأن يحشره في زمرة العلماء العاملين الذين يوزن مدادهم يوم‬
‫القيامة بدماء الشهداء‪ ،‬ألنهم أفنوا حياتهم في خدمة الدين‪ ،‬ينفون عنه تحريف‬
‫الغالين وانتحال المبطلين وتحريف الجاهيلن‪.‬‬
‫أيها السادة األفاضل‬
‫إن من الحقائق التي ينبغي أن يبرزها ويؤكدها هذا الملتقى دائما‪ ،‬أن‬
‫الجزائر نعمت ـ على غرار المغرب اإلسالمي عموما ـ بوحدة دينية جامعة‪،‬‬
‫منذ أنار اإلسالم ربوعها بنور هدايته‪،‬ـ وقد ازدادت هذه الوحدة الدينيةـ تماسكاـ‬
‫عبر الزمن‪ ،‬في فقه مالك وعقيدة األشعري وقراءة ورش‪ ،‬ولم تعرف‬
‫الجزائر في تاريخها الطويل أي لون من ألوان التعصب المذهبي الضيق أو‬
‫الصراع الطائفي أو العرقي الذي عرفته بعض بالد المشرق‪ ،‬ويعود السر في‬
‫ذلك إلى تفتحها وعدم انغالقها على نفسها‪ ،‬فانتشار المذهب المالكي فيها لم‬
‫يكن اعتباطا وعفوا كما أنه لم يفرض عليها فرضا‪ ،‬وإنما كان اختيارا حرا‬
‫مسؤوال قام به علماء الجزائر عن علم ودراية‪ ،‬بعد أن رأوا فيه المذهب‬
‫المناسب لطبيعتهاـ ولخصوصيات مجتمعنا‪.‬ـ‬
‫وإذن‪ ،‬فالذي ينبغيـ توضيحه دائما ألجيالناـ هو أن حرصنا اليوم على‬
‫تمسكنا بهذا المذهب ليس تعصبا أو سوء تقدير للمذاهب األخرى كما قلت‪،‬‬
‫وتاريخ الجزائر نفسه يشهد على ذلك‪ ،‬فقد تعايش المذهب المالكي مع‬
‫المذهب اإلباضي والمذهب الحنفي دون أية عقدة أو نفور‪ ،‬وخير دليل على‬
‫ذلك إسهام إخواننا من العلماء اإلباضيينـ في تعزيز هذه المرجعية الفقهية‪،‬‬
‫وال ينكر ذلك إال جاحد أو جاهل‪ ،‬كما أن تمسكناـ بالعقيدة األشعرية يعود إلى‬
‫أننا نعتبرـ األشعري رائد في الفهم الصحيح للدين ورائد في حسن استعمالـ‬
‫العقل في مجال االجتهاد ليكون الدين في خدمة المجتمع وليس العكس‪ ،‬وهذا‬
‫هو جوهر المسألة كلها‪...‬‬

‫ــ ‪ 7‬ـ‬
‫فالعلوم الدينية المختلفة ينبغي أن تستثمر في خدمة المجتمع‪ ،‬مما يجعل‬
‫الحاجة إلى االجتهاد مستمرة‪ ،‬واالختالف دائما رحمة‪ ،‬ولكن داخل نسق عام‬
‫منظم وليس األمر فوضى ال ضابط له‪.‬فإذا كانت هناك اجتهادات فقهية عديدة‬
‫في مسألة واحدة‪ ،‬وهي كلها صحيحة شرعا‪ ،‬فاإلنسان حر في االختيار‪،‬‬
‫ولكن ينبغي أن يستحضر هذا اإلنسان دائما أنه ال يعيش وحده في جزيرة‬
‫معزولة‪ ،‬وإنما يعيش في مجتمع له وحدته ومرجعيته‪ ،‬فال يحق له أن يفرض‬
‫اختياره الفردي على المجتمع بكاملة‪،‬ـ فيكون قد خرج عما هو سائد ومشترك‬
‫عام بين جميع أفراده‪ ،‬ويصبح هذا اإلنسان هادما لمجتمعه بنية بناءه‪ ،‬وضارا‬
‫له بنية نفعه‪ ،‬ومخربا له بنيةـ إصالحه‪ ،‬ألن القاعدة أن ما يناسب ويصلح‬
‫لجماعة من الناس في بيئةـ معينةـ قد ال يصلح لجماعة أخرى في بيئة مغايرة‬
‫متميزة بخصوصياتها الجغرافية والثقافيةـ والتاريخيةـ والحضارية‪.‬ـ‬
‫أيها السادة األفاضل‬
‫إن الموضوع الذي يتمحض هذا الملتقى لدراسته يكتسيـ أهميةـ بالغة‪،‬ـ‬
‫ألنه يستجيب لمنطق األولويات الملحة التي يمليهاـ عليناـ واقعنا الديني‪،‬ـ بفعل‬
‫تعقد طبيعةـ الحياة‪ ،‬وتسارع وتيرة التطور والتجدد في كل مجاالتها‪ ،‬مما‬
‫يجعل االهتمام بفقه النوازل أمرا ضروريا‪،‬‬
‫وهو موضوع كما تعلمون واسع متشعب‪،‬ـ سواء في جانبه التاريخي‬
‫واالجتماعيـ الثقافي‪ ،‬أو في جانبهـ األصولي لبيانـ خصائصه‪ ،‬من أجل وضع‬
‫ضوابط للفتوى في القضايا المعاصرة والتأصيل الشرعي لها‪ ،‬ولضبط‬
‫منظومة الفتوى عموما في بالدنا‪ ،‬فهي ـ كما ترون ـ مسؤولية ثقيلةـ ومهمة‬
‫جليلة‪.‬‬
‫إن فقه النوازل كما تعملون من أدق مسالك الفقه وأهمها وأصعبها‪ ،‬ألن‬
‫معناها النظر في مسائل لم تطرق من قبل ولم يرد فيها للسلف قول‪ ،‬إنها‬
‫باختصار‪ ،‬وضع أحكام شرعية لوقائع طارئة‪ ،‬بكل ما يتطلب ذلك من ضوابط‬
‫شرعية‪ ،‬تفنن في تحديدها العلماء‪ ،‬حتى ال يتجرأ على الفتوى من ليس مؤهال‬
‫لذلك‪ ،‬فـ«فََأ ْج َرُؤ ُك ْم َع َلى ال َف ْت َوى َأ ْج َرُؤ ُك ْم َع َلى النَّا ِر»‪ ،‬كما جاء في األثر‪ ،‬وأثر‪،‬‬
‫سَألُو ُه َع ْن ُه َف ُه َو‬ ‫عن ابن مسعود ‪ ‬أنه قال‪َ (( :‬منْ َأ َج َ‬
‫اب النَّ َ‬
‫اس عَنْ ُك ِّل َما َ‬
‫َم ْجنُونٌ ))‪.‬‬
‫وفي هذا قال اإلمام مالك ‪(( :‬ما شيء أشد علي من أن أسأل عن‬
‫مسألة من الحالل والحرام‪ ،‬ألن هذا هو القطع في حكم هللا‪ ،‬ولقد أدركت أهل‬
‫العلم والفقه في بلدنا‪ ،‬وإن أحدهم إذا سئل عن مسألة كأن الموت أشرف عليه‪،‬‬
‫ورأيت أهل زماننا هذا يشتهون الكالم فيه‪ ،‬ولو وقفوا على ما يصيرون إليه‬
‫غدا لقللوا من هذا‪.))...‬‬
‫ــ ‪ 8‬ـ‬
‫هذا أيها السادة األفاضل‪ ،‬في زمن اإلمام مالك فماذا نقول نحن اليوم‬
‫في هذا الزمن الذي قويت فيه الجرأة على الفتوى من غير علم وال روع‪،‬‬
‫نسأل هللا الهداية‪.‬‬
‫أيها السادة األفاضل‬
‫ينعقد هذا الملتقى المبارك والجزائر ما تزال تعيش أجواء االحتفال بيوم‬
‫العلم الذي يصادف وفاة رائد النهضة اإلصالحية الجزائرية الحديثة‪ ،‬المرحوم‬
‫اإلمام عبد الحميد بن باديس‪ ،‬والمعنى الجليل الذي نحرص على إبرازه ألجيالنا‬
‫الناشئة في هذه المناسبة هو أننا نؤمن بأن العلم هو أساس كل نهضة وتقدم‪،‬‬
‫ولكننا نؤمن في الوقت نفسه أن هذا العلم قد يستحيل إلى معول هدم إذا لم‬
‫يحصن بعقيدة دينية وبمنظومة قيم أخالقية تضمن تسخيره إلسعاد اإلنسان ال‬
‫إلشقائه‪ ،‬وتضمن توظيفه لعمارة األرض ال لخرابها‪ ،‬وهي المعاني التي يرمز‬
‫إليها ابن باديس رحمة هللا‪ ،‬الذي لخص أهمية العلم في إيجاز معجز عندما قال‪:‬‬
‫((العلم هو وحده اإلمام المتبع في األقوال واألفعال والمعتقدات))‪.‬‬
‫فالغايةـ الساميةـ من إحيائناـ لهذه الذكرى هي أن نجعل من هذا اإلمام‬
‫العالم قدوتنا نستلهم من حصيلة اجتهاده ومن سيرته ما يحقق لنا العزة‬
‫والمناعة‪ ،‬ألن ابن باديس لم يكن عالما نظرياـ يعيش في أجواء بعيدة عن‬
‫واقعه وواقع أمته‪،‬ـ بل كان كما قال‪(( :‬يعيش لإلسالم وللجزائر‪ ،‬إذ ال يخدم‬
‫دينه من ال يخدم أمته ووطنه))‪.‬‬
‫وابن باديس خير مثالـ للعالم الذي كان يجاهد من أجل الحفاظ على‬
‫المرجعية الدينيةـ الفقهية للجزائر‪ ،‬وكان شديد اإلنكار على من يتصدر لإلفتاء‬
‫من غير علم ألنه يرى أن آفة المجتمع أن يتجرأ فيه الجاهلون على الدين‬
‫واإلفتاء فيه بال مؤهل‪ ،‬وكأنه يتحدث عن واقع بعض المسلمين اليوم الذين‬
‫يدفعهم غرورهم إلى ارتكاب ما نهى هللا ورسوله × عنه‪ ،‬فيسيئون إلى دينهم‬
‫وأمتهم ألنهم يفتون من غير علم من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى يستهينون‬
‫بالمرجعية الفقهية لمجتمعهم باعتمادهمـ فتاوى قد تصلح لمجتمع آخر له‬
‫خصوصياته ومميزاته‪ ،‬نسأل هللا الهداية‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وإني إذ أجدد لكم اإلعراب عن سعادتي بوجودي بينكم‪،‬ـ أعلن عن‬
‫االفتتاح الرسمي لهذا الملتقى‪،‬ـ الذي بادر السيد الوالي ـ مشكور ومأجور إن‬
‫شاء هللا ـ بإطالقـ اسم عالمنا الرّاحل محمد باي بلعالم عليه‪ ،‬وأنا بدوري‬
‫أتبرك باختتامـ كلمتي هذه بالدعاء الذي كان يردده دائما ~‪(( :‬اللهم إنا نسألك‬
‫في الدنيا الستر والسعادة‪ ،‬وعند الممات النطق بالشهادة‪ ،‬وبعد الموت الحسنى‬
‫وزيادة))‪.‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة هللا تعالى وبركاته‬
‫ــ ‪ 9‬ـ‬
  

‫ ـ‬10 ‫ــ‬
‫كلمة والي والية عين الدفلىـ‬
‫‪ ‬السيد عبد القادر قاضي‬
‫ﭑﭒﭓﭔ‬
‫والصالة والسالم على أشرف المرسلين وعلى آله وأصحابهـ أجمعين‬
‫وعلى التابعينـ ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬
‫ـ السيد األمين العام لوزارة الشؤون الدينية واألوقاف‬
‫ـ معالي السادة الوزراء‬
‫ـ السادة نواب المجلس بالغرفتين األولى والثانيةـ‬
‫ـ السادة الوالة‬
‫ـ السادة رؤساء المجالس الشعبيةـ الوالئية‬
‫ـ السادة إطارات الجيش واألمن‬
‫ـ السيد النائب العام والسيد رئيس مجلس قضاء الشلف‬
‫ـ أصحاب الفضيلة السادة العلماء وضيوف الشرف وشيوخ الزوايا‬
‫ـ السادة عمداء الجامعات‪.‬‬
‫ـ أبناءنا الطلبة‬
‫ـ السادة األئمة‬
‫ـ السادة رجال األعمال‬
‫يشرفني أن أرحب بكم وأشكركم على تلبية الدعوة لحضور الطبعة‬
‫السادسة للملتقى الدولي للمذهب المالكي الذي نالت والية عين الدفلى شرف‬
‫احتضانه تحت مظلة األسبوع الوطني للقرآن الكريم برعايةـ ساميةـ لفخامة‬
‫رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقةـ حفظه هللا‪.‬‬
‫أيها السادة‬
‫ينعقد هذا الملتقى المبارك والجزائر على أبواب نهايةـ االحتفاالت‬
‫بذكرى يوم العلم السادس عشر أفريل تخليدا لوفاة العالمة الشيخ عبد الحميد‬
‫بن باديس ~ وتستعد لالحتفال بعيد الشغل العالمي مم يؤكد وعي الجزائر‬
‫بأهميةـ العلم والعمل على اعتبار أن أحدهما ظهير اآلخر فالعمل للدنيا ال‬
‫يفضله العمل لآلخرة إذا كان نافعا‪.‬‬

‫ــ ‪ 11‬ـ‬
‫فالقرآن الكريم حينما أمر بالسعي لصالة الجمعة ندب بعدها إلى‬
‫ﭮ‬ ‫االنتشار في األرض لطلب الرزق قال تعالى‪:‬ـ ﮋﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭯ ﭰ ﭱﮊ(‪.)1‬‬
‫فالتقدم الحاصل عند األمم قديما وحديثا أساسه العلم والعمل ولذلك ال‬
‫تزال األمم المتحضرة تنظر إلى الفرد بقيمت عمله وتزنه من خالل مكاسبه‬
‫ومعارفه وما قدمه من جهد خدمة ألمته‪.‬‬
‫ونحن أيها السادة إذ كنا نطمح إلى التقدم والرقي ال بد أن نتمكن من‬
‫وأن ظاهرة الخيرية لألسالف‬ ‫بناء ذاتنا بناءا صحيحا ال يشوبه نقص‪ ،‬سيما ّ‬
‫استولت على عقولنا ردحا من الزمن وكادت تشل حركة تفكيرنا وشاع بيننا‬
‫بأن الجيل السابق خير من الجيل الالحق وهذه حقيقة ال مرية فيها بيد أنها ال‬
‫ينبغيـ أن تكون عائقاـ أمام نهماتـ عقولنا وتدفعنا إلى التوقف عن استشراف‬
‫المستقبل لنستنزل الحلول التي أوجدوها لمشاكلهم على واقعنا وفق ما يقتضيه‬
‫الحال ذلك ألن اإلقتداء بالسلف الصالح ليس في التقوقع على العلوم التي‬
‫استنبطوهاـ أو االنتسابـ المظهري ولكن البد أن نتبنىـ حلوال لمستجداتناـ‬
‫خاصة وأن القرآن الكريم ما يزال فيه فيض من علوم لم نهتد إليها‪.‬‬
‫وصدق هللا إذ يقول‪ :‬ﮋﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﮊ(‪ ،)2‬فاإلسالم‬
‫قادر في كل عصر على إعطاء الحلول لكل المشاكل ألنه صالح لكل زمان‬
‫ومكان أو باألحرى مصلح لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫إن حاجتنا اليوم إلى الكفاءات العلمية في مجال الفتوى واستخراج‬
‫األحكام وخصوصا في ظل التناقضات التي يفرزها واقعنا المتغير ونحن‬
‫جزء من هذا العالم الذي ازدادت فيه وتيرة التطور وتجاسر على الفتوى‬
‫أدعياء العلم الذين قل زادهم وشحت معرفتهم بكتابـ هللا فأخضعوا نصوصهم‬
‫ألهوائهم وأولها تأويال زائفا بلي أعناقها وكسر أغصانها فضلوا وأضلوا‪.‬‬
‫أيتهاـ السّيدات أيها السادة‬
‫لقد كان ألسالفنا رؤية سديدة ونظرة واسعة دقيقة لجميع شؤون حياتهم‬
‫في نطاقـ عقيدتهمـ وشريعتهم بما كانوا يضعونه من حلول تشريعية لكل جديد‬
‫لم يرد فيه نص صريح من كتابـ أو سنة فتركوا بذلك رصيدا فقهيا ضمن‬
‫للشريعة حيويتها وقدرتها على احتواء كل جديد ما أحوج أمتنا اليوم إلى فقه‬
‫واقعي يرعى مصالح األمة ويرشد أفعالها ومن نعم هللا على أمة اإلسالم أن‬
‫زمانها ال يخلو من علماء ومجتهدين يربطون الواقع المستحدث بأحكامهاـ‬
‫الشرعية وفق ضوابط وشروط االجتهاد المعروفة لدى أصحاب‬

‫‪1‬‬
‫(?) سورة الجمعة‪.10/‬‬
‫(?) سورة اإلسراء‪.85/‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 12‬ـ‬
‫االختصاص‪.‬و علماؤنا قديما وحديثا لم يدخروا جهدا في خدمة اإلسالم‬
‫ف ُعدُولُهُ‪،‬‬ ‫والنهوض به‪ ،‬عمال بمقتضى قوله × «يَ ْح ِم ُل َه َذا ال ِع ْل َم ِمن ُك ِّل َخلَ ٍ‬
‫الجا ِهلِينَ »‪.‬‬ ‫يَ ْنفُونَ َع ْنهُ ت َْح ِريفَ ال َغالِينَ ‪َ ،‬وا ْنتِ َحا َل ال ُم ْب ِطلِينَ ‪َ ،‬وتَْأ ِوي َل َ‬
‫حالة إلى حالة إلى دراسة موضوعية وفهم عميق وهذا شرط البد أن‬
‫يتوفر فيمن يترشح لمعالجة قضايا األمة وهذا ما أقر عليه رسول اله × معاذ‬
‫ضي‬‫ضي يَا ُم َعا ُذ؟ قَا َل‪َ :‬أ ْق ِ‬ ‫بن جبل لما بعثه إلى اليمن قاضيا فقال‪« :‬بِ َم تَ ْق ِ‬
‫ول هَّللا ِ ×‪ .‬قَا َل‪:‬‬ ‫س ِ‬ ‫ب هَّللا ِ؟ قَا َل‪ :‬فَبِ ُ‬
‫سنَّ ِة َر ُ‬ ‫ب هَّللا ِ‪ .‬قَا َل‪ :‬فَِإنْ لَ ْم ت َِج ْد فِي ِكتَا ِ‬‫بِ ِكتَا ِ‬
‫ب هَّللا ِ؟ قَا َل‪َ :‬أ ْجتَ ِه ُد َرْأيِي َواَل‬
‫فَِإنْ لَ ْ ِ ِ ُ ِ َ ُ ِ ِ َ ِ ِ ِ‬
‫َا‬ ‫ت‬‫ك‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫اَل‬‫و‬ ‫×‬ ‫هَّللا‬ ‫ول‬‫س‬ ‫ر‬ ‫ة‬ ‫َّ‬ ‫ن‬‫س‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫د‬
‫ْ‬ ‫َج‬ ‫ت‬ ‫م‬
‫آلُو‪.»...‬‬
‫فـاـلـعـلـوـمـ اـلـفـقـهـيـةـ دـاـئـرـةـ رـحـبـةـ تـضـمـ دـاـخـلـ أـقـطـاـرـهـاـ كـلـ أـفـعـاـلـ‬
‫اـلـمـكـلـفـيـنـ وـتـسـتـوـعـبـ جـمـيـعـ تـصـرـفـاـتـهـمـ إـمـاـ بـنـصـ أـوـ قـاـعـدـةـ وـهـذـهـ اـلـشـمـوـلـيـةـ‬
‫مـنـ خـصـاـئـصـ اـإلـسـالـمـ فـهـوـ الـ يـدـعـ فـجـوـةـ يـقـوـمـ بـسـدـاـدـهـاـ غـيـرـهـ‪،‬ـ ﮋـﭯـ ﭰـ ﭱـ‬
‫ﭲـ ﭳـ ﭴـﮊـ(ـ ‪)1‬ـ‪.‬ـ‬
‫أيتها السيدات أيها السادة‬
‫إن عزائم الشريعة التي كلف بها المؤمنون ليست أغالل في األعناق أو‬
‫قيودا في األقدام إنما هي أعمال تجمع بين الوفاء بحقوق هللا والضمان‬
‫لحظوظ الناس ومن الخطأ أن نحسب الدين أفعاال مرهقة أو واجبات مضنية‬
‫ألن اإلسالم جاء لرفع الحرج عن الناس فاألمر إذا بلغ حد المشقة والعنت‪،‬ـ‬
‫جاء لطف هللا برفع الحرج عن الناس يقول هللا تعالى‪ :‬ﮋﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ‬
‫ﯝ ﯞﮊ(‪.)2‬‬
‫فاإلسقاطاتـ الحكمية واالستدالالت النصية لصور كثيرة من التعامالت‬
‫المستحدثة تحتاج إلى أولى الرسوخ في العلم ذلك ألن المتتبعـ لفقه السادة‬
‫المالكية يجده واسع النظرة فاستطاع بذلك أن يستوعب كل األبواب الفقهية‬
‫باجتهادات رجاله وبتفصيالته لمختلف الفروع والجزئيات وهو فقه أحاط‬
‫بالحياة السياسيةـ واالقتصادية واالجتماعيةـ إحاطة واعيةـ متبعاـ في ذلك الدليل‬
‫الشرعي ومتوخيا مصلحة الفرد والجماعة‪.‬وفق ما أسسه المذهب المالكي من‬
‫أصول وقواعد وما خلفه من ثروة فقهية تعد كنزا ثمينا بين يدي فقهائنا اليوم‬
‫نفتح لهم المجال واسعا لتبينـ أحكام هللا فيما ال نص فيه للقضايا والنوازل‬
‫خاصة في إطار األصول المتبعة من مصلحة مرسلة وسد الذرائع‪ ،‬فالمدرسة‬
‫المالكية برهنت عبر العصور على أنها قادرة على المواكبة وإمداد الناس بما‬
‫يحتاجونه وإسعافهم بما يكون لهم عونا على معرفة دينهم‪.‬‬

‫(?) سورة النحل‪89/‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة البقرة‪.185/‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 13‬ـ‬
‫فالناس باستمرار تواجههم حاالت طارئةـ تقتضيهاـ تطورات الحياة‬
‫وهي تستلزم حلوال عاجلة فاستطاع المالكية بما لمذهبهم من تنوع في‬
‫األصول ومرونة في االجتهاد واعتبارـ للمصالح أن يواجهوا ذلك بفهم سليم‬
‫قائم على الدليل الشرعي دون تعطيلـ لنص أو تفويت لمصلحة ألنه فقه‬
‫واقعي مما مكنه من االستمرار والثبات في أنحاء كثيرة من العالم اإلسالمي‬
‫ومنها على الخصوص منطقة المغرب العربي والغرب اإلسالمي‪.‬‬
‫كما جاء في عنوان ملتقاناـ هذا فقه النوازل في الغرب اإلسالمي‬
‫وكالمنا هذا ال يعنيـ أننا نلغي المذاهب األخرى التي لها فضل كبير في خدمة‬
‫اإلسالم ألن اإلسالم أوسع من أن يحتويه مذهب من المذاهب وقدوتنا في ذلك‬
‫مالك الذي رفض الهيمنةـ لمذهبه واعتبر ذلك تضييقاـ على األمة فاإلسالم ال‬
‫يضيف بالنزعةـ العقلية أو بالمنهاج المتميز في االجتهاد بل يبارك ذلك‬
‫ويدعوا إليه ألن االختالف في المفاهيم والرأي أمر طبيعيـ ينسجم مع خاصية‬
‫التنوع التي يقرها اإلسالم دين التيسير والتبشيرـ فما اشتد حاجتنا اليوم إلى‬
‫فقه ميسر واقعي يحتوي مصالح الناس في ظل أحكام الشريعة‪.‬‬
‫ولذلك أيها السادة العلماء إن مسؤوليتكم جسيمة تجاه خدمة دين هللا‬
‫وتبيين أحكامه وحكمه ألنكم األعرف بأسراره وكنتم وال تزالون وستظلون‬
‫محل ثقة األمة ومظنة خير عندها فمن واجبكم أن تأخذوا بزمام األمور‬
‫وتتصد وا لكل االجتهادات القاصرة واآلراء الصبيانيةـ ألن معرفة األحكام‬
‫وسبل استخراجها ال يتوقف على القراءة المجردة أو المطالعةـ الجوفاء ولكن‬
‫يحتاج إلى عقل رصين ولب حصيف يستكنـ من الغوص في أعماق‬
‫مكنوناتهاـ فالقرآن تبيان لكل شيء ﮋﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﮊ(‪.)1‬‬
‫وال شك أن ملتقاكم هذا سيساهم بشكل عملي في زيادة إثراء هذا‬
‫الموضوع الهام والحساس الذي نحن في أمس الحاجة إليه ألنه محل اهتمام‬
‫العلماء وبدون ريب ستتوصلون بما وهبكم هللا من علم غزير وفكر ثاقب إلى‬
‫ما يمهد الطريق للوصول إلى متطلبات األمة وتحقيق غايتها وذلك من خالل‬
‫ما رصد من محاضرات وما يتبعهاـ من تعقيبات ومناقشات نتمنى لكم‬
‫التوفيق والسداد وإقامة طيبة بين أهلكم في والية عين الدفلى‪.‬‬
‫والسالم عليكم ورحمة هللا تعالى وبركاته‪.‬‬

‫قاضي عبد القادر‬

‫(?) سورة النحل‪.89/‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 14‬ـ‬
‫والي والية عين الدفلى‬

‫‪  ‬‬

‫ــ ‪ 15‬ـ‬
‫مـدـخـلـ إـلـىـ فـقـةـ اـلـنـوـاـزـلـ‬
‫‪ ‬دـ‪/‬ـنـصـيـرـةـ دـهـيـنـةـ‬
‫كلية العلوم اإلسالمية جامعة الجزائر‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا محمد وعلى آله‬
‫وأصحابه الطيبينـ الطاهرين‪،‬ـ ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فإن من أبرز سمات هذا العصر كثرة النوازل والمستجدات التي لم تكن‬
‫معروفة من قبل‪ ،‬واالجتهاد في هذه النوازل أصبح من األمور الضرورية في‬
‫حياة الناس‪ ،‬وهذا يلقي مسؤولية عظيمة على علماء األمة لبيان الحكم الشرعي‬
‫فيها‪.‬‬
‫ولما كان فقه النوازل من أبواب الفقه الضرورية للناس‪ ،‬لزم التقديم له‬ ‫ّ‬
‫بمدخل منهجي‪ ،‬يتم من خالله التعريف بفقه النوازل‪ ،‬وبيان األلفاظ ذات‬
‫الصلة به‪ ،‬والفروق بين األلفاظ المرادفة والمشابهة‪ ،‬وأنواع النوازل‪ ،‬مع‬
‫اإلشارة على بعض المؤلفات في فقه النوازل‪.‬‬
‫تعريف فقه النوازل‬
‫أوال ـ باعتبار مفرديه الفقه ـ النوازل‬
‫‪ 1‬ـ تعريف الفقه‬
‫الفقه لغة‪ :‬مصدر من فقِهَ أو فقَهَ‪ ،‬ويقال أيضا فقُهَ‪ ،‬فالفاء والقاف‬
‫والهاء‪ ،‬أصل واحد صحيح‪ ،‬يدل على إدراك الشيء والعلم به‪ ،‬تقول فقهت‬
‫الحديث أفقهه‪ ،‬وكل علم بشيء فهو فقه‪ ،‬ثم اختص ذلك بعلم الشريعة‪ ،‬فقيل‬
‫لكل عالم بالحالل والحرام فقيه(‪.)1‬‬
‫طنَةُـ))(‪.)2‬‬
‫وعرفه صاحب القاموس المحيط بأنه‪:‬ـ ((ال ِع ْل ُم بالشي ِء والفِ ْ‬
‫ـ فالفقه في اللغة‪ :‬العلم بالشيء والفهم له‪ ،‬وقيل الفهم فحسب‪ ،‬وقد جاء‬
‫لفظ الفقه بمعنى الفهم‪ ،‬كما جاء بمعنىـ العلم في القرآن والسنة‪.‬ـ‬
‫ﰁ ﰂ‬ ‫ـ بمعنىـ الفهم‪ :‬كما في قوله تعالى‪:‬ـ ﮋﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬
‫ﰃ ﰄ ﮊ(‪ )3‬أي يفهمونه‪.‬ـ‬

‫‪1‬‬
‫(?) انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪.)4/442( ،‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) الفيروز آبادي‪.)2/1642( ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) سورة النساء‪.78/‬‬
‫ــ ‪ 16‬ـ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧﯨﮊ(‪ )1‬أي‬ ‫وفي دعاء موسى عليه السالم ﮋﯡ ﯢ ﯣ ﯤ‬
‫يفهمونه‪.‬‬
‫ـ بمعنىـ العلم‪ :‬جاء لفظ الفقه بمعنىـ العلم في قوله تعالى‪ :‬ﮋﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﮊ(‪ )2‬أي ليكونوا علماء به‪.‬‬ ‫ﯰ‬
‫(‪)3‬‬
‫الدينِ» ‪.‬‬
‫خْيًرا يَُفِّقْهُه ِفي ِّ‬
‫هللا ِبِه َ‬
‫«منْ يُِرِد ُ‬
‫ـ أما في السنة فقوله ×‪َ :‬‬
‫(‪)4‬‬
‫«يَفِّقهُْه» أي يفهمهـ ‪.‬‬ ‫قال الحافظ ابن حجر في الفتح‪ :‬قوله ُ‬
‫واألحاديث واآلثار في ذلك كثيرة‪.‬‬
‫الفقه اصطالحا‬
‫كان الفقه في عرف الصدر األول يراد به معرفة علوم الدين من‬
‫الكتاب والسنة‪،‬ـ وما يتعلق بهما مطلقا‪ ،‬دون تفريق بين أصول الدين‬
‫وفروعه‪.‬‬
‫ثم خصه المتأخرون بالعلم باألحكام الشرعية العملية دون العقدية‪.‬ـ‬
‫ومن التعاريف الواردة في هذا الباب‪:‬‬
‫الفقه‪(( :‬هو العلم باألحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها‬
‫التفصيلية))(‪.)5‬‬
‫‪ 2‬ـ تعريف النوازل‬
‫النوازل لغة‪ :‬جمع نازلة‪ ،‬وهي اسم فاعل من نزل ينزل فهو نازل‪.‬‬
‫ومؤنثه نازلة‪ ،‬وتجمع على نازالت‪ ،‬وهو جمع قياسي‪ ،‬ولهذه المادة أو‬
‫الجذر(ن ز ل) معاني لغوية عديدة‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫أ ـ التهيئة‪ :‬فما يهيأـ للضيف يسمى نُزال‪ ،‬يقال أنزله منزلتهـ إذا هيأ له‬
‫نُ ُزال يناسبه‪.‬‬
‫ب ـ الحلول واالستقرار‪ :‬تقول نزل ينزل منزال‪ ،‬إذا حلَّ‪.‬‬
‫ج ـ الترتيب‪:‬ـ نُ ّزل تنزيال أي رُتب ترتيبا‪.‬‬
‫د ـ التزكيةـ والنماء‪ :‬ومنه قول العرب هذه أرض ن َْزلَة أي زاكية‬
‫الزرع‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) سورة طه‪ 27/‬ـ ‪.28‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) سورة التوبة‪.122/‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) رواه البخاري في صحيحه عن معاوية في مواضع منه أولها ( كتــاب العلم ‪ /35‬بـاب‬
‫من يرد هللا به خيرا يفقه في الـدين) رقم ‪ ،)1/216( 71‬ومسـلم في صـحيحه في مواضع‬
‫أولها في كتاب الزكاة‪ /‬باب النهي عن المسألة رقم ‪ 1037‬وغيرها‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) فتح الباري شرح صحيح البخاري‪.)1/316( ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) الزركشي‪ ،‬البحر المحيط‪.)1/21( ،‬‬
‫ــ ‪ 17‬ـ‬
‫هـ ـ الشدة من شدائد الدهر تنزل بالناسـ(‪.)1‬‬
‫يقال نزلت بهم نازلة ونائبةـ وحادثة ثم آبدة وداهية وباقعة‪ ،‬ثم نائقة‪،‬ـ‬
‫وحاطمة وفاقرة‪ ،‬ثم غاشية وقارعة‪ ،‬ثم حاقة وطامة وصاخة(‪.)2‬‬
‫وهذا التقسيم اللغوي بالنسبة للنوازل باعتبارـ درجة ومرتبةـ شدة هذه‬
‫النازلة بالناس‪.‬ـ‬
‫ومن أمثلة هذه النوازل‪ :‬الحرب والوباء والقحط واألمطار والسيول‬
‫والفتن وما شابه ذلك‪.‬‬
‫النوازل اصطالحا‪ :‬لها تعريف عام وخاص‪.‬‬
‫معان‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ـ التعريف العام‪ :‬تطلق النوازل في كالم الفقهاء على عدة‬
‫المعنى المرادف للمعنى اللغوي‪ :‬درج الفقهاء في القديم على‬
‫استصحاب المعنى اللغوي للنازلة (‪ ،)3‬وهو‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الشديدة‪ :‬عرفوا النازلة بالشديدة من شدائد الدهر التي تحل على‬
‫القوم‪ ،‬ومن ذلك القنوت في النوازل‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيميةـ ~‪(( :‬فيكون القنوت مسنونا عند النوازل‪،‬‬
‫وهذا القول هو الذي عليه فقهاء أهل الحديث‪ ،‬وهو المأثور عن الخلفاء‬
‫الراشدين ‪ ،‬فإن عمر ‪ ‬لما حارب النصارى قنت عليهم القنوت‪ ،‬بل عمر‬
‫قنت لما نزل بالمسلمين من النازلة‪ ،‬ودعا في قنوته دعا ًء يناسب تلك النازلة‪،‬‬
‫كما أن النبي × لما قنت أوال على قبائلـ بني سليم الذين قتلوا القراء‪ ،‬دعا‬
‫عليهم بالذي يناسب مقصوده‪ ،‬ثم لما قنت يدعو للمستضعفين من أصحابه دعا‬
‫بدعاء يناسب مقصوده))(‪.)4‬‬
‫‪ 2‬ـ الجائحة‪ :‬في اللغة الشدة والنازلة العظيمة التي تجتاح المال من سنة أو‬
‫فتنة‪.‬‬
‫واصطالحا‪ :‬النازلة التي تهلك الثمار واألموال وتستأصلها‬
‫كالفيضاناتـ والحريق الغالب (‪.)5‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) انظــر‪ :‬ابن منظــور‪ ،‬لســان العــرب‪ ،‬مــادة (نــزل) (‪ ،)11/656‬والفيــومي‪ ،‬المصــباح‬
‫المنير‪ ،‬ص (‪.)309‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أبو منصور الثعالبي‪ ،‬فقه اللغة وسر العربية‪ ،‬تحقيق فائز محمد‪ ،‬ص(‪.)278‬‬
‫(?) انظر‪ :‬عصام العنزي‪ ،‬األزمة المالية العلمية نوازل وأحكام‪ ،‬ص(‪ 5‬ـ ‪.)7‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) الفتاوى‪.)23/109( ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) محمد رواس قلعة جي‪ ،‬معجم لغة الفقهاء‪ ،‬ص (‪.)136‬‬
‫ــ ‪ 18‬ـ‬
‫‪ 3‬ـ النائبة‪ :‬هي ما ينوب اإلنسان أي ينزل به من المهمات والحوادث‪،‬‬
‫واحدة نوائب الدهر‪ ،‬وهي أيضا النازلة‪.‬‬
‫وفي هذا المعنى بوب البخاري باباـ عنونه بـ(( الدليل على أن الخمس‬
‫لنوائب رسول هللا ×‪ ،‬وإيثار النبي × أهل الصفة واألرامل))‪.‬‬
‫والسبب في عدم ذكر الفقهاء القدامى تعريفا اصطالحيا للنوازل‬
‫(يناسبـ النوازل في عصرنا) واستصحابهم المعنى اللغوي في تعريفهم‪:‬‬
‫ـ وضوح المعنى وشيوعيه‪،‬ـ عن علي ‪ ‬قلت يا رسول هللا‪ :‬األمر‬
‫«اجَمُعوا َلُه‬
‫ينزل بنا ليس فيه قرآن ولم تمض فيه منك سنة‪ ،‬فقال ×‪ْ :‬‬
‫ضوا ِفيهِ‬ ‫ورى بَْينَُكمْ وََال َتْق ُ‬
‫ش َ‬
‫وه ُ‬
‫اجَعُل ُ‬
‫المؤِْمِنينَ َف ْ‬
‫ن ُ‬ ‫العابِِدينَ ِم َ‬
‫العَِالِمينَ أَِو َ‬
‫(‪)1‬‬
‫احٍد» ‪.‬‬
‫بَِرْأيِ وَ ِ‬
‫وعليه فالمعنى العام للنازلة ال يقصد به المعنى السائد حاليا‪.‬‬
‫ـ ويدل على ذلك أيضا أن اسم النازلة كان معروفا‪ ،‬قول الشافعي ~‪:‬‬
‫((فليست تنزل بأحد من أهل دين هللا نازلة إال وفي كتابـ هللا الدليل‪ ،‬على‬
‫سبيل الهدى فيها))(‪.)2‬‬
‫ومن أقوال الفقهاء‬
‫لقد شاع واشتهر عند الفقهاء إطالق النازلة على المسألة الواقعة‬
‫الجديدة التي تتطلب اجتهادا‪.‬‬
‫ـ قال ابن عبد البر‪(( :‬باب اجتهاد الرأي على األصول عند عدم‬
‫النصوص في حين نزول النازله))(‪.)3‬‬
‫ـ وقال النووي‪(( :‬وفيه اجتهاد األئمة في النوازل وردها إلى األصول))(‪.) 4‬‬
‫ـ وقال ابن القيم‪(( :‬وقد كان أصحاب رسول هللا × يجتهدون في النوازل))‬

‫(‪.) 5‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) رواه الطبراني ورجاله ثقاة‪ ،‬وفي رواية أخرى عنــه‪ :‬أنه قــال‪ :‬قلت يا رســول هللا إن‬
‫نزل بنا أمر ليس فيه بيان أمر وال نهي فما تأمرني؟ قال‪ :‬شاوروا فيه الفقهاء أو العابــدين‬
‫وال تمضي فيه رأي خاصـــــــة‪ ،‬أورده الخطيب البغـــــــدادي في الفقيه والمتفقه وأخرجه‬
‫الهيثمي في مجمع الزوائد (‪.)1/178‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) الرسالة‪ ،‬تحقيق أحمد شاكر‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) ابن عبد البر‪ ،‬جامع بيان العلم وفضله (‪.)2/55‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) شرح صحيح مسلم (‪.)1/213‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) إعالم الموقعين (‪.)1/203‬‬
‫ــ ‪ 19‬ـ‬
‫النوازل في اصطالح الحنفية‬
‫تطلق على الفتاوى والواقعات وهي مسائل استنبطها المجتهدون‬
‫المتأخرون‪ ،‬لما سئلوا عن ذلك‪ ،‬ولم يجدوا فيها رواية عن أهل المذهب‬
‫المتقدمين‪ ،‬وهم أصحاب أبي يوسف ومحمد وأصحاب أصحابهما وهلم جرّا‪.‬‬
‫وعرفها ابن عابدين‪:‬ـ ((بأنها المسائل التي سئل عنها المشايخ‬
‫(‪)1‬‬
‫المجتهدون في المذهب‪ ،‬ولم يجدوا فيها نصا فأفتوا فيها تخريجا)) ‪.‬‬
‫النوازل في اصطالح المالكية‬
‫خصوصا في بالد األندلس والمغرب العربي تطلق على ((القضايا‬
‫والوقائع التي يفصل فيها القضاة طبقا للفقه اإلسالمي))(‪.)2‬‬
‫التعريف الخاص (النوازل في العصر الحالي)‬
‫ـ النازلة هي‪(( :‬الحادثة التي تحتاج لحكم شرعي))(‪.)3‬‬
‫ـ النوازل هي‪(( :‬الوقائع الجديدة التي لم يسبق فيها نص أو اجتهاد))(‪.)4‬‬
‫ـ وعرفها الشيخ عبد هللا بن بيةـ بأنها‪(( :‬وقائع حقيقيةـ تنزل بالناس‬
‫فيتجهون للفقهاء بحثا عن الفتوى فيها‪ ،‬فهي تمثل جانبا من جوانب الفقه‬
‫متفاعال مع الحياة المحلية لمختلف المجتمعات))(‪.)5‬‬
‫ـ وعرفها الدكتور عبد الناصر أبو البصل بقوله‪(( :‬تطلق كلمة النوازل‬
‫بوجه عام على المسائل والوقائع التي تستدعي حكما شرعيا))(‪.)6‬‬
‫ثانيا ـ تعريف فقه النوازل باعتباره علما ولقبا‬
‫ـ ((هو العلم باألحكام الشرعية للقضايا المستجدة المعاصرة))(‪.)7‬‬
‫العالقة بين علم الفقه وعلم فقه النوازل‬
‫وبهذا يظهر أن العالقة بين علم الفقه وعلم فقه النوازل هي على‬
‫العموم والخصوص الوجهي‪:‬‬
‫ـ ذلك أنهما يجتمعانـ في معرفة أحكام الوقائع العملية المستجدة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) ابن عابدين‪،‬ـ رد المحتار على الدر المختار(‪.)1/35‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) عبد اللطيف هداية هللا‪ ،‬النوازل الفقهية في العمل القضائي المغربي‪ ،‬ص(‪.)319‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) قلعة جي‪ ،‬معجم لغة الفقهاء‪ ،‬ص‪.441‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) مسفر القحطاني‪ ،‬منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة‪ ،‬ص(‪.)90‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) عبد هللا بن بية‪ ،‬صناعة الفتوى وفقه األقليات ص‪.17‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) درسات فقهية في قضايا طبية معاصرة (المدخل إلى فقه النوازل) (‪.)1/602‬‬
‫‪7‬‬
‫(?) محمد الجــيزاني‪ ،‬موســوعة فقه النــوازل‪ ،)1/26( ،‬وانظر أيضــا‪ :‬بكر أبو زيــد‪ ،‬فقه‬
‫النوازل‪ ،‬ومسفر القحطاني‪ ،‬منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة‪.‬‬
‫ــ ‪ 20‬ـ‬
‫ـ ثم إن علم الفقه أعم من علم فقه النوازل من جهة أن الفقه يشمل‬
‫معرفة أحكام المسائل العملية‪ ،‬سواء أكانت هذه واقعة أم مقدرة‪ ،‬مستجدة أو‬
‫غير مستجدة‪.‬‬
‫ـ كما أن علم فقه النوازل أعم من علم الفقه من جهة أن فقه النوازل‬
‫يشمل األحكام الشرعية للوقائع المستجدة سواء أكانتـ هذه الوقائع عملية أو‬
‫غير عملية(‪.)1‬‬
‫األلفاظ ذات الصلة بالنوازل‬
‫هناك مصطلحات مرادفة أو مشابهةـ لها عالقة بمصطلح النازلة منها‪:‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ الواقعة أو الواقعات‪ :‬الواقعات جمع واقعة وهي مأخوذة من وقع‬
‫الشيء بمعنىـ نزل‪ ،‬والواقعة النازلة الشديدة من صروف الدهر(‪.)2‬‬
‫الواقعة اصطالحا‪(( :‬الحادثة التي تحتاج إلى استنباط حكم شرعي لها‪،‬‬
‫المستجدة))(‪.)3‬‬
‫ِ‬ ‫والواقعات‪ :‬الفتاوى المستنبطةـ للحوادث‬
‫والفقهاء يطلقون الواقعات على النوازل‪ ،‬إال أن الظاهر أنهم ال يكادون‬
‫يستعملون لفظ الواقعات في العبادات وإنما في المعامالت‪.‬‬
‫وإطالق لفظ الواقعات على المسائلـ المستجدة فيه تعبيرـ عما يعانونه‬
‫من الشدة والصعوبة في البحث عن أحكامها‪.‬‬
‫وقد نبهـ غير واحد من الباحثينـ على أن الحنفية يطلقون مصطلح‬
‫النوازل والواقعات على كل مسألة لم يتكلم فيها علماء الطبقة األولى منهم‪.‬‬
‫بينماـ يطلق علماء بقية المذاهب هذين اللفظين على كل مسألة لم يجدوا‬
‫فيها كالما ألهل العلم قبلهم‪ ،‬سواء كانوا من مذهبهم أم لم يكونوا(‪.)4‬‬
‫ومما ألف فيها‪ :‬ـ الواقعات للصدر الشهير بابن مسعود‪.‬‬
‫ـ واقعات المفتين لعبد القادر بن يوسف الشهير بقدري أفندي(‪1085‬هـ)‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الحوادث‬
‫لغة‪ :‬جمع حادث أو حادثة‪ ،‬ويقال لها األحداث‪ ،‬يقال‪:‬ـ حدث الشيء بعد‬
‫أن لم يكن‪ ،‬والحدث من أحداث الدهر‪ :‬شبه النازلة(‪.)5‬‬
‫‪1‬‬
‫موقع المســــــلم) ‪htt:‬‬ ‫(?) انظــــــر‪ :‬ضــــــوابط فقه النــــــوازل‪ ،‬ص(‪ 2‬ـــــــ ‪،)3‬‬
‫‪)/almoslim.net/node/90202‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب (‪ ،)8/403‬الفيومي‪ ،‬المصباح المنير (‪.)2/921‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) قلعة جي‪ ،‬معجم لغة الفقهاء‪ ،‬ص‪.468‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) انظر‪ :‬المستجدات‪ ،‬ص‪.35‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.)2/132( ،‬‬
‫ــ ‪ 21‬ـ‬
‫وأظهر التعريفات للحدوث هو‪(( :‬أنه حصول الشيء بعد ما لم يكن))(‪.)1‬‬
‫وهو غالب استعمال الفقهاء واألصوليين‪ ،‬ومن الذين رادفوا بينهماـ‬
‫وهبة الزحيلي في بحثه في مجمع الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ المستجدات‬
‫لغة‪ :‬بكسر الجيم وفتحها‪ ،‬مفردها مستجد‪ ،‬ومنه جد الشيء يجد‬
‫بالكسر فهو جديد وهو خالف القديم(‪.)2‬‬
‫اصطالحا‪ :‬اصطلح الباحثون على إطالق لفظ المستجدات على‪:‬‬
‫ـ المسائلـ الفقهية التي حدث أو أحدثت في هذا الزمان‪ ،‬وليس لها حكم‬
‫ظاهر مفصل في المراجع الفقهية القديمة‪.‬ـ‬
‫ـ المسائلـ التي لم يتقدم فيها قول لمتبوع‪.‬‬
‫ـ المسائلـ التي تغيرت موجباتـ الحكم عليها بعاملـ الزمان والمكان أو‬
‫طبيعةـ حياة االنسان(‪.)3‬‬
‫ومما ألف في ذلك‪ :‬فقه المستجدات في باب العبادات‪ ،‬طاهر يوسف‬
‫صديق الصديقي‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ األقضية واألحكام‬
‫ـ األقضية‪ :‬جمع قضاء ويأتي في اللغة على معان متعددة‪ ،‬أقربها إلى‬
‫المعنى الشرعي هو الحكم واإللزام‪.‬‬
‫القضاء اصطالحا‪(( :‬هو إظهار حكم الشرع في الواقعة فيمن يجب‬
‫عليه إمضاؤه))(‪.)4‬‬
‫ـ األحكام‪ :‬مفردها حكم‪ ،‬وهو العلم والفقه والفصل في األمر والقضاء‪ .‬يقال‬
‫حكمت بين القوم إذا فصلت بينهم‪ ،‬فأنا حاكم وحكم بفتحتين‪ ،‬والجمع حكام(‪.) 5‬‬
‫ـ الحكم اصطالحا‪ :‬هو إنشاء إطالق وإلزام في مسائلـ االجتهاد‬
‫المتقارب فيما يقع فيه النزاع لمصالح الدنيا(‪.)6‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) الكفوي‪ ،‬الكليات‪ ،‬ص(‪.)400‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) الفيومي‪ ،‬المصباح المنير‪.)1/126( ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) طاهر يوسف صديق الصديقي‪ ،‬فقه المستجدات في باب العبادات‪ ،‬ص(‪.)32‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج‪.)4/373( ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) انظر‪ :‬الفيومي‪ ،‬المصباح المنير‪.)1/200( ،‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) القرافي‪ ،‬اإلحكام في تمييز الفتــاوى عن األحكــام وتصــرفات القاضي واإلمــام‪ ،‬ص(‬
‫‪.)33‬‬
‫ــ ‪ 22‬ـ‬
‫ـ ومما ألف فيها‪ :‬الإحكام في تمييز الفتاوى عن األحكام وتصرفات‬
‫القاضي واإلمام لإلمام القرافي (ت‪684‬هـ)‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ األسئلة والسؤاالت والمسائل‬
‫ـ لغة‪ :‬مفردها سؤال و ُسْؤ ل ومسألة‪ ،‬وأصلها‪ :‬سأل يسأل سؤاال وسؤال‬
‫ومسألة‪ ،‬ورجل سَُؤلة‪ :‬كثير السؤال(‪.)1‬‬
‫المسألة اصطالحا‪ :‬هي القضية التي يبرهن عليها(‪ .)2‬والنوازل يسأل‬
‫عنها‪ ،‬والجواب ال بد له من برهان‪،‬ـ وهذا وجه تسميةـ النوازل بالمسائل‪،‬‬
‫والسؤاالت واألسئلة‪ ،‬ومما ألف في ذلك‪:‬‬
‫ـ عيون المسائلـ ألبي الليث السمرقندي(ت‪393‬هـ)‪.‬‬
‫ـ أنفع الوسائل إلى تحرير المسائل إلبراهيم بن علي العرسوسي (ت ‪785‬‬
‫هـ)‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ الفتاوى‬
‫جمع فتوى‪ ،‬وهي اسم مصدر من أفتاه في األمر إذا أبانهـ له‪ ،‬يقال‬
‫استفتى الفقيه فأفتاه‪ ،‬واالسم الفتيا والفُتوى والفَتوى ويجمع على فتا ٍو‪ ،‬وقد‬
‫يفتح تخفيفا(‪.)3‬‬
‫ـ الفتيا اصطالحا‪ :‬تبيين الحكم الشرعي عن دليل لمن سئل عنه(‪.)4‬‬
‫وعرفها ابن الصالح بأنها‪:‬ـ ((توقيع عن هللا تبارك وتعالى))(‪.)5‬‬
‫ومما ألف في ذلك‪:‬‬
‫ـ فتاوى ابن رشد الجد (ت‪520‬هـ)‬
‫ـ فتاوى النوازل ألبي الليث السمرقندي(ت‪393‬هـ)‪.‬‬
‫ـ الفتاوى الخيرية لنفع البرية لخير الدين الرملي(ت‪1081‬هـ)‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ التنزيل‬
‫تعريف التنزيل‪ :‬تطلق كلمة التنزيلـ في اللغة ويراد بها ثالث معان‪:‬‬
‫ـ الترتيب‪ّ :‬‬
‫نزل الشيء رتبه ترتيبا‪ .‬ـ اإلسقاط‪ :‬أسقط الشيء أوقعه وأنزله‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) انظر‪ :‬ابن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬ص(‪.)479‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) الكفوي‪ ،‬الكليات‪ ،‬ص(‪.)857‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪.)15/147( ،‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) الموسوعة الفقهية الكويتية‪.)32/20( ،‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) أدب المفتي والمستفتي‪ ،‬ص(‪.)72‬‬
‫ــ ‪ 23‬ـ‬
‫ـ ما وصل من المأل األعلى‪ ،‬وقد شاع استعمال كلمة التنزيلـ في القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬ومعناه إنزاله منجما(‪.)6‬‬
‫تعريف فقه التنزيل‪(( :‬هو الفهم العميق لكيفية تطبيق األحكام الشرعية‬
‫بما يحقق مقصود الشارع))(‪.)2‬‬
‫‪ 8‬ـ القضايا المعاصرة‬
‫من األلفاظ الشائعة اليوم‪ ،‬ويراد بها النوازل التي لم توجد قبل هذا العصر‪.‬‬
‫فروق بين األلفاظ‬
‫أوال ـ الفرق بين النازلة والفتوى‬
‫ـ النازلة أخص من الفتوى‪ ،‬فكل نوازلي مفتي‪ ،‬وليس كل مفت‬
‫نوازليا‪.‬‬
‫ـ وليس كل مفت صالحا ألن يكون من علماء النوازل‪ ،‬يشير إلى هذا‬
‫تقسيم ابن رشد المفتين إلى ثالثة أقسام‪ :‬ـ مفت يحفظ‪ ،‬ـ مفت يحفظ ويفهم‪ ،‬ـ‬
‫ومفت بلغ درجة االجتهاد‪.‬‬
‫وهذا ما يفسر أن النوازليين كانوا دائما أقل من المفتين‪.‬‬
‫ثانيا ـ الفرق بين النوازل والوقائع والمستجدات‬
‫‪ 1‬ـ تطلق النوازل على المسائل الواقعة إذا كانت مستجدة‪ ،‬وكانت‬
‫ملحة‪ ،‬ومعنى كونها ملحة أنها تستدعي حكما شرعيا‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أما الوقائع‪ :‬فإنها تطلق على كل واقعة مستجدة كانت أو غير‬
‫مستجدة‪ ،‬ثم إن هذه الواقعة المستجدة قد تستدعيـ حكما شرعيا وقد ال‬
‫تستدعيه‪،‬ـ بمعنىـ أنها قد تكون ملحة وقد ال تكون‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ المستجدات‪ :‬تطلق على كل مسألة جديدة‪ ،‬سواء أكانت المسألة من‬
‫قبيل الواقعة أو المقدرة‪.‬‬
‫ثم إن هذه المسألة الجديدة قد تستدعيـ حكما شرعيا وقد ال تستدعيه‪،‬‬
‫بمعنى أنها قد تكون ملحة وقد ال تكون(‪.)3‬‬

‫‪6‬‬
‫(?) انظــر‪ :‬ابن منظــور‪ ،‬لســان العــرب‪ ،)6/294( ،‬والــرازي‪ ،‬مختــار الصــحاح‪ ،‬ص (‬
‫‪.)274‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) وسيلة خلفي‪ ،‬فقه التنزيل حقيقته وضوابطه‪ ،‬ص(‪.)102‬‬
‫(?) انظر‪ :‬ضوابط فقه النوازل‪ ،‬موقع المسلم‪)htt: /almoslim.net/node/90202(.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 24‬ـ‬
‫جوهر الفرق‪ :‬إن النوازل يتعلقـ بها وال بد حكم شرعي‪ ،‬أما الوقائع‬
‫والمستجدات فال يلزم أن يتعلقـ بها حكم شرعي‪.‬‬
‫ثالثا ـ الفرق بين فقه النوازل وفقه التنزيل‬
‫فقه التنزيلـ على وزن تفعيل‪،‬ـ وهو نظير التخريج والتفريع والتنظير‬
‫والتقعيد‪،‬ـ وكلها تصف فعل المجتهد‪ ،‬بحيث يقوم المجتهد فيها بتنزيلـ الحكم‬
‫الشرعي المعلوم إما من جهة النص أو من جهة االستنباطـ على الواقعة‬
‫المعروضة عليه‪،‬ـ وهي الواقعة أو النازلة‪.‬‬
‫وعناصر االتجاه النوازلي ثالثة هي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ النوازل‪ :‬وهي الوقائع الفائتة‪،‬ـ وهي على نوعين؛ـ متعديةـ أو‬
‫قاصرة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ النوازلي‪ :‬وهو العالم المجتهد المالك لقدر كبير من الخبرات‬
‫والتجارب العلمية في مختلف مجاالت الحياة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ التنزيل‪ :‬فنظر العالم النوازلي في النازلة مرتبط بثالثةـ مراحل‪:‬‬
‫ـ تصور النازلة‪.‬‬
‫ـ تحقيق المناط‪.‬ـ‬
‫ـ التنزيل‪ :‬ويكون إما بالربط بين النازلة ونازلة أخرى شبيهةـ لها‪،‬‬
‫وإما باالستدالل بالنص أو بنصوص المذهب أو بالقياسـ على نظيراتها‪ ،‬وإما‬
‫باالستقراء بتغليبـ القصد على اللفظ(‪.)1‬‬
‫وبهذا يتضح أن الفرق بين فقه النوازل وفقه التنزيل‪ ،‬أنهما يبحثان في‬
‫الوقائع والنوازل معا‪ ،‬ويختص فقه النوازل بكونه يبحث في حكم الواقعة أو‬
‫النازلة‪.‬‬
‫بينماـ فقه التنزيلـ يقوم المجتهد فيه بتنزيلـ هذا الحكم الذي استفاده من‬
‫جهة النص أو حتى من جهة االستنباط‪.‬ـ‬
‫أسماء العلم الذي يعنى بالنازلة‬
‫يطلق على العلم الذي يعنىـ بالنازلةـ عدة مصطلحات منها‪:‬‬
‫ـ فقه النوازل‪ :‬ومن أشهر المؤلفات الحديثة فيه‪ :‬فقه النوازل للشيخ بكر أبو‬
‫زيد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) انظـــر‪ :‬نـــدوة في فقه النـــوازل في الغـــرب اإلســـالمي‪ ،‬ملتقى المـــذاهب الفقهيـــة‪،‬‬
‫والدراسات العلمية‪)htt: /www.mmf/vb/t3243.html( :‬‬
‫ــ ‪ 25‬ـ‬
‫ـ فقه الواقع‪ :‬أي فقه الحياة التي يعيشهاـ الشخص‪ ،‬وفقه الواقع يحدد‬
‫الضوابط المنهجيةـ في كيفية التعامل مع النص الشرعي الثابت والواقع‬
‫العملي المتغيى‪ ،‬ومما ألف فيه‪:‬‬
‫ـ فقه الواقع وأثره في االجتهاد‪ :‬ماهر حسن حصوة‪.‬‬
‫ـ فقه الواقع أصول وضوابط‪ :‬أحمد بوعود‪.‬‬
‫ـ فقه األولويات‪ :‬يعني أن النازلة سواء كانتـ للفرد أو المجتمع فهي‬
‫أولى بالبحثـ واالستقصاء‪ ،‬وإبراز الحكم من غيرها‪ ،‬فهي من األولويات في‬
‫هذا الجانب‪ ،‬ومما ألف فيها‪:‬‬
‫ـ فقه األولويات‪،‬ـ دراسة في الضوابط‪ :‬محمد الوكيلي‪.‬‬
‫ـ فقه األولويات‪:‬ـ الشيخ يوسف القرضاوي‪.‬‬
‫ـ فقه األولويات‪ :‬سلمان بن فهد العودة‪.‬‬
‫ـ فقه المقاصد‪ :‬مقاصد الشريعة هي مولدة للنوازل‪ ،‬فالنوازل أحكامها‬
‫تستنبطـ من مقاصد الشريعة وتعلل بها‪ ،‬ومما ألف فيها‪:‬‬
‫ـ فقه المقاصد في نوازل وقضايا المعيار للونشريسي‪،‬ـ دراسة تحليلية‬
‫تأصيلية مقارنة‪ ،‬خالد ميلود عبد القادر سماحي‪.‬‬
‫ـ فقه الموازنات‪ :‬إن من أبرز الوسائل إليضاح فقه النازلة‪ ،‬الموازنة‬
‫بينها ما يشبهها أو يقاربها‪ ،‬ومما ألف فيها‪:‬‬
‫ـ فقه الموازنات بين النظريةـ والتطبيق‪ :‬ناجي إبراهيم السويد‪.‬‬
‫ـ فقه الموازناتـ بين المصالح والمفاسد دراسة أصولية فقهية تطبيقية‪:‬ـ‬
‫جبريل بن محمد بن حسن البصيلي‪.‬‬
‫أنواع النوازل‪ :‬تنقسم النوازل باعتباراتـ متعددة إلى ما يلي(‪:)1‬‬
‫أوال ـ تقسيم النوازل بالنظر إلى موضوعها‪ :‬تنقسم إلى‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ نوازل فقهية‪ :‬وهي ما كان من قبيل األحكام الشرعية العملية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ نوازل غير فقهية‪ :‬مثل النوازل العقدية كظهور بعض الفرق‬
‫والنحل والصور المستجدة للشرك‪...‬ومثلـ المسائلـ اللغوية المعاصرة‪.‬‬
‫ثانيا ـ بالنظر إلى أبواب الفقه‬
‫هناك نوازل في العبادات وفي المعامالتـ وفي النكاح وفي الجناياتـ‬
‫والحدود واألقضية‪ ،‬وهي تختلف باختالفـ خصائصها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫موقع المســـــــلم‪htt: .‬‬ ‫(?) انظـــــــر‪ :‬ضـــــــوابط فقه النـــــــوازل‪ ،‬ص ‪ 2‬ــــــــ ‪،3‬‬
‫‪)/almoslim.net/node/90202‬‬

‫ــ ‪ 26‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ نوازل العبادات تكون في مسائلـ فردية أو فرعية‪ ،‬والسبب أن‬
‫األصل في العبادات المنع والحظر حتى يثبت الدليل‪ ،‬لذا جاء الخالف في‬
‫العبادات من الندرة بمكان‪ ،‬وهي قليلة مقارنة بنوازل المعامالت وأبواب الفقه‬
‫األخرى‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ نوازل المعامالت‪ :‬تمتاز بالكثرة والتوسع‪ ،‬ألن األصل في‬
‫المعامالت اإلباحة‪ ،‬كما تمتاز بالتقعيد في غالب األحيان‪،‬ـ كبيوع الديون‬
‫المحرمة‪ ،‬والتأمينـ والرهن‪...‬‬
‫‪ 3‬ـ نوازل أحكام األسرة‪ :‬كثيرة جدا وهي محل نظر واجتهاد‬
‫لخطورتها‪،‬ـ ألن األصل في األبضاع التحريم‪ ،‬وتمتاز بالتقعيد‪ ،‬مثل أطفال‬
‫األنابيبـ والتلقيح االصطناعي‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ نوازل الجنايات والحدود واألقضية‪ :‬وهي قليلة بالنسبة لغيرها‪،‬‬
‫مثل إعادة زرع العضو المقطوع حداً أو قصاصا‪.‬‬
‫ثالثا ـ بالنظر إلى الرجل والمرأة‬
‫‪ 1‬ـ نوازل خاصة بالرجل مثل نوازل الخالفة واإلمامة ونحوها‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ نوازل خاصة بالمرأة مثل موانع الحمل‪.‬‬
‫رابعا ـ بالنظر إلى اإلفراد والتركيب‬
‫‪ 1‬ـ نوازل مفردة‪ :‬مثل غسيل الكلى وأثره في الطهارة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ نوازل مركبة‪ :‬مثل المراصد الفلكية وأثرها في تحديد أوقات‬
‫العبادات‪.‬‬
‫خامسا ـ بالنظر إلى كثرة وقوعها وسعة انتشارها‬
‫‪ 1‬ـ نوازل ال يسلم في الغالب أحد من االبتالء بها‪ ،‬كالتعامل باألوراق‬
‫النقدية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ نوازل يعظم وقوعها كالصالة في الطائرة والتعامل بالبطاقاتـ‬
‫البنكية‪.‬ـ‬
‫‪ 3‬ـ نوازل يقل وقوعها‪ ،‬كمداواة تلف عضو في حد بسبب جريمة وقعت‬
‫منه‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ نوازل قد انقطع وقوعها واندثرت وصارت نسيا منسيا‪ ،‬كاستخدام‬
‫المدافع والبرقيات في إثباتـ دخول شهر رمضان وخروجه‪.‬‬
‫سادسا ـ بالنظر إلى جدتها‬
‫‪ 1‬ـ نوازل لم يسبق وقوعها من قبل ال قليال وال كثيرا‪ ،‬مثل أطفال‬
‫األنابيب‪.‬‬

‫ــ ‪ 27‬ـ‬
‫‪ 2‬ـ نوازل سبق وقوعها من قبل‪ ،‬لكنها تطورت من جهة أسبابهاـ‬
‫والواقع المحيط بها‪ ،‬وتجددت في بعض هيئاتها وأحوالها حتى صارت بهذا‬
‫النظر كأنها نازلة جديدة‪ ،‬مثل بيوع التقسيط والعملياتـ الطبيةـ الجراحية‪.‬‬
‫سابعا ـ بالنظر إلى مكانها‬
‫‪ 1‬ـ نوازل واقعة بجميع األماكن‪ ،‬ال تختلف في وقوعها من بلد أو‬
‫مدينة أو قرية أخرى‪ ،‬ويمكن أن يمثل لها باألوراق النقدية فإن جميع األقطار‬
‫تتعاملـ بها‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ نوازل ال تقع إال في أماكن معينة‪ ،‬مثل االستمطار بالطرق‬
‫الحديثة‪ ،‬والنوازل المتعلقةـ باألقلياتـ اإلسالمية‪.‬‬
‫ثامنا ـ بالنظر إلى تكرارها‬
‫‪ 1‬ـ نوازل يكثر وقوعها وتكررها في المجتمع‪ ،‬مثل التأمينـ والمتاجرة‬
‫باألسهم‪ ،‬واستعمال موانع الحمل الحديثة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ نوازل يقل حدوثها مثل الصعود إلى الفضاء الخارجي‪.‬‬
‫تاسعا ـ بالنظر إلى وضوحها‬
‫تنقسم النوازل باعتبارـ وضوحها من عدمه إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ نوازل واضحة الحكم‪ ،‬مثل ربا البنوك واالكتساب في شركات صنع‬
‫الخمور‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ نوازل يكتنفها غموض وإشكاالت مثل‪ :‬بعض صور اإليجار‬
‫المنتهي بالتمليك‪،‬ـ وبعض صور القبض المعاصرة‪.‬‬
‫وعدم وضوح حكم النازلة له أسباب عديدة منها‪:‬ـ‬
‫جدتها المطلقة‪،‬ـ وعدم وجود أبحاث كافية حولها‪ ،‬الغموض في‬
‫صورتها‪ ،‬تعدد صورها‪....‬‬
‫أهمية دراسة فقه النوازل‬
‫‪ 1‬ـ إنارة السبيلـ أمام الناس بإيضاح حكم هذه النازلة حتى يعبدوا هللا‬
‫على بصيرة وهدى ونور‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إنقاذ األمة من اإلثم‪ ،‬ألن المعرفة والبيان ألحكام النوازل فرض‬
‫كفائي‪ ،‬إذا قام به من يكفي أسقط اإلثم عن سائر األمة‪ ،‬وإال أثمت األمة بأسرها‪.‬‬

‫ــ ‪ 28‬ـ‬
‫‪ 3‬ـ كسب األجر والمثوبة من هللا ‪ ‬لقوله × «ِإ َذا َح َك َم ا ْل َحا ِك ُم فَ ْ‬
‫اجتَ َه َد‬
‫اجتَ َه َد ثُ َّم َأ ْخطََأ فَلَهُ َأ ْج ٌر» (‪.)1‬‬ ‫اب فَلَهُ َأ ْج َر ِ‬
‫ان‪ ،‬وَِإ َذا َح َك َم فَ ْ‬ ‫ص َ‬‫ثُ َّم َأ َ‬
‫‪ 4‬ـ براءة الذمة من وجوب إبالغ العلم وعدم كتمانه‪.‬ـ‬
‫‪ 5‬ـ بيان كمال الشريعة اإلسالمية وصالحها لكل زمان ومكان‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ :‬ﮋﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅﮊ(‪.)2‬‬
‫‪ 6‬ـ إبراز قدرة الفقه اإلسالمي وفاعليته لتقديم الحلول الناجعة التي‬
‫تستجيب لواقع العصر وتحدياته‪.‬ـ‬
‫‪ 7‬ـ قطع الطريق على المطالبينـ بتحكيمـ القوانين البشرية األرضية‬
‫وتنحية الشريعة الربانيةـ(‪.)3‬‬
‫الخاتمة‬
‫الحمد هلل الذي وفقني إلتمام هذا البحث الذي من خالله توصلت إلى‬
‫النتائجـ التالية‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ورد مصطلح النوازل على لسان كثير من الصحابة والتابعين‬
‫والعلماء‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ كان أصحاب رسول هللا × يجتهدون في النوازل‪ ،‬وكذا فعل‬
‫التابعون وأئمة المذاهب الفقهية األربعة ومن جاء بعدهم من العلماء‬
‫المجتهدين‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ النازلة هي الحادثة التي تحتاج إلى حكم شرعي‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ فقه النوازل هو العلم باألحكام الشرعية للقضايا المستجدة‬
‫المعاصرة‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ فقه التنزيلـ هو تطبيقـ الحكم الشرعي على الواقعة أو النازلة‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ النازلة أخص من الفتوى‪ ،‬فكل نوازلي مفت‪ ،‬وليس كل مفت‬
‫نوازليا‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ النوازل البد يتعلق بها حكم شرعي‪ ،‬أما الوقائع والمستجدات فال‬
‫يلزم أن يتعلق بها حكم شرعي‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ من األلفاظ ذات الصلة بالنوازل‪ :‬ـ الواقعات ـ الحوادث ـ‬
‫المستجدات ـ األقضية واألحكام ـ األسئلة والسؤاالت ـ الفتاوى ـ التنزيل ـ‬
‫القضايا المعاصرة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) رواه البخاري في صحيحه في كتاب االعتصام بالكتاب والسنة‪ ،‬باب أجر الحــاكم إذا‬
‫اجتهد فأصاب أو أخطــأ‪ ،)9/133( ،‬ومســلم في صــحيحه في كتــاب األقضــية‪ ،‬بــاب أجر‬
‫الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ (‪.)3/42‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) سورة المائدة اآلية ‪.03‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) انظر‪ :‬وائل الهويريــني‪ ،‬المنهج في اســتنباط أحكــام النــوازل‪ ،‬ص‪ ،15‬ومجلة مجمع‬
‫الفقه اإلسالمي‪ ،‬العدد الحادي عشر‪ ،‬المجلد الثاني‪.‬‬
‫ــ ‪ 29‬ـ‬
‫‪ 9‬ـ أطلق الفقهاء على فقه النوازل عدة تسميات أشهرها‪ :‬فقه الواقع‪،‬‬
‫فقه األولويات‪ ،‬فقه الموازنات‪،‬ـ فقه المقاصد‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ النوازل تتطور وتتغير بتغير المجتمع وتطوره‪ ،‬ولكل مرحلة نوع‬
‫خاص من النوازل ومن الفتاوى‪.‬‬
‫‪ 11‬ـ فقه النوازل من أهم العلوم‪ ،‬ومن أهم ما يترتبـ على العنايةـ به‪:‬‬
‫إنقاذ األمة من اإلثم‪ ،‬وإثباتـ صالح الشريعة للحكم في كل شؤون الحياة‪،‬‬
‫وقطع الطريق أمام المطالبينـ بتحكيمـ القوانين‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫‪  ‬‬

‫ــ ‪ 30‬ـ‬
‫تدوين النوازل في الغرب اإلسالمي‬
‫‪ ‬أ‪/‬محمد سكحال‬
‫باحث برابطة العالم اإلسالمي‪ ،‬مكة المكرمة‬
‫الحمد هلل المتفضّل بإجابة السائل‪،‬ـ المتطول بإفاضة النائل‪،‬ـ فــاتح أبــواب‬
‫اآلمال البعيــدة المنــال‪،‬ـ ومــانح الهبــات الــوافرة والعطايا الجزائــل‪،‬ـ الــذي جعل‬
‫العلم النافع من أعظم األســباب الموصــلة لمقاصد الســعادة األخروية وأشــرف‬
‫الوســائل‪ .‬والصــالة والســالم األكمالن على ســيدنا وموالنا محمد المنتخب من‬
‫أشرف العشائر والقبائل‪،‬ـ اآلتي بالحجج الواضحة والدالئل(‪ ،)1‬وبعد‪،‬‬
‫فـــإن البحث في النـــوازل من الناحية العمليـــة‪ ،‬وتقصي ما يتعلق بنشـــأتها‬
‫ونموها عبر التاريخ اإلسالمي الطويل‪ ،‬يستدعي االنطالق مما هو أساس لبنيانهــا‪،‬‬
‫ومنبع لمجراها‪ ،‬وذلك في إعطاء لمحة سريعة عن بنية الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫لقد تمهد في بدهيات ثقافتنا أن الفقه اإلسالمي ينبني على أربعة أسس متفاوتة‬
‫في درجة االعتبار‪ ،‬ومختلف في حجية بعضها اختالفاً ال يكاد يكون له أثر اليوم‪.‬‬
‫فأما الكتاب والسنة فهما األصل األصيل الــذي ينبــني عليه غــيرُه وال ينبــني‬
‫هو على شيء بل حجيته تكمن في ذاته‪ ،‬كحجية المبادئ العقلية‪ ،‬أو كالقاطرة الــتي‬
‫تنطلق حركتها من داخلها‪ ،‬أما حركة العربات المقطورة بها‪ ،‬فمستعارة منها‪.‬‬
‫وأما اإلجماع فهو متضمن لألصل‪ ،‬وبتعبــيرـ التلمســانيـ في "المفتــاح"‪:‬‬
‫متضمن للـدليل؛ لضـرورة اسـتناده في تك ّونه إلى نص أو قيـاس هو في معـنى‬
‫النص‪ ،‬لكنه بعد انعقاده يستغني عن مستنده لــدى االحتجــاج‪ .‬وأما القيــاس فهو‬
‫معقول األصل‪ ،‬وبتعبيرـ التلمساني‪:‬ـ الالزم عن أصل‪.‬‬
‫فمن هذه المصادر األربعة نشأ الفقه‪ ،‬وتولــدت مســائله في زمن النــبي ×‪،‬‬
‫ثم في طبقةـ الصحابة‪،‬ـ ثم في التــابعين‪،‬ـ ثم في أتبــاعهم إلى أن اســتقر به النــوى‬
‫على الحال التي نعرفه عليها اآلن‪.‬‬
‫وفي أتباع التابعين ظهر "األئمة المجتهدون" أو "فقهاء األمصــار" الــذين‬
‫تفرغوا للفقه تعلماً ثم تعليماً‪ ،‬ودون فقههم تدويناً مــذهبياً‪ ،‬فــدون محمد بن الحسن‬
‫الشـــيباني مذهبه ومـــذهب صـــاحبيه أبي حنيفة وأبي يوســـف‪ ،‬ودون الشـــافعي‬
‫مذهبـه‪ ،‬وكـذلك فعل سـفيان الثـوري بالكوفة وأبو ثـور ببغـداد‪ ،‬ودون أصـحاب‬
‫مالك من المدنيين والمصريين‪ ،‬ال سيما أهل الطبقة الثانية‪ ،‬مذهب إمامهم‪.‬‬
‫ودون فقههم في مرحلة ثانيــــة‪ ،‬تــــدويناً يعتــــني بما بينهم من اإلجمــــاع‬
‫والخالف‪ ،‬فحصرت المسائل التي أجمعوا عليها بحسب اإلمكان وقــدرة المــدون‬
‫على االطالع‪ .‬وكــان اإلمــام أبو بكر ابن المنــذر ~ فــارس هــذا الميــدان‪ ،‬حيث‬
‫صنف أكثر كتبه في اإلجماع والخالف‪ ،‬ككتاب اإلجماع‪ ،‬واإلقنــاع‪ ،‬واألوســط‪،‬‬

‫(?) مقتبس من تقدمة أحمد بن يحيى الونشريسي لكتابه المعيار المعرب‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 31‬ـ‬
‫واإلشــراف وهو ملخص من األوســط‪ ،‬كما أن األوسط ملخص من كتــاب آخر‬
‫مبسوط ذكره في مواضع عديدة من األوسط ولم يسمه(‪.)1‬‬
‫ويكشف كتــاب اإلقنــاع ألبي الحسن ابن القطــان الفاســي‪ ،‬عن عــدد من‬
‫المصنفات في مسائل اإلجماع جمع منها مادة كتابه‪ ،‬ككتب ابن عبد البر‪ ،‬وابن‬
‫حزم‪ ،‬وقبلهما ابن المنذر ومحمد بن نصر المروزي‪.‬‬
‫ودون مســـائل الخالف(‪ )2‬الشـــافعي في كتابيهـ اختالف العـــراقيَّين (أبي‬
‫حنيفة وابن أبي ليلى) واختالف مالك والشــافعي‪ ،‬وهما من جملة كتب "األم"‪.‬‬
‫ودونها اإلمــام الطــبري في كتابهـ الــذي طبع جــزء منــه‪،‬ـ والطحــاوي في كتابه‬
‫الذي اختصره الجصاص‪.‬‬
‫وأســهم مالكيةـ العــراق في هــذا المجــال بجهد وافــر‪ ،‬منهم القاضي أبو‬
‫الحسن بن القصار في كتابهـ عيون األدلة (أو عيون المجالس) الــذي اختصــره‬
‫تلميذه القاضي عبد الوهاب‪،‬ـ وصنف هو أيضا ً كتابهـ اإلشراف‪.‬‬
‫موقع فقه النوازل من مدونة الفقه العامة‬
‫إليضاح هذا الموضوع يحسن قصْرُ الكالم على المــذهب المــالكي؛ ألن من‬
‫الصعب بمكان استقصاء تاريخ الفقه اإلسالمي في مختلف مذاهبه‪ ،‬وتتبع نمــوه في‬
‫داخل هذه المذاهب‪ ،‬وما ُكتب في هذا الموضوع (تاريخ التشريع‪ ،‬أو تــاريخ الفقــه)‬
‫يتسم في عمومه بالعموم واالختصار الذي ال يعبر عن حقيقة الصورة‪.‬‬
‫وفقه النوازل متأخر في النشــأة والرتبة عن تــدوين فقه أهل المدينــة‪،‬ـ لما‬
‫سنذكره من األسباب‪ .‬لذلك يحسن أن نمهد للكالم عليه بعــرض ســريع لتــدوين‬
‫فقه أهل المدينة‪.‬‬
‫تدوين فقه أهل المدينة‬
‫نشأ في المدينة على ساكنها أفضل الصالة والسالم‪ ،‬أو ما نشأ من كتاب‬
‫الســـني‪ ،‬أبو عبد هللا مالك بن أنس‬‫الموطأ الـــذي صـــنفه إمـــام هـــذا المـــذهب َّ‬
‫األصبحي‪ ،‬والذي كان يقرأه في المسجد النبوي‪ .‬ثم نشأ ثانيـا ً من مجــالس الفقه‬
‫(?) وينظر‪ :‬الدراسة التي أعـدها الـدكتور صـغير أحمد األنصـاري في الجـزء األول من‬ ‫‪1‬‬

‫تحقيقه لكتاب األوسط في السنن واإلجماع والخالف(ص‪.)39 ،19‬‬


‫(?) أبــان اإلمــام النــووي في مقدمة المجمــوع (‪ )1/5‬عن فوائد معرفة مســائل الخالف‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫فقال‪:‬‬
‫واعلم أن معرفة مذاهب السلف بأدلتها‪ ،‬من أهم ما يُحتاج إليــه‪ ،‬ألن اختالفهم في الفــروع‬
‫والــراجح من‬
‫َ‬ ‫المــذاهب على وجههــا‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُـ‬
‫المتمكن‬ ‫رحمــة‪ ،‬وبــذكر مــذاهبهم بأدلتها يَعــرف‬
‫المرجوح‪ ،‬ويتضح له ولغيره المشكالت‪ ،‬وتظهر الفوائد النفيسات‪ ،‬ويتــدرب النــاظ ُر فيها‬
‫بالسؤال والجواب‪ ،‬وينفتح ذهنه‪ ،‬ويتميز عند ذوي البصائر واأللباب‪ ،‬ويعرف األحــاديث‬
‫الصحيحة من الضعيفة‪ ،‬والدالئل الراجحة من المرجوحة‪ ،‬ويقــوم بــالجمع بين األحــاديث‬
‫المتعارضات‪ ،‬والمعمو ِل بظاهرها من ال ُمؤوَّالت‪ ،‬وال يُشكل عليه إال أفرا ٌد من النادر‪.‬‬
‫ــ ‪ 32‬ـ‬
‫الــتي كــان يعقــدها لبث آراءه درس ـا ً وأجوبــة‪ ،‬غــير أن األجوبة كــانتـ غالبــة‪،‬ـ‬
‫وكــانت عن أســئلة نظريةـ يعرضــها طالب لهم بصر بأوليــاتـ الفقه وأبوابــه‪،‬ـ‬
‫فجاءت مستوعبة لجميع األبواب‪.‬‬
‫ولهـــذا المعـــنى دون الفقه المـــالكي في مصـــادره المبكـــرة‪ ،‬تحت اسم‬
‫المسائل‪ ،‬وهو شبيه في تدوينهـ بالمذهب الحنبلي الذي نشأ ودون في بغداد‪.‬‬
‫فدون بعض أصــحاب مالك أســمعتهم‪ ،‬ثم حملت إلى األمصــار‪ ،‬ورواها‬
‫الناس‪ ،‬وجمعوها واختصروها مرتبةـ على األبواب‪ ،‬وضموا إليها أســمعة أهل‬
‫الطبقة الثانية عن كبار أصحابه كابن القاسم وأشهب وأصبغ‪.‬‬
‫فممن جمعها محمد بن أحمد العتبي القرطبي‪،‬ـ في كتابه المســتخرجة من‬
‫كتب األسمعة‪ ،‬والمعروف اختصاراً باسم العتبيــة‪ .‬وهي مطبوعة مع شــرحها‬
‫البن رشد المســمى البيــان والتحصــيل لما في مســائلـ المســتخرجة من الشــرح‬
‫والتوجيه والتعليل(‪.)1‬‬
‫وجمع عبد الملك بن حبيب السلمي القرطبي‪،‬ـ مســائلـ األخــوين مطــرف‬
‫وابن الماجشون‪ ،‬في كتابه الواضحة في السنن والفقه‪ .‬ولم يقتصر عليهمــا‪ ،‬بل‬
‫ذكر مذهبه في كثير من المسائلـ واحتج له بما روى من السنن‪.‬‬
‫واختصر عبد هللا بن عبد الحكم بعض أسمعة المصريين‪ ،‬ال ســيما كتب‬
‫أشهب‪ ،‬في كتابيهـ المختصر الكبير واألوسط(‪.)2‬‬

‫(?) ذكر عياض في ترجمة العتــبي في المــدارك‪ ،‬نقـداً شـديداً الذعـا ً لكتابه المسـتخرجة‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫نقله عن ابن وضــاح وابن لبابــة‪ .‬لكن هــذا النقد ال يلتفت إليه بعد أن تلقاها أهل األنــدلس‬
‫والمغرب بالقبول‪ ،‬وعولوا عليها كتعويلهم على المدونة‪ ،‬في حفظ المذهب‪ ،‬حتى قال ابن‬
‫رشد ـ وهو الجهبذ الذي ال نظير له في معرفة المذهب ــ في مقدمة شـرحه هـذا (ص‪،28‬‬
‫‪ :)29‬إنه كتاب عول عليه الشيوخ المتقدمون من القرويين واألندلسيين‪،‬ـ واعتقــدوا أن من‬
‫لم يحفظه ال تفقه فيه كحفظه للمدونة وتفقهه فيهـــا‪ ،‬بعد معرفة األصـــول وحفظه لســـنن‬
‫الرســول ×‪ ،‬فليس من الراســخين في العلم وال من المعــدودين فيمن يشــار إليه من أهل‬
‫الفقه‪.‬‬
‫(?) وله المختصر األصـــغر ذكر عيـــاض أنه قصـــره على الموطـــأ‪ .‬ولعله اختصر فيه‬ ‫‪2‬‬

‫مسائله‪ ،‬ومما يــدل على ذلك أن ابنه محمــداً رواه عنــه‪ ،‬وزاد عليه خالف الشــافعي وأبي‬
‫حنيفة‪ .‬ثم حذا حذوه أبو عبد هللا محمد بن عبد الرحيم البرقي ـ وقيل ابنه‪ :‬أبو القاسم عبيد‬
‫هللا ـ ـ فــزاد فيه على محمد بن عبد الحكم‪ :‬أقــوال ســفيان الثــوري‪ ،‬وإســحاق بن راهويــه‪،‬‬
‫واألوزاعي‪ ،‬والنخعي‪ .‬زاد على ابن الــبرقي قــوم آخــرون أقــواالً لفقهــاء آخــرين كــالليث‬
‫والطبري وداود‪.‬‬
‫وذكر أبو القاسم الــوهراني تلميذ األبهــري وجــامع ترجمتــه‪ ،‬عن شــيوخه أنهم حــزروا‬
‫المختصر الكبير ب‪18‬ألف مسألة‪ ،‬نصف عدد مســائل المدونــة‪،‬ـ واألوسط ب‪4000‬مســألة‬
‫بعدد مسائل الرسالة‪ ،‬واألصغر ب‪1200‬مسألة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والمختصر األصغر عندي نسخة منه من رواية ابن البرقي وزياداته تقع في ‪ 85‬لوحة‪.‬‬
‫ــ ‪ 33‬ـ‬
‫وتعتبر العتبية والواضحة والمختصر‪ ،‬مع المدونة والموازية‪ ،‬األمهــات‬
‫التي لم يشذ عنها من منصوص أقوال مالك وأصحابه‪،‬ـ إال القليــل‪ ،‬الــذي روي‬
‫في كتب أخرى مثل مختصر أبي مصــعب الزهــري المــدني‪ ،‬ومدونة أشــهب‪،‬‬
‫وكتــاب ابن ســحنون‪ ،‬ومجموعة ابن عبــدوس‪ ،‬ومبســوط القاضي إســماعيل‪،‬ـ‬
‫ومختصر الوقــار‪ ،‬وزاهي ابن شــعبان(‪ ،)1‬وكتابهـ اآلخــر‪ :‬مختصر ما ليس في‬
‫المختصر‪ ،‬وكأنه زوائد على ما في مختصر ابن عبد الحكم‪.‬‬
‫وتحتل المدونة المرتبة األولى في هـــذه المجموعة كلهـــا‪ ،‬فهي ديـــوان‬
‫المــذهب ومرجعه األســاس(‪ ،)2‬لشــهرتها وكــثرة مســائلها‪ ،‬وتقــدم صــاحبها في‬
‫السماع على مالــك‪ ،‬وطــول مالزمته لــه‪ .‬وكــانت في أصــلها مســائلـ ألسد ابن‬
‫الفـرات‪ ،‬دونها في العــراق عن أصــحاب أبي حنيفــة‪ ،‬ولما عــرف ما لمالك بن‬
‫أنس من المنزلة في الفقه والحديث‪ ،‬عرضــها على ابن القاسم في مصر ليجيبه‬
‫بقول مالك فيها‪ ،‬فكتب األجوبة‪ ،‬ثم وقعت بيد سحنون في القيروان‪ ،‬فرحل إلى‬
‫ابن القاسم وعرضــها عليــه‪ ،‬فرجع عن بعض ما فيهــا‪ ،‬فاص ـطُلح على تســميةـ‬
‫مدونة أسد المختلطــة‪ .‬ووشى ســحنون مســائلـ المدونة بكثــير من اآلثــار من‬
‫رواية ابن وهب‪ ،‬وموطأ علي بن زياد(‪.)3‬‬
‫ثم أقبل النـــاس على المدونة اختصـــاراً‪ ،‬وتهـــذيباً‪،‬ـ وشـــرحاً‪ ،‬وتعليقـــاً‪،‬‬
‫وحفظها الطالب في أوائل انسالكهم في طريق الفقهاء‪.‬‬
‫األعمال الفقهية بعد تدوين األصول‬
‫بعد اســتقرار مــذهب أهل المدينةـ في األصــول المــذكورة وغيرهــا‪ ،‬بــدأ‬
‫عصر جديد اتسم باإلقبالـ على الشروح واالختصارات والجمع‪.‬‬
‫فأما الشــروح فانصب أكثرها على الموطأ والمدونــة‪ ،‬ولو ذهبناـ نتقصى‬
‫ما وضع عليهما من شروح بسيطةـ ووسيطة ووجيزة‪ ،‬ألعياناـ البحث أن نحيط‬

‫وشرح المختصر الكبير واألصــغر أبو بكر األبهــري‪ ،‬وشــرح الكبــير أيضـا ً أبو بكر ابن‬
‫الجهم شرحا ً مستوعبا ً اختصره ابن أبي زيد‪.‬‬
‫(?) قال القاضي عياض في المدارك في ترجمته‪ :‬وأما كتبه ففيها غرائب من قول مالــك‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫وأقوال شاذة عن قوم لم يشتهروا بصــحبته‪ ،‬ليست مما رواه ثقــات أصــحابه‪ ،‬واســتقر من‬
‫مذهبه‪.‬‬
‫(?) قال الحطاب في مقدمة شرحه للمختصر‪ :1/34‬والمدونة أشــرف ما ألف في الفقه من‬ ‫‪2‬‬

‫الدواوين وهي أصل المذهب وعمدته‪.‬‬


‫(?) وينظر‪ :‬مناهج التحصيل للرجراجي‪.65 ،1/64‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 34‬ـ‬
‫بأكثرها بله جميعها(‪ .)1‬وشـــــرح ابن رشد العتبيةـ في كتابه الحافل العجـــــاب‪:‬‬
‫البيان والتحصيل‪ ،‬وشرح الشيخ أبو بكر األبهري(‪ )2‬مختصر ابن عبد الحكم‪.‬‬
‫وقد ســلك العراقيــون في شــروح كتب المــذهب كالمدونة ومختصر ابن‬
‫عبد الحكم والرســالة القيروانيــة‪،‬ـ مســلكا ً مختلفــا ً عن مســلك المغاربــة‪ ،‬حيث‬
‫جعلــوا مســائلـ الكتــاب المشــروح كاألســاس‪ ،‬ثم تكلمــوا على ما تناولته من‬
‫فصول‪ ،‬بالقصد إلى تحرير الدالئل‪ ،‬والردود على إيرادات المخالفين من غير‬
‫المالكية‪ ،‬على طريقة الجدليين‪ .‬وأما المغاربة فجل احتفالهم تصحيح الروايات‬
‫في المـــذهب‪ ،‬ومناقشة األلفـــاظ‪ ،‬وبيـــان وجـــوه االحتمـــاالت‪،‬ـ والتنبيهـ على‬
‫اضطراب الجوابات(‪.)3‬‬
‫وأما االختصـــــــارات‪ ،‬فحظيت المدونة بأكثرها أيضـــــــاً‪ ،‬وأشـــــــهر‬
‫اختصــاراتها اختصــار أبي محمد بن أبي زيد القــيرواني‪ ،‬وتلميــذه أبي ســعيد‬
‫خلف بن أبي القاسم البراذعي(‪ .)4‬ويليها في الرتبة اختصــار أبي عبد هللا محمد‬
‫بن عبد هللا بن عيسى بن أبي زمنين‪ ،‬المسمى "المغرب"(‪.)5‬‬
‫(?) وقد اجتهد المرحـــوم عمر بن عبد الكـــريم الجيـــدي‪ ،‬في محاضـــراته المطبوعة في‬ ‫‪1‬‬

‫تاريخ المــذهب المــالكي‪ ،‬في تقصي شــروح الموطأ والمدونــة‪ ،‬فأحصى عــدداً كبــيراً من‬
‫ذلك‪.‬‬
‫(?) وهو تلميذ الجماعة ببغــداد وشــيخ الجماعة أيضــاً‪ .‬أما الجماعة الــذين هو تلميــذهم‬ ‫‪2‬‬

‫فأشهر أئمة المالكية في ذلك العصــر‪ :‬القاضي أبو الفــرج البغــدادي‪،‬ـ وأبي بكر بن الجهم‪،‬‬
‫وأبي الحسن ابن المنتـــاب‪ ،‬وابن بكـــير‪ .‬وأما الجماعة الـــذين هو شـــيخهم فالقضـــاة ابن‬
‫القصــار والبــاقالني وعبد الوهــاب‪ ،‬وكــذا أبو القاسم ابن الجالب‪ ،‬وأبو محمد األصــيلي‬
‫األندلســي‪ .‬وكــان شــيخا ً لجماعة من غــير المالكية منهم الحافظ أبي الحسن الــدارقطني‪،‬‬
‫وأبو بكر البرقاني وهما شافعيان‪.‬‬
‫ونسخ كثــيراً من الكتب منهــا‪ :‬المبســوط وأحكــام القــرآن للقاضي إســماعيل‪ ،‬وأســمعة‬
‫المصريين الثالثة‪:‬ـ ابن القاسم وأشهب وابن وهب‪ ،‬وموطأ مالك وموطأ ابن وهب‪ ،‬وكثير‬
‫من األجزاء‪.‬‬
‫(?) وينظر‪ :‬مناهج التحصيل للرجراجي‪.1/38‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) قال عنه القاضي عياض في المدارك‪ :‬وقد ظهرت بركة هذا الكتاب على طلبة الفقه‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫وتيمنوا بدرسه وحفظه‪ ،‬وعليه معول أكثرهم بالمغرب واألندلس‪.‬‬


‫(?) وتسميته على التمام‪" :‬المغرب في اختصار المدونة وشــرح مشــكلها والتفقه في نكت‬ ‫‪5‬‬

‫منهـــا"‪ .‬قـــال عيـــاض‪ :‬ليس في مختصـــراتها مثلُه باتفـــاق؛ قـــال ابن ســـهل‪ :‬هو أفضل‬
‫مختصرات المدونــة‪،‬ـ وأقربها ألفاظـا ً ومعــانِ َي لهــا‪.‬اهـــ‪ .‬قلت‪ :‬وهو أحد األصــول األربعة‬
‫التي لخصها أبو بكر بن عاصم في أرجوزته المشهورة بتحفة الحكام‪ ،‬وضم إليها منتخب‬
‫الحكــام البن أبي زمــنين أيضـاً‪ ،‬والمقصد المحمــود المعــروف بوثــائق الجزيــري‪ ،‬ومفيد‬
‫الحكام ألبي الوليد هشام بن عبد هللا القرطبي‪.‬‬
‫لكن الذي اشتهر عند المغاربة تهذيب البراذعي‪ ،‬فهو الـذي كـان عليه العمل في الشـروح‬
‫والتعـــاليق والحفظ واإلقـــراء‪ ،‬والنقل في المصـــنفات الـــتي بين أيـــدينا‪ ،‬كعقد الجـــواهر‬
‫والذخيرة والتوضيح والحطاب والمواق‪ .‬وحيث قالوا‪ :‬قــال في المدونــة‪،‬ـ أو‪ :‬في الكتــاب‪،‬‬
‫ــ ‪ 35‬ـ‬
‫وألبي ســلمة فضل بن ســلمة الجهــني األندلسي البِ َجــانِي‪ ،‬اختصــارات‬
‫عديدة‪ ،‬منها اختصار المدونة والواضحة(‪.)1‬‬
‫وأما الجمع فمنهم من جمع بين كتابين أو أكثر‪ ،‬كما جمع فضل بن سلمة‬
‫اآلنف الذكر‪ ،‬بين مسائلـ المدونة والمستخرجة والمجموعــة‪ .‬وجمع الشــيخ أبو‬ ‫ُ‬
‫محمد بن أبي زيد في كتابهـ النوادر والزيادات‪،‬ـ ما زاد على المدونة من مسائل‬
‫مبثوثة في الموازية والعتبية‪ ،‬والواضحة‪ ،‬والمجموعة‪ ،‬وكتاب ابن سحنون(‪.)2‬‬
‫ولعمـري كـان هـذا عمالً جليالً يجمع مع ضـمه إلى مختصـره للمدونـة‪ ،‬جملة‬
‫أقوال مالك وأصحابهـ إال شيئا ً قليالً شذ وندر(‪.)3‬‬
‫واستمر الشرح واالختصــار والجمــع‪ ،‬إلى القــرنين الخــامس والســادس‬
‫اللــذين يعــدان مع ما قبلها بقليل عصر النضج الفقهي وخصــوبة التــأليف في‬
‫األصول والفروع ومنها الفقه النوازلي؛ فمن ذلك تهذيبـ الطــالب والنكت على‬
‫المدونة لعبد الحق الصــــقلي‪ ،‬والتعليقةـ على المدونة للمــــازري‪ ،‬والعوفية في‬
‫شـــرح المدونـــة‪ ،‬لمكي بن عـــوف العـــوفي اإلســـكندري‪ ،‬ولشـــيخه وتلميذ‬
‫الطرطوشي سند بن عنان أيضا ً شرح على المدونة سماه طراز المجالس‪ ،‬يقع‬
‫في نحو ثالثين سـفراً‪ ،‬اسـتكثر القـرافي من النقل عنه في الـذخيرة‪ ،‬والحطـاب‬
‫في شرح المختصر‪.‬‬
‫وصـــنف أبو الحسن الـــربعي اللخمي كتابـــاًـ خرجه على ُكتب المدونة‬
‫وأبوابهــا‪ ،‬وغــذاه باألدلة والتعليالتـ واالختيــارات ســماه التبصــرة‪ ،‬وليس هو‬
‫تعليقــا ً على المدونة خالفــا ً لما يوهمه كالم القاضي عيــاض‪،‬ـ وإن كــان أكــث ُر‬
‫نقوله من المدونة‪.‬‬

‫فمــرادهم مختصر الــبراذغي إال أن يقيــدوا باختصــار ابن أبي زيد أو غــيره‪ .‬وأما أصل‬
‫المدونة المطبــوع باسم المدونة الكــبرى‪ ،‬فيســميه الحطــاب األم‪ ،‬كما في قوله في أبــواب‬
‫الوضوء (‪ :)1/369‬قال في المدونة‪:‬ـ وأنكر مالك قول من قــال في الوضــوء‪ :‬حــتى يقطُـ َر‬
‫ـمعت مالك ـا ً‬
‫الما ُء‪ ،‬أو يسيل‪ .‬وقد كــان بعض من مضى يتوضأ بثلث المــد‪ .‬ولفظ األم‪ :‬وسـ ُ‬
‫يذكر قول النــاس في الوضــوء‪ :‬حــتى يقطُر أو يســيل‪ ،‬قــال فســمعته يقــول‪ :‬قَطَـ َ‬
‫ـر قطَـ َر!!‬
‫إنكاراً لذلك‪.‬اهـ‪.‬‬
‫ْ‬
‫(?) قال ابن فرحون في الديباج(ص‪ ،315‬ط‪ .‬الكتب العلميــة)‪ :‬زاد فيه من فِقهــه‪ ،‬وتَعقب‬ ‫‪1‬‬

‫فيه على بن حــبيب كثــيراً من قولــه‪ ،‬وهو من أحسن كتب المــالكيين‪ .‬قــال‪ :‬وله مختصر‬
‫ــر‪ ،‬فإنه اســتكثر من النقل عن‬ ‫وصــفَ ابنُ فرحــون ما خبَ َ‬‫لكتــاب بن المــواز‪.‬اهـــ‪ .‬قلت‪َ :‬‬
‫مختصر الواضحة في كتابه تبصرة الحكام‪.‬‬
‫(?) ينظر‪ :‬مقدمة النوادر‪.1/10‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) وقد أشار إلى ذلك في مقدمة النوادر(‪ )1/11‬فقال‪ :‬ليكون كتاب ـا ً جامعـا ً لما افــترق في‬ ‫‪3‬‬

‫هــذه الــدواوين من الفوائــد‪ ،‬وغــرائب المســائل‪ ،‬وزيــادات المعــاني على ما في المدونــة‪،‬ـ‬


‫وليكون جمعه مع المدونة أو مع مختصرها مقنع بهما‪ ،‬وغنى باالقتصار عليهما‪.‬‬
‫ــ ‪ 36‬ـ‬
‫وصــنف أبو بكر ابن يــونس الصــقلي كتاب ـا ً عمله أيض ـا ً على المدونــة‪،‬‬
‫اختصر فيه مســـائلهاـ هي والمختلطـــة‪ ،‬وعلق عليها تعليقـــاتـ جعل بعضـــها‬
‫مقدمات ألبوابها‪ ،‬وبعضها شرحا ً لمشــكالتها‪،‬ـ وبعضــها اســتدالالت وتعليالت‬
‫وتوجيهات‪،‬ـ وأضاف إليها كثيراً من زيادات العتبيةـ والموازية(‪.)1‬‬
‫ومن البيــانـ والتحصــيل البن رشــد‪ ،‬والجــامع البن يــونس‪ ،‬والتبصــرة‬
‫للخمي‪ ،‬والتعليقة للمـــازري‪ ،‬لخص الشـــيخ خليل بن إســـحاق مســـائلـ كتابه‬
‫المختصــر‪ ،‬بعــدما بــنى أصــله على كتــاب ابن الحــاجب وشــرحه له المســمى‬
‫التوضيح‪ .‬ومختصر ابن الحاجب يكاد يكــون تلخيص ـا ً لكتــاب ابن شــاس‪ :‬عقد‬
‫الجواهر‪ ،‬الذي جمعه من عدة كتب(‪.)2‬‬
‫منشأ تسمية النوازل‬
‫النوازل جمع نازلة اسم فاعل من النزول وهو الحلول‪ ،‬كما تقــول‪ :‬نــزل‬
‫زيد ضيفا ً علي‪ ،‬ونزل ابن العربي بيت المقدس في رحلته المشرقية‪ .‬ومن هذا‬
‫الباب قنوت النوازل؛ يعنون به القنوت الــذي يشــرع في الصــلوات المفروضة‬
‫عند حلول المصائب العامة‪،‬ـ وهو قول بعض الفقهاء‪.‬‬

‫(?) قــــال في المقدمة (من النســــخة المحققة في أم القــــرى)‪ :‬فقد انتهى إلي ما رغب فيه‬ ‫‪1‬‬

‫جماعة من طلبة العلم ببلـــدنا في اختصـــار المدونة والمختلطـــة‪ ،‬وتأليفها على التـــوالي‪،‬‬
‫وبسط ألفاظها تيسيراً‪ ،‬وتتبع اآلثار المروية فيها عن النبي × وعن أصحابه ‪ ،‬وإســقاط‬
‫إسناد اآلثار‪ ،‬وكثير من التكرار‪ ،‬وشرح ما أشكل من مسائلها وبيان وجوهها وتمامها من‬
‫غيرها من الكتب‪ .‬قــال‪ :‬وأدخلت فيه مقــدمات أبــواب كتــاب الشــيخ محمد بن أبي زيد ~‬
‫تعالى وزياداته‪ ،‬إال اليسير منها‪ ،‬وطالعت في كثير منها ما نقله في النوادر‪ ،‬ونقلت كثيراً‬
‫من الزيادات من كتــاب ابن المــواز والمســتخرجة‪ ،‬ولم أخل من النظر إلى نقل أبي محمد‬
‫واختصاره فيها‪.‬‬
‫(?) منها الموطأ وشرحه للباجي والبن مزين‪ ،‬والمدونة‪ ،‬واألحكام البن العربي (نقل منه‬ ‫‪2‬‬

‫بواسطة التنبيه على مبــادئ التوجيه ألبي الطــاهر بن بشــير) وشــرحه للترمــذي‪ ،‬وكتــاب‬
‫المدنيةـ (لعبد الــرحمن بن دينــار رواها عنه أخــوه عيسى بن دينــار وعرضــها على ابن‬
‫القاسم)‪ ،‬والواضحة‪ ،‬واألسدية‪ ،‬والموازية‪ ،‬ومختصر ابن عبد الحكم وشــرحه لألبهــري‪،‬‬
‫والعتبيةـ وشــرحها البن رشــد‪ ،‬والمبســوط‪ ،‬والنــوادر‪ ،‬والــزاهي ومختصر ما ليس في‬
‫المختصر كالهما البن شعبان‪ ،‬والتفريع البن الجالب‪ ،‬ومختصر الوقار‪ ،‬والحــاوي ألبي‬
‫الفـــرج البغـــدادي‪ ،‬وثمانية أبي زيد عبد الـــرحمن بن يزيد بن عيسى القرطـــبي‪ ،‬وكتب‬
‫القاضي عبد الوهـــاب‪ :‬التلقين(وشـــرحه للمـــازري)‪ ،‬والمعونـــة‪ ،‬واإلشـــراف‪ ،‬وشـــرح‬
‫الرســالة‪ ،‬وعيــون المجــالس‪ ،‬وتعليقة الخالف ألبي بكر الطرطوشــي‪ ،‬والكــافي البن عبد‬
‫الــبر‪ ،‬والنظــائر ألبي عمــران الفاســي‪ ،‬وتبصــرة اللخمي‪ ،‬والنكت وتهــذيب الطــالب لعبد‬
‫الحق الصقلي‪ ،‬والمقدمات البن رشد‪ ،‬ومنتخب األحكام البن أبي زمنين‪.‬‬
‫ــ ‪ 37‬ـ‬
‫وهذا معنى لغوي عام‪ ،‬لكنه مخصوص في االستعمالـ الفقهي وال ســيما‬
‫عند المالكية‪،‬ـ بالوقائع المســتجدة الــتي تحتــاج إلى فتــوى من الفقهــاء(‪ ،)1‬ســواء‬
‫كانت في العبادات أو المعامالت أو غيرها من أبــواب الفقه وموضــوعاته‪،‬ـ إذا‬
‫صــدرت فيها فتــوى أو فتــاوى متفقة أو مختلفــة‪ .‬فيقــال نــزلت نازلة في العــام‬
‫الفالني أو في العصر الفالني‪ ،‬أو في زمن فالن‪ ،‬ألحد الفقهـــاء أو الســـالطين‬
‫ونحوهمــا‪ ،‬أو في البلد الفالني‪ ،‬فــأفتى فيها فالن بكــذا وكــذا‪ ،‬وأفــتى فيها فالن‬
‫بكذا وكذا(‪.)2‬‬
‫وعلى سبيل المثال‪،‬ـ لما احتلت فرنسا الجزائر‪ ،‬أرسل األمير عبد القـادر‬
‫خطابــا ً للفقيه الفاسي في زمانه أبي عبد الســالم التســولي‪ ،‬يتضــمن اســتفتاء‬
‫مفصــالً عن كيفية التعاملـ مع الــذين يــداخلون المحتل ويبايعونهـ ويجلبــون له‬
‫الخيــل‪ ،‬بل ويدلونه على عــورات المســلمين‪ .‬فكتب له جوابـا ً مفصـالً في هــذه‬
‫النازلة العظيمة‪.‬ـ‬
‫ف ـاـلـنـوـاـزـلـ فـيـ اـلـق ـاـمـوـسـ اـلـفـقـهـيـ‪،‬ـ ت ـرـاـدـفـ اـلـفـت ـاـوـىـ فـيـ كـوـنـهـاـ أـجـوـبـةـ‬
‫لـمـسـاـئـلـ وـاـقـعـةـ‪.‬ـ‬
‫وواقعية النـــوازل تســـتتبعـ في حيثياتهاـ ومالبســـاتها‪،‬ـ تصـــوير المحيط‬
‫االجتماعيـ واالقتصادي والسياسي الذي تصدر فيه‪ ،‬وتصــور ألوان ـا ً من حيــاة‬
‫المستفتينـ والعوائد التي جرت عليها معامالتهم في الشــؤون المالية واألحــوال‬
‫الشخصــية‪ .‬كما تُعطي صــورة مشــرقة للعقلية الفقهيــة‪،‬ـ وحسن تصــرفها في‬
‫الفتـوى‪ ،‬وتعاملها مع المصـادر الفقهيــة‪ ،‬وانفتاحها على المجتمـع‪ ،‬ومعايشــتها‬
‫للواقع وما يســتجد فيه من تغــيرات‪،‬ـ وكيف أن البحث الفقهي كــان يتقاضــاهمـ‬

‫(?) وهذا كما قال أبو محمد بن أبي زيد في صـدر كتابه النـوادر‪...(( :4 ،1/3‬وأذن لهم في‬ ‫‪1‬‬

‫االجتهاد في أحكامهم والحوادث النازلة بهم‪ ،‬مما ليس بنص عندهم في الكتاب والسـنة نصـاً‬
‫ال يختلف في تأويله))‪ .‬وقــال أيضـاً(‪ :)1/9‬ـ ((قــال مالــك‪ :‬لم يكن الــذين مضــوا أكــثر النــاس‬
‫مســائل‪ ،‬وأراهم إنما يكرهــون التكلف إلى ما ينتهي إلى التنطــع‪ ،‬وال يكرهــون ما يــبين به‬
‫ال‪ ،‬وما يعرض من النوازل‪ ،‬وكان يقال‪ :‬إذا نزل الشيء أعين عليه صاحبه))‪.‬‬ ‫للمتعلم مشك ً‬
‫(?) ومن ذلك قول الحطاب في فصل سجود الســهو (‪2/315‬ط‪ .‬عــالم الكتب)‪ :‬فائــدة‪ :‬قــال‬ ‫‪2‬‬

‫ابن العربي‪ :‬نــزلت نازلة ببغــداد في أبْك َم أشــار في صــالته‪ ،‬فقــال بعض شــيوخنا‪ :‬بطلت‬
‫صــالته; ألن إشــارة األبكم ككالمــه‪ ،‬وقــال بعضــهم‪ :‬ال تبطــل; ألن اإلشــارة في الصــالة‬
‫جائزة‪.‬‬
‫وقــال أيض ـا ً في موضع آخر في أبــواب الصــيام (‪ :)3/310‬فائــدة‪ :‬قــال ابن نــاجي وقعت‬
‫نازلة ببغداد‪ ،‬في رجل حلف بالطالق وهو صائم أن ال يفطر على حــار وال بــارد‪ .‬فــأفتى‬
‫ابن الصباغ إمام الشافعية بحنثه إذ ال بد له من أحدهما‪ ،‬وأفتى الشيرازي بعدم حنثه قــائالً‬
‫إنه يفطر على غيرهما‪ ،‬وهو حصول الليل؛ لقوله عليه الصالة والســالم‪ِ« :‬إَذا َأْق َب َل اللَّيل‬
‫ائُم»‪ .‬وفتوى ابن الصــباغ أشــبه بمــذهب‬ ‫الص ِ‬
‫طَر َّ‬‫اهَنا َفَقْد َأْف َ‬
‫ن هَ ُ‬
‫ار ِم ْ‬
‫النَه ُ‬
‫اهَنا َوَأْدَبَر َّ‬
‫ن هَ ُ‬
‫ِم ْ‬
‫مالك؛ ألنه يعتبر المقاصد‪ ،‬وفتوى الشيرازي صري ُح مذهب الشافعي‪.‬‬
‫ــ ‪ 38‬ـ‬
‫التقصي في معرفة دقــائق المالبســات الــتي تحيط بالمســائل المدروســة‪ ،‬حــتى‬
‫تكون الفتوى فيها مطابقةـ لحقيقة الواقع‪.‬‬
‫ولما كانت تصرفات الناس وتقلبــاتهم في مختلف أحــوالهم‪ ،‬تســتدعي بال ُبـ ٍّد‬
‫وقائ َع يحتـاجون فيها إلى معرفة حكم الشـرع الحـنيف‪ ،‬حـتى يكونـوا على بينة من‬
‫أمــرهم‪ ،‬وفقه من دينهم‪ ،‬ال جــرم كــانت الفتــوى حاجة مســتمرة مسترســلة على‬
‫األزمان‪ ،‬وكان شأنها عظيماً في االعتبار الشرعي‪ ،‬وفرضي ُتها متأكدة على األمــة‪،‬‬
‫بإيجاد المفتين األكفياء في كل زمان‪ .‬قال تعالى‪ :‬ﮋﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾﮊ(‪.)1‬‬
‫ثم إن بعض ما يصدر من فتاوى المفتين وأجوبتهم‪ ،‬ربما يموت صــاحبها‬
‫دون أن يدونها في كتــاب‪ ،‬وال جــاء من يجمعها من بعــده‪ ،‬فتبقى منثــورة يتناقلها‬
‫تالميــذه ومعاصــروه ســماعاً‪ ،‬وقد يــروى بعضــها عنه في فهــارس الشــيوخ‬
‫وبرامجهم ومشيخاتهم‪ ،‬وربما أودعها بعض المؤلفين المتأخرين في كتبهم‪.‬‬
‫وبعضـــها اآلخر ربما كتب له حظ من البقـــاء واالنتشـــار بتحريـــره في‬
‫قراطيس‪ ،‬وحفظه لدى المفتي الذي أفتاه في جملة تقاييــده وطروســه‪ ،‬ثم قد تســنح‬
‫السوانح له أو لغيره بعد تكاثره‪ ،‬لجمع نُ َثاره وإفراده في كتــاب بعد ترتيبه وتهذيبه‬

‫(?) سورة التوبة‪.22/‬‬ ‫‪1‬‬

‫قال العالمة ابن عاشور ~ في التعليق على هذه اآلية‪:‬‬


‫بث علومه وآدابه بين األمة‪ ،‬وتكوين جماعــات قائمة بعلم‬ ‫وإذ قد كان من مقاصد اإلسالم ُّ‬
‫=‬ ‫الدين وتثقيف أذهان المسلمين‪ ،‬كي تصلح سياسة األمة على ما قصده الدين منها‪،‬‬
‫أن ليس من المصــلحة تمحُّ ضُ‬ ‫التحــريض على الجهــاد بما يُــبين ْ‬
‫َ‬ ‫= من أجل ذلك عقَّ َ‬
‫ب‬
‫وأن ليس حظ القــائم بــواجب التعليم دون حظ‬ ‫المسلمين كلهم ألن يكونــوا غــزاة أو جنــداً‪ْ ،‬‬
‫الغــازي في ســبيل هللا‪ ،‬من حيث إن كليهما يقــوم بعمل لتأييدـ الــدين‪،‬ـ فهــذا يؤيــده بتوسع‬
‫سلطانه وتكثير أتباعه‪ ،‬واآلخر يؤيــده بتثــبيتـ ذلك الســلطان وإعــداده ألن يصــدر عنه ما‬
‫يضمن انتظام أمره وطول دوامــه‪ ،‬فــإن اتســاع الفتــوح وبســالة األمة ال يكفيــان الســتبقاء‬
‫ســلطانها إذا هي خلت من جماعة صــالحة من العلمــاء والساسة وأولي الــرأي المهتمينـ‬
‫بتدبير ذلك السلطان‪ .‬ولذلك لم يثبت ُملك اللمتونيينـ في األندلس إال قليالً حتى تقلص‪ ،‬ولم‬
‫تثبت دولة التتــار إال بعد أن امــتزجوا بعلمــاء المــدن الــتي فتحوها وو َكلــوا أمر الدولة‬
‫إليهم‪.‬اهـ‪ .‬من التحرير والتنوير (‪ 11/59‬ط‪.‬التونسية)‪.‬‬
‫ــ ‪ 39‬ـ‬
‫وتنقيحــه‪ ،‬ليسترشد به المفتــون من بعــده في معرفة الفتــوى ومناهجها(‪ ،)1‬فينسب‬
‫إليه فيما بعد‪ ،‬فيعرف بنوازل فالن‪ ،‬كنـوازل سـحنون ونـوازل ابن رشد ونـوازل‬
‫ال َع َلمي الشفشاوني‪.‬‬
‫ثم يجيء بعد ذلك من يجمع هـــــذه الفتـــــاوى ألهل بلد أو قطر أو إقليم‪،‬‬
‫كنــوازل القــيروان‪ ،‬أو بجايــة‪،‬ـ أو مازونــة‪ ،‬أو فــاس‪ ،‬أو غرناطــة‪،‬ـ أو قرطبــة‪،‬‬
‫وكنــــوازل األنــــدلس‪ ،‬أو المغــــرب‪ .‬ولعل أجمع كتــــاب في ذلك وأوعبه هو‬
‫"المعيــار المعــرب والجــامع ال ُمغــرب عن فتــاوى علمــاء إفريقية واألنــدلس‬
‫والمغرب" للعالمة أبي العباس أحمد بن يحي الونشريسي المتوفى بفــاس ســنة‬
‫‪914‬هـ(‪.)2‬‬
‫ابتناء النوازل في مادتها على كتب الفقه العامة‬
‫يتحصل مما تقدم‪ :‬أن النــوازل من الفقه العملي التطــبيقي‪ ،‬الــذي يالمس‬
‫مجريات الحياة‪ ،‬ويتعاطىـ مع وقائعها الحقيقيــة‪ ،‬حكم ـا ً عليها وتوجيه ـا ً للنــاس‬
‫فيها‪ ،‬إال أنه يستند في ذلك إلى فقه نظــري مــدون في المصــنفات‪ ،‬ومســتوعب‬
‫في ذهن الفقيه استيعابا ً بيِّنـا ً من كـثرة المطالعة واالسـتظهار‪ ،‬بحيث يـدرك أن‬
‫هذه الواقعة أو النازلة‪ ،‬ترجع في معناها إلى الفرع الفالني من كتــاب الطهــارة‬
‫(?) وذلك أن الفتوى كما تستند في جانب منها إلى العلم النظري‪ ،‬تســتند في جـانب آخـر‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫إلى التجربة والتدرب العملي المتصل بمعرفة أخالق الناس وأعرافهم‪ ،‬قال ابن ســهل في‬
‫صدر كتابه "اإلعالم بنوازل األحكام" ص‪ :26 ،25‬كثيرا ما سمعت شيخنا أبا عبد هللا بن‬
‫عتاب رضي هللا عنه يقول‪ :‬الفتيا صنعة‪ .‬وقد قالها قبله أبو صــالح أيــوب بن ســليمان ~‪،‬‬
‫قال‪ :‬الفتيا دربة‪ .‬وحضرت الشورى في مجالس الحكام ما دريت ما أقــول في أول مجلس‬
‫شاورني ســليمان بن أســود وأنا أحفظ المدونة والمســتخرجة الحفظ المتقن‪ .‬ومن تفقد هــذا‬
‫المعنى من نفسه ممن جعله هللا إماما ً يُلجأ إليه ويعول الناس في مســائلهم عليــه‪ ،‬وجد ذلك‬
‫حقاً وألفاه ظاهراً وصــدقاً‪ ،‬ووقف عليه عيانـا ً وعلمه ُخ ْبــرا‪ .‬قـال‪ :‬والتجربة أصل في كل‬
‫فن‪ ،‬ومعنى مفتقَر إليه في كل علم‪.‬اهـ‪ .‬وينظر‪ :‬المعيار المعرب‪.10/78‬‬
‫ً‬
‫(?) طبع على الحجر في فاس في تسـعة أجـزاء‪ ،‬ثم طبع في بـيروت في ‪13‬مجلـدا‪ .‬ولعل‬ ‫‪2‬‬

‫من الفوائد أن نشير هاهنا إلى أن الونشريسي اعتمد في تــأليف المعيــار‪ ،‬على مكتبة بــني‬
‫الغرديس التغلبيينـ الــتي كــانت عــامرة بفــاس في أيــام الوطاســيين‪ .‬قــال الشــيخ عبد الحي‬
‫الكتاني‪ ،‬في محاضرته عن "تاريخ المكتبات اإلسالمية" (ص‪ :)86‬وال زلنا نسمع أن من‬
‫بقية أوراقها المشــتتة اســتفاد حافظ المــذهب المــالكي بــالمغرب أبو العبــاس أحمد بن عبد‬
‫الواحد الونشريسي‪ ،‬ثم الفاسي‪ .‬كــان يأخــذها منهم ويحملها على حمــار‪ ،‬ومنها ألف كتابه‬
‫المعيار‪.‬اهـ‪ .‬وقوله‪ :‬بن عبد الواحد‪ ،‬وهم‪ ،‬بل هو‪ :‬بن يحي‪.‬‬
‫ويحسن هنا أن نشير إلى سمي المعيار ونظيره في االستيعاب‪ ،‬وهو نوازل المهــدي‬
‫الــوزاني ~ (ت‪1342‬هـ ـ) المعروفة بالمعيــار الجديــد‪،‬ـ وصــفه الجيــدي ~ بأنه أجــود من‬
‫معيار الونشريسي من حيث القيمة‪ ،‬مع ما يمتاز به من نقل فتــاوي المتــأخرين‪ .‬طبع على‬
‫الحجــر‪ ،‬ثم طبع طبعة حديثة بعناية وزارة األوقــاف المغربية في‪11‬مجلــدا‪ ،‬تحت عنــوان‬
‫النوازل الكبرى‪ ،‬تمييزاً له عن فتــاو أخــرى له تســمى النــوازل الصــغرى المســماة المنح‬
‫السامية في النوازل الفقهية‪.‬‬
‫ــ ‪ 40‬ـ‬
‫أو الصالة أو النكاح أو البيوع‪ ،‬أو غــير ذلــك‪ ،‬بما يجــده بينهماـ من التطــابقـ أو‬
‫التشــابهـ والتنــاظر‪ .‬وعندئذ يظهر للفقيه المطلــع‪ ،‬أن كثــيراً مما يســميهـ النــاس‬
‫اليــوم قضــايا معاصــرة‪ ،‬منصــوص عليه بعينهـ أو بشــبهه‪،‬ـ في الكتب الفقهية‬
‫القديمة‪.‬‬
‫ومن هنا كـــانت النـــوازل بمفهومها الشـــائع المســتقر عند المتـــأخرين‪،‬‬
‫متأخرة في الرتبة عن التدوين الفقهي العام؛ لكونها تنزع بضرب من التخــريج‬
‫للفـروع على الفـروع‪ ،‬وتحقيق منـاط المنصوصـات في الواقعـات‪ .‬وإن كنا ال‬
‫ننفي أن جملة غــير قليلة من المســائل المدونة في الفقه النظــري العــام‪ ،‬مبنيةـ‬
‫على وقائع حقيقية‪ ،‬ال سيما في فقه أهل المدينةـ الذي يعتمد على الواقعات(‪.)1‬‬
‫وهــذا بحسب النظر إلى الواقع الــذي ســارت فيه الفتــوى بعد اســتقرار‬
‫المـــذاهب الفقهية في الـــدواوين واســـتتب العمل بها في األمصـــار‪ ،‬وإال فـــإن‬
‫األصل في الفتـــوى أن تبـــنى على اجتهـــاد مطلق ليس له مرجع إال األصـــول‬
‫المعتـــبرة في التشـــريع‪ ،‬من الكتـــابـ والســـنة واإلجمـــاع واعتبـــارـ الفـــروع‬
‫باألصول‪ ،‬وهذا ما اصطبغ به عهد الموحدين إلى حد ما‪.‬‬
‫ولما كان الشأن كذلك‪ ،‬وكان ال ُمفتون يرجعون في المسائل التي يسألون‬
‫عنها‪ ،‬إلى الكتب الفقهية التي رووها عن شــيوخهم ودرســوها عليهم‪ ،‬وتفقهــوا‬
‫منها بالحفظ والمــذاكرة‪ ،‬مع معونة المطالعةـ للشــروح والكتب المســاعدة على‬
‫بيان ُمش ِكلها وحل ُمقفَلها‪ ،‬لما كان الشأن كذلك نشأ عرف في كل إقليم باإلفتــاء‬
‫من كتب موثوقة محـــررة‪ ،‬ومعتمـــدة في نقل األقـــوال عن مالك وأصـــحابه‪،‬‬
‫صــحيحة الســند إلى مصــنفيها‪ ،‬أو مســتغنيةـ عن ذلك بشــهرتهاـ(‪ .)2‬فاشــتهر من‬
‫ذلك في المغـرب في الـزمن القـديم المدونة في أشــهر مختصـراتها‪ ،‬والعتبيــة‪،‬ـ‬

‫(?) فقد روى ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضــله(‪ ،2/280‬ط‪.‬مؤسسة الريــان) عن‬ ‫‪1‬‬

‫خارجة بن زيد بن ثــابت‪ ،‬عن أبيــه‪ ،‬أنه كــان ال يقــول برأيه في شــيء يســأل عنــه‪ ،‬حــتى‬
‫يقول‪ :‬أنزل أم ال؟ فإن لم يكن نزل لم يقل فيه‪ ،‬وإن يكن وقع تكلم فيه‪ .‬قال‪ :‬وكان إذا سُئل‬
‫عن مسألة فيقول‪ :‬أوقعت؟ فيقال له‪ :‬يا أبا سعيد ما وقعت‪ ،‬ولكنا نُ ِعـ ُّدها‪ ،‬فيقــول‪ :‬دعوهــا‪،‬‬
‫فإن كانت وقعت أخبَ َرهم‪.‬اهـ‪ .‬وروى عن عمر بن الخطاب رضي هللا عنه أيضــا ً كراهية‬
‫السؤال عما لم يقع‪.‬‬
‫(?) فقد ذكر النووي في مقدمة المجموع (‪ )1/46‬ـ وأصله البن الصالح في أدب المفتي ـ‬ ‫‪2‬‬

‫أنه ال يجوز لمن كانت فتــواه نقالً لمــذهب إمــام‪ ،‬إذا اعتمد على الكتب‪ ،‬أن يعتمدـ إال على‬
‫كتاب موثوق بصحته‪ ،‬وبأنه مذهب ذلك اإلمام‪ .‬قال‪ :‬فإن وثق بــأن أصل التصــنيف بهــذه‬
‫الصفة‪ ،‬لكن لم تكن هذه النسخة معتمدة‪ ،‬فليســتظهر بنسخ منه متفقــة‪ ،‬وقد تحصل له الثقة‬
‫من نسخ ٍة غير موثوق بها‪ ،‬في بعض المسائل إذا رأى الكالم منتظما وهو خبير فطن‪ ،‬ال‬
‫يخفى عليه لدُربته موض ُع اإلسقاط والتغيير‪.‬اهـ‪ .‬وينظــر‪ :‬تبصــرة الحكــام‪ ،61 ،1/60‬ط‪.‬‬
‫الكتب العلمية‪.‬‬
‫ــ ‪ 41‬ـ‬
‫ونوادر ابن أبي زيد‪ ،‬وجامع ابن يــونس‪ ،‬وبيــان ابن رشــد‪ ،‬ومقدماتــه‪،‬ـ ومنتقى‬
‫الباجي(‪.)1‬‬
‫وفي األزمنة المتــأخرة اعتمد النــاس على المتــون المجــردة المختصــرة‬
‫وشــروحها وحواشــيها‪،‬ـ كالرســالة وشــروحها زروق وابن نــاجي وجســوس‬
‫والقلشــاني‪ ،‬وغــيرهم‪ ،‬وكمختصر خليل وشــروحه وحواشــيها كالزرقــاني مع‬
‫حاشية الرهوني والتاودي بن سودة‪ ،‬والبناني‪ ،‬والخرشي مع حاشــية العــدوي‪،‬‬
‫والدردير مع حاشية الدسوقي‪.‬‬
‫فمن أجــال النظر في كتب النــوازل وجــدها في عامة إحاالتها ونقولهــا‪،‬‬
‫معتمدة على ما ذكرنا من الكتب وغيرها مما يشــبهها في الوثــوق والشــهرة(‪.)2‬‬
‫وذلك يـــدل على القيمة المطلقة الـــتي تتمتعـ بها المصـــنفات الفقهية الجامعـــة‪،‬‬
‫كالمدونة والبيـــانـ والمنتقىـ وجـــامع ابن يـــونس وتبصـــرة اللخمي‪ ،‬وأنها هي‬
‫المصـــدر األســـاس لتحصـــيل الملكة الفقهية واإلحاطة باألحكـــام‪ ،‬وأما كتب‬
‫النــوازل فيســتفيد منها المطــالع‪ ،‬بعد تمكنــه‪ ،‬في االسترشــاد إلى التعامل مع‬
‫األسئلة وما تتضمنهاـ من معضالت فقهيـة‪ ،‬وتكييفها تمهيـداً لردها لـدى البحث‬
‫إلى مظانهاـ من األبواب والموضوعات في المصادر‪.‬‬
‫السمات العامة لمدونات النوازل‬
‫من الصعب اإلحاطة بوصف ضابط لكتب النوازل‪ ،‬ألسباب عديدة منها‬
‫التباعد الزمني بين بعضها‪ ،‬فنــوازل المتقـدمينـ كسـحنون أو عيسى بن دينـار‪،‬‬
‫وهما من أهل القرن الثالث‪،‬ـ أجوبة مختصرة كأجوبة المدونــة‪ ،‬بخالف نــوازل‬
‫المتــأخرين فــإن كثــيراً منها مفصــل‪ ،‬وفيه اســتطرادات ومباحثــات‪ ،‬وإحــاالت‬
‫على كتب وأبـــواب فقهيـــة‪ ،‬بل بعض النـــوازل الـــتي انطـــوى عليها جـــامع‬
‫البرزلي(‪ )3‬وكذا الونشريسي‪ ،‬هي أشــبه بــالبحوث من طولها والتفاصــيلـ الــتي‬
‫فيها‪ ،‬وتصلح أن تخرج في رسائل مفردة‪.‬‬
‫ومن أسباب التباين أيضا ً ـ وإن كان أثره خفيفا ً طفيفا ً ـ اختالف األحوال‬
‫االجتماعية واألعراف الناشئةـ عنها‪ ،‬تبعاًـ الختالف الدول‪ ،‬فاألندلس كــانت في‬
‫(?) ينظر المعيار المعرب‪ ،11/109‬في جواب السرقسطي لمسترشد له إلى ما يفتي به‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) فنـــوازل ابن رشد مثالً تحتـــوي على كثـــير من المصــادر الفقهية العامـــة‪ ،‬كالمدونة‬ ‫‪2‬‬

‫والعتبيةـ والواضحة والموازية ومختصر ابن عبد الحكم‪ .‬ونــوازل الــبرزلي تحتــوي على‬
‫بعض هــذه الكتب‪ ،‬والرســالة والنــوادر وتهــذيب الــبراذعي‪ ،‬ومختصر ابن الحــاجب مع‬
‫شروحه‪.‬‬
‫(?) يسمى‪ :‬جامع مسـائل األحكـام لما نـزل من القضـايا بـالمفتين والحكـام‪ .‬جمع فيه فتـاوى‬ ‫‪3‬‬

‫كبار شيوخ اإلفريقيين واألندلسيين والمغاربـة‪ ،‬واشـتمل على مراجعـات ومنـاظرات جـرت‬
‫بين علماء هذه البلدان‪ .‬اختصره جماعة منهم أحمد حلولو اليزليطي والونشريسي وأفــاد منه‬
‫في المعيار‪ ،‬وكذا العلمي في نوازله‪ .‬وطبع في سبعة مجلدات بتحقيق محمد الحبيب الهيلة‪.‬‬
‫ــ ‪ 42‬ـ‬
‫فجر تاريخها اإلسالمي تحظى باالستقرار واالزدهــار‪ ،‬والغلبة فيها للمســلمين‬
‫والدولة في عنفوانهاـ وتألقها‪ ،‬فكــانت الفتــاوى تعكس هــذه األوضــاع المســتقرة‬
‫المتناميـــة‪ ،‬بخالف الحـــال في عهد ملـــوك الطوائف وما دهاها من الفتن من‬
‫جراء ذلك‪ ،‬وكذلك في عهد ما بعد الموحدين إلى سقوط غرناطــة‪،‬ـ حيث كــانت‬
‫مـذكرة التـاريخ تسـجل يوميـاتـ غـروب األنـدلس وأصـيل عهد اإلسـالم بهـا‪،‬‬
‫بتتــابعـ ســقوط حصــونها‪ ،‬وضــياع أمجــاد المســلمين هنالك من تحت أيــديهم‪،‬‬
‫فنشـأت أوضـاع تسـتدعيـ فقهـا ً اسـتثنائياً‪ ،‬وكـثرة نـوازل الـردة‪ ،‬ودفع الجزية‬
‫للعدو‪ ،‬والهجرة من البلدان التي تغلب عليها‪،‬ـ وما أشبه ذلك‪.‬‬
‫ومجــــاورة المســــلمين للنصــــارى في األنــــدلس‪ ،‬ظهر أثرها في الفقه‬
‫األندلسي العـــام والنـــوازلي‪ ،‬في بيـــانـ األحكـــام المتصـــلة بالتعامل مع غـــير‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫وعلى أي حال فاختالف الظروف واألحوال واألعراف على المجتمــع‪،‬‬
‫بين المغـرب واألنــدلس عمومـاً‪ ،‬أو بين العهــدين القـديم والحــديث ألحد هــذين‬
‫اإلقليمين‪،‬ـ وتأثر النــوازل بهــذا االختالف‪ ،‬غــير مــانع من تلمس المنحى العــام‬
‫المتشابه لدواوين هذا النوع من الفقه‪ .‬فمن ذلك‪:‬‬
‫أوال ـ العم وم والش مول‪ :‬فكتب الفتــاوى أو النــوازل ال تقتصر على‬
‫أبــواب الفقه المعروفــة‪ ،‬بل تتعــداهاـ إلى مســائلـ تتصل باالعتقــاد‪ ،‬وأخــرى‬
‫باألخالق وثالثة بالسلوك واآلداب والزهد والتنسك‪.‬ـ‬
‫ثانيا ـ ع دم الص لة الموض وعية بين المس ائل‪ :‬وهــذا واضح من كــون‬
‫الفتــاوى قبل الجمع مســائل متنــاثرة‪،‬ـ ومفــردات منفصل بعضــها عن بعض‪،‬‬
‫وأقصى ما يمكن أن يفعله الجــامع في الربط بينهــا‪ ،‬أن يرتبها حسب األبــواب‬
‫الفقهية والموضوعات الدينية األخرى‪.‬‬
‫ثالثا ـ ك ون ال ذين جمعوها غالب ا ً غ ير المف تين‪ :‬إما أوالدهم كما فعل‬
‫محمد بن القاضي عياض في جمع نــوازل أبيهـ في كتــابـ "مــذاهب الحكــام في‬
‫نـوازل األحكـام"‪ ،‬أو تالميـذهمـ كما في فتـاوى ابن رشد الـتي جمعها ثالثة من‬
‫تالميذه‪ :‬أبو الحسن الوزان القرطبي‪،‬ـ وأبو مــروان عبد الملك بن مســرة‪ ،‬وأبو‬
‫بكر محمد بن خير‪ ،‬ومسائل ابن زرب التي جمعها صــاحبه يــونس بن عبد هللا‬
‫ابن الصفار‪ ،‬والنوازل الصغرى والكبرى ألبي الســعود الفاســي‪ ،‬حيث جمعها‬
‫بعض تالمذتـــه‪ .‬وقد يجمعها واحد من المتـــأخرين‪،‬ـ يســـتخرجها من بطـــون‬
‫الكتب‪ ،‬كما فعل الـــدكتور محمد أبو األجفـــان ~ في جمع نثـــارة من فتـــاوى‬
‫الشــــاطبي‪ ،‬والــــدكتور حميد لحمر في جمع نثــــارة من فتــــاوى ابن أبي زيد‬
‫القيرواني‪ ،‬وفتاوى اللخمي‪.‬‬
‫ــ ‪ 43‬ـ‬
‫رابعا ـ الطابع اإلقليمي‪ :‬فجامع الفتاوى قد يحصر مجموعه على فتاوى‬
‫أهل بلـــــده أو إقليم معين‪،‬ـ كما فعل الشـــــيخ عبد العزيز بن الحسن الزيـــــاتي‬
‫الغماري (ت‪1055‬هـ) حيث جمع فتاوى أهل بلده‪ ،‬في مجموع سماه‪ :‬الجــواهر‬
‫المختـــــارة فيما وقفت عليه من النـــــوازل بجبـــــال غمـــــارة‪ .‬وكما فعل أحد‬
‫الغرناطيينـ في القــرن التاســع‪ ،‬في جمعه فتــاوى أهل بلــده في مجمــوع ســماه‪:‬‬
‫الحديقة المســتقلة النضــرة في الفتــاوى الصــادرة عن علمــاء أهل الحضــرة(‪)1‬؛‬
‫يعني‪ :‬حضرة غرناطة‪.‬ـ‬
‫خامسا ـ الطابع الخصوصي‪ :‬فــالفتوى تنشأ بــإزاء واقعة ُمعرَّفة بزمانها‬
‫ومكانها وشخصها‪ ،‬وما يالبس ذلك من الخصائص العرفية الــتي قد يكــون لها‬
‫مدخل في الحكم‪ .‬لكن الطابعـ الخصوصي في النازلة‪ ،‬غير مــانع من صــالحية‬
‫حكمها لما يماثلها من الوقــــائع‪ ،‬صــــالحيةً مطلقة عن األشــــخاص واألزمنة‬
‫والبقاع؛ فإن كون صاحب الواقعة زيداً أو عمراً أو فاطمــة‪ ،‬وصف طــردي ال‬
‫تــــأثير لــــه‪ ،‬وكــــذلك وقوعها في المائة الثانية أو الســــابعة‪ ،‬أو في قرطبةـ أو‬
‫الجزائــر‪ ،‬كل ذلك ســاقط االعتبــار‪ ،‬ويبقى الحكم الشــرعي مجــرداً في أصــله‬
‫متصفا ً بالعموم واالطراد‪.‬‬
‫وقد طغى في هــذا الــزمن ترديد القــول بتغــير األحكــام والفتــوى بتغــير‬
‫األزمــان من غــير ضــابط‪ ،‬والتبس الحق في ذلك بالباطــل؛ إذ لو صــحت هــذه‬
‫األطروحة على إطالقها‪ ،‬لبطل أن تكون الشريعة اإلسالمية حاكمة على جميع‬
‫األزمنة إلى يــوم القيامــة‪ ،‬إذ معظم أحكامها نشــأت لمقتضى أســباب من واقع‬
‫حياة المجتمع القائم في الجزيــرة العربيةـ في زمن النــبي ×‪ ،‬وما من شــيء من‬
‫وجه تلك الحياة إال وقد طرأ عليه تغيي ٌـر ما‪َ ،‬شسَّع البوْ ن بين ناس ذلك المجتمع‬
‫وناس مجتمع اليوم‪ ،‬فالمسكن غير المسكن‪ ،‬والمركب غير المـركب‪ ،‬والملبس‬
‫غــير الملبس‪ ،‬والســالح غــير الســالح‪ ،‬ووســائل التعلم والعيش والكسب غــير‬
‫الوســـائل‪،‬ـ فعلى قاعـــدة إطالق التغـــير يجب أن ال يبقىـ حكم في الشـــريعة إال‬
‫ومقتضاه منعدم اليوم‪.‬‬
‫وربما تشــبث بعض النــاس‪ ،‬في ادعــاء تغــير األحكــام بــالزمن‪ ،‬بقاعــدة‬
‫فقهية تدل على هذا المعنى‪.‬ـ وهذه القاعدة ليست معروفة عند الفقهاء األقدمين‪،‬‬
‫وأول من قعــدها فيما أعلم مجلة األحكــام العدليــة‪ ،‬الــتي هي القــانون المــدني‬
‫العثمــاني المــدون في أواخر عهد الخالفــة‪ ،‬وصــيغتها‪ :‬ال ينكر تغــير األحكــام‬
‫بتغير األزمان(‪ .)2‬وهي فرع من فروع القاعدة الكلية من القواعد الخمس الــتي‬
‫بــني عليها الفقــه‪ ،‬وهي‪ :‬العــادة محكمــة‪ .‬على أن صــيغة الجملة المــذكورة‪ :‬ال‬
‫(?) ينظر الكالم عليه في‪ :‬فقه النــوازل عند المالكيــة‪ ،‬للــدكتور مصــطفى الصــمدي‪ ،‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 204‬وص‪.213‬‬
‫ــ ‪ 44‬ـ‬
‫ينكر تغير‪...‬الخ‪،‬ـ ال تعطي معــنى قاعــدياً‪ ،‬بل طارئـا ً نــادراً‪ ،‬لكن بعض النــاس‬
‫يفهمها فهما ً قاعدياً؛ أي على النحو اآلتي‪ :‬تتغيرـ األحكام بتغير األزمان‪ ،‬وهــذا‬
‫غلط فاحش على الشريعة‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فما معنى عدم إنكار تغير األحكام باألزمان الــذي ذكرته مجلة‬
‫األحكــام العدليــة؟ قيــل‪ :‬معنــاه أن الحكم قد يكــون مبينـاًـ على علة مرجعها إلى‬
‫عرف قائم‪ ،‬ثم يـزول ذلك العـرف أو يتغــير‪ ،‬فيتغــير حكمـه‪ ،‬ضـرورة دوران‬
‫الحكم مع علته وجــوداً وعــدماً‪ .‬وقد يكــون مبني ـاًـ على رعي مصــلحة معينــة‪،‬‬
‫فتتغير تلك المصلحة‪ ،‬فيتغير الحكم الذي بني عليها‪.‬ـ‬
‫ومثال ذلك أنه ثبتـ في الســنة الــترغيب في العنايةـ بالخيــل‪ ،‬لكونها عــدة‬
‫الغــزو ووســيلة الجهــاد‪ ،‬فال جــرم كــان كل ما يخــدم هــذه العــدة وينميها في‬
‫المســلمين‪،‬ـ كتربية الخيل وسياســتها واالعتنــاء بجيــاد ســالالتها وحفظها من‬
‫الهجن‪ ،‬والتدريب على ركوبها‪ ،‬والسباق عليها‪ ،‬ووقف األوقــاف على طعامها‬
‫وشرابها‪ ،‬كل ذلك كان عمالً صالحا ً مرغب ـا ً فيه مــأجوراً عليــه‪.‬ـ واليــوم انعــدم‬
‫منها أن تكـــون عـــدة للحـــرب‪ ،‬فبطل كل ما يتعلقـ بالعناية بها من الفضـــائل‪.‬‬
‫وكذلك سكنى الثغــور البحرية لقصد حراســتها من العــدو‪ ،‬كــان عمالً مــأجوراً‬
‫عليه‪ ،‬ورباطا ً في سبيلـ هللا‪ ،‬واليوم انتقلـ هذا المعنى إلى وسائل أخــرى‪ ،‬فبطل‬
‫الفضل المتعلق بسكنى هذه الثغور‪.‬‬
‫مثــالـ آخــر‪ :‬قضى النــبي × في المصــراة إذا ردها المشــتري بتــدليسـ‬
‫التصـرية‪ ،‬أن يردها معها صــاعا ً من تمــر‪ .‬ولو كــان المتبايعـان في موضع ال‬
‫تمر فيه‪ ،‬بل طعام الناس القمح أو األرز‪ ،‬كان عليه أن يرد صــاعا ً من الطعــام‬
‫الذي يطعمونــه‪،‬ـ وإنما ذكر التمر في الحــديث ألنه طعــام أهل المدينةـ يومئذ(‪.)1‬‬
‫وهــذا المعــنى مطــرد أيضـا ً في الصــنف الــذي تخــرج منه زكــاة الفطــر‪ ،‬فــإن‬
‫التنصيص على األصناف الخمسة المــذكورة في حــديث أبي ســعيد في الموطأ‬
‫وغيره‪ ،‬غير حاصرة‪ ،‬بل جارية مجرى التنبيه على جنس ما يخرج منه‪ ،‬وأنه‬
‫ما كان قوتا ً ألهل كل بلد‪ ،‬وهو المشهور في المذهب خالفا ً ألشهب(‪.)2‬‬

‫(?) مجلة األحكام العدلية‪ ،‬المـادة ‪ ،39‬ص ‪20‬؛ القاعـدة ‪ 38‬من شـرح القواعد الفقهية للزرقـا‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص ‪.226‬‬
‫ولعمري كيف يحتفل بها على أنها من القواعد المشــهورة‪ ،‬وينســبها البعض إلى المــذهب‬
‫المــالكي‪ ،‬منوهـا ً إلى أنها مكنت فقهــاءه من االنفتــاح على عصــورهم واســتنباط األحكــام‬
‫المالئمة لما استحدث من القضايا في أزمانهم؟ ينظر‪ :‬مقدمة تحقيق مطالع التمام للــدكتور‬
‫عبد الخالق أحمدون‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫(?) وينظر‪ :‬المنتقى للباجي‪5/106‬؛ المعلم للمازري‪.2/249‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) وينظر‪ :‬إكمال المعلم‪482 ،3/481‬؛ الذخيرة‪.168 ،3/167‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 45‬ـ‬
‫سادسا ـ الط ابع الم ذهبي‪ :‬كتب النوازل المغربيةـ تجمع فتــاوى لفقهــاء‬
‫مقلدين لمذهب مالك في الجملة‪ ،‬نقالً أو تخريج ـاً‪ ،‬وإن كــانت تقع لبعضــهم في‬
‫النــادر آراء في بعض المســائل‪ ،‬يتفــردون فيها بــترجيح قــول ضــعيف على‬
‫المشــهور‪ ،‬على خالف ما تقتضــيهـ أصــول اإلفتــاء‪ ،‬أو تــرجيح خالف مــذهب‬
‫مالك جملة‪ ،‬لدليل قوي يقتضي ذلك الترجيح‪ ،‬أو جلب مصلحة أو دفع مفســدة‪.‬‬
‫ولما كانت كتب الفتاوى معتمدة على كتب الفقه العام في المــذهب‪ ،‬في تخــريج‬
‫أحكــام المســائلـ الواقعــة‪ ،‬ال جــرم كــانت هــذه الكتب مصــدراً ثانويـاًـ مهمـاً‪ ،‬ال‬
‫يستغنيـ عنه الفقيه وال المتفقه‪،‬ـ في التعرف على مذهب مالك من وجوه عديدة‪،‬‬
‫كمعرفة كتبهـ وشيوخه على طبقاتهم‪ ،‬ووجه تخــريج الفــروع على الفــروع‪ ،‬أو‬
‫على أصول المذهب‪ ،‬والفوائد التي يكشف عنها االستطراد والبحث‪.‬‬
‫وقد يعيب أهل زماننا تقيد المفــتينـ بالمــذاهب الــتي تفقهــوا عليهــا‪ ،‬ولم‬
‫يرقــوا إلى درجة النظر في الخالف واختيــار األقــوى في النظر واألصح في‬
‫الدليل‪ ،‬كما يفعل بعض المفتينـ اآلن حيث ال ينسبون فتواهم إلى مــذهب معين‪،‬‬
‫بل ينســبونهاـ إلى الــدليل الــذي قــادهم إلى ما قــالوا‪ ،‬فيــنزلون أنفســهم في واقع‬
‫األمر‪ ،‬منزلة مالك والشافعي وأضرابهم من األئمة المجتهدين‪.‬ـ‬
‫وقد ناقشت طرفا ً من هذه المسألة في البحث الذي قدمته لهــذه النــدوة في‬
‫العام الماضــي‪ ،‬بعنــوان "نظــرات في االجتهــاد والتقليــد"‪.‬ـ وبينت أن المغالطة‬
‫التي ينطوي عليها هذا الرأي‪ ،‬تؤدي إلى فوضى فقهية ال نهايةـ لها‪ ،‬وقد بــدأت‬
‫بوادرها تتفاقم مع زيادة الدعوة إلى االجتهــاد وذم التقليــد‪ .‬وذكــرت أن المفــتي‬
‫في مسألة ما ال يخرج عن ثالث خيارات‪:‬‬
‫إما أن يذكر خالف األئمة في المسألة من غير ترجيح‪ ،‬فيوقع المســتفتي‬
‫في حيرة من أمره‪ ،‬أو يخلي بينهـ وبين هواه يتبع به ما يشاء‪.‬‬
‫وإما أن يقــول بقــول إمــام من األئمة المتقــدمين المجمع على إمــامتهم‬
‫وجاللتهم‪ ،‬المقتدى بهم‪ ،‬المحرر فقههم تحريراً تاما ً أصوالً وفروعاً‪.‬‬
‫وإما أن يقول بما يــراه مــذهبا ً لــه‪ ،‬فيجعل نفسه مجتهــداً من المجتهــدين‪،‬ـ‬
‫وإذ ذاك فيلزمه في كل مســــألة أن يتقصى ما فيها من االختالف واألدلــــة‪ ،‬ثم‬
‫يرجح ما يراه راجحاً‪ .‬وإذا أجاز اإلنسان لنفسه ذلك من غــير شــهادة أهل العلم‬
‫الراسخين له به‪ ،‬لــزم أن يكــون في األمة من المجتهــدين ما ال يحصــيه العــدد‪،‬‬
‫ولن يستطيعـ أحد أن يمنعـ أبسط طالب العلم من ادعاء ذلك‪.‬‬
‫فـــأي الخيَـــارات الثالثة أصـــلح للنـــاس‪ ،‬وأدعى لالســـتقرار في التعليم‬
‫ُّ‬
‫والفتوى والقضاء‪ ،‬وأصـون للفقه من أن يتســور على حرمته األدعيــاء؟ ثم لما‬

‫ــ ‪ 46‬ـ‬
‫كانت الفتوى ممارسة لمهنة الفقيه في الحيــاة العملية المتصــلة بعبــادات النــاس‬
‫ومعامالتهم وسائر تصرفاتهم‪ ،‬وكان ال بد لمن يتولى هذا المنصب المــنيفـ أن‬
‫يكون مر على مرحلة تعلم فيها حتى نجب وتأهل‪،‬ـ فأي الكتب الفقهية من غــير‬
‫مصـنفات المـذاهب‪ ،‬تصـلح لتخـريج الفقهـاء؟ فـإن قيـل‪ :‬يوضع للنـاس كتـاب‬
‫يختار فيه الصحيح في كل مسألة‪ ،‬الذي يؤيده الدليل من الكتــاب والســنة‪،‬ـ على‬
‫نحو ما أسلفنا في الفتوى في الواقعات‪ .‬قيل‪ :‬ال يخرج هذا الكتاب عن أن يكون‬
‫مذهبا ً لصاحبه الــذي ال أظن أنه يتجاسر على دعــوى أن يكــون أشد تمكن ـا ً في‬
‫الفقه من الشافعي مثالً‪ ،‬ومعنى ذلك أن يكون هذا الكتابـ في أحسن أحواله أقل‬
‫شأنا ً من أحسن ما صنف في مذهب الشافعي‪ .‬فإن زعم صــاحبه أنه استشــرف‬
‫المذاهب واألدلة‪ ،‬فتبين له الحق من الباطــل‪ ،‬والصــواب من الخطــأ‪ ،‬فال إخاله‬
‫إال قد اســتوى هو ومن يــوحى إليــه‪ ،‬إذ ليس وراء الطاقة البشــرية الــتي يظن‬
‫باألئمة المجتهــدين أنهم اســتنفدوها لــدى النظر في المســائل‪ ،‬إال الــوحي الــذي‬
‫يختص به األنبياء‪.‬‬
‫وهللا أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب‪.‬‬

‫‪  ‬‬

‫ــ ‪ 47‬ـ‬
‫ملحق في تسمية بعض ما جمعه الجزائريون من النوازل‬
‫‪ 1‬ـ الـــدرر المكنونة في نـــوازل مازونة ألبي زكريا يحي بن موسى المغيلي‬
‫المازوني ((في فتاوى معاصريه من أهل تونس وبجاية والجزائر وتلمسان‬
‫وغــيرهم‪ .‬ينقل عنه الونشريسي كثــيراً ولعله كــان عمدته في جمعه مــادة‬
‫المعيار ليضيف إليه نوازل فاس واألندلس))‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ فتاوي أحمد بن محمد بن الشهير بابنـ زاغو المغراوي التلمساني‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ مسائلـ الفتوى ألحمد بن محمد بن زآري التلمساني‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ فتاوي أحمد بن عيسى البَطِّيوي التلمساني‪.‬ـ‬
‫‪ 5‬ـ فتاوي عبد هللا بن محمد بن أحمد بن علي التلمساني‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ فتاوي محمد بن أحمد الشريف التلمساني‪.‬ـ‬
‫‪ 7‬ـ فتاوي محمد بن أحمد التلمسانيـ المشهور بالجالب‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ فتاوي محمد بن العباس ابن عيسى العبادي التلمساني‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ فتاوي محمد بن عبد هللا بن عبد الجليل التَّنَسي صاحب مسألة "فتوى يهــود‬
‫توات"‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ فتاوي أحمد بن محمد بن ذافال الجزائري‪.‬‬
‫‪ 11‬ـ فتاوي علي بن محمد الحلبي الجزائري‪.‬‬
‫‪ 12‬ـ فتاوي عبد القادر الراشدي القسنطيني‪.‬‬
‫‪ 13‬ـ فتاوي حميدة بن محمد العمالي الجزائري‪.‬‬
‫‪ 14‬ـ فتاوي محمد بن عبد الرحمن بن أبي العيش الخزرجي التلمساني‪.‬‬
‫‪ 15‬ـ فتاوي عمران بن موسى ال ِم ِش َّذالي البِجائي‪.‬ـ‬
‫‪ 16‬ـ فتاوي علي بن عثمان ال َم ْن َجاّل تيـ الزواوي البجائي‪.‬ـ‬
‫‪ 17‬ـ فتاوي عمر بن محمد الكماد األنصاري القسنطينيـ الشهير بالوزان‪.‬‬
‫‪ 18‬ـ فتاوي عبد الرحمن بن أحمد الدغيلي‪.‬‬
‫‪ 19‬ـ فتاوي علي الدنيسي‪.‬ـ‬
‫‪ 20‬ـ المســــائلـ المســــطرة في النــــوازل الفقهية لحسن بن علي بن بــــاديس‬
‫القسنطينيـ المعروف بابن قنفد‪.‬‬

‫ــ ‪ 48‬ـ‬
  

‫ ـ‬49 ‫ــ‬
‫خصائص النوازل الفقهية في الغرب اإلسالمي‬
‫‪ ‬د‪/‬يحيى سعيدي‬
‫كلية العلوم اإلسالمية جامعة الجزائر‬
‫الحمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول هللا‪ ،‬وعلى آله وصحبه و َمن‬
‫وااله‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فإن العنايةـ بأصول العلوم من أهم الطرق إلحياء األمة في جميع‬
‫المجاالت؛ ألن األمة محتاجة في نهضتها لجميع العلوم‪ ،‬والعنايةُ بأصول كلِّ‬
‫علم هو حفظٌ له‪ ،‬وتجديد لحياة األمة الدينية والدنيويةـ وتحقيق مصالحها‪.‬‬
‫وكذلك العناية بالنوازل والمسائل المستج َّدة‪ ،‬التي لها أثر على كيان‬
‫األمة العقدي‪ ،‬أو االقتصادي‪ ،‬أو االجتماعي‪،‬ـ أو السياسي‪،‬ـ أو التربوي‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫و َمن تأمل تاريخ المسلمين‪،‬ـ يجد أن لهم عنايةً فائقة بأصول العلوم‪،‬‬
‫ولهم عناية فقهيَّة بالنوازل التي ت َِج ُّد في حياة األمة‪ ،‬وردها إلى تلك األصول‪،‬‬
‫وتختصُّ هذه المقالة ببيانـ معنى النوازل وحقيقتها‪،‬ـ وأوصافها‪ ،‬وخصائصها‬
‫التي تمتاز بها في الغرب اإلسالمي‪( ،‬بالد شمال إفريقية األندلس)‪.‬‬
‫معنى النازلة في اللغة‬
‫النوازل جمع (نازلة)‪،‬ـ والنَّازلة اسم فاعل من (نزل ينزل)‪ ،‬إذا حلَّ‪،‬‬
‫ومن ذلك القنوت في النوازل(‪.)1‬‬
‫قال ابن فارس‪(( :‬النون والزاي والالم))‪ :‬كلمة صحيحة‪ ،‬تدل على‬
‫()‬
‫هبوط شيء ووقوعه)) ‪. 2‬‬
‫فهي المصيبة الشديدة تنزل بالناس‪ ،‬يقال نزلت بهم نازلة‪ ،‬ونائبة‪،‬ـ‬
‫وحادثة‪،‬ـ ثم آبدة‪ ،‬وداهية وباقعة ثم بائقة وحاطمة وفاقرة ثم غاشية وواقعة‬
‫()‬
‫وقارعة ثم حاقة وطامة وصاخة ‪. 3‬‬
‫وهذا التقسيم اللغوي للنوازل باعتبار درجة ومرتبة شدة هذه النازلة‬
‫بالناس‪ ،‬وتجمع على نوازل ونازالت‪.‬‬
‫وأما في االصطالح‬

‫(?) انظر‪ :‬لسان العرب(‪ ،)11/656‬مادة‪( :‬نزل)‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر‪ :‬معجم مقاييس اللغة (‪.)5/417‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) فقه اللغة وسر العربية ألبي منصور الثعالبي ص‪ ،278‬بتحقيق د‪.‬فائز محمد‪ ،‬دار‬ ‫‪3‬‬

‫الكتاب العربي الطبعة األولى (‪1413‬هـ)‪.‬‬


‫ــ ‪ 50‬ـ‬
‫فقد شاع واشتهر عند الفقهاء إطالق النازلة على المسألة الواقعة‬
‫الجديدة التي تتطلَّب اجتهادًا‪ ،‬قال ابن عبد البر‪(( :‬باب اجتهاد الرأي على‬
‫األصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة))(‪.)1‬‬
‫وقال النووي‪(( :‬وفيه اجتها ُد األئمة في النوازل‪ ،‬ور ّدها إلى األصول))‬
‫()‬
‫‪ . 2‬وقال ابن القيم‪(( :‬وقد كان أصحاب رسول هللا × يجتهدون في النوازل))‬

‫(‪.)3‬‬
‫ويمكن أن يستنبط جملة من األوصاف للنازلة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ كونها واقعةً‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ كونها جديدة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ كونها شديدة‪.‬‬
‫وقد استنبط بعض أهل العلم هذه الشروط من المعنى اللغوي للنازلة(‪.)4‬‬
‫والذي يظهر لي أن الوصف األول والثاني وصفان طبيعيان لمعنى‬
‫النَّازلة؛ ألن المسألة التي تحتاج إلى اجتهاد شرعي في الغالب ال بد أن تكون قد‬
‫وقعت(‪ ،)5‬وكانت من المسائل الجديدة‪ ،‬وهذا في جميع المسائل‪ ،‬ثم تختص‬ ‫ْ‬
‫النازلة بكونها شديد ًة‪ ،‬بحيث تلتفت لها األمة في مجموعها‪ ،‬وتستدعي موقفاً‬
‫اجتهاد ًّيا شرع ًّيا‪ ،‬ويترتب على ترك االجتهاد فيها ضررٌ على المسلمين‪.‬‬
‫وهذا المعنى ـ وهو كونها تتَّصف بالشدة ـ وإن كان له أصل في‬
‫اللَّغة‪ ،‬لكن األقوى االستدالل عليه بما ورد في بعض نصوص السيرة‪ ،‬وفيها‬
‫أن النبي × كان يقنت في النَّوازل(‪ ،)6‬كما ورد في كتب الحديث (القنوت في‬
‫النوازل) (‪)7‬؛ أي‪ :‬ال َّشدائد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) جامع بيان العلم وفضله (‪.)2/55‬‬
‫(?) شرح النووي على صحيح مسلم(‪ .)1/213‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) إعالم الموقعين(‪ .)1/203‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) فقه النوازل لبكر أبو زيد (‪ .)1/24‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫(?) قلت‪" :‬في الغالب"؛ ألنه يجوز أن يسأل عن مسألة لم تقع‪ ،‬كما ورد في سؤال‬
‫ض َر َب ِإ ْحدَى‬ ‫بعض الصحابة في حديث‪َ« :‬أ َرَأيْتَ ِإنْ لَقيتُ َر ُجالً ِمنَ ال ُكفَّا ِر فَا ْقتَتَ ْلنَا‪ ،‬فَ َ‬
‫سلَ ْمتُ هللِ‪َ ،‬أ ْقتُلُهُ يَا َر ُ‬
‫سو َل هللاِ بَ ْع َد‬ ‫ف‪ ،‬فَقَطَ َع َها‪ ،‬ثُ َّم الَ َذ ِمنِّي ِبش ََج َر ٍة‪ ،‬فَقَا َل‪َ :‬أ ْ‬
‫س ْي ِ‬
‫ي بِال َّ‬ ‫يَ َد َّ‬
‫َأنْ قال َها؟‪ »...‬الحديث؛ أخرجه البخاري ‪ ،4/1474‬رقم (‪ ،)3794‬ومسلم ‪ ،1/95‬رقم (‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫‪ ،)95‬عن المقداد بن األسود ـ رضي هللا عنه‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) ومن ذلك قنوته ـ عليه الصالة والسالم ـ بعدما قُتل أصحابه القراء ‪ ‬انظر‪:‬‬
‫"صحيح البخاري" ‪ ،3/1156‬رقم (‪ ،)2999‬و"صحيح مسلم" ‪ ،1/468‬رقم (‪.)677‬‬
‫‪7‬‬
‫(?) انظر‪ :‬فقه النوازل‪ ،‬د‪ .‬محمد الجيزاني‪.)1/20( ،‬‬
‫ــ ‪ 51‬ـ‬
‫وقد عرَّفها بعض أهل العلم بقوله‪(( :‬ما استدعى حك ًما شرعيًّا من‬
‫الوقائع المستج َّدة))(‪ ،)1‬أو يقال‪:‬ـ هي الوقائع المستجدة الملحَّة‪.‬‬
‫وعرفها البعض اآلخر بقوله‪(( :‬الوقائع الجديدة التي لم يسبق فيها‬
‫نصٌ أو اجتهاد))(‪.)2‬‬
‫وإذا انضاف إلى ذلك كونها َّشديدة؛ أي‪ :‬متعلقة بأمور لها أهميتها في‬
‫ق بينهاـ وبين عموم المسائلـ الجديدة؛ إذ‬ ‫واقع األمة‪ ،‬يستقيمـ لنا حينئ ٍذ التفري ُ‬
‫ليس كل مسألة جديدة نازلة‪.‬‬
‫ويمكن تعريفها بأنها‪(( :‬الوقائع الجديدة ال َّشديدة التي ال نص فيها وال‬
‫اجتهاد))‪.‬‬
‫فالوقائع‪ :‬هي كل ما يقع للناس من قضايا ومسائل تحتاج إلى بيان‬
‫حكم الشرع فيها سواء كانتـ في أبواب العبادات أو المعامالتـ أو أحوال‬
‫األسرة أو ما يتعلق بالحدود والبيناتـ والدعاوى واألقضية وغيرها من قضايا‬
‫الناس االجتماعيةـ أو االقتصادية أو السياسية‪.‬ـ‬
‫والمراد بالجديدة‪ :‬قيد يخرج الوقائع القديمة التي سبق وأن وجد لها‬
‫حكم شرعي‪ ،‬أو ما زال النظر االجتهادي فيها قائ ًما‪.‬‬
‫والمراد بالشديدة‪ :‬قيد يخرج المسائل الجديدة غير الشديدة‪ ،‬ألن‬
‫الوقائع ال ّشديدة ملحة أي تحتاج إلى حكم شرعي في الحال وال تقبلـ االنتظار‪.‬ـ‬
‫أما قيد (التي ال نصّ فيها وال اجتهاد) لنخرج به المسائل التي سبق‬
‫فيها الحكم بنص أو إجماع‪ ،‬ولم يصدر فيها فتوى أو حكم شرعي من قبل‬
‫العلماء المجتهدين‪.‬‬
‫األلفاظ ذات الصلة بمصطلح النوازل‬
‫استخدم الفقهاء ألفاظًا أخرى تدل على معنى النوازل وهي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الفتاوى‪ :‬وهي األجوبة عما يشكل من المسائل الشرعية‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬فتاوى ابن أبي زيد القيرواني (ت‪386‬هــ)(‪،)3‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) انظر‪ :‬فقه النوازل‪ ،‬د‪ .‬محمد الجيزاني‪.)1/20( ،‬‬
‫(?) منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة لمسفر بن علي بن محمد القحطاني ص ‪90‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) هو أبو محمد عبدهللا بن أبي زيد عبدالرحمن النفزي القيرواني‪ ،‬إمام الـمالكية في‬
‫وقته‪ ،‬أخذ عن جـماعة منهم محمد بن مسرور والقطان واألبياني‪ ،‬وتفقه به أبو بكر بن‬
‫عبدالرحمن‪ ،‬والبرادعي واللبيدي وغيرهم‪ ،‬من تآليفه النوادر والزيادات‪ ،‬والرسالة‪،‬‬
‫والذب على مذهب مالك وغيرها‪ ،‬توفي سنة ‪386‬هـ‪.‬‬
‫ــ ‪ 52‬ـ‬
‫وفتاوى ابن رشد (ت‪520‬هــ)(‪.)1‬‬
‫وفتاوى الشاطبيـ (ت‪790‬هــ)(‪.)2‬‬
‫وفتاوى البُر ُزلي (ت‪841‬هــ)(‪.)3‬‬
‫واشتهر هذا المصطلح عند الحنفية والمالكية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ األجوبة أو الجوابات‪ ،‬أو األسئلة‪ ،‬أو األسئلة واألجوبة‪ :‬ويقصد‬
‫بها أجوبة المفتي عن األسئلة التي قدمت إليه ليفتي فيها في أمر مشكل‪.‬‬
‫ومن المؤلفات في ذلك‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫ـ األجوبة ألبي الحسن علي بن محمد القابسي (ت‪403‬هــ) ‪،‬‬
‫ـ واألسئلة لمحمد بن إبراهيم بن عباد (ت‪792‬هــ)(‪.)5‬‬
‫‪ 3‬ـ العمل أو العمليات‪ :‬وهي ما اتفق أهل بلد ما على العمل به‪،‬‬
‫كعمل أهل فاس‪.‬‬
‫انظر‪ :‬طبقات الفقهاء للشيرازي ص ‪ ،160‬ترتيب الـمدارك للقاضي عياض (‪ 2/492‬ـ‬
‫‪ ،)497‬سير إعالم النبالء للذهبي (‪ 17/10‬ـ‬
‫‪1‬‬
‫(?) هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي المالكي‪ ،‬زعيم فقهاء وقته بأقطار األندلس‬
‫والمغرب‪ ،‬تفقه بابن رزق وابن فرج وجماعة‪ ،‬وعنه ابنه أحمد والقاضي عياض وغيرهم‪،‬‬
‫تصانيفه كثيرة أهمها‪ :‬البيان والتحصيل‪ ،‬المقدمات والممهدات على المدونة‪ ،‬توفي سنة ‪520‬هـ‪.‬‬
‫انظر ترجمته في‪ :‬سير أعالم النبالء ( ‪ ،)19/501‬الديباج ( ‪ ،)2/248‬بغية الملتمس ص ( ‪،)50‬‬
‫تذكرة الحفاظ ( ‪ ،)4/127‬شذرات الذهب ( ‪ ،)4/62‬شجرة النور ص ( ‪ ،)129‬األعالم ( ‪5/389‬‬
‫)‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) هو اإلمام إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشاطبي‪ ،‬له القدم الراسخة‬
‫واإلمامة العظمى في الفنون فقها وأصوال وتفسيرا وحديثا وغيرها‪ ،‬له مؤلفات عظيمة‬
‫منها‪ :‬الموافقات واالعتصام‪ ،‬توفي سنة ‪790‬هـ‪ .‬انظر ترجمته‪ :‬نيل االبتهاج للتنبكتي‪ ،‬تقديم عبد‬
‫الحميد الهرامة‪ ،‬ط ‪ 1398 :1‬هـ ‪1989‬م‪ ،‬كلية الدعوة اإلسالمية‪ ،‬طرابلس‪ ،‬ليبيا‪ ،‬ص ( ‪،)48‬‬
‫األعالم ( ‪ ،)1/71‬معجم المؤلفين لكحالة ( ‪ )1/118‬إيضاح المكنون للبغداي‪ ،‬دار العلوم الحديثة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،)2/127 ( ،‬شجرة ا لنور لمحمد مخلوف‪ ،‬دارالفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص ( ‪.)231‬‬
‫‪ )?( 3‬هو اإلمام أبو القاسم بن أحمد بن محمد البلوي القيرواني المعروف بالبرزلي‪ ،‬أحد‬
‫أئمة المالكية في المغرب سكن تونس وانتهت إليه الفتوى‪ ،‬له مصنفات عدة منها‪:‬‬
‫الفتاوى والقضايا واألحكام توفي سنة ‪844‬هـ‪ ،‬انظر ترجمته في شجرة النور ص‪،245‬‬
‫معجم المؤلفين (‪.)2/158‬‬
‫‪ )?( 4‬هو أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري المعروف بأبي الحسن القابسي‬
‫الفقيه النظار األصولي المتكلم اإلمام في علم الحديث وفنونه وأسانيده‪ ،‬كان عليه‬
‫االعتماد‪ ،‬له تآليف بديعة منها‪ :‬الممهد في الفقه وأحكام الديانة‪ ،‬والملخص في الموطأ‪،‬‬
‫توفي بالقيروان سنة ‪403‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬شجرة النور الزكية ص‪.97‬‬
‫‪ )?( 5‬هو أبو عبد هللا محمد بن الشيخ ابراهيم الرندي النفزي المعروف بابن عباد شيخ‬
‫العلماء الزهاد أخذ عن الشريف التلمساني‪ ،‬واإلمام المقري واآلبلي وانتفع به جماعة‬
‫منهم عيسى المصمودي وعبد هللا الفشتالي‪ ،‬له تصانيف كثيرة منها شرح الحكم‬
‫العطائية‪ ،‬كانت وفاته سنة ‪792‬هـ‪ .‬انظر شجرة النور الزكية ص ‪ 238‬ـ ‪.239‬‬
‫ــ ‪ 53‬ـ‬
‫ومن ذلك‪(( :‬العمل الفاسي)) الذي نظمه الشيخ عبد الرحمن الفاسي (ت‬
‫‪1096‬هــ) (‪ ،)1‬في منظومة ضمنها حوالي ثالثمائة مسألة مما جرى به العمل‬
‫بفاس‪ ،‬وقد شرحها ولم يتمها‪ ،‬وشرحها القاضي العميري وأبو القاسم‬
‫السجلماسي (ت‪1214‬هــ) (‪ ،)2‬وشرحها الشيخ المهدي الوزاني(‪ )3‬في كتابه‪:‬‬
‫((تحفة األكياس بشرح عمليات فاس))‪ ،‬كما شرحها ـ شرحاً وسطاً ـ العالمة عبد‬
‫الصمد كنون في كتابه‪(( :‬جنى زهر اآلس في شرح نظم عمل فاس))‪ .‬وهذه‬
‫الشروح مطبوعة على الحجر‪ ،‬واألخير منها على الورق بمطبعة الشرق‬
‫بمصر‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ األحكام‪ :‬وهي غالبًا ما تتعلقـ بأبواب األقضية‪ ،‬والمعامالتـ‬
‫المستجدة‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬كتابـ ((األحكام)) للقاضي أبي المطرف عبد الرحمن بن‬
‫قاسم الشعبي المالقي (ت‪497‬هــ) (‪.)4‬‬
‫وهو من أوائل من صنف في هذا اللون من الفقه المالكي‪ .‬ومنها‪ :‬جامع‬
‫مسائل األحكام لما نزل من القضايا بالمفتين والحكام للبرزلي (ت ‪841‬هــ)‪.‬‬
‫خصائص فقه النوازل في الغرب اإلسالمي‬
‫تتميزـ النوازل الفقهية بعدة خصائص ال يشاركها فيها غيرها من‬
‫الفنون األخرى‪ .‬ودراسة هذه الخصائص تعد الوجه المشرق للشريعة‬
‫اإلسالمية بعامة‪،‬ـ والفقه اإلسالمي بخاصة‪.‬‬
‫فمن خاللها نرى واقعية الفقه‪ ،‬ومسايرته لتطور الحياة‪ ،‬وتغير‬
‫أنماطها‪،‬ـ وقدرته على حل كل ما يعترض المسلمين من صعوبات ومشكالت‪.‬‬
‫كما نرى مراعاة أحوال المكلفين‪،‬ـ وتغير عاداتهم وأعرافهم‪ ،‬ويظهر‬
‫هذا ـ جليًا ـ من خالل ما يسمى بفقه المقاصد‪ ،‬ومراعاة األعراف‪.‬‬
‫(?) عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي العالمة العمدة المحقق أخذ عن جماعة منهم‬ ‫‪1‬‬

‫القاضي ابن سودة وميارة الكبير‪ ،‬له تآليف حسان منها نظم العمل الفاسي‪ ،‬وشارك‬
‫بالتأليف في علوم كثيرة‪ ،‬توفي سنة ‪1096‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬شجرة النور الزكية ص‪ 315‬ـ ‪.316‬‬
‫(?) أبو عبد هللا محمد بن أبي قاسم الفاللي السجلماسي اإلمام الفقيه المتفنن المحقق‬ ‫‪2‬‬

‫المتقن البارع في تحرير األحكام والنوازل‪ ،‬أخذ عنه أعالم‪ ،‬له شرح على العمل‬
‫الفاسي‪ ،‬توفي سنة ‪1214‬هـ‪ ،‬انظر في ترجمته شجرة النور الزكية ص‪.376‬‬
‫(?) أبو عبد هللا محمد المهدي الوزاني الفاسي مفتيها وفقيهها‪ ،‬صاحب التآليف المفيدة‬ ‫‪3‬‬

‫والرسائل العديدة‪ ،‬الفاضل العارف بمدارك األحكام والنوازل ومسائل المذهب والمنقول‬
‫والمعقول‪ ،‬له حاشية على شرح التاودي على التحفة‪ ،‬النوازل‪ ،‬ومعيار علماء المغرب‪،‬‬
‫توفي سنة ‪1342‬هـ‪ ،‬انظر‪ :‬شجرة النور ص‪ 435‬ـ ‪.436‬‬
‫(?) هو أبو المطرف عبد الرحمن بن قاسم الشعبي المالقي اإلمام الفهامة العالم باإلحكام‬ ‫‪4‬‬

‫والنوازل له فتاوى في غاية النبل اعتمده ابن عرفة توفي سنة ‪497‬هـ‪ ،‬انظر في ترجمته‬
‫شجرة النور الزكية ص‪.123‬‬
‫ــ ‪ 54‬ـ‬
‫يضاف إلى هذا كله التنوع الظاهر في التأليف‪،‬ـ والتجدد المستمر‬
‫للمسائل المختلفة‪.‬‬
‫وإليك هذه الخصائص بشيء من التفصيل‪:‬‬
‫الخاصيَّة األولى‪ :‬الواقعية‬
‫تتميزـ النوازل ـ عموما ً ـ بالواقعية؛ نظراً لتعلقها بقضايا ومسائل‬
‫وقعت ونزلت بالفعل‪.‬ـ وترتبط نوازل المالكية ـ بصفة خاصة بهذه الواقعية‬
‫ارتباطا ً شديداً ـ منذ عهد التأسيس؛ـ حين كان اإلمام مالك يستنكف عن‬
‫الخوض في الفرضيات‪.‬ـ‬
‫ولهذا لما رحل أسد بن الفرات (ت ‪213‬هــ) (‪ )1‬إلى المدينة ولقي اإلمام‬
‫مال ًكا (ت‪179‬هــ)‪ ،‬وسأله عن بعض األسئلة التي لم تنزل‪ ،‬فما كان من اإلمام‬
‫مالك إال أن قال له‪(( :‬هذه سلسلة بنت سليسلة‪ ،‬إن أردت هذا؛ فعليك بالعراق))‬

‫(‪.)2‬‬
‫ولذلك كان من الطبيعي أن تكثر نوازل المذهب المالكي الذي يرتكز‬
‫فقهه على الواقعية‪ .‬وهي تختلف ـ أساساً ـ عن االفتراضات النظرية التي طالما‬
‫شعبت الفقه‬
‫ّ‬ ‫وضخ‬
‫َمته‬
‫ّ‬ ‫وعق‬
‫َدته‪ .‬فكانت األحداث التي عاشها‬
‫النّ‬
‫َاس في الجناح الغربي من العالم اإلسالمي ـ مصطبغة بالصبغة الواقعية‬
‫المحلية‪ ،‬ومتأثرة بالمؤثرات الوقتية ـ َمدعاة إلى اجتهاد الفقهاء؛ الستنباط‬
‫األحكام الشرعية المالئمة عن طريق استقراء النصوص الفقهية القديمة‬
‫ومقارنتها وتأويلها‪.‬‬
‫فنوازل الونشريسي والبرزلي ـ بخاصة‪ ،‬وغيرهما بعامة ـ لها قيمة‬
‫حقيقية في حلول كثير من مشكالت عصرهم‪ ،‬وأهل زمانهم‪ ،‬إذ هي حلول‬
‫لمعضالت نزلت بأهل بالدهم‪ ،‬سواء أكانتـ هذه النوازل مما يتعلق بأمور‬
‫العبادات‪ ،‬أم بأمور المعامالت‪.‬ـ‬
‫ولهذا نجد أن هذه النوازل تختلف من ناحيةـ الموضوع‪ ،‬فمنها‪ :‬ما‬
‫يتصل بالفقه‪،‬ـ وهو الغالب‪ ،‬ومنها‪ :‬ما يتعلق بمسائل العقيدة‪ ،‬وهي قليلة‬
‫(?) أبو عبد هللا أسد بن الفرات‪ ،‬أصله من نيسابور‪ ،‬وقدم به أبوه تونس‪ ،‬تفقه بأبي‬ ‫‪1‬‬

‫الحسن بن زياد‪ ،‬رحل إلى المشرق وسمع من مالك كوطأه وغيره‪ ،‬وعنه أخذ أئمة منهم‬
‫أبو يوسف الموطأ‪ ،‬تولى القضاء بالقيروان سنة‪203‬هـ‪ ،‬مات وهو يغزو صقلية سنة‬
‫‪213‬هـ‪ ،‬انظر ترجمته في شجرة النور الزكية ص‪.62‬‬
‫(?) انظر‪ :‬ترتيب المدارك (‪ 1/190‬ـ ‪ )191‬و(‪.)3/292‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 55‬ـ‬
‫بالنسبةـ لغيرها من مسائل الفقه‪ ،‬فنجد المسائل النازلة في بعض الفرق‪،‬‬
‫والمذاهب الكالمية‪ ،‬والطرق الصوفية‪،‬ـ حيث يكثر السؤال عنها؛ـ نتيجةـ عدم‬
‫معرفة هذه المسائل‪.‬ـ وقد ساعد على إيجاد هذه الطرق والمذاهب قيام بعض‬
‫الدويالت في المغرب اإلسالمي‪ ،‬التي اعتقد بعض أمرائها بعض المسائلـ‬
‫العقدية وساعد على نشرها‪ ،‬وقد تكون هذه اآلراء غريبة على أهل تلك‬
‫البلدة؛ مما حدا بهم إلى السؤال عنها‪.‬‬
‫ومن النوازل الفقهية‪ :‬ما يتعلقـ بمسائلـ العبادات بدءاً من كتاب‬
‫الطهارة وانتها ًـء بكتابـ الفرائض والكتاب الجامع‪ ،‬كما هو الحال في ترتيبـ‬
‫األبواب عند المالكية‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك‪ :‬ما جاء في نوازل الطهارة من كتاب المعيار‬
‫للونشريسي‪:‬ـ ((الصالة في ثوب الملف الذي نسجه النصارى)) حيث سئل‬
‫الفقيه الحافظ سيدي أبو العباس أحمد القباب عن حكم الصالة بالملف الذي‬
‫نسجه النصارى قبل غسله‪ ،‬وذلك أنهم يجعلون فيه شحم الخنزير‪ ،‬وبعد‬
‫الغسل لما يبقى فيه من الرطوبة الناشئة عن الشحم‪ ،‬والماء ال يزيلها (‪.)1‬‬
‫ومن األمثلة على نوازل المعامالت‪ :‬ما يتعلق بالنكاح‪ ،‬حيث ورد في‬
‫نوازل العلمي‪(( :‬سئل أبو مهدي عيسى بن علي الشريف ~ عن امرأة زنى بها‬
‫رجل فحملت‪ ،‬ثم إن الرجل تزوجها بولي وصداق‪ ،‬فبقيت خمسة أشهر من يوم‬
‫العقد ووضعت الحمل‪ ،‬فعزلته الجماعة عنها‪ ،‬هل يتأبد عليه التحريم لكونه عقد‬
‫على امرأة في استبرائها‪ ،‬فال تحل له أبداً؟ أو يجوز له أن يعقد عليها بنكاح‬
‫جديد بولي وصداق وشاهدين؟ وهل الولد الحق به أم ال؟ وإن قيل‪ :‬بصحة العقد‬
‫فما يكفي في استبرائها؟ هل وضع حملها؟ أو البد من ثالثة أقراء؟))‪.‬‬
‫ومن األمثلة على نوازل الجهاد الواقعية‪:‬ـ ما قام به األمير عبد القادر‬
‫الجزائري(ت‪1300‬هـ) من االستفتاء بالمراسلة للشيخ علي التسولي(‪ ،)2‬حيث‬
‫ضمن رسالته بعض األسئلة المتعلقةـ باستعمارـ الفرنسيينـ للجزائر‪ ،‬وفي‬
‫مقدمة هذه الرسالة يقول‪…(( :‬جوابكم ـ أبقاكم هللا ـ فيما عظم من الخطب‪،‬‬
‫واشتد من الكرب‪ ،‬بوطن الجزائر الذي صار لقربان الكفر جزائره‪ ،‬وذلك أن‬
‫العدو الكافر يحاول ملك المسلمين ـ مع استرقاقهم ـ تارة بالسيف‪،‬ـ وتارة‬
‫‪ )?( 1‬المعيار المعرب للونشريسي (‪.)1/3‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) هو أبو الحسن علي بن عبد الســـالم التســـولي‪ ،‬من كبـــار فقهـــاء المالكية المتقـــنين‬
‫والعـــارفين بأســـراره‪ ،‬المحققين لمســـائله مع صـــالح وزهد وورع‪ ،‬أخذ عن محمد بن‬
‫إبراهيم وحمدون بن الحاج‪ ،‬له تــآليف شــاهدة له بطــول البــاع وســعة اإلطالع منها كتابة‬
‫(البهجــة)‪ ،‬وجمع فتــاوي شــيخه محمد بن إبــراهيم وضــمها إلى فتاويه فجـاءت في مجلــدات‬
‫وتوفي سنة ‪1258‬هـ‪.‬‬
‫انظر ترجمته في شجرة النور ص (‪.)397‬‬
‫ــ ‪ 56‬ـ‬
‫بحبال سياستهم‪ ،‬ومن المسلمين‪:‬ـ من يداخلهم ويبايعهم‪،‬ـ ويجلب لهم الخيل‪،‬‬
‫وال يبخل من داللتهم على عورات المسلمين‪ ،‬ويطالُِعهم‪ ،‬ومن أحياء العرب‬
‫المجاورين لهم‪ :‬من يفعل ذلك‪ ،‬ويتمالؤون على الجحود واإلنكار‪ ،‬فإذا‬
‫طولبوا بتعيينهـ جعجعوا‪ ،‬والحال أنهم يعلمون منهم األعين واآلثار‪ .‬فما حكم‬
‫هللا في الفريقين في أنفسهم وأموالهم؟ فهل لهم من عقاب‪،‬ـ أم يتركون على‬
‫حالهم؟ وما الحكم فيمن يتخلف في المدافعة عن الحريم واألوالد إذا استنفر‬
‫نائب اإلمام الناس للدفاع والجالد؟ فهل يعاقبون؟ وكيف عقابهم‪،‬ـ وال يتأتى‬
‫بغير قتالهم؟ وهل تؤخذ أموالهم وأسالبهم؟…‪.)1( )).‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫وما أفتى به عبد الكريم المغيلي في ح ّ‬
‫ق يهود توات‬
‫وكتب نوازل الجهاد أكثر من أن تحصى‪ ،‬وذلك بسببـ كثرة الحروب‬
‫التي وقعت بين المسلمين والنصارى في الغرب اإلسالمي عموما ً وفي بالد‬
‫األندلس خصوصاً‪ .‬وممن ألف في هذا المجال‪ :‬الكردودي الفاسي في كتابه‪:‬‬
‫((كشف الغمة))‪ ،‬ومنهم‪ :‬محمد بن إدريس‪ ،‬الوزير الشهير‪ ،‬والوزير محمد‬
‫المكناسي‪.‬‬
‫وإن كان بعض الباحثينـ يذهب إلى ((أن تطور فقه النوازل بزيادة‬
‫نسبة الواقعية بواسطة السوابق في القضاء وسجالت المشورة باألندلس‪،‬‬
‫صحبه طغيان التقليد‪ ،‬وفقدان الحرية في الترجيح‪ ،‬مثال لدى أبي األصبغ‬
‫عيسى بن سهل (ت‪486‬هـ) (‪ )3‬الذي كان يرى أن المجتهد ح ْسبَهُ اتباع السلف‪،‬‬
‫وأن من مضى أعلم ممن بقي))(‪.)4‬‬

‫(?) انظر‪ :‬أجوبة التسولي عن مسائل األمير عبد القادر الجزائري في الجهاد‪ ،‬تأليف عبد‬ ‫‪1‬‬

‫اللطيف أحمد الشيخ محمد صالح‪ ،‬ص ‪102‬وما بعدها‪ .‬وتحفة الزائر في مآثر األمير عبد‬
‫القادر‪ ،‬لألمير محمد بن عبد القادر ص(‪ 206‬ـ ‪ ،)216‬وأشار إلى هذه النازلة مخلوف في‬
‫كتابه شجرة النور الزكية في طبقات المالكية في ترجمة علي بن عبد السالم التسولي ص‬
‫‪.397‬‬
‫(?) انظر‪ :‬أعالم الفكر والثقافة في الجزائر المحروسة‪ ،‬للدكتور يحيى بوعزيز (‪2/145‬‬ ‫‪2‬‬

‫ـ ‪.)149‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) هو أبو األصبغ عيسى بن سهل األسدي القرطبي‪ ،‬اإلمام القاضي الـمشاور العالـم‬
‫بالنوازل‪ ،‬تفقه بأبي عبدهللا بن عتاب‪ ،‬وابن القطان‪ ،‬وابن عبدالبر وغيرهم‪ ،‬وأخذ عنه‬
‫جـماعة منهم القاضيان أبو محمد بن منظور‪ ،‬وأبو عبدهللا التميمي‪ ،‬له كتاب اإلعالم‬
‫بنوازل األحكام‪ ،‬وفهرست‪ ،‬توفي سنة ‪486‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الديباج البن فرحون (‪ ،)2/65‬بغية الـملتمس البن عميرة الضبي ص ‪،403‬‬
‫الصلة البن بشكوال (‪.)2/438‬‬
‫(?) القسم الدراسي لكتاب مسائل أبي الوليد ابن رشد (‪ )1/10‬لمحقق الكتاب محمد‬ ‫‪4‬‬

‫الحبيب التجكاني‪.‬‬
‫ــ ‪ 57‬ـ‬
‫إال أن هذا التقليد نبذه أبو الوليد ابن رشد من خالل مسائله‪،‬ـ والتي‬
‫نجدها تجمع باإلضافة إلى الواقعية الترجيح والتخريج‪ ،‬والعودة إلى اعتماد‬
‫األصول‪ .‬لكن األمر انتهىـ في األخير إلى االكتفاء بالجمع مع النص على‬
‫الراجح والمشهور‪ ،‬أو ما جرى به العمل كما عند أحمد بن يحيى‬
‫الونشريسي(ت‪914‬هـ) (‪ )1‬وعند محمد المهدي الوزاني (ت‪1342‬هـ)‪.‬‬
‫الخاصية الثانية‪ :‬الظَْرِفَية أو النِّسِْبيَة‬
‫و هي خاصية مهمة جدا‪ ،‬وأؤكد هذا ألن هناك دراسات كتبهاـ‬
‫مستشرقون فيها اتهام لدولة اإلسالم في الغرب اإلسالمي‪ ،‬وبخاصة في‬
‫األندلس‪ ،‬ومن ذلك ادعاؤهم أنها عرفت بالتعصبـ والتشدد إزاء أهل الذمة‬
‫(اليهود والنصارى)‪ ،‬وهذا غير صحيح‪ ،‬ألنهم انطلقوا من فتاوى ونوازل‬
‫وقعت في فترات ظرفية زمانيةـ ومكانيةـ خاصة‪ .‬إذن فالظرفية أو النسبيةـ‬
‫خاصية مهمة جدا‪ ،‬ولهذا نرى أن المتتبع لكتب النوازل يجد أن العلماء‬
‫النوازليين كانوا يراعون المالبساتـ التي تحيط بالفعلـ والحال الحاضرة‬
‫الناس أو ينزل‬ ‫والنازلة المتعينة‪ ،‬ويجعلونها مناط التفريع‪،‬ـ فالمجتهد كي يفتيـ َّ‬
‫على النازلة ملزم بمعرفة الظروف واألحوال‪ ،‬يقول العالمة عبد السالم‬
‫()‬
‫الهواري (ت‪749‬هـ) ‪(( : 2‬إنما الغرابة في استعمال كليات علم الفقه وانطباقها‬
‫على جزئيات الوقائع من الناس‪ ،‬وهو عسير على كثير من الناس‪ ،‬ولهذا اشتهر‬
‫بأن الفتوى دربة وصنعة‪ ،‬ألن األحكام تتغير بتغير األزمنة))‪ .‬ومن هنا نصوا‬
‫أيضا على أن مراعاة المآل بالنسبة إلى حال الزمان وأهله أمر ضروري‬
‫للمفتي‪ ،‬ومن الالفت لالنتباه أن الفقهاء المالكية المتأخرين بالغرب اإلسالمي‬
‫اعتمدوا في معالجة النوازل والقضايا واألعراض على هذا المسلك‪ ،‬هناك‬
‫مثاالن مشهوران‪:‬‬
‫األول‪ :‬فقه العمل الذي اشتهر به المالكية‪ ،‬وهو كله مبني على‬
‫الظرفية والنسبية‪،‬ـ أو ما يمكن أن يصطلح عليه "الذرائعية"ـ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) هو أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي التلمساني ثم الفاسي‪ ،‬اإلمام العمدة‬
‫المحقق‪ ،‬أخذ عن العقباني وأبي عبد هللا الجالب وابن مرزوق الكفيف وابن زكري‬
‫التلمساني‪ ،‬وعنه ابنه عبد الواحد ومحمد بن عيسى المغيلي وابن هارون وغيرهم‪ ،‬من‬
‫مصنفاته المعيار المعرب‪ ،‬تعليق على ابن الحاجب الفرعي‪ ،‬إيضاح المسالك إلى قواعد‬
‫اإلمام مالك‪ ،‬الفائق في الوثائق‪ ،‬توفي سنة ‪914‬هـ‪.‬‬
‫انظر ترجمته في‪ :‬البستان ص (‪ ،)53‬درة الحجال (‪ ،)1/91‬الفكر السامي (‪ ،)4/99‬شجرة‬
‫النور ص (‪.)274‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) هو محمد بن عبد السالم التونسي قاضي الجماعة بها الحافظ المتبحــر‪ ،‬أخذ عن أبي‬
‫عبد هللا بن هارون وابن جماعــة‪ ،‬وعنه القاضي ابن حيــدرة وابن عرفــة‪ ،‬من كتبه شــرح‬
‫جــامع األمهــات في الفقه شــرح فيه مختصر ابن الحــاجب‪ ،‬وديــوان فتــاوى‪ ،‬تــوفي ســنة‬
‫انظر في ترجمته‪ :‬الديباج (‪ ،)2/329‬نيل االبتهاج ص (‪ ،)406‬شجرة‬ ‫‪749‬هـ‪.‬‬
‫النور ص (‪ ،)210‬الحلل السندسية (‪.)1/577‬‬
‫ــ ‪ 58‬ـ‬
‫والثاني‪ :‬أن كثيرا من القضايا االجتماعية الشائكة في الغرب‬
‫اإلسالمي بحثها العلماء من منطلقـ مراعاة األحوال والظروف والمالبسات‪.‬ـ‬
‫و الخالصة أن نقول إن المالبساتـ التي تحيط بالنازلةـ في االتجاه‬
‫النوازلي ال بد من مراعاتها‪،‬ـ فكما يقول األصوليون في باب القياس‪(( :‬الحكم‬
‫يدور مع علته وجودا وعدما))‪ ،‬يمكنناـ أن نقول‪(( :‬النازلة الفقهية تدور مع‬
‫مالبساتهاـ وظروفها وأحوالها وجودا وعدما))‪.‬‬
‫الخاصيَّة الثالثة‪ :‬الطابـع المحلِّي‬
‫ظاهرة الطابعـ المحلي في كتب النوازل من أبرز خصائصها‪ ،‬فهي ال‬
‫تبقى سابحة في المطلق كما هو الشأن في كتب الفقه العامة‪ ،‬وإنما تتحدد‬
‫مسائلها في المكان والزمان والموضوع‪ ،‬بحسب ما تأتي به األسئلة التي‬
‫تنبنيـ عليها‪،‬ـ وما تطرحه من مشاكل دينية واجتماعية وسياسيةـ واقتصادية‪.‬‬
‫وبذلك فإن المهم بالدرجة األولى ـ من هذا المنظور ـ ليس هو الجواب‬
‫الفقهي‪ ،‬وإنما السؤال الذي يأتي بتفاصيل النازلة‪ ،‬ويذكر أسماء األطراف‬
‫المعنية‪،‬ـ وحتى تاريخ النازلة أحياناً‪.‬ـ‬
‫ويظهر هذا األمر في غاية الوضوح في أسماء هذه الكتب التي تشير‬
‫إلى وقائع بلدة ما‪ ،‬أو أسماء المستفتين‪،‬ـ ونسبهم‪ ،‬وقريتهم‪ ،‬وما يتبعـ ذلك من‬
‫ظروف معيشيةـ وبيئية‪ ،‬مما يدل على أن السِّمة المحلية هي الغالبة على هذه‬
‫النوازل‪ ،‬وهذا يعني أن الفتاوى التي صدرت كانتـ تعايشـ أحوال الناس‪،‬‬
‫وتالمس ظروفهم؛ مما يعطيها مزيداً من القبول‪.‬‬
‫ومن المقرر لدى علماء الفقه واألصول‪ :‬أن فقه الواقعة والواقع‬
‫المحيط بها دليل على قرب إصابةـ الناظر فيها للحكم الشرعي‪ ،‬متى ما‬
‫توافرت بقيةـ الضوابط‪.‬‬
‫السمة تختلف عن األحكام المقررة في كتب الفقه والتي تسرد‬ ‫وهذه َّ‬
‫أحكاما ً عامة‪،‬ـ قد ال تناسبـ كل مكان وكل زمان‪.‬‬
‫فهناك قرائن وأمارات تحيط بالنازلةـ يلزم الناظر معرفتها‪ ،‬فقد‬
‫يختلف الحكم في النازلة من مكان آلخر‪ ،‬ومن زمان لغيره‪ ،‬ومن أناس‬
‫آلخرين‪ ،‬حسب ما يقتضيه المقام‪ .‬ولهذا قعدت القاعدة المشهورة‪(( :‬ال ينكر‬
‫تغير األحكام بتغير األزمان))(‪.)1‬‬
‫ومن أجل ذلك اختلفت فتاوى أتباع المذاهب عن فتاوى أئمتهم بسببـ‬
‫تغير األزمان‪ ،‬وتبدل األحوال‪ .‬ولهذا فإن هناك تأثيراًـ للظروف الجغرافية‬

‫(?) شرح القواعد الفقهية للزرقاء‪ ،‬ص ‪ ،173‬الوجيز ص ‪ ،310‬موسوعة القواعد الفقهية(‪8/11‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.)00‬‬
‫ــ ‪ 59‬ـ‬
‫والبيئيةـ في صياغة األحكام الشرعية‪ ،‬على أن هذا التأثير هو في الحقيقة‬
‫تحقيق لمناط الحكم الشرعي وتحصيل لمقاصده‪.‬‬
‫وال يخفى أن للمناطقـ الباردة خصوصياتها‪،‬ـ وكذا المناطق الحارة‪،‬‬
‫وإن إجراء األحكام التي ال يمكن تحقيق مناطها إال باعتبار هذا الجو‬
‫الطبيعي‪،‬ـ يكون فيه إجحاف ومشقة للمكلف‪ ،‬ولهذا نجد الفقهاء يتعاملون مع‬
‫هذه الظروف الطبيعيةـ في أبواب كثيرة من الفقه‪ ،‬كإقامة الحدود على‬
‫الجاني‪ ،‬فإنه ال يحد في وقت شديد البرودة وال في وقت شديد الحرارة؛ بل‬
‫يلتمس الجو المعتدل مخافة أن يهلك الجاني‪.‬‬
‫وكذلك فيما يتعلق بالتيمم واستعمالـ الماء أثناء البرد من مكان آلخر‪،‬‬
‫واختالف وقت الليل عن النهار بصورة غير طبيعية؛ كأن يكون الليل أو‬
‫النهار أربع ساعات أو أقل من ذلك‪.‬‬
‫كما أن الختالف البيئةـ واإلقليم ـ بداوة وحضراً ـ أثراً في تغير الحكم‬
‫الشرعي‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪ :‬ما قاله اإلمام مالك‪(( :‬الضيافة إنما تتأكد على أهل‬
‫القرى (البادية)‪،‬ـ وال ضيافة في الحضر؛ لوجود الفنادق وغيرها‪ ،‬وألن‬
‫القرى يقل الوارد إليها فال مشقة بخالف الحضر))(‪.)1‬‬
‫وـمـنـ ذـلـكـ‪:‬ـ شـهـاـدـةـ اـلـبـدـوـيـ لـلـحـضـريـ‪،‬ـ حـيـثـ مـنـعـهـاـ اـلـفـقـهـاـءـ إـالـ أـنـ‬
‫يـكـوـنـ اـلـبـدـويـ مـمـنـ يـدـيـمـ اـالـخـتـالـفـ إـلـىـ اـلـحـاـضـرـةـ‪،‬ـ وـيـخـاـلـطـ اـلـنـاـسـ‪،‬ـ وـيـشـهـدـ‬
‫اـلـمـجـاـلـسـ واـلـمـشـاـهـدـ‪،‬ـ فـإـنـهـ كـاـلـحـضـرـيـ‪،‬ـ وـقـيـلـ‪:‬ـ بـمـنـعـ شـهـاـدـةـ أـحـدـهـمـاـ لـآلـخـرـ‪،‬ـ‬
‫إـالـ فـيـ اـلـجرـاـحـ واـلـقـتـلـ واـلـزـنـاـ وـاـلـشـرـبـ واـلـشـتـمـ‪،‬ـ وـمـاـ أـشـبـهـ ذـلـكـ؛ـ مـمـاـ الـ يـقـصـدـ‬
‫إـالـ اـإلـشـهـاـدـ عـلـيـهـ‪.‬ـ‬
‫والحاصل مما سبق‪ :‬هو إبراز هذه الخصيصة القيِّمة في علم النوازل‬
‫الفقهية‪ ،‬والتي يظهر من إبرازها عظمة التشريع اإلسالمي‪ ،‬ومسايرته‬
‫لمصالح الناس على مختلف أحوالهم وبيئاتهم‪،‬ـ واختالف عاداتهم وتقاليدهم؛‬
‫ما لم يصادم ذلك نصا ً صحيحا ً صريحاً‪.‬‬
‫وهذا الفهم يتضح من خالل معرفة المفتي لمقاصد الشريعة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ومدى مراعاتهاـ ألحوال المكلفين‪ ،‬وعدم المشقة عليهم‪.‬‬
‫ولعل مما يحسب لفقهاء المالكيةـ المغاربة‪:‬ـ تميزهم في علم المقاصد؛‬
‫بل ويضاف إلى ذلك بلوغ هذا العلم القمة في زمن كثرت فيه الفتن والتقلبات‬
‫السياسية؛ـ مما يدل على براعة المالكيةـ المغاربةـ في هذا الفن الذي يحتاج إليه‬
‫في النوازل أكثر من غيرها‪.‬ـ‬

‫(?) انظر‪ :‬الموطأ (ص‪.)422‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 60‬ـ‬
‫ومن أبرز تلك المؤلفات النوازلية التي تؤكد هذه الخصيصة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ األجوبة الناصرية في بعض مسائلـ البادية‪،‬ـ البن ناصر الكبير‬
‫(ت‪1085‬هــ)(‪.)1‬‬
‫‪ 2‬ـ الجواهر المختارة مما وقفت عليه من النوازل بجبالـ غمارة‪ ،‬لعبد‬
‫العزيز الزياتي (ت‪1055‬هــ)‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الدرر المكنونةـ في نوازل مازونة‪ ،‬ألبي زكريا المازوني (ت‬
‫‪883‬هــ)‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ نبراس اإليناس بأجوبة سؤاالت أهل فاس‪ ،‬لبرهان الدين‬
‫الكوراني (ت‪1101‬هــ)‪.‬‬
‫التلمسانية‪،‬ـ ألبي عثمانـ قدورة‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ النوازل ِّ‬
‫‪ 6‬ـ نوازل علماء جزولة‪ ،‬جمعها ابن عبد السميع‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ نوازل بردلة‪ ،‬لمحمد العربي بن أحمد األندلسي الفاسي (ت‬
‫‪1133‬هــ) (‪.)2‬‬
‫‪ 8‬ـ فتاوى تتحدى اإلهمال في شفشاون وما حولها من الجبال‪ ،‬جمع‬
‫محمد الهبطيـ المواهبي‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ أجوبة سبعة في حكم ما تقوم به قبيلة الحيَايْنة من قطع الطرقات‪،‬‬
‫ألبي الربيع سليمان العلمي الحوات الشفشاوني (ت‪1231‬هــ) (‪.)3‬‬
‫‪ 10‬ـ فتاوى في األعراف البربرية‪ ،‬البن غازي المكناسي‪،‬ـ مخطوط‬
‫بالخزانة الحسنية بالرباط‪ ،‬رقم‪9713 :‬ب‪.‬‬
‫‪ 11‬ـ مختصر الفصول في أجوبة فقهاء القرويين لمسائلـ أهل البادية‪،‬ـ‬
‫ليَ ْعلَى بن مصلين الرجراجي‪ ،‬مخطوط الخزانة الناصرية بتم َكروت‬
‫بالمغرب‪ ،‬رقم‪3057 :‬ج‪.‬‬
‫جــــــدد المستّمــــر‬
‫ّ‬ ‫الخاصيَّة الرابعة‪ :‬التَّ‬

‫(?) أبو عبد هللا محمد بن محمد بن أحمد المعروف بابن ناصر الدرعي الفقيه القدوة‪ ،‬له‬ ‫‪1‬‬

‫فتاوى في الفقه مشهور منقول بعضها في نوازل الشيخ المهدي الوزاني‪ ،‬توفي سنة‬
‫‪1085‬هـ‪ ،‬شجرة النور الزكية ص‪.313‬‬
‫(?) هو أبو عبد هللا محمد العربي بن أحمد بردلة الفاسي إمامها وفقيهها وشيخ الجماعة‬ ‫‪2‬‬

‫بها وقاضيها العادل واستاذها الفاضل خاتمة العلماء‪ ،‬له أجوبة ورسائل مفيدة توفي سنة‬
‫‪1133‬هـ‪ ،‬شجرة النور الزكية ص‪.332‬‬
‫(?) أبو الربيع سليمان بن محمد بن عبد هللا الشفشاوني الشهير بالحوات الشريف العلمي‬ ‫‪3‬‬

‫العالمة لسان األدباء وتاج األذكياء البلغاء‪ ،‬من تآليفه البدور الضاوية في التعريف‬
‫بالسادات أهل الزاوية الدالئية‪،‬ـ توفي سنة ‪1231‬هـ‪ ،‬انظر في ترجمته شجرة النور‬
‫الزكية ص‪.379‬‬
‫ــ ‪ 61‬ـ‬
‫حد؛ ذلك أن‬
‫تتميزـ النوازل الفقهية بالتَّجدد المستمر الذي ال يقف عند ٍّ‬
‫لكل نازلة زمانها ومكانها‪ ،‬ومصالحها ومفاسدها‪ ،‬مع اختالف أحوال‬
‫المكلفين وبيئاتهم؛ مما يجعل السؤال عن مسألة واحدة يختلف في بعض‬
‫جوانبهـ من شخص آلخر‪.‬‬
‫فهي ليست متنا ً فقهيا ً يحفظ ويُدرَّس ويشرح لكل الناس‪ ،‬ويستوي‬
‫الحكم للناظر فيه من أول وهلة للجميع‪.‬‬
‫التجدد المستمر هو الوجه المشرق للفقه اإلسالمي الذي‬
‫ويعد هذا َّ‬
‫استطاع ـ بفضل هللا وكرمه ـ أن يواكب حياة الناس‪ ،‬ويساير اختالف‬
‫أحوالهم‪ ،‬رغم التطور الذي أفرزته الحياة المادية من حقبة زمانية ألخرى‪.‬‬
‫ولما كانت النصوص محدودة‪ ،‬والنوازل غير معدودة أوكل هللا أحكام‬
‫هذه النوازل لقرائح المجتهدين ـ بحثا ً ونظراً ـ في أنوار التنزيلـ الحكيم‪،‬‬
‫والقبساتـ النبويةـ المطهرة‪ ،‬ومن خالل القواعد العامة المقررة‪ ،‬ومراعاة‬
‫المقاصد‪ ،‬فسايرت الشريعة اإلسالمية بذلك كل تغير وتطور‪.‬‬
‫وهنا ال نستطيعـ أن نحصر مؤلفات بعينهاـ للتمثيل على هذه‬
‫الخصيصة؛ ألن جميع كتب النوازل توضح هذه الخصيصة‪ ،‬فكل كتاب‬
‫يختلف طرحه وعرضه عن غيره من الكتب‪ .‬وإذا أردنا أن نتجوز في‬
‫التمثيلـ فإننا سنذكرـ على سبيل المثال ـ مثاالً ظاهراً للعيان‪ :‬هو مؤلفات‬
‫فقهاء المالكيةـ المغاربةـ المتعلقةـ بالجهاد‪.‬‬
‫فهذا محمد بن عيسى بن المناصف (ت‪620‬هــ)‪ ،‬يستجيبـ في كتابه‬
‫((اإلنجاد في أبواب الجهاد)) لرغبة أمير بلنسية محمد ابن أبي حفص عمر بن‬
‫أمير المؤمنين عبد المؤمن الموحدي الذي ولي إمرتها سنة (‪607‬هــ)‪ ،‬في‬
‫تأليف هذا الكتاب‪،‬ـ ولكنه جدد في تأليفه على نسق يختلف عن غيره‪.‬‬
‫وهذا التسولي (ت‪1258‬هــ) يجيب عن أسئلة األمير عبد القادر‬
‫الجزائري بأسلوب‪ ،‬وتقسيم‪ ،‬وعرض ال يشابه غيره‪.‬‬
‫ومسائل الجهاد تعرض نوازلها في أمهات النوازل في تجدد مستمر‪،‬‬
‫كما في المعيار للونشريسي‪،‬ـ وفتاوى البزلي وغيرهما‪.‬‬
‫خاصية الخامسة‪ :‬تنــــــوع التآليــــف‬
‫ال ِّ‬
‫تختلـفـ كـتـبـ اـلـنـوـاـزـلـ فـيـمـاـ بـيـنـهـاـ شـكـالًـ وـمضـمـوـنـاًـ‪.‬ـ فـمـنـ حـيـثـ اـلـشـكـلـ‬
‫نـجـدـ بـعـضـهـاـ مـنـ تـأـلـيـفـ اـلـفـقـيـهـ اـلـذيـ كـتـبـ اـلـفـتـاـوـىـ‪،‬ـ وـهوـ حـاـلـ غـاـلـبـ كـتـبـ‬
‫اـلـنـوـاـزـلـ‪،‬ـ وـبـعـضـهـاـ تـرـكـهـ اـلـمـفـتـيـ مـشـتـتـاًـ فـيـ أوـرـاـقـ أـوـ مـجـمـوـعـةـ كـرـاـرـيـسـ‪،‬ـ‬
‫ــ ‪ 62‬ـ‬
‫جـمـعـهـاـ فـيـ حـيـاـتـهـ أـوـ بـعـدـ وـفـاـتـهـ أـحـدـ أـبـنـاـئـهـ أـوـ تـالـمـذـتـهـ‪،‬ـ كـمـاـ هـوـ اـلـشـأـنـ فـيـ‬
‫مـسـاـئـلـ اـبـنـ زرـبـ اـلـتـيـ جـمـعـهـاـ صـاـحـبـهـ يـوـنـسـ بـنـ عـبـدـ هللاـ اـبـنـ اـلـصـفـاـرـ‪،‬ـ‬
‫وفـتـاـوـىـ اـبـنـ رـشـدـ اـلـتـيـ جـمـعـهـاـ تـلـمـيـذـاـهـ أـبـوـ اـلـحـسـنـ اـبـنـ اـلـوـزـاـنـ وأـبـوـ مـرـوـاـنـ‬
‫اـبـنـ مـسـرـةـ‪،‬ـ وـمـذـاـهـبـ اـلـحـكـاـمـ لـلـقـاـضـيـ عـيـاـضـ اـلـتـيـ جـمـعـهـاـ وـلـدـهـ مـحـمـدـ‪،‬ـ‬
‫واـلـنـوـاـزـلـ اـلـصـغـرىـ واـلـكـبـرـىـ ألـبـيـ اـلـسـعـوـدـ اـلـفـاـسـيـ‪،‬ـ حـيـثـ جـمـعـهـاـ بـعـضـ‬
‫تـالـمـذـتـهـ‪،‬ـ واـألـمـثـلـةـ عـلـىـ ذـلـكـ كـثـيـرـةـ‪.‬ـ‬
‫وقد يجمعها من يأتي بعده بفترة زمنية‪ ،‬كما هو الحال في فتاوى‬
‫الشاطبي التي جمعها وحققها وقدم لها األستاذ الدكتور محمد أبو األجفان‪،‬‬
‫حيث جمع ك ّما ً منها‪:‬ـ من موسوعة ((المعيار المعرب والجامع المغرب عن‬
‫فتاوى علماء إفريقيةـ واألندلس والمغرب)) ألبي العباس أحمد الونشريسي‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬مجموعة فتاوى بمكتبة األسكولاير اإلسبانية‪ ،‬ال يعرف‬
‫جامعها‪ ،‬ومجموعة أخرى للقاضي األندلسي أبي الفضل ابن طركاظ الذي‬
‫أورد نصوصها المشابهةـ لنصوص مجموعة األسكولاير مع نوع من‬
‫االختصار يؤدي إلى حذف عبارات من أول الفتوى ومن آخرها‪ ،‬دون أن‬
‫يؤثر على معنى الحكم الشرعي المشتملة عليه‪.‬ـ‬
‫وتجمع بعض الفتاوى المختلفة في الموضوع أو المتحدة فيه لجمع‬
‫من العلماء في القطر الواحد في مؤلف واحد‪ ،‬كما في األجوبة النفيسةـ في‬
‫الفقه لبعض فقهاء غرناطة‪.‬ـ‬
‫هذا من حيث طريقة التدوين‪ .‬أما من حيث مضمون هذه الكتب فإنه‬
‫يختلف من ُمَؤلَّف آلخر‪ .‬فبعض هذه الكتب يشمل جميع أبواب الفقه أو أغلبها‬
‫وهذا هو الغالب كما في المعيار للونشريسي‪ ،‬والنوازل للعلمي‪ ،‬وفتاوى ابن‬
‫رشد‪ ،‬وفتاوى الشاطبي‪ ..‬وغيرها‪.‬‬
‫وهناك بعض آخر يقصره ُمَؤ لِّفه على باب واحد أو بابين من أبواب‬
‫الفقه كما في كتابـ أجوبة التسولي عن مسائلـ األمير عبد القادر الجزائري‬
‫في الجهاد‪ ،‬واألجوبة المرضية عن مسائل مرضية في البيع بالثُّنيا والوصية‪،‬‬
‫لعمر بن عبد العزيز الكرسيفي‪.‬‬
‫ومنهم‪ :‬من يفرد التأليف لنوازل صنف من الناس كأهل البادية‪ ،‬أو ألهل‬
‫بلدة معينة‪ ،‬كما في األجوبة‬
‫النّ‬
‫َاصرية في بعض مسائل البادية‪ ،‬البن ناصر الكبير‪ ،‬والجواهر المختارة من‬
‫نوازل جبال غمارة‪ ،‬لعبد العزيز الزياتي‪ ،‬ونبراس اإليناس بأجوبة سؤاالت أهل‬

‫ــ ‪ 63‬ـ‬
‫فاس‪ ،‬لبرهان الدين الكوراني‪ ،‬وفتاوى تتحدى اإلهمال في شفشاون وما حولها‬
‫من الجبال‪ ،‬جمع محمد الهبطي المواهبي‪.‬‬
‫الخاصية السادسة‪ :‬المذهبية‬
‫اصطبغتـ كتب النوازل في الغرب اإلسالمي بصبغة المذهب الذي‬
‫يتمذهب به هذا الصقع من أصقاع اإلسالم‪ ،‬وهو المذهب المالكي‪ ،‬الذي‬
‫يتوسع في أصلين يعدان من أهم أصوله‪ :‬المصالح المرسلة‪ ،‬وسد الذرائع‪،‬‬
‫وهما لصيقان بواقع الناس وتطور الحياة‪.‬‬
‫الخاصية السابعة‪ :‬خاصية االجتهاد‬
‫أن االتجاه النوازلي دائما نجده مرتبطا بأصول االجتهاد واالستنباط‪،‬‬
‫فإذا كان نظر الفقيه النوازلي في الوقائع يعبر عن ارتباط الفقه بالحياة اليومية‬
‫التي تتطلبـ أحكاما لما يطرأ ويستجد من القضايا والنوازل وجعلها مالئمةـ‬
‫لروح الشريعة مسايرة للتطور‪ ،‬فإننا نجد باب االجتهاد ظل مفتوحا في هذا‬
‫االتجاه من اتجاهات الفقه في الغرب اإلسالمي‪ ،‬ولهذا نرى أن كل من أرخ‬
‫للمراحل التاريخية التي مر بها هذا االتجاه ينص على أن مرحلة القرنين‬
‫النوازلي‪،‬‬
‫الرابع والخامس الهجريين تعد عصر ازدهار اإلفتاء أو االتجاه َّ‬
‫ومن هذه المرحلة وصلتنا أهم المؤلفات في النوازل الفقهية‪،‬ـ بل ظل هذا‬
‫العصر مرجعا لكل المدونات الالحقة‪ ،‬وهذا العصر أيضا هو عصر ازدهار‬
‫الدراسات الفقهية‪ ،‬وهو العصر الذي انتقل فيه االجتهاد واالستنباط في‬
‫الغرب اإلسالمي إلى مرحلة النضج واإلبداع فحصل التكاملـ الذي أنتج لنا‬
‫أن االتجاه النوازلي في الغرب اإلسالمي كان دائما ممتزجا بأصول االجتهاد‬
‫واالستنباط‪ ،‬وأن باب االجتهاد فيه كان مفتوحا‪.‬‬
‫الخاصية الثامنة‪ :‬خاصية نوازل األحكام‬
‫توجد خصوصية أخرى لنوازل المغرب واألندلس‪ ،‬فإلى جانب الفتاوى‬
‫المعهودة التي تتضمن أجوبة المفتي على أسئلة الناس‪ ،‬كما هو الحال في سائر‬
‫األقطار اإلسالمية‪ ،‬هناك صنف آخر من النوازل يدعى "نوازل األحكام"‬
‫شاورين‪ ،‬ألن القضاء في هذه المنطقة‬
‫خاص بكبار شيوخ الفقه والفتوى ال ُم َ‬
‫الغربية كان مبنيا على خطة الشورى‪ ،‬حيث يعين الخليفة أو األمير إلى جانب‬
‫كل قاض من قضاة الحواضر فقيها مشاورا أو أكثر‪ ،‬يستشيره القاضي ـ كتابة ـ‬
‫في المسائل التي ينظر فيها بين الخصوم‪ .‬وقد بدأت خطة الشورى في قرطبة‬
‫خالل القرن الثالث الهجري‪ ،‬وكان المشاور فيها واحدا‪ ،‬وأقدم من عرف اسمه‬

‫ــ ‪ 64‬ـ‬
‫منهم يحيى بن يحيى الليثي (ت‪234‬هـ)‪ ،‬وهو تلميذ مالك ‪ ،‬وعبد الملك بن‬
‫()‬
‫حبيب (ت‪238‬هـ) ‪، 1‬‬
‫()‬
‫وأحمد بن بقي بن مخلد (ت‪324‬هـ) ‪. 2‬‬
‫ونوازل األحكام ذات صبغة قضائيةـ بخالف األولى‪ ،‬فهي أقرب ما‬
‫(‪)3‬‬
‫تكون إلى ما يسمى اآلن مجموعات االجتهاد القضائي‪ ،‬يقول أبو األصبغ‬
‫في كتابهـ نوازل األحكام‪(( :‬فإني بجميلـ صنع هللا‪ ،‬وجليل أفضاله عندي‪،‬‬
‫وحسن عونه لي‪ ،‬أيام نظري من القضاء واألحكام‪ ،‬وزمن تقييدي أحكام‬
‫ي من‬‫غيري من القضاة والحكام‪ ،‬جرت علي يدي نوازل‪ ،‬استطلعتـ فيها رأ َ‬
‫أدركت من الشيوخ والعلماء‪ ،‬وانفصلت لد َّ‬
‫ي مسائلـ كاشفت كبار الفقهاء‬
‫منها‪ ،‬إذ كانوا من هذا الشأن بأرفع مكان‪ ،‬وأعلى منزلة‪ ،‬وأعظم درجة‪،‬‬
‫رسوخا وعلما ً ودراية وفهماً‪ ،‬منها ما شافهتهم‪ ،‬ومنها ما كاتبت في معانيه))‬
‫()‬
‫‪.4‬‬
‫فهي نوازل موجهة إلى القضاة والمفتين‪،‬ـ لتنقلـ إليهم صناعة الفتوى‬
‫والمشورة‪ ،‬وفن القضاء‪ ،‬بتعريف كيفية االستدالل من أصول المذهب على‬
‫الوقائع المعروضة في انجاز التكييفـ والحكم‪ ،‬وهي بهذه الصفة تتميزـ عن‬
‫األنواع األخرى من النوازل‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) هو أبو مروان عبد الملك بن حبيب السلمي القرطبي‪ ،‬الفقيه األديب الثقة العالم‬
‫المشاور‪ ،‬روى عن الغازي بن قيس وزياد بن عبد الرحمن‪ ،‬وسمع ابن الماجشون ومطرفا‬
‫وابن عبد الحكم‪ ،‬وسمع منه تقي الدين بن مخلد وابن وضاح وجماعة‪ ،‬ألف كتبا كثيرة‬
‫منها‪ :‬الواضحة‪ ،‬الجامع‪ ،‬تفسير الموطأ‪ ،‬فضل المسجد‪ ،‬توفي سنة ‪238‬هـ‬
‫انظر ترجمته في‪ :‬ترتيب المدارك ( ‪ ،)3/30‬الديباج ( ‪ ،)2/8‬تذكرة الحفاظ ( ‪ ،)2/537‬تهذيب‬
‫التهذيب ( ‪ ،)6/390‬شذرات الذهب ( ‪ ،)2/90‬جذوة المقتبس ص ( ‪ 282‬ـ ‪ ،)283‬شجرة النور‬
‫ص ( ‪.)74‬‬
‫(?) قاضي الجماعة بقرطبة ابو العباس أحمد بن بقي بن مخلد الفقيه العالم الفاضل‪ ،‬تولى‬ ‫‪2‬‬

‫القضاء سنة ‪317‬هـ‪ ،‬وتوفي وهو يتواله سنة‪324‬هـ‪ .‬انظر ترجمته في شجرة النور الزكية‬
‫ص‪.87‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) هو أبو األصبغ عيسى بن سهل األسدي القرطبي‪ ،‬اإلمام القاضي الـمشاور العالـم‬
‫بالنوازل‪ ،‬تفقه بأبي عبدهللا بن عتاب‪ ،‬وابن القطان‪ ،‬وابن عبد البر وغيرهم‪ ،‬وأخذ عنه‬
‫جـماعة منهم القاضيان أبو محمد بن منظور‪ ،‬وأبو عبدهللا التميمي‪ ،‬له كتاب اإلعالم‬
‫بنوازل األحكام‪ ،‬وفهرست‪ ،‬توفي سنة ‪486‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬الديباج البن فرحون (‪،)2/65‬‬
‫بغية الـملتمس البن عميرة الضبي ص ‪ ،403‬الصلة البن بشكوال (‪.)2/438‬‬
‫(?) من القسم الدراسي لكتاب مسائل أبي الوليد ابن رشد (‪ 1/111‬ـ ‪ ،)112‬لمحققه محمد‬ ‫‪4‬‬

‫الحبيب التجكاني‪.‬‬
‫ــ ‪ 65‬ـ‬
‫الخاصية التاسعة‪ :‬كثرة الفقه النوازلي وغزارة التأليف في النوازل‪،‬‬
‫بما لم يقع في أي قطر من أقطار اإلسالم‪.‬‬
‫هذا ما استطعتـ أن أجمعه والحظه من خصائص فقه النوازل في‬
‫الغرب اإلسالمي‪ ،‬وربما هناك خصائص أخرى لم تتكشفـ لي‪ ،‬ولم تتمثل‪،‬‬
‫أسأل هللا أن يوفقنا إليها‪.‬‬
‫آمين والحمد هلل رب العالمين‪.‬ـ‬

‫‪  ‬‬

‫ــ ‪ 66‬ـ‬
‫موجّهات الفتوى في النّوازل عند المالكيّة‬
‫‪ ‬د‪/‬مح ّمد سماع ّي‬
‫كلية العلوم اإلسالمية جامعة الجزائر‬
‫والســـالم على أشـــرف األنبيـــاء‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫والصـــالة‬ ‫الحمد هلل ربّ العـــالمين‪،‬ـ‬
‫ّ‬
‫والمرسـلين‪ ،‬وعلى آله وصـحابته الطـاهرين‪ ،‬وعلى من سـلك طـريقهم واتّبعـ‬
‫هداهم إلى يوم ال ّدين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فإن "مقام الفتوى" يُع ّد مقاما ً عظيم القدر‪ ،‬خطير ال ّشأن؛ وهو من أجــ ّل‬ ‫ّ‬
‫فروض الكفاية وأعظمهاـ؛ إذ ال بُـ ّد للمســلمين م ّمن يُــبيّنـ لهم أحكــام دينهم فيما‬
‫ُحسن ذلك إال َمن استجمع شروط اإلفتــاء وامتلك من‬ ‫يقع لهم من نوازل‪ ،‬وال ي ُ‬
‫المؤهّالت ما يم ّكنه من الوقوف على أرضيّتهـ من غير انحراف‪.‬‬
‫وفي هــذا البحث الــذي ُأق ّدمه عــرضٌ مــوج ٌز لبعض أه ّم الموجّهــات‬
‫والمعــانيـ العا ّمة الــتي قرّرها فقهاؤنا في كتب األصــول والفــروع وفتــاوى‬
‫النّوازل‪ ،‬وهي من األمــور الــتي ال يحسن بمن تأهّلـ لإلفتــاء في ال ُمســتج ِّد من‬
‫الوقـــائع أن يغفُل عنهـــا؛ـ لما لها من أثر واضح في تقـــويم ملكتـــه‪ ،‬وترشـــيد‬
‫مسلكه‪ ،‬وتوجيه رأيه‪.‬‬
‫وهذه الموجّهات‪:‬ـ ـ إنما هي قواعد ومبــادئ عا ّمـ ةٌ من شــأنها أن ((تُنــير‬
‫درُوب تطبيق النّصوص على الوقائع ال ُمتج ـ ّددة‪ ،‬وتُعين المفــتين على ُمقارعة‬
‫صعاب النّوازل‪ ،‬وتُقيم اعوجاج ُملتويات المسائل))‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والنّوازل(‪ )1‬كلمةٌ‪ :‬ـ تطلق بوجه عامّ على المسائل والوقائع التي‬
‫تستدعي حكما ً شرعيّاً‪ ،‬وهي بهذا المعنى تش ُمل جميع الحوادث التي تحتاج‬
‫لفتوى أو اجتهاد؛ ليَتبيّن حك ُمها ال ّشرع ّي سواء كانت هذه الحوادث ُمتكرّرةً‬
‫أن الذي يتبادرـ إلى األذهان في‬ ‫أو نادرةً‪ ،‬وسواء كانتـ قديمةً أو جديدةً؛ غير ّ‬
‫زماننا من إطالق هذا المصطلح‪ :‬ـ انصرافُه إلى واقعة أو حادثة جديدة لم‬
‫تكن معروفة في ما غبَر من األزمان؛ فهي الوقائع الجديدة التي تتطلّب حكما ً‬
‫شرعيّا ً ليس فيه نصٌّ من كتابـ وال سنّة وال إجماع وال فتوى سابقة؛ـ وال‬
‫يُستخرج حكمها إال باالجتهاد والقياس على غيرها من مسائل الفرُوع(‪.)2‬‬
‫أن‬‫فالنّوازل مسائلُـ ((تتميّزـ بالتج ّدد ال ُمستم ّر الذي ال يقف عند حـ ّد؛ ذلك ّ‬
‫لكل نازلة زمانها ومكانها ومصالحها ومفاسدها؛ فهي ليست متنا ً فقهيــا ً ُيحفظ‬

‫(?) النّوازل‪ :‬لغةّ‪ :‬جمع نازلة؛ اسم فاعل من «نزل»؛ وهي ما ّدةٌ تد ّل على هبوط شي ٍء‬ ‫‪1‬‬

‫ووقوعه؛ يقال‪ :‬نَ َزل عن دابَّتِه نُ ُزوالً؛ ونَزَ َل المط ُر من السَّما ِء نزوالً؛ والنَّازلة‪ :‬ال َّشديدةُ‬
‫َنزل بالنّاس؛ انظر‪ :‬ابن فارس‪ُ « ،‬معجم مقاييس اللّغة»‪.)5/334( :‬‬ ‫من شدائد ال ّدهر ت ِ‬
‫(?) انظر‪ :‬يحيى بن البراء‪« ،‬تحقيق نظم بوطليحيّة»‪( :‬ص‪.)137/‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 67‬ـ‬
‫الحكم للنّـــاظر فيه من أوّل وهلة‬‫ُ‬ ‫ويُـــدرَّس ويُشـــرح لكل النّـــاس‪ ،‬ويســـتوي‬
‫للجميع))(‪.)1‬‬
‫وجه األ ّول‪ :‬فتوى النّوازل ال تستق ّل عن الماضي‪ :‬والمراد بهذا‬ ‫ـ ال ُم ّ‬
‫أن المفتي في النّوازل المستج ّدة ينبغي أن يكون على قدر من العلم‬ ‫الموجّه ّ‬
‫بفتاوى َمن سبقه في النّوازل القديمة المشابهةـ لها؛ فيُلحقها بها‪ ،‬ويُعطيهاـ‬
‫األمة قبله؛ وألهميّة هذا‬
‫حكمها الذي سبق أن اجتهد فيه جماعةٌ من علماء ّ‬ ‫َ‬
‫المعنى في توجيه من يتص ّدر للفتوى في النّوازل؛ قرّر اإلمام ابن عبد البَ ّر‬
‫حيث قال‪(( :‬ال يكون فقيها ً في الحادث‬ ‫ُ‬ ‫المالك ّي مقولةً جرت مجرى القواعد؛‬
‫من لم يكن عالما ً بالماضي))‪.‬‬
‫الدربة واالِرتياض في‬ ‫والنظر في كتب النوازل يُعطي الفقيه مزيداً من ّ‬ ‫ّ‬
‫الشورى‬ ‫حضوري مجلس ّ‬ ‫ُ‬ ‫الفتوى؛ ولذلك قال أبو األصبغ بنُ سهلٍ‪(( :‬لوال‬
‫ابن األمير سليمانُ‬ ‫أول مجلس شاورني فيه ُ‬ ‫الحكام ما َدَريت ما أقول في ّ‬ ‫ّ‬ ‫مع‬
‫تفقد‬
‫ومن ّ‬ ‫تقن؛ َ‬‫الم َ‬
‫ستخرجة الحفظ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫والم‬ ‫المدونة‬
‫ّ‬ ‫ابنُ أسود ‪ ،‬وأنا يومئذ أحفظ‬
‫عول النّاس في مسائلهم‬ ‫وي ِّ‬
‫ممن جعله هللا إماماً يُلجأ إليه‪ُ ،‬‬ ‫هذا المعنى من نفسه ّ‬
‫)‬ ‫(‪2‬‬
‫وصدقا)) ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ً‬ ‫ظاهرا‬ ‫حقاً‪ ،‬وألفاه‬
‫عليه؛ وجد ذلك ّ‬
‫وما يُحكى في النّوازل القديمة من خالف بين فُقهاء المذهب؛ ليس‬
‫إثارة الموضوع؛ ُليعلم ّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫مطلوبا ً من المفتي أن يلتزم به؛ ((إذ إ ّ‬
‫ن المقصود‬
‫حرمه‪ ،‬أو تحكي الخالف فيه؛ وهو أمر‬ ‫له شواهد في النّوازل تُبيحه أو تُ ّ‬
‫رجح من‬ ‫النوازل سنداً يستند إليه؛ ليُ ِّ‬
‫سيُتيح للفقيه عندما يُعالج ّأيا ً من هذه ّ‬
‫المرجّحات؛ ويكفيه منقبةًـ لهذا الخالف‪ :‬ـ ّأنه يرفع‬ ‫الخالف على أساسٍ من ُ‬
‫االتباع))‪.‬‬
‫صَر ُمخالفة اإلجماع‪ ،‬ويسلك به مسلك ّ‬ ‫عن الباحث ِإ ْ‬
‫إن الفقه اإلسالم ّي بح ٌر ال ساحل له‪ ،‬قاد ٌر على استيعابـ‬‫ويُمكنناـ القول‪ّ :‬‬
‫ك ّل نازلة من النّوازل‪ ،‬وكتب نوازل فُقهاء المغرب تحوي حلوالً ناجعةً لكثير‬
‫من قضاياناـ ال ُمعاصرة هذه األيّام‪ ،‬باإلمكان أن نُفيد منها في ُمختلف مجاالت‬
‫حياتنا؛ـ فما عليناـ سوى الرّجوع إلى هذه الكنوز ال ّدفينة‪،‬ـ والنَّهل من معينهاـ‬
‫الثرِّ ‪.‬‬

‫(?) انظر‪ :‬بحث ال ّدكتور ُمبارك جزاء الحرب ّي‪« ،‬جهود فقهاء المالكيّة المغاربة في‬ ‫‪1‬‬

‫تدوين النّوازل الفقهيّة»‪.‬‬


‫(?) انظر‪ :‬ابن فرحون‪« ،‬تبصرة الح ّكام»‪)1/2( :‬؛ وأبو األصبغ‪ :‬هو عيسى بن سهل بن‬ ‫‪2‬‬

‫ي الجيّاني؛ سكن قُرطبة وتفقّه بابن عتّاب والزمه واختصّ به؛ له كتابٌ في‬ ‫عبد هللا األسد ّ‬
‫ّ‬
‫النّوازل اسمه‪« :‬اإلعالم بنوازل األحكام»؛ توفي بغرناطة سنة (‪486‬هـ)؛ انظر‪ :‬ابن‬
‫ُ‬
‫فرحون‪« ،‬الدِّيباج ال ُم ْذهَب في معرفة أعيان علماء المذهب»‪.)1/106( :‬‬
‫ــ ‪ 68‬ـ‬
‫ب‪:‬ـ اـلـفـقـهـ هـوـ مـعـرـفـةـ بـاـطـنـ‬ ‫وجه الثّاني‪ :‬فقه النّوازل فقه ٌ ّ‬
‫مرك ٌ‬ ‫الم ّ‬ ‫ـ ُ‬
‫اـلـ ّشـيـءـ وـاـلـو ُ‬
‫صـوـلـ إـلـىـ أـعـمـاـقـهـ؛ـ وـاـلـمـرـاـدـ بـهـذـاـ اـلـمـوـ ّجـهـ أـ ّـنـ اـلـمـفـتـيـ فـيـ أـيّـةـ‬
‫نـاـزـلـةـ يـحـتـاـ ُجـ إـلـىـ نـوـعـيـنـ مـنـ اـلـفـهـمـ‪:‬ـ ـ أـحـدـهـمـاـ‪:‬ـ فـهـمـ واـقـعـ اـلـنّـاـزـلـةـ بـاـلـنّـظـرـ فـيـ‬
‫اـلـقـرـاـئـنـ واـلـظّـرـوـفـ اـلـمـالـبـسـةـ لـهـاـ؛ـ وـثـاـنـيـهـمـاـ‪:‬ـ فـهـمـ حـكـمـ هللاـ اـلوـاـجـبـ فـيـ ذـلـكـ‬
‫صـلـ بـمـعـرـفـةـ اـلوـاـقـعـ وـاـلـتـفـقّـهـ فـيـهـ إـلـىـ‬ ‫اـلوـاـقـعـ؛ـ وـاـلـمـفـتـيـ اـلـ ُمـوـفَّـقـ‪:‬ـ هـوـ َمـنـ يـتـوـ ّ‬
‫مـعـرـفـةـ حـكـمـ هللاـ ورـسـوـلـهـ ×ـ‪.‬ـ‬
‫أدلة الواقع‬ ‫القرافي ~ بين ّ‬ ‫ّ‬ ‫ولهذا المعنى الم ّتفق عليه في الجملة؛ فرّق اإلمام‬
‫أدلة مشروعيّة‬ ‫حيث قال ~‪ّ (( :‬‬ ‫الثانية؛ ُ‬ ‫أن األولى أوس ُع من ّ‬ ‫وأدلة الحكم؛ وانتهى إلى ّ‬ ‫ّ‬
‫وأدلة وقوع‬ ‫نحو العشرين؛ ّ‬ ‫األحكام محصور ٌة شرع ًا تتو ّقف على ال ّشارع وهي ُ‬
‫وحصول شروطها‬ ‫ِ‬ ‫وقوع أسبابها‬ ‫ِ‬ ‫الدال ُة على وقوع األحكام؛ أي‬ ‫األدلة ّ‬‫األحكام هي ّ‬
‫وانتفاء موانعها‪ّ ...‬أما وقوع هذه األمور؛ فال يتو ّقف على نصب من جهة صاحب‬
‫القضاء عليها بال ّتناهي))(‪.) 1‬‬ ‫ُ‬ ‫األدل ُة في عدد‪ ،‬وال يُمكن‬ ‫ال ّشرع‪ ،‬وال تنحصر تلك ّ‬
‫وجه الثّالث‪ :‬الفتوى في النّازلة اجتها ٌد ال نق ٌل‪ :‬الفتوى‪ :‬ـ هي بيان‬ ‫ـ ال ُم ّ‬
‫الحكم ال ّشرع ّي في أمر من األ ُمور؛ جوابا ً عن سؤال سائل؛ـ سوا ًء أكان ُمعيّناـ‬
‫أم ُمبهماً‪،‬ـ فرداً أم جماعة؛ والمفتي إ ّما أن يكون ناقالً أو مجتهداً‪:‬‬
‫فالنّاقل‪:‬ـ ـ هو َمن يحفظ أقوال الفقهاء في المسائل‪ ،‬وينقلها إلى غيره‬
‫عند السّؤال عنها أو الحاجة إليها؛ وشرطه عند العلماء‪(( :‬يقوم بحفظ المذهب‬
‫وفهمه في الواضحات والمشكالت‪،‬ـ ومعرفة عا ّمه وخاصّه‪ ،‬و ُمطلقه‬
‫ومقيّده‪ ...‬فهذا يُعتمد نقلُه وفتواه فيما يحكيهـ من مسطُورات مذهبه‪،‬ـ وما ليس‬
‫كذلك يجب إمسا ُكه عن الفتوى به‪ ،‬وال يجوز ألحد العملُ به))(‪.)2‬‬
‫والمجته ُد ال ُمطلق‪ :‬ـ هو َمن ملك وسائل االجتهاد واستكملـ شرائط‬
‫ع شرعا ً من اإلفتاء بغير ما يتوصّل إليه بنظره في‬ ‫االستنباط؛ـ وهو ممنو ٌ‬
‫(‪)3‬‬
‫المسائل؛ ومثلُه مجتهد المذهب؛ غير أنّه ال يخرج عن أصُول إمامه ‪.‬‬
‫أن المفتي في النّوازل والمسائلـ المستج ّدة ينبغي‬ ‫والمراد بهذا الموجّه ّ‬
‫ٌ‬
‫ألن النوازل وقائع اجتماعيّة يُبحث لها عن‬ ‫ّ‬ ‫أن يكون مجتهداً ال ناقالً؛ وذلك ّ‬

‫‪ )?( 1‬القراف ّي‪« ،‬الفروق»‪)1/128( :‬؛ وراجع نحواً من ذلك المعنى عند‪:‬ـ ابن القيّم‪« ،‬إعالم‬
‫ال ُموقّعين»‪:‬ـ (‪.)1/69‬‬
‫‪ )?( 2‬انظر‪ :‬ال ّشنقيط ّي‪« ،‬نشر البنود»‪:‬ـ (‪)2/317‬؛ وفي السّياق عينه يقول ابن القيّم‪ « :‬قال‬
‫ابنُ القيّم‪« :‬ال يجوز لل ُمقلّد أن يُفتي في دين هللا بما هو ُمقلِّ ٌد فيه‪ ،‬وليس على بصير ٍة فيه‬
‫ع من السّلف كلِّهم»؛ انظر له‪« :‬إعالم ال ُموقّعين»‪:‬ـ (‪4/1‬‬ ‫سوى أنّه قو ُل َمن قلّده؛ هذا إجما ٌ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪)49‬؛ وراجع‪ :‬ابن أمير الحاجّ‪« ،‬التقرير والتحبير»‪.)3/347( :‬‬
‫‪3‬‬
‫ٌ‬
‫خالف بين العلماء يُعرف‬ ‫(?) وهل ذلك على وجه اإلطالق أو في أحوال االتّساع فقط؟‬
‫من مظانّه‪.‬‬
‫ــ ‪ 69‬ـ‬
‫شأن المجتهد‬ ‫ُ‬ ‫شرعي خاصٍّ بها من مصادره األصليّة أو التّبعيّة؛ وهذا‬ ‫ٍّ‬ ‫حُكم‬
‫ٌ‬
‫ونقله إنما هو حكاية لقول غيره من‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ال الناقل الذي هو في الحقيقة ُمقل ٌد لغيره؛ ُ‬
‫طلق عليه لفظ "فُتيا" من باب التج ّوز؛ وقد قعّد الفقهاء قاعدة‬ ‫المجتهدين‪ ،‬وُأ ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫أن‪ :‬ـ ((المقلّد يحكي وال يُفتي)) ‪.‬‬ ‫مفادها ّ‬
‫تخريج‬
‫ٌ‬ ‫ستجدّة على نوعين‪:‬‬ ‫واالجتهاد في النّوازل والوقائع ال ُم ِ‬
‫واستنباطٌ‪ :‬فالتّخريج‪ :‬هو استخراج الحكم في النّازلة بالتّفريعـ على نصّ‬
‫اإلمام في صُور ٍة ُمشابه ٍة لها من غير أن يكون الحك ُم منصوصا ً عليه منه؛ـ‬
‫فالمخرِّ ج يقوم بالبحثـ والتّفتيش عن بعض النّوازل التي تُشبه قضاياه‬
‫ال ُمعاصرة في وجه من الوجُوه وصُورة من الصُّ ور؛ فيُطبِّقـ عليها‪،‬ـ أو‬
‫يستأنس بها إليجاد حكم القضيّة ال ُمستجدِّة‪ .‬واالستنباط‪ :‬هو استخرا ُج الحكم‬
‫بنا ًء على األصول؛ وهو وظيفةٌ ال يجوز أن يُقدم عليها إال الفقيهُ الذي بلغ‬
‫رُتبة االجتهاد (‪.)2‬‬
‫واجتهاد االستنباطـ وبناء األحكام على أصُول اإلمام ومداركه التي بنى‬
‫عليها مذهبَه أولى من التّخريج؛ وذلك لمعنيين‪:‬‬
‫ً‬
‫أن التّخريج فيه شبهٌ كبير بالنّقل؛ والنّقل ال يستقيمـ مسلكا في‬ ‫أ ّولهما‪ّ :‬‬
‫الوقوف على حكم ما يستج ّد من الوقائع‪.‬‬
‫فإن االختالف في الباطنـ‬ ‫ّ‬
‫أن الوقائع وإن تشابهت في الظاهر؛ ّ‬ ‫ثانيهما‪ّ :‬‬
‫ُ‬
‫محتملٌ؛ فقد يكون في بعضها ما يمنع إلحاقها بغيرها مما نصّ على حكمه في‬
‫ُمقتضى النّظر‪ ،‬وعند ذلك يكون اإللحاق باألصول والكليّاتـ أسلَم مسلكا ً من‬
‫رضي ُمتناسق مع قواعد التّشريع ومقاصده‪.‬‬ ‫ٍّ‬ ‫أجل الوقوف على حُكم َم‬
‫ومما ينبغي التّنبيهـ إليه في هذا المقام‪(( :‬أنّ بعض المُفتين يتكلّف في‬
‫ستجدة على ما يظن ُمشابهتهاـ لها من المسائلـ السّابقة‬ ‫ِّ‬ ‫إلحاق بعض المسائلـ ُ‬
‫الم‬
‫مع الفرق البيّن بينهما‪،‬ـ وكثيراً ما يكون ذلك في المعامالت الماليّة‬
‫المتعلِّقة‬
‫إلحاق بعض النّوازل ُ‬‫َ‬ ‫المعاصرة؛ حيث يُحاول بعضُهم جاهداً‬
‫ً‬ ‫دراسة‬ ‫السابقة؛ مع ّأنه لو قام بدراستها‬
‫الشرعيّة ّ‬
‫العقود ّ‬
‫باألموال ببعضـ ُ‬
‫الشرعيّ))‪.‬‬
‫ُمستقلًَّة ألغناه ذلك وأراحه في إبراز الحكم ّ‬

‫‪1‬‬
‫(?) انظر‪ :‬العدويّ‪« ،‬حاشية العدوي»‪.)2/339( :‬‬
‫‪2‬‬
‫ي‪« ،‬البحر المحيط»‪8/36( :‬‬ ‫(?) انظر‪ :‬ال ّشنقيط ّي‪« ،‬نشر البنود»‪:‬ـ (‪ ،)2/271‬وال ّزركش ّ‬
‫‪ ،)0‬وقال هناك‪« :‬أ ّما من شدَا شيئا ً من العلم؛ فقد نُقل اإلجما ُ‬
‫ع على أنّه ال يح ّل له أن‬
‫يُفتي»‪.‬‬
‫ــ ‪ 70‬ـ‬
‫وجه الثّالث‪ :‬الحكم في االنتهاء قد يختلف عن الحكم في االبتداء‪:‬‬ ‫ـ ال ُم ّ‬
‫أن النظر في النازلة بعد وقوعها قد‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫والمراد بهذا الموجّه عند فقهاء المالكيّة ّ‬
‫مختلف في صحّته‬ ‫ٌ‬ ‫يختلف عن النّظر فيها قبل وقوعها؛ وذلك بأن يقع فع ٌل‬
‫البطالن من الفقهاء بصحّته بعد‬ ‫ُ‬ ‫وبُطالنه بين العلماء؛ فيحكم َمن مذهبُه‬
‫(‪)1‬‬
‫وقوعه؛ الشتمال التّصحيح على مصلحة أعظم من مصلحة اإللغاء ‪.‬‬
‫ي وغــيرُه عن أ ّم‬ ‫واألص ـ ُل في ذلك عند المالكيّة ما رواه اإلمــام التّرمــذ ّ‬
‫أن رسول هللا × قال‪َ« :‬أيُّ َما ا ْم َرَأ ٍة نَ َك َحتْ بِ َغ ْي ِر ِإ ْذ ِن َولِيِّ َها‬ ‫المؤمنين عائشةـ < ّ‬
‫اط ٌل فَ ِإنْ د ََخ َل بِ َها فَلَ َها ا ْل َم ْه ُر بِ َما‬ ‫اح َها بَ ِ‬‫اط ٌل فَنِ َك ُ‬
‫اح َها بَ ِ‬‫اط ٌل فَنِ َك ُ‬ ‫فَنِ َك ُ‬
‫اح َها بَ ِ‬
‫س ْلطَانُ َولِ ُّي َمنْ اَل َولِ َّي لَهُ»(‪.)2‬‬ ‫شت ََج ُروا فَال ُّ‬ ‫ست ََح َّل ِمنْ فَ ْر ِج َها فَِإنْ ا ْ‬ ‫ا ْ‬
‫الزوج بدفع المهر بعده؛‬ ‫قبل وقوعه‪ ،‬وألزم ّ‬ ‫النبي × ببطالن ال ّنكاح َ‬ ‫ّ‬ ‫فقد حكم‬
‫اطبي‪َ (( :‬من واقع منه ّيـاً عنــه؛‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ش‬ ‫ال‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫اإلما‬ ‫يقول‬ ‫له‬ ‫أصيل‬ ‫ّ‬
‫ت‬ ‫وال‬ ‫المعنى‬ ‫ذلك‬ ‫وفي تقرير‬
‫يكون فيما يــتر ّتب عليه من األحكــام زائ ـ ٌد على ما ينبغي بحكم التبعيّة ال بحكم‬ ‫ُ‬ ‫فقد‬
‫أمر أش َّد عليه من ُمقتضى النهّي؛ ف ُيــترك وما فعل من ذلــك‪،‬‬ ‫األصالة‪ ،‬أو ُمؤ ٍّد إلى ٍ‬
‫َ‬
‫أن ذلك الوا ِقـ َع واقـ َع‬ ‫ً‬
‫أو ُنجيز َما وقع من الفساد على وج ٍه يلي ُق بالعدل؛ نظــرا إلى ّ‬
‫ال على الجملـة‪ ،‬وإن كـان مرجُوحـاً؛ فهو راجحٌ بال ّنسـبة إلى إبقـاء‬ ‫ـف فيه دلي ً‬ ‫ّ‬
‫المكل ُ‬
‫ضـــرر على‬ ‫ٍ‬ ‫دخـــول‬ ‫ألن ذلك أو َلى من إزالتها مع ُ‬ ‫الحالة على ما وقعت عليـــه؛ ّ‬
‫قبـل‬ ‫ُ‬
‫أن ال ّنهي كـان دليله أقـوى َ‬ ‫الفاعل أشـ َّد من ُمقتضى ال ّنهي؛ فـيرج ُع األمـرُ إلى ّ‬
‫(‪) 3‬‬
‫الوقوع‪ ،‬ودليلُ الجواز أقوى بعد الوقوع؛ لما اقترن من القرائن ال ُمرجّحة)) ‪.‬‬
‫فإن للمسألة ضابطا ً أشار إليه‬ ‫وال يعنيـ ذلك إقرار ك ّل منه ّي يقع؛ ّ‬
‫ُ‬
‫بعضُ فقهاء "مالقة" بقوله‪(( :‬إذا كانت المسألَة ظا ِه َرةَ المنع ابتدا ًء‪َ ،‬شدي َدةَ‬
‫ي القو ُل بفسخها بعد ال ُوقوع‪ْ ،‬‬
‫وإن‬ ‫الشرع‪ :‬ـ قَ ِو َ‬ ‫التّحريم لكثرة ُمنافرتها لمقصد ّ‬
‫كان في ذلك المشقَّةُ وال َحر ُج؛ َرعيًا للمصلحة في ِح ْفظ نِظام ال َّشريعة وس ًّدا‬
‫للذريعة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وإن كانت المسألةُ في ابتدائهاـ ُمختلَفاً فيها‪ُ ،‬متردِّدةً بين المنع والجــواز‪،‬‬ ‫ْ‬
‫الحتِمالـ معناهاـ المالء َمةَ لغَرض ال َّشارع وال ُمنافَ َرة له معًا على ح ـ ٍّد واحــد‪ :‬ـ ـ‬
‫ك الفَس ـ ُخ‪ ،‬ألنها إذا كــانت في االبتــداء‬ ‫تَرجَّح القو ُل باإلمضاء بعد ال ُوقوع وتُ ِر َ‬
‫ْ‬
‫أن الخالف في جوازهــا‪ ،‬إذ هي من المســائل‬ ‫ضـعيفةَـ المنع ألجل َّ‬ ‫قبل ال ُوقوع َ‬
‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫المــتردِّدة بين المالءمة وال ُمنــافرة ـــ ‪ :‬فال شــك أنها بعد ال ُوقــوع أضــعف في‬

‫(?) انظر‪ :‬الرصّاع‪« ،‬شرح حدود ابن عرفة»‪( :‬ص‪.)177/‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) التّرمذيّ‪ ،‬كتاب‪ :‬النّكاح‪ ،‬باب‪ :‬ال نكاح إال بولِ ّي‪ ،‬رقم‪)3/407( ،1102 :‬؛ قال‬ ‫‪2‬‬

‫حسن صحيحٌ»؛ وقوله ×‪« :‬اشتجرُوا»؛ معناه‪ :‬تخالفوا وتنازعوا؛‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫حديث‬ ‫التّرمذيّ‪« :‬هذا‬
‫يقال‪ :‬شج َر بينهم األمر ُشجوراً؛ أي تَنازعُوا فيه؛ انظر‪ :‬الفيروز آباديّ‪« ،‬القاموسُ‬
‫المحيط»‪( :‬ص‪.)530/‬‬
‫(?) ال ّشاطب ّي‪« ،‬الموافقات»‪)4/203( :‬؛ وراجع منه في المعنى عينه أيضاً‪.)1/295( :‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 71‬ـ‬
‫ُأ‬
‫ْــرم من معــنى ال َحــ َرج‬ ‫المنــع‪ ،‬ألجْ ل ما في المنع بعد ال ُوقــوع والنَّ ْقض لِ َما ب ِ‬
‫ع على ِخالفهما))(‪.)1‬‬ ‫والمشقَّة اللَّذين بُنِ َي ال َّشر ُ‬
‫الخروج عن ال ّراجح في النّوازل محتم ٌل‪ :‬الرّاجح في‬ ‫ُ‬ ‫وجه ال ّرابع‪:‬‬ ‫ـ ال ُم ّ‬
‫المذهب‪ :‬ما قوي دليلُه؛ ويُقابله الضّعيف؛ـ وهو ما ضعُف دليلُه من أقوال أئ ّمة‬
‫المذهب؛ قيل‪ :‬ومن غيرها؛ـ قال الهاللي‪(( :‬و ُمقتضى نصوص الفقهاء‬
‫أن العمل بالرّاجح واجبٌ ))(‪.)2‬‬ ‫واألصُوليّين ّ‬
‫أن المفتي قد يُضط ّر إلى الخروج عن الرّاجح في‬ ‫والمراد بهذا ال ُموجّه ّ‬
‫ّ‬
‫بعض النّوازل إلى الضّعيف ألسباب؛ منها ما أشار إليه الحطاب بقوله‪(( :‬إذا‬
‫صا ً في المسألة في مذهب إمامه وال وجد َمن له معرفةٌ‬ ‫لم يجد ال ّشخص ن ّ‬
‫بمداركه؛ فالظّاهر أنّه يسأل عنها في مذهب الغير ويعم ُل عليه‪ ،‬وال يعمل‬
‫بن عمر‪ :‬والحالل ضالّةٌ مفقودةٌ؛‬ ‫بجهل‪ ،‬ويُؤيّد هذا ما قاله ال ّشيخ يوسف ُ‬
‫ي من الخالف؛‬ ‫فيجتهد اإلنسان في ال ُمتّفق عليه في المذهب؛ فإن لم يجد فالقو ّ‬
‫فإن لم يجد؛ فينظر الخالف خار َج المذهب‪ ،‬وال يخرج عن أقاويل العلماء؛‬
‫وكذا ينبغي في كل مسألة وهللا أعلم))(‪.)3‬‬
‫ويُعبّر فقهاء المالكيّة عن هذا المعنى بـ((الحكم بالضّعيف))؛ ويذكرون‬
‫لجوازه جملةً من القيود؛ يأتيـ في ُمق َّدمِها‪ :‬ـ أهليّةُ المفتي للحكم بالضّعيف‪،‬ـ‬
‫ج إلى الخروج عن المذهب في النّازلة؛ كأن تُلجئ‬ ‫حو ِ‬‫الم ِ‬‫ق ال ّداعي ُ‬ ‫وتحقّ ُ‬
‫بحيث يبعد مأخذه ك ّل البعد‬‫ُ‬ ‫ضرورةُ إلى العمل به؛ ولم يكن ضعفه شديداً‬ ‫ال ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫عن مسالك االجتهاد المعتبر ‪.‬‬
‫أن المجتهد لما كان ال يقطع بصحّة ال ـرّأي‬ ‫والمعنى في تقرير ذلك‪ :‬هو ّ‬
‫الذي يعتقده الستناده إلى ظن ّي‪ ،‬وكــان احتمــا ُل الخطأ عليه وارداً في الجملــة؛‬
‫جاز له أن يخرُج عنه إلى ما يُخالفه من األقوال التي ال يقطع بخطئهــا؛ـ وليس‬
‫ألن له ُمرجّحـــا ً في الواقـــع‪ ،‬وهو اشـــتمالـ‬ ‫ذلك من قَبِيل التّح ّكم الممنـــوع؛ ّ‬
‫ـوت الرّجحــان ونفيُه‬ ‫أن ال ّشرع يُراعي مثلهـا‪،‬ـ وثبـ ُ‬ ‫ال ُمراعاة على مصلحة ثبتـ ّ‬
‫(‪)5‬‬
‫إنما يكون بحسب نظر المجتهد في النّوازل ‪.‬‬

‫(?) الونشريس ّي‪« ،‬المعيار ال ُمعرب»‪ 2/203( :‬ـ ‪.)204‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الهاللي‪« ،‬نور البصر»‪( :‬ص‪.)156/‬‬ ‫‪2‬‬

‫ّ‬
‫الحطاب‪« ،‬مواهب الجليل»‪)1/33 ( :‬؛ وانظر في نفس المعنى‪ :‬الهاللي‪« ،‬نور البصر»‪:‬‬ ‫(?)‬ ‫‪3‬‬

‫(ص‪.)156 /‬‬
‫(?) انظر‪ :‬ال ّشنقيط ّي‪« ،‬نشر البنود»‪:‬ـ (‪ ،)2/270‬والغالويّ‪« ،‬بُوطليحيّة»‪( :‬ص‪،)66/‬‬ ‫‪4‬‬

‫وراجع‪ :‬ال ّزركش ّي‪« ،‬البحر المحيط»‪.)6/325( :‬‬


‫(?) انظر‪ :‬الم ّشاط‪« ،‬الجواهر الثّمينة»‪( :‬ص‪ ،)236/‬وراجع‪ :‬سماعي‪« ،‬نظريّة‬ ‫‪5‬‬

‫االحتياط الفقه ّي»‪( :‬ص‪.)181/‬‬


‫ــ ‪ 72‬ـ‬
‫بأن ترك العمل بالضّعيفـ ال يعني إلغاءه بالكليّة؛ قال ُ‬
‫ابن‬ ‫وذلك ُمش ِعرٌ‪ّ :‬‬
‫حكم المرجوح بالكليَّـة؛ بل يجب العطفُ‬ ‫َ‬ ‫العربي‪(( :‬القضاء بالرَّاجح ال َيقطَع‬
‫جبِي منه‬ ‫جرُ؛ واحتَ ِ‬ ‫الح َ‬
‫للفراش‪ ،‬وللعاهِر َ‬ ‫عليه بحسب مرتبتهـ؛ لقوله ×‪ :‬الولد ِ‬
‫أكله؛ فإنّه حكم بالتّحليل‬ ‫كره َ‬ ‫سودةُ!))‪ .‬ث ّم قال‪(( :‬وهذا مستند مالك ‪ ‬فيما ِ‬ ‫يا َ‬
‫تجْدها على ما َرسمتُ‬ ‫ن مسائلَه ِ‬ ‫عارض أثرَه؛ فتبيّ ْ‬ ‫الم ِ‬‫الدليل‪ ،‬وأعطى ُ‬ ‫لظهُور ّ‬
‫لك))(‪.)1‬‬
‫أص ـول‬ ‫وم ّما يلتحق بذلك المعنى أيضا ً‪ :‬ـ احتمالُ الفُقهاء الخــروج عن ُ‬
‫المذهب وقواعده العا ّمة للحاجة‪ :‬ـ‬
‫ومن فتـاوى النّــوازل الجارية على ذلك‪ :‬ــ تجـويزُ فقهـاء أهل األنـدلس‬
‫أن أصـول المـذهب قاضـيةٌ‬ ‫الجْبن؛ مع ّ‬ ‫ألهلها االشتِراك في اللَّبن الستخالص ُ‬
‫رج منها من‬ ‫بـــالمنعـ من التّعاملـ به؛ ((ألنَّ األلب ان تختلف في مق دار ما يَخ ُ‬
‫والس من‪ ،‬فإذا خلطــوا‬ ‫َّ‬ ‫الجبن‪ ،‬كما تختلف في مقدار ما يخ ُرج منها من ال َّزبَد‬
‫ألبــانهمـ على أجــزا َء معلومة لم يَ ُكن الخــار ُج منها من الجبن على تلك النِّســبةـ‬
‫لك ّل واحد‪ ،‬بل على اختالف النّسبةـ أو بجهل التَّساوي في النِّســبة؛ فصــا َر كــلُّ‬
‫منهي عنها))(‪.)2‬‬ ‫ٌّ‬ ‫واحد يُزابِ ُن صاحبَه؛ والمزابنةُـ‬
‫اطبي‬
‫الشـ ّ‬ ‫ولهم في توجيه ذلك أجوبةٌ؛ لعلّ من أحسنها ما أشار إليه اإلمــام ّ‬
‫ألن لكثــير من‬ ‫ال؛ َّ‬ ‫أن لطــالب الرُّخصة في مســألة اللَّبن هنا مــدخ ً‬ ‫ال َّ‬ ‫~ بقولــه‪(( :‬إ َّ‬
‫النَّاس الحاج َة في الخلط المذكور‪ ،‬وال سيما لمن كان له اليسيرُ من اللَّبن الــذي ال‬
‫جُبن على أصل انفرا ِده وال على وجه االنتفاع به في بيع أو غــيره إ َّ‬
‫ال‬ ‫َيخرُج منه ٌ‬
‫َّ‬
‫أن يذهبوا بكثــير من مواشي الناس‬ ‫فإن العادَة في الرُّعاة ْ‬ ‫إن خرج‪ ،‬وأيضا َّ‬ ‫بح َرج ْ‬ ‫َ‬
‫أن يحلبــوا لكــلِّ واحد‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫إلى المواضع البعيدة طلبًا للمــراعي‪ ،‬ولو كلفــوا عند الحلب ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َّمن له في الماشــية شــيء‪ ،‬لم يُمكنهم فضال عن أن َيع ِقـ ُدوا له جُبنَه على ِحـ دَة‪...‬‬
‫خلط األلبان بذلك القصد))(‪.)3‬‬ ‫األصل جوازَ مسألة ِ‬ ‫ُ‬ ‫َضى هذا‬ ‫فاقت َ‬
‫ـأخرون من فقهــاء المالكيّــة‪،‬ـ وعـ ّدوا ذلــك‬ ‫وعلى هذه الفتاوى َج َرى المتـ ِّ‬
‫ِم َّما َج َرى به ال َع َمل‪ ،‬قال صاحب "العمليَّات الفاسيَّة"‪:‬ـ‬
‫َوال َّزيْت بِالنِّ ْسبَ ِة لِلتَّ َحرِّي‬ ‫ون ِع ْن َد ْال َعصْ ِر‬ ‫َو ْالخ َْلطُ لِل َّز ْيتُ ِ‬

‫(?) انظر‪ :‬علّيش‪« ،‬فتح العل ّي المالك في الفتوى على مذهب مالك»‪.)1/82( :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الونشريسي‪« ،‬المعيار المعرب»‪ ،)5/215( :‬ال ّشاطب ّي‪« ،‬الفتاوى»‪ 207( :‬ـ ‪،208‬‬ ‫‪2‬‬

‫وال ُم َزابنة هي بي ُع الرُّ طَب في رُُؤس النَّ ْخل بالتَّمر‪ ،‬وأصلُه من ال َّزبْن وهو الد ْفعُ؛ َّ‬
‫كأن ُك ّل‬
‫واح ٍد من ال ُمتبَايعيْن يَ ْزبِن صاحبَه عن حقِّه بما يزدَا ُد منه؛ انظر‪ :‬ابن األثير‪« ،‬النّهاية‬
‫في غريب األثر»‪.)2/711( :‬‬
‫(?) الونشريسي‪« ،‬المعيار المعرب»‪ ،)5/216( :‬الشّاطبي‪« ،‬الفتاوى»‪.)209/210( :‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 73‬ـ‬
‫فِي ِس َّك ٍة‪َ ،‬و ْالقَ ْس ُم َأيْضا ً نِ ْسبِ ْي‬ ‫َو ِم ْثلُهُ َج ْم ُع ُذهُو ٍ‬
‫ب الضَّرْ ِ‬
‫ب‬
‫(‪) 1‬‬
‫ت‬ ‫ص ِة ْال ُك ِّل ِّي ِذي ْال َح َ‬
‫اجا ِ‬ ‫ِل ْ‬
‫رُخ َ‬ ‫ت‬ ‫َو ِم ْثلُهَا ُجب ُْن اللَّب ِ‬
‫َّان آ ِ‬

‫خامس‪ :‬أحكام النّوازل تتغيّر بتغيّر وقائعها‪ :‬المراد بهذا‬‫ُ‬ ‫الموجه ال‬
‫ّ‬ ‫ـ‬
‫أن النّوازل التي سبقت وتقرّر بشأنها أحكا ٌم مبنيّةٌـ على مصالح‬ ‫الموجّه ّ‬
‫أن ((الفُتيا بالحكم المبن ّي على‬
‫ُعرفيّة؛ فإنها تتب ّدل بتب ّدلها؛ـ لما قرّره فقهاؤنا ّ‬
‫خالف اإلجماع))(‪)2‬؛ قال القراف ّي‪(( :‬وهذا هو القاعدة‬
‫ُ‬ ‫ُمدرك بعد زوال ُمدركه‬
‫في جميع األحكام المبنيّةـ على العوائد‪ ..‬فتأمّل ذلك؛ فقد غفل عنه كثي ٌر من‬
‫الفقهاء‪ ،‬ووج ُدوا األئ ّمة اُأل َول قد أفتوا بفتاوى بنا ًء على عوائ َد لهم وسطّروها‬ ‫ُ‬
‫في كتبهم‪..‬ـ فأفتوا بِها‪ ،‬وقد زالت تلك العوائ ُد؛ فكانوا ُمخطئينـ خارقين‬
‫ُ‬
‫خالف‬ ‫ي على ُمدرك بعد زوال ُمدركه‬ ‫فإن الفُتيا بالحكم المبن ّـ‬‫لإلجماع؛ ّ‬
‫اإلجماع))(‪.)3‬‬
‫ومن األمثلة على ذلــك‪(( :‬لفظ الحــرام والخليّة والبَريّةـ ونحوها ممّ ـا هو‬
‫الث بنــا ًء على عــادة كــانت في زمانــه؛ـ‬ ‫ق الثّ ُ‬ ‫مسطو ٌر لمالك ّأنه يلــزم به الطّال ُ‬
‫فأكثر المالكيّة اليــوم يُفتِيـ بلــزوم الطّالق الثّالث بنــا ًء على المنقــول في الكتب‬
‫عن مالك‪ ،‬وتلك العوائد قد زالت فال نجد اليوم أحــداً يُطلّق امرأته بالخليّة وال‬
‫تأخرون من الفتاوى الفاسدة‬ ‫بالبَ ِريّة‪ ..‬فتأمل ذلك ويظهر لك ما عليه هؤالء ال ُم ِّ‬
‫ق بين قاعدة الصّريح وقاعدة ما‬ ‫في هذه األلفاظ ويظهر لك بهذه المباحث الفر ُ‬
‫ليس بصريح على القواعد الصحيحة))(‪.)4‬‬
‫ومن أجل ذلك اختلفت فتــاوى أتبــاع المــذهب عن فتــاوى أئ ّمتهم بســببـ‬
‫أن للظّــروف‬ ‫تغــير األزمــان‪ ،‬وتبــ ّدل األحــوال؛ ممّــا يــد ّل بوضــوح على ّ‬
‫الشـرعيّة؛ وذلك التّــأثي ُر إنما هو في‬ ‫والمناســبات تــأثيراً في صــياغة األحكــام ّ‬
‫ق لمناط الحكم الشرع ّي وتحصي ٌل لمقاصــده الــتي ُش ـرع من أجل‬ ‫الحقيقة تحقي ٌ‬
‫تحقيقها‪.‬‬
‫الونشريسي عن‬
‫ّ‬ ‫ومن فتاوى ال ّنوازل الجارية على ذلك المعنى‪ :‬ـ ما أورده‬
‫التضخم التي طال حولها الجدل في زمننا المعاصر؛ فقد ذكر‬ ‫ّ‬ ‫مسألة تُشبه مسألة‬
‫سئلوا‪ :‬ع ّمن أوصى لرجل بدنانير‪ ،‬فحالت الس ّكة إلى س ّكة‬ ‫طليطلة ُ‬ ‫أن فقهاء ُ‬‫ّ‬
‫وور فيها فقها ُء قرطبة؛ فأجابوا بوجُوب الوصيّة في الس ّكة الجارية‬ ‫أخرى‪ ،‬ف ُش ِ‬
‫الوزاني‪« ،‬تحفة األكياس»‪( :‬ص‪.)145/‬‬‫ّ‬ ‫(?)‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر‪ :‬القراف ّي‪« ،‬الفروق»‪.)3/162( :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر‪ :‬القراف ّي‪« ،‬الفروق»‪.)3/162( :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر‪ :‬القراف ّي‪« ،‬الفروق»‪.)3/162( :‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 74‬ـ‬
‫يطي ونصّه‪ :‬لو اكترى دار ًا‬ ‫يوم مات ال ُموصي‪ ،‬ال يو َم أوصى‪ .‬ث ّم ذكر كالم الم ّت ّ‬
‫لكلّ شهر بكذا‪ ،‬فاستحالت ال ّس ّكة‪ ،‬وتمادى ال ُمكتري في السكنى حتى مضت ُم ّدةٌ‪،‬‬
‫وكانت ال ّس ّكة التي استحالت أحسنَ من القديمة التي عقد عليها ال ِكراء؛ فهل يجب‬
‫ابن سهل‪ :‬له من الس ّكة‬ ‫كري على المكتري من القديمة أو من الحادثة؟ فقال ُ‬ ‫لل ُم ِ‬
‫رُخص‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫بغالء أو‬
‫ٍ‬ ‫حُجة لبعض على بعض‬ ‫القديمة التي عقد عليها ال ِكراء‪ ،‬كما ال ّ‬
‫يجوز على األصول سواه؛ قيل‪ :‬هذا في‬ ‫ُ‬ ‫غير هذا‪ ،‬وال‬ ‫وال يحتمل ال ّنظرُ َ‬
‫(‪) 1‬‬
‫أواخر ال ُّدور ‪.‬‬ ‫الحق في نكته ِ‬ ‫ّ‬ ‫الفاسد فنصَّ عليه عبد‬
‫ُ‬ ‫الصّحيح؛ وأ ّما‬
‫ي في عوائد النّاس وأحوالهم؛‬ ‫السو ّ‬ ‫وهكذا‪ :‬ـ ((كلما تج ّدد النّظر الفقه ّي ّ‬
‫ألن هناك‬ ‫أحاط الفقها ُء بحدود المنافع والمفاسد وما يُفضي إليها من وسائل؛ ّ‬
‫مصالح ومفاسد كثيرةً تتأثّرُـ باختالفـ األحوال وتغيُِّر الظّروف؛ فتُغيِّر‬
‫أوضاعَها وسُلّم أولويّاتِها‪،‬ـ ويتغيّر نفعُها أو ضرُرها؛ م ّما يستدعي نظراً‬
‫جديداً‪ ،‬وتقديراً ُمناسباًـ))‪.‬‬
‫سادس‪ :‬االحتياط في النّوازل ينبغي أن يكون وسطاً‪:‬‬ ‫الموجه ال ّ‬
‫ّ‬ ‫ـ‬
‫ّ‬
‫المراد باالحتياط في هذا الموجّه‪ :‬الحكم على النازلة ب ُمقتضى ما تؤول إليه‬
‫أن ذلك ينبغي أن يكون على سبيل التوسّط‬ ‫من صالح أو فساد؛ غير ّ‬
‫واالقتصاد؛ دون اإلغراق في العمل باالحتياط‪.‬ـ‬
‫قال ال ّشاطب ّي‪:‬ـ ((ال ُمفتي البال ُغ ذروةَ ال ّدرجة هو الــذي يحمل النّــاس على‬
‫ـذهب الش ـ ّدة‪ ،‬وال يمي ـ ُـل‬ ‫ق بالجمهور؛ فال يــذهبُ بِهم مـ َ‬ ‫المعهُود الوسط فيما يلي ُ‬
‫ُ‬
‫بِهم إلى طرف االنحالل‪ ،‬وال ّدليل على صحّة هذا أنّه الصّراط المســتقيم الــذي‬
‫الشــريعةُ‪...‬ـ فــإذا خــرج عن ذلك في ال ُمســتفتين خــرج عن قصد‬ ‫جــاءت به ّ‬
‫ً‬
‫الشــارع؛ ولــذلك كــان ما خــرج عن المــذهب الوسط مــذموما عند العلمــاء‬ ‫ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫الرّاسخين)) ‪.‬‬
‫الذرائع آي ٌل في الجملة إلى حرمــان المكلّفين‬ ‫ق في منع ّ‬ ‫ولما كان اإلغرا ُ‬
‫للذريعة‬ ‫أن ما (( ُمنع سـ ّداً ّ‬ ‫من بعض المصالح التي يحتاجونها؛ فقد قرّر الفقهاء ّ‬
‫ّ‬
‫يجب فتحُه للمصلحة ال ّراجحة»؛ وبنا ًء على ذلك؛ فال يمن ُع المكلفَ من اإلقدام‬
‫على ال ّزواج مخافةُ الوقوع في الكسب المح ـرّم؛ «وكــذلك طلبُ العلم إذا كــان‬
‫في طريقه مناكر يسمعها ويراها‪ ،‬وشهو ُد الجنائز‪ ،‬وإقام ـةُ وظــائف شــرعيّة؛‬
‫ـرج هــذا العــارضُ‬ ‫إذا لَم يقدر على إقامتها إال ب ُمشاهدة ما ال يُرتضـى؛ فال يُخـ ِ‬
‫تلك األمو َر عن أصُولها؛ ألنّها أصُول ال ّدين وقواع ُد المصــالِح‪ ،‬وهو المفهــوم‬
‫ق الفهم))(‪.)3‬‬
‫من مقاصد ال ّشارع؛ فيجب فه ُمها ح ّ‬

‫(?) انظر‪ :‬الونشريس ّي‪« ،‬المعيار ال ُمعرب»‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ال ّشاطب ّي‪« ،‬الموافقات»‪.)4/258( :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ال ّشاطب ّي‪« ،‬الموافقات»‪.)4/210( :‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 75‬ـ‬
‫إن ال ّشريعة‬
‫ابن عاشور‪ّ (( :‬‬ ‫وفي تقرير ما يقرُب من ذلك المعنى يقول ُ‬
‫كما س ّدت ذرائع‪ ..‬قد عمدت إلى ذرائع المصالِح ففتحتها؛ بأن جعلت لها حكم‬
‫الوجُوب‪ ،‬وإن كانت صورتُها ُمقتضيةً المن َع أو اإلباحةَ‪ ،‬وهذه المسألة هي‬
‫بأن ما ال يت ّم الواجبُ إال به؛ فهو واجبٌ ‪ ،‬وهي الملقّبة‬ ‫الملقّبةُ في أصُول الفقه ّ‬
‫في الفقه باالحتياط))(‪.)1‬‬
‫الموجه الثّ امن‪ :‬المقلّد في اختالف األق وال عليه مث ُل ما على‬ ‫ّ‬ ‫ـ‬
‫أن المقلّد مطالبٌ شرعا ً بسؤال أهل العلم عندما‬ ‫المفتِي(‪ :)2‬المراد بهذا ال ُموجّه ّ‬
‫تنزل به نازلةٌ ال يعلم حكمها؛ فإن سأل أكثر من عالم واتّفقت أجــوبتُهم؛ـ فعليه‬
‫بنوع من التّرجيح‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫العمل بذلك‪ ،‬وإن اختلفوا؛ فعليه العم ُل‬
‫أن لل ُمكلَّف أن يفعل‬ ‫ألن حاصل األمر مع القــول بــالتّخيير ّ‬ ‫وال يتخيّر‪ّ (( ،‬‬
‫إن شـــاء‪ ،‬ويـــترك إن شـــاء؛ وهو عين إســـقاط التّكليـــف؛ـ بخالف ما إذا تقيّد‬
‫بالتّرجيح؛ فإنّه ُمتَّبِ ٌـع لل ّدليل؛ فال يكون ُمتّبعاًـ للهوى‪ ،‬وال ُمسقطا ً للتّكليفـ))(‪.)3‬‬
‫أن الترجيح يكون باعتقـادـ ال ُمسـتفتيـ في الـذين أفتـوه أيُّهم‬ ‫واألكثر على ّ‬
‫الشــاطب ّي‪(( :‬إذا تعارضت‬ ‫أعلم‪ ،‬فيأخذ بقولــه‪ ،‬ويــترك قــول من عــداه؛ قــال ّ‬
‫األقــوال على المقلد في المســألة بعينهــا‪..‬ـ ولم يتــبينـ له األرج ُح من العــالمينـ‬
‫والســـؤال عنهماـ حتّى يتـــبيّن له األرجحُ؛‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫الوقـــوف‬ ‫بأعلميّةـ أو غيرهـــا؛ـ فحقّه‬
‫فيمي َل إلى تقليده دون اآلخر؛ فإن أقدم على تقليد أحدهما من غير ُمرجِّ ح كــان‬
‫حك ُمه حك َم المجتهد إذا أقـــدم على العمل بأحد الـــ ّدليلين من غـــير تـــرجيح؛‬
‫فالمثاالن في المعنى واحد))(‪.)4‬‬
‫أن فتـاوى ال ُمجتهـدين بالنّسـبةـ إلى العـوا ّم‬ ‫ومن المعاني ال ُملت َِحقة بـذلك‪ّ :‬‬
‫كاألدلّة ال ّشرعيّة بالنّسبة إلى المجتهدين‪ ،‬وال ّدليل عليه ـ كما يقول ال ّشاطب ّي ـ ‪:‬‬
‫أن وجُود األدلّة بالنّسـبةـ إلى ال ُمقلِّدين وعـدَمها سـوا ٌء؛ إذ كـانوا ال يسـتفيدون‬ ‫(( ّ‬
‫منها شيئاً؛ـ فليس النّظ ُر في األدلّة واالســتنباطُ من شــأنِهم‪ ،‬وال يجــوز ذلك لهم‬
‫ﮩـ ﮪ ﮊ(‪)5‬؛ والمقلِّد غي ُر عالِم؛‬ ‫ﮧ ﮨ‬ ‫البتّة‪ ،‬وقد قال تعالى‪ :‬ﮋﮤ ﮥ ﮦ‬
‫ّ‬
‫فال يصـــ ّح له إال ُســـؤا ُل أهل الـــذكر‪ ،‬وإليهم مرجعُه في أحكـــام الـــ ّدين على‬

‫(?) ابنُ عاشور‪« ،‬مقاص ُد ال ّشريعة اإلسالميّة»‪( :‬ص‪.)369/‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر‪« :‬الموسُوعة الفقهيّة ال ُكويتيّة»‪.)14/245( :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر‪ :‬ال ّشاطب ّي‪« ،‬الموافقات»‪ ،)4/134( :‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر‪ :‬ال ّشاطب ّي‪« ،‬االعتصام»‪.)1/293( :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) األنبياء‪ ،‬اآلية‪.)07( :‬‬ ‫‪5‬‬

‫ــ ‪ 76‬ـ‬
‫اإلطالق؛ فهم إذاً القائمون له مقام ال ّشارع‪ ،‬وأقوالُهم قائمةٌ مقـــــــا َم ّ‬
‫الش ـارع‬
‫))‬

‫(‪.)6‬‬
‫وهذا المعنى يُفيد منه ال ُمفتي في النّوازل؛ فإنّه ُمعلِ ٌم له بمنزلة رأيه فيها‬
‫بالنّســبة لمن يســتفتيه؛ـ فال يُقــدم على تقرير حكم بشــأنهاـ حــتى يُعطي نظــره‬
‫حاجتَه من الوقت وتقليب الفكر‪.‬‬
‫هــذا وصــلّى هللا على ســيّدنا مح ّمد النــب ّي األم ّي‪ ،‬وعلى آله وصــحبه‬
‫الطّاهرين‪ ،‬والخلفاء الرّاشدين‪ ،‬واألئ ّمة المهـديّين‪ ،‬والتّـابعين لهم بإحسـان إلى‬
‫يوم ال ّدين‪ ،‬وسلّم تسليما دائما مباركا ً إلى يوم ال ّدين‪...‬‬

‫(?) ال ّشاطب ّي‪« ،‬الموافقات»‪)4/293( :‬؛ وراجع‪ :‬ابن عابدين‪« ،‬ر ّد المحتار»‪.)3/346( :‬‬ ‫‪6‬‬

‫ــ ‪ 77‬ـ‬
‫حدود النظر في النوازل‬
‫قراءة في نصوص المغاربة‬
‫‪ ‬د‪/‬أحمد معبوط‬
‫كلية العلوم اإلسالمية جامعة الجزائر‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬وأفضل الصالة وأتم التسليم على سيدنا محمد‬
‫وعلى آله وصحبه وتابعيهمـ بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فإن النوازل والفتاوى واألجوبة والمسائلـ أسماء لمسمى واحد في‬
‫غالب استعمالـ الفقهاء‪ ،‬ومنهم الفقهاء المغاربة‪.‬ـ‬
‫فهذه األسماء تتعاور في عناوينـ كتبهم في الفتوى دون النص منهم‬
‫على اختالف في موضوعها‪ ،‬أو يُوقف على ذلك من خالل مطالعتها‪.‬‬
‫كما نجد هذه األسماء تتردد في كتب الفقه والنوازل بصيغ مختلفة‬
‫للداللة على مسمى واحد‪ .‬وهكذا نجدهم يقولون‪ :‬فتاوى ابن عرضون‪،‬‬
‫وأجوبة المجاصي‪ ،‬ونوازل ابن الحاج‪ ،‬ومسائل ابن رشد‪ ،‬فالكل شيء واحد‬
‫عندهم‪ ،‬وال يخرج في كل األحوال عن سؤال السائل‪،‬ـ وجواب المفتي‪،‬ـ مهما‬
‫كانت طبيعةـ السؤال‪.‬‬
‫والفتوى والفتيا هي القول الذي يفتىـ به‪ ،‬واإلفتاء هو‪(( :‬اإلخبار عن‬
‫حكم شرعي ال على وجه اإللزام))(‪ .)1‬والقيد األخير يفيد في إخراج حكم‬
‫الحاكم عند من عرّفه بأنه‪:‬ـ إخبار عن حكم شرعي على وجه اإللزام‪ .‬وال‬
‫حاجة إليه عند من يرى أن القضاء ال يدخل في الحد؛ كون الحكم إنشاء ال‬
‫إخبار‪ ،‬كالقرافي(‪.)2‬‬
‫والفتوى بالقول هو األمر المشهور‪ ،‬لكنها تحصل من المفتي من جهة‬
‫القول‪ ،‬والفعل‪ ،‬واإلقرار‪ .‬فالمفتي قائم في األمة مقام النبي ×(‪.)3‬‬
‫وبناء على ما سبق التنبيهـ إليه فإن هذا التعريف هو تعريف للنوازل‬
‫أيضا‪ ،‬إذ ال فرق بين االسمين في االستعمال‪.‬ـ‬
‫ويمكن القول إذا رُمنا التمييزـ بينهما والتدقيق في العبارة‪ :‬أن النوازل‬
‫تختصّ بالحدوث والوقوع‪ ،‬فتقتصر على الوقائع الحادثة‪ ،‬أما الفتاوى فتشمل‬

‫(?) مــواهب الجليل لشــرح مختصر خليل للحطــاب ج‪1‬ص‪ .32‬ط‪.3‬ــ ‪1992‬م‪ ،‬دار الفكــر‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫دمشق‪.‬‬
‫(?) انظر‪ :‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر‪ :‬الموافقات للشاطبي ج‪4‬ص‪597‬وص‪ .595‬ط‪2004 .6‬م دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 78‬ـ‬
‫سؤال الناس عن األحكام الشرعية‪ ،‬سواء حدثت أم لم تحدث‪ ،‬فتكون المسائلـ‬
‫عبارة عن تفريعات وفروض‪.‬‬
‫وإذا تصفّحنا في الكتب التي تناولت الفتوى وأركانها وشروطها‬
‫وآدابها‪ ،‬سواء منها التي استقلت بذكرها‪ ،‬أو تلك التي ذكرتها مع غيرها من‬
‫المباحث ككتب أصول الفقه التي يع ّد باب الفتوى من أركان أبوابها‪ ،‬عرفنا‬
‫أن الفتوى ليست مجرّد إجابة عن سؤال‪ ،‬وإنما هي نظر واجتهاد فهي‬
‫معروضة في هذه الكتب المتخصصة على هذا األساس ال غيره‪.‬‬
‫ففي مثل هذه الكتب نجد الفتوى تقوم على أركان ال تكون إال بها وهي‪:‬‬
‫المفتي والمستفتي والفتوى‪ ،‬فإذا ذكرت فيها صفات المفتينـ وجدناها مطابقةـ‬
‫لما يذكر في شروط االجتهاد‪ ،‬واألمر فيها كذلك إذا ذكرت مراتبهم إذ نجدها‬
‫مطابقة لمراتب المجتهدين‪.‬ـ‬
‫وإذا تأ ّملناـ في أحكام الفتوى فيها تيقنّا أنّها تتعلقـ بما يتعلّق به االجتهاد‬
‫من المسائل واألحكام‪.‬‬
‫والفتوى ببيان أركانها وشروطها وأحكامها ترتسم كثير من الحدود‬
‫التي تحفظ بها من جهة الوجود ومن جهة العدم‪ ،‬وهي من حدود النظر في‬
‫أن التعرّض لها على ما هي مرسومة عليه في كثير من كتب‬ ‫النوازل‪ .‬إال ّ‬
‫التراث على سبيل االجترار قد يبدو تعرّضا ً متكلّساً‪ ،‬خاصة إذا غابت األذن‬
‫والذكاء الوقّاد‪ ،‬فهو عندئذ ال يساعد في عالج‬ ‫الالقطة والعين المتفحّصة ّ‬
‫أدوائنا‪،‬ـ وال حتى تسكينـ آالمنا وأوجاعنا‪.‬ـ كما أن التعرّض لها بالتبسيطـ‬
‫واإلرسال الذي يشوب بعض كتب المعاصرين‪ ،‬حتى ال نقول الكثير منها‪،‬‬
‫فال طائلـ من ورائه وال جدوى من التعويل عليه‪.‬ـ وعلى ما فيه من الحركة‬
‫والتلميع‪،‬ـ فهو أشبه بحركة الولدان وتلميع األحداث‪.‬‬
‫أما إذا حاولنا التخفّف والتّحرّر من سلطان العوائد التي تجرّنا إلى ما‬
‫ألمحنا إليه بحكم النشأة والعشرة‪ ،‬وقعنا على اكتشاف نصوص أعالم فيما له‬
‫عالقة بالنظر في النوازل لعلماء مميّزين‪،‬ـ من المشرق والمغرب‪ ،‬تبدو من‬
‫خاللها حدود النظر في النوازل دقيقة عميقةـ حيّة تالمس شغاف الحقائق‪،‬‬
‫وتزهو بإدراكها المهج والعقول‪ .‬وهذا ما أزعم محاولة تناوله من خالل‬
‫قراءة في بعض نصوص المغاربةـ التي حوتها كتبهم وتناقلتهاـ رواياتهم‪.‬‬
‫الخطط الدينية الشرعية‪ ،‬التي يجب على أولياء األمور‬ ‫واإلفتاء من ِ‬
‫رعايتها‪،‬ـ مثل رعايتهم لما تقوم عليه حماية البالد من األخطار‪ ،‬ومثل‬

‫ــ ‪ 79‬ـ‬
‫رعايتهم لما يتحقق به العدل بين الناس‪ .‬فحفظُها من حفظ الدين‪ ،‬واإلخالل‬
‫بحدودها بالتقصير في رعايتها تفريط في الدين(‪.)1‬‬
‫فلول ّي األمر ـ كما يقول ابن خلدون ـ ‪(( :‬تصفُّ ُح أهل العلم والتدريس‪،‬‬
‫ليس أهالً لها‬
‫ور ُّد الفتيا إلى من هو أهل ٌ لها‪ ،‬وإعانَتُهُـ على ذلك‪ ،‬ومن ُع من َ‬
‫وزجرُه؛ ألنّها من مصالح المسلمين في أديانهم‪ ،‬فتجبُ عليه مراعاتُها؛ـ لئالَّ‬
‫اس))(‪.)2‬‬
‫ُض َّل النّ َ‬
‫بأهل في ِ‬
‫ٍ‬ ‫َّض لذلك من ليس لهُ‬
‫يت َعر َ‬
‫غير أن هذه الرعاية السياسيةـ مهما كان شأنها وحالها ال يصلح معها‬
‫أو دونها غياب ال ّزاجر النابع من النفس عند المقدم على التصدي لما ليس له‬
‫بأهل‪ ،‬الذي من شأنه أن يمنعهـ عن المخاطرة باإلقدام على ما يض ّل به‬
‫المستهدي ويض ّل به المسترشد‪ ،‬وفي األثر‪ :‬أجرأكم على الفتيا أجرأكم على‬
‫جهنم(‪.)3‬‬
‫وليس فيما ذكره ابن خلدون أو ما يذكره غيره من العلماء ما يفهم منه‬
‫أن لول ّي األمر التح ّكم فيما يدخل في اختصاص المفتي أو ما يؤثّر على سير‬
‫هذه الوظيفة الدينية؛ـ ألن مثل هذا التح ّكم إن وقع منه فهو خيانة عظيمة لما‬
‫ا ْستُأمن عليه وإفساد لما ُأمر بحفظه‪،‬ـ كما هو كذلك في حق المفتي إن‬
‫استجاب وأذعن‪ ،‬إذ ال طاعةـ لمخلوق في معصية هللا‪.‬‬
‫وما مثل هذا المتح ّكم إالّ كمثل آكل مال اليتيم يأكل في بطنهـ نارا‬
‫تهلكه؛ ألنّه بتصرّفه المناقض لمقتضياتـ السياسة الحكيمة إنما يزرع أسباب‬
‫نقض أركان الدولة التي ينتمي إليها وإضعافها وهو يحسب أنه يحسن صنعا‪.‬‬
‫أما حماية الفتوى واإلفتاء من جهة االختصاص فيكون بعدة أمور‬
‫منها‪ :‬سيرة المفتي وأخالقه التي تلحظها األبصار‪ ،‬وطبيعة التعليم الذي تلقاهّ‬
‫على أصوله‪ ،‬ونصوص وأصول وقواعد وفروع الشريعة ومد ّوناتها التي‬
‫هي َح َكم عليه‪،‬ـ باإلضافة إلى الرقابة الشرعيّة من قبل نظرائهـ التي ال تغفل‬
‫وال تسكت على انحرافه‪ .‬فإن أفلت من هذا وغيره في زمانه‪،‬ـ فلن يفلت منه‬
‫مع تعاقب الزمان‪ .‬وألن المفتي يوقّع عن هللا بنسبةـ ما يصدر عنه إلى‬
‫فإن الشريعة‬ ‫شريعته‪ ،‬والشريعة عامة ومستمرة لصالحها لكل زمان ومكان‪ّ ،‬‬
‫تنفي ما ينسب إليها من الخبث‪ ،‬فهي محفوظة مصانة‪ ،‬وال تّؤ ثر عليها‬
‫المؤثّرات غير المعتبرة فيها مهما كانت‪ ،‬بخالف ما يتلفّظ به البعض بوعي‬
‫أو دونه‪.‬‬

‫(?) انظر‪ :‬المقدمة البن خلدون ص‪ 218‬ـ ‪.220‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) المقدمة البن خلدون ص‪.220‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر‪ :‬المقدمة البن خلدون ص‪.220‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 80‬ـ‬
‫هذا وقد ظل اإلفتاء في المغرب اإلسالمي مطلقا من ك ّل قيد‪ ،‬إال القيود‬
‫الشرعية واألخالقية الخاصة بأصوله وقواعده وشروطه وآدابه‪ ،‬فال حجر‬
‫للسلطة على المفتي‪،‬ـ وال تد ّخل لها في شؤونه‪ ،‬فك ّل من بلغ مبلغا من العلم‬
‫وحاز على ما يلزم من مؤهالت يرتقي بها إلى هذه الرتبة‪،‬ـ وأنس من نفسه‬
‫القدرة على إفتاء الناس‪ ،‬له أن يفتي الناس بما يراه‪ ،‬فكان هذا عامال من‬
‫عوامل توسّع التأليف فيها واالعتناء بها في هذه البالد‪ .‬أما في المشرق‬
‫اإلسالمي فقد خضع اإلفتاء للتقنينـ واعتبر وظيفة رسمية‪ ،‬ومنصبا من‬
‫مناصب الدولة‪ ،‬بحيث تسند إلى أشخاص بالتعيينـ من قبل السلطة‪ ،‬ولم يبقوا‬
‫عليه مرسال‪ .‬واألصل في اإلفتاء اإلرسال فال يقيّد بقيود‪ ،‬وال يخضع لتنظيم‬
‫أو تقنين(‪ .)1‬ويكفي في سياستهاـ في رأيي ما أشار إليه ابن خلدون المذكور‬
‫آنفا‪.‬‬
‫ولقد سمعت الكثير من دعوات الداعين إلى اقتفاء أثر أهل المشرق‬
‫باستحداث منصب للفتوى ودار لها في بالدنا على النمط السائد عندهم‪ ،‬زعما‬
‫من أصحاب هذه الدعوات أن ذلك سيقضي على الفوضى الحاصلة في‬
‫الفتوى عندنا‪.‬‬
‫وإلى ح ّد تسطير هذه األحرف لم يظهر لي أي وجه فائدة لما يدعون‬
‫ألن الناس في الغالب ينجذبون إلى من هو مح ّل ثقة عندهم ألخذ دينهم‬ ‫إليه؛ ّ‬
‫عنه‪ ،‬سواء نُصّب رسميا لإلفتاء أم لم يُنصّب‪ ،‬وسواء كانوا مصيبين في‬
‫ثقتهم تلك أم مخطئين‪ ،‬في نظرناـ أو في نظر غيرنا‪ .‬وليس بالضرورة أن‬
‫يكون ذلك مرتبطاـ بموقفهم من السلطة التي نصّبتهـ أو بموقف ال ُمنَصَّب منها‪.‬ـ‬
‫ويمكن للمرء أن يالحظ هذا ويدركه بنفسه‪ .‬ولقد خبرت شيئا من هذا في‬
‫البالد التي تأخذ بنظامـ تنصيبـ المفتي الرسمي كسورية ولبنان‪ .‬حيث ترى‬
‫الكثير من الناس هناك منصرفين في استفتائهمـ إلى من يثقون في علمهم‬
‫ودينهم دون اعتبار آخر في الغالب‪ ،‬وال يرجعون في ذلك إلى من يُنَصَّب‬
‫رسميا لإلفتاء‪ .‬وال ترى من أكثر هؤالء المستفتين مواقف سلبيةـ تجاه وطنهم‬
‫أو دولتهم‪.‬‬
‫والذي أراه عالجا لما يشكون منه هو تعليم الدين الصحيح للناس على‬
‫أوسع نطاق‪،‬ـ وعلى أصوله ومناهجه الصحيحة‪ ،‬وبكل الوسائل المتاحة‪ ،‬وأن‬
‫يكون للدولة الدور األساسي في كل هذا‪ .‬فذلك الدين وتلك األصول والمناهجـ‬
‫هي التي عاشت بها أمتناـ وبالدنا القرون الطويلة في استقرار وأمان ووحدة‬
‫ووئام‪ ،‬محصّنة من كل وافد يعلن أو يضمر لها السوء‪ ،‬مرحّبة بك ّل قادم مفيد‬
‫لها ولو من الصين‪.‬‬
‫(?) انظر‪ :‬محاضرات في تاريخ المذهب المالكي في الغــرب اإلســالمي ص‪ 95‬ــ ‪ .96‬ط‬ ‫‪1‬‬

‫منشورات عكاظ‪ ،‬الرباط‪.‬‬


‫ــ ‪ 81‬ـ‬
‫فهذا التعليم السليم من شأنه تثقيف الناس ثقافة تؤهّلهم لحسن التعاملـ‬
‫مع دينهم وأخذه من مآخذه الصحيحة ال من ذيوله وشكلياته‪ ،‬والتمييزـ بين من‬
‫يصلح الستفتائهـ ومن ال يصلح لذلك‪ ،‬والحكم على الشيء فرع عن تص ّوره‪،‬‬
‫فالذي ال يملك مثل هذه الثقافة ال يَسأل أو ال يعرف ع ّما يَسأل أو ال يعرف‬
‫كيف يَسأل أو ال يعرف من يَسأل‪ ،‬فيبقى على عيّه‪،‬ـ وإنما شفاء الع ّي السؤال‪.‬‬
‫والحقيقة أن الكثير من العلم إنما بني على السؤال والمسائل فبعد عصر‬
‫النبوة استمر الناس في سؤال فقهاء الصّحابة عن دينهم ولم يكن الصّحابة ‪‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫كلهم أهل فتيا وال كان ال ّدين يؤخذ عن جميعهم وإنما كان ذلك مختصا بالحاملين‬ ‫ّ‬
‫للعلم بما تل ّقوه من النبي × أو ممن سمعه منهم ومن عليتهم ‪.) 1(‬‬
‫وكان بعض الصحابة يكثر من اإلفتاء وإجابة الناس في المسائل‬
‫والنوازل التي يلقون بها عليهم حتى اشتهروا بذلك‪ ،‬ومثاله ما ذكر ابن حزم‬
‫أن أبا بكر بن يعقوب جمع فتاوى عبد هللا بن عباس ‪ ‬في عشرين مجلدا ‪.‬‬
‫ّ (‪)2‬‬

‫وبقي األمر كذلك في التابعين كالحسن البصري وابن شهاب الزهري‬


‫ومحمد بن مسلمة المخزومي وغيرهم ‪ .)3(‬واستمر مع تعاظم العمران‬
‫وظهور المدارس الفقهية وتم ُّكن االستنباط واكتمالـ الفقه وتح ّوله إلى صناعة‬
‫وعلم‪ .‬والزم ذلك التط ّور منذ البداية وقوع االختالف فيما بين السلف واألئمة‬
‫من بعدهم وقوعا ضروريا‪ ،‬لما يقتضيه استخراج الفقه من الكتابـ والسنة‬
‫صبَه الشارع لمعرفتها من األدلة‪ ،‬فالنصوص بلغة العرب وفيما تقتضيه‬ ‫وما ن َ‬
‫ّ‬
‫ألفاظها لكثير من معانيهاـ اختالف بينهمـ معروف‪ ،‬والسنة مختلفة الطرق في‬
‫الثبوت‪ ،‬وتتعارض في األكثر أحكامها فتحتاج إلى الترجيح‪ ،‬وهو مختلِف‬
‫أيضا‪ ،‬واألدلة من غير النصوص مختَلَ ٌ‬
‫ف فيها‪ ،‬والوقائع المتج ّددة ال تسعها‬
‫النصوص فما كان غير ظاهر في المنصوص يُحمل على المنصوص‬
‫لمشابهة بينهما‪،‬ـ وهذه كلّها إشارات للخالف(‪.)4‬‬
‫وكان من نتيجة هذا التطور الطبيعي استقرار الناس ـ خاصتهم وعامتهم ـ‬
‫س‬‫على تقليد أئمة االجتهاد األربعة؛ أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد ‪ ،‬ود ََر َ‬
‫المقلدون لمن سواهم‪ .‬فالعلوم صارت صناعة وكثر تشعّب االصطالحات فيها‪،‬‬ ‫ّ‬
‫فاستحالت على األعمار أن تسعها حتى ولو تهيّأت لها العقول‪ ،‬حيث أصبح من‬

‫(?) انظر‪ :‬مقدمة ابن خلدون ص ‪.446‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر‪ :‬إحكام األحكام البن حزم ج‪2‬ص‪.666‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر‪ :‬إحكام األحكام البن حزم ج‪2‬ص‪ 666‬ـ ‪.669‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر‪ :‬مقدمة ابن خلدون ص ‪ 445‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 82‬ـ‬
‫الصعب أو المستحيل التسليم لمن ا ّدعى أو لمن ا ّدعي عنه ذلك‪ ،‬بل قد يكون هذا‬
‫سببا قويّا للريبة في عقله ورأيه ودينه والحذر واالحتياط من مسلكه(‪.) 1‬‬
‫ولِما كان لإلفتاء والنظر في النوازل من المكانةـ عند أئمة المذاهب‬
‫األربعة وأتباعهمـ من المجتهدين‪،‬ـ كثر منهم االعتناء به‪ ،‬حتى بلغ ما تكلّم فيه‬
‫اإلمام مالك ـ مثال ـ من المسائل سبعين ألف مسألة‪ ،‬وجمع أبو بكر المعيطيـ‬
‫وأبو عمر اإلشبيلي فتاويه في مائة جزء(‪.)2‬‬
‫ظروا فيما اعترضهم من نوازل ووقائع بناء‬ ‫وإذا كان أئمة االجتهاد قد ن َ‬
‫ال من أصول‪ ،‬فإنهم بلغوا في تقرير هذه األصول إلى ح ٍّد من‬ ‫أو ً‬
‫على ما قرّروه ّ‬
‫النضج لم يظهر له في الواقع مزيد‪ ،‬ومقتضى العادة أن تنحصر األصول‬
‫والقواعد كما انحصرت النصوص‪ ،‬وتتوسّع الفروع والمسائل بتوسع النوازل‬
‫والوقائع‪.‬‬
‫ول ّما كان فرض الوقت االعتناء بالنظرـ في النوازل لتعلّقه ببيان الحكم‬
‫الشرعي الذي يحتاج إليه المكلّف وال يحتملـ التأخير‪ ،‬وكان حال االطمئنان‬
‫إلى صحّة األصول المقرّرة لمذهب اإلمام المجتهد بحيث يُع ّول على االستناد‬
‫إليها عند النظر في النوازل‪ ،‬وقد بلغ صاحبها رتبة االجتهاد المطلق المستقل‪،‬‬
‫الذي مقتضاه أنه مهّد لهذا النّظر له ولغيره بهذا األساس‪ ،‬فإن االنصراف ع ّما‬
‫مهّد به وإعادة البحث فيه من جديد للنظر في النوازل الحقا بناء على ما ينتج‬
‫عن هذه اإلعادة‪ ،‬هو عزوف عن فضيلة االشتراك في تواصل جهد آخر هذه‬
‫األمة بجهد أ ّولها‪ ،‬وتقويض لبنيانها العلمي‪.‬‬
‫أما المنهج السليم الذي صار إليه المجتهدون من كل مذهب بعد‬
‫تسليمهم بأصول إمامهم‪ ،‬أنهم إذا احتاجوا إلى النظر في النوازل‪ ،‬يلجأون ـ‬
‫كما قال ابن خلدون ـ إلى ((تنظيرـ المسائلـ في اإللحاق وتفريقها عند االشتباه‬
‫بعد االستناد إلى األصول المقررة من مذهب إمامهم‪ ،‬وصار ذلك كلّه يحتاج‬
‫إلى َملَ َكة راسخة يُقتدر بها على ذلك النوع من التنظيرـ أو التفرقة واتباع‬
‫(‪)3‬‬
‫مذهب إمامهم فيهما ما استطاعوا وهذه الملكة هي علم الفقه لهذا العهد)) ‪.‬‬
‫وما أشار إليه هنا هو التخريج الفقهي الذي استمر به النظر في‬
‫النوازل وازدهر‪ ،‬وهو فرع عن القياس‪ ،‬يعتمد على تخريج حكم النازلة التي‬
‫ال يوجد نص لإلمام صاحب المذهب فيها على مسألة تشبههاـ قد نصّ عليها‬
‫اإلمام‪ ،‬أي تخريج الفرع من الفرع‪ ،‬ويستعملـ إلثباتـ تماثلـ المسألتينـ على ما‬
‫يشبه ما يعمل به في القياس إلثبات العلة الجامعة بين الفرع واألصل‪ .‬وقد‬
‫(?) انظر‪ :‬المرجع السابق نفسه‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر‪ :‬المعيار للونشريسي (‪ ،)6/358‬محاضــرات في تــاريخ المــذهب المــالكي ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪.92‬‬
‫(?) مقدمة ابن خلدون ص ‪.449‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 83‬ـ‬
‫يكون تخريج حكم النازلة على أصل ـ أو قاعدة ـ تنسبـ إلى اإلمام لكونها‬
‫خرّجت بطريقـ االستقراء على فروعه مما نصّ عليه‪،‬ـ أي يكون تخريج‬
‫األصول على الفروع المنصوص عليها ثم يكون تخريج الفروع الجديدة‬
‫عليها‪ .‬وهذا النوع من االجتهاد يقوم به مجتهد التخريج المنتسب للمذهب‪،‬‬
‫وهو الذي يتوفر على شروط االجتهاد لكنها قاصرة عن بلوغ رتبة المجتهد‬
‫المطلق(‪.)1‬‬
‫وكثير مما نراه اليوم من اضطراب في الفتوى يرجع إلى عدم‬
‫استيعاب هذا التطور في النظر الفقهي وحدوده في كل مرحلة من مراحله‪.‬‬
‫فترى من صور الجهل المر ّكب الذي يخرج من هذا القالب ما يخجل من‬
‫رؤيتهـ العقالء فضال عن التع ّوذ من إصابتهم بشيء من رذاذه‪ ،‬ولوال حرمة‬
‫الدين ألشفقوا على أصحابه وهم يعتلون الكراسي والمنابرـ وتصدح بهذيانهم‬
‫الحناجر‪.‬‬
‫فترى منهم من يحاكي في تصرّفه تصرّف المجتهد المطلق في األدلة‪،‬‬
‫ومنهم من يحاكي فيه تصرّف المجتهد المرجّح في األقوال‪ ،‬ومنهم من يحاكي‬
‫فيه تصرّف مجتهد الترجيح في نصوص األئمة‪ ،‬ومنهم من يخلط من ذلك‬
‫كلّه ويلفّق ما ال يمكن وصفه إال بالجنون‪ ،‬وش ّر الفضائح ما لبِس لبوس‬
‫الدين‪ ،‬نعوذ باهلل من ذلك ونسأله الستر‪.‬‬
‫ويمكن ضبط شروط االجتهاد المقيد ومقدارها بالنظر إلى المراحل‬
‫التي يمر عليها طالب العلم ليصير مجتهدا مطلقا وأحواله فيها سواء استقر‬
‫على حال منها أو ارتقى إلى ما يفوقها‪ .‬وهذا ما حاول بيانهـ القرافي في‬
‫فروقه(‪ )2‬والشاطبي في موافقاته(‪ )3‬فطالب العلم له أحوال‪:‬‬
‫الحالة األولى‪ :‬أن يشتغل بمختصر من مختصرات مذهبه ورغم‬
‫اعتماد هذا المختصر في المذهب إال أن في عباراته ما هو مطلق يفتقر إلى‬
‫قيود مذكورة في غيره من مصادر المذهب‪ ،‬وفيها ما هو عام يفتقر إلى‬
‫مخصصات مذكورة في غيره كذلك‪ .‬وإذا كان هذا الكتاب المختصر في‬
‫المذهب كذلك وصلح أن يكون كتابا تعليميا للمبتدئ في التفقه فيه بحفظه‬
‫تصوره ومعرفة مقاصده عموما‪ .‬فإنه‬ ‫ّ‬ ‫وفهمه الشتماله على ما يم ّكن من‬
‫يحرم عليه أن يفتي بما فيه وإن أجاده حفظا وفهما‪ ،‬إال في مسألة يقطع فيها‬
‫أنها مستوعبة التقييد‪ ،‬وأنها ال تحتاج إلى معنى آخر من كتاب آخر فيجوز‬

‫‪ )?( 1‬انظر‪ :‬االختيارات الفقهية (أسســها‪ ،‬ضــوابطها‪ ،‬ومناهجهــا) وهي أطروحة دكتــوراه‬
‫الباحث‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) انظر‪ :‬الفروق للقرافي‪ 543\2‬وما بعدها (الفرق الثامن والسبعون)‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) انظر‪ :‬الموافقات للشاطبي‪ 163\4‬وما بعدها‪.‬‬
‫ــ ‪ 84‬ـ‬
‫له أن ينقلها لمن يحتاجها على وجهها من غير زيادة‪ ،‬وال نقصان‪ ،‬وتكون‬
‫هي عين الواقعة المسئول عنها ال أنها تشبهها وال تخرج عليها بل ال بد أن‬
‫تكون مطابقة تماما حرفا بحرف؛ ألنه قد يكون هناك فروق تمنع من‬
‫اإللحاق‪ ،‬أو تخصيص أو تقييد يمنع من الفتيا بالمحفوظ فيجب الوقف‪.‬‬
‫وربما بدأ في هذه المرحلة يتنبه عقله إلى النظر فيما حفظ والبحث‬
‫عن أسبابه بفعل ما ينقدح له من شعور بمعنى ما هو منشغل بتحصيله‪ ،‬لكن‬
‫هذا الشعور ال يعول عليه فهو مجمل بعد‪ ،‬وإن بدا له مفصال في بعض‬
‫المسائل أو أطراف منها في بعض األحيان‪ .‬وواجب المعلم في هذه المرحلة‬
‫إعانته بما يتناسب مع مرتبته‪ ،‬فيرفع عنه ما يعرض له من أوهام‬
‫وإشكاالت‪ ،‬ويوجهه إلى طريقة إزالتها‪ ،‬مثبتا قدمه شيئا فشيئا‪ ،‬ومشجعا له‬
‫يقوم المنهج السليم للنظر‬
‫ومؤنسا في مواجهة المثبطات‪ ،‬ومؤدبا له بما ّ‬
‫والبحث‪.‬‬
‫فهذا الطالب في هذه المرحلة ال يملك نظرة واضحة كاملة عن‬
‫موارد الشريعة وأصولها وحَِكمها ومقاصدها‪ ،‬مع ما يجده من المعاناة‬
‫طمعا في إدراك ذلك‪ .‬وواضح أنه ال يصح منه االجتهاد حتى في المسائلـ‬
‫التي ينظر فيها نظرا يعتقد أنه مستوعبا؛ ألنه لم يسلس له بعد سند‬
‫االجتهاد بما ينشرح له الصدر‪ .‬وما دام هو كذلك يجب عليه الكف‬
‫واالكتفاء بالتقليد‪ ،‬وإال ضل وأضل والعياذ باهلل‪.‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬أن يتسع تحصيله في المذهب بحيث يطّلع من‬
‫تفاصيلـ الشروح والمطوالت على تقييدـ المطلقاتـ وتخصيص العمومات‬
‫المشار إليها في الحالة األولى‪ .‬ولكنه مع ذلك لم يضبط مدارك إمامه‬
‫ومستنداتهـ في فروعه ضبطا متقنا‪،‬ـ بل سمعها من حيث الجملة من أفواه‬
‫طلبة العلم ومشايخه‪ ،‬فهذا يجوز له أن يفتي بجميع ما ينقلهـ ويحفظه في‬
‫مذهبه اتباعا لمشهور ذلك المذهب بشروط الفتيا‪،‬ـ ولكنه إذا وقعت له‬
‫واقعة ليست في حفظه ال يخرّجها على محفوظاته‪،‬ـ وال يقول‪ :‬هذه تشبه‬
‫المسألة الفالنية؛ ألن ذلك إنما يصح ممن أحاط بمدارك إمامه‪،‬ـ وأدلته‪،‬‬
‫وأقيسته‪ ،‬وعلله التي اعتمد عليها مفصّلة‪ ،‬ومعرفة رتب تلك العلل‪،‬‬
‫ونسبتهاـ إلى المصالح الشرعية‪ ،‬وهل هي من باب المصالح الضرورية أو‬
‫الحاجية أو التحسينية‪،‬ـ وهل هي من باب المناسب الذي اعتبر نوعه في‬
‫نوع الحكم أو جنسه في جنس الحكم؟ وهل هي من أدنى المصالح المرسلة‬
‫رتبة أم من قبيل ما شهدت لها أصول الشرع باالعتبار إلى أن علت‬
‫رتبتها؟ أو هي من باب من أبواب القياس كقياس الشبه أو قياس الداللة‬
‫مثال؟ إلى غير ذلك من تفاصيل األقيسة ورتب العلل في نظر المجتهدين‬
‫في الشرع‪.‬‬
‫ــ ‪ 85‬ـ‬
‫وسبب ما سبق بيانه أن الناظر في مذهبه والمخ ّ ِرج على أصول‬
‫إمامه نسبته إلى مذهبه وإمامه كنسبة إمامه إلى صاحب الشرع في اتباع‬
‫نصوصه‪ ،‬والتخريج على مقاصده‪ ،‬فكما أن إمامه ال يجوز له أن يقيس‬
‫مع قيام الفارق ألن الفارق مبطل للقياس‪ ،‬والقياس الباطلـ ال يجوز‬
‫االعتماد عليه فكذلك هو أيضا ال يجوز له أن يخ ّرج على مقاصد إمامه‬
‫فرعا على فرع نص عليه إمامه مع قيام الفارق بينهما‪،‬ـ لكن الفروق إنما‬
‫تنشأ عن رتب العلل‪ ،‬وتفاصيل أحوال األقيسة…وكذلك إذا كان إمامه قد‬
‫اعتبر مصلحة سالمة من المعارض لقاعدة أخرى فوقع له هو فرع فيه‬
‫عين تلك المصلحة لكنها معارضة بقاعدة أخرى أو بقواعد فيحرم عليه‬
‫التخريج حينئذ لقيام الفارق‪ ،‬أو تكون مصلحة إمامه التي اعتمد عليها من‬
‫باب الضروريات فيفتي هو بمثلها‪ ،‬ولكنها من باب الحاجيات أو‬
‫التحسينيات وهاتان ضعيفتانـ مرجوحتان بالنسبة إلى األولى‪ ،‬ولعل إمامه‬
‫راعى أمرا خاصا في اعتباره تلك المصلحة‪ ،‬وال خصوص هنا‪ ،‬ومتى‬
‫حصل التردد في ذلك والشك وجب التوقف‪ ،‬كما أن إمامه لو وجد صاحب‬
‫الشرع قد نص على حكم ومصلحة من باب الضروريات حرم عليه أن‬
‫يقيس عليه ما هو من باب الحاجيات أو التحسينياتـ ألجل قيام الفارق‪،‬‬
‫فكذلك هذا المقلد له؛ ألن نسبته إليه في التخريج كنسبةـ إمامه لصاحب‬
‫الشرع‪ ،‬والضابط له‪ ،‬وإلمامه في القياس والتخريج أنهما متى جوزا فارقا‬
‫يجوز أن يكون معتبرا حرم القياس‪ ،‬وال يجوز القياس إال بعد الفحص‬
‫المنتهيـ إلى غايةـ أنه ال فارق هناك‪،‬ـ وال معارض‪ ،‬وال مانع يمنعـ من‬
‫القياس‪ ،‬وهذا قدر مشترك فيه بين المجتهدين والمقلدين لألئمة المجتهدين‪،‬‬
‫فمهما جوز المقلد في معنى ظفر به في فحصه‪ ،‬واجتهاده أن يكون إمامه‬
‫قصد أو يراعيهـ حرم عليه التخريج‪ ،‬فال يجوز التخريج حينئذ إال لمن هو‬
‫عالم بتفاصيلـ أحوال األقيسة والعلل ورَُتب المصالح وشروط القواعد وما‬
‫يصلح أن يكون معارضا وما ال يصلح‪ ،‬وهذا ال يعرفه إال من يعرف‬
‫أصول الفقه معرفة حسنة؛ فإذا كان موصوفا بهذه الصفة وحصل له هذا‬
‫المقام تعيّنـ عليه مقام آخر وهو الذي يلي هذا‪.‬‬
‫الحالة الثالثة‪ :‬وتتمثل في مقام أرقى من المقام السابق وهو النظر‬
‫وبذل الجهد في تصفح تلك القواعد الشرعية وتلك المصالح وأنواع‬
‫األقيسة وتفاصيلها المذكورة في الحالة الثانية‪ .‬فإذا بذل جهده فيما يعرفه‬
‫ووجد ما يجوز أن يعتبره إمامه فارقا أو مانعا أو شرطا وهو ليس في‬
‫الحادثة التي يروم تخريجها‪ ،‬حرم عليه التخريج‪ ،‬وإن لم يجد شيئا بعد‬
‫بذل الجهد وتمام المعرفة جاز له التخريج حينئذ وكذلك القول في إمامه‬
‫مع صاحب الشرع ال بد أن يكون إمامه موصوفا بصفات االجتهاد التي‬
‫ق المقلّد المخ ّرج‪ ،‬ثم بعد اتصافه بصفات‬ ‫بعضها ما تقدم اشتراطه في ح ّ‬
‫ــ ‪ 86‬ـ‬
‫االجتهاد ينتقل إلى مقام بذل الجهد فيما علمه من القواعد‪ ،‬وتفاصيل‬
‫المدارك‪ ،‬فإذا بذل جهده‪ ،‬ووجد حينئذ ما يصلح أن يكون فارقا أو مانعاـ أو‬
‫حرم‬
‫شرطا قائما في الفرع الذي يروم قياسه على كالم صاحب الشرع ُ‬
‫عليه القياس ووجب التوقف‪ ،‬وإن غلب على ظنه عدم جميع ذلك‪ ،‬وأن‬
‫الفرع مساو للصورة التي نص عليها صاحب الشرع وجب علي اإللحاق‬
‫حينئذ‪،‬ـ وكذلك مقلده‪ ،‬وحينئذ بهذا التقرير يتعين على من ال يشتغلـ بأصول‬
‫الفقه أن ال يخ ّرج فرعا أو نازلة على أصول مذهبه‪ ،‬ومنقوالته‪ ،‬وإن‬
‫كثرت منقوالته جدا فال تفيد كثرة المنقوالت مع الجهل بما تقدم‪ ،‬كما أن‬
‫إمامه لو كثرت محفوظاته لنصوص الشريعة من الكتاب والسنة وأقضية‬
‫الصحابة‪ ،‬ولم يكن عالما بأصول الفقه حرم عليه القياس والتخريجات‬
‫على المنصوصات من قبل صاحب الشرع‪ ،‬بل حرم عليه االستنباطـ من‬
‫نصوص الشارع؛ ألن االستنباطـ فرع معرفة أصول الفقه‪ ،‬فهذا الباب‬
‫المجتهدون والمقلدون فيه سوا ٌء في امتناع التخريج بل يفتي كل مقلّد‬
‫وصل إلى هذه الحالة التي هي ضبط مطلقات إمامه بالتقييد‪ ،‬وضبط‬
‫عمومات مذهبه بمنقوالت مذهبه خاصّة من غير تخريج إذا فاته شرط‬
‫التخريج‪ ،‬كما أن إمامه لو فاته شرط أصول الفقه وحفظ النصوص‬
‫واستوعبها يصير محدثا ناقال فقط ال إماما مجتهدا‪ ،‬كذلك هذا المقلد‪.‬‬
‫فبما سبق ينضبطـ االجتهاد المقيد بمذهب من المذاهب الفقهية‬
‫ويستقيم ويصح وبدونه يكون القول بالهوى واللعب في دين هللا تعالى‬
‫والفسوق لمن تعمده قال القرافي بعدما بين الشروط والضوابط السابقة‬
‫الذكر‪(( :‬فالناس مهملون له إهماال شديدا ويقتحمون على الفتيا في دين هللا‬
‫تعالى والتخريج على قواعد األئمة من غير شروط التخريج واإلحاطة‬
‫بها؛ فصار يفتي من لم يحط بالتقييداتـ وال بالتخصيصاتـ من منقولات‬
‫إمامه وذلك لعب في دين هللا تعالى‪،‬ـ وفسوق ممن يتعمده‪.‬ـ‬
‫أوَ ما عَِلموا أن المفتي مخبر عن هللا تعالى وأن من كذب على هللا‬
‫تعالى أو أخبر عنه مع عدم ضبط ذلك الخبر فهو عند هللا تعالى بمنزلةـ‬
‫الكاذب على هللا؟! فليتق هللا تعالى امرؤ في نفسه وال يقدم على قول أو‬
‫فعل بغير شرطه))(‪.)1‬‬
‫ثم إن في هذه المرتبة من االجتهاد المقيد إذا حصلت شروطه مجال‬
‫واسع لالجتهاد والتحقيقـ فالتقليد هنا ال يعفي صاحبه من بذل الوسع في‬
‫تبيّنـ ما هو صحيح مما هو بخالفه ما دام محصال للقدرة على ذلك في هذا‬
‫المقام‪ .‬فكل شيء أفتى فيه المجتهد فخرجت فتياه فيه على خالف الإجماع‪،‬‬
‫أو القواعد أو النص أو القياس الجلي السالم عن المعارض الراجح ال يجوز‬
‫‪1‬‬
‫(?) الفروق للقرافي‪ 545\2‬ـ ‪.546‬‬
‫ــ ‪ 87‬ـ‬
‫لمقلده أن ينقله للناس وال يفتي به في دين هللا تعالى فإن هذا الحكم لو حكم به‬
‫قاض كان حكمه منقوضا وما ال يقر شرعا بعد تقرره بحكم الحاكم أو‬
‫القاضي أولى أن ال‬
‫ُيَقّر‬
‫َ شرعا إذا لم يتأكد بتقريره‪ ،‬والذي ذكرناه لم يتأكد فال يقر شرعا‪ ،‬والفتيا‬
‫بغير شرع حرام‪ ،‬فالفتيا بهذا الحكم حرام‪ ،‬وإن كان اإلمام المجتهد غير‬
‫عاص به بل مثاب عليه؛ ألنه بذل جهده على حسب ما أمر به كما ورد في‬
‫ان‪ ،‬وَِإ َذا‬‫اب َف َلهُ َأ ْج َر ِ‬
‫ص َ‬‫اج َت َه َد ثُ َّم َأ َ‬
‫ذلك الحديث المشهور‪ِ« :‬إ َذا َح َك َم ا ْل َحا ِك ُم َف ْ‬
‫طَأ َف َلهُ َأ ْج ٌر» (‪.)1‬‬
‫اج َت َه َد ثُ َّم َأ ْخ َ‬
‫َح َك َم َف ْ‬
‫فبناء على ما تقدم يجب على أهل كل عصر تفقد مذاهبهم‪ ،‬فكل ما‬
‫وجدوه من هذا النوع يحرم عليهم الفتيا به وقد ال يخلو مذهب من‬
‫المذاهب منه‪ ،‬لكنه قد يقل وقد يكثر‪ ،‬وفي البحث في ذلك مجال واسع‬
‫للنظر لمن تأهلـ له‪ ،‬إذ ال يقدر أن يعلم هذا في مذهبه إال من عرف‬
‫القواعد والقياس الجلي والنص الصريح وعدم المعارض لذلك‪ ،‬وكل ذـلـكـ‬
‫يـعـتـمـدـ تـحـصـيـلـ أـصـوـلـ اـلـفـقـهـ‪،‬ـ بـلـ واـلـتـبـحـرـ فـيـ اـلـفـقـهـ فـإـنـ اـلـقـوـاـعـدـ لـيـسـتـ‬
‫مـسـتـوـعـبـةـ فـيـ أصـوـلـ اـلـفـقـهـ‪،‬ـ بـلـ هـنـاـكـ قوـاـعـدـ لـلـتـشـرـيـعـ كـثـيـرـةـ جـدـاـ قـرـرـهـاـ‬
‫أـئـمـةـ اـلـفـتـوىـ واـلـفـقـهـاـءـ الـ تـوـجـدـ فـيـ كـتـبـ أـصـوـلـ اـلـفـقـهـ أصـالـ‪،‬ـ وـهـذـاـ اـلـذيـ‬
‫أـدـىـ بـبـعـضـ اـلـعـلـمـاـءـ‪،‬ـ وـمـنـهـمـ اـلـقـرـاـفـيـ‪،‬ـ لـتـتـبـعـ وضـبـطـ تـلـكـ اـلـقـوـاـعـدـ كـلـ‬
‫بـحـسـبـ طـاـقـتـهـ‪.‬ـ‬
‫وإذا اعتبرنا هذا الشرط تبين لنا عظم المخاطر التي تحيط‬
‫بالمجازفينـ في اقتحام حرم الفتوى الذي هو توقيع عن هللا‪ .‬فالحقيقة أن‬
‫أكثر الخائضين في هذا األمر في عصرنا كما نشاهده ونراه قد يكونون‬
‫ممن يحرم عليهم الفتوى‪ ،‬فالواجب تعظيمـ حرمات هللا كما كان السلف‬
‫واألخبار عن توقفهم في الفتيا وتشددهم في ذلك كثيرة جدا‪ ،‬حتى قال‬
‫مالك‪(( :‬ال ينبغيـ للعالم أن يفتيـ حتى يراه الناس أهال لذلك ويرى هو نفسه‬
‫أهال لذلك))‪ ،‬يريد بذلك أن تثبتـ أهليتهـ عند العلماء ويكون بعد ذلك متيقنا‬
‫مطلعا ما على ما قاله العلماء في حقه من األهلية؛ ألنه قد يظهر من‬
‫اإلنسان أمر على خالف ما هو عليه‪ ،‬فإذا كان مطلعا على ما وصفه به‬
‫الناس حصل اليقين في ذلك‪ .‬وهذا مالك ما أفتى حتى أجازه أربعون‬
‫محنّكا؛ ألن التحنّك وهو اللثام بالعمائم تحت الحنك شعار العلماء‪ ،‬حتى إن‬
‫مالكا سئل عن الصالة بغير تحنك فقال‪ :‬ال بأس بذلك‪ ،‬وهو إشارة إلى‬
‫تأكد التحنيك‪ ،‬وهذا هو شأن الفتيا في الزمن القديم‪ ،‬وأما اليوم فقد انخرق‬
‫‪1‬‬
‫(?) أخرجه البخاري؛ كتاب االعتصام‪.‬‬
‫ومسلم وأبو داود؛ كتاب األقضية‪ ،‬والنسائي وابن ماجه؛ كتاب األحكام‪.‬‬
‫ــ ‪ 88‬ـ‬
‫الحبل على الراقع‪ ،‬وسهل على الناس أمر دينهم فتحدثوا فيه بما يصلح‬
‫وما ال يصلح‪ ،‬وعسر عليهم اعترافهم بجهلهم وأن يقول أحدهم‪ :‬ال أدري‪،‬‬
‫حتى صار األمر إلى االقتداء بالجهال‪.‬‬
‫الحالة الرابعة‪ :‬أن يصير طالب العلم إلى المقام الذي يحصل فيه ما‬
‫ذكرناه من الشروط مع الديانة والورع الذي يمنعهـ عن الباطلـ والعدالة‬
‫المتمكنة التي تلجمه عن اإلسفاف والرقة في الدين‪ ،‬فهذا يجوز له أن يفتيـ‬
‫في مذهبه نقال وتخريجا‪ ،‬ويعتمد على ما يقوله في جميع ذلك‪.‬‬
‫اإلفتاء بين النظر الكلي والجزئي وعوارضه(‪)1‬‬
‫إن تحصيل ما يفتقر إليه المجتهد من العلوم‪ ،‬تخول صاحبها‬
‫االجتهاد بإطلاق‪ .‬ودون ذلك مراتب مشوبة بشوائب تعود إلى اإلخالل‬
‫ومقدارا‪ .‬ولقد رأينا فيما سبق طرفا من ذلك‪ .‬لكن إذا‬
‫ً‬ ‫بتلك الشروط نوعا‬
‫انتهىـ المشتغل بالعلم ومداومة النظر إلى التحقق بمعنى مستند في نظره‬
‫على أدلة الشرع‪ ،‬بحيث يحصل له اليقين‪،‬ـ ويقدر على دفع ما يورد عليه‬
‫من شكوك بما يزيده تمسكا بما عنده‪ ،‬وأصبح ال يبالي في القطع بما يراه‬
‫في المسائل التي ينظر فيها‪ ،‬سواء نص عليها أو على خالفها أم ال‪ .‬أي أنه‬
‫أصبح ملما بأصول الشريعة وقواعدها ومقاصدها وعللها وطرق النظر‬
‫فيها ولو أنه ال يحيط بكثير من جزئياتها‪.‬ـ‬
‫فإذا حصل فيه هذا الوصف‪ ،‬هل يصح منه االجتهاد في األحكام‬
‫الشرعية بعد استقصائه موارد الشريعة في نظره وتجاوزه ربقة التقليد‬
‫بذلك أم ال؟ فهذا محل نظر والتباس‪ ،‬ومما قد يقع فيه الخالف‪.‬‬
‫وإنما ينطلق المحتج للجواز من أن المعنى المذكور هو المقصود‬
‫الشرعي وقد صار له أوضح من الشمس في رابعة النهار إذ تبينـت له‬
‫معانيـ النصوص الشرعية وبلغ في ذلك الغايةـ فالذي حصل عنده هو كلية‬
‫الشريعة وعمدتها ومنبع التكليف‪ ،‬وقد يغنيهـ عن اإلحاطة بالمسائل‬
‫الجزئية وأدلتها التفصيلية‪ .‬خاصة وان النظر في الجزئيات‬
‫والمنصوصات إنما مقصوده التوصل إلى ذلك المعنى الكلي الشرعي‪،‬‬
‫حتى يبنيـ عليه فتياه ويرد إليه حكم اجتهاده‪ ،‬وقد حصل‪ .‬وإنما انتظم له‬
‫كلي المقصود الشرعي من التفقه في الجزئيات وكل ما هو خاص‪،‬‬
‫وبمعانيها ترقى إلى ما ترقى إليه‪ .‬فال تكاد تجد صاحب هذه المرتبة يقطع‬
‫بالحكم بأمر‪ ،‬وهو غير منتبهـ ألدلته الجزئية إال ووجدتها موافقة لما ذهب‬
‫إليه‪ ،‬وهذا يدل على شدة تمكنهـ من االستنباطـ واالجتهاد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) انظر‪ :‬الموافقات للشاطبي‪ 163\4‬ـ ‪.169‬‬
‫ــ ‪ 89‬ـ‬
‫أما المانع فينطلقـ من أن اعتبار الكلي من اطراح الجزئي خطأ كما‬
‫في العكس‪ ،‬فإذا تحقق بركن من أركان االجتهاد بما حصله من إدراك‬
‫مقاصد الشريعة‪ ،‬فهو غير حاصل على الركن الآخر‪ ،‬وهو اعتبار‬
‫الجزئي‪ ،‬وإذا كان كذلك لم يستحق أن يترقى إلى درجة االجتهاد حتى‬
‫يكمل ما يحتاج إلى تكميله‪.‬ـ خاصة وأن للخصوصيات خواص يليق بكل‬
‫محل منها ما ال يليق بمحل آخر؛ كما في النكاح مثال‪ ،‬فإنه ال يسوغ أن‬
‫يجري مجرى المعاوضات من كل وجه‪ ،‬كما أنه ال يسوغ أن يجري‬
‫مجرى الهباتـ والنحل من كل وجه‪ .‬فلكل باب ما يليق به‪ ،‬ولكل خاص‬
‫خاصية تليق به ال تليق بغيره‪ .‬فمن صبغ على الخصوصيات المختلفة‬
‫صبغة واحدة بتعميمه حكم واحد عليها‪،‬ـ ولم ينظر في الحكم العيني‬
‫المقصود بحسب كل نازلة‪ ،‬ال يستقيمـ له اجتهاد إلغفاله طائفة من مقاصد‬
‫الشرع‪.‬‬
‫وقد يضيف المانع أنه إذا لم يعتبرـ الخصوصيات التي في جزئياتـ‬
‫جِري الكليات‬ ‫الشريعة أال يعتبرـ محالها أيضا وهي أفعال المكلفين‪ ،‬فكما ُي ْ‬
‫في كل جزئيةـ على اإلطالق يلزمه أن يجريها في كل مكلف على اإلطالق‬
‫من غير مراعاة لخصوصياتهم وهذا يتنافىـ مع مقاصد الشريعة‪ ،‬فال‬
‫يصح مع اعتبار خصوصيات المكلفين إال اعتبار خصوصيات األدلة‪.‬‬
‫فصاحب هذا الوصف أو هذه المرتبةـ ال يجوز له النظر فيما‬
‫تقتضيهـ رتبة االجتهاد وال يستطيعه‪ ،‬فهو ليس من أهل االجتهاد فقد رأينا‬
‫مما سبق ما يثير التردد‪.‬‬
‫ويمثل الشاطبيـ لهذه الحالة أو المرتبة بمذهب من نفى القياس جملة‬
‫وأخذ بالنصوص على اإلطالق‪ ،‬ومذهب من أعمل القياس على اإلطالق‬
‫ولم يعتبرـ ما خالفه من األخبار جملة؛ فإن كل واحد من الفريقين أسرف‬
‫في تبني منحى شرعي مطلق عام وصل إليه الطراده عنده بعد نظره في‬
‫جملة الشريعة اطرادا ال يتوهم معه في الشريعة نقص وال تقصير منسجما‬
‫مع قوله تعالى‪ :‬ﮋﭻ ﭼ ﭽ ﭾﮊ(‪ .)1‬أي‪ :‬إن كل واحد منهما وصل إلى‬
‫كلية أصولية مفادها اعتبار القياس عند أحدهما‪ ،‬واعتبارـ األدلة التفصيلية‬
‫ال غير عند الثاني‪.‬‬
‫فصاحب الرأي يقول‪ :‬الشريعة كلها ترجع إلى حفظ مصالح العباد‬
‫ودرء مفاسدهم‪ ،‬وعلى ذلك دلت أدلتها عموما وخصوصا‪ ،‬دل على ذلك‬
‫االستقراء‪ .‬فكل فرد جاء مخالفا فليس بمعتبر شرعا؛ إذ قد شهد االستقراء‬
‫بما يعتبر مما ال يعتبر‪ ،‬لكن على وجه كلي عام‪ .‬فهذا الخاص المخالف‬
‫‪1‬‬
‫(?) سورة المائدة‪.3/‬‬
‫ــ ‪ 90‬ـ‬
‫يجب رده وإعمال مقتضى الكلي العام؛ ألن دليله قطعي‪ ،‬ودليل الخاص‬
‫ظني‪ ،‬فال يتعارضان‪ ،‬إذ ال يقوى الخاص الظني على معارضة العام‬
‫القطعي‪.‬‬
‫والظاهري يقول‪ :‬الشريعة إنما جاءت البتالء المكلفين أيهم أحسن‬
‫عمال‪ ،‬ومصالحهم تجري على حسب ما أجراها الشارع‪ ،‬ال على حسب‬
‫أنظارهم في األشياء التي من شأنها أن يختلف الحكم عليها بأن فيها‬
‫مصلحة أو مفسدة‪ ،‬فإذا اتبعناـ النصوص ومقتضياتها نكون على يقين في‬
‫إصابة تلك المصالح‪ ،‬فالصواب اتباع مقتضى النصوص‪ ،‬من حيث أن‬
‫الشارع إنما تعبدناـ بذلك‪ .‬أما اتباع المعاني فهو مجرد رأي‪ ،‬فكل ما خالف‬
‫النصوص منه غير معتبر؛ ألنه أمر خاص مخالف لعام الشريعة‪،‬‬
‫والخاص الظني ال يقوى على معارضة العام القطعي‪.‬‬
‫فأصحاب الرأي وقفوا عند المعاني من األسرار والحكم والمصالح‬
‫والمفاسد التي فهموها مقصدا للشارع من استقرائهم لموارد الشريعة بعد‬
‫أن نظروا فيها ولم يلتفتوا إلى خصوصيات األلفاظ‪.‬‬
‫وعلى العكس من ذلك فإن الظاهرية وقفوا عند مقتضيات األلفاظ‬
‫فنظروا في الشريعة بها‪ ،‬ولم يلتفتوا إلى خصوصيات المعاني القياسية من‬
‫حكم وأسرار‪ ،‬بل التفتوا فقط إلى مدلوالت التراكيب ولم يتجاوزوها حتى‬
‫ولو كانت في نظرهم مخالفة لما قد يفهم بأنه مصلحة بما يتبادر إلى الذهن‪.‬‬
‫حدتها االستبداد بالكلية على ما اعتمدته‬
‫الحدية بلغت من ّ‬
‫وهذه الثنائية ّ‬
‫في فهم الشريعة‪ ،‬استبدادا يمنع كل طرف منها النظر فيما نظر إليه الطرف‬
‫اآلخر‪.‬‬
‫والمالحظ أن كال االتجاهينـ يظهران من حين إلى آخر في تاريخ‬
‫الفقه اإلسالمي في رقع محدودة لكن سرعان ما تنطفئـ جذوتهما ويغلب‬
‫المنهج الوسط الذي يأخذ بالطرفينـ ويخوض فيما خاض فيه الفريقان‪،‬‬
‫ويتحقق بالمعانيـ الشرعية منزلة على الخصوصيات الفرعية‪ ،‬بحيث ال‬
‫يصده التبحر في النظر واالستبصار بهذا عن التبحر في النظر‬
‫واالستبصار بذاك‪ ،‬إذ ال يجري على عموم واحد منهما دون أن يعرضه‬
‫على اآلخر‪ ،‬ثم يلتفت مع ذلك إلى تنزيلـ النتائج التي وصل إليها على‬
‫الوجه الالئق في أفعال المكلفين‪ ،‬فهو ينظر أيضا في محال الخصوصيات‬
‫وهي أفعال المكلفين فال يكونون عنده سواء‪.‬‬
‫وهذا التوجه ال خالف في صحة االجتهاد من صاحبه‪ ،‬إذ بلغ مبلغ‬
‫التمكن في معالجة األمرين‪ ،‬والتحرر من استبداد أي منهما‪،‬ـ بخالف ما‬
‫قبله فإن صاحبه الفتقاره إلى ذلك التمكن‪ ،‬يستبد به أحدهما ويحكم على‬
‫ــ ‪ 91‬ـ‬
‫اجتهاده‪ ،‬فقد تستفزه معانيه الكلية عن االلتفات إلى الخصوصيات‪ ،‬وإذا‬
‫اتصف بهذه الصفة دل ذلك على عدم رسوخه في االجتهاد‪.‬‬
‫فصاحب التمكينـ والرسوخ الذي يتحكم في األمرين بنظره هو الذي‬
‫يستحق االنتصاب لالجتهاد والتعرض لالستنباط‪ .‬لكن كثيرا ما يختلط أهل‬
‫الرتبة الوسطى السالفة الذكر بأهل هذه الرتبة‪،‬ـ فيحصل الخالف في عدها‬
‫منها أم ال‪.‬‬
‫وهذا المجتهد المتمكن هو الذي يوصف بالرباني‪،‬ـ والحكيم والراسخ‬
‫في العلم‪ ،‬والعالم‪ ،‬والفقيه‪،‬ـ والعاقل‪ ،‬لتحققه بالعلم حتى صار كالوصف‬
‫المجبول عليه‪ ،‬ولفهمه عن هللا مراده‪.‬‬
‫ويمتاز بأمرينـ أساسيين‪:‬ـ‬
‫أحدهما‪ :‬أنه يجيب السائل على ما يليق به في حالته على‬
‫الخصوص إن كان له في المسألة حكم خاص‪ ،‬بخالف صاحب الرتبة‬
‫األخرى فإنه إنما يجيب من رأس الكلية من غير اعتبار بخاص فهو أميل‬
‫إلى التعميم الذي قد يتخلف عن بعض األفراد‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أنه ينظر في المآالت قبل الجواب عن األسئلة التي ترد‬
‫عليه‪،‬ـ وصاحب الرتبة األخرى ال ينظر في ذلك‪ ،‬وال يباليـ بالمآل ال في‬
‫األمر وال في النهي وال في غيرهما إذا كان مساقه كليا‪.‬‬
‫والناظر في عصرنا ال يفوته تسجيل انحصار أصحاب هذا المنهج‬
‫الوسط الراسخين في االجتهاد والمتمكنينـ من شروطه وأوصافه‪ ،‬بل‬
‫ظهور صور مشوهة من االتجاهينـ المذكورين متمثلةـ في توجه ظاهري‬
‫ويا ليتهـ تحقق بأصول الظاهريةـ ومنهجها أو توجه يناقضه‪ ،‬ولم يأخذ من‬
‫أهل الرأي حصافتهم واستيعابهم‪.‬ـ فاتصف األول بالعجرفة والشذوذ‬
‫واتصف الثاني بالعمايةـ والجهل المركب‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫لقد أشرنا في هذا المقــال على حسب ما يقتضــيهـ المقــام فيما نــزعم إلى‬
‫جملة من الحدود يصــان بها النظر في النــوازل ويحفظ به من جهــتي الوجــود‬
‫لخطّة اإلفتـــاء‪ ،‬ومنها ما هو‬ ‫والعـــدم‪ ،‬فمنها ما هو متعلّق بالرعايةـ السياســـيةـ ِ‬
‫متعلّق بالرعاية التربوية والتعليميةـ لروادها وروافـــدها ومجاالتهـــا‪،‬ـ ومنها ما‬
‫هو متعلّق بفقهها وضــبط شــروطها‪ ،‬ومنها ما هو متعلّق بمراتبهاـ وطبيعتها‪،‬‬
‫ومنها ما هو متعلّق باستيعاب تط ّور النظر الفقهي عند سـواد األمة اإلسـالمية‬
‫األعظم المؤيّد بدالئل الوحي الذي خصّها هللا به والذي ضـ ّل بســبب القصــور‬
‫عن فهمه فئام من الناس‪ ،‬فإن حالف هذه اإلشارة القبول فهمها اللبيبـ وأفهمها‬

‫ــ ‪ 92‬ـ‬
‫غــيره ومن حوله بالبيــانـ والتفصــيل‪ ،‬وإن تخلّفت عن ذلك فنســأل هللا الســتر‬
‫والعفو‪ .‬وآخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين‪.‬ـ‬
‫فهرس المراجع‬
‫ـ اإلحكــام في أصــول األحكـام‪ :‬ابن حـزم‪ ،‬أبو محمد علي بن أحمد بن سـعيد‪ .‬تحقيـق‪:‬‬
‫أحمد محمد شاكر‪ .‬بيروت‪ :‬دار اآلفاق‪ ،‬ط‪1400 ،1‬هـ ـ ‪1980‬م‪.‬‬
‫ـ االختيارات الفقهية (أسســها‪ ،‬ضــوابطها‪ ،‬ومناهجهــا)‪ :‬أطروحة دكتــوراه في أصــول‬
‫الفقه للباحث‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬كلية العلوم اإلسالمية‪2007 ،‬م‪.‬‬
‫ـ سنن ابن ماجه‪ ،‬ط‪ .1‬دار السالم‪ ،‬الرياض‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫ـ سنن أبي داود‪ ،‬ط‪ .1‬دار السالم‪ ،‬الرياض‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫ـ سنن النسائي‪ ،‬ط‪ .1‬دار السالم‪ ،‬الرياض‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫ـ صحيح البخاري‪ ،‬ط‪ .1‬دار السالم‪ ،‬الرياض‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫ـ صحيح مسلم‪ ،‬ط‪ .1‬دار السالم‪ ،‬الرياض‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫ـ الفروق (المسمى‪ :‬أنوار البروق في أنواء الفروق)‪ :‬القرافي‪ ،‬شهاب الدين أبو العباس‬
‫أحمد بن إدريس الصنهاجي‪ .‬القاهرة‪ :‬ط أوالد الحلبي‪ ،‬ط‪1344 ،1‬هـ ـ ‪1346‬هـ‪.‬‬
‫ـ محاضــرات في تــاريخ المــذهب المــالكي في الغــرب اإلســالمي لعمر الجيــدي ط‪.‬‬
‫منشورات عكاظ‪ ،‬الرباط‪.‬‬
‫ـ المعيار المعـرب والجـامع المغـرب عن فتـاوى علمـاء إفريقية واألنـدلس والمغـرب‪:‬‬
‫الونشريسي‪ ،‬أحمد بن يحيى‪ .‬بيروت‪ :‬دار الغرب اإلسالمي‪،‬ـ ‪1401‬هـ ـ ‪1981‬م‪.‬‬
‫ـ مقدمة ابن خلدون‪ :‬ابن خلدون‪ ،‬عبد الرحمن بن محمد (ت‪808‬هـ)‪ .‬بــيروت‪ :‬مؤسسة‬
‫األعلمي‪ .‬نسخة أخرى‪ :‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬ط‪1979 ،2‬م‪.‬‬
‫ـ الموافقات في أصول الشريعة‪ :‬الشاطبي‪ ،‬أبو إســحاق إبــراهيم بن موسى اللخمي (ت‬
‫‪790‬هــــ)‪ .‬تحقيـــق‪ :‬عبد هللا دراز‪ .‬بـــيروت‪ :‬دار الكتب العلمية‪ .‬دار المعرفـــة‪ ،‬ط‪،6‬‬
‫‪1425‬هـ ـ ‪2004‬م‪ .‬نسخة أخرى بتعليق محمد الخضر حسين التونســي‪ :‬دمشــق‪ :‬دار‬
‫الفكر‪.‬‬
‫ـ مــواهب الجليل لشــرح مختصر خليــل‪ :‬الحطــاب‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن عبد الــرحمن‬
‫المغربي‪ .‬بيروت‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1398 ،2‬هـ‪ .‬دمشق‪ :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1992 ،3‬م‪.‬‬

‫ــ ‪ 93‬ـ‬
‫فقه النوازل عند علماء توات‬
‫المنهج والمضمونـ‬
‫‪ ‬أ‪.‬د‪/‬محمد دباغ‬
‫كلية العلوم االجتماعية والعلوم اإلسالمية‪ ،‬جامعة أدرار‬
‫تمهيد‬
‫تعد حاضرة توات منطقةـ زاخرة بالعلوم والمعارف المختلفة‪ ،‬وقد برز‬
‫شيوخها في شتى فنون العلم والمعرفة‪ ،‬وكان لهم نصيب أوفر في مجال‬
‫القضاء والفتيا وفقه النوازل الذي يعد المرآة العاكسة لمظاهر الحياة في‬
‫مختلف فروعها‪.‬‬
‫ولقد اهتم العلماء‪ ،‬قديما وحديثا ً بالتأليفـ في فقه النوازل لما له من‬
‫أهمية تراثية وتاريخية ناهيك عن أهميته الفقهية والقضائية‪ .‬وفيما يلي‬
‫نتعرض لفقه النوازل عند علماء توات من خالل العناصر اآلتية‪:‬ـ‬
‫ـ مفهوم فقه النوازل‪.‬‬
‫ـ أعالم النوازل بتوات‪.‬‬
‫ـ التعريف بمخطوط نوازل الغنية‪.‬‬
‫ـ مميزات فقه النوازل عند علماء توات‪.‬‬
‫ـ دراسة نماذج من نوازل توات‪.‬‬
‫تعريف فقه النوازل‬
‫النوازل لغة جمع نازلة وهي من معنى هبوط الشيء ووقوعه(‪.)1‬‬
‫وتطلق النازلة على الوقائع والمسائل المستجدة وكذا الحادثة التي‬
‫تحتاج إلى حكم شرعي(‪.)2‬‬
‫ولقد جرى اصطالح أهل الفن على إطالق عدة معان على النوازل‬
‫ومن ذلك األجوبة‪ ،‬المسائل‪ ،‬الفتاوى(‪.)3‬‬
‫ومن هنا نخلص إلى تعريف فقه النوازل فنقول‪(( :‬هو بيانـ حكم‬
‫الحوادث التي لم يسبق فيها حكم شرعي))(‪.)4‬‬

‫‪ )?( 1‬ابن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬مادة نزل‬


‫‪ )?( 2‬محمد دباغ‪ ،‬دراسات في التراث‪75 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) ينظر نوازل الغنية‬
‫‪ )?( 4‬مقدمة في فقه النوازل‬
‫ــ ‪ 94‬ـ‬
‫ويتميز فقه النوازل عن الفقه التعليمي بانطالقهـ من وقائع الحالة‬
‫المدروسة قصد استنباط الحكم الموافق لها بينما يعد الفقه التعليمي فقها‬
‫مجردا يؤصل للمسائل نظريا(‪.)5‬‬
‫أعالم النوازل بمنطقة توات‬
‫لما كانتـ النوازل مرتبطةـ بالتطبيقـ العملي للفقه فإن كال من مجالي‬
‫الفتوى والقضاء واأللغاز الفقهية تكون مادة علمية ثرية لها‪ ،‬ولذلك يمكن عد‬
‫جميع القضاة والمشتغلين بالتدريس والفتوى من أهل النوازل(‪.)2‬‬
‫ويجدر التذكير هنا بأن علماء توات المتقدمين اهتموا بفقه النوازل‬
‫جمعا وترتيبا‪ ،‬ثم جاء المعاصرون فاهتموا بها دراسة وتحقيقا‪ ،‬وفيما يلي‬
‫نذكر أهم علماء النوازل وهم على سبيلـ التمثيل ال الحصر(‪.)3‬‬
‫ـ القاضي عبد الحق بن عبد الكريم البكري‪.‬‬
‫ـ الشيخ عبد الرحمن بن عمر التنالني‪.‬‬
‫ـ الشيخ محمد بن العالم الزجالوي‪.‬‬
‫ـ الشيخ عبد الكريم الحاجب‪.‬‬
‫ـ الشيخ محمد بن الحاج عبد هللا بن عمر‪.‬‬
‫ـ الشيخ عمر بن عبد القادر التنالني‪.‬‬
‫ـ القاضي العصنوني‪.‬‬
‫ـ الشيخ محمد بن عبد الكريم المغيلي‪.‬ـ‬
‫ويجدر التنويهـ هنا بما قامت به العائلة البلباليةـ من جمع وترتيب‬
‫للنوازل في كتابـ جليل صار عمدة الباحثين والمؤلفين في النوازل التواتيةـ‬
‫وهو‪ :‬غنية المقتصد السائل فيما حل في توات من القضايا والمسائل(‪.)4‬‬
‫وقد بين قيمة هذا الكتاب كل من أرخ للنوازل واألقضية بالمنطقة‪ ،‬ومن‬
‫هؤالء‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ـ الشيخ محمد باي بلعالم في كتابه الرحلة العلية ‪.‬‬
‫(‪)6‬‬
‫ـ الشيخ عبد العزيز سيدي عمر في كتابه قطف الزهرات ‪.‬‬
‫التعريف بكتاب نوازل الغنية‬

‫(?) دراسات في التراث‪76 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) محمد دبــاغ‪ ،‬المدرسة المالكية بتــوات‪ ،‬مناهجهــا‪ ،‬خصائصــها وأعالمهــا‪ ،‬محاضــرة‬ ‫‪2‬‬

‫منشورة ضمن أعمال الملتقى الوطني الخامس للمذهب المالكي‪ ،‬عين الدفلى‪ ،‬ص‪205 :‬‬
‫(?) عبد الحميد بكري‪ ،‬النبذة‪،‬ـ ‪ 122‬وما بعدها‬ ‫‪3‬‬

‫(?) مقدمة تحقيق الغنية‪ ،‬مجموعة من الباحثين‪ ،‬وحدة بحث بجامعة أدرار ‪2000‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) الرحلة العلية‪1/58 ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) قطف الزهرات‪55 ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫ــ ‪ 95‬ـ‬
‫قدمنا أن كتابـ نوازل الغنيةـ يعد عمدة التأليفـ في هذا الباب ولذلك من‬
‫الضروري أن نعرف به في هذا المقام‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫اعتنىـ الشيخ محمد بن عبد الرحمن البلباليـ المعروف سيدي الحاج (ت‬
‫‪1244‬هـ) وابنه عبد العزيز(ت‪1261‬هـ)‪ ،‬بجمع ما تحصل عندهماـ من أجوبة‬
‫علماء توات على المسائل الواردة عليهم‪ ،‬وكذا أجوبة غيرهم من علماء‬
‫المالكية‪ ،‬فلما توفي الوالد استمر االبن الذي خلف والده في منصب القضاء‬
‫على ذلك الحال وضم إليها تقييدات وإشكاالت وسمى هذا المجموع غنية‬
‫المقتصد السائل فيما وقع بتوات من القضايا والمسائل(‪.)1‬‬
‫ولما رأى تلميذه أحمد الحبيب البلباليـ أن بعض مسائل المجموع‬
‫مذكوراً في غير بابهـ قام بترتيبه وفق ترتيبـ مختصر خليل‪ ،‬وبذلك سهل‬
‫اإلفادة للدارسين والباحثينـ(‪.)2‬‬
‫منهج الغنية في النوازل(‪.)3‬‬
‫أ ـ ترتيبـ النوازل حسب األبواب الفقهية‪.‬ـ‬
‫ب ـ تصوير النازلة تصويراً كامال‪.‬‬
‫ج ـ عدم االقتصار على المسائل الفردية‪ ،‬بل نجد الغنيةـ تعتم‬
‫باالستشارات الواردة على المفتين‪.‬‬
‫د ـ دعم األجوبة بالتوحيد والتعليل‪.‬‬
‫مميزات فقه النوازل عند علماء توات‬
‫أ ـ عوامل الثراء والتنوع في النوازل التواتية‬
‫‪ 1‬ـ كون المنطقة حاضرة علمية متميزة بعلمائها ومحاضرها ومدارسها‬
‫(‪) 4‬‬
‫ويتجلى هذا التميز في محافظة المنطقة على تلقي العلوم وتناقلها جيال عن جيل ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ عالقة علمائهاـ بأعالم باقي الحواضر اإلسالمية كالجزائر‬
‫والمغرب وشنقيطـ واألزواد(‪.)5‬‬
‫‪ 3‬ـ تفرد منطقةـ توات بأمور في حياة الناس المعاشيةـ كنوازل تسيير‬
‫الفقارات وبعض مسائل الزراعة والسقي(‪.)6‬‬
‫(?) مقدمة تحقيق الغنية‬ ‫‪1‬‬

‫(?)مقدمة تحقيق الغنية‬ ‫‪2‬‬

‫(?) المدر نفسه‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أبو القاسم ســعد هللا‪ ،‬كلمة في ملتقى إســهامات علمــاء تــوات ‪ 19‬ـــ ‪ 20‬أبريل ‪2010‬‬ ‫‪4‬‬

‫جامعة أدرار‪ ،‬وينظر دراسات في التراث‪118 ،‬‬


‫(?) محمد حوتية‪ ،‬توات واألزواد‪1/27 ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) ينظر نوازل الغنية‬ ‫‪6‬‬

‫ــ ‪ 96‬ـ‬
‫ب ـ بيان المميزات المتعلقة بفقه النوازل عند علماء توات‬
‫‪ 1‬ـ اعتماد المذهب المالكي في الفروع مع بيانـ اختالف الروايات‬
‫واألقوال داخل المذهب وكذا ذكر مختلف أوجه التوجيه والتعليل(‪.)1‬‬
‫‪ 2‬ـ اعتماد المنهج التطبيقي في التدريس قصد تهيئة الدارس لفهم‬
‫النوازل وذلك مثال عن طريق االختبار بمسائل األلغاز‪.‬‬
‫ومن ذلك قولهم في مسائلـ الميراث‪:‬‬
‫فما له من شبيهـ‬ ‫أيها العالم الفقيه الذي فاق ذكاء‬
‫كل قاض يقضي وكل فقيه‬ ‫أفتنا في قضية حاد عنها‬
‫تقي من أمه وأبيهـ‬ ‫رجل مات عن أخ مسلم‬
‫أخ خالص بال تمويه‬ ‫وله زوجة لها أيها الحبر‬
‫ما تبقىـ باإلرث دون أخيه‬ ‫فحوت فرضها وحاز أخوها‬
‫فهو نص ال خلف يوجد فيه‬ ‫فاشفنا بالجواب عما سألنا‬

‫اجلواب‬
‫كاشف سرها الذي تحويه‬ ‫قل لمن يلغز المسائل إني‬
‫أخا عرسه على ابن أبيه‬ ‫إن ذا الميت الذي قدم الشرع‬
‫بحماة له وال عز وفيه‬ ‫رجل زوج ابنه برضاه‬
‫بابنـ له يسر ذويه‬ ‫ثم مات ابنهـ وقد علقت منه‬
‫وأخو عرسه بال تمويه‬ ‫فهو ابن ابنه بغير مراء‬
‫وأولى بإرثهـ من أخيه‬ ‫وابن االبن الصريح أدنى إلى‬
‫ثمن التراث تستوفيه‬ ‫فإذن حين مات أوجب للزوجة‬
‫أخوها من أمها باقيه‬ ‫وحوى ابنه الذي هو في‬
‫األصل‬
‫وقلنا يكفيك أن تبكيهـ‬ ‫وتنحى األخ الشقيق ما اإلرث‬

‫(?) محمد دباغ‪ ،‬المدرسة المالكية بتوات‪205 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 97‬ـ‬
‫كل قاض يقضي وكل فقيه‬ ‫هاك منا الفتوى التي يحتذيها‬

‫‪ 3‬ـ اعتماد العرف وجريان العمل‬


‫وهذا تبعا ألهمية العرف والعمل في المذهب المالكي ولذلك نوه ابن‬
‫القيم ~ سداد رأي المالكية في هذا االعتبار حيث قال‪(( :‬وهذا محض الفقه ومن‬
‫أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختالف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم‬
‫وأمكنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم فقد ضل وأضل وكانت جنايته على الدين‬
‫أعظم من جناية من طبب الناس كلهم على اختالف بالدهم وعوائدهم وأزمنتهم‬
‫وطبائعهم بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم))(‪.)1‬‬
‫والعرف كما هو معلوم مفيد في تخصيص عام األلفاظ وتقييد مطلقها‪...‬ـ‬
‫‪ 4‬ـ اعتماد االجتهاد الجماعي وذلك ما تجسد في االستشارات‬
‫والمراسالت بين العلماء قصد التباحث في المسائلـ وكذا تأسيس مجلس‬
‫الشورى الذي كانتـ تنقلـ فتاواه في غنيةـ المقتصد السائل‪.‬ـ‬
‫دراسة نماذج من النوازل التواتية‬
‫‪ 1‬ـ من نوازل المغيلي‬
‫نص النازلة «وسئل المغيلي عمن قال له والده إن تزوجت المرأة‬
‫الفالنية ما غفرت لك‪ ،‬هل يسوغ له تزوجها أم ال؟ فكان جوابه ~ من أراد‬
‫أن يتزوج المرأة التي قال له أبوه إن تزوجتها ما غفرت لك فال بأس عليه‬
‫وتركها خير له»‬
‫فقد جمع المغيلي بين الجواز العام الذي يقتضيه عدم تحريم الحالل إال‬
‫بدليل‪ ،‬أما قوله وتركها خير له فبناء على طاعةـ الوالدين فيما أحل هللا أو فيما‬
‫فيه طاعة(‪.)2‬‬
‫‪ 2‬ـ ومن نوازله أيضا ً‬
‫أنه سئل عمن حبس على الذكور دون اإلناث وكذلك الذي يحجب بناتهـ‬
‫من الميراث فقال ~‪(( :‬إن الحبس المذكور باطل من عمل الجاهلية وأما الذي‬
‫(‪)3‬‬
‫قال ال ميراث لبناتهـ فقوله باطل))‬

‫‪1‬‬
‫(?) إعالم الموقعين‪3/100 ،‬‬
‫(?) أحمد الحمــدي‪ ،‬محمد بن عبد الكــريم المغيلي رائد الحركة الفكرية بتــوات‪ ،‬عصــره‬ ‫‪2‬‬

‫وآثاره رسالة ماجستير جامعة وهران ‪99/2000‬ص‪95 :‬‬


‫(?) المصدر نفسه ‪95‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 98‬ـ‬
‫وفي هذه النازلة نالحظ أن المغيلي اعتمد ما نقل عن ابن الحاجب‬
‫حيث قال‪(( :‬وكره مالك إخراج البنات‪،‬ـ وقال عمل الجاهلية‪،‬ـ وإذا وقع فقال‬
‫ابن القاسم الشأن يبطل وقال أيضا إن حيز مضى وإن لم يحز عنه فليرده‬
‫مسجال))(‪.)1‬‬
‫‪ 3‬ـ من نوازل الغنية‬
‫في والية النكاح‪( :‬ثم إذا قلنا بانتقال الوالية عن األب في النازلة فال‬
‫جبر حينئذ لغيره إذ الجبر مقصور على األب في أبكار بناته ومن تنزل‬
‫منزلته)(‪.)2‬‬
‫وبناء على هذه النازلة تم استنباطـ كون اإلجبار قاصرا على األب ومن‬
‫في حكمه وذلك لوفور شفقته على ابنته(‪.)3‬‬
‫الخاتمة‬
‫بعد استعراض مميزات فقه النوازل عند علماء توات وذكر نماذج من‬
‫النوازل‪ ،‬نخلص إلى النتائجـ اآلتية‪:‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ حاضرة توات حاضرة علميةـ متميزة بمنهجها في مجال التدريس‬
‫واإلفتاء كما تشهد بذلك المخطوطات وكتب التراث المختلفة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ اعتمد علماء توات في اإلفتاء منهجا متكامال شمل االستدالل‬
‫بالنصوص والقواعد ومسائل التوجيه والتعليلـ وإعمال العادة والعرف‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ ضرورة االعتناء بفقه النوازل باعتبارهـ فقها تطبيقياـ يسهم في‬
‫تكوين الملكة الفقهية للدارس‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ توجيه األبحاث العلمية إلى دراسة التراث النوازلي وتحقيقه‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ تكثيف الجهود في البحث عن كتب النوازل النادرة والمنسيةـ‬
‫والمغمورة قصد إخراجها وتحقيقها واالستفادة منها‪.‬ـ‬

‫(?) جامع األمهات‪449 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫(?) الغنية‪،‬ـ مخط‪60 :‬‬
‫(?) وحدة بحث الغنية‪،‬ـ وينظر‪ ،‬دراسات في التراث‪78 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 99‬ـ‬
‫فقه النوازل عند القاضي عياض‬
‫ومواصفات الفقيه الباحث عن فتوى للمستجدات والوقائع في عصرنا‬
‫‪ ‬د‪ /‬التواتي بن التواتي‬
‫جامعة عمار ثليجي‪ ،‬األغواط‬
‫الحمد هلل الــذي أنــزل األحكــام إلمضــاء علمه القــديم‪ ،‬وأجــزل اإلنعــام‬
‫لشاكر فضله العميم‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال هللا وحده ال شــريك له الــبر الــرحيم‪،‬‬
‫وأشــهد أن محمــدا عبده ورســوله المبعــوث بالــدين القــويم‪ ،‬المنعــوت بــالخلق‬
‫العظيم صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه وسلم أفضل الصالة والتسليم‪َ ،‬وبَ ْع ُد‪،‬‬
‫أيها العلماء األجالء واألستاذة األفاضـل‪ ،‬أيها الحضـور الكـرام السـالم‬
‫عليكم ورحمة هللا وبركاته وبعــد‪ :‬اســمحوا لي أن أقــدم لكم عناصر المداخلة‬
‫حتى ُأ َم ِّكنَكم من متابعتِها‪،‬ـ فأقول ـ سائال هللا تعــالى التوفيق ـــ‪ :‬ل ّما كــان شــعا ُر‬
‫فإن موضوع‬ ‫الملتقى وموضو ُعه يتناولـ "فقهَ النوازل في الغرب اإلسالمي"‪ّ :‬‬
‫مــداخلتي "فقه النــوازل عند القاضي عيــاض ومواصــفات الفقيه البــاحث عن‬
‫فتوى للمستجدات والوقائع في عصرنا"‪ .‬وقد وضعت لمداخلتي خطة قدر لها‬
‫أن تكون وفق النقاط التالية‪:‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ تمهيد‪:‬ـ تناولت فيه ارتباط الفقه بالحياة‪ ،‬وارتباطـ الحياة بالفقه‪.‬ـ‬
‫‪ 2‬ـ تعريف فقه النوازل لغة واصطالحا‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ مسألة مهمة حول االجتهاد‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ فقه الصحابة ومعرفتهم بالواقع‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ مصنفات فقه النوازل‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ القاضي عياض وفقه النوازل‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ تقييمـ نوازل عياض‪.‬ـ‬
‫‪ 8‬ـ منهج القاضي عياض في الفتوى‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ مستجدات ووقائع تنتظرـ الفتوى‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ مواصفات الفقيه المفتي في النوازل‪.‬‬
‫تمهيد‬
‫قبل الحــديث عن فقه النــوازل عند القاضي عيــاض أمهد بهــذه الحقيقة‬
‫التي تجاهلها كثير من الناس‪ ،‬وهي أن الفقه مرتبط بالحياة بل الشريعة نفســها‬
‫مرتبطة بالحياة‪ ،‬ألننا في هذا الصدد وفي هذا المجال أمام أمرين‪:‬‬
‫ـ األمر األول‪ :‬أمــام شــريعة منزلة من رب الســماوات واألرض منهاجا‬
‫ـبي ×‬ ‫لحياتهم‪ ،‬ونبراسا يهتدون به للوصول إلى هللا تعــالى‪ ،‬وقد أشــار إلى ذلك النـ ّ‬
‫قبل المغــادرة‪ ،‬في خطبة الــوداع بقوله ×‪« :‬تَ َر ْكتُ فِي ُك ْم َما ِإنْ َأ َخ ْذتُ ْم بِ ِه لنَْ‬
‫سنَّتِي»‪.‬‬
‫َاب هللاِ َو ُ‬ ‫َضلُوا الطَّ ِري َ‬
‫ق بَ ْع ِدي‪ِ :‬كت َ‬ ‫ت ِ‬

‫ــ ‪ 100‬ـ‬
‫ـ األمر الثاني‪ :‬أمام فقه مستنبطـ في مضانه الشــرعية يمثل فهم العلمــاء‬
‫والمجتهــدين لهــذه الشــريعة‪ ،‬وكالهما يكوّنــان ثــروة من األحكــام ال يســتغني‬
‫عنهما أحد أبــــدا‪ ،‬فالفقه مرتبط بالحيــــاة‪ ،‬والحيــــاة يجب أن ترتبط بالفقه وال‬
‫يزدهر الفقه إال إذا كان مرتبطا ً بالحياة‪،‬ـ كما أن الحياة ال تزدهر إال إذا كــانت‬
‫تحت سلطة الفقه والفقهاء‪ ،‬فأما إذا كان هناك خصام نكد بينهماـ فإنهما يفقــدان‬
‫االزدهــار‪ ،‬فالفقه يصــيبهـ الشــلل وقد يمــوت كما حصل في عصــور الجمــود‬
‫واالنحطــاط‪،‬ـ والحيــاة يصــيبها الفســاد‪ ،‬والمجتمع قد ينهــار بل ينهــار فعالً‬
‫ويتفكــك‪ ،‬فاالرتبــاط بين الفقه وبين الحيــاة ارتبــاط وثيــق‪ ...‬ثم هنــاك حقيقة‬
‫أخرى‪ :‬وهي أن الفقه اإلسالمي ال يؤتي ثمرتهـ المرجوة إال إذا كانتـ‬
‫جــوانب الحيــاة كلها مرتبطةـ به خاضــعة لســلطته‪ ،‬وفي أي مجتمع إذا‬
‫كانت هنــاك جــوانب من الحيــاة أو بعض مرافق المجتمع خــرجت عن ســلطة‬
‫الفقــه‪ ،‬فــإن الفقه ال يــؤتي ثمرتهـ المرجــوة‪ ،‬كما هو الحــال اليــوم في أكــثر‬
‫مجتمعــاتـ المســلمين‪ ،‬إذ أن هنــاك جــوانب من الحيــاة ال تخضع للفقه‪ ،‬وفي‬
‫بعض المجتمعـــات ال يخضع التعليم أيضـــا ً للفقـــه‪ ،‬فـــإذا خـــرجت مثل هـــذه‬
‫الجوانب األساسـية في المجتمع عن سـلطة الفقه يفسد المجتمـع‪ ،‬ولكن الحقيقة‬
‫األخرى أن الفقه أيضا ً ينقص وال يــؤتي ثمرته المرجــوة؛ ألن الفقه ال يزدهر‬
‫إال بالتطبيق‪.‬‬
‫ويقــول أحد العلمــاء النــابهينـ ـــ حفظه هللا تعــالى ورعــاه ـــ‪ّ :‬‬
‫إن الفقه‬
‫اإلسالمي ليس مجرد نظرياتـ ميتةـ في الكتب فقط كنظريات الفالسفة‪ ،‬بل هو‬
‫فقه للحياة‪ ،‬ألن الشريعة التي أنزلها هللا ‪ ‬أنزلها قانونا ً للحياة‪ ،‬فالفقه يواكب‬
‫الحيــاة دائما مرتبطــاًـ بحركتهــا‪،‬ـ ويزدهر بهــذا االرتبــاطـ يزدهر على أيــدي‬
‫القضاة وأيدي المفتينـ وأيدي المجتهدين الذين يتقون هللا ‪ ‬في بيان األحكام‪.‬‬
‫وهنا تعين أن نضرب مثال‪ :‬ورد في األخبار أن ســيدنا حسن البصــري ~‬
‫تعــالى جــاءه عبد طالبا منه أن يحث النــاس على عتق الرقيــق‪ ،‬فمكث ســيدنا‬
‫الحسن البصــري ســنة كاملة لم يتعــرض لمســألة العتــق‪ ،‬وذات يــوم راح يحث‬
‫النــاس على مزايا عتق العبيــد‪ ،‬وما لها من فضل عند هللا تعــالى فقــام ســيد ذلك‬
‫العبد وقال له‪(( :‬اذهب فأنت حرّ في ســبيل هللا))‪ ،‬فجــاء ذاك العبد إلى الحسن ~‬
‫وقال له‪(( :‬تأخرت يا سـيدي فقد طلبت منك هـذا منذ سـنة))‪ .‬فكـان جـواب حسن‬
‫البصري‪(( :‬منذ أن طلبتَ مني الحديث عن الترغيب في عتق العبيد‪ ،‬وما له من‬
‫فضل عند هللا تعالى‪ ،‬رحت أجمع َما ً‬
‫ال ليطابق قولي فعلي‪.))...‬‬

‫ــ ‪ 101‬ـ‬
‫إن الفقهاء مطالبون شرعا طابقة األقوال مع األفعال وقد جــاء التحــذير‬ ‫ّ‬
‫عن ذلك في القرآن الكريم قال تعالى‪:‬ـ ﮋﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬
‫ﮫ ﮬﮊ(‪.)1‬‬
‫لعلي أشير هاهناـ إلى من أراد أن يتلمس أمثلة لهذا االزدهــار في الكتب‬
‫فليقــرأ كتب النــوازل وكتب الواقعــات وكتب الفتــاوى‪ ،‬فعنــدما تقــرأ المعيــار‬
‫للونشريسي ~ لو قدر لك أن تقرأ هذا الكتابـ بتــأن وتثبت وتــدقيق فإنك تقــرأ‬
‫حيـــــاة أمة كاملة بكل نواحيها السياســـــيةـ واالقتصـــــادية‪ ،‬واالجتماعيـــــة‪،‬ـ‬
‫والثقافيــة‪...‬فما رأيت أعجب من كتابته النــوازل والوقــائع الــتي أصــدر فيها‬
‫فتاواه واستطاع من خاللها تصوير حالة العــالم اإلســالمي من الناحية العقدية‬
‫والسياسيةـ واالجتماعيةـ في عصره وبيّن حال الغرب اإلسالمي‪.‬‬
‫فهــذا كتــاب من الكتب إذا قرأته تــرى كيف يرتبط الفقه بالحيــاة‪ ،‬كيف‬
‫يواكب الفقه الحياة‪ ،‬فيصـدر لها أحكاما مسـتمدة من روح الشـريعة السـمحاء‪.‬‬
‫لعلنا نتساءلـ هاهناـ ما المراد بفقه النوازل؟‬
‫أ ـ الفقه في الدين بنوعيه فقه العقيدة وفقه األحكام هذا هو الواجب وما‬
‫عداه من العلوم أكثره نافلة‪ .‬قال تعالى‪:‬ـ ﮋﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﮊ(‪ ،)2‬فهذه اآلية دلت على مسألتين‪:‬‬
‫أوالهما‪ :‬أن الناس جميعا ً بأمس الحاجة إلى الفقه لقوله تعالى‪:‬ـ ﮋﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻﮊ‪ ،‬فــإذاً كل قــوم هم بــأمس الحاجة إلى فقهــاء في الــدين يــبينونـ لهم‬
‫وينذرونهم‪.‬‬
‫ثانيهما‪ :‬أنه ينبغي أو يجب أن َي ْن َتــدب أنــاسٌ أنفســهم‪ ،‬أو ُي ْن َتـ َدبُونَ للتفقه في‬
‫يعلموا غـيرهم ﮋﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﮊ‪ ،‬فالتفقه بقصد تعليم اآلخـرين‬ ‫الدين وبقصد أن ّ‬
‫واجب كفائي بدليل أول اآلية وهو قوله تعالى‪ :‬ﮋﯧ ﯨﯩ ﯪ ﯫﮊ‪ ،‬فالتفقه بذلك القصد‬
‫واجب كفائي‪ ،‬أما التفقه بقصد معرفة األحكام لالمتثال فهذا واجب عيـني على كل‬
‫مسلم بقدر طاقته ووسعه‪.‬‬
‫فمقصودنا بالفقه في هذه المداخلة تحت هذا العنوان المـذكور سـلفاً‪ ،‬هو‬
‫ما قاله العلماء في تعريفهـ أنه‪(( :‬األحكام الشــرعية العملية المكتســبةـ من أدلتها‬
‫التفصيلية)) ‪ ،‬أي‪ :‬فقه األحكام‪.‬‬
‫ب ـ النوازل جمع النازلة والقصد منها الشـديدة من شـدائد الـدهر تـنزل‬
‫بالقوم نسأل هللا العافية ـ‪.‬‬

‫(?) سورة الصف‪ 2/‬ـ ‪3‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة التوبة‪.122/‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 102‬ـ‬
‫قــال ابن فــارس‪ :‬النــون والــزاء والالم كلمة صــحيحة تــدل على هبــوط‬
‫شيء ووقوعه‪...‬ـ والنازلة‪:‬ـ الشديدة من شدائد الدهر تنزل‪.‬ـ‬
‫ـ اصطالحاً‪ :‬يختلف مفهوم النازلة عند أهل العلم في القديم والحديث‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ففي القديم تطلق ويراد بها الشديدة من شدائد الــدهر تــنزل بالنــاس‪:‬ـ‬
‫ومن ذلك مشروعيةـ القنوت في النوازل‪ .‬وليس هذا المراد في هذا الباب‪.‬ـ‬
‫‪ 2‬ـ وفي الحـديث عـرفت النازلة بعـدة تعريفـات منهـا‪( :‬وهي المـرادة بهـذا‬
‫الباب)‪.‬‬
‫أ ـ الوقائع والمسائل المستجدة والحادثة‪ ،‬ويــراد به الوقــائع والمســائلـ‬
‫المســتجدة والحادثة المشــهورة بلســان العصر باســم‪ :‬النظريــات‪ ،‬والظــواهر‬
‫أن فقه النــوازل والواقعــات أحد‬ ‫المســتجدة‪ ،‬وهــذا يجعلنا نقــرر حقيقة وهي ّ‬
‫موضـــوعات الســـاعة وال يبلغ فهمه إال من أتـــاه هللا تعـــالى الحكمة وفصل‬
‫الخطاب قال تعالى‪ :‬ﮋﯤ ﯥ ﯦ ﯧﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﮊ(‪ ،)1‬قال‬
‫مجاهد ~‪ :‬الحكمــة‪(( :‬العلم والفقه والقــرآن))‪ ،‬وقــال اإلمــام مالك ‪(( :‬وقع في‬
‫قلبي أنه الفقه في الــدين))‪ ،‬ومما يــدل على ذلك ما جــاء في الحــديث الصــحيح‬
‫س َد ِإاَّل فِي ا ْثنَتَ ْي ِن َر ُج ٌل آتَ اهُ‬ ‫عن عبد هللا بن مسعود ‪ ‬أن النبي ×قـال‪َ« :‬ال َح َ‬
‫ض ي بِ َها‬ ‫ق‪َ ،‬و َر ُج ٌل آتَاهُ هَّللا ُ ا ْل ِح ْك َمةَ فَ ُه َو يَ ْق ِ‬ ‫هَّللا ُ َمااًل فَ ُ‬
‫سلِّطَ َعلَى َهلَ َكتِ ِه فِي ا ْل َح ِّ‬
‫َويُ َعلِّ ُم َها»‪ ،‬ويــدل عليه أيضــا ً قوله ×‪َ « :‬منْ يُ ِر ْد هَّللا ُ بِ ِه َخ ْي ًرا يُفَقِّ ْه هُ فِي‬
‫ِّين»‪ ،‬فــالخير كل الخــير في الفقه في الــدين‪ ،‬ومن أوتي الفقه فحــري به أن‬ ‫الد ِ‬
‫ّ‬
‫يعرف كتابـ هللا تعالى‪ ،‬وأن يعــرف ســنة نبيهـ ×‪ ،‬وأن يَــذكر فــإن التــذ ّكر من‬
‫شــيم أهل العلم والفقه والفهم‪ ،‬والفقه هو الفهم‪ :‬فهم مــرامي الكالم ومــرادات‬
‫الحديث‪ ،‬قال تعالى في ذم المنافقين‪ :‬ﮋﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﮊ(‪ ،)2‬وقــال ســبحانهـ‬
‫وتعالى منبهاًـ المؤمنين‪ :‬ﮋﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮊ(‪.)3‬‬
‫ب ـ الحادثة التي تحتاج إلى حكم شرعي‪ :‬فيكــون تعريف فقه النــوازل‬
‫بناء على ما سبق‪(( :‬معرفة الحوادث التي تحتاج إلى حكم شرعي))‪.‬‬
‫ش رح التعري ف‪ :‬التعريف اآلنف الـذكر فيه ثالثة ألفـاظ تحتـاج فضل بيـان‬
‫وهي‪:‬‬
‫أ ـ معرفة‪ :‬يشمل العلم والظن فخرج بذلك الجهل والــوهم والشــك؛ ألن‬
‫إدراك األحكام الفقهية قد يكون يقينياًـ وقد يكون ظنيّاً‪.‬‬

‫(?) سورة البقرة‪.269/‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة النساء‪.78/‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة األنعام‪.98/‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 103‬ـ‬
‫قال ابن القيم ~ في إعالم الموقعين‪(( :‬الفائدة الحادية عشــرة‪ :‬إذا نــزلت‬
‫بالحاكم أو المفتي النازلة فإما أن يكــون عالمـا ً بــالحق فيها أو غالبـا ً على ظنه‬
‫بحيث إنه اســتفرغ وســعه في طلبه ومعرفته أو ال‪ ،‬فــإن لم يكن عالمـا ً بــالحق‬
‫فيها وال غلب على ظنه لم يحل له أن يفتي وال يقضي بما ال يعلم‪.))...‬‬
‫ب ـ الحوادث‪ :‬ويراد بها الشيء الذي يقع على غــير مثــال ســابق‪،‬ـ ولها‬
‫عدة صور‪:‬‬
‫الصورة األولى‪ :‬حوادث جديدة تقع ألول مــرة‪ ،‬مثــل‪ :‬النقــود الورقيــة‪،‬‬
‫وزراعة األعضاء‪.‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬حوادث جديدة تغيّر حكمها لتغير ما اعتمدت عليه من‬
‫عرف‪ ،‬مثل‪ :‬صور قبض المبيع المعاصرة‪.‬‬
‫الص ورة الثالث ة‪ :‬حــوادث اشــترك في تكوينها أكــثر من صــورة من‬
‫الصور القديمة‪،‬ـ مثل‪:‬ـ عقد االستصناع‪ ،‬بيع المرابحة لآلمر بالشراء‪.‬‬
‫ج ـ تحتاج إلى حكم شرعي‪ :‬يخرج بهذا القيد الحوادث الــتي ال تحتــاج‬
‫إلى حكم شـــرعي‪ ،‬مثـــل‪،‬ـ الـــزالزل والكـــوارث والـــبراكين‪ .‬وهنالك ألفـــاظ‬
‫ومصطلحات تطابقـ أو تقارب مصطلح فقه النوازل‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫ـ الواقعات‪ :‬وهي جمع واقعة‪ ،‬مأخوذة من وقع الشيء بمعنىـ نزل‪.‬‬
‫ـ الفت اوى‪ :‬ويراد بها األمر الــذي يحتــاج إلى فتــوى‪ ،‬وهــذا المصــطلح‬
‫مشــهور في المــذاهب‪ ،‬فهم يطلقــون على كتــابـ الفتــاوى‪" :‬النــوازل" مثل‬
‫"النــوازل الصــغرى" للــوزاني" النــوازل الكــبرى" له أيضــا‪" .‬والنــوازل"‬
‫للعلوي‪.‬‬
‫ـ القضايا المعاصرة‪ :‬ويراد بها األمور المتنازع عليها في الوقت الحاضر‪.‬‬
‫ـ القضايا المستجدة‪ :‬ويراد بها القضايا المعاصرة نفسها‪.‬‬
‫ثالثا ـ أس ماء العلم ال ذي يع نى بالنازل ة‪ :‬يطلق على العلم الذي يُعــنى‬
‫بالنازلة عدة مصطلحات‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ فقه النوازل‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ فقه الواقع‪ :‬يعنى فقه الحياة التي يعيشها الشخص‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ فقه األولويّات‪:‬ـ يعنى أن النازلة سواء كــانتـ للفــرد أو المجتمع فهي‬
‫أولى بالبحثـ واالستقصاء وإبــراز الحكم من غيرهــا‪ .‬فهي من األولويــاتـ في‬
‫هذا الجانب‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ فقه الموازنــات‪ :‬أي إن من أبــرز الوســائل إليضــاح فقه النازلــة؛‬
‫الموازنة بينها وبين ما يشبههاـ أو يقاربها‪.‬ـ‬
‫ــ ‪ 104‬ـ‬
‫فهذا القرآن الذي أنزله هللا تعالى ﮋﮞـ ﮟـ ﮠـ ﮡـ ﮢﮊ(‪ )1‬قـد أحكمت‬
‫وفصـلت آياتــه‪ ،‬وهــذه ســنة النــبي ×قد ثبتت ولكن أكــثر النـاس ال يعلمــون وال‬
‫يفقهون‪ ،‬فكم من مرتل آليات القـرآن الكـريم ال يفقه كثــيراً مما يُرتــل‪،‬ـ وكم من‬
‫حافظ لحــديث الرســول ×ال يفقه ما يحفظ‪ ،‬والفقه مــراتب‪ ،‬والفقهــاء مــراتب‬
‫ب‬ ‫ب َحا ِم ِل فِ ْق ٍه َغ ْي ِر فَقِي ٍه‪َ ،‬و ُر َّ‬ ‫بعضهم أفقه من بعض كما قال النــبي ×‪ُ « :‬ر َّ‬
‫َحا ِم ِل فِ ْق ٍه ِإلَى َمنْ ُه َو َأ ْفقَهُ ِم ْنهُ»‪.‬‬
‫وأصحاب النبي × وهم أصدق هذه األمة إيماناًـ وأنقاهاـ قلوبــا ً وأغزرها‬
‫علما ً كانوا يتفاوتون في الفقه‪ ،‬وهم في الجملة ‪ ‬أفقه ممن جاء بعدهم‪ ،‬يقول‬
‫خ اذِ»‪ ،‬هو‬ ‫انوا َكاإلِ َ‬ ‫حَّمٍد × َف َك ُ‬ ‫اب ُم َ‬ ‫ح َ‬ ‫ت أ َص ْ َ‬ ‫جَالس ْ ُ‬‫مســروق بن األجــدع ~‪َ « :‬‬
‫ُمجْ تَ َم ُع الماء‪ ،‬وجمعه ُأ ُخـ ٌذ ككتــابـ كتب‪ ،‬وقيل هو جمع اِإل َخــاذة وهو مصــنع‬
‫للمـــاء يجتمع فيه‪ ،‬واألولى أن يكـــون جنسا لإلخَـــاذة ال َج ْمعا ووجه التَّ ْشـــبيه‬
‫مذكور في سياق الحديث‪.‬‬
‫ولما كــانتـ نصــوص الكتــاب والســنة محــدودة والنــوازل والوقــائع‬
‫والحوادث غير محدودة‪ ،‬فمن هنا تأتيـ أهميةـ االجتهاد‪.‬‬
‫وهنا مســألة ال بد من التنبيهـ عليهــا‪ ،‬وهي أن االجتهــاد في حقيقة األمر‬
‫ليس تشــريعاً‪،‬ـ بمعــنى أنه ليس منشــئا ً للحكم‪ ،‬لكنه مظهر لــه‪ ،‬فاالجتهــاد فهم‬
‫لنصــوص الكتــابـ والســنة‪،‬ـ أو إظهــار لحكم مســألة لم يجد فيها المجتهد نصـا ً‬
‫فيجتهد في استخراج الحكم الشرعي لها بفهم نصوص المصدرين األساسيين‪،‬‬
‫ولـــذلك كما ســـيأتيـ فإنه مقيد بـــأن يكـــون ضـــمن القواعد الكلية واألصـــول‬
‫والضوابط الشرعية المستنبطةـ من الكتابـ والسنة‪ ،‬وأن يكون بواسطة إحــدى‬
‫دالالت الكتاب أو السنة المعتبرة لدى العلماء‪ ،‬وذلك االجتهاد حث عليه النبي‬
‫× أصحابه واألمة من بعده‪ ،‬بل ودرب أصحابه عليه‪ ،‬وأشرف عليهم مصوبا ً‬
‫ومقومــاً‪ ،‬فمثالً قــال × لمعــاذ بن جبل وهو واحد من أشــهر وأفقه أصــحاب‬
‫ض لَ َك‬ ‫ض ي ِإ َذا َع َر َ‬ ‫رســول هللا × لما أرســله إلى اليمن‪ ،‬قــال لــه‪َ « :‬ك ْي فَ تَ ْق ِ‬
‫س نَّ ِة‬ ‫ب هَّللا ِ؟ قَ ا َل‪ :‬فَبِ ُ‬ ‫ب هَّللا ِ‪ .‬قَا َل‪ :‬فَ ِإنْ لَ ْم ت َِج ْد فِي ِكتَ ا ِ‬‫ضي بِ ِكتَا ِ‬ ‫ضا ٌء؟ قَا َل‪َ :‬أ ْق ِ‬ ‫قَ َ‬
‫ب هَّللا ِ؟ قَ ا َل‪:‬‬ ‫ول هَّللا ِ × َواَل فِي ِكتَا ِ‬ ‫س ِ‬ ‫سنَّ ِة َر ُ‬‫ول هَّللا ِ ×‪ .‬قَا َل‪ :‬فَِإنْ لَ ْم ت َِج ْد فِي ُ‬‫س ِ‬ ‫َر ُ‬
‫ق‬ ‫َّ‬
‫ص ْد َرهُ‪َ ،‬وقَا َل‪ :‬ا ْل َح ْم ُد هَّلِل ِ الَّ ِذي َوف َ‬ ‫سو ُل هَّللا ِ × َ‬ ‫ب َر ُ‬ ‫ض َر َ‬ ‫َ‬ ‫ْأ‬
‫َأ ْجتَ ِه ُد َر يِي َواَل آلُو‪ .‬ف َ‬
‫سو َل هَّللا ِ»‪.‬‬
‫ضي َر ُ‬ ‫ول هَّللا ِ لِ َما يُ ْر ِ‬
‫س ِ‬‫سو َل َر ُ‬ ‫َر ُ‬
‫وقد تكلم بعضـــهم في ســـند هـــذا الحـــديث من جهة الجهالة في بعض‬
‫أصحاب معاذ‪ ،‬ولكنها جهالة ال تضــر‪ ،‬فقد روي موصــوالً من طــرق أخــرى‬
‫ومن أراد التفصيل فليراجع إلى كتاب "أعالم الموقعين" البن القيم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) سورة البقرة‪.185/‬‬
‫ــ ‪ 105‬ـ‬
‫فاالجتهاد إذاً مهم جداً‪ ،‬وعظيم األثر في حيــاة النــاس‪ ،‬وعظيم األثر في‬
‫بيان األحكام الشــرعية‪ ،‬لكنه يحتــاج إلى ذكــاء وإلى قريحة فقهية قويــة‪ ،‬وإلى‬
‫فراسة وإلى فهم للواقع وإدراك للوقائع‪ ..‬فمن لم يفهم الواقع ولم يدرك الوقائع‬
‫وإن فهم الحكم قد يعجز عن التطــــــبيق‪،‬ـ فالفقه في حقيقة األمر في مجــــــال‬
‫األحكام الشرعية فقه للحكم الشــرعي وفقه للتطــبيق‪،‬ـ وكــان من أفقه أصــحاب‬
‫رسول هللا × في التطبيقـ عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طــالب وعبد هللا بن‬
‫مســـعود ‪ ،‬هـــؤالء كـــانوا أفقه وأبـــرز الصـــحابة في الفقه بعامة وفي فقه‬
‫التطبيقـ بخاصة(‪.)1‬‬
‫فقه الصحابة ومعرفتهم بالواقع‪ :‬فإذا رجعنا إلى عهد الصحابة ‪ ‬نجد أن‬
‫الفقه كان مرتبطاً بالحياة بالواقع لو سميناه فقهاً واقعياً أو فقه الواقع بهذا المعــنى‪،‬‬
‫لصحت هذه التسمية‪ ،‬ما كان الفقهاء يفترضون مسألة من المسائل أبد ًا بل كــانت‬
‫الواقعة تقع‪ ،‬والنازلة تنزل فيسألون فتصدر الفتوى وإذا لم يجدوا نصاً في النازلة‬
‫اجتهدوا في استخراج الحكم لها‪ ،‬وربما كان االجتهاد جماعياً‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لما تعلم الصــحابة ‪ ‬الفقه في مدرسة النبــوة بإشــراف النــبي ×‬
‫واجهوا النوازل والحوادث والواقعــات المســتجدة بعقليةـ فقهية راقية وممتــازة‬
‫تــدل ليس فقط على علم بكتــابـ هللا ‪ ‬وســنة النــبي × وعلم بأحكــام الشــريعة‬
‫فحســب‪ ،‬بل تــدل على بصر نافذ وبصــيرة ممتــازة بواقع الحيــاة الــذي كــانوا‬
‫يعيشونه‪،‬ـ وبحقيقة الوقائع التي كــانوا يواجهونها فبصــرهم في ذلك بصر نافذ‬
‫وبصـــيرتهم صـــحيحة‪ ،‬ولـــذلك برعـــوا رضـــوان هللا عليهم أجمعين في فقه‬
‫التطــبيق مؤسس ـا ً على معرفة الواقع وكيف يطبق الفقه عليــه‪،‬ـ وإدراك لحقيقة‬
‫الوقــائع وكيف يســتخرج الحكم لها‪ ،‬وسأضــرب لمنهج الصــحابة ‪ ‬في فقه‬
‫النوازل والواقعات أربعة أمثلة‪:‬‬
‫المثال األول في العبادات‪ :‬األذان يوم الجمعة‪ :‬فقد كــان األذان في عهد‬
‫النـــبي × أوله عنـــدما يجلس اإلمـــام على المنـــبر‪ ،‬وكـــذلك في عهد أبي بكر‬
‫وعمـــر‪ ،‬وفي عهد عثمـــان وعلي‪ ،‬كـــثر النـــاس وزاد األذان الثـــالث على‬
‫الزوراء‪ ،‬األذان الثــالث كما ورد في النص باعتبــار األذان الــذي عند جلــوس‬
‫اإلمام على المنبر وباعتبار اإلقامة فإنها تسمى أيضا ً أذان‪ ،‬فزاد األذان األول‬
‫على الزوراء‪ ،‬وفي بعض الروايات أن الــزوراء دار كــانت في الســوق‪ ،‬وفي‬
‫بعض الروايــات أنه أمر بــذلك ليعلم النــاس بــدخول أو بحضـور وقت الجمعة‬
‫قبل أن يخرج اإلمام إلى المسجد أو إلى المنبر‪.‬‬

‫(?) مجلة البيان ـ األعداد ‪ 1‬ـ ‪77/10 ،100‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 106‬ـ‬
‫ما كــان هــذا األذان على عهد النــبي × وال على عهد الصــاحبين‪ ،‬وإنما‬
‫هو سنّه الخليفة الراشد عثمــانـ قياسـا ً على بــاقي الصــلوات‪ ،‬هــذا أذان إلعالم‬
‫الناس بدخول الوقت في أوله‪ ،‬فقاس الجمعة على باقي الصــلوات‪ ،‬هــذه نازلة‬
‫وهذا ما واجهها به الصحابة من فقه‪ ،‬والصحابةـ في عهد عثمــانـ عملــوا بفعله‬
‫في سائر المدن واألمصار‪ ،‬وقد كانوا منتشرينـ فيها‪.‬‬
‫المثال الثاني في الطالق‪ :‬قد روى مســلم عن ابن عبــاس { أن الطالق‬
‫كــان على عهد النــبي × وعهد أبي بكر وســنتينـ من خالفة عمــر‪ ،‬أن طالق‬
‫جُلوا ِفي أَ ْم ٍر َلُهم‬
‫الثالث كانتـ توقع واحدة‪ ،‬فقال عمر‪ِ« :‬إنَّ النَّاسَ َق ِد اس َْتعْ َ‬
‫عَليِْهمْ»‪ ،‬فأمضــاه عليهم بمشــاورة من الصــحابة‪،‬‬ ‫اه َ‬
‫اة‪َ ،‬ف َل ْو َأْمض َْينَ ُ‬
‫ِفيهِ أَ َن ٌ‬
‫ً‬
‫وحقيقة هذه المسألة كما أفهم وهللا أعلم أن عمر أوال كان يســأل المطلق الــذي‬
‫أوقع الثالث دفعة واحدة عن قصــده مــاذا يقصد هل يقصد إيقاعها ثالثـا ً أو ما‬
‫قصد إال التأكيد وإيقاعهاـ واحــدة‪ ،‬ثم لما تتــابع النــاس على ذلــك‪ ،‬وكــثر منهم‬
‫واستخفوا به صار ال يسأل أحداً عن مقصده‪ ،‬وال يفــرق بين من يقصد التأكيد‬
‫وإيقاعهاـ واحــدة أو ال يقصد ذلــك‪ ،‬ويمضــيه على الجميع ثالث ـا ً ردع ـا ً للنــاس‬
‫الذين كثر منهم هذا واستخفوا بحدود هللا ‪.‬‬
‫هـذا مثـال آخر لطريقة الصـحابة في مواجهة النـوازل‪ ،‬فـإن الحـال في‬
‫وقت عمر تغير عن الحال في وقت النبي × وأبي بكر‪.‬‬
‫المثال الثالث حد الخمر‪ :‬وهو يشبه هذا المثــال‪،‬ـ ولكنه في الحــدود (حد‬
‫الخمــر)‪ ،‬فشــارب الخمر في عهد النــبي × كــان يضــرب بالجريد وبالنعــال‬
‫ويبكت (بمعــنىـ أن يقــال له أما تســتحي أما تتقيـ هللا‪ ..‬ونحو ذلــك)‪ ،‬وفي عهد‬
‫أبي بكر جلد أربعين‪ ،‬وفي عهد عمر قال عمر ‪ :‬ويبدو أن شاربي الخمر قد‬
‫كــثروا في عهــده فاستشــار الصــحابة‪،‬ـ فقــال علي ‪ ‬إنه إذا شــربها ســكر وإذا‬
‫سكر هذى وإذا هذى افترى‪ ،‬فجلده ثمــانين مثل عقوبة القربــة‪ ،‬وفي رواية أن‬
‫عبد الــرحمن بن عــوف قــال له ‪ :‬إن أخف الحــدود ثمــانون جلــده فأمضــوا‬
‫عقوبة شارب الخمر ثمانينـ جلدة‪ ،‬فاختلف الفقهاء في فهم ذلك‪ :‬بعضــهم قــالوا‬
‫إن حد الخمر ثمــانون‪،‬ـ وبعضــهم قــالوا حــدها أربعــون وما زاد فهو تعزيــر‪،‬‬
‫ولإلمام أن يزيد تعزيراً إذا كان ذلك اجتهاد من إمام عادل‪.‬‬
‫المثال الرابع في المع امالت‪ :‬وهو تضـمين الصـناع‪ ،‬فالصـانع إذا ادعى‬
‫هالك المتــاع الــذي بحوزته وليست له بيّنة على ذلــك‪ ،‬كــان في عهد النــبي ×‬
‫وعهد الخلفــاء قبل علي يُصــ ّدق‪ ،‬وفي عهد علي ألــزمهم بالضــمان‪ ،‬وقــال‪ :‬ال‬
‫يصلح الناس إال ذلك‪ .‬لماذا؟ ألن الناس في عهد علي ‪ ‬اختلف حالهم عن حــال‬
‫الناس في عهد النبي × وعهد أبي بكر وعثمان فإن الــتزامهم بالصــدق وبــالحق‬
‫ــ ‪ 107‬ـ‬
‫صار أخف مما سبق فاختلف حالهم عن ذي قبل‪ ،‬ومن مثل هذا استنبط العلمــاء‬
‫قاعدة اختالف الفتـوى بسـبب فسـاد النـاس‪ ،‬كما تحـدث للنـاس أقضـية بقـدر ما‬
‫أحدثوا من أحكام ففساد الناس وفساد األحوال تتغير بموجبه الفتوى‪.‬‬
‫ومن أعجب األمثلة على ذلك‪ :‬ما رواه ابن أبي شيبة عن سعد بن عبيــدة‬
‫قال‪ :‬جاء رجل إلى عبد هللا ابن عباس { فقـال لـه‪ :‬ألمن قتل مؤمنا توبـة؟ قـال‪:‬‬
‫إلى النــار‪ ،‬فلما ذهب وانصــرف قــال له جلســاؤه‪ :‬ما هكــذا كنت تفتينا فما شــأن‬
‫اليـوم؟ قـال‪ :‬إني أحسـبه مغضـباً يريد أن يقتل مؤمنـاً فبعثـوا في أثـره فوجـدوه‬
‫كذلك‪.‬‬
‫فــاختالف الحالة لــدى المفــتي كــالطبيب يصف لكل مــريض ما يناسبـ‬
‫حاله فلو أفتى هــذا بــأن له توبة كأنهـ حرّضه على أن ينفذ ما في قــرارة نفس‪،‬‬
‫وفي رواية أنه سئل يعــني أن ســائلينـ ســأاله فســأله ســائل هل لمن قتل توبــة؟‬
‫قــال‪ :‬ال وســأله ســائل آخر في مــرة أخــرى فقــال‪ :‬نعم‪ ،‬فلما ســئل عن هــذا‬
‫االختالف في الفتوى قال‪ :‬رأيت في عيني األول أنه يقصد القتل فقمعته‪،‬ـ وأما‬
‫الثاني فكان صاحب واقعة يطلب المخرج‪.‬‬
‫هل تريـــدون مثـــاالً أوضح من هـــذا على عظم أهميةـ أن يكـــون الفقيه‬
‫متبصراً بالواقع‪ ،‬عالما ً بأحوال الناس‪ ،‬عالم ـا ً بمالبســاتـ الوقــائع الــتي تطــرأ‬
‫عليه‪ ،‬والنوازل الــتي تســتجد في مجتمعه فيجد لها الحلــول المناســبة والفتــوى‬
‫الشرعية الصحيحة المستمدة من روح الشريعة؟!‬
‫فهـــذه أربعة أمثلة تـــبين لنا منهج الســـلف أصـــحاب رســـول الله ×في‬
‫مواجهة ما يســتجد من واقعــات ونــوازل‪ ،‬فقد اســتفاد منها فقهاؤنا المالكية في‬
‫مواجهة النوازل التي تحدث بينهم‪:‬ـ ولعل ما صنف في هذا المجال في الغرب‬
‫اإلسالمي خير دليل على ذلك‪:‬‬
‫مصنفات فقه النوازل‪ :‬يقول الدكتور محمد بن شريفة‪ :‬وثمة فــرع آخر‬
‫برز فيه الفقهاء األندلســيون والمغاربة وهو النــوازل الــتي تــدعى كتبها بكتب‬
‫الفتاوى وكتب األحكام وكتب المسائل‪.‬‬
‫وقد اســـتمر األندلســـيون يؤلفـــون في هـــذا النـــوع إلى ســـقوط مملكة‬
‫غرناطة‪،‬ـ ولع ّل نوازل "ابن طركاط" هي آخر مجموع وصل إلينا من تــراث‬
‫"النوازل" األندلسي الضخم‪.‬‬
‫أما في الع دوة الس فلى أي‪ :‬الجــانب الجنــوبي من البحر فثمة تــراث‬
‫ضخم قائمة يصعب حصـرها نـذكر نـوازل سـيدي المهـدي الـوزاني ويـدعى‬
‫"المعيــار الصــغير" وما خلّفه الونشريسي الموســوم "المعيــار الكبــير" الــذي‬
‫سبقت اإلشارة إليه‪.‬‬
‫أن تمسك أهل األندلس بالمواقف المالكية وخاصة فقه‬ ‫ولعلنا نشير على ّ‬
‫النــوازل وفقه المســتخرجة أثــار العديد من المشــاكل بين الظاهريةـ والمالكية‬
‫باألنـــدلس وســـبب في تعميق الخالف والجـــدال بينهمـــا‪ ،‬ولـــذلك كـــانتـ جل‬

‫ــ ‪ 108‬ـ‬
‫اعتراضــات ابن حــزم مركــزة على أخذ المالكيةـ بــالنوازل وأخــذهم بالقيــاس‬
‫"وقد كانت الخصــومة بين ابن حــزم وفقهــاء المالكية عنيفة بالغة العنف؛ ألن‬
‫إبطــالـ القيــاس والــرأي والتقليد كــانت تعــنيـ حربا ال هــوادة فيها على فقهــاء‬
‫المالكية باألندلس يومئذ(‪.)1‬‬
‫وتعتبر نوازل عياض ونوازل عبد هللا دبوس ومسائل ابن ز ّكــون أقــدم‬
‫ما ألفه المغاربة أو ما وصل إلينا مما ألّفوه في موضوع النوازل وهي إحــدى‬
‫المجموعات المشهورة في النوازل التي ترجع إلى عهد المــرابطين‪،‬ـ وقد ذكر‬
‫األســتاذ الــدكتور محمد بن شــريفة قائمة لمصــنفات المغاربةـ في فقه النــوازل‬
‫إن ظهــور هــذه الــنزاول في عصر واحد متقــارب يــد ّل‬ ‫وختمها بتعليقـ فقــال‪ّ :‬‬
‫على حركة الفقه ورواج في عصر المــرابطين الــذي كــان عصر الفقهــاء أو‬
‫عصر "قــال مالــك" كما عبّر الشــاعر األعمى التطيلي في كافيتهـ يشــكو فيه‬
‫كساد بضاعة الشعر ونفاق سوق الفقه(‪.)2‬‬
‫القاضي عياض وفقه النوازل‬
‫أوال القاضي عياض‪ :‬كان عياض ~ تعالى مشاركا مشاركة فعالة في علوم‬
‫كثيرة كالحديث والسيرة والتفســير والتــاريخ واألدب واللغــة‪ ،‬ولــه في هــذه العلــوم‬
‫أن صفة "الفقيه" الزمته وكانت ألصق به من غيرها‪ ،‬ولذلك‬ ‫مؤلفات مذكرة‪ ،‬غير ّ‬
‫ال يذكر اسم "عياض" إ ّال مقرون بحلية "القاضي" وتجلي هذه الصــفة فيــه‬
‫على مستوى تطــبيقي وآخــر نــري‪ ،‬فقــد تقلّــد القضــاءـ اإلفتــاء‪،‬‬
‫وخلّف آثارا فقهية ليس فقه النوازل إالّ جزءا يسيرا منها ولع ّل‬
‫مــا يهمنــا في هــذا اللقــاءـ المبــارك هــو هــذا الجــانبـ من الفقــه‬
‫الموسوم بفقه النوازل أو الوقائع‪ .‬وقد صدق فيه قول الشاعر‪:‬‬
‫معالي رسائـل‬
‫وكل لنيـل ْال ِ‬ ‫إذا نزلت بالمسلمينـ النـوازل‬
‫جواب من التحقيق شاف ونائل‬ ‫سوى أنه للبحر يوجد ساحل‬
‫وهذا زمان تسمو منه األسافل‬ ‫وعاش زمانا ذكره فيه كامـل‬
‫وتتمــيز هــذه النــوازل الــتي تركها عيــاض بأ ّنها تشــتمل على أجوبة ّ‬
‫تمثل‬
‫الفتوى في الغرب اإلسالمي على عهده‪ ،‬ونجد فيها أسماء المعة لعدد من المفتين‬
‫المعروفين في الجنــاح الغــربي من العــالم اإلســالمي‪ ،‬نــذكر منهم ابن رشد وابن‬
‫(?) المناظرة في أصول التشريع اإلسالمي‪2/119 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) مــذاهب الحكــام في نــوازل األحكــام للقاضي عيــاض وولــده محمــد‪( ،‬مقدمة المحقق‬ ‫‪2‬‬

‫األستاذ الدكتور محمد بن شرفة ص‪13 :‬‬


‫ــ ‪ 109‬ـ‬
‫الحاج‪ ،‬وجل الفتاوي الموجودة في نوازل عياض ترجع لهذه القطـبين الكبـيرين‪،‬‬
‫توليه القضـاء إلى شـيخيه المـذكورين‬ ‫أن القاضي عياضا كان يرجع أثنـاء ّ‬ ‫وذلك ّ‬
‫ويكاتبهما فيما يعرض عليه من أقضية تكون محلّ اختالف بين الفقهاء المحلــيين‬
‫مستنجدا برأيهما ومهتديا بهديهما‪ ،‬وكانت فتاويهما تأتي مؤ ّكدة ألحكامه‪.‬‬
‫تقييم نوازل عي اض‪ :‬وإذا أردنا أن نقيّم هــذه النــوازل للقاضي عيــاض‬
‫فعند النظر فيها تظهر لنا قيمتان‪:‬ـ‬
‫أ ـ قيمة فقهية عرفها الفقهاء النوازلي ون األق دمون الـذين نقلـوا عنها‬
‫واســتفادوا منهــا‪،‬ـ ومن هــؤالء الونشريسي الــذي أدرج كثــيرا من فقراتها في‬
‫مجموعه الكبير "المعيار"‪.‬ـ‬
‫ب ـ القيمة الثانية تاريخية وتتلخص في قسمين‪:‬‬
‫ـ قسم يتعلّق بس بتة وبقية بالد المغ رب كــالنوازل الــتي يــرد فيها ذكر‬
‫المعــالم والخطط في المدينةـ المــذكورة كأســماء األزقة واألبــواب والمســاجد‬
‫والحمامات‪،‬ـ والمقابر واألسواق واألراحي والبساتين‪...‬وغيرـ ذلك‪.‬‬
‫ـ قسم يش مل الن وازل الدالة على الحالة الفالحية في قرى ســبتة وال سـيما‬
‫قرية بليونش التي كانت تمد سبتة بالخضر والفواكـه‪ .‬ونـذكر نمـادج من فتـواه في‬
‫النوازل‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ومن الن وازل الم ذكورة للقاضي عي اض أنّه ســئل عن مفلس قــام‬
‫بعض غرمائه بعقد يتضمن رهنه لدار سكناه قبل تفليسه وشهدت البينة بتحــويز‬
‫المديان الراهن للغريم‪ ،‬وقـال سـائر الغرمـاء‪ :‬لم يـزل الـراهن عنـده وال فارقها‬
‫وإنه اآلن ســـاكن فيهـــا‪ ،‬وأن ذلك كله تحيل إلبطـــال حقهم وشـــهد لهم جماعة‬
‫الجيران‪ ،‬ومنهم من يقول‪ :‬إن المديان المذكور لم يفارق الدار المذكورة إال حين‬
‫تفليسه‪ ،‬وكشف القاضي عن الدار فوجدها مشــغولة بأهل الــراهن‪ ،‬وأثاثه فوقف‬
‫المرتهن على ذلك فقال‪ :‬ال علم لي بشــيء من هـذا وأنا حـزت رهـني بحضـرة‬
‫بينتي‪ ،‬وأخذت المفتاح‪ ،‬وأكريتها من مكتر وأثبت عند القاضي الكراء المذكور‪،‬‬
‫وإن كان المـديان قد رجع إليها فقد افتـات علي‪ ،‬ولم أعلم به وجهالته بـذلك تبعد‬
‫من جهة النظر وصورة الحال وشهادة بعض الجيران بأن المرتهن عـالم بكـون‬
‫المــديان في الــدار المــذكورة من قولــه‪ :‬واجتماعه به فيها فهل يقــدح ذلك في‬
‫الحيازة‪.‬‬
‫فأجاب ~‪ :‬ما ذكرته فيه موهن للحيازة قــادح فيها ومــؤثر في صــحتها‬
‫وقد قال تعالى‪ :‬ﮋﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚﮊ(‪ ،)1‬فال ينبغيـ أن ينفذ الرهن إال‬
‫بالحيازة الصحيحة الــتي ال علة فيهــا‪ ،‬وقد قــال مالك في أحد أقوالــه‪ :‬إن رهن‬
‫من أحاط الدين بماله ال يجــوز ومراعــاة الخالف أصل من أصــول مالك فــإذا‬
‫حكمت بإبطالـ هذه الدار وقضيت بمحاصة جميع الغرماء فيها كنت قد أخذت‬
‫بالثقة‪،‬ـ ولم تحكم بالشك ووافقت الحق‪.‬‬
‫(?) سورة البقرة‪.283/‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 110‬ـ‬
‫‪ 2‬ـ وس ئل القاضي عي اض عن الحــديث الــذي نص عن حرمة ســفر‬
‫الث ا ً ِإَّال وََمَعهَ ا ُذو‬
‫الم ْرَأُة ثَ َ‬
‫افُر َ‬
‫«ال ُتس َ ِ‬
‫المــرأة بــدون محــرم ونص الحــديث‪َ :‬‬
‫حَرمٍ»‪ .‬والحديث له روايات كثيرة‪.‬‬
‫َم ْ‬
‫فأجـــاب ~‪ :‬اتفق العلمـــاء على أنه ليس لها أن تخـــرج في غـــير الحج‬
‫والعمرة إال مع ذي محرم‪ ،‬إال الهجـرة من دار الحـرب فـاتفقوا على أن عليها‬
‫أن تهاجر منها إلى دار اإلسالم‪ ،‬وإن لم يكن معها محرم‪...‬‬
‫وقال ~ أي‪ :‬القاضي عياض‪:‬ـ قال الباجي‪ :‬هذا عنــدي في الشــابة‪ ،‬وأما‬
‫الكبيرة غير المشتهاة فتسافر في كل األسفار بال زوج وال محرم‪.‬‬
‫وقال‪ :‬وهــذا الــذي قاله البــاجي ال يوافق عليه؛ ألن المــرأة مظنةـ الطمع‬
‫فيها‪ ،‬ومظنة الشهوة ولو كانتـ كبيرة‪ ،‬وقد قالوا‪ :‬لكل ســاقطة القطــة‪ .‬ويجتمع‬
‫في األسفار من ســفهاء النــاس‪ ،‬وســقطهم من ال يــترفع عن الفاحشة بــالعجوز‬
‫وغيرها‪ ،‬لغلبة شهوته وقلة دينه ومروءته‪ ،‬وخيانته‪ ،‬ونحو ذلك ـ وهللا أعلم ـ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ س ؤال عن الم رأة تمتع في مالها ف أراد زوجها ر ّد فعله ا‪ :‬وصــيغة‬
‫ت في دار‬ ‫السؤال الواردة‪ :‬جوابك ـ وفقك هللا ـ في امرأة أمتعت أباها سنين ُم َســ َّميا ٍ‬
‫ال تملك سواها أو هي أكثر من ثلثها‪ ،‬فقام زوجها َيرُ ُّد فعال‪ ،‬وقــال تفويتها للمنــافع‬
‫تفــويت لألصل هل له ذلك وتكــون كمســألة الوصــايا أو هي خالفها الســتحقاق‬
‫الورثة المال بموت الميت والزوج إنما استحقاقه مرتقب وهي لم تفوت أصال‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬تصفحت ســؤالك هــذا ووقفت عليــه‪ ،‬وإن كــانتـ أمتعت الــدار‬
‫الســنين الكثــيرة الــتي تســتغرق مــدة معــترك زوجها فــبيّن من فعلها أنّها إنما‬
‫قصت إلى اإلضرار به بتفويتـ الدار عليه فله ر ّد ذلك إن توفيت‪ ،‬وال كالم له‬
‫في ذلك ما دامت حية وباهلل التوفيق‪ ،‬قاله محمد بن رشد(‪.)1‬‬
‫منهج القاضي عي اض في الفت وى‪ :‬يتضح من منهجه الفقهي أنه بال‬
‫شك من أهل العلم الكبـــار في زمانه في الحـــديث والفقه‪ ،‬ومنهجه في اإلجابة‬
‫ي نازلة من النــوازل‪ :‬أنه يبــني جوابه على ما‬ ‫عن الســؤال الــوارد عليه في أ ّ‬
‫وصــله من آراء الفقهــاء الــذين ســبقوه من فقهــاء المــذاهب عامــة‪،‬ـ والفقهــاء‬
‫المالكية على وجه الخصوص‪ ،‬وإن كان في الغــالب يقتصر على آراء اإلمــام‬
‫مالك‪ ،‬والفقهاء المالكية‪ ،‬وفي ك ّل هذا يســلكه مســلك العــرض والتوجيــه‪ ،‬دون‬
‫تعقيب عليها أو مناقشتها‪ ،‬ولعله في تلك الحالة يكون قد ارتضاها‪.‬‬
‫أن أئمتناـ وأســالفنا ‪ ‬كــانوا‬
‫ولعلنا نشير هاهناـ إلى أنّه مما يلزم ذكره ّ‬
‫يعالجون القضايا التي احتاجت إليها عصورهم‪ ،‬وفق أصول مذاهبهم فقضــية‬
‫اإلمــام الشــافعي‪ ،‬تختلف عن قضــية اإلمــام أحمد بن حنبــل‪ ،‬وقضــية اإلمــام‬

‫(?) مــذاهب الحكــام في نــوازل األحكــام للقاضي عيــاض وولــده محمــد‪( ،‬مقدمة المحقق‬ ‫‪1‬‬

‫األستاذ الدكتور محمد بن شرفة ص‪221 :‬‬


‫ــ ‪ 111‬ـ‬
‫الباجي تختلف عن قضية اإلمــام ابن تيميــة‪،‬ـ وإن كــانتـ كلها تجتمع في إطــار‬
‫واحد‪ ،‬أما نحن فقد وقفنا عند قضــــايا المتقــــدمين‪ ،‬ولم نهتم االهتمــــام الالزم‬
‫بقضايا عصــرنا الــتي تحيط بنا من كل مكــان‪ ،‬فعصــرنا الــذي نعيش فيه وإن‬
‫كانت قضاياه تشارك بعض قضايا هؤالء األئمة في بعض المســائلـ إال أنّه قد‬
‫استجدت فيه مسائل وأحــوال كثــيرة تحتــاج إلى اجتهــادات جديــدة ومعالجــات‬
‫علمية مستفيضة ينهضـ بها علماء األمة ومجتهدوها‪.‬‬
‫وإذا قلت‪ :‬إن في مجال الدراسات الفقهية فهناك قصــور بيّن في دراسة‬
‫فقه النوازل‪ ،‬مثل‪( :‬المعامالتـ الماليةـ المصرفية بتعقيداتهاـ الكثــيرة‪ ،‬التــأمين‪،‬ـ‬
‫العالقات الدولية‪ ..‬ونحوها)‪ .‬وإن كانت هناك إسهاماتـ محمــودة مشــكورة في‬
‫هذا الميدان‪ ،‬لكنها ال زالت قليلة وتحتاج جهداً أكبر‪ ...‬وقد أشرت إلى ذلك في‬
‫مقال نشرت بمجلة المخبر التابعة لمعهد أصــول الــدين بجامعةـ الجزائر تحت‬
‫عنوان "الفقه اإلسالمي وقضايا العصر"‪.‬‬
‫مستجدات ووقائع تنتظر الفتوى‪ :‬ولعلّه من دواعي الفضــول إذا ذكرنا‬
‫أ ّن مشـــكالت األمة اإلســـالمية مشـــكالت كثـــيرة‪ ،‬متعـــددة األلــوان متعـــددة‬
‫االتجاهات‪ ،‬معقدة تعقيداً كبيرا‪ ،‬وتحتاج إلى دراسات علميةـ جادة ناضجة تنفذ‬
‫إلى العمق‪ ،‬وترسم السبيل األمثل لوعي األمة وعزتها‪.‬‬
‫وقد اســـتجدت أمـــور كثـــيرة وخاصـــةً في النـــواحي المالية والطبيـــة‪،‬ـ‬
‫والتــأمينـ ـــ بشــقيه التــأمين على الحيــاة والتــأمينـ عن العمل والســيارات ـــ‬
‫والقضاء‪ ،‬وقد تكون بعض النوازل مما عمت به البلـوى واحتـاج إليه النـاس‪،‬‬
‫وبعضها بسبب تساهلهم في الحرام وتقليدهم لغير المسلمين‪ ،‬وقد قال عمر بن‬
‫عبد العزيز ~‪ :‬تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور‪.‬‬
‫مواص فات الفقيه المف تي‪ :‬وأمام هــــذا الوضع فــــإن أهل العلم والفقه‬
‫واالجتهاد من علمائنا على مختلف مستوياتهم ودرجاتهم مطــالبون بــأن يواجهــوا‬
‫النـــوازل الـــتي وقعت بنا‪ ،‬والواقعـــات الـــتي اســـتجدت علينـــا‪ ،‬وما أكثرها وما‬
‫أخطرها‪ ،‬فعليهم أن يواجهوا هــذه النــوازل بعقلية ناضــجة كعقلية الســلف‪ ،‬عقلية‬
‫الصــحابة رضــوان هللا عليهم أجمعين‪ ،‬عقلية واعية عميقة تتقي هللا‪ ،‬فــإن من‬
‫أعظم ما يواجه به هذا المقام أن يـبين العلمـاء الحكم الشـرعي ال يخـافون في هللا‬
‫لومة الئم‪ ،‬والحمد هلل أنه ال تــزال في مجتمعنا بقية من علمــاء يقولــون الحق وال‬
‫يخافون لومة الئم‪ ،‬نسأل هللا أن يثيبهم ويجزيهم عنا خير الجزاء‪.‬‬
‫ولعلّه من المفيد في هــــذا المجــــال أن نــــذكر ما قاله ابن رشد ~‪ :‬من‬
‫المسائل المسكوت عنها التي شهر الخالف فيها بين فقهاء األمصار‪ ،‬فإن معرفة‬
‫هــذين الصــنفين من المســائل هي الــتي تجــري للمجتهد مجــرى األصــول في‬
‫المسكوت عنها‪ ،‬وفي النوازل التي لم يشــتهر الخالف فيها بين فقهـاء األمصــار‬
‫ــ ‪ 112‬ـ‬
‫سواء نقل فيها مذهب عن واحد منهم أو لم ينقل‪ ،‬ويشبه أن يكون من تدرب في‬
‫هذه المسائل وفهم أصول األسباب التي أوجبت خالف الفقهــاء فيها أن يقــول ما‬
‫يجب في نازلة من النوازل‪ ،‬أعني أن يكــون الجــواب فيها على مــذهب فقيه من‬
‫فقهاء األمصار‪ ،‬أعني في المسألة الواحدة بعينها‪ ،‬ويعلم حيث خــالف ذلك الفقيه‬
‫أصله وحيث لم يخالف‪ ،‬وذلك إذا نقل عنه في ذلك فتوى‪.)1(...‬‬
‫وعليه أن يركز على قوله تعالى‪:‬ـ ﮋﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙﮊ(‪ )2‬ليعلم يقيناـ‬
‫أن القول على هللا يتضــمن القــول عليه في أحكامــه‪ ،‬ومن قــال عليه ما ال يعلم‬ ‫ّ‬
‫بأنه حلَّل‪ ،‬أو حـــــرَّم‪ ،‬أو أوجب‪ ،‬فقد قـــــال على هللا بال علم‪ ،‬ومن فوائد اآلية‬
‫اآلنفة الذكر‪ :‬تحريم اإلفتاء بال علم؛ وعلى هذا يجب على المفــتي أن يتقيـ هللا‬
‫‪ ،‬وأال يتسرع في اإلفتاء؛ ألن األمر خطير‪..‬‬
‫فأما إذا لم ينقل إليه في تلك الفتوى أو لم يبلغ ذلك الناظر في هذه األصول‬
‫فيمكنه أن يـأتي بـالجواب بحسب أصـول الفقه الـذي يفـتي على مذهبـه‪ ،‬وبحسب‬
‫الحق الذي يؤديه إليه اجتهاده‪ ،‬وقد ذكرت كثيرا من الوقائع استجدت ووجـدت لها‬
‫ما يقابلها في مــذهبنا المــالكي في كتابنا الموســوم بـــ"المبسط في الفقه المــالكي‬
‫باألدلــة"‪ ،‬التمســتها من موســوعات ســلفنا الجامعــة ألصــول مــذهبنا ومســائله‬
‫المشهورة التي تجري في مذهبنا مجرى األصول للتفريع عليهــا‪ ،‬وهــذا هو الــذي‬
‫عمله ابن القاسم في المدونـة‪ ،‬فـإن جــاوب فيما لم يكن عنــده فيها قـول مالك على‬
‫قياس ما كان عنده في ذلك الجنس من مسـائل مالك الـتي هي فيها جارية مجـرى‬
‫األصول لما جبل عليه الناس من االتباع والتقليد في األحكام والفتـوى‪ ،‬بيد البد أن‬
‫نذكر في قـوة في كل ذلك ليبلغ المفــتي رتبة االجتهــاد فعليه أن يكـون على دراية‬
‫واسعة في علم اللغة العربية (لغة ونحوا وصرفا) فقد رأيت وسمعت من كثير من‬
‫البـاحثين في هـذا الميـدان يتسـاهلون في قضـايا اللغـة‪...‬وعلم من أصـول الفقه ما‬
‫يكفيه في ذلك‪ ،‬ونحن نعلم يقينا على المتخصص في علم األصـــــول أن يكـــــون‬
‫ضليعا في البحوث اللغويـة‪ ،‬ودونكم ما كتبه العلمـاء في أصـول الفقيه تجـدون أن‬
‫سلفنا الصالح ـ رحمهم هللا ـ يعقدون فصوال للنحو العربي واألساليب العربية‪ ،‬كما‬
‫أنبه السالك في هذا الميدان أن يكون على معرفة دقيقة بالناسخ والمنسوخ‪ ،‬وأن ال‬
‫يكون همه التفلسف والتحذلق والتعالم‪...‬وهللا أعلم بسرائر الناس والهادي إلى سواء‬
‫السبيل‪.‬‬
‫وعليه فــإن العــالم أو المفــتي الــذي ال يتقي هللا تعــالى في بيــانـ الحكم‪،‬‬
‫وينــافق العلمــاء‪ ،‬ال يصــلح لالجتهــاد‪ ،‬وهو والجاهل ســواء؛ ألنه أخطر من‬
‫الجاهل‪ ،‬العالم يقتدى به فإذا لم يتق هللا تعالى في بيان حكم الشرع يورد األمة‬
‫أن هناك علماء ال يبيّنون األحكــام على‬ ‫موارد الهالك‪ ،‬ولم أقل فندا إذا ذكرت ّ‬
‫ّ‬
‫وجهها الصـــحيح‪ ،‬ومن أعجب األمثلة على ذلك ُمْفتٍ أحـــل التعامل الربـــوي‬
‫(?) بداية المجتهد ونهاية المقتصد البن رشد‪2/315 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة البقرة‪.80/‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 113‬ـ‬
‫وهو مما حرّمه هللا تعالى بنصــوص قطعيــة‪ ،‬إرضــاء لبعض المــرابين الــذين‬
‫أجزلوا له العطاء ـ حسب ما قيل لي ـ فباع دينه بدنياـ ال تسوي عند هللا تعــالى‬
‫جنــاح بعوضــة‪ ،‬وقد رد عليه الشــيخ محمد بــاي بلعــالم ~ تعــالى في كتابهـ‬
‫الموسوم "السيف القاطع والرد الرادع لمن أجاز في القروض المنــافع"‪ ،‬وفي‬
‫بلد مســـلم آخر أفـــتى بعضـــهم بإباحة الربا إذا مارســـته الدولة وتحريمه إذا‬
‫أي حد يصل النفــاق والمداهنــة‪ ،‬فســأل ســائل‬ ‫مارسه أفراد الشعب‪ ،‬انظر إلى ّ‬
‫أيعد هــذا فقيهــا؟ نعم‪ ،‬يعد فقيها ولكن هــذا النــوع من الفقهــاء له ســلف‪ ،‬ذلك‬
‫المنافق الذي رأى حمام ـا ً يلعب به أحد الخلف ـاء فكــذب على رســول هللا × في‬
‫ق ِإاَّل فِي‬
‫س بَ َ‬
‫الحديث الصحيح مروي عن أبي هريــرة عن النــبي × قــال‪َ« :‬ال َ‬
‫ص ٍل»(‪ ،)1‬فزاد ((أو جناح هذا مثل ذاك))‪ ،‬فأمثــال هــؤالء‬ ‫ُخفٍّ َأ ْو فِي َحافِ ٍر َأ ْو نَ ْ‬
‫موجودون نسأل هللا ‪ ‬أن يكفيناـ شرهم‪.‬‬
‫وهنا قد وصل بنا البحث إلى أننا مطــالبون بإيجــاد حلــول لكثــير من‬
‫المستجدات والنوازل والوقائع التي تحدث حتى نجعل الفقه يواكب سير الحياة‬
‫ولم يكن غائباـ عنها فــإني أقــترح منهجا لإلفتــاء عــثرت عليه أثنــاء مطالعــاتيـ‬
‫ألحد علمــاء موريطانيا ووجدته يســتجيب لــروح عصــرنا‪ ،‬وهــذا المنهج في‬
‫الحقيقة هو عبارة عن مقارنة بين أدلة االجتهاد األصــولية وما يقابلها من أدلة‬
‫التخريج مفاده‪:‬‬
‫أ ـ اإلجماع جريا على منوال أبي حامد الغـزالي في المستصـفى‪ ،‬الـذي‬
‫أن اإلجماع يقابله من أدلة التخريج اتفاق علماء المذهب‪ ،‬وكان الغــزالي‬ ‫يرى ّ‬
‫ولوعا بهذه المقابلة‪،‬ـ ويدرك هذا من قرأ المستصــفى قــراءة بــاحث مــدقق من‬
‫أو ّل الكتـــاب إلى آخـــره‪ ،‬بين ســـطور ومســـتنطقا الكلمـــات‪،‬ـ وعارفا بداللة‬
‫المصــطلحات المســتعملة في هــذا الكتــاب القيّم‪ ،‬وإن كــان مفعما باألســاليبـ‬
‫المنطقيةـ التي هي هانة في جنب حجة الغزالي ~ تعالى‪.‬‬
‫ب ـ ق ول الص حابي يقابله قول عــالم المــذهب‪ ،‬وهنا يجب أن ننبه إلى‬
‫أقوال علماء المذهب ال تتعارضـ مع أقوال الصحابة لكون هــذه األخــير أصل‬
‫من أصول المذهب‪.‬‬
‫ج ـ أما الق رآن فليس من الالئق أن نبحث له عن مقابلـ لقوله تعــالى‪:‬‬
‫ﮋﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠﮊ(‪ ،)2‬وقوله تعالى‪:‬ـ‬
‫ﮋﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮊ(‪ ،)3‬والقــرآن هو عند جميع األئمة كلّي‬
‫الشريعة وعمدة الملة وينبوع الحكمة‪ ،‬وهو الدليل األول عندهم‪.‬‬
‫) التمهيد البن عبد البر‪14/93 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة فصلت‪ 41/‬ـ ‪.42‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة هود‪.1/‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 114‬ـ‬
‫د ـ أما الس نة فنقابلها بألفــاظـ األئمــة‪ ،‬ونطبق عليها المبــاحث المعروفة‬
‫فـــالقول المرجـــوع عنه يعتـــبرـ منســـوخا‪ .‬والـــتيقن على أن الســـنة في جميع‬
‫المذاهب اتفاق على حجيتها‪،‬ـ وقد وجه اإلمــام الشــافعي إلى المعترضــين على‬
‫حجيتهاـ أقوى السهام في الرسالة وفي األم‪...‬‬
‫ويتطلبـ مـــني توضـــيح أي‪ :‬يجب مراعــاة قضــية الخالف المشــهور‬
‫والتعرض للمرجحات ـ كعلو الســند والتــواتر ــ والقواعد األصــولية والعمــوم‬
‫والخصوص واإلجمال والبيان‪...‬وغيرـ ذلك‪.‬‬
‫هـ ـ القياس ولنا كثير من أقوال أئمتنا ملتمسة من الكتابـ والســنة جــاز‬
‫لنا القياس عليها طبقا لقواعد القياس المبينة‪ ،‬ولعل ما ذكره ابن تيمية في حــ ّ‬
‫ق‬
‫مالك ‪ ‬خــير دليل إذ قــال حجة اإلســالم ~ ولمالك بن أنس ‪ ‬نظر ثــاقب في‬
‫كثير من القضايا كثيرا ما تغيب عنا‪.‬‬
‫و ـ المص الح المرس لة‪ :‬ويقابلها المصــالح الــتي ســكت عنها رجــال‬
‫المــذهب‪ ،‬وبــذلك نحقق للفقه وجــوده في حيــاة النــاس‪ ،‬واحترامه في عقــول‬
‫المسلمين‪ ،‬ونكون قد برهنا أن األحكــام تتجــدد بتجــدد األعــراف‪ ،‬وأن فتــاوى‬
‫القديمة فإنّها تفيد المفــــتي في إنــــارة الطريق له وال ينبغيـ أن تطبــــق حرفيا‬
‫ال على المصادر االجتهادية‪.‬‬ ‫وخاصة إذا كانت هذه الفتاوي ال تستند إ ّ‬
‫ويجب أن نفرق بين دائرتين (دائرة النص‪ ،‬ودائرة االجتهاد)‪:‬ـ‬
‫ي مـؤمن أن‬ ‫ي مســلم‪ ،‬وال أل ّ‬ ‫أ ـ دائ رة النص المحكم‪ :‬هـذه ال يجــوز أل ّ‬
‫يتعد حدودها‪ ،‬وهي تشمل ك ّل ما علم من الدين بالضرورة‪ ،‬غــير أنها مع ذلك‬
‫تحتـــاج إلى تحديد دقيق ونرجو من علمائنا أن يبـــذلوا كـــ ّل جهد في رســـمها‬
‫وتبيين معالمها تبييناـ واضحا للجميع‪.‬‬
‫ب ـ أما دائ رة االجته اد‪ :‬فـــنرجو من علمائناـ أن ال يجعلوها ضـــيقة‬
‫مغلقة‪ ،‬وأن يراعوا تسامح الشريعة‪ ،‬وأن يــذكروا ما رواه مالك بن الحــويرث‬
‫‪ ‬قــال‪ :‬أتيتـ النــبي × في نفر من قــومي فأقمنا عنــده عشــرين ليلة وكــان‬
‫ار ِجُعوا َفُكونُ وا ِفيهِْم َوعَِّل ُم ُوُهم‬
‫رحيما رقيقا فلما رأى شوقنا إلى أهلنا قال‪ْ « :‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ح ُدُكمْ وَْل َي ؤَُّمُكمْ أَْكبَ ُرُكمْ» ‪ .‬وذلك‬‫ت الصَّلاَةُ َفْلُيؤَِّذنْ َلكُْم َأ َ‬
‫ضَر ِ‬
‫ح َ‬
‫صُّلوا َفِإَذا َ‬
‫وَ َ‬
‫حين علم رسول هللا × أنهم قد تضايقوا من المقام بالمدينةـ فنــالوا منه كل رفق‬ ‫ّ‬
‫وحنان‪ ،‬فأمرهم أن يعودوا إلى ذويهم‪ ،‬وأن يصلوا مثلما رأوه يصلي‪.‬‬
‫وبهــذا توجيه فعلى علمائناـ أن يراعــوا مصــلحة المســلمين اليــوم من‬
‫الوحدة والقــوة‪ ،‬والسياسة الشــرعية ســواء كــانت اقتصــادية أو اجتماعيةـ لكي‬
‫ينتصروا على أنفسهم باالعتزاز بالنفسـ واالحتكام إلى دينهم ولكي ينتصــروا‬
‫على عدوهم بالعلم بك ّل معانيه‪ ،‬وبالعمل في ك ّل مظاهره‪.‬‬

‫(?) رواه البخاري في الصحيح عن معلى بن أسد‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 115‬ـ‬
‫وأختم مـداخلتي بهـذا القـول المسـند لإلمـام مالك ‪ ‬قـال‪(( :‬أدركت أهل‬
‫هذا البلد وما عندهم علم غير الكتابـ والسنة فإذا نزلت نازلة جمع لها األمــير‬
‫من حضر من العلمـــاء فما اتفقـــوا عليه من شـــيء أنفـــذه وأنتم تكـــثرون من‬
‫المسائل وقد كره رسول هللا × المسائل وعابها))(‪.)1‬‬
‫وأخــيرا إن وفقت ما انتــدبتـ إليه وألــزمت نفسي بالقيــام به فــذاك من‬
‫فضل هللا تعالى‪ ،‬وإن جانبنيـ الصواب فأستغفره وأتوب إليه‪ ،‬إنّه تواب غفــور‬
‫رحيم والسالم عليكم ورحمة هللا تعالى وبركاته وشكرا‪.‬‬

‫(?) االستذكار الجامع لمذاهب فقهاء األمصار‪10/29 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 116‬ـ‬
‫ابن جزي الغرناطي ونوازل عصره‬
‫‪ ‬أ‪/‬محمد عمارة‬
‫باحث‪ ،‬كلية العلوم اإلسالمية‪ ،‬جامعة الجزائر‬
‫تمهيـــد‬
‫تعتبر مملكة غرناطةـ(‪ )1‬من آخر قالع المسلمين في األندلس‪ ،‬وبالرغم‬
‫من الصراعات والحروب والغـزوات فقد شهدت حركة علميـة وإثراء‬
‫للثقافـة والفنون والتأليفـ وقد نبغ مجموعة من العلمـاء في عدة ميادين‬
‫وازدهرت الحركة العلمية بالمغرب واألندلــس عمومـا ومملكـة غرناطــةـ‬
‫خصوصــا وفي هذا المضمار نتعرف على ابن جزي ومكانته العلمية‪،‬‬
‫ونوازل عصره التي طرحت عليه وعلى معاصريه من داخل وخارج‬
‫غرناطة‪.‬ـ‬
‫ظهر ابن جزي بغرناطة األندلس في القرن الثامن الهجري‪ ،‬واشتهر في‬
‫عصره وذاع صيته بالغرب اإلسالمي‪ ،‬وعرف بمصنفاته العديدة وخاصة كتابه‬
‫القوانين الفقهية الذي صنف في معلمة الفقه المالكي‪ ،‬حيث أبدع في تقسيمه وترتيبه‬
‫وتقريبه للدارسين‪ ،‬ونبغ في الخطابة‪ ،‬والتدريس‪ ،‬واإلفتاء حتى وصلت فتاويه إلى‬
‫أقطار المغرب اإلسالمي‪ ،‬قال عنه المقري (صاحب نفح الطيب)‪(( :‬أحد المفتين‬
‫بغرناطة عالم األندلس الطائرة فتياه منها إلى طرابلس))(‪ ،) 2‬ونقل عنه الونشريسي‬
‫في معياره مسائل ونوازل فقهية طرحت في عصره داخل وخارج غرناطة منها‬

‫(?) غرناطة‪ :‬مدينة أندلسية أصبحت فيما بعد مملكة وهي آخر قالع المسلمين ويرجع‬ ‫‪1‬‬

‫اسمها إلى عهد الرومان وهو مشتق من الكلمة الرومانية (‪ )G RANATA‬ومعناها‬


‫الرمانة وسميت بذلك لجمالها‪ ،‬تقع جنوب األندلس في واد عميق‪ ،‬يمتد من المنحدر‬
‫الشمالي الغربي لجبال سييرا مفاد (ويطلق عليه العرب اسم جبل الثلج)‪ ،‬ويمتدـ إلى‬
‫ساحل البحر من المرية بالمغرب إلى جبل طارق باألندلس‪ ،‬وتظللها اآلكام العالية من‬
‫الشرق والجنوب‪ ،‬ويحدها من الجنوب نهر شنيل فرع الوادي الكبير‪ ،‬وتشرف من‬
‫الجنوب الغربي على بسيط شاسع أخضر‪ ،‬واف الخصب وهو المرج الكبير الذي يمتد‬
‫غربا إلى مدينة لوشة‪ ،‬وغرناطة أيام كانت في عزها تعتبر جنة من جنات الدنيا حيث‬
‫تغص بها البساتين اليانعة وبها القصور الشاسعة‪ ،‬ومازالت لحد اليوم آثارها شاهدة على‬
‫ذلك منها قصر الحمراء تحفة غرناطة واألندلس وشاهد على حضارة المسلمين آنذاك‬
‫والذي هو قبلة للزوار والسياح وهواة الرحلة واالغتراب‪ .‬انظر‪ :‬اإلحاطة في أخبار غر‬
‫ناطة ـ لسان الدين بن الخطيب‪ ،‬تح‪ :‬عبد هللا عنان‪ ،‬ط‪1393 2‬هـ‪1973 /‬م‪ ،‬مكتبة‬
‫الخانجي‪ ،‬مصر‪ ،1/91 ،‬ومعجم البلدان‪ ،‬ياقوت الحموي‪ ،‬ط ‪ 1376‬هـ‪ 1957/‬م‪ ،‬دار‬
‫بيروت للطباعة والنشر ‪ ،4/195‬والقلقشندي‪ ،‬صبحي األعشى في صناعة اإلنشا ‪ ،‬نسخة‬
‫مصورة عن الطبعة األميرية‪ ،‬وزارة الثقافة‪ ،‬مصر‪ ،5/213 ،‬والشريف اإلدريس‪ ،‬نزهة‬
‫المشتاق‪ ،‬تح إسماعيل العربي‪ ،‬ط ‪1983‬م‪ ،‬الجزائر ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬ص‬
‫‪.297‬‬
‫(?) انظر‪ :‬نفح الطيب‪ ،‬المقري‪5/526 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 117‬ـ‬
‫مسألة (أجرة الشاهدين عند الموثق)‪ ،‬ومسألة (استغالل عقارات الزوجة من قبل‬
‫زوجها)(‪ ) 1‬وغيرها من النوازل التي سنتناولها في موضوع المداخلة‪.‬‬
‫أوال ـ شخصية ابـن جـزي‬
‫يعد ابن جزي شخصية علمية بارزة لها دور فعّال في الحياة الفكرية‬
‫واالجتماعية في القرن الثامن الهجري في األندلس عموما وغرناطة موطنه‬
‫األصلي خصوصا ويعتبر من رواد المذهب المالكي بروزا‪ ،‬وتذكره‬
‫المصادر(‪ )2‬في موضع االهتمام والتقدير واالعتزاز وتضعه في صف‬
‫األعالم الذين برزوا خالل القرن الثامن الهجري بمملكة غرناطة باألندلس‬
‫قبل سقوطها بقرن من الزمن(‪ ،)3‬ولقد ترك ابن جزي آثارا متجسدة في‬
‫تالميذه واصلوا مسيرة دربه وسـاروا على خطاه وأنتجوا كتباـ ومؤلفـات في‬
‫عدة ميادين‪،‬ـ وآثارا أخرى تركهـا ابن جزي تتمثل في مؤلفاته العلمية في عدة‬
‫ميادين وخاصة الفقه المالكي‪..‬‬
‫اسمه وكنيته‪ :‬هو محمد بن أحمد بن محمد بن عبد هللا بن يحي بن عبد‬
‫الرحمـان بن يوسـف بن سعيـد بن جـزي‪ ،‬يكنى بأبي القاسـم(‪ ،)4‬الشهير بابنـ‬
‫(‪)5‬‬
‫جزي‪ ،‬وعرف كذلك بالكلبيـ نسبةـ إلى قبيلة كلب بن وبرة العربيةـ‬
‫الغرناطي نسبة إلى غرناطة(‪ )6‬موطنه الذي ولد فيه ونشأ‪،‬‬
‫مولده ونشأته‪ :‬ولد ابن جزي بغرناطة في اليوم التاسع عشر من ربيع‬
‫األول عام ثالثةـ وتسعين وستمائة هجرية (‪ 19/03/693‬هـ)‪ ،‬الموافق للسابع‬
‫عشر من شهر فيفري عام أربعة وتسعين ومائتين وألف ميالديةـ (‪17/02/129‬‬
‫(?) المعيار ‪ 26 /3‬ـ ‪ 27‬ـ ‪ 10/210‬ـ ‪.211‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر مصادر ترجمته‪ :‬نيل االبتهاج ـ بابا التنبكتي ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت‪ ،‬ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،238‬والدرر الكامنة ـ ابن حجر العسقالني ـ تح ‪ :‬سيد جاد الحق ـ دار الكتب الحديثة‪3 ،‬‬
‫‪ ،/446‬والديباج ـ ابن فرحون ـ ص ‪ ،295‬ونفح الطيب ـ ‪ ،5/514‬وشجرة النور ـ مخلوف‬
‫‪ ،213 /1‬والكتيبةـ الكامنة ـ ابن الخطيب ـ ‪ ،46‬وطبقات المفسرين ـ الدوادي ـ ـ دار‬
‫الكتب العلمية ـ بيروت‪ ،85/ 2 ،‬وفهرس الفهارس واإلثبات ـ الكتاني ـ تح‪ :‬إحسان عباس‬
‫ـ دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ 2‬ـ ‪1982‬م‪ ،1/306 ،‬وألف سنة من الوفيات (ثالث‬
‫كتب في كتاب ـ شرف الطالب البن قنفذ ـ الوفيات للونشريسي‪ ،‬لقط الفوائد البن‬
‫القاضي) ـ تح‪ :‬محمد حجي ـ دار المغرب ـ الرباط ـ ‪1976‬م ص ‪ ،192‬وغاية النهاية‬
‫في طبقات القراء ـ ابن الجزري ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت‪ ،2/83 ،‬االحاطة لابن‬
‫الخطيب‪ ،‬مكتبة الخانجي‪ ،‬ط‪ 1‬ـ ‪1975‬م ‪ 3/20‬ـ ‪ ،23‬والفكر السامي للحجوي ‪.2/240‬‬
‫(?) انظر‪ :‬مصرع غرناطة‪ ،‬شوقي أبو خليل‪ ،‬دار الفكر تصوير ‪1985‬م عن ط ‪ 02‬ـ‬ ‫‪3‬‬

‫‪1981‬م‪ ،‬وكذلك سقوط غرناطة‪ ،‬للمستشرق واشنطن أرفنج‪ ،‬ترجمة إسماعيل العربي‪،‬‬
‫المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬ط‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫(?) انظر ترجمته في المصادر السابقة الذكر (هامش ‪.)4‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) انظر‪ :‬جمهرة أنساب العرب ـ ابن حزم ـ تح‪ :‬عبد السالم هارون (دار المعارف‬ ‫‪5‬‬

‫مصر ‪ 1962‬م)‪ ،‬ص ‪ ،454‬وتاريخ ابن خلدون (ط‪ ،‬البيان)‪2/247 .‬‬


‫(?) غرناطة سبق التعريف بها (هامش ‪.)1‬‬ ‫‪6‬‬

‫ــ ‪ 118‬ـ‬
‫‪4‬م)(‪ ،)1‬نشأ ابن جزي وترعرع في غرناطة في بيتـ ذي حسب ونسب‪،‬‬
‫وأسرة مشهورة بالعلم واألصالة والنباهة‪،‬ـ فقد كان جده يحي بن عبد الرحمان‬
‫بن يوسف صاحب ملك ورئاسة(‪.)2‬‬
‫وبيتهم مشهور بالمغرب واألندلس‪ ،‬وأسرته أصيلة صاحبة مجد وعلم‪ ،‬فقد‬
‫أنجبت العلماء والقضاة‪ ،‬وأصحاب الملك والرئاسة‪ ،‬وابن جزي إحدى ثمراتها‪ ،‬فال‬
‫شـك أن الذي تربى ونشأ في أحضان أسرة تمتاز بهذه الخصائص يرث بعضها ؛‬
‫ألن البيئة األسرية والعوامل الوراثية لها دور هام في تكوين الشخصية من علم‬
‫وفطنة‪ ،‬وذكاء‪ ،‬وغيرها من الملكـات المميزة في حياة عالم كابن جـزي الذي نشأ‬
‫وشب حتى اكتملت قدراته العقلية‪ ،‬وأصبح أهـال لتلقي العلـم على أعالم عصره‬
‫الذين أخذ عنهم وتتلمـذ على مشاهيرهم كما كان يزاحمهم ويالزمهم‪ ،‬حيث تربى‬
‫ابن جزي منذ نعومة أظافره على األخالق الحميدة من ورع وتقوى ومروءة‪،‬‬
‫وزهد‪ ،‬وتصوف‪.‬‬
‫قــال عـــنـه تـلـمـيـذه الحـضـرمـي(‪(( : )3‬كـان رجـال ذا مـــــــــــروءة‬
‫كـامــــــلــــــة‪،‬‬
‫(?) انظر المصادر السابقة الذكر التي ترجمته له (هامش ‪.)4‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر‪ :‬نفح الطيب ـ المقري ـ ‪ ،7/282 ،5/514‬وشجرة النور ـ مخلوف ـ ‪،1/231‬‬ ‫‪2‬‬

‫والكتيبة الكامنة ـ ابن الخطيب ـ ص ‪ ،46‬والديباج ـ ابن فرحون ـ ص ‪ ،295‬وتاريخ قضاة‬


‫األندلس ـ النباهي ـ تح‪ :‬لجنة التراث العربي ـ دار اآلفاق الجديدة بيروت ـ ‪1400‬هـ ‪/‬‬
‫‪1980‬م‪ ،‬ص ‪177‬‬
‫(?) أحد تالميذـ ابن جزي والحضرمي (صاحب الفهرسة) ورجح الكتاني في كتابة‬ ‫‪3‬‬

‫فهرس الفارس أن اسمه (أبو عبد هللا الحضرمي صاحب الفهرسة والذي ينقل عليه‬
‫صاحب نيل اإلبهاج)‪ ،‬انظر‪ :‬فهرس الفهارس ‪ ،350 /1‬ونيل االبتهاج ص‪ ،238 :‬حيث‬
‫قال‪(( :‬قال‪ :‬الحضرمي في فهرسته شيخنا الفقية …)) يقصد ابن جزي (النيل ص ‪،)238‬‬
‫وقال الكتاني في معرض ترجمه البن جزي‪ (( :‬وقال عنه تلميذه الحضرمي في فهرسته‬
‫…)) فهرس الفهارس ـ الكتاني ـ ‪ ، 1/306‬وقد استبعدـ الكتاني أن يكون الحضرمي هو‬
‫(أبو محمد عبد المهيمنـ رئيس الكتابة بالحضرة السلطانية المولود سنة ‪ 677‬هـ‪،‬‬
‫والمتوفي سنة ‪ 747‬هـ)‪ ،‬انظر‪ :‬ترجمته في فهرس الفهارس ‪ ،404 ،348 /1‬وكتاب‬
‫الوفيات البن القاضي القسنطيني ص ‪ ،352‬وشجرة النور ‪ 1/220‬ـ ‪ ،221‬ونفح الطيب‪5 ،‬‬
‫‪( 464 ،/240‬وهو أحد أشياخ لسان الدين ا بن الخطيب كما ذكر المقري في نفح الطيب ‪5‬‬
‫‪ /464‬ـ ‪ ،465‬والذي رجحه الكتاني ما ذكرناه سابقا ؛ ولكن لم يترجم له لعدم وقوفه على‬
‫مصادر ترجمته حيث قال‪(( :‬ولم أقف على فهرسته المذكورة وال على شيء من ترجمته‬
‫اآلن‪ ،‬وال أحفظ له اتصاال)) ولكن على الزبيري جعل الحضرمي (أبو محمد عبد‬
‫المهيمنـ صاحب القلم األعلى بفاس) هو تلميذـ ابن جزي وهو يكبر ابن جزي وجعل هذا‬
‫التتلمذـ من رواية األكابر عن األصاغر‪ ،‬انظر‪ :‬ابن جزي ومنهجه في التفسير ـ ‪1/212‬‬
‫وعبد الحق بن عطية المولود ‪ 709‬هـ وتوفي سنة ‪ 770‬هـ‪ ،‬انظر‪ :‬اإلحاطة ‪ ،3/561‬وقد‬
‫ذكره كذلك الزبيري من تالميذـ ابن جزي‪ ،‬المصدر نفسه ‪ ،1/209‬وكذلك جعل من‬
‫تالميذه (سعيد ابن محمد ابن إبراهيم الغساني) المصدر نفسه ‪ ،1/213‬وصاحب شجرة‬
‫النور ذكر أن له تالميذ غير ما ذكرناهم ولم يذكر أسماءهم واكتفى بقوله (وغيرهم)‪،‬‬
‫انظر‪ :‬شجرة النور‪1/213‬‬
‫ــ ‪ 119‬ـ‬
‫حــافــظــا مـتـفـنـنـاـ ذا أخلـاق فاـضـلـة‪ ،‬وديانـةـ وعـفـة وطـهـارة وشهرته‬
‫دينا وعلما أغنت عن التعريف به))(‪.)1‬‬
‫(‪) 2‬‬
‫وكان لطيف المعشر طيب المجالسة والمخالطة‪ ،‬وصفه ابن الخطيب‬
‫(‪) 3‬‬
‫حيث قال‪(( :‬حسن المجلس‪ ،‬ممتع المحاضرة‪ ،‬قريب الغور‪ ،‬صحيح الباطن)) ‪.‬‬
‫ووصف بأنهـ من أهل الفضل والجاه‪ ،‬قال الحضرمي ((الحسيب الماجد‬
‫المثيل الصدر المعظم الفاضل))(‪.)4‬‬
‫ووصف أيضا بأنهـ من أهل األصالة والعدالة والمنـزلة الرفيعة قال‬
‫عنه صاحب شجرة النور الزكية‪(( :‬أبو القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي‬
‫الغرناطي من ذوي األصالة والوجاهة والنباهةـ والعدالة))(‪.)5‬‬
‫تحصيله العلمي‬
‫تتلمذ ابن جزي على ثلة من العلماء كان لهم األثر في تكوينهـ العلمي‬
‫حتى وصل إلى درجة العلماء في عصره‪ ،‬فقد أخذ ابن جزي العلوم الشرعية‬
‫واللغوية عن أئمة عصره نذكر أبرزهم فيما يلي‪:‬‬
‫شيوخ ابن جزي‬
‫أبو جعفر بن الزبـير(‪ :)6‬وله تصانيفـ عديدة منها‪:‬ـ صلة الصلة‪،‬‬
‫مالك التأويل(‪ ،)7‬البرهان في ترتيب القرآن(‪.)8‬‬

‫(?) نيل االبتهاج بهامش الديباج‪ ،‬التنبكتي‪ ،‬ص ‪239‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أحد تالميذـ ابن جزي ستأتي ترجمته في موضعها عند تعرضنا لتالميذـ ابن جزي‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) االحاطة ‪ ،3/20‬ونفح الطيب ‪.5/514‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) نيل االبتهاج بهامش الديباج‪ ،‬التنيكتي ـ ص‪238‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) شجرة النور الزكية ـ محمد مخلوف ‪1/213‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) انظر ترجمته في‪ :‬اإلحاطة ـ ابن الخطيب ـ (ط ـ دار المعارف)‪ ،1/195 ،‬والدرر‬ ‫‪6‬‬

‫الكامنة ـ ابن حج العسقالني ـ ‪ ،1/89‬وبغية الوعاة في طبقات النحويين والمنحاة ـ جالل‬


‫الدين السيوطي ـ دار المعرفة‪ ،‬بيروت ـ دون تاريخ‪ ،‬ص ‪ ،126‬والديباج المذهب ـ ابن‬
‫فرحون ـ ص ‪ ،42‬وشجرة النور ـ مخلوف ـ ‪ ،1/212‬ومالك التأويل‪ ،‬ابن الزبير ـ ‪1/61‬‬
‫(الجزء الدراسي)‬
‫(?) انظر‪ :‬اإلحاطة ـ ‪ 1/198‬ـ والمصادر السابقة التي ترجمت له نفس الصفحات واألجزاء ـ‬ ‫‪7‬‬

‫مالك التأويل ـ حققه سعيد الفالح وهو مطبوع‪ ،‬وذكر صاحب تحقيق القوانين الفضيلي أن‬
‫عنوانه (مالك التأويل في المتشابه من اللفظ والتأويل)‪ ،‬انظر‪ :‬القوانين الفقهية لابن جزي‪ ،‬تح‪:‬‬
‫عبد الكريم الفضيلي‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪ 1‬ـ ‪1420‬هـ‪2000 /‬م‪ ،‬ص ‪10‬‬
‫(?) وهو كتاب رتب فيه سور القرآن وفق ترتيب مصحف عثمان رضي هللا تعالى عنه‪،‬‬ ‫‪8‬‬

‫حيث يتحدث عن فضل كل سورة وكيفية بدايتها ونهايتها ومناسبتها لما قبلها وما بعدها ‪،‬‬
‫وهو كتاب مطبوع‪ ،‬حققه محمد شعباني‪ ،‬وطبع من قبل وزارة األوقاف والشؤون‬
‫اإلسالمية بالمغرب طبعة ‪1410‬هـ ‪1990/‬م‪.‬‬
‫ــ ‪ 120‬ـ‬
‫(‪)9‬‬
‫ابن الكماد‪ :‬ومن تصانيفه‪ :‬الممتع في تهذيبـ المقنع في القراءات‬
‫والمقنع في القراءات(‪ ،)10‬قال صاحب غايةـ النهايةـ (قرأ عليه أبو القاسم محمد‬
‫بن أحمد بن جزي)(‪ ،)11‬وكذلك قرأ عليه القرآن وذكر ذلك في التسهيل فقال‪:‬‬
‫((قرأت القرآن على األستاذ الصالح أبي عبد هللا بن الكماد فلما بلغت إلى آخر‬
‫سورة الحشر قال لي‪ :‬ضع يدك على رأسك…)(‪.)12‬‬
‫ـ ابن رشيد‪ :‬هو محمد بن عمر الفهري السبتي(‪ ،)5‬ويكنى بأبي عبد‬
‫هللا المشهور بابن رشيد ولد سنة ‪ 657‬هـ(‪ ،)6‬وقد ترك آثارا دالة على سعة‬
‫علمه وبراعته في التصنيفـ والكتابةـ منها‪:‬ـ إفادة النصيح(‪ )7‬السنن األبين(‪،)8‬‬
‫إحكام التأسيس(‪ ،)9‬اإلضاءات‪( .‬له فتاوى في المعيار)(‪.)10‬‬
‫ـ ابن الشاط‪ :‬هو قاسم بن عبد هللا بن محمد بن الشاط األنصاري(‪،)11‬‬
‫يكنى بأبي القاسم‪ ،‬ولد سنة ‪ 643‬هـ بمدينة سبتة بالمغرب‪ ،‬أخذ عن أئمة‬
‫عصره‪ ،‬له تصانيفـ منها‪:‬ـ إدرار الشروق(‪ ،)12‬غنيةـ الرائض(‪.)13‬‬

‫(?) انظر‪ :‬الدرر ‪ ،3/405‬ذكر أن له(المقنع وشرحه بالممتع)‪ ،‬وانظر‪ :‬الديباج ص ‪298‬‬ ‫‪9‬‬

‫(ذكر أنه اختصر المقنع بالممتع )‪ ،‬ويظهر من خالل العنوانين أن الممتع اختصار للمقنع‬
‫بعبارة تهذيب كما ذهب إليه ابن فرحون في الديباج خالف ما ذكر ه ابن حجر في الدرر‬
‫وذكر محقق كتاب القوانين الفضيلي أن المقنع من تصنيف أبي عمرو الداني‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫القوانين ص‪ 10‬للمحقق‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬
‫(?) انظر‪ :‬الدرر ‪ 3/405‬ـ وشجرة النور ‪ ،1/212‬والديباج ص ‪298‬‬ ‫‪10‬‬

‫(?) انظر‪ :‬شجرة النور ‪ ،10/212‬والديباج ص ‪ ،298‬والدرر ‪ ،3/405‬والقوانين تح الفضيلي‪،‬‬ ‫‪11‬‬

‫ص ‪11‬‬
‫(?) التسهيل‪ ،‬ابن جزي‪4/205 ،‬‬ ‫‪12‬‬

‫(?) انظر ترجمته في‪ :‬الدرر ‪ ،4/229‬وشجرة النور ‪ ،1/216‬وغاية النهاية ‪،2/219‬‬ ‫‪5‬‬

‫والديباج ص ‪ ،310‬والإحاطة‪( ،‬طبعة الخانجي ‪1975‬م)‪3/135 ،‬‬


‫(?) انظر‪ :‬الدرر ‪ ،4/230‬وشجرة النور ‪ ،1/217‬والديباج ص‪ ،311‬والإحاطة ‪.3/143‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) انظر‪ :‬شجرة النور ‪ 1/216‬وذكر صاحب الدرر أنه حج في سنة ‪ 685‬هـ‪ ،‬انظر‪:‬‬ ‫‪7‬‬

‫الدرر ‪230 /4‬‬


‫(?) انظر‪ :‬الدرر‪4/230 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) انظر‪ :‬شجرة النور ‪ ،1/217‬والديباج ص ‪ ،311‬والدرر ‪ ،231 /4‬والإحاطة ‪3/143‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?) له فتاوى في المعيار ‪1/175‬‬ ‫‪10‬‬

‫(?) انظر ترجمته في‪ :‬شجرة النور ‪ ،1/217‬والديباج المذهب ص‪ ،226‬والفروق‬ ‫‪11‬‬

‫للقرافي‪ ،‬تـح‪ :‬محمد رواسي قلعتجي‪ ،‬دار المعرفة بيروت‪ ،‬دون تاريخ‪4/306 .‬‬
‫(?) انظر‪ :‬الديباج ص‪ ،226‬وشجرة النور‪.1/217‬‬ ‫‪12‬‬

‫(?) أورده الزبيري وذكر أنه مخطوط في األسكولاير ‪ C.Q.S 1780‬ـ انظر‪ :‬ابن جزي‬ ‫‪13‬‬

‫ومنهجه في التفسير ‪.182 /1‬‬


‫ــ ‪ 121‬ـ‬
‫ـ الطنجالي‪ :‬وهو محمد بن أحمد بن يوسف بن أحمد بن عمر‬
‫الطنجالي(‪ ،)1‬المكنى بأبيـ عبد هللا ولد سنة ‪ 646‬هـ(‪ ،)2‬تتلمذ على أئمة عصره‬
‫منهم والده‪.‬‬
‫هؤالء ثلة من شيوخ ابن جزي‪.‬‬
‫اجتهاده‪ :‬أجمعت المصادر التي ترجمت له بأنهـ عالم أديب فقيه شارك‬
‫في علوم العربية والفقه واألصول وعلم الكالم والحديث والقراءات‬
‫والتفسير‪ ،‬وشهد له ممن عرفه من قريب أو من بعيد بالحنكة والفطنة‪،‬ـ‬
‫والذكاء‪ ،‬وحبه الشديد للعلم فأفنى حياته في طلبه‪،‬ـ قال عنه ابن الخطيب‪:‬‬
‫((كان على طريقة مثلى من العكـوف عـلى العـلم))(‪.)3‬‬
‫وقد وصف بالحفظ واإلتقان وكثرة التفنن فيه حتى اشتهر بضلوعه في‬
‫كثير من العلوم قال عنه تلميذه الحضرمي‪...(( :‬حافظًاـ متـفننا‪...‬ـ))(‪.)4‬‬
‫وبالنسبة الجتهاده في تحصيل العلم‪ ،‬وكثرة قراءتـه فقد هجر النوم وسهر‬
‫للتعلم‪ ،‬والقراءة‪ ،‬والمطالعة لحبه للعلم وإخالصه له حيث قال عنه ابن الخطيب‪:‬‬
‫((كان ~ كثير االجتهاد‪ ،‬منكب الهاد‪ ،‬متوصال لوصال السهاد بالسهاد‪ ،‬وهجر‬
‫المهاد))(‪.) 5‬‬
‫وبالنسبة للعلوم التي تضلع فيها وشارك بتأليفه وتدريسه قال ابن الخطيب‪:‬‬
‫((مشاركا في الفنون من عربية وأصول‪ ،‬وقرآن‪ ،‬وحديث وأدب‪ ،‬حافظا للتفسير))‬

‫(‪.) 6‬‬
‫وعن استيعابهـ للعلم وحفظه‪ ،‬وولعه بجمع الكتب قال ابن الخطيب‪:‬ـ‬
‫()‬
‫((مستوعبا لألقوال جماعة للكتب ملوكي الخزانة)) ‪ ، 7‬وكانت أمنيتهـ‬
‫الوصول إلى أعلى مراتب العلم وخاصة في علوم الشريعة فقد قال عن نفسه‪:‬‬
‫وإن مرادي صحة وفـراغ‬ ‫لكل بني الدنيا مراد ومقصـد‬

‫(?) انظر ترجمته في‪ :‬الدرر‪3/462‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر‪ :‬الدرر‪ 3/462‬لم يذكر ابن حجر سنة ميالده ؛ ولكن ذكر سنة وفاته وعمره‬ ‫‪2‬‬

‫عند الوفاة كان ثمان وسبعين سنة‪ ،‬فتكون سنة ميالده ‪646‬هـ‬
‫(?) نفخ الطيب‪ ،‬المقري ـ ‪5/514‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ـ بابا التنبكتي ‪239‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) الكتيبة الكامنة‪ ،‬ابن الخطيب‪ ،‬ص‪ 46‬ـ اإلحاطة ـ ابن الخطيب ـ ‪3/20‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) انظر‪ :‬نفح الطيب ـ المقري ـ ‪ 5/514‬ـ اإلحاطة ـ ابن الخطيب ـ ‪3/20‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) اإلحاطة‪ ،‬ابن الخطيب ‪ ،3/23‬وطبقات المفسرين‪ ،‬الداودي ‪85 /2‬‬ ‫‪7‬‬

‫ــ ‪ 122‬ـ‬
‫يكون به لي في الحيـاة بالغ‬ ‫ألبلـغ في علم الشريعـة مبلغا‬

‫وحسبي من الدنيا الغرور بالغ‬ ‫ففي مثل هذا فلينافس أولو النهى‬
‫(‪) 1‬‬ ‫فما العيش إال في نعيم مؤبـد‬
‫به العيش رغد والشراب يساغ‬

‫لقد حقق هللا أمنيته بأن بلغ مراده الذي قصده فاجتهد‪ ،‬وعكف على‬
‫التعلم‪ ،‬والتدوين فتضلع في علوم الشريعة حتى نبغ فيها‪ ،‬واشتهر بين أقرانه‪،‬‬
‫وذاع صيته في المجتمع الغرناطيـ خاصة‪ ،‬والمجتمع المغربي عامة‪ ،‬وأقوال‬
‫العلماء فيه دالة على مكانتهـ العلمية ومنزلته الخلقية وهذا بسببـ اجتهاده الذي‬
‫أوصله إلى هذه المكانة‪ ،‬وتربيته الخلقية التي استقاها من أسرته‪ ،‬وشيوخه‬
‫فكان خير خلف لخير سلف‪ ،‬وآثاره دالة على منزلته العلمية‪.‬‬
‫ـ المناصب التي تقلدها‪ :‬لقد أهلته منزلته العلمية إلى تقلد مناصب‬
‫مهمة في مجتمعه فدرّس وخطب وأفتى‪.‬‬
‫ـ التدريس‪ :‬تقدم لتدريس العلوم الشرعية والعربية‪ ،‬قال عنـه ابن‬
‫الخـطيب‪(( :‬فـقيها حافظا قائما على التدريس))(‪ ،)2‬فهذا أحد تالميذه الذين تخرجوا‬
‫على يديه ولزم دروسه فأخذ عنه جملة من العلوم الشرعيـة والعربية وشهد له‬
‫برسوخه في العلوم‪ ،‬ومنهجـه القويم في التعليم‪ ،‬وقـال عنـه كذلك‪(( :‬ولم يزل يقيم‬
‫الرسوم تدريسا وتعليما وردا وتسليما ويسرح في روض المعارف مسيما))(‪.)3‬‬
‫ومن العلوم التي اشتغل بتعليمها لطلبة العلم القرآن الكريم حيث قال‬
‫عن نفسه ‪(( :‬وأن هللا أنعم عل ّي بأن شغلني بخدمة القرآن وتعلمه وتعليمهـ‬
‫وشغفني بتفهم معانيه وتحصيل علومه))(‪ .)4‬وبجانب القرآن الكريم وما يتعلقـ‬
‫به من علوم كعلم القراءات‪ ،‬والتفسير‪ ،‬درس الّلغة واألصول والحديث والفقه‬
‫لتضلعه فيه وخاصة الفقه المالكي‪ ،‬وأغلب ما ألف فيه يكون قد درسه لطلبته‪.‬ـ‬
‫ـ الخطابة‪ :‬كانت الخطابة من جملة المهام التي تقلدها العلماء‪ ،‬وهي‬
‫مركز اجتماعيـ مرموق ويستحسن تقديم األفضل لمنزلته العلمية‪ ،‬ومكانته‬
‫الخلقية‪ ،‬ألنه محل اقتداء‪ ،‬ولقد تقلد ابن جزي هذا المنصب االجتماعي على‬
‫حداثة سنه‪ ،‬قال عنه تلميذه ابن الخطيب‪:‬ـ ((تقدم خطيبا بالمسجد األعظم من‬
‫بلده على حداثة سنه فاتفق على فضله وجرى على سنن أصالتهـ))(‪.)5‬‬

‫(?) الدرر ‪ ،3/447‬والإحاطة ‪3/23‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر‪ :‬نفح الطيب ـ المقري ـ ‪ .5/514‬ـ اإلحاطة ـ ابن الخطيب ـ ‪3/20‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) والكتيبة الكامنة‪ ،‬ابن الخطيب‪ ،‬ص‪46‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) التسهيل‪ ،‬ابن جزي ‪4 /1‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) انظر‪ :‬نفح الطيب ـ المقري ـ ‪ .5/514‬ـ اإلحاطة ـ ابن الخطيب ـ ‪3/20‬‬ ‫‪5‬‬

‫ــ ‪ 123‬ـ‬
‫وبالرغم من وجود أقرانه ومن هم أكبر منه سنا وعلما وقع عليه االختيار‬
‫لتمكنه من الخطابة‪ ،‬وسعة علمه‪ ،‬ومعرفته بأسلوبها وتعمقه في اللغة‪ ،‬وآدابها‪،‬‬
‫وقد وصف هذا االختيار مع وجود غيره ممن هو أهل لهذه الرتبة والمكانة‬
‫االجتماعية قال عنه ابن الخطيب بكالمه المسجوع‪(( :‬تقدم بالجامع خطيب حفله‪،‬‬
‫وإمام فرضه‪ ،‬ونفله مع توافر أصله وتعدد شيخه في االختيار‪ ،‬وكهله فوقع عليه‬
‫االتفاق وانعقد األصفاق‪ ،‬وعقد له في عصا منبره اللواء الخفاق))(‪.)1‬‬
‫وهذا تلميذه الحضرمي يصفه بالخطيب المتفنن حيث قال‪(( :‬شيخنا‬
‫الفقيه الجليـل األستـاذ المقرئ الخطيب العالم المتفنن المصنف))(‪ ،)2‬وهذا‬
‫تلميذه النباهيـ(‪ )3‬يصفه بالخطيبـ الحافظ حيث قال‪(( :‬شيخنا األستاذ الحافظ‬
‫الخطيب الشهير بأبيـ القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي))(‪.)4‬‬
‫وصاحــب فهرس الفهارس ينقلـ عنه بأنه اإلمام الخطيب بالجامع‬
‫األعظم بغرناطهـ حيث قال‪(( :‬هو اإلمام العالم الحافظ المدرس الشهير خطيب‬
‫الجامع األعظم بغرناطةـ أبو القاسم محمد بن أحمد بن جزي))‪ ،‬فهـؤالء‬
‫وغيرهم يشهدون له بالحفظ‪ ،‬واإلتقان‪ ،‬وحسن التدريس‪ ،‬والخطابة‪،‬ـ وبما أن‬
‫المسجد األعظم بغرناطه وهو الجامع الذي تؤدي فيه الصلوات الخمس‬
‫بصفة عامة وخطبة الجمعة بصفة خاصة‪ ،‬حيث يأتيـ إليه من كل أنحاء‬
‫المدينة؛ ألنه جامع ألهل المدينة ويحضره العلماء وأعيانـ البلدة وهذا دليل‬
‫على مكانة المسجد ومكانة خطيبه‪ ،‬حيث يختار له من كان أهال ألداء هذه‬
‫الرسالة النبيلة‪،‬ـ مما يدل على مكانة ابن جزي منذ الصغر أخالقا‪ ،‬وعلما‪ ،‬فقد‬
‫فاق أقرانه واشتهر من بينهم‪،‬ـ وذاع صيته في المجتمع الغرناطي وكان يق ّدم‬
‫على غيره في مجالس العلم من تدريس وخطابةـ ألهليتهـ ومكانتهـ العلمية‪.‬ـ‬
‫ـ آثاره العلمية ‪ :‬ترك ابن جزي نوعين من اآلثار منها المتجسدة في‬
‫الواقع وهم تالميذه ومنها المصنفات الدالة على قدراته العلمية‪:‬‬
‫تـالميـذه‪ :‬أنجب ابن جزي نخبة من التالميذ أخذوا عنه عدة علوم‬
‫نذكر من أبرزهم أبناؤه الثالث‪:‬‬

‫(?) والكتيبة الكامنة‪ ،‬ابن الخطيب‪ ،‬ص‪46‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ونيل االبتهاج بهامش الديباج التنبكتي ص ‪239‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أحد تالمذته‪ ،‬ووهوأبو الحسن النباهي على بن عبد هللا بن الحسن الجذامي له كتاب‬ ‫‪3‬‬

‫تاريخ قضاة األندلس انظر ترجمته في‪ :‬نيل االبتهاج بها مش الديباج ص ‪ ،205‬ومقدمة‬
‫كتاب تاريخ قضاة األندلس المسمي (المرقبة العليا) ألبي الحسن النباهي مصدر سابق‪،‬‬
‫وقد قال مؤلفه عن تعريفه البن شيخنا ابن جزي(أبو بكر)‪(( :‬أبو بكر ابن شيخنا األستاذ‬
‫الحافظ الخطيب الشهير أبي القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي …) تاريخ قضاة‬
‫األندلس ص‪ 177‬ـ وهذا ما يثبت مشيخته على ابن جزي‪.‬‬
‫(?) تاريخ قضاة األندلس للنباهي ص ‪177‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 124‬ـ‬
‫ـ أبو عبد هللا‪ :‬هو محمد بن محمد بن جزي(ـ‪)1‬ـ‪،‬ـ وـلـدـ سـنـةـ ‪ 721‬هــ‬
‫بـغـرـنـاـطـةـ‪،‬ـ نـشـأـ وـتـرـعـرـعـ بـهـاـ فـيـ كـنـفـ وـاـلـدـهـ‪،‬ـ أـخـذـ عـنـهـ اـلـعـلـمـ‪،‬ـ لـهـ اـلـتـصـاـنـيـفـ‬
‫مـنـهـاـ‪:‬ـ تـاـرـيــخـ غـرـنـاـطــةـ(ـ‪)2‬ـ (ـكـاـتـبـ رـحـلـةـ اـبـنـ بـطـوـطـةـ اـلـمـغـرـبـيـ)ـ تـوـفـيـ بـفـاـسـ‬
‫مـبـطـوـنـاـ سـنـةـ ‪757‬هــ(ـ‪)3‬ـ‪.‬ـ‬
‫ـ أبـو بكــر‪ :‬هو أحمد بن محمد بن جزي(‪ ،)4‬يكنىـ بأبيـ بكر‪ ،‬ولد‬
‫بغرناطةـ سنة ‪715‬هـ نشأ وتربى في كنف والده وأخذ عنه العلم ومن تآليفه‪:‬‬
‫رجز في الفرائض(‪ : )5‬شرح ألفية ابن مالك(‪ ،)6‬توفي سنة ‪785‬هـ(‪.)7‬‬
‫أبـو محـمـد‪ :‬وهو عبد هللا بن جزي(‪ ،)8‬يكنى بأبي محمد ولد سنة‬
‫‪731‬هـ(‪ ،)9‬نـــشـــأ وتربى في كنف والده ومن مؤلفاته‪ :‬كتابـ مطلع‬
‫(‪)10‬‬
‫اليــمـــــــن‬
‫(?) انظر ترجمته في‪ :‬شجرة النور‪ ،1/213‬واإلحاطة ‪ ،2/256‬والكتيبةـ الكامنة‪ ،‬ابن‬ ‫‪1‬‬

‫الخطيب ص ‪ ، 223‬ونفح الطيب ‪ ،5/525‬مصادر سابقة‪.‬‬


‫(?) والدرر ‪ ،4/282‬والإحاطة ‪2/257‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) اختلف في سنة وفاته فمنهم من يجعلها سنة ‪ 756‬هـ (الدرر ‪ ،)4/283‬ومنهم من‬ ‫‪3‬‬

‫يجعلها سنة ‪758‬هـ‪ ،‬ولكن ابن الخطيب بعد ذكر سنة الوفاة (‪ 758‬هـ) فلما حقق في ذلك‬
‫ذكر أنها سنة ‪ 757‬هـ حيث قال‪( :‬اتصل بنا خبر وفاته بفاس مبطونا في أوائل ثمانية‬
‫وخمسين وسبع مائة‪ ،‬ثم قال‪ :‬ثم تحققت أن ذلك في آخر شوال من العام قبله)‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫اإلحاطة ‪2/265‬‬
‫(?) انظر ترجمته في‪ :‬شجرة النور‪ ،1/231‬واإلحاطة (طبعة الخانجي) ‪ ،1/165‬والكتيبةـ‬ ‫‪4‬‬

‫الكامنة ابن الخطيب‪ ،‬ص ‪ ،138‬ونفح الطيب ‪ 5/517‬ـ ‪ 525‬وبغية الوعاة للسيوطي ‪1/37‬‬
‫‪ ،5‬مصدر سابق‪ ،‬وتاريخ قضاة األندلس للنباهي ص ‪ ،177‬مصدر سابق‪ ،‬والديباج‬
‫المذهب البن فرحون‪ ،‬ص ‪ 41‬ودرة الجحال ‪.1/27‬‬
‫(?) انظر‪ :‬شجرة النور‪ ،‬مخلوف ‪ ،1/231‬ودرة الحجال ‪ 1/27‬بالهامش‪ ،‬والديباج‪ ،‬ابن‬ ‫‪5‬‬

‫فرحون‪ ،‬ص ‪ ،41‬ونفح الطيب‪ ،‬المقري ‪5/525‬‬


‫(?) انطر‪ :‬بغية الوعاة للسيوطي ‪ ،1/375‬ودرة الحجال ‪ 1/27‬بالمتن‬ ‫‪6‬‬

‫(?) انظر‪ :‬درة الحجال ‪ ،1/27‬وشجرة النور ‪ ،1/231‬ونفح الطيب ‪5/525‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) انظر‪ :‬ترجمته في النفح ‪ 5/539‬ـ ‪ ،540‬والكتيبةـ الكامنة ص ‪ ،96‬ونيل االبتهاج‬ ‫‪8‬‬

‫بهامش الديباج التنبكتي ص ‪ ،154‬وبرنامج المجاري‪ ،‬ص ـ ‪ 84‬ـ ‪ 92‬والقسم الدراسي‬


‫لكتاب(مطلع اليمن) تحت عنوان (الخيل) للمحقق محمد العربي الخطابي‪ ،‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي‪ 1406 ،‬هـ ‪1986 /‬م‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪ 8‬واالحاطة ‪3/390‬‬
‫(?) انظر‪ :‬برنامج المجاري ص ‪92‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?) وهو كتاب اختصر فيه كتاب "االحتفال في استفاء تصنيف ما للخيل من األحوال"‬ ‫‪10‬‬

‫لمؤلفه أبو عبد هللا محمد بن رضوان بن أرقم وذلك تلبية لطلب السلطان أبو عبد هللا‬
‫الغني باهلل الذي امتد حكمه من سنة ‪ 755‬هـ إلى سنة ‪ 793‬هـ‪ ،‬فكان الكتاب بهذا العنوان‬
‫وهو يتحدث عن الخيول بأنواعها وأوصافها‪ ،‬وقد طبع هذا الكتاب تحت عنوان(كتاب‬
‫الخيل) بتحقيق محمد العربي الخطابي سنة ‪ 1986‬بدار الغرب اإلسالمي ـ بيروت وقد‬
‫ــ ‪ 125‬ـ‬
‫(المعروف بكاتب الخيل)‪ ،‬مجموعة من األشعار(‪ )1‬توفي سنة ‪810‬هـ(‪.)2‬‬
‫ـ ابن الخشاب‪ :‬هو محمد بن محمد بن يوسف األنصاري(‪ ،)3‬يكنى‬
‫بأبي القاسم الشهير بابن الخشاب ولد بعد سنة ‪ 720‬هـ بقليلـ(‪.)4‬‬
‫ـ لسان الدين ابن الخطيب‪ :‬هو محمد بن عبد هللا السلماني(‪ ،)5‬وله‬
‫كتب ورسائل تنيفـ عن الستين وأغلبهاـ في التراجم والتاريخ‪ ،‬واألدب‪،‬‬
‫والشعر منها‪ :‬اإلحاطة(‪ ،)6‬الكتيبةـ الكامنةـ(‪ ،)7‬أعمال األعالم(‪ ،)8‬اللمحة‬
‫البدرية‪.‬‬
‫(‪)9‬‬
‫توفي ابن الخطيب بفاس سنة ‪ 776‬هـ ‪.‬‬

‫تحصلت على نسخة منه ولم تذكر المصادر التي ترجمت له اسم الكتاب‪ ،‬وكذلك لم يذكر‬
‫الزبيري في رسالته ـ ابن جزي ومنهجه في التفسير ـ عند ما تعرض لترجمة ابنه عبد‬
‫هللا اسم هذا الكتاب‪ ،‬انظر‪ 1/165 :‬ـ ‪ 168‬من الرسالة‪.‬‬
‫(?) انظر‪ :‬نفح الطيب‪ ،5/540 ،‬ونيل االبتهاج‪ ،‬ص ‪ ،155‬والكتيبة الكامنة البن الخطيب‪ ،‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،96‬مقدمة محقق مطلع اليمن ص ‪ 10‬حيث اكتفى بتسميتها (وله شعر نبيل األغراض حسن‬
‫المقاصد)‬
‫(?) انظر‪ :‬برنامج المجاري‪ ،‬المجاري ص ‪ ،92‬والمصادر األخرى التي ترجمت له لم تذكر‬ ‫‪2‬‬

‫سنة ميالده وال سنة وفاته واكتفى المقري بقوله‪(( :‬إنه عمر طويال وتعذر ذلك على محقق‬
‫كتاب مطلع اليمن تقدير سنة وفاته واستنتج أنه عاش إلى آخر القرن الثامن وربما أدرك‬
‫القرن التاسع))‪ ،‬انظر‪ :‬الخيل‪ ،‬مقدمة المحقق ص‪ ،9‬وكذلك ذكر فركوس أن المصادر لم‬
‫تذكر سنة وفاته‪ ،‬انظر‪ :‬تقريب الوصول تح‪ :‬فركوس‪ ،‬ص ‪ ،19‬وكذلك الزبيري في كتابه‬
‫ابن جزي ومنهجه في التفسير (رسالة ماجستير مطبوعة)ذكر أن المصادر لم تذكر سنة‬
‫ميالده وال سنة وفاته‪ ،‬انظر‪ :‬المصدر السابق ‪ ،1/168‬ولكن صاحب البرنامج وهو أحد‬
‫تالميذ أبو محمد ذكر سنة ميالده ووفاته وقد يكون هذا المصدر الوحيد الذي ذكر ذلك‪ ،‬وهو‬
‫ما اعتمدناه في المتن‪.‬‬
‫(?) انظر ترجمته في‪ :‬الدرر ‪ ،5/9‬وغاية النهاية ‪ ،2/257‬فهرس الفهارس ‪.348 /1‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) غاية النهاية ‪2/257‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) انظر ترجمة في‪ :‬نفح الطيب ‪ 7/97 ،5/464 ،5/7‬ـ ‪ ،100‬وشجرة النور ‪،1/230‬‬ ‫‪5‬‬

‫وكتاب اإلحاطة مقدمة المحقق عنان (القسم الدراسي) والدرر البن حجر ‪ ،4/88‬ومقدمة‬
‫كتاب (روضة التعريف بالحب الشريف) لابن الخطيب وهو كتاب في التصوف‪ ،‬تح‪:‬‬
‫محمد الكتاني ط‪ ،1‬دار الثقافة المغرب‪.‬‬
‫(?) وهو كتاب عن تاريخ غرناطـة ورجالهـا مطبـوع ومحقـق من قبـل محمـد عبد هللا‬ ‫‪6‬‬

‫عنان (طبعة الخانجي وطبعة دار المعارف ـ مصر)‬


‫(?) وهو كتاب يذكر فيه الشعراء واألدباء الذين التقى بهم من القرن الثامن الهجري وهو‬ ‫‪7‬‬

‫مطبوع‪.‬‬
‫(?) وهو كتاب يذكر فيه الملوك الذين اعتلوا العرش قبل سن البلوغ وهو مطبوع تحت‬ ‫‪8‬‬

‫عنوان (تاريخ إسبانية اإلسالمية) برعاية المستشرق ليفي بروفنسال‬


‫(?) انظر‪ :‬تاريخ ابن خلدون (طبعة دار البيان)‪ ،7/341 ،‬والدرر ‪ ،4/90‬وشجرة النور‪1/23‬‬ ‫‪9‬‬

‫‪ ،0‬ونفح الطيب ‪ ،5/110‬وانظركذلك‪ :‬شذرات الذهب الحنبلي المكتب التجاري‪ ،‬بيروت‪/6 ،‬‬
‫‪ ،245‬والوفيات ابن قنفذ القسنطيني‪ ،‬تح‪ :‬عادل نويهض‪ ،‬مؤسسة نويهض بيروت ـ ‪1982‬‬
‫ــ ‪ 126‬ـ‬
‫مصنفـاتـه‬
‫تفرغ ابن جزي للتصنيف وانقطع للتأليف وكان شغوفا بذلك محبا للتدوين‪،‬‬
‫والكتابة فألف في علوم الشريعة الكتب والمصنفات‪ ،‬وصنف في التفسير وعلم‬
‫القراءات‪ ،‬والحديث‪ ،‬والفقه‪ ،‬واألصول والعقيدة‪ ،‬والتراجم‪ ،‬وهذه المؤلفات منها‬
‫ما خرج إلى النور فحقق وطبع ومنها ما بقي مخطوطا في المكتبات ينتظر‬
‫التحقيق‪ ،‬ومنها ما اندثر وفقد بسبب ظروف مرت عليه فبقي اسمه وذهب‬
‫رسمه‪ ،‬ومنها ما شرح عن طريق علماء بعده وهذه المصنفات هي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ العقيدة‪ :‬وله مصنف في هذا المجال وهو اآلتي‪:‬‬
‫ـ (النور المبين في قواعد عقائد الدين)(‪ )1‬وهو كتابـ في العقيدة‬
‫وأصول الدين‪ ،‬وهذا يظهر من خالل عنوانه‪،‬ـ أنه يتكلم عن القواعد واألسس‬
‫العقدية (قواعد عقائد الدين)(‪ ،)2‬وقد تحدث ابن جزي عن العقيدة ومسائل‬
‫التوحيد في ثنايا تفسيره وفي مقدمة القوانين (كاتبـ مفقود)‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ التفسير‪ :‬وضع في علم التفسير مصنفا مختصرا وعنونه اآلتي‪:‬‬

‫م‪ ،‬ص ‪370‬‬


‫(?) انظر‪ :‬الإحاطة ‪ ،3/21‬نفح الطيب‪ ،‬المقري ‪ ،5/515‬وشجرة النور‪ ،‬مخلوف‪،1/29 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫وبرنامج المجاري‪ ،‬المجاري‪ ،‬ص ‪ 88‬مصدر سابق‪ ،‬وانظر كذلك‪ :‬مصنفات ابن جزي‬
‫في إيضاح المكنون‪ ،‬البابلي ‪ 3/314‬ـ ‪ /218‬ـ ‪.448 ،244 ،207 ،708 /4‬‬
‫(?) وتذكر بعض المصادر أن له كتابا آخر وهو (الضروري من علم الدين)‪،‬ـ انظر‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫برنامج المجاري ص ‪ ،88‬وذكره علي الزبيري ضمن مؤلفات ابن جزي انظر‪ :‬ابن‬
‫جزي ومنهجه في التفسير‪ 1/219‬وذكر أنه انفرد بذكره محمد بن عبد الملك القيسي وهو‬
‫يتكلم عن ابن جزي في خطبة كتابه(منهاج العلماء األخيار شرح أحاديث كتابا ألنوار)‪،‬‬
‫ويظهر لي مما سبق أنه ظن وتوهم ؛ ألن أغلب المصادرلم تذكره ويغلب على ظني أنه‬
‫تابع للعنوان السابق (النور المبين) فيكون عنوان الكتاب ـ النور المبين في قواعد عقائد‬
‫الدين والضروري من علم الدين) ـ فاختصر العنوان فذكر الشطر األول ولم يذكر الثاني‬
‫كما جرت به العادة عند ذكر العناوين وهللا أعلم‪.‬‬
‫ــ ‪ 127‬ـ‬
‫ـ (كتاب التسهيل لعلوم التنـزيل)(‪ ) 1‬هكذا سماه مؤلفه حيث قال‪(( :‬وسميته‬
‫كتاب التسهيل لعلوم التنـزيل))(‪ ، ) 2‬وهو كتاب في تفسير القرآن الكريم‪ ،‬ويعتبر‬
‫كتابا ضخما وأكبر مؤلفات ابن جزي‪ ،‬وهو في أربعة أجزاء من الحجم‬
‫المتوسط‪ ،‬وقد أكمل تفسيره للقرآن من الفاتحة إلى الناس‪ ،‬افتتحه بالحمد والثناء‪،‬‬
‫والصالة على المصطفى ×‪ ،‬ثم تحدث عن فضل علوم القرآن وأنها أجل العلوم‬
‫وأرفعها وبين إعجاز القرآن ‪ ،‬وقدم لتفسيره هذا بمقدمتين‪ ،‬وبعدها تحدث عن‬
‫االستعاذة ومعانيها وأحكامها(‪ ،) 3‬ثم تحدث على البسملة ومعانيها وأحكامها(‪.) 4‬‬
‫وقد نهج فيه منهج االختصار‪ ،‬وقد يطيل في بعض األحيان‪ ،‬ويذكر‬
‫الفوائد واألحكام‪ ،‬وقد يأتي على بعض اآليات وال يتعرض لتفسيرها‪ ،‬ويعتبر‬
‫تفسير ابن جزي من أغنى التفاسير علما وفائدة‪ ،‬وقد تأثر به بعض المفسرين‪،‬‬

‫(?) انظر‪ :‬نفح الطيب‪ ،‬المقري‪ ،5/515 ،‬والديباج ابن فرحون‪ ،‬ص ‪ ،295‬وشجرة النور‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫مخلوف ‪ ،1/213‬الإحاطة ‪ ،3/22‬إال أن هذه المصادر لم تذكر اسمه وإنما ذكرت أنه تفسير‬
‫بعبارة (إلى غير ذلك مما قيده من التفسير والقراءات)‪ ،‬وصاحب فهرس الفهارس ذكره مرة‬
‫دون اسمه‪ ،‬ومرة صرح باسمه ففي المرة األولى قال‪( :‬التفسير المشهور الذي حشا عليه‬
‫الشيخ التاودي بن سودة وهو عندي) ‪ ،1/306‬وذلك عند ترجمته البن جزي وذكره لمصنفاته‬
‫وهذا يدل على أن الشيخ التاودي قد حشا وعلق على تفسير ابن جزي‪ ،‬والمرة الثانية ذكره‬
‫باسمه قال‪(( :‬وأقرأ التسهيل والمغني والكافيه والشافية))‪ ،‬انظر‪ :‬المصدرنفسه‪ ،1/258 ،‬وهذا‬
‫عند ترجمته للشيخ التاودي وإقرائه لهذه الكتب ومنها كتاب التسهيل‪ ،‬وكذلك صاحب معجم‬
‫المفسرين عادل نويهض‪ ،‬ذكره باسمه الكامل (التسهيل لعلوم التنـزيل)‪ ،‬انظر‪ :‬معجم‬
‫المفسرين‪ ،‬نويهض‪ ،،‬مؤسسة نويهض الثقافية‪ ،‬ط ‪ 1‬ـ ‪1983‬م‪ 481 /2 ،‬ـ ولم يذكره األستاذ‬
‫فركوس عند سرده لمصنفات ابن جزي في تحقيق كتابه تقريب الوصول‪ ،‬وأخطأ صاحب‬
‫تحقيق المختصر البارع عندما نسب إليه كتاب الجواهر الحسان والصحيح أنه لعبد الرحمان‬
‫الثعالبي الجزائري‪ ،‬انظر‪ :‬المختصر البارع في قراءة نافع البن جزي ص‪ ،8‬تحقيق الدكتور‬
‫فتحي العبيدي‪ ،‬دار الرفاعي للنشر والتوزيع ـ سوريا ـ حلب ‪ /‬دار القلم العربي للنشر‬
‫والتوزيع ـ سوريا ـ حلب‪ ،‬ط ‪1425 1‬هـ‪2004/‬م وتوجد منه نسخة كاملة في مكتبة الحاج‬
‫البلبالي‪ ،‬انظر‪ :‬فهرس لثبت المخطوطات‪ ،‬ص ‪ ،16‬وتوجد نسختان كاملتان في مكتبة ابن‬
‫عبد الكبير بالمطارف أدرار‪ ،‬المصدر نفسه ص ‪16‬‬
‫(?) التسهيل‪ ،‬ابن جزي ‪1/5‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) التسهيل‪ ،‬ابن جزي‪ 51 / 1‬ـ ‪.52‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) التسهيل ‪ 1/52‬ـ ‪455 54‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 128‬ـ‬
‫والعلماء‪ ،‬وأخذوا من معينه(‪ ،)1‬ورغم عدم شهرته وتأخر طبعته(‪ )2‬اهتم به‬
‫المفسرين والعلماء‪ ،‬وقد تناوله بعض الباحثين بالدراسة(‪ ،)3‬ونرجو من هللا تعالى‬
‫أن يسخر له من يقوم بتحقيقه تحقيقا علميا ويخرج أحاديثه ويبين قيمته العلمية‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ القـراءات‪ :‬وقد وضع في هذا العلم مصنفين أحدهما عام واألخر‬
‫خاص وهما كاآلتي‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) هناك من المفسرين من أخذ منه ومنهم (سليمان بن عمر العجيلى الشافعي الشهير بالجمل‬
‫المتوفى سنة ‪1204‬هـ في تفسيره (الفتوحات اإللهية بتوضيح تفسير الجاللين للدقائق الخفية)‬
‫وهو مطبوع في أربع مجلدات(طبع بمطبعة عيسى البابي الحلبي بمصر)‪ ،‬ومن أمثلة ذلك عند‬
‫تعرضه لقوله تعالى‪ :‬ﮋ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﮊ [البقرة‪ ]40 /‬ـ قال الجمل‪(( :‬قال ابن جزي الكلبي‬
‫في تفسيره "لما قدم دعوة الناس عموما وذكر مبدأهم دعا بني إسرائيل‪ ،))"..‬انظر‪ :‬الفتوحات‬
‫اإللهية ‪ 3/154 4/614 ،1/44‬ـ ومنهم محمد علي الصابوني في تفسيره (صفوة التفاسير)‪ ،‬وهو‬
‫مشهور ومطبوع وذلك عند تعرض ألول آية من سورة اإلخالص قوله تعالى (قل هو هللا أحد)‪،‬‬
‫قال‪(( :‬قال في التسهيل "وأعلم أن وصف هللا تعالى بالواحد له ثالث معان…")) انظر‪ :‬صفوة‬
‫التفاسير‪ ،‬الصابوني‪ ،‬دار القرآن الكريم ـ بيروت ط ‪ 4‬ـ ‪1402‬هـ ‪ 1981 /‬م ـ ‪ 3/620‬ـ ‪621‬‬
‫وانظر كذلك‪ 3/559 :‬وفي العديد من المرات يحيل على التسهيل في الهامش بالجزء والصفحة ـ‬
‫انظر‪ :‬نفس الصفحات واألجزاء السابقة‪.‬‬
‫ـ وقد أورد على الزبيري أثر ابن جزي في المفسرين والعلماء فذكر كل من الجمل‬
‫والصابوني والدكتور مصطفي زيد في بعض كتاباته انظر‪ :‬ابن جزي ومنهجه في التفسير ‪2‬‬
‫‪/917‬‬
‫‪ )?( 2‬ويذكر الزبيري أن أول ما طبع التسهيل سنة ‪1355‬هـ بالمكتبة التجارية بمصر‪ ،‬انظر‪ :‬ابن‬
‫جزي ومنهجه في التفسير ‪ 1/14‬المقدمة‪ ،‬وقد أورد صاحب كتاب(الكتب العربية التي نشرت‬
‫في مصر بين عامي ( ‪1926‬م ـ ‪1940‬م)‪ ،‬هذه الطبعة تحت عنوان (التسهيل لعلوم‬
‫التنـزيل)وذلك سنة ‪ 1936‬م والتي توافق سنة ‪ 1355‬هـ بمطبعة الرحمانية بالقاهرة مصر‪،‬‬
‫انظر الكتب العربية التي نشرت في مصر بين عامي( ‪1926‬م ـ ‪1940‬م) عايدة إبراهيم نصير ـ‬
‫وقام كل من محمد عبد المنعم يونس وإبراهيم عطوة عوض باالعتناء بنشره وطبع في أربع‬
‫أجزاء بالقاهرة ـ دار الكتب الحديثة سنة ‪1973‬م وهو موجود اآلن ولكنه قليل ونادر وقد أورد‬
‫هذه الطبعة صاحب(المعجم الشامل للتراث العربي المطبوع) ولكن ذكر أنها سنة ‪1976‬م ـ‬
‫انظر‪ :‬المعجم الشامل للتراث العربي المطبوع صالحية ص ( ‪ 63‬ـ ‪ )64‬ـ وطبع سنة( ‪1403‬هـ‪/‬‬
‫‪1983‬م) بلبنان من قبل دار الكتاب العربي بيروت تحت إشراف لجنة تحقيق= =التراث في‬
‫دار الكتاب العربي ـ تحت عنوان(تفسير ابن جزي) في مجلد ضخم جعلت مقدماته في األخير‬
‫وذيل بخالصة في فضل القرآن وجعلت له فهارس موضوعات القرآن وختم بجدول بترتيب‬
‫السور‪ ،‬لم يتطرق لحد اآلن حسب علمي أحد لتحقيقه أو تخريج أحاديثه وأما ما قام به كل من‬
‫اليونسي وعوض فما هو إ ّال طبعة جديدة بعنايتهما وأما التحقيق العلمي فلم يكن موجودا‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) منهم عبد الحميد محمد ندا قدم رسالة ماجستير سنة ‪ 1400‬هـ بكلية الدعوة وأصول الدين‬
‫باألزهر تحت عنوان (اإلمام ابن جزي الكلبي وجهوده في التفسير من خالل التسهيل لعلوم‬
‫التنزيل)‪ ،‬وقد علق عليها على الزبيري‪ ،‬انظر‪ :‬ابن جزي ومنهجه في التفسير ‪ 1/19‬المقدمة‪.‬‬
‫وكذلك علي محمد الزبيري قدم رسالة ماجستير سنة ‪ 1402‬هـ بالجامعة اإلسالمية‬
‫بالمدينةـ المنورة تحت عنوان (ابن جزي ومنهجه في التفسير من خالل التسهيل) وقد‬
‫طبعت في مجلدين بدار القلم دمشق‪ ،‬طبعة أولى سنة ‪ 1407‬هـ ‪ 1987/‬م‪ ،‬وكذلك عبد‬
‫ــ ‪ 129‬ـ‬
‫ـ أصول القراء الستة غير نافع(‪ :)1‬وهو كتاب في علم القراءات‬
‫يؤصل فيه للقراء الستة ما عدا اإلمام نافع ألن القراء المشهورين سبعة‬
‫وخص اإلمام نافع بكتاب خاص به سنذكره فيما يلي‪ ،‬وهذا يظهر من خالل‬
‫العنوان(‪.)2‬‬
‫ـ المختصر البارع في قراءة نافع(‪ :)3‬وهو كذلك كتابـ في علم‬
‫القراءات يؤصل فيه لقراءة نافع فقط وهذا خاص بقراءة اإلمام نافع بخالف‬
‫السابق الذي خصه للقراء الستة وتخصيصه لقراءة نافع بكتاب لوحده يعتبر‬
‫اهتماما بقراءة نافع ؛ ألنها القراءة المشهورة والمنتشرة بالمغربـ واألندلس‬
‫ومنها أخذ اإلمام ورش (وقد حقق هذا الكتابـ وطبع وخرج إلى النور ط‪ 1‬ـ‬
‫‪ 2004‬ـ على يد الدكتور العبيدي التونسي‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ الحديث‪ :‬وله ثالث مصنفات في شرح وتهذيب بعض كتب‬
‫الصحاح وهي كاآلتي‪:‬‬
‫ـ وسيلة مسلم في تهذيب مسلم(‪ :)4‬وهو كتابـ اختصر فيه صحيح‬
‫مسلم‪ ،‬ويظهر ذلك من عنوانه ومايفهم من كلمة (تهذيب)ـ الدالة على‬
‫االختصار واإليجاز‪.‬‬

‫الرحمان مسعد على بركة قدم رسالة ماجستير بعنوان(ابن جزي ومنهجه في التفسير من‬
‫خالل التسهيل) وقد طبعت في كتاب واحد سنة ‪1994‬م‪ ،‬بمنشورات كلية اآلداب والتربية‬
‫بجامعة سبها ليبيا‪.‬‬
‫(?) انظر‪ :‬نفح الطيب‪ ،‬المقري‪ ،5/515 ،‬والديباج ابن فرحون‪ ،‬ص‪ ،295‬وشجرة النور‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫مخلوف‪ ،1/213 ،‬وبرنامج المجاري ص‪ ،87‬وطبقات المفسرين‪ ،‬الداودي‪،2/85 ،‬‬


‫والإحاطة ‪.3/22‬‬
‫(?) هذا استنتاجا من خالل العنوان الدال على محتواه ولم أعثر على مصادر تبين أنه‬ ‫‪2‬‬

‫موجود أو مفقود‪ ،‬كمعاجم المخطوطات العربية (مجلة معهدـ المخطوطات العربية)‪.‬‬


‫(?) انظر‪ :‬المصادر السابقة (نفس األجزاء والصفحات)‪ ،‬وكذلك الدرر‪ ،‬ابن حجر‪/3 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 446‬والإحاطة ‪ ،3/22‬توجد نسخة منه خطية بالمكتبةـ الوطنية بتونس‪ ،‬انظر‪ :‬مجلة معهد‬
‫المخطوطات العربية المجلد الثامن عشر الجزء األول ص ‪( 09‬مج ‪ 18‬ـ ‪.)09 /1‬‬
‫(?) اـنـظـرـ‪:‬ـ نـفـحـ اـلـطـيـبـ ‪،5/515‬ـ واـلـدـيـبـاـجـ صـ‪،295‬ـ وشـجـرةـ اـلـنـوـرـ‪،1/213‬ـ وإـيـضـاحـ‬ ‫‪4‬‬

‫الـمـكـنـوـنـ ‪ 4/708‬وـفـهـرسـ اـلفـهـاـرسـ‪،‬ـ الـكـتـاـنـيـ ‪،1/306‬ـ وـبـرـنـاـمـجـ اـلـمـجاـرـيـ صـ‪،87‬ـ‬


‫واـلـدـرـرـ الـبـنـ حجـرـ ‪.3/446‬ـ‬
‫كـلـ هـذـهـ اـلـمـصاـدـرـ تـذـكـرـهـ بـهـذـاـ الـعـنـوـاـنـ إـالّـ بـرـنـاـمـجـ اـلـمـجاـرـيـ فإـنـهـ يـذـكـرـهـ بـعـنـوـاـنـ (ـوسـيـلـةـ‬
‫مـسـلمـ فـيـ اخـتـصـارـ مـسـلـمـ)ـ بـدـلـ تـهـذـيـبـ‪.‬ـ‬
‫اـنـظـرـ‪:‬ـ بـرـنـاـمـجـ اـلـمـجاـرـيـ صـ‪،87‬ـ وـاـلـإحـاطـةـ ‪،3/21‬ـ تـحتـ عـنـوـاـنـ (ـوـسـيـلـةـ مـسـلمـ فـيـ‬
‫تـهـذـيـبـ صحـيـحـ مـسـلـمـ)ـ‪.‬ـ‬
‫وـاـنـظرـ‪:‬ـ تـرـاثـ اـلـمـغـاـرـبـةـ فيـ اـلـحـدـيـثـ وـعـلوـمـهـ مـحـمـدـ عـبـدـ هللاـ اـلـتـلـبـيـدـيـ‪،‬ـ دـاـرـ اـلـبـشاـئـرـ‬
‫الـإـسـالـمـيـةـ ‪،‬ـ طـ‪ 1‬ـ ‪1995‬مـ‪،‬ـ صـ‪.299‬ـ‬
‫ــ ‪ 130‬ـ‬
‫ـ الدعوات واألذكار المخرجة من صحيح األخبار(ـ‪)1‬ـ‪:‬ـ وـهـوـ كـتـاـبـ‬
‫فـيـ اـلـذـكـرـ وـاـلـدـعـاـءـ مـسـتـخـلـصـ مـنـ كـتـبـ اـلـصـحـاـحـ‪،‬ـ وـيـظـهـرـ ذـلـكـ مـنـ عـنـوـاـنـهـ‬
‫اـلـدـاـلـ عـلـيـهـ‪.‬ـ‬
‫ّ (‪)2‬‬
‫ـ كتاب األنوار السنية في األلفاظ السنية ‪ :‬وهو كتاب جمع فيه‬
‫مجموعة من األحاديث القدسية والنبوية وصنفها حسب مواضيعها من‬
‫الكتاب‪ ،‬جمع فيه العقائد‪ ،‬وفقه العبادات والمعامالت واآلداب العامة‪،‬ـ‬
‫واألذكار‪ ،‬والدعوات‪ ،‬وقسمه إلى اثني عشر كتاباـ‬
‫وتحت كل كتابـ عدة أبواب على حسب التقسيم‪ ،‬وقد نهج فيه منهج‬
‫االختصار فيذكر الحديث مجردا من السند والراوي ودون تعليقـ عن الحديث‬
‫وال ذكر درجته من الصحة‪ ،‬وذكر في مقدمته أن منهجه في كتابه (األنوار)‬
‫يحاكي منهج القاضي أبي عبد هللا القضاعي(‪ )3‬في كتابهـ (الشهاب)ـ في حذف‬
‫األسانيد واالختصار وذلك لتيسير حفظه وذكر أن الفرق بينهـ وبين كتاب‬
‫(الشهاب) يتمثل في ثالثةـ أوجه‪:‬‬
‫ـ الوجه األول‪ :‬أن كتابـ الشهاب فيه من الحديث الصحيح‪ ،‬والحسن‪،‬‬
‫والضعيف‪ ،‬والمرسل‪ ،‬والمنقطعـ والموقوف‪ ،‬أما هذا الكتاب فكل ما فيه من‬
‫الصحيح المعروف‪.‬‬

‫(?) انظر‪ :‬نفح الطيب ‪ ،5/515‬والديباج ص ‪ ،295‬وشجرة النور ‪ ،213 /1‬وفهرس‬ ‫‪1‬‬

‫الفهارس‪ 1/306‬وبرنامج المجاري ص‪ 87‬وطبقات المفسرين للداودي ‪ ،2/85‬والإحاطة‬


‫‪ ،3/21‬وتراث المغاربة ص‪ ،144‬حيث ذكر أنه مخطوط بفهرس االسكولاير فجعلوا‬
‫الدعوات الواقع في مجلدين غير األذكار‪.‬‬
‫(?) انظر‪ :‬نفح الطيب للمقري ‪ ،5/515‬والديباج البن فرحون ص‪ ،295‬وشجرة النور‬ ‫‪2‬‬

‫لمخلوف ‪ ،1/213‬وفهرس الفهارس للكتاني ‪ ،1/306‬وبرنامج المجاري للمجاري ص‬


‫‪ ،87‬والفكر السامي ‪ 2/240‬والإحاطة ‪ ،3/21‬ولقد ورد اسمه بشكل آخر تحت عنوان‬
‫(األقوال السنية في الكلمات السنّية)‪ ،‬انظر‪ :‬الديباج ص ‪ ،295‬وشجرة النور ‪،1/213‬‬
‫وورد باسم (األنوار السنية في الكلمات السنيّة)‪ ،‬انظر‪ :‬نفح الطيب ‪ ،5/515‬والإحاطة ‪3/‬‬
‫‪ 21‬وورد باالسم الذي أثبتناه في المتن في مصادر أخرى‪ ،‬انظر‪ :‬فهرس الفهارس‪،‬‬
‫الكتاني ‪ ،1/301‬وبرنامج المجاري ص‪ ،87‬والفكر السامي ‪ 2/240‬وهذا ما ذكره ابن‬
‫جزي في مقدمة األنوار وقد سماه بهذا االسم قال ابن جزي‪( :‬وختمته بأدعية مروية عنه‬
‫صلى هللا سلم وس ّميته‪ :‬كتاب األنوار السنية في األلفاظ السّنية)‪ ،‬انظر‪ :‬كتاب‬
‫األنوارالسنية في األلفاظ السنيّة ـ مطبعة دار الكتب الجزائرية‪ ،‬سنة ‪1983‬م‪ ،‬ص‪ ،6‬وقد‬
‫تحصلت على نسخة منه‪ ،‬وقد شكك المقري في نسبته إلى ابن جزي‪ ،‬انظر‪ :‬نفح الطيب‬
‫‪ ،5/515‬وانظر كذلك‪ :‬تراث المغاربة في الحديث ص ‪ ،76‬مصدر سابق وتوجد النسخة‬
‫عند مؤلف كتاب الفكر السامي‪ ،‬انظر‪ :‬المصدر السابق ‪.2/240‬‬
‫(?) وهو أبو عبد هللا محمد بن سالمة بن جعفر القضاعي مؤرخ ومفسر من علماء‬ ‫‪3‬‬

‫الشافعية تولى القضاء بمصر من كتبه (الشهاب في المواعظ واآلداب) وله تفسير القرآن‬
‫الكريم وله مسند في الحديث انظر ترجمته في‪ :‬ابن خلكان الوفيات ‪ ،1/462‬الزركلي‬
‫األعالم ‪ ،7/16‬المنجد في اللغة واألعالم ص‪.440‬‬
‫ــ ‪ 131‬ـ‬
‫ـ الوجه الثاني ‪ :‬أن صاحب الشهاب اقتصر على أحاديث الرقائق‪،‬ـ‬
‫واآلداب‪ ،‬أما هذا فزاد على ذلك‪.‬‬
‫ّ‬
‫ـ الوجه الثالث‪ :‬أن ترتيبـ أحاديث الشهاب على المشاكلة اللفظية‪ ،‬أما‬
‫هذا الكتابـ فرتبه على ترتيب الكتب العلمية‪.‬ـ‬
‫ـ وذكر أن صاحب الشهاب له فضل السبق(‪.)1‬‬
‫ـ وذكر في المقدمة سبب تأليفه لهذا الكتاب‪ ،‬فقد ألفه البنه أحمد(‪ )2‬؛‬
‫وذلك بعد حفظه للقرآن فأراد أن يحفظ بعض األحاديث‪ ،‬قال ابن جزي‪(( :‬ولما‬
‫يسر هللا على ابني أحمد المكنى أبا بكر أبلغ هللا فيه األمل وجعله من أهل العلم‬
‫والعمل حفظ القرآن العظيم أحببت أن يفوز بحظه من حفظ حديث المصطفى‬
‫الكريم عليه الصالة والسالم فجمعت له في هذا الكتاب جملة صالحة من كالم‬
‫رسول هللا ×))(‪ ،)3‬وكتاب (األنوار) بدأه بكتاب الرقائق‪ ،‬وختمه بكتاب‬
‫الـدعــوات‪ ،‬واألذكار‪ ،‬وهو كتاب قيم الفائدة‪ ،‬وتوجد منه نسخ مخطوطة(‪، )4‬‬
‫وقد طبع(‪ )5‬ولم يحقق بعد(‪( ،)6‬كتاب األنوار صغير الحجم) وقد تناوله بعض‬
‫العلماء بالشرح(‪.)7‬‬
‫‪ 5‬ـ الفقـه‪ :‬وله كتابـ مشهور في مسائلـ الفقه وسماه كاآلتي‪:‬‬
‫(?) انظر‪ :‬األنوار السنية ـ ابن جزي ـ ص‪ 6‬مصدر سابق‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) وهو أحمد بن محمد بن جزي ستأتي ترجمته في موضعها‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر‪ :‬األنوار السنية ـ ابن جزي ـ ص‪6‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) توجد منه نسخة خطية بخزانة القرويين بالمغرب‪ ،‬انظر‪( :‬فهرس مخطوطات خزانة‬ ‫‪4‬‬

‫القرويين‪ ،‬محمد الفاسي الفهري ط‪1409 1‬هـ‪1989/‬م‪ 4/64 ،‬ـ ‪ ،65‬وقد ذكر فركوس‬
‫وجود عدة نسخ منه بالخزانة الملكية بالرباط تحت األرقام اآلتية‪ 6150 :‬ـ ‪ 7307‬ـ ‪5468‬‬
‫ـ ‪ 9260‬ـ تقريب الوصول‪ ،‬ص‪ 20‬بالهامش‪ ،‬وقد ذكر الزبيري وجود نسخة منه في‬
‫مكتبة البلدية باإلسكندرية تحت رقم ‪1864‬د انظر‪ :‬ابن جزي ومنهجه في التفسير ‪1/227‬‬
‫بالهامش‪.‬‬
‫(?) طبع بالجزائر سنة ‪1983‬م بدار الكتب عن مخطوطة أصلية بالمكتبةـ الكنونية‪،‬ـ انظر‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫كتاب األنوار طبعة الجزائر‪1983‬م‪.‬‬


‫وقد تحصلت عليه‪ ،‬وقد ذكر فركوس أنه طبع بمطبعة السعادة بالقاهرة سنة ‪ 1347‬هـ‪،‬‬
‫انظر‪ :‬تقريب الوصول ص‪ 20‬بالهامش‪ ،‬والحق أن الذي طبع (بمطبعة السعادة بالقاهرة‬
‫سنة ‪ 1347‬هـ) هو شرح األنوار تحت عنوان (األزهار اليمنيةـ على األنوار السنية في‬
‫األلفاظ السنية)‪ ،‬انظر‪ :‬برنامج المجاري ص ‪.87‬‬
‫(?) لم يحقق لحد اآلن حسب علمي وإطالعي ولم أعثر على مصادر تذكر أنه حقق‪،‬‬ ‫‪6‬‬

‫ونرجو من هللا تعالى أن يسخر من يقوم بتحقيقه‪.‬‬


‫(?) قام بشرحه أبو عبد هللا محمد بن عبد الملك القيسي المتوفى سنة ‪834‬هـ‪ ،‬تحت‬ ‫‪7‬‬

‫عنوان (مناهج األخبار في تفسير أحاديث كتاب األنوار)‪.‬‬


‫انظر‪ :‬فهرس الفهارس الكتاني ‪.1/306‬‬
‫ــ ‪ 132‬ـ‬
‫ـ (القوانين الفقهية والتنبيه على مذهب الشافعية والحنفية والحنبلية)‬
‫(‪ )8‬وهو كتابـ يجمع األحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية على مذهب‬
‫إمام المدينة مالك بن أنس الختيار أهل األندلس وسائر المغرب هذا المذهب‪،‬‬
‫ثم زاد عليه مسائل االختالف واالتفاق مع المذاهب الثالثةـ األخرى الشافعية‬
‫والحنفيةـ والحنبلية إلكمال الفائدة‪ ،‬ثم بين كيف رتب هذا الكتاب‪،‬ـ فقد قسمه‬
‫إلى أقسام‪ ،‬ثم كتب ثم فصول‪ ،‬ثم مسائل‪ ،‬ثم فروع أشبه بطريقة التقنين في‬
‫علم القانون‪ ،‬وهذه طريقة منهجيهـ عند تقسيم المواضيع‪ ،‬والكتب وتصنيف‬
‫فنونها‪ ،‬وأحيانا يختمها بتلخيص أو فائدة أو مسألة‪.‬‬
‫وقد ذكر على الزبيري أن عنوانه (منهاج العلماء األخيار في تفسر أحاديث كتاب‬
‫األنوار)‪ ،‬وذكر أنه توجد منه نسخة مخطوطة في المكتبة األزهرية بالقاهرة‪ ،‬وصورة‬
‫منه في المكتبةـ المركزية بالجامعة اإلسالمية بالمملكة العربية السعودية‪.‬‬
‫انظر‪ :‬ابن جزي ومنهجه في التفسير ‪.1/228‬‬
‫وبعد القيسي قام بشرحه أبو الحسن على ابن محمد المشهور بالقلصادي (ت‪ 891‬هـ)‪،‬‬
‫انظر ترجمته في‪ :‬نفح الطيب للمقري ‪ ،2/692‬وفهرس الفهارس‪ 2/962‬ـ ‪ ،963‬حيث‬
‫سماه (لب األزهار في شرح األنوار)‪ ،‬انظر‪ :‬برنامج المجاري ص ‪ ،87‬ورحلة‬
‫القلصادي للقلصادي‪ ،‬تح‪ :‬أبو األجفان (مطبعة الشركة التونسية للتوزيع ‪1406‬هـ ‪/‬‬
‫‪ 1985‬م)‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫بالهامش حيث ذكر أن القلصادي فرغ من شرحه في غرة جماد األولى عام ‪ 876‬هـ‬
‫وطبع بمطبعة السعادة بمصر سنة ‪1347‬هـ تحت عنوان (األزهار اليمنية على األنوار‬
‫السنية في األلفاظ السنّية)‪.‬‬
‫وانظركذلك‪ :‬نفح الطيب للمقري ‪ ، 2/693‬وفهرس الفهارس الكتابي ‪ 962 /2 ،1/306‬ـ‬
‫‪ ،963‬حيث ذكرا أن القلصادي شرحه ولم يذكر اسم الكتاب‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫(?) انظر‪ :‬نفح الطيب‪ ،‬المقري ‪ ،5/515‬والديباج ابن فرحون ص ‪ ،295‬وشجرة النور‬
‫مخلوف ‪ ،1/213‬وبرنامج المجاري ص‪ 88‬والإحاطة ‪ ،3/21‬والفكر السامي ‪،1/240‬‬
‫وتذكر هذه المصادر أن عنوانه(القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية والتنبيه على‬
‫مذهب الشافعية والحنفية والحنبلية) إال أن المجاري ذكر في برنامجه بعنوان(القوانين‬
‫الفقهية) فقط‪ ،‬وصاحب نفح الطيب ذكر أنهما كتابان منفصالن حيث ذكر الجزء األول‬
‫من العنوان على أنه كتاب لوحده وهو (القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية)‪،‬‬
‫والجزء المتمم له على أنه كتاب ثاني تحت عنوان »التنبيهـ على مذهب الشافعية والحنفية‬
‫والحنبلية« وهذا ما أدى بالبعض إلى اعتباره أنه كتابان منفصالن‪ ،‬وذكر ذلك فركوس‬
‫عند تحقيق كتاب تقريب الوصول ص ‪ ،21‬وكذلك محققا التسهيل محمد عبد المنعم‬
‫اليونسي وإبراهيم عطوة عوض في مقدمة الكتاب عند ذكر مصنفات ابن جزي‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫التسهيل مقدمة المحققين‪ ،‬وابن جزي قد بين مضمون الكتاب وتسميته حيث قال‪» :‬هذا‬
‫كتاب في فوائد األحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية على مذهب إمام المدينةـ أبي‬
‫عبد هللا مالك ابن انس…« ثم يقول‪(( :‬ثم زدنا إلى ذلك التنبيةـ على كثير من االتفاق‬
‫واالختالف الذي بين اإلمام المسمى محمد بن إدريس الشافعي والإمام أبي حنيفة النعمان‬
‫والإمام أحمد بن حنبل)) ‪ ،‬انظر‪ :‬مقدمة كتاب القوانين الفقهية‪ ،‬مطبعة النهضة تونس‪،‬‬
‫‪ ،1926‬ص‪ ،10‬وقد قام بتحقيقه مؤخرا عبد الكريم الفضيلي وطبع الطبعة األولى سنة‬
‫‪1420‬هـ ‪ 2000/‬م المكتبةـ العصرية بيروت وتوجد نسخة منه بمكتبةـ الحاج البلبالي‪،‬‬
‫انظر‪ :‬فهرس ثبت المخطوطات ص‪ 5‬مصدر سابق‬
‫ــ ‪ 133‬ـ‬
‫وقد قدم في بداية الكتاب بمقدمة في العقيدة معلال ذلك بتقديمـ األهم ألن‬
‫األصول أهم من الفروع‪ ،‬والحق تأخير التابع وتقديم المتبوع‪ ،‬وختمه في‬
‫األخير بكتابـ سماه (الكتاب الجامع) الذي قسمه إلى عشرين بابا‪،‬ـ ونهج فيه‬
‫المؤلف منهج الفقه المقارن‪ ،‬فيأتيـ بالمسألةـ على مذهب مالك‪ ،‬فإن ورد فيها‬
‫خالف نبه عليه ويذكر من خالف من األئمة وإن لم يكن خالف سكت عن‬
‫ذلك داللة على عدم الخالف‪ ،‬وألهمية الكتاب في الفقه اإلسالمي السيما في‬
‫المذهب المالكي فقد طبع عدة مرات وحقق‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ أصول الفقه‪ :‬وصنف في هذا العلم مصنفا عنوانه موسوم كاآلتي‪:‬ـ‬
‫ـ (تقريب الوصول إلى علم األصول)(‪ :)1‬وهو كتابـ في أصول الفقه‬
‫وقد سلك فيه منهج التقسيم والترتيب كما هو الحال في كتابه القوانين‪ ،‬فقسمه‬
‫إلى خمسة فنون‪ ،‬وكل فن قسمه إلى عشرة أبواب‪ ،‬وقدم له بمقدمة ذكر فيها‬
‫فائدة هذا العلم‪ ،‬وتسميتهـ للكتابـ وتفسير كلمة أصول الفقه‪ ،‬وسبب تقسيمه‬
‫الكتاب إلى هذه الفنون‪ ،‬واألبواب‪ ،‬وذكر الدافع من تصنيفه لهذا الكتاب‪،‬ـ ثم‬
‫تطرق إلى التعريف بالفنون الخمسة وفصل القول فيها‪ ،‬وختمه بحمد هللا‬
‫وحسن عونه له‪ ،‬وقد حقق هذا الكتابـ وطبع وخرج إلى النور(‪.)2‬‬
‫‪ 7‬ـ اللغة والنحو‪ :‬وله في هذا المجال كتابـ سماه كاآلتي‪:‬ـ‬
‫ـ (الفوائد العامة في لحن العامة)(‪ )3‬ويظهر من خالل عنوانه أنه كتاب‬
‫خاص بقواعد اللغة والنحو‪.‬‬
‫وهذا يدل على ضلوع ابن جزي في اللغة وقواعدها‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وهناك‬
‫عالقة بين علم اللغة وعلم القراءات‪ ،‬وخاصة في مخارج الحروف‪.‬‬

‫ـ طبع بتونس بمطبعة النهظة سنة ‪1344‬هـ‪1926/‬م تحت عنوان (القوانين الفقهية) قام بنشره‬
‫عبد الرحمان بن حمده ومحمد األمين‪ ،‬وطبع بفاس المكتبة األدبية سنة ‪1935‬م‪ ،‬وكذلك بالدار‬
‫البيضاء بالمغرب في طبعة منقحة‪ ،‬وفي سنة ‪1982‬م نشر بليبيا بطرابلس وطبع كذلك تحت‬
‫عنوان(قوانين األحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية) بتحقيق عبد العزيز سيد األهل‪،‬‬
‫ببيروت‪ ،‬دار العلم للماليين‪ ،‬مطبعة‪ ،‬الناشر‪1968 ،‬م‪ ،‬انظر‪ :‬المعجم الشامل للتراث العربي‪،‬‬
‫محمد عيسى صالحية ص ‪ ،63‬وطبع بالرباط سنة ‪1370‬هـ‪1951/‬م تحت عنوان (كتاب‬
‫القوانين الفقهية)‪ ،‬مطبعة األمنية‪ ،‬وطبع في الجزائر سنة ‪1987‬م بمطبعة دار الكتب‪.‬‬
‫(?) انظر‪ :‬نفح الطيب‪ ،‬المقري‪ ،5/515 ،‬والديباج‪ ،‬ابن فرحون‪ ،‬ص‪ ،295‬وشجرة‬ ‫‪1‬‬

‫النور‪ ،‬مخلوف ‪ ،1/213‬وبرنامج المجاري ص‪ ،88‬وذكر المجاري عنوانه (الوصول‬


‫إلى علم األصول) بحذف كلمة تقريب‪ ،‬المصدر السابق ص ‪.88‬‬
‫(?) حققه محمد على فركوس وطبع بدار التراث اإلسالمي الجزائر الطبعة األولى (‬ ‫‪2‬‬

‫‪1410‬هـ ‪1990 /‬م)‪ ،‬وكذلك حققه الباحث مختار الشنقيطي‪.‬‬


‫(?) انظر‪ :‬نفح الطيب‪ ،‬المقري‪ ،5/515 ،‬والديباج‪ ،‬ابن فرحون‪ ،‬ص‪ ،295‬وشجرة‬ ‫‪3‬‬

‫النور‪ ،‬مخلوف‪ ،1/213 ،‬وإيضاح المكنون البابلي‪ 4/207 ،‬والدرر البن حجر ‪،3/446‬‬
‫والإحاطة ‪.3/22‬‬
‫ــ ‪ 134‬ـ‬
‫وقد تحدث ابن جزي في مقدمة تفسيره عن اللغة ومدى أهميتها في‬
‫جانب التفسير‪ ،‬وبيّن جميع الكلمات الغامضة التي ذكرت في القرآن وأعطى‬
‫لها تفسيراً من الجانب اللغوي(‪( .)1‬كاتبـ مفقود)‬
‫‪ 8‬ـ التاريخ والتراجم‬
‫وله في هذا المجال مصنف وعنوانه كاآلتي‪:‬ـ‬
‫ـ (فهرسة)(‪ )2‬وهو كتاب كبير في تراجم علماء المشرق والمغرب‪،‬‬
‫كما جاء اسمه في المصادر(‪.)3‬‬
‫وـهـذـاـ يـبـيّـنـ أـنـ اـبـنـ جـزـيـ تـرـجـمـ لـجـمـلـةـ مـنـ عـلـمـاـءـ أـهـلـ اـلـمـغـرـبـ‬
‫وـعـلـمـاـءـ أـهـلـ اـلـمـشـرـقـ‪،‬ـ وـالـ يـسـتـبـعـدـ أـنـهـ ذـكـرـ جـمـلـةـ مـنـ شـيـوـخـهـ مـمـنـ أـخـذـ‬
‫عـنـهـمـ بـطـرـيـقـةـ مـبـاـشـرـةـ أـوـ غـيـرـ مـبـاـشـرـ‪،‬ـ وـهـذـهـ عـاـدـةـ أـصـحـاـبـ اـلـفـهـاـرـسـ فـيـ‬
‫اـلـتـأـلـيـفـ وـاـلـتـسـمـيـةـ بـهـذـاـ اـلـمـصـطـلـحـ (ـفـهـرـسـةـ)ـ‪،‬ـ فـإـنـهـ يـوـضـعـ لـسـرـدـ اـلـشـيـوـخـ‬
‫وـتـرـجـمـتـهـمـ‪،‬ـ وـأـسـاـنـيـدـ اـلـمـؤـلـفـ وـمـاـ يـتـعـلـقـ بـذـلـكـ كـمـاـ يـفـعـلـ أـصـحـاـبـ اـلـفـهـاـرـسـ‬
‫وـاـلـبـرـنـاـمـجـ(ـ‪)4‬ـ‪.‬ـ ـ (ـكـاـتـبـ مـفـقـوـدـ)ـ‬
‫هذه مصنفات ابن جزي التي ذكرتها المصادر(‪ ،)5‬وهي تدل على سعة‬
‫علمه وتبحره في كثير من العلوم والفنون فهو موسوعة علم كبيرة ومتنوعة‪،‬‬
‫وإلى جانب هذه المصنفات الدالة على آثاره‪ ،‬فقد ترك آثارا أخرى متمثلة في‬
‫تالميذه الذين خلدوا ذكره وأظهروا فضله فورثوا علمه وجسدوا آثاره‬
‫جهاده واستشهاده‪ :‬لقد جاهد بقلمه فدون وصنف‪ ،‬وبلسانه فخطب‬
‫ودرس‪ ،‬وبعقله اجتهد وأفتى‪ ،‬وساهم في تكوين جيل من األعالم‪ ،‬وبجانب‬

‫(?) انظر‪ :‬التسهيل‪ ،‬ابن جزي ‪25 /1‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) نفخ الطيب‪ ،‬المقري ‪ ،515/ 5‬والإحاطة ‪ ،3/22‬فهرس الفهارس‪ ،‬الكتاني ‪،306 /1‬‬ ‫‪2‬‬

‫والدبياج المذهب ص‪ 295‬ـ وشجرة النور ‪1/213‬‬


‫(?) المصادر السابقة نفسها‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) يطلق مصطلح فهرسة على الكتاب الذي يجمع فيه الشيخ شيوخه‪ ،‬وأسانيده وما‬ ‫‪4‬‬

‫يتعلق بذلك ومنهم من يطلق عليه مصطلح المشيخة‪ ،‬انظر‪ :‬فهرس الفهارس ‪ ،1/67‬ومن‬
‫أمثلة ذلك مشيخة ابن الجزري ـ ألحمد بن على الجزري‪ ،‬ومنهم من يطلق عليه مصطلح‬
‫البرنامج ككتاب برنامج المجاري لعلي المجاري وبالنسبة للفهارس ككتاب فهرس ابن‬
‫عطية لعبد الحق بن عطية‪ ،‬وغيرها من هذا الصنف‪ ،‬وقد ألف الكتاني معجما جمع فيه‬
‫هذه الكتب من هذا النوع وأطلق عليه اسم (فهرس الفهارس واإلثبات ومعجم المعاجم‬
‫والمشيخات والمسلسالت) في ثالثة مجلدات وبين في المقدمة هذه المصطلحات‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫‪ 1/67‬وما بعدها ثم ذكر في كتابه هذا المصنفات التي هي من صنف الفهرسة والثبت‬
‫والمعجم والمشيخة والبرنامج والمسلسل‪ ،‬انظر‪ :‬األجزاء الثالثة من هذا الكتاب واسمه‬
‫دال عليه‪.‬‬
‫(?) مصادر ترجمة ابن جزي السابقة الذكر‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫ــ ‪ 135‬ـ‬
‫هذا الجهاد العلمي فقد جاهد بنفسهـ وحمل سيفه في وجه األعداء‪ ،‬حيث خاض‬
‫معركة طريف ‪ ،)1‬التي استشهد فيها يوم االثنينـ التاسع من جمادى األولى‬
‫عام واحد وأربعينـ وسبعمائةـ للهجرة (‪ 9‬جمادي األولى‪741‬هـ) الموافق ‪29‬‬
‫أكتوبر ‪1340‬م(‪ ،)2‬وبذلك فقدت األندلس أحد أعالمها ومجاهديها الذي ترك‬
‫آثارا مجسدة في تالميذه وأبنائهـ حملوا علمه وواصلوا دربه‪ ،‬والذي ترك‬
‫مصنفات مازالت لوقتنا هذا منهال للعلم والمعرفة والبحث‪.‬‬
‫ثانيا ـ نـوازل عصـره‬
‫رغم عدم االستقرار السياسي والصراعات الداخلية والخارجية وتكالب‬
‫النصارى على غرناطة كانت الحياة الفكرية والحركة العلمية متواصلة‬
‫واإلنتاج العلمي موفور حيث ظهر في غرناطة على عهد ابن جزي أعالم‬
‫في شتى العلوم والفنون منها الشرعية‪ ،‬واألدبية والعقليةـ‪ ،‬وبروز حركة‬
‫االجتهاد في العلوم الشرعية‪ ،‬وكان من نتائجها اشتهار بعض العلماء في‬
‫االجتهاد‪ ،‬حيث وقعت وقائع ونزلت نوزل بالمجتمع في شتى الميادين‬
‫طرحت على علمائه وأجابوا عنها‪،‬ـ وقد جمع أحمد بن يحي الونشريسي في‬
‫موسوعته الفقهية التي تجمع فتاوى أهل األندلس والمغرب وسماها المعيار‬
‫المعرب والجامع المغرب لفتاوى األندلس وأفريقية والمغرب منها مسائلـ‬
‫ونوازل فقهية ظهرت في عصره داخل وخارج غرناطةـ وسنتناولـ بعضها‬
‫كأمثلة على ذلك في موضعها‪.‬‬
‫لقد تضلع ابن جزي في الفقه المالكي‪ ،‬وأصبح من أعالم هذا المذهب‬
‫ود ّون كتابه المشهور (القوانين الفقهية)‪ ،‬وهو كتاب لخص فيه المذهب‬
‫المالكي‪ ،‬وأشار إلى المذاهب الثالثةـ األخرى مما يدل على تعمقهـ في الفقه‬
‫بصفة عامة‪ ،‬والفقه المالكي بصفة خاصة‪ ،‬وكما أشار إلى األحكام الفقهية في‬
‫ثناياـ تفسيره‪ ،‬وذلك عند تعرضه آليات األحكام(‪.)3‬‬

‫(?) هي شبه جزيرة تقع جنوب األندلس‪ ،‬انظر‪ ، :‬نزهة المشتاق أبو عبد هللا الشريف‬ ‫‪1‬‬

‫اإلدريسي‪ ،‬تح اسماعيل العربي ط‪ 1983‬الجزائر ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬ص‪،262‬‬


‫واآلثار الأندلسية الباقية‪ ،‬عبد هللا عنان ص‪ ،278‬والمعيار المعرب للونشريشي ‪.7/466‬‬
‫(?) انظر‪ :‬الإحاطة ‪ ،3/20‬وشجرة النور‪ ،‬مخلوف‪ ،1/213 ،‬ونيل االبتهاج‪ ،‬التنبكتي ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 238‬والديباج المذهب ابن فرحون ص‪ ،296‬ونفح الطيب المقري ‪ ،514 /5‬والدرر‬


‫الكامنة البن حجر ‪ ،447 /3‬وطبقات المفسرين‪ ،‬الداودي ‪ ،62 ،85 /2‬وألف سنة من‬
‫الوفيات ص ‪ ،192‬تح‪ :‬محمد حجي‪ ،‬دار الغرب‪ ،‬الرباط ‪1976‬م‪ ،‬برنامج المجاري‪،‬‬
‫على المجاري‪ ،‬تح‪ :‬أبو األجفان ص ‪ ،88‬وقد ذكر ابن الخطيب أنه توفي في اليوم السابع‬
‫من جمادي األولى في ضحوة الإثنين من عام ‪741‬هـ‪.‬‬
‫(?) التسهيل‪ ،‬ابن جزي ـ أغلب األجزاء‪ ،‬مثاله‪ 73/ 1 :‬ـ ‪ 82‬ـ ‪ 85‬ـ ‪ 86‬ـ ‪ 83‬ـ ‪ 130‬ـ ‪ 71‬ـ‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 51‬ـ ‪ 186‬ـ ‪ 96‬ـ ‪ 184‬ـ ‪ 3/105‬ـ ‪ 142‬ـ ‪ 43‬ـ ‪ 4/103‬ـ ‪93‬‬


‫ــ ‪ 136‬ـ‬
‫وتأهل ابن جزي لإلفتاء وهي درجة علمية يرتقي إليها من وصل إلى‬
‫درجة االجتهاد أو قارب منها أو كان ملما بالعلوم الشريعة بصفة عامة‪،‬ـ‬
‫وعلمي األصول والفقه بصفة خاصة‪ ،‬وابن جزي وصف باالجتهاد‬
‫واستيعاب العلوم‪ ،‬وقد صنف في األصول والفقه وغيرها من العلوم الشرعية‬
‫والعربيةـ واقتداره على التدريس والخطابة‪ ،‬مما جعله أهال لالجتهاد واإلفتاء‪،‬‬
‫وقد نقل عنه صاحب نفح الطيب تمكنّهـ من اإلفتاء حيث قال‪(( :‬أحد المفتيين‬
‫بغرناطةـ عالم األندلس الطائرة فتياه منها إلى طرابلس))(‪ )1‬وكذلك إفتاؤه على‬
‫المذهب المالكي‪ ،‬وله مسائلـ وفتاوى نقل منها صاحب المعيار(‪ ،)2‬في‬
‫موسوعته الفقهية التي تجمع فتاوى أهل األندلس والمغرب‪ ،‬وهذا يدل على‬
‫مكانة ابن جزي بين علماء األندلس وأفريقية في الفتوى والفقه بصفة عامة‪.‬ـ‬
‫تناول ابن جزي المسائلـ الفقهية في تفسيره عند تعرضه آليات األحكام‬
‫فقال في مقدمته‪:‬ـ (وأما أحكام القرآن فهي ما ورد فيه من األوامر والنواهي‬
‫والمسائلـ الفقهية‪،‬ـ قال بعض العلماء إن آيات األحكام خمسمائة آية وقد تنتهي‬
‫إلى أكثر من ذلك إذا استـقصي تتبعهاـ في مواضعها‪)...‬ـ(‪ ،)3‬فقد عني ابن‬
‫جزي في تفسيره بآياتـ األحكام عنايةـ فائقة نظرا التجاهه الفقهي أكثر‪،‬‬
‫وتقريره للمذهب المالكي واالستدالل بأقوال مالك وتالمذته كابن القاسم وبن‬
‫الماجشون وأشهب وغيرهم‪ ،‬وفي بعض األحيان يذكر المذاهب األخرى ومن‬
‫أمثله ذلك قوله تعالى‪:‬ـ ﮋﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮊ (‪،)4‬‬
‫قال ابن جزي‪(( :‬إباحة الفطر مع المرض والسفر وقد يجب الفطر إذا خاف‬
‫الهالك وفي كالم عند الجمهور محذوف يسمى فحوى الخطاب والتقدير فمن‬
‫كان منكم مريضا أو على سفر فأفطر فعليه عدة من أيام أخر)) (‪ ،)5‬وفي قوله‬
‫تعالى‪ :‬ﮋﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬﮊ(‪.)6‬‬ ‫ﯨ ﯩ‬
‫قال ابن جزي‪(( :‬واشترط المسكنة دليل على أنه ال يجزي في الكفارة‬
‫إطعام غني فإن اطعم جهال لم يجزه على المشهور في المذهب واشترط‬

‫(?) نفخ الطيب‪ ،‬المقري ‪526/ 5‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) المعيار ‪ 27/ 3‬ـ ‪10/211‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) التسهيل ‪.1/7‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫(?) سورة البقرة‪.184/‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) التسهيل ‪.1/71‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) سورة المائدة‪.89/‬‬
‫ــ ‪ 137‬ـ‬
‫مالك أيضا أن يكونوا أحرارا مسلمين وليس في اآلية ما يدل على ذلك))(‪،)1‬‬
‫()‬
‫وفي قوله تعالى‪ :‬ﮋﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮊ ‪. 2‬‬
‫قال ابن جزي‪(( :‬وفي هذا دليل على جواز النظر إلى المرأة إذا أراد‬
‫الرجل أن يتزوجها))(‪.)3‬‬
‫هذه بعض النماذج من آيات األحكام التي تعرض لها بن جزي في‬
‫تفسيره‪ ،‬وكذلك في طرحه للمسائلـ في كتابه القوانين والذي رتبه على أبواب‬
‫الفقه في العبادات والمعامالتـ فيأتيـ بالموضوع ويقسمه ويتحدث فيه عن‬
‫مذهب مالك ويسند األقوال إلى أعالم المذهب وفي بعض األحيان يذكر‬
‫أصحاب المذاهب األخرى حتى المذهب الظاهري أحيانا ومثاله في العبادات‬
‫الكتاب األول الطهارة وفيها مقدمة وعشرة أبواب والمقدمة فيها مسألتان‬
‫األولى في أنواع الطهارة وهي على نوعين معنوية وحسية والمسألة الثانيةـ‬
‫في شروط وجوب الطهارة وعدها عشرة شروط والبابـ األول من الكتاب‬
‫األول في الوضوء وقسمه إلى أربعة فصول فاألول في أنواع الوضوء‬
‫والثانيـ قي فرائض الوضوء وأورد هنا مذهب الظاهرية وهكذا في تـقسيمه‬
‫لموضوع العبادات وكذلك في المعامالت وهو القسم الثانيـ من كتابـ القوانين‬
‫مثاله كتاب البيوع حيث قسمه إلى اثنا عشرة بابا فاألول في أركان البيع‬
‫فتحدث فيه عن شروط كل ركن وأورد كالم بعض المذاهب األخرى‬
‫كالشافعي وأبي حنيفة وفي بعض األحيان يذيل الباب بفرع أو مسألة وهكذا‬
‫في سائر المواضيع‪.‬‬
‫لقد تكلم ابن جزي في الفتوى والنازلة وشروط المفتي وحالة المستفتى‬
‫حيث أشترط على المفتي أن تتوفر فيه شروط االجتهاد وإال أن ينقلـ أقوال‬
‫إمام المذهب فالمفتى على مذهب مالك يستند إلى أقوال مجتهدي المالكية‬
‫ويحقق في أقوالهم في النوازل حيث قال ابن جزي‪(( :‬فيجب أن يحقق قول‬
‫إمامه في النازلة التي أفتى بها))(‪ ،)4‬وأجاز للمفتى الذي لم يبلغ درجة االجتهاد‬
‫أن يقلد عالما من علماء مذهبه وأن يكون أعلم منه ال مثله‪،‬ـ قال بن جزي‪:‬‬
‫((أما العالم فإن كان عالما لم يبلغ درجة االجتهاد جاز له أن يستفتيـ ويقلد‬
‫إماما وإن لم يبلغ درجة االجتهاد فا كثر أهل السنة أنه ال يجوز له التقليد‬

‫‪1‬‬
‫(?) التسهيل ‪1/186‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) سورة األحزاب‪.52/‬‬
‫(?) التسهيل ‪.3/105‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) التقريب ‪.160‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 138‬ـ‬
‫وأجازه أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه(‪ )1‬وسفيان الثوري(‪ )2‬مطلقا‬
‫وأجازه محمد بن الحسن(‪ )3‬أن يقلد من هو أعلم منه ال من هو مثله))(‪.)4‬‬
‫وتحدث ابن جزي عن حالة المستفتي وهو العامي الذي ال يعرف‬
‫طرق األحكام فال يجوز له أن يستفتيـ من شاء على اإلطالق ألنه ربما‬
‫استفتى من ال يعرف الفقه بل يجب عليه أن يتعرف على حال الفقيه في علمه‬
‫وعدالته فإن وجد عالما واحدا قلده وإن وجد أكثر من ذلك يختار أعلمهم‬
‫وأفضلهم وإن استفتىـ عالمينـ فاختلفا في الفتيا فيأخذ بالقول االحوط‪.‬‬
‫ومن أمثلة النوازل التي طرحت على ابن جزي من خارج غرناطة‬
‫كالجزائر (تلمسان)‪،‬ـ حيث ورد في المعيار أنه طرحت عليه عدة مسائل‪،‬‬
‫منها مسألة (القاضي الذي يقسم أجرة الوثائقـ مع الشاهدين)ـ ونص السؤال‬
‫كاآلتي‪:‬‬
‫((سئل من تلمسان الخطيب الشهير أبو القاسم بن جزي عمن ثبت عليه‬
‫من القضاة أنه كان يقسم أجرة الوثائقـ على الشاهدين القاعدين معه‪.‬‬
‫فأجاب‪ :‬وأما المسألة السادسة وهي ما ثبتـ عليه من أنه كان يقسم‬
‫أجرة الوثائقـ على الشاهدين القاعدين معه فينظر‪ ،‬فإن كان فيها عمل من‬
‫تبييضـ العقد وإصالحه‪ ،‬وتعليم الكاتبين فذلك جائز له‪ ،‬وإن كانت تدعوه‬
‫لذلك ضرورة لكونه ال يعطاه من بيت مال المسلمين ما يكفيه فيسامح في ذلك‬
‫ألجل الضرورة‪ ،‬على أنه كان ينبغي له أن ينزه نفسه عنه ؛ وإن كان ال‬
‫يعمل في ذلك عمال وال تدعوه حاجة وال ضرورة فقد أساء في ذلك))(‪.)5‬‬
‫ومن النوازل التي عقب عليها ابن جزي على العلماء كالمازري(‪ ،)6‬قال‬
‫الونشريسي(‪(( :)7‬ولما وقف الخطيب الشهير أبو القاسم بن جزي على جواب‬
‫اإلمام أبي عبد هللا المازري (ملخص المسألة‪ :‬إمتاع الزوج من مال الزوجة‬
‫منها أو من أبيها في عقد النكاح وكذلك السكنى في دارها واستغالل أرضها‬
‫وكتبه في عقد منفرد فبين المازري أنه إن عثر على نكاح تحقق انعقاده على‬

‫(?) إسحاق ابن راهويه هو أحد علماء نيسابور له مسند وتفسير توفي سنة ‪238‬هـ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سفيان الثوري هو أحد علماء الكوفة عالم في الحديث والفقه والتصوف توفي سنة‬ ‫‪2‬‬

‫‪161‬هـ‬
‫(?) محمد بن الحسن الشيباني هو عالم بالفقه واألصول من أصحاب أبي حنيفة تولى‬ ‫‪3‬‬

‫القضاء له كتاب الجامع الكبير والجامع الصغير وكتاب الزكاة توفي ‪189‬هـ)‬
‫(?) التقريب ‪.161‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) المعيار ‪10/211‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) له فتاوى في المعيار ‪3/26‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) الونشريسي‬ ‫‪7‬‬

‫ــ ‪ 139‬ـ‬
‫هذا الشرط فإنه يقضي بفسخه‪ ))1(...‬قال ابن جزي‪( :‬هذه المسألة التي تكلم‬
‫عليها المازري ‪ ،‬قد كثر في زمننا وبلدتنا وقوع الناس فيها وتفاقم األمر فيها‬
‫بإمتاع المرأة‪ ،‬أو والدها للزوج في سكنى دارها واستغالل أرضها‪ ،‬وذلك فاسد‬
‫من ثالثة أوجه‪:‬‬
‫ـ األول‪ :‬ما ذكره المازري من الجهالة في ذلك فيما يقابلهـ من‬
‫الصداق‪.‬‬
‫ـ الثاني‪ :‬أن يجتمع في ذلك بيع ونكاح واجتماعهاـ ممنوع‪.‬‬
‫ـ الثالث‪ :‬أنه يؤدي ألن يبقي النكاح بغير صداق فإن الذي ينتفع به‬
‫الزوج من االستغالل والسكنى ربما قد يكون مثل الصداق أو أكثر والسيما إن‬
‫طالت مدة اإلمتاع فيقابل الصداق بذلك فكأنه لم يعطها شيئا‪ ،‬ولكن إنما يمنع من‬
‫هذا الوجه إذا كان اإلمتاع شرطا مقارنا للعقد فإن كان تطوعا بعد انعقاد العقد‬
‫لم يمنع من هذا الوجه‪ ،‬ألنه كأن المرأة أعطته حظا من مالها‪ ،‬وذلك جائز‬
‫بشرط أال تنعقد عليه القلوب حين العقد‪ ،‬ويجوز أيضا أن يكون مقارنا للعقد إذا‬
‫كان اإلمتاع في ملك غير ملك الزوجة أال ترى ماروي عن مالك أنه أجاز أن‬
‫يقول الرجل آلخر تزوج ابنتي على أن أعطيك مائة دينار وذلك أن المائة‬
‫دينار من مال والد الزوجة ال من مالها وهو أشد من اإلمتاع))(‪.)2‬‬
‫وطرحت على معاصريه نوازل عدة نذكر منها على سبيل المثال ال‬
‫الحصر‪:‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫ـ وسئل الجزولي عن شركة الخماس فأجاب أختلف في األمر فقيل‬
‫جائز ألنه شريك وقيل غير جائز ألنه أجير(‪.)4‬‬
‫ـ وسئل ابن لب(‪ )5‬عن من تزوج أو راجع زوجته من غير إشهاد‬
‫فأجاب أن اإلشادة بالزواج وشهرته مع علم الزوجين والولي يكفي وان لم‬
‫يحصل إشهاد(‪.)6‬‬

‫(?) وتفصيل المسألة في المعيار ‪ 26 /3‬ـ ‪27‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) المعيار ‪3/26‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) الجزولي‪ :‬وهو إمام حافظ‪ ،‬مجتهد في مذهب مالك‪ ،‬حجة في الرسالة‪ ،‬والمدونة‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫أعلم الناس بمذهب مالك يحضر مجلسه أكثر من ألف فقيه‪ ،‬له فتاوى في المعيار‪.‬‬
‫(?) المعيار ‪ 151 /4‬ـ ‪152‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) ابن لب‪ :‬أحد علماء غرناطة ومجتهديها‪ ،‬اشتهر بالفتوى والمناظرة‪ ،‬له فتاوى في‬ ‫‪5‬‬

‫المعيار‬
‫(?) المعيار ‪ 28 /3‬ـ ‪ 29‬ـ ‪.30‬‬ ‫‪6‬‬

‫ــ ‪ 140‬ـ‬
‫ـ وسئل كذلك عن امرأة زوجت بنتـ لها واعترفت لها بأصول وحلي‬
‫ثم توفيت البنتـ فأجاب بأن كل ما صنعت األم البنتهاـ لجهازها أو صنعت لها‬
‫غيرها موروث عن البنت لورثتهاـ(‪.)1‬‬
‫ـ وسئل الشاطبيـ(‪ )2‬عن تطهير أواني الخمر انه قد اختلف فيها على‬
‫قولين فأجاب األظهر من القولين صحة التطهير بالماء(‪.)3‬‬
‫ـ وسئل الشريف التلمسانيـ(‪ )4‬عن قوم جمعوا زكاتهم لشخص غريب‬
‫هدفه طلب العلم وهو في أشد الحاجة إلى مال‪ ،‬فأجاب إن كان أشد حاجة جاز‬
‫إعطاء الزكاة إياه(‪.)5‬‬
‫ـ وسئل المواق(‪ )6‬عن من تزوج في أرض الحرب بامرأة أسيرة وولد‬
‫له معها أوالد فأجاب لألسير أن يتزوج نصرانية ألنه قد تعذر خروجه‪،‬‬
‫وكذلك لألسير أن يطأ زوجته األسيرة وأوالده نسبهم ثابت(‪.)7‬‬
‫ـ وسئل كذلك عن من تزوج بكرا فدخل بها فوجدها ثيبا فأجاب فإن‬
‫كان زناها بعد ما كتبتـ فهي مصيبة نزلت بالزوج وإن كان قبل ذلك وعقد‬
‫عليها قبل االستبراء فالنكاح مفسوخ وإن كان العقد بعد االستبراء فذلك عيب‬
‫ترد به(‪.)8‬‬
‫ـ وابن رشيد(‪ )9‬قد وقعت له واقعة بمسجده بجامع غرناطة حيث ظن‬
‫أن المؤذن الثالث قد فرغ من أذانه فشرع يخطب والمؤذن قد رفع صوته‬
‫بأذانه فاستعظم ذلك بعض الحاضرين فهم آخر بإشعاره وتنبيهه وكلمه آخر‬
‫فلم يثنهـ ذلك عما شرع فيه‪ ،‬وقال بديهة‪( :‬أيها الناس رحمكم هللا إن الواجب ال‬

‫(?) المعيار ‪ 168 /3‬ـ ‪.169‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الشاطبي‪ :‬أحد علماء غرناطة ومجتهديها اشتهر بالفتوى والمناظرة‪ ،‬وتخصص في‬ ‫‪2‬‬

‫علم المقاصد وأصول الشريعة له فتاوى في المعيار‪.‬‬


‫(?) المعيار ‪.26/ 1‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) الشريف التلمساني‪ :‬العالم الحجة الناظر‪ ،‬نشر العلم باألندلس والجزائر له فتاوى في‬ ‫‪4‬‬

‫المعيار له فتاوى في المعيار‪.‬‬


‫(?) المعيار ‪.394/ 1‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) المـــــــــوّاق‪ :‬وهو محمد بن أحمد األنصاري‪ ،‬يكنى بأبي عبد هللا‪ ،‬معلم لكتاب هللا‬ ‫‪6‬‬

‫خطيب بمسجد ربض الفخارين‪ ،‬مستقيما في طريقته توفي سنة ‪750‬هـ‪ ،‬له فتاوى في‬
‫المعيار‪.‬‬
‫(?) المعيار ‪ 210 /3‬ـ ‪.211‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) المعيار ‪ 3/167‬ـ ‪.168‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) أحد شيوخ ابن جزي‪ ،‬سبق التعريف به ضمن تحصيله العلمي‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫ــ ‪ 141‬ـ‬
‫يبطله المندوب وإن األذان الذي بعد األول غير مشروع الوجوب فتأهبوا‬
‫لطلب العلم وانتبهوا‪)...‬ـ(‪.)1‬‬
‫هذه نماذج من النوازل التي طرحت على ابن جزي ومعاصريه تدور‬
‫معظمها في العبادات والمعامالتـ والعقائد وشؤون الناس في الحرب والسلم‬
‫واالستقرار والترحال واالختالط بأصحاب الملل والنحل والديانات األخرى‬
‫كنصارى األندلس‪.‬‬

‫(?) المعيار ‪.175/ 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 142‬ـ‬
‫فقهاء النوازل المالكية في القرنين الثامن والتاسع الهجريين‬
‫ـ أجوبة أبي الحسن الصغير نموذجا ـ‬
‫‪ ‬د‪/‬الناجي لمين‬
‫دار الحديث الحسنية للدراسات اإلسالمية العليا‬
‫الرباط‪ .‬المملكة المغربية‬
‫تمهيد‬
‫لقد كان من خصائص التأليف في المذهب المالكي بــالغرب اإلســالمي‪:‬‬
‫إفراد أجوبة العلمــاء على نــوازل الــوقت بكتبـ خاصــة‪ ،‬مســتقلة عن مؤلفــات‬
‫الفقه العام‪.‬‬
‫وعرف القرنان الثامن والتاسع الهجريان نشاطاـ غــير مســبوق في هــذا‬
‫الفن من التأليف‪ .‬ولــذلك وجــدنا ــ مثال ــ الفقيه النــوازلي أبا العبــاس أحمد بن‬
‫يحيى الونشريسي في كتابه "المعيــار المعــرب والجــامع المغــرب عن فتــاوي‬
‫أهل إفريقيةـ واألنــدلس والمغــرب" يعتمدـ كثــيرا على فتــاوى فقهــاء هــذين‬
‫القرنين‪.‬‬
‫لذلك أحببت أن أعرف بأعالم هذه المرحلة التاريخية‪ ،‬وأبرز جهــودهم‬
‫في فقه النـــوازل‪ ،‬وأفصل الحـــديث بعض التفصـــيل عن الشـــيخ أبي الحسن‬
‫الصغير باعتباره رائد هؤالء الفقهاء ومقــدمهم‪ ،‬وعن أجويته الــتي من خاللها‬
‫أبــرز منهج أبي الحســين الصــغير االســتنباطيـ الــذي يمثل إلى حد بعيد منهج‬
‫النوازليين في عصره‪ ،‬وبعد عصره‪ .‬فأقول وباهلل التوفيق‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬التعريف بفقهاء الن وازل في الق رنين الث امن والتاس ع‪،‬‬
‫وإبراز جهودهم في فقه النوازل‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬فقهاء النوازل بالقرن الثامن‪ ،‬وإبراز جهودهم في فقه‬
‫النوازل‬
‫‪ 1‬ـ أبو الحسن الص غير‪ :‬علي بن محمد بن عبد الحق الــزرويلي (ت‬
‫‪719‬هـ)‪ .‬له أجوبة قيدها عنه تالمذته‪.‬ـ وسيأتي الحديث عنها إن شاء هللا‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أبو عبدهللا ابن عبد الن ور‪ :‬محمد بن محمد بن عبد النـور التونسي‬
‫(توفي بعد سنة ‪726‬هـ)‪(( ،‬اإلمام الفقيه المتفننـ في ســائر العلــوم))(‪ .)1‬نص ابن‬
‫فرحــون في الــديباج على أن له في الفقه كتابا ((جمع فيه فتــاوى على طريقة‬
‫أحكام ابن سهل‪ ،‬سماه الحاوي في الفتاوي))(‪.)2‬‬
‫‪ 3‬ـ بره ان ال دين الصفاقصي‪ :‬إبــراهيم بن محمد بن إبــراهيم القيسي‬
‫الصفاقسي (ت‪743‬هـ)‪.‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.206 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الديباج ص ‪ .419‬والكتاب وصلنا‪ .‬ومنه نسخة موجودة باألزهر الشريف‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 143‬ـ‬
‫ذكر ابن حجر في الــدرر الكامنة أنه ولد في حــدود ســنة ســبع وتســعين‬
‫وستمائة‪ ،‬وأنه ((ســمع ببجايةـ من شــيخها ناصر الــدين‪ ،‬ثم حج‪ ،‬وأخذ عن أبي‬
‫حيـان بالقـاهرة‪ ،‬وعن غـيره‪ .‬ثم قــدم هو وأخـوه(‪)1‬دمشق ســنة ثمــان وثالثين‪،‬ـ‬
‫فســـمعا كثــــيرا من زينب بنت الكمـــال‪ ،‬وأبي بكر بن عنــــتر‪ ،‬وأبي بكر بن‬
‫الرضى‪ ،‬والمزي وغيرهم‪.) 2())...‬‬
‫وله بعض التـــآليفـ في النـــوازل؛ فقد نقل صـــاحب نيلـ االبتهـــاج عن‬
‫الخطيب ابن مـــرزوق الجد قولـــه‪(( :‬من شـــيوخي إبـــراهيم الصفاقصي نزيل‬
‫القــاهرة‪ ،‬وأحد أئمتهــا‪..‬قــرأت عليه بعض تآليفهـ في نــوازل من الفــروع الــتي‬
‫سئل عنهــا‪،‬ـ منهــا‪:‬ـ "الــروض األريج في مســألة الصــهريج"‪:‬ـ ســئل عن أرض‬
‫ابـــتيعتـ فوجد فيها صـــهريج مغطى‪:‬ـ هل يكـــون كواحد من األحجـــار أم ال؟‬
‫)‬
‫‪3‬‬
‫وأبدع فيهــا‪ ،‬وخــالف كثــيرا من المالكيــة‪ ،‬وعمل على مذهبه فيهــا‪ ،‬والجــزء‬
‫(الذي ألفه في إسماع المؤذنين خلف اإلمام‪ ،‬وغيرها‪.(4)))...‬‬
‫‪ 4‬ـ إب راهيم بن عبد هللا بن أبي زيد(‪ )5‬ابن أبي الخ ير(‪ )6‬اليزناسي‪.‬‬
‫ُوصف بالعلم والفقه والصالح‪ .‬وهو أحد أعيان أصحاب أبي الحسن الصغير‪.‬‬
‫كان مفتي فاس‪ .‬وله فتاوى نقلها الونشريسي في المعيار‪.‬‬
‫كـــان حيّـــا ً بعد األربعينـ وسبعمــــائة(‪ .)7‬وله حفيد جليل القـــدر‪ ،‬اســـمه‬
‫أبراهيم ـ أيضا ـ ابن محمد‪ .‬سيأتي‪.‬‬

‫(?) يعني شمس الدين محمد‪ ،‬كما في الديباج ص ‪.150‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الدرر الكامنة ‪.1/61‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) يعني‪ :‬وسمعت منه الجزء‪..‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪.1/26‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?)كذا في طبعة «جــذوة االقتبــاس»‪ ،‬وفي طبعة «نيل االبتهــاج» ألحمد بابا ــ وقد نقل‬ ‫‪5‬‬

‫ترجمته من «الجذوة» ـ‪« :‬بن زيد»‪.‬‬


‫(?)لم يحصل االتفاق من المصادر والمراجع التي اطلعت عليها على كنيته‪:‬ـ ففي بعضها‬ ‫‪6‬‬

‫أبو موســى‪ ،‬وفي بعضــها أبو ســالم‪ ،‬وفي بعضــها أبو إســحاق‪ ،‬وهو أشــبه بالصــواب‪.‬‬
‫وبعض هــذه المصــادر ســكتت عن الكنيــة‪ ،‬كمـا هو الحــال عند ابن القاضي في «جــذوة‬
‫االقتباس» ‪ ،1/86‬رقم‪ ،6 :‬وتبعه أحمد بابا في «نيل االبتهاج» ‪.1/24‬‬
‫(?)ينظر‪ :‬نيل االبتهاج ‪1/24‬؛ وشجرة النور‪.218 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫ــ ‪ 144‬ـ‬
‫‪ 5‬ـ أبو الضياء مص باح بن محمد بن عبد هللا اليلصــوتي(‪( )1‬ت‪750‬هــ)‬
‫(‪« ،)2‬الفقيه الصالح»(‪.)3‬‬
‫قــال أحمد باباـ التنبكــتي‪« :‬كــان‪ ..‬حافظــا ً نوازليــاً‪ .‬وهو أول من درّس‬
‫بمدرسة أبي الحسن المريـــني بفـــاس‪ ،‬فنُســـبت إليه(‪ ،)4‬وتفقه على أبي الحسن‬
‫الصغير‪ ،‬وغيره»(‪.)5‬‬
‫وله فتاوى‪ ،‬نقل الونشريسي بعضها في المعيار(‪.)6‬‬
‫‪ 6‬ـ أحمد بن عيسى البج ائي‪ .‬له فتــاوى؛ قــال صــاحب نيل االبتهــاج‪:‬‬
‫((أحمد بن عيسى البجائي‪ ،‬عالمتها وصالحها‪ ،‬في طبقة ابن إدريس‪ ،‬أخذ عنه‬
‫الوغليسي)‪ ،(7‬وأبو القاسم المشدالي‪ ،‬وأبو الحسن المانجالتيـ)‪ ،(8‬وغيرهم‪ .‬وله‬
‫فتاوى‪ .‬ولم أقف على وفاته وال على والدته)))‪.(9‬‬
‫‪ 7‬ـ أبو عبد هللا الرعي ني‪ :‬محمد بن ســــعيد بن محمد بن عثمــــانـ‬
‫الرعيني‪ ،‬األندلســي‪ ،‬الفاسي مولــدا ووفــاة (ت‪778‬هـ)‪ .‬من أعالم مدينةـ فــاس‪.‬‬
‫يعرف بالرعيني وبالسراج‪ .‬تفقه على أبي الحسن الصغير‪ ،‬وعبد الــرحمن بن‬
‫)‪10‬‬
‫عفان الجزولي‪ ،‬وغيرهما من أهل المشرق والمغرب‪ .‬له األسئلة واألجوبة‬
‫(‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ أبو العب اس القب اب‪ :‬أحمد بن قاسم بن عبد الرحمــان (ت‪779‬هـــ)‪.‬‬
‫وصف بالحفظ والعلم والصــــــــــــالح‪ .‬رحل وحج‪ ،‬ولقي أهل العلم والفضل‬
‫والصالح وانتفع بهم‪ .‬قال فيه أحمد باباـ التبكتي في نيلـ االبتهاج‪(( :‬تــولى الفتيا‬

‫(?)في أكثر المصادر والمراجع «اليالصوتي»‪ ،‬وهو خطأ نحوا وتاريخا‪ .‬وأبعد من ذلك‬ ‫‪1‬‬

‫ما جــاء في بعض المصــادر والمراجع من تقــديم الصــاد على الالم «الياصــلوتي»‪ .‬وفي‬
‫طبعة «جذوة االقتباس» ُكتبت الكلمة مــرة بتقــديم الالم‪ ،‬ومــرة بتأخيرهــا‪ ،‬مع إثبــات ألف‬
‫المد في الموضعين‪ .‬وهناك بشمال المغرب أسرة تسمى‪« :‬األسرة اليلصــوتية»‪ ،‬وينتسب‬
‫إليها جمع من العلمـاء‪ ،‬منهم أبو الحسن الصغير‪.‬‬
‫(?)ينظر‪ :‬وفيات الونشريسي ضمن كتــاب «ألف ســنة من الوفيــات»‪ .119 :‬وينظر فيه‬ ‫‪2‬‬

‫«لقط الفرائد»‪:‬ـ ‪.203‬‬


‫(?)ينظر‪ :‬المعيار ‪.2/431‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?)قال ابن القاضي‪« :‬وإليه تنسب المدرسة المصــباحية»‪ .‬ينظر «لقط الفرائــد» ضــمن‬ ‫‪4‬‬

‫كتاب «ألف سنة من الوفيات»‪203 :‬؛ وجذوة االقتباس ‪.1/336‬‬


‫(?)نيل االبتهاج ‪.2/306‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?)ينظر‪ :‬المعيار ‪.13/425‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) سيأتي‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) سيأتي‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪.1/97‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?)نيل االبتهاج ‪ 1/120‬ـ ‪ ،122‬وشجرة النور ص‪.236 :‬‬ ‫‪10‬‬

‫ــ ‪ 145‬ـ‬
‫بفــــاس‪ ،‬وله فتــــاوى مشــــهورة مجموعة وقفت عليهــــا‪ .‬وهو أول من نقل‬
‫الونشريسي عنه في المعيار))‪ .‬ونقل عنه البرزلي أيضا في نوازله)‪.(1‬‬
‫‪ 9‬ـ أبو علي الونشريس ي‪ :‬الحسن بن عطيةـ التجـــاني المكناسي (ت‬
‫‪781‬هـــ)‪ .‬الفقيــه‪ ،‬العــالم المفــتي‪،‬ـ القاضــي‪ .‬وصف بالعــدل‪.‬ـ له فتــاوى ذكر‬
‫الونشريسي في المعيار جملة منها)‪.(2‬‬
‫‪ 10‬ـ أبو سعيد ف رج بن قاسم بن لب الغرناطي(ت‪782‬هـ)‪ .‬له "فتــاوى‬
‫مشهورة")‪.(3‬‬
‫‪ 11‬ـ أبو زيد عبد ال رحمن بن أحمد الوغليسي البجــائي (ت‪786‬هـــ)‪.‬‬
‫شيخ الجماعة ببجاية‪ .‬له "فتاوى مشهورة")‪.(4‬‬
‫‪ 12‬ـ أبو إس حاق الش اطبي‪ :‬إبـــراهيم بن موسى بن محمد اللخمي‬
‫الغرناطي‪..‬ـ (ت‪790‬هـ)‪ ،‬له فتاوى كثيرة‪ ،‬أورد بعضا منها التنبكــتي في أثنــاء‬
‫ترجمتــــه‪.‬ـ وذكر بعضا منها الونشريسي في معيــــاره(‪ .)5‬وجمعها في كتــــاب‬
‫الدكتور محمد أبو األجفان‪.~ ،‬‬
‫‪ 13‬ـ أبو علي الحسن بن عثمان بن عطية الونشريسي (ت بعد‪790‬هـ)‪.‬‬
‫((الفقيه الفرضــي‪ ،‬الفاضــل‪ ،‬المفــتي‪ ،‬المــدرس‪ ،‬القاضي العــادل))(‪ .)6‬ابن أخ‬
‫الحسن بن عطيةـ السالف الذكر‪ .‬له فتــاوى‪ ،‬نقل الونشريسي في معيــاره جملة‬
‫منها(‪.)7‬‬
‫‪ 14‬ـ أبو الحسن علي بن عثم ان الم انجالتي الــزواوي البجــائي‪ .‬من‬
‫علمــاء بجاية وفقهائهاـ الجلــة‪ .‬قــال أحمد بابــا‪:‬ـ ((وله فتــاوى نقل بعضــها في‬
‫المازونية والمعيار))(‪.)8‬‬
‫‪ 15‬ـ أبو إس حاق اليزناس ي‪ :‬إبــراهيم بن محمد بن ابــراهيم بن عبد هللا‬
‫(ت‪794‬هـ)‪ .‬حفيد أبــراهيم ابن أبي الخــير المتقــدم الــذكر‪ .‬قــال أحمد بابــا‪:‬ـ ((له‬
‫فتاوى كثيرة‪ ،‬ناظر فيها وحقق‪ .‬ذكر جملة منها صاحب المعيار))(‪.)9‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬فقهاء الن وازل ب القرن التاس ع‪ ،‬وإب راز جه ودهم في فقه‬
‫النوازل‬
‫(?) نيل االبتهاج ‪ 1/100‬ـ ‪ ،102‬وشجرة النور ص‪.235 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)نيل االبتهاج ‪ 1/170‬ـ ‪ ،171‬وشجرة النور ص‪.237 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.231 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪ ،270 /1‬وشجرة النور ص‪237 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪ 1/33‬ـ ‪.40‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.238 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪ 1/171‬ـ ‪ ،172‬وشجرة النور ص‪.238 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪.1/373‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪.1/40‬‬ ‫‪9‬‬

‫ــ ‪ 146‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ أبو عبد هللا ابن عالق‪ :‬محمد بن علي بن قاسم بن علي بن عالق‬
‫(ت‪806‬هـ)‪(( .‬األمي‪ ،‬األندلسي الغرناطي حافظها وخطيبها‪ ،‬وقاضي الجماعة‬
‫بهــا‪ ..‬ســبط اإلمــام أبي القاسم ابن جــزي المفســر‪ ..‬له فتــاوى نقل بعضــها في‬
‫المعيار))(‪.)1‬‬
‫‪ 2‬ـ أبو عبد هللا الحف ار‪ :‬محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن ســـعد‬
‫األنصاري الغرنــاطيـ (ت‪811‬هـــ)‪ .‬كــان إمــام غرناطةـ ومحــدثها ومفتيهــا‪.‬ـ له‬
‫فتاوي منقولة عند الونشريسي في المعيار(‪.)2‬‬
‫‪ 3‬ـ أبو القاسم التازغ دري‪ :‬محمد بن عبد العزيز (ت‪832‬هــــ)‪ .‬قـــال‬
‫السخاوي في الضوء الالمــع‪(( :‬التازغــدري نســبةـ لموضع من نــواحي طنجة‪،‬‬
‫المغربي(‪ ،)3‬المالكي‪ ،‬ممن أخذ عن عيسى بن عالل(‪ .)4‬وله تعليقة على شــرح‬
‫المدونة ألبي الحسن الصــغير‪ .‬مــات مقتــوال غــدرا بعد الثالثينـ‪ .‬ولم يعــرف‬
‫قاتله‪ .‬أفــاده لي بعض أصــحابنا(‪ .)5‬وكــان مفــتي فــاس‪ ،‬وحافظهــا‪ ،‬وخطيب‬
‫جامعها األعظم‪ .‬قال أحمد بابا التنبكـتي‪(( :‬أكـثر ابن غـازي من النقل عنه في‬
‫كتبه‪ .‬وله فتاوى في المعيار))(‪.)6‬‬
‫‪ 4‬ـ أبو القاسم بن أحمد بن محمد البلوي القــيرواني الشــهير ب البرزلي‬
‫(ت‪841‬هـ)(‪(( .)7‬نزيل تـــونس‪ ،‬مفتيهـــا‪ ،‬وفقيههـــا‪ ،‬وحافظهـــا‪ ..‬أحد األئمة في‬
‫المذهب‪ ،‬صاحب الديوان المشهور في الفقه والنوازل‪ ..‬أجـاد فيه ما شـاء))(‪.)8‬‬
‫أخذ عن جماعـــة‪ ،‬منهم ابن عرفـــة‪ :‬الزمه نحـــوا من أربعين ســـنة‪ .‬قـــال فيه‬
‫الســـخاوي‪..(( :‬الـــبرزلي نزيل تـــونس‪ ،‬وأحد أئمة المالكيةـ ببالد المغـــرب‪،‬‬
‫وصــاحب الفتــاوى المتداولة‪ ..‬قــدم القــاهرة حاجا في ســنة ثمانمائةـ‪ ..‬أخذ عنه‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪.2/144‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪ 2/144‬ـ ‪.145‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) وفي نقل التنبكتي‪..(( :‬طنجة المغرب))‪ .‬وهي صواب أيضا‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) يعني عيسى بن عالل المصمودي‪ ،‬كما أفاده الشــيخ محمد مخلــوف في شــجرته ص‬ ‫‪4‬‬

‫‪.252‬‬
‫(?) الضوء الالمع للسخاوي ‪.11/140‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪.2/166‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) نيل االبتهــاج ‪ ،2/17‬وفي شــجرة النــور‪(( :‬تــوفي ســنة ‪ 841‬أو ســنة ‪ 843‬أو ‪،844‬‬ ‫‪7‬‬

‫وعمره ‪ 103‬سنين)) ص‪.245 :‬‬


‫(?) نيل االبتهاج ‪.2/17‬‬ ‫‪8‬‬

‫ــ ‪ 147‬ـ‬
‫غير واحد ممن لقيناه كأحمد بن يونس))(‪ .)1‬والكتاب مطبوع متــداول بعنــوان‪:‬‬
‫"جامع مسائل األحكام لما نزل من القضايا بالمفتين والحكام"(‪.)2‬‬
‫(‪)4‬‬
‫‪ 5‬ـ أبو حفص القلش اني(‪ :)3‬عمر بن محمد بن عبد هللا البــــاجي‬
‫التونسي (ت‪848‬هــــ)‪(( .‬قاضي الجماعة بتـــونس‪ ،‬الفقيـــه‪ ..‬اإلمـــام‪ ..‬المحقق‬
‫النظار‪ ،‬الحافظ الحجة‪ ..‬نقل عنه المازوني والونشريسي جملة من فتاويه))(‪.)5‬‬
‫‪ 6‬ـ أبو القاسم محمد بن محمد بن سراج الغرناطي (ت‪848‬هـــ)‪ .‬مفــتي‬
‫غرناطة وقاضي الجماعة بهــا‪ .‬كــان ((حامل راية الفقه والتحصــيل‪ ،‬عالمــة‪،‬‬
‫بارعـــا‪ ،‬جليال‪ ،‬جامعا للفنـــون‪ ،‬محصـــال‪ ،‬قـــدوة‪ ..‬له فتـــاوى كثـــيرة‪ ،‬ذكر‬
‫(الونشريسي) جملة وافرة منها في المعيار))(‪.)6‬‬
‫‪ 7‬ـ أبو محمد عبد هللا بن محمد بن موسى بن معطي العبدوسي التلمساني‬
‫(ت ‪849‬هـ)‪ .‬قال فيه السيوطي‪(( :‬كــان عالمـاً بارعـاً صــالحاً مشــهور ًا‪ .‬ولي الفتيا‬
‫بفاس))(‪ .)7‬وقال فيه السخاوي‪(( :‬كان واسع البـاع في الحفـظ‪ .‬ولي الفتيا بـالمغرب‬
‫األقصــى‪ ،‬واإلمامة بجــامع القــرويين (بفــاس)(‪ .)8‬ووصــفه الشــيخ أحمد زروق‬
‫بالزهد والصالح‪ ،‬والجود‪ ،‬والنصح في الدين‪ ،‬قــال‪(( :‬كــان أبو محمد العبدوسي‬
‫عالما صالحا‪ ،‬مفتيا‪ .‬حملت إليه وأنا رضيع‪ .‬ولم أزل أتردد عليه في ذلك الســن‪،‬‬
‫لكون جدتي تقرأ عليه مع أختيه فاطمة وأم هـانئ ــ وكانتا فقيهـتين صـالحتين ــ‪.‬‬
‫وكان قطبا في السخاء‪ ،‬إماما في نصح األمة‪ ،‬أمات كثــيرا من البــدع بــالمغرب‪،‬‬
‫وأقام الحدود والحقوق‪ .)9())..‬له فتاوى كثيرة‪ ،‬نقل الونشريسي جملة منها(‪.)10‬‬
‫‪ 8‬ـ أبو عبد هللا ابن عق اب(‪ :)11‬محمد بن محمد بن إبــراهيم بن عقــاب‬
‫التونسي(ت‪851‬هـ)‪ ،‬قاضي الجماعة بتونس‪(( ،‬الفقيه العالم‪ ،‬الحجة المحصــل‪،‬‬

‫(?) الضوء الالمع ‪.11/133‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) طبع بتحقيق األستاذ محمد الحبيب الهيلة‪ ،‬طبعة دار الغرب اإلسالمي ‪.1999‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ((القلشــاني‪ :‬بكسر أوله أو فتحه وســكون ثانيه ثم معجمــة‪ ..‬قرية من نــواحي تــونس‬ ‫‪3‬‬

‫والقيروان‪ ،‬بل هي إليها أقرب))‪ .‬ينظر الضوء الالمع ‪.11/221‬‬


‫(?) أصله من باجة تونس ال باجة األندلس‪ .‬الضوء الالمع ‪.6/137‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪ 1/342‬ـ ‪.443‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪ 2/204‬ـ ‪.205‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) نظم العقيان في أعيان األعيان ‪.1/122‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) الضوء الالمع ‪.5/67‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪ 1/249‬ـ ‪.250‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪ ،1/250‬وشجرة النور ص‪.255 :‬‬ ‫‪10‬‬

‫(?) بضم المهملة‪ ،‬وتخفيف القاف‪ ،‬وآخره موحدة‪ .‬أفاده السخاوي في الضـوء الالمع ‪8/1‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪.55‬‬
‫ــ ‪ 148‬ـ‬
‫‪ 8‬ـ أبو عبد هللا ابن عق اب(‪ :)1‬محمد بن محمد بن إبــراهيم بن عقــاب‬
‫التونسي(ت‪851‬هـ)‪ ،‬قاضي الجماعة بتونس‪(( ،‬الفقيه العالم‪ ،‬الحجة المحصــل‪،‬‬
‫المحقق‪ ..‬النظار‪ .)2("..‬ذكر محمد مخلوف أن "له أجوبة مفيدة))(‪.)3‬‬
‫‪ 9‬ـ أبو عبد هللا المش دالي(‪ :)4‬محمد بن أبي القاسم بن محمد بن عبد‬
‫الصـــمد المشـــدالي‪ ،‬البجـــائيـ(ت‪866‬هــــ)‪ ،‬علم بجاية ((وفقيههـــا‪،‬ـ وإمامهـــا‪،‬‬
‫وخطيبهــا‪ ،‬ومفتيهــا‪ ،‬وصــالحها‪ ،‬ومحققهــا‪ ،‬الفقيــه‪..‬النظــار‪،‬ـ الــورع الزاهد‬
‫البركة‪ .))..‬له فتاوى منقولة في المازونية والمعيار(‪.)5‬‬
‫‪ 10‬ـ أبو عبد هللا ابن األزرق‪ :‬محمد بن علي بن محمد األصـــــبحي‬
‫الغرنـــاطي (ت‪895‬هــــ)(‪ ،)6‬تـــولى قضـــاء الجماعة بغرناطةـ(‪ .)7‬ثم انتقلـ من‬
‫غرناطة إلى تلمسان‪ ،‬ثم إلى المشرق‪(( ،‬وتولى قاضي القضاة بــبيتـ المقــدس‪،‬‬
‫وبه توفي‪" ."..‬وله فتاوى بعضها منقول في المعيار))(‪.)8‬‬
‫‪ 11‬ـ أبو إسحاق إبراهيم بن فتوح العقيلي الغرناطيـ (ت‪867‬هـــ)‪ .‬كــان‬
‫مفتي غرناطةـ ((وعالمها‪ ،‬الفقيه‪ ،‬العالم المتفنن‪ ،‬النظــار‪ ،‬المحقــق‪ ،‬المتقن‪..‬ـ له‬
‫فتاوى نقل بعضها في المعيار))(‪.)9‬‬
‫‪ 12‬ـ أبو عبد هللا ابن العب اس‪ :‬محمد بن العبــاس بن محمد بن عيسى‬
‫العبادي التلمسانيـ (ت‪871‬هـ)‪(( ،‬اإلمام‪ ،‬العالمة‪ ،‬المحقق‪ ،‬المتفنن‪،‬ـ المحصل‪،‬‬
‫القدوة‪ ،‬الحجة‪ ،‬المفتي‪،‬ـ الصالح‪ ،‬الحافظ‪ ،‬المتقن‪ ،‬البركة‪ .))..‬له فتاوى كثــيرة‪،‬‬
‫مذكور بعضها في المازونية والمعيار(‪.)10‬‬
‫‪ 13‬ـ أبو عبد هللا الزلديوي‪ :‬محمد بن محمد بن عيسى (ت‪874‬هـ)‪ .‬قال‬
‫فيه الســخاوي‪(( :‬كــان عالمــا‪ .‬ولي قضــاء األنكحــة‪ .‬وانتفع به الفضــالء))(‪.)11‬‬
‫وذكر التنبكتيـ أن له ((فتاوى مذكورة في المازونية والمعيار))(‪.)12‬‬

‫(?) بضم المهملة‪ ،‬وتخفيف القاف‪ ،‬وآخره موحدة‪ .‬أفاده السخاوي في الضـوء الالمع ‪8/1‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.55‬‬
‫(?) نيل االبتهاج ‪.2/206‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.246 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) بفتح الميم‪ ،‬والمعجمــة‪ ،‬وتشــديد الــدال‪ :‬نســبة لقبيلة من زواوة‪ .‬أفــاده الســخاوي في‬ ‫‪4‬‬

‫الضوء الالمع ‪.8/290‬‬


‫(?) نيل االبتهاج ‪ 2/220‬ـ ‪.221‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.262 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) نيل البتهاج ‪.2/248‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.262 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪ 260 :‬ـ ‪.261‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪ 2/231‬ـ ‪.232‬‬ ‫‪10‬‬

‫(?) الضوء الالمع ‪.9/179‬‬ ‫‪11‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪.2/223‬‬ ‫‪12‬‬

‫ــ ‪ 149‬ـ‬
‫‪ 14‬ـ أبو عبد هللا الجالب‪ :‬محمد بن أحمد بن عيسى التلمســــانيـ (ت‬
‫‪875‬هـــ)‪(( ،‬الفقيــه‪،‬ـ العــالم‪..‬أحد شــيوخ الونشريســي‪..‬لهـ فتــاوى في المازونية‬
‫والمعيار‪.‬ـ ووصفه المازوني بصاحبنا الفقيه))(‪.)1‬‬
‫‪ 15‬ـ أبو سالم إبراهيم ((بن شيخ اإلســالم مفــتي األمة أبي الفضل قاسم بن‬
‫سعد بن محمد العقباني التلمساني (ت‪880‬هـ)‪ .‬كان قاضي الجماعة بتلمسـان‪ .‬نقل‬
‫عنه المازوني في نوازله‪ .‬وأثنى عليه الونشريسي‪ ،‬ونقل عنه في كتبه))(‪.)2‬‬
‫‪ 16‬ـ أبو زكرياء المازوني‪ :‬يحيى بن أبي عمران موسى بن عيسى (ت‬
‫‪883‬هـ)‪ .‬كان قاضي مازونة‪ .‬وصفه التنبكتيـ في نيل االبتهاج باإلمــام العالمة‬
‫الفقيه‪ ،‬ثم قال‪(( :‬أخذ عن األئمة‪ :‬كابن مرزوق الحفيــد‪ ،‬وقاسم العقبــاني‪ ،‬وابن‬
‫زاغــو‪ ،‬وغــيرهم‪ .‬ونجب وبــرع‪ ،‬وألف نوازله المشــهورة المفيــدة في فتــاوى‬
‫المتأخرين‪ :‬أهل تونس‪ ،‬وبجاية‪،‬ـ والجزائر‪ ،‬وتلمسان‪ ،‬وغيرهم‪ ..‬ومنه اســتمد‬
‫الونشريسي مع نــوازل الــبرزلي فيما يظهر لي‪ ،‬وأضــاف إليهما ما تيسر من‬
‫فتاوى أهل فاس‪ ،‬واألندلس))(‪.)3‬‬
‫‪ 17‬ـ أبو عبد هللا القلشاني(‪ :)4‬محمد بن عمر التونسي (ت‪890‬هـ)‪ .‬كان‬
‫قاضي الجماعة بتــونس‪.‬ـ وذكر الســخاوي في الضــوء الالمع أن ذلك كــان في‬
‫سنة تسع وخمسين وثمانمائة‪..‬وأنه أقام في ذلك المنصب سبع عشــرة ســنة‪ .‬ثم‬
‫جاء القاهرة‪(( ،‬وراج أمره فيها))(‪ .)5‬ثم عاد إلى بلده لطلب قضاء الجماعة‪ ،‬فلم‬
‫يتيسر له إال منصب القضاء بجامع الزيتونة‪.)6(..‬‬
‫وأفـــاد التنبكـــتي في نيلـ االبتهـــاج أن ((له فتـــاوى منقولة في المازونية‬
‫والمعيار))(‪.)7‬‬
‫‪ 18‬ـ أبو عبد هللا الرص اع(‪ :)8‬محمد بن قاسم األنصــاري التلمســانيـ ثم‬
‫التونسي (ت‪894‬هـ)‪ .‬صاحب شرح حدود ابن عرفة(‪.)9‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪.2/238‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪.1/56‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪.2/340‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) بفتح القاف‪ ،‬وسكون الالم‪ ،‬وجيم أو شين معجمة‪ .‬أفـاده السـخاوي في الضــوء الالمع‬ ‫‪4‬‬

‫‪.8/275‬‬
‫(?) أنوه هنا بأن السخاوي توسع بعض الشيء في ترجمته‪ ،‬ولم يذكره بخير‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) الضوء الالمع ‪ 8/275‬ـ ‪ .276‬ونيل االبتهاج ‪.2/245‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪.2/245‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) بمهملتتين‪،‬ـ والتشديد‪:‬ـ صنعة ألحد آبائه‪ .‬أفاده في الضوء الالمع‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) وهو مطبوع متداول‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫ــ ‪ 150‬ـ‬
‫ذكر السخاوي أنه تولى ((قضــاء المحلــة‪ ،‬ثم األنكحــة‪ ،‬ثم الجماعة(‪ )1‬ثم‬
‫صــــرف نفسه)) عن ذلــــك‪(( ،‬واقتصر على إمامة جــــامع الزيتونة وخطابته‬
‫متصديا لإلفتــاء وإلقـراء الفقه وأصــول الــدين والعربيةـ والمنطق وغيرها‪))...‬‬

‫(‪.)2‬‬
‫ووصفه محمد مخلوف بــ((الفقيــه‪ ،‬اإلمــام‪ ،‬النظــار‪ ،‬العالمــة‪ ،‬المحقــق‪،‬‬
‫الشــيخ الصــالح الفهامة))‪ ،‬وأنه "قصد بالفتــاوى"‪ .‬وذكر أن بعض فتــاواه في‬
‫المازونية والمعيار(‪.)3‬‬
‫‪ 19‬ـ حسن بن علي الرجراجي الشوشاوي‪ .‬ذكر التنبكــتيـ أن له نــوازل‬
‫في الفقه‪ ،‬ثم قال‪(( :‬توفي أواخر التاسعة بتارودنت من سوس))(‪.)4‬‬
‫‪ 20‬ـ أبو العب اس أحمد بن محمد بن زك ري التلمســاني (ت‪899‬هـ)(‪.)5‬‬
‫كان عــالم تلمســان‪ ،‬ومفتيهــا‪،‬ـ ((‪...‬اإلمــام األصــولي الفــروعي‪ .))..‬وله فتــاوى‬
‫عديدة مذكورة في المعيار وغيره(‪.)6‬‬
‫‪ 21‬ـ أبو إس حاق السجلماسي‪ :‬إبــراهيم بن هالل الفاللي السجلماسي‬
‫(ت‪903‬هـ)(‪ .)7‬مفــتي سجلماسة ((وعالمهــا‪ ،‬الفقيه العــالم الحافظ الصــالح‪ ..‬له‬
‫فتــاوى مشــهورة‪ ..‬وكــان آية في النظم والنــتر ونــوازل الفقــه‪ .)8())..‬وله من‬
‫التآليف كتاب الدر النثير على أجوبة أبي الحسن الصغير"(‪.)9‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬أبو الحسن الصغير وأجوبته‬
‫المبحث األول‪ :‬التعريف بأبي الحسن الصغير وبـمكانته العلمية‬
‫المطلب األول‪ :‬االسم والنسب‬
‫هو أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الحق الـــــزرويلي اليلصـــــوتي‪،‬‬
‫الشهير بـالصغير‪:‬‬

‫(?) يعني بتونس‪ ،‬كما نص على ذلك التنبكتي‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الضوء الالمع ‪ ،8/287‬ونيل االبتهاج ‪.2/247‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.260 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪.1/177‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.267 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪ 1/136‬ـ ‪.137‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.67‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪ 1/58‬ـ ‪،59‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪ 268 :‬ـ ‪ .269‬والكتاب حققه األســتاذ مبــارك رخيص‪ .‬نــال به درجة‬ ‫‪9‬‬

‫الدكتوراه من كلية الشريعة بآيت ملول ـ أكادير‪ .‬المغرب‪.‬‬


‫ــ ‪ 151‬ـ‬
‫وأما «الزرويلي» فهي نسبة إلى فرقة بـني زرويـل‪ .‬قـال أبو الحسن علي‬
‫مصـــباح الـــزرويلي اليلصـــوتي في «ســـنى المهتـــدي في مفـــاخر الـــوزير‬
‫األحمدي(‪..« :)2(»)1‬وزرويل هذا اشـتهر عند النـاس ــ وهللا أعلم بصـحّته ــ أنه‬
‫ابن يَ ْلصو ـ ـ بفتح المثنــاة التحتيــة‪،‬ـ وســكون الالم‪ ،‬وضمّ المهملــة‪ ،‬بعــدها واو‬
‫ســاكنة‪ ،‬وكأنه اسم أعجمي‪ ،‬وهو يلصو بن عبد هللا ـ ـ وقيل ابن محمد(‪ )3‬ـ ـ بن‬
‫أبان بن عثمـان بن عفان»‪ .‬ويلصو هذا هو الــدفين بين قبيلة األخم ـاس وقبيلة‬
‫بني زجـل من جبال غمارة(‪ .)4‬وقبره معروف مشهور يزار إلى اليوم»(‪ .)5‬ثم‬
‫أضاف أبو الحسن مصــباح قــائال‪« :‬إن أوالد مصــباح القــاطنين ببــنيـ زرويل‬
‫المذكورة‪ :‬من ذرية هذا السيد الجليــل‪ ..‬وينتسبـ جل بــني زرويل إلى ذريتــه‪.‬‬
‫وهللا أعلم بصحته؛ هذا كله سمعناه فقط‪ ،‬ولم نَ َره عند أحد من األئمة الموثــوق‬
‫نص ـه‪ :‬يلصو بن محمد بن أبــان بن‬ ‫رأيت في بعض التقاييدـ ما ّ‬‫ُ‬ ‫بهم‪ ،‬غــير أني‬
‫عثمـان‪ ،‬دفين جبال غمـارة‪ ،‬قبره معروف هنالك‪.‬ـ ولما مــات تــرك أربعة من‬
‫البـنين‪:‬ـ أحـ ُدهم‪ :‬زرويـل‪ ،‬وثـانيهم‪ :‬مولـود‪ ،‬وثـالثهم‪ :‬وطلي‪ ،‬ورابعهم‪ :‬يزيـد‪،‬‬
‫أبنــاء يلصــو‪ .‬وإليهم تنسبـ هــذه المداشر المعروفة في قبيلة األخمــاس‪ .‬وهي‪:‬‬
‫بنو زرويل‪ ،‬ومولود‪ ،‬ووطلي‪ ،‬ويزيد‪.)6(»..‬‬
‫وأما لقبه «الصــغير»‪ :‬فالمشــهور أن الكلمة بالتصــغير‪ :‬أعــني‪:‬ـ بضم‬
‫الصاد المهملة‪ ،‬وفتح الغين المعجمة‪ ،‬وتشديد الياء‪.‬‬
‫(?) يعني به الوزير الكبير في البالط اإلسماعيلي أبا العباس أحمد بن الحسن اليحمدي‪...‬‬ ‫‪1‬‬

‫ينظر بحث لألســـتاذ عبد القـــادر العافية بعنـــوان‪« :‬العالمة األديب أبوالحسن مصـــباح‬
‫الزرويلي (‪ 1097‬ـ ‪1150‬هـ)»‪ ،‬دعوة الحق‪ ،‬العدد ‪ ،1‬السنة ‪ ،21‬ص‪.133 :‬‬
‫(?) مخطــوط بالمكتبة الوطنية بالربــاط‪ ،‬له ثالث نســخ‪ :‬األولى تحمل رقم‪ ،596 :‬وهي‬ ‫‪2‬‬

‫أجودهــا‪ ،‬وتُعــرف بالنســخة الزيدانيــة‪،‬ـ والثانية لها رقم‪ ،521 :‬والثالثة تحمل رقم ‪.2637‬‬
‫ينظر المرجع السابق‪.‬‬
‫(?) وقيــل‪ :‬ابن مــروان‪ .‬ينظر «الحيــاة السياســية واالجتمـــاعية والفكرية بشفشــاون‬ ‫‪3‬‬

‫وأحوازها»‪ ،456 :‬وينظر كذلك ص‪.453 :‬‬


‫(?) قبيلة بني زجل تنسب إليها مدينةـ شفشاون‪ ،‬فيقال‪« :‬شفشاون غمـارة زجلية»‪ .‬ينظر‬ ‫‪4‬‬

‫المزيد من التعريف بهـــذه القبيلة في كتـــاب «الحيـــاة السياســـية واالجتمــــاعية والفكرية‬


‫بشفشاون وأحوازها»‪ 76 :‬ـ ‪.77‬‬
‫(?) تنظر الخريطة الملحقة بــآخر صــفحة من كتــاب «الحيــاة السياســية واالجتماعية‬ ‫‪5‬‬

‫والفكرية بشفشاون وأحوازها»‪.‬‬


‫(?)آخر كتاب «سـنى المهتـدي في مفـاخر الـوزير األحمـدي»‪ ،‬نقله منه األسـتاذ عبـدالقادر‬ ‫‪6‬‬

‫العافيــة‪ .‬ينظر كتــاب «الحيــاة السياســية واالجتماعية والفكرية بشفشــاون وأحوازهــا»‪،457 :‬‬
‫وبحث «العالمة األديب أبوالحسن مصـباح الـزرويلي»‪ ،‬دعـوة الحـق‪ ،‬العـدد ‪ ،1‬السـنة ‪،21‬‬
‫ص‪.134 :‬‬
‫وـيـنـظـرـ كـذـلـكـ «ـدـوـحـةـ الـنـاـشـرـ لـمحـاـسـنـ مـنـ كـاـنـ بــالـمـغـرـبـ مـنـ مـشـاـيـخـ اـلق ـرـنـ الـعـاـشـرـ»ـ‪:‬ـ‬
‫‪.6‬ـ‬
‫ــ ‪ 152‬ـ‬
‫لكن يجــوز نُطقُهاـ بــالتكبيرـ أيضــا‪ ،‬ولــذلك قـال ابن القاضي في «جــذوة‬
‫االقتبــــاس»‪« :‬أبو الحسن الصــــغير‪ :‬بفتح الصــــاد وضــــ ّمها مع كسر الغين‬
‫وفتحها»(‪ .)1‬وقال محمد مخلوف بعد ذكره لقبه‪« :‬مكبَّراً ومص َّغراً»(‪.)2‬‬
‫أن إبــــراهيم ابن هالل‬ ‫والــــذي يــــدلّك على جــــواز نطقهـ بــــالتكبيرـ ّ‬
‫السجلمــــاسي (ت‪903‬هــــ) ســـ َّمى كتابه الـــذي شـــرح فيه أجوبة أبي الحسن‬
‫ص ِغير»‪.‬‬‫الصغير‪« :‬الدرُّ النَّثِير على أجوبة أبي الحسن ال َّ‬
‫المطلب الثاني‪ :‬المولد والنشأة العلمية‬
‫(‪)3‬‬
‫إذا كان المترجمون ألبي الحسن الصغير قد اتفقوا على تــاريخ وفاته‬
‫ص ـوا على تــاريخ والدتــه‪ ،‬شــأنه في ذلك شــأن كثــير من العلمـ ـاء‬ ‫فــإنهم لم يَنُ ّ‬
‫(‪)4‬‬
‫أن منهم من ينصّ على أنه عــاش نحو مائةـ وعشــرين ســنة ‪.‬‬ ‫المشــاهير‪ .‬إالّ ّ‬
‫وهذا جائ ٌز عقالً وواق ٌع عادة‪.‬‬
‫أن الرجل ُع ِّمر طــويالً‪ .‬يــدلُّك على ذلك أن شــيخه‬ ‫ك فيه ّ‬ ‫لكن الذي ال ش ّ‬‫ّ‬
‫أبا الفضل راشد بن أبي راشد الـــذي الزمه وتفقه عليه قد تـــوفي ســـنة خمس‬
‫وسبعينـ وستمـائة‪ .‬وقد نقل ال َمقَّري في «أزهار الرياض» عن بعض العلمـ ـاء‬
‫ـ ولم يُـس ِّمه ـ ما نصه‪ :‬كان الشيخ أبو الحسن «إمـام وقته في فقه المدونـة‪ ،‬وهو‬
‫المستقلّ برياسـتها بعد شـيخه الفقيه راشـد‪ ،‬ما َأخذ عنه حـتى ظهـرت على يديه‬
‫الكرامات الخارقة في شــفاء أصــحاب العلل المزمنة وغــير ذلــك‪ ،‬ولم ينظر في‬
‫الفقه حتى أتقن علم الفــرائض وفنــون البالغــة‪ ،‬وتلقى ذلك من أربابــه‪ ،‬وارتحل‬
‫ال‪ ،‬ثم اعتكف‬ ‫وانتقل إلى «تازا»(‪ ) 5‬فالزم أهل اللسان وفرسان المعارف وقتاً طوي ً‬
‫على قراءة «التهذيب»‪ ،‬والزم الفقيه راشد ًا‪ ،‬واقتصر عليه‪ .‬وكان الفقـيــه راشد ال‬
‫ض َره و َيعتـني بـه‪ ،‬فلم ُتخطئ‬ ‫ين ِّفذ بمدينة فاس حُكمـاً وال جواباً في نازلة حتى يُحــ ِ‬
‫فراسته فيه‪ .‬وكان ال يحجّر عليه في القراءة‪ ،‬بل يقرأ من «التهذيب» من أيّ مكان‬
‫شاء‪.) 6(»..‬‬
‫أن الشيخ أبا الحسن لم يلتق بشــيخه‬ ‫فمن خالل هذا الكالم النفيس نتبـيّن ّ‬
‫راشـ ـد المتــوفى ســنة ‪675‬هـ ـ إال بعد أن بلغ درجـ ـة عاليةـ في العلم والعمــل‪،‬‬
‫سن الشـباب بسنوات(‪.)7‬‬ ‫وذلك ال يـكون إال بعد ّ‬

‫(?) يـنـظـرـ‪:‬ـ ج ـذـوـةـ اـالـقـتـب ـاـسـ ‪.2 / 472‬ـ لـكـنـهـ اـقـتـصـرـ فـيـ «ـدـرـةـ اـلـحـج ـاـلـ»ـ ‪ 3/ 243‬عـلـىـ‬ ‫‪1‬‬

‫ضـبـطـهـ بـاـلـتـصـغـيـرـ‪.‬ـ‬
‫(?)ينظر‪ :‬شجرة النور ص‪.215 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)وهو سنة ‪719‬هـ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?)ينظر‪ :‬شجرة النور ص‪ ،215 :‬وسلوة األنفاس ‪.3/148‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?)هي مدينة تقع شرق فاس‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?)أزهار الرياض ‪ 3/32‬ـ ‪ .33‬وينظر كذلك‪ :‬سلوة األنفاس ‪.3/148‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?)ال مناص من التنبيه على كالم ألحمد الونشريسي في «وفياته»‪ ،‬ظاهره يـخالــف ما‬ ‫‪7‬‬

‫قررنـاه‪ ،‬يـقــول‪« :‬تق ّدم ــ~ (أي أبو الحسن الصـغير)ــ قاضـيا ً بتـازة على سن الفـتـوة‬
‫واألشـــياخ متـــوافرون‪ ..‬ق ّدمه الســـلطان أبو يـعـقــــوب يـــــوسف ابن يعقـــوب‪ ،‬فحُمـــدت‬
‫ــ ‪ 153‬ـ‬
‫ونـتبـيـّـــن كــذلك أنه بــدأ بتعلم علــوم اللغة العربيــة‪ :‬نحــواً‪ ،‬وصــرفاً‪،‬‬
‫وبالغةً‪ ،‬وبتعلم علم المواريث‪.‬‬
‫وال شك أنه حفظ قبل ذلك كله القرآن الكــريم‪ ،‬على عــادة المغاربةـ أنهم‬
‫يبــدأون حيــاتهم العلمية في الكتّــاب‪،‬ـ فيتعلّمــون القــراءة والكتابة ويحفظــون‬
‫القرآن‪.‬‬
‫والخلُقية‬
‫ُ‬ ‫الخ ْلقية‬
‫المطلب الثالث‪ :‬صفاته َ‬
‫أما صــــفاته الخ َْلقية فيقــــول فيه أبو البركــــات ابن الحــــاج البلفيقي‪:‬‬
‫ض ـين‪،‬‬‫العار َ‬
‫ِ‬ ‫«حضــرت مجلس إقرائــه‪ ،‬وكــان َربْعة(‪ ،)1‬آ َد َم اللــون(‪ ،)2‬حفيف‬
‫ي صنعة(‪.)4(»..)3‬‬ ‫يلبس أحسن ز ّ‬
‫وقال ابن القاضي‪« :‬وكــان قصــيراً‪ ،‬يلبس الثيــابـ الــبيض الحســنة‪ ،‬آدم‬
‫اللون‪ ،‬حفيف العارضين‪ ،‬منخفض الصوت»(‪.)5‬‬
‫وأما عن صفاته ال ُخلُقية فيقول فيه أبو البركات ابن الحاج أيضا‪« :‬كـان‬
‫حسن اإلقراء‪ ،‬وقورا فيــه‪َ ،‬سـكونا ً(‪ُ ( ،)6‬متَثـ ـبِّتاً)(‪ ،)7‬صــابراً على هجــوم طلبة‬
‫البربر وسُوء طريقتهمـ في المناظرة والبحث»(‪.)8‬‬
‫ومن أخالقه أيضا أنه من العلمـــاء الــذين جمعــوا بين العلم والعمل(‪،)9‬‬
‫وكان عادالً في قضائه‪،‬ـ شديداً على الظّلَمة والمستهترينـ بأحكام الشريعة(‪.)10‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬مكانته العلمية‬

‫سيرته‪« »..‬وفيات الونشريسي» ضمن كتـاب «ألف ســنة من الوفيـات»‪ .103 :‬والمعلــوم‬
‫أن السلطان أبا يعقــوب تــولّى الحكم ســنة ‪685‬هـ‪ ،‬وتــوفي ســنة ‪706‬هـــ‪ .‬فليُنظر ما معــنى‬
‫سن الفتوة؟‪.‬‬ ‫قوله‪ّ :‬‬
‫(?)ال َّر ْب َعة‪ :‬الوسيط القامة‪ .‬المعجم الوسيط‪ ،‬مادة (ر ب ع)‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)أي شديد ال ُّس ْمرة‪ .‬المعجم الوسيط‪ ،‬مادة (أ د م)‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)في طبعة «الديباج» البن فرحون‪« :‬صنفه»‪ ،‬وهو الموافق للطبعة الحجرية لــ «ســلوة‬ ‫‪3‬‬

‫األنفاس»‪.‬‬
‫(?) «ـاـإلـحـاـطـةـ»ـ‪،‬ـ الـبـنـ اـلـخـطـيـبـ ‪.4 / 186‬ـ نـقـلـهـ عـنـ كـتـاـبـ «ـاـلـمـؤـتـمـنـ عـلـىـ أـنـبـاـءـ أـبـنـاـءـ‬ ‫‪4‬‬

‫اـلـزـمـنـ»ـ لـلـبـلـفـيـقـيـ‪.‬ـ‬
‫(?)ينظر‪ :‬درة الحجال (‪)3/243‬؛ وجذوة االقتباس (‪.)2/472‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?)في‪ :‬الــديباج (ص‪ :)305 :‬ـ «وقــور‪ ،‬فيه ُس ـكون»‪ .‬وهو الموافق لما في طبعــة‪ :‬درة‬ ‫‪6‬‬

‫الحجال‪ ،‬وجذوة االقتباس‪ ،‬والسلوة‪ .‬ولك ٍّل وجه‪ ،‬كمـا هو ظاهر‪.‬‬


‫(?)في طبعة‪ :‬اإلحاطة‪« :‬مثبتا»‪ ،‬والتصويب من‪ :‬درة الحجال؛ وجذوة االقتباس؛ والديباج؛‬ ‫‪7‬‬

‫وسلوة األنفاس‪.‬‬
‫(?)اإلحاطة ‪.4/186‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?)ينظر‪ :‬الديباج‪.306 :‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?)ينظر‪ :‬تاريخ ابن خلدون (‪)7/318‬؛ واالستقصا (‪ 3/101‬ـ ‪)103‬؛ وسلوة األنفاس (‪3/‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪ 145‬ـ ‪)146‬؛ والفكر السامي (‪.)2/237‬‬


‫ــ ‪ 154‬ـ‬
‫لقد أجمع المترجـــمون للشــيخ أبي الحسن الصــغير على إمامته في الفقه‬
‫المــــالكي‪ ،‬وعلى إتقانه وحفظه لطائفة من الــــدواوين الفقهيــــة‪ ،‬وعلى تف ُّننه في‬
‫تدريس «التهذيب» و«المدونة» و«الرسالة»‪ ،‬وعلى حسن تحريـره لإلجابة على‬
‫ـرد عليه من جميع بالد المغــرب‪ .‬وإليك بعض النصــوص الدالة‬ ‫األســئلة الــتي َتـ ِ‬
‫على ذلك‪:‬‬
‫َّ‬
‫يقــول أبو البركــات ابن الحــاج البِلفيقي‪:‬ـ «كــان هــذا الرجل قيّمـ ـا على‬
‫التهذيب للبراذعي‪ ،‬يشارك في شيء من أصول الفقه‪ ،‬يطرّز بــذلك مــجالسه‪،‬‬
‫لـــوهم(‪ )2‬من تلك‬ ‫()‬
‫غربـــا ً به بين أقرانه من المدرّســـين في ذلك الـــوقت ‪ ، 1‬ل ُخ ِّ‬ ‫ُم ِ‬
‫(‪)3‬‬
‫الطريقة بالجملة» ‪.‬‬
‫ويقــول أبو البركــات أيضــا‪« :‬وكــان أحد األقطــاب الــذين ت ـ ُدور عليهم‬
‫الفتوى أيام حياته‪ ،‬ت َِرد عليه السؤاالت من جميع بالد المغــرب فيُحسن التوقيع‬
‫على ذلك‪ ،‬على طريقة من االختصار‪ ،‬وترْ ك فضول القول»(‪.)4‬‬
‫ووصــفه ابن خلــدون بأنهـ «إمــام المالكية بــالمغرب‪ ،‬والطــائر ال ـ ِّذكر‪،‬‬
‫وقاضـي الجمـاعة بفاس»‪ ،‬وأنه «أحفظ الناس لمذهب مالك وأفقههم فيه»(‪.)5‬‬
‫وـعـ ّرـفـ بـهـ اـلـوـنـشـرـيـسـيـ فـيـ «ـاـلـمـعـيـاـرـ»ـ َعـ َرـضـاًـ فـقـاـلـ‪:‬ـ «ـ‪.‬ـ‪.‬ـ اـلـشـيـخـ أـبـوـ‬
‫اـلـحـسـنـ اـلـصـغـيـرـ‪،‬ـ حـاـمـلـ رـاـيـةـ اـلـفـقـهـ وـلـوـاـئـهـ بــاـلـمـغـرـبـ اـألـوـسـطـ(ـ‪)6‬ـ وـاـألـقـصـىـ‬
‫فـيـ زـمـاـنـهـ»ـ(ـ ‪)7‬ـ‪.‬ـ‬
‫ويقــــول ابن القاضي في أول ترجمتــــه‪ ..« :‬الفقيه المــــالكي‪ ،‬الحافــــظ‪،‬‬
‫المحصّل‪ ..‬كان يفتح في مجلسه ما ينيف على الثمـانين ديواناً‪ ،‬يعرضــها حفظ ـاً‬
‫عن ظهر قلب»(‪.)8‬‬
‫وكــــان يحفظ «فصــــيح ثعلب» في اللغــــة‪ ،‬و«تنقيحـ القــــرافي» في‬
‫األصول(‪.)9‬‬

‫(?)ومن أقرانه من المدرسين في ذلك الوقت‪ :‬أبو زيد عبد الرحمن بن عفان الجــزولي‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫الـــذي كـــان يحضر مجلسه أكـــثر من ألف شـــخص‪ ،‬معظمهم يحفظ المدونـــة‪ ..‬وســـيأتي‬
‫الحديث عنه ضمن شيوخ أبي الحسن‪.‬‬
‫(?)في سلوة األنفاس‪« :‬لخمولهم»‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)ينظر‪ :‬اإلحاطة ‪.4/186‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?)السابق ‪.4/187‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?)ينظــر‪ :‬التعريف بــابن خلــدون‪( 31 :‬في ســياق ترجمته للحافظ الســطي‪ ،‬أحد تالميذ‬ ‫‪5‬‬

‫الشيخ أبي الحسن)‪.‬‬


‫(?)يعني «الجزائر» حاليا‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?)المعيار المعرب (‪.)5/280‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?)ينظر‪ :‬درة الحجال (‪)3/243‬؛ وجذوة االقتباس (‪.)2/472‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?)ينظر «وفيات الونشريسي» ضمن كتاب «ألف سنة من الوفيات»‪.103 :‬‬ ‫‪9‬‬

‫ــ ‪ 155‬ـ‬
‫ويقول ابن فرحــون بعد ن ْقل ترجمة الشــيخ أبي الحسن من «اإلحاطــة»‬
‫ت من خطّ شيخنا اإلمــام العــالم أبي عبدهللا ابن مـ ـرزوق على‬ ‫ما نصه‪ْ « :‬‬
‫ونقل ُ‬
‫(‪)1‬‬
‫طرّة كتابـ اإلحاطة عند ذكر أبي الحسن الصغير ما نصّه‪ :‬قصّر المصنف‬
‫في التعريف واإلعالم بالشـــيخ أبي الحســـن‪ ،‬شـــيخ اإلســـالم‪ ،‬وهو الـــذي ما‬
‫عاص َرهُ مثلُه‪،‬ـ بل وما تق َّدمه فيمـا قارب(‪ )2‬من األمصار‪ ،‬وهو الــذي جمع بين‬
‫العلم والعمل‪ ،‬وبمقامه في التفقّه والتحصيل يضرب المثل‪.)3( »..‬‬
‫هــذا وقد نقلنا لك من «أزهــار الريــاض» أنه كــان متقنا علم الفــرائض‬
‫وفنون البالغة‪،‬ـ وأنه تلقى ذلك من أربابهـ(‪.)4‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مشيخته وتالميذه‬
‫المطلب األول‪ :‬مشيختـه‬
‫لم يكن ألبي الحسن الصغير شيوخ كثـيرون‪ ،‬فـالمترجمون له يــذكرون‬
‫له أربعة أو خمسة شــيوخ‪ .‬وعلى قلّة شــيوخه فـ ّ‬
‫ـإن الــذي ع ـ ّول عليه والزمه‬
‫وتفقّه به‪ ،‬وسار على َسنَنهـ في التدريس واإلفتاء‪ :‬هو أبو الفضل راشد بن أبي‬
‫راشد الوليدي (ت‪675‬هـ)‪.‬‬
‫ـهره أبا الحسن علي بن سليمــ ان القرطــبي (ت ‪730‬‬‫أن صـ َ‬‫أضف إلى ذلك ّ‬
‫هـ)‪ ،‬وأبا زيد عبد الرحمن ابن عفان الجزولي (ت‪741‬هـ) أخذ عنهمـا ْ‬
‫أخ َذ العالم‬
‫العارف ال أخذ المتعلم الجاهل؛ ألنهمـا أصغر منه بسنوات عديدة‪.‬‬
‫وفيمـا يلي تعريف موجز بهؤالء الشيوخ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أبو الفضل راشد بن أبي راشد الوليدي‪،‬‬
‫اإلمام‪ ،‬الفقيـه‪،‬ـ الحافـظ‪ ،‬العـالم‪ ،‬الفاضـل‪ ،‬القـدوة‪ ،‬شـيخ شـيوخ المدونة‬
‫بفـــــاس(‪« ،)5‬ال تأخـــــذه في هللا لومة الئم‪ ،‬ولم يكن في وقته من هو أتبع منه‬
‫للحق»(‪.)6‬‬
‫أخذ عن أبي محمد صالح بن محمد الهسكوري‪ ،‬وغيره(‪.)7‬‬

‫(?)يعني ابنَ الخطيب مصنِّف «اإلحاطة»‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)في نقل الكتاني في «سلوة األنفاس» ‪« :3/148‬يقاربه»‪ ،‬وهو األنسب‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)الديباج‪ ،306 :‬رقم‪.408 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?)ينظر المطلب الخاص بالمولد والنشأة العلمية‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?)ينظر‪ :‬شجرة النور الزكية ص‪ ،201 :‬وسلوة األنفاس ‪.3/262‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?)نيل االبتهاج ‪ .1/193‬وينظر كذلك‪ :‬جذوة االقتباس‪.1/197 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?)ينظر‪ :‬نيل االبتهاج ‪1/193‬؛ وشجرة النور الزكية‪.201 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫ــ ‪ 156‬ـ‬
‫قــال ابن القاضي في «جــذوة االقتبــاس» «وهو مؤلف كتــاب الحالل‬
‫والحرام‪ ،‬له أجوبة(‪ ،)1‬وطرر على المدونة»(‪.)2‬‬
‫أخذ عنه أبو زيد عبد الرحـمن بن عفان الـجزولي(‪ ،)3‬وأبو الحسن علي‬
‫بن سليمـ ـان القرطــبي(‪ ،)4‬وأخذ عنه أبـ ـو الحسن الصغـيـ ـر‪ ،‬وكــان اعتمـ ـاده‬
‫عليه‪ ،‬وبه انتفع(‪ .)5‬وكان أبو الفضل يستشيره فيمـا يعــرض عليه من نــوازل‪،‬‬
‫ويَ ِرد عليه من أسئلة(‪.)6‬‬
‫توفي بمدينة فاس سنة خمس وسبعين وستمـائة (‪675‬هـ)(‪.)7‬‬
‫‪ 2‬ـ أبو إب راهيم إس حاق بن يح يى بن مطر الوري اغلي‪ ،‬المعــروف‬
‫بــاألعرج‪ ،‬اإلمــام‪ ،‬الفقيــه‪ ،‬العــالم‪ ،‬الفاضــل‪ ،‬فقيه فــاس‪ ،‬أخذ عن أبي محمد‬
‫صالح الهسكوري وغيره‪.‬‬
‫كان آية في المدونة‪ ،‬وله طُ َرر عليها‪.‬‬
‫توفي بفاس سنة ثالث وثمـانينـ وستمـائة (‪683‬هـ)(‪.)8‬‬
‫‪ 3‬ـ أبو الحسن علي بن سليمـان بن أحمد بن سليمـان األنص اري‬
‫القرطبي‬
‫قــال ابن القاضي في «جــذوة االقتبــاس»‪« :‬من أهل فــاس‪ ،‬وهو صــهر‬
‫أبي الحسن الصغير‪ .‬كان فقيها أستاذاً نحويا ً»(‪.)9‬‬

‫(?)نقل بعضا ً منها الونشريسي في «المعيار»‪ .‬ينظر ‪.13/431‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)جذوة االقتباس ‪.1/196‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)سيأتي الحديث عنه ضمن شيوخ أبي الحسن‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?)سيأتي الحديث عنه ضمن شيوخ أبي الحسن‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?)ينظر‪ :‬اإلحاطة ‪4/187‬؛ وشجرة النور الزكية‪ ،215 :‬رقم‪.757 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?)ينظر‪ :‬سلوة األنفاس ‪.3/262‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?)جذوة االقتباس‪.1/197 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?)ينظر‪ :‬جذوة االقتباس ‪1/164‬؛ ونيل االبتهاج ‪1/159‬؛ وشجرة النور الزكية‪.202 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?)جذوة االقتباس ‪ .1/473‬وكان عالما بالقراءات أيضا‪ .‬وقد عقد له الدكتور عبدالهادي‬ ‫‪9‬‬

‫حميتو ترجمة حافلة في الجزء الثالث من كتابه «قراءة نافع عند المغاربة»‪« :‬أبو الحسن‬
‫علي ابن سليمـان‪ ،‬زعيم المدرسة األصـولية في قـراءة نـافع‪ ،‬ورائد «االتجـاه التـوفيقي»‬
‫في القراءة‪ ،‬وشيخ الجمـاعة بفاس في المائة الثامنة»‪ .‬ينظر منه ‪ 3/7‬ـ ‪.94‬‬
‫ــ ‪ 157‬ـ‬
‫أخذ عنه أبو الحسن الصــغير(‪ .)1‬وهو أصــغر منــه‪.‬ـ تــوفي ســنة ثالثين‬
‫وسبعمـائة (‪730‬هـ)(‪.)2‬‬
‫‪ 4‬ـ أبو عمران الجورائي(‪.)3‬‬
‫لم أقف له على ترجـمة(‪.)4‬‬
‫‪ 5‬ـ أبو زيد الجزولي‪ :‬عبد الرحمن بن عفان‪ ،‬الشيخ‪ ،‬الفقيــه‪،‬ـ الحافــظ‪،‬‬
‫شيخ المدونة والرسالة(‪.)5‬‬
‫قــال ابن القاضــي‪« :‬كــان أعلم النــاس بمــذهب مالك ابن أنس‪ ،‬وأصــل َح‬
‫الناس وأو َرعهم‪ ،‬وكان يحضر مجلسه أكثر من ألف فقيــه‪ ،‬معظمهم يســتظهر‬
‫المدونة‪ ،‬إال عبد هللا الفشتالي فإنه كان يحفظ التفريع البن الجالب»(‪.)6‬‬
‫أخذ عن أبي الفضل راشد بن أبي راشد الوليـــــــدي‪ ،‬وأبي عمـــــــران‬
‫الجورائي‪ ،‬وأبي محمد عبد الصادق الصبان(‪.)7‬‬
‫وأخذ عنه أبو الحسن الصغير‪ ،‬وغيره(‪.)8‬‬
‫كان السلطان أبو الحسن المريني يُجلُّه كثيراً‪.‬‬
‫و ُقيّدت عنه على «الرسالة» ثالثة تقاييد‪ ،‬وك ُّلها مفيدة‪ ،‬انتفع بها الناس(‪.) 9‬‬
‫كانتـ وفاته سنة إحدى وأربعينـ وسبعمـائة (‪741‬هـ)(‪ .)10‬توفي عن مائة‬
‫وعشرين سنة‪ ،‬كذا ذكر الشيخ زروق‪ .‬وذكر غيره أنه توفي عن نحو تســعين‬
‫سنة‪ .‬قال أحمد بابا‪« :‬وكأنه أشبه»(‪.)11‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تالمذتـه‬
‫(?)انظر «اإلحاطة» ‪ ،4/187‬وفيه «سليم» عوض «سليمـان»؛ و«سلوة األنفاس»‪3/1 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪49‬؛ و«شجرة النور الزكية»‪.215 :‬‬


‫(?)ينظر «وفيات الونشريسي» ضمن كتاب «ألف سنة من الوفيات»‪.106 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)هكــذا ذ ِكر في طبعة «جــذوة االقتبــاس» عند ذكر ابن القاضي شــيوخ أبي الحسن‬ ‫‪3‬‬

‫الصــغير وعبــدالرحمن بن عفــان الجــزولي (ينظر «جــذوة االقتبــاس» ‪ 2/402‬و‪.)472‬‬


‫وهكذا ذكر في طبعة «نيل االبتهاج» عند ذكر أحمد بابا التنبكتي شـيوخ عبد الـرحمن بن‬
‫عفان الجزولي (ينظر «نيل االبتهاج» ‪ .)1/265‬وكذا عند الكتاني في «سلوة األنفاس» ‪3‬‬
‫‪ ،/147‬عند ترجمة أبي الحســــن‪ .‬وفي طبعة «اإلحاطــــة»‪« :‬ال َجوْ رمــــاني» (ينظــــر‪:‬‬
‫«اإلحاطـة» ‪ .)4/187‬وفي طبعة «الــديباج» البن فرحـون (الــذي نقل ترجمة أبي الحسن‬
‫من «اإلحاطة»)‪« :‬الحوراني»‪ .‬ينظر «الديباج»‪ ،305 :‬رقم‪.408 :‬‬
‫(?)لعل هذا هو الدافع الذي حذا بمحمد مخلوف أن يُه ِمله في «شجرته» عند ذكر شيوخ‬ ‫‪4‬‬

‫أبي الحسن الصغير وعبد الرحمن بن عفان الجزولي‪.‬‬


‫(?)جذوة االقتباس ‪2/401‬؛ ونيل االبتهاج ‪.1/265‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?)جذوة االقتباس ‪2/401‬؛ ونيل االبتهاج ‪.1/265‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?)جذوة االقتباس ‪.2/402‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?)جذوة االقتباس ‪2/401‬؛ ودرة الحجال ‪ ،3/79‬رقم‪1000 :‬؛ وشجرة النور الزكية ص‪:‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪.219‬‬
‫(?)جذوة االقتباس ‪2/401‬؛ وشجرة النور الزكية‪.219 :‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?)وفيات الونشريسي ضمن كتاب «ألف سنة من الوفيات»‪.111 :‬‬ ‫‪10‬‬

‫(?)ينظر نيل االبتهاج ‪.1/266‬‬ ‫‪11‬‬

‫ــ ‪ 158‬ـ‬
‫لقد تـــرك الشـــيخ أبو الحسن خلفا بلغـــوا درجة عالية في العلم والعمـــل‪،‬‬
‫أبرزهم‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أبو عبد هللا محمد بن الحس ين(‪ )1‬بن محمد اليحصـــبي التلمســـاني‪.‬‬
‫يعــرف بــابن البــاروني(‪ .)2‬دخل مدينة فــاس‪ ،‬وأخذ عن أبي الحسن الصــغير‪،‬‬
‫وغيره‪ ،‬كأبي زيد عبد الرحمن بن عفان الجزولي‪ ..‬وكان من صدور الفقهاء(‪.)3‬‬
‫قال لسان الدين ابن الخطيب‪:‬ـ «قَ ـ ِدم عليناـ(‪ )4‬من األنــدلس‪ ،‬فأقــام إلى أن‬
‫مات(‪.)6(»..)5‬‬
‫وكانت وفاته سنة أربع وثالثينـ وسبعمـائة (‪734‬هـ)(‪.)7‬‬
‫‪ 2‬ـ أبو الحسن الطنجي‪ :‬علي بن عبد الرحمن بن تميم اليفرني‪ ،‬الفقيــه‪،‬‬
‫الفرضي‪ ،‬األصولي‪ ،‬الحافظ‪.‬‬
‫(‪)8‬‬
‫أخذ عن أبي الحسن الصـــغير‪ ،‬وغـــيره‪ .‬وأخذ عنه الحافظ الســـطي ‪،‬‬
‫وغيره‪.‬‬
‫(‪)9‬‬
‫جــاء في «نيل االبتهــاج»‪« :‬له تقييدـ على المدونة» ‪ .‬وفي «تبصــرة‬
‫نصـه‪« :‬وفي الطــرر على التهــذيبـ ألبي الحسن الطنجي عن أبي‬ ‫الحكام» ما ُّ‬
‫(‪)10‬‬
‫الحسن الصغير قال عند قوله في التهذيب‪..‬ـ» ‪.‬‬
‫(‪)11‬‬
‫توفي سنة أربع وثالثين وسبعمـائة (‪734‬هـ) ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ إب راهيم بن عبد هللا بن أبي زيد ابن أبي الخ ير‪ .‬تقــدم في المبحث‬
‫األول من الفصل األول‪.‬‬

‫(?)كـذا في الطبعة المعتمــدة من «نيل االبتهـاج» ‪2/39‬؛ وطبعة «نفح الطيب» ‪.7/160‬‬ ‫‪1‬‬

‫وفي طبعتي «اإلحاطة» ‪ ،2/201‬وجذوة االقتباس ‪« :1/295‬الحسن» بدون ياء‪.‬‬


‫(?)كذا في طبعة «نيل االبتهاج» ‪ .2/39‬وفي طبعة «جذوة االقتبــاس ‪:1/295‬ـ «يعــرف‬ ‫‪2‬‬

‫بـابن البـارق»‪ .‬ووصف في طبعة اإلحاطة ‪ 2/201‬بــ‪« :‬البَـرّوني»‪ .‬ووافقتها طبعة «نفح‬
‫الطيب»‪ .‬ونقل ذلك منها أحمد بابا التنبكتي في «النيل»‪ .‬وما أثبته هو األشبه بالصواب‪.‬‬
‫(?)ينظر‪ :‬نيل االبتهاج ‪2/39‬؛ وجذوة االقتباس ‪ ،1/296‬رقم‪.301 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?)في الطبعة المعتمدة من نفح الطيب‪« :‬عليها»‪ ،‬والتصويب من «نيل االبتهاج»‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?)أي‪ :‬أقام بتلمسان إلى أن مات‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?)نفح الطيب‪.7/160‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?)جذوة االقتباس‪.1/296‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?)سيأتي الحديث عنه ضمن تالمذة أبي الحسن الصغير‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?)نيل االبتهاج ‪.1/365‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?)ينظر‪ :‬تبصرة الحكام ‪.2/84‬‬ ‫‪10‬‬

‫(?)ينظر «وفيــات الونشريســي» ضــمن كتــاب «ألف ســنة من الوفيــات»‪108 :‬؛ و«نيل‬ ‫‪11‬‬

‫االبتهاج» ‪ ،1/365‬رقم‪414 :‬؛ و«شجرة النور الزكية»‪ ،218 :‬رقم‪.767 :‬‬


‫ــ ‪ 159‬ـ‬
‫‪ 4‬ـ أبو محمد(‪ )12‬عبد المؤمن بن محمد بن موسى الجاناتي الفاسي‪.‬‬
‫قال فيه محمد مخلوف‪« :‬اإلمام‪ ،‬الفقيــه‪،‬ـ العــالم‪ ،‬الشــيخ‪ ،‬الصــالح‪ .‬أعلم‬
‫الناس بالمدونة‪.‬ـ أخذ عن أبي الحسن الصغير وجلس مجلسه»(‪.)2‬‬
‫وقـال فيه الونشريسي‪:‬ـ هــو « ِمن أعرف الناس بمـ ـسائل الـتـهذيـ ـب(‪.)3‬‬
‫وكان ~ حسن اإللقاء للمسائل‪ ،‬إالَّ أنه كان ال يحسن كالم العرب‪.)4(»..‬‬
‫وكــان يحضر مجلسه أزيد من أربعمـــائة طــالب‪،‬ـ وفيهم نحو مائةـ ِمن‬
‫المعت ّمين‪،‬ـ ِمن حفّاظ المدونة(‪.)5‬‬
‫توفي سنة ست وأربعينـ وسبعمــائة (‪746‬هــ)‪ .‬وكــان مولــده في حــدود‬
‫خمس وسبعين وستمـائة(‪.)6‬‬
‫‪ 5‬ـ ابن أبي يحيى‪ :‬أبو سالم إبراهيم بن عبد الرحمن التسولي التازي‪.‬‬
‫ذكره ابن الخطيب في كتابه «عائد الصلة»(‪ )7‬فقـال‪« :‬الشـيخ‪ ،‬الحافـظ‪،‬‬
‫الفقيه‪ ،‬القاضي‪ .‬من صدور المغرب‪ ،‬مشاركا في العلم‪ ،‬متبحرا في الفقه‪ .‬كان‬
‫وجيها عند الملــوك‪ ،‬صــحبهم‪ ،‬وحضـ ـر مجالســهم‪ ،‬واستُعمـ ـل في الســفارة‪،‬‬
‫فلقينـــاه بغرناطـــة‪ ،‬وأخـــذنا بها عنـــه‪ ،‬تـــام الســـراوة(‪ ،)8‬حسن العهـــد‪ ،‬مليح‬
‫المجالس‪ ..‬كريم الطبع‪ ،‬صحيح المذهب‪..‬ـ»(‪.)9‬‬
‫ويقــول فيه أبو البركــات ابن الحــاج البلفيقيـ في كتابه «المــؤتمن على‬
‫أنباء أبنــاء الــزمن»‪« :‬كــان هــذا الرجل قيمــا على التهــذيبـ ورســالة ابن أبي‬
‫زيــد‪ ،‬حسن اإلقــراء لهمــا‪ .‬وله عليهمــا تقييــدان نــبيالن‪ ،‬قيّــدهما أيــام قراءته‬
‫إياهما على أبي الحسن الصغير‪ .‬حضرت مجال َسه بمدرسة عدوة األندلس من‬
‫فاس‪ ،‬ولم أ َر في متص ّدري بلده أحسن (تدريساً)ـ(‪ )10‬منه‪ .‬كان فصــيح اللســان‪،‬‬
‫سهل األلفاظ‪ ،‬وكان مجلسه َو ْقفا ً على التهذيب والرسالة(‪.)12(»..)11‬‬
‫(?)كذا في‪ :‬وفـيات الونشريسي‪115 :‬؛ وفي‪ :‬شجرة النور (ص‪:)220 :‬ـ «أبو فارس»‪.‬‬ ‫‪12‬‬

‫وما نص عليه الونشريسي أشبه بالصواب‪.‬‬


‫(?)شجرة النور‪ :‬ص‪.220‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)يعني‪ :‬تهذيب البراذعي‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?)وفيات الونشريسي ضمن كتاب «ألف سنة من الوفيات»‪.115 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?)السابق‪ .‬وينظر كذلك‪ :‬جذوة االقتباس (‪ 2/447‬ـ ‪.)448‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?)وفيات الونشريسي ضمن كتاب «ألف سنة من الوفيات»‪.115 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?)هذا الكتاب ال يعرف مصيره إلى حد اآلن حسب علمي‪ .‬وكان ابن الخطيب ينقل منه‬ ‫‪7‬‬

‫في «اإلحاطة»‪.‬‬
‫(?)أي‪ :‬الرّياسة‪ .‬وانظر هامش «اإلحاطة» ‪.1/373‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?)اإلحاطة ‪ 1/372‬ـ ‪.373‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?)في طبعة «اإلحاطة»‪« :‬تدريباً»‪ ،‬والمثبت من «الديباج»‪.146 :‬‬ ‫‪10‬‬

‫(?)أي أنه كان ال يدرّس إال هذين الكتابين‪.‬‬ ‫‪11‬‬

‫(?)اإلحاطة ‪.1/372‬‬ ‫‪12‬‬

‫ــ ‪ 160‬ـ‬
‫ل انتفاعه‬‫«الزم أبا الحسن الصغير‪ ،‬وهو كان قارئ كتب الفقه عليه‪ ،‬وجُ ـ ّ‬
‫في التفقه به»‪ .‬وأخذ عن غـيره‪ ،‬كـأبي الحسن بن سـليمان‪ ،‬قـرأ عليه رسـالة ابن‬
‫أبي زيد القيرواني‪ ،‬وأبي عبد هللا ابن رشيد السبتي‪ ،‬قرأ عليه الشفا لعياض‪.)1(..‬‬
‫وهو الــــذي جمع أجوبة شــــيخه أبي الحسن الصــــغير في كتــــابـ(‪،)2‬‬
‫وشرحها الشيخ إبراهيم بن هالل السجلمـاسي المتوفى سنة ثالث وتسعمـائة (‬
‫‪903‬هـ) في كتابـ سمـاه «الدر النثير على أجوبة أبي الحسن الصغير»(‪.)3‬‬
‫توفي ابن أبي يحيى بفاس بعد عام ثمـانيةـ وأربعين وسبعمـائة(‪.)4‬‬
‫‪ 6‬ـ أبو عبد هللا الكرس وطي‪ :‬محمد بن عبد الــرحمن بن ســعد التميمي‬
‫التسولي الكرسوطي‪.‬‬
‫من أهل فاس‪ .‬نزيل مالقة‪ .‬كان فقيهاً‪ ،‬مح ّدثاً‪ ،‬متكلّمـاً‪ .‬أثــنى على حفظه‬
‫ابن الخطيب في «اإلحاطــة» ثنــا ًء عظيمــاً‪ ..‬وذكر أنه أخذ الفقه‬‫وفقهه وفهمه ُ‬
‫عن أبي الحسن الصــغير‪ ،‬وعبد الــرحمن بن عــفان الجـزولي‪ ،‬وعبد المــؤمن‬
‫الجاناتي‪..‬ـ وأنه أخذ القــرآن على أبي الحسن القيجــاطيـ البلــوي‪ ،‬وأبي الحسن‬
‫علي بن سليمـان‪ ،‬وابن آجروم‪..‬‬
‫ثم قال ابن الخطيب محصيا تآليفه‪:‬ـ «منها «الغرر في تكميلـ الطــرر»‪،‬‬
‫طــرر أبي إبــراهيم األعــرج‪ ،‬ثم «الــدرر في اختصــار الطــرر» المــذكور‪،‬‬
‫وتقييــدان على الرســالة‪ :‬كبــير وصــغير‪ ،‬ولَـ ـ َّخص «التهــذيب» البن بشــير‪،‬‬
‫وحذف أسانيد المصنفات الثالثة‪:‬ـ البخاري‪ ،‬والترمذي‪ ،‬ومسلم‪ ،‬والتزم إســقاط‬
‫التكرار‪.)5(»..‬‬
‫مولده بفــاس عــام تســعينـ وستمــائة(‪ .)6‬قــال محمد مخلــوف‪« :‬ولم أقف‬
‫على وفاته»(‪.)7‬‬
‫‪ 7‬ـ أبو عبد هللا الس طي‪ :‬محمد بن سليمــان‪ ،‬اإلمام‪ ،‬الفقيـه‪،‬ـ الفرضـي‪،‬‬
‫حافظ المغرب‪ ،‬وشيخ الفتوى‪ ،‬وإمام مذهب مالك في زمانــه‪ .‬من أكــبر تالميذ‬

‫(?)السابق‪ ،‬والديباج‪.146 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)اإلحاطة ‪.1/373‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)هــذا الكتــاب حققه ـ ـ كما ســبقت اإلشــارة إلى ذلك ـ ـ األســتاذ مبــارك رخيص‪ ،‬لنيل‬ ‫‪3‬‬

‫دكتوراه الدولة بكلية الشريعة بأغادير‪ ،‬آيت ملول‪.‬‬


‫(?)اإلحاطة ‪ .1/373‬وأرَّخ الشــيخ مخلــوف وفاته ســنة تسع وأربعين‪ .‬انظر «شــجرة‬ ‫‪4‬‬

‫النور» ص‪.220 :‬‬


‫(?)ينظر‪ :‬اإلحاطة ‪.3/130‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?)اإلحاطة ‪.3/130‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?)شجرة النور ص‪.220 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫ــ ‪ 161‬ـ‬
‫ي الجــاه عند أبي الحسن المريــني‪،‬ـ يــُؤ ُّم به‬
‫أبي الحسن الصــغير‪ .‬كــان « َحظ َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫ويخطب‪ ،»..‬ويفتيه‪.‬ـ وكان هو ال ُمدرِّ س في حضرته ‪.‬‬
‫قــال ابن خلــدون في التعريف به وبيــان قيمته في العلم‪« :‬وأما الســطي‬
‫ـواس ُمه محمد بن سليمـان(‪)2‬ـ من قبيلة «ســطة»‪ ،‬من بطــون «أوْ َربــة» بنــواحي‬
‫فاس‪ .‬نزل أبُـوه سليمـان(‪ )3‬مدينة فــاس‪ .‬ونشأ محمد بهــا‪ ،‬وأخذ العلم عن الشــيخ‬
‫أبي الحسن الصغير ـ إمام المالكية بالمغرب‪ ،‬والطائر الذكر‪ ،‬وقاضي الجمـاعة‬
‫بفاس ـ‪ ،‬وتفـقَّــه عليه‪ ،‬ـ وكان(‪ )4‬أحـفـظ النــاس لمــذهب مالك وأفـقـهــهم فيه ــ‪.‬‬
‫وكـ ـان السلطـ ـان أبـ ـو الحسن(‪ )5‬لديـنـ ـه وسـ ـراوته(‪ )6‬وبعد شــأوه في الفضــل‪،‬‬
‫ف إلى تنويه مجلسه بالعلمـاء‪ ،‬واختــار منهم جماعة لصــحابته ومجالســته‪،‬‬ ‫َيتش َّو ُ‬
‫(‪)7‬‬
‫وكــان منهم هــذا اإلمــام محمد ابن سليمـ ـان‪ ،‬و َق ـ ِدم علينا بتــونس في جملته ‪،‬‬
‫وشهدنا وفور فضائله‪ ،‬وكان في الفقه (نَبيها)(‪ ،)8‬ال يُجارى حفظا وفهْمـاً‪.»..‬‬
‫ثم قــــال ابن خلــــدون‪ :‬وكــــان «أخي محمد ~ يقــــرأ عليه من كتــــابـ‬
‫«التبصـــرة» ألبي الحسن اللخمي(‪ ،)9‬وهو يصـــحّحه عليه من إمالئه وحفظه‬
‫في مجالس عديدة‪.)10(»..‬‬
‫ّصــاع‪« :‬وناهيك من جاللته أنه لما‬ ‫وقال أحمد باباـ التنبكتي نقال عن الر ّ‬
‫ْأ‬ ‫(‪)11‬‬
‫وصل تونس طلب منه ابن عرفة قــراءة الحوفية ‪ ،‬فقــال‪ :‬بلغــنيـ أنك قر تَ ـهُ‬
‫على ابن عبد الســالم‪ ،‬فقــال لــه‪ :‬نعم‪ ،‬ولكن وقف عليه منه مواضــع‪ .‬قــال ابن‬
‫(?)ينظر‪ :‬نيل االبتهاج ‪2/63‬؛ وجذوة االقتباس ‪.1/228‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)في طبعة «جذوة االقتباس» ‪« :1/228‬محمد بن علي بن سليمـان»‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)في طبعة «الجذوة»‪« :‬نزل أبوه علي بن سليمـان»‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?)أي أبو الحسن الصغير‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?)يعني‪ :‬المريني‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?)الســراوة‪ :‬الشــرف والســخاء مع مــروءة‪ .‬وفي طبعة نيل االبتهــاج‪« :‬ســرارته»‪،‬‬ ‫‪6‬‬

‫الح َسـب‪:‬‬
‫والمعــنى قــريب‪ .‬يقــال‪ :‬ســرارة األرض‪ :‬أفضل مواضــعها وأكرمهــا‪ .‬وســرارة َ‬
‫أوسطه وأفضله‪.‬‬
‫انظر «مختار الصحاح»‪ ،‬مــادة (س ر ا)؛ والمعجم الوســيط مــادة (س ر ا)‪ ،‬ومــادة (س ر‬
‫ر)‪.‬‬
‫(?)كذا في النسخة المعتمدة من كتاب «التعريف بــان خلــدون» بــالجيم‪ ،‬ولعل الصــواب‬ ‫‪7‬‬

‫«حملته» بالحـــاء المهملـــة‪ ،‬أي في حملة أبي الحسن المريـــني على تـــونس‪ .‬وفي نيل‬
‫االبتهاج‪« :‬فقدم السطي معه (أي مع السلطان) تونس»‪.‬‬
‫(?)في الطبعة المعتمدة من «التعريف بابن خلدون»‪« :‬من بينها»‪ ،‬والتصويب من طبعة‬ ‫‪8‬‬

‫«نيل االبتهاج»‪.‬‬
‫(?)كتاب «التبصــرة» ألبي الحسن اللخمي‪ ،‬ديــوان كبــير في الفقــه‪ .‬والرابطة المحمدية‬ ‫‪9‬‬

‫لعلمـاء المغرب بصدد طبعه محقّقاً‪.‬‬


‫(?)ينظر‪ :‬التعريف بابن خلدون‪ 31 :‬ـ ‪.32‬‬ ‫‪10‬‬

‫ــ ‪ 162‬ـ‬
‫عرفة‪ :‬قال لي‪ :‬ليس لي وقت إال ساعة خروجي من عند السلطان‪ .‬قال‪ :‬فكنت‬
‫أنتظرُه قرب الزوال حتى يخرج من عند الســلطان‪ .‬فــإذا خــرج قـ ُ‬
‫ـرأت عليــه‪،‬ـ‬
‫حــــتى إذا وصــــلنا إلى تلك المواضع الــــتي توقف فيها ابن عبد الســــالم من‬
‫المناسخات واإلقرارات فقررها لي أت ّم ما كان وأحسنه»(‪.)1‬‬
‫ثم قــال أحمد بابــا‪« :‬ومن تآليفــه‪ :‬تعليقـ صــغير على المدونــة‪ ،‬وشــرح‬
‫جليل على الحوفية‪ ،‬وتعليق على ابن شاس(‪ )2‬فيمـا خالف فيه المــذهب‪ .‬ذكــره‬
‫تلميذه ابن عرفة عنه»(‪.)3‬‬
‫لقد أقام السطي بتونس نحو العامين‪ .‬ثم لما رجع بحراً غرق في ســواحل‬
‫بجاية مع َمن غـــرق من العلمــــاء والفضـــالء بأســـطول الســـلطان أبي الحسن‬
‫المريني‪ .‬وكان ذلك سنة خمسين وسبعمـائة (‪750‬هـ)(‪.)4‬‬
‫‪ 8‬ـ عبد العـزيز بن مـحمد الفاسي القـــروي(‪()5‬أو القيــــرواني) أبو‬
‫محمد(‪ ،)6‬الفاسي (ت‪750‬هـ)(‪« .)7‬الشـــيخ‪ ،‬الصـــالح‪ ،‬كبـــير طلبة الشـــيخ أبي‬
‫الحسن الصغير»(‪.)8‬‬
‫قـــال أحمد باباـ التنبكـــتي‪« :‬قـــال اإلمـــام ال َمقَّري‪ :‬هو أكـــبر تالميذ أبي‬
‫الحسن علمـا ودينا‪.‬ـ وكذا قــال اإلمــام ابن مــرزوق الحفيد(‪ ،)9‬وزاد‪ :‬إن تقييــده‬
‫عنه على المدونة أحسن تقاييده»‪ .‬وقال ابن الخطيب القسـنطيني‪:‬ـ «وهو الـذي‬

‫(?)وهو كتــاب في المــواريث‪ .‬وقد قــرأه الســطي على أبي الحسن الطنجي‪ ،‬ختمه عليه‬ ‫‪11‬‬

‫ثماني ختمات‪ .‬انظر‪ :‬جذوة االقتباس ‪.1/228‬‬


‫(?)نيل االبتهاج ‪.2/63‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)يعــني كتــاب «عقد الجــواهر الثمينةـ في مــذهب عــالم المدينــة»‪،‬ـ مطبــوع بتحقيقين‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫تـحقيق الدكتور محمد أبي األجفان‪ ،‬وتحقيق الدكتور حميد لحمر‪.‬‬


‫(?)نيل االبتهاج ‪.2/63‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?)التعريف بابن خلدون‪32 :‬؛ ونيل االبتهاج ‪2/63‬؛ وشجرة النــور‪ ،221 :‬رقم‪.785 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫وقارن بـ‪ :‬جذوة االقتباس ‪.1/229‬‬


‫(?) في طبعة «شـجرة النـور»‪( :‬ص ‪ ،221‬رقم‪" :)784 :‬القـوري"‪ .‬والقـوري ــ بفتح‬ ‫‪5‬‬

‫القاف ـ نسبة إلى قورة‪ :‬قرية من قرى إشبيلية باألندلس‪.‬‬


‫(?)في «لقط الفرائــد» ضــمن كتــاب «ألف ســنة من الوفيــات» (ص‪ ،)203 :‬و«جــذوة‬ ‫‪6‬‬

‫االقتباس» البن القاضي (‪ ،)2/451‬و«وفيــات الونشريســي» ص‪ ،119 :‬وشــجرة النــور‬


‫ص‪ :221 :‬ـ «أبو فــارس»‪ ،‬والمثبت من «أنس الفقــير» و«نيل االبتهــاج» ‪ ،1/297‬وهو‬
‫األشبه بالصواب؛ ّ‬
‫ألن من عادة العرب أن يس ِّمي الرج ُل ابنَه البكر باسم أبيه‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫(?)ينظر «وفيات الونشريسي» ضمن كتاب «ألف سنة من الوفيات»‪ .119 :‬وانظر فيه‬ ‫‪7‬‬

‫أيضا «لقط الفرائد» البن القاضي ضمن كتاب «ألف سنة من الوفيات»‪203 :‬؛ و«جـذوة‬
‫االقتباس» البن القاضي كذلك ‪.2/451‬‬
‫(?)وفيات الونشريسي ضمن كتاب «ألف سنة من الوفيات»‪.119 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?)عالم كبير من تلمسان‪ ،‬وج ُّده كذلك من كبار العلمـاء‪ .‬وقد كان آية في الحفــظ‪ .‬تــوفي‬ ‫‪9‬‬

‫سنة ‪842‬هـ‪ .‬تنظر ترجمته في «نيل االبتهاج» ‪ 2/171‬ـ ‪.184‬‬


‫ــ ‪ 163‬ـ‬
‫جمع تقييد المدونة على الفقيه أبي الحسن الصـــغير‪ .‬وهو اآلن محبَّس بفـــاس‬
‫بخطّ يده‪.)1(»..‬‬
‫‪ 9‬ـ أبو الض ياء مص باح بن محمد بن عبد هللا اليلصـــوتي‪« ،‬الفقيه‬
‫الصالح»‪ .‬وقد تقدم في المبحث األول من الفصل األول‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ أبو البركات ابن الح اج‪ :‬عمـاد الــدين محمد بن محمد بن إبــراهيم‬
‫البِلَّفيقي(‪.)2‬‬
‫قاضي الجمــــاعة(‪ .)3‬يتصل نســـبه «بحارثة بن العبـــاس بن مـــرداس‪،‬‬
‫صاحب رسول هللا ×‪.)4(».‬‬
‫عرَّف به تلميذه لسان الدين ابن الخطيب فم َّد في تعريفهـ النّفَس‪ ،‬فتح ّدث‬
‫عن مجده ومجد سلفه‪ ،‬وبيّن قيمتهـ العلميــة‪ ،‬وذ َكر من أحواله ما يــد ّل على أنه‬
‫صف رحلته وطلبه العلم‪.)5(..‬‬ ‫كان من الصلحاء الزهاد المتعففين‪،‬ـ و َو َ‬
‫ولخص ابن خلدون ما فصّله ابن الخطيب فقــال‪ ..« :‬شــيخنا‪ ..‬أبو البركــات‬ ‫ّ‬
‫محمد بن محمد بن إبـراهيم ابن الحـاج البلفيقي‪ ،‬من أهل ألمريـة‪ ،‬شـيخ المحـ ّدثين‬
‫والفقهاء واألدباء والصوفية والخطباء باألندلس‪ ،‬وسيد أهل العلم بإطالق‪ ،‬والمتفنن‬
‫في أساليب المعارف وآداب الصحابة للملوك ف َم ْن دونهم»(‪.) 6‬‬
‫وقال أبو زكريا السرّاج في فهرسته‪ :‬شيخنا الفقيه‪،‬ـ القاضــي‪ ،‬الخطيب‪،‬‬
‫البليــغ‪،‬ـ األســتاذ(‪ ،)7‬المقــرئ‪ ،‬العــالم‪ ،‬المحــ ّدث‪ ،‬المســند‪ ،‬الرّاويــة‪ ،‬ال ُمكــثر‪،‬‬
‫المحقّق‪ ،‬المتخلِّق‪ ،‬سليل العلمـاء‪ ،‬ونتيجة البررة األولياء‪.)8(..‬‬
‫وقال الحضرمي في مشيخته‪ :‬شيخنا الفقيه‪ ،‬الجليل‪ ،‬األستاذ‪ ،‬القاضــي‪،‬‬
‫العدل‪ ،‬النزيه‪،‬ـ الخطيب‪،‬ـ البليغ‪،‬ـ المتفنّنـ(‪ ،)9‬العــالم‪ ،‬الصــالح‪ ،‬الفاضــل‪ ،‬عمــاد‬
‫الدين‪ ،‬قاضي القضاة(‪.)10‬‬

‫(?)ينظر‪ :‬أنس الفقير وعز الحقير‪.61 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)البلفيقي‪ :‬نســـبة إلى بلفيـــق(‪ ،)Belfiq‬وهي بلـــدة من بالد والية ألمريـــة‪ .‬ينظر‬ ‫‪2‬‬

‫«اإلحاطة» مع هامشه ‪2/143‬؛ و«التعريف بابن خلدون» مع هامشه‪.61 :‬‬


‫(?)ينظر‪ :‬نفح الطيب ‪.7/391‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?)اإلحاطة ‪.2/143‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?)ينظر‪ :‬اإلحاطة ‪ 2/143‬ـ ‪.147‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?)التعريف بابن خلدون‪.61 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?)في هــذا الوصف إشـارة إلى أنه كــان له اطالع على الفنــون المعقوليــة‪ .‬وهو كــذلك‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫ينظر‪ :‬نيل االبتهاج‪.2/82‬‬


‫(?)نيل االبتهاج ‪.2/85‬‬ ‫‪8‬‬

‫عره ونَثره في «اإلحاطة» ‪ 2/150‬ـ ‪.169‬‬ ‫(?)يُنظر بعض ِمن ِش ِ‬


‫‪9‬‬

‫(?)نيل االبتهاج ‪.2/85‬‬ ‫‪10‬‬

‫ــ ‪ 164‬ـ‬
‫ومن تآليفه‪:‬ـ «المؤتمن على أنباء أبناء الزمن»‪ .‬واعتمد عليه تلميذه ابن‬
‫الخطيب كثيرا في «اإلحاطة»‪.‬‬
‫أما أخــذه عن أبي الحسن الصــغير فقد ذكر ذلك في كتابه «المــؤتمن»‬
‫حضرت مجلس إقرائه‪..‬ـ»(‪ .)1‬توفي سنة إحدى وســبعين‬
‫ُ‬ ‫في ترجمته‪،‬ـ قال‪..« :‬‬
‫ً(‪)2‬‬
‫وسبعمـائة (‪771‬هـ) عن نحو تسعين سنة تـخمينا ‪.‬‬
‫‪ 11‬ـ أبو عبد هللا الرعي ني‪ :‬محمد بن ســــعيد بن محمــــد‪ ،‬األندلسي‬
‫األصل‪ ،‬الفاسي المولد والقرار‪ُ .‬عرف بالرعينيـ وبالسراج‪ .‬تقــدم في المبحث‬
‫األول من الفصل األول‪.‬‬
‫‪ 12‬ـ محمد بن محمد بن غالب‬
‫قــال فيه أحمد بابا التنبكــتي‪« :‬أحد أصــحاب أبي الحسن الصــغير‪ .‬نقل‬
‫عنه في المعيار‪ .‬ولم أقف على ترجمته»(‪.)3‬‬
‫‪ 13‬ـ اليحمدي‬
‫الظــاهر من كالم ابن الخطيب القســنطينيـ في التعريف بعبد العزيز بن‬
‫(‪)5‬‬
‫محمد القروي(‪ )4‬أنه من طلبة أبي الحسن الصــغير‪ .‬قــال‪« :‬وهو الــذي جمع‬
‫تقييد المدونة على الفقيه أبي الحسن الصغير‪ ،‬وهو اآلن مـحبــس بفـاس بخـطّ‬
‫يده‪ .‬وأ ّما التقييدـ الكبير ف َج َمعه رجل من صدور الطلبة‪ ،‬يقال له اليَحمدي»(‪.)6‬‬
‫‪ 14‬ـ السلطان أبو سعيد عثمـان بن يعقوب بن عبد الحق المريني‬
‫نص الناصري في كتابهـ «االستقصا» على أنه كان يحضر مجلس أبي‬
‫الحسن الصــغير قبل تولِّيه حُكم المغــرب(‪ .)7‬والمعلــوم أن الســلطان أبا ســعيد‬
‫«بُويع له بالخالفة ليلة األربعاء منسلخ جمادى األخيرة سنة عشر وسبعمـــائة‬
‫بقصـــبة ربـــاط تـــازة‪ ،‬ول ّما تمت له البيعة فـــرّق األمـــوال على قبائل مـــرين‬
‫والعـــرب واألجنـــاد‪ ،‬ووصل الفقهـــاء والصـــلحاء واألشـــراف‪ .‬وفي العشر‬
‫األواخر من شهر رجب خرج‪ ..‬إلى مدينةـ فــاس ف ـ َدخَلها‪ ،‬وقَ ـ ِدمت عليه وفــود‬
‫البالد‪ ،‬فأقــام بمدينة فــاس وعيّد بها عيد الفطــر‪ .‬وفي شــهر ذي القعــدة خــرج‬

‫(?)ينظر‪ :‬اإلحاطة ‪.4/186‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)نيل االبتهاج ‪.2/87‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)نيل االبتهاج ‪.2/59‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?)قد تق ّدم الحديث عنه‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?)أي عبد العزيز القروي‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?)أنس الفقير وعز الحقير‪.61 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?)ينظر‪ :‬االستقصا ‪.3/113‬‬ ‫‪7‬‬

‫ــ ‪ 165‬ـ‬
‫لرباط الفتح برسم التفقد ألمر رعيّته‪،‬ـ وإنشاء السفن لغ َْزو العــد ّو‪ ،‬فعيّد به عيد‬
‫األضحى‪ ،‬ورجع إلى مدينةـ فاس»(‪.)1‬‬
‫كان من أهل العلم والحلم‪ ،‬وكان عصْ ره كان من أحسن عصور تــاريخ‬
‫المغرب‪ ،‬وقد ((بنى مدارس عدة بمدينةـ فاس‪ ،‬كمدرسة العطارينـ))(‪.)2‬‬
‫وكانت وفاته سنة إحدى وثالثينـ وسبعمائةـ (‪731‬هـ)‪.‬‬
‫المبحث الث الث‪ :‬آث ار أبي الحسن الص غير‪ ،‬ووظائف ه‪ ،‬ومنهجه في‬
‫أجوبته‬
‫المطلب األول‪ :‬آثاره‬
‫اآلثار العلمية الــتي خلفها أبو الحسن الصــغير لم يؤلف أيا منها بنفســه‪،‬‬
‫إنما قيدها عنه تالميذه الذين الزموه وتفقهوا عليه‪.‬‬
‫وهذه اآلثار هي‪:‬‬
‫ـ تقييدان على المدونة‬
‫أحدهما كبير‪ ،‬قيده أحد طلبة العلم‪ ،‬يقال له اليحمــدي‪ .‬وآخر صــغير‪ ،‬وهو‬
‫الذي قيده عن أبي الحسن تلميذه الفقيه عبد العزيز القروي‪ .‬وهو أحسن تقاييده‪.‬‬
‫وأفاد فؤاد سزكين أن بعض القطع وصلتنا من هذا الكتابـ(‪.)3‬‬
‫ـ التقييد على تهذيب البراذعي‬
‫قيده عنه طلبته‪ ،‬أبرزهم ابن أبي يحيى‪،‬ـ فقد كتب عنه تقييدا نبيال‪ .‬وهذا‬
‫الكتاب حققه مجموعة من الباحثين بالجامعة اإلسالمية بالمدينة المنورة(‪.)4‬‬
‫ـ التقييد على الرسالة‬
‫ذكر المترجمون ألبي الحسن الصغير أن تالمذته قيدوا عنه تقاييد على‬
‫الرسالة‪ .‬ولكن ال ندري ما مصير هذه التقاييد‪.‬ـ‬
‫ـ األجوبة‬
‫(?)جذوة االقتباس ‪2/456‬؛ وينظر كذلك «روضة النسرين في دولة بني مرين»‪ 23 :‬ـ‬ ‫‪1‬‬

‫‪.24‬‬
‫(?) جذوة االقتباس ‪ .2/457‬وينظر االستقصا ‪.3/111‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ينظر تاريخ الــتراث العــربي ‪ 2/140‬ــ ‪ .141‬ومع هــذا النقل عن فــؤاد ســزكين فــإني‬ ‫‪3‬‬

‫أسجل تحفظي على ما نقلت؛ ألن بعض المفهرسين يخلطون بين تقييد تهــذيب الــبراذعي‬
‫وتقييدـ المدونة‪.‬‬
‫(?) بعضــهم نــال به درجة دكتــوراه‪ ،‬وبعضــهم نــال به درجة الماجســتير‪ .‬وينظر موقع‬ ‫‪4‬‬

‫مكتبة الملك فهد اإللكتروني‪ ،‬وموقع ملتقى أهل الحديث اإللكــتروني‪ .‬ووقفت على قطعة‬
‫منه (من بداية الســلم األول إلى نهاية بيع الخيــار)‪ ،‬من تحقيق البــاحث طــارق محفــوظ‬
‫محمد الصحاري‪ .‬نال به درجة دكتوراه من جامعة سـيدي محمد بن عبد هللا‪ ،‬كلية اآلداب‬
‫والعلوم اإلنسانية بفاس سايس ـ المغرب‪.‬‬
‫ــ ‪ 166‬ـ‬
‫جمعها في كتــاب أبو ســالم ابــراهيم بن عبد الــرحمن التســولي التــازي‬
‫المعروف بابنـ أبي يحيى (ت‪749‬هـ)‪.‬‬
‫ولقد وصلتنا هذه األجوبة‪ .‬وقد أخبرت أن أحد الباحثين بصدد إخراجها‬
‫محققـــة‪ .‬واطلعت عليها بشـــرح إبـــراهيم بن هالل السجلماسي (ت‪903‬هــــ)‬
‫وترتيبه على التبويب المتعــارف في مؤلفــات الفقــه‪ .‬وهو المعــروف بـــ"الــدر‬
‫النثير على أجوبة أبي الحسن الصغير"(‪ .)1‬وهو معتمد عند المالكية‪ .‬والحديث‬
‫عن هذه األجوبة في المطلب التالي‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬وظائفه‪ ،‬ومنهجه في أجوبته‬
‫لقد تقلد الشيخ أبو الحسن وظائف جليلة‪ ،‬أوالها وظيفة التدريس وإقراء‬
‫المدونة والتهذيبـ والرسالة‪ .‬وهي الوظيفةـ األصل‪ ،‬وفيها أمضى قسطا ً كبــيراً‬
‫من عمره‪.‬‬
‫وتــولى كــذلك منصب القضــاء‪ .‬وكــانت أ ّول مدينةـ تقلّد فيها أبو الحسن‬
‫منصب القضاء هي «تازة» الواقعة شرق مدينةـ فاس‪ :‬ق ّدمه السلطان المريني‬
‫أبو يعقوب يوسف ابن يعقوب‪ .‬قال الونشريسي‪« :‬فحُمدَت سيرتُه»(‪.)2‬‬
‫ثم ُولّي قضــاء فــاس‪ .‬قــال أبو البركــات ابن الحــاج البلفيقي‪« :‬ق َّدمه أبو‬
‫الربيع سلطان المغرب»(‪.)3‬‬
‫وتذكر بعض المصادر التّاريخية أنّه كان «قاضي الجماعة بفاس»(‪.)4‬‬
‫وولي كــذلك وظيفة الســفارة‪ .‬ذكر ذلك غــير واحد م ّمن تــرجم لــه‪ ،‬ففي‬
‫اإلحاطة‪:‬ـ «ودخل(‪ )5‬غرناطة ل ّما وصل رســوالً على عهد مستقضــيه رحمهما‬
‫هللا»(‪ .)6‬وقــال ابن القاضي في «درة الحجــال»‪« :‬وراح ســفيراً إلى األنــدلس‪،‬‬
‫استُعمل في السفارة عن أمر مستقضيه»(‪.)7‬‬

‫(?) حققه األسـتاذ مبـارك رخيص‪ .‬نـال به درجة دكتـوراه من كلية الشـريعة‪ ،‬آيت ملـول‬ ‫‪1‬‬

‫أكادير ـ المغرب‪ .‬وقد سبقت اإلشارة إلى ذلك‪.‬‬


‫(?)وفيات الونشريسي ضمن كتاب «ألف سنة من الوفيات»‪.103 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)يعني أبا الربيع سليمان بن عبد هللا بن يوسف بن يعقوب‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?)ينظــر‪ :‬التعريف بــابن خلــدون‪( 31 :‬ترجمة الحافظ الســطي)‪ .‬وقاضي الجماعة هو‬ ‫‪4‬‬

‫الذي يتولى القضاء في جميع األحكام‪ .‬قال الصاوي‪« :‬فإن كـان (أي القاضـي) ُمـولّى في‬
‫شــيء خــاص كاألنكحة اش ـتُرط علمه بها فقــط‪ ،‬وهكــذا»‪« .‬حاشــية الصــاوي» بهــامش‬
‫«الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب اإلمام مالك»‪ ،‬للدردير ‪.4/188‬‬
‫(?)أي أبو الحسن‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?)اإلحاطة ‪.4/187‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?)درة الحجال ‪ .3/244‬وينظر‪ :‬جذوة االقتباس ‪.2/472‬‬ ‫‪7‬‬

‫ــ ‪ 167‬ـ‬
‫وما يعنيناـ هنا هي وظيفة اإلفتــاء‪ .‬والّــذي يظهر م ّما كتبهـ الــدكتور عبد‬
‫أن وظيفة اإلفتاء كانتـ منصبا ً ساميا ً في دولة بــني‬ ‫الهادي التازي عن المفتي ّ‬
‫خصـص له‬ ‫توضـع تحت تصـرّف المفــتي‪،‬ـ وتُ َّ‬ ‫َ‬ ‫مرين‪ :‬تُر َ‬
‫صد له ميزانيةـ كبيرة‬
‫بناية‪ ..‬يمـارس فيها مها َّمه‪ ،‬ويستقبل فيها المستفتينـ والمستشيرين من الرجال‬
‫والنســاء‪ .‬وجُعل للنســاء مــدخل خــاص بهن‪ .‬وتلحق بهــذه البناية مكتبة تض ـ ّم‬
‫المصادر والمراجع التي يَحتاج إليها المفتي(‪.)1‬‬
‫ومصدرنا في الحــديث عن هــذه الوظيفةـ بالنســبة ألبي الحسن الصــغير‬
‫هو تلميذه أبو البركات ابن الحاج البلفيقي‪،‬ـ قال‪« :‬وكان(‪ )2‬أحد األقطاب الــذين‬
‫َـرد عليه السـؤاالت من جميع بالد المغـرب‪،‬‬ ‫تدور عليهم الفتوى أيام حياتـه‪ ،‬ت ِ‬
‫(‪)3‬‬
‫فيُحسن التوقيع على ذلك‪ ،‬على طريقة االختصار وترك فضول القول» ‪.‬‬
‫أن أبا الحسن لم يكن هو المفـــــتي الوحيد‬‫فمن خالل هـــــذا النصّ نعلم ّ‬
‫وأن هناك مفتين آخــرين‪ .‬لكن أبا الحسن تميّز عنهم باإلجابةـ على قــدر‬ ‫بالبلد‪ّ ،‬‬
‫السؤال واجتناب ما ال تعلّق له بالنّازلة مح ّل الفتوى‪.‬‬
‫وفي تاريخ ابن خلــدون ما يفيد أنه كــان رئيس المفــتين‪ ،‬حيث حالّه بـــ‪:‬‬
‫«شيخ الفتيا‪،‬ـ المذكور بها»(‪.)4‬‬
‫و َمن تأ َّمل أجوبة أبي الحسن الصــغير وجد ما قاله البلفيقي من أنّه كــان‬
‫يحسن التوقيع على األجوبة «على طريقة االختصار‪ ،‬وترك فضــول القــول»‬
‫واضحاً‪ .‬وأكتفي هنا بإيراد مثالين‪:‬ـ‬
‫َّب(‪ )5‬على رجل زوجتَه حتى طلَّقها‪.‬‬ ‫المثال األ ّول‪« :‬وسُئل عن رجل َخب َ‬
‫َّ‬
‫فلمـا ت ّمت العــدة خطبها المتهم بتخبيبهــا‪ .‬فهل يُمكن من نكاحها إن ثبت بالبيّنة‬
‫أو بالسمـاع الفاشي؟‪.‬‬
‫(‪)6‬‬
‫فقال‪ :‬يمنعـ وال يُم َّكن منها» ‪.‬‬
‫المثال الثاني‪« :‬وسُئل عن صــب ّي تَ َرك ْتهـ أ ّمـ هُ‪ ،‬فــاختلفت عليه المراضع‬
‫حتى مات؟‬
‫(‪)7‬‬
‫فقال‪ :‬ال تُطلَب األ ّم به» ‪.‬‬

‫(?)ينظر «جامع القرويين» ‪ 2/440‬ـ ‪.443‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)أي أبو الحسن الصغير‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)اإلحاطة ‪ 2/186‬ـ ‪.187‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?)تاريخ ابن خلدون ‪.7/318‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?)أي أفسد‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?)الدر النثير ‪( 1/107‬قسم التحقيق‪ ،‬المسألة ‪.)34‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?)السابق ‪( 1/150‬المسألة ‪.)52‬‬ ‫‪7‬‬

‫ــ ‪ 168‬ـ‬
‫بل أحيانا ً ال يوفي السؤا َل حقَّه من الجــواب‪ ،‬وفي أحيــان أخــرى يــترك‬
‫شطراً من السّؤال ال يُجيب عنه‪.‬ـ ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫المث ال األ ّول‪« :‬وســئل ~ عن وصي ز ّوج محجورته من نفســه‪ ،‬وهي‬
‫في حال مرض‪ .‬وبعد عقده عليها بعشرة أيام ونحوها ماتتـ من ذلك المــرض‬
‫قبل البناء بها‪ .‬فهل يصح النكاح ويرثها أم ال؟‬
‫أن المــرض الــذي‬ ‫فأجــاب ~‪ :‬أكــرمكم هللا‪ .‬زاد لي الســائل من لفظــه‪ّ :‬‬
‫تــوفيت منه هو المعــروف بال َّشوْ صة(‪ ،)1‬وهو على ما ال يخفى من األمــراض‬
‫ال َم ُخوفــة‪ .‬فــإذا تــوفيت بعد النكــاح المــذكور بعشــرة أيــام فالنكــاح فاســد؛ ألن‬
‫المــرض المــذكور إن كــان من األمــراض المتطاولــة‪،‬ـ فــالمرض المخــوف‬
‫المتطــاول‪:‬ـ ما عقد في آخــره كمــا ُعقد في المــرض المخــوف المشــرف على‬
‫الهالك على المنصوص‪ .‬فيكون النكاح في مسألتكم فاســداً حسبمــا تقــدم‪ .‬وإذا‬
‫كان فاسداً فال يرث الزوج المذكور الزوجة المذكورة‪ .‬والسالم»(‪.)2‬‬
‫السـؤال حقّه من الجــواب لعــدم بيــانـ حكم‬ ‫فــأنت تَــرى هنا أنّه لم يــوف ّ‬
‫تزويج الوصي محجورته من نفسه‪ .‬ولذلك قــال إبــراهيم بن هالل السجلماسي‬
‫في «الدر النثير» في هذا التزويج‪« :‬قال مالك في كتابـ ابن المواز‪ :‬ال أحبــه‪.‬‬
‫قال في «الواضحة»(‪ :)3‬وال من ابنه‪ ..‬فــإن وقع نظر فيه الســلطان‪ ،‬فــإن كــان‬
‫صوابا ً مضى‪ ،‬وإال فسخ‪ .‬ابن المــواز‪ :‬إال أن يُت َّم لها ما يشــبهُها‪ ،‬أو يــنز َل بها‬
‫بعد النكــاح ضــرر في بــدن أو مــال‪ ،‬ويصــير الفسخ غــير نَظَــر‪ ،‬فيمضي‬
‫استحسانا‪ .‬ابن حبيب‪ :‬فإذا فات بالبناء قُضي لها بتمـام صداق مثلها في قدرها‬
‫ومالها‪.)4(»..‬‬
‫المثال الثاني‪« :‬وسُئل ~ عن الجمع بين المغــرب والعشــاء ليلة المطر‬
‫(‪)6‬‬
‫ألهل العمود(‪ ،)5‬هل يرخص لهم في ذلك؟ وإذا كــان إمــام راتب في الـ َّد َّوار‬
‫وصلَّى بجمـاعة‪ ،‬وصلَّت جماعة خارجه‪ ،‬هل تص ّح صالة الفريقين أم ال؟‬
‫فأجــاب‪ :‬إذا كــان ألهل ال ـ ّد ّوار موضع يجتمعــون فيه للصــلوات فلَهُــ ـم‬
‫الجمع ليلة المطــر‪ ،‬لوجــود العلة المبيحة للجمع وتعجيل الصــالة اآلخــرة قبل‬

‫(?)قـال الجـوهري‪ :‬ال َّشوْ صة ريح تعتــقب في األضـالع‪ .‬وقـال جـالينوس‪ :‬هو ورم في‬ ‫‪1‬‬

‫حجاب األضالع من داخل‪ .‬انـظــر‪ :‬الدر النثير ‪1/98‬؛ والصَّحاح‪ ،‬مادة‪( :‬ش وص)‪.‬‬
‫(?)الدر النثير ‪( 1/97‬المسألة ‪.)31‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)وهي البن حبيب‪ ،‬كمـا هو معلوم‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?)الدر النثير ‪.1/100‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?)هم أهل األخبية والخيام‪ .‬ينظر «الدر النثير» مع هامشه ‪.1/14‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?)ال ّدوّار عبارة عن مخيم لألعراب ال ّرحّل يقـام على شــكل دائــري تتواجه فيه الخيـام‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫وهو يقابل القرية أو الدشر‪ .‬ينظر‪ :‬الدر النثير‪ ،‬مع هامشه ‪.1/14‬‬
‫ــ ‪ 169‬ـ‬
‫ألن المطلوب من الصالة إيقاعهاـ في جماعة‪ .‬والمطر وما‬ ‫وقتها في مسألتكم؛ـ ّ‬
‫في معنـــــاه من الطين والظلمة يمنعهاـ من صـــــالتها في جماعة في الموضع‬
‫المعتاد إال مع الحرج‪ ،‬وهو مرفوع‪ ،‬فكان لهم الجمع حسبمـا تقدم»(‪.)1‬‬
‫قال ابن هالل السجلمـاسي‪« :‬ولم يُجب الشيخ ~ ع ّمـا في الســؤال «إذا‬
‫كــان إمــام راتب في ال ـ ّد ّوار وصــلى بجمــاعة‪ ،‬وص ـلَّت جماعة خارجــه‪ ،‬هل‬
‫تصح صالة الفريقين أم ال‪.)2(»..‬‬
‫لكنه أحيانا يَذ ُكر فرعا ً مرتبطاًـ بتمـام السّؤال‪ ،‬وإن لم يُذ َكر في السؤال‪.‬‬
‫مثــال ذلك قــول ابن أبي يحــيى جــامع أجوبتــه‪« :‬وســئل ~ عن من زنى‬
‫بامرأة ثم عقد النكاح عليها‪ ،‬ثم استبرأها بحيضة‪ ،‬ثم دخل بها‪ ،‬فهل يفسخ أم ال؟‬
‫ألن العقد وقع م ـ ّدة االســتبراء‪ .‬واســتبراؤه بحيضة ال‬ ‫فأجــاب‪ :‬يفســخ؛ ّ‬
‫ّ‬
‫يُجـــــزئ؛ ألنه في الحرائر بثالث ِحيَض‪ ،‬فقد دخل بها في مـــدة االســـتبراء‬
‫أيضاً‪ .‬وهل تَحرُم عليه بذلك؟ أربعة أقوال‪ :‬تحرم‪ ،‬ال تحــرم‪ ،‬تحــرم إن كــانتـ‬
‫حـــــامال ال حـــــائال(‪ .)3‬ابن رشـــــد‪ :‬العكس أصـــــوب‪ .‬ذكرها ابن رشد في‬
‫"المقدمات"»‪.‬‬
‫)‬ ‫(‬
‫فـــإن تحقّق من مائه الفاسد‬
‫ْ‬ ‫‪4‬‬
‫ثم قـــال أبو الحسن‪« :‬وأما لُحـــوق النسب‬
‫وإن تحقّق أنه من هذا الماء اآلخر بعد الحيضة‬ ‫الذي قبل حيضة فال يلحق به‪ْ ،‬‬
‫لحق بـــه؛ ألنه شـــبهة‪ ،‬وإن أشـــكل األمر وال يعـــرف‪ :‬هل من األول أو من‬
‫اآلخر؟ لحق به‪ ،‬ألجل هذا الفراش األخير»(‪.)5‬‬
‫وفي أحيــان أخــرى يطيل النفس في الجــواب ويكــثر من األدلة(‪ .)6‬لكن‬
‫ذلك قليل بالنظرـ إلى مجموع األجوبة‪.‬‬
‫وعلمنا في أكثر من جواب أنه كتب بخطه‪.‬ـ وهذا ظاهر م ّما هو مكتوب‬
‫في المسألة الخامسة والثالثين من «الدر النثير»‪..« :‬فأجاب بمـــا نصه وكتب‬
‫من خطه‪.)7(»..‬‬
‫وفي مسألة أخرى ذيّل أبو الحسن جوابه بهذه العبارة‪« :‬وكتب علي بن‬
‫محمد بن عبد الحق»(‪.)8‬‬
‫(?)الدر النثير ‪( 1/14‬المسألة ‪.)3‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)السابق‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)أي غير حامل‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?)هذا هو الشطر الذي لم يذكر في السـؤال‪ ،‬وأجـاب عنه الرتباطه بـه‪ ،‬ال أ ّنه فضـول من‬ ‫‪4‬‬

‫القول‪.‬‬
‫(?)الدر النثير ‪( 1/104‬المسألة ‪.)33‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?)ينظر مثال‪ :‬الدر النثير ‪ 1/113‬ـ ‪( 115‬المسألة ‪.)37‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?)الدر النثير ‪( 1/108‬المسألة ‪.)35‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?)السابق ‪( 1/189‬المسألة ‪.)65‬‬ ‫‪8‬‬

‫ــ ‪ 170‬ـ‬
‫وفي أ ّولها يقول ابن أبي يحيى جامع أجوبته‪« :‬فأجاب بخطه‪.)1(»..‬‬
‫ومما يُنتَقدـ عليه في فتـــاواه أنه أحيانـــا ً يُخطئ في نســـبة األقـــوال إلى‬
‫أصحابها(‪ .)2‬وأحياناـ يعزو قوالً ألحد علمــاء المالكيــة‪،‬ـ ويعقب عليه ابن هالل‬
‫السجلمـاسي بقولــه‪« :‬ال أعرفه»‪ .‬فقد يكــون التّقصــير من ابن هالل في أنّه لم‬
‫ق‪.‬‬‫يستقص المصادر‪ ،‬وقد يكون ما نفاه هو الح ّ‬
‫صا ً»‪ ،‬أي في المذهب‪.‬‬ ‫وأحيانا ً يقول أبو الحسن في سؤال‪« :‬لم أ َر فيه ن ّ‬
‫والنصّ موجود(‪.)3‬‬
‫ـر ُد على أبي‬ ‫ونســتفيد كــذلك من خالل نص البلفيقي ّ‬
‫أن األســئلة الــتي تَـ ِ‬
‫وأن الســائل قد يكــون من‬ ‫الحسن كــانتـ تأتيه من أنحــاء مختلفة من المغــرب‪ّ ،‬‬
‫عا ّمة الناس‪ ،‬وقد يكون من أحد الفقهاء أو األمراء(‪.)4‬‬
‫َت من «تــازة»(‪،)5‬‬ ‫أن بعض هــذه األســئلة أت ْ‬ ‫فقد علمنا من خالل أجوبته ّ‬
‫وبعضها من «سال»(‪ ،)6‬وبعضــها من «سجلمـ ـاسة» ‪ ،‬وبعضــها من «قصر‬
‫(‪)7‬‬

‫عبد الكريم»(‪ )8‬بشمـال المغرب‪ ،‬ومن «صفرو»(‪..)9‬‬


‫أن مصدرها في الغالب العلمـ ـا ُء وطلب ـةُ‬ ‫والمتأ ّمل في هذه األسئلة يرى ّ‬
‫(‪)10‬‬
‫العلم والقضــاةُ‪ .‬وقد علمنا أن قاضي «تــازة» كــان يســأله ‪ ،‬وكــان يســأله‬
‫أن بعض المدرّسيـن ســـأله(‪ .)12‬وقـــال أحد‬ ‫قاضي «ســـال»(‪ .)11‬وعلمنا كـــذلك ّ‬
‫ال ُمحبِّـين له في أ ّول سؤالـــه‪« :‬س ـيّدي وأعلى ُعـ ـدَدي‪ ،‬وأنفس أحبّــتي‪،‬ـ وأوثق‬
‫ذوي مــو ّدتي‪ ،‬وأغبط ذخــائر األيــام بيــدي‪ ،‬وَأرْ َأس من أوقفت عليه إعظــامي‬
‫وإجاللي‪ ،‬الفقيه األكرم‪ ،‬األوحد‪ ،‬العالمة‪ ،‬األسـعد‪ ،‬المـوقّر أبو الحسـن‪ ،‬أبقــاه‬
‫هللا سامي األعالم‪ ،‬منزلة لألنام‪ ،‬وفي َأ ْف َسح ع ّزة ودوام ســالم عميم عليكم من‬

‫(?)الدر النثير ‪.1/189‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)ينظر مثال‪ :‬الدر النثير ‪( 1/105‬المسألة ‪ .)33‬وستأتي ضمن النمـاذج التي ســنوردها‬ ‫‪2‬‬

‫في المطلب التالي بحول هللا‪.‬‬


‫(?)ينظر ‪( 1/142‬المسألة ‪ .)45‬وستأتي‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?)ينظر‪ :‬الدر النثير ‪( 1/35‬قسم الدراسة)‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?)ينظر «الدر النثير» ‪( 1/217‬المسألة ‪ .)75‬وكذلك ‪( 1/206‬المسألة ‪.)71‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?)السابق ‪( 1/212‬المسألة ‪.)73‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?)السابق ‪( 1/388‬المسألة ‪.)73‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?)السابق ‪( 1/402‬المسألة ‪.)139‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?)السابق ‪( 1/394‬المسألة ‪.)135‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?)السابق ‪( 1/92‬المسألة ‪ )30‬و‪( 1/450‬المسألة ‪ )163‬و‪( 1/455‬المسألة ‪.)165‬‬ ‫‪10‬‬

‫(?)السابق ‪( 1/420‬المسألة ‪.)148‬‬ ‫‪11‬‬

‫(?)السابق ‪( 1/21‬المسألة ‪.)6‬‬ ‫‪12‬‬

‫ــ ‪ 171‬ـ‬
‫محبكم فالن‪ ،‬يرغب من فضول أذيالكم‪ ،‬تشفيه بجوابكم على مســألة‪ ،‬وهي‪»..‬‬
‫وذكر نصّ المسألة(‪.)1‬‬
‫وأحيانا تجد في نصّ الســـؤال أو الجـــواب ألفاظـــا ً دارجة على ألســـنة‬
‫أن ّ‬
‫فن‬ ‫النــاس أو على ألســنة الحــرفيّين‪ ،‬وهي ليست عربيــة‪ ،‬مما يــد ّل على ّ‬
‫النوازل ـ ومنها النوازل التي أجــاب عليها أبو الحسن ــ مرتبــطٌ بحيــاة النــاس‬
‫واهتمـامهم في معادهم ومعاشهم‪.‬‬
‫أ ّما منهجه في االســتنباط في نوازله فــإنني أود أن أنــوه في البداية على‬
‫أن حديثي عنه يمثل إلى حد كبير حديثي عن فقهاء النــوازل في عصــره وبعد‬
‫عصره‪ ،‬فهو رائدهم ومقدمهم‪..‬‬
‫أهم مــــــيزة في منهجه هي القيــــــاس على النظــــــائر المتفق عليها أو‬
‫المشهورة في المذهب‪ ،‬والتخريج عليها‪.‬ـ وكذلك رأيناه يخرج على أقوال أئمة‬
‫المـذهب من المتقـدمينـ والمتـأخرين‪.‬ـ وكثـيرا ما يكــون التخـريج على مسـائلـ‬
‫المدونة‪.‬‬
‫وتمتاز فتاواه أيضا بالتعليل والتدليل‪،‬ـ وبيان علل األحكام أحيانــا‪ ،‬وذكر‬
‫األشباه والنظائر‪،‬ـ وبيان الفروق بين المسائل التي تبدو متشابهة‪.‬‬
‫إال أن استدالله بالقرآن والحديث وآثــار الصــحابة والتــابعين قليل جــدا‪،‬‬
‫شأنه في ذلك شأن الفقهاء العاكفينـ على فــروع المــذهب والمقيمين عليــه‪.‬ـ وال‬
‫يبالي عند ما يريد االستدالل بالحديث أن يكون صحيحا أو ضعيفا‪.‬‬
‫أما اســتثماره للقواعد األصــولية فقليل جــدا‪ .‬على الــرغم من أن بعض‬
‫المصادر التاريخيةـ تــذكر أنه كــان في مجلس الــدرس يــذكر شــيئا من القواعد‬
‫األصولية كمـا هي ُمسطّرة في «البرهان» للجويــني‪ ،‬والمستصــفى للغــزالي‪،‬‬
‫وغيرهما‪ ،‬فقد ذكر تلميـذه البلفيقي أنه كـان ((يطـرز بـذلك مجالسـه‪ ،‬مغربا به‬
‫بين أقرانه من المدرســـــين في ذلك الـــــوقت‪ ،‬لخلـــــوهم من تلك الطريقة في‬
‫الجملة))(‪.)2‬‬
‫أن هذا النوع من القواعد كــان المالكيةـ في الغــرب اإلســالمي‬ ‫والمعلوم ّ‬
‫ال يهتمون به كثيرا في معالجة الفروع‪ ،‬عــدا طائفةـ تــأثّرتـ بالمشــارقة‪،‬ـ كــابن‬
‫رشد الجد‪ ،‬والمازري‪ ،‬وابن العربي‪ ..‬إنمـا كــان اهتمــامهم في التأصــيل ينحو‬
‫منحى التعليلـ داخل المذهب‪ ،‬وذكر األشباه والنظــائر‪،‬ـ ومالحظة الفــروق بين‬
‫المسائل‪.‬‬

‫(?)ينظر السابق ‪( 1/357‬المسألة ‪.)123‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) اإلحاطة ‪.4/186‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 172‬ـ‬
‫وكثيرا ما كان يعتمد على العــرف‪ ،‬سـواء كــان عرفا في التخــاطب‪ ،‬أو‬
‫في غيره من تصرفات الناس وحوادثهم‪ .‬ورأيتهـ مرة يقول‪..(( :‬العــرف عنــدناـ‬
‫كالشرط"‪ ،‬ويقول‪ ..:‬العرف على مذهبناـ كالشرط))(‪.)1‬‬
‫كــذلك وجــدناه كثــيرا ما يبــنيـ فتــاواه على القواعد والضــوابط الفقهية‬
‫المقررة في المذهب‪ ،‬ويفتي بما جرت به الفتوى‪ ،‬وبما استقر عليه القضاء‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬نماذج من فتاواه‬
‫سئل ~ عن الصباغين يصبغون بالورشلة وهي من البول تصلح لون‬
‫الزبيبي (‪ )2‬وشبهه‪ ،‬هل يجوز هذا؟ وما الفرق إن كان ال يجوز بينه وبين شعر‬
‫أن لونه باق كما كان‪ ،‬أو ال؟‬‫الخنزير؟ وإذا لم يجز فهل يطهره الغسل‪ ،‬مع ّ‬
‫فقال‪ :‬اإلقدام على استعمالهاـ ابتداء ال يجوز‪ ،‬إذ ال يجوز استعمال شيء‬
‫من النجاسات‪ .‬وليس هذا مثل شعر الخنزير‪ ،‬إذ ال دسم فيه‪ ،‬وال مثل عظام‬
‫الميتة‪ ،‬وأنيابـ الفيل‪ ،‬بعد إزالة ما فيها من الدسم بالطبخ‪ ،‬أو لكونها بالية‪.‬‬
‫وأما هذه فتنجِّ س ما لقيها في الحال‪ .‬وال يقال إنها ضرورة كشرب‬
‫جرعة من خمر لمن غص بلُقمة‪،‬ـ بل هي من الحاجيات‪ .‬وإن وقع هذا‬
‫فيُطهِّرها الغسل بال إشكال؛ ألن عين النجاسة يزول‪ ،‬وغايتهـ أن يقال‪ :‬يبقى‬
‫أثرها وهو اللون‪ ،‬والمنصوص في الدم‪ ،‬إذا غسل فلم يذهب‪ :‬أنه طاهر‪،‬‬
‫وكذلك السيف الصقيل يمسح دون غسل‪ ،‬ومن هذا المعنى كثير‪ .‬ومن هذا‬
‫الطرطار(‪ )3‬من الخمر‪ ،‬وهو أخف‪ ،‬النقالب عينه‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقد كان ابن زيد المابوسي(‪ )4‬من طنجة سأل عن هذه المسألة‬
‫شيخنا أبا الفاضل راشد فأجاب بنحوه(‪.)5‬‬
‫سئل ~ عن الجمع بين المغرب والعشاء ليلة المطر ألهل‬ ‫‪1‬ـو ُ‬
‫العمود(‪ ،)6‬هل يرخص لهم في ذلك؟ وإذا كان إمام راتب في ال َّد َّوار(‪ )7‬وصلَّى‬
‫بجماعة‪ ،‬وصلَّت جماعة خارجه‪ ،‬هل تص ّح صالة الفريقين أم ال؟‬
‫فأجاب‪ :‬إذا كان ألهل ال َّد َّوار موضع يجتمعون فيه للصلوات فلَهُم‬
‫الجمع ليلة المطر‪ ،‬لوجود العلة المبيحة للجمع‪ ،‬وتعجيل الصالة اآلخرة قبل‬

‫(?) ينظر الدر النثير ‪ 1/108‬ـ ‪( 109‬المسألة ‪.)35‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)الزبيبي‪ :‬الشراب من الزبيب‪ .‬انظر هامش‪ :‬الدر النثير ‪.1/4‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)الطرطار‪ :‬خمر تحجّر‪ ،‬أي صار حجرا‪ .‬انظر هامش‪ :‬الدر النثير ‪.1/4‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?)كذا في المتن الذي حققه الدكتور مبارك رخيص‪ .‬وانظر هامش ص‪( 5 :‬المسألة ‪.)1‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?)الدر النثير ‪ 1/4‬ـ ‪( 5‬المسألة ‪.)1‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?)هم أهل األخبية والخيام‪ .‬هامش‪ :‬الدر النثير ‪.1/14‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?)ال ّدوّار عبارة عن مخيم لألعراب ال ّرحّل يقـام على شــكل دائــري تتواجه فيه الخيـام‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫وهو يقابل القرية أو الدشر‪ .‬هامش‪ :‬الدر النثير ‪.1/14‬‬


‫ــ ‪ 173‬ـ‬
‫وقتها في مسألتكم؛ـ ّ‬
‫ألن المطلوب من الصالة إيقاعها في جماعة‪ .‬والمطر وما‬
‫في معناه من الطين والظلمة يمنعهاـ من صالتها في جماعة في الموضع‬
‫المعتاد إال مع الحرج‪ ،‬وهو مرفوع‪ ،‬فكان لهم الجمع حسبما تقدم(‪.)1‬‬
‫‪ 2‬ـ وسئل عن قوم في العيد يصلي واحد ويخطب آخر‪ ،‬هل يصح‬
‫ذلك؟ أو ال يخطب إال َمن يُصلّي؟ وهل يدخل ذلك ما يدخل الجمعة إذا قدم‬
‫والي اإلمام؟‬
‫فكتب‪ :‬روى يحيى عن ابن القاسم أنه ال يجوز‪ .‬وعن أشهب وابن‬
‫حبيب جواز ذلك في الجمعة(‪ ،)2‬ففي العيد أولى‪ ،‬وباهلل التوفيق(‪.)3‬‬
‫‪ 3‬ـ وسئل عن رجل حلف بالحالل عليه حرام ال سكن مع أخيه‪ ،‬فرحل‬
‫من حينه‪ ،‬فبقي مدة‪ ،‬فرجع وسكن معه‪.‬‬
‫فقال‪ :‬يحنث؛ـ ألن الحالف‪ :‬ال سكن‪ ،‬محمله أبداً‪ ،‬حتى يقيِّد‪ ،‬وإن كان‬
‫النفي دخل على الفعل‪ ،‬وفيه عند األصوليينـ خالف‪ :‬هل يع ُّمه أم ال؟ لكن‬
‫ت علي‬ ‫أجوبة الفقهاء تقتضي العموم‪ ،‬وإذا لزمه إنما يلزمه ما لزم القائل‪ :‬أن ِ‬
‫حرام‪ ،‬ثالثا في المدخول بها‪ ،‬ويُن َّوى في التي لم يدخل بها؛ ألن مقصود‬
‫الناس تحريم الزوجة ال غير‪ ،‬أال تراهم ال يسألون إال عنها خاصة(‪.)4‬‬
‫‪ 4‬ـ وسئل ~ ع َّمن حلف باأليمانـ تلزمه‪ :‬ال ينزع أخاه من يده أحد‪،‬‬
‫فأخذ يضربه فجاء رجل لم يعلم باليمين فأخذ الحالفَ في ذراعه‪ ،‬وأزاله عن‬
‫ضرب الصبي كرهاً‪ ،‬فف ّر الصبي قبل أن يُوفي غرضه من ضربه‪.‬‬
‫فقال‪ :‬اليمين على ِبرّ‪ ،‬وهي على فعل غيره‪ ،‬وقد اختلف فيها‪ :‬فابن القاسم‬
‫يرى حنثه باإلكراه‪ ،‬وأنه ال يعذر به‪ .‬وأشهب يقول‪ :‬ال يحنث(‪ ،)5‬ويعذره‪.‬‬
‫وأما إن كان على حنث‪ ،‬حلف على فعل غيره‪ ،‬فال أعرف خالفا ً أنه‬
‫ُأ‬
‫كره‪ ،‬مثل أن‬ ‫يحنث‪ ،‬لضعفها‪ .‬ولو حلف على فعل نفسه‪ ،‬فإن كان على بِ ّر و ِ‬
‫دخلت الدار‪ ،‬فُأدخل مكرها ً أو جمحت به دابته أو شبه ذلك‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫يقول‪ :‬وهللا ال‬
‫فالمشهور ال يحنث‪ ،‬وإن كان على حنث فقوالن‪ ،‬وهي مسائل ليذبحن حمامةَ‬
‫يَتيِ ِمهـ وشبه ذلك‪.‬‬
‫(?)الدر النثير ‪( 1/14‬المسألة ‪.)3‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)عقّب السجلمـاسي في «الدر النثير» فقال‪« :‬ما عزاه الشــيخ ~ ألشــهب وابن حـبيب‬ ‫‪2‬‬

‫رحمهمـا هللا من جواز ذلك في الجمعة لغير عذر ال أعرفه‪ »..‬انظر‪ :‬الدر النثير ‪.1/19‬‬
‫(?)الدر النثير ‪( 1/18‬المسألة ‪.)5‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?)الدر النثير ‪( 1/40‬المسألة ‪.)14‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?)عقّب السجلمـاسي في «الدر النثير» فقال‪« :‬ما حكاه عن أشهب ال أعرفه‪ .»..‬انظر‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫الدر النثير ‪.1/46‬‬


‫ــ ‪ 174‬ـ‬
‫قال‪ :‬والفرق بين البر والحنث أن اإلكراه لما ورد على البر وجد‬
‫الساحة برية‪ ،‬والذمة لم تعمر إلى اآلن‪ ،‬فحسُن أن يقال‪ :‬ال تعمر باإلكراه‪ ،‬فال‬
‫ث فقد وجد الساحة على غير بِرّ‪ ،‬والذمة عامرة باليمين‪،‬‬ ‫حنث‪ .‬وأما على حن ٍ‬
‫(‪)1‬‬
‫فنفس ورودها عليها قَويت عمارتهاـ وزادت‪ .‬وهذا فرق حسن ‪.‬‬
‫سئل عن رجل خطب ألخيه ابنةـ رجل آخر‪ ،‬فز َّوجه الرجل‪ ،‬ثم‬ ‫‪5‬ـو ُ‬
‫بعد ذلك قال أبو الزوجة‪ :‬لم يكن الزوج رضي حين العقد‪ ،‬وال شهود عليه‬
‫ُ‬
‫أرسلت أخي‪ ،‬وال بينة له إال‬ ‫ُ‬
‫رضيت وأنا‬ ‫بالرضا‪ ،‬والزوج يقول‪ :‬كنت‬
‫دعواه‪ ،‬فاعترف أبوها بالنكاح‪ ،‬إال كون الزوج لم يُش ِهد عليه‪ ،‬فهل يفسخ‬
‫النكاح أم ال؟ وقد وقعت ففسخ قاضي القصر(‪ )2‬هذا النكاح بهذا‪.‬‬
‫فقال‪ :‬أخطأ هذا القاضي‪ ،‬وهو حين قال‪ :‬اآلن كنت رضيت وأنا‬
‫أرسلت أخي‪ :‬محمول على الرضا‪ ،‬والنكاح تام‪ ،‬وقد نصوا على ما إذا انعقد‬
‫النكاح فلم يشهد على الزوجة حتى مات الزوج‪ ،‬فقالت‪ :‬كنت رضيت‪ :‬أنها‬
‫ترثه‪ ،‬وكذلك لو ماتتـ هي‪ ،‬فأحرى هذا الذي بلغه ذلك وسكت(‪.)3‬‬
‫‪ 6‬ـ وسئل ~ عن رجل من أهل سبتة من ذوي الجاه والسلطان تزوج‬
‫ال‪ ،‬فولدت من ذلك‬ ‫امرأة بكر ًا‪ ..‬وبقيت عنده مدة حتى ولدت بنتين‪ ،‬وفارقته حام ً‬
‫الحمل بنتاً ثالث ًة‪ ،‬ثم حصلت في طنجة‪ ،‬وبقي هو في سبتة عشرين سنة‪ ،‬تز ُعم‬
‫في ذلك أنه يُرسل إلى أوالدها بالنفقة‪ ،‬فل ّما كان عن قريب زال سلطانه وسافر‬
‫إلى طنجة‪ ،‬فالت َقتهُ وطلبته نفقة بناتها في الوقت‪ ،‬فأنكر الزوجية‪ ،‬وأنكر أن َّ‬
‫يكن‬
‫بناته‪ ،‬فأقامت عليه شهود ًا بالسماع المستفيض أنها كانت زوجته‪ ،‬وزعمت أن‬
‫الصداق ضاع‪ ،‬وأن سكوتها إنما كان لكونه لم يزل يبعث بها باإلحسان‪ ،‬ولقهره‬
‫وسلطانه‪ ،‬وال يعرف أح ٌد صحة الزوجية إال بالسماع المذكور‪.‬‬
‫فقال‪ :‬اختلف في شهادة السماع‪َ ،‬أيُقضى بها في كل شيء‪ ،‬إال في‬
‫أربعة‪ ،‬ومنها النكاح‪ ،‬فقوالن على إثباته‪،‬ـ وقوالن على نفيه‪،‬ـ قيل‪ :‬فعلى القول‬
‫إنه يثبت‪ ،‬هل له بعد هذا أن ينفيـ باللعان؟ فقال‪ :‬اختُلف فيمن قذف زوجته‬
‫فقامت عليه‪،‬ـ فأنكر‪ ،‬ثم أثبتت عليه ذلك‪ ،‬فأراد أن يالعن فقوالن‪ ،‬هل له ذلك‬
‫أم ال؟ وقاعدتُه‪ُ :‬مض َّمن اإلقرار هل كصريح اإلقرار أم ال؟ وهل يمنعهـ اللعان‬
‫لكونهم كباراً؛ إالّ أنه يحتج أني لم أعلم بهم‪ ،‬فتأمله(‪.)4‬‬
‫‪ 7‬ـ وسئل ~ عن من زنى بامرأة ثم عقد النكاح عليها‪ ،‬ثم استبرأها‬
‫بحيضة‪ ،‬ثم دخل بها‪ ،‬فهل يفسخ أم ال؟‪.‬‬
‫فأجاب‪ :‬يفسخ؛ ألن العقد وقع مدة االستبراء‪ ،‬واستبراؤه بحيضة ال‬
‫يجزئ؛ ألنه في الحرائر بثالثـ ِحيَض‪ ،‬فقد دخل بها في مدة االستبراء أيضا ‪ً.‬‬

‫(?)الدر النثير ‪( 1/46‬المسألة ‪ .)17‬وينظر َمن هو القائل‪« :‬وهذا فر ٌ‬


‫ق حسن»؟‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)لعله يقصد «القصر الكبير» الواقع جنوب العرائش بشمـال المغرب‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)الدر النثير ‪( 1/77‬المسألة ‪.)26‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?)الدر النثير ‪ 1/88‬ـ ‪( 89‬المسألة ‪.)29‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 175‬ـ‬
‫وهل تحرم عليه بذلك؟ أربعة أقوال‪ :‬تحرم‪ ،‬ال تحرم‪ ،‬تحرم إن كانت‬
‫حامالً ال حائالً‪ .‬ابن رشد‪ :‬العكس أصوب‪ ،‬ذكرها ابن رشد في المقدمات(‪.)1‬‬
‫وأما لحوق النسب فإن تحقق من مائه الفاسد الذي قبل حيضة فال يلحق‬
‫به‪ ،‬وإن تحقق أنه من هذا الماء اآلخر بعد الحيضة لحق به؛ ألنه شبهة‪ ،‬وإن‬
‫أشكل األمر‪ ،‬وال يعرف‪ :‬هل من األول أو من اآلخر؟ لحق به‪ ،‬ألجل هذا‬
‫الفراش األخير(‪.)2‬‬
‫وس ئل ~ـ عـنـ نـكـاـحـ اـنـعـقـدـ بـخـالـخـلـ فـضـةـ وـأـسـوـرـةـ وـعـقـدـ جـوـهـرـ‪،‬ـ‬ ‫‪8‬ـ ُ‬
‫وـأـمـثـاـلـ هـذـهـ اـألـشـيـاـءـ مـنـ غـيـرـ قـيـمـةـ وـالـ زـنـةـ‪،‬ـ هـلـ يـصـحـ اـلـنـكـاـحـ وـيُـقـضـىـ فـيـهـ‬
‫بـاـلـ َوـ َسـطـ أـوـ بـاـلـعـاـدـةـ كـاـلـرـقـيـقـ وـاـلـثـيـاـبـ أـمـ الـ‪،‬ـ الـخـتـالـفـ عـاـدـةـ اـلـحـاـضـرـةـ‬
‫وـاـلـبـاـدـيـةـ؟ـ أـمـ يـخـ َّرـ جـ فـيـ ذـلـكـ خـالـفـ‪،‬ـ فـيـجـوـزـ عـلـىـ مـذـهـبـ اـبـنـ اـلـقـاـسـمـ الـ عـلـىـ‬
‫مـذـهـبـ غـيـرـهـ‪.‬ـ‬
‫فأجاب بما نصّه‪ :‬وكتب من خطه‪ :‬أكرمكم هللا‪ :‬أما النكاح بخالخل‬
‫وأسورة مطلقة فيقضي في ذلك بال َو َسط من ذلك الجنس بالبلد الذي انعقد فيه‬
‫النكاح به؛ ألن هذه األشياء تختلف باختالف البلد‪ ،‬كالرقيق يُقضى بال َو َسط‬
‫من رقيق ذلك البلد الذي وقع فيه النكاح به‪ ،‬إن حُمران فحُمران‪ ،‬وإن سُودان‬
‫فسُودان‪ ،‬وإن كان الحُمران والسُّودان في البلد فمن وسط الغالب‪ ،‬فإن لم‬
‫يغلب نوع فالنصف من وسط هذا‪ ،‬والنصف من وسط هذا‪ ،‬وال بد من اعتبار‬
‫البلد الذي وقع فيه ال َعقد‪ ،‬إذ به يتفسر ما أبهم المتعاقدان حال العقد؛ ألن العادة‬
‫عندنا كالشرط‪ .‬وكذا يتفسر مبهم عقد السلم في الثمن بنقد البلد‪ ،‬ويكون‬
‫العرف على مذهبنا كالشرط‪ .‬وكذلك مبهم الشوار المتزوج عليه بالبلد الذي‬
‫وقع فيه النكاح من حاضرة أو باديةـ‪ .‬وكذلك إن اختلفت عادة أهل البوادي‪،‬‬
‫فتراعى الناحية التي وقع فيها العقد‪ ،‬وخص النكاح بهذا التسامح لما كان مبنيا‬
‫على المكارمة‪ .‬وابن عبد الحكم يمنع النكاح مع هذا القدر من غرر كالبيع‪،‬‬
‫واألول أشهر وأبين لما تقدم‪ ،‬وهللا الموفق(‪.)3‬‬
‫‪ 9‬ـ وسئل عن رجل عقد على ابنتهـ البكر نكاحا ً من رجل نكاح‬
‫األب أن يسقط ما س ّمياه وير ّداه‬ ‫َ‬ ‫تفويض‪ ،‬ثم سميا صداقاً‪ ،‬ثم ر َّغب الزو ُج‬
‫تفويضاً‪ ،‬ففعالَ‪ ،‬فماتت الزوجة قبل البناء‪ ،‬ما الحكم في الصداق والميراث؟‪.‬‬
‫فقال‪ :‬أما الميراث فيرث‪ ،‬وأما الصداق فيلزم ما س َّمياه‪ ،‬ويرث منه‪،‬ـ‬
‫وال يصح انتقالهماـ من تسميةـ إلى تفويض؛ ألنه انتقال من معلوم إلى مجهول‪،‬‬

‫(?)عقّب السجلمـــاسي في «الــدر النــثر» فقــال‪« :‬قولــه‪ :‬ذكرها ابن رشد في المقــدمات‬ ‫‪1‬‬

‫غلط‪ ،‬إنمـا ذكر األقوال المــذكورة في رسم الرهــون من سمـــاع عيسى من كتــاب النكــاح‬
‫من البيان‪ .»..‬يريد‪« :‬البيان والتحصيل»‪ .‬انظر «الدر النثير» ‪.1/105‬‬
‫(?)الدر النثير‪( 1/104‬المسألة ‪.)33‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)الدر النثير ‪ 1/108‬ـ ‪( 109‬المسألة ‪.)35‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 176‬ـ‬
‫وقد منعوه في الخصمين يصطلحان‪ ،‬ثم يفسخان الصلح‪ ،‬ويعودان للخصام‪،‬‬
‫وإن قيل فيه‪ :‬إنه يجوز‪ .‬وأيضا ً ففي مسألتناـ أن األب أسقط حق البنت بغير‬
‫عوض وال لمصلحة رآها‪ ،‬وذلك غير سائغ له؛ إذ ال يفعل لمحجوره إال ما‬
‫ي نظر في هذا؟(‪.)1‬‬ ‫يراه نظراً‪ ،‬وأ ّ‬
‫‪ 10‬ـ وسئل ~ عن رجل زوج ابنته البكر من رجل ولم يس ّمياـ صداقا ً‬
‫ال عاجالً وال آجالً‪ ،‬إال أن عادتهم في ذلك معلومة متقررة‪ ،‬ال يزيدون لجمال‬
‫وال مال‪ ،‬وال ينقصون لقبح وفقر‪ ،‬ثم إن الرجل توفي قبل البناء هل ذلك‬
‫العرف المعتاد كالتسمية‪ ،‬فتأخذ جميع المهر المتعارف من التركة أو ال يكون‬
‫ذلك كالتسمية؟‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬ال يلزم من كون ص ُدقات نساء أهل بلدها على مقدار واحد‬
‫في عادتهم أن يكون في حكم المس َّمى حتى يكون للزوجة جميع المعتاد في‬
‫الموت‪ ،‬ونصفُه في الطالق قبل البناء‪ .‬على هذا يدل الكتابـ والسنة وأقوال‬
‫الفقهاء دون خالف في علمي‪ ،‬وألنه لو كان كالمسمى لم يحتج إلى تسمية‬
‫عند الدخول‪ ،‬ولكانت الشهادة على العقد مغنيةـ عن تسميته عند الدخول؛ ألن‬
‫العقد على ذلك التقدير كان يوجب المقدار المعتاد للزوجة على الزوج‪ ،‬فال‬
‫فائدة للتسمية عند الدخول إذاً‪ ،‬وفي اتفاق أهل البلد على التسمية عند الدخول‬
‫ُعولوا عند العقد على مقتضى العادة‪ .‬وإن كانت العادة‬ ‫دليل (على) أنهم لم ي ِّ‬
‫تختلف في مقدار النقد من الكالئ أو في مقدار أجل الكالئ‪ ،‬أو كانتـ تختلف‬
‫في أنواع الثياب والحُلي المأخوذة عند النقد‪ ،‬أو كانت تختلف في أصداق الخدَم‪،‬‬
‫وفي الخدَم‪ ،‬وفي واألجنة‪ ،‬والجنات والديار‪ ،‬والبهائم‪ ،‬أو تختلف في مقدار ما‬
‫يزاد في قيمة ما يؤخذ عن بعض عدد الصداق على أثمان السوق‪ ،‬فهو أجلى‬
‫وأبين‪ .‬وألن الزوج قد يزيد الزوجة على المعتاد‪ ،‬أو تنقص الزوجة منه أو والد‬
‫البكر‪ ،‬لما يرى الوالد‪ ،‬ولتكارم الزوجين‪ ،‬فكيف يتخيل أنه كالتسمية مع هذا‬
‫كله‪ ،‬ومع ما تقدم من نصوص الكتاب والسنة وأقوال العلماء‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬فائدة هذه العادة المتحدة في مقدار الص ُدقات الرجوع إليها عند‬
‫الفرض والتشاح فيما يفرض حسبما تقدم‪ .‬هذا مراد اللخمي ال محالة؛ ألن‬
‫اإلشارة من قوله‪ :‬وهذا يصح‪ ،‬إلى آخر ما ذكر‪ ،‬راجعة لقول مالك ~ ومقيدة‬
‫إلطالقه‪ :‬إن الصداق يختلف باختالف أحوال الزوجين‪ .‬ال يفهم بأدنىـ نظر‬
‫غير هذا‪ .‬وحمل كالم اللخمي على أن العادة إذا اتحدت في مقدار الصداق‬
‫بالبلد يكون في حكم المسمى خالف ما دل عليه لفظه‪ ،‬وهذا يصح‪ ،‬ألنه إنما‬
‫يرجع لقول مالك قطعا‪ ،‬ومالك ‪ ‬لم يتكلم إال على اختالف الصداق باختالف‬
‫أحوال الزوجين‪ ،‬فلو حمل قول اللخمي على هذا المحمل لكان موجبا ً‬
‫النقطاع قوله عن قول مالك‪ ،‬وهو إنما جاء به في سياق تقييده وتفسيره‬
‫بقوله‪ :‬وهذا يصح‪ ،‬وهذا ما ال يعقل‪.‬‬

‫(?)الدر النثير ‪ 1/112‬ـ ‪( 113‬المسألة ‪ .)36‬وانظر كذلك «المعيار» ‪.3/128‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 177‬ـ‬
‫وقد بلغني أن بعض الطلبة اعتمد هذا الخيال‪ ،‬وأفتى به‪ ،‬وسلط المسددين‬
‫على الحكم بمقتضاه‪ ،‬وهذه مفسدة عظيمة؛ ألنه من الخطأ الصراح‪َ ،‬ينقضُ‬
‫الحك َم به كلُّ من رُفع إليه من القضاة‪ ،‬ثم ال عبرة بشاذ إن ُعثر عليه لبعض‬
‫أهل المذهب‪ ،‬وال بقول غير أهل المذهب في مقابلة ما قدمناه‪ ،‬وال بحديث قد‬
‫ترك مالك األخذ به لمعارض راجح عنده؛ ألن القاضي ال يقضي بين المالكية‬
‫إال بمشهور مذهب مالك أو بما صحبه العمل ال بشاذ من المذهب‪ ،‬وال بغير‬
‫المذهب‪ ،‬وال بحديث متروك ألرجح منه‪ ،‬على ما ال يخفى‪ .‬فلو أمعن النظر فيه‬
‫قليال لظهر الصواب‪ ،‬والنكشف لمتخيِّل السراب ماء أنه سراب‪ ،‬وهذا واضح‬
‫غير خاف لمن ركب جادة اإلنصاف‪ .‬والسالم(‪.)1‬‬
‫ق عين‪ ،‬فكساها‬ ‫‪ 11‬ـ وسئل ~ عن زوج كان بذمته لزوجه صدا ُ‬
‫ُأ‬
‫واشترى لها حُلياً‪ ،‬ثم بعد سنين طلبتهـ بصداقها‪ ،‬فقال لها‪ :‬قاصُّ ك من‬
‫صنعت لك‪ ،‬فقالت‪ :‬هو هبة ال من الصداق‪ ،‬فقال‪ :‬إنما صنعته‬ ‫ُ‬ ‫صداقك بما‬
‫ِ‬
‫من الصداق‪.‬‬
‫فقال‪ :‬مسألة من ادعى أن هذا من دين‪ ،‬وقال الغريم‪ :‬بل هو هبة‪ ،‬وديني‬
‫باق‪ :‬القول قول مدعي القضاء من الدين‪ ،‬سيما إن كان مجانساً للدين‪.‬‬
‫والمناسب لهذه مسألة النكاح الثاني إذا أعطاها ثوباً فقالت‪ :‬هدية‪ ،‬وقال الزوج‬
‫فرضك الذي لك عل َّي‪ ،‬فالقول قوله‪ ،‬إال أن يكون الثوب ال يفرضه مثله‬
‫ِ‬ ‫من‬
‫(‪)2‬‬
‫لمثلها‪ ،‬فالقول قولها‪ ،‬وانظره‪ .‬والعادة مسامحة الزوجين في مثل هذا بينهما ‪.‬‬
‫‪ 12‬ـ وسئل عما يشترطه الرجل في ابنته من الهدية على جري العادة‬
‫ويُط ِعم منه عند زفافها‪ ،‬ويحبس منه لنفقته‪ ،‬ثم لما دخلت وبقيت سنتين طلبت‬
‫ذلك‪ ،‬هل لها ذلك أم ال؟ وهل يص َّدق أنه أطعمه للناس أو أنفقه في مصالحها‬
‫أم ال؟ وهل إذا بقيت تحت الحجر يبقى في يده؛ ألنها تحت حجره؟‪.‬‬
‫فأجاب أعزه هللا‪ :‬كل ما يعطىـ لولي المرأة فهو من صداقها‪ ،‬من هدية‬
‫أو غيرها‪ ،‬شرطها أم ال‪ ،‬وإذا تقرر ذلك فكل ما أنفقه في مصالحها من طعام‬
‫أو غيره مما جرت به العادة مضى عمله فيه؛ إذ هو عادة الناس؛ وألنه لو لم‬
‫يصنع ذلك لكان وصما ً لها بين أمثالها‪ .‬أال ترون أنهم نصوا على أن اليتيمة‬
‫يطعم الناس من عرسها‪ ،‬وهو من صداقها‪ ،‬مع أنها محجورة‪ ،‬ويأكل منه‬
‫الناس‪ ،‬وهو مباح؛ ألنه إن لم يصنع كان وصما ً في حقِّها‪ .‬واألب مص َّدق في‬
‫ُ‬
‫ذبحت‬ ‫يكذبه الحس‪ ،‬مثل أن يقول‪:‬‬‫مقدار ما أطعم مع يمينه إن اتهم‪ ،‬إال أن ّ‬
‫الثور‪ ،‬وهو يحرث به‪ ،‬وشبهه‪،‬ـ فمتى قامت بينة أنه بقي بيده شيء من‬

‫(?)الدر النثير ‪ 1/113‬ـ ‪( 115‬المسألة ‪ .)37‬والمالحظ أن السجلماسي لم يــزد شــيئا على‬ ‫‪1‬‬

‫هذا الجواب الذي أطال النفس فيه أبو الحسن‪ ،‬على غير عادته‪.‬‬
‫(?)الدر النثير ‪( 1/123‬المسألة ‪.)39‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 178‬ـ‬
‫الهدية‪ ،‬أو جميع ما قبض ألجل نكاحها أو أقر‪ ،‬أو شهدت العادة أن الذي‬
‫قبض أكثر مما أنفق‪ ،‬فلها الرجوع عليه بالباقيـ‪.‬‬
‫قال الشيخ‪ :‬ويُؤخذ هذا من مسألة الشغار‪ ،‬حيث قالوا‪ :‬ترجع كل واحدة‬
‫بصداق مثلها‪ ،‬فال شك أنهم اعتبروا أن البضع الذي قبضه الولي كان صداقا ً‬
‫لهذه‪ ،‬وبالعكس‪ ،‬فأغرموا القابض كل بضع صداق المثل بِ ِوزان البُضْ ع ما‬
‫قبض من هدية‪ .‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫وأما بقاؤه في يد األب إذا بقيت تحت الحجر فيبقى في يده‪ ،‬انظر تعديه‬
‫أوال‪ ،‬هل يسقط أمانته أخيراً أم ال؟ لم يُجب عليه(‪.)1‬‬
‫‪ 13‬ـ وسئل ~ عن طعام يهدى لليتيمة‪،‬ـ وهو من صداقها‪ ،‬ألنه في عقد‬
‫النكاح‪ ،‬هل يؤكل منه؟‪.‬‬
‫فقال‪ :‬المنصوص أنه حالل أكله؛ ألنه إن لم يُؤ َكل كان وصماً بها عند‬
‫أمثالها‪ .‬قيل‪ :‬هل يجوز بيع ما شرط على الزوج في عقد النكاح‪ ،‬وتؤخذ فيه‬
‫القيمة؟ قال‪ :‬ال يجوز؛ ألنه بيع الطعام قبل قبضه‪ ،‬وكذا طعام الخلع والصلح‪،‬‬
‫وكل طعام خرج على عوض‪ .‬واعترض بالطعام المفروض للزوجة في نفقتها‪،‬‬
‫تأخذ فيه العوض؟ فقال‪ :‬لم أر فيه نصّ اً(‪ ،) 2‬وقد استسهله الناس‪ ،‬وال فرق‪ ،‬إال‬ ‫هل ُ‬
‫أن تقول‪ :‬إن فرض لها قبل وجوبه‪ ،‬فكأنه أعطاها ما تشتري به شيئا يجب عليه‬
‫في ثاني حال‪ ،‬وإنما يتخوف من الربا فيما وجب واستقر‪ ،‬فعلى هذا يجوز فيما‬
‫يأتي ال فيما استقر ومضى‪ .‬فتأمله‪ .‬لم يجزم به‪ ،‬وإنما ذكره على وجه‬
‫(‪) 4( ) 3‬‬
‫المذاكرة ‪.‬‬
‫سئل عن رجل زوج ابنة عمه يتيمة فأخذ ما جرت به العادة من‬ ‫‪ 14‬ـ و ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الهدية‪ ،‬فصنع به طعاما في داره‪ ،‬وكانت البنت في دار خالها بعيدا من دار ابن‬
‫عمها‪ ،‬فلم ترض بذلك‪ ،‬فلما كان بعد ذلك طلبته‪ ،‬وقالت له‪ :‬لم تصنع لي عرساً‪،‬‬
‫إنما صنعت طعاماً في دارك‪ .‬وأما أنا فكنت وحدي لم يدخل علي أحد ولم يخرج‪.‬‬

‫(?)الدر النثير ‪ 1/139‬ـ ‪( 140‬المسألة ‪ .)44‬وقوله‪« :‬لم يجب عليه» الظاهر أنه كالم ابن‬ ‫‪1‬‬

‫أبي يحيى جامع هذه األجوبة‪.‬‬


‫(?)قال السجلمـاسي معقِّبا‪« :‬وقول الشيخ ~‪« :‬لم أر نصا في أخذ العــوض عن الطعــام‬
‫ً‬ ‫‪2‬‬

‫المفروض في نفقة الزوجة» عجيب‪ ،‬فإن الخالف حكاه غير واحد‪ ،‬وعزا عياض الجواز‬
‫لمحمد (يعــني ابن المــواز) وابن حــبيب‪ .‬ومن البعيد أن يكــون الشــيخ لم يطلع عليــه‪ ،‬فاهلل‬
‫أعلم فيمـا لم ير فيه نصا‪ »..‬انظر‪ :‬الدر النثير ‪.1/142‬‬
‫(?)قوله‪« :‬لم يجزم به‪ »..‬إلخ‪ ،‬لعله من زيادة تلميذه ابن أبي يحيى جامع هــذه األجوبــة‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫انظر هامش‪ :‬الدر النثير ‪.1/141‬‬


‫(?)الدر النثير ‪ 1/141‬ـ ‪( 142‬المسألة ‪.)45‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 179‬ـ‬
‫فقال‪ :‬يغرم ذلك؛ ألنه لم يصنعه على الصفة المطلوبة؛ ألن ذلك إنما‬
‫هو لسرورها‪ .‬انظر اللخمي من هذا المعنى(‪.)5‬‬
‫سئل ~ عن امرأة تزوجها رجل فتوفي‪ ،‬ثم تزوجها أخوه‪،‬‬ ‫‪ 15‬ـ و ُ‬
‫فطلّقها بعد مشاررة جرت بينهما‪،‬ـ فمكثت بعد ذلك نحو ثالثين سنة‪ ،‬حتى‬
‫مات الثاني‪،‬ـ وانتقل المال إلى العصبة األباعد‪ ،‬فقامت اآلن بصداقها على‬
‫الميت األول‪ ،‬وقالت‪ :‬إنما سكت هذه المدة ألجل بقاء المال في أيدي إخوة‬
‫تركت عندهم بنتا ً من األول‪ ،‬فهل هذا‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وكنت‬ ‫الميت‪ ،‬وأخوهم زوجي الثاني‪،‬‬
‫قرينةـ تبقىـ معها على دعواها‪ ،‬أو طول المدة‪ ،‬وكونها تشاررت مع الثانيـ‬
‫قرينةـ على عدم تصديقها‪ ،‬وإسقاط حقها‪ ،‬مع أن عقد صداقها ضاع لها؟‪.‬‬
‫فأجاب أعزه هللا بأن الظاهر أنه ال يسقط حقّها‪ ،‬وأنها على قولها؛‬
‫ألن العادة بقاء الص ُدقات‪ ،‬حتى يطلبهاـ األحفاد‪ ،‬ال سيما وقد بقيت عندهم‬
‫ابنتها‪،‬ـ وهذا سكوت ال يقطع حقا ً ثابتاً‪،‬ـ وهو صداقها‪ .‬وكونه ضاع عقده وقد‬
‫علمت الزوجية يقضى بصداق المثل‪ .‬والسالم(‪.)2‬‬
‫‪ 16‬ـ وسئل عن رجل قالت له زوجه‪ :‬أعطني صداقي‪ ،‬فقال لها‪ :‬ال شيء‬
‫عندي‪ ،‬فقالت له‪ :‬بع ثورك‪ ،‬وأعطني ثمنه‪ ،‬فقال لها‪ :‬إن خرج هذا الثور من‬
‫هذه الدار فهو خروجك منها‪ .‬فلم تزل به حتى باعه وأعطاها ثمنه‪ ،‬وكانت‬
‫تقدمت له فيها طلقة‪ ،‬وذكر أنه لم تكن له فيها نية في عدد من الطالق فأراد‬
‫ارتجاعها‪.‬‬
‫فأجاب‪ :‬أكرمكم هللا‪ ،‬الخروج من البيت في لسان الناس اليوم هو‬
‫الخروج من العصمة‪ ،‬وال تخرج من العصمة إال بخلع أو بتات‪ .‬وال خلع‪ ،‬فتبيَّن‬
‫البتات‪ ،‬سيما وقد أراد الطالق‪ ،‬فال تحل له على هذا حتى تتزوج زوجاً‬
‫غيره(‪.)3‬‬
‫‪ 17‬ـ وسئل أيضا ~ عن هذا المعنى في رجل جرى بينهـ وبين زوجه‬
‫كالم بسبب ولدها‪ ،‬فقال لها‪ :‬وهللا ما يدخل لي بيتاً‪،‬ـ فقالت له‪ :‬ال بد منه‪ ،‬فقال‬
‫لها‪ :‬دخوله هو خروجك أنت‪ ،‬اختاري أنا أو ولدك‪ .‬ثم أخذت ولدها فخرجت‬
‫به‪ ،‬فبقيت أياما ً ثم رضيت بترك ولدها‪ ،‬وترجع وحدها‪ ،‬فهل ترجع أم ال؟‪.‬‬
‫فأجاب‪ :‬إذا صح ما ذكرتم أن الرجل قال لها‪ :‬اختاريني أو اختاري‬
‫ولدك بعد أن تق َّدم في المحاورة بينهماـ قوله‪ :‬إن دخل البيتـ فهو خروجك منه‪،‬ـ‬
‫فاختارت ولدها فهو الثالث‪ ،‬ألن الخروج من البيتـ ال يراد به في لسان‬
‫الناس اليوم إال العصمة‪ ،‬والعصمة ال تزول بعد البناء إال بالخلع أو الثالث‪،‬‬
‫(?)الدر النثير ‪ 1/142‬ـ ‪( 143‬المسألة ‪.)46‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?)الدر النثير ‪( 1/146‬المسألة ‪.)49‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)الدر النثير ‪( 1/154‬المسألة ‪.)54‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 180‬ـ‬
‫وإن لم يدخل الولد البيت‪ ،‬لكن يكون ذلك القول قرينةـ تدل على أنه أراد‬
‫بقوله‪ :‬اختاريني أو اختاري ولدك الطالق‪ ،‬فإن اختارت ولدها صارت طالقا ً‬
‫ثالثا ً‪ .‬وال يُن َّوى في هذه المسألة بخالف مسألة كتابـ التخيير والتمليكـ من‬
‫المدونة في قوله لزوجه‪ :‬اختارينيـ أو اختاري أباك أنه يُن ّوى إذا لم يتقدم من‬
‫سياق كالمه ما يمنع تديّنه‪،‬ـ بخالف هذه المسألة‪ ،‬الحتمال أن يريد في مسألة‬
‫التخيير والتمليك اختاري رضائي‪ ،‬أو اختاري سخطي‪ .‬وهذه المسألة تقدمت‬
‫فيها قرينةـ تدل على الطالق‪ .‬وباهلل التوفيق(‪.)1‬‬
‫‪ 18‬ـ وسئل عن رجل طلب من آخر حاجة فقال له‪ :‬اصبر إلى غد‪ ،‬فإني‬
‫مشغول اآلن‪ ،‬فألحَّ عليه‪ ،‬فامتنع‪ ،‬فقال‪ :‬ما منعك اآلن من الذهاب معي إلى دارك‬
‫لتعطيني حاجتي إال خوفاً على طعامك‪ ،‬ثم قال بلسانهم البربري‪« :‬حرام‬
‫ْك َرا ِل ْغ»(‪ ،) 2‬ال دخلت لك داراً إلى سنة‪ ،‬ثم بعد مدة جاء الحالف إلى قرب الدار‬
‫المحلوف عليها‪،‬ـ فدعا رب الدار أضيافا‪ ،‬وقال للحالف‪ :‬ادخل معهم‪ ،‬قد كنتَ‬
‫حلفت ال أدخل دارك سنة‪ ،‬ادخل في بيت منها قد بعتها لزوجتي في حق كان‬
‫لها علي‪ ،‬فلم يزل به َمن حضر حتى دخل‪ ،‬ولم يثبتـ تصيير البيت للزوجة‬
‫إال بتقارر الزوجين خاصة‪ ،‬وحين يمينهـ ال نية له في إدخال الزوجة وال في‬
‫إخراجها‪.‬‬
‫فأجاب‪ :‬قول الرجل بلسان الغماري‪« :‬حرام كرالغ» كقول الرجل‬
‫باللسان العربي‪ :‬جميع ما أملك حرام؛ فإن نوى إدخال الزوجة في ذلك أو‬
‫كان الحالفون يدخلون الزوجة أو كانوا ال يريدون به إال الزوجة حرمت عليه‬
‫زوجته‪ ،‬وإن لم تكن له نيةـ ولم يكن عُرْ ف الحالفين عندهم إدخال الزوجة‪،‬‬
‫وال أنهم ال يعنون بذلك اللفظ إال هي‪ ،‬فال تحرم؛ ألن الزوجة ال تُملَك‪ ،‬إنما‬
‫تُملَك األموال‪ .‬وبهذا أفتى الشيخ أبو بكر ابن عبد الرحمن(‪)3‬؛ إذ كتب بها‬
‫أعني بمسألةـ جميع ما أملك من إشبيليةـ إلى القيروان(‪.)4‬‬
‫‪ 19‬ـ وسئل ~ عن قوم قتلهم أعداؤهم‪ ،‬فانجلوا عن بالدهم‪ ،‬وفيهم كبار‬
‫وصغار‪ ،‬وقد يئسوا من الرجوع لتلك األرض لما يخافون من قتل أعدائهم‬
‫إياهم‪ ،‬فهل يجوز لهم بيع أرضهم هناك؟ إذ ال يقدرون على الوصول إليها‪ ،‬وال‬
‫على استغاللها‪ ،‬وإذا جاز البيع هل يباع على األصاغر ويعوض لهم منه أم ال؟‬
‫فقال‪ :‬هذا مثل بيع المسجون في ظلم‪ ،‬الممنوع من الخروج والوصول‬
‫إلى ماله‪ ،‬فقال‪ :‬هذا البيع ال أدري هل يجوز أم ال؟ فإذا قلنا بالجواز يجوز‬

‫(?)الدر النثير ‪ 1/154‬ـ ‪( 155‬المسألة ‪.)55‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)سيأتي شرح الكلمة في جواب أبي الحسن‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)أبو بكر أحمد بن عبد الــرحمن بن عبد هللا الخــوالني‪ ،‬شــيخ المالكية بــالقيروان مع‬ ‫‪3‬‬

‫صاحبه أبي عمران الفاسي‪ ،‬توفي سنة ‪432‬هـ‪ ،‬وقيل ‪435‬هـ (المدارك ‪.)7/239‬‬
‫(?)الدر النثير ‪ 1/157‬ـ ‪( 158‬المسألة ‪.)56‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 181‬ـ‬
‫على األصاغر كما يجوز على األكابر‪ ،‬إذا ثبتت الحاجة للبيع‪ ،‬إما ليعوض‬
‫لهم أو خيفة الغصب(‪.)1‬‬
‫‪ 20‬ـ وسئل ~ عن رجل اشترى ثوراً‪ ،‬ثم بعد شهر رأى فيه‬
‫خنزيرا(‪ ،)2‬فاعتقد أنه حدث عنده‪ ،‬فكواه‪ ،‬ثم رآه بعض أهل المعرفة‪ ،‬فرأوا‬
‫عليه كيا ً قديماً‪ ،‬فقالوا‪ :‬ال يكوى مثل هذا إال للخنزير‪ ،‬وهو قديم في هذا‬
‫الثور‪ ،‬فأراد رده به‪ ،‬هل له ذلك أم ال؟ أو يع ُّد كيه إياه رضا؟‪.‬‬
‫فقال‪ :‬له ذلك‪ ،‬وكيُّه إياه مع ظنه أنه حادث ال يضرّه‪ ،‬بدليل حديث‬
‫المصراة‪ .‬قيل له‪ :‬إن في كتابـ الخيار‪ :‬إذا َو َد َج(‪ )3‬الدابة أو عربها‪ ،‬ذلك دليل‬
‫على الرضا بالبيع‪ ،‬فكذلك بالعيبـ بجامع المداواة‪ .‬فقال‪ :‬أما هناك فليس عنده‬
‫ما يتأول‪ ،‬وهنا يقول‪ :‬ظننت أنه حادث‪ ،‬فال ر ّد لي‪ ،‬قيل له‪ :‬فهل يحلف أنه لم‬
‫يرض؟ قال‪ :‬إن اتهم حلف(‪.)4‬‬
‫سئل عن رجل خرج يريد الحج فخرج معه أهله يشيعونه‪،‬ـ فقال‬ ‫‪ 21‬ـ و ُ‬
‫ً‬
‫ألخيه بمحضر العدول‪ :‬إن دفع لك فالن أربعين دينارا فاصرف عليه الفدان‬
‫الذي اشتريته منه‪ ،‬فعرف بذلك بائعهـ فبعث رجال عدال ليتعرف ما يقول األخ‬
‫الباقي‪ ،‬فأجابه إلى قبض الدراهم منه كما أمر أخوه‪ ،‬فقال‪ :‬ال أفعل شيئا إال ما‬
‫يريد البائع المذكور‪ ،‬فوثق بذلك البائع‪،‬ـ ثم عمد األخ إلى الفدان بالفور‬
‫يحرثه‪ ،‬فقام عليه البائع‪،‬ـ فطلبه في قبض الثمن وصرف الفدان‪ ،‬فامتنع وقال‪:‬‬
‫ك الفدان غائب‪ ،‬وال يحكم على الغائب إال قاضي الجماعة‪ ،‬فهل يم ّكن من‬ ‫مالِ ُ‬
‫هذا مع إقراره وقيام البينة بما أمر به الغائبـ أم ال؟ وما الذي يلزمه في حرثه‬
‫للفدان والقيام في إبان الزراعة؟ والسالم‪.‬‬
‫صرف الفدان على فالن كما أمر به أخوه بمحضر‬ ‫ُ‬ ‫فأجاب‪ :‬يلزم األ َخ‬
‫العدول‪ ،‬إن دفع له أربعين ديناراً‪ ،‬وال تفتقر إلى قضاء قاض‪ ،‬ألمر أخيه إياه‬
‫بصرفه بمحضر العدول‪ ،‬وإن امتنعـ من صرفه شهد العدول بما علموا عند‬
‫القاضي المنصوب ألحكام القضاء من قبل السلطان‪ ،‬وحكم بصرف الفدان‬
‫على فالن إذا أحضر األربعينـ دينارا وأوقفها عند ثقة للغائب‪،‬ـ وإن لم يكن‬
‫القاضي المذكور قاضي الجماعة‪ .‬وكتب فالن‪ .‬والسالم(‪.)5‬‬

‫(?)الدر النثير ‪(1/255‬المسألة ‪.)84‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)كــذا في األصل المنقــول منــه‪ .‬وفي «المعجم الوســيط»‪« :‬الخنــازير‪ :‬قــرو ٌح صــلبة‬ ‫‪2‬‬

‫تحدُث في الرقبة وغيرها»‪« .‬المعجم الوسيط»‪ ،‬مادة (خ ن ز ر)‪.‬‬


‫(?) َودَج الذبيحة يَ ِدجها‪ :‬قطع و َد َجها‪ .‬وال َودَج‪ِ :‬عرق في العُنق‪ ،‬وهو الذي يقطعه الــذابح‬ ‫‪3‬‬

‫فال تبقى معه حياة‪« .‬المعجم الوسيط»‪ ،‬مادة (و د ج)‪.‬‬


‫(?)الدر النثير ‪( 1/287‬المسألة ‪.)97‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?)الدر النثير ‪ 1/323‬ـ ‪( 324‬المسألة ‪.)106‬‬ ‫‪5‬‬

‫ــ ‪ 182‬ـ‬
‫سئل عن مسجد حبس عليه أرض لمصالحه‪ ،‬فاجتمع عليه أهلُ‬ ‫‪ 22‬ـ و ُ‬
‫ال ارتضوه لإلمامة‪ ،‬فاقتطعوا له سدس تلك األرض‬ ‫الموضع بالبادية‪ ،‬فق َّدموا رج ً‬
‫يحرثه على أن يؤم بهم‪ ،‬وبقي كذلك مدة حتى مات‪ ،‬ثم قام ابنُه مكانه يؤم ويقوم‬
‫على باقي األرض يعقد الكراء‪ ،‬ويقبض الفوائد ويصرفها في مصالح المسجد‪،‬‬
‫ويأخذ السدس من األرض يحرثه لنفسه‪ ،‬فهل يسوغ له ذلك؟‪.‬‬
‫فقال‪ :‬اإلجارة على اإلمامة معلوم ما فيها من الخالف‪ ،‬وإمامة االبن‬
‫إن انضمت إليها زيادة خدمة فتسوغ‪ ،‬ولكن هؤالء إن عقدوا بحضرة‬
‫السلطان أو فعلوا مثل ما يفعل مضى‪ ،‬ويرفع إليه ما يأتي‪،‬ـ وإن كان ال‬
‫سلطان أو كان‪ ،‬لكن يعسر تناوله‪ ،‬أو يمهل األحكام‪ ،‬أو يجور‪ ،‬فال يرفع إليه‪،‬‬
‫ويعقدون ألنفسهم‪ .‬فإذا صح هذا صح أخذ اإلجارة على ما تقدم‪ ،‬لكن في هذه‬
‫اإلجارة أن األرض غير مأمونة ومنافعها مقبوضة‪ ،‬فهو نقد في كراء أرض‬
‫غير مأمونة فال يصح‪ .‬قيل له‪ :‬ال تجري على معنى الكراء وهي كدار‬
‫األمير‪ ،‬أال ترى أنها ال تحتاج إلى أجل‪ .‬قال‪ :‬ألن المعنى كل شهر أو سنة‬
‫يعمل فله سكناها‪،‬ـ وإن كانت دار األمير على معنى االرتزاق‪ ،‬هل بينهماـ‬
‫فرق؟(‪.)1‬‬
‫الئحة بأسماء المصادر والمراجع المعتمدة‬
‫ـ أزهار الرياض في أخبار عياض‪ .‬أحمد بن محمد المقري التلمساني (ت‪1041‬هـ)‪.‬‬
‫طبع اللجنة المشتركة لنشر التراث اإلسالمي بين حكومة المملكة المغربية وحكومة‬
‫دولة اإلمارات العربية المتحدة‪1398 ،‬هـ ـ ‪1978‬م‪.‬‬
‫ـ ألف سنة من الوفيات‪ ،‬في ثالثة كتب‪ :‬شرف الطالب في أسنى المطالب البن‬
‫الخطيب القسنطيني (ت‪809‬هـ)‪ ،‬ووفيات الونشريسي (ت‪914‬هـ)‪ ،‬ولقط الفرائد من‬
‫لفاظة حقق الفوائد البن القاضي (ت‪1025‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬محمد حجي‪ .‬مطبوعات دار‬
‫المغرب للتأليف والترجمة والنشر ـ الرباط‪ 1396 ،‬ـ ‪1976‬م‪.‬‬
‫ـ االستقصا ألخبار دول المغرب األقصى‪ .‬أبو العباس أحمد بن خالد الناصري (ت‬
‫‪1315‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬جعفر الناصري ومحمد الناصري‪ .‬دار الكتاب ـ الدار البيضاء‪،‬‬
‫ط ‪1954‬هـ‪.‬‬
‫ـ تبصرة الحكام في أصول األقضية ومناهج األحكام‪ .‬أبو الوفاء إبراهيم بن محمد بن‬
‫فرحون المالكي (ت‪799‬هـ)‪ .‬دار الكتب العلمية ـ بيروت‪ ،‬مصورة عن المطبعة‬
‫العامرة الشرفية بمصر‪ ،‬ط‪ ،1‬سنة ‪1301‬هـ‪.‬‬
‫ـ جامع القرويين‪ :‬المسجد والجامعة بمدينة فاس‪ .‬عبد الهادي التازي‪ .‬دار الكتاب‬
‫اللبناني ـ بيروت‪ ،‬ط‪1/1972‬م‪.‬‬
‫ـ شجرة النور الزكية في طبقات المالكية‪ .‬محمد بن محمد مخلوف (ت‪1360‬هـ)‪ .‬دار‬
‫الفكر (دون تاريخ)‪.‬‬
‫ـ الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب‪ .‬أبو الوفاء إبراهيم بن محمد بن فرحون‬
‫المالكي (ت‪799‬هـ)‪ .‬دار الكتب العلمية ـ بيروت ط ‪1/1417‬هـ ـ ‪1996‬م‪.‬‬
‫(?)الدر النثير ‪( 1/390‬المسألة ‪.)133‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 183‬ـ‬
‫ـ المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى أهل إفريقية واألندلس والمغرب‪ .‬أبو‬
‫العباس أحمد بن يحيي الونشريسي (ت‪914‬هـ)‪ .‬خرجه مجموعة من الفقهاء بإشراف‬
‫محمد حجي‪ .‬دار الغرب اإلسالمي‪،‬ـ نشر وزارة األوقاف المغربية‪ ،‬ط ‪1401‬هـ ـ‬
‫‪1981‬م‪.‬‬
‫ـ المعجم الوسيط‪ .‬أخرجه جماعة من العلماء‪ .‬مجمع اللغة العربية‪ ،‬دار الدعوة (د‪.‬ت)‪.‬‬
‫ـ الفكر السامي في تاريخ الفقه اإلسالمي‪ .‬محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي (ت‬
‫‪1376‬هـ)‪ .‬مكتبة دار التراث ـ القاهرة‪ ،‬ط ‪1396 /1‬هـ‪.‬‬
‫ـ روضة النِّسرين في دولة بني َم ِرين‪ .‬أبو الوليد إسماعيل بن األحمر (ت‪807‬هـ)‪.‬‬
‫باعتناء‪ :‬األستاذ عبد الوهاب بنمنصور‪ .‬المطبعة المالكية ـ الرباط‪ ،‬ط ‪1382‬هـ ـ‬
‫‪1962‬م‪.‬‬
‫ـ جذوة االقتباس في ِذ ْكر َمن َح ّل من األعالم مدينة فاس‪ .‬أحمد ابن القاضي المكناسي‬
‫(ت‪1025‬هـ)‪ .‬دار منصور للطباعة والوراقة ـ الرباط‪ ،‬ط ‪1974‬م‪.‬‬
‫ـ نيل االبتهاج بتطريز الديباج‪ .‬أحمد بابا التنبكتي (ت‪1036‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬علي عمر‪.‬‬
‫مكتبة الثقافة الدينية ـ القاهرة‪ .‬ط ‪1/1423‬هـ ـ ‪2004‬م‪.‬‬
‫ـ جنى زهرة اآلس في بناء مدينة فاس‪ .‬علي الجزنائي‪ .‬المطبعة الملكية ـ الرباط‪،‬‬
‫‪1387‬هـ ـ ‪1967‬م‪.‬‬
‫ـ سلوة األنفاس ومحادثة األكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بمدينة فاس‪.‬‬
‫محمد بن جعفر الكتاني (ت‪1345‬هـ)‪ .‬الطبعة الحجرية‪.‬‬
‫ـ درة الحجال في أسماء الرجال‪ .‬أبو العباس أحمد بن محمد المكناسي الشهير بابن‬
‫القاضي (ت‪1025‬هـ)‪ .‬تحقيق محمد األحمدي أبو النور‪ .‬دار التراث ـ القاهرة‪،‬‬
‫والمكتبة العتيقة ـ تونس‪.‬‬
‫ـ نفح الطيب من غصن األندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين ابن الخطيب‪.‬‬
‫أحمد بن محمد ال َمقَّري التلمساني (ت‪1041‬هـ)‪ .‬تحقيق‪ :‬محمد محيي الدين عبد‬
‫الحميد‪ .‬مطبعة السعادة ـ مصر‪ .‬ط ‪1/1369‬هـ ـ ‪1949‬م‪.‬‬
‫ـ التعريف بابن خلدون في رحلته غربا شرقا‪ .‬عبد الرحمن ابن خلدون (ت‪808‬هـ)‪.‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد بن تاويت الطنجي‪ .‬لجنة التأليف والترجمة والنشر ـ القاهرة‪ .‬ط‬
‫‪1370‬هـ ـ ‪1951‬م‪.‬‬
‫ـ اإلحاطة في أخبار غرناطة‪ .‬لسان الدين ابن الخطيب‪ .‬تحقيق‪ :‬محمد عبد هللا عنان‪.‬‬
‫مكتبة الخانجي ـ القاهرة‪ .‬ط ‪1393 /2‬هـ ـ ‪1973‬م‪.‬‬
‫ـ تاريخ ابن خلدون (كتاب العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم‬
‫والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان األكبر)‪ .‬عبد الرحمن ابن خلدون (ت‬
‫‪808‬هـ)‪ .‬دار الفكر‪ ،‬ط ‪2/1408‬هـ ـ ‪1988‬م‪ ،‬وطبعة دار الكتاب اللبناني‪1959 ،‬م‪.‬‬
‫ـ الحياة السياسية واالجتماعية والفكرية بشفشاون وأحوازها خالل القرن العاشر‬
‫الهجري‪ .‬عبد القادر العافية‪ .‬طبعة وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية بالمغرب‪،‬‬
‫‪1402‬هـ ـ ‪1982‬م‪.‬‬
‫ـ دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر‪ .‬محمد بن عسكر‬
‫الحسني الشفشاوني‪ .‬تحقيق‪ :‬محمد حجي‪ .‬دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر ـ‬
‫الرباط‪ ،‬ط ‪1396‬هـ ـ ‪1976‬م‪.‬‬

‫ــ ‪ 184‬ـ‬
‫صحاح‪ .‬محمد بن أبي بكر الرّازي (ت‪660‬هـ)‪ .‬دار الكتب العلمية ـ بيروت‪.‬‬ ‫ـ مختار ال ّ‬
‫ط ‪1406‬هـ ـ ‪1986‬م‪.‬‬
‫ـ الدر النثير على أجوبة أبي الحسن الصغير‪ .‬إبراهيم بن هالل السجلماسي (ت‬
‫‪903‬هـ)‪ .‬دراسة وتحقيق‪ :‬مبارك رخيص‪ .‬أطروحة بإشراف الدكتور جميل مبارك‬
‫لنيل دكتوراه الدولة من كلية الشريعة بأكادير‪ ،‬جامعة القرويين‪ ،‬سنة ‪ 1423‬ـ‬
‫‪1424‬هـ‪ 2002 /‬ـ ‪2003‬م‪.‬‬
‫ـ قراءة نافع عند المغاربة من رواية أبي سعيد ورش‪ :‬مقوماتها البنائية ومدارسها‬
‫األدائية إلى نهاية القرن العاشر الهجري‪ .‬د‪.‬عبد الهادي حميتو‪ .‬منشورات وزارة‬
‫األوقاف والشؤون اإلسالمية ـ المملكة المغربية‪1424 ،‬هـ ـ ‪2003‬م‪.‬‬
‫ـ مقدمة ابن خلدون‪ .‬عبد الرحمن ابن خلدون (ت‪808‬هـ)‪ .‬دار الفكر ـ بيروت‪،‬‬
‫‪1427‬هـ ـ ‪2007‬م‪.‬‬
‫ـ العالمة األديب أبو الحسن مصباح الزرويلي (‪ 1097‬ـ ‪1150‬هـ)‪ .‬عبد القادر‬
‫العافية‪ .‬دعوة الحق‪ ،‬المغرب‪ ،‬العدد ‪ ،1‬السنة ‪.21‬‬
‫ـ لقط الفرائد من لفاظة حقق الفوائد‪ ،‬البن القاضي (ت‪1025‬هـ)‪ ،‬ضمن كتاب ألف‬
‫سنة من الوفيات‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد حجي‪ .‬مطبوعات دار المغرب للتأليف والترجمة‬
‫والنشر ـ الرباط‪ 1396 ،‬ـ ‪1976‬م‪.‬‬
‫ـ الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة‪ ،‬ابن حجر العسقالني (ت‪852‬هـ)‪ .‬مجلس‬
‫دائرة المعارف العثمانية بالهند‪ ،‬ط ‪1392‬هـ ـ ‪1972‬م‪.‬‬
‫ـ الضوء الالمع ألهل القرن التاسع‪ ،‬شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت‬
‫‪902‬هـ)‪ ،‬دار الحياة ـ بيروت (د‪.‬ت)‪.‬‬
‫ـ نظم العقيان في أعيان األعيان‪ ،‬لجالل الدين السيوطي (ت‪911‬هـ)‪ ،‬المكتبة العلمية ـ‬
‫بيروت‪.‬‬
‫ـ حاشية الصاوي بهامش الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب اإلمام مالك‪،‬‬
‫للدردير‪ .‬أحمد بن محمد الصاوي المالكي‪ .‬دار المعارف ـ القاهرة‪.‬‬

‫ــ ‪ 185‬ـ‬
‫الجامع لمؤلفات النوازل في الفقه المالكي‬
‫دراسة وتعريف‬
‫‪ ‬د‪/‬محمد العلمي‬
‫كلية اآلداب‪ ،‬جامعة سال‪ ،‬المملكة المغربية‪.‬‬

‫يختص مذهبا مالك وأبي حنيفة بأهميةـ النوازل والواقعات فيهما‪،‬‬


‫وتبريز علمائهما فيها وتفننهم في علومها وتحققهم بطرائقها وكثرة ما ألفوا‬
‫منها‪.‬‬
‫وتراث النوازل والفتاوى في هذين المذهبينـ واسع غزير‪ ،‬وما أنتجه‬
‫درسها الفقهي من قواعد وطرائق وسوابق يصنفهما سباقين مجليين في الفقه‬
‫العملي والتطبيقي وتحقيق المناط‪،‬ـ مسايرة لحركة اإلنسان وحال لمشكالت‬
‫المجتمعات التي هيمناـ عليها تاريخيا‪.‬‬
‫وأهم مظهر لهذه األهمية في هذين المذهبين هو أن النوازل والفتاوى‬
‫والواقعات ونوازل األحكام لم تبق على هامش االشتغال الفقهي فيهما كما‬
‫توحي بذلك هذه العناوين‪،‬ـ بل أصبحت المصنفات في هذه األبواب جزءا من‬
‫مصادرهما وركنا من الكتب المعتمدة في الفقه درسا وتأليفا وإفتاء ونظرا‪.‬‬
‫وإذا كان الدارسون المالكيةـ يعرفون من مصادر مذهبهم كتبا في‬
‫النوازل نص الفقهاء المتأخرون على اعتمادها في الفتوى والقضاء‪ ،‬كمسائل‬
‫ابن رشد والدر النثير للهاللي ونوازله والمعيار المعرب للونشريسي‪ ،‬فإن‬
‫مذهب أبي حنيفة كان أبرز اعتمادا واعتبارا لكتب النوازل‪ ،‬إذ إن الواقعات‬
‫والفتاوى هي ثالث مصادر األصلية بعد رواية األصل وكتب النوادر‪ ،‬وقد نص‬
‫األئمة على اعتماد نوازل أبي الليث السمرقندي‪ ،‬ومجموع النوازل والحوادث‬
‫والواقعات ألحمــد بن مــوسى بن عيسى الكشي‪ ،‬والواقعات للناطفي‪،‬‬
‫والــــواقــعات للصدر الشهيد‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ناهيك عن فتاوى المتأخرين‪ ،‬كفتاوى قاضيخان وغيره‬
‫واعتماد النوازل مصادر للمذهب عند الحنفية والمالكيةـ ال نعثر عليه‬
‫في مذهبي الشافعي وأحمد رحمهما هللا‪ ،‬رغم ما أسهما به من مؤلفات قواعد‬

‫(?) قال ابن عابدين‪(( :‬وأول كتاب جمع في فتاواهم فيما بلغنا كتاب النوازل لفقيه أبي‬ ‫‪1‬‬

‫الليث السمرقندي‪ ،‬ثم جمع المشايخ بعد كتبا أخر‪ ،‬مجموع النوازل والواقعات للناطفي‪،‬‬
‫والواقعات للصصدر الشهيد‪ ،‬ثم ذكر المتأخرون هذه المسائل مختلطة غير متميزة‪ ،‬كما‬
‫في فتاوى قاضي خان والخالصة وغيرهما‪ ،‬كما في كتاب املحيط لرضي الدين‬
‫السرخسي‪ ،‬فإنه ذكر مسائل األصول أوال ثم النوادر ثم الفتاوى ونعم ما فعل))‪.‬‬
‫شرح منظومة رسم المفتي البن عابدين ضمن مجموعة رسائله ‪.1/17‬ط عالم الكتب‪ ،‬د‪.‬‬
‫ــ ‪ 186‬ـ‬
‫الفتوى وأصول القضاء المعتمدة في المذاهب الفقهية قاطبة‪،‬ـ كأدب المفتي‬
‫البن الصالح‪ ،‬واألحكام السلطانية وأدب القضاء للماوردي‪ ،‬وكإعالم‬
‫الموقعين البن القيم‪ ،‬فال وجود فيما نعلم لكتب النوازل كمصادر للمذهب عند‬
‫الشافعية وال الحنابلة‪.‬ـ‬
‫ويمكننا تاريخ الفقه من تعليل هذه الظاهرة وتفسير هذا التميز‪ ،‬إذ سبق‬
‫الحنفية والمالكية غيرهما من المذاهب في قيادة المجتمعات التي سادت فيها‪،‬‬
‫وانتشرت بين أهلها‪ ،‬وقد عبر ابن حزم عن هذا تعبيرا نوقش فيه عندما قال‪:‬‬
‫((مذهبان انتشرا في بدء أمرهما بالرياسة والسلطان‪ :‬مذهب أبي حنيفة‪ ..‬ومذهب‬
‫مالك عندنا باألنـــدلـــس))(‪،) 1‬‬

‫‪ )?( 1‬تمام قول ابن حزم‪(( :‬مذهبان انتشرا في بدء أمرهما بالرياسة والسلطان‪ :‬مذهب أبي‬
‫حنيفة‪ ،‬فإنه لما ولي القضاء أبو يوسف كانت القضاة من قبله من أقصى المشرق إلى‬
‫أقصى عمل إفريقية‪ ،‬فكان ال يولي إالّ أصحابه والمنتسبين لمذهبه‪ ،‬ومذهب مالك عندنا‬
‫باألندلس‪ ،‬فإن يحيى بن يحيى كان مكينا ً عند السلطان مقبول القول في القضاة‪ ،‬وكان ال‬
‫قاض في أقطار بالد األندلس إالّ بمشورته واختياره‪ ،‬وال يشير إالّ بأصحابه ومن‬ ‫ٍ‬ ‫يلي‬
‫كان على مذهبه‪،‬ـ والناس سراع إلى الدنيا‪ ،‬فأقبلوا على ما يرجون بلوغ أغراضهم به‪،‬‬
‫على أن يحيى لم يل قضاء قطّ‪ ،‬وال أجاب إليه‪ ،‬وكان ذلك زائداً في جاللته عندهم‪،‬‬
‫وداعيا ً إلى قبول رأيه لديهم))‪ ،‬انتهى‪ .‬نفح الطيب ‪ ،2/10‬وقد نقل المقريزي في الخطط ‪2‬‬
‫‪ /333‬مقالة ابن حزم‪ ،‬وعبارته هناك‪(( :‬وكذلك لما قام باألندلس الحكم الربضي‪ (..‬في‬
‫المطبوعة‪ :‬المرتضى) اختص بيحيى بن يحيى بن كثير األندلسي‪..،‬‬
‫=‬
‫= فنال من الرياسة والحرمة ما لم ينله غيره‪ ،‬وعادت الفتيا إليه‪ ،‬وانتهى السلطان والعامة‬
‫إلى بابه‪ ،‬فلم يقلد في سائر أعمال األندلس قاض إال بإشارته واعتنائه‪ ،‬فصاروا على‬
‫رأي مالك بعدما كانوا على رأي األوزاعي‪ ،‬وقد كان مذهب مالك أدخله األندلس زياد‬
‫بن عبد الرحمن الذي يقال له شبطون قبل يحيى بن يحيى وهو أول من أدخل مذهب‬
‫مالك األندلس))‪ ،‬وهذا الرأي منهما يتقارب مع مع ما حدث تاريخا‪ ،‬وإن كان فيه بعض‬
‫التعسف في التعليل‪ ،‬وأما ما علل به المقدسي من انتشار مذهب مالك باألندلس فغاية في‬
‫الضعف والشذوذ‪ ،‬إذ نقل حكاية مرسلة عن سبب تفرد مذهب مالك باألندلس‪ ،‬قال‪:‬‬
‫((قلت‪ :‬فلم لم يفش باألندلس‪ ،‬قالوا‪ :‬لم يكن باألندلس أقل منه ههنا ولكن تناظر الفريقان‬
‫(أي الحنفية والمالكية) يوما ً بين يدي السلطان‪ ،‬فقال لهم‪ :‬من أين كان أبو حنيفة‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫من الكوفة‪ ،‬فقال‪ :‬مالك‪ ،‬قالوا‪ :‬من المدينةـ قال‪ :‬عالم دار الهجرة يكفينا‪ ،‬فأمر بإخراج‬
‫أصحاب أبي حنيفة وقال‪ :‬ال أحب أن يكون في عملي مذهبان‪ ،‬وسمعت هذه الحكاية من‬
‫عدة من مشايخ األندلس)) أحسن التقاسيم ص‪ :‬ص‪ ،76 :‬وهذا الكالم يضعفه شذوذه عن‬
‫جميع الروايات‪ ،‬لذلك لم يعرج عليه المؤرخون ولم يسمع لهم مثله‪ ،‬والمقولة العلمية‬
‫األدق عند المؤرخين هي رأي عياض الذي علل تفرد مذهب مالك باألندلس بأمرين‪،‬‬
‫أحدهما يعود إلى العلماء واآلخر يعود إلى الحكام‪ ،‬قال‪(( :‬وأما أهل األندلس‪ ،‬فكان رأيهم‬
‫منذ فتحت على رأي األوزاعي‪ ،‬إلى أن رحل إلى مالك زياد بن عبد الرحمن وقرعوس‬
‫بن العباس والغازي بن قيس‪ ،‬ومن بعدهم‪ ،‬فجاؤوا بعلمه‪ ،‬وأبانوا للناس فضله‪ ،‬واقتداء‬
‫األمة به فعرف حقه‪ ،‬ودرس مذهبه‪،‬ـ إلى أن أخذ أمير األندلس إذ ذاك هشام بن عبد‬
‫الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان الناس جميعا بالتزام مذهب مالك‪،‬‬
‫وصير القضاء والفتيا عليه)) ترتيب المدارك ‪.1/27‬‬
‫ــ ‪ 187‬ـ‬
‫وهو يقصد اعتماد الخلفاء من بني العباس بالمشرق لرأي أهل العراق وبني‬
‫أمية باألندلس لرأي المدنيين‪.‬ـ‬
‫ونحن نقول‪ :‬مذهبان انتشرا بالقضاء والنوازل‪ ،‬فهذا التعبيرـ أدق وال‬
‫يرد عليه االعتراض الوارد على عبارة ابن حزم ~‪.‬‬
‫موقع مؤلفات النوازل في المكتبة الفقهية المالكية‬
‫يـهـيـمـنـ اـلـفـقـهـ اـإلـسـالـمـيـ عـلـىـ حـيـاـةـ اـلـمـكـلـفـيـنـ وـوـاـقـعـهـمـ كـمـاـ هـوـ مـعـرـوـفـ‬
‫مـنـ تـعـرـيـفـهـ‪،‬ـ وـتـنـدـرـجـ فـيـهـ جـمـيـعـ اـلـخـطـطـ وـمـجـاـالـتـ اـلـنـشـاـطـ اـالـجـتـمـاـعـيـ‬
‫اـلـمـتـوـقـفـ عـلـىـ اـلـمـشـرـوـعـيـةـ اـلـدـيـنـيـةـ شـكـالـ وـمـوـضـوـعـاـ‪،‬ـ كـمـاـ يـشـمـلـ اـلـفـقـهـ‬
‫بـتـعـرـيـفـهـ ظـوـاـهـرـ اـألـفـعـاـلـ وـبـوـاـطـنـهـاـ‪،‬ـ وـاـلـتـصـرـفـاـتـ اـلـحـسـيـةـ وـاـلـقـنـاـعـاـتـ‬
‫اـلـمـضـمـرـةـ‪،‬ـ هـذـاـ هـوـ مـصـدـاـقـ اـلـفـقـهـ فـيـ تـعـرـيـفـهـ بـأـنـهـ (ـ(ـاـلـعـلـمـ بـاـألـحـكـاـمـ اـلـشـرـعـيـةـ‬
‫اـلـمـقـتـبـسـ مـنـ أـدـلـتـهـاـ اـلـتـفـصـيـلـيـةـ)ـ)ـ‪.‬ـ‬
‫ومنذ أن رحم هللا األمة اإلسالمية بالمذاهب الفقهية المشهورة‪،‬‬
‫وانحسار الفوضى التشريعية التي كانتـ تهدد مستقبلـ الناس في عهد السلف‪،‬‬
‫اتسع العلماء في خدمة الفقه وتشعبت مواردهم وعناياتهم‪ ،‬واستقلت بالتدريج‬
‫علوم الفقه وفنونه وتخصصت‪ ،‬لتصور للدارس مقدار العمق الذي حصل في‬
‫التشريع اإلسالمي والتوسع الذي حصل في العمران والحياة االجتماعيةـ‬
‫للمسلمين‪ ،‬وتصور بموازاة ذلك التطور الحاصل في أساليب النظر العقلي‬
‫وقواعد االستنباط واكتمالـ المنهجيةـ التشريعية‪.‬‬
‫وقد حاول عدد من المتأخرين التعرض لعلوم الفقه بالتصنيف‬
‫والتعريف‪،‬ـ منهم النووي(‪ )1‬والزركشي(‪ )2‬وابن خلدون وحاجي خليفة ‪ ،‬كل‬
‫(‪)3‬‬

‫عرفها وقسمها حسبما ترجح له أنه سمة بارزة في المؤلفات الفقهية‪.‬ـ‬


‫إال أن تقسيما شامال لعلوم الفقه مستوعبا ألشتاتها‪ ،‬وتعريفا بكل قسم‬
‫منها لم أقف عليه إلى اآلن‪ ،‬ولعل السر وراء هذا اكتفاؤهم بتعريفـ الفقه‬
‫واستغناؤهمـ به عن تتبع فروع علومه من جهة‪ ،‬وتداخل هذه الفنون وتصعب‬
‫فصل بعضها عن بعض من جهة أخرى‪.‬‬

‫(?) قال النووي (ت‪ )676‬في مقدمة المجموع شرح المهذب إن مصنفات الفقه منها‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫«‪..‬مبسوطات ومختصرات ومتوسطات‪.»..‬‬


‫(?) علوم الفقه كما عددها الزركشي عشرة هي‪ 1 :‬ـ أحكام الحوادث ‪ 2‬ـ الجمع والفرق‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 3‬ـ بناء المسائل ‪ 4‬ـ المطارحات ‪ 5‬ـ المغالطات ‪ 6‬ـ الممتحنات ‪ 7‬ـ األلغاز ‪ 8‬ـ الحيل ‪ 9‬ـ‬
‫معرفة األفراد‪ 10 .‬ـ معرفة الضوابط‪ .‬المنثور في القواعد للزركشي ص‪ 69 :‬ـ ‪ 70‬ـ ‪.71‬‬
‫(?) علوم الفقه كما عددها حاجي خليفة نقال عن طاش كبري زاده صاحب مفتاح السعادة‬ ‫‪3‬‬

‫هي‪ 1 :‬ـ علم حكم الشرائع ‪ 2‬ـ علم الفتاوى ‪ 3‬ـ علم القضاء ‪ 4‬ـ علم الشروط والسجالت‬
‫‪ 5‬ـ علم الفرائض كشف الظنون ‪.1/17‬‬
‫ــ ‪ 188‬ـ‬
‫لكنا نرى الداعي ملحا إلعادة تصنيف علوم الفقه‪ ،‬وموقع علم النوازل‬
‫ضمنها‪ ،‬فبذلك يقتدر على فهم الفقه والتأريخ الصحيح لمذاهبه ومدارسه‪ ،‬وتفسير‬
‫العوارض التي وسمته‪ ،‬كما يمكن التعامل مع مصادره بطريقة صحيحة‬
‫وسليمة‪ ،‬وتمحيص ما سلف من أحكام للدارسين عن المنهجية الفقهية عموما‪.‬‬
‫إننا في الفقه المالكي نتعامل مع فنون وعلوم فقهية كثيرة تختلف بينها في‬
‫الداللة عليه قوة وضعفا‪ ،‬وتتفاوت في أهميتها حسب المجال الذي يتعلق بها‪.‬‬
‫وهذه العلوم تتصنف ثالث مجموعات‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ متون المذهب وما تركب عليها من شروح وجهود‪ :‬وتضم‪:‬‬
‫أ ـ األسمعة والجوابات التي نقلت عن اإلمام مالك وجمعها تالميذه فمن‬
‫بعدهم‪.‬‬
‫ب ـ المختصرات والمبسوطات والمتوسطات الجامعة ألحكام المذهب‪،‬‬
‫وهي التي غدت تعرف باسم‪" :‬متون المذهب"‪.‬‬
‫ج ـ ما تركب على هذه المتون من الشروح واالختصارات والحواشي‬
‫والطرر والتعاليق‪ ،‬وهي التي امتد فيها المذهب وتوسع‪ ،‬وفيها كثرت مسائلهـ‬
‫بالتخريج والتأويلـ والقياس واالستقراء‪ ،‬ولهذا فال عجب أن مذهب مالك الذي‬
‫كان يضم حوالي ‪ 40‬ألف مسألة في المدونة أصبح يشمل حوالي ‪ 100‬ألف‬
‫مسألة منطوقة في مختصر الشيخ خليل‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ علوم الحجة واالستدالل والتأصيل‪ ،‬وهي تضم األقسام التالية‪:‬ـ‬
‫أ ـ أحكام القرآن‬
‫(‪)1‬‬
‫ب ـ متون الحديث الفقهية ‪ ،‬وشروحها الفقهية‪.‬‬
‫ج ـ أصول الفقه على طريقة الفقهاء(‪.)2‬‬

‫(?) نقصد بمتون الحديث الفقهية كتب الجوامع ككتاب البخاري ومسلم وأصحاب السنن‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫والموطآت كموطإ مالك‪ ،‬وكتب األحكام كأحكام عبد الحق اإلشبيلي‪ ،‬وعمدة األحكام‬
‫للمقدسي‪ ،‬في حين ال تدخل مثل المسانيد والمستخرجات في هذا الباب‪ ،‬وكتب المتون‬
‫الحديثيةـ هي كتب فقهية‪ ،‬وإن لم تبرز فيها الخصائص المذهبيةـ مثل الشروح‪ ،‬ولهذا تجد‬
‫مثال شروحا مالكية لعمدة األحكام للحافظ عبد الغني المقدسي الجماعيلي الحنبلي‪ ،‬كشرح‬
‫ابن دقيق العيدـ وابن الفاكهاني وابن مرزوق الجد وغيرهم‪.‬‬
‫(?) كتب أصول الفقه تنتمي لعلوم الفقه من حيث مصدرها‪ ،‬إذ إن القواعد مستقرأة من‬ ‫‪2‬‬

‫فروع المذاهب‪ ،‬ولهذا فإن مصادر األصول لكل مذهب تختلف عن غيره في العموم‪،‬‬
‫على أن هناك من مباحث في األصول مأخوذة مباشرة من الفروع‪ ،‬كأغلب مسائل‬
‫االجتهاد والتعارض والترجيح‪ ،‬وعدد من مسائل األحكام وكعددـ من مسائل القياس التي‬
‫تعد مشتركة بين األصول وعلم الخالف الذي يتعرض لحماية مسائل المذاهب من نقض‬
‫الخصم‪ ،‬إضافة إلى أن المالكية على الخصوص يدرجون القواعد األصولية في الفروع‬
‫لتعليل الخالف (خصوص أهل القرن السادس والسابع)‪ ،‬فمن هذه الحيثيات اعتبرنا‬
‫األصول من علوم الفقه‪ ،‬أما من حيث االنبناء والتأسس‪ ،‬فنظريا تتأسس الفروع على‬
‫األصول ال العكس‪ ،‬ولذلك قيدنا بطريقة الفقهاء (عموم الفقهاء ال خصوص الحنفية)‪ ،‬أما‬
‫طريقة المتكلمين‪،‬ـ فمائلة إلى التجريد‪ ،‬وهو ما انتقده بشدة ابن السمعاني في قواطع األدلة‬
‫ــ ‪ 189‬ـ‬
‫د ـ القواعد الفقهية والكليات واألشباه والنظائر والفروق‪.‬‬
‫هـ الردود على المذاهب األخرى‪.‬‬
‫و ـ مسائل الخالف‬
‫ز ـ االنتصار والحجة والذب عن المذهب وفضائل اإلمام ومناقبه‬
‫ومحاسن الشريعة(‪.)1‬‬
‫‪ 3‬ـ علوم اإلفتاء والفقه العملي‪ ،‬وتشمل العلوم التالية‪:‬ـ‬
‫أ ـ النوازل‬
‫ب ـ مسائل األحكام‬
‫ج ـ أصول الفتوى ومناهج األقضية‬
‫د ـ الوثائق والشروط‬
‫هـ السياسة الشرعية‪.‬‬
‫و ـ الحسبة وأحكام السوق‪.‬‬
‫ز ـ األجزاء والمسائل الفقهية والنوازل في قضايا مفردة‪ :‬كالمناسك‬
‫والبيوع والتوقيت والفرائض‪..‬إلخ‪.‬ـ‬
‫وأنت إذا تأملت هذه المجموعات وجدتها تفترق في عدة أمور أصولية‬
‫في طريقة االشتغال في كل مجموعة منها‪ ،‬فالمتون وما عليها بابها النقل‬
‫وصحة التوثيق باألساس‪ ،‬وأما طريقة شرحها والتخريج عليها وتدريسها‬
‫فتعتمد قواعد األلفاظ وتحقيق بواطن األبواب‪ ،‬وهو مدلول الطريقة القروية التي‬
‫هيمنت على مذهب مالك بعد فترة من وجود االصطالح العراقي معها(‪.)2‬‬
‫وأما علوم النظر الفقهي والحجة واالستدالل‪ ،‬فطريقتها هي طريقة‬
‫المجتهدين‪ ،‬إذ تعتمد حجج الشريعة وقواعد األصول كما في أحكام القرآن‬
‫وشروح الحديث‪ ،‬واالستقراء كما في أصول الفقه والقواعد الفقهية‪ ،‬وتصحيح‬
‫إذ اعتبر أن المتكلمينـ أجانب عن الفقه وأهله‪.‬‬
‫(?) إنما أدرجنا محاسن الشريعة في كتب التأصيل والحجة ألن بعض المؤلفين ألفوها‬ ‫‪1‬‬

‫نصرة للمذهب‪ ،‬منهم عبد الملك بن العاصي بن السعدي أبو مروان األندلسي (‪ 276‬ـ‬
‫‪ )330‬قال عياض‪ « :‬وألف في نصرة مذهب مالك تواليف كثيرة‪ ،‬منها كتاب الذريعة إلى‬
‫علم الشريعة‪ ،‬وكتاب الدالئل والبراهين على أصول المدنيين‪،‬ـ وكتاب الدالئل واألعالم‬
‫على أصول األحكام‪ ،‬كتاب االعتماد‪ ..‬وكتاب الرد على من أنكر على مالك العمل بما‬
‫رواه‪ » ‬ترتيب المدارك ‪.6/145‬‬
‫(?) قال الرجراجي‪(( :‬وكان للقدماء ‪ ‬في تدريس المدونة اصطالحان‪ :‬اصطالح‬ ‫‪2‬‬

‫عراقي واصطالح قروي‪ ،‬فأهل العراق جعلوا في مصطلحهم مسائل المدونة كاألساس‪،‬‬
‫وبنوا عليها فصول المذهب باألدلة والقياس‪ ،‬ولم يعرجوا على الكتاب بتصحيح الروايات‬
‫ومناقشة األلفاظ‪ ،‬ودأبهم القصد إلى إفراد المسائل وتحرير الدالئل على رسم الجدليين‬
‫وأهل النظر من األصوليين‪ .‬وأما االصطالح القروي‪ ،‬فهو البحث عن ألفاظ الكتاب‬
‫وتحقيق ما احتوت عليه بواطن األبواب وتصحيح الروايات‪ ))..‬مقدمة مناهج التحصيل‬
‫للرجراجي‪ ،‬وأزهار الرياض ‪.3/22‬‬
‫ــ ‪ 190‬ـ‬
‫المسائل كما في الردود على المذاهب األخرى ومسائل الخالف‪ ،‬والتوسع في‬
‫المعاني واألدلة كما في كتب الذب عن المذهب ومسائل الخالف‪.‬‬
‫أما علوم الفتوى والعمل‪ ،‬فبابها هو تحقيق المناط وإجابة السائلينـ وحل‬
‫مشاكل الوقت بالفتوى‪ ،‬وتدبير الناس بالشريعةـ كما يقول اإلمام المازري‪،‬‬
‫ولذلك فهي تعتمد متون المذهب أساسا‪ ،‬وتعول على االختيار والتخريج بناء‬
‫على المصالح المرسلة (كما في السياسة الشرعية والحسبة)‪،‬ـ وعلى العرف‬
‫وما سبق به عمل المفتين والقضاة (ما جرى به العمل) وذلك في النوازل‬
‫ومسائل األحكام‪ ،‬وعلى رصد ما يرمي به الوقت من حادثات‪ ،‬كما في‬
‫األجزاء التي كثر التأليفـ فيها في المذهب المالكي‪ ،‬وأجاب العلماء فيها يقظةـ‬
‫وتحرزا من أن تخلو واقعة من حكم هلل تعالى فيها‪.‬‬
‫وتتسم علوم العمل بأنهاـ علوم مذهبية‪،‬ـ ومعنى االجتهاد فيها‬
‫واالستبحار في مسائلهاـ هو في نطاقـ مذهب معين‪ ،‬بل حتى الفقهاء الذي‬
‫تميزوا باالستبحار في الشريعة واشتهروا ببلوغهم درجة االجتهاد لم يكونوا‬
‫يجتهدون في علوم العمل والفتوى إال ضمن مذهب معين‪ ،‬كابن القاسم‬
‫وأشهب وابن رشد الفقيه والمازري والقاضي عياض والشاطبيـ(‪ ،)1‬فهؤالء‬
‫وإن بلغوا شأوا عظيما في العلم حتى قيل في بعضهم إنه بلغ درجة االجتهاد‬
‫المطلق(‪ ،)2‬ومع ذلك لم يعرف عنهم اإلفتاء بغير المشهور‪.‬‬
‫تعريف المذهب المالكي بالغرب اإلسالمي‬
‫من الفوائد التي نجتنيها من تقسم الفقه المالكي إلى ثالث شعب من‬
‫المعارف الفقهية المتميزة‪ :‬متون المذهب وفنون الحجة واالستدالل وفنون‬
‫الفتوى والعمل الفقهي‪ ،‬هو تمكنناـ من تحديد سمات االشتغال الفقهي في كل‬
‫مصر من أمصار المذهب المالكي وكل مدرسة من مدارسه‪.‬‬
‫ومدارس المذهب المالكي هي مدرسة المدينةـ والمدرسة العراقية‬
‫والمدرسة المصرية ومدرسة الغرب اإلسالمي‪ .‬وهذه المدارس لم تكن على‬
‫قدم واحدة من االشتغال‪.‬ـ‬

‫‪ )?( 1‬قال الشاطبي مادحا هذه الطريقة‪(( :‬ومن ههنا شرطوا فى الحاكم بلوغ درجة االجتهاد‬
‫وحين فقد لم يكن بد من االنضباط إلى أمر واحد كما فعل والة قرطبة حين شرطوا على‬
‫الحاكم أن ال يحكم إال بمذهب فالن ما وجده ثم بمذهب فالن فانضبطت األحكام بذلك‬
‫وارتفعت المفاسد المتوقعة من غير ذلك االرتباط وهذا معنى أوضح من إطناب فيه))‬
‫الموافقات ‪.4/142‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) قال السيوطي نقال عن الصفدي‪(( :‬أخبرت عن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد أنه‬
‫كان يقول‪ :‬ما رأيت أعجب من هذا‪ ،‬يعني المازري‪ ،‬ألي شيء ما ادعى االجتهاد؟)) الرد‬
‫على من أخلد إلى األرض ص‪ ،195 :‬وقال الونشريسي‪« :‬وقد قال المازري وهو في‬
‫العلم هنالك ما أفتيت قط بغير المشهور وال أفتي به‪ ..‬كان المازري وهو في طبقة‬
‫االجتهاد ال يخرج عن الفتوى بالمشهور وال يرضي حمل الناس على خالفه» عدة‬
‫البروق ص‪.542 :‬‬
‫ــ ‪ 191‬ـ‬
‫فبالنسبة لمتون المذهب وما تركب عليها من جهود نجد أن هذا الجانب‬
‫كان مشتركا بين هذه المدارس‪ ،‬وال توجد مدرسة مالكية هي أولى باالنتساب‬
‫إلى بناء المتون وخدمتها من األخرى‪ ،‬فالمدنيون جمعوا سماعات كثيرة عن‬
‫مالك‪ ،‬وإلى تراثها تنتمي كتب الفقه التي ألف ابن الماجشون والمغيرة وابن كنانة‬
‫ومطرف ومحمد بن مسلمة ومختصر أبي مصعب الزهري‪ .‬والعراقيون ألف‬
‫منهم إسماعيل القاضي المبسوط وأبو الفرج كتاب الحاوي‪ ،‬وألف األبهري شرح‬
‫مختصر ابن عبد الحكم‪ ،‬وكل هذه كتب معتمدة في الروايات عن مالك‪ .‬وأما‬
‫المصريون والقريون فاشتغالهم على المتون مشهور محسوس‪ ،‬كالمدونة وكتاب‬
‫ابن المواز وابن سحنون وابن عبدوس وابن ميسر وغيرهم‪ ،‬ثم منهم نبغ ابن‬
‫الحاجب وابن شاس وخليل وابن عرفة‪ ،‬وأما األندلسيون فعندهم ألفت العتبية‬
‫والواضحة والمدنية وكتب يحيى بن مزين وغيرها‪.‬‬
‫وأما المغرب األقصى واألوسط فأكثر نبوغهم كان في خدمة المتون‬
‫وشرحها والتحشية عليها‪ ،‬وعمل المتأخرين كان بازرا فيهم‪ ،‬فمنهم ظهر ابن‬
‫بشير وابن النحوي والقلشانيـ والتلمسانيونـ وابن غازي وابن زكري وزروق‬
‫والتاودي والهاللي وأضرابهم‪ ،‬المهم أن متون مذهب مالك وشروحها كانت‬
‫شركة بين مدارس المذهب‪.‬‬
‫لكن الحقيقة التي ال يجوز إغفالها هي أن المنهجية المعتمدة في دراسة‬
‫متون المذهب اآلن هي منهجية القرويين‪،‬ـ فشروح خليل والتحفة وابن‬
‫الحاجب تعتمد المذهب من خالل ألفاظه وضبط عبارته‪،‬ـ ال من خالل تعاليل‬
‫أحكامه وأقيسته‪ ،‬فطريقة العراقيين مهجورة لهذا الوقت‪ ،‬ومن الطرائف أن‬
‫القرافي ناقش ما ورد في المدونة من أن قول الرجل المرأته أنت خلية وبرية‬
‫أو أو وهبتك ألهلك أنه يلزمه الطالق الثالث في المدخول بها وال تنفعه النية‬
‫أنه أراد أقل من الثالث‪ ،‬وسلك القرافي مسلك العراقيين في بيانـ علة قول‬
‫مالك بهذا الرأي‪ ،‬ثم انتهى إلى أن ذلك راجع إلى العرف‪ ،‬وبما أن العرف‬
‫تغير ولم يعد الناس يستعملون الخلية والبرية وأشباهها‪ ،‬فإن الفتوى ينبغيـ أن‬
‫تتغير‪ ،‬وأال يؤخذ بمنصوص المدونة‪ ،‬قال اللقاني بعد أن أورد احتجاج‬
‫القرافي في المسألة‪(( :‬وكل ما بحثه جيد بال خفاء‪ ،‬والذي به الفتوى معلوم من‬
‫متن سيدي الشيخ خليل))(‪ )1‬أي أنها تلزمه الثالث على منصوص المدونة‪،‬‬
‫وهذا يعنيـ أن االصطالح القروي هو المعمول به والمعول عليه‪،‬ـ أما‬
‫التعليالت التي تفضي إلى ترك منصوص المذهب فليست متبوعة‪.‬ـ‬
‫أما علوم الحجة واالستدالل في المذهب المالكي فهي عراقية بامتياز‪،‬ـ‬
‫وال يضاهيهم في ذلك إال من أخذ عنهم أو سلك سبيلهم واقتفى طرقهم‪.‬‬
‫فأصول الفقه صناعة العراقيين‪ ،‬ومن أهم ما صنف مالكية العراق في‬
‫أصول الفقه نجد مؤلفات منها‪ :‬كتابـ األصول للقاضي إسماعيلـ (ت‪282‬هـ)‪،‬‬
‫(?) منار أصول الفتوى للقاني ح ذ عبد هللا الهاللي ط وزارة األوقاف المغربي ص‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.304‬‬
‫ــ ‪ 192‬ـ‬
‫وبيان السنة ألبي بكر بن الجهم (ت‪329‬هـ)‪ ،‬واللمع في أصول الفقه ألبي‬
‫الفرج (ت‪338‬هـ)‪ ،‬وأصول الفقه لبكر بن العالء القشيري (ت‪344‬هـ)‪،‬‬
‫والقياس له‪ ،‬ومآخذ األصول له‪ ،‬واألصول لألبهري (ت‪375‬هـ)‪ ،‬وإجماع‬
‫أهل المدينة له‪ ،‬ومسألة الجواب والدالئل والعلل له‪ ،‬وإجماع أهل المدينة‬
‫ألبي الحسن علي بن ميسرة (طبقةـ األبهري)‪ ،‬وكتاب األصول ألبي عيد هللا‬
‫بن مجاهد البصري (ت‪370‬هـ)‪ ،‬وإثباتـ القياس ألبي العالء عبد العزيز‬
‫البصري (طبقة األبهري)‪ ،‬ومقدمة في األصول ألبي الحسن بن القصار (ت‬
‫‪ ،)1()398‬وكتاب األصول له‪ ،‬وأصول الفقه ألبي تمام البصري (طبقةـ ابن‬
‫القصار)‪ ،‬والجامع في أصول الفقه ألبي بكر بن خويزمنداد (طبقة ابن‬
‫القصار)‪ ،‬واإلفادة للقاضي عبد الوهاب (ت‪422‬هـ)‪ ،‬والتلخيص له‬
‫والمروزي في األصول له‪ ،‬ناهيك عما ألف الباقالني (ت‪403‬هـ) في أصول‬
‫الفقه والجدل‪.‬‬
‫وهذه هي المؤلفات التي اعتمدهاـ الباجي في كتبهـ األصولية والقرافي‬
‫في شرح تنقيحـ الفصول ونفائس األصول‪ ،‬وإياهاـ اعتمد سائر األصوليين‬
‫المالكية الالحقين‪.‬‬
‫وأما مسائل الخالف والردود على المذاهب األخرى فالمعول فيها على‬
‫مالكية العراق أيضا‪ ،‬فباستثناءـ ابن سحنون ومحمد بن عبد الحكم فإن أغلب‬
‫الذين ردوا على الشافعية والحنفية هم مالكية العراق أو من أخذ عنهم واقتفى‬
‫طريقتهم من األندلسيين والمصريين والقرويين‪ .‬هذا علما أن هناك ردودا‬
‫تفرد بها مالكيةـ العراق دون مدارس المذهب األخرى‪ ،‬كالرد على ابن‬

‫(?) قال في مستهلها‪ « :‬هذه مقدمة من األصول في الفقه ذكرتها في أول مسائل الخالف‬ ‫‪1‬‬

‫ليفهمها أصحابنا‪ ،‬ولم أستقص الحجج عليها ألنه لم يكن مقصودي‪ ‬ذلك‪ » ‬مقدمة األصول‬
‫البن القصار‪ ،‬بتحقيق محمد السليماني‪ ،‬ط دار الغرب اإلسالمي‪.‬‬
‫ــ ‪ 193‬ـ‬
‫علية(‪ )1‬والرد على المزني(‪ )2‬والرد على محمد بن الحسن(‪ )3‬والرد على‬
‫الصيرفي(‪.)4‬‬
‫أما علوم الفقه العملي فأصلها األندلسيون بدرجة أكثر‪ ،‬وكل مدارس‬
‫المذهب عالة عليهم فيها‪ ،‬فمسائل القضاء وقواعده والوثائقـ والشروط على‬
‫األندلسيين المعتمد في مذهب المالكية‪،‬ـ وطريقتهم هي التي سارت عليها هذه‬
‫العلوم في المذهب‪ ،‬وما جرى به عملهم القضائي بقرطبةـ على الخصوص‪،‬‬
‫هو نواة ما جرى به العمل الذي نما وتطور كثيرا في القرن العاشر وما بعده‬
‫على الخصوص‪ ،‬ويمكن القول إن المالكيةـ أندلسيينـ في هذا العلوم كما أنهم‬
‫عراقيون إذا اعتنوا بعلوم النظر والحجة واالستدالل‪.‬‬
‫حقيقة أن النوازل تقدم فيها المتأخرون المغاربة أكثر من غيرهم‪،‬‬
‫كالمازوني والبرزلي والونشريسي‪ ،‬لكنهم في ذلك إذا أسسوا فتاواهم على‬
‫نصوص المذهب فطريقتهم قروية‪ ،‬وإذا أسسوا على ما جرى به العمل‬
‫فطريقتهم أندلسية‪.‬ـ‬
‫وتبعيةـ المالكيةـ في طرقهم لألندلسيينـ ال تعني تبعيتهمـ لهم في المسائلـ‬
‫والقضايا‪ ،‬فلكل بلد عرفه وعاداته والفتوى فيه تتبعـ تلك العوائد حسبما هو‬
‫مقرر في أصول الفتوى‪.‬‬
‫مؤلفات المالكية في النوازل والفتاوى‬
‫‪ 1‬ـ من أول ما كتب في النوازل رسالة مالك في الفتوى‪ ،‬ذكرها‬
‫عياض ضمن مصنفات مالك‪ ،‬قال‪« :‬ومن ذلك رسالته إلى أبي غسان محمد‬
‫بن مطرف في الفتوى وهي مشهورة‪ ،‬يرويها عنه خالد بن نزار ومحمد بن‬
‫مطرف وهو ثقة من كبار أهل المدينة»(‪.)5‬‬
‫‪ )?( 1‬ألف محمد بن عبد هللا أبو جعفر األبهري الصغير الشهير بالوتلي وبابن الخصاص(ت‬
‫‪(( )365‬الرد على ابن علية فيما أنكره على مالك)) ترتيب المدارك ‪ ،7/72‬قال ابن النديم‪:‬‬
‫«وله من الكتب‪..‬كتاب الرد على ابن علية سبعون مسألة ولم يتمه» الفهرست ص ‪.283‬‬
‫‪ )?( 2‬ألف بكر بن محمد بن العالء أبو الفضل القشيري (ت‪ ،)344‬كتاب الرد على‬
‫المزني‪ ،‬وألف محمد بن عبد هللا أبو جعفر األبهري الصغير الشهير بالوتلي وبابن‬
‫الخصاص(ت‪ )365‬الرد على مسائل المزني‪ ،‬قال ابن النديم‪:‬ـ «وله من الكتب‪ ..‬كتاب‬
‫الرد على مسائل المزني» الفهرست ص ‪ ،283‬وألف أبو بكر محمد بن عبد هللا بن صالح‬
‫األبهري الكبير (ت‪375‬هـ) كتاب الرد على المزني‪ ،‬قال ابن النديم‪(( :‬الرد على المزني‬
‫في ثالثين مسألة))‪ ،‬الفهرست ص‪ ،341 :‬وألف القاضي أبو محمد عبد الوهاب بن علي‬
‫بن نصر (ت‪ )422‬كتاب الرد على المزني‪ ،‬وهؤالء كلهم عراقيون‪.‬‬
‫‪ )?( 3‬ألف القاضي إسماعيل كتاب ((الرد على محمد بن الحسن)) «وهو كتاب كبير مائتا‬
‫جزء‪ ،‬ولم يتم» ترتيب المدارك ‪ ،4/291‬وألف أبو بكر بن الجهم (ت‪ 329‬هـ) ((الرد على‬
‫محمد ابن الحسن))‪(( ،‬تمام كتاب اسماعيل بن اسحق)) الفهرست البن النديم ص‪.253 :‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) من أشهر ردودهم على الصيرفي كتاب أبي الحسين بن أبي عمر القاضي (ت‬
‫‪365‬هـ) «‪ ‬الرد على من أنكر إجماع أهل المدينة‪،‬ـ وهو نقض لكتاب أبي بكر‬
‫الصيرفي‪( ‬المقصود بكتاب الصيرفي الدالئل واألعالم‪ ،‬وفيه رد على مالك وإبطال‬
‫إلجماع أهل المدينة)» طبقات الفقهاء ص‪ ،155 :‬ترتيب المدارك ‪.5/257‬‬
‫‪ )?( 5‬ترتيب المدارك ‪.2/92‬‬
‫ــ ‪ 194‬ـ‬
‫()‬
‫‪ 2‬ـ أجوبة الفقهاء‪ ،‬لمحمد بن سحنون (ت‪256‬هـ) ‪ ، 1‬وهو من الكتب‬
‫المشكوك في نسبتها البن سحنون‪ ،‬ومما ال يعتمد في الفتوى‪ ،‬وعرفها‬
‫بعضهم بأنهاـ من الكتب الشيطانية الليطانية‪ ،‬قال النابغةـ الشنقيطي‪:‬ـ‬
‫فعزوها له من الجنون‬ ‫ومنه األجوبة لسحنون‬
‫‪ 3‬ـ فتاوى أصبغ بن خليل أبي القاسم القرطبي (ت‪293‬هــ) (‪.)2‬‬
‫‪ 4‬ـ نوازل ألحمد بن نصر الهواري التونسي (ت‪317‬هـ)‪(( ،‬له نوازل‬
‫كثيرة سئل عنها))(‪.)3‬‬
‫‪ 5‬ـ مسائلـ عن شيوخه لحبيب بن الربيع مولى أحمد بن سليمان (ت‬
‫‪339‬هـ)‪ ،‬قال عياض‪(( :‬ووقفت على جزء من مسائله‪،‬ـ مما سأله عنه مواله‪،‬‬
‫وابن الحداد‪ ،‬وعبد الرحمن الوزنة‪ ،‬وابن بطريقة))(‪ ،)4‬ومنها نقول في‬
‫المعيار(‪.)5‬‬
‫‪ 6‬ـ النوازل ألبي محمد بن التبان (ت‪371‬هـ)(‪.)6‬‬
‫‪ 7‬ـ فتاوى ابن الزويزي‪ ،‬القاضي عبد هللا بن أيمن األصيلي المغربي‬
‫(توفي في حدود ‪400‬هـ) يحقق‪.‬‬
‫(‪)7‬‬
‫‪ 8‬ـ كتابـ األسئلة واألجوبة في الفقه لأحمد بن نصر الداودي (ت‪40‬‬
‫‪2‬هـ) (‪.)8‬‬
‫‪ 9‬ـ أجوبة القابسي‪،‬ـ أبي الحسن علي بن محمد بن خلف التونسي (ت‬
‫‪403‬هـ) (‪.)9‬‬
‫‪ 10‬ـ المسائلـ ألبي عمران الفاسي (ت‪422‬هـ)‪ ،‬جاء في المعيار‪(( :‬قال‬
‫الشيخ أبو عمران في مسائله))(‪.)10‬‬
‫‪ 11‬ـ فتاوى الشيخ أبي إسحاق التونسي (ت‪443‬هـ) (‪.)11‬‬

‫(?) خ الخزانة العامة بالرباط‪ ،‬رقم‪1341 :‬د‪ ،‬وقد حقق في رسائل جامعية منها رسالة‬ ‫‪1‬‬

‫دكتوراه بدار الحديث بالرباط‪.‬‬


‫(?) خ‪ .‬الخزانة الحسنية بالرباط‪ ،‬رقم‪ .8178 :‬يحقق‬ ‫‪2‬‬

‫(?) معالم اإليمان ‪.3/4‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) ترتيب المدارك ‪.5/336‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) المعيار المعرب ‪.10/166‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) شجرة النور ‪.)225( 96‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) خ‪ .‬الخزانة العامة بالرباط‪ ،‬رقم‪ .8178 :‬يحقق‬ ‫‪7‬‬

‫(?) في مقدمة تحقيق كتاب ألموال لأحمد بن نصر لرضا محمد سالم شحادة ص‪،7 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫قال‪ :‬وهو مخطوط بجامع الزيتونة‪.‬‬


‫(?) خ‪ .‬الخزانة الناصرية بتمكروت‪ ،‬رقم‪1909 :‬د‪ .‬يحقق‬ ‫‪9‬‬

‫(?) المعيار المعرب ‪.9/302‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪11‬‬
‫(?) مخطوط األزهر الشريف عدد ‪ 327022‬فقه االمام مالك‬
‫ــ ‪ 195‬ـ‬
‫‪ 12‬ـ فتاوى الشيخ أبي الحسن علي بن محمد اللخمي (ت‪478‬هـ)(‪.)1‬‬
‫‪ 13‬ـ مسائلـ أبي الوليد بن رشد الجد (ت‪520‬هـ)(‪ ،)2‬جمعها تلميذاه‬
‫الفقيهان القرطبيان‪:‬ـ أبو الحسن محمد بن الوزان‪ ،‬وأبو مروان عبد الملك بن‬
‫مسرة‪( .‬يحقق)‪.‬ـ‬
‫‪ 14‬ـ المسائلـ واألجوبة لعبد هللا بن محمد بن السيد البطليوسي (ت‬
‫‪521‬هـ) (‪( )3‬يحقق)‪.‬‬
‫‪ 15‬ـ النوازل(‪ )4‬ألبي عبد هللا محمد بن أحمد بن خلف التجيبي القرطبي‬
‫المعروف بابن الحاج (ت ‪529‬هـ)(‪ ،)5‬وتسمى أيضا أجوبة ابن الحاج‪ ،‬وهي‬
‫مرتبة على األبواب‪ ،‬كما تدل عليه نقول منها في المعيار‪ ،‬كقوله‪(( :‬ومثله في‬
‫سماع ابن القاسم في اللعان من أجوبة ابن الحاج))(‪.)6‬‬
‫‪ 16‬ـ مسائلـ ابن أبي حاج اإلشبيلي‪،‬ـ قال أبو الفضل راشد الوليدي‪:‬‬
‫))‬
‫((وقد وقفت في مسائل ابن أبي حاج اإلشبيلي ~‪ ،‬وقد سأل عنها ابن دحون‬
‫(‪.)7‬‬
‫‪ 17‬ـ أجوبة ابن ورد أبي القاسم أحمد بن محمد التميمي (ت‪540‬هـ)‬
‫()‬
‫«األجوبة الحسان» ‪ ، 8‬أو ((الجوابات الحسان عن السؤاالت ذوات األفنان))‬

‫(‪ ،)9‬وقد دونت عنه‪ ،‬قال ابن األبار‪(( :‬والبن ورد‪ ..‬أجوبة مدونة عنه))(‪،)10‬‬
‫وهي مختصرة في جزء(‪.)11‬ـ‬

‫‪1‬‬
‫(?) مطبوع جمعه د حميد لحمر‪.‬‬
‫(?) حققها ذ محمد الحبيب التجكاني في إطار بحث الدكتوراه بدار الحديث الحسنية سنة‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،1978‬وقد طبعت ط دار اآلفاق الجديدة بالمغرب‪ ،‬ثم طبعت بتحقيق المخمتار بن‬
‫الطاهر النيلي ط دار الغرب سنة ‪.1987‬‬
‫(?) طبع قسم منه ببغداد ح إبراهيم السامرائي (يحقق)‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) بلغني أنه اآلن في طور التحقيق‪ ،‬ونرجو أن يرى النور قريبا‪ ،‬ألن ابن الحاج صحبة‬ ‫‪4‬‬

‫ابن رشد من المعتمدين في النوازل في المذهب المالكي‪ ،‬وممن انتهت إليهم طرق‬
‫الفتوى‪.‬‬
‫(?) شجرة النور ‪.)388( 132‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) المعيار المعرب ‪.8/122 ،4/516‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) المعيار المعرب ‪.6/397‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) شجرة النور ‪.)399( 134‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) فهرسة ابن خير ص‪.253 :‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?) المعجم في أصحاب أبي علي الصدفي ص‪.22 :‬‬ ‫‪10‬‬

‫(?) وقد حققت بإشراف ذ محمد السرار بكلية الشريعة بفاس‪ ،‬ثم طبع ط الرابطة‬ ‫‪11‬‬

‫المحمدية‪.‬‬
‫ــ ‪ 196‬ـ‬
‫‪ 18‬ـ النوازل ألبي الطاهر بن بشير (كان حيا سنة ‪ ،)526‬ذكرها له‬
‫خليل في التوضيح والحطاب في شرح المختصر(‪.)12‬‬
‫‪ 19‬ـ الفتاوي ألبي عبد هللا محمد بن علي بن عمر التميمي المازري‬
‫(ت‪536‬هـ) (‪.)2‬‬
‫‪ 20‬ـ فتاوى ألبي يحيى زكريا بن الحداد المهدوي (ت بعد ‪566‬هـ)‬
‫«فتاوى محررة»(‪.)3‬‬
‫‪ 21‬ـ فتاوى أبي عبد هللا عبد السالم البرجيني (ت بعد ‪606‬هـ) ((له‬
‫فتاوى مشهورة))(‪.)4‬‬
‫‪ 22‬ـ مسائلـ ابن البرذعي محمد بن يحيى بن هشام أبي عبد هللا‬
‫األنصاري الخزرجي (ت‪649‬هـ) ((مسائل في أسفار))(‪.)5‬‬
‫‪ 23‬ـ أجوبة عبد هللا بن علي بن محمد بن إبراهيم األنصاري األوسي‬
‫يعرف بابنـ ستارى (ت‪647‬هـ)‪ ،‬له "أجوبة في مسائل"ـ قال التنبكتيـ نقال‬
‫عن ابن اآلبار‪(( :‬له أجوبة في مسائلـ تدل على نباهتهـ ومتانةـ علمه‪..‬ـ قلت‪:‬‬
‫وله كالم حسن في غايةـ التحقيق نقله عنه ابن فرحون في أوائل التبصرة))‬

‫(‪.)6‬‬
‫‪ 24‬ـ أجوبة أبي الحسن الصغير (ت‪719‬هـ) (‪(( ،)7‬قيدها عنه تالمذتهـ‬
‫وأبرزت تأليفاـ))(‪.)8‬‬
‫ـ جمع أجوبة أبي الحسن الصغير ألبي سالم ابراهيم بن عبد الرحمن‬
‫التسولي التازي عرف بابنـ يحيى (ت‪749‬هـ) (‪.)9‬‬
‫ـ الدر النثير على أجوبة أبي الحسن الصغير ألبي اسحاق ابراهيم بن‬
‫هالل السجلماسي (ت‪903‬هـ) ((كان آية في النظم والنثر ونوازل الفقه))(‪،)10‬‬
‫الدر النثير هو ترتيبـ ألجوبة أبي الحسن الصغير على التبويبـ المتعارف‬
‫في مؤلفات الفقه‪ ،‬وهو معتمد عند المالكية‪.‬ـ‬

‫(? انظر التنبيهـ على مبادئ التوجيه قسم الدراسة ‪.1/86‬‬ ‫‪12‬‬

‫(?) عدة البروق ص‪ ،542‬وقد طبعت بجمع ذ الطاهر المعموري‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) شجرة النور ‪)427( 144‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.168 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.183 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.215‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) طبعت على الحجر بفاس سنة (‪1319‬هـ)‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪215 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.220 :‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.268 :‬‬ ‫‪10‬‬

‫ــ ‪ 197‬ـ‬
‫‪ 25‬ـ الحاوي في الفتاوي البن عبد النور محمد بن محمد أبي عبد هللا‬
‫التونسي الحميري (ت بعد ‪726‬هـ)‪(( ،‬له تأليفـ جمع فيه فتاوى على طريقة‬
‫أحكام ابن سهل سماه‪ :‬الحاوي في الفتاوي))(‪.)1‬‬
‫‪ 26‬ـ نوازل في الفروع إلبراهيم بن محمد القيسي الصفاقسي (ت‬
‫‪743‬هـ) له ((تآليفـ بارعة منها نوازل في الفروع سئل عنها))(‪ ،)2‬منها‬
‫"الروض األريج في مسألة الصهريج"(‪.)3‬‬
‫‪ 27‬ـ فتاوى أحمد بن عيسى البجائيـ(‪.)4‬‬
‫‪ 28‬ـ األسئلة واألجوبة لمحمد بن سعيد بن محمد الرعيني األندلسي‬
‫الفاسي (ت‪778‬هـ) (‪.)5‬‬
‫‪ 29‬ـ فتاوى مجموعة ألبي العباس أحمد بن قاسم بن عبد الرحمان‬
‫شهر بالقباب (ت‪779‬هـ) (‪ ،)6‬نقل بعضها في المعيار(‪ ،)7‬ونقل بعضها‬
‫البرزلي في ديوانه(‪.)8‬‬
‫‪ 30‬ـ األسئلة واألجوبة ألبي عبد هللا محمد بن سعيد الرعيني األندلسي‬
‫الفاسي (ت‪779‬هـ) (‪.)9‬‬
‫‪ 31‬ـ فتاوى ذكر في المعيار جملة منها للحسن بن عطية التجاني‬
‫المكناسي المعروف بالونشريسيـ (ت‪781‬هـ) (‪.)10‬‬
‫‪ 32‬ـ فتاوي مشهورة ألبي سعيد فرج بن قاسم بن لب الغرناطي(ت ‪782‬‬
‫هـ)(‪.)11‬‬
‫‪ 33‬ـ فتاوى ألبي زيد عبد الرحمن بن أحمد الوغيسي البجائي (ت‬
‫‪786‬هـ) (‪(( ،)12‬مشهورة))(‪.)13‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) شجرة النور ص‪ ،206 :‬وهو مخطوط األزهر بعنوان‪ :‬الحاوي جمال من الفتاوي‬
‫عدد ‪.308228‬‬
‫(?) شجرة النور ص‪.209 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.42‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪100‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪459‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) خ‪ .‬الخزانة العامة بالرباط رقم‪1447 :‬د (يحقق)‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪102‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪235 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪.2/122‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪237 :‬‬ ‫‪10‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪ ،231 :‬وذكر لي أنها‪ :‬األجوبة الثمانية‪ ،‬وأنها مخطوطة بالخزانة‬ ‫‪11‬‬

‫العامة بتطوان عدد ‪.331‬‬


‫(?) نيل االبتهاج ص ‪ ،248‬وقد نقل عنه صاحب المعيار جملة منها‪.‬‬ ‫‪12‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪237 :‬‬ ‫‪13‬‬

‫ــ ‪ 198‬ـ‬
‫‪ 34‬ـ فتاوى إبراهيم بن موسى أبي إسحاق الشاطبي (ت‪790‬هـ) (‪ ،)1‬له‬
‫(فتاوى كثيرة) (‪.)2‬‬
‫‪ 35‬ـ فتاوى ألبي علي الحسن بن عثمان بن عطيةالونشريسي (ت بعد‬
‫‪790‬هـ) ((نقل الونشريسي في معياره جملة منها))(‪.)3‬‬
‫‪ 36‬ـ أجوبة علي بن عثمانـ المنجالتيـ الزواوي البجائيـ(‪.)4‬‬
‫‪ 37‬ـ فتاوى ألحمد بن عيسى البجائي (من شيوخ أبي القاسم المشدالي)(‪.) 5‬‬
‫‪ 38‬ـ فتاوى أبي اسحاق ابراهيم بن محمد بن ابراهيم بن عبد هللا‬
‫اليزناسي (ت‪794‬هـ)‪(( ،‬له فتاوى كثيرة‪ ،‬ناظر فيها وحقق))‪(( ،)6‬نقل‬
‫الونشريسي في معياره جملة منها))(‪.)7‬‬
‫‪ 39‬ـ فتاوى ألبي عبد هللا محمد بن علي عرف بابنـ عالق (ت‪806‬هـ)‬
‫((نقل بعضها في المعيار))‪(( ،‬نقل عنه المواق))(‪.)8‬‬
‫‪ 40‬ـ فتاوى ألبي عبد هللا محمد بن علي الغرناطيـ شهر الحفار (ت‬
‫‪811‬هـ) ((نقل بعضها في المعيار))(‪.)9‬‬
‫‪ 41‬ـ أجوبة لخلف بن أبي بكر النحريري (ت‪818‬هـ)‪ ،‬وهي ((أجوبة‬
‫على مسائل النجم بن فهد))(‪.)10‬‬
‫‪ 42‬ـ أجوبة لمحمد بن أحمد بن عثمانـ بن عمر الوانوغي التونسي (ت‬
‫‪819‬هـ)‪ ،‬وهي ((أجوبة على مسائلـ عبد النجم بن فهد))(‪.)11‬‬
‫‪ 43‬ـ فتاوي أبي القاسم محمد بن عبد العزيز التازغدري (ت‪832‬هـ)‬
‫((نقل في المعيار جملة منها وأكثر ابن غازي من النقل عنه في كتبهـ))(‪.)12‬‬
‫‪ 44‬ـ الديوان في الفقه والنوازل‪ ،‬وهو "الحاوي في النوازل"(‪ ،)13‬أو‬
‫"جامع مسائل األحكام لما نزل من القضايا بالمفتين والحكام(‪ ،)14‬ألبي القاسم بن‬
‫(?) شجرة النور ص‪231 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪ ،49‬وقد أورد التنبوكتي بعض فتاويه في كتابه ص ‪ 50‬ـ ‪ 51‬ـ ‪،52‬‬ ‫‪2‬‬

‫وكذا الونشريسي في المعيار‪ ،‬وقد جمعها ذ محمد أبو اإلجفان‪ ،‬وطبعت سنة ‪.1404‬‬
‫(?) شجرة النور ص‪238 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) المعيار المعرب ‪.10/438‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪.1/97‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪.1/40‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪239 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.247 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.247 :‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.174‬‬ ‫‪10‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.486 + 485‬‬ ‫‪11‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.252 :‬‬ ‫‪12‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.245 :‬‬ ‫‪13‬‬

‫(?) وبهذا العنوان طبع ح ذ محمد الحبيب الهيلة ط دار الغرب ‪.1999‬‬ ‫‪14‬‬

‫ــ ‪ 199‬ـ‬
‫أحمد بن محمد المعتل البلوي القيرواني شهر بالبرزلي (ت‪(( ،)1()841‬أحد‬
‫األئمة في المذهب‪ ،‬صاحب الديوان المشهور في الفقه والنوازل من كتب‬
‫المذهب األجلة أجاد فيه ما شاء))(‪(( ،)2‬صاحب الفتاوى المتداولة وهي في‬
‫مجلدين))(‪.)3‬‬
‫‪ 45‬ـ فتاوي كثيرة في فنون من العلم ألبي القاسم بن أحمد البرزلي (ت‬
‫‪.)4( )841‬‬
‫‪ 46‬ـ نوازل ابن زاغو أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المغراوي‬
‫التلمساني (ت‪845‬هـ) (‪.)5‬‬
‫‪ 47‬ـ جملة من الفتاوي ألبي حفص عمر بن الشيخ محمد القلشاني(ت‬
‫‪848‬هـ) نقلها عنه المازوني والونشريسي(‪.)6‬‬
‫‪ 48‬ـ فتاوى كثيرة نقل الونشريسي في معياره جملة منها‪.‬ـ ألبي القاسم‬
‫محمد بن محمد بن سراج الغرناطي قاضي الجماعة (ت‪848‬هـ)(‪.)7‬‬
‫‪ 49‬ـ فتاوى ألبي محمد عبد هللا محمد بن موسى العبدوسي الفاسي‬
‫(ت‪849‬هـ)‪(( ،‬فتاوى كثيرة نقل عنها في المعيار))(‪.)8‬‬
‫‪ 50‬ـ "أجوبة مفيدة" ألبي عبد هللا محمد بن ابراهيم بن عقاب (ت‬
‫‪851‬هـ) (‪.)9‬‬
‫‪ 51‬ـ فتاوى ألبي عبد هللا بن علي عرف بابن االزرق (ت‪859‬هـ)‪،‬‬
‫((منقول بعضها في المعيار))(‪.)10‬‬
‫‪ 52‬ـ فتاوي ألبي عبد هللا محمد بن أبي القاسم المشدالي (ت‪866‬هـ)‪،‬‬
‫((نقلت في المعيار والمازونية))(‪.)11‬‬
‫‪ 53‬ـ فتاوى أبي إسحاق إبراهيم بن فتوح العقيلي (ت‪867‬هـ) ((بعضها‬
‫في المعيار))(‪.)12‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪ ،2/17‬قال في شجرة النور‪(( :‬توفي سنة ‪ 841‬أو ‪ 843‬أو ‪ ،844‬وعمره‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 103‬سنين)) ص‪.245 :‬‬


‫(?) نيل االبتهاج ‪ ،2/17‬وهي المشهورة بنوازل البرزلي‪ ،‬وقد طبعت‪ ،‬ط دار الغرب‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) توشيح الديباج ص‪.258 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.245 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) مخطوط الخزانة الناصرية‪ ،‬رقم ‪( 1525‬يحقق)‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.236 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪ ،248 :‬وقد طبعت باعتناء ذ أبو األجفان ~‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪ ،255 :‬وهو مخطوط الخزانة الناصرية‪ ،‬رقم‪( .853 :‬يحقق)‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.246 :‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.262 :‬‬ ‫‪10‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.263 :‬‬ ‫‪11‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.261 :‬‬ ‫‪12‬‬

‫ــ ‪ 200‬ـ‬
‫‪ 54‬ـ فتاوى كثيرة ألبي عبد هللا محمد بن العباس العبادي شهر بابن‬
‫عباس (ت‪871‬هـ)‪(( ،‬بعضها في المازونية والمعيار))(‪.)1‬‬
‫‪ 55‬ـ أجوبة القَوري‪ ،‬محمد بن قاسم اللخمي الفاسي (ت‪872‬هـ)(‪.)2‬‬
‫‪ 56‬ـ فتاوى ألبي عبد هللا محمد بن محمد بن عيسى العقدي الزنديوي‬
‫(ت‪874‬هـ) ((منقولة في المازونية))(‪.)3‬‬
‫‪ 57‬ـ فتاوي ألبي عبد هللا محمد بن أحمد بن عيسى عرف بالجالب‬
‫(ت‪875‬هـ) ((نقل الونشريسي والمازوني بعضها))(‪.)4‬‬
‫‪ 58‬ـ فتاوي ألبي سالم ابراهيم بن أبي الفضل العقباني (ت‪880‬هـ)‬
‫((نقل بعضها المازوني))(‪.)5‬‬
‫‪ 59‬ـ نوازل مازونة(‪ )6‬ألبي زكرياء يحيى بن أبي عمران موسى بن‬
‫عيسى المازوني (ت‪883‬هـ)‪ ،‬وهي "النوازل المشهورة بالمازونية"‪ ،‬وتسمى‬
‫الدرر المكنونة في نوازل مازونة‪ ،‬قال التنبوكتي‪(( :‬ألف نوازله المشهورة‬
‫المفيدة في فتاوى المتأخرين‪ ،‬أهل تونس وبجاية والجزائر وتلمسان وغرهم في‬
‫سفرين))(‪(( ،)7‬المشهور بها فتاوي المتأخرين من علماء تونس وبجاية وتلمسان‬
‫والجزائر وغيرهم ومنه استمد الونشريسي مع نوازل البرزلي وغيرها))(‪.)8‬‬
‫ومن الذين لهم فتاوى في نوازل مازونة‬
‫ـ عبد الحق علي قاضي الجزائر(‪.)9‬‬
‫ـ بركات البراني أبي الخير (معاصر ألبي حمد سلطان تلمسان) (‪.)10‬‬
‫ـ إبراهيم بن عبد الرحمن بن اإلمام التلمساني نزيل فاس (ت‪797‬هـ)‪،‬‬
‫((له علوم جمة وفتاوى نقل منها المازوني ثم الونشريسي في نوازلهما))(‪.)11‬‬
‫ـ محمد أبو عبد هللا القاضي التلمساني يعرف بحمو الشريف (ت‪833‬هـ)‬
‫(‪.)12‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.264 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) مخطوط الخزانة الحسنية بالرباط‪ ،‬رقم‪( .10247 :‬يحقق)‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.259 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.264 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.265 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) مخطوط الخزانة العامة بالرباط‪ ،‬رقم‪883 :‬د (يحقق)‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.637‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.265 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.281‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.147‬‬ ‫‪10‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.54‬‬ ‫‪11‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪ ،493‬شجرة النور ص‪.252 :‬‬ ‫‪12‬‬

‫ــ ‪ 201‬ـ‬
‫محمد بن أحمد بن محمد بن مرزوق الحفيد العجيسي التلمساني (ت ‪842‬هـ)‬
‫(‪.) 1‬‬
‫ـ علي بن عثمان المنجالتي الزواوي البجائي(‪.)2‬‬
‫ـ أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الشهير بابن زاغو (ت‪845‬هـ)(‪.)3‬‬
‫ـ عمر بن محمد بن عبد هللا الباجي التونسي القلشاني (ت‪848‬هـ) (‪.)4‬‬
‫ـ منصور بن علي بن عثمان الزواوي المنجالتي البجائي (كان حيا في ‪850‬‬
‫)(‪.) 5‬‬
‫ـ أحمد بن محمد الجزائري (من طبقة قاسم العقباني) (‪.)6‬‬
‫ـ محمد بن أبي القاسم بن محمد بن عبد الصمد المش َّدالي (ت ‪866‬هـ)(‪.) 7‬‬
‫علي بن محمد الحلبي الجزائري(‪.)8‬‬
‫ـ محمد بن العباس بن محمد بن عيسى العبادي شهر بابن العباس‬
‫التلمساني (ت‪871‬هـ) (‪.)9‬‬
‫ـ محمد بن أحمد بن عيسى المغيلي شهر بالجالب التلمساني التونسي ( ‪)875‬‬
‫(‪.) 10‬‬
‫ـ إبراهيم بن قاسم بن سعيد بن محمد العقباني التلمساني (ت‪880‬هـ)(‪.)11‬‬
‫ـ محمد بن محمد بن عيسى العقوي الزلديوي التونسي (ت‪882‬هـ)(‪.)12‬‬
‫ـ محمد بن عمر ابن محمد بن عبد هللا القلشاني التونسي (ت‪890‬هـ)(‪.)13‬‬
‫ـ عيسى بن أحمد الهنديسي (كان حيا في ‪.)14()890‬‬
‫ـ محمد بن محمد بن أحمد بن الخطيب عرف بالكفيف (ت ‪901‬هـ)(‪.)15‬‬
‫‪ 60‬ـ فتاوى ألبي عبد هللا محمد بن عمر القلشاني (ت‪890‬هـ)((منقول‬
‫بعضها في المعيار والمازونيةـ))(‪.)16‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.507‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.332‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.119‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.306‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.613‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.121‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.539‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.335‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.547‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.552‬‬ ‫‪10‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.65‬‬ ‫‪11‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.541‬‬ ‫‪12‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.559‬‬ ‫‪13‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.299‬‬ ‫‪14‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.575‬‬ ‫‪15‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.259 :‬‬ ‫‪16‬‬

‫ــ ‪ 202‬ـ‬
‫‪ 61‬ـ فتاوى ألبي عبد هللا محمد بن قاسم الرصاع األنصاري (ت‬
‫‪894‬هـ) ((بعضها في المعيار والمازونية))(‪.)1‬‬
‫‪ 62‬ـ فتاوي ألبي عبد هللا محمد بن يوسف الحسني السنوسي (ت‬
‫‪895‬هـ) ((بعضها في المعيار))(‪.)2‬‬
‫‪ 63‬ـ نوازل في الفقه لحسن بن علي الرجراجي الشوشاوي (ت‪899‬هـ)‬
‫(‪.)3‬‬
‫‪ 64‬ـ فتاوي كثيرة منقولة في المعيار ألبي العباس أحمد بن محمد بن‬
‫زكري التلمساني (ت‪899‬هـ) (‪.)4‬‬
‫‪ 65‬ـ نوازل وفتاوى مشهورة ألبي اسحاق إبراهيم بن هالل بن علي‬
‫الفياللي الصنهاجي السجلماسي (ت‪903‬هـ)(‪ ،)5‬و((كان آية في النظم والنثر‬
‫ونوازل الفقه))(‪ ،)6‬رتبها تلميذه أبو القاسم بن أحمد بن علي (ت‪901‬هـ)‪،‬‬
‫وجمعها علي بن أحمد الجزولي (ت‪1049‬هــ) (‪.)7‬‬
‫‪ 66‬ـ فتاوى ألبي عبد هللا المغيلي محمد بن عبد الكريم التلمساني (ت‬
‫‪909‬هـ)‪(( ،‬مذكورة في المعيار))(‪.)8‬‬
‫‪ 67‬ـ فتاوى أبي عبد هللا محمد بن أبي العيش الخزرجي التلمسانيـ (ت‬
‫‪911‬هـ) ((بعضها في المعيار))(‪.)9‬‬
‫‪ 68‬ـ أجوبة عن أسئلة وردت إليه ألحمد بن يحيى بن محمد بن عبد‬
‫الواحد أبي العباس التلمساني الونشريسي (ت‪914‬هـ) (‪.)10‬‬
‫‪ 69‬ـ المعيار المعرب عن فتاوى علماء إفريقياـ واألندلس والمغرب‬
‫ألحمد بن يحيى بن محمد بن عبد الواحد أبي العباس التلمسانيـ الونشريسي‬
‫(ت‪914‬هـ)‪(( ،‬ألف المعيار في اثني عشر مجلدا جمع فأوعى وأتى على‬

‫(?) شجرة النور ص‪.260 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.266 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪.1/177‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.267 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.67‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.268 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) طبعت على الحجر بفاس (يحقق)‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.274 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.274 :‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?) مخطوط الخزانة العامة بالرباط (ك‪ )684‬في ‪ 175‬صفحة‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫ــ ‪ 203‬ـ‬
‫كثير من فتاوى المتقدمينـ والمتأخرين))(‪(( ،)1‬في ستة أسفار جمع فأوعى‪،‬‬
‫وحصل فوعى))(‪.)2‬‬
‫قـاـلـ اـلـتـنـبـوـكـتـيـ‪:‬ـ (ـ(ـوـبـخـزـاـنـةـ هـذـاـ اـلـرـجـلـ (ـأـيـ مـحـمـدـ بـنـ اـلـغـرـدـيـسـ‬
‫اـلـتـغـلـبـيـ اـلـقـاـضـيـ بـفـاـسـ وـتـلـمـيـذـ اـلـوـنـشـرـيـسـيـ)ـ اـنـتـفـعـ اـلـوـنـشـرـيـسـيـ‪،‬ـ وـقـدـ‬
‫اـحـتـوـتـ عـلـىـ تـصـاـنـيـفـ فـنـوـنـ اـلـعـلـمـ‪،‬ـ وـبـهـاـ اـسـتـعـاـنـ فـيـ تـصـنـيـفـ كـتـاـبـهـ‬
‫اـلـمـعـيـاـرـ‪،‬ـ سـيـمـاـ فـتـاـوـىـ فـاـسـ وـاـألـنـدـلـسـ‪،‬ـ فـإـنـهـ تـيـسـرـتـ لـهـ مـنـ هـذـهـ اـلـخـزـاـنـةـ‪.‬ـ‪.‬ـ‬
‫قـلـتـ‪:‬ـ أـمـاـ فـتـاـوـىـ إـفـرـيـقـيـةـ وـتـلـمـسـاـنـ فـاـعـتـمـدـ فـيـ ذـلـكـ عـلـىـ نـوـاـزـلـ اـلـبـرـزـلـيـ‬
‫وـاـلـمـاـزـوـنـيـ فـيـمـاـ يـظـهـرـ لـمـنـ طـاـلـعـهـاـ)ـ)ـ‪.‬ـ‬
‫ومن الفقهاء الذين ذكر لهم فتاوى في المعيار‬
‫(‪) 3‬‬
‫ـ إبراهيم بن عبد هللا بن زيد بن أبي الخير اليزناسني (ت بعد ‪745‬هـ) ‪.‬‬
‫ـ محمد بن محمد بن غالب(‪ ،)4‬عمران بن موسى البجائيـ المش َّدالي أبو‬
‫موسى (ت‪745‬هـ) (‪.)5‬‬
‫ـ مصباح بن عبد هللا الياصلوتي (ت‪750‬هـ)(‪.)6‬‬
‫ـ عبد الحق بن علي قاضي الجزائر(‪ ،)7‬عبد النور بن محمد بن أحمد‬
‫الشريف العمراني الفاسي (مولده ‪.)8( )685‬‬
‫ـ بركات البروني الجزائري أبو الخير(‪.)9‬‬
‫ـ عبد هللا بن محمد بن أحمد الشريف التلمسانيـ الحسني (ت‪772‬هـ)(‪.)10‬‬
‫ـ عبد هللا الوانغيلي الضرير أبو محمد (ت‪776‬هـ) (‪.)11‬‬
‫ـ محمد بن عبد المومن (من طبقةـ العبدوسي) (‪.)12‬‬
‫ـ أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن شهر بالقبابـ (ت‪779‬هـ)(‪.)13‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.275 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪ ،135‬وطبع الكتاب عدة مرات أولها عام ‪1314‬هـ على الحجر‬ ‫‪2‬‬

‫بفاس ثم طبع أخيرا بدار الغرب اإلسالمي باعتناء ذ محمد حجي وجماعة من العلماء في‬
‫‪ 13‬مجلدا خصص األخير منها للفهارس‪.‬‬
‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.40‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.406‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.352‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.609‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.281‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.286‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.147‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.228‬‬ ‫‪10‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.223‬‬ ‫‪11‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.456‬‬ ‫‪12‬‬

‫ــ ‪ 204‬ـ‬
‫ـ الحسن بن عثمانـ بن عطيةـ (ت‪781‬هـ)(‪.)14‬‬
‫ـ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن عبد هللا اليزناسني (ت‪794‬هـ)(‪.)2‬‬
‫ـ إبراهيم بن الرحمن بن اإلمام التلمساني (ت‪797‬هـ)(‪.)3‬‬
‫ـ محمد بن علي بن قاسم بن علي بن عالق األموي األندلسي الغرناطيـ‬
‫(ت‪806‬هـ)(‪.)4‬‬
‫ـ محمد بن علي بن محمد األنصاري شهر بالحفار (ت‪811‬هـ)‪ ،‬محمد‬
‫بن عبد العزيز التازغدري (ت‪832‬هـ) (‪.)5‬‬
‫ـ أحمد بن محمد الهنتانيـ أبو العباس (ت‪833‬هـ) (‪.)6‬‬
‫ـ محمد بن أحمد الحفصي (ت‪839‬هـ) (‪.)7‬‬
‫ـ محمد بن أحمد بن محمد بن مرزوق الحفيد العجيسي التلمساني (ت ‪84‬هـ)‬
‫(‪.) 8‬‬
‫ـ علي بن موسى بن عبد هللا اللخمي البسطي عرف بالقرباقي (ت ‪844‬هـ)(‪.) 9‬‬
‫ـ أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الشهير بابنـ زاغو (ت‪845‬هـ)(‪.)10‬‬
‫ـ محمد بن محمد بن سراج أبو القاسم األندلسي الغرناطي (ت ‪848‬هـ)(‪.) 11‬‬
‫ـ عمر بن محمد بن عبد هللا الباجي التونسي عرف بالقلشاني (ت ‪848‬هـ)(‪.) 12‬‬
‫ـ عبد هللا بن محمد بن موسى بن بن معطي العبدوسي (ت‪849‬هـ)(‪.)13‬‬
‫ـ منصور بن علي بن عثمان الزواوي المنجالتي البجائي (ت بعد ‪850‬هـ)(‪.) 14‬‬
‫ـ محمد بن يوسف الصناع األندلسي الغرناطي(‪.)15‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪ ،102‬وله فتاوى مجموعة‪ ،‬وهو أول من نقل عنه الونشريسي في‬ ‫‪13‬‬

‫المعيار‪.‬‬
‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.159‬‬ ‫‪14‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.53‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.54‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.477‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.494‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.111‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.525‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.507‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.334‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.119‬‬ ‫‪10‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.526‬‬ ‫‪11‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.306‬‬ ‫‪12‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.232‬‬ ‫‪13‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.613‬‬ ‫‪14‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.527‬‬ ‫‪15‬‬

‫ــ ‪ 205‬ـ‬
‫ـ أحمد بن محمد ذاقال الجزائري (من طبقة قاسم العقباني)(‪.)16‬‬
‫ـ محمد بن محمد (خمسا) بن عاصم القيسي الغرناطي (ت‪857‬هـ)(‪.)2‬‬
‫ـ عبد هللا بن أحمد البقني أبو الفرج الغرناطيـ (كان حيا في ‪860‬هـ)(‪.)3‬‬
‫محمد بن أبي القاسم بن محمد بن عبد الصمد المش َّدالي (ت ‪866‬هـ)(‪.) 4‬‬
‫ـ إبراهيم بن محمد بن فتوح العقيلي األندلسي يعرف بابن فتوح (ت ‪867‬هـ)(‪.) 5‬‬
‫ـ علي بن محمد الحلبي الجزائري(‪.)6‬‬
‫ـ محمد بن العباس بن محمد بن عيسى العبادي شهر بابنـ العباس‬
‫التلمساني (ت‪871‬هـ)(‪.)7‬‬
‫ـ محمد بن أحمد بن عيسى المغيلي شهر بالجالب التلمساني (ت ‪875‬هـ)(‪.) 8‬‬
‫ـ إبراهيم بن قاسم بن سعد بن محمد العقباني التلمساني (ت ‪880‬هـ)(‪.) 9‬‬
‫ـ محمد بن محمد بن عيسى العقوي الزلديوي التونسي (ت‪882‬هـ)(‪.)10‬‬
‫ـ محمد بن محمد (أربعا) بن منظور األندلسي الغرناطيـ أبو عمرو‬
‫(كان حيا في ‪887‬هـ)(‪.)11‬‬
‫ـ محمد الجعدالة األندلسي المالقي (كان حيا في ‪.)12()880‬‬
‫ـ محمد الفخار الغرناطي (كان حيا في ‪880‬هـ)‪.‬‬
‫ـ محمد الذبح الغرناطيـ (كان حيا في‪.)880‬‬
‫ـ محمد بن سيد بونة الغرناطي (كان حيا في‪.)880‬‬
‫(‪)13‬‬
‫ـ محمد بن عمر بن محمد بن عبد هللا القلشاني التونسي (ت‪890‬هـ) ‪.‬‬
‫ـ عيسى بن أحمد بن مهدي الماواسي البوطي الفاسي (ت‪896‬هـ) (‪.)14‬‬
‫ـ أحمد بن محمد بن زكري المانوي التلمسانيـ (ت‪899‬هـ)(‪.)15‬‬
‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.121‬‬ ‫‪16‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.537‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.233‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.539‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.59‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.335‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.547‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.552‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.65‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.541‬‬ ‫‪10‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.558‬‬ ‫‪11‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.563‬‬ ‫‪12‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.559‬‬ ‫‪13‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.299‬‬ ‫‪14‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.130‬‬ ‫‪15‬‬

‫ــ ‪ 206‬ـ‬
‫ـ محمد بن عبد الجليل التنسي التلمساني (ت‪899‬هـ)(‪.)1‬‬
‫ـ محمد بن أبي العيش الخزرجي التلمساني أبو عبد هللا (ت‪911‬هـ) (‪.)2‬‬
‫ـ عمر بن عبد الرحمن بن يوسف الكزنائيـ الفاسي (كان في‪.)3( )911‬‬
‫‪ 70‬ـ نوازل الجزولي‪ ،‬الحسن بن عثمان التملي السوسي (ت ‪932‬هـ)‬
‫(يحقق)‪.‬‬
‫‪ 71‬ـ فتاوى لعبد الواحد بن أحمد بن يحيى بن علي الونشريسي (ت‬
‫‪955‬هـ)(‪ )4‬قال التنبوكتي‪(( :‬وفتاويه محررة محققة))(‪.)5‬‬
‫‪ 72‬ـ فتاوى لعمر بن بن محمد الكماد األنصاري القسنطيني (ت‪960‬هـ)‬
‫قال التنبوكتيـ‪(( :‬أبدع فيها ما شاء‪ ،‬سأله عن بعضها الفقيه الكبير المحقق‬
‫الصالح أبو زكريا يحيى بن عمر الزواوي))(‪.)6‬‬
‫‪ 73‬ـ نوازل أحمد بن زكرياء البعقيلي السوسي (ت‪969‬هـ) (يحقق)‪.‬‬
‫‪ 74‬ـ أجوبة التمنارتي‪ ،‬محمد بن إبراهيم الشيخ اللكوسي السوسي (ت‬
‫‪971‬هـ) (يحقق)‪.‬‬
‫‪ 75‬ـ أجوبة ابن عرضون أحمد بن الحسن بن يوسف الزجلي‬
‫الشفشاوني (ت‪992‬هـ) (يحقق)‪.‬‬
‫‪ 76‬ـ أسئلة وأجوبة‪ ،‬ومسائل من األجوبة الحسان‪ ،‬لسعيد بن علي بن‬
‫مسعود السوسي (ت‪1001‬هـ)(‪( )7‬يحقق)‪.‬‬
‫‪ 77‬ـ فتاوى ألبي عبد هللا محمد بن محمود بن أبي بكر النكري التنبكتيـ‬
‫المعروف ببُغبُعـ (ت‪1002‬هـ) (‪(( ،)8‬فتاوى كثيرة))(‪.)9‬‬
‫‪ 78‬ـ نوازل العباسي‪،‬ـ سعيد بن عبد هللا بن إبراهيم السماللي السوسي‬
‫(ت‪1007‬هـ) (‪( )10‬يحقق)‪.‬‬
‫‪ 79‬ـ أجوبة على نوازل في الفقه سئل عنها ألبي الفضل قاسم بن‬
‫(‪)11‬‬
‫زروق (ت بعد‪1009‬هـ)‪(( ،‬في نحو ثالثينـ مجلدا‪ ،‬محررة مع إطناب)) ‪.‬‬
‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.573‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.579‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.307‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪ 282 :‬ـ ‪.283‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.289‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.308‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) طبعت رسائل اليوسي بتحقيق ذة فاطمة خليل القبلي‪ ،‬وضمنها رسائل في الفقه وهي‬ ‫‪7‬‬

‫أجوبته على مسائل ونوازل‪ ،‬وهي من ‪ 2/523‬إلى ‪.2/587‬‬


‫(?) نيل االبتهاج ص ‪603‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.287 :‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?) خ‪ .‬الخزانة العامة بالرباط‪ ،‬رقم‪1079 :‬د‬ ‫‪10‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.292 :‬‬ ‫‪11‬‬

‫ــ ‪ 207‬ـ‬
‫‪ 80‬ـ األجوبة‪ ،‬للعربي بن يوسف الفاسي (ت‪1052‬هـ) (‪(.)1‬يحقق)‬
‫‪ 81‬ـ الجواهر المختارة فيما وقفت عليه من النوازل بجبالـ غمارة لعبد‬
‫العزيز بن الحسن الزياتيـ الغماري (ت‪1055‬هـ)‪ ،‬جمع فيه ما وقف عليه من‬
‫فتاوى الفقهاء المتأخرين من أهل فاس وغيرهم‪ ،‬وأضاف إليه من نوازل‬
‫الونشريسي ومن غيرها(‪( )2‬يحقق)‪.‬‬
‫‪ 82‬ـ النوازل البرجية‪ ،‬لعبد العزيز بن أبي بكر الرسموكي السوسي‬
‫(ت‪1065‬هــ)‪ .‬وهي تضم إلى الفتاوى مناقشاتـ فقهية بين القاضي البرجي‬
‫والفقهاء بسوس ومراكش (يحقق)‪.‬‬
‫‪ 83‬ـ تاج المجاميع في الفتاوى‪ ،‬لتاج الدين بن أحمد بن بن إبراهيم‬
‫المكي المعروف بابنـ يعقول (ت‪1066‬هـ) ((له‪ ..‬فتاوى نفيسةـ جمعها ولده‪..‬‬
‫في مجموع سماه تاج المجاميع))(‪.)3‬‬
‫‪ 84‬ـ فتاوى "حسنة" لحمدون بن محمد بن موسى (ت‪1071‬هـ)(‪.)4‬‬
‫‪ 85‬ـ األجوبة الناصرية في بعض مسائلـ البادية‪،‬ـ ألبي عبد هللا محمد‬
‫بن محمد بن أحمد بن ناصر الدين الدرعي (ت‪1085‬هـ)‪ ،‬جمعها تلميذه محمد‬
‫ابن أبي القاسم الصنهاجي‪ ،‬وأكثر مسائلهاـ تدور حول الباديةـ‪ ،‬وهي تحتوي‬
‫على مسائل في الفقه والتوحيد والتصوف(‪( )5‬يحقق)‪.‬‬
‫‪ 86‬ـ ((فتاوى مشهورة في الفقه منقول بعضها في نوازل الشيخ المهدي‬
‫الوزاني))(‪.) 6‬‬
‫‪ 87‬ـ أجوبة لعبد القادر بن علي بن أبي المحاسن الفاسي أبي محمد (ت‬
‫‪1091‬هـ) ((ومع غزارة علمه لم يتصدر لتأليفـ خاص‪ ،‬وإنما تصدر منه‬
‫أجوبة عن مسائل سئل عنها جمعها بعض أصحابه في مجلد))(‪ .)7‬والمذكور‬
‫لعبد القادر الفاسي األجوبة الكبرى والصغرى‪.‬‬
‫‪ 88‬ـ ((أجوبة على أسئلة رفعت إليه)) لعبد الباقي بن يوسف بن أحمد‬
‫الزرقاني أبي محمد (ت‪1099‬هـ) (‪.)8‬‬
‫‪ 89‬ـ نوازل المجاصي أبي عبد هللا محمد بن الحسن المغراوي الفاسي‬
‫(ت‪1103‬هـ)‪ ،‬قاضي الجماعة بفاس ومكناس(‪( )9‬يحقق)‪.‬‬

‫(?) مخطوط الخزانة الحمزية بالراشدية جنوب المغرب عدد ‪.1260‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) خ‪ .‬الخزانة العامة بتطوان‪ ،‬رقم‪.12/913 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.302 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.309 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) خ الخزانة العامة بالرباط‪ ،‬بعد ‪ ،1250‬وقد طبعت على الحجر بفاس عام ‪1319‬هــ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.313 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪ ،351 :‬منها نسخة بالخزانة الحسنية بالرباط‪ ،‬عدد ‪ ،4417‬وقد طبعت على‬ ‫‪7‬‬

‫الحجر بفاس‪.‬‬
‫(?) شجرة النور ص‪.304 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) منها نسخة بالخزانة الملكية بالرباط رقم‪ ،3310 :‬وقد طبعت على الحجر بفاس‪.‬‬ ‫‪9‬‬

‫ــ ‪ 208‬ـ‬
‫‪ 90‬ـ نوازل العلمي علي بن عيسى الحسني الشفشاوني (ت‪1127‬هــ)‪،‬‬
‫قاضي شفشاون وابن قاضيها‪ ،‬جمع فيها أجوبتهـ وأجوبة بعض معاصريه‬
‫ومن سبقهم من فقهاء شمال المغرب(‪.)1‬‬
‫‪ 91‬ـ األجوبة ألحمد بن محمد بن ناصر الدرعي أبي العباس (ت ‪1129‬هـ)‬
‫(‪.) 2‬‬
‫‪ 92‬ـ نوازل محمد بن علي المنبهي (ت‪1133‬هـ)‪ ،‬جمعها تلميذه علي بن‬
‫القاسم بن أحمد البوسعيدي(‪( )3‬يحقق)‪.‬‬
‫‪ 93‬ـ أجوبة بُر ُدلّه محمد العربي بن أحمد األندلسي الفاسي (ت‬
‫‪1133‬هـ)‪ ،‬جمعها له تلميذه أحمد بن محمد الخياط بن إبراهيم الدكالي‬
‫الفاسي(‪( .)4‬يحقق)‬
‫‪ 94‬ـ أجوبة لمحمد بن أحمد أبي عبد هللا المسناوي الدالئي (ت‪1136‬هـ)‬
‫((كثيرة وتقاييد مفيدة في أنواع مختلفة‪ ،‬لو جمعت لكانتـ مجلدا))(‪ ،)5‬جمعها‬
‫أحمد بن محمد الدكالي(‪.)6‬‬
‫‪ 95‬ـ فتاوى كثيرة ألحمد بن محمد أبي العباس الشدادي (ت ‪1146‬هـ)(‪.)7‬‬
‫‪ 96‬ـ نوازل الورزازي محمد بن محمد الدليمي الورزازي (ت‬
‫‪1166‬هـ)‪ .‬بوبها على أبواب الفقه(‪( .)8‬يحقق)‬
‫‪ 97‬ـ النوازل لعلي بن علي أبي الحسن الشريف العلمي (تلميذ عبد‬
‫القادر الفاسي)(‪.)9‬‬
‫‪ 98‬ـ مواهب ذي الجالل في نوازل البالد السائبة والجبال لمحمد بن‬
‫عبد الله بن عبد الرحمن السكتانيـ الكيكي (ت‪1185‬هـ)(‪( .)10‬يحقق)‪.‬‬
‫‪ 99‬ـ عنوان الشرعة وبرهان الرفعة في تذييل أجوبة فقيه درعة‪،‬‬
‫لمحمد بن عبد هللا بن عبد الرحمن السكتانيـ الكيكي (ت‪1185‬هـ) (يحقق)‪.‬ـ‬
‫(‪) 11‬‬
‫‪ 100‬ـ فتاوى ألبي محمد عبد اللطيف بن محمود الطوير (ت ‪1199‬هـ) ‪.‬‬
‫(?) طبعت أوالً على الحجر بفاس في جزأين سنة (‪1332‬هــ)‪ ،‬ثم أعادت وزارة األوقاف‬ ‫‪1‬‬

‫والشؤون اإلسالمية بالمغرب طبعها سنة (‪1403‬هـ)‪ ،‬بتحقيق المجلس العلمي بفاس‪.‬‬
‫(?) شجرة النور ص‪.332 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) مخطوط بالخزانة الحسنية بالرباط‪ ،‬رقم‪.4500 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) طبعت على الحجر بفاس سنة‪.1344‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.333 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) طبعت على الحجر بفاس سنة (‪1345‬هـ)‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.336 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) خ الخزانة العامة بالرباط عدد ‪.1847‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.336 :‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?) حققها ذ أحمد التوفيق‪ ،‬ونشرت في بيروت سنة ‪.1997‬‬ ‫‪10‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.350 :‬‬ ‫‪11‬‬

‫ــ ‪ 209‬ـ‬
‫‪ 101‬ـ تقاييدـ وأجوبة ألحمد بن مبارك بن محمد أبي العباس‬
‫السجلماسي البكري (ت‪1155‬هـ)(‪.)1‬‬
‫‪ 102‬ـ أجوبة أبي عبد هللا محمد بن الحسين الورزازي (ت‪1174‬هـ)(‪.)2‬‬
‫‪ 103‬ـ نوازل ابن سودة‪ ،‬محمد التاودي بن الطالب المري الفاسي (ت‬
‫‪1209‬هــ)‪ ،‬شيخ الجماعة بفاس‪ ،‬جمعها له ولده القاضي أحمد بن سودة(‪.)3‬‬
‫(يحقق)‬
‫‪ 104‬ـ فتاوى لحسن بن عبد الكبير أبي محمد الشريف التونسي (ت‬
‫‪1234‬هـ)(‪.)4‬‬
‫‪ 105‬ـ فتاوى عبد الرحمن الحائك أبي زيد التطاوني (ت بعد‪1220‬هـ)‬
‫((له فتاوى محررة غاية في التحرير جمعها تلميذه المأمون المذكور بعضها‬
‫منقول في نوازل الشيخ المهدي الوزاني))(‪.)5‬‬
‫‪ 106‬ـ نوازل عبد هللا العلوي الشنقيطي (ت‪1230‬هـ) صاحب نشر‬
‫البنود (يحقق)‪.‬‬
‫‪ 107‬ـ ثالثمائة سؤال وجواب‪ ،‬لمحمد بن محمد الدكالي الفاسي (ت‬
‫‪1241‬هـ)(‪( )6‬يحقق)‪.‬‬
‫‪ 108‬ـ أجوبة التسولي علي بن عبد السالم المدعو مديدش (ت‪1258‬هـ)‬
‫قاضي الجماعة بفاس(‪.)7‬‬
‫‪ 109‬ـ فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم وتلميذه مديدش أبي الحسن علي‬
‫بن عبد السالم التسولي (ت‪1258‬هـ) ((فجاء في مجلدات))(‪.)8‬‬
‫‪ 110‬ـ رسائل وأجوبة عن مسائلـ علمية‪،‬ـ في تسع مجلدات إلبراهيم بن‬
‫عبد القادر الرياحي أبي إسحاق (ت‪126‬هـ)(‪.)9‬‬
‫‪ 111‬ـ فتاوى محررة لمحمد البنا أبي عبد هللا التونسي (ت‪1283‬هـ)(‪.)10‬‬
‫‪ 112‬ـ فتاوى ألحمد بن حسين أبي العباس الغماري (ت‪1285‬هـ)(‪.)11‬‬
‫(?) شجرة النور ص‪.352 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) مخطوط الخزانة العامة بالرباط د ‪.2655‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) طبعت على الحجر بفاس‪ ،‬ثم طبعت مع النوازل الصغرى لعبد القادر الفاسي‪ ،‬على‬ ‫‪3‬‬

‫الحجر بفاس عام ‪.1301‬‬


‫(?) شجرة النور ص‪367 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.375 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) خ المسجد األعظم بتازة‪ ،‬رقم‪.428 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) طبعت على الحجر بفاس‪.‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.397 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.288 :‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪392 :‬‬ ‫‪10‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.393 :‬‬ ‫‪11‬‬

‫ــ ‪ 210‬ـ‬
‫‪ 113‬ـ فـتـاـوـىـ لـمـحـمـدـ بـنـ أـحـمـدـ أـبـيـ عـبـدـ هللاـ عـلـيـشـ اـلـمـصرـيـ (ـتـ‬
‫‪1299‬هــ)ـ (ـ(ـفـيـ مـجـلـدـيـنـ)ـ)ـ(ـ‪،)1‬ـ وـهـيـ اـلـمـسـمـاـةـ فـتـحـ اـلـعـلـيـ اـلـمـاـلـكـ فـيـ اـلـفـتـوىـ عـلـىـ‬
‫مـذـهـبـ مـاـلـكـ(‪)2‬ـ‪.‬ـ‬
‫‪ 114‬ـ فتاوى ورسائل ((محررة منها رسالة في المحاباة)) لمحمد‬
‫الشاذلي بن عثمان بن صالح أبي عبد هللا (ت‪1308‬هـ)(‪.)3‬‬
‫‪ 115‬ـ مجموع الفتاوى ((نحو ثمانية مجلدات)) لمحمد بن عثمانـ النجار‬
‫أبي عبد هللا (ت‪1331‬هـ) (‪.)4‬‬
‫‪ 116‬ـ اختصار أجوبة الشيخ عظوم ألبي عبد هللا بن حمودة جعيط (ت ‪1337‬‬
‫هـ)(‪.) 5‬‬
‫‪ 117‬ـ النوازل الصغرى أو المنح الساميةـ في النوازل الفقهية‪ ،‬ألبي‬
‫عيسى محمد المهدي بن محمد الوزاني العمراني الحسني الفاسي (ت‬
‫‪1342‬هـ)‪ ،‬جمع فيها فتاويه‪،‬ـ وأضاف إليها فتاوى غيره من معاصريه‬
‫وشيوخه وبعض من تقدمهم(‪.)6‬‬
‫‪ 118‬ـ اـلـنـوـاـزـلـ اـلـجـدـيـدـةـ اـلـكـبـرـىـ فـيـ أـجوـبـةـ أـهـلـ فـاـسـ وـغـيـرـهـمـ مـنـ‬
‫اـلـبـدـوـ وـاـلـقـرىـ‪،‬ـ أـوـ اـلـمـعـيـاـرـ اـلـجـدـيـدـ اـلـجـاـمـعـ اـلـمـعـرـبـ عـنـ فـتـاـوـىـ اـلـمـتـأـخـرـيـنـ مـنـ‬
‫عـلـمـاـءـ اـلـمـغـرـبـ‪،‬ـ ألـبـيـ عـيـسـىـ مـحـمـدـ اـلـمـهـدـيـ بـنـ مـحـمـدـ اـلـوـزـاـنـيـ اـلـعـمـرـاـنـيـ‬
‫اـلـحـسـنـيـ اـلـفـاـسـيـ (ـتـ‪1342‬هــ)ـ‪،‬ـ وقـدـ أـلـفـهـ بـعـدـ مـضـيـ عـقـدـيـنـ عـلـىـ تـأـلـيـفـهـ‬
‫اـلـنـوـاـزـلـ اـلصـغـرـىـ‪،‬ـ وفـيـهـاـ تـجـمـعـ لـدـيـهـ عـدـدـ أـكـثـرـ مـنـ فـتـاـوـيـهـ وـمـنـ مـخـتـاـرـاـتـ‬
‫فـتـاـوىـ غـيـرـهـ مـنـ أـهـلـ فـاـسـ وـغـيـرـهـمـ مـنـ اـلـمـتـأـخـرـيـنـ‪،‬ـ وـلـكـنـهـ أـضـاـفـ إـلـىـ ذـلـكـ‬
‫فـتـاـوىـ بـعـضـ اـلـمـتـقـدـمـيـنـ اـألـنـدـلـسـيـيـنـ وـاـلـقـيـرـوـاـنـيـيـنـ واـلـبـجـاـئـيـيـنـ واـلـتـلـمـسـاـنـيـيـنـ‬
‫وـغـيـرـهـمـ‪،‬ـ والـ يـكـرـرـ فـيـهـاـ شـيـئـاًـ مـنـ اـلـنـوـاـزـلـ اـلصـغـرـىـ إـالـ نـاـدـرـاًـ؛ـ حـيـنـ تـكـتـمـلـ‬
‫بـهـ فـاـئـدـةـ‪،‬ـ أـوـ يـدـعـوـ إـلـيـهـ اـلـتـنـظـيـرـ(ـ‪.)7‬ـ‬
‫‪ 119‬ـ نتائج األحكام في نوازل األحكام‪ ،‬كالهما ألحمد بن محمد بن الحسن‬
‫الرهوني التطواني (ت ‪1373‬هـ)‪ ،‬قاضي تطوان ووزير العدلية(‪( .) 8‬يحقق)‪.‬‬
‫‪ 120‬ـ فتاوى تتحدى اإلهمال في شفشاون وما حولها من الجبال‪ ،‬جمع‬
‫وترتيب محمد الهبطي المواهبي(‪ ،) 9‬حيث جمع ما ينيف على سبعمائة وستين‬

‫(?) شجرة النور ص‪.385 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ط دار الفكر د‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.414 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.422 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.423 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) ط وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية بالمغرب في أربعة أجزاء سنة ‪.1992‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) ط باعتناء الفقيه عمر بن عباد ط وزارة األوقاف بالمغرب سنة ‪.2000‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) مخطوط الخزانة العامة بالرباط‪ ،‬رقم‪2164 :‬د‪.‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) طبعت سنة ‪.1419‬‬ ‫‪9‬‬

‫ــ ‪ 211‬ـ‬
‫فتوى مهجورة بشفشاون وناحيتها‪ ،‬لم تجمع في كتاب‪ ،‬ولم يهتم بها أحد‪ ،‬فجمعها‬
‫(يحقق)‪.‬‬
‫‪ 121‬ـ األجوبة الرشيدة في َحلِّ النوازل الفقهية والمعامالت المعاصرة‬
‫للفقيه رشيد ابن الفقيه محمد الشريف العلمي (ولد سنة (‪1934‬م))(‪( )1‬يحقق)‪.‬‬
‫خدمة كتب النوازل‬
‫أوال ـ نوازل ابن رشد ألبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد الجد (ت ‪520‬‬
‫هـ)‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ 1‬ـ اختصار أجوبة ابن رشد البن عبد الرفيع (ت‪733‬هـ) ‪ ،‬وسماه‬
‫في المعيار ((اختصار األسئلة))(‪.)3‬‬
‫‪ 2‬ـ ترتيب نوازل ابن رشد لعبد الرحمن بن محمد بن أحمد القيسي‬
‫أبي زيد وأبي القاسم (ت‪737‬هـ) (‪.)4‬‬
‫‪ 3‬ـ غنية المريد في شرح مسائلـ أبي الوليد البن أبي مريم محمد بن‬
‫أحمد أبي عبد هللا المليتيـ المديوني التلمساني (ت بعد‪1014‬هـ) (‪.)5‬‬
‫ثانيا ـ نوازل ابن الحاج محمد بن أحمد بن خلف التجيبي المعرف‬
‫بابن الحـــاج (ت‪529‬هـ)‬
‫‪ 1‬ـ المنهاج في ترتيب نوازل ابن الحاج لعبد هللا بن أبي أحمد محمد بن‬
‫سعيد الغافقي أبو محمد (ت‪731‬هـ)‪ ،‬قال التنبوكتي‪(( :‬ورتب نوازل ابن الحاج‬
‫على أبواب الفقه سماه المنهاج في ترتيبـ نوازل ابن الحاج))(‪.)6‬‬
‫‪ 2‬ـ ترتيبـ نوازل بن الحاج لعبد الرحمن بن محمد بن أحمد القيسي أبي‬
‫زيد وأبي القاسم (ت‪737‬هـ)‪(( ،‬ترتيبـ نوازل ابن الحاج الشهير))(‪.)7‬‬
‫ثالثا ـ الحاوي في الفتاوي البن عبد النور محمد بن محمد أبو عبد هللا‬
‫التونسي (ت بعد‪726‬هـ)‪.‬‬
‫(‪)8‬‬
‫‪ 1‬ـ مختصر الحاوي في الفتاوي لمحمد بن أحمد بن محمد ابن‬
‫مرزوق الحفيد العجيسي (ت‪842‬هـ)(‪.)9‬‬
‫‪ 2‬ـ مختصر الحاوي في النوازل للبوسعيدي‪.‬‬
‫رابعا ـ نوازل البرزلي أبي القاسم بن أحمد بن محمد البلوي القيرواني (ت‬
‫‪841‬هـ)‬
‫(?) طبع في المغرب سنة ‪.2004‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) المعيار المعرب ‪.8/204‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪ ،244‬والكتاب طبع بدار الغرب اإلسالمي بتحقيق التليلي تحت‬ ‫‪4‬‬

‫عنوان (مسائل ابن رشد) (يحقق)‪.‬‬


‫(?) شجرة النور ص‪.265 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪.218‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪.1/365‬‬ ‫‪7‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.253 :‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ص ‪507‬‬ ‫‪9‬‬

‫ــ ‪ 212‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ مختصر نوازل البرزلي ألحمد بن عبد الرحمان بن موسى بن عبد‬
‫الحق اليزلتنيـ عرف بحلولو القروي (ت‪898‬هـ)(‪(( ،)1‬اختصار جيد لفتاوى‬
‫شيخه البرزلي"(‪" ،)2‬مختصر نوازل البرزلي في سفر))(‪.)3‬‬
‫‪ 2‬ـ مختصر نوازل البرزلي ألبي العباس الونشريسي (ت‪914‬هـ)(‪.)4‬‬

‫(?) شجرة النور ص‪.259 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) توشيح الديباج ص‪.30 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) نيل االبتهاج ‪ .1/135‬وقد طبع هذا الكتاب بتحقيق الدكتور أحمد الخليفي بطرابلس ـ‬ ‫‪3‬‬

‫ليبيا في العام ‪ 1991‬م‬


‫(?) مخطوط الخزانة العامة بالرباط (‪14470‬د)‪ ،‬في مجموع‪ ،‬و(ك‪ .)634‬انظر عدة‬ ‫‪4‬‬

‫البروق مقدمة المحقق ص‪.45 :‬‬


‫ــ ‪ 213‬ـ‬
‫نماذج من كتب النّوازل ومناهج تدوينها عند فقهاء المغرب‬
‫اإلسالمي (شمال إفريقيا واألندلس)‬
‫‪ ‬د‪/‬مصطفى بوعقل‬
‫كلية العلوم اإلسالمية‪ ،‬جامعة الجزائر‬
‫الحمد هلل وحده والصّالة والسّالم على من ال نب ّي بعده‪.‬‬
‫أن موضوع علم‬ ‫من المعروف لدى المتخصّصين في علوم ال ّشريعة‪ّ ،‬‬
‫نوازل األحكام ومضمونَه اإلجاباتـ ال ّشرعية على أسئلة السّائلينـ في مختلف‬
‫قضايا الحياة الحادثة ومستج ّداتها الملحّة التي تستدعيـ حكما ً شرعياً‪.‬‬
‫ت في هذا الباب مصنّفات شتّى وألفت فيه كتب‬ ‫ض َع ْ‬
‫واستتبعـ ذلك أن ُو ِ‬
‫ّ‬
‫متن ّوعة‪ ،‬بأساليبـ ومناهج متباينة لمضامين متفقة ومختلفة‪،‬ـ نتجت عنها أنواع‬
‫من التآليف‪ ،‬ذات خصوصيات أملتها أغراض مؤلفيها ومقاصدهم فيها‪،‬‬
‫حسب المؤثّرات العا ّمة في أحوال السّائلين‪،‬ـ وما اقتضته أسئلتهم من أجوبة‪...‬‬
‫المؤلف في موضوع علم ال ّنوازل يُظهر ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫وال ّتتبع للمؤلَّف أو لعيّنات من‬
‫هذه المناهج عند علماء المغرب اإلسالمي‪ ،‬الذين شاع في أمصارهم هذا العلم‬
‫الفن لمجموعة‬ ‫أكثر من شيوعه في غيرها من البالد‪ ،‬أ ّدت إلى ال ّتأليف في هذا ّ‬
‫معتبرة ونفيسة من الكتب تع ّد مراجع للعلماء في بحثهم ونبراساً لهم في‬
‫اجتهاداتهم‪.‬‬
‫وهذه المؤلّفات على كثرتهاـ ووفرتها‪ ،‬تعتبر بمواصفات‪ ،‬وتصنّف حسب‬
‫ضوابط‪ ،‬أذكر من ذلك في هذه الورقة نماذج(‪ )1‬تعبّر عن هذه المناهج في‬
‫التّأليف في النّوازل‪:‬‬
‫النّموذج األ ّول‪ :‬كتاب «جامع مسائل األحكام لما نزل من القضايا‬
‫بالمفتين والحكام»‪ ،‬وهي «فتاوى البرزلي» ألبي القاسم بن أحمد البلوي‬
‫القيرواني ال ّشهير بالبرزلي (ت‪841‬هـ)‪ .‬أحد الفقهاء المالكيين البارزين‬
‫بتونس‪.‬‬
‫وكتابه «الجامع» جامع على الحقيقة؛ فهو موسوعة علمية‪ ،‬ومصدر‬
‫فريد‪ ،‬غزير المادة‪ ،‬متع ّدد الموارد‪ ،‬حشد فيه مؤلّفه البرزلي عدداً كبيراً من‬
‫الفتاوى والنّوازل تجري على مدى قرون من ال ّزمن‪ ،‬من منتصف القرن‬
‫األ ّول الهجري إلى منتصف القرن التّاسع الهجري‪ ،‬وهو من المصادر‬
‫ب على تبويب كتب الفقه‪ ،‬حا ٍو‬ ‫المعتمدة للكثير من كتب الفقه والفتاوى‪ُ ،‬رتِّ َ‬
‫لجميعها‪ ،‬وفيه من اإلضافات على ذلك‪ ،‬أبواب تتعلّق باألدعية والوعظ‬
‫(?) مما أمكنــــني مطالعة كالم مؤلفه أو محققه أو وجــــدت كالما عنه في مرجع من‬ ‫‪1‬‬

‫المراجع أو على شـــبكة اإلنـــترنت وخصوصا فيما تعلق بهـــذه الوســـيلة األخـــيرة موقع‬
‫«الرابطة المحمدية للعلماء» بالمغرب الشقيق‪.‬‬
‫ــ ‪ 214‬ـ‬
‫والطّب‪ ،‬وغيرها من المسائل المتفرّقة الخارجة عن مجال الفقه‬
‫وموضوعاته‪.‬‬
‫وهو من تلك ال ّدواوين التي جمع فيها مؤلّفها‪ ،‬على غرار غيره من‬
‫الفقهاء م ّمن ألّف على طريقته‪،‬ـ باإلضافة إلى أجوبته‪ ،‬أجوبة غيره من‬
‫معاصريه ومن تق ّدمه من العلماء من أقطار مختلفة‪ ،‬متّسعة اتّساع بالد‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫وهو يفيد أيضا ً في معرفة ثراء أجوبة الفقهاء‪ ،‬واتّساع دائرة اجتهاداتهم‪،‬ـ‬
‫كما يفيد معلومات تاريخية واقتصادية واجتماعية وسياسيةـ متعلّقةـ بالعصور‬
‫التي أفتى فيها أصحاب اإلجاباتـ المذكورة فيه‪.‬‬
‫«وقد ذكر البرزلي في مقدمة كتابه أنّه قصد فيه إلى جمع أسئلة‬
‫اختصرها من نوازل ابن رشد‪ ،‬وابن الحاج‪ ،‬والحاوي البن عبد النّور‪،‬‬
‫وأسئلة ع ّز ال ّدين‪ ،‬وغيرهم من فتاوى المتأخرّين من أئ ّمة المالكيين من‬
‫المغاربة واإلفريقيين‪،‬ـ م ّمن أدركهم‪ ،‬وأخذ عنهم‪ ،‬أو عن غيرهم‪ ،‬م ّمن نقلوا‬
‫عنهم‪ ،‬وغير ذلك م ّما اختاره هو أو بعض مشايخه»(‪.)1‬‬
‫والكتابـ مطبوع في سبع مجلّدات بتحقيق أ‪.‬د‪ /‬محمد الحبيب الهيلة‪ ،‬طبع‬
‫سنة ‪2002‬م بدار الغرب اإلسالمي ببيروت‪.‬ـ‬
‫النّموذج الثّاني‪ :‬كتاب «المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى‬
‫أهل إفريقية واألندلس والمغرب» للعالّمة اإلمام أحمد بن يحيى الونشريسي‬
‫أصالً‪ ،‬الفاسي داراً ووفاة (ت‪914‬هـ)‪.‬‬
‫وهذا الكتاب النّفيس جامع لكثير من فتاوى األندلسيين والمغاربة المتق ّدمين‬
‫والمتأخرين‪ ،‬وحا ٍو لمجموعة ال تق ّدر‪ ،‬قيمة وعدداً‪ ،‬من فتاوى واجتهادات‬ ‫ّ‬ ‫منهم‬
‫فقهاء القيروان‪ ،‬وبجاية‪ ،‬وتلمسان‪ ،‬وقرطبة‪ ،‬وغرناطة‪ ،‬وسبتة‪ ،‬وفاس‪،‬‬
‫ومراكش‪ ،‬وغيرها من مدن العلم وعواصم المعرفة بالغرب اإلسالمي‪ ،‬وهو‬
‫حافظ لجملة م ّما ضاع من فتاوى المتق ّدمين من الفقهاء واألئ ّمة‪ ،‬على مدى‬
‫يقارب الثّمانية قرون‪ ،‬وهو‪ ،‬كسابقه‪ ،‬مرتّب على أبواب الفقه‪ .‬وفيه أيضاً نقل‬
‫لبعض الرّسائل التي ألّفت إجابة عن أسئلة في موضوعات مختلفة خارجة عن‬
‫مجال الفقه اإلسالمي المراد به األحكام الفرعية العملية‪.‬‬
‫وـهوـ بـاـعـتـبـاـرـ مـاـ حـوـاـهـ مـنـ اـألـجـوـبـةـ واـلـفـتـاـوـىـ‪،‬ـ مـنـ أـوـسـعـ وأـوـعـبـ كـتـبـ‬
‫اـلـنّـوـاـزـلـ اـلـفـقـهـيـةـ‪،‬ـ وـهوـ إـلـىـ جـاـنـبـ هـذـاـ اـلـمـحـتـوىـ اـلـفـقـهـيـ اـلـكـبـيـرـ‪،‬ـ مـوـسـوـعـةـ‬
‫عـلـمـيـةـ شـاـمـلـةـ فـيـ مـجـاـالـتـ غـيـرـ مـجـاـلـ اـلـفـقـهـ‪،‬ـ كـمـاـ تـقـ ّدـمـ‪،‬ـ مـثـلـ اـلـتّـاـرـيـخـ وـعـلـمـ‬
‫اـالـجـتـمـاـعـ‪.‬ـ فـهوـ يـضـ ّمـ مـعـلـوـمـاـتـ عـزـيـزـةـ عـنـ أـحوـاـلـ اـلـمـجـتـمـعـاـتـ فـيـ اـلـغـرـبـ‬
‫اـإلـسـالـمـيـ وـعـنـ تـقـاـلـيـدـ شـعـوـبـهـ؛ـ مـنـ بـيـاـنـ لـعـاـدـاـتـهـمـ فـيـ اـألـفـرـاحـ واـألـتـرـاـحـ‪،‬ـ‬
‫وفـيـ اـلـمـوـاـسـمـ‪،‬ـ وألـعـرـاـفـهـمـ فـيـ أـنـوـاـعـ اـلـمـلـبـوـسـاـتـ وـاـلـمـطـعـوـمـاـتـ‪،‬ـ وفـيـ اـلـكـالـمـ‬
‫(?) د‪ .‬مبارك جزاء الحربي في نكاذج من جهـود علمـاء المالكية المغاربة في تـدوين النـوازل‬ ‫‪1‬‬

‫الفقهية ‪ www.alislam4all.com/modules/.../fagaha‬ـ ‪ .magreb.rtf‬وانظر‪ /‬فتـــــاوى‬


‫البرزلي‪.1/61 :‬‬
‫ــ ‪ 215‬ـ‬
‫صـنـاـعـاـتـ‪،‬ـ وـغـيـرـ ذـلـكـ مـنـ اـلـمـجـاـالـتـ مـ ّمـاـ‬ ‫واـلـمـصـطـلـحـاـتـ‪،‬ـ وفـيـ اـلـعـمـرـاـنـ وـاـلـ ّ‬
‫يـتّـصـلـ بـحـيـاـةـ اـلـنّـاـسـ اـالـجـتـمـاـعـيـةـ اـلـعـاـ ّمـةـ‪.‬ـ‬
‫المؤلف فيما قام به من عمل في هذا الكتاب‪ ،‬إثبات أسماء‬ ‫ّ‬ ‫ومن طريقة‬
‫المفتين‪ ،‬ونصوص األسئلة الموجهة إليهم دون أن يتصرّف في ألفاظها‪ ،‬وإن‬
‫ال في حاالت نادرة يعتذر فيها صاحب الكتاب عن عدم‬ ‫كانت ألفاظاً عاميّة‪ ،‬إ ّ‬
‫وقوفه على نصّ السّؤال‪ ،‬فال يثبته‪ ،‬ناق ٌد لألجوبة‪ ،‬بصير بمواردها ومآخذها‪،‬‬
‫مطول أو مختصر فيها(‪.)1‬‬ ‫ّ‬ ‫مرجّحٌ لبعضها‪ ،‬ومضعّف ألخرى‪،‬‬

‫وم ّما يالحظ في هذا الكتاب‪ ،‬تكرّر بعض الفتاوى بنصّ سؤالها‬
‫وجوابها‪ .‬ووقوع ذلك فيه لسببين اثنين هما‪:‬‬
‫أ ّوالً ـ اشتمال الفتوى المكرّرة على مسائلـ تتعلّقـ بأبواب فقهية‬
‫متع ّددة تستدعي إدراجها في أبواب مختلفة‪.‬‬
‫ثانيا ً ـ سهو المؤلّف وعدم انتباههـ إلى أنّه سبق أن أثبتـ هذه‬
‫المسائل في محآل أخرى من كتابه‪،‬ـ خصوصا ً عندما يقع التّكرار في‬
‫نفس الباب‪.‬‬
‫أن من صنيع المؤلّف في كتابهـ تدارك فتاوى فآته‬ ‫كما يالحظ أيضا ً ّ‬
‫إثباتهاـ في أبوابها‪ ،‬فيدرجها في غيرها من األبواب حين يذكرها‪ ،‬معتذراً‬
‫بالنّسيانـ وحرصه بإثباتهاـ على اإلفادة‪.)2(...‬‬
‫اهت ّم الفقهاء بكتاب المعيار اهتماماًـ كبيراً‪ ،‬استفادة‪ ،‬واعتماداً‪،‬ـ‬
‫واختصاراً‪ ،‬واعتنىـ به أخيراً جماعة من العلماء على رأسهم ابن‬
‫العباس البوعزاوي الفاسي (ت‪1337‬هـ‪1918/‬م)‪ ،‬وطبع إثر ذلك‪ ،‬وأل ّول‬
‫مرّة‪ ،‬طبعةـ حجرية بفاس سنة (‪1314‬هـ‪1897/‬م) في اثني عشر جزءاً‪،‬‬
‫ث ّم أعادت وزارة األوقاف المغربية نشره عام (‪1401‬هـ‪1981/‬م) بعنايةـ‬
‫جماعة من الفقهاء تحت إشراف ال ّدكتور محمد حجّي(‪.)3‬‬
‫ط ٍر من سير الحكام»‬ ‫النّموذج الثّالث‪:‬ـ كتاب «اإلعالم بنوازل األحكام وقِ ْ‬
‫أو «ديـوان األحكـام الكبـرى»‪ ،‬المعروف أيضا ً بـ ((أحكام) أو (نوازل) ابن‬
‫سهل) لإلمام ال َعلَم أبي األصبغ عيسى بن سهل األسدي الغرناطي (ت‬
‫‪486‬هـ)‪ .‬وهو من أقدم ما يعرف من مجاميع النّوازل األندلسية في المصنفات‬
‫ّ‬
‫التي جمعت فتاوى علماء ومشايخ منطقة واحدة‪ ،‬وقد خصّ مؤلِّفُه معظَ َمهـ‬
‫بنوازل األندلسيين‪،‬ـ إالّ ما أورد فيه من بعض فتاوى فقهاء القيروان القليلة‬
‫(?) ينظر‪ /‬المعيار‪ :‬مقدمة المحقق‪ ،‬صفحة (ز)‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ينظر‪ /‬المعيار‪ :‬مقدمة المحقق‪ ،‬صفحة (ز)‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) عن مركز الدراسات واألبحاث وإحياء الــتراث (الرابطة المحمدية للعلمــاء‪ ،‬المملكة‬ ‫‪3‬‬

‫المغربية)‪.www.arrabita.ma .‬‬
‫ــ ‪ 216‬ـ‬
‫النّادرة‪.‬‬
‫والكتاب‪،‬ـ الذي ع ّده علماء المالكية موسوعة قضائية جامعة ألحكام‬
‫قضاء األندلس‪ ،‬مرتّب على النّسق الفقهي المعروف‪ ،‬وفيه مق ّدمة بيّن فيها‬
‫المؤلّف سبب تأليف الكتاب‪ ،‬ومنهجه فيه‪.‬‬
‫وقد كثر المشتغلون بهذا الكتاب والمستفيدون منه‪ ،‬فمنهم من اعتمد عليه‬
‫في أحكامه ونوازله‪ ،‬ومنهم من علّق عليه حواش‪ ،‬ومنهم من اختصره(‪.)1‬‬
‫والكتابـ مطبوع في مجلد واحد سنة ‪ 1428‬ـ ‪ 2007‬بتحقيقـ د‪ /‬يحيى‬
‫مراد‪ ،‬بدار الحديث‪ /‬القاهرة؛ وحققته قبل ذلك في دراسة أكاديمية‬
‫(ماجستير)‪ :‬نورة محمد عبد العزيز التويجري سنة ‪1401‬هـ بجامعةـ الملك‬
‫سعود‪ ،‬كلية اآلداب؛ كما اشتغل به أيضا ً األستاذ أنيس العالئي الذي حقّق‬
‫جز ًءا منه في رسالة دكتوراه بإشراف ال ّشيخ محمد ال ّشاذلي النّيفر سنة‬
‫‪1402‬هـ‪ ،‬بكلية الزيتونة بتونس‪.‬‬
‫النّموذج ال ّرابع‪ :‬كتاب «الدرر المكنونة في نوازل مازونة»‬
‫(المازونية)‪ ،‬ليحيى بن موسى المازوني المغيلي (ت‪883‬هـ)‪ .‬وهو كتاب‬
‫جمع فيه ـ كما صرح بذلك مؤلّفه في مقدمة الكتاب ـ نوازل معاصريه‬
‫ومعاصري والده من علماء وطنه(‪ ،)2‬مرتبة على أبواب الفقه في مجموع‬
‫يحصل به االنتفاع …(‪.)3‬‬
‫وقد استم ّد واستفاد منه كثير من العلماء‪ ،‬منهم الونشريسي في «المعيار‬
‫المعرب»‪.‬‬
‫وأجزاء من الكتاب حقّقت‪ ،‬وأخرى طور التّحقيق من قبل جماعة من طلبة‬
‫الماجستير في قسم ال ّشريعة والقانون من كلّية العلوم اإلسالمية بجامعة الجزائر‪.‬‬
‫النّموذج الخامس‪ :‬كتاب «الحديقة المستقلّة النّضرة في الفتاوى‬
‫الصادرة عن حاضرة غرناطة»‪ ،‬لمؤلف مجهول‪ ،‬وقيل هو لمحمد بن‬
‫طركاظ الغرناطيـ‪ ،‬أبي الفضل أو أبي العباس‪.‬‬
‫جمع مؤلّفه بين دفتيه النّوازل الصّادرة عن كبار علماء حاضرة‬
‫غرناطة من أهل القرن الثّامن والتّاسع الهجريين‪ ،‬بما فيها من بيان لحالة‬
‫بالد األندلس العلمية واالجتماعيةـ والسّياسية إبّان سقوطها‪.‬‬
‫ومسائله معروضة فيه دون ترتيب‪ ،‬وال تبويب‪ ،‬وشملت جميع قضايا‬
‫األحكام من صالة‪ ،‬وصوم‪ ،‬وزكاة‪ ،‬وحجّ‪ ،‬ومسائل األيمان والنّذر‪،‬‬
‫(?) مقدمة محقق كتاب «اإلعالم بنوازل األحكام» يحيى مراد‪.4 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ال ّدرر المكنونة(و‪ )1‬نسخة وهران‪ .‬نقال عن الجزء المحقق من زهرة شرفي‪.91 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ال ّدرر المكنونة(و‪ )1‬نسـخة وهـران‪ .‬نقال عن الجـزء المحقق من زهـرة شـرفي‪87 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫وينظر منه أيضاً‪.89 :‬‬


‫ــ ‪ 217‬ـ‬
‫واألضاحي‪ ،‬والجنائز‪ ،‬والبيع وال ّشراء‪ ،‬والمزارعة‪ ،‬وغيرها من المسائل‬
‫الفقهية‪.‬‬
‫وبلغ عدد المفتينـ بالكتاب أحد عشر ممن صرَّح المؤلف بأسمائهم‪،‬ـ‬
‫تسعة من األندلسيينـ واثنين من المغرب‪ ،‬ومفتيينـ اثنينـ لم يصرّح بهما‪.‬‬
‫القذافي الجهاني‪،‬ـ وطبع طبعةـ تجارية‬ ‫وقد اعتنى به وحقّقه جالل علي ّ‬
‫سنة ‪1424‬هـ ـ ‪2003‬م‪ ،‬بدار ابن حزم ـ بيروت(‪.)1‬‬
‫سادس‪ :‬كتاب «فتاوى تتحدى اإلهمال في شفشاون وما حولها‬ ‫ال ّنموذج ال ّ‬
‫من الجبال» جمع وتنظيم األستاذ محمد الهبطي المواهبي‪ ،‬حيث جمع الفتاوى‬
‫الخاصة بمنطقة شفشاون (بالمغرب األقصى) وما يحيط بها من الجبال‪.‬‬
‫وقد كانت هذه الفتاوى مهجورة متناثرة بشفشاون وما أحاط بها من‬
‫المناطق‪،‬ـ فجمعها األستاذ محمد الهبطي المواهبي في مجلدين‪ ،‬ورتّبها على‬
‫األبواب والموضوعات‪ ،‬وض ّم كل فتوى إلى بابهاـ المناسب‪،‬ـ حيث لم تكن قبل‬
‫ذلك مجموعة في كتاب ومؤلّف خاصّ بها‪ ،‬كما هو ال ّشأن في كثير من‬
‫مصنّفات النّوازل واألحكام‪.‬‬
‫وبلغ عدد هذه الفتاوى ما ينيفـ على سبعمائة وستينـ فتوى في نوازل‬
‫أهالي شفشاون وناحيتهاـ(‪.)2‬‬
‫والكتابـ طبع سنة ‪1419‬هـ ـ ‪1998‬م برعايةـ وزارة األوقاف وال ّشؤون‬
‫اإلسالمية بالمملكةـ المغربية‪.‬ـ‬
‫سابع‪ :‬كتاب «الفتاوى» أو «المسائل» أو «المسائل‬ ‫النّموذج ال ّ‬
‫المجموعة» أو «النّوازل» لزعيم فقهاء عصره بالمغربـ اإلسالمي أبي‬
‫الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي (ت‪520‬هـ)(‪.)3‬‬
‫وكتاب «فتاوى ابن رشد»‪ ،‬حوى مسائلـ مفيدة وأجوبة فقهية دقيقة‪،‬‬
‫اإلمام محم ُد بن أبي الحسن بن الوزان (ت‪543‬هـ)‪ ،‬وهو من‬ ‫ِ‬ ‫جمعها تلمي ُذ‬
‫كتب النّوازل‪ ،‬المعتمدة عند المالكية‪ ،‬األكث ُر تداوالً وجمعا ً للفوائد الفقهية‪.‬‬
‫«والكتاب تطبيقـ لتقرير األحكام ال ّشرعية في القضايا التي عرضت‬
‫على ابن رشد واستُفتي فيها‪ ،‬وبالنّظر في مضامين الكتاب نجد موضوع هذه‬
‫الفتاوى مرتبطاًـ بوقائع النّاس في حاضرة األندلس وب َع ْد َوة المغرب‪ ،‬وجاء‬
‫وصيغَت على شكل أسئلة‬ ‫أغلبها في موضوع العبادات والمعامالت‪،‬ـ ِ‬
‫(?) عن مركز الدراسات واألبحاث وإحياء الــتراث (الرابطة المحمدية للعلمــاء‪ ،‬المملكة‬ ‫‪1‬‬

‫المغربية)‪.www.arrabita.ma .‬‬
‫(?) ينظر‪ /‬التقديم لكتاب «فتاوى تتحدى اإلهمال» لوزير األوقاف والشــؤون اإلســالمية‬ ‫‪2‬‬

‫للمملكة المغربية الدكتور عبد الكريم العلوي المدغري‪ 4 :‬ـ ‪.5‬‬


‫(?) ينظـر‪ /‬الفتـاوى البن رشد الجـد‪ ،‬القسم ال ّدراسي د‪ .‬المختـار بن الطـاهر التليلي‪ 1/35 :‬وما‬ ‫‪3‬‬

‫بعدها‪.‬‬
‫ــ ‪ 218‬ـ‬
‫وأجوبة‪ ،‬لم يلتزم فيها ابن رشد منهجا ً موحّداً كما هو حال أغلب كتب‬
‫النّوازل الفقهية؛ فمنها مسائلـ توسّع في اإلجابةـ عنها وأخرى اختصر فيها‬
‫حسب مقتضى السّؤال أو النّازلة»(‪ ،)1‬ذاكراً في ذلك كلّه أدلّة المسائل من‬
‫القرآن والسّنة‪ ،‬مستشهداً بما في كتب المذهب من أقوال اإلمام مالك‪ ،‬وأقوال‬
‫كبار أتباعهـ ومحقّقي مذهبه‪ ،‬بال غياب لشخصيتهـ في عرض اآلراء ونقدها‪،‬‬
‫والتّرجيح بينها‪،‬ـ وتقديم األص ّح منها في اجتهاده‪ ،‬بأسلوب سلس واضح‬
‫مفهوم(‪.)2‬‬
‫ومتتبّع الفتاوى في الكتاب يجد تن ّوعا ً في مصادرها‪ ،‬وتع ّدداً في أسماء‬
‫هذه المصادر‪ ،‬وقد يذكرها ابن رشد أحيانا ً مقترنة بأسماء أصحابها‪ ،‬وأحياناًـ‬
‫غير مقترنة بها‪.‬‬
‫ومن جملة مصادر ابن رشد في «فتاويه» بعد كتابـ هللا ‪‬؛ «موطأ‬
‫مالك» (ت‪ 179‬هـ)‪ ،‬و«مد ّونة سحنون» (ت‪240‬هـ)‪ ،‬و(العتبية)ـ أو‬
‫(المستخرجة من األسمعة) ألبي عبد هللا محمد العتبيـ (ت‪255‬هـ)‪،‬‬
‫و(الموازية) ألبي عبد هللا ابن المواز (ت‪269‬هـ)‪ ،‬و«جامع التّرمذي» (ت‬
‫‪ 279‬هـ)‪ ،‬وغير ذلك من الكتب المعتمدة في المذهب وخارجه(‪.)3‬‬
‫وج ّل مسائلـ الكتابـ من الفتاوى الفقهية‪ ،‬وبعضه مسائل نحوية(‪.)4‬‬
‫وقد حظيت «الفتاوى» باهتمام علماء عصره والفقهاء من بعده دراسة‬
‫واعتماداً عليه‪ .‬وقد طبع الكتاب بتحقيقين‪:‬ـ‬
‫األ ّول‪ :‬لل ّدكتور المختار بن الطّاهر التّليلي سنة ‪ 1407‬هـ ـ ‪1987‬م بدار‬
‫الغرب اإلسالمي‪ ،‬ببيروت‪.‬‬
‫والثّاني‪ :‬لمحمد الحبيب التّيجاني‪ ،‬حقّق الكتاب تحت عنوان «مسائلـ أبي‬
‫الوليد بن رشد الج ّد»‪ ،‬طبع سنة ‪1414‬هـ ـ ‪1993‬م طبعة ثانيةـ بدار الجيل‬
‫ببيروت ودار اآلفاق الجديدة بالمغرب‪.‬‬
‫النّموذج الثّامن‪ :‬كتاب «مذاهب الحكام في نوازل األحكام» للقاضي‬
‫عياض بن موسى بن عياض السّبتي (ت‪544‬هـ) وهي عبارة عن نوازل‬
‫قضاء فصل فيها القاضي عياض‪،‬ـ جمعها بعد موته ابنهـ أبو عبد هللا محمد (ت‬
‫‪575‬هـ)‪ .‬وكانت قبل ذلك عبارة عن بطائقـ أو جذاذات من الفتاوى المتفرّقة‪،‬‬
‫وهي من أقدم مؤلفات المغاربةـ في النّوازل‪.‬‬

‫(?) عن مركز الدراسات واألبحاث وإحياء الــتراث (الرابطة المحمدية للعلمــاء‪ ،‬المملكة‬ ‫‪1‬‬

‫المغربية)‪.www.arrabita.ma .‬‬
‫(?) فتاوى ابن رشد‪ ،‬القسم الدراسي للمختار التليلي‪ 69 ،1/61 :‬ـ ‪.71‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) فتاوى ابن رشد‪ ،‬القسم الدراسي‪ 1/43 :‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) فتاوى ابن رشد‪ ،‬القسم الدراسي‪.1/55 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 219‬ـ‬
‫ويمثّل كتابـ «مذاهب الحكام في نوازل األحكام» نموذجا ً للمؤلفات‬
‫الفقهية التي تهتم بوقائع النّاس الجارية ومشكالتهم النّاشئة‪،‬ـ وأقضيتهم‬
‫الطّارئة‪ ،‬وهو مرجع فقهي يحتوي نوازل تكشف عن وقائع الحياة اليومية‬
‫بالمغرب واألندلس إبَّان عهد المرابطين‪.‬‬
‫ّ‬
‫وهو كتاب يض ّم بين دفّتيه ذخائر فكر القضاء المالكي‪ ،‬ويمثل بما‬
‫تض ّمنه من أجوبة فقهية‪ ،‬ما استقرّت عليه الفتوى في الغرب اإلسالمي على‬
‫عهد القاضي عياض‪ ،‬وهو ما جعل كبار فقهاء النّوازل الذين أتوا بعد عياض‬
‫وابنهـ محمد‪ ،‬يعتمدون عليه في أحكامهم‪.‬‬
‫وإجاباتـ القاضي في المسائل التي تعرض عليه تبيّن حرصه على بيانـ‬
‫الحكم مشفوعا ً بدليله‪ ،‬مهتديا ً بأصول مصادر المذهب المالكي‪ ،‬وآراء كبار‬
‫شيوخه؛ كابن رشد وابن الحاج‪ ،‬ثم يحكم في النّازلة بما يثبت عنده‪ ،‬أو‬
‫التّعليق على المسألة بحسب وقوعها متو ّخيا ً أثناء جوابه اإليجاز واالختصار‪،‬‬
‫ووضوح التّعبير‪ ،‬وسالسة األلفاظ‪.‬‬
‫وأ ّما عن عمل ابنه أبو عبد محمد بن عياض فيه‪ ،‬فإ ّنه قال‪« :‬فإن أبي …‬
‫خطة القضاء دوامه‪ ،‬وساعدته لياليه وأيامه‪ ،‬نزلت إليه من األقضية‬ ‫لما طال في ّ‬
‫نوازل تحار فيها األذهان واألفهام‪ ،‬ويبعد مأخذها من طرق القضايا واألحكام‪،‬‬
‫لفيت بعد موته رحمة هللا عليه سؤاالته على تلك‬ ‫ف َيحك ُم فيها بما ي ّتجه عنده … وَأ ُ‬
‫ال ما نب ُ‬
‫َّهت‬ ‫خطه ‪ ‬إ ّ‬
‫ال ّنوازل واألجوبة عليها في بطائق‪ ،‬فنقلت تلك األسولة من ّ‬
‫عليه؛ وكذلك أجوبته وأجوبة الفقهاء عليه أيضاً …‪ ،‬وجعلت كتابي هذا ديوان فقه‬
‫يشتمل على جميعها‪ ،‬وترجمته بـ «مذاهب الحكام في نوازل األحكام»؛ وربّما‬
‫ذيّلت بعض تلك ال ّنوازل بما تق ّدم فيها أو في نوعها للقرويين واألندلسيين‬
‫وغيرهم»(‪.) 1‬‬
‫طبع الكتاب مرّتين بتحقيق ال ّدكتور محمد بن شريفة‪ ،‬عن دار الغرب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ببيروت‪ .‬وترجمته إلى ّ‬
‫اللغة اإلسبانية دلفينا سيرانو ‪Delfina Serano‬‬
‫(‪.) 2‬‬
‫النّموذج التّاسع‪ :‬كتاب «مصباح األرواح في أصول الفالح» لمحمد بن‬
‫عبد الكريم المغيلي التّلمسانيـ (ت‪909‬هـ)‪ ،‬وهو جواب سؤال يُطلب فيه منه‬
‫توضيح ما يجب على المسلمين من اجتنابـ الكفّار‪ ،‬وما يلزم أهل ّ‬
‫الذمة‪،‬‬
‫وخاصة يهود ناحية «توات» من جنوب الجزائر‪ ،‬بما بلغوا من النّفوذ‬
‫والتّد ّخل في شؤون الحكم‪ ،‬وما ظهر من جهتهم من التّعالي والطّغيان‬
‫والتّمرّد على األحكام ال ّشرعية‪ ،‬وما أثاروا بغيرهاـ من التّصرّفات من‬

‫(?) مذاهب الح ّكام في نوازل األحكام‪ 29 :‬ـ ‪.30‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) عن مركز الدراسات واألبحاث وإحياء الــتراث (الرابطة المحمدية للعلمــاء‪ ،‬المملكة‬ ‫‪2‬‬

‫المغربية)‪.www.arrabita.ma .‬‬
‫ــ ‪ 220‬ـ‬
‫الحوادث في تلك المنطقة‪ ،‬وما نجم عن ذلك من ردود فعل المسلمين(‪.)1‬‬
‫ووقف ال ّشيخ المغيلي من بين العلماء موقف حزم وق ّوة في تلك القضيّة‪،‬‬
‫وألّف فيها هذه الرّسالة‪ ،‬و«قسّمها إلى ثالثةـ فصول؛ خصّ الفصل األ ّول بما‬
‫يجب على المسلمين من اجتنابـ الكفّار‪ ،‬بحيث ال يقرّب مسلم كافراً من نفسه‬
‫أو عياله أو يستعمله في أعماله‪،‬ـ وال يفعل ذلك من المسلمين إالّ من ال دين‬
‫الذمة … من الجزية‬ ‫وال مروءة له‪ .‬وتناول في الفصل الثّانيـ ما يلزم أهل ّ‬
‫والصَّغار‪ .‬أ ّما الفصل الثّالث‪،‬ـ فقد تح ّدث فيه عن «يهود هذا ال ّزمان في سائر‬
‫األوطان من الجرأة والطّغيانـ والتّمرّد على األحكام ال ّشرعية»‪ ،‬والتّدخل في‬
‫شؤون ال ّدولة اإلسالمية»(‪.)2‬‬
‫وموقف ال ّشيخ الحازم في هذه الفضية أثار حوارات علمية كثيرة‬
‫ومناقشات فقهية مع بعض العلماء المعاصرين له‪ ،‬م ّمن وافقوا المغيلي على‬
‫موقفه‪ ،‬أو م ّمن وضعوا أجوبة للنّازلة‪ ،‬م ّما كان له الصّدى البعيد في المواقف‬
‫السّياسية وفي بعض المؤلفات التّاريخية المعاصرة له‪.‬‬
‫والكتابـ مطبوع بتحقيقـ رابح بونار‪ ،‬الجزائر ‪.1968‬‬
‫النّموذج العاشر‪ :‬كتاب «أسنى المتاجر في بيان أحكام من غلب على‬
‫وطنه النصارى ولم يهاجر وما يترتب عليه من العقوبات ّ‬
‫والزواجر»‬
‫للونشريسي‪ ،‬أحمد بن يحيى الونشريسي التّلمساني صاحب «المعيار» (ت ‪914‬‬
‫هـ)‪.‬‬
‫أن الونشريسي أورد هذه الفتوى في باب نوازل الجهاد من كتابه‬ ‫كما ّ‬
‫(‪)3‬‬
‫الجامع‪« :‬المعيار المعرب» ‪.‬‬
‫وفحوى المسألة طلب معرفة واجب مسلمي األندلس (المورسكيين)ـ بعد‬
‫سقوطها واستيالء اإلفرنج النّصارى على بالدهم وأمالكهم‪ ،‬وفي حكم بقاء‬
‫جماعات منهم منقطعينـ عن بالد يغلب عليها اإلسالم‪ ،‬وفيما يجب عليهم من‬
‫الهجرة أو عدمها‪ ،‬وفي إعالن إسالمهم أو إخفائه بين النّصارى المتغلّبين‪.‬‬
‫فالرّسالة تبحث في حكم بقاء المسلم في البلد الذي غلب عليه الكفار‬
‫بخاص ٍة‪ ،‬وحكم اإلقامة في بالد الكفار بعامة‪.‬‬
‫وكان حكم الونشرسي فيها «قاسياً» شيئا ً ما على «المورسكيين» إذ‬
‫حكم بكفر ك ّل من لم يهاجر وتخلّف عن االلتحاق ببالد اإلسالم وبقي بأرض‬
‫أن في الحكم‬ ‫يغلب فيها حكم النّصارى الكفّار وأص ّر على البقاء كذلك‪ ،‬ورأى ّ‬

‫(?) ينظر‪ /‬تاريخ الجزائر الثقافي للدكتور أبو القاسم سعد هللا‪.1/54 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) تاريخ الجزائر الثقافي للدكتور أبو القاسم سعد هللا‪.1/54 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) في الجزء ‪.2/119‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 221‬ـ‬
‫بمثل ذلك تبرئةـ لذ ّمته‪ ،‬وإعذاراً لمن وصله نصّ الفتوى …‪ ،‬و َح َكم بتعزير‬
‫ك ّل من يزدري دار اإلسالم‪ ،‬ويتطلّع إلى العودة إلى دار الكفر بعد أن أنجاه‬
‫هللا منها‪ .‬واستد ّل على ما في فتواه بالكتابـ والسّنة واإلجماع والقياس‪.‬‬
‫وفتوى الونشريسي هذه هي أقدم نصّ معروف من فتاوى المغاربة في‬
‫هذا الموضوع كما قال ال ّدكتور سعد هللا(‪.)1‬‬
‫وقد حقّق نصّ الفتوى وعلّق عليها في دراسة ضمن «صحيفة معهد‬
‫ال ّدراسات اإلسالمية» في مدريد‪ ،‬المجلد الخامس‪ ،‬العدد ‪ 1‬ـ ‪ ،2‬السنة‪:‬‬
‫أيضا ال ّدكتور أحمد بن عبد‬
‫ً‬ ‫‪1377‬هـ ـ ‪1957‬م‪ ،‬ال ّدكتور حسين مؤنس‪ .‬وحقّقها‬
‫الكريم نجيب‪.‬‬
‫سولي عن مسائل األمير عبد‬ ‫النّموذج الحادي عشر‪ :‬كتاب‪« :‬أجوبة ال ُّت ُ‬
‫القادر الجزائري» ألبي الحسن علي بن عبد السّالم بن علي التّسولي (ت‪1258‬‬
‫هـ)‪.‬‬
‫والكتابـ عبارة عن جواب سؤال وجهه األمير عبد القادر الجزائري‬
‫للفقيه أبي الحسن التّسولي‪ ،‬يستفتيه به عن حكم المسلمين الذين يداخلون‬
‫العد ّو (الفرنسي) ويبايعهم‪ ،‬ويجلب لهم الخيل‪ ،‬وال يبخل من داللتهم على‬
‫عورات المسلمين‪،‬ـ وإذا طولبت أحياؤهم بتسليمهم جحدوا وأنكروا‪ ،‬فما حكم‬
‫هللا في الفريقين في أنفسهم وأموالهم؟ فهل لهم من عقاب‪،‬ـ أم يتركون على‬
‫حالهم؟ وما الحكم فيمن يتخلّف في المدافعة عن الحريم واألوالد إذا استنفر‬
‫نائب اإلمام النّاس لل ّدفاع والجالد؟ فهل يعاقبون؟ وكيف عقابهم‪،‬ـ وال يتأتّى‬
‫بغير قتالهم؟ وهل تؤخذ أموالهم وأسالبهم؟ …‪.‬‬
‫وهو في نوازل الجهاد الواقعية‪،‬ـ ومن نماذجها المرجوع إليها عند‬
‫الحاجة‪.‬‬
‫والكتابـ مطبوع سنة ‪ 1996‬بدار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬بتحقيق‪:‬‬
‫عبد اللّطيف أحمد ال ّشخي محمد صالح‪.‬‬
‫خاتمة‬
‫يظهر لمن يطالعـ النّماذج المتق ّدمة من المصنّفات في فقه النّوازل‪،‬‬
‫أن التّصنيف في‬ ‫ويتبيّن للنّاظر في مضامينها أو في التّقريرات الخاصّة بها‪ّ ،‬‬
‫وأن هذه المصنّفات‪،‬ـ في الجملة‪،‬‬ ‫النّوازل الفقهية له أساليبهـ ومناهجه المتّبعة‪،‬ـ ّ‬
‫ال تعدو أن تكون‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ دواوين جامعة ألجوبة مؤلفيها‪ ،‬وأجوبة غيرهم من معاصريهم أو‬
‫السّابقين لهم من مختلف البالد‪ ،‬في شتّى مجاالت العلوم ال ّشرعية وغيرها‪،‬‬
‫وهي مرتّبة على ترتيب كتب الفقه في تبويبهم‪،‬ـ تتميّزـ بثراء أجوبة الفقهاء‬
‫(?) تاريخ الجزائر الثقافي لسعد هللا‪.55 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 222‬ـ‬
‫المذكورين فيها‪ ،‬واتّساع دائرة اجتهاداتهم في ال ّشرعيات‪،‬ـ مع ما فيها من‬
‫وفرة المعلومات التّاريخيةـ واالقتصادية واالجتماعيةـ والسّياسية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ دواوين جامعة ألجوبة فقهاء وعلماء ينتسبونـ إلى منطقةـ واحدة‪ ،‬أو‬
‫إلى مدينة واحدة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ دواوين جامعة ألجوبة فقيه واحد‪ ،‬جمعها أو جمعت له من أحكامه‬
‫وفتاويه خالل م ّدة قضائه وتولّيه الفتوى‪ ،‬أو أجاب عنها عن مجموعة أسئلة‬
‫وجّهت إليه من جهة معيّنة‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ دواوين مؤلّفة لإلجابة عن قضيّة واحدة‪ ،‬ونازلة مفردة في موضوع‬
‫واحد؛ إ ّما في العبادات‪،‬ـ وإ ّما في المعامالت‪،‬ـ أو األحوال ال ّشخصية‪ ،‬أو‬
‫السّياسة ال ّشرعية‪ ،‬أو الجهاد‪ ،‬وغيرها من مجاالت الفقه والعقيدة‬
‫وموضوعاتهما‪.‬‬
‫أن هناك مصنّفات اشتغل فيها أصحابها باالختصار والتّرتيب للكتب‬ ‫كما ّ‬
‫المط ّولة‪.‬‬
‫هذا ما تم ّكنتـ من جمعه إلى هذا الحين من البياناتـ عن هذه الجملة من‬
‫الكتب النّوازلية‪ ،‬وغيرها كثير‪ ،‬المؤلّفة من علماء المغرب أو الغرب‬
‫الفن الجليل‪.‬‬ ‫اإلسالمي (شمال إفريقياـ واألندلس)‪ ،‬وفي موضوع هذا ّ‬
‫وهي نماذج معبّرة‪ ،‬فيما أحسب‪ ،‬مع ما في كلّها من البراعة في التّأليف‬
‫وحسن في التّرتيب وتجديد في االجتهاد‪ ،‬عن اختالف أشكال ومناهج الكتابة‬
‫في فقه النّوازل‪.‬‬
‫وهي تد ّل أيضا ً على االهتمام الكبير الذي أواله‪ ،‬بمناهج مختلفة‬
‫لمؤثّرات موضوعية‪ ،‬فقها ُء الغرب اإلسالمي لهذا النّوع من العلوم‬
‫والتّصنيفـ فيه‪ ،‬اعتنا ًء بتاريخهمـ العلمي العريق وبتراثهم الفقهي ال ّزاخر‪،‬‬
‫الحامل للفوائد الكثيرة‪ ،‬متعلّقة بأصول األحكام وطرق تطبيقها‪ ،‬وبإيجاباتـ‬
‫فقهية واقعية على حوادث تحكي ظروفًا دينية‪،‬ـ واجتماعية‪،‬ـ وسياسية‪،‬ـ‬
‫وتاريخية عايشتهاـ المجتمعاتـ المغربية‪.‬ـ‬
‫وـمـنـ خـالـلـ هـذـهـ اـألـحـكـاـمـ اـلـتّـطـبـيـقـيـةـ اـلـمـحـاـطـةـ بـظـرـوـفـهـاـ اـلـمـؤـثّـرـةـ‪،‬ـ‬
‫تُـدـرـكـ وـتُـلـمـسـ وـاـقـعـيـةـ اـلـفـقـهـ‪،‬ـ وـمـسـاـيـرـتـهـ ألـطـوـاـرـ اـلـحـيـاـةـ فـيـ تـغـيّـرـ أـنـمـاـطـهـاـ‬
‫وـدـوـرـاـنـ أـحـوـاـلـهـاـ‪،‬ـ وـقـدـرـتـهـ عـلـىـ حـ ّلـ كـ ّلـ مـاـ يـعـتـرـضـ اـلـمـسـلـمـيـنـ مـنـ‬
‫مـعـضـالـتـ وـمـسـتـجـ ّدـاـتـ‪،‬ـ مـثـلـ تـلـكـ اـلـتـيـ عـرـفـتـهـاـ مـجـتـمـعـاـتـ شـمـاـلـ إـفـرـيـقـيـاـ‬
‫وـاـألـنـدـلـسـ فـيـ فـتـرـةـ زـمـنـيـةـ غـيـرـ بـعـيـدـةـ عـنّـاـ فـيـ مـقـيـاـسـ اـلـ ّزـمـاـنـ‪،‬ـ كـقـضـاـيـاـ‬
‫غـزـوـ اـلـنّـصـاـرـىـ لـبـالـدـ اـإلـسـالـمـ‪،‬ـ وـهـجـرـةـ اـلـمـسـلـمـيـنـ مـنـ أـوـطـاـنـهـمـ‪،‬ـ وـمـخـاـلـطـةـ‬
‫اـلـكـفـاـرـ‪،‬ـ وـاـالـرـتـدـاـدـ عـنـ اـلـ ّدـيـنـ‪،‬ـ وـغـيـرـهـاـ مـنـ اـلـمـوـضـوـعـاـتـ اـلـجـدـيـدـةـ‬

‫ــ ‪ 223‬ـ‬
‫وـاـلـمـسـتـجـ ّدـةـ‪،‬ـ وـاـلـتـيـ وـجـدـنـاـ كـتـبـ اـلـنّـوـاـزـلـ تـتـنـاـوـلـهـاـ بـاـلـمـنـاـقـشـاـتـ اـلـعـلـمـيـةـ‬
‫وـتـعـاـلـجـهـاـ بـاـلـبـيـاـنـ وـاـلـبـرـهـاـنـ‪.‬ـ‬
‫وهللا تعالى أعلم‪ ،‬وسبحانك اللّهم وبحمدك‪ ،‬ال إله إالّ أنت‪ ،‬أستغفرك‬
‫وأتوب إليك‪.‬‬
‫***‬

‫ــ ‪ 224‬ـ‬
‫فقه النوازل عند اإلباضية‬
‫الشيخ عبد الرحمن بكلي نموذجًا‬
‫‪ ‬د‪ .‬داود بن عيسى بورقيبة‬
‫جامعة عمار ثليجي‪ ،‬األغواط‬
‫الحمد هلل الذي أنزل القرآن شــريعة ومنها ًجــا‪ ،‬وجعل السنّة له شــرحًا‬
‫المنة‬
‫فاتضحت معالم األحكام‪ ،‬واستبان الحالل والحرام‪ ،‬ثمّ اكتملت ّ‬ ‫وتبيانًا‪،‬ـ ّ‬
‫األمة ببقاء هذه الشــريعة الخالــدة‪ ،‬ودوام صــالحيتها‬
‫وتمّت النعمة على هذه ّ‬
‫لكلّ زمان ومكان‪ ،‬فال ينضب معينها‪،‬ـ وال ينفذ عطاؤها‪،‬ـ فهي تفي ـ أب ـدًا ـ ـ‬
‫إال وللشريعة فيها‬
‫كل دهر‪ ،‬فال تجد حادثة ّ‬
‫بحاجات كلّ عصر‪ ،‬وبمتطلّبات ّ‬
‫إال وألهل العلم والفقه فيها رأي‪ ،‬والصــالة والســالم‬
‫حكم‪ ،‬وال تــنزل نازلة ّ‬
‫على خـــيرة خلق هللا في أرضه وســـمائه‪ ،‬محمّـــد بن عبد هللا سيّد أنبيائـــه‪،‬‬
‫وعلى آله وأصحابه والتابعينـ لهم بإحسان إلى يوم الدين‪ .‬وبعد‪،‬‬
‫فقد نزلت شريعة اإلسالم وحيًا من عند هللا ـ تبــارك وتعــالى ــ تحمل‬
‫في أصــولها ما يعــالج قضــايا االعتقــاد‪ ،‬ويرسي قواعد العــدل والمصــلحة‬
‫والرحمة في األحكــام واســتقامةـ الســلوك‪ .‬وخلــود الشــريعة وكمالها وتمــام‬
‫النعمة بها يصدق بنصوصها وأصولها الثــوابت‪ ،‬منضـ ًما إلى ذلك مجــاالت‬
‫ومقرراتها‪ ،‬وفي‬
‫ّ‬ ‫تفهم النصــوص‬
‫االجتهــاداتـ النابعة من أصــالة الفكر في ّ‬
‫تطورات‬
‫ّ‬ ‫يلم بها من‬
‫يجد في الحياة من وقائع‪ ،‬وما ّ‬
‫حسن تطبيقهاـ في كلّ ما ّ‬
‫وتلوث البيئــاتـ والتحوّالت في‬
‫ّ‬ ‫ومتغيّ ـرات بســببـ حــوادث الفكر اإلنســاني‬
‫المجتمع وما تقتضيه سنن هللا في هذا(‪.)1‬‬
‫وتتو ّزع هذه المداخلة على المحاور اآلتية‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬مفاهيم الدراسة‪.‬‬
‫ّ‬
‫ثانياً‪ :‬أهمية دراسة فقه النوازل‪.‬‬
‫ثالثًاـ‪ :‬بطاقةـ تعريفية للشيخ عبد الرحمن بن عمر بكلي‪.‬‬
‫(?) صالح بن عبدهللا بن حميد‪ ،‬الجامع في فقه النوازل‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪،1 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،2003‬ص‪11 :‬‬
‫ــ ‪ 225‬ـ‬
‫رابعًا‪ :‬ضوابط اإلفتاء في النوازل عند الشيخ‬
‫خامسًا‪ :‬نماذج من النوازل التي أفتى فيها الشيخ‬
‫سادسًا‪ :‬ندوة الشيخ عبد الرحمن ومواجهة فقه النوازل‬
‫أوال ـ مفاهيم الدراسة‬
‫تعد المفاهيم العلمية بمثابة الوسيلة الرمزية التي يستعانـ بها في التعبيرـ‬ ‫ّ‬
‫وتعد تحدي ـدًا مختص ـرًا لمجموعة من‬ ‫ّ‬ ‫عن المعاني واألفكــار بغية توضــيحها‪،‬‬
‫الحقائق التي تساعد على توجيه مسار البحث‪:‬‬
‫ـ الفتوى لغـة واصطـالحا‬
‫أ ـ لغة(‪َ :)1‬‬
‫الف ْتوَى والفُ ْت َوى والفُ ْتيـَا‪ :‬ما أفتى به الفقيه‪ ،‬ومعناها‪ :‬اإلبانــة‪،‬‬
‫يقــال‪:‬ـ أفتــاه في األمر إذا أبانهـ لــه‪ ،‬وأفــتى الرجل في المســألة واســتفتيتهـ فيها‬
‫فأفتاني إفتاء‪ ،‬إذا أجابه وأبان الحكم فيها‪.‬‬
‫ومن ذلك في القرآن الكريم‪ :‬ﮋﮱ ﯓ ﯔﯕـ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﮊ(‪)2‬؛ أي‪ :‬يُبيّن‬
‫()‬
‫ك فِي النَّ ْف ِ‬
‫س َوتَ ـ َر َّد َد فِي‬ ‫لكم حكم ما سألتم عنه ‪ . 3‬وفي الحــديث‪« :‬اِإْل ْث ُم َما َحــا َ‬
‫ك» (‪ ،)4‬أي‪ :‬وإن جعلــــوا لك فيه رخصة‬ ‫ك النَّاسُ َوَأ ْفتَــــوْ َ‬‫الصــــ ْد ِر َوِإ ْن َأ ْفتَــــا َ‬
‫َّ‬
‫ً (‪)5‬‬
‫وجوازا ‪.‬‬
‫والفتــوى والفــتى‪ :‬اســمان يوضــعان موضع ((اإلفتــاء))‪ ،‬وتفــاتوا إليــه‪:‬‬
‫ارتفعوا إليه في الفتيا‪.‬ـ‬
‫وجمع فتــوى‪ :‬فتــاوى‪ ،‬فتــاوي وكونه منقوصا هو األصــل‪ ،‬أ ّما القصر‬
‫فهو وارد على سبيل التخفيف‪ ،‬وتجمع أيضا على فتا ٍو(‪.)6‬‬
‫وعليه فمدار الفتوى في اللغة‪ :‬على البيان واإليضاح واإلظهــار‪ ،‬فبتتبّع‬
‫ما ّدة (ف ت ي) في القــرآن ـ ـ الــتي وردت في مواضع عـ ّدة(‪ )7‬ــ نجــدها كلّها‬
‫متضافرة على هذا المعنى اللغوي للكلمة‪.‬‬
‫(?) ابن منظــور‪ ،‬لس ان العـرب المحيط‪ ،‬إعـ ـداد‪ :‬يوسف خيــاط‪ ،‬بــيروت‪ ،‬دار الجيل‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1051/ 4 ،1988‬؛ الرازي‪ ،‬مختار الصحاح‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر‪ ،1981 ،‬ص ‪191‬مادة‪:‬‬
‫(ف ت ي)؛ سعدي أبو جيب‪ ،‬القاموس الفقهي‪ ،‬دمشق‪ ،‬دار الفكر‪ ،1988 ،‬ص‪281 :‬؛‬
‫الجوهري‪ ،‬الصحـاح‪ ،‬ت‪ :‬أحمد عبد الغفـور عطـار‪ ،‬بـيروت‪ ،‬دار العلم للمــاليين‪،‬ـ ط‪،2‬‬
‫‪ ،3/2452 ،1984‬مادة‪( :‬فتى)‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) سورة النساء‪.127/‬‬
‫(?) القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬دت‪.402/ 5 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أخرجه الدارمي‪ ،‬السنن‪ ،‬كتاب‪ :‬البيوع‪ ،‬باب‪ :‬دع ما يريبك‪ ،‬ح‪.2533 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) ابن رجب الحنبـلي‪ ،‬جامع العلوم والحكم‪ ،‬الرياض‪ ،‬مكتبة العبيكــان‪ ،‬ط‪،1993 ،1 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫ص‪ :249‬وما بعدها‪.‬‬


‫(?) سعدي أبو جيب‪ ،‬القاموس الفقهي‪ ،‬ص‪.281 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) في سورة النساء اآليتين‪ ،)127/176( :‬الصافات اآليتين‪ ،)11/149( :‬يوسف اآلية‪( :‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪ ،)43‬الكهف اآلية‪ ،)22( :‬النمل اآلية‪.)32( :‬‬


‫ــ ‪ 226‬ـ‬
‫ب ـ اصطالحا‬
‫عرفها صـاحب القـاموس الفقهي قـائال‪:‬‬ ‫أ ّما الفتـوى في االصـطالح فقد ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫هي الجــواب ع ّما يشــكل من المســائل الشــرعية ‪ ،‬وهي أيضــا‪ :‬حكم الشــرع‬
‫الذي يخبر عنه المفتي بإفتائهـ(‪.)2‬‬
‫وعرّفها الحطّاب من المالكيةـ بقوله‪ :‬هي اإلخبــار بحكم شـرعي ال على‬
‫وجه اإللزام(‪.)3‬‬
‫تحدث عن الفرق بينها وبين الحكم قائــال‪(( :‬فأ ّما‬ ‫وعرفها القرافي عندما ّ‬ ‫ّ‬
‫أن المفتي مع هللا كــالمترجم مع‬ ‫الفتوى فهي إخبار عن هللا تعالى‪ ،‬وبيان ذلك ّ‬
‫القاضي‪.)4())....‬‬
‫وأشمل تعريف في رأينا هو تعريف الدكتور يوسف القرضاوي إذ قال‪:‬‬
‫((هي بيــان الحكم الشــرعي في قضــية من القضــايا جوابًا على ســؤال ســائل‪،‬‬
‫معيّن كان أو مبهم‪ ،‬فرد أو جماعة))(‪.)5‬‬
‫ـ فقه النوازل‬
‫ـ فقه النـــوازل‪ :‬مـــر ّكب إضـــافي من كلمـــتين‪ :‬كلمة (الفقـــه)‪،‬ـ وكلمة‬
‫(النــوازل)‪ ،‬والفقه هو الفهم العميــق‪ ،‬واصــطالحًا‪ :‬العلم باألحكــام العملية من‬
‫أدلّتها التفصيلية‪.‬ـ‬
‫والنوازل في اللغة‪ :‬جمع نازلة‪ ،‬وهي اسم فاعل‪ ،‬وتطلق على المصيبة‬
‫الشديدة من شدائد الدهر التي تنزل بالناس‪،‬ـ قال الشاعر‪:‬‬
‫ْ‬
‫ذرْ عًا وعند هللاِ فيها المخ َر ُج‬ ‫ق بها الفتى‬ ‫ولرُبَّ نازل ٍة يضي ُ‬

‫وأ ّما في االص طالح‪ :‬فقد اختلف المتــــأ ّخرون في تعريفها على عــــ ّدة‬
‫تعريفات‪:‬ـ‬
‫ّ‬
‫فقيل‪ :‬إنها الوقائع الجديدة التي لم يسبق فيها نصّ أو اجتهاد‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬بأنّهاـ الحادثة الجديدة التي تحتاج إلى حكم شرعي‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬الحادثة التي تحتاج إلى حكم شرعي‪.‬‬

‫(?) سعدي أبو جيب‪ ،‬القاموس الفقهي‪ ،‬ص‪.281 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) عبد الكريم زيدان‪ ،‬نظام اإلفتاء‪ ،‬قسنطينة‪ ،‬دار البعث‪ ،1958 ،‬ص‪.81 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) الحطاب‪ ،‬مواهب الجليل‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪.1/32 ،1992 ،3‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) القرافي‪ ،‬الفروق‪ ،‬بيروت‪ ،‬عالم الكتب‪.4/89 ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) محمد عمر الحاجي‪ ،‬عولمة الفتوى‪ :‬مالها وما عليها‪ ،‬دار المكتبي‪ ،‬دمشــق‪ ،‬ط‪،1 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ ،2010‬ص‪18 :‬‬
‫ــ ‪ 227‬ـ‬
‫ويعرّفها أستاذناـ الفاضل الدكتور الزحيلي بقوله‪(( :‬النوازل أو الواقعات‬
‫أو العمليات‪ :‬هي المسائل أو المستج ّدات الطارئةـ على المجتمع‪ ،‬بسبب ّ‬
‫توس ـع‬
‫األعمال‪ ،‬وتعقّد المعامالت‪،‬ـ والتي ال يوجد نصّ تشريعي مباشــر‪ ،‬أو اجتهــاد‬
‫فقهي سابق ينطبق عليها))(‪.)1‬‬
‫وهناك تعريفات أخرى‪ ،‬لكن نكتفي بهذه التعريفات‪.‬ـ‬
‫أن النازلة في االصــطالح‪(( :‬هي الحادثة الجدي دة‬ ‫وأقرب هذه األقوال‪ّ :‬‬
‫التي تحتاج إلى حكم شرعي))‪.‬‬
‫فقولنـــا‪(( :‬الحادثة الجديـــدة)) أي ما يَ ِجـــ ُّد من الوقـــائع والمســـائل الـــتي‬
‫تستدعي إلى بيان حكمها الشرعي باالجتهاد عند أهل العلم‪.‬‬
‫وقولنا‪(( :‬التي تحتاج إلى حكم شرعي)) يُخرج الحوادث الجديدة الــتي ال‬
‫تحتاج إلى حكم شرعي؛ مثل البراكين‪ ،‬والزالزل‪ ،‬والفيضانات‪.‬ـ فهذه حوادث‬
‫جديدة لكنها من أقدار هللا الكونية القدرية‪ ،‬ومثل هذه ال ينظر فيها المكلّف فيما‬
‫يتعلّق بحدوثها هل يحتاج إلى حكم شرعي أو ال يحتاج‪.‬‬
‫وقولنا‪(( :‬التي تحتاج إلى حكم شرعي)) يخرج الحوادث التي استق ّر فيها‬
‫الرأي واتّفق على حكمها‪.‬‬
‫أهمية دراسة فقه النوازل‬ ‫ـ ثانيا ـ ّ‬
‫‪ 1‬ـ إنارة السبيل أمام الناس بإيضــاح حكم هــذه النازلة حتّى يعبــدوا هللا‬
‫على بصــيرة وهــدى ونــور؛ في منهج إســالمي واضح فلو تــرك المجتهــدون‬
‫التصدي لتلك النـــوازل دون إيضـــاح ألحكامها لصـــار النـــاس في تخبّط ثمّ‬‫ّ‬
‫ُض ّل‪.‬‬ ‫استفتوا من هو غير مؤهّ ٍل‪ ،‬وهذا قد يفتي بغير علم فيَ ِ‬
‫ض ّل وي ِ‬
‫التصدي لدارسة فقه النوازل من العلماء عند وقوع الواقعة إلظهــار‬
‫ّ‬ ‫‪2‬ـ‬
‫لكل زمان ومكان‪،‬‬
‫حكمها الشرعي يبيّن للعالم أجمع كمال الشريعة وصالحها ّ‬
‫وأنها الكفيلة بتقــديم الحلــول الناجعة لكل‬
‫وأنها هي الشريعة الخالدة الباقيــة‪ّ ،‬‬
‫المشكالت والمعضالت‪ .‬فاهلل ‪ ‬يقول‪ :‬ﮋﭻـ ﭼـ ﭽـ ﭾـ ﭿـ ﮀـ ﮁـ ﮂـ ﮃـ ﮄ‬
‫ﮅﮊ(‪.)2‬‬

‫(?) د‪ .‬وهبة الـــزحيلي‪ ،‬س بل االس تفادة من الن وازل والفت اوى والعمل الفقهي في‬ ‫‪1‬‬

‫التطبيقات المعاصرة‪ ،‬دار المكتبي‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪ ،2001 ،1 :‬ص‪5 :‬‬


‫‪2‬‬
‫(?) سورة المائدة‪.3/‬‬
‫ــ ‪ 228‬ـ‬
‫‪ 3‬ـ كسب األجر والمثوبةـ من هللا ‪ ،‬فــإنّ الــدارس "للنازلــة" المتجرّد‬
‫الذي يريد أن يصل إلى حكمها الشــرعي إذا بــذل جهــده ووصل إلى حكم فيها‬
‫فهو مأجور‪ ،‬إن أصاب فله أجران‪ ،‬وإن أخطأ فله أجر‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ الحـــرص على تأدية األمانة الـــتي ح ّملها هللاُ العلمـــا َء؛ فقد أخذ هللاُ‬
‫ق على العلمــاء ببيــان األحكــام الشــرعية وعــدم كتمانهــا‪ ،‬وقد حصر‬ ‫الميثــا َـ‬
‫التصدي للفتوى في النوازل ما اســتطاعوا إلى‬ ‫ّ‬ ‫التكليف بهم؛ فكان لزاما ً عليهم‬
‫للذمة بالقيام بتكاليفـ إبالغ العلم وعدم كتمانه‪.‬‬ ‫ذلك سبيالً‪ ،‬وذلك إبراء ّ‬
‫كل عصر أحكامها‬ ‫المســتجدة في ّ‬
‫ّ‬ ‫شك أنّ إعطــاء النــوازل‬
‫‪ 5‬ـ وال ّ‬
‫مهمة التجديد لهذا الدين‪ ،‬وإحيــاء‬
‫ّ‬ ‫الشرعية المناسبة يدخل دخوالً أوّليًا تحت‬
‫ما اندرس من معالمه‪.‬ـ‬
‫ثالثا ـ بطاقة تعريفية للشيخ عبد الرحمن بن عمر بكلي‬
‫هو الشــــيخ عبد الــــرحمن بن عمر بَ َكلّي‪ُ ،‬ولِد في مدينةـ العطف بوالية‬
‫غرداية يـــوم الخميس ‪ 20‬جمـــادى الثانية ‪ 1319‬هـ‪ ،‬الموافق لــــ‪ 3 :‬أكتـــوبر‬
‫‪1901‬م‪.‬‬
‫ُع ِرف بالبكري‪ ،‬نسبة إلى أبي بكر الص ّديق الذي يُ ْنهيـ إليه نسبه‪.‬‬
‫تعلّم القرآن ومبادئ التوحيد بمحضــرة المســجد العــتيق بـالعطف‪ ،‬وأخذ‬
‫مبادئ الفرنسية بالمدرسيةـ الرسمية بنفس المدينة‪.‬ـ‬
‫درس علـــوم اللغة والشـــريعة اإلســـالمية بـــالعطف‪،‬ـ كما حفظ القـــرآن‬
‫واستظهره وهو في مقتبلـ العمر‪.‬‬
‫انتقلـ سنة ‪ 1922‬إلى تونس‪ ،‬فــالتحق بالبعثة العلمية الميزابيةـ الــتي كــان‬
‫يشرف عليها الشيخ أبو اليقظان إبراهيم بن عيسى ~‪.‬‬
‫وقد درس في الزيتونة على يد فطاحل العلمـــاء أمثـــال‪ :‬الشـــيخ مح ّمد‬
‫الطــاهر بن عاشــور الــذي أخذ عنه التفســير واألدب‪ ،‬والشــيخ الطيّب ســيّالة‬
‫قاضي تونس‪ ،‬وقد أخذ عنه البالغة‪ ،‬أ ّما الشــيخ مح ّمد الزغــواني فقد أخذ عنه‬
‫علم األصول‪ ،‬كما درس كتاب األشموني على الشيخ الصادق الــنيفر‪ ،‬ودرس‬
‫جمع الجوامع على الشيخ مح ّمد بن القاضي‪.‬‬

‫ــ ‪ 229‬ـ‬
‫يكتف بما يق ّدم له في الزيتونة‪ ،‬بل التحق‬
‫ِ‬ ‫وم ّما يالحظ على الشيخ ~ أ ّنه لم‬
‫بالمدرسة الخلدونية لينهل من العلوم العصرية على يد كبار العلماء منهم المؤرّخ‬
‫عثمان الكعّاك‪ ،‬واألستاذ حسن حسني عبدالو ّهاب والشيخ العبيدي‪.‬‬
‫في ســنة ‪ُ 1931‬د ِع َي الشــيخ عبد الــرحمن للمشــاركة في تأســيس جمعية‬
‫العلماء المسلمين الجزائريين وشارك في لجنة صياغة قانونها األساسي‪.‬‬
‫ونظــرًا لثقافته اللغوية المزدوجة فقد كــان يــترجم أه ّم المقــاالت الــتي‬
‫كانت تصدر في الصحف الفرنسية بالجزائر وفرنسا‪.‬‬
‫وقد نشر الشــيخ في تلك الفــترة سلســلة من المقــاالت في صــحف أبي‬
‫اليقظـــان‪،‬ـ يوقّعها باسم البكـــري‪ ،‬وتنـــ ّوعت الموضـــوعات الـــتي كتبهـــا‪ ،‬من‬
‫مواضيع تنقد األوضاع الثقافية أو االجتماعية أو االقتصــادية‪ ،‬إلى المواضــيع‬
‫السياسية أو األحداث العالمية‪.‬ـ‬
‫في سنة ‪ُ 1939‬د ِع َي إلى مدينة بريــان‪ ،‬وتفـرّغ للتعليم وإدارة المدرســة‪،‬‬
‫ث ّم ُعيّنَ واعظًا ومرشدًا‪ ،‬ث ّم مفتيًا وعض ًوا في حلقة الع ّزابة(‪ )1‬ث ّم رئيسًا لها‪.‬‬
‫شارك مشــاركة فعّالة في العمل السياسي والتنظيميـ في الثــورة‪ ،‬وألق َي‬
‫عليه القبض في سنة ‪ 1957‬واعتقله االستعمار ع ّدة شهور في سجن األغواط‪.‬‬
‫في ســنة ‪ 1966‬عيّن عضـ ًوا بــالمجلس اإلســالمي األعلى‪ ،‬وعضـ ًوا في‬
‫لجنة اإلفتاء لنفس المجلس‪.‬‬
‫عمي ســعيد‪( ،‬وهو الهيئة العليا لمســاجد اإلباضــية في‬ ‫ّ‬
‫تــولى رئاسة مجلس ّ‬
‫الجزائر) وذلك ّلما عجز الشيخ بيوض إبراهيم ~ عن حضور جلسات المجلس(‪.) 2‬‬
‫في صبيحة يوم األربعــاء ‪ 22‬محـرّم ‪ 1400‬الموافق نوفمــبر ‪ 1979‬افتتح‬
‫في مكتبته نــدوة فقهية ســ ّميت نــدوة األربعــاء‪ ،‬وهي نــدوة تكوينية لألئ ّمــة‪،‬‬
‫ومجمعًا للفتوى الجماعية‪.‬‬
‫تــوفّي ~ في بريــان مســاء يــوم االثــنينـ ‪ 03‬جمــادى األولى ‪1406‬هـ‪،‬‬
‫الموافق يوم ‪ 13‬جانفي ‪1986‬م‪.‬‬
‫وتتمثّلـ أعماله المطبوعة فيما يأتي‪:‬‬

‫(?) الهيئة الدينيةـ في مساجد اإلباضية‬ ‫‪1‬‬

‫ّ‬
‫(?) فتاوى البكري‪ ،‬عبد الــرحمن بن عمر بكلي‪ ،‬تحقيــق‪ :‬داود بورقيبــة‪ ،‬مكتبة البكــري‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫غرداية‪ ،‬ط‪ ،2003 ،1 :‬القسم األوّل‬


‫ــ ‪ 230‬ـ‬
‫ـ ح ّقق كتــاب "النيل" للشــيخ ضــياء الــدين عبد العزيز الثميــني في ثالثة‬
‫أجزاء‪.‬‬
‫ـ حقق كتاب "قواعد اإلسالم" للشيخ إسماعيل الجيطالي النفوسي في جزأين‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ـ جمع "فتاواه" وأصدرها في جزأين‪ ،‬وقد أعيد طبعهاـ أخيرًا في أربعة‬
‫أقســام‪ ،‬تحت عنــوان "فت اوى البك ري" من تحقيق وإخــراج الــدكتور داود‬
‫بورقيبة‪.‬‬
‫ـ "محاض رات البك ري في العلم والعلم اء" وهي مجموعة بحـــوث‬
‫ومحاضرات كتبها في مناسبات مختلفة من جمع وتقديم الدكتور مصطفى باجو‪.‬‬
‫ـ "خطب الجمعة للبك ري" في جــزأين من تحقيق وإخــراج الــدكتور داود‬
‫بورقيبة‪.‬‬
‫ـ "جمهرة رسائل البكري"من تقديم ابنه األستاذ عبد الوهّاب بكلي‪.‬‬
‫ـ ومجموعة أخرى من المؤلّفات المطبوعة أو المخطوطة‪.‬‬
‫نظمتـ وزارة الشؤون الدينيةـ والمجلس اإلسالمي األعلى أيّا ًما دراســية‬ ‫ّ‬
‫حول فكره‪ ،‬أيّام‪ 21 :‬ـ ‪ 23‬مارس ‪ 2002‬في مدينة بريان‪ ،‬والية غرداية‪.‬‬
‫رابعا ـ ضوابط اإلفتاء في النوازل عند الشيخ‬
‫‪ 1‬ـ التأكّد من وقوع النازلة أو توقّع حصولها‬
‫على المجتهد أو المفتي في النوازل أن يتأكّـد من وقــوع النازلــة‪ ،‬وال‬
‫ينظر في المســائلـ الغريبة والنــادرة أو المســتبعدة الحصــول‪ ،‬وإذا كــانتـ‬
‫المسألة م ّما يتوقّع حصــوله عقالً وإن لم تقع حقيقة فتســتحبّ اإلجابة عنهــا‪،‬‬
‫والبحث فيها‪ ،‬ألجل البيانـ والتوضيح ومعرفة حكمها إذا نزلت‪.‬‬
‫وقد كان الشيخ ~ يفتي في المسائل التي يتعرّض لها المســتفتون وقد‬
‫وقعــــوا فيها فعالً‪ ،‬نفهم ذلك من قولــــه‪ّ (( :‬‬
‫إن فتــــواي موجّهة لمن وقع في‬
‫محذور وأراد أن يتحلّل منه‪،‬ـ إنقا ًذا له من ورطته))(‪.)1‬‬
‫ـ فهم النازلة فه ًما دقيقًا‬
‫ويع ّد فقه النوازل المعاصــرة من ّ‬
‫أدق مســالك الفقه وأعوصــها‪ ،‬حيث‬
‫إنّ النــاظر فيها يطــرق موضــوعات لم تطــرق من قبل ولم يــرد فيها عن‬

‫(?) فتاوى البكري‪ ،‬عبد الــرحمن بن عمر بكلّي‪ ،‬تحقيــق‪ :‬داود بورقيبــة‪ ،‬مكتبة البكــري‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫غرداية‪ ،‬ط‪ ،2003 ،1 :‬القسم األوّل‪ ،‬ص‪12 :‬‬


‫ــ ‪ 231‬ـ‬
‫مســتجدة‪ ،‬يغلب على معظمهاـ طــابع العصر‬
‫ّ‬ ‫الســلف قــول‪ ،‬بل هي قضــايا‬
‫متنوعة قديمة وحديثة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫حلــول علميةـ لمشــكالت‬
‫ٍ‬ ‫الحــديث المتميّــز بابتكــارـ‬
‫واستحداث وسائل جديدة لم تكن تخطر ببال البشر يو ًما من الدهر‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلقـ كــان ال بدّ للفقيه المجتهد من فهم النازلة فه ًما دقيقًا‬
‫تصورًا صحيحًا قبل البدء في بحث حكمها‪ ،‬والحكم على الشيء‬ ‫ّ‬ ‫وتصوّرها‬
‫تصوره‪ ،‬وكم ُأتِي البــاحث أو العــالم من جهة جهله بحقيقةـ األمر‬ ‫ّ‬ ‫فــرع عن‬
‫يتصور أمـرًا‬
‫ّ‬ ‫يتحدث فيه! فالناس في واقعهم يعيشون أمـرًا‪ ،‬والبــاحث‬
‫ّ‬ ‫الذي‬
‫آخر ويحكم عليه(‪.)1‬‬
‫والتعرف على‬
‫ّ‬ ‫تفهم المســـــــــألة من جميع جوانبهاـ‪،‬‬
‫بد حينئذ من ّ‬
‫فال ّ‬
‫جميع أبعادهاـ وظروفها وأصولها وفروعها ومصطلحاتهاـ وغير ذلك ممّا له‬
‫تأثير في الحكم فيها‪.‬‬

‫وقد كان الشيخ ~ يستنفذ الجهد في البحث‪ ،‬ومن أمثلة ذلك قول الشيخ‬
‫إن األ ّمة في‬ ‫في العمل بالحســاب الفلكي في إثبــات أوائل الشــهور القمريــة‪ّ (( :‬‬
‫الش ْه ُر َه َك َذا‬
‫ب َّ‬ ‫عهده × أ ّمة أ ّمية كما قال ×‪ِ« :‬إنَّا ُأ َّمةٌ ُأ ِّميَّةٌ اَل نَ ْكت ُُب َواَل نَ ْح ُ‬
‫س ُ‬
‫َو َه َك َذ»(‪ ،)2‬يعــنيـ تســعة وعشــرين يو ًما أو ثالثينـ يو ًمــا‪ .‬وكــان من‬
‫الطـــبيعيـ أن ال يكلّفها بما ليس في اســـتطاعتها كالحســـاب الفلكي‬
‫تتيس ـر لك ـ ّل أحــد‪ ،‬ولم‬ ‫ّ‬ ‫مثالً‪ ،‬بل علّق إثبــات الشــهر بالرؤية الــتي‬
‫يقصد أن تكـــــون الرؤية تعبّدية ال يمكن الحيد عنها إلى وســـــيلة‬
‫أخرى يحصل بها العلم بثبوتـ الشــهر مــتى رفعت أ ّميتهاـ وتــوفّرت‬
‫لــديها وســائلـ العلم‪ ،‬بل ألنّها الوســيلة الوحيــدة الــتي تملكها وقتئــذ‪،‬‬
‫كيف والغــرض من بعثتهـ × هو أن يخــرج أ ّمته من الظلمــات إلى‬
‫وأن هللا تعالى يقول في كتابهـ الكريم‪ :‬ﮋ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬ ‫ّ‬ ‫النور‪،‬‬
‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﮊ(‪ ، )3‬وقال‪ :‬ﮋﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬

‫(?) د‪ .‬مسفر القحطاني‪ ،‬م‪ .‬س‪ ،‬ص‪67 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ولفظه عند البخــاري‪ 1780 :‬عن النــبي × أنه قــال إنا أمة أمية ال نكتب وال نحسب‬ ‫‪2‬‬

‫الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثالثين‪.‬‬


‫‪3‬‬
‫(?) سورة يونس‪.5/‬‬
‫ــ ‪ 232‬ـ‬
‫ﮐـ ﮑـ ﮒـ ﮓـ ﮔـ ﮕـ ﮖـ ﮗﮊ(‪ ،)1‬فالقرآن الكريم يحثّنا على علم‬
‫الهيئة الذي يفيد العلم اليقيني بدخول الشهر‪ ،‬أترى يحثّناـ على تعلّم‬
‫شيء حتّى إذا ما توفّرت لـدينا أسـبابه حجـره علينـا؟ هـذا لعمـرك‬
‫في القياس بديع‪.‬‬
‫ولقد تقـ ّدم هــذا العلم في عصــرنا تقـ ّد ًما عجيبًــا‪ ،‬وأصــبح من‬
‫الدقّة والضـــــــبط بحيث ال تختلف مراصـــــــده العالميةـ وقت والدة‬
‫الهالل‪ ،‬ال في ساعة أو دقيقــة‪ ،‬وال في ثانيةـ أو ثالثــة‪ ،‬وأصــبحت‬
‫الجزائر تملك مرصـــدين عـــالميين هما مرصد بوزريعة بالعاصـــمة‬
‫ومرصد تامنراســـت‪،‬ـ يتـــأتّى لها بهما أن تتبنّى مســـالة إثبـــاتـ أ ّول‬
‫رمضــان‪ ،‬وأ ّول شـ ّوال‪ ،‬كما أثبتتـ أوقــات ســائر العبــادات‪.‬ـ على ّ‬
‫أن‬
‫حــديث الرســول الــذي رواه اإلمــام الربيع بن حــبيب في مســنده‬
‫الصحيح عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن أبي سعيد الخدري‬
‫صو ُموا َحتَّى تَ َر ْوا ا ْل ِهاَل َل َواَل تُ ْف ِط ُروا َحتَّى تَ َر ْوهُ‬ ‫أنّه × قال‪« :‬اَل تَ ُ‬
‫(‪) 2‬‬
‫فَ ِإنْ ُغ َّم َعلَ ْي ُك ْم فَا ْق ُد ُروا لَ هُ» ‪ ،‬يشير إلى الحســاب الفلكي بقولــه‪:‬‬
‫فسـره فريق من العلمــاء‪ ،‬منهم مطـرّف بن‬ ‫«فَا ْق ُد ُروا لَ هُ»‪ ،‬وبــذلك ّ‬
‫الشجري من التابعين))(‪.)3‬‬
‫ـ التثبّت والتح ّري واستشارة أهل االختصاص‬
‫ّ‬
‫ومن نمـــــاذج رجـــــوع الشـــــيخ عبد الـــــرحمن بكلي ألهل‬
‫االختصــاص ما قــام به حين ســئل‪ :‬إذا ك انت ام رأة في حالة احتض ار‪،‬‬
‫بشق بطنها ولو أدّى ذلك‬ ‫ّ‬ ‫وأثبت األطبّ اء حي اة جنينه ا‪ :‬فهل يج وز إخراجه‬
‫ّ‬
‫إلى استعجال موته ا؟‪ ،‬فق ال‪(( :‬ال يسـوغ بحـال أن يشـق بطن األ ّم ويسـتعجل‬
‫ُب موت األ ّم‪ ،‬فاإلقدام على‬‫موتها إلنقاذ جنينها‪،‬ـ وإن أثبت األطبّاء حياته‪ ،‬وقَر َ‬
‫أن حقيقة األجل ال يعلمها إالّ‬ ‫ذلك إقــدام على قتل النفس الــتي حــرّم هللا‪ .‬على ّ‬
‫هللا وحده‪ ،‬فكم من واحد شهد األطبّاء بدخوله حــال االحتضــار‪ ،‬وأن ال رجــاء‬
‫في بقائه‪ ،‬أنسأ هللا في أجله‪ ،‬فاستفاق من ســكرته‪ ،‬وانجلت عنه غمرتــه‪،‬ـ فعــاد‬
‫إليه صــحوه وعــاش بعد ذلك ما شــاء هللا أن يعيش‪ ،‬فلن يســوغ إزهــاق روح‬
‫محقّقة كما ال يسوغ ـ من باب أوْ لى وأحــرى ــ اإلجهــاز على األصل اســتبقا ًء‬
‫للفرع‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) سورة اإلسراء‪12/‬‬
‫(?) رواه الربيع‪ ،323 :‬وجاء عند البخاري‪ 1773 :‬بلفظ‪ » :‬ال تَصُو ُموا َحتَّى ت ََر ُوا ْال ِهاَل َل‬ ‫‪2‬‬

‫َواَل تُ ْف ِطرُوا َحتَّى تَ َروْ هُ فَِإ ْن ُغ َّم َعلَ ْي ُك ْم فَا ْق ُدرُوا لَـهُ « وغ ّم أي‪ :‬حــال الغيم بينكم وبين رؤية‬
‫الهالل‪.‬‬
‫ّ‬
‫(?) فتاوى البكــري‪ ،‬عبد الــرحمن بن عمر بكلي‪ ،‬تحقيــق‪ :‬داود بورقيبــة‪ ،‬القسم ‪ ،2‬ص‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 142‬ـ ‪143‬‬
‫ــ ‪ 233‬ـ‬
‫هذا كلّه فيما إذا كــانت ال تــزال في األ ّم بقية حيــاة‪ ،‬لكن إذا تحقّق موتها‬
‫وأثبتـ األطبّــاء حيــاة جنينهاـ(‪ )1‬فالعلمــاء في هــذه الحالة على فــريقين‪ :‬فريق‬
‫ق بطن األ ّم وإخراج جنينها الح ّي رعاية للمصلحة الراجحة؛ وفريق‬ ‫يوجب ش ّ‬
‫ّ‬
‫آخر ـ ـ ومنهم علماؤنا ـ ـ ال يجــيزون العمليــة‪ ،‬وإن تحقق مــوت األ ّم لحــديث‪:‬‬
‫ائنَا»‪ .‬وهللا أعلم))(‪.)2‬‬
‫حيَ ِ‬
‫حرَمِة َأ ْ‬
‫«حرَمُة َأْمواتِنَا كَ ْ‬
‫ْ‬
‫ـ النظر عند الفتوى في النازلة إلى جوانبها المختلفة‬
‫فقد كــان ~ عنــدما تعــرض عليه النــوازل‪ ،‬أو يســتفتى ينظر‬
‫إلى المســألة المعروضة من جوانبها المختلفــة‪ :‬الصــحّية واالجتماعيةـ‬
‫واألخالقيــة‪ ،‬إضــافة إلى الجــانب الشــرعي‪ ،‬وهــذا من الفقه بالــدين‪،‬ـ‬
‫ألن مســائل التشــريع مرتبطةـ بك ـ ّل الجــوانب ذات الصــلة باإلنســان‬ ‫ّ‬
‫بمعزل عنهــا‪ ،‬وهــذا النظر هو الــذي يميّز الفقيه‬ ‫ٍ‬ ‫والمجتمع‪،‬ـ وليست‬
‫ّ‬
‫عن المتفيقــه‪،‬ـ ومن ذلك ما جــاء في الفتــوى المتعلقة بحبــوب منع‬
‫الحمـــل‪ ،‬فقد ســـئل‪ :‬هل يس وغ اس تعمال حب وب منع الحيض والحمل‬
‫العتبارات معقولة؟‪.‬‬
‫فأج اب ~‪(( :‬كــ ّل ما عطّل ســير الحيــاة الطبيعيةـ في اإلنســان أو غيّر‬
‫مجراه الب ّد وأن يكــون له ر ّد فعل طــال الــزمن أو قصر إذ لو لم يكن لتعاطيهـ‬
‫تــأثيرـ ما كــان هنــاك تعطيلـ أو تغيــير‪ .‬ومن ذلك ما يــذكره بعض األطبّــاء‬
‫المخلصين عن حبوب وأقراص تأخير الحيض ومنع الحمل من ّ‬
‫أن لها تــأثيرًا‬
‫خبيثًا وخطيرًا على الالئي يستعملنهاـ وإن بعد حين‪ ،‬ذلك هو ما يعقب من قلق‬
‫واهتياج األعصاب م ّما يك ّدر صــفو حياتهاـ وهو ما يســتروح من قوله تعــالى‪:‬ـ‬
‫أن دم الحيض داء‪ ،‬فاحتقانهـ‬ ‫ﮋﮠـ ﮡـ ﮢﮣ ﮤـ ﮥ ﮦﮊ(‪ ،)3‬فقد أخبر العليم الخبير ّ‬
‫في جسم المرأة واتّخــاذ الوســائلـ لمنع خروجه اســتبقاء للــداء‪ ،‬ســوف ال تلبث‬
‫عواقبه السيّئة أن تنبعثـ من جديد إن لم تظهر ســريعًا مــتى كــان الجسم يتمتّع‬
‫فإن ظهوره فيه متى ضعفت تلك الحصانة أو فقدت يكــون‬ ‫صحّية ّ‬ ‫بالحصانة ال ّ‬
‫نتيجة طبيعية‪.‬‬
‫ودم الحيض في جسم المرأة كالبخار في جوف األرض‪ ،‬إ ّما أن يخــرج‬
‫وإ ّما أن يحدث زلزاالً‪ ،‬ولوال ما يعلمه هللا من ضــرر في حبس حيض المــرأة‬
‫ما أهدر ألجله حرمة الصالة والصيام‪ ،‬فأوجب عليها اإلفطار وتــرك الصــالة‬
‫أن ك ـ ّل ما يض ـ ّر بالص ـحّة ويفقــدها توازنها يحــرم‬ ‫أيّــام الحيض‪ .‬وأنت خبــير ّ‬

‫‪ )?( 1‬يقول الشيخ ~‪(( :‬سألت الدكتور حجاج إبراهيم الطبيب الجـراحي بمستشــفى غرداية‬
‫إن الجــنين ال يبقى حيًّا بعد أ ّمه أكــثر من خمس إلى عشر‬ ‫ميزاب‪ ،‬عن المســألة فأجــابني‪ّ :‬‬
‫دقائق‪ ،‬وفي إنقاذه مخاطرة‪ ،‬السـتلزامه أن يكـون الطـبيب حاضـرًا في الدقيقة األولى من‬
‫موت األ ّم‪ ،‬وال رجاء في استمرار حياته إذا بلغ الشهر السابع فأكثر واعتن َي به طبّيًّا))‪.‬‬
‫‪ )?( 2‬فتاوى البكري‪ ،‬عبد الرحمن بن عمر بكلّي‪ ،‬تحقيق‪ :‬داود بورقيبة‪ ،‬القسم ‪ ،3‬ص‪9 :‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) سورة البقرة‪.222/‬‬
‫ــ ‪ 234‬ـ‬
‫ضَرَر وََال ض َِرا َر»(‪ .)1‬أ ّما ما يشــاع ويــذاع‬
‫«ال َ‬
‫تعاطيهـ شرعًا لقول الرسول ×‪َ :‬‬
‫وأن من‬ ‫أنّه ال ضـرر في تعاطيها فمن الدعاية المزدوجة لترويجها وانتشــارها‪ّ ،‬‬
‫أمعن النظر في شأن هذه الحبوب واألقراص‪ ،‬وجدها من ابتكارات دعـاة تحديد‬
‫النسل اإلبـــاحيين الـــذين يســـهّلون للشـــبان والشـــوابّ طـــرق التنقّل في مراتع‬
‫الشهوات‪ ،‬إشباعًا لغريــزتهم الجنســية‪ ،‬وهم في مــأمن أن تنــالهم آثــار انهمــاكهم‬
‫السيّئة))(‪.)2‬‬
‫ـ اغتنام الفرصة لنصح المس تفتي وت ذكيره ببعض التع اليم‬
‫الشرعية‬
‫ّ‬
‫ليبث‬ ‫لقد كـــان الشـــيخ ~ يســـتغ ّل المســـائلـ المعروضة عليه‬
‫للسائل التوجيهات المناسبة‪،‬ـ وهو ال يألو جهدًا في وعظه وإرشاده‪،‬‬
‫وتذكيره في ثنايا إجابتــه‪ ،‬وهــذا متوافق مع رأي بعض العلمــاء إذ‬
‫يقــول‪(( :‬وينبغيـ للنــاظر في النازلة أن يعتــبر نفسه عند اإلجابة مفتيًا ومعلّ ًما‬
‫ومصلحًا وطبيبًا ومرشدًا))(‪.)3‬‬
‫ومن ذلك ما جاء في ر ّده عن الســؤال المــذكور ســابقًا‪...(( :‬أ ّما‬
‫األسباب التي بدت لك مبيحة لمنع اإلنجاب‪ ،‬فأكثرها خيال ووهم‪ ،‬فــأين اإليمــان‬
‫باهلل الخالق الرازق الهادي من يشاء من عبــاده إلى ما فيه خــيره وســعادته؟ فما‬
‫ال أن تحسن ظنّك باهلل‪ ،‬وتحتسب أجرك لديه‪ ،‬وتحسر عن ذراعيك للقيام‬ ‫عليك إ ّ‬
‫األبوة من تنشــئتهم تنشــئة صــالحة ما اســتطعت‪ ،‬ث ّم ال‬ ‫ّ‬ ‫بما يفرضه عليك واجب‬
‫عليك بعد ذلك‪ ،‬فلست بمسؤول ع ّما عدا ذلك من صالح وطهر‪ .‬قال هللا تعــالى‪:‬‬
‫ﮋﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮊ(‪ ، )4‬وقال‪ :‬ﮋﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ‬
‫ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝﮊ(‪.)5‬‬
‫ولو استرسل النــاس وراء تخيّالتك لتعطّلت وظيفة اإلنســانية وانقطعتـ‬
‫الخليقة‪ ،‬ول ّما كنت أنت في حيّز الوجود‪.‬‬
‫الدنيا يا هذا كفاح وتضحية واعتراف بالجميل‪،‬ـ إنّها ر ّد قرض ق ّدم إليك‬
‫يــوم كنت ال تعلم يمينكـ من شــمالك وال يــدري من ربّــاك أينسأ في أجلك حتّى‬
‫تقابل إحسانه بإحسان‪،‬ـ أم تذهب جهوده هدرًا‪ .‬ال يدري أتصبح عض ًوا صالحًا‬
‫في المجتمع زينة لمن ربّــاك أم تكــون بــالعكس من ذلك ال ق ـ ّدر هللا‪ .‬هــذا من‬
‫مخلصـا حتّى صــار‬ ‫ً‬ ‫جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى هبك ربّيت ولدًا فأحســنت تنشــئته‬
‫عال ًما يعبد هللا ويتّقيه‪،‬ـ وينشر دينه وينير طريق الســعادة في وجه الخلــق‪ ،‬أفال‬
‫يسرّك أن تكون شــري ًكا له فيما كسب من أجر ســواء في حياتك أو بعد مماتك‬
‫‪ )?( 1‬رواه ابن ماجه‪2331 :‬‬
‫ّ‬
‫‪ )?( 2‬فتاوى البكري‪ ،‬عبد الرحمن بن عمر بكلي‪ ،‬تحقيق‪ :‬داود بورقيبة‪ ،‬القسم ‪ ،3‬ص‪29 :‬‬
‫ـ ‪30‬‬
‫‪ )?( 3‬مسفر القحطاني‪ ،‬م‪.‬س‪ ،‬ص‪96 :‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) سورة البقرة‪.272/‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) سورة القصص‪.56/‬‬
‫ــ ‪ 235‬ـ‬
‫جزاء إخالصك في تنشئته؟ـ أو ربّيت بنتًا فأنجبت زعي ًما يقدم قومه أيّام الش ـ ّدة‬
‫ويتح ّمل أعبــاءهم الثقيلة فيــوردهم مــورد الع ـ ّزة والكرامــة‪ ،‬أتــدري بربّك كم‬
‫يكون ربحك عند هللا عظي ًما؟‬
‫كلّ ذلك عند االختيار‪ ،‬أ ّما إذا اعترتك حــاالت اســتثنائية وظــروف قــاهرة‬
‫ال إلى الخطر حقيقة ال وه ًما ـ وليس مـرض الثـديين من ذلك ــ‬ ‫عرضت باأل ّم مث ً‬
‫يســـوغ لنا حينئذ تنظيم النسل ــــ ال‬ ‫ّ‬ ‫فاهلل أرحم أن يح ّملنا ما ال طاقة لنا بـــه‪ ،‬بل‬
‫ّ‬
‫تحديده ـ السيّما إذا كان با ّتفاق الزوجين‪ .‬وعليه فتوكل على هللا واترك فطــرة هللا‬
‫تســير في مجراها الطــبيعي‪ ،‬فال أرى لك مــبرّرًا لالسترســال وراء المخــاوف‬
‫واألوهام‪ ،‬وامض لما أ ّهلك هللا له ما دمت قادرًا وال تتهرّب من مسؤولية الحيـاة‪،‬‬
‫فالخراج بالضمان يا فتى‪ .‬والدنيا أخذ وعطاء‪ .‬واستعن باهلل في كــلّ أمــورك‪ ،‬فال‬
‫ال‪ .‬وهللا أعلم))(‪.)1‬‬ ‫ال‪ ،‬وإن شاء جعل الحزن سه ً‬ ‫ال ما جعله هللا سه ً‬ ‫سهل إ ّ‬
‫سط والمرونة في الفتوى‬ ‫ـ التو ّ‬
‫فقد كــانت ردوده وأجوبته مرنة بعيــدة عن الغلـ ّو‪ ،‬يفتح للس ائل أب واب‬
‫اإلناب ة‪ ،‬ويلتمس له المخـــارج وأســـبابـ النجـــاة‪ ،‬من ذلك ما جـــاء ر ًّدا على‬
‫السؤال اآلتي‪ :‬إنسان تاب إلى هللا‪ ،‬وقد كان مولَ ًعا بالقمار‪ ،‬وربح منه أم واالً‬
‫طائلة أنفقها في ق وت عياله وبن اء مس كنه وش راء بعض متطلّب ات الحي اة‬
‫سع بالباقي تجارت ه‪ ،‬فهو يس أل كيف يتحلّل من تبعات ه؟ يق ول‬ ‫العصرية‪ ،‬وو ّ‬
‫الش يخ‪(( :‬ما أحسن الرجــوع إلى هللا واســتعتاب المخطئ م ّما فــرط منه أيّــام‬
‫انحرافــه‪ ،‬بعد أن تو ّغل وبــالغ في االنتفــاع م ّما اســتولى عليه من مــال غــيره‬
‫بالباطل‪ ،‬ورغم ذلك ال يمكن أن يوصد في وجهه باب التوبة‪.‬وعليه فالب ـ ّد لتت ّم‬
‫توبته وتقبل إن شــاء هللا أن يتحلّل من حقــوق العبــاد بــأن يستســمحـ أصــحابها‬
‫ويستبرئهم م ّما استولى عليه من أموالهم على سبيل القمار‪ ،‬أيّام فجراتهم فــإن‬
‫أبــرءوه فــذاك‪ ،‬وإالّ أرجع إليهم ما ربحه منهم في القمــار‪ ،‬فــإن كــان عــدده‬
‫ترضــــاهم ببعضه‬ ‫ّ‬ ‫(مبلغــــه)ـ معلو ًما وأصــــحابه معــــروفين أرجعه إليهم أو‬
‫واستصفحهم في الباقي‪ .‬أ ّما إذا كان مجهوالً عدده‪ ،‬مجهــوالً أصــحابه‪،‬ـ فتوبته‬
‫التنصـل من أمــوال النــاس‪ ،‬ويكــثر‬ ‫ّ‬ ‫أن يكــثر من الصــدقات على الفقــراء بنيّة‬
‫س نَةَ‬
‫َ َ‬ ‫ح‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬ ‫ة‬‫َئ‬ ‫ي‬
‫َّ ِّ‬ ‫الس‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ب‬‫ت‬
‫َ ِ‬‫ْ‬ ‫َأ‬‫و‬‫«‬ ‫‪:‬‬ ‫×‬ ‫بقوله‬ ‫ً‬ ‫ال‬ ‫البــذل في المشــاريع الخيرية العا ّمة عم‬
‫تَ ْم ُح َها»(‪ ،)2‬فليستغفر هللا م ّما أكل من السحت وأطعم به عياله‪ ،‬فقد‬
‫ويسـرهم بـذلك للعسـرى‪ ،‬لقوله ×‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫غـذاهم بـالحرام‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫جنى عليهم إذ‬
‫(‪)3‬‬
‫ار َأوَْلى ِب ِه» ‪ ،‬فعسى هللا إن فعــل‪ ،‬أن يتجــاوز‬ ‫الن ُ‬
‫ت َف َّ‬‫ح ٍ‬
‫س ْ‬ ‫ن ُ‬‫ت ِم ْ‬ ‫حمٍ نََب َ‬‫«كلُّ َل ْ‬
‫ُ‬
‫عفو غفور‪.‬‬ ‫عنه‪ ،‬وهللا ّ‬

‫(?) فتاوى البكري‪ ،‬عبد الرحمن بن عمر بكلّي‪ ،‬تحقيق‪ :‬داود بورقيبة‪ ،‬القسم ‪ ،3‬ص‪30 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ـ ‪31‬‬
‫(?) رواه الترمذي في سننه‪1910 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رواه أحمد‪ 13919 :‬بلفظ‪» :‬إنه ال يدخل الجنة لحم نبت من سحت النار أولى به «‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 236‬ـ‬
‫وإن هنــاك من العلمــاء من يــرى أن يتص ـ ّدق بــذلك على‬ ‫ّ‬ ‫هــذا‬
‫رأسـا‪ ،‬سـواء كـان أصـحابه معلـومين أو مجهـولين‪ ،‬كما أفـتى‬ ‫ً‬ ‫الفقراء‬
‫البغي‪ ،‬وهو وجيه لما فيه من قمع‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بـــــــذلك بعض المحققين في مهر‬
‫الفساد ونفع صالحي العباد‪.‬وهللا أعلم))(‪.) 1‬‬
‫خامسا ـ نماذج من النوازل التي أفتى فيها الشيخ‪:‬‬
‫الموضوع‬ ‫الصفحة القسم‬
‫التبرّع بالدم على المرضى‬ ‫‪1‬‬ ‫‪181‬‬
‫التلفزيون واقتناؤه‬ ‫‪1‬‬ ‫‪186‬‬
‫ترقيع الجسم بقطعةـ لحم من اإلنسان نفسه أو من غيره‬ ‫‪1‬‬ ‫‪189‬‬
‫نقل عضو لح ّي من ميّت مسلم أو مشرك‬ ‫‪1‬‬ ‫‪189‬‬
‫التنظيف اآللي للثيابـ‬ ‫‪2‬‬ ‫‪18‬‬
‫حكم "افياندوكس"‬ ‫‪2‬‬ ‫‪35‬‬
‫حكم الغـــاء المســـتعمل في تبطين الطـــرابيش المتّخذ من‬ ‫‪2‬‬ ‫‪62‬‬
‫أظالف وقرون الحيوان‬
‫حكم الشمع‬ ‫‪2‬‬ ‫‪62‬‬
‫اعتماد الحساب الفلكي في إثباتـ الصوم واإلفطار‬ ‫‪2‬‬ ‫‪141‬‬
‫ضمان البنوك‬ ‫‪3‬‬ ‫‪6‬‬
‫حوادث السيارات ومسؤوليتهاـ‬ ‫‪3‬‬ ‫‪20‬‬
‫التعاملـ بالكمبيالةـ‬ ‫‪3‬‬ ‫‪76‬‬
‫صندوق التوفير‬ ‫‪3‬‬ ‫‪75‬‬
‫امرأة في حالة احتضار‪ ،‬واألطبّاء أثبتوا حياة جنينها‬ ‫‪4‬‬ ‫‪8‬‬
‫استعمالـ حبوب منع الحمل‬ ‫‪4‬‬ ‫‪28‬‬
‫استعمالـ حبوب منع الحمل لتأخير الدورة قصد الصيام‬ ‫‪4‬‬ ‫‪63‬‬
‫سادسا ـ نــدوة البكري‬
‫نــدوة الشــيخ البكــري‪ ،‬نــدوة فقهية تعــنىـ بــالتكوينـ الشــرعي‪ ،‬وإصــدار‬
‫الفتوى فيما يحتاجه المسلم‪ .‬وكان الشيخ عبد الرحمن بكلّي مؤسّس الندوة‪ ،‬مع‬
‫الشيخ بكير أرشوم والشيخ أحمد أوبكة‪.‬ـ‬
‫وتواصلت النــدوة ليحضــرها المشــايخ‪:‬ـ الشــيخ عــدون شــريفي والشــيخ‬
‫حمو فخار‪ ،‬والشيخ صالح بزمالل‪ ،‬والشيخ ناصر المرمــوري والشــيخ بكــير‬
‫الشيخ بالحاج‪ ،‬والشيخ محمد الشيخ بالحاج‪.‬‬
‫وبعد وفــــاة الشــــيخ البكــــري خلفه في القيــــادة العلمية الشــــيخ ناصر‬
‫المرمــوري‪ ،‬إلى يومنا هــذا‪ .‬ويحضــرها طلبة العلم‪ ،‬كما يحضــرها من ينقل‬
‫الفتوى إلى قرى ميزاب‪ ،‬بمع ّدل عضوين لك ّل مدينةـ من مدن ميزاب‪.‬‬
‫(?) فتاوى البكري‪ ،‬عبد الرحمن بن عمر بكلّي‪ ،‬تحقيــق‪ :‬داود بورقيبــة‪ ،‬القســم‪ ،4 :‬ص‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪42‬‬
‫ــ ‪ 237‬ـ‬
‫وسميّت الندوة ندوة األربعاء ألنّها في أربعـاء كـ ّل أسـبوع‪ ،‬كما سـ ّميت‬
‫ندوة الشيخ عبد الرحمن بكلي‪.‬‬
‫النصـية ومدارسة العلم الشــرعي‪ ،‬مع كتــاب‬ ‫ّ‬ ‫والندوة قسمان‪ ،‬قسم للقــراءة‬
‫جــامع في الفقــه‪ ،‬مثل مختصر الخصــال للحضــرمي أو الجــامع البن بركة أو‬
‫مدونة أبي غــانم؛ وقسم للفتــوى‪ ،‬حيث يتص ـ ّدى المشــايخ لقضــايا المجتمع إفتــاء‬‫ّ‬
‫وإرشادا‪.‬‬
‫وقد كــانتـ نــدوة الشــيخ عبد الــرحمن المرجــ َع للفصل في كثــير من‬
‫القضايا النازلة‪ ،‬سواء تعلّقت بفقه األسرة واألحوال الشخصية أو بالمعــامالت‬
‫المالية المعاصــرة‪ ،‬ناهيكـ عن مســائل العبــادات من صــالة وزكــاة ومســائل‬
‫الحج‪ ،‬وأحوال الصوم‪ ...‬وكتاب فتاوى البكري أكبر شاهد على ذلك‪.‬‬
‫ـ أسلوب التعامل مع المسائل المعروضة‬
‫يت ّم التداول في القضايا المطروحة بتشخيصـ الوضع وضبط متغيّراته‪،‬ـ‬
‫وارتباطاتهـ بــروح الشــرع ومقاصد الشــريعة‪ ،‬إضــافة إلى االســتعانة بــالعلوم‬
‫العصــرية في فهم الكثــير من المســائل‪ ،‬ثم تت ّم دراسة أبعــاد الفتــوى ومــدى‬
‫ُمضي الشيخ فتــواه بعد تــداول‬ ‫مراعاتها لمبدأ اليسر ورفع الحرج‪ ،‬وغالبا ما ي ِ‬
‫أعضاء الندوة المسألة بأبعادها‪.‬‬
‫والندوة ال تقضي في مسألة دون أن تتعـرّف على واقعها وحيثياتهــا‪ ،‬إذ‬
‫الحكم على الشيء فرع عن تص ّوره‪ ،‬وفي هذا الصدد تستضيفـ مختصّين في‬
‫المجال المطروح لتستفهم عن الوضع بدقّة ولتطّلع على أبعاده‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫ـ مختصّ في التوليد والجهـاز التناسـليـ لتـداول مسـألة مـوت الجـنين‬
‫وإسقاطهـ ونفخ الروح والدورة الشهرية للنساء‪...‬‬
‫ـ مختصّ في القـانون لتـداول مسـائل القضـاء واسـتيعاب قـانون األسـرة‬
‫والتعديالت األخيرة عليه‪ ،‬وأبعاد تلك التعديالت‪ ،‬وكيفيات تطبيق تلك القوانين‪.‬‬
‫ـ مختصّ في االقتصاد اإلســالمي‪ ،‬لتــداول مســائلـ المعــامالتـ الماليةـ‬
‫واالرتباطـ بالبنوكـ والقروض المق ّدمة للشــباب‪ ،‬وأبــرز تعــامالتـ البنــوك من‬
‫الناحية الشرعية‪.‬‬
‫ـ مختصّ في الدراسات القرآنية لتداول مسائل فهم القــرآن واالرتبــاطـ‬
‫بالسنّة وأسس التفسير‪...‬ـ‬
‫كما تحاول الندوة أن تربط بين المنهج الفقهي والوســائل الحديثة وكيف‬
‫تعاملت الفتوى وفقا لتغير الوسائلـ مثل‪:‬ـ‬
‫ـ الربط بين القيافة واســـتعمالـ الوســـائلـ الحديثة للكشف عن النسب‬
‫واإللحاق‪.‬‬
‫ـ دراسة حاالت القتل والموت في حوادث المرور وربط ذلك بالفحص‬
‫الجنائي‪.‬‬

‫ــ ‪ 238‬ـ‬
‫ـ االستفادة من وسائل كشف الطبّ الحديث في تحديد الوارث الحقيقي‬
‫في مواضع الشبهة والش ّ‬
‫ك‪.‬‬
‫ـ توظيف الوسائلـ الحديثة في تنظيمـ النسل ومنع الحمل بين األضرار‬
‫والضروريات‪.‬ـ‬
‫ـ التحقق من مــدى مســؤولية األمين على أمــوال النــاس وربط ذلك‬ ‫ّ‬
‫باستعمالـ الوسائل الدقيقة لحفظ الودائع‪.‬‬
‫وللنــدوة مق ـرّر يعتــنيـ بســير النــدوة ويعد تقاريرهاـ الدورية والســنوية‪،‬‬
‫ويتلقّى األســئلة ويعرضــها على مشــايخ النــدوة‪ ،‬ثم يمــ ّد الســائلين بــالجواب‬
‫أن للنـــدوة لجنة للضـــبط والتنظيم إعالميا وربطا بين مـــدن‬ ‫المناســـب‪،‬ـ كما ّ‬
‫ميزاب‪.‬‬
‫فهذه نــدوة األربعــاء كــانت رجــاء الشــيخ بيــوض ~‪ ،‬وأثمــرت بجهــود‬
‫البكري ~‪ ،‬وال تزال في عطاء‪ ،‬نسأل هللا التوفيق والمزيد‪.‬‬

‫ــ ‪ 239‬ـ‬
‫النوازل مصدرا للتاريخ االجتماعي والثقافي‬
‫‪ ‬أ‪.‬د‪/‬ع ّمار جيدل‬
‫كلية العلوم اإلسالمية جامعة الجزائر‬
‫تنطلق الدراسة من فرضية‪ ،‬تروم المرافعة عنها‪ ،‬مفادها‪(( :‬فقه النوازل‬
‫تاريخ اجتماعي وثقافي بامتياز))‪ ،‬وبمعنى آخر (مع مالحظة التمايز بين‬
‫بأن ((الفتاوى مصدر مهم في‬ ‫مصطلحي الفتاوى والنوازل) يمكن أن يقال ّ‬
‫التاريخ االقتصادي واالجتماعي والثقافي))‪ ،‬أل ّنه الوجود لنص في النوازل ال‬
‫يعكس واقعا اجتماعيا وفكريا واجتماعيا واقتصاديا معيّنا‪ ،‬بل األكثر من هذا أ ّننا‬
‫من خالل النص قد نكتشف ـ بشيء من الحضور الذهني ـ الغائبين أو‬
‫أن الدارس الغربي وغير المنتمي للبالد العربية‬‫المستقيلين‪ ،‬والسلبيين‪ ،‬ذلك ّ‬
‫واإلسالمية‪ ،‬تثيره صيغ األسئلة واألجوبة ومضمونيهما‪ ،‬وسياق كل واحد‬
‫منهما‪ ،‬ولعلّ ال َت َع ُّود على النصوص هو السبب في غياب االنتباه أو لفت النظر‬
‫التعود يطمس التركيز ويعمي البصر‬ ‫ّ‬ ‫إلى الجوانب الخفية في النوازل‪ّ ،‬‬
‫ألن‬
‫والفكر‪.‬‬
‫مصطلح النوازل في األدبيات اإلسالمية‬
‫شاع في بالد المغرب استعمالـ مصطلح"النوازل" ويقابله في أدبيات‬
‫المشارقة مصطلح"الفتوى"‪ ،‬ولع ّل للمصطلح ما يبرره من جهة االستعمال‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وقبل التفصيل في المسألة‪ ،‬يحسن التأكيد على ّ‬
‫أن النازلة بمعنىـ الشدائد‬
‫ليست مقصودة في هذا السياق‪،‬ـ وإن كانت النازلة عند القدماء‬
‫تعني"الشدائد"‪،‬ـ يشهد لهذا قولهم‪" :‬مشروعية القنوت في النوازل"‪،‬‬
‫ويقصدون األهوال التي لحقت الناس‪ ،‬وإن كانت الحوادث الواقعية الشديدة‬
‫جزءا من النوازل‪ ،‬ولكنّها ليست كلّها من هذا النمط‪.‬‬
‫يقصد بالنوازل "الفقه الواقعي" المتميّز عن "الفقه االفتراضي" أو‬
‫الفقه النظري التجريدي‪ ،‬بصرف النظر عن طبيعتها(منـ الشدائد أوليست‬
‫منه)‪ ،‬ففي بالد المغرب كانت تقع لجمهور المتدينين حاالت جديدة ومحددة‬
‫لم ينقلـ القول فيها في النصوص المنقولة من المركز(الشرق)‪ ،‬فأصبح‬
‫المغرب مركزا منتجا للمعرفة الفقهية المتعلّقةـ بالمستجداتـ الحادثة لألمة في‬
‫المغرب‪ ،‬فقد كانت الوقائع الجديدة فرصة لظهور فقه مغربي‪ ،‬فسميت‬
‫الوقائع الجديدة "النوازل"و أجوبتها "فقه النوازل"‪.‬‬

‫والنازلة الشـ َّدة من شــدائد الــدهر تــنزل‬


‫ِ‬ ‫(?) قال ابن منظــور في كتابــه‪ :‬لســان العــرب‪(( :‬‬ ‫‪1‬‬

‫بالناس))‪.‬‬
‫ــ ‪ 240‬ـ‬
‫أن هذه المباحث هي مسائلـ تطبيقيةـ عمليةـ وليست مسائلـ‬ ‫لهذا نؤ ّكد ّ‬
‫ذهنية نظرية‪ ،‬وفضال عن ذلك هي مسائلـ حادثة مستجدة ولهذا كان الجواب‬
‫عنها محدثا جديدا‪ ،‬وليس من قبيل أجوبة مكررة ألسئلة مكررة‪ ،‬يؤ ّكدها‬
‫تعريف فقه النوازل‪ ،‬فقد عرف اصطالحا بـ‪(( :‬معرفة الحوادث التي تحتاج‬
‫إلى حكم شرعي))‪ ،‬يشير إلى المعنى الذي ذكرناه لفظ "الحوادث" ويقصد‬
‫المسائل الحادثة في األمة على غير مثال سابق‪ ،‬ويستفاد من األلفاظ‬
‫أن فقه النوازل جزء من مباحث الفقه‬ ‫المفتاحية"حكمـ شرعي" الداللة على ّ‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ذلك أنّه استنباطـ للحكم الشرعي التفصيلي لقضية‬
‫فرعية(جزئية)مستجدة‪ ،‬وميزة النوازل أنّها تستغرق مجمل الحادثات العملية‬
‫سواء كانت من أعمال الجوارح(الفقه) أو من أعمال القلب (االعتقاد‬
‫واألخالق)‪ ،‬ولهذا ألّف بعض المشارقة فتاوى النوازل ضمن كتب الفتاوى‪،‬‬
‫فصنّف أبو الليث السمرقندي الحنفي (ت‪373‬هـ) كتابه الموسوم بـ"فتاوى‬
‫النوازل"‪.‬‬
‫أن النوازل‬‫والقول بأنّها تستغرق مجمل مك ّونات الفعل اإلنساني‪ ،‬يؤ ّكد ّ‬
‫تؤرّخ لواقع اجتماعيـ وفكري وثقافي وسياسي‪،‬ـ كما يستفاد منه مستوى‬
‫التحصيل في المعرفة الدينية‪،‬ـ والسؤال المركزي‪ ،‬كيف السبيل إلى استشفاف‬
‫التاريخ بمختلف مك ّوناته من نص النوازل وأجوبتها؟‬
‫تاريخ االهتمام بالدالالت التاريخية والثقافية المستفادة من مصنفات فقه‬
‫النوازل‬
‫يستشف من نصوص مقدمات مصنفات فقه النوازل أنّها تؤرّخ لواقع‬
‫معيّن‪ ،‬يستشف هذا المعنى من قول الونشريسي(ـ‪834‬هـ ـ ‪914‬هـ)في مستهل‬
‫كتابه‪:‬ـ ((وبعد فهذا كتاب س ّميته بالمعيار المعرب‪ ،‬والجامع المغرب‪ ،‬عن‬
‫فتاوى علماء أفريقيةـ واألندلس والمغرب‪ ،‬جمعت فيه من أجوبة متأخريهم‬
‫العصريينـ ومتق ّدميهم ما يعسر الوقوف على أكثره في أماكنه‪،‬ـ واستخراجه‬
‫من مكامنه‪،‬ـ لتب ّدده وتفريقه‪ ،‬رغبة في عموم النفع به‪ ،‬ومضاعفة األجر‬
‫أن فيها جملة من اإلشارات إلى المكان والزمان‪ ،‬وجملة‬ ‫سببه))(‪ ،)1‬ذلك ّ‬

‫(?) المعيـــار المعـــرب‪ ،‬والجـــامع المغـــرب‪ ،‬عن فتـــاوى علمـــاء أفريقية واألنـــدلس‬ ‫‪1‬‬

‫والمغـــرب‪/‬أحمد بن يحي الونشريســـي‪ ،‬خرّجه محمد حجي‪ ،‬دار الغـــرب اإلســـالمي‪،‬‬


‫بيروت‪ ،‬لبنان‪1401 ،‬هـ‪1981/‬م‪ ،‬الجزء األول ص‪.1‬‬
‫عيسى بن سهل األسدي الغرنــاطي (ت ‪486‬هــ)‪ ،‬يعد من أقــدم من كتب في مجـاميع النــوازل‬
‫األندلسية كتاب"أحكام ابن سهل" وهو المعروف بكتاب "اإلعالم بنوازل األحكام"‪.‬‬
‫ومنها أيضا فتاوى القاضي عياض (ت‪544‬هـــ) جمعها ابنه محمد (ت‪575‬هــ)‪ ،‬وعــرفت‬
‫بعنوان "مذاهب الحكام في نوازل األحكام"‪.‬‬
‫ــ ‪ 241‬ـ‬
‫المتفاعلينـ مع هذه المعطيات‪،‬ـ ورأس المتأثرين بهذا الوضع المجيب‬
‫والسائل‪.‬ـ‬
‫ومن خالل األسئلة واألجوبة يستخرج التاريخ بمجمل مك ّوناته‪،‬ـ‬
‫وتصرح بعض المصنفات باستصحاب معطياتـ الزمان والمكان‪ ،‬من أمثال‬
‫كتاب الونشريسي ((أسنى المتاجر في بيان أحكام من غلب على وطنه‬
‫النصارى ولم يهاجر وما يترتبـ عليه من العقوبات والزواجر))‪ ،‬كما يمكن‬
‫أن يستشف المعنى نفسه من خالل عناوينـ المصنفات منها "فتاوى البرزلي"‬
‫أبو القاسم ابن أحمد البلوي القيرواني الشهير بالبرزلي (ت‪841‬هــ)‪،.‬‬
‫ويستشف من عنوانها األبعاد المكانيةـ والزمنية "جامع مسائل األحكام لما‬
‫نزل من القضايا بالمفتينـ والحكام"(‪.)1‬‬
‫ويؤ ّكد هذه المعاني قول مخرّج نص المعيار المعرب‪(( :‬وللمعيار جانب‬
‫آخر ّقلما يلتفت إليه‪ ،‬وهو الجانب االجتماعي والتاريخي‪ ،‬فقد حوى الكثير من‬
‫اإلشارات إلى أحوال المجتمع اإلسالمي في هذه المنطقة‪ ،‬من عادات في األفراح‬
‫واألتراح وأنواع الملبوسات والمطعومات وحاالت معيّنة في الحرب والسلم‬
‫والعمران وما إلى ذلك‪ ،‬األمر الذي يجعل منه مصدرا وثيقا للمؤرخ‬
‫واالجتماعي مثلما هو للفقيه))(‪ ،)2‬لهذا تلتمس األهمية التاريخية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية والثقافية والسياسية لمصنفات فقه النوازل من مقدمات هذه‬
‫المؤلفات‪ ،‬وفق ما ألمحنا إليه في المالحظة السابقة‪ ،‬فضال عن التماسها في‬
‫المضامين‪.‬‬
‫االستدمار والعناية بالنوازل‬
‫يشغل االستدمار بكل ما يُيَسِّر له البقاء في عقول وقلوب أهل األرض‬
‫المحتلة‪ ،‬سواء أثناء فترة االحتالل أو بعدها‪،‬ـ لهذا يسعى االستدمار جاهدا إلى‬
‫المحافظة على ارتباطـ المحتلين به في ك ّل األحوال وفي جميع الحاالت‪،‬‬
‫ورأس مداخل التح ّكم في المحتل التعرّف على ثقافتهـ وطريقة تفكيره من‬
‫خالل النماذج التاريخية لألمة التي ينتمي إليها‪ ،‬أو من خالل التأسيس‬
‫النظري لصلة معرفية أو عرقية أو جغرافية أو سياسية أو مصالح مشتركة‪،‬‬
‫ألنّها ستكون أضمن مدخل التأسيس لالرتباط بالمحتل‪،‬ـ هذا أصل مبعث‬
‫عنايةـ الغربيينـ بالثقافةـ الشرقية عموما والثقافة اإلسالمية على الخصوص‪،‬‬
‫وهذا ال ينفي وجود دراسة غربية موضوعية نفيسة‪ ،‬ألنّنا بصدد الكتابة عن‬
‫أصل مبعث عنايةـ الغربيينـ بالثقافةـ الشرقية‪ ،‬ولسنا في مقام التقويم‪.‬‬
‫نشأت الدراسات التحليلية لفقه النوازل في إطار الغاياتـ المشار إليها‪،‬‬
‫ذلك ّ‬
‫أن الغربي مهتم بك ّل ما يكتبهـ الشرقي(ال ُم ْستَ ْع َمر)ـ بوصفه شرقيا‪ ،‬سواء‬
‫(?) المصدر نفسه ‪/1‬ط‬ ‫‪1‬‬

‫(?) حققه محمد الحبيب الهيلة ونشره عام ‪ 2002‬في سبعة مجلدات‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 242‬ـ‬
‫كانت كتابة في الحاضر أو الماضي السحيق أو القريب‪ ،‬في إطار هذه‬
‫المقاصد كانتـ أوائل عناية الغربيين بدراسة وتحليل مصنفات النوازل‪.‬‬
‫ظهرت البوادر األولى لالهتمام بفقه النوازل مصدرا للتاريخ‬
‫االقتصادي واالجتماعيـ والثقافي والفكري من خالل مصنفي النوازل‬
‫وجامعيهاـ عبر التاريخ(‪ )1‬وخاصة في القرن الماضي‪ ،‬وبالضبط في منتصف‬
‫القرن العشرين‪ ،‬وخاصة من خالل الدراسات االستشراقية الفرنسية‪ ،‬ولع ّل‬
‫من رؤوس العناية بها الجزائري المولد(فرندة بتيارت)ـ الفرنسي الهوى‬
‫واله ّم والجنسية المسيحي الدين جاك بيرك ‪ 1910(  Jacques berques‬ـ‬
‫‪ ،)1955‬ثم عمد الشرقيون من المغاربةـ والمشارقة إلى العناية بالجوانب‬
‫التاريخية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬فكان منها دراسات محمد‬
‫الحجي المغربي‪ ،‬ومحمد المختار ولد السعد الموريتانيـ‪ ،‬فصنّف دراسة تتيحـ‬
‫فرصة النظر إلى التاريخ من خالل فقه النوازل‪ ،‬يشهد لما ألمحنا إليه عنوان‬
‫كتابه الفتاوى والتاريخ" وهي ‪ ‬دراسة لمظاهر الحياة االقتصاديةـ في‬
‫موريتانياـ من خالل فقه النوازل‪ ،‬وفق ما صرّح به المصنّف‪.‬‬
‫النوازل وداللتها على التاريخ االجتماعي والثقافي‬
‫تتضمن النوازل وفق ما أشرنا إليه تاريخا مكتمال‪،‬ـ لهذا تم ّكنناـ النوازل‬
‫من معرفة جملة من المعطياتـ المرتبطةـ بالمشهد‪ ،‬وألجل الخلوص إلى‬
‫المراد سنتوقّف عند جملة من المك ّونات‪:‬ـ‬
‫واقع النازلة‬
‫النوازل تكشف بعض الجوانب الغامضة من واقع الحياة التي ظهر‬
‫فيها نص فقه النوازل‪ ،‬ويمكن من النص الوقوف على جملة من المعارف‬
‫والمعطيات‪ ،‬منها على سبيلـ المثالـ ال الحصر‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ معرفة األسئلة المتداولة والقضايا المثارة‪ ،‬ومنها نكتشفـ عقلية‬
‫السائل وعقلية المجيب‪ ،‬ودور مؤسسات التعليم والمجتمع في صناعة‬
‫اهتماماتـ الناس والنخبة‪،‬ـ وصلة ك ّل ذلك بالمشهد السياسي واالجتماعي‬
‫والفكري ثم الديني‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ معرفة درجة استحضار األسئلة واألجوبة للمشاكل اليومية للناس‪،‬‬
‫وهو مدخل رئيس لمعرفة حضور أو استحضار الدين أو المعرفة الدينيةـ في‬
‫ح ّل اليومي من المشاكل‪ ،‬ويستشف منه الصلة بين المعرفة الدينية وعلماء‬

‫(?) المعيـــار المعـــرب‪ ،‬والجـــامع المغـــرب‪ ،‬عن فتـــاوى علمـــاء أفريقية واألنـــدلس‬ ‫‪1‬‬

‫والمغـــرب‪/‬أحمد بن يحي الونشريســـي‪ ،‬خرّجه محمد حجي‪ ،‬دار الغـــرب اإلســـالمي‪،‬‬


‫بيروت‪ ،‬لبنان‪1401 ،‬هـ‪1981/‬م‪ ،‬الجزء األول ص‪.1‬‬
‫ــ ‪ 243‬ـ‬
‫الشريعة بالسلطةـ السياسية‪ ،‬هل تل ّخص دور العلماء في االسترزاق بالعلم أم‬
‫أنّهم جعلوا العلم ضابط توازن لحركية المجتمع وليس في خدمة الغالب‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ معرفة درجة استيعاب الفقهاء لحاجات المجتمع المعرفية‬
‫واالجتماعية واالقتصادية‪ ،‬فضال تحديد استحقاقات اللحظة التاريخيةـ من‬
‫الناحية المنهجية والحضارية‪ ،‬واالستجابةـ تعنيـ معرفة األزمات المؤثرة في‬
‫حياة المجتمع واألسرة والفرد بصفة مباشرة أو بطريقـ غير مباشر‪ ،‬وفي ك ّل‬
‫ذلك أظهر عناية بالتاريخـ الثقافي واالجتماعيـ واالقتصادي‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ اكتشاف درجة مواكبة المعرفة الدينية المنتجة لسؤال الواقع المعيش‪،‬‬
‫وهذا يتيح معرفة منهج توليد المعرفة‪ ،‬وصلتها بالمسالك السابقة في إنتاج‬
‫المعرفة الدينية‪ ،‬وهذا ييسّر اكتشاف المنحنى البياني للتطور المنهجي ومدخال‬
‫مهما لمعرفة هندسة منظومة التعليم والعلم وصلتها بتداعيات اللحظة المعيشة‪.‬‬
‫دراسة تطبيقية في المعيار المعرب‬
‫كتاب المعيار المعرب موسوعة فقهية كاملة‪ ،‬تستوعب مجمل ُع َمد درس‬
‫العلوم اإلسالمية‪ ،‬فجمع الكتاب بين دفتيه مسائل الفقه بحسب الترتيب المشهور‬
‫في كتب الفقه اإلسالمي‪ ،‬وض ّمت إليه المجلدين األخيرين في النوازل‪ ،‬وقد تميّز‬
‫بتنوع المضامين‪ ،‬أما بالنسبة للمكان‪ ،‬فالكتاب بحسب عنوانه‬
‫المجلدان ّ‬
‫ومضمونه استحضر كثيرا مدن العلم ومراكزه‪ ،‬فتجد ذكرا صريحا لألندلس‬
‫تنوع األعالم‬
‫والمغرب والجزائر وتلمسان‪ ،‬ومازونة‪ ،‬بجاية‪...،‬كما تالحظ ّ‬
‫المذكورين في المص ّنف المشار إليه من حيث ّ‬
‫تنوع المستويات المعرفية‪،‬‬
‫والغالب أ ّنهم على مذهب أهل السنة والجماعة‪ ،‬وهم على مشرب المالكية‪ ،‬وهي‬
‫السمة العامة لمصنفات المغاربة(‪()1‬تونس‪ ،‬الجزائر‪ ،‬المغرب‪ ،‬موريتانيا)‬
‫نتوقف في هذه العجالة عند جملة من العيّناتـ التي يستشف منها‬
‫التاريخ االجتماعي والثقافي‪،‬ـ وال نقصد في هذا السياق االستقصاء‪ ،‬بقدر ما‬
‫نريد لفت النظر إلى نماذج من التاريخ االجتماعي والثقافي من خالل المعيار‬
‫المعرب‪ ،‬وغليكم بعض النماذج‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ قراءة في السؤال‬
‫نكتشفـ بالتدقيقـ في أسئلة وقضايا فقه النوازل الواقع الذي يتص ّوره‬
‫السائل وصلته بالواقع كما هو عليه في حقيقة األمر‪ ،‬لهذا يعد السؤال تأريخا‬
‫من زاويتين‪ ،‬تأريخ للسائل وتأريخ للواقع كما هو الكما يريده السائل‪،‬ـ لهذا‬
‫فالسؤال تأريخ بامتياز‪،‬ـ تاريخ اجتماعي وثقافي وتربوي وفكري‪.‬‬
‫ـ مقدمات األسئلة‬
‫(?) مثل "الدرر المكنونة في نــوازل مازونة"‪ ،‬ليحــيى بن موسى المــازوني المغيلي (ت‬ ‫‪1‬‬

‫‪883‬هــ)‪ .‬جمع فيه نوازل علماء تونس‪ ،‬وبجاية‪ ،‬والجزائر‪ ،‬وتلمسان‪.‬‬


‫ــ ‪ 244‬ـ‬
‫تستهل األسئلة بمقدمات‪ ،‬والغالب أ ّننا ال نعيرها باال‪ ،‬بالرغم من أ ّنها ذات‬
‫مضمون اجتماعي وتاريخي وثقافي ظاهر‪ ،‬كما تؤ ّكد على السياق السياسي‬
‫والديني العام‪ ،‬وللتدليل على ذلك نذكر نماذج من المقدمات التي نستشف منها‬
‫بعض الرسائل التاريخية والثقافية‪ ،‬منها على السبيل المثال ال الحصر‪.‬‬
‫ـ استعمال لفظ سيدي(‪ ،)1‬منها سئل فالن من العلماء‪ ،‬واستعمال اللفظ‬
‫دليل على منزلة العلماء في المجتمع‪ ،‬وقد استعمل اللفظ مع كثير من علماء‪،‬‬
‫أن مستعمله واحد من كبار العلماء‪ ،‬وليس شخصا عاديا‪،‬‬ ‫وخاصة إذا الحظت ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬
‫بأن اللفظ ما شاع إال في زمن االنحطاط‪،‬ـ والواقع أننا يمكن ْ‬ ‫إذ قد يقال ّ‬
‫ّ‬
‫لف لفهم من‬ ‫نس ّوغ القول لو كان اللفظ مستعمال من قبل العامة ومن ّ‬
‫إن كان مستعمال من قبل العلماء‬ ‫المرتزقة طُالّب الرغيف والوظيف‪ ،‬أ ّما ْ‬
‫الذين لهم الكفاءة العلمية التي ال تسمح لهم بإطالق الكالم على عواهنه‪.‬‬
‫ـ واستعملـ في السياق نفسه ألفاظا لها معناهاـ في السياق التاريخي‪،‬ـ‬
‫ولكلّ لفظ معناه الدقيق الذي له صلة برتبة علمية ومنزلة تربوية‪ ،‬وقد‬
‫استعمل صاحب المعيار ألفاظا ع ّدة منها‪:‬ـ األستاذ(‪ ،)2‬والفقيه الحافظ‪ ،‬والشيخ‬
‫الفقيه(‪ ،)3‬والشيخ الفقيه الصالح(‪ ،)4‬وسيدنا شيخ الشيوخ(‪...،)5‬‬
‫داللة السؤال على المتداول على المستوى المعرفي‬
‫يستشف من السؤال مستوى المعرفة الدينية‪ ،‬كما يمكن أن يكون مؤشر‬
‫المتداول معرفيا‪ ،‬والمتداول من المصنفات ذات الصلة بالمعرفة في العلوم‬
‫الشرعية‪.‬‬
‫ـ أسئلة مستوى التديّن‬
‫تنطوي األسئلة على كثير من المؤشرات التي يستفاد منها مستوى‬
‫التدين‪ ،‬ولع ّل أهم مؤشراته التصرفات في شعاب الحياة‪ ،‬فورد سؤال على‬
‫بعض المستفتين عن إمامة(الصالة خلف) من ال يحجب امرأته عن الناس‪،‬‬
‫وفيه إشارة إلى وجود الظاهرة على مستوى المجتمع‪ ،‬ونؤ ّكد في هذا السياق‬
‫أنّنا بصدد التأكيد على أهميةـ السؤال في التأريخ االجتماعيـ والثقافي‪ ،‬لهذا‬
‫ليس غرضنا الوقوف عند تفاصيل اإلجابة‪،‬ـ بل قصدنا بالدرجة األولى ينصب‬
‫على قراءة السؤال وأهميتهـ التاريخيةـ واالجتماعيةـ والثقافية‪.‬ـ‬

‫(?) اســـتعمل مع كثـــير منهم‪ :‬أبو القاسم المشـــدالي‪ ،‬ومحمد بن مـــرزوق‪ ،‬وأبو القاسم‬ ‫‪1‬‬

‫التازغدري‪ ،‬وعيسى بن عالل‪ ،‬وأحمد القباب‪ ،‬و‬


‫(?) استعمل مع أبي سعيد ابن لب‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) استعمل مع أبي عبد هللا عقاب‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أبو القاسم االبرزلي‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) أبو عبد هللا محمد بن أحمد الشريف التلمساني‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫ــ ‪ 245‬ـ‬
‫ـ أسئلة المساكنة‬
‫يستفاد من بعض األسئلة مساكنة المسلمين لغيرهم من المخالفين في‬
‫الملّة‪ ،‬منها سؤال عن القول في غسل الكافر‪ ،‬والذي يه ّمنا في السياق هو‬
‫السؤال بالدرجة األولى‪.‬‬
‫ـ أسئلة المستوى الصناعي‬
‫يستشف من بعض ما ورد في سياق األسئلة المستوى الصناعي‬
‫والعالقات التجارية بين الدول‪ ،‬كما يشير إلى درجة االنفتاح التجاري‪ ،‬منها‬
‫السؤال عن استعمال الكاغد(الكاغط)الرومي‪ ،‬وقد ورد أنّه مما كثر استعماله‪،‬‬
‫يشهد لهذا قوله في المعيار‪ (( :‬أعلم من مدينة طرابلس الغرب (الليبية) إلى‬
‫مدينة تلمسان من بالد السواحل وبالد الصحراء ورقا غير الرومي‪ ،‬وال أدري‬
‫ما حال باقي بالد المغرب غير مدينة فاس وغير جزيرة األندلس فإنّهم‬
‫()‬
‫يستعملون الورق)) ‪. 1‬‬
‫‪ 1‬ـ قراءة في األجوبة‬
‫ينظر إلى الجواب من زوايا مختلفة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ـ هندسة الجواب‬
‫يمكن بالتدقيق في هندسة السؤال أن نستدل به على منهجيةـ عرض‬
‫المعارف والمستوى المعرفي والمنهجي للمجيب‪ ،‬كما يستشف منه نوع‬
‫الصلة بين المفتي والمستفتي‪.‬ـ‬
‫ـ داللة التركيز على نص السؤال وإهمال الحيثيات‬
‫يمكن أن يعرض في الجواب رد جاف عن السؤال‪ ،‬رد مباشر دون‬
‫لفت نظر أو توقّف عند مجمل المعطياتـ التي كانت سببا في صناعة الرأي‬
‫الذي تولّدت عنه األسئلة المعروضة‪ ،‬وفيه إشارة واضحة إلى درجة حضور‬
‫المجيب في المشهد أو غيابهـ عنه‪.‬ـ‬
‫ـ مسألة االستدالل ومختلف دالالتها‬
‫وحدة مصادر االستدالل دليل على الوحدة االجتماعية‪ ،‬إذ التعدد‬
‫المدرسي يفرض شيوع ثقافتيـ التأصيل واإلبطالـ في السياق نفسه‪ ،‬إذ يفرض‬
‫المجتمع المتعدد عرض األجوبة على األسئلة استحضار الرد على المخالف‬
‫المذهبي في سياق التأصيل أو عرض الرأي وفق أصول المذهب‪ ،‬أما إن‬
‫كان المجتمع متميّزا بوحدته المذهبية‪،‬ـ فإنّه سيق ّل فيه االهتمام بعرض‬
‫المذاهب المخالفة فضال عن الرد عليها‪،‬ـ والغالب على المعيار المعرب‬
‫عرض اآلراء المتداولة في مذهب المالكية‪ ،‬وهو شاهد استحضار النسب‬
‫المعرفي والمذهبيـ المؤسس للوحدة المذهبية في المجتمع‪.‬‬
‫(?) المعيار ‪1/85‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 246‬ـ‬
‫ـ داللة األجوبة على الوضع االجتماعي‬
‫ورد في المعيار المعرب جوابا عن سؤال متعلّق بإمامة من ال يحجب‬
‫إن قدر على حجبها‪،‬ـ وهل يتص ّور عدم قدرة‬ ‫امرأته عن الناس‪ ،‬فذكر المجيب ْ‬
‫إمام على حجب امرأته عن الناس؟‬
‫عرض السؤال أو القضية تاريخ اجتماعيـ بامتياز‪ ،‬ذلك أنّه إذا كان هذا‬
‫أن جواب‬ ‫مستساغا مع إمام فكيف الحال مع سائر مك ّونات المجتمع‪ ،‬ذلك ّ‬
‫سيدي العقبانيـ دال على وقوعه‪ ،‬قال ~‪(( :‬أما من صلى خلف هذا الشخص‪،‬‬
‫فال إعادة على مأمومه فيه‪ ،‬وال يؤمر بأن يأمر أهله بالحجاب‪،‬ـ فإن فعل وإالّ‬
‫صلوا خلف من يحجب أهله))‪.‬‬
‫وقوله‪(( :‬أما من صلى خلف هذا الشخص)) شاهد إثبات عن موقف‬
‫اجتماعي يستبطنـ مفاتيحـ فهم شخصية المجيب‪ ،‬كما يستفاد منه الموقف من‬
‫اآلخر والمخالف في الرأي‪.‬‬
‫ونستشف من الجواب الموقف من مسألة االختالط‪ ،‬كما يستفاد منه ّ‬
‫أن‬
‫أن ينضم إلى ذلك شيء آخر‪.‬‬ ‫مجرد االجتماع في البيت ال محذور فيه‪ ،‬إالّ ْ‬
‫ـ داللة األجوبة على المستوى االجتماعي والثقافي‬
‫يظهر من األجوبة أنّنا أمام نصوص تاريخيةـ بمضمون اجتماعيـ‬
‫وثقافي جلي‪ ،‬يستشف هذا من مجمل النصوص‪ ،‬فال فرق بين األجوبة‬
‫المتعلّقة بالعباداتـ أو المعامالتـ والمنازعاتـ الفردية واالجتماعيةـ‬
‫والجماعية‪ ،‬كما يستفاد منه الموقف من المخالف في الرأي من أهل المذهب‬
‫أو المخالف في المذهب الموافق في الدين‪ ،‬أو الموقف من أهل الملل‬
‫األخرى‪.‬‬
‫إشارة‪ :‬يستفاد ما سبقت اإلشارة إلى مجمل ما كتب في مصنفات‬
‫النوازل‪ ،‬فيمكن تطبيق المسلك نفسه على ك ّل ما كتب‪،‬ـ سواء ُرتِّب المصنف‬
‫(‪)3‬‬
‫بحسب التقسيم االجتماعي(‪ )1‬أو الفقهي(‪ )2‬أو اإلفراد والتركيبـ‬
‫الخاتمة‬
‫أن كتب فقه النوازل من المصنفات التي تعد‬ ‫بيّن مما سلف بيانهـ ّ‬
‫مصادر أساسية للتاريخ االجتماعي الثقافي لواقع السائل والمجيب‪ ،‬وال تتأتىـ‬
‫(?) مثل ترتيبها بحسب المتعلّق بهــا‪ ،‬فيكــون قسم خــاص بنــوازل الرجــال وآخر خــاص‬ ‫‪1‬‬

‫بالنساء‪.‬‬
‫(?) نــوازل خاصة بــالمجتمع(فقه الواجبــات الكفائية له صــلة وثيقة بالوظيفة االجتماعية‬ ‫‪2‬‬

‫للدين)‪.‬‬
‫(?) نوازل بالنظر إلى اإلفراد والتركيب‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 247‬ـ‬
‫القراءة إالّ لمن امتلك األهلية الذهنية لقراءة نصوص النوازل‪ ،‬فضال عن‬
‫األهلية المعرفية التي تيسّر له الدخول إلى رحاب نص المعرفة في العلوم‬
‫أن استنتاج التاريخ االجتماعي والثقافي من نص النوازل‬ ‫اإلسالمية‪ ،‬كما ّ‬
‫ّ‬
‫يستدعي رصيدا مقبوال على األقل من مناهجـ التحليل والتركيبـ المتعلق‬
‫بالعلوم االجتماعية والمشهد الثقافي‪ ،‬وألجل نجاح هذا المسعى‪ ،‬يسحن أن‬
‫نختم الورقة بمجموعة من التوصيات‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ نظرا لما تحتويه مصنفات فقه النوازل من تاريخ اجتماعي وثقافي‬
‫ّ‬
‫و‪...‬فإن قيمة هذه المصنفات كبيرة جدا من الناحيةـ المعرفية‬ ‫وسياسي وفكري‬
‫فضال ع ّما سلفت اإلشارة إليه‪ ،‬وهذا يفرض نشر العنايةـ بتحقيقـ نصوص فقه‬
‫النوازل ونشرها وتداولها‪ ،‬وتشجيع الباحثين من مختلف التخصصات‬
‫االجتماعية والثقافيةـ والفكرية على تحليل النص بعد تحقيقه من قبل مؤهلين‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تشجيع المؤسسات البحثية الرسمية وخاصة في فضاء العلوم‬
‫االجتماعية واإلنسانية والعلوم اإلسالمية على نشر وتداول هذه المصنفات‪،‬ـ‬
‫وخاصة فرق البحث ومخابر البحث التابعةـ لوزارة التعليم العالي‪ ،‬زيادة إلى‬
‫تشجيع الطلبة على تحقيق المصنفات ألجل نيلـ الدرجات العلمية العالية‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الحث على التكاملـ بين مختلف المهتمينـ بتحقيقـ التراث والتعرف‬
‫على الخبرة العلمية التاريخية‪،‬ـ وعلى رأسها نص فقه النوازل‪ ،‬وهذا يفرض‬
‫تشجيع عقد الندوات التي تط ّور البحث في تحقيق التراث ودراسته وتحليله‪.‬‬

‫ــ ‪ 248‬ـ‬
‫فتاوى التفسير‬
‫‪ ‬د‪/‬محمود مغراوي‬
‫كلية العلوم اإلسالمية‪ ،‬جامعة الجزائر‬
‫الحمد هلل وحده والصالة والسالم على من ال نبي بعده سيدنا محمد‬
‫وآله‪ ،‬وصحبه وسلم تسليماـ كثيرا وبعد‪.‬‬
‫تتضمن هذه المداخلة ثالثةـ محاور هي كاآلتي‪:‬‬
‫ــ نبذة سريعة عن الشريعة وخصائصها‪.‬‬
‫ـ نبذة عن الفتوى والمفتي‪.‬ـ‬
‫ــ نماذج من فتاوى التفسير من كتابـ المعيار‪.‬‬
‫تمهيـد‬
‫القضية التي أتكلم بخصوصها هي‪ :‬أن الشريعة اإلسالمية صالحة لكل‬
‫زمان ومكان وأن الفتوى تتابع اإلنسان المسلم في كل شأن‪ .‬من شئون حياته‬
‫وهو شأن من المستلزمات األولى لعقيدة اإلسالم‪ ،‬بحيث يخرج المرء عن خط‬
‫اإلسالم‪ ،‬إذا اعتقد خالفه‪ ،‬فرأى أن الشريعة اإلسالمية‪ ،‬ال تصلح لكل زمان‬
‫ومكان‪ ،‬فمن المقررات األساسية المسلم بها‪ ،‬في العقيدة اإلسالمية أربعة أمور‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ال ألوهية للبشر وأن محمدا × خاتم النبيين ﮋﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ‬
‫ﯲﯳﮊ(‪.)1‬‬
‫‪ 2‬ـ وأن مهمة اإلسالم بحسب نصوص القرآن‪ ،‬والسنة النبوية الثابتة‪ ،‬هي‪:‬‬
‫إصالح البشر جميعا‪ ،‬إصالحا عاما شامال‪ ،‬في جميع الشؤون‪ :‬من فردية‪،‬‬
‫واجتماعية‪ ،‬ﮋﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥﮊ(‪.) 2‬‬
‫‪ 3‬ـ أن الشريعة قد أكملت قواعدها‪ ،‬وأسسها‪ ،‬وتخطيطها‪ ،‬فاتضحت‬
‫مقاصدهـا العامة‪ ،‬وطريقها في الحياة‪ ،‬ومعالمها‪ ،‬ومناراتها الهادية‪ ،‬بما‬
‫جاءت به نصوصها العامة من حيث الشمول‪ ،‬وما بينتهـ نصوصها الخاصة‪،‬‬
‫من حيث الداللة‪ ،‬وأسلوب التطبيق‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أن شريعة اإلسالم ودعوته‪ ،‬خالدتان‪ ،‬فليست شريعة اإلسالم‪،‬‬
‫موقوفة بوقت مستقبل محدود‪ ،‬يقف عنده وجوب تطبيقها‪ ،‬إلصالح الحياة‬
‫البشرية‪ ،‬ثم يترك بعده البشر ليدبروا تنظيمـ حياتهم بأنفسهم‪ ،‬دون أن يكونوا‬
‫مكلفين باتباع شريعة اإلسالم وتطبيقها‪.‬‬

‫(?) سورة األحزاب‪.40/‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة األنفال‪.24/‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 249‬ـ‬
‫النصوص األصلية في الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وذلك باجتهاد الفقهاء‬
‫الشراح‪ ،‬والقضاة الحاكمين‪،‬ـ وكان هذا الفقه اإلسالمي أعظم وأوسع فقه‬
‫قانوني‪ ،‬عرف إلى اليوم‪ ،‬في تاريخ الشرائع(‪.)1‬‬
‫وقد نشأت فيه مذاهب فقهية‪ ،‬قانونية‪ ،‬كثيرة‪ :‬أشهرها المذاهب األربعة‬
‫الحية إلى اليوم‪ ،‬وهي‪ :‬المذهب الحنفي‪ ،‬والمالكي‪ ،‬والشافعي‪ ،‬والحنبلي‪.‬ـ‬
‫فاالختالف بين هذه المذاهب ليس اختالفا دينيا عقائديا بل هو اختالف‬
‫قانوني قضائي نشأ منه ثروة تشريعيةـ عظمى في نظرياتـ الفقه اإلسالمي‪،‬‬
‫وكان دليال ناطقا على مرونة نصوص الشريعة اإلسالمية وقابليتهاـ للتطبيق‬
‫والفهم بصور وأشكال ووسائل وأساليب مختلفة في إطار الهدف الشرعي‬
‫المقصود‪ ،‬ومقاصد الشريعة(‪.)2‬‬
‫بعد هذه المقدمة‪ ،‬ننتقل إلى عرض الخطوط العريضة للنظام القانوني‬
‫في الشريعة اإلسالمية والقواعد التي أرساها في جميع فروع القانون‪،‬‬
‫وقيمتهاـ التطبيقيةـ الخالدة‪ ،‬في مجال العدل الحقوقي واالجتماعيـ فهذه الركائز‬
‫األربع‪ ،‬في عقيدة اإلسالم‪ ،‬تستلزم استلزاما مباشرا‪ ،‬بالدرجة األولى‪،‬‬
‫نتيجتينـ حتميتين‪ ،‬ال تنفكانـ عنها وهما‪:‬‬
‫أوال ـ أن النظام القانوني من شريعة اإلسالم يتسم باالستيعاب التام‪،‬‬
‫واإلحاطة‪ .‬فأحكامه تغطيـ جميع الحوادث الواقعة‪ ،‬والممكنةـ الوقوع‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أن أحكامه قابلة‪ ،‬ألن تستجيبـ إلى جميع االحتياجاتـ التشريعية‪،‬‬
‫في كل زمــان ومكان(‪.)3‬‬
‫ولذا‪ ،‬يقرر فقهاء الشريعة‪ ،‬في شتى المناسبات‪ ،‬أنه ال يمكن أن تقع‬
‫واقعة‪ ،‬في حاضر الزمن‪ ،‬ومستقبله‪،‬ـ دون أن يكون لها حكم في الشرع‬
‫اإلسالمي‪ ،‬مستند إلى نص‪ ،‬أو إلى قياس‪ ،‬أو دليل اجتهادي آخر صحيح‪،‬‬

‫(?) الدكتور زيدان‪ ،‬عبد الكريم‪ ،‬المدخل لدراسة الشريعة اإلسالمية‪ ،‬مكتبة القدس‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪/‬السادسة‪ ،‬سنة ‪( ،1982‬ص‪ 6‬ـ ‪ .)7‬والقرضاوي‪ ،‬يوسف‪ ،‬الحالل‬


‫والحرام في اإلسالم‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬ط‪ ،12/‬سنة ‪1978‬م‪( ،‬ص‪ 13‬ـ ‪ ،)14‬الزرقاء‬
‫مصطفى أحمد‪ ،‬المدخل الفقهي العام‪ ،‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪/‬األولى‪ ،‬سنة ‪1998‬م‪( ،‬ج‬
‫‪/1‬ص‪ 45‬ـ ‪.)46‬‬
‫(?) الدكتور حسان‪ ،‬حامد حسان‪ ،‬مدخل لدراسة الفقه اإلسالمي‪ ،‬مكتبة المتنبي‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ط‪/‬الثانية‪ ،‬سنة ‪( ،1979‬ص ‪ 7‬ـ ‪.)21‬‬


‫(?) الدكتور زيدان‪ ،‬عبد الكريم‪ ،‬المدخل لدراسة الشريعة اإلسالمية‪ ،‬مصدر سابق‪( ،‬ص ‪20‬‬ ‫‪3‬‬

‫ـ ‪.)21‬‬
‫ــ ‪ 250‬ـ‬
‫بحيث يدخل تحت األحكام الخمسة‪ :‬اإليجاب أو الندب‪ ،‬أو اإلباحة‪ ،‬أو‬
‫الكراهية‪ ،‬أو التحريم(‪.)1‬‬
‫لكن المهم في األمر‪ ،‬ليس هو مجرد االعتقاد‪ ،‬بل أن تكون هذه العقيدة‪،‬‬
‫تعبيرا عن حقيقة واقعية‪ ،‬ال مجرد قناعة‪ ،‬سواء صدقها الواقع‪ ،‬وشواهده‪ ،‬أو‬
‫لم يصدقها‪.‬‬
‫إن مفهوم الشيخ في حياة المسلمين له وقع عظيم‪ ،‬فال يكاد الفرد‬
‫المسلم يقطع أمرا من أمور دنياه‪ ،‬دونما حضور الشيخ‪ ،‬وتلك هي حياة‬
‫المسملين منذ فجر التاريخ‪،‬ـ وإلى غاية يوم الناس هذا‪.‬‬
‫فعندما يولد المولود يدعى الشيخ لكي يحنكه‪ ،‬ويدعو له‪ ،‬وتلك سنة‬
‫نبوية جارية منذ القدم‪.‬‬
‫وإذا ختن الطفل كان ذلك بحضور الشيخ‪ ،‬تبركا وتيمنا‪.‬ـ‬
‫وإذا كبر الطفل‪ ،‬وبلغ سن التمييز دفع للشيخ لكي يلقنه مباديء القراءة‬
‫والكتابة‪.‬‬
‫وإذا شب وبلغ سن الزواج‪ ،‬كان الشيخ حاضرا‪ ،‬ليباشر العقد الشرعي‪.‬‬
‫وإذا ما وقع خالف في الحياة الزوجية‪ ،‬كان الشيخ حاضرا لفك النزاع‬
‫ورد األمور إلى نصابها‪.‬‬
‫وإذا مرض الشخص جاء الشيخ ليعوده‪ ،‬ويدعو له بالشفاء‪ ،‬أو يقوم‬
‫برقيته‪...‬ـ وهكذا كانت أمور المسلمين مرتبطةـ ارتباطاـ وثيقا بالشرع‪ ،‬وهو ما‬
‫ينبغيـ أن يكون دائما‪.‬‬
‫حتى إذا ما داهمه الموت كان الشيخ حاضرا ـ أيضا ـ لتلقينه الشهادة‪،‬‬
‫وإحسان الظن باهلل تعالى في اللحظات األخيرة من هذه الحياة الفانية‪،‬‬
‫واالنتقالـ إلى الدار الباقية في خاتمة حسنة‪.‬‬
‫وكذلك كانت الشريعة تحوط حياة المسلم في كل سنونه صغيرها‬
‫وكبيرها‪ ،‬تمده بالحلول‪ ،‬وتضمن سيره الحسن نحو هللا‪.‬‬
‫والشيخ ـ هنا ـ قد يكون إمام المسجد‪ ،‬أو معلم القرآن‪ ،‬أو قاض‪ ،‬فهو‬
‫رجل له اضطالع على الشرع‪ ،‬ويعلم من مسائلـ الفقه ما يحل به مشاكل‬
‫الناس‪ ،‬ويحظى بالقبولـ لدى كثير من طبقاتهم‪.‬ـ‬
‫تلك بعض معالم حياة الناس في القديم‪ ،‬وتوقيرهم لشرع هللا‪ ،‬والعمل‬
‫بمقتضاه‪.‬‬

‫(?) الدكتور حسان‪ ،‬حامد حسان‪ ،‬الحكم الشرعي عند األصوليين‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫القاهرة‪ ،‬ط‪ /‬األولى‪ ،‬سنة ‪1972‬م‪( ،‬ص‪.)52‬‬


‫ــ ‪ 251‬ـ‬
‫والشريعة اإلسالمية كانت شاملة لكل جزئيات الحياة الفردية والحياة‬
‫الجماعية‪.‬‬
‫المحور الثاني‪ :‬مـنــزلــــة المفتــــــي‬
‫اإلفتاء منصب عظيم‪ ،‬به يتصدى صاحبه لتوضيح ما يغمض على‬
‫العامة من أمور دينهم‪ ،‬ويرشدهم إلى المناهجـ المستقيمة‪ ،‬التي في سلوكهم لها‬
‫فالحهم ونجاحهم‪ ،‬ولهذا سموا أولي األمر‪ ،‬وأمر الناس بطاعتهمـ بل قرنت‬
‫طاعتهم بطاعة هللا‪ ،‬ورسوله × حيث يقول هللا تعالى ﮋﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬
‫ﯽ ﯾﯿﮊ(‪.)1‬‬
‫بل هو المنصب الذي تواله هللا ـ سبحانه ـ بنفسهـ حيث يقول تعالى ﮋﮱ‬
‫ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞﮊ(‪.)2‬‬
‫ويقول أيضا ‪ :‬ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗﮊ(‪ ،)3‬كفى بهذا المنصب عظما‬
‫وجاللة أن يتواله رب السموات واألرض‪ ،‬وكفى بمن يتواله شرفا ومنزلة‬
‫عالية أن يكون نائباـ عن هللا في هذا المنصب(‪.)4‬‬
‫والمفتي أيضا قائم مقام النبي × في وراثتهـ لعلم الشريعة‪ ،‬فيدل له قوله‬
‫× فيما رواه عنه أبو داود‪ ،‬والترمذي بسنديهما‪:‬ـ «ِإنَّ ا ْل ُعلَ َما َء َو َرثَةُ اَأْل ْنبِيَا ِء‬
‫ِإنَّ اَأْل ْنبِيَا َء لَ ْم يُ َو ِّرثُوا ِدينَا ًرا َواَل ِد ْر َه ًما ِإنَّ َما َو َّرثُوا ا ْل ِع ْل َم»‪.‬‬
‫وما رواه عنه البخاري‪ ،‬ومسلم بسنديهما‪« :‬بَ ْينَا َأنَا نَاِئ ٌم ُأتِيتُ بِقَد ِ‬
‫َح لَبَ ٍن‬
‫ضلِي ُع َم َر بْنَ‬ ‫ي يَ ْخ ُر ُج فِي َأ ْظفَا ِري ثُ َّم َأ ْعطَ ْيتُ فَ ْ‬ ‫الر َّ‬‫ش ِر ْبتُ َحتَّى ِإنِّي َأَل َرى ِّ‬ ‫فَ َ‬
‫سو َل هَّللا ِ قَا َل ا ْل ِع ْل َم»‪.‬‬‫ب قَالُوا فَ َما َأ َّو ْلتَهُ يَا َر ُ‬
‫ا ْل َخطَّا ِ‬
‫(‪)5‬‬
‫وقال هللا تعالى‪:‬ـ ﮋﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﮊ ‪.‬‬
‫وأما قيامه مقامه × في إبالغها للناس‪ ،‬وتعليمها للجاهل‪ ،‬فيدل له قوله‬
‫ب»‪.‬‬ ‫× فيما رواه البخاري في سنده‪َ« :‬أاَل لِيُبَلِّغ الشَّا ِه ُد ِم ْن ُك ْم ا ْل َغاِئ َ‬
‫وما رواه اإلمام أحمد والبخاري والترمذي أنه × قال‪« :‬بَلِّ ُغوا َعنِّي‬
‫َولَ ْو آيَةً»‪.‬‬
‫وما رواه اإلمام أحمد‪ ،‬وأبو داود‪ ،‬والحاكم عن ابن عباس‪ ،‬أن النبي ×‬
‫س َم ُع ِم ْن ُك ْم»‪.‬‬ ‫س َم ُع ِم َّمنْ يَ ْ‬ ‫س َم ُع ِم ْن ُك ْم َويُ ْ‬
‫س َم ُعونَ َويُ ْ‬‫قال‪« :‬تَ ْ‬

‫(?) سورة النساء‪.59/‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة النساء‪.128/‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة النساء‪176/‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) ابن قيم الجوزية‪ ،‬شمس الدين أبي عبدهللا محمد بن أبي بكر‪ ،‬أعالم الموقعين‪ ،‬تعليق‬ ‫‪4‬‬

‫طه عبدالرؤوف‪ ،‬ط‪ /‬دار الجيل‪ ،‬سنة ‪ ،1973‬بيروت‪( ،‬ج‪/1‬ص‪.)11‬‬


‫(?) سورة التوبة‪.122/‬‬ ‫‪5‬‬

‫ــ ‪ 252‬ـ‬
‫وأما قيامه مقامه × في اإلنذار بها‪ ،‬فيدل له قول هللا تعالى‪ :‬ﮋﯸ ﯹ‬
‫ﯺﯻﮊ(‪.)1‬‬
‫مع قوله تعالى‪:‬ـ ﮋﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﮊ(‪.)2‬‬
‫وبهذا يتضح لنا ما للمفتي في الشريعة اإلسالمية من منزلة عظمى‪،‬‬
‫حيث كان يتبوأ مقام النبي × فيما قدمناه من أمور‪ ،‬ويخبر عن هللا ـ سبحانهـ ـ‬
‫ويوقع شريعتهـ على أفعال المكلفين(‪.)3‬‬
‫أمور ينبغي للمفتي أن يتفطن لها‬
‫هناك أمور كثيرة ينبغي لمن ابتلي منصب اإلفتاء أن يتفطن لها‪ ،‬وأن‬
‫يأخذ نفسه بها‪ ،‬إذ هي ال تقل أهميةـ عن أمور أخرى تشترط في المفتي‬
‫كاإلسالم‪ ،‬والعلم‪ ،‬والورع‪ ،‬إلى غير ذلك من الشروط‪.‬‬
‫ومن العسير جدا أن نلم بها في بحث كهذا ـ في قصره ـ ولكن حسبنا‬
‫من ذلك معظمهاـ مما نرى أنه يحتل المكانة الكبرى بالنسبة لغيره‪ ،‬ومن هنا‬
‫يمكن أن نلخصها فيما يأتي‪:‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ البداءة بالنفس في كل خير يفتي به‪ :‬فذلك أمر مطلوب من‬
‫المفتي‪ ،‬إذ هو عالمة صدقه‪ ،‬وهو السبيل لوضع البركة في قوله‪ ،‬وتيسير‬
‫قبوله في نفوس مستمعيه(‪.)4‬‬
‫ولذا نجد القرآن يعتبر في الصدق مطابقة القول والفعل‪ ،‬وفي الكذب‬
‫مخالفته له‪ ،‬وذلك كقوله تعالى‪ :‬ﮋﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙﮊ(‪.)5‬‬
‫ويقول تعالى‪:‬ـ ﮋﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﮊ(‪.)6‬‬
‫وقد سلك الرسول × هذا المسلك‪ ،‬فجاءت أقواله مطابقةـ ألفعاله‪،‬‬
‫وسيرتهـ ممتلئةـ بالشواهد لذلك‪.‬‬
‫ومنها ما أخرجه مسلم من أن عمر بن أبي سلمة سأل النبي × عن‬
‫صن ُعَ‬‫سو َل هَّللا ِ × يَ ْ‬ ‫س ْل َه ِذ ِه ُأِل ِّم َ‬
‫سلَ َمةَ فََأ ْخبَ َر ْتهُ َأنَّ َر ُ‬ ‫تقبيلـ الصائم‪ .‬فقال له‪َ « :‬‬

‫(?) سورة هود‪.12/‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة التوبة‪.122/‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) الشاطبي إبراهيم بن موسى‪ ،‬الموافقات‪ ،‬ت‪ .‬حسن مشهور‪ ،‬دار ابن عفان‪ ،‬ط‪،1.‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪1997‬م‪( ،‬ج‪/4‬ص‪ 244‬ـ ‪.)246‬‬


‫(?) الشاطبي إبراهيم بن موسى‪ ،‬الموافقات‪ ،‬مصدر سابق‪( ،‬ج‪/4‬ص‪ 252‬ـ ‪،)253‬‬ ‫‪4‬‬

‫والقرافي‪ ،‬اإلحكام في تمييز الفتاوى عن األحكام في أماكن متفرقة‪،‬‬


‫(?) سورة األحزاب‪23/‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) سورة التوبة‪ 75/‬ـ ‪.77‬‬ ‫‪6‬‬

‫ــ ‪ 253‬ـ‬
‫سو َل هَّللا ِ قَ ْد َغفَ َر هَّللا ُ لَ َك َما تَقَ َّد َم ِمنْ َذ ْنبِ َك َو َما تََأ َّخ َر فَقَا َل لَهُ‬‫َذلِ َك فَقَا َل يَا َر ُ‬
‫سو ُل هَّللا ِ × َأ َما َوهَّللا ِ ِإنِّي َأَل ْتقَا ُك ْم هَّلِل ِ َوَأ ْخشَا ُك ْم لَهُ» (‪.)1‬‬
‫َر ُ‬
‫وروى مسلم أيضا أنه × لما نهى عن الربا في خطبة حجة الوداع‪،‬‬
‫ضو ٌع ُكلُّهُ»‪.‬‬ ‫ب فَِإنَّهُ َم ْو ُ‬ ‫س ْب ِن َع ْب ِد ا ْل ُمطَّلِ ِ‬‫ض ُعهُ ِربَانَا ِربَا َعبَّا ِ‬ ‫قال‪َ « :‬وَأ َّو ُل ِربًا َأ َ‬
‫وروى الخمسة(‪ )2‬أنه × قال ـ حين شفع عنده في حد السرقة ـ‪َ « :‬وا ْي ُم‬
‫س َرقَتْ لَقَطَ ْعتُ يَ َدهَا»‪.‬‬ ‫اط َمةَ بِ ْنتَ ُم َح َّم ٍد َ‬ ‫هَّللا ِ لَ ْو َأنَّ فَ ِ‬
‫فهذا منه × ظاهر في المحافظة على مطابقةـ القول للفعل بالنسبةـ إليه‬
‫وإلى قرابته‪ ،‬وهكذا ينبغي لمن يتصدى ألحكام هللا من الناس‪.‬‬
‫كما جاء الشرع ذاما للفاعل بخالف ما يقول‪ ،‬فقال تعالى‪ :‬ﮋﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬
‫ﮪ ﮫﮬﮊ(‪.)3‬‬
‫وقال ـ أيضا ـ‪ :‬ﮋﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮊ(‪.)4‬‬
‫ومما ينبغي التنبيهـ إليه أن هذا األمر يعتبر وجوده أكمل في انتفاع‬
‫المستفتي‪ ،‬وقبوله لما يقوله المفتي وليس معناه أنه البد من وجوده من أجل‬
‫صحة الفتوى من الناحيةـ الشرعية‪ ،‬اللهم إال إذا سقطت درجة المفتي إلى‬
‫مرحلة الفسق‪ ،‬فإنه حينئذ ال تقبلـ فتواه‪ ،‬الختالل شرط العدالة فيه‪.‬‬
‫ولهذا يقول الشاطبي(‪ )5‬في ذلك ‪(( :‬والمراد بما سقناه من عدم مخالفة‬
‫المفتي لما يفتيـ به‪ ،‬أن هذا أكمل في االنتفاع‪ ،‬وال يعني هذا عدم صحة‬
‫الفتوى من الناحية الشرعية‪ ،‬ما لم ينحط المفتي إلى رتبة الفسق بالمخالفةـ))‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ التريث في الفتوى حين يشتمل اللفظ على بعض المالبسات التي‬
‫تجعل المفتي يغلب على ظنه أن صيغة السؤال ال تعبر عن حقيقة الواقع‬
‫تماما‬
‫وذلك كأن يكون السائل عامياـ ال يدري مدلول اللفظ‪ ،‬فنجده يطلق اللفظ‬
‫الصريح على غير مدلوله‪ ،‬ويأتي باللفظ الخاص على مدلول عام‪ ،‬فينبغيـ‬
‫للمفتي إذا غلب على ظنه أن مثل ذلك ال يقع له‪ ،‬أن يتأنى في شأن الفتيا حتى‬

‫(?) ابن تيمية‪ ،‬أبو البركات‪ ،‬الجد‪ ،‬منتقى األخبار‪ ،‬باب "الرخصة في القبلة للصائم إال‬ ‫‪1‬‬

‫من خاف على نفسه"‪.‬‬


‫(?) ابن الديبع‪،‬ـ تيسير الوصول إلى جامع األصول‪ ،‬باب "حد السرقة"‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة البقرة‪.44/‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة الصف‪ 2/‬ـ ‪.3‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) الشاطبي إبراهيم بن موسى‪ ،‬الموافقات‪ ،‬مصدر سابق‪( ،‬ج‪/4‬ص‪.)256‬‬ ‫‪5‬‬

‫ــ ‪ 254‬ـ‬
‫يتفقد قرائن أحوال المستفتي‪ ،‬وحتى ينكشف له واقع الحال‪ ،‬فيفتيه في ضوء‬
‫ما تبين به‪ ،‬ال في حدود ما أطلقه من لفظ‪.‬‬
‫وإن لم يصل المفتي إلى كشف الواقع‪ ،‬فال يحل له أن يفتيهـ(‪.)1‬‬
‫ومن المالبسات التي تجعل المفتي يغلب على ظنه أن صيغة السؤال ال‬
‫تعبر عن حقيقة الواقع‪ ،‬كأن يكون المسؤول عنه ما مثله ال يسأل عنه‪،‬‬
‫فالغالب على الظن حينئذ أنه يقصد بالسؤال أمر لو صرح به‪ ،‬المتنعت الفتيا‬
‫به‪.‬‬
‫ولهذا ينبغيـ للمفتي أن يتأنىـ في الفتيا‪ ،‬ويستكشف حال المستفتيـ‬
‫ويبحث عن حقيقة سؤاله‪.‬‬
‫ويروي لنا القرافي(‪ )2‬قصة حصلت له‪ ،‬تمثل ذلك أتم تمثيل‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫((ولقد سئلت مرة عن عقد النكاح بالقاهرة‪:‬ـ هل يجوز أم ال؟ فارتبت‪ ،‬وقلت‬
‫له‪ :‬ما أفتيك حتى تبينـ لي ما المقصود بهذا الكالم؟ فإن كل أحد يعلم أن عقد‬
‫النكاح بالقاهرة جائز‪ ،‬فلم أزل به حتى قال‪ :‬إنا أردنا أن نعقده خارج القاهرة‬
‫فمنعنا‪ ،‬ألنه استحالل‪ ،‬فجئنا للقاهرة (فعقدناه)‪ ،‬فقلت له‪ :‬هذا ال يجوز‬
‫بالقاهرة‪ ،‬وال بغيرها))‪.‬‬
‫إلى غير ذلك من األمور التي ينبغي أن يتوفر عليها المفتي كحسن‬
‫الطريقة‪ ،‬ورضا السيرة‪ ،‬والورع‪ ،‬والعفة‪ ،‬والحرص على األكل من الحالل‪،‬‬
‫ورصانة الفكر‪ ،‬وجودة المالحظة‪ ،‬وطلب المشورة‪ ،‬وشهادة الناس له بأنهـ‬
‫أهل لهذا المنصب‪.‬‬
‫وتلك هي مكانةـ المفتي في اإلسالم‪ ،‬وهذه هي الصفات التي ينبغيـ أن‬
‫يتحلى بها من ندب نفسه لإلفتاء فما مدى انطباقـ هذه الصفات على المفتين‬
‫على العالم اإلسالمي المعاصر؟‬
‫الواقع الذي تعيشه األمة اإلسالمية في هذا الجانب مر أليم‪ ،‬فكثير ممن‬
‫تصدى للفتوى ال يتوافر على أدنى شروط المفتي مما كان له األثر السيء في‬
‫المجتمع اإلسالمي‪.‬‬
‫فأحكام الدين كثيرا ما تؤخذ عن أناس ال عالقة لهم بالتأصيلـ الشرعي‬
‫الرزين‪ ،‬مما يؤدي إلى اضطراب والبلبلة في أوساط العامة وتشويش على‬

‫(?) القرافي‪ ،‬اإلحكام في تمييز الفتاوى عن األحكام في أماكن متفرقة‪ .‬مصدر سابق‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(ص‪.)352 ،246 ،244‬‬


‫(?) القرافي‪ ،‬اإلحكام في تمييز الفتاوى عن األحكام في أماكن متفرقة‪ .‬مصدر سابق‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(ص‪)252/253‬‬
‫ــ ‪ 255‬ـ‬
‫موروثهم الفقهي‪ ،‬ومذهب مشايخهم الذين اعتادوا على سؤالهم في شؤون‬
‫حياتهم‪.‬‬
‫والشيء الذي يتبادر إلى الذهن اقتراحه إزاء هذه المشكلة‪ ،‬للقضاء‬
‫عليها‪ ،‬أو الحد من خطرها‪:‬‬
‫ـ أن ال يترك الباب مفتوحا لمن أراد أن يلج منه‪ ،‬بل ينبغي لوالة‬
‫األمور ومن يعنيهمـ هذا الشأن أن يضعوا قواعد أساسية بها يقومون‬
‫الشخص‪ ،‬ويعلمون مدى صالحيتهـ لذلك‪ ،‬فيرشحوه لهذا األمر‪.‬‬
‫ـ ويوجهوا عامة الناس نحوه في أخذ األحكام‪ ،‬حين يحتاجون لذلك‪،‬‬
‫ـ وأن يمنعوا عن اإلفتاء من ال يصلح لذلك‪ ،‬وينذروه إن لم ينته عنه‪،‬‬
‫ويعاقبوه بما يتناسب مع حاله حين يتصدى له‪ ،‬ولو أصاب في ذلك‪ ،‬فإن‬
‫إصابتهـ مرة سيتبعهاـ خطؤه مرات كثيرة في حاالت أخرى‪ ،‬وليس فيما نقول‬
‫تحجير لواسع‪.‬‬
‫ـ أن يختار في كل بلد من يصلح لذلك‪ ،‬حتى يفتيهاـ في أمور دينها‪،‬‬
‫ويخلصها مما قد ينبهم عليها في صلتها مع ربها‪.‬‬
‫كما أنه ليس فيما نقول ابتكار لقول لم نسبق إليه وإلى العمل به‪ ،‬فقد‬
‫قال الخطيب البغدادي(‪(( :)1‬قلت ينبغيـ إلمام المسلمين‪،‬ـ أن يتصفح أحوال‬
‫المفتين فمن كان يصلح للفتوى أقره عليها‪ ،‬ومن لم يكن من أهلها منعه منها‪،‬‬
‫وتقدم إليه بأن ال يتعرض لها‪ ،‬أوعده بالعقوبة‪ ،‬إن لم ينتهـ عنها))‪.‬‬
‫ويستأنسـ في عرض رأيه هذا بما حصل من خلفاء بني أمية في‬
‫تعيينهمـ من يتصدى للفتيات بمكة‪ ،‬ومنعهم لغيرهم منها‪ ،‬فيقول‪(( :‬وقد كان‬
‫الخلفاء من بني أمية ينصبون للفتوى ـ بمكة ـ في أيام الموسم قوما يعينونهم‪،‬ـ‬
‫ويأمرون بأن ال يستفتى غيرهم))‪.‬‬
‫ويروى بسنده إلى أبي يزيد الصنعانيـ عن أبيهـ قال‪(( :‬كان يصيح‬
‫الصائح في الحاج‪ :‬ال يفتي الناس إال عطاء بن أبي رباح فإن لم يكن فعبد‬
‫هللا بن أبي نجيح))‪.‬‬
‫ويتابعـ ابن الجوزي المتوفى سنة (‪596‬هـ) الخطيبـ البغدادي فيقول‪:‬‬
‫((يلزم ولي األمر منعهم‪ ،‬كما فعل بنو أمية))(‪.)2‬‬
‫كما أن من يتصدر للفتيا ـ ممن كانوا أهال لها ـ ينبغيـ لهم توعية العامة‬
‫بهذا الشأن‪ ،‬والعمل على صرف الناس عمن ال يصلح للفتيا‪ ،‬والحد من‬
‫نشاطهم‪ ،‬والمنع من نفوذهم بكل الوسائل التي تخدم هذه المقاصد‪.‬‬
‫(?) الخطيب‪ ،‬أحمد بن ثابت‪ ،‬البغدادي‪،‬ـ الفقيه والمتفقه‪ ،‬مطابع القسيم‪ ،‬سنة ‪1389‬هـ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(ج‪/2‬ص‪.)153‬‬
‫(?) أحمد بن حمدان الحرافي الحنبلي‪ ،‬صفة الفتوى والمفتي والمستفتي‪( ،‬ص ‪.)24‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 256‬ـ‬
‫ولهذا نرى القرافي يعرض رأيا‪ ،‬هو في نفسه أحد هذه الوسائل‪،‬ـ‬
‫فيقول(‪(( :)1‬وينبغي للمفتي متى جاءته فتيا‪ ،‬وفيها خط من ال يصلح للفتيات‪،‬ـ‬
‫أن ال يكتبـ معه‪ ،‬فإن كتابتهـ معه تقرير لصنيعه‪ ،‬وترويج لقوله الذي ال ينبغيـ‬
‫أن يساعد عليه‪،‬ـ وإن كان الجواب في نفسه صحيحا‪.‬‬
‫فإن الجاهل قد يصيب ولكن المصيبة العظيمة‪،‬ـ أن يفتيـ في دين هللا من‬
‫ال يصلح للفتيا‪،‬ـ إما لقلة علمه‪ ،‬أو لقلة دينه‪ ،‬أو لهما معا))‪.‬‬
‫نسأل هللا ‪ ‬أن ينصر دينه‪ ،‬ويعلي كلمته‪ ،‬وأن يوفق القائمينـ على‬
‫شؤون المسلمين لما فيه خير دينهم‪ ،‬وصالح من تحت رعايتهم‪.‬‬
‫المحور الثالث‪ :‬نماذج من فتاوى التفسير من كتاب "المعيار"‬
‫محاورة بين اإلمامين التلمسانيين‪ :‬محمد المقري‪ ،‬وإبراهيم بن اإلمام‪.‬‬
‫تكلم عليها القاضي أبو عبد هللا المقري التلمساني‪،‬ـ وتكلم معه في‬
‫بعضها الشيخ أبو الفضل إبراهيم ابن الشيخ العالم المجتهد أبي زيد عبد‬
‫الرحمن بن الشيخ اإلمام التلمساني‪.‬‬
‫قال القاضي المقري ~ تعالى‪ :‬نظرت في قوله تعالى‪:‬ـ ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﮊ(‪ )2‬مع ما في الصحيح من قوله ـ عليه السالم ـ‪َ « :‬ما ِمنْ‬
‫ش ُر وَِإنَّ َما َكانَ الَّ ِذي ُأوتِيتُ َو ْحيًا‬ ‫ْط َي َما ِم ْثلهُ آ َمنَ َعلَ ْي ِه ا ْلبَ َ‬‫اَأْل ْنبِيَا ِء نَبِ ٌّي ِإاَّل ُأع ِ‬
‫َأ ْو َحاهُ هَّللا ُ ِإلَ َّي فََأ ْر ُجو َأنْ َأ ُكونَ َأ ْكثَ َر ُه ْم تَابِ ًعا يَ ْو َم ا ْلقِيَا َم ِة»‪.‬‬
‫ففيهما من ذلك سر رفع العذاب العام‪ ،‬والمسخ وغير ذلك مما نال األمم‬
‫المتقدمة‪ ،‬وذلك أن تلك اآليات آيات اضطرار‪ ،‬فكانت العقوبة على تكذيبهاـ‬
‫عقوبة عناد‪ ،‬وآية الوحي آية اعتبار‪ ،‬فالعقوبة على ردها عقوبة اعتراض‬
‫وإلحاد‪.‬‬
‫وكأن هللا ‪ ‬مهد لنبيه × أخباره بأن بعث األنبياء قبله باآليات‪ ،‬وأهلك‬
‫المكذبين بها بمنكرات العقوبات‪ ،‬ثم لم ينقطع مع ذلك شرك وال غلب توحيد‪.‬‬
‫فبعث محمدا × بوحي يعرفه المستبصر ويفهمه المذكر‪ ،‬فمن أيقظ إليه‬
‫بصيرته علم أنه من عند هللا تعالى ومن حجب قلبه صرفه عن طريقه‪،‬ـ ثم‬
‫نصره بالسيفـ فبلغ حتى مات وقد أسلمت العرب وسالمت‪.‬ـ‬
‫ثم قام بعده الخلفاء به فأشاعوه في األقطار‪ ،‬وقاتلوا عليه جميع الكفار‪،‬‬
‫حتى فتحوا البلدان‪ ،‬وأظهروا دين اإلسالم على سائر األديان‪،‬‬
‫(?) القرافي‪ ،‬اإلحكام في تمييز الفتاوى عن األحكام في أماكن متفرقة‪ .‬مصدر سابق‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(ص‪.)24‬‬
‫(?) سورة اإلسراء‪.59/‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 257‬ـ‬
‫فعم بلوغ دعوته المشارق والمغارب‪ ،‬وعلت كلمة هللا الرؤوس‬
‫والمناكب‪ ،‬فلم يدعو في األرض إال مسلما أو عابدا هلل ‪ ‬غير جاحد له وال‬
‫مشرك به من كتابي أو مجوسي مطلوب ال طالب‪ ،‬ومركوب ال راكب‪.‬‬
‫ونحن ننتظر استئصال شأفتهم‪ ،‬وإخماد نار شوكتهم‪ ،‬ومنار كلمتهم‪.‬‬
‫فكل من على األرض اليوم فهو مذعن هلل ‪ ‬مقر له خائف من بطشه‬
‫راغب في فضله‪ ،‬ال يدعي الشبه لغيره‪ ،‬وال يقر لمعبود سواه ببركة آيو الوحي‪.‬‬
‫وهذا سر كونه × خاتم النبيينـ وأكثرهم تابعا‪.‬‬
‫ويدلك على ذلك أن اآليات كانت مع خصوص الدعوى‪ ،‬والوحي مع‬
‫عمومها‪ ،‬لظهور آثارها في األمور المخبر بها قبل اإلسالم‪ ،‬من أكبر معجزات سيد‬
‫اآلنام‪.‬‬
‫ضا»‪.‬‬‫االتَِّباعُ أَْي ً‬
‫وسى َما َوسَِعُه ِإَّال ِ‬
‫وهذا هو سر‪َ« :‬لْو َأْدَرَكنِي ُم َ‬
‫وهو سر تحريم الملك في أمته وشرع الخالف حتى يكون األمر على‬
‫نهجه‪ ،‬وهللا تعالى أعلم‪.‬‬
‫وقال أيضا ~ سألني بعض الفقراء عن السبب في سوء بحث المسلمين‬
‫في ملوكهم إذا لم يل أمرهم من يسلك بهم الجادة وال يحملهم على الواضحة‪،‬‬
‫بل من يغتر في مصلحة دنياه‪ ،‬غافال عن عقوبتهـ في أخراه‪ ،‬فال يرقب في‬
‫مؤمن إال وال ذمة‪ ،‬وال يرعى لهم عهدا وال حرمة‪.‬‬
‫فأجبته بأن ذلك ألن الملك ليس في شريعتنا‪ ،‬وذلك أنه كان فيمن قبلنا‬
‫شرعا‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫قال هللا ‪ :‬ممتناـ على بني إسرائيلﭧ ﭨ ﮋﮡ ﮢﮊ ولم يقل ذلك في هذه‬
‫األمة‪ ،‬بل جعل لهم خالفة‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ﭧ ﭨ ﮋﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﮊ ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ﭧ ﭨ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮊ ‪ .‬وقال سليمان‪:‬ـ ﮋﮬ ﮭ ﮮ ﮯ‬
‫ﮰ ﮱﮊ(‪.)4‬‬
‫إلى غير ذلك‪ ،‬فجعلهم (كذا) هللا تعالى إلى أن جعل فيهم ملوكا ولم‬
‫يجعل فينا شرعا إال الخلفاء‪ ،‬فكان أبو بكر خليفة رسول هللا × وإن لم‬
‫يستخلفه نصا‪ ،‬لكن فهم الناس ذلك فهما وأجمعوا على تسميتهـ بهذا االسم‪ ،‬ثم‬
‫(?) سورة المائدة‪.20/‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة النور‪.55/‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة البقرة‪.247/‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة ص‪.35/‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 258‬ـ‬
‫استخلف أبو بكر عمر فخرج بها على سبيلـ الملك الذي يرثه المولود عن‬
‫الوالد إلى سبيل الخالفة الذي هو النظر واالختيار للناس‪ ،‬ونص على ذلك في‬
‫عهده له‪ ،‬ثم اتفق الناس من أهل الشورى على عثمانـ‪.‬‬
‫فخروج عمر بها عن بنيه إلى أهل الشورى دليل على أنها ليست ملكا‪،‬‬
‫ونظر الناس فيهم واختيارهم منهم دون تعصيب وغلبة مؤكدة لذلك‪ ،‬ثم تعين‬
‫بعد ذلك إذ لم يبق مثله فبايعه من آثر الحق على الهوى‪ ،‬واصطفى اآلخرة على‬
‫الدنيا‪ ،‬ثم الحسن كذلك‪ ،‬ثم كان معاوية ~ أول من حول الخالفة ملكا والخشونة‬
‫لينا‪ ،‬قال تعالى‪ :‬ﮋﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨﮊ(‪ ،)1‬فجعلها ميراثا‪،‬ـ فلما خرج بها عن وضعها‬
‫لم يستقم ملك فيها‪.‬‬
‫أال ترى أن عمر بن عبد العزيز ‪ ‬كان خليفة ال ملكا‪ ،‬ألن سليمان ~‬
‫رغب عن بني أبيه إليه إيثارا لحق المسلمين‪ ،‬وليال يتقلدهم حيا وميتا‪ ،‬وكان يعلم‬
‫اجتماع الناس عليه‪،‬ـ فلم يسلك طريق االستقامة بالناس قط إال خليفة‪.‬‬
‫أما الملوك فعلى ما ذكرت إال من قل‪ ،‬وغالب أحواله غير مرضية‪،‬ـ‬
‫وهللا تعالى أعلم‪.‬‬
‫وقال أيضا ~ ﭧ ﭨ ﮋﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﮊ(‪ ،)2‬يدل على وجوب العمل‬
‫بالراجح‪ ،‬وقد حكى اإلجماع عليه‪ ،‬ألنه دليل على قولهم بعض الطريق سؤال‬
‫(كذا) ثم لم يرض للعالم غير اتباع سبيله وانتهاج طريقته‪.‬‬
‫وقوله أيضا بعدها‪:‬ـ ﮋﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﮊ(‪.)3‬‬
‫دليل على جواز التبشير بمصاب العدو الفرح به وإن كان أخرويا‪.‬‬
‫وقد اختلف في جواز الدعاء عليه بالموت على الكفر‪.‬‬
‫و أفتى شرف الدين الكركري بكفر من قال لرجل أماتهـ هللا على الكفر‪،‬‬
‫قال‪ :‬ألن محبة الكفر كفر‪ ،‬ووردته بقول صالح بن آدم في قوله تعالى‪ :‬ﮋﮱ‬
‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﮊ(‪ )4‬انتهى‪.‬‬
‫فكتب الفقيه العالمة اإلمام سيدي أبو الفضل ابن االمام عقب كالم‬
‫المقري هذا ما نصه‪ :‬الحمد هلل‪ .‬قوله في اآلية األولى تدل على وجوب العمل‬
‫بالراجح‪ ،‬مما يمنع‪،‬ـ وذلك أنه ﭧ ﭨ ﮋﰇﮊ(‪.)5‬‬
‫(?) سورة األعراف‪.153/‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة اإلسراء‪.9/‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة اإلسراء‪.10/‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة المائدة‪.29/‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) سورة البقرة‪.264/‬‬ ‫‪5‬‬

‫ــ ‪ 259‬ـ‬
‫يحتملـ أن يكون مفسرا يدعو على نهج‪ ،‬ﭧ ﭨ ﮋﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﮊ(‪.)1‬‬
‫وعلى هذا القول إن إجابة دعوته تجب ألن االدعاء منه إلى التي هي‬
‫أقوم بأوامر ونواهي يقف مع كل منهما‪،‬ـ وتارة يكون معنى ﮋﭣﮊ يرشده‪،‬‬
‫وإرشاده من وجوه ال تحصى وال تنحصر‪ ،‬كما أن ﮋﯾﮊ أيضا يحتمل أن يراد‬
‫بها الطريقة‪،‬ـ ويحتمل أن يراد بها الحالة‪.‬‬
‫ﮋﭥﮊ أيضا يحتملـ أن يكون على ظاهره مقتضيا للتفضيل‪ ،‬ويحتم أن‬
‫ال‪ ،‬وذلك إذا لوحظ منه التوحيد‪ ،‬إذ الشرائع لم تختلف فيه‪ ،‬فلو قيل مثال‪ :‬ﭧ‬
‫ﭨ ﮋﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﮊ(‪ ،)2‬على معنى أنه يرشد الناظر فيه إلى الحالة القويمة‪،‬‬
‫وذلك إذا نظر فيه مؤمن من وجه التوحيد‪ ،‬وما يقول فيه إذا نظر فيه كتابيـ‬
‫مسلم من وجه أنبائهم‪،‬ـ فإن قال المراد مجموع القرآن من حيث هو مجموع‪،‬‬
‫وكل آياته ال كلياتهـ فيعتبر النظر في اإلشارة بهذا من قوله سبحانه‪:‬ـ ﮋﭟ ﭠ‬
‫ﭡﮊ(‪ ،)3‬فتأمله‪.‬‬
‫وقوله في اآلية الثانيةـ وهي ﭧ ﭨ ﮋﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴﮊ(‪ )4‬دليل على جواز‬
‫التبشير بمصاب العدو‪ ،‬وهذا من حيث ﭧ ﭨ ﮋﭰ ﭱﮊ(‪ ،)5‬عطف على األولى‪،‬‬
‫وأن األولى في موضع نصب بـ ﮋﭦﮊ فهي داخلة في جملة بشارة المؤمن‪،‬‬
‫فالقرآن بشير المؤمنين‪ ،‬بحيث إن الكافرين لهم عذاب أليم‪.‬‬
‫وما رد به على شرف الدين ال يصح ألنه ال يقال إن إرادة هابل إرادة‬
‫محبة وشهرة‪ ،‬وإنما هو تخيير في شرين كما تقول العرب في الشر خيار‪،‬‬
‫فالمعنى إن قتلتني وسبق بذلك اختياري أن أكون مظلوما سينتصر هللا لي في‬
‫اآلخرة‪.‬‬
‫أال ترى إلى قوله‪ :‬ﮋﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨﮊ(‪ )6‬على معنى ال أفعل القتل‪.‬‬
‫وقد قال الجمهور‪(( :‬إن هابلـ كان أقوى منهم‪ ،‬ويأتي وراء هذا قوله‪:‬‬
‫ﮋﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗﮊ(‪ )7‬على معنى لست بحريص على قتلك‪ ،‬فاإلثم الذي‬
‫(?) سورة فصلت‪.17/‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة اإلسراء‪.9/‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة اإلسراء‪9/‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة اإلسراء‪.10/‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) سورة اإلسراء‪10/‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪6‬‬
‫(?) سورة المائدة‪.28/‬‬
‫‪7‬‬
‫(?) سورة المائدة‪.29/‬‬
‫ــ ‪ 260‬ـ‬
‫يلحقني لو كنت حريصا على قتلك أريد أن تحمله أنت مع إثمك في قتلي‪،‬‬
‫س ْيفَ ْي ِه َما فَا ْلقَاتِ ُل‬
‫ان بِ َ‬ ‫على ما أشار عليه السالم إليه بقوله‪ِ« :‬إ َذا ا ْلتَقَى ا ْل ُم ْ‬
‫سلِ َم ِ‬
‫ُول؟ قَا َل‪ِ :‬إنَّهُ‬ ‫سو َل هَّللا ِ َه َذا ا ْلقَاتِ ُل فَ َما بَا ُل ا ْل َم ْقت ِ‬ ‫َوا ْل َم ْقتُو ُل فِي النَّا ِر‪ .‬فَقُ ْلتُ ‪ :‬يَا َر ُ‬
‫احبِ ِه» (‪.)1‬‬
‫ص ِ‬ ‫صا َعلَى قَ ْت ِل َ‬ ‫َكانَ َح ِري ً‬
‫ويأتي في كالم هابلـ من اللطائفـ والحكمة أنه جمع فيه االستعطاف‬
‫والزجر‪ ،‬ألنه إذا نفى أن يبسط إليه يده في الوقت الذي يجب فيه البسط فلذلك‬
‫من أقوى الدعاوى في تعطف قابل‪ ،‬ألن المقاومة ممانعةـ توجب الطلب في‬
‫الممنوع والرغبة‪.‬ـ‬
‫وأحب شيء لإلنسان ما منعا‬ ‫وزادني كلفا في الحب أني منعته‬

‫ثم أردف االستعطاف بالتسليم الباطنيـ حيث نفى أن تكون له نزعة من‬
‫المشوشات للباب ربما تخيل من خالله األخوة النسبية‪ ،‬ثم أردف بالوعيد لها‪،‬‬
‫بل وهو‪ :‬ﮋﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜﮊ(‪" .)2‬إذ ال زاجر وراء ذلك‪.‬‬
‫أما قوله‪ :‬ﮋﯝ ﯞ ﯟ ﯠﮊ(‪.)3‬‬
‫فيحتمل أن يكون من كالمه‪ ،‬ويحتمل أن يكون من كالم هللا ـ سبحانهـ‪.‬‬
‫وقال أيضا ~‪(( :‬لما نزل قوله تعالى‪ :‬ﮋﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮊ(‪.)4‬‬
‫عوذُ‬ ‫ك»‪ ،‬ﮋﮱ ﯓ ﯔ ﯕﮊ(‪ .)5‬قال‪« :‬أَ ُ‬ ‫جهِ َ‬‫وذ بَِو ْ‬
‫قال رسول هللا ×‪َ« :‬أعُ ُ‬
‫(‪)6‬‬
‫ف»‪.‬‬ ‫ك»‪ .‬ﮋﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﮊ ‪ .‬قال‪َ« :‬هِذِه أَ َ‬
‫خ ُّ‬ ‫جهِ َ‬
‫بَِو ْ‬
‫فمن ثم وربك أعلم منع هذه دون تينكـ على ما ثبتـ في الصحيح من‬
‫سَأ ْلتُ َربِّي َأنْ اَل‬ ‫سَأ ْلتُ َربِّي ثَاَل ثًا فََأ ْعطَانِي ثِ ْنتَ ْي ِن َو َمنَ َعنِي َو ِ‬
‫اح َدةً َ‬ ‫قوله‪َ « :‬‬
‫سنَ ِة فََأ ْعطَانِي َها ‪ ،‬وهذه وهللا أعلم‪.‬‬ ‫يُ ْهلِ َك ُأ َّمتِي بِال َّ‬

‫(?) البخاري‪ ،‬محمد بن اسماعيل‪ ،‬الصحيح مع الفتح‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬كتاب اإليمان‪1/84( ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ـ ‪)85‬‬
‫(?) سورة المائدة‪.29/‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة المائدة‪.29/‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة األنعام‪.65/‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫(?) سورة األنعام‪.65/‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) سورة األنعام‪.65/‬‬
‫ــ ‪ 261‬ـ‬
‫ق فََأ ْعطَانِي َها»‪،‬‬ ‫سَأ ْلتُهُ َأنْ اَل يُ ْهلِ َك ُأ َّمتِي بِا ْل َغ َر ِ‬
‫هي العذاب من فوق‪َ « ،‬و َ‬
‫َ‬
‫س ُه ْم بَ ْين ُه ْم‬ ‫ْأ‬ ‫اَل‬
‫س لتهُ نْ يَ ْج َع َل بَ َ‬ ‫َأ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َأ‬ ‫وهي وهللا أعلم‪ .‬العذاب من تحت‪َ « ،‬و َ‬
‫فَ َمنَ َعنِي َها»‪ .‬وهذه هي اإللباس واإلذاقة‪.‬‬
‫فتأمل ذلك تجد الحديث كالكفاء لآلية! واستعذ باهلل من جميع بالئهـ‪ ،‬وال‬
‫تحقر شيئا من عذابه‪ ،‬نعوذ به‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫فكتب أبو الفضل بن اإلمام عقب هذا الكالم ما نصه‪ :‬هذا الكالم في‬
‫غاية الحسن‪ ،‬لكن كدر صفوه أني أحفظ مثله للسهيلي‪ ،‬فطالعه في "الروض‬
‫األنف" فقد يكون حفظه ثم نسيه‪،‬ـ أعني نسيه على الوجه الخاص في كونه‬
‫هنالك وكونه للسهيلي‪.‬‬
‫فلكثرة الحفظ ظهر له أنه آثاره‪ ،‬ويحتمل أن يكون هو المدرك له وال‬
‫يبعد‪ ،‬فالمصنف كبير‪ ،‬وعلمه غزير وال أحق اآلن النقل كما أني ال أشك في‬
‫أنه هنالك‪ ،‬وأتخيل أن السهيلي ذاكر به بعض األشياخ ووقف النظر في تقدم‬
‫اآلية‪ ،‬والغالب أن السهيلي قرره وهو الذي نفى في كالم المقري ولما لم يغلب‬
‫ذلك على ظنه بما نقصه البحث قال ومن ثم ـ وربك اعلم ـ‪.‬‬
‫ولم أجد الكتاب في الوقت‪ ،‬وقد أرشدناك للمطالعةـ فيما بقي‪ ،‬وفي‬
‫كالمه ~ عجلة من سوء األدب‪ ،‬ولوال مكانتهـ في العلم والديانة التي ال أشك‬
‫فيها لكان التنبيهـ على غير هذا الوجه‪ ،‬فيه سقطة ال أشك فيها‪ ،‬وجموح قلم‪،‬‬
‫عرفنا هللا بمقادير أنفسنا‪ ،‬وألهمنا رشدنا‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وقال أيضا ~‪ :‬ﮋﯰ ﯱﯲ ﯳ ﯴﮊ(‪ ،)1‬ﮋﭙ ﭚﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﮊ‬
‫يقتضي أن قبض الرهن مخالف لقبض األمانة‪ ،‬ألن الظاهر كونه مستأنفاـ ال‬
‫عاما معطوفا على خاص‪.‬‬
‫فالرهن كالكتبـ جعل الرهن بدال منه ليست يد المرتهن عليه بيد أمانةـ‬
‫لكن يد ضمان كالعارية ظ‪ ،‬ألن كل واحد منهما مقبوض لمنفعة القابض‬
‫يه»‪،‬‬‫ن ِبَما ِف ِ‬
‫الرْه ُ‬
‫خاصة كالقرض فهو مضمون باألصالة قال رسول هللا ×‪َّ « :‬‬
‫وباهلل التوفيق‪.‬‬

‫(?) سورة األنعام‪.73/‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة البقرة‪283/‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 262‬ـ‬
‫ونلحق بهذا الكالم بما هو منه ما قاله ~ قال‪ :‬ندب هللا إلى الكتب بما‬
‫هو توسعة على الناس‪ ،‬ألن اإلنسان إذا توثق من حقه سارع إلى إخراج‬
‫شيئه‪ ،‬والوثيقة إذا خفت مؤونتهاـ لم يرجع أحد على المعاملة عليها مع ما في‬
‫ذلك من الحوطة على المال‪ ،‬والرفق في الحال والمآل‪.‬‬
‫فهذا إرشاد ال عزيمة‪ ،‬ومعونة ال مؤونة‪.‬‬
‫ثم لما كان التوثق بالكتبـ قد يتعذر قد أرشد إلى التوثق بأثقل منه مما‬
‫ال يعسر فقال‪ :‬ﮋﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚﭛﮊ(‪.)1‬‬
‫وإلى تمام التوثق أشار بلفظ القبض كأنهـ يقول‪ :‬إن تعذر الكتب فال‬
‫تمنعوا من التعاملـ الذي هو أصل صالح أحوالكم لوجود ما هو أوثق منه‬
‫وهو الرهن المقبوض‪ ،‬فلم يذكر أوال المتيسر األخف‪ ،‬وذكر هذا‪ ،‬فإن الجزء‬
‫الحادي عشر‪ ،‬والجزء الثانيـ من كتابـ "المعيار" قد احتويا على لطائفـ‬
‫كثيرة في التفسير والحديث‪ ،‬ومناقشة عميقة تناول فيها بعض أهل العلم‬
‫الكثير من أقوال الزمخشري‪ ،‬وابن عطية‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫يجدر بالقارئ أن يعود إليها ويقف عندها مليا‪.‬‬
‫وهكذا عكف العلماء على االستفادة من هذا الفيض اإلالهي الذي ال‬
‫تنتهيـ عجائبه‪ ،‬ودونوا في ذلك الكتب والموسوعات‪،‬ـ في كل ناحية من نواحي‬
‫العلوم التي تتعلق بالقرآن الكريم هو منهج هللا تعالى إلى عباده‪ ،‬وكلمته‬
‫األخيرة التي ال تصلح الحياة إال بها‪ ،‬ومن هنا تكفل هللا ‪ ‬بحفظه في قوله‬
‫تعالى‪ :‬ﮋﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮊ(‪.)2‬‬
‫وقد حاولت بجهدي المتواضع أن أجمع شيئا مما يتعلقـ بالقرآن الكريم‬
‫وعلومه‪ ،‬والفتاوى المتعلقة ببعض اآليات مما استشكله بعض طلبة العلم‬
‫حينذاك‪ .‬وفي كتابـ "المعيار" يمكن أن نقرأ عدة فتاوى وتحقيقات علميةـ تتسم‬
‫بالجودة والعمق العلميينـ في مواضع كثيرة في هذا الكتاب الذي جمع فأوعى‬
‫المواضع التاليةـ(‪:)3‬‬

‫(?) سورة البقرة‪.283/‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة الحجر‪.9/‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) الونشريسي‪ ،‬أحمد بن يحيى‪ ،‬المعيار المعرب‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬سنة‬ ‫‪3‬‬

‫‪1981‬م‪( ،‬ج‪/11‬ص‪)240‬و (ج‪( ،)11/263‬ج‪/12‬ص(‪ 223‬ـ ‪ 225‬ـ ‪ 336‬ـ ‪ 337‬ـ ‪،)341‬‬


‫(ج‪/12‬ص‪ 333‬ـ ‪ 334‬ـ ‪( )336‬ج‪/12‬ص‪.)285‬‬
‫ــ ‪ 263‬ـ‬
‫فاللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا‪ ،‬ونور أبصارنا‪ ،‬وشفاء‬
‫أمراضنا‪ ،‬واجعله شفيعا لنا يوم القيامة‪ ،‬إنك يا موالنا سميع مجيب‪.‬‬
‫وصلى هللا على سيدنا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬

‫ــ ‪ 264‬ـ‬
‫العذر بعوارض األهلية في العقيدة‬
‫من خالل النوازل المغربية‬
‫‪ ‬د‪/‬يوسف عدار‬
‫كلية العلوم اإلسالمية جامعة الجزائر‬
‫مقدمة‬
‫قد تعْرض للمكلّف ـ بعد تمام أهليته ـ عوارض تمنعه من موافقة ما‬
‫يدعو إليه الشرع‪ ،‬كالجـهـل‪ ،‬والخـطـأ المنافي للعمـد‪ ،‬والتأويل واإلكراه وغير‬
‫ذلك‪.‬‬
‫والشرع قد اعتبر هذه العوارض فال ينبغيـ مع وجودها الحكم على من‬
‫قال قوال أو فعل فعال بما يقتضيه ظاهر ذلك القول أو الفعل من الضالل أو‬
‫الكفر أو العقوبة‪ ،‬ألنه بذلك يكون قد أسقط ما اعتبره الشرع‪.‬‬
‫والجهل بهذه العوارض وآثارها الشرعية التي منها العذر‪ ،‬قد يوقع في‬
‫الحكم على الناس بما تقتضيهـ اعتقاداتهمـ وأحوالهم وأفـعالهـم المخالفة للشرع‬
‫من غير اعـتـبـار للعوارض‪ ،‬ولعلماء المغرب اإلسالمي فتاوى في باب‬
‫العوارض تدل في جملتها على أنهم كانوا يعتبرون هذه العوارض تبعاـ‬
‫للشرع‪ ،‬ومن المفيد أن تعرف أهم هذه الفتاوى ليكون لنا في سلفنا أسوة‬
‫فنتحرى ونحتاط كما تحروا واحتاطوا‪.‬‬
‫مدخل‬
‫يتوقف إدراك أحكام العذر المذكورة الحقا في البحث على تحديد ع ّدة‬
‫مفاهيم وقضايا وقواعد والحسم فيها؛ وقد تعرض علماء المغرب اإلسالمي في‬
‫فتاويهم ـ تارة بالتصريح وتارة بالتلميح ـ إلى بعض هذه المفاهيم والقضايا‬
‫والقواعد‪:‬‬
‫على صعيد المفاهيم‬
‫ما جاء في معنى العذر‪ :‬اعتبار ترك المؤاخذة على المخالفة داخال في‬
‫مفهوم العذر‪ ،‬ومفهومه هو‪ :‬رفع الشارع كل ما يترتب على المخالفة أو بعضه‬
‫لسبب‪ .‬جاء في فتاوى المازري(‪ ) 1‬ـ في العدل المقيم بدار الحرب إن لم يظهر‬
‫سبب إقامته ـ‪ :‬قوله‪(( :‬من ظهرت عدالته منهم وشك في إقامته على أيّ وجه‬
‫أن مفهوم العذر يتضمن((ترك‬ ‫فاألصل عذره)) أي‪ :‬إسقاط مؤاخذته؛ ف ُفهم منه ّ‬
‫المؤاخذة))(‪.) 2‬‬

‫(?) أبو عبد هللا محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي المــــازري‪ ،‬المجتهد العــــالم‬ ‫‪1‬‬

‫بالحديث‪ ،‬توفي ســنة (‪.)536‬انظــر‪ :‬ســير أعالم النبالء (‪ 20/104‬وما بعــدها)‪ ،‬الــديباج‬
‫ص ‪ 374‬ـ ‪ ،375‬شجرة النور الزكية (‪ 1/127‬ـ ‪.)128‬‬
‫(?) انظر‪ :‬فتاوى المازري ص ‪.366‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 265‬ـ‬
‫ما جاء في معنى التأويل‪ :‬العذر بالتأويل إما أن يراد به العذر بتأويلـ‬
‫كالم الشارع‪ ،‬أو يأتيـ بمعنىـ صرف ظاهر قول أو فعل المكلف إلى وجه‬
‫صحيح‪ ،‬عمال بقرائن أثارت ظنّا غالبا أو إلحسان الظن بالمكلف‪،‬ـ وامتناعاـ‬
‫من معاملته بمقتضى قوله أو فعله أو لغير ذلك(‪ )1‬وإلى هذا المعنى يرمي‬
‫قول ابن عباد الرندي(‪(( :)2‬وإذا رأى كالما لبعض أهل عصره أو غيرهم أو‬
‫تعرّف فعال من أفعالهم فليعرضه على مقتضى الكتاب والسنة … فإن وافقه‬
‫فحسن وإال طلب له تأويال صحيحا))(‪ .)3‬فمعنى التأويل في هذه العبارة‬
‫صرف ظاهر قول أو فعل المكلف إلى معنى محتمل موافق للشريعة‪.‬‬
‫على صعيد القضايا‬
‫ما جاء في قضية الزم المذهب‪ :‬من أسباب نشوء الفتن بين المسلمين‬
‫أن ينسب المرء إلى الزم قوله أو فعله‪ ،‬فيحكم عليه بما يقتضيه هذا الالزم‪.‬‬
‫بـل قال بـعض أهل العـلـم‪ :‬إن ((التكفير باإللزام عليه مدار أكثر التكفير عند‬
‫المعتزلة والشيعة وطوائف من األمة))(‪ .)4‬مع أن الزم المذهب على الصحيح‬
‫ليس بمذهب‪ ،‬فكم سيرتفع عن هذه األمة من الفتن لو ُعمل بالصواب في هذه‬
‫المسألة‪.‬وجهة ارتباطـ هذه القضية بالعذر أن القائل قد يكون غافال عن الزم‬
‫قوله‪ ،‬فيعذر بالغفلة عن استحضار الالزم‪.‬‬
‫و نسب القول باإللزام إلى مذهب اإلمام مالك‪ ،‬فقد ذكر ابن رشد(‪ )5‬في‬
‫فتاويه أن تكفير أهل الزيغ بمآل القول عليه يدل مذهب مالك الواقع في‬
‫(‪)6‬‬
‫ﯛﮊ ))‬ ‫العتبية‪:‬ـ ((ما آية أشد على أهل األهواء من هذه اآلية‪ :‬ﮋﯗ ﯘ ﯙ ﯚ‬

‫(?) الرسائل الصغرى ص ‪.88‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) محمد بن إبراهيم بن عبد هللا بن مالك بن إبراهيم بن محمد بن عباد النفري الرنــدي‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫الفقيه الصوفي الزاهد الولي‪ ،‬ولد سنة (‪ )733‬وتوفي سنة (‪.)792‬انظر‪ :‬نيل االبتهــاج ص‬
‫‪ ،472‬شجرة النور الزكية (‪ 1/238‬ـ ‪.)239‬‬
‫(?) الرسائل الصغرى ص ‪.88‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) العواصم والقواصم البن الوزير اليماني ‪.368 /4‬‬ ‫‪4‬‬

‫أن بعض أهل العلم يف ـ ِّرق بين الالّزم الــبيّن والاّل زم غــير الــبيِّن‪،‬‬
‫ويتعيّن هنا التنبيهـ على ّ‬
‫ْ‬
‫فين ِّزل البيّن منـزلـة القول الصريح‪ ،‬وبنــا ًء على ذلك يُل َحق ك ـ ّل من يلــزم عن قوله لــوازم‬
‫بيِّنة بالقائل‪ ،‬ويُرتّب عليه األحكام المذكورة في الفقه‪ .‬انظر‪ :‬بلغة السّالك ‪.224 / 4‬‬
‫ألن المــرء قد يقــول قــوال أو يفعل فعال مع‬ ‫وهــذا التفريق بين الــبيّن والخفي ّ غــير الزم‪ّ ،‬‬
‫الغفلة عن الزمه مهما كــان ذلك الالّزم بيِّنــا ً عند غــيره‪ ،‬فــإذا ُوقف على الالّزم فــأنكره‪،‬‬
‫فغايته أن يقع في التّناقض‪ ،‬والتناقض ليس كفرا‪.‬‬
‫(?) أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطبي‪ ،‬اإلمام الفقيه‪ ،‬ولد سنة ‪ ،455‬وتوفي‬ ‫‪5‬‬

‫سنة ‪.520‬انظر‪ :‬سير أعالم النبالء ‪ 501 /19‬ـ ‪ ،502‬الديباج المذهب ص ‪ 373‬ـ ‪.374‬‬
‫(?) سورة آل عمران‪.106/‬‬ ‫‪6‬‬

‫ــ ‪ 266‬ـ‬
‫(‪ .)1‬ومعنى كالم ابن رشد أن اآلية واردة في الكفار؛ ألن هللا تعالى‪ :‬ﮋﯝ ﯞ‬
‫ﯨﯩ ﮊ(‪ ،)2‬ومالك ~ جعل اآلية تشمل‬ ‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬ ‫ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬
‫(‪)3‬‬
‫أهل الزيغ‪ ،‬لكن الشاطبيـ قال‪ (( :‬والزم المذهب هل هو مذهب أم ال؟ هي‬
‫مسألة مختلف فيها بين أهل األصول‪ ،‬والذي كان يقول به شيوخنا البجائيّون‬
‫(‪) 4‬‬
‫والمغربيّون ويرون أنه رأي المحققين أيضا أن الزم المذهب ليس بمذهب)) ‪.‬‬
‫وربما جاء عدم اعتداد بعض المالكية ـ كشيوخ الشاطبي وغيرهم ـ بأقوال مالك‬
‫المذكورة بسبب كون ((الزم المذهب ليس بمذهب)) لم يصرح به مالك‪ ،‬بل استفيد‬
‫من أقواله‪ ،‬ونسبة هذا القول إلى مالك إنما تصح إذا صح كون الزم القول قوال‪،‬‬
‫فال يمكن أن نعرف رأي مالك في هذا الموضوع إال بصريح قوله‪ ،‬ال بالالزم‪،‬‬
‫حتى ال نقع في الدور‪.‬‬
‫و((الزم المـذهب لـيس بمـذهب))‪ ،‬ذهـب إليه من المالكية القاضي‬
‫عياض(‪ )5‬وحكاه الشاطبيـ عن شيوخه البجائيين والمغربيين كما سبق‪.‬‬
‫العذر بالعوارض في مسائل العقيدة‬
‫العذر فرع عن وجود ووقوع المخالفة‪ ،‬والمخالفة في العقيدة تنشأ‬
‫عن آفات العلم‪ ،‬وتنشأ المخالفة أيضا عن أضداد اإلرادة واالختيار‬
‫كاإلكراه(‪.)6‬‬
‫العذر بآفات العلم‬
‫العذر بآفات العلم الخاصة معناه العذر بالجهل ؛ والعذر باالجـتـهـاد‬
‫والتأويــل‪،‬ـ وبالتقليد‪.‬ـ‬

‫(?) فتاوى ابن رشد ‪.242 / 1‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪.106/‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أبو إسحاق إبراهيم بن موسى‪ ،‬اللخمي الغرناطي الشاطبي‪ ،‬اإلمــام النظّــار المحــدث‬ ‫‪3‬‬

‫األصولي‪ ،‬له "الموافقات في أصول الفقـه"‪ ،‬تـوفي سـنة (‪.)790‬انظـر‪ :‬نيل االبتهـاج ص‬
‫‪ 48‬وما بعدها‪ ،‬فهرس الفهارس (‪.)1/191‬‬
‫(?) االعتصام ‪.336 / 2‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمــرو اليحصــبي األندلسي ثم الســبتي‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫اإلمام العالمة‪ ،‬له‪ :‬الشفا‪ ،‬واإلكمال‪ ،‬ولد سنة ‪ ،476‬وتوفي ســنة ‪.544‬انظــر‪ :‬ســير أعالم‬
‫النبالء ‪ 212 /20‬وما بعدها‪ ،‬الديباج المذهب ص ‪ 270‬وما بعدها‪.‬‬
‫(?) يقصد باآلفــات العامة والخاصة للعلم أضــداد العلم العامة والخاصــة‪ ،‬وهي الــتي ال‬ ‫‪6‬‬

‫يجتمع العلم مع واحد منها بحـــال‪.‬والفـــرق بين العامة والخاصة أن األضـــداد العامة هي‬
‫أضداد للعـلـم وغـيره كاإلرادة والموت والنــوم والغفلة والغشــية والســهو‪ ،‬فال يجتمع نــوم‬
‫مع إرادة وال مع علم مثال‪ ،‬والخاصة هي أضــــــــداد للعلم خاصة كالجهل والشك والظن‬
‫والــوهم‪ ،‬فهــذه الصــفات ليست أضــدادا لإلرادة مثال‪ ،‬فقد تجتمع اإلرادة معهــا‪.‬و تجــدر‬
‫اإلشـارة إلى ّ‬
‫أن هـذه الصـفات المقابلة للعلم يأتي التعبير عنها تارة باآلفات‪ ،‬وتـــارة يُعبّر‬
‫عنها باألضداد‪،‬ـ انظـر‪ :‬مجـرد مقـاالت األشعــري ص ‪ ،13‬اإلرشـاد ص ‪ 8‬ــ ‪ ،9‬شـرح‬
‫الكبرى للسنوسي ص ‪ 25‬ـ ‪ 27‬شرح صغرى الصغرى للسّنوس ّي ص ‪.10‬‬
‫ــ ‪ 267‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ العذر بالجهل‬
‫المكلف إن ادعى الجهل فيما يعلمه مثله فالظاهر أنه يَتَ َستَّر على‬
‫التكذيب بادِّعاء الجهل‪ ،‬إذ ال يمكن أنه ال يدري ومثله يدري(‪ .)1‬ومن عذر‬
‫بالجهل ال يُقر على حالة يعذر فيها‪ ،‬ألن زوال عذره مطلوب بالسعي في‬
‫إزالة سببه الذي هو الجهل‪ ،‬فينبغيـ على اإلنسان أن يسعى جهده في رفع‬
‫الجهل عن نفسه وإال كان معرضا أو مقصرا‪ ،‬والمعرض والمقصر ال‬
‫يعذران‪ ،‬النبعاثـ داعية البحث في نفسيهماـ وعدم االستجابة لها‪ ،‬بخالف‬
‫الغافل الذي لم تنبعث من نفسه داعية النظر‪ ،‬فإنّه غير مكلّف بما غفل عنه‬
‫على األصّح‪.‬‬
‫وأخذت مسألة العذر بالجهل في باب الصفات حيّزا من النقاشات‬
‫والسؤاالت بين العلماء منذ قرون خلت ‪ ،‬ومن ذلك جواب إمام الحرمين‬
‫الجويني(‪ )2‬على سؤال عبد الحق الصقلي(‪ )3‬الذي تضمن الكالم على الجهل‬
‫بصفة من صفات هللا‪ ،‬الذي يـعـني عدم العلم بها‪ ،‬قال الجويني‪ :‬هذا الجاهل‬
‫((ال معتقد له في صفات الرب نفيا وإثباتا))(‪ ،)4‬وعدم علم هذا بصفات الصانع‬
‫((ال ينفي علمه بالصانع‪ ،‬فإنه وإن لم يعلم صفاته‪ ،‬فلم يجهلها))(‪ .)5‬أي‪ :‬لم يجهلها‬
‫ألن انتفاء الجهل المركب ال يستلزم انتفاء الجهل البسيط‪.‬‬ ‫الجهل المركب(‪)6‬؛ ّ‬
‫‪ 2‬ـ العذر باالجتهاد والتأويل‬
‫يعذر بالتأويل واالجتهاد من اتقى هللا ما استطاع وكان ما بذله في‬
‫اجتهاده منتهى مقدوره‪ ،‬سواء كانتـ المسألة اجتهادية أم قطعية أو ادعي فيها‬
‫القطع‪ ،‬وهذا العذر واقع في االختالفات الحاصلة بين المسلمين الذين ص ّح‬
‫انتسابهم إلى اإلسالم باعتقادـ الحق في مهمات األصول‪ ،‬كاإليمانـ برسالة‬
‫الرسول‪ ،‬فال يقع النزاع في مهمات األصول إال بين مسلم وغير مسلم‪ ،‬لكن‬
‫قد يقع الخالف فيما دون المهمات‪،‬ـ كرؤية هللا يوم القيامة‪،‬ـ فالمختلفون فيها‬
‫صح انتسابهمـ إلى اإلسالم باعتقاد الحق في المهمات‪.‬‬

‫(?) انظر‪ :‬الشفا ص ‪ 853‬ـ ‪ ،854‬القول الجزل ص ‪ 12‬ـ ‪ 13‬ـ ‪ 24‬ـ ‪.26‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أبو المعالي عبد الملك بن عبد هللا بن يوسف بن عبد هللا إمام الحــرمين ضــياء الــدين‬ ‫‪2‬‬

‫الجويني‪ ،‬اإلمام الكبير‪ ،‬ولد سنة (‪ )419‬وتوفي سنة (‪.)478‬انظر‪ :‬سير أعالم النبالء (‪18‬‬
‫‪ /468‬وما بعدها)‪ ،‬طبقات الشافعية البن قاضي شهبة (‪.)1/1/255‬‬
‫(?) أبو محمد عبد الحق بن محمد بن هــارون الســهمي القرشي الصــقلي‪ ،‬اإلمــام العــالم‬ ‫‪3‬‬

‫الفقيه الحافــظ‪ ،‬تــوفي ســنة (‪.)466‬انظــر‪ :‬ســير أعالم النبالء (‪ 18/301‬ــ ‪ ،)302‬الــديباج‬
‫المذهب ص ‪ ،275‬شجرة النور الزكية (‪.)1/116‬‬
‫(?) أجوبة إمام الحرمين الجويني على سؤاالت عبد الحق الصقلي‪ ،‬ضمن كتاب المعيار‬ ‫‪4‬‬

‫المعرب ‪.232 /11‬‬


‫(?) المصدر نفسه ‪ 231 /11‬ـ ‪.232‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) الجهل البسيط عدم إدراك الشيء أصال‪ ،‬والجهل المركب تصور الشيء على خالف‬ ‫‪6‬‬

‫ما هو به‪ .‬انظر‪ :‬شرح جمع الجوامع (‪ ،)1/1/162‬شرح الورقات للحطاب ص ‪.28‬‬
‫ــ ‪ 268‬ـ‬
‫فكلّ ما دون المهمات التي هي‪ :‬اإليمان باهلل ورسوله واليوم اآلخر إذا‬
‫اختلف فيه المسلمون فالمصيب مأجور والمخطئ معذور إذا بذل وسعه ولم يعد‬
‫في مقدوره أن يفعل أكثر مما فعل وقال ابن حزم‪(( :‬وهو قول كل من عرفنا له‬
‫قوال في هذه المسألة من الصحابة ‪ ،‬ما نعلم منهم في ذلك خالفا أصال))(‪.)1‬‬
‫لكن خالف بعض المالكية ـ على ما جاء في المعيار المعرب ـ الرأي‬
‫الذي ذهب إليه ابن حزم‪ ،‬وظهر ذلك في تفسير عبارة ابن القاسم(‪(( :)2‬قد‬
‫يكون في غير أهل األهواء من هو أشد من أهل األهواء))‪ ،‬فقال ابن مزين(‪:)3‬‬
‫معناها أن أهل األهواء اجتهدوا فأخطئوا‪ ،‬فهم أعذر ممن ركب شيئا بعد‬
‫معرفته‪ .‬ثم قال بعد أن بيّن معنى عبارة ابن القاسم‪(( :‬وفي هذا التأويل عذر‬
‫ألهل البدع في تحريفهم لكتابـ هللا ‪ ،‬ومفارقتهم للسنة والجماعة بتأويلهم‪،‬ـ‬
‫وال خالف أنهم غير معذورين في مخالفة سبيل المؤمنين))‪.‬‬
‫أما القابسي(‪ )4‬فقد استبعد أن يكون معناهاـ ما ذكره ابن مزين‪ ،‬وقال‪ :‬بل‬
‫معناها ((الذين يتدينون بالسنة وتكون منهم جهاالت من وراء نسك‪ ،‬فهم‬
‫يعرفون به من يسقطونه في جهاالتهم‪ ،‬وأهل األهواء الناس لهم منافرون))‪،‬‬
‫ثم قال مبرئا ابن القاسم من إرادة المعنى الذي فهمه ابن مزين‪(( :‬كيف يقال‬
‫لمن يخطئ وجه الصواب في االعتقادات إنه أعذر ممن سلم له اعتقاده من‬
‫الخطأ‪ ،‬وز ّل بالجهالةـ فيما دون االعتقادات‪ ،‬وأتى ذلك تقحّما‪ ،‬هذا بعيد))(‪.)5‬‬
‫أن بعض العلماء رأى القط َع بأن المتأول غير معذور‬ ‫وينبغي التنبيه إلى ّ‬
‫صعبًاً‪ ،‬وهذا ما حمل عبد الحق الصقلي ـ على ماجاء في المعلم للمازري ـ إلى‬
‫أن يراسل اإلمام الجويني يسأله ع ّمن يؤول نصوص الصفات ـ ولعله أراد‬
‫المعتزلة ـ ‪ ،‬فأجابه بأن المسألة عويصة‪ ،‬وأنه إذا نُ ِظر إلى قصدهم وهو‬
‫إرادتهم بالتأويل التنزيه فال يكفرون‪ .‬قال المازري‪(( :‬و هي المسألة التي كتب‬
‫فيها عبد الحق الصقلي ألبي المعالي وأطراه في سؤاله فأجابه أبو المعالي‪:‬‬
‫وقفت على ثناء موالي اإلمام علي حتى لعمري اتهمت نفسي ولكن مازال‬
‫األكابر يزينون لألصاغر ما هم عليه من مبادئ العلوم ليحملهم ذلك على‬
‫الخوض في بحارها ومعاناة تيارها‪ ،‬والمسألة من المعوصات ال أحب القطع‬
‫فيها لئال أدخل في الملة من ليس من أهلها‪ ،‬وقد كنت أمليت فيها ديوانا في‬
‫مجلدات أتيت فيه بما لم أسبق إليه‪ ،‬ثم أشار إلى أن سر الخالف في نفاة‬
‫(?) الفصل في الملل واألهواء والنحل ‪.291 /3‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أبو عبد هللا عبد الرحمــان بن القاسم العتقي المصــري‪ ،‬أعلم النــاس بــأقوال مالــك‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫صحبه عشرين سنة‪ ،‬توفي سنة (‪ ،)191‬انظر شجرة النور الزكية (‪.)1/58‬‬
‫(?) أبو زكرياء يحي بن زكرياء بن مزين القرطبي‪ ،‬العالم الحافظ الفقيه المشارك‪ ،‬توفي‬ ‫‪3‬‬

‫سنة (‪ ،)255‬انظر شجرة النور الزكية (‪.)1/75‬‬


‫(?) أبو الحسن علي بن محمد بن خلف القابسي‪ ،‬الفقيه النظــار األصــولي المتكلم‪ ،‬تــوفي‬ ‫‪4‬‬

‫سنة (‪ ،)403‬انظر شجرة النور الزكية (‪.)1/97‬‬


‫(?) المعيار المعرب (‪ 340 /2‬ـ ‪.)341‬‬ ‫‪5‬‬

‫ــ ‪ 269‬ـ‬
‫الصفات أن من نظر إلى مآل قولهم كفرهم ومن نظر إلى أنهم غلطوا مع قصد‬
‫التنزيه لم يكفرهم))(‪.)1‬‬
‫وكان محمد بن يوسف السنوسي(‪ )2‬يحترز احترازا كبيرا عن تكفير‬
‫المخالفين ألهل السنة‪ ،‬ويشير إلى توقف الجويني وغيره عن تكفيرهم ؛ قال‪:‬‬
‫((هذه مصيبة عظمى يجب أن يحترز منها المؤمن جهده‪ ،‬ولهذا توقف كثير من‬
‫أئمة السنة عن تكفير أهل األهواء المبتدعة في العقائد ورأى أن األحوط أن ال‬
‫يجزم بتكفير أحد ممن يتلفظ بكلمة التوحيد إال بدليل قطعي على كفره))(‪.)3‬‬
‫‪ 3‬ـ العذر بالتقليد‬
‫ّ‬
‫يعذر المسلم بالتقليد إذا قلد غيره في الموافقة للحق والخبر‪ ،‬ولو لم يكن‬
‫معه سوى مجرد االعتقاد العاري عن النظر واالستدالل‪ ،‬فتركه االستدالل‬
‫في محل العفو إذا كان موقنا وجازما بالمعتقد‪ ،‬ألن تكليفـ عامة الناس‬
‫باالستدالل فيها مشقّة والمشقّة في ديننا مرفوعة‪.‬‬
‫ومنَ العلماء َم ْن أوجب على الناس النظر ولم يصحح العقائد المأخوذة‬ ‫ِ‬
‫بالتقليد لكنه ال يريد بالنظر واالستدالل معرفة األدلة على التفصيل الموجود في‬
‫علم الكالم وال يشترط القدرة على التعبير عن ذلك‪ ،‬بل المطلوب هو أيسر النظر‬
‫وأسهله ولو مع العجز عن التعبير عنه‪.‬فال يرد عليه ما جاء في جواب أجاب به‬
‫ابن رشد الجد على سؤال في هذا الموضوع‪ ،‬فقد رفع إلى ابن رشد الجد(‪ ) 4‬سؤال‬
‫عن قوم أوجبوا تعلم الكالم وزعموا بأن معرفته مقدمة على معرفة فرائض‬
‫األعيان ألن العقائد ومسائل التوحيد إنما يعرفها من يدرس علم الكالم‪ ،‬فالتبس‬
‫األمر على الناس وأجاب ابن رشد بأن تعلم الكالم إنما يقصده من يريد التص ّدر‬
‫للرد على المبتدعة وأما إلزام العامة به واالدعاء بأنه مق ّدم على معرفة فرائض‬
‫األعيان فباطل(‪.) 5‬‬
‫و ِم َّما جاء في فتواه‪(( :‬ما ذكرته فيه عن الطائفةـ المائلةـ إلى أهل الكالم‬
‫بعلم األصول على مذهب األشعرية من أنه ال يكمل اإليمان إال به ال يقوله‬
‫أحد من أئمتهم‪،‬ـ وال يتأوله عليهم إال جاهل غبي))(‪.)6‬‬

‫(?) انظر‪ :‬المعلم بفوائد مسلم ‪ 2/36‬ـ ‪.37‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أبو عبد هللا محمد بن يوسف السنوسي‪ ،‬المحدث الفقيه الفرضي المعقولي‪ ،‬ولد بعد (‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،)830‬وتوفي سنة (‪.)895‬انظر‪ :‬دوحة الناشر ص ‪ 121‬ـ ‪ ،122‬شجرة النور الزكية ‪1/2‬‬
‫‪.66‬‬
‫(?) المعيار ‪.11/341‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أبو الوليد محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد القرطــبي‪ ،‬اإلمــام الفقيــه‪ ،‬له المقــدمات‬ ‫‪4‬‬

‫الممهدات‪ ،‬والبيان والتحصيل‪ ،‬ولد سنة ‪ 455‬وتوفي ســنة ‪.520‬انظــر‪ :‬ســير أعالم النبالء‬
‫‪ 19/501‬ـ ‪ ،502‬الديباج المذهب ص ‪ 373‬ـ ‪ ،374‬شجرة النور الزكية ‪.1/129‬‬
‫(?) انظر‪ :‬فتاوى ابن رشد ‪ 2/971‬ـ ‪.972‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) فتاوى ابن رشد ‪ 2/967‬ـ ‪.968‬‬ ‫‪6‬‬

‫ــ ‪ 270‬ـ‬
‫ولعل الخلط بين تعلم الكالم ((الذي يقصده من يريد التص ّدر للرد على‬
‫المبتدعة)) على حد عبارة ابن رشد وبين التكليف باالستدالل على الصفة‬
‫المذكورة يشيع عند من قلّ نصيبه من العلم‪ ،‬قال أبو عبد هللا محمد بن عبد‬
‫المؤمن التازي عن قوم ك ّفروا المقلد‪(( :‬وقد كان ورد فيهم ظهير من السلطان ~‬
‫أن يبحث عن أمرهم‪ ،‬فاجتمع الناس عليهم في مسجد السيتاني‪،‬ـ وبحثوا فلم‬
‫يوجد عندهم شيء من العلم‪ ،‬واتفق الناس حينئذ أنهم قوم جهلة))(‪.)1‬‬
‫و أدرك الحسن اليوسي(‪ )2‬مثل هؤالء الذين أدركهم التازي‪ ،‬فقد حكا‬
‫اليوسي أنه َم َّر بسجلماسة ووجد بعض طلبة العلم يفتون بكفر العامة بسببـ‬
‫كونهم مقلدين وال يأكلون ذبائحهم ويرون أنكحتهم وإمامتهم باطلة‪ ،‬فاشت ّد ذلك‬
‫على الناس فسألوا الحسن اليوسي فأجابهم بما أزال عنهم تلك الغمة‪ .‬قال‬
‫اليوسي‪(( :‬فلما دخلت البلد جاءني الناس أفواجا ً يشتكون من هذا وأن ليس كل‬
‫أحد يبلغ إلى فهم تقارير العلماء فأقول لهم إن هللا تعبدكم باعتقاد الحق في‬
‫أنفسكم أفال تشهدون أن هللا تعالى حق موجود فيقولون بلى‪ .‬أفال تعلمون أنه‬
‫واحد في ملكه ال شريك له وال إله معه وكل معبود سواه باطل فيقولون بلى‬
‫هذا كلّه يقين عندنا ال نشك فيه وال نرتابـ فأقول لهم هذا هو معنى كلمة‬
‫اإلخالص المطلوب منكم اعتقاده))(‪.)3‬‬
‫ولكن الحسن اليوسي نفسه هو القائل‪:‬ـ ((على أن إيجاب النظر المؤدي‬ ‫ّ‬
‫إلى المعرفة بشروطه الطافحة بنصوصه كتب علم الكالم هو بعينهـ إيجاب‬
‫المهم من هذا العلم))(‪ )4‬أي من علم المنطق‪.‬و لعله أراد هنا ذكر إيجاب النظر‬
‫على ما هو موجود في كتب الكالم بمجرده من غير تعقيب أو تعليق‪ ،‬والكالم‬
‫الذي يقوله العالم على سبيل التقرير والشرح قد ال يقوله في مقام الفتوى‪.‬‬
‫وتحرر مما سبق بيانهـ محل الخالف‪ ،‬وهو المقلد الذي تجرد اعتقاده‬
‫ي دليل‪ ،‬فال يشك في اعتقاده وهو إلى ذلك‬ ‫الجازم المطابقـ للحق والخبر من أ ّ‬
‫ليس معه دليل ولو إجمالي‪.‬‬

‫(?) المعيار المعرب ‪.2/460‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أبو علي الحسن بن مسـعود‪ ،‬نــور الــدين اليوسـي‪ ،‬المتضــلع في العلـوم‪ ،‬تــوفي سـنة‬ ‫‪2‬‬

‫‪.1111‬انظر‪ :‬نشر المثاني ‪ 2/142‬وما بعدها‪ ،‬شجرة النور الزكية ‪ 1/328‬ـ ‪.329‬‬
‫(?) المحاضرات ص ‪ 76‬ـ ‪.77‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) حاشية اليوسي على شرح السنوسي على مختصره في المنطق ‪/12‬ظ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 271‬ـ‬
‫(‪) 1‬‬
‫وممن نُسب إليه القول بعدم صحة هذا التقليد‪ :‬أحمد بن إدريس البجائي‬
‫وأحمد بن عيسى البجائي(‪ )2‬وعبد الرحمان الوغليسي(‪ ،)3‬ففي أوائل القرن‬
‫الثامن الهجري أفتى هؤالء ثالثة بكفر من ينطق بالشهادتين وال يعرف هللا‬
‫فقضوْ ا َّ‬
‫بأن‬ ‫َ‬ ‫وأجروْ ا عليه أحكام المجوس والكفار‬
‫َ‬ ‫ورسوله وال يفرق بينهما‪.‬‬
‫نكاحه باطل وأنه ال يرث المسلمين إلى غير ذلك من األحكام التي تنشأ عن‬
‫التكفير‪.‬‬
‫وهذا نص االستفتاء المرفوع إليهم‪ ،‬وجوابهم عليه‪:‬ـ سئل سيدي أحمد‬
‫بن عيسى فقيه بجاية عمن نشأ بين ظهراني المسلمين وهو يقول ال إله إال هللا‬
‫محمد رسول هللا ويصلى ويصوم إال أنه ال يعرف ما انطوت عليه الكلمة‬
‫العليا فيما يعتقده لعدم معرفته بها‪ ،‬إذا اعتقاد الشيء فرع المعرفة به كالذي‬
‫يقول‪ :‬ال أدري ما هللا ورسوله وال أدري من هو األخير منهما‪ ،‬أوال أفرق‬
‫بينهماـ أو غير ذلك من كالم ال يمكن معه معرفة الوحدانية وال الرسالة وإنما‬
‫يقول سمعت الناس يقولون هذه الكلمة فقلتها وال أدري المعنى الذي انطوت‬
‫عليه وال أتصور صحته وال فساده وال أدري ما أعتقد في ذلك بوجه وال‬
‫أعبر عنه بلسانيـ وال غيره‪ ،‬ألن التعبير عن الشيء فرع المعرفة به وأنا ال‬
‫أعرفه‪ .‬فهل يكتفي في إيمانهـ بمجرد النطق بالشهادتين والصالة والصيام‬
‫وغير ذلك من أركان اإلسالم ويعذر بجهل معنى الكلمة؟ أوال بد من معرفة‬
‫المعنى الذي انطوت عليه الكلمة العليا من الوحدانية والرسالة وإال لم يكن‬
‫مؤمنا‪.‬‬
‫فأجاب الحمد هّلل من نشأ بين أظهر المسلمين وهو ينطق بكلمة التوحيد‬
‫مع شهادة الرسول عليه السالم ويصوم ويصلي إال أنه ال يعرف المعنى الذي‬
‫انطوت عليه الكلمة كما ذكرتم ال يضرب له في التوحيد بسهم وال يفوز منه‬
‫بنصيب وال ينسب إلى إيمان وال إسالم بل هو من جملة الهالكين وزمرة‬
‫الكافرين‪ ،‬وحكمه حكم المجوس في جميع أحكامه إال في القتل‪ ،‬فإنه ال يقتل‬
‫(?) أبو العباس أحمد بن إدريس البجائي‪ ،‬إمام عالمة وشيخ صالح‪ ،‬أخذ عنه أبو زيد عبد‬ ‫‪1‬‬

‫الرحمن الوغليسي ويحــيى الرهــوني وابن خلــدون‪ ،‬له شــرح ابن الحــاجب‪ ،‬وتعليق على‬
‫بيوع اآلجال في مختصر ابن الحاجب‪ ،‬توفي بعد ‪.760‬انظر‪ :‬الــديباج المــذهب ص ‪،138‬‬
‫درة الحجال ‪ 1/80‬ـ ‪ ،81‬نيل االبتهاج ص ‪ ،100‬تعريف الخلف برجال السلف ‪ 1/277‬ــ‬
‫‪ ،279‬شجرة النور الزكية ‪ ،1/233‬الفتح المبين ‪.2/181‬‬
‫(?) أحمد بن عيسى البجــائي‪ ،‬فقيه بجاية وعالمتهــا‪ ،‬أخذ عنه عبد الــرحمن الوغليســي‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫وأبو القاسم المشـــدالي وأبو الحسن المنجالتي‪ ،‬وهو من طبقة أحمد بن إدريس المتـــوفى‬
‫بعد ‪ .760‬انظر‪ :‬نيل االبتهاج ص ‪ ،100‬تعريف الخلف برجال السلف ‪.1/321‬‬
‫(?) أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد الوغليسي‪ ،‬المفسر المحدث األصولي الفقيـه‪ ،‬أخذ عن‬ ‫‪3‬‬

‫أحمد بن إدريس البجائي‪ ،‬وأخذ عنه أبو القاسم المشدالي وأبو الحسن علي بن عثمــان‪ ،‬له‬
‫المقدمة المشهورة وتسمى الوغليسية‪ ،‬توفي ‪ .786‬انظر‪ :‬وفيات ابن قنفذ ص ‪ ،87‬وفيات‬
‫الونشريسي ص ‪ ،130‬لقط الفرائد ص ‪ ،222‬نيل االبتهـــاج ص ‪ ،248‬تعريف الخلف‬
‫برجال السلف ‪ 1/78‬ـ ‪ ،79‬شجرة النور الزكية (‪.)1/237‬‬
‫ــ ‪ 272‬ـ‬
‫إال إذا امتنع من التعليم‪ ،‬وكذلك الطالق إن ظن بالمطلق أنه قصد بدعواه‬
‫الجهل بمعنى الكلمة الكريمة إباحة البائن‪،‬ـ كالرجل يبينـ زوجته ثم يدعى‬
‫الجهل بمعنى الكلمة الكريمة أو غير ذلك مما يقتضي الكفر فيظن به أنه قصد‬
‫بذلك إباحة المحظور فإنه ال يصدق في دعواه ذلك ويلزمه الطالق(‪ ،)1‬إال أن‬
‫يعرف ذلك منه قبل الطالق وهي حينئذ في عصمته على ما يعتقد ببينةـ‬
‫عادلة أو ما يقوم مقامها‪ .‬وكذلك المرأة إذا ظن بها أنها قصدت بذلك إباحة‬
‫الممتنع فإنها ال تصدق في دعواها وال تحل لزوجها إال أن يعلم ذلك منها قبل‬
‫البينونةـ أو ما يقوم مقامها كالرجل فيما ذكر سواء‪ .‬وكذلك إذا ظن بها أنها‬
‫قصدت بذلك فسخ النكاح‪ .‬الحكم واحد وهللا أعلم‪.‬‬
‫وذهبت غالة المرجئة وهي طائفةـ من المبتدعةـ إلى أن النطق المجرد‬
‫عن المعرفة بما انطوت عليه الكلمة الكريمة مع صالة أو صيام أو مع عدم‬
‫ذلك يكفي في اإليمان ويكون للمتصف به دخول الجنان عصمنا هللا من‬
‫اآلراء المغوية والفتن المحيرة‪ ،‬وأعاذنا من حيرة الجهل وتعاطي الباطل‪،‬‬
‫ورزقنا التمسك بالسنة ولزوم الطريقة المستقيمة‪.‬‬
‫وكتب بالمسألة أيضا إلى سيدي عبد الرحمن الواغليسي فأجاب‪(( :‬الحمد‬
‫هّلل تعالى‪ ،‬أسعدكم هللا وسددكم وإيانا لمرضاته بعد السالم عليكم ورحمة هللا‬
‫وبركاته‪ ،‬فقد وصل إلينا ما كتبتموه مما فهمتم من فتوى الشيخين أبي العباس بن‬
‫إدريس وأبي العباس أحمد بن عيسى‪ ،‬فيمن يقول ال إله إال هللا ولم يدر ما‬
‫انطوت عليه أن فتوى سيدي أحمد بن إدريس نصها‪ :‬من قال ال إله إال هللا فهو‬
‫مؤمن حقا‪ ،‬فمقتضى هذا الفهم من جواب الشيخ أن من نطق بالشهادة يجزئه‬
‫نطقه وإن جهل معناه وما انطوت عليه الكلمة من مدلولها فاعلم أن هذا الفهم‬
‫عن الشيخ ~ باطل ال يصح‪ ،‬فإنه ال يلزم منه أن من قال ذلك وهو معتقد في‬
‫اإلله تعالى شبه المخلوقات‪ ،‬وصورة من صور الموجودات أن يكون مؤمنا حقا‪.‬‬
‫ومن اعتقد ذلك فهو كافر بإجماع المسلمين‪ .‬وقد نص أئمتنا على ذلك وعلى‬
‫غيره مما فهو كفر بإجماع‪ .‬فال يصح ذلك عن الشيخ أصال وال يصح أن يختلف‬
‫في هذا وشبهه‪ .‬وفي هذا أجاب سيدي أحمد بن عيسى‪ .‬وقد تحدثت أنا مع سيدي‬
‫أحمد بن إدريس وذكرت له ما يقول صاحبنا فوافق عليه وقال هذا حق ال يقال‬
‫غيره))(‪.)2‬‬
‫‪ )?( 1‬من شروط صحة الطالق‪ :‬اإلسالم‪ .‬انظر‪ :‬الشرح الصغير ‪.2/156‬‬
‫فإذا ارتد الزوج فارقته زوجته المسلمة‪ ،‬وال يعد هذا االفتراق طالقـا‪ ،‬فــإن كــان طلقها مــرتين‬
‫من قبل أن يرتــد‪ ،‬وفارقته بســبب الــردة ال تــبين عنه بينونة كــبرى‪ ،‬فــإذا تــاب وعــاد إلى‬
‫اإلسالم جــاز له أن يراجعهــا‪.‬وهــذا الــذي طلق زوجته ثالثا وادعى أنه ال يعــرف معــنى‬
‫كلمة الشهادة ليُحكم له بحكم المجوس في طالقه‪ ،‬يقع طالقه صحيحا إن علم قصــده‪ ،‬وإن‬
‫عرف أنه ال يعرف ما انطوت عليه كلمة التوحيد فيحكم له بحكم المجوس في طالقه‪ ،‬أي‬
‫تفارقه زوجته‪ ،‬فــإن تــاب كــان له أن يراجعها ألنه طلقها وهو غــير مســلم‪ ،‬واإلســالم من‬
‫شروط صحة الطالق‪.‬‬
‫‪ )?( 2‬المعيار المعرب ‪ 2/382‬ـ ‪.384‬‬
‫ــ ‪ 273‬ـ‬
‫وقد فهم محمد ين يوسف السنوسي من نص الفتوى المذكورة أن‬
‫هؤالء العلماء ال يصححون العقائد المبنيةـ على التقليد‪ ،‬قال السنوسي‪:‬‬
‫((وبعض المقلدين ينطقـ بكلمتيـ الشهادة من غير أن يعرف معناهما‪،‬ـ أوال‬
‫يميز الرسول من المرسل‪ ،‬وفي مثله وقعت أجوبة علماء بجايةـ وغيرهم من‬
‫المحققين‪ ،‬أن هذا ال يضرب له في اإلسالم بنصيبـ))(‪.)1‬‬
‫و السنوسي هو أشهر من نسب إليه القول بعدم صحة عقائد المقلدين‪،‬‬
‫لكن في بعض مصنفاته ما يخالف هذا القول‪ .‬والصواب أنه ~ كان يرى كفر‬
‫المقلد ثم رجع عن تكفيره‪ .‬قال مصطفى الرماصي(‪ )2‬يحكي اختالف أقواله‬
‫ويعتذر له‪(( :‬فانظر‪ :‬هذا التخالف في تآليفه‪،‬ـ لكن قد يظهر لإلنسان في موضع‬
‫ما ال يظهر له في آخر))(‪ .)3‬ومن أقوال السنوسي الدالة على رجوعه عن‬
‫التكفير قوله‪(( :‬والثالثـ ـ أي األصل الثالث من أصول الكفر ـ التقليد الرديئ))‪،‬‬
‫أي الفاسد‪ ،‬واحترز به عن التقليد الصحيح‪ ،‬فإنه ليس من أصول الكفر(‪.)4‬‬
‫ولو سلمنا أن السنوسي ~ كان يشترط المعرفة فإنه يرى العامة عارفين غير‬
‫مقلدين‪ ،‬فال يستلزم قولُه تكفي َر العامة‪ ،‬قال ميارة الفاسي(‪(( :)5‬ومن خط شيخنا‬
‫اإلمام الحافظ الحجة أبي العباس أحمد المقري التلمساني(‪ )6‬نزيل فاس ما‬
‫نصه‪ :‬وقد سئل الشيخ سيدي محمد السنوسي نفعنا هللا به‪ :‬هل يشترط في‬
‫اإليمان أن يعرف المكلف معنى "ال إله إال هللا محمد رسول هللا" على التفصيل‬
‫الذي ذكر في العقيدة الصغرى أم ال؟ فأجاب بأن ذلك ال يشترط إال في كمال‬
‫اإليمان‪ ،‬وإنما اشترط في الصحة معرفة المعنى على اإلجمال على وجه‬
‫يتضمن التفصيل‪ ،‬وال شك أن الغالب على المؤمنين عامتهم وخاصتهم معرفة‬
‫ذلك‪ ،‬إذ كل أحد يعرف أن اإلله هو الخالق وليس بمخلوق والرازق وليس‬
‫بمرزوق‪ ،‬وذلك هو معنى غناه جل وعز عن كل ما سواه وافتقار كل ما سواه‬
‫ُصلَّى إال له وال يصام إال له وال يحج وال يعبد سواه‪،‬‬
‫إليه‪ ،‬ويعرفون أن اإلله ال ي َ‬
‫وافتقار كل ما سواه إليه هو معنى قولهم‪ :‬إن اإلله هو المستحق للعبادة وال‬
‫يستحقها سواه‪ .‬وذلك الذي وقعت به الفتوى بعدم اإليمان نادر جدا‪ ،‬وهو الذي ال‬
‫يدري معنى "ال إله إال هللا" ال جملة وال تفصيال‪ ،‬وال يفرّق بينه وبين الرسول‪،‬‬
‫(?) شرح الكبرى للسنوسي ص ‪ 87‬ـ ‪.88‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أبو الخيرات مصطفى بن عبد هللا بن موسى الرماصي‪ ،‬الفقيه العالمة المحقق‪ ،‬توفي‬ ‫‪2‬‬

‫سنة (‪ ،)1136‬انظر شجرة النور الزكية (‪.)1/334‬‬


‫(?) شرح الوسطى للرماصي ‪/63‬و‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر‪ :‬شرح المقدمات للسرقسطي ص ‪.30‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) أبو عبد هللا محمد بن أحمد ميارة الفاسي‪ ،‬اإلمام الفقيه المتبحر في العلوم‪ ،‬توفي سنة ( ‪1072‬‬ ‫‪5‬‬

‫)‪.‬انظر‪ :‬صفوة ما انتشر ص ‪ ،140‬سلوة األنفاس ( ‪ 1/165‬ـ ‪ ،)167‬نشر المثاني ( ‪ 1/235‬ـ ‪237‬‬
‫)‪.‬‬
‫(?) أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن يحيى شهاب الدين المقــري التلمســاني‪ ،‬نزيل‬ ‫‪6‬‬

‫فاس ثم القاهرة‪ ،‬المتكلم الحافظ المحدث األثري العارف بسـير وأحـوال الرجـال‪ ،‬المتفنن‬
‫في العلوم‪ ،‬سنة (‪.)1041‬انظر‪ :‬صفوة ما انتشر ص ‪ 71‬وما بعدها‪ ،،‬شجرة النــور الزكية‬
‫(‪ 1/300‬ـ ‪.)301‬‬
‫ــ ‪ 274‬ـ‬
‫بل يتوهم أنه مثل ونظير هلل تعالى‪ ،‬وهذا النوع يقع في البادية البعيدة عن‬
‫العمران جدا التي ال تخالط علما وال خبرا‪ ،‬وهللا تعالى أعلم))(‪.)1‬‬
‫ولعله أشار بقوله‪(( :‬وذلك الذي وقعت به الفتوى)) إلى فتوى كان أفتى‬
‫بها بعدم جواز أنكحة بعض أهل البوادي لبقائهمـ على الكفر‪ .‬ونقل المختار‬
‫الكنتي فتوى السنوسي في ذلك‪ .‬قال المختار الكنتي‪(( :‬لقد وقفت على كتاب‬
‫لولي هللا محمد بن يوسف السنوسي فيه نصه أن األكثرين من نساء األعراب‬
‫من البربر وغيرهم من أهل البوادي وأهل القرى ال يحل نكاحهن لبقائهن‬
‫على أصل الكفر‪ ،‬ولو تفوهن بالشهادتين ألنهن ال يميزن غالبا بين معرفة هللا‬
‫ومعرفة رسوله‪ ،‬وال يقفن على دعائم التوحيد وال قواعد اإلسالم‪ ،‬فحكم‬
‫نكاحهن في الحرمة حكم النساء المجوسيّات والوثنيّات))(‪ .)2‬وهذا المقول‬
‫المنقول ال يعارض ما سبق‪ ،‬ألن الكالم فيه ليس على المقلد التقليد الصحيح‪،‬‬
‫بل هو عن الجاهل الذي ال يفرق بين هللا ورسوله وال يميز بينهما‪ .‬أما المقلد‬
‫فانتهى رأي السنوسي إلى أن إيمانه صحيح‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫واستمر القول بكفر المقلد بعد وفاة السنوسي فهذا أبو القاسم بن خجو‬
‫يقول بكفر من لم يعرف معنى كلمة الشهادة‪ ،‬قال‪(( :‬من لم يعرف معنى‬
‫الكلمة المشرفة ولم يفرق بين الخالق والمخلوق ولم يتيقن بالبعث فهو من‬
‫الكفار المجوس ال تحل ذبيحته وال نكاحه حتى يتوب ويتعلم ويدخل باالعتقاد‬
‫الصحيح في اإلسالم))(‪.)4‬‬
‫و ذكر عبد الكريم الفكون(‪ )5‬أنه لقي أبا عبد هللا البوزيدي في قسنطينةـ‬
‫وأخبر عنه أنه كان يقول بتكفيرـ المقلد‪ .‬قال الفكون‪(( :‬وكان يقال عليه أنه‬
‫يصرح في مجلسه بأن المقلد غير مؤمن‪ ،‬وربما ينقلـ عنه أنه يجاهر بأن‬
‫العامة مختلف في إيمانهمـ فكان له بينهمـ انسفال))(‪.)6‬‬

‫(?) انظر‪ :‬شرح متن ابن عاشر لميارة ص ‪.66‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) األجوبة المهمة ‪/48‬ظ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أبو القاسم بن علي بن خَجُّ و الحساني‪ ،‬العالم الفقيــه‪ ،‬وتــوفي ســنة ‪.956‬انظــر‪ :‬دوحة‬ ‫‪3‬‬

‫الناشر ص ‪ 14‬ـ ‪ ،15‬لقط الفرائد ص ‪ ،301‬سلوة األنفاس ‪ 2/149‬ـ ‪.150‬‬


‫(?) الرحلة المراكشية ‪.2/158‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) أبو محمد عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الفكون القسنطيني‪ ،‬الجــامع بين علمي‬ ‫‪5‬‬

‫الظاهر والباطن‪ ،‬له جزء في تحــريم الــدخان‪ ،‬تــوفي ســنة ‪.1073‬انظــر‪ :‬صــفوة ما انتشر‬
‫ص ‪ ،141 140‬نشر المثاني ‪ 1/243‬ـ ‪ ،245‬تعريف الخلف برجال السـلف ‪ 1/191‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫(?) منشور الهداية ص ‪.113‬‬ ‫‪6‬‬

‫ــ ‪ 275‬ـ‬
‫أن العلماء الذين منعوا التقليد أطبقت عباراتهم على‬ ‫و ينبغي التنبيهـ إلى ّ‬
‫ألن المعرفة‬‫كون المقلد عير عارف‪ ،‬وليس اليقين المجرد عندهم معرفة‪ّ ،‬‬
‫هي ما نشأ عن دليل ونظر صحيح‪.‬‬
‫وأما العلماء الذي قالوا بأن التقليد كاف في العقائد فكثر‪ ،‬ومنهم‪:‬‬
‫راشد بن أبي راشد الوليدي(‪ ،)1‬فقد سئل راشد عن الخواطر الفاسدة‬
‫التي يلقيهاـ الشيطانـ في النفس هل يدفع ذلك بالنظرـ واالستدالل وتعلم األدلة‬
‫على طريقة أهل الكالم فأجاب بأن المطلوب االستقرار على العقيدة‬
‫الصحيحة ثم أداء العبادات والفرائض وبين أن التقليد في العقائد كاف إن لم‬
‫يكن المكلَّف قادرا على النظر(‪.)2‬‬
‫ومنهم كذلك ابن مرزوق الحفيد(‪ )3‬فقد أفتى بتحريم تحريك عقائد‬
‫العوام بامتحانهم وسؤالهم عما ال يستطيعون أن يجيبوا عليه‪ ،‬وهذا نص‬
‫االستفتاء والفتوى‪(( :‬سئل الشيخ أبو عبد هللا بن مرزوق عن فتوى أفتى بها‬
‫رجل ممن يتصدر لإلفتاء وهي أنه يجب على من له زوجة أن يسألها عن‬
‫عقيدتها فإن وجدها معتقدة ما يستحيلـ في حق هللا تعالى كالجهة مثال فإنه‬
‫يجب عليه أن يفارقها ألنها مشركة‪ .‬فهل يا سيدي يجب هذا ويكون الحكم ما‬
‫أفتى به أم ال يجب؟ وكيف الحكم فيمن وجد جاهال لم يعتقد غير قول ال إله‬
‫إال هللا محمد رسول هللا كما تعلمونهـ من أكثر الناس؟ بينوا لنا ذلك مأجورين‬
‫مشكورين والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪.‬‬
‫فأجاب‪ :‬هذه إحدى الطوام فإذا فتح هذا الباب على العوام اختل النظام فال‬
‫تحرك على العوام العقائد وليكتف بالشهادتين كما قال اإلمام أبو حامد‪ ،‬وبهذا‬
‫جاءت األحاديث الصحاح‪ ،‬ولو وجب سؤال النساء عن هذا بعد التزويج لوجب‬
‫قبله فال يقوم على نكاح امرأة تشهد أن ال إله إال هللا وأن محمدا رسول هللا إال‬
‫بعد اختبار عقيدتها‪ ،‬ألن من أصولهم‪ :‬أن ما إذا طرأ قطع فهو إذا قارب منع‪.‬‬
‫نعم إن بدا من بعض الزوجات معتقد سوء دون أن يطلب ذلك منها نظر فيه بما‬
‫يقتضي فيه الحكم‪ ،‬ألنه كثير جدا ال ينضبط‪ .‬وهللا الموفق بفضله وهو سبحانه‬
‫وتعالى أعلم وكتبه محمد بن أحمد ابن محمد بن مرزوق))(‪.)4‬‬
‫ومنهم كذلك محمد بن أحمد بن أبي جمعة الوهراني ثم الفاسي(‪ )5‬فقد‬
‫سئل عن حكم التقليد في العقائد وهل يص ّح تكفير العامة بسببـ كونهم مقلدين‬
‫(?) أبو الفضل راشد بن أبي راشد الوليــدي‪ ،‬اإلمــام الفقيــه‪ ،‬تــوفي ســنة ‪.675‬انظــر‪ :‬نيل‬ ‫‪1‬‬

‫االبتهاج ص ‪ 179‬ـ ‪ ،180‬سلوة األنفاس ‪ 3/262‬ـ ‪ ،263‬شجرة النور الزكية ‪.1/201‬‬


‫(?) انظر‪ :‬المعيار المعرب ‪.11/269‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد‪ ،‬عرف بابن مــرزوق الحفيد العجيسي التلمســاني‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫المفسر المحــدث األصــولي الفقيه اللغــوي‪ ،‬ولد ســنة (‪ )766‬وتــوفي ســنة (‪.)842‬انظــر‪:‬‬
‫البستان ص ‪ ،201‬نيل االبتهاج ص ‪ 499‬وما بعدها‪ ،‬تعريف الخلف برجال السلف (‪1/1‬‬
‫‪ 45‬وما بعدها)‪.‬‬
‫(?) نوازل العلمي الشفشاوي ‪/194‬ظ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 276‬ـ‬
‫وهل تصح إمامتهم وأنكحتهم‪ .‬فأجاب بأن العامة عارفون وتصح إمامتهم‬
‫بشروطها المذكورة في كتب الفروع ويقال مثل ذلك في أنكحتهم وتجري‬
‫عليهم سائر أحكام اإلسالم‪ ،‬وكتب في الجواب على هذا السؤال كتابا سماه‬
‫"الجيش الكمين في الك ّر على من يكفر عوام ّ المسلمين"‪.‬ـ‬
‫العذر بآفات اإلرادة‬
‫والعـذر بآفات اإلرادة المراد به العـذر باآلفات الخـاصـة باإلرادة أي‬
‫مـع وجـود وحضور العلم بالمكلّف به‪.‬‬
‫وآفات اإلرادة‪ :‬اإلكراه واالستضعاف‪ ،‬وهما حمل على المخالفة للدين‪،‬‬
‫فاإلكراه حمل فوري وعنيف بالتهديد أو بالـفـعـل‪ ،‬واالستضعاف حمل متراخ‬
‫ممتد ربما يكون أقل عنفا‪ ،‬وهذا التفريق بين نوعي الحمل هو على مستوى‬
‫التنظير‪ ،‬أما في الواقع فقد يتداخل النوعان فيمارس على الفاعل نوعا الحمل مثل‬
‫ما كان واقعا بالمسلمين الموريسك في األندلس عند استيالء النصارى عليها‪.‬‬
‫و المكره مأذون له أن يجيب الحامل إلى ما أراد بشروط هي‪:‬‬
‫ـ اطمئنانـ القلب بالحق واإليمان‪،‬ـ وعدم الرضا بالمكره عليه‪ ،‬وعدم‬
‫إيثاره‪ ،‬وهذا الشرط هو فيما بين العبد وربه أما بالنسبة ألحكام الدنيا فيتم‬
‫باشتراط عدم ظهور ما يدل على االختيار‪.‬‬
‫فإن فيها مندوحة عن الكذب‪ ،‬وقد وقع أن أرسل‬ ‫ـ استعمال المعاريض ّ‬
‫أحمد بن أبي جمعة الوهراني(‪ )1‬إلى أهل األندلس المسلمين عند استيالء‬
‫النصارى على بالدهم فتوى ذكر لهم فيها كثيرا من المعاريض‪،‬ـ وحثهم على‬
‫استعمالها إذا أكرهوا على أقوال‪ .‬فذكر مع كل قول ما يناسبهـ من المعاريض‪،‬ـ‬
‫وطلب منهم أن يراسلوه بما سواها من األقوال التي يكرهون عليها ليبعثـ‬
‫إليهم ما يناسبهاـ من المعاريض(‪.)2‬و إذا ضيّق الحامل على الفاعل نطاق‬
‫المعاريض‪ ،‬حتى أتاه بما ال يقدر فيه على التعريض‪ ،‬فقد ذهب فريق من‬
‫العلماء إلى التوسيع للمكره في هذه الحالة‪ ،‬ومنهم أحمد بن أبي جمعة‬
‫الوهراني فإنه كتب إلى أهل األندلس يقول‪(( :‬وإن أكرهوكم على كلمة الكفر‪،‬‬
‫فإن أمكنكم التورية واإللغاز فافعلوا‪ ،‬وإال فكونوا مطمئني القلب باإليمان إن‬
‫نطقتم بها ناكرينـ لذلك))(‪ .)3‬والمكره في هذه الحالة ال يكون منشًئا للقول‪ ،‬بل‬
‫هو حاك‪ ،‬وال شيء على الحاكي‪.‬‬
‫ي ال ـ َو ْهران ّي الفَاسـ ّي‪ ،‬الفقيه العــالم‪،‬‬
‫(?) أبو عبد هللا محمد بن أحمد بن بُ َوجْ َمعة المغــراو ّ‬ ‫‪5‬‬

‫توفي شقرون الوهراني عام (‪929‬هـ)‪ ،‬انظر‪ :‬شجرة النور الزكية (‪.)1/277‬‬
‫ُوجمعة‪ ،‬المغراوي الوهراني الفاسـي‪ ،‬لـه‪ :‬جـامع جوامع التبيـان فيما‬ ‫(?) أبو العباس أحمد بن ب َ‬ ‫‪1‬‬

‫يعـرض بين المعلمين وآبـاء الصـبيان‪ ،‬تـوفي في العشـرة الثالثة بعد المائة التاسـعة‪.‬انظـر‪ :‬دليل‬
‫الحيران ص ‪ ،57‬طلوع سعد السعود ‪/1‬ـ ‪ ،86‬اليواقيت الثمينة ‪/1‬ـ ‪ ،16‬معجم أعالم الجزائر‬
‫ص ‪.19‬‬
‫(?) انظر‪ :‬فتوى أحمد المغراوي المرسلة إلى أهل األندلس‪ ،‬ضمن كتاب‪ :‬نهاية األندلس‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص ‪ 342‬ـ ‪.344‬‬
‫ــ ‪ 277‬ـ‬
‫ال يكون في اإلجابة مفسدة دينية عا ّمة كأن يكون في اإلجابة إضعاف‬‫ـأ ّ‬
‫للمسلمين وإعانة للعدو عليهم‪ ،‬خاصة إذا كان الحمل على المخالفة في قضية‬
‫عقائدية هي من مهمات األصول‪ ،‬المؤدي إلى تعطيل الشرائع‪ ،‬وتغيير الدين‬
‫بالكليّة‪ ،‬في بلد اإلسالم فيه ظاهر‪ ،‬لكن للحامل فيه السلطان والقوة‪ ،‬ففي هذه‬
‫الحالة يرى بعض العلماء تعيّن عدم اإلجابة على الناس والعلماء كافّة‪ ،‬ويفتي‬
‫من ال يستطيع ذلك أن يغادر البلد إلى غيره‪ .‬ويشت ّد النّكير على من أجاب مع‬
‫العلم بحال الحامل‪ ،‬وأن ما أراده باإلكراه شيء عظيم‪ .‬ومثل هذا وقع لما‬
‫استولى بنو عبيد الباطنيّون على القيروان ومصر‪ ،‬فاإلسالم رغم كونه فيهما‬
‫((هو الظاهر ووالتهم على ذلك ال يجاهرون بالبراءة من اإلسالم))(‪.)1‬‬
‫لكنهم كانوا يبطنون دعوة‪ ،‬تؤول إلى إبـطال الدين(‪ ،)2‬ووقع االستفتاء‬
‫فيمن أكرهوه على الدخول في دعوتهم‪ ،‬فكان جواب بعض العلماء كأبي‬
‫محمد بن الكواني تحريم اإلجابة‪ ،‬وقال‪(( :‬ال يعذر أحد بهذا))(‪ ،)3‬إما أن يقيم‬
‫على إعالن المباينةـ لهم ولو قتل أو يهاجر‪ .‬وإقامة العلماء والمتعلمين هنالك ـ‬
‫مع علمهم بحال بني عبيد ـ إنما كان ((على المباينة لهم‪ ،‬لئال يخلو بالمسلمينـ‬
‫عدوهم‪ ،‬فيفتنوهم عن دينهم))(‪.)4‬‬
‫والمستضعف يكون في الغالب مسلما مقيما بين غير المسلمين خارج‬
‫األوطان والديار اإلسالمية حيث ال يمكنهـ إظهار االنتسابـ إلى اإلسالم‬
‫وإظهار أداء الشعائر الدينيةـ كالصالة فهذا قد أذن له الشارع أن يكتم دينه لكن‬
‫ال يباح له البقاء بينهم بعذر االستضعاف إال بوجود شروط هي‪:‬‬
‫ـ أالّ يوافقهم على دينهم بقلبه‪ ،‬وأالّ يكون سكوته على اإلنكار رضا بما‬
‫هم فيه‪.‬‬
‫ـ أن ال يواليهم ويركن إليهم‪ ،‬ويعينهم على المسلمين بلسان أو بيد‪ ،‬فإن‬
‫أكره على ذلك فقد قال بعض العلماء‪ ،‬له حكم المكره‪.‬‬
‫ـ أن يكون عاجزا عن الهجرة إلى الديار واألوطان اإلسالمية‪ ،‬مع عدم‬
‫الفتور عن البحث على وسيلة يتمكنـ بها من الهجرة‪.‬‬
‫وأه ّم األسباب التي تؤدي إلى استضعاف المسلم استيالء الكفار على‬
‫بعض البالد اإلسالميّة‪ ،‬وفرض دينهم وأفكارهم على األهالي المسلمين‪،‬‬

‫(?) فتوى أحمد المغرواي المرسلة إلى أهل األندلس‪ ،‬ضمن كتــاب‪ :‬نهاية األنــدلس‪ ،‬ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 343‬ـ ‪.344‬‬
‫(?) المحلى ‪.201 /11‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) قد ذكر عبد القاهر البغدادي كثيرا من أخبـار القرامطة وأخبـار بـني عبيدـ الـتي تـدل‬ ‫‪2‬‬

‫على حقيقة دعوتهم‪ ،‬وإرادتهم التوصل إلى تغيير الدين وإبطاله‪ .‬انظر‪ :‬الفرق بين الفــرق‬
‫ص ‪ 281‬وما بعدها‪.‬‬
‫(?) فتوى أبي محمد بن الكواني‪ ،‬ضمن كتاب ترتيب المدارك ‪.719 /2‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) المصدر نفسه ‪.719 /2‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 278‬ـ‬
‫مثل‪ :‬استيالء النصارى اإلسبان على األندلس‪ ،‬فقد وقع منهم أن استضعفوا‬
‫المسلمين‪ ،‬ولم يقبلوا منهم إظهار شعائر دينهم‪ ،‬فرفع المسلمون إلى بعض‬
‫العلماء االستفتاء بجواز إخفاء الشعائر‪ ،‬فكان جواب أحمد بن أبي جمعة‬
‫الوهراني بالجواز‪ ،‬وبيّن لهم ما يفعلون في اإلخفاء ـ بعد التحقق من دخول‬
‫الشر عليهم من عدوهم إن أظهروا له طويتهم ـ ومـمـا جاء في الجواب‪:‬‬
‫((‪...‬فالصالة ولو باإليماء‪ ،‬والزكاة ولو كأنها هديّة لفقيركم أو رياء؛ ألن هللا ال‬
‫ينظر إلى صوركم ولكن إلى قلوبكم‪ ،‬والغسل من الجنابة ولو عوما في البحور‪،‬‬
‫وإن منعتم فالصالة قضاء بالليل لحق النهار‪ ،‬وتسقط في الحكم طهارة الماء‪،‬‬
‫وعليكم بالتيمم ولو مسحا بالحيطان‪ ،‬فإن لم يكن فالمشهور سقوط الصالة‪،‬‬
‫وقضاؤها لعدم الماء والصعيد‪ ،‬إال أن يمكنكم اإلشارة باأليدي والوجه إلى‬
‫تراب طاهر أو حجر أو شجر مما يتيمم به فاقصدوا باإليماء))(‪.)1‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫أوال ـ المخطوطات‬
‫ـ األجوبة المهمة لمن له في أمر دينه همة‪ ،‬لمختار بن أحمد بن أبي بكر الكنتي‪،‬‬
‫المكتبة الوطنية الجزائرية ح (‪ 37‬ـ د)‪.‬‬
‫الرماصي‪ ،‬خزانة المخطوطات بوزارة الشؤون‬ ‫ّ‬ ‫ـ شرح العقيدة الوسطى‪ ،‬لمصطفى‬
‫الدينية (‪.)253‬‬
‫ـ نفائس الدرر في حواشي المختصر‪ ،‬ألبي علي الحسن بن مسعود اليوسي‪ ،‬المكتبة‬
‫الوطنية الجزائرية (‪.)1382‬‬
‫ـ نوازل العلمي‪ ،‬ألبي الحسن بن عيسى العلمي الشفشاوني‪ ،‬المكتبة الوطنية الجزائرية (‬
‫‪.)2122‬‬
‫ثانيا ـ المصادر والمراجع المطبوعة‬
‫ـ اإلرشاد إلى قواطع األدلة في أصول االعتقاد‪ ،‬أبو المعالي عبد الملك بن عبد هللا بن‬
‫يوسف الجويني‪ ،‬اعتنى بطبعه‪ :‬د‪.‬ج‪.‬لوسياني‪ ،‬المطبعة الدولية‪ :‬باريس‪1938 ،‬م‪.‬‬
‫ـ االعـتصام‪ ،‬أبو إسحاق الشاطبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد الرزاق المهدي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪:‬‬
‫بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1417 :‬هـ‪1996‬م‪.‬‬
‫ـ الدر الثمين والمورد المعين شرح المرشد المعين‪ ،‬لمحمد بن أحمد ميارة‪ ،‬معه شرح‬
‫خطط السداد والرشد على نظم مقدمة ابن رشد للتتائي‪ ،‬مكتبة المنار تونس‪.‬‬
‫ـ الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب‪ ،‬ابن فرحون المالكي‪ ،‬تحقيق‪ :‬مأمون بن‬
‫محيي الدين الجنان‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت ـ لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1417 :‬هـ ـ‬
‫‪1996‬م‪.‬‬
‫ـ الرحلة المراكشية‪ ،‬لمحمد بن محمد بن عبد هللا المؤقت‪ ،‬مطبعة مصطفى البابي‬
‫الحلبي ‪1351‬هـ‪.‬‬
‫ـ الرسائل الصغرى‪ ،‬ابن عباد الرّندي‪ ،‬تحقيق ونشر‪ :‬األب بولس نويا اليـسوعي‪،‬ـ دار‬
‫المشرق‪ :‬بيروت ـ لبنان‪ ،‬توزيع المكتبة المشرقية‪.‬‬
‫(?) فتوى أحمد المغراوي المرســلة إلى أهل األنــدلس‪ ،‬ضــمن كتــاب نهاية األنــدلس ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.343‬‬
‫ــ ‪ 279‬ـ‬
‫ـ الشفا بتعريف حقوق المصطفى‪ ،‬أبو الفضل عياض بن موسى اليحصبي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬
‫عبده علي كـوشك‪ ،‬مكتبة الغزالي‪ :‬دمشق‪ ،‬دار الفيحاء‪ :‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪:‬‬
‫‪1420‬هـ ‪2000‬م‪.‬‬
‫ـ العواصم والقواصم‪ ،‬محمد بن إبراهيم الوزير اليماني‪ ،‬تحقيق‪ :‬شعيب األرنؤوط‪،‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ :‬بيوت ـ لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪141 :‬هـ ‪1992‬م‪.‬‬
‫ـ الفتح المبين في طبقات األصوليين‪ ،‬عبد هللا بن مصطفى المراغي‪،‬ـ مطبعة عبد‬
‫الحميد أحمد حنفي‪ :‬مصر‪.‬‬
‫ـ الفرق بين الفرق‪ ،‬عبد القاهر بن طاهر البغدادي‪ ،‬دار اآلفاق الجديدة‪ :‬بيروت ـ‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة الرابعة‪1400 :‬هـ ‪1980‬م‪.‬‬
‫ـ الفصل في الملل وا ألهواء والنحل‪ ،‬أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم‬
‫األنـدلسي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪.‬محمد إبراهيم نصر‪ ،‬د‪.‬عبد الرحمن عميرة‪ ،‬دار الجيل‪:‬‬
‫بيروت‪1405 ،‬هـ ‪1985‬م‪.‬‬
‫ـ الفِصل في الملل واألهواء والنحل‪ ،‬أبو محمد علي بن أحمد بن حزم األندلسي‪ ،‬دار‬
‫المعرفة‪ :‬بيروت ـ لبنان‪1403 ،‬هـ ‪1983‬م‪.‬‬
‫ـ القـول الجزل فيما ال يعذر فيه بالجهل‪ ،‬أبو الفضل عبد هللا بن الصديق الغماري‪ ،‬دار‬
‫الكتبي‪ :‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪1411 :‬هـ ‪1990‬م‪.‬‬
‫ـ المحاضرات‪ ،‬ألبي عل ّي الحسن بن مسعود اليوسي‪ ،‬تصحيح أحمد بن العباس‬
‫ومحمد بن الطالب الحاج بن عبد السالم اللجاني‪ ،‬طبعة حجرية‪.‬‬
‫ـ المحلّى‪ ،‬أبو محمد عل ّي بن أحمد بن سعيد بن حزم األندلسي‪ ،‬تحقيق‪ :‬لجنة إحياء‬
‫التراث العربي‪ ،‬دار الجيل‪ :‬بيروت‪ ،‬دار اآلفاق الجديدة‪ :‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪:‬‬
‫‪1416‬هـ ‪.1996‬‬
‫ـ المعلم بفوائد مسلم‪ ،‬أبو عبد هللا محمد بن علي بن عمر المازري‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫الشاذلي النيفر‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪ :‬تونس‪ ،‬المؤسسة الوطنيّة للكتاب‪ :‬الجزائر‪،‬‬
‫‪1988‬م‪.‬‬
‫ـ المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقية واألندلـــس والمغرب‪،‬‬
‫أحمد بن يحي الونشريسي‪ ،‬خرّجه جماعة من الفقهاء بإشراف‪ :‬د‪ .‬محمد حج ّي‪ ،‬دار‬
‫الغرب اإلسالمي‪ :‬بيروت‪1401 ،‬هـ ‪1981‬م‪.‬‬
‫ـ المواهب الربانية شرح المقدمات السنوسية‪ ،‬ألبي إسحاق إبراهيم السرقسطي‬
‫البناني‪ ،‬تصحيح محمد الزهري العمراوي‪ ،‬المطبعة الميمنية مصر‪1324 ،‬هـ‪.‬‬
‫ـ بلغة السالك ألقرب المسالك على الشرح ألحمـد الدردير‪ ،‬أحـمد الصاوي‪ ،‬ضبـطـه‬
‫وصححـه‪ :‬محمد عبد السالم شاهين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ :‬بيروت ـ لبنان‪ ،‬الطبعة‬
‫األولى‪1415 :‬هـ ‪1995‬م‪.‬‬
‫ـ ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعالم مذهب مالك‪ ،‬أبو الفضل القاضي‬
‫عياض بن مـوسى بن عياض اليحصبي السّبتي‪ ،‬تحقيق د‪.‬أحمد بكير محمود‪ ،‬نشر‪:‬‬
‫دار مكتبة الحياة‪ :‬بيروت‪ ،‬دار مكتبة الفكر‪ :‬طرابلس ـ ليبيا‪.‬‬
‫ـ تعريف الخلف برجال السلف‪ ،‬ألبي القاسم محمد الحفناوي‪ ،‬تقديم محمد رؤوف‬
‫القاسمي الحسني‪ ،‬موفم للنشر الجزائر‪1991 ،‬م‪.‬‬

‫ــ ‪ 280‬ـ‬
‫ـ حاشية على شرح متن جمع الجوامع‪ ،‬ألبي زيد عبد الرحمن البناني‪ ،‬ومعها شرح‬
‫جمع الجوامع للمحلي وتقريرات الشربيني على الحاشية والشرح‪ ،‬مطبعة البابي‬
‫الحلبي‪ ،‬مصر ‪1356‬هـ ـ ‪1937‬م‪.‬‬
‫ـ حاشية على عمدة أهل التوفيق والتسديد‪ ،‬إسماعيل بن موسى بن عثمان الحامدي‪،‬‬
‫ومعها شرح الكبرى للسنوسي‪ ،‬مطبعة مصطفى البابي الحلبي‪1354 ،‬هـ ـ ‪1936‬م‪.‬‬
‫ـ درة الحجال في أسماء الرجال‪ ،‬أبو العباس أحمد بن محمد بن القاضي المكناسي‪،‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد األحمدي أبو النور‪ ،‬دار التراث‪ :‬القاهرة‪ ،‬الطبعة األولى‪1390 :‬هـ‬
‫‪1970‬م‪.‬‬
‫ـ دليل الحيران وأنيس السهران في أخبار مدينة وهران‪ ،‬محمد بن يوسف الزياني‪،‬‬
‫تعليق‪ :‬المهدي البوعبدلي‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪ :‬الجزائر‪1398 ،‬هـ‬
‫‪1978‬م‪.‬‬
‫ـ دوحة الناشر لمحاسن من كان بالمغرب من مشايخ القرن العاشر‪ ،‬محمـد بن عسكر‬
‫الشفشاوني‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد حجي‪ ،‬دار المغرب‪ :‬الرباط‪1397 ،‬هـ ـ ‪1977‬م‪.‬‬
‫ـ سلوة األنفاس ومحادثة األكياس بمن أقبر من العلماء والصلحاء بفاس‪ ،‬لمحمد بن‬
‫جعفر بن إدريس الكتاني‪ ،‬طبعة حجرية‪.‬‬
‫ـ سير أعالم النبالء‪ ،‬شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي‪ ،‬تحقيق جماعة من‬
‫المحققين‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ :‬بيروت‪1405 ،‬هـ ‪1985‬م‪.‬‬
‫ـ شجرة النور الزكية في طبقات المالكية‪ ،‬مـحمد بن محمد مخلوف‪ ،‬دار الكتاب‬
‫العربي‪ :‬بيروت ـ لبنان‪ ،‬عن الطبعة األولى‪1349 :‬هـ‪.‬‬
‫ـ شرح الورقات‪ ،‬أبو عبد هللا محمد الحطاب‪ ،‬طبع سنة ‪1299‬هـ‪.‬‬
‫ـ شرح صغرى الصغرى‪ ،‬محمد بن يوسف السنوسي‪ ،‬المطبعة الميمنية‪ :‬مصر‪:‬‬
‫‪1324‬هـ‪.‬‬
‫ـ شرف الطالب في أسني المطالب‪ ،‬ألحمد بن قنفذ ومعه وفيات أحمد الونشريسي‬
‫ولقط الفرائد البن القاضي‪ ،‬تحقيق محمد حجي‪ ،‬دار المغرب الرباط‪1396 ،‬هـ ت‬
‫‪1976‬م‪.‬‬
‫ـ صفوة ما نتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر‪ ،‬لمحمد الصغير األفراني‬
‫المراكشي‪ ،‬طبعة حجرية‪.‬‬
‫ـ طبقات الشافعية‪ ،‬أبو بكر أحمد بن محمد ابن قاضي شهبة‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪.‬الحافظ عبد‬
‫العظيم خان‪ ،‬عالم الكتب‪ :‬بيروت‪ ،‬الطبعة األولى‪1407 :‬هـ ‪1987‬م‪.‬‬
‫ـ طبقات الشافعية‪ ،‬أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر بن محمد تقي الدين ابن قاضي‬
‫شهبة الدمـشقي‪،‬ـ اعتنى بتصحيحه وعلّق عليه‪ :‬د‪.‬الحافظ عبد العليم خان‪ ،‬مؤسسة‬
‫دار الندوة الجديدة‪1408 ،‬هـ ‪1987‬م‪.‬‬
‫ـ طلـوع سعد السعود‪ ،‬اآلغا بن عودة المزاري‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬يحيى بوعزيز‪ ،‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األولى‪1990 :‬م‪.‬‬
‫ـ فتاوى ابن رشد‪ ،‬أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪.‬المختار بن‬
‫طاهر التليلي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪،‬ـ الطبعة األولى‪ 1407 :‬هـ ‪1987‬م‪.‬‬
‫ـ فتاوى المازري‪ ،‬تقديم وجمع وتحقيق‪ :‬د‪.‬الطاهر المعموري‪ ،‬الدار التونسية للنشر‪،‬‬
‫مركز الدراسات اإلسالمية بالقيروان‪ ،‬فيفري ‪1994‬م‪.‬‬

‫ــ ‪ 281‬ـ‬
‫ـ فهرس الفهارس واألثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسالت‪ ،‬عبـد الحي بن‬
‫عبد الكبير الكتاني‪ ،‬تحقيق د‪ .‬إحسان عباس‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ :‬بيروت ـ لبنـان‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪1402 :‬هـ ‪1982‬م‪.‬‬
‫ـ مجرد مقاالت األشعري‪ ،‬أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك‪ ،‬تحقيق‪ :‬دانيال‬
‫جيماريه‪ ،‬دار المشرق‪ :‬بيروت‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫ـ معجم أعالم الجزائر‪ ،‬عادل نويهض‪ ،‬المكتب التجاري للطباعة والنشر‪ :‬بيروت‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪1971 :‬م‪.‬‬
‫ـ منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والوالية‪ ،‬لعبد الكريم الفكون‪ ،‬تحقيق‬
‫الدكتور أبي القاسم سعد هللا‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪،‬ـ الطبعة األولى ‪1408‬هـ ـ‬
‫‪1987‬م‪.‬‬
‫ـ نشر المثاني ألهل القرن الحادي عشر والثاني‪ ،‬ألبي عبد هللا محمد بن الطيب بن‬
‫عبد السالم الشريف القادري‪ ،‬طبعة حجرية‪.‬‬
‫ـ نهاية األندلس وتاريخ العرب المتنصرين‪ ،‬محمد عبد هللا عنان‪ ،‬مطبعة لجنة التآليف‬
‫والترجمة والنشر‪ :‬القاهرة‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1386 :‬هـ ـ‪1966‬م‪.‬‬
‫ـ نيل االبتهاج بتطريز الديباج‪ ،‬أحمد بابا التنبكتي‪ ،‬منشورات كلية الدعوة اإلسالمية‪:‬‬
‫طرابلس‪ ،‬الطبعة األولى‪1398 :‬هـ ‪1989‬م‪.‬‬
‫ـ اليواقيت الثمينة في أعيان مذهب عالم المدينة‪ ،‬محمد البشير ظافر األزهري‪ ،‬مطبعة‬
‫المالجئ التابعة لجمعية العروة الوثقى‪1325 ،‬هـ‪.‬‬

‫ــ ‪ 282‬ـ‬
‫الفكر الصوفي في النوازل التواتية‬
‫‪ ‬أ‪/‬زهير بن عبد الرحمان قزان‬
‫كلية العلوم اإلسالمية والعلوم االجتماعية‪ ،‬جامعة أدرار‬
‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على أشــرف المرســلين وعلى‬
‫آله وصحبه والتابعينـ ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬وبعد‪،‬‬
‫فإن مما تفخر به األمة اإلسالمية احتضانها للعلم المتحكم في‬
‫تصرفات العباد انطالقا من الخطابات اإللهية واألقوال النبوية ذالك هو علم‬
‫ﯱ ﯲ ﯳ‬ ‫الفقه الذي مدح هللا عز وجل حامليه فقال‪ :‬ﮋﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻﮊ(‪ ،)1‬وما ثبتـ على لسان النبي × في قوله «َمنْ‬
‫الدينِ»‪ ،‬وتظهر قيمة الفقه إذا ثبتت قدرته‬
‫خْيًرا ُيَفِّقهُْه ِفي ِّ‬
‫هللا بِ ِه َ‬
‫يُِرِد به ُ‬
‫على مسايرة المجتمعات المختلفة وجميع الفعال اإلنسانيةـ في ظل ضوابطه‬
‫وأحكامه وهذا ما تكفل به المفتون والقضاة منذ زمن الصحابة والتابعينـ‬
‫‪ ‬فلم يزل الفقهاء يتطرقون النشغاالت المسلمين الفكرية والعملية‬
‫والسلوكية بعرضها على ضوابط الفتوى وأصول القضاء ويبينوا لهم حكم‬
‫هللا فيها‪ ،‬وحتى يثبتوا هذه الخاصية للفقه لألجيال الالحقة لم يألوا جهدا في‬
‫تدوين ما كانوا يجيبون به الناس في كتب اختلفت أشكالها وتعددت‬
‫مناهجها‪ ،‬ليظهر بهذا ما عرف بكتب النوازل أو كتب الفتاوى وربما‬
‫سماها البعض بكتب األجوبة‪ ،‬ثم إن المطالع فيها يجد تمازجا رائعا بين‬
‫الشريعة والحياة تتجلى به شمولية الدين اإلسالمي وخصائص الشريعة‬
‫ومدى صالحية األحكام لكل زمان ومكان ولجميع االنشغاالت‪.‬‬
‫وأمام هذه الميزة لمصنفات النوازل نجد العلماء قد اهتموا بتدوين ما‬
‫يصدر عنهم من إجابات وما وقفوا عليه من أحكام القضاة‪ ،‬وقد عرفت‬
‫المشاركة المالكية أوفر نصيب في هذا المضمار فألف المغاربةـ فيه‬
‫كنوازل الوزاني ونجد في ليبيا أجوبة ابن عبد الصادق الطرابلسي ونقف‬
‫في تونس على نوازل البرزلي وغيرهم كثير‪.‬‬

‫(?) سورة التوبة‪.122/‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 283‬ـ‬
‫أما المشاركة الجزائريةـ فقد تصدرت الطليعةـ من خالل المعيار‬
‫المعرب عن فتاوى علماء إفريقيةـ واألندلس والمغرب للونشريسي‬
‫التلمساني الذي أطبق المالكية على االعتناء به‪ ،‬وهذا الكتاب يمثلـ بعض‬
‫عطاء الحاضرة التلمسانيةـ وهي في هذا األمر كباقي الحواضر الجزائرية‪،‬‬
‫ففي حاضرة بجاية أجوبة أحمد بن عيسى البجائيـ ومن منطقة الحضنة‬
‫نوازل ابن عزوز القاسمي وبأقصى الصحراء نوازل الشيخ محمد باي بن‬
‫عمر الكنتيـ وغيرهم كثير‪ ،‬ولم تكن الحاضرة التواتيةـ لتقف أمام هذا النوع‬
‫من العطاء العلمي شاخصة البصر بل راحت تدلي بدلوها خاصة وأن‬
‫كثيرا من علمائهاـ تقلدوا منصب القضاء وبعضهم جمع بين خطتي الفتوى‬
‫والقضاء‪ ،‬فكان نتيجةـ ذالك ثروة من كتب النوازل كنوازل الجنتوري‬
‫ونوازل الزجالوي وأجوبة عمر ابن عبد القادر التنالنيـ وغنية المقتصد‬
‫السائل فيما وقع في توات من القضايا والمسائل الذي جمع فتاوى عدد من‬
‫علماء المنطقة‪.‬ـ‬
‫فموضوع النوازل إذن من المواضيع المهمة في حياة المسلمين وذالك‬
‫الرتباطه الشديد بالواقع ألنه خروج من دائرة الفقه النظري المليء بالخالف‬
‫وتشعب المسائل إلى رحابةـ الفقه التطبيقي المبني على مراعاة حال الناس‬
‫وروح التشريع‪ ،‬وهو دليل واضح على مواكبة الشريعة لكل زمان ومتطلباتـ‬
‫كل مكان‪ ،‬وفيه التنبيه على ثقافة الفقيه األصلية في تلونها بالحياة وانسجامها‬
‫مع الوقع‪ ،‬لذالك عالجت كتب النوازل جميع القضايا المطروحة على أرض‬
‫الواقع في مختلف المجاالت الفكرية والعمليةـ والسلوكية كما يدل على ذالك‬
‫مصطلح النوازل في مفهومه إذ النوازل جمع نازلة من النزول وهو الحلول‬
‫يقال نزل بهم ينزل نزوال إذا حل والنازلة المصيبة الشديدة من شدائد الدهر‬
‫تنزل بالناسـ وفي االصطالح ((تطلق على المسائل والقضايا الدينية‬
‫والدنيوية التي تحدث للمسلم ويريد أن يعرف حكم هللا فيها فيلجأ إلى أهل‬
‫العلم الشرعي يسألهم عن أحكام هذه النوازل))(‪.)1‬‬
‫وهي بهذا المعنى تشمل جميع الحوادث التي تحتاج لفتوى تبينها سواء‬
‫أكانت متكررة أم نادرة الحدث وسواء كانتـ قديمة أم مستجدة‪ ،‬وسواء كانت‬
‫القضية فكرية كمسائل العقيدة أم عمليةـ كسائر مسائلـ الفقه أم سلوكية كمسائل‬
‫(?) فقه النوازل عند المالكية ص‪13‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 284‬ـ‬
‫التصوف‪ ،‬وتظهر النوازل في شكل أسئلة توجه إلى العلماء يجيبون عنها‬
‫مبينينـ حكم هللا فيها‪ ،‬ومن هنا تعددت تسمياتها ((فتسمى أحيانا باألجوبة وتارة‬
‫بالفتاوى وتارة بالنوازل وتارة أخرى باألحكام أو مسائلـ األحكام أو‬
‫األسئلة))‪ ،‬وتسمى المدونات التي تجمع تلك االنشغاالت وحلولها بكتب‬
‫النوازل كنوازل البرزلي وكتب الفتاوى كفتاوى ابن رشد وكتب األحكام‬
‫كأحكام ابن سهل وكتب المسائل كمسائل ابن قداح وكتب األجوبة كأجوبة ابن‬
‫سحنون فكتب النوازل مدونات تضم الحلول الشرعية لقضايا طرحت في‬
‫واقع المسلمين في أي مجال من المجاالت‪.‬‬
‫وبهذا نعلم أن لفظ النوازل يطلق ويراد به نفس القضايا واالنشغاالت‬
‫كما يقال هذه نازلة صعبة وتلك نازلة وقعت لفالن ونحوه ويطلق ويراد به‬
‫كتب هذا الفن كما يقال نوازل المعيار ونوازل ابن رشد ونوازل المسناوي‬
‫ونحوه‪ ،‬ومهما يكن إطالق لفظ النوازل فالمهم أنها تعرض النشغاالت‬
‫المسلمين المختلفة في كل المجاالت وقد تناول الباحثون موضوع النوازل من‬
‫عدة جوانب الفقهية والفكرية والتاريخية واالجتماعية واالقتصادية إال أننا ال‬
‫نلمس اهتماما بالجانب الصوفي فيها على الرغم من العالقة الوطيدة بين‬
‫الموضوعين ألن العلم إنما المقصود منه العمل والعمل إنما المقصود منه‬
‫تحقيق العبودية هلل لذالك جاءت هذه المداخلة إللقاء الضوء على هذا الجانب‬
‫من موضوع النوازل آخذا النوازل التواتية كنموذج لما عرف عن علماء هذا‬
‫اإلقليم من رسوخ القدم وعلو الكعب في التصوف معالجا إياه في مبحثينـ‬
‫الـأول فقه النوازل عند علماء توات وفيه مطلبان األول التعريف بتوات‬
‫والثانيـ في اسهاماتهم في مجال النوازل والمبحث الثانيـ في الفكر الصوفي‬
‫عند علماء توات وفيه مطلبان األول في فلسفة التصوف عندهم والثانيـ في‬
‫مجال النوازل‪.‬‬
‫فأقول وهللا المستعان وعليه التكالن‬
‫المبحث األول‪ :‬فقه النوازل عند علماء توات‬
‫المطلب األول‪ :‬التعريف بتوات‬
‫يزداد األمر غموضا إذا تعلقت المصطلحات المدروسة بتاريخ‬
‫وجغرافية األمة اإلسالمية في ظل غياب ثقافة التعرف على الماضي وانتشار‬
‫هواية تقليد الغرب المتطلع إلى المستقبل‪ ،‬والبحث في كل ما له صلة‬
‫بالتاريخ يوقفنا أمام كلمات ألماكن ربما نمر أو نقيم بجوارها لكننا نجهلها‪،‬‬
‫ولفظ توات الذي غاب بعد أن امتألت به كتب المتقدمين أمثال أحمد بابا‬

‫ــ ‪ 285‬ـ‬
‫التمبكتي وعبد الرحمان السعدي ومحمد بللو الفوتي وغيرهم ظهر اليوم اسم‬
‫آخر على مسماه فصرنا نعرف أدرار وتميمون وأولف وعين صالح بدل‬
‫توات وقورارة وتيديكلت‪ ،‬ولعل التعريف باإلطار الجغرافي والوسط السكاني‬
‫يرفع بعض الجهالة عنه‪.‬‬
‫أوال‪ :‬اإلطار الجغرافي‬
‫التسمية‬
‫اختلف المؤرخون والباحثون في أصل تسميةـ المنطقةـ بتوات وفي‬
‫معناها فبعضهم أرجعها إلى أصول غير عربيةـ فقيل أصلها بربري وتعني‬
‫األماكن المنخفضة ((و في بعض التعاريفـ األخرى فإن تواتا اسم بربري‬
‫األصل معناه الواحات‪ ،‬وقد جازف بعض الدارسين الفرنسيينـ عندما حاولوا‬
‫أن يربطوه باألصل اإلغريقي فزعموا أن الفرنسيين يطلقون على الواحات‬
‫اسم وازيس ووازيس هذا مصطلح إغريقي األصل مركب من مقطعينـ األول‬
‫"وا" وقد توصل علماء االشتقاق اللغوي إلى أن "وا" هذا يتطابقـ مع‬
‫()‬
‫المصطلح البربري "وا" الذي هو تعبير عن الجمع مفرده توات)) ‪، 1‬‬
‫ويلحق بهذه األقوال من اعتبرها كلمة سودانية تطلق على نوع من األمراض‬
‫أطلقه أهل مالي عند ما مروا بهذه المنطقة في طريقهم إلى الحج مع السلطان‬
‫وكان هذا المرض سببا في تخلف جماعة من الركب في توات فأطلق االسم‬
‫()‬
‫عليها ‪ ، 2‬وتمسك البعض اآلخر بعربيةـ الكلمة ورأى أن أصلها اإلتوات‬
‫فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه بدله كما قال ابن مالك‪:‬‬
‫َع ْنهُ في اإلع َرا ِ‬
‫ب إ َذا َما ُح ِذفَا‬ ‫ضافَ يَاتِيـ َخلَفَا‬
‫َو َما يَلِي ال ُم َ‬

‫و مع حذف أداة التعريف "الـ" كما قال ابن مالك‪:‬‬


‫َأوْ ِجبْ ‪.........................‬‬ ‫إن تُنَا ِد َأو‬ ‫َو َح ْذ ُ‬
‫ف الْ ِذي ْ‬
‫ض ْ‬
‫ف‬ ‫تُ ِ‬
‫ووجه اعتبار أصلها اإلتوات أن سلطان الموحدين أمر بتخريص‬
‫األشجار وقبض اإلتوات كيال ووزنا على حسب التخريص فعرف أهل هذا‬

‫(?) أحمد العمــاري تــوات في مشـروع التوسع الفرنسـي بــالمغرب منشــورات كلية اآلداب‬ ‫‪1‬‬

‫والعلوم اإلنسانية بفاس مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء المغرب سنة ‪ 1988‬ص ‪.11‬‬
‫(?) أنظر عبد الرحمان السعدي تاريخ السودان طبعة هوداس بـاريس سـنة ‪ 1981‬ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪.08‬‬
‫ــ ‪ 286‬ـ‬
‫اإلقليم بأهل اإلتوات وأطلق على قطرهم (‪ ،)1‬وقيل هي لفظة عربية أطلقها‬
‫عقبة بن نافع لما رأى من قساوتها وجفاف طبعهاـ هل تواتي لنفي‬
‫المجرمين فأجابه من كان حاضرا أنها تواتي فانطلق اللسان بذالك(‪ ،)2‬ومن‬
‫المعنى نفسه يرى الشيخ محمد بن عبد الكريم بكراوي أصلها غير أن‬
‫السائل ليس عقبة بن نافع بل قبائل زناتةـ لما انقرضت دولتهم ونزلوا‬
‫أرض الصحراء فوجدوها أرضا تواتي للسكن فقالوا أرضٌ تواتي فانطلق‬
‫اللسان بذالك(‪ ،)3‬ونحا الشيخ موالي أحمد الطاهري المنحى نفسه لكنه‬
‫اعتبرها أرضا تواتي للعبادة ولذالك كانت مفزعا للصالحين ينقطعونـ فيها‬
‫للعبادة والزهادة(‪.)4‬‬
‫الموقع الجغرافي‬
‫يقع إقليم توات جنوب غرب الجزائر بين خطي طول ‪ ْ 1‬شرقا و‪ْ 3‬‬
‫غربا وبين دائرتي عرض ‪ ْ 20‬إلى ‪ ْ 30‬شماال وسط الصحراء الكبرى‬
‫اإلفريقيةـ يحده شماال العرق الغربي الكبير وواد مقيدن ويحده جنوبا‬
‫صحراء تنزروفت وواد قاريت وجبال مويدار أما شرقا فيحده العرق‬
‫الشرقي الكبير المحاذي لواد الماية ويحده غربا واد الساورة وراوفده‪ ،‬فهي‬
‫تشكل أرخبيال من واحات الصحراء تبدأ من قصر تبلكوزة شماال إلى عين‬
‫صالح جنوبا وتنقسم هذه القصور إلى مناطق ثالثة هي قورارة من تبلكوزة‬
‫شماال إلى عريان الراس بتسابيت جنوبا ‪ ،‬ومنطقة توات الوسطى من عريان‬

‫(?) أنظر محمد بن عبد الكــريم بكــراوي درة األقالم في أخبــار المغــرب بعد اإلســالم‬ ‫‪1‬‬

‫مخطوط بخزانة بن عبد الكبير المطارفة (الورقة‪ / 02‬ظهر)‪.‬‬


‫(?) أنظر محمد بن عومر البداوي نقل الرواة عمن أبدع قصور تــوات مخطــوط بخزانة‬ ‫‪2‬‬

‫أبا سيدي جعفري بودة (الورقة‪ /03‬وجه)‪.‬‬


‫(?) أنظر محمد بن عبد الكريم بكراوي المصدر السابق (الورقة ‪ /02‬وجه وظهر)‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أنظر موالي أحمد الطاهري نســيم النفحــات في ذكر جــوانب من أخبــار تــوات ومن‬ ‫‪4‬‬

‫دفن فيها من األوليــاء والصــالحين والعــاملين الثقــات مخطــوط بخزانة الشــيخ عبد هللا‬
‫البلبالي كوسام (الورقة ‪/07‬ظهر)‪.‬‬
‫ــ ‪ 287‬ـ‬
‫الراس شماال إلى رقان جنوبا‪ ،‬ثم منطقة تديكلت من رقان بالشمال الغربي‬
‫إلى عين صالح بالشمال الشرقي(‪.)5‬‬
‫و إقليم توات حاليا يقع ضمـن امتداد شمال والية أدرار بالجنوب‬
‫الغربي الجزائري وهـي الوالية رقم ‪ 01‬في ترتيب واليات الجزائر ‪ ،‬كما‬
‫يشمل إقليم توات منطقة عين صالح وهي حاليا دائرة تابعة لوالية‬
‫تمنراست الوالية رقم ‪ 11‬في ترتيبـ الواليات الجزائرية‪.‬‬
‫التضاريس الجغرافية‬
‫تلعب التضاريس الجغرافية دورا هاما في توزيع السكان وحركة‬
‫مسير قوافل التجارة نحو السودان الغربي مما يساعد على تحليل عدة‬
‫معطياتـ اجتماعيةـ واقتصادية‪،‬ـ وعليه إذا نظرنا إلى المميزات الجيولوجية‬
‫نالحظ أن البنية الصخرية لمنطقةـ توات تتكون من صخور قديمة وصخور‬
‫الزمن الثانيـ وصخور الزمن الرابع أما الصخور القديمة فإنها تمثل القاعدة‬
‫السفلى للطبقاتـ الرسوبيةـ وهي ترجع إلى الزمن األول وتظهر هذه‬
‫القاعدة أحيانا على السطح خصوصا بمنطقة الخطوط االنكسارية‪ ،‬أما‬
‫صخور الزمن الثانيـ فإنها تظهر بشكل واسع على الجانب الشمالي‬
‫والشمال الغربي‪ ،‬وأما صخور الزمن الرابع فإنها تظهر بالسبخةـ الواقعة‬
‫شرق تسفاوت وشرق شروين وفي بعض النقاط المحددة جدا‪ ،‬هذه‬
‫الصخور التي ت ّكون البنيةـ السطحية لمنطقة توات أعطت تضاريس ذات‬

‫(?) أنظر موالي أحمد الطاهري المصـدر السـابق (الورقة ‪ / 14‬ظهـر)‪ ،‬أحمد العمـاري‬ ‫‪5‬‬

‫المرجع السابق ص ‪ ،11‬فرج محمود فرج إقليم توات خالل القرنين الثامن عشر والتاسع‬
‫عشر الميالديينـ ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر الطبعة الثانية سنة ‪ 2007‬ص ‪، 13‬‬
‫عبد الحميد بكري النبذة في تــاريخ تــوات وأعالمها من القــرن ‪ 9‬إلى القــرن ‪ 14‬الهجــري‬
‫مطبعة دار الهــدى عين مليلة الجزائر الطبعة األولى ســنة‪ 2005‬ص‪ ،17‬محمد الصــالح‬
‫حوتية إقليم توات واألزواد دار الكتاب العربي الطبعة األولى سنة ‪ ،)1/28( 2007‬موالي‬
‫التهــامي غيتــاوي لفت األنظــار إلى ما وقع من النهب والتخــريب والــدمار بوالية أدرار إبــان‬
‫احتالل االســتعمار منشــورات ‪ ANEP‬المطبعة الحديثة للفنــون الجميلة الطبعة األولى ســنة‬
‫‪ 2006‬ص ‪.29‬‬
‫ــ ‪ 288‬ـ‬
‫ميزات صحراوية أهمها العرق الذي يمتد بالقسم الشمالي لإلقليم باإلضافة‬
‫إلى تضاريس الحمادة ذات الشكل المتحجر التي تظهر بالمنطقةـ من وقت‬
‫آلخر ‪ ،‬كما توجد سالسل جبلية ذات ارتفاع بسيط كالكتل المتناثرةـ في‬
‫القسم الشرقي من توات‪ ،‬أما المناخ فهو صحراوي يتميزـ بارتفاع درجة‬
‫الحرارة صيفا والبرودة شتاء وتكون األمطار نادرة للغاية وأما الرياح فهي‬
‫كثيرة الهبوب تبلغ سرعتها أحيانا ‪/100‬كلم في الساعة وتكثر أيضا بها‬
‫الزوابع الرملية(‪.)1‬‬
‫الغطاء النباتي‬
‫لقد كان للموقع الجغرافي والتركيبة الجيولوجية وما نتج عنها أثر‬
‫بليغ في نوع النباتاتـ التي تنمو بالمنطقة وفي األماكن التي تنموا بها‪ ،‬فأما‬
‫أفضل األماكن فذات المستوى المنخفض نسبياـ عما حولها لمظنةـ اجتماع‬
‫مياه األمطار فيها وغالبا ما تكون تربتها طينية ورملية ناعمة‪،‬ـ وأما‬
‫النباتاتـ التي تنموا هناك فتتمثلـ في زراعة النخيل باعتبارهاـ نباتاـ‬
‫صحراويا وتتميز التمور في إقليم توات برطوبتهاـ لفترة زمنيةـ محدودة ثم‬
‫تتعرض لليبس والجفاف ما يجعل السكان يدخرونها في أشكال متعددة‪،‬‬
‫وتتمثل النباتات أيضا في زراعة الحبوب من قمح وشعير والذرة‬
‫(التافسوت) والدخن (البشنة)ـ وتتميز حبوب المنطقةـ بكون دورتها الزراعيةـ‬
‫قصيرة جدا بحيث تبذر في شهر أكتوبر وتحصد في نهاية شهر أفريل‪،‬‬
‫كما تتمتعـ المنطقة بأنواع أخرى من المحاصيل الزراعية كالخضراوات‬
‫من طماطم وثوم وبصل وجزر وبطاطا‪،‬ـ ومن المحاصيل أنواع من‬
‫البقوليات كالعدس والحمص واللوبيا ومنها بعض األعشاب كالنعناع‬

‫(?) أنظر أحمد العمــاري المرجع الســابق ص ‪ 12‬وما بعــدها‪ ،‬مــوالي التهــامي غيتــاوي‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع الســابق ص ‪ 29‬وما بعــدها‪ ،‬محمد الصــالح حوتية المرجع الســابق ص ‪ 43‬وما‬
‫بعدها‪.‬‬
‫ــ ‪ 289‬ـ‬
‫والفصة‪ ،‬غير أن هذه المحاصيل والنباتاتـ ال تتعدى كونها محلية معاشية‬
‫ال تتعدى إشباع حاجات الناس ومتطلباتهم(‪.)1‬‬

‫أـمـاـ اـلـثـرـوـةـ اـلـحـيـوـاـنـيـةـ فـقـدـ كـاـنـ لـطـبـيـعـةـ اـلـتـمـدـنـ اـلـتـيـ طـغـتـ عـلـىـ اـلـبـالـدـ‬
‫مـتـمـثـلـةـ فـيـ نـظـاـمـ اـلـقـصـوـرـ فـإـنـ أـهـلـ اـلـمـنـطـقـةـ اـعـتـنـوـاـ أـسـاـسـاـ بـتـرـبـيـةـ اـلـمـوـاـشـيـ‬
‫ـ اـلـغـنـمـ وـاـلـمـاـعـزـ ـ يـتـمـ تـدـجـيـنـهـاـ فـيـ اـلـبـيـوـتـ وـتـتـمـيـزـ بـوـبـرـهـاـ وشـعـرـهـاـ مـمـاـ‬
‫يـجـعـلـهـاـ سـالـلـةـ مـحـلـيـةـ خـاـصـةـ‪،‬ـ كـمـاـ يـهـتـمـ أـهـاـلـيـ اـلـقـصـوـرـ بـتـرـبـيـةـ اـلـدـجـاجـ‬
‫لـالـسـتـفـاـدـةـ مـنـ بـيـضـهـاـ واـسـتـهـالـكـهـاـ اـلـسـرـيـعـ عـنـدـ اـلـحـاـجـةـ‪،‬ـ أـمـاـ اـلـبـدـوـ اـلـرحـلـ‬
‫فـالـ تـخـلـوـ أـنـشـطـتـهـمـ مـنـ رـعـيـ اـإلـبـلـ(‪)2‬ـ‪.‬ـ‬
‫ثانيا‪ :‬الوسط البشري‬
‫التركيبة البشرية‬
‫تتكون التركيبةـ البشرية في إقليم توات من مزيج من األجناس‬
‫البشرية التي تعود إلى أصول مختلفة تتعايش في شكل جماعات تلعب‬
‫المصالح والمعتقدات المتوارثة دورا هاما في العالقة بينها‪ ،‬أما عن األصل‬
‫الواحد الذي يشكل في بعده األنتربولوجي القبيلة الواحدة كون القبيلة تعتبرـ‬
‫مجموعة بشرية مكونة من قسمات ومجموعات اجتماعيةـ يجمع بينهاـ رابط‬
‫القرابة الدموية وتحتل مجاال ترابياـ ال يهم فيه المجاورة بالجنبـ ويكفي‬
‫فيه اعتقاد االنتماء إلى األصل النَّ َسبِي لتمتين العالقة بين أفراده والنظر‬
‫إلى الخارج عن هـذا النسب نظرة مختلفة تتحكـم المرجعية الدينية‬
‫واالجتماعية اللتان تعتبرانـ رمزية ذات أهمية قصوى في تنظيم العالقة‬
‫بينها ‪ ،‬و إذا رجعنا إلى بُنيةـ سكان المجتمع التواتي نجدها تتركب من‬
‫أصناف منها‪:‬ـ‬

‫(?) أنظر محمد الصــالح حوتية المرجع الســابق ص ‪ ،46‬عبد المجيد قـــدي صـــفحات‬ ‫‪1‬‬

‫مشرقة من تاريخ أولف تحت الطبع ص ‪.61‬‬


‫(?) أنظر عبد المجيد قدي المرجع السابق ص ‪.65‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 290‬ـ‬
‫البربر‪ :‬لم يختلف المؤرخون في وجود العنصر البربري باإلقليم ألن‬
‫أغلب تسمياتـ القصور التواتيةـ أعجمي بربري لكن اختلفوا في كونهم من‬
‫َم َّ‬
‫ص َر البالد قال ابن خلدون‪(( :‬و من بطون بني وماتوا هؤالء بنو يامدس‬
‫وقد يزعم زاعمون أنهم من مغراوة ومواطنهم متصلة قبلة المغرب‬
‫األقصى واألوسط وراء العرق المحيط بعمرانها المذكور قبل واختطوا في‬
‫المواطن القصور واألطم واتخذوا بها الجنات والنخيل واألعناب وسائر‬
‫الفواكه فمنها على ثالثة مراحل قبلة سجلماسة ويسمى وطن توات))(‪ ،)1‬وقد‬
‫وقع هذا االختطاطـ قبل اإلسالم على ما ذكر الشيخ محمد بن عبد الكريم‬
‫بكراوي ((أن بعض البدو من البربر كانت تنزل هذا القطر بخيام من‬
‫الشعر قبل اإلسالم وتجول في أطرافه بقصد رعي مواشيهم وربما سكن‬
‫البعض وبنى بناء خفيفا يسكنهـ وقت المقام ويتركه وقت الظعن وفي هذا‬
‫الوقت كان بعض قصور توات مثل تمنطيطـ وما ضهاها))(‪.)2‬‬
‫وقد تعددت قبائل البرابر باإلقليم كما قال ابن خلدون‪(( :‬ومن قبائلـ‬
‫مطغرة أيضا بصحراء المغرب كثيـرون نزلوا بقصورها واغترسوا شجرة‬
‫النخل على طريقة العرب فمنهم بتوات قبلة سجلماسة إلى تمنطيط آخر‬
‫عملها قوم كثيـرون موطنون مع غيرهم من أصناف البربر))(‪ ،)3‬فالبربر‬
‫من قبائلـ زناتة هم أول من نزلوا بالمنطقة واختطوط أمصارها وبرطانتهمـ‬
‫تسمت القصور وبقي ذالك شاهدا على عمارتهم ومساكنهم لهذا العهد‬
‫بتكورارين فما تزال سكناهم بقصورها ولغتهم غالبة‪،‬ـ كما يوجد بتيديكلت‬
‫بعضٌ من قبائلـ الطوارق المنتمينـ إلى صنهاجة البربر‪.‬‬

‫(?) عبد الرحمان بن خلدون ديوان المبتدأـ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر ومن‬ ‫‪1‬‬

‫عاصرهم من ذوي السلطان األكــبر ضــبط خليل شــحاذة دار الفكر بــيروت الطبعة الثانية‬
‫سنة ‪.)7/76( 2001‬‬
‫(?) محمد بن عبد الكريم بكراوي درة األقالم في أخبــار المغــرب بعد اإلســالم مخطــوط‬ ‫‪2‬‬

‫بخزانة الشيخ محمد باي بلعالم أولف (الورقة ‪/03‬ظهر)‪.‬‬


‫(?) عبد الرحمان بن خلدون المصدر السابق (‪.)6/158‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 291‬ـ‬
‫العرب‪ :‬توافدت العرب على إقليم توات منذ أن وطأت أقدامهم‬
‫المغرب العربي في فترات متفاوتة ومن أنساب متعددة فمنهم الشرفاء‬
‫المنتمون إلى الدوحة النبويةـ فقد وردوا على البالد فرادى وجماعاتـ منهم‬
‫من يرجع إلى األصل اإلدريسي ومنهم من يرجع إلى األصل العلوي(‪،)1‬‬
‫ومن العرب من يرجع نسبهـ إلى أصول بعض الصحابة كالبوبكريينـ يرجع‬
‫نسبهم إلى الصحابي أبي بكر الصديق وهم من ذرية الشيخ عبد القادر ابن‬
‫محمد دفين األبيض سيد الشيخ مواطنهم بعينـ صالح من تيديكلت(‪ )2‬ومنهم‬
‫فروع بتكورارين‪ ،‬وممن يرجع نسبهـ إلى الصحابة العثمانيونـ يرجع نسبهم‬
‫(‪)3‬‬
‫إلى الصحابي عثمان بن عفان متواجدون بتنيالنـ وفروعهم بالمهدية‬
‫ومنهم ببودة‪ ،‬وممن يرجع نسبهم إلى الصحابة المرابطون أبناء علي بن‬
‫أبي طالب من غير فاطمة الزهراء كأبناء محمد بن الحنفية بتيديكلتـ‬
‫وغيرهم ومنهم الجعافرة الذين يرجع نسبهم إلى الصحابي جعفر بن أبي‬
‫طالب وفد على توات من نسله أخوان ((األول منهما ع ّمر في قصر‬
‫بوحامد والثاني ع ّمر في قصر بودة ومن هذين الرجلين توزعت العائلةـ‬
‫الجعفرية بين قصور توات))(‪.)4‬‬
‫وممن يرجع نسبهـ إلى الصحابة األنصار بقصر زاجلو وفروعهم‬
‫بأنزجمير من ذرية الصحابي أبي أيوب األنصاري(‪ ،)5‬وبتوات ذرية‬

‫(?) أنظر أحمد أبا الصافي جعفــري من تــاريخ تــوات أبحــاث في الــتراث مكتبة النهضة‬ ‫‪1‬‬

‫المصرية القاهرة الطبعة األولى سنة ‪ 2009‬ص ‪ 35‬وما بعدها‬


‫(?) أنظر موالي أحمد الطاهري نسيم النفحات من أخبار تــوات ومن بها من الصــالحين‬ ‫‪2‬‬

‫والعلماء الثقات تحقيق وتعليق موالي عبد هللا الطاهري تحت الطبع ص‪.11‬‬
‫(?) أنظر محمد عبد العزيز ســيد عمر كتــاب قطف الزهــرات من أخبــار علمــاء تــوات‬ ‫‪3‬‬

‫مطبعة دار هومة الجزائر الطبعة الثانية سنة ‪ 2002‬ص ‪.09‬‬


‫(?) أحمد أبا صافي جعفري رجال في الذاكرة الشيخ سيدي محمد بن المبروك البــداوي‬ ‫‪4‬‬

‫الجعفري حياته وشعره منشورات الحضارة الجزائر الطبعة األولى سنة ‪ 2009‬ص ‪.11‬‬
‫(?) أنظر موالي أحمد الطاهري المصدر السابق ص‪.45‬‬ ‫‪5‬‬

‫ــ ‪ 292‬ـ‬
‫الصحابي عقبة بن نافع ممثلين في قبيلة كنتةـ التي وفد جدهم عثمانـ بن‬
‫دومان إلى توات ومنه نسلهم في كامل الصحراء(‪.)1‬‬
‫هذا‪ ،‬ومن العرب قبائلـ الفالّن المتواجدة بتيديكلت وقد اختلف في‬
‫نسبهم فقيل من ذرية أبي بكر الصديق وقيل من ذرية عمر بن الخطاب‬
‫وقيل من ذرية عقبة بن عامر وقيل عرب حميريون من أهل اليمن(‪ ،)2‬ثم‬
‫إن أغلب القبائل العربيةـ المتواجدة باإلقليم من غير من ذكرنا هم من عرب‬
‫المعقل قال ابن خلدون في معرض الحديث عن عرب المعقل ((فأما ذوي‬
‫عبيد هللا فهم المجاورون لبني عامر بن زغبة من سلطان بني عبد الواد‬
‫من زناتةـ فمواطنهم من بين تلمسان إلى وجدة إلى مصب وادي ملوية في‬
‫البحر ومنبعث وادي صا مـن القبلة وتنتهي رحلتهم في القفار إلى قصـور‬
‫توات وتمنطـيط وربما عاجـوا إلى ذات الشمال إلى تسابيت وتكورارين))‬

‫(‪ ،)3‬وقـد ذكـر الشيخ محمد بن عبد الكـريم بكـراوي أسماء القبائل العـربيةـ‬
‫الوافـدة على تـوات وتواريخ دخولهم في كتابهـ درة األقالم(‪.)4‬‬
‫الفرس‪ :‬ويمثلهم البرامكة المتواجدون بتيديكلت الذين جاؤا إلى‬
‫اإلقليم سنة ‪656‬هـ بعد نكبةـ هارون الرشيد معهم(‪.)5‬‬
‫الزنوج‪ :‬وهم العنصر اإلفريقي الزنجي الذي قد يكون هو األقدم‬
‫بالمنطقة‪ ،‬ومن هذا العنصر العبيد الذين كانوا يجلبـون مـن بلدان السـودان‬
‫الغربي ((كبـالد برنـوا وعفنوا وكنوا وكوغوا وكشن ونحوها))(‪ ،)6‬فقدومهم إلى‬

‫(?) أنظر بــول مــارتي كنتة الشـرقيون تعـريب وتعليق محمد محمـود ولد و ّدادي مطبعة‬ ‫‪1‬‬

‫زيد بن ثابت دمشق بدون تاريخ ص‪.19‬‬


‫(?) أنظر محمد باي بلعالم قبيلة فالن بين الماضي والحاضر وما لها من العلوم والمعرفة‬ ‫‪2‬‬

‫والمآثر مطبعة دار هومة الجزائر الطبعة األولى سنة ‪ 2004‬ص ‪.05‬‬
‫(?) عبد الرحمان ابن خلدون المصدر السابق (‪.)6/80‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أنظر محمد بن عبد الكريم بكراوي المصدر السابق (الورقة ‪/04‬وجه)‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) أنظر المصدر السابق (الورقة ‪/04‬وجه)‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) سعيد بن إبراهيم قــدورة رسـالة اســتفاء إلى علمــاء الســودان بــذيل معــراج الصــعود‬ ‫‪6‬‬

‫ألحمد بابا التمبكـــتي تحقيق وترجمة فاطمة الحـــراف وجـــون هانويك منشـــورات معهدـ‬
‫الدراسات اإلفريقية مطبعة المعارف الجديدة الرباط الطبعة األولى سنة ‪ 2000‬ص ‪.43‬‬
‫ــ ‪ 293‬ـ‬
‫توات كان في فترات متعاقبة لم يشكلوا بنية َق َب ِل َية لعدم رجوعهم إلى أصل‬
‫نسبي واحد‪.‬‬
‫هذه العناصر البشرية التي تتكون منها تركيبة سكان إقليم توات‬
‫كباقي المدن والحواضر المغاربية من أصول بربرية وعربية تتخللها‬
‫بعض العناصر الفارسية أو الرومانيةـ أو التركيةـ أو الزنجية أو غير ذالك‬
‫مما كانتـ تربطه بإقليم من األقاليم المغاربيةـ عالقة ينتجـ عنها استقرار‬
‫أفراد من ذالك العنصر باإلقليم‪ ،‬ولئن كانتـ هذه العناصر من أصول‬
‫مختلفة إال أن ((اإلسالم ساهم في االنصهار والتعايشـ بين هذه األعراق‬
‫التي تدين كلها باإلسالم وتتبع المذهب المالكي‪....‬ـ ولكون العربية هي لغة‬
‫القرآن أصبحت لغة الجميع))(‪.)1‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬إسهامات علماء توات في مجال النوازل‬
‫لقد أدرك علماء المنطقة العالقة الوطيدة بين علم الفقه وعلم الفتاوى‬
‫وعلموا أن األول يجسد نشاط الفقيه وحيويته نظرياـ وعلى صعيد التأصيل‬
‫والتقعيد واالستنباطـ وأن العلم الثاني يجسد تفاعلـ علم الفقيه مع الواقع لينتج‬
‫حلوال وفق ضوابط الشريعة للمشاكل اليومية في المجتمع ويتقرر بذالك‬
‫أوصاف الاستمرايةـ والمرونة والشمولية والصالحية لكل زمان ومكان‬
‫للشريعة اإلسالمية فهي تتماشىـ حسب القضايا وظروف األشخاص‬
‫بمراعاة القرائن واألحوال‪ ،‬ولم يتوقف فقهاء توات عند حد اإلدراك بل‬
‫تعداه لتسجيل الـقـضايا والمسائلـ مع الحلول المقترحة من طرف من تأهلوا‬
‫إليجادها فنتج عن ذالك ثروة من كتب النوازل نذكر بعضا منها كنماذج‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ األجوبة ‪ :‬للشيخ سيدي عمر بن عبد القادر أبو حفص التنيالني (ت‬
‫‪1152‬هـ) وهو كتابـ جمع فيه كاتبهـ أجوبة للشيخ عمر بن عبد القادر التنيالنيـ‬
‫وفتاوى بعض تالميذه كالشيخ عبد الرحمان بن عمر التنيالني ولم يرتبه‬
‫ترتيباـ معيناـ بل جاءت فتاويه مسرودة‪ ،‬توجد منه نسخة مخطوطة بخزانة بن‬
‫عبد الكبير بالمطارفةـ ونسخة بخزانة بلوليد بقصر باعبدـ هللا بتمي ونسخة‬
‫بخزانة الشيخ محمد باي بلعالم بأولف‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تحلية القرطاس بالكالم على مسألة تضمين الخماس‪ :‬للشيخ‬
‫العالمة سيدي محمد بن أب بن أحمد ويقال احميد بالتصغير بن عثمان بن‬
‫(?) عبد المجيد قدي المرجع السابق ص ‪.33‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 294‬ـ‬
‫أبي بكر الزموري (ت‪1160‬هـ) وهي رسالة صغيرة أجاب فيها مؤلفها عن‬
‫رسالة وردت إليه من الشيخ عمر بن مصطفى الرقادي الكنتي حول استغالل‬
‫خماميس بالد توات لمحاصيل التمر حتى ينقص قدره بعد الجني عن القدر‬
‫الذي حدده الخارص العارف هل يعتبرـ من التفريط الموجب للضمان أم ال؟‬
‫وقد شحن الجواب باألدلة النقليةـ والعقلية مستعمال القواعد الفقهية واألصولية‬
‫ومقاصد الشريعة بشكل ملفت لالنتباه‪ ،‬وتوجد من هذه الرسالة نسخة‬
‫مخطوطة بخزانة بن عبد الكبير بالمطارفةـ ونسخة بخزانة بالوليد بقصر‬
‫باعبد هللا بتميـ ونسخة بخزانة الحاج أحمد الشيخ األنصاري بأنزجمير‬
‫ونسخة حديثة بخزانة البلباليينـ بكوسام‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ رسالة المغارم‪ :‬للشيخ سيدي عبد الرحمان بن إبراهيم أبو زيد‬
‫الجنتوري (ت‪1160‬هـ)و هي رسالة صغيرة الحجم أجاب فيها مؤلفها أحد‬
‫قضاة قورارة عن حكم ما أخذه الناس أثناء حكم سلطان ظالم وبأمره تنكيال‬
‫بالهاربينـ من حكمه ثم لما أنعم هللا على أهل البالد باالنفكاك عن سلطانه‬
‫رجع الهاربون وطالبوا باسترجاع أموالهم فاختلف الفقهاء وتحير القضاة‬
‫فأجاب الجنتوري في هذه الرسالة التي ق ّدم بين يدي المقصود فيها مقدمة في‬
‫شروط المفتي والقاضي وأحكام الفتوى والقضاء ثم المقصود في فصلين‬
‫األول في أصول الملكية في الشريعة وأسبابـ انتقالهاـ والفصل الثاني في‬
‫إبطال المغارم رأسا‪ ،‬وقد شحذ المصنف رسالته بنصوص األصوليين‬
‫والقواعد الفقهية والمقاصدية واعتمد على ابن عرفة ومختصر الشيخ خليل‬
‫والنوازل المازونية ونوازل البرزلي وأحيانا ينقل عن الزرقاني والتتائي‪،‬ـ‬
‫وتوجد من هذا المخطوط نسخة بخزانة البلباليينـ بكوسام‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ نوازل الجنتوري‪ :‬للشيخ العالمة سيدي عبد الرحمن بن إبراهيم‬
‫الجنتوري (ت‪1160‬هـ) جمعها تلميذه الشيخ القاضي سيدي محمد بن أحمد بن‬
‫عبد العزيز بن محمد بن علي المسعدي الجوراري حيث قصد هذا األخير‬
‫إلى جمع ما وقف عليه من أجوبة شيخه وكان أوال جمعها من غير ترتيب ثم‬
‫إن بعض من رآها طلب منه ترتيبها فقام بذالك مقدما باب الشهادات والقضاء‬
‫ثم أبواب البيوع وما شاكلها ثم أبواب األنكحة ثم مسائل األحباس ولم أقف‬
‫على نسخة كاملة وتامة للكتاب ليتبن كل أبوابها‪ ،‬والكتاب يتضمن أجوبة‬
‫الفقيه المذكور ومراسالته العلمية وآراؤه الفقهية فقد كان كثير االعتراض‬
‫على قضاة وقته مخالفا لما لم يقوى دليله في المذهب له اختيارات تدل على‬
‫سعة علمه ورسوخ قدمه مشحوذة أجوبتهـ باألدلة الفرعية واألصلية‪،‬ـ وتوجد‬
‫من هذا المخطوط نسخة قريبة من التمام بخزانة بدريان بتميمون‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ نوازل الزجالوي‪ :‬للشيخ العالمة سيدي محمد بن امحمد العالم‬
‫الزجالوي (ت‪1212‬هـ) ونوازله هذه جمع فيها أجوبة والده العالمة سيدي‬

‫ــ ‪ 295‬ـ‬
‫امحمد بن احميد الزجالوي وضم إليها أجوبة الشيخ عمر بن عبد القادر‬
‫التنيالنيـ وكان معاصرا لوالده ولم يغفل أجوبة شيخه سيدي عبد الرحمن بن‬
‫عمر التنيالني‪ ،‬والكتابـ ضخم بوبه على نسق كتب الفقه مقدما مسائل‬
‫التوحيد ثم الطهارة فالصالة ثم الزكاة فالذكاة واألضاحي والعقيقةـ ثم أبواب‬
‫النكاح والطالق وبعدها أبواب البيوع والربا والسلم والصلح والضمان‬
‫والوديعة والشركة والغصب والجعل والمساقاة وإحياء الموات ثم أبواب‬
‫األحباس والهباتـ والصدقات ثم مسائل الشهادات والقضاء وتوجد من هذا‬
‫المخطوط نسخ متعددة بخزائن المنطقةـ من أجودها نسختين بخزانة بن عبد‬
‫الكبير بالمطارفةـ تامتين واضحتين‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ إفهام المقتبس بثبوت التحبيس بخط المحبس‪ :‬للشيخ العالمة‬
‫سيدي محمد بن الشيخ العالمة سيدي عبد الرحمن بن عمر التنيالني (ت‬
‫‪1233‬هـ) وهي رسالة صغيرة أجاب فيها مؤلفها عمن حبس على أوالده حبسا‬
‫قيده بخطه وأشهد على ذالك رجال واحد ثم لما مات قام بعض الورثة ببيع‬
‫جزء من الحبس وكان شاهد الحبس أحد شهود البيع فاختلف علماء توات في‬
‫ثبوت التحبيس بمجرد خط المحبس فجاءت هذه الرسالة إلثبات ذالك في‬
‫أربعة فصول األول في صحة إقرار المقر في الصحة سواء كان لوارث أو‬
‫غيره والفصل الثانيـ في أن الخط إقرار وشهادة على صاحبه والفصل الثالث‬
‫في أن إشهاد المحبس ونحوه على نفسه بالتحبيسـ في الصحة ال يعد توليجا‬
‫والفصل الرابع في بيان إن اإلشهاد للغير ال يحتاج إليه المحبس الذي أشهد‬
‫نفسه على تحبيسه‪ ،‬وقد شحذ المصنف رسالته بنصوص علماء المذهب من‬
‫قول مالك وأصحابهـ إلى المتأخرين كالزرقاني والبنانيـ والتتائيـ بشكل منقطع‬
‫النظير تتجلى فيه ملكة الفقيه في استنطاق النصوص والتخريج منها ولم يغفل‬
‫المصنف الحجج العقلية والقواعد األصولية والفقهية فلم يترك متكأ يمكن‬
‫االعتماد عليه إال وجاء به‪ ،‬والرسالة مخطوطة توجد منها نسخة بخزانة شيخ‬
‫شيوخنا سيدي الحاج أحمد الشيخ األنصاري بأنزجمير ونسخة أخرى بخزانة‬
‫موالي سليمان بن علي بأدغاغ‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ رفع الحجاب وكشف النقاب عن تلبيس الملبس في ثبوت‬
‫التحبيس بخط المحبس‪ :‬للشيخ سيدي محمد بن عبد الرحمن بن عمر‬
‫التنيالنيـ (ت‪1233‬هـ) وهي رسالة مختصرة عن الرسالة التي قبلها وذالك أن‬
‫الشيخ ~ لما ألف رسالته إفهام المقتبس السابقة الذكر استحسنها البعض‬
‫واستطالهاـ البعض لكون المصنف أوعب فيها النصوص وأكثر من االستدالل‬
‫فحذا به ذالك إلى اختصارها في فصلين فقط األول في بيان أن إقرار المقر‬
‫في صحته ولو لوارث معمول به وأن الخط الثابتـ إقرار من صاحبه وأخذه‬
‫به صحيح غير معلول والفصل الثانيـ في ذكر الشبه التي اعتمد عليها من‬
‫أفتى بعدم ثبوت التحبيس بخط المحبس‪ ،‬وتوجد منها نسخة بخزانة الحاج‬

‫ــ ‪ 296‬ـ‬
‫أحمد الشيخ األنصاري بأنزجمير ونسخة بخزانة موالي سليمان بن علي‬
‫بأدغاغ‬
‫‪ 8‬ــ أجوبة محققة النقول مهذبة الفصول‪ :‬تأليف الشيخ محمد بن‬
‫عبد الرحمان بن عمر التنيالني (ت‪1233‬هـ) وهو كتاب جمع فيه مؤلفه ما‬
‫وقف عليه من أجوبة محققة النقول مهذبة الفصول لبعض فقهاء بالد توات‬
‫وكانت متفرقة في األماكن المختلفة خوف الضياع عليها وعدم االنتفاع‬
‫بها لما فيها من العلوم العزيزة واألبحاث الغريبة كما قال(‪ ،)1‬ولم يلتزم‬
‫المؤلف منهجا معينا في ترتيبها وتقسيمها على الرغم من اشتماله على‬
‫مسائل من أبــواب الفقه المختلفة‪ ،‬توجد قطعة مخطوطة منه بخزانة بني‬
‫تامر وقطعة مخطوطة بخزانة الشيخ محمد باي بلعالم‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ مسائل التمنطيطي ‪ :‬للشيخ العالمة األصولي المحقق سيدي عبد هللا‬
‫بن أبي مدين التمنطيطي (ت‪1231‬هـ) وهو كتاب صغير الحجم جمع فيه‬
‫أجوبة شيخه سيدي محمد بن عبد الرحمن التنيالني وأدرج فيها بعض أجوبة‬
‫شيخيه سيدي محمد بن العالم الزجالوي وسيد الحاج البلبالي ومن تقدمهم‬
‫بقليل واختار من أجوبتهم النوازل التي لم يقع النص فيها أو وقع ولم يطلع‬
‫عليه إال المتمرس من الفقهاء وبقي مجموعه في أوراق متفرقة ومسائله‬
‫مشتتة حتى قيــض هللا لها الشيخ محمد بن أحمد بن سيد المحضي بن عبد‬
‫الكريم ابن البكري فجمع األوراق ورتب المسائل فجاء كتاباـ مستقال‪ ،‬ابتدأ‬
‫بمسائل الطهارة والصالة والزكاة والنكاح ثم مسائل البيوع وما شاكلها من‬
‫بيع فاسد وسلم ثم مسائل الضمان والحجر والوديعة والصلح واإلقرار‬
‫والمساقاة والقسمة والشفعة والضرر‪ ،‬وتوجد من هذا المخطوط نسخة بخزانة‬
‫الحاج أحمد الشيخ األنصاري بأنزجمير ونسخة بخزانة البكريين بتمنطيط‪.‬ـ‬
‫‪ 10‬ـ غنية المقتصد السائل فيما وقع في توات من القضايا‬
‫والمسائل‪ ، :‬وهذا الكتاب ابتدأ جمعه الشيخ محمد بن عبد الرحمان البلبالي‬
‫الشهير بسيد الحاج البلبالي (ت‪1244‬هـ) وأتم جمعه ابنهـ القاضي الشيخ عبد‬
‫العزيز البلبالي (ت ‪1261‬هـ) وهو الذي أطلق عليه هذا االسم‪ ،‬أما بداية جمعه‬
‫فإنه لما ولي الشيخ سيد الحاج البلباليـ القضاء بعد الشيخ عبد الحق البكري‬

‫(?) محمد بن عبد الرحمان التنيالني أجوبة محققة النقول مهذبة الفصول مخطوط خزانة‬ ‫‪1‬‬

‫بني تامر (الورقة ‪/01‬وجه)‪.‬‬


‫ــ ‪ 297‬ـ‬
‫(ت‪1210‬هـ) أحذ سجالت مشاوراته وما فيها من إجابات العلماء وفتاويهم ثم‬
‫صار يضم إليها كل ما وقف عليه من أجوبة لعلماء المنطقة‪،‬ـ ولما مات‬
‫واصل ابنهـ الشيخ عبد العزيز البلباليـ جمع ما يقف عليه من فتاوى علماء‬
‫المنطقة وأجوبتهم ثم إن تلميذينـ من تلميذيهما قاما بترتيبـ المجموع‬
‫األول‪ :‬الشيخ أحمد الحبيب البلبالي وترتيبه على أسلوب المختصر‬
‫الخليلي ليسهل لقط دررها من أماكنها على قصير الباع من ليس له اعتناء‬
‫بالنظر واإلطالع وقد أضاف إليه مقدمة ترجم فيها للشيخ سيد الحاج البلباليـ‬
‫وولده الشيخ عبد العزيز البلباليـ وجاء ترتيبه على النحو التالي‪:‬ـ ((جامع القول‬
‫في االعتقادات ونبذ من طريف الحكايات‪،‬ـ مسائلـ الطهارة والصالة وسائر‬
‫العبادات‪ ،‬الزكاة والصيام‪ ،‬األيمان باهلل وبالطالق وغيره والنذور‪ ،‬النكاح‬
‫وتوابعه‪ ،‬الطالق الخلعي‪ ،‬الطالق وما يتعلق به‪ ،‬اإليالء‪ ،‬المفقود‪ ،‬العدة‪،‬‬
‫النفقات‪ ،‬الحضانة‪،‬ـ البيوع وما شاكلها من إلقالة وحوالة وتصيير وفساد‬
‫وعيب‪ ،‬بيع الفضول‪ ،‬التوليج‪ ،‬القرض‪ ،‬السلم‪ ،‬الرهن‪ ،‬الصلح‪ ،‬الضمان‬
‫وااللتزام‪ ،‬المديان‪،‬ـ الحجر‪ ،‬الموارات‪ ،‬مسائل الشركة‪ ،‬الضرر‪ ،‬الوديعة‪،‬ـ‬
‫العارية واإلرفاق والبضائع‪،‬ـ الوكالة‪ ،‬اإلقرار واإلبراء‪ ،‬الغصب وسائر‬
‫العدا‪ ،‬االستحقاق‪ ،‬الشفعة‪ ،‬القسمة‪ ،‬القراض‪ ،‬المساقاة والمزارعة‪ ،‬اإلجارة‬
‫واألكرية وما ضاربها‪ ،‬الجعالة‪ ،‬موات األرض وما جهل أربابه‪،‬ـ الحبس‬
‫وسائر العطايا‪،‬ـ القضاء والشهادات‪ ،‬الدعاوي واأليمان‪،‬ـ الحيازات‪ ،‬الحرابة‬
‫والدماء وما يشملها والردة والسرقة والزنا‪ ،‬العتق‪ ،‬الوصايا واألوصياء‪،‬‬
‫المواريث والفرائض))‪.‬‬
‫وهذا الكتاب توجد منه نسخة مخطوطة بخزانة البلباليينـ بكوسام‬
‫ونسخة بخزانة بن عبد الكبير بالمطارفة ونسخة بخزانة البكريينـ بتمنطيط‪.‬‬
‫الثاني الشيخ محمد بن أحمد البداوي البكري وترتيبهـ على خالف‬
‫ترتيب الشيخ أحمد الحبيب البلبالي فإنه بدأ بمسائلـ النكاح وتوابعه من‬
‫الطالق والخلع والرضاع وما ضاهى ذالك من النفقات والعدة والمفقود‬
‫والحضانة ثم نوازل البيوع وما شاكلها من سلم ومساقاة وأكرية وإجارة‬
‫وجعل وتوليج وتصيير وبيع فاسد وحوالة ومغارسة ثم نوازل المديان‬
‫والحجر واألوصياء والوصيا والضمان والرهن ثم نوازل القسمة والشركة‬
‫والضرر ووجوهه والشفعة والمدارات ثم نوازل الوكالة واإلقرار والصلح‬
‫والمواريث واإلبراء واالستلزام ثم نوازل الوديعة والعاريةـ واإلرفاقات ونحو‬
‫ذالك من إحياء الموات وقرض وقراض وبيع صاحب المواريث لألرض‬
‫العامرة وما جهل أربابهـ ثم نوازل الحبس وسائر العطايا ثم نوازل القضاء‬
‫والشهادة ثم نوازل االستحقاق والغصب وسائر العدا وبيع الفضولي ومعها‬
‫نوازل الدعاوي واأليمان وفيه من وهب هبة وادعى الواهب أنه قصد إعانةـ‬
‫ــ ‪ 298‬ـ‬
‫الموهوب له في خصام والحيازة ثم نوازل الحرابة والدماء وما يشملها‬
‫والردة والسرقة والزنا والفرائض والمفقود ثم نوازل األيمان باهلل وبالطالق‬
‫وغيره والنذور ثم نوازل العتق ثم نوازل الصالة والصيام والزكاة والذكاة‬
‫والضحايا وسائر العبادات ومعه جامع في القول واالعتقادات ونبذ من‬
‫طريف الحكاياتـ وتوجد نسخة مخطوطة بخزانة األنصار بأنزجمير ونسخة‬
‫بخزانة الشيخ محمد باي بلعالم ونسخة بخزانة البكريينـ بتمنطيط‪.‬‬
‫‪ 11‬ـ غاية األماني في أجوبة أبي زيد التنيالني‪ :‬تأليف الشيخ محمد‬
‫عبد الكريم بن محمد بن عبد المالك البلباليـ (ت‪1288‬هـ) جمع فيه مؤلفه‬
‫أجوبة الشيخين سيدي عبد الرحمان بن عمر التنيالنيـ وابنه العالمة سيدي‬
‫محمد وقد أكثر من المراسالت التي جرت بينهما أو بين احدهما وبين أحد‬
‫علماء المناطق األخرى كفاس وسجلماسة وتفياللت وضم غليها أجوبة‬
‫غيرهم من أعيان علماء البالد التواتية والكتابـ مخطوط توجد منه قطع‬
‫متناثرة في الخزائن الخاصة فال تكاد تجد نسخة كاملة بخزانة واحدة مما‬
‫أحال تحديد تراجم أبوبه والقطع التي وقفت عليها توضح أنه رتب أبوابه‬
‫على نسق ترتيب أبواب مختصر خليل فمنها نوازل العبادات ونوازل‬
‫البيوع وما شاكلها ونوازل القرض والسلم والقراض والوكالة ثم نوازل‬
‫الرهن والمديان والحجر والضمان والصلح والوكالة ثم نوازل الشركة‬
‫والوديعة والغصب واالستحقاق والقسمة ثم نوازل األكرية واإلجارة وختمه‬
‫بنوازل كتاب جامع‪ ،‬والقطع المتوفرة توجد في خزائن مختلفة منها‪ :‬خزانة‬
‫بني تامر وقطعة مخطوطة بخزانة القصيبة أنزجمير وقطعة مخطوطة‬
‫بخزانة أدغا‪.‬‬
‫‪12‬ـ الجواهر اللئالي من فتاوى الشيخ عبد الكريم البلبالي‪ :‬تأليفـ‬
‫الشيخ محمد عبد العزيز بن علي المهداوي الشهير بالشيخـ عبد العزيز سيد‬
‫عمر (ت‪1429‬هـ) جمع فيه مؤلفه أجوبة شيخه العالمة عبد الكريم البلبالي‬
‫وربما زاد إليه أجوبة غيره كالشيخ عبد هللا البلبالي والشيخ محمد بن أحمد‬
‫الحبيب البلباليـ وغيرهم وسماه الجواهر اللئالي من فتاوى الشيخ سيدي عبد‬
‫الكريم البلبالي‪ ،‬وبدأ بمسائل الطهارة وما يتعلق بها‪ ،‬ففمسائل الصالة‪،‬‬
‫فمسائل الجنائز‪ ،‬فمسائل الزكاة‪ ،‬فمسائل الصيام‪ ،‬فمسائل النكاح والطالق‬

‫ــ ‪ 299‬ـ‬
‫واللعان‪ ،‬فمسائل األحباس‪ ،‬فمسائل البيوع والربويات والشركة والقراض‪،‬‬
‫فمسائل اإلجارة واألكرية‪ ،‬فمسائل المواريث‪ ،‬ثم ذيله بمسائل متنوعة من‬
‫فتاوى كاتبه الشيخ عبد العزيز سيد عمر‪ ،‬والكتاب مطبوع متداول‪.‬‬
‫كانتـ هذه بعض النماذج عن إسهاماتـ علماء توات في مجال النوازل‬
‫الفقهية‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الفكر الصوفي عند علماء توات‬
‫المطلب األول‪ :‬فلسفة التصوف عند علماء توات‬
‫لقد أدرك علماؤنا أن هللا سبحانه وتعالى أنزل شرائعه‬
‫لتقويم أفعال اإلنسان باعتبارها الوصف الظاهر منه والشيء‬
‫الملموس في حياته والنفوس مجبولة على تصديق المحسوس‬
‫دون شك فيه أو ريب‪ ،‬كما أدركوا أن هذه الجسد الذي يقوم‬
‫باألفعال المتعلقة بها شرائع هللا خلفه قوة دافعة تحركه في‬
‫االتجاه الذي تريده ونحو المسلك الذي تختاره تلك هي روحه‬
‫كما قال الشاعر‪:‬‬
‫تعبتـ في مرادها األجساد‬ ‫وإذا كانت النفوس كبارا‬

‫و قول البوصيري‪:‬‬
‫نشطت في مرادها األعضاء‬ ‫وإذا حلت الهداية قلبا‬

‫غير أن تلك الروح لما غادرت موطنها األصلي ومنبت أصلها حضرة‬
‫َت صفات كمالها وصدق رؤيتها وابتليتـ‬ ‫قدس ربها ﮋﯮ ﯯ ﯰ ﯱﮊ(‪ ،)1‬فَقَد ْ‬
‫بحجب النفس والهوى عن موارد الحق فغدت تفسر الحقائق على غير ما هي‬
‫عليه فاحتيج إلى تقويم أداة الفكر لتسير في الطريق السليم إلعطاء الحقائق‬
‫معانيهاـ واألداة هي العقل‪ ،‬وهنا تظهر لنا مكانةـ التصوف في فلسفة العلوم‬
‫اإلسالمية عند علمائناـ أنه أحد العلوم المقاصد الثالثةـ علم التوحيد المتكفل‬
‫بتقويم الفكر وعلم الفقه المتكفلـ بتهذيبـ السلوك واألفعال وعلم التصوف‬
‫المتكفل بتزكيةـ النفس وتربية الروح وقد أشار النبي × إلى هذه العلوم الثالثة‬
‫وأنها المقاصد في حديث جبريل وسؤاله عن اإليمان واإلسالم واإلحسان‬

‫(?) سورة الحجر‪.29/‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 300‬ـ‬
‫ألجل ذالك نجد الشيخ سيدي البكري بن عبد الرحمان التنيالني نظم قصيدة‬
‫في ضمنها مبادئ هذه العلوم الثالثة فقال‪:‬‬
‫أولـيات مـن فـنـون العلم‬ ‫وبـعد فالقصـد بهـذا النظم‬
‫ثالثـةـ مـن خير أنواع الفهوم‬ ‫أرجوزة قد شملت مـن العلوم‬
‫ثـم التصـوف الشريف الوجه‬ ‫أولهـا التوحيـد ثـم الفقه‬

‫هذا عن مكانة التصوف في منظومة العلوم اإلسالمية‪ ،‬أما عن محتواه‬


‫فإنه لما كانتـ‬
‫غاية الروح ومناهاـ رجوعها إلى موطنهاـ األصلي حضرة قدس ربها‬
‫بعد أن فارقته إلى علبةـ الجسد الفاني كان لزاما عليها أن تعقد العزم على‬
‫السفر إلى تلك الحضرة بإخالص النية وصدق الطوية وذالك هو أن أول‬
‫كالمهم على التوبة ثم تختار الطريق التي تساعدهاـ على تحقيق مسعاها‬
‫وذالك قولهم مدارج السالكين ومسالك السائرين‪،‬ـ كما عليها أن تنتخب‬
‫المركب المساعد وذالك حديثهم عن التقوى بامتثال المأمورات واجتناب‬
‫المنهياتـ وفيه أبواب األوامر والنواهي وعليها البحث عن السائــــق الخـبـيـر‬
‫بالطــــــريق وذالك هــــو الشيـــــخ السالك يقـــول الشيـــــخ سيــدي البكري‬
‫ابن عبد الرحمان التنيالني‪:‬‬
‫قد عرف الطــرق والمسالك‬ ‫ال بــد من صحبة شيخ سالك‬
‫وقطع األغـوار واالنجــادا‬ ‫وعــرف األوعـار واألوهادا‬
‫وعرف السباسـب المقصـودة‬ ‫وعرف المناهــل المـورودة‬
‫َّض فيها فاتـك ذو ربــض‬
‫َرب َ‬ ‫وعـقبـــاتهــا وأي أرض‬

‫ولما كان طريق السفر طويال قد يحدث للمسافر الملل لبعد الشقة‬
‫وكثرة المشقة كان لزاما عليه أن يجد السير ويحزم األمر وذالك كالمهم عن‬
‫المجاهدة وعليه أن يراعي الممهالت لتقليلـ سرعة السير عندها وتلك هي‬
‫الخواطر والبد أن يعرف مواطن االستراحات ليجدد السائر نشاطهـ ويعلي‬
‫همته وتلك هي المقامات وعليه أن ينظر في اإلشارات بدقة وحذر حتى ال‬
‫يغتر وتلك هي الكرامات والواردات فهذه هي أهم مواضيع التصوف‬
‫ومحتواه في شكل تقريبي‪.‬‬
‫أما عن أشهر الطرق الصوفية المتواجدة بتوات فهـي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الطريقة القادرية‬
‫ــ ‪ 301‬ـ‬
‫يرجع تأسيسهاـ إلى الشيخ أبي محمد محي الدين عبد القادر بن عبد هللا‬
‫الملقب بالجيالنيـ دفين بغداد‪.‬‬
‫والمشهور أن دخول هذه الطريقة إلى توات كان على يد الشيخ العالمة‬
‫سيدي محمد بن عبد الكريم المغيلي حوالي ق‪9‬هـ‪15/‬م حيث أسس زاويته‬
‫على حسب بعض المصادر سنة ‪885‬هـ ‪1480/‬م ولما عرف به من شدة وحزم‬
‫في إحقاق الحق وإبطالـ الباطلـ فحارب اليهود وأجالهم من توات ثم خروجه‬
‫إلى السودان الغربي برسم الدعوة إلى هللا ونشر تعاليمـ اإلسالم وهناك أخذ‬
‫العلم عنه جمع من التالميذ الحذاق الذين التزموا أفكاره ومنهجه وطريقته‬
‫وكان ممن صحبه إلى الحج وتوات الشيخ العالمة سيدي عمر الشيخ الكنتي‬
‫الذي أخذ عنه سر العلوم الظاهرة والباطنة وورث عنه األسرار الحسية‬
‫والمعنويةـ وبطريقتهـ التزم شيوخ آل الكنتي على رفعة قدرهم وعلو مكانتهمـ‬
‫العلمية والقيادية وعنهم يأخذها من تتلمذ على أيديهم من غير آلهم‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الطريقة التيجانية‬
‫وتُنسب إلى الشيخ أبي العباس أحمد بن محمد بن مختار التيجاني‬
‫الحسيني دفين فاس‪.‬‬
‫عرفت هذه الطريقة انتشار واسعا بفضل بعض القوافل التجارية التي‬
‫اتخذها أتباع الشيخ التيجانيـ وسيلة لنشر طريقتهم‪،‬ـ فكانت قوافلهم التي‬
‫تجوب الصحاري من الشمال إلى الجنوب‪ ،‬ومن الشرق إلى الغرب مرورا‬
‫بتوات إلى تمبكتو‪،‬ـ ومنها إلى السنغالـ ذهابا وإياباـ تحمل البضائع‪ ،‬وفي‬
‫الوقت نفسه تبث الدعوة بين سكان تلك المناطق‪،‬ـ وتنظم أمور المريدين‪،‬‬
‫وتُس ِهل عليهم إمكانية الدخول في الطريقة وأداء تعاليمها بتوفير الشـروط‬
‫الروحـية والمادية تستقطبـ الجماهير‪ ،‬وقد كان دخولها إلى توات عن طريق‬
‫سيدي علي العين صالحي(نسبه إلى عين صالح)‪ ،‬الذي أخذ الطريقة وسار‬
‫بها إلى تيدكلتـ التي هي محل نشأته‪،‬ـ وأنشأ الزاوية بعينـ صالح التي تسمى‬
‫الزاوية التيجانية‪ ،‬ولما توفي خلفه بعض إخوانه‪ ،‬وبنى هناك زاوية يجتمع‬
‫بها الفقراء للصالة وتالوة القرآن‪ ،‬ودخل على يده جملة من التوارق في‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫وممن كان مؤثرا في نشرها العالمة سيدي إدريس بن العربي‬
‫التينالني‪ ،‬وهي منتشرة بـتوات إلى اآلن‪ ،‬وزاد انتشارها بتيميمونـ على يد‬
‫أسرة "بن جعوان" منذ نهايةـ الستينات وبداية السبعينات‪ ،‬وما زال أفرادها‬
‫يشرفون على نشر التيجانية‪،‬ـ وعنها تفرعت زاوية ماسين وزاوية أوقروت‬
‫القائمتانـ إلى حد اآلن على تلقين تعاليم الطريقة التيجانية وتكوين المريدين‬
‫والمقدمين فيها‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الطريقة الموساوية‬

‫ــ ‪ 302‬ـ‬
‫تنسبـ لصاحبها الشيخ سيدي أحمد بن موسى بن خليفة‪ ،‬دفين كرزاز‬
‫من أرض الساورة بالجنوب الغربي الجزائري‪.‬‬
‫لما تمكن الشيخ سيدي أحمد بن موسى من العلوم الظاهرة وارتوى من‬
‫العلوم الباطنة سكن بالد كرزاز من وادي الساورة الواقعة اليوم دائرة بوالية‬
‫بشار ومنها انطلقت دعوته اإلصالحية وبدأت تنتشر في األنحاء المجاورة‪،‬‬
‫وسرعان ما ذاع صيته واشتهر بين الناس بصالحه وبركاته‪،‬ـ فتوجه‬
‫المريدون نحو االستقاء من ينابيع علمه الفياض‪،‬ـ ويقصدون زاويته خاصة‬
‫أهل توات ألن كرزاز كانتـ تقع في طريق قوافلهم نحو المغرب سواء لطلب‬
‫العلم أو للتجارة فكانت لهم موردا ومستراحا ومنهال فتأثروا بمنهجه وطريقته‬
‫فالتزموها للسير إلى حضرة القدس اإللهية وكان من السباقين الشيخ العالمة‬
‫سيدي بن عومر البوداوي (ت‪1074‬هـ) وازداد انتشارها على يد الشيخ‬
‫العالمة سيدنا محمد بلكبيرـ ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ الطـريقة الطيبـية‬
‫وهذه الطريقة تنسبـ لشريف وزان‪ ،‬ومن أبنائه‪ :‬موالي التهامي‪،‬ـ‬
‫موالي الطيب‪،‬ـ موالي الهاشمي‪ ،‬موالي العربي‪ ،‬موالي المكي‪ ،‬موالي عبد‬
‫هللا‪ ،‬موالي أحمد‪ ،‬وأكبر أبنائه هو موالي التهامي زاويتهاـ الرئيسيةـ بالمغربـ‬
‫األقصى‪.‬‬
‫وقد دخلت إلى توات على يد الشيخ محمد بن عمر المهداوي‬
‫التمنطيطي‪ ،‬ومنها سارت إلى بودة وانتشرت بتوات كلها‪ ،‬وأخذ التمنطيطي‬
‫الطريقة عن سيدي موالي التهاميـ الوزاني‪ ،‬ومن أخيه موالي الطيب‪،‬ـ وأبناء‬
‫سيدي موالي عبد هللا‪.‬‬
‫وهناك طرق أخرى ذات انتشار محدود كالطريقةـ الشيخية والطريقةـ‬
‫الرقانيةـ كما توجد بعض الطرق التي التزم بها أشخاص وال يعرف لها‬
‫انتشار كالهبريةـ والعالوية والصوفية وغيرها‪.‬‬
‫أما عن مشاركة علماء توات في مجال التصوف فقد أخذ طابع النظم‬
‫والشعر خاصة القصائد التي قيلت في مدح النبي × وفي المدينة المنورة‬
‫وزيارتها وقد ضمت تلك القصائد رموزا صوفية كثيرة ومعاني روحانية‬
‫عديدة‪ ،‬لكن األمر ال يخلو من وجود بعض المصنفات ككتاب تنبيه الغافلين عن‬
‫مكر الملبسين بدعوى مقامات العارفين للشيخ سيدي محمد بن عبد الكريم‬
‫المغيلي وكتاب منهاج السالكين للشيخ سيد الحاج بلقاسم األولسيفي وكتاب‬
‫المنجيات للشيخ العالمة سيدي عبد الكريم بن امحمد بن أبي محمد التواتي‪.‬‬
‫وأما مجال التدريس فإن حلقات علمائناـ اهتمتـ بشرح الحكم العطائية‬
‫البن عطاء هللا السكندري وجعلتها قطب رحى مقررات التصوف للدارسين‬
‫ــ ‪ 303‬ـ‬
‫كما أن اعتمادهم على متن ابن عاشر المسمى بالمرشد المعين للضروري من‬
‫علوم الدين وفيه قسم خاص بالتصوف هي مبادئ ال ينبغيـ تعديهاـ وال يستقيمـ‬
‫تجاوزها‪ ،‬ويسلكون في الشرح طريقة األوقاف المعتمدة في سائر المتون‬
‫العلمية‪ ،‬كما لهم اهتمام خاص بإحياء علوم الدين للشيخ حجة اإلسالم أبي‬
‫حامد الغزالي وبالقدسية للشيخ سيدي عبد الرحمان األخضري وقواعد‬
‫التصوف للشيخ زروق البرنسي ومن النكت البديعة أنهم أثناء تدريس الفقه‬
‫والنحو والتفسير يعرجون إلى ذكر اإلشارات الصوفية والمعاني الروحية‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬الفكر الصوفي في مجال النوازل التواتية‬
‫لما كان لفظ النوازل يطلق ويراد به المصنفات التي تشتملـ على‬
‫الفتاوى كما يقال نوازل البرزلي ونوازل ابن رشد ونوازل الجنتوري‬
‫ونحوها ويطلق ويراد به نفس الفتاوى فيقال هذه نازلة صعبة وتلك نازلة في‬
‫باب المعامالتـ ونحو ذالك اقتضى هذا أن نعالج موضوع الفكر الصوفي في‬
‫مجال النوازل التواتية في الطرفين‪:‬‬
‫األول‪ :‬الفكر الصوفي في كتب النوازل التواتية‬
‫لقد رأينا نماذج من مؤلفات النوازل عند علماء توات والمالحظ أن‬
‫منها المختص بمسألةـ واحدة كرسالة المغارم للشيخ عبد الرحمان الجنتوري‬
‫ورسالة إفهام المقتبس في ثبوت التحبيس بخط المحبس للشيخ محمد بن عبد‬
‫الرحمان التنيالنيـ ومنها المشتمل على أبواب الفقه اإلسالمي كغنية المقتصد‬
‫السائل فيما وقع في توات من القضايا والمسائل للشيخ سيدي عبد العزيز‬
‫البلبالي ونوازل الزجالوي وغيرها‪ ،‬وفي ظل غياب معلمة لتراث الصحراء‬
‫الجزائرية مع ضياع الكثير من المخطوطات تمثل المشاهدة حجر األساس‬
‫إلثبات وجود أي كتاب وتواتر األخبار دليل على نسبة المخطوط لمؤلفه وأمام‬
‫هذه المعايير ال يسعني إال القول أني لم أقف خالل بحثي وتنقيبي في الخزائن‬
‫التواتية على كتاب في النوازل مضمونه قضية صوفية إال رسالة لشيخنا‬
‫موالي الحاج عاللي عنوانها "زوال اللبس ودفع الشكوك واألوهام بإثبات‬
‫أصل مشروعية الحضرة وزيارة األولياء ولباس قبورهم واألعالم"‪.‬‬
‫وقد ألف الشيخ هذه الرسالة بناء على سؤال ورد عليه من جماعة من‬
‫األشخاص وهم ((مامون السيد الحاج وبلبالي السيد الحاج محمد والداحدي‬
‫السيد الحاج عبد القادر وسلكه السيد الحاج عبد الجليل)) فقد تقدم السادة‬
‫المذكورون باستفتاء الشيخ عن أربعة أشياء وهي ((عما للفقراء وأتباع‬
‫األولياء من الراية المعروفة بال َع َلم أهل له أصل في الشرع أم هو باطل وعدم؟‬
‫وعلى اختصاص الحضرة بفصل الشتاء دون غيره من الفصول؟ وعلى إقامة‬
‫موسم زيارة األولياء واالحتفال بهم بيوم مخصوص في العام أهل لذالك أصل‬
‫منقول؟ وعن بناء القباب على قبورهم وتحليتها وكسوتها أهل له في الشرع‬
‫اعتبار معقول؟))‪.‬‬
‫ــ ‪ 304‬ـ‬
‫فهذه أربعة أسئلة كانت السبب في إنشاء الرسالة والتي اقتضى األمر‬
‫منه تقسيمهاـ إلى أربعة فصول أفرد لكل سؤال فصال األول في إثباتـ األصل‬
‫لل َعلَم والفصل الثاني في أصل الذكر عند الصوفية والفصل الثالث في زيارة‬
‫األولياء واالحتفال بهم والفصل الرابع في مشروعية اللباس لقبورهم ثم ختم‬
‫الرسالة بخاتمة في الصدقة والنذور إليهم‪ ،‬أما عن منهجه في اإلجابة فإنه يبدأ‬
‫بتكييفـ القضية بتوضيح األلفاظ الواردة في السؤال من الجهة اللغوية ثم‬
‫الجانب االصطالحي عند علماء الشريعة وهذه الطريقة بديعةـ ألجل التكييفـ‬
‫الصحيح للمسألة والقضية المستفتى فيها‪ ،‬فإذا اتضح معنى السؤال وعلم‬
‫موضعه في الشريعة انتقل إلى التخريج الفقهي للنازلة وذالك إما بإلحاقها بأصل‬
‫منقول أو معقول أما المنقول فكتاب هللا وسنة رسول هللا وأما المعقول فالقياس‬
‫الصحيح مؤسسا كالمه على أصل العرف والعادة ويتقلب في النصوص‬
‫المنقولة بين اإليماء واإلشارة والظاهر والمؤول والمنطوق والمفهوم ثم يعزز‬
‫المنقول بالقياس الصحيح األصولي منه والمنطقي فإذا أتم تخريج القضية عن‬
‫أصل من األصول أظهر الحكم المناسب الذي ظهر له من اجتهاده‪.‬‬
‫ففي هذه الرسالة أجاب مستفتيـ عن قضايا من التصوف‪ ،‬هذا عما‬
‫اختص من النوازل في قضايا التصوف‪ ،‬أما في الكتب التي اشتملت على‬
‫سائر أبواب الفقه نجد فيها كتاباـ جامعا على عادة المالكيينـ فقد وضع الشيخ‬
‫عبد العزيز البلبالي في غنيةـ المقتصد السائل باب جامع في القول‬
‫واالعتقاداتـ ونبذ من طرف الحكاياتـ واختلف موضعه على حسب مرتبه‬
‫وختم الشيخ عبد الكريم البلباليـ غايةـ األماني من أجوبة أبي زيد التنيالنيـ‬
‫بكتاب الجامع واستفتحـ الزجالوي نوازله بمسائل التوحيد وما إليها وختم‬
‫الشيخ عبد العزيز سيد عمر المهداوي الجواهر اللئالي من فتاوى الشيخ عبد‬
‫الكريم البلبالي بمسائل متنوعة وفي هذه المواضع من تلك الكتب نجد أسئلة‬
‫من قضايا التصوف ففي نوازل الزجالوي ((وسألتهـ عن التطريبـ الواقع‬
‫للفقراء في صالتهم على النبي × وما فيه من الزيادات الخارجة عن العادة‬
‫فقال لي ال تسأل عن ذالك فإنهم يصلون بالشوق على النبي ×))(‪.)1‬‬
‫وفـــــي غـــنـية المقتصد السائل ((وأجاب أيضا عما يظهر وأما الفقراء‬
‫يجتمعون للذكر في المسجد فإن كان صوتهم ال يشغل المصلي فهــــــو‬
‫مكروه وهذا في المذهب وإن كان يشوش المصلي فهو ممنوع))(‪ ،)2‬وفي‬

‫(?) محمد بن العـــالم الـــزجالوي النـــوازل مخطـــوط بخزانة بن عبد الكبـــير المطارفة‬ ‫‪1‬‬

‫( الورقة ‪/01‬ظهر)‬
‫(?) عبد العزيز البلبالي غنية المقتصد السائل فيما وقع في تــوات من القضــايا والمســائل‬ ‫‪2‬‬

‫مخطوط بخزانة بن عبد الكبير المطارفة (الورقة ‪/06‬وجه)‬


‫ــ ‪ 305‬ـ‬
‫الجواهر اللئلي للشيخ عبد العزيز المهداوي أجاب عن مسائلـ وردت عليه‬
‫من قبل المشرية منها ((نعم يجوز االحتفال واالجتماع وإطعام الطعام لدى‬
‫زيارة الصالحين وهو أمر معمول به ويقبله الشرع بشرط السالمة من محرم‬
‫أو مكروه ففي الدردير ما نصه وأما نذر جنس ما ال يهدى كالثوب والدراهم‬
‫والطعام فإن قصدت الفقراء المالزمين المحل والخدمة وجب بعثهـ وإن أراد‬
‫مجرد الثواب للنبي أو الولي أو ال نية له تصدق به في أي محل شاء))(‪.)1‬‬
‫فهذه مجرد نماذج تدل على تواجد قضايا من التصوف في كتب‬
‫النوازل التواتية ولعل العثور على مخطوطات أخرى سيوقفنا على ما يمكننا‬
‫من خالله تبيينـ منهجهم في نوازل التصوف‪.‬‬
‫الطرف الثاني‪ :‬الفكر الصوفي من خالل النوازل الفقهية‬
‫لقد كان للطبيعةـ الصوفية المتجذرة في شخص الفقيه التواتي باعتبار‬
‫التزام أكثر علمائناـ لقاعدة ((من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق ومن تصوف ولم‬
‫يتفقه فقد تزندق ومن جمع بينهما فقد تحقق)) أثر واضح في أجوبتهم وفتاويهم‬
‫بل في أغلب كالمهم فنجد إشارات صوفية وإيحاءات روحية ضمن أجوبتهم‬
‫الفقهية حيث نالحظ أنهم ال يفصلون الفتوى عن التصوف منذ أول نقطةـ‬
‫وهي إلقاء المستفتيـ سؤاله على الفقيه لينبهوا على مقام الخوف ولذالك قال‬
‫الشيخ العالمة سيدي عبد الرحمان الجنتوري في جواب له ما نصه‪(( :‬أما بعد‬
‫فلما عمت البلوى في بالد توات وقورارة ببيعـ قضاتهما ألصول الهاربين في‬
‫المغارم وكان بعض القضاة ممن يردعه خوف هللا عن هذا المدخل وقد كاد‬
‫من عليه بالعصمة وشككه في ذالك تمالؤ‬ ‫يركن إليهم شيئا قليال لو ال أن هللا ّ‬
‫قضاة اإلقليمين على ذالك فبقي حيرانا من أجل أنه لم ير وجها شرعيا يساعدهم‬
‫في ذالك وتمالؤهم يؤذن أن له وجها ولعله لم يره هو فتكرر سؤاله لدي))(‪.)2‬‬
‫فإذا أحس المستفتيـ أنه وضع رجليه عند أول طريق هللا بالتحليـ بمقام‬
‫الخوف يبدأ بإزالة الحجب النفسية بصرفها عن متابعة شهواتها إلى الخضوع‬
‫لمراد ربها وخالقها وفي هذا تحلي بمقام المجاهدة باختيار العالم المفتي الذي‬
‫ال يقول إال الحق وال يخشى في هللا لومة الئم وفي هذا جاء في جواب للشيخ‬
‫المغيلي ما نصه ((أن تسأل أهل الذكر عن كل ما ال تعلم حكمه من تصرفاتك‬
‫كلها لتحكم بما أنزل هللا في كل ما حملك منها قال هللا تعالى‪ :‬ﮋﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ‬

‫(?) عبد العزيز المهداوي الجواهر اللئـالي من فتــاوى الشــيخ سـيدي عبد الكـريم البلبــالي‬ ‫‪1‬‬

‫مطبعة دار هومه الجزائر الطبعة األولى سنة ‪ 2003‬ص ‪.272‬‬


‫(?) عبد الرحمان الجنتـوري رسـالة المغـارم مخطـوط بخزانة البلبـاليين بكوسـام ( الورقة ‪1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪/‬وجه)‪.‬‬
‫ــ ‪ 306‬ـ‬
‫ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮊ(‪ ،)1‬ﮋﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾﮊ(‪،)2‬ﮋﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫ﭟ ﭠﮊ (‪.)4‬‬ ‫ﯮ ﯯ ﯰﮊ(‪ ،)3‬ثم قال تعالى‪ :‬ﮋﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ‬
‫والذكر هو القرآن وأهله من اجتمع فيه وصفان العلم والتقوى ألن‬
‫بالعلم يعرف الرشد من الغي وبالتقوى يأمر بالرشد وينهى الغي فال تقيد في‬
‫دينك إال من ثبت أنه عالم تقي ألن من لم يثبت أنه عالـــــم يخاف أن يضل‬
‫ويضــــــل بعماه ومـــــن لم يثب أنه تقي يخاف منه أن يضل بهواه))(‪.)5‬‬
‫وفي األخير يؤكد المفتي على مقام المجاهدة بوجوب التزام أحكام هللا‬
‫وعدم مخالفتها‪:‬‬
‫اعلم بأن الصفقات غالية‬ ‫يا عاشقا في الدرجات العالية‬
‫إال بكد النفس واإلذعان‬ ‫ما نالها ذو العجز والتواني‬
‫عساك ترقى منبر المشاهدة‬ ‫فاشدد إزار الحزم والمجاهدة‬

‫وإلى هذا أشار الشيخ العالمة سيدي محمد بن عبد الكريم المغيلي بقوله‬
‫بعد أن أتم تقرير الجواب الفقهي‪(( :‬فاتق هللا تعالى وانظر لنفسك قبل الفوت‬
‫فإنه البد من الموت قال تعالى‪ :‬ﮋﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫ﮥﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﮊ(‪،)6‬‬
‫()‬
‫وقـــــال تعالى‪:‬ـ ﮋﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢﮊ إلى قوله‪ :‬ﮋﯗ ﯘﮊ ‪ ، 7‬صدق العظيم ونبيهـ))‬

‫(‪.)8‬‬
‫أما المفتي فإنه يشير إلى تحليه بمقام التوكل على هللا من ذالك قول‬
‫الشيخ العالمة سيدي ُمح َّمد بن َمح َّمد بن أحمد الحبيب البلباليـ وغيره‬

‫(?) سورة المائدة‪.44/‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة المائدة‪.47/‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة المائدة‪.45/‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة النحل‪ ،43/‬سورة األنبياء‪.7/‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) محمد بن عبد الكــريم المغيلي محمد بن عبد الكــريم المغيلي أســئلة األســقيا وأجوبة‬ ‫‪5‬‬

‫المغيلي عليها بذيل الحضارة العربية والتأثير األوروبي في إفريقيا جنوب الصحراء لعبد‬
‫القادر زبادية ص ‪.164‬‬
‫(?) سورة الطالق‪ 2/‬ـ ‪.3‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) أي قوله تعالى‪ :‬ﮋﮞ ﮟ ﮠ ﮡﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧﮨ ﮩـ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯـ ﮰﮱـ ﯓ‬ ‫‪7‬‬

‫ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﮊ [سورة آل عمران‪]185/‬‬ ‫ﯔ ﯕ‬
‫(?) محمد بن عبد الكريم المغيلي المرجع السابق ص ‪.191‬‬ ‫‪8‬‬

‫ــ ‪ 307‬ـ‬
‫((حملني ذالك على أن قيدت عليها تقييداـ سميته كشف النقاب والمساوي‬
‫على مخدر حكم البداوي وهللا تعالى أسأل التوفيق واإلرشاد إلى سلوك‬
‫الرشد والسداد))(‪.)1‬‬
‫ويؤكد المفتي الوقوف عند أوامر هللا ومحاربـة عـدو هللا والنفس من‬
‫ذالك ما جاء في جـــواب للشيخ سيــدي محمد ابن عبد الرحمان بن عمر‬
‫التنيالنيـ ما نصه ((رغبة في إيضاح الحق وطلبا للثواب في األخرى‪ ،‬أبين‬
‫فيها الصواب من القول عندي وأصدع به رغما ألنف الشيطان ومن كان‬
‫من أهل حزبه وأذكر فيها ما قصرت عنه األولى من المقال وما فتح به‬
‫بعدها من األفهام الرب المتعال))(‪.)2‬‬
‫أما أثناء الجواب وضمنه فنلمس بعض اإلشارات الصوفية على حسب‬
‫المسألة المطروحة فقد يحتاج المفتي إلى مقدمات صوفية لتهيئة النفس لتلقي‬
‫الجواب في جو رباني مهما كان ثقيال على النفس ومن ذالك قول الشيخ‬
‫المغيلي في ديباجة جواب له للسلطان األسقيا الحاج محمد الكبير ((فاعلم‬
‫أعاننا هللا وإياك أن الملك كله هلل وما النصر إال من هللا هلل فكن هلل عبدا‬
‫بطاعتهـ يكن لك ربا بحفظه وإعانته إنما أنت مملوك ال تملك شيئا وقد رفعك‬
‫موالك على كثير من عباده لتصلح لهم دينهم ودنياهم ال لتكون سيدهم‬
‫وموالهم وأنت في جميع مملكتك راع ال مالك وكل راع مسؤول عن رعيته‬
‫فانظر لنفسك قبل الفوت فإنه البد لك من الموت))(‪.)3‬‬
‫و قد يشير المفتي إلى بعض صفات النفس من ذالك ما جاء في جواب‬
‫للشيخ سيدي محمد بن أب ((ومن أوضح األدلة على إلجاء الضرورة إلى‬
‫الخماميس أمران أحدهما معاملة أكثر الناس لهم مع علمهم بما هو عليه من‬

‫(?) محمد بن امحمد البلبالي كشف النقاب والمساوي عن حكم مخــدر البــداوي مخطــوط‬ ‫‪1‬‬

‫بخزانة الحاج أحمد الشيخ األنصار بأنزجمير (الورقة ‪/01‬ظهر)‪.‬‬


‫(?) محمد بن عبد الرحمان التنيالني رفع الحجاب وكشف النقـاب عن تلـبيس الملبس في‬ ‫‪2‬‬

‫ثبوت التحبيس بخط المحبس مخطوط بخزانة الحــاج أحمد الشــيخ األنصــاري بــأنزجمير‬
‫ضمن مجموع (الورقة ‪ /04‬ظهر)‪.‬‬
‫(?) المرجع السابق ص ‪.162‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 308‬ـ‬
‫قبيح السيرة ابتداء وقد جبلت النفوس على النفور والبعد ممن توسمت به‬
‫الخيانة فضال عمن اشتهر بها وصارت هجيراه))(‪.)1‬‬
‫وغير ذالك من اإلشارات الكثيرة التي تحتاج إلى تتبعـ واستقراء تام‬
‫وعرضها على كالم السادة الصوفيين‪.‬‬
‫الخاتمة‬
‫وفي األخير أستسمح السادة العلماء والطلبة الفضالء ألقول قد شابت‬
‫اليوم التصوف شبه عديدة منها ما كان السبب فيه بعض المنتسبينـ إليه ومنها‬
‫ما كان عن جهل بحقيقته وفائدتهـ ودوره اإلصالحي أو التغافل عن مكانتهـ في‬
‫الهيكل العام لإلسالم وأنه يمثل ثلث انشغاالت الشريعة على وجه المقاصد‬
‫والغاياتـ ال على وجه الوسائل واألسباب لهذا فمن الواجب على من أوتي‬
‫علما ومكانة أن يساهم في كشف الحجب ويسعى إلزالة العالئق التي شابته‪،‬‬
‫وليجتهد الجميع في تفعيلـ دوره في وسط المسلمين كل على حسب موقعه‬
‫وبالخصوص المفتينـ الذين يعتبرون ملجأ الناس إذا حزهم األمر فتكون نفس‬
‫المستفتي قد استعدت على األقل بنسبةـ قليلة لبدأ السير في طريق هللا‪.‬‬
‫ولنا في سيدنا يوسف عليه السالم قدوة فإنه لما جاءه المستفتيان فـ ﮋﯚ‬
‫ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﮊ(‪ ،)2‬لم يبدأ مباشرة‬
‫بالجواب بل استغل التهيئةـ النفسيةـ التي كانا فيها فـ ﮋﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ‬
‫ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ‬
‫ﭚ‬ ‫ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ‬ ‫ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ‬
‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆﮇ ﮈ‬ ‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫(‪)3‬‬
‫ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛﮊ ‪.‬‬ ‫ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬
‫ثم شرع في الجواب فهذه مقدمة قبل الشروع في المقصود هي من‬
‫قبيل وضع اإلنسان عند أول الطريق في السير إلى هللا خاصة في هذا الزمان‬
‫الذي كثرت فيه المادياتـ وانغمس الناس فيها بعيدين عن الروحانيات‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬والجدير بالذكر التنويهـ على الكم الهائل من كتب النوازل لعلمائناـ‬
‫التواتيين وأنه تراث مازال في طي النسيانـ وسلة اإلهمال محتاج لكشف‬
‫الغبار عنه بتحقيقةـ وإخراجه في حلة قشيبة تتماشىـ مع الطبعاتـ العصرية‪،‬‬

‫(?) محمد بن أب المزمري تحلية القرطاس بالكالم على مسألة تضمين الخماس مخطوط‬ ‫‪1‬‬

‫بخزانة الحاج أحمد الشيخ األنصاري بأنزجمير (الورقة ‪/01‬ظهر)‪.‬‬


‫(?) سورة يوسف‪.36/‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة يوسف‪ 37/‬ـ ‪..40‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 309‬ـ‬
‫ثم بتوجيه العنايةـ إليها بالدراسة واالستفادة منها واستخراج القواعد الفقهية‬
‫واالختيارات والترجيحات والقواعد المقاصدية والوقوف عند منهجهم في‬
‫الفتوى والقضاء وتفعيلها في مجال الدراسات المقارنة بالقانونـ الوضعي‬
‫الجزائري ومن جهة أخرى إلقاء الضوء على اللمسة الروحية والمعنوية فيها‬
‫ومحاولة استنباط معايير ومقاييس صوفية في التعاملـ مع الفتوى الفقهية‬
‫بتحديد نقاط التقاطع وخطوط التوازي بينهما‪.‬‬
‫و أجدد اعتذاري واالستسماح من جميع الحضور شيوخ أجالء وسادة‬
‫علماء وأئمة فضالء وطلبة نجباء ومستمعين نبهاء على التقدم بين أيديهم إذ‬
‫أني لست أهال لذالك وهللا أعلم بما هنالك والسالم عليكم ورحمة هللا وبركاته‪.‬‬
‫قائمة المراجع‬
‫ـ أحمد أبا الصافي جعفري من تاريخ توات أبحاث في التراث مكتبة النهضة‬
‫المصرية القاهرة الطبعة األولى سنة ‪2009‬‬
‫ـ أحمد أبا صافي جعفري رجال في الذاكرة الشيخ سيدي محمد بن المبروك‬
‫البداوي الجعفري حياته وشعره منشورات الحضارة الجزائر الطبعة األولى سنة‬
‫‪2009‬‬
‫ـ أحمد العماري تـوات في مشروع التوسع الفرنسي بالمغرب منشورات كلية‬
‫اآلداب والعلوم اإلنسانية بفاس مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء المغرب سنة‬
‫‪1988‬‬
‫ـ بول مارتي كنتة الشرقيون تعريب وتعليق محمد محمود ولد و ّدادي مطبعة زيد‬
‫بن ثابت دمشق بدون تاريخ‬
‫ـ سعيد بن إبراهيم قدورة رسالة استفاء إلى علماء السودان بذيل معراج الصعود‬
‫ألحمد بابا التمبكتي تحقيق وترجمة فاطمة الحراف وجون هانويك منشورات معهد‬
‫الدراسات اإلفريقية مطبعة المعارف الجديدة الرباط الطبعة األولى سنة ‪2000‬‬
‫ـ عبد الحميد بكري النبذة في تاريخ توات وأعالمها من القرن ‪ 9‬إلى القرن ‪14‬‬
‫الهجري مطبعة دار الهدى عين مليلة الجزائر الطبعة األولى سنة‪2005‬‬
‫ـ عبد الرحمان بن خلدون ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والعجم والبربر‬
‫ومن عاصرهم من ذوي السلطان األكبر ضبط خليل شحاذة دار الفكر بيروت‬
‫الطبعة الثانية سنة ‪2001‬‬
‫ـ عبد الرحمان الجنتوري رسالة المغارم مخطوط بخزانة البلباليين بكوسام‬
‫ـ عبد الرحمان السعدي تاريخ السودان طبعة هوداس باريس سنة ‪1981‬‬
‫ـ عبد العزيز البلبالي غنية المقتصد السائل فيما وقع في توات من القضايا والمسائل‬
‫مخطوط بخزانة بن عبد الكبير المطارفة‬
‫ــ ‪ 310‬ـ‬
‫ـ عبد العزيز المهداوي الجواهر اللئالي من فتاوى الشيخ سيدي عبد الكريم البلبالي‬
‫مطبعة دار هومه الجزائر الطبعة األولى سنة ‪2003‬‬
‫ـ عبد المجيد قدي صفحات مشرقة من تاريخ أولف تحت الطبع‪.‬‬
‫ـ فرج محمود فرج إقليم توات خالل القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميالديين‬
‫ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر الطبعة الثانية سنة ‪2007‬‬
‫ـ محمد باي بلعالم قبيلة فالن بين الماضي والحاضر وما لها من العلوم والمعرفة‬
‫والمآثر مطبعة دار هومة الجزائر الطبعة األولى سنة ‪.2004‬‬
‫ـ محمد بن أب المزمري تحلية القرطاس بالكالم على مسألة تضمين الخماس‬
‫مخطوط بخزانة الحاج أحمد الشيخ األنصاري بأنزجمير‬
‫ـ محمد بن العالم الزجالوي النوازل مخطوط بخزانة بن عبد الكبير المطارفة‬
‫ـ محمد بن عبد الرحمان التنيالني أجوبة محققة النقول مهذبة الفصول مخطوط‬
‫خزانة بني تامر‬
‫ـ محمد بن عبد الرحمان التنيالني رفع الحجاب وكشف النقاب عن تلبيس الملبس‬
‫في ثبوت التحبيس بخط المحبس مخطوط بخزانة الحاج أحمد الشيخ األنصاري‬
‫بأنزجمير ضمن مجموع‪.‬‬
‫ـ محمد بن عبد الكريم بكراوي درة األقالم في أخبار المغرب بعد اإلسالم مخطوط‬
‫بخزانة الشيخ محمد باي بلعالم أولف‪.‬‬
‫ـ محمد بن عبد الكريم بكراوي درة األقالم في أخبار المغرب بعد اإلسالم مخطوط‬
‫بخزانة بن عبد الكبير المطارفة‪.‬‬
‫ـ محمد بن عبد الكريم المغيلي محمد بن عبد الكريم المغيلي أسئلة األسقيا وأجوبة‬
‫المغيلي عليها بذيل الحضارة العربية والتأثير األوروبي في إفريقيا جنوب‬
‫الصحراء لعبد القادر زبادية‪.‬‬
‫ـ محمد بن عومر البداوي نقل الرواة عمن أبدع قصور توات مخطوط بخزانة أبا‬
‫سيدي جعفري بودة‪.‬‬
‫ـ محمد بن امحمد البلبالي كشف النقاب والمساوي عن حكم مخدر البداوي مخطوط‬
‫بخزانة الحاج أحمد الشيخ األنصار بأنزجمير‬
‫ـ محمد الصالح حوتية إقليم توات واألزواد دار الكتاب العربي الطبعة األولى سنة‬
‫‪2007‬‬
‫ـ محمد عبد العزيز سيد عمر كتاب قطف الزهرات من أخبار علماء توات مطبعة‬
‫دار هومة الجزائر الطبعة الثانية سنة ‪2002‬‬
‫ـ موالي أحمد الطاهري نسيم النفحات من أخبار توات ومن بها من الصالحين‬
‫والعلماء الثقات تحقيق وتعليق موالي عبد هللا الطاهري تحت الطبع‬

‫ــ ‪ 311‬ـ‬
‫ـ موالي أحمد الطاهري نسيم النفحات في ذكر جوانب من أخبار توات ومن دفن‬
‫فيها من األولياء والصالحين والعاملين الثقات مخطوط بخزانة الشيخ عبد هللا‬
‫البلبالي كوسام‬
‫ـ موالي التهامي غيتاوي‪ ،‬لفت األنظار إلى ما وقع من النهب والتخريب والدمار‬
‫بوالية أدرار إبان احتالل االستعمار‪ ،‬منشورات ‪ ،ANEP‬المطبعة الحديثة للفنون‬
‫الجميلة الطبعة األولى سنة ‪.2006‬‬

‫ــ ‪ 312‬ـ‬
‫يهود توات في كتب النوازل الجزائرية‬
‫‪ ‬د‪ /‬محمد عبد الحليم بيشي‬
‫كلية العلوم اإلسالمية‪ ،‬جامعة الجزائر‬
‫تعتبرـ مسألة الوجود العارض لليهود في منطقةـ توات الجزائرية قضية‬
‫مهمة في التدافع الفكري واالجتماعي الذي كان يحياه المجتمع في فترة ما‬
‫بعد الموحدين بكل ما في ذلك التدافع من دالالت فقهية وسياسية راسمة‬
‫لصيرورة التاريخ الثقافي الجزائري‪.‬‬
‫كما يعد محمد بن عبد الكريم المغيلي صاحب تلك المبادرة في زحزحة‬
‫ذلك التواجد الذي نحا إلى خلخلة ميزان القوى في مجتمع أصفق أهله على‬
‫اإلسالم من أماد بعيدة‪ ،‬حيث سعى المغيلي بتلك المبادرة الغريبة المماثلة لغربته‬
‫هو في زمانه والتي رامت إلى تغيير واقع من رجل عالم بالواقع‪ ،‬من فرد عالم‪،‬‬
‫وليس من ملك حاكم في جنوب مسلم مسالم حيث الواحات الوارفة والنخيل‬
‫الباسقة التي ظللتها الديانة الخاتمة‪ ،‬وآوى إليها المذهب المالكي الرشيد‪.‬‬
‫في هذه الورقة المقتصدة نستقرأ القضية من خالل دراسة الواقع في‬
‫الرمال الصحراوية‪ ،‬وكذا استلهام المبادرة المغيلية‪ ،‬وتتبع الرجع وتس ّمع الصدى‬
‫للفتاوى والمواقف العلمية والسياسية التي تراكبت وتراكمت في موضوع هدم‬
‫كنائس يهود توات‪ ،‬وعالئق ذلك بالنصوص الشرعية األصيلة والتطبيقات‬
‫الفقهية المالكية‪ ،‬وآثار ذلك في الدرس الفقهي المتعلق بأحكام أهل الذمة‪.‬‬
‫أوال ـ اإلطار الزمكاني للقضية‬
‫منطقةـ توات هي جزء من مثلث صحراوي في الجنوب الغربي‬
‫للجزائر الكبيرة‪ ،‬هذا المثلث المتجانس ثقافياـ وبيئياـ وفكريا‪ ،‬يضم كلا من‬
‫مناطق قورارة (دائرة تميمون‪ ،‬أوقروت وقصورهما)‪ ،‬وتوات (أدرار‬
‫ورقان)‪ ،‬وأخيرا منطقة تيديكلتـ (عين صالح‪ ،‬أولف‪ ،‬أقبلي)(‪.)1‬‬
‫وهي مجموعة من الواحات المتواصلة والهضاب والسهول الواسعة‬
‫خلف العرق الغربي الكبير‪ ،‬وهي مأهولة منذ آماد بعيدة بأجناس البربر ومن‬
‫لحق بهم من العرب والزنوج بعد الفتح اإلسالمي في القرن السابع الميالدي‪.‬‬
‫عاشت المنطقة وتقلبتـ أحوالها في ظل السلطة اإلسالمية المتعاقبة‬
‫وتمتعت بشيء من االستقاللية اإلدارية عن مراكز تلك السلط (المرابطين‪،‬‬
‫الموحدين) وذلك بحكم بعدها الجغرافي‪ ،‬وصعوبة الوصول إليها‪ ،‬وليس‬
‫األمر بدعا حيث ال نجد في كتب الفتوح األولى وال التاريخ ما يفيد بأن‬
‫جيوش الفتح اإلسالمي وطئت المنطقةـ(‪ ،)2‬وإنما أسلم أهلها طواعية بإسالم‬

‫‪1‬‬
‫(?) فرج محمود فرج‪ :‬إقليم توات‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،1997 ،‬ص‪6‬‬
‫ــ ‪ 313‬ـ‬
‫من في جوارهم في الشمال‪ ،‬ولكن االرتباـط الروحي والعالئق الحضارية‬
‫كانت كبيرة جدا مع حواضر الشمال‪.‬‬
‫عاشت الواحات التواتيةـ وضعا إداريا مستقال‪ ،‬حيث يتقاسم السلطة فيها‬
‫كلا من شيوخ القبائلـ ومقدمي القصور والفقهاء القضاة الذين احتلوا الصدارة‬
‫في توجيه الحياة الفكرية والمعيشية للواحات بتأثير من غياب سلطة مركزية‬
‫واحدة‪.‬‬
‫الزماني للموضوع فهو المنتصف األخير من القرن التاسع‬ ‫أما اإلطار ّ‬
‫الهجري ـ الخامس عشر ميالدي ـ حيث بداية انهيار السلط الثالث التي‬
‫ورثت الموحدين وهي الحفصيون في تونس‪ ،‬والزيانيونـ في الجزائر‪،‬‬
‫والمرينيون في المغرب‪ .‬والبداياتـ المفصلية في التحرشات اإلسبانية‬
‫والبرتغالية بدول المغرب عقب سقوط غرناطة سنة (‪1492‬م)(‪.)1‬‬
‫لقد صاحب هذا التَّضعضع السياسي واالنقضاض الخارجي تدهور‬
‫مشين لألوضاع االجتماعيةـ للسكان خاصة مع تزايد الهجرة الكبيرة‬
‫للمورسيكينـ من المسلمين واليهود الفارين من عسف اإلجراءات الإسبانية‬
‫المرتبطة بمحاكم التفتيشـ ومراسيم التنصير التي سلطت عليهم بغية تحقيق‬
‫الوحدة الدينية لسكان إسبانيا عقب انتهاء حروب االسترداد الطويلة التي‬
‫بدأت مع سقوط طليطلة (‪478‬هـ‪1086/‬م) وتوسطت بسقوط قرطبة (‪633‬هـ‪/‬‬
‫‪1236‬م)‪ ،‬وانتهت بسقوط غرناطة (‪897‬هـ‪1492/‬م)ثم احتالل وهران سنة(‬
‫‪1509‬م) لمدة فاقت ثالثة قرون متوالية(‪.)2‬‬
‫كل هذه األحداث دفعت إلى تغيراتـ سياسيةـ واقتصادية على بلدان‬
‫الغرب اإلسالمي التي خرجت من طور حضاري عالي األفق إلى طور آخر‬
‫متأخر في كل المناحي سماه فقيه الحضارة مالك بن نبي بعصر ما بعد‬
‫الموحدين(‪ .)3‬وهو طور حوى متناقضاته الكاملة بين سلطه ومتساكنيهـ‪ ،‬وفتح‬
‫توج باالستعمار‬‫بابا جديدا للتبعية الحضارية والانكماش التاريخي الذي ّ‬
‫الحديث‪.‬‬
‫ثانيا ـ األوضاع العامة لتوات إبان النازلة‬
‫(?) عبد الرحمن الجياللي‪ :‬تاريخ الجزائر العام‪ ،‬ط‪ ،7‬الجزائر‪ ،‬ديوان المطبوعات‬ ‫‪2‬‬

‫الجامعية‪ ،1994 ،‬ج‪1‬ص‪127‬‬


‫(?) بشتاوي عادل سعيد‪ :‬األمة األندلسية الشهيدة‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬المؤسسة العربية‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،2000‬ص‪108‬‬
‫(?) توفيق المدني‪ :‬حرب الثالثمائة سنة بين الجزائر واسبانيا‪ .‬الجزائر‪ ،‬دار البصائر‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،2007‬ص‪.18‬‬
‫(?) مالك بن نبي‪ :‬مشكلة األفكار في العالم اإلسالمي‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬دار الفكر‪.1992‬ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪.47‬‬
‫ــ ‪ 314‬ـ‬
‫لم تكن منطقةـ توات إبان النازلة المتعلقةـ بتواجد مجموعات قليلة من‬
‫اليهود بها منفصلة عن أوضاع المغرب اإلسالمي عموما إال من حيث غياب‬
‫سلطة مركزية بها‪ ،‬وكذا انتفاء العالئق اإلدارية بسلطة الشمال‪ ،‬أي الدولة‬
‫الزيانيةـ في تلمسان(‪.)1‬‬
‫إال أن الروابط الثقافية كانت قوية كما سيبدو من تحليل فتاوى النازلة‪،‬‬
‫ومن تتبعـ الرحالت العلمية للعلماء الذين كانوا يسيحون في الديار الجزائريةـ‬
‫معلمين ومرشدين للمجموع العام‪.‬‬
‫وكذلك تتجلى تلك العالئق في الحركة االقتصادية التي انتظمت بتجارة‬
‫القوافل من مدن الشمال كالجزائر ووهران وتلمسان وفاس وتواصلت‬
‫باألعماق اإلفريقيةـ في غاو وتمبكتو في مالي وسلطنةـ كانو بنجيرياـ(‪.)2‬‬
‫حيث نشط التبادل في تجارة الذهب والعبيد والملح والجلود والتمور(‪.)3‬‬
‫وهو ما جلب للواحات الواقعة في طريق القوافل السيارة شيئا من الرخاء‬
‫المالي والدعة االقتصاديةـ التي عضدتها الوفرة الزراعيةـ من النخيل‬
‫والزراعات الموسمية في بحر الواحات التواتية التي تزيد على ثالثمائة‬
‫وخمسين واحة‪.‬‬
‫في هذه الفترة كان التواجد الظرفي لليهود بتوات‪ ،‬حيث إنه بضغط من‬
‫الهجرة المكثفةـ من اسبانيا على مدن الغرب تسللت مجموعات من اليهود إلى‬
‫تلك الواحات‪ ،‬وحاولت إيجاد موطأ قدم فيها مستفيدة من تهلهل السلطة من‬
‫جهة أولى‪ ،‬ومن الراحة المالية لتجارة القوافل من جهة أخرى‪.‬‬
‫و هو ما هيأ لهم وضعا ماليا مريحا دفع بهم قدما إلى السيطرة على‬
‫المقدرات المالية للواحات عن طريق اللعب على التناقضات المحلية‪ ،‬والتحلّل‬
‫من مغارم عقد الذمة‪ ،‬والتطلّع إلى إبراز هوية دينية مخالفة أزعجت اإلمام‬
‫المغيلي‪ ،‬ودفعته إلى السير بمشروعه الرامي إلى الحد من تواجد اليهود إلى‬
‫تفهم أهداف مشروع المغيلي في نازلة اليهود دون الوقوف‬ ‫ال يمكنناـ ّ‬
‫على بعض التغيراتـ السياسيةـ واالقتصاديةـ واالجتماعية التي خلفتها الهجرة‬
‫المكثفة لليهود من اسبانيا إلى دول المغرب اإلسالمي‪.‬‬

‫(?) بوزياني الدراجي‪ :‬نظام الحكم في دولة بني عبد الواد الزيانية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ديوان‬ ‫‪1‬‬

‫المطبوعات الجامعية‪1993 ،‬ص‪.213‬‬


‫(?) عبد القادر زبادية‪ :‬الحضارة العربية والتأثير األوروبي في إفريقيا الغربية‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫الجزائر‪ ،‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،1998 ،‬ص‪.27‬‬


‫(?) إسماعيل العربي‪ :‬الصحراء الكبرى وشواطئها‪ ،‬الجزائر‪ ،‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،1983‬ص‪.51‬‬
‫ــ ‪ 315‬ـ‬
‫رصدت لنا كتب المؤرخين والرحالة والفقهاء شيئا عن التأثيرـ السلبي‬
‫لتلك الهجرة‪ ،‬فاليهود وبحكم كونهم أقلية دينيةـ وعرقية سعوا دوما إلى نسج‬
‫عالقاتهم مع الدوائر المؤثرة كالحكام واألعيان وكبار التجار للحفاظ على‬
‫تواجدهم ومصالحهم‪ ،‬وقد سعد نجمهم في كثير من البالطاتـ حيث وصل‬
‫فمما يذكر في األسباب المهمة لسقوط‬ ‫البعض منهم إلى المناصب التنفيذية(‪ّ ،)1‬‬
‫دولة المرينيين هو السيطرة اإلدارية السافرة لليهود على مقاليد الحكم‪ ،‬حيث‬
‫كان الوزير األول للسلطان عبد الحق بن أبي سعيد يهوديا يسمى هارون‪،‬‬
‫وحاكم فاس يهودي آخر هو هارون‪ ،‬وكما نشط متنفذون آخرون في دوائر‬
‫جمع المكوس والضرائب‪ ،‬وهو ما قاد إلى ثورة ذهبت بالنظام القائم‪ ،‬وأحلت‬
‫محله سلطة جديدة بقيادة مقدم الشرفاء محمد بن عمران اإلدريسي الذي أسس‬
‫أسرة الوطاسيين سنة ‪869‬هـ ـ ‪1465‬م(‪.)2‬‬
‫قريب من هذا األمر كان في البالط الزيانيـ حيث عمل بعض اليهود‬
‫في الدوائر المالية‪،‬ـ ويمكن استجالء ذلك من بعض اآلثار والنوازل المغربيةـ‬
‫المفيدة لسماح الحكام لهم بجبايةـ األموال وتحصيل الضرائب‪ ،‬حتى قال أحد‬
‫الشعراء مع ّرضا بذلك الوضع السقيم في تلمسان مفضال الهجرة عنها بقوله‪:‬‬
‫ولكن لطف هللا نسأل في‬ ‫تـلمسان أرض ال تليـــق‬
‫القضـــا‬ ‫بحالنـــا‬
‫يـهود وفـجار ومن ليس‬ ‫وكيف يحب المرء أرضا يسوسها‬
‫(‪)3‬‬
‫يرتضـى‬
‫ولم تسلم النواحي األخالقية من ذلك التأثير السلبي‪ ،‬حيث نجد في ثنايا‬
‫النوازل ما يفيد مشاركة اليهود في الترويج للخمر والموبقات والتعامل بالربا‬
‫والنقود المغشوشة‪.‬‬
‫وفي شهادته على عصره يفيدناـ الرحالة محمد بن الحسن الوزان ليون‬
‫اإلفريقي (‪1550‬م) بأن اليهود نقلوا داء الزهري من اسبانياـ إلى مدن المغرب‬
‫بسبب تعاطيهمـ للبغاء هم ونساؤهم‪.‬‬
‫قال‪(( :‬وهذا الداء لم يشاهد قط‪ ،‬ولم يذكر حتى اسمه‪ ،‬لكن عندما طرد‬
‫الدوق فيرديناد ملك األسبان اليهود من بالده جاء كثير منهم إلى بالد البربر‪،‬‬
‫فظهر فيها هذا الداء‪ ،‬وكان لعدد من أشقياء المغاربة اتصال جنسي بنساء‬

‫(?) مسعود كواتي‪ :‬اليهود في المغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪ ،2‬الجزائر‪ ،‬دار هومة‪ ،2009 ،‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.198‬‬
‫(?) عبد الرحمن الجياللي‪ :‬تاريخ الجزائر العام‪ ،‬ج‪2‬ص‪124‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) رابح بونار‪ :‬مقدمة مصباح األرواح للمغيلي‪ ،‬الجزائر‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر‬ ‫‪3‬‬

‫والتوزيع‪.1968 ،‬ص‪24‬‬
‫ــ ‪ 316‬ـ‬
‫هؤالء اليهود‪ ،‬وهكذا انتشر قليال قليال في ظرف عشر سنوات حتى لم تعد‬
‫تسلم منه أية أسرة))(‪.)1‬‬
‫كما يفيدناـ المغيلي في توصيفه لوضع اليهود في توات بأنهمـ كانوا‬
‫يستغلون مهارتهم االقتصاديةـ في تكوين الثروات واالستعالء األدبي على‬
‫جيرانهم المسلمين بالتحّللـ من االلتزامات المالية المترتبة عن عقد الذمة‪.‬‬
‫فقال في ديباجةـ الفصل الثالث‪(( :‬فصل في ما عليه يهود هذا الزمان في أكثر‬
‫األوطان من الجرأة والطغيانـ والتمرد على األحكام الشرعية بتولية أرباب‬
‫الشوكة وخدمة السلطان‪ ،‬فاليهود المذكورون كيهود توات وتيجوارين‬
‫وتافياللت ودرعة وكثير من األوطان بإفريقية وتلمسان قد حلت دماؤهم‬
‫وأموالهم ونساؤهم وال ذمة لهم‪.)2())....‬‬
‫هذه الوضعية السلبية والتأثير األخالقي المشين والنفوذ المالي المتنامي هو‬
‫الذي دفع بالمغيلي إلى إتمام شروعه في إجالء اليهود من توات‪ ،‬فمن هو‬
‫المغيلي؟‪.‬‬
‫ثالثا ـ ترجمة المغيلي‬
‫إن المغيلي هو قطب الرحى وحجر الزاوية في هذه المعركة الفقهية‬
‫والسياسية التي تداولتها أرجاء المغرب اإلسالمي في القرن التاسع الهجري‪،‬‬
‫وتبارت فيها الفتاوى بين مؤيد لموقفه ومتوقف ومخالف‪ .‬وقبل أن نتدارس هذه‬
‫اآلراء فال بد لنا أن نقف عند التعريف به وبآثاره ومواقفه السياسية ورؤاه‬
‫اإلصالحية‪.‬‬
‫هو اإلمام محي الدين أبو عبد هللا محمد بن عبد الكريم المغيلي‬
‫التلمساني(‪ ،)3‬ولد بتلمسان في مطلع القرن التاسع الهجري ـ الخامس عشر‬
‫ميالدي ـ وبها أخذ العلوم النقلية والعقلية المتداولة في مدارس تلمسان العتيقة‪.‬‬
‫حيث أخذ العلم عن الشيخ يحي بن يدر (ت‪855‬هـ)‪ .‬وسافر إلى الجزائر‬
‫حيث تتلمذ للشيخ عبد الرحمان الثعالبي(تـ‪875‬هـ) وبرع في علوم اللغة‬
‫والمنطقـ والعقيدة‪ ،‬وأخذ وارتاض في بجاية على يد أبي العباس‬
‫الوغيلسي(‪ ،)4‬وكان في الفروع مالكيا‪ ،‬وفي العقائد أشعريا‪ ،‬كما ذكر بأنه كان‬

‫(?) ليون اإلفريقي‪ :‬وصف إفريقيا‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪.1983 ،‬ج‪1‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.84‬‬
‫(?) المغيلي‪ :‬مصباح األرواح في أصول الفالح ص‪.53‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ابن مريم‪ :‬البستان في ذكر العلماء واألولياء بتلمسان‪ ،‬ص‪/253‬تعريف الخلف ج‬ ‫‪3‬‬

‫‪1‬ص‪.196‬‬
‫(?) عبد الرحمن الجياللي‪ :‬تاريخ الجزائر العام‪ ،‬ج‪3‬ص‪.71‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 317‬ـ‬
‫سالكا على منهاج الطريقة القادرية المنتسبةـ للشيخ عبد القادر الجيالني(تـ‬
‫‪561‬هـ) في التصوف‪.‬‬
‫انتقلـ في أواخر القرن التاسع إلى الصحراء الجزائرية بحواضر توات‬
‫ـ أدرار الحالية ـ وهنالك برزت إمامته العلمية‪ ،‬حيث درّس العلوم المتداولة‪،‬‬
‫وذاع صيته في قضية يهود توات وهدم بيعهم وكنائسهم‪،‬ـ وسافر إلى فاس‬
‫وحواضر المغرب‪ ،‬ثم كانتـ رحلته الشهيرة إلى الممالك اإلسالمية في غرب‬
‫إفريقيا‪،‬ـ حيث تنقلـ بين ممالك كانو ـ شمال نيجيرياـ ـ وألف رسالة إرشادية‬
‫لملكها(‪ )1‬ثم عاد إلى بالد التكرور ـ مالي ـ حيث عمل مستشارا في بالط‬
‫األسقيا محمد (‪ 1493‬ـ ‪1529‬م) ـ ملك سنغاي ـ وألف رسالة له في السياسة‬
‫الشرعية(‪ ،)2‬ومكث بتمبكوتو معلما ومرشدا ومصلحا‪ ،‬ثم عاد إلى توات بعد‬
‫مقتل ولده عبد الجبار على يد اليهود‪ ،‬وهنالك توفي سنة(‪909‬هـ)‪.‬‬
‫تتلمذ له كثيرون منهم في السودان الغربي الفقيه أيدا أحمد‪ ،‬والعاقب‬
‫األصنمي‪ ،‬ومحمد بن عبد الجبار الفجيجي‪ ،‬كما كانت له مراسالت‬
‫(‪)3‬‬
‫ومناظرات مع الجالل السيوطي(‪911‬هـ) في شرعية وأهمية علم المنطق ‪.‬‬
‫وصفه مترجموه ومعاصروه بالقوة العلمية والمكانةـ األدبية‪،‬ـ فقال عنه‬
‫ابن مريم بأنه‪:‬ـ ((خاتمة المحققين العالمة المحقق الفهامة القدوة السني الحبر‬
‫أحد أذكياء العالم))‪.‬‬
‫ووصفه اإلمام السنوسي(‪895‬هـ) بأنه‪(( :‬القائم بما اندرس في فاسد‬
‫الزمان من فريضة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي القيام بها السيما‬
‫في هذا الوقت علم على االتسام بالذكورة العلمية والغيرة اإلسالمية وعمارة‬
‫القلب بشرف اإليمان))(‪.)4‬‬
‫ومما يدل على هذه الشخصية القوية تأثيرهـ القوي حيثما حل أو ارتحل‬
‫في بالد توات أو التكرور أو نيجيريا‪.‬ـ كما يتبينـ من تتبعـ المشروع‬
‫اإلصالحي للمغيلي في نازلة يهود توات‪.‬‬
‫مؤلفاته‪ :‬خلف المغيلي آثار متعددة في مختلف العلوم الشرعية‪.‬منها‪:‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ البدر المنير في علوم التفسير‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ شرح على مختصر خليل ـ لم يتمه ـ سماه‪ :‬مغني النبيل‪،‬ـ وصل به‬
‫إلى القسم بين الزوجات‪ ،‬وحاشية عليه تسمى اإلكليل‪.‬‬

‫(?) التنبكتي‪ :‬كفاية المحتاج‪ ،‬ط‪ ،1‬مصر‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪،‬ـ ‪ ،2004‬ج‪2‬ص‪?.218‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) المغيلي‪ :‬أسئلة األسقيا وأجوبة المغيلي‪ ،‬الجزائر‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر والتوزيع‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪1974‬‬
‫(?) التنبكتي‪ :‬كفاية المحتاج‪ ،‬ج‪2‬ص‪.294‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) ابن مريم‪ :‬البستان في ذكر العلماء واألولياء بتلمسان‪ ،‬ص‪253‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 318‬ـ‬
‫‪ 3‬ـ إيضاح السبيل في بيوع أجال الخليل‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ شرح بيوع اآلجال البن الحاجب المالكي‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ تأليفـ في المنهيات‪.‬ـ‬
‫‪ 6‬ـ مختصر تلخيص المفتاح في البالغة ـ مع شرح له ـ‬
‫‪ 7‬ـ مفتاح النظر في علم الحديث على التقريب للنووي‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ شرح جمل الخونجي في المنطق‪.‬ـ‬
‫‪ 9‬ـ منح الوهاب وهو منظومة في المنطق عليها ثالثةـ شروح‪ .‬وذكر‬
‫ابن مريم أن والده شرحها‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ تنبيه الغافلين عن منكر الملبسينـ بدعوى مقامات العارفين‬
‫‪ 11‬ـ شرح خطبة المختصر‪.‬‬
‫‪ 12‬ـ مقدمة في العربية‪.‬ـ‬
‫‪ 13‬ـ مصباح األرواح في أصول الفالح ـ في نازلة يهود توات ـ‬
‫‪ 14‬ـ فهرست المرويات‪.‬‬
‫‪ 15‬ـ أسئلة األسقيا وأجوبة المغيلي‪.‬ـ‬
‫‪ 16‬ـ مجموع شعري في مدح النبي ×‪.‬‬
‫‪ 17‬ـ تاج الدين فيما يجب على الملوك والسالطين‪.‬ـ‬
‫‪ 18‬ـ مجموع شعري في مدح النبي × (‪.)1‬‬
‫رابعا ـ اليهود ومقتضيات عهد الذمة‬
‫ال تعد نازلة يهود توات بالجزائر سابقة في الفقه اإلسالمي حيث‬
‫تحفل كتب الفقه واألحكام والفتاوى والنوازل والمجاميعـ ومصنفات السياسة‬
‫الشرعية بقضية استحداث المعابد غير اإلسالمية كالبيع والكنائسـ والصوامع‬
‫وبيوت النار في األمصار اإلسالمية‪.‬‬
‫ويمكن بنا أن نعود إلى تأصيل المشكلة من نصوص القرآن الضامنة‬
‫لحرية العقيدة لغير المحا ّدين والمحاربين‪ ،‬والتي تقر بحق االختالف في الدين‬
‫في هذه الدنيا‪ ،‬وتأجيل الجزاء ليوم الدين(‪ )2‬كما في قوله تعالى‪ :‬ﮋﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﮊ(‪ ،)3‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ‬
‫ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﮊ(‪ ،)4‬ﮋﯿ ﰀ ﰁ ﰂﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈﮊ(‪.)5‬‬

‫(?) انظر الحفناوي‪ :‬تعريف الخلف برجال السلف‪ ،‬الجزائر‪ ،‬موفم للنشر‪.1991‬ج‪1‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.196‬‬
‫(?) محمد عبد الحليم بيشي‪ :‬حرية المعتقد في اإلسالم ـ رسالة ماجستير أصول الدين ـ‬ ‫‪2‬‬

‫ص‪43‬‬
‫(?) سورة يونس‪.99/‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة الحج‪.40/‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) سورة البقرة‪.256/‬‬ ‫‪5‬‬

‫ــ ‪ 319‬ـ‬
‫واألمر نفسه يسري على نصوص السنّة التي حملت نفس المضامين‬
‫األخالقية تجاه المخالفين في الدين ممن لم ينصبوا العداوة للمسلمين‪،‬ـ ولم‬
‫يتخندقوا في صفوف المتربصين بالدينـ واألمة‪ ،‬حيث تحفل األحاديث‬
‫الصحيحة النظريةـ والتطبيقية بالوفاء ألهل الذمة والعناية بهم وحمايةـ‬
‫جوارهم‪ ،‬والدفاع عنهم‪ ،‬وعن حرماتهم‪ ،‬وكفالة أحوالهم الشخصية وإثباتـ‬
‫أهليتهم المالية‪ ،‬كما ضمنت لهم حرية اعتقادهم وعبادتهم‪ ،‬وأعفتهم من الزكاة‬
‫والخدمة العسكرية‪،‬ـ وفي مقابل ذلك أوجبت عليهم ضريبةـ ماليةـ هي الجزية‬
‫التي يؤدونها‪ ،‬وهي ضريبةـ مفروضة على القادرين يعفى منها العاجزون‬
‫والشيوخ والنساء واألطفال والمنقطعون للعبادة من الرهبان(‪.)1‬‬
‫وهذه الجزية منصوص عليها في قوله تعالى‪ :‬ﮋﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ‬
‫()‬
‫ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚﮊ ‪. 2‬‬

‫فهي عالمة على االلتزام بنظام الدولة التي يحيون في كنفها‪ ،‬والصغار‬
‫هو التسليم وإلقاء السالح والخضوع لقوانين الدولة اإلسالمية‪ ،‬فهي ال تحمل‬
‫معنى اإلكراه‪ ،‬أو اإلذالل‪ ،‬أوإنقاص الكرامة اإلنسانية(‪ )3‬ويؤيد ذلك سنة النبي‬
‫× وتطبيقات خلفائه الراشدين‪ ،‬وسيرة أصحابه في فتوح البلدان‪.‬‬
‫فمن النصوص القولية في السنّة ما يأتي‪:‬ـ‬
‫َأ‬
‫صهُ ْو َكلَّفَهُ‬ ‫قوله عليه الصالة والسالم‪َ« :‬أاَل َمنْ ظَلَ َم ُم َعا ِهدًا ْو ا ْنتَقَ َ‬
‫َأ‬
‫يجهُ يَ ْو َم ا ْلقِيَا َم ِة»(‪.)4‬‬
‫س فََأنَا َح ِج ُ‬ ‫ب نَ ْف ٍ‬‫ش ْيًئا بِ َغ ْي ِر ِطي ِ‬‫ق طَاقَتِ ِه َأ ْو َأ َخ َذ ِم ْنهُ َ‬
‫فَ ْو َ‬
‫ُوج ُد ِمنْ‬ ‫يح َها ت َ‬ ‫وقوله ×‪َ « :‬منْ قَتَ َل ُم َعا َهدًا لَ ْم يَ ِر ْح َراِئ َحةَ ا ْل َجنَّ ِة وَِإنَّ ِر َ‬
‫سي َر ِة َأ ْربَ ِعينَ عَا ًما»(‪.)5‬‬ ‫َم ِ‬
‫ومن النصوص العملية في سيرة النبي عليه الصالة والسالم‬
‫أوال ـ عقد المدينة الذي ضمن لليهود حقوقهم وجعل لهم النصرة واألسوة‬
‫بالمسلمين ما داموا معهم‪ .‬وقد وفى النبي × لهم بعهودهم حتى نقضوها هم‬
‫تباعا‪ ،‬كما حصل مع بني قينقاع في السنة الثانية للهجرة‪ ،‬وبني النظير في‬
‫السنة الرابعة‪ ،‬وبني قريظة في السنة الخامسة عقب غزوة األحزاب(‪.)6‬‬
‫(?) عبد الكريم زيدان‪ :‬أحكام الذميين والمستأمنين‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1988‬ص‪116‬‬
‫(?) سورة التوبة‪.29/‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) القرضاوي‪ :‬غير المسلمين في المجتمع اإلسالمي‪ ،‬ط‪ ،4‬بيروت‪ ،‬الرسالة‪،1985 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ص‪.31‬‬
‫(?) سنن أبي داوود‪ :‬كتاب الخراج والفيء رقم‪/3052‬السنن الكبرى للبيهقي ج‪9‬ص‪.205‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) البخاري‪ :‬كتاب الجزية والموادعة رقم‪/3166‬سنن ابن ماجة‪ :‬كتاب الديات رقم‬ ‫‪5‬‬

‫‪.2686‬‬
‫(?) ابن القيم‪ :‬زاد المعاد في هدي خير العباد‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬دار ابن الهيثم‪ ،2005 ،‬ج‬ ‫‪6‬‬

‫‪1‬ص‪.475‬‬
‫ــ ‪ 320‬ـ‬
‫ثانيا ـ معاملتهـ × ليهود خيبر بعدما أخضعهم لحكمه وأقرهم في‬
‫أرضهم يعملون فيها بالخراج للدولة‪ ،‬ونفس األمر سرى على يهود فدك‬
‫وتيماء ووادي القرى(‪.)7‬‬
‫ثالثا ـ عهده × ألهل نجران النصارى الذين دخلوا في عقد الدولة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ففرض عليهم الجزية وأ ّمنهم على أموالهم وأعراضهم ومعابدهم‪،‬‬
‫اشيَتِ َها ِج َوا ُر هللاِ َو ِذ َّمةُ ُم َح َّم ٍد النَّبِ ِّي‬
‫ومما جاء في ذلك العهد‪َ « :‬ولِنَ ْج َرانَ َو َح ِ‬
‫َشي َرتِ ِه ْم‬ ‫ول هللاِ َعلَى َأ ْم َوالِ ِه ْم َوَأ ْنفُ ِ‬
‫س ِه ْم َو ِملَّتِ ِه ْم َو َغاِئبِ ِه ْم َوشَا ِه ِد ِه ْم َوع ِ‬ ‫س ِ‬ ‫َر ُ‬
‫ب ِمنْ ر َهبَانِيَتِ ِه‪َ ،‬والَ َكا ِه ٍن ِمنْ‬ ‫سقُفِيَتِ ِه‪َ ،‬والَ َرا ِه ٌ‬ ‫ُأ‬
‫سقُفٌ ِمنْ ْ‬ ‫ُأ‬
‫َوبِيَ ِع ِه ْم‪.‬الَ يُ َغيَّ ُر ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫َك َهانَتِ ِه‪َ ،‬والَ يحش ُرونَ َوالَ يعش ُرونَ ‪. »...‬‬
‫ويمكن أن ندرج في السنة العملية عهود الصحابة ألهل البلدان‬
‫المفتوحة‪ ،‬مثل عهد خالد بن الوليد ألهل الحيرة بالعراق‪،‬ـ وعهد عمر بن‬
‫الخطاب ألهل بيتـ المقدس‪ ،‬وغيرها(‪.)2‬‬
‫وهي عهود حكمت العالقة بين المسلمين وغيرهم في قضاياهم العبادية‬
‫والقضائية والسياسية‪ ،‬وإن طرأ عليها بعض االختالل في أحايين كثيرة فمرد ذلك‬
‫إلى العامل الخارجي بسبب استقواء بعض األقليات بالسلط الخارجية المتربصة‬
‫بدولة اإلسالم كالبيزنطيين في المشرق‪ ،‬والدويالت اإلسبانية في األندلس‪ ،‬وأخيرا‬
‫بجموع الصليبيين التي اجتاحت الشام في القرن الخامس الهجري(‪.) 3‬‬
‫ونفس األمر من العالقة الحسنة سري في بالد األندلس والمغرب‪ ،‬حيث‬
‫ضمن المسلمون ألهل الذمة يهودا أو نصارى حقوقهم الدينية والمدنية‪ ،‬إال أن‬
‫المالحظ أن المجاميع المالكية (مدونات‪ ،‬كتب‪ ،‬شروح) وكتب الظاهرية في‬
‫عمومها كانت متشددة في بعض أنواع المعامالت وصور الحياة ألهل الذمة‪،‬‬
‫وربما يعود ذلك إلى االنسجام المذهبي في بالد المغرب‪ ،‬ووفرة المسلمين‪،‬‬
‫حيث اإلسالم هو دين األغلبية من السكان على خالف المشرق الذي كان يموج‬
‫بتجمعات عقدية مغايرة كاألقباط والصابئة والموارنة والكلدان والمجوس‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى فإن سمة ذلك التش ّدد تعود إلى بعض السوابق المشينة‬
‫لمتصرفي أهل الذمة في األندلس خاصة إبان حروب االسترداد اإلسبانية(‪،)4‬‬
‫وهو ما جعل الفتوى الفقهية تنظر بعين الريبة لسلوكات المخالفين‪.‬ـ‬

‫(?) السهيلي‪ :‬الروض األنف في شرح سيرة ابن هشام‪ ،‬ط‪ ،1‬دار إحياء التراث العربي‪،‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪2000‬ج‪7‬ص‪109‬‬
‫(?) أبو عبيدـ القاسم بن سالم‪ :‬كتاب األموال‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر‪1988 ،‬ص‪.244‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الطبري‪ :‬تاريخ األمم والملوك‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬دار صادر‪.2000‬ج‪2‬ص‪56‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) حسن الميمي‪ :‬أهل الذمة في الحضارة اإلسالمية‪ ،‬ط‪1‬بيروت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‬ ‫‪3‬‬

‫‪.1998‬ص‪.81‬‬
‫(?) ابراهيم بوتشيش‪ :‬إضاءات حول تراث الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬دار الطليعة‬ ‫‪4‬‬

‫‪.2002‬ص‪125‬‬
‫ــ ‪ 321‬ـ‬
‫ومن ذلك أن المرابطينـ نقلوا بعض النصارى من األندلس إلى بالد‬
‫العدوة المغربية‪ ،‬فسئل الفقيه الشهيد ابن الحاج عن طلبهم بناء الكنائس أو بيع‬
‫في موضع استقرارهم‪ ،‬فأجاب‪(( :‬إن هؤالء النصارى وصفوا بالمعاهدين‪،‬ـ‬
‫وذلك يقتضي ثبوتهم على ما سلف لهم من العهد والعقد والذمة‪ ،‬والوفاء لهم‬
‫واجب مباح لكل طائفةـ منهم بناء بيعةـ واحدة إلقامة شريعتهم‪،‬ـ ويمنعون من‬
‫ضرب النواقيس))(‪.)1‬‬
‫تعتبرـ هذه النازلة مقدمة لحادثة يهود توات التي حصلت في القرن‬
‫التاسع الهجري‪ ،‬الخامس عشر ميالدي إبان سقوط آخر مدن األندلس سنة (‬
‫‪1492‬م) وتهجير المسلمين واليهود على السواء بعد صدور مراسيم التنصير‬
‫القسري‪ .‬مما جعل أعداد اليهود تتكاثر وتضغط بشدة على مدن المغرب‬
‫والجزائر ومنها إلى األعماق الصحراوية‪ ،‬حيث وجد اليهود في الفراغ‬
‫السياسي والطفرة االقتصاديةـ لتجارة القوافل فرصة إلبراز ذاتهم الدينية ببناء‬
‫بيع جديدة في توات‪ ،‬فوقع الخالف فيها بين فقهاء ذلك الزمان‪ .‬وكان للمغيلي‬
‫قصب السبق في إثارة القضية وبعثها من جديد عن طريق استكتاب فقهاء‬
‫المالكية في الحواضر المغربية في إشكاليةـ بناء واستحداث الكنائس في بالد‬
‫مسلمة‪ .‬ويمكنناـ أن نمايز الفتاوى الواردة والمواقف العلمية بناء على تحديد‬
‫محل النزاع وتوصيف النازلة إلى اتجاهينـ اثنينـ أولهما معارض للمغيلي‬
‫والثانيـ موافق له‪ .‬وذلك بناء على اآلتي‪:‬‬
‫خامسا ـ الفتاوى والمواقف العلمية المانعة لهدم الكنائس‬
‫يجمع هذا الموقف العلمي كال من معاصر المغيلي قاضي توات أبو‬
‫محمد عبد هللا بن أبي بكر العصنوني(‪927‬هـ) وكذا عالم تلمسان ومفتيهاـ أبو‬
‫العباس أحمد بن زكري(‪900‬هـ) ومفتي تونس اإلمام الرصاع(‪894‬هـ) وفقيها‬
‫تلمسان أبو البركات بن أبي يحيى الغماري (‪910‬هـ)وعبد الرحمن بن سبع(‪.)2‬‬
‫ومدار هذا الموقف على تقرير وتوصيف العصنوني فيما كتبه‬
‫معارضا للمغيلي في منع هدم بيع اليهود المستحدثة في توات‪ ،‬ويمكنناـ أن‬
‫نجمل ركائز هذا الموقف العلمي الفقهي فيما يأتيـ‪:‬‬
‫أ ـ تقرير الخالف في المذهب المالكي‬
‫يقسم السادة المالكية األراضي الإسالمية إلى ثالثة أصناف‪،‬ـ وهي‪:‬‬

‫(?) البرزلي‪ :‬جامع مسائل األحكام‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي ‪.2002‬ج‪2‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪19‬‬
‫(?) الونشريسي‪ :‬المعيار المعرب‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي ‪.1981‬ج‪2‬ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪.232‬‬
‫ــ ‪ 322‬ـ‬
‫األول‪ :‬ما اختطه المسلمون بأنفسهمـ بناء وتأسيسا وإحياء وعمارة‪ ،‬مثل‬
‫البصرة والكوفة والفسطاط‪،‬ـ والرأي الغالب هو منع استحداث أهل الذمة‬
‫لكنائسهم وبيعهم‪ ،‬ألنها أرض إسالم خالصة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬البالد المفتوحة عنوة‪ ،‬وينحو المذهب إلى منع إحداث الكنائسـ‬
‫فيها أيضا‪ ،‬إال أن اإلمام اللخمي(‪478‬هـ) نقل الخالف في ذلك عن ابن القاسم(‬
‫‪191‬هـ) في جوازه إذا أذن اإلمام الحاكم(‪.)1‬‬
‫الثالثة‪ :‬البالد التي صولح أهلها عليها‪ ،‬وهذه يجوز اإلحداث فيها‬
‫والبناء والتجديد حسب عقود الصلح الموقعة مع أصحابها(‪.)2‬‬
‫حيث ورد في المدونة في كتابـ الجعل واإلجارة‪(( :‬سألت مالكا هل‬
‫ألهل الذمة أن يتخذوا الكنائس في بالد اإلسالم‪ .‬فقال‪ :‬ال‪ ،‬إال أن يكون لهم‬
‫شيء أعطوه‪ ،‬وأما ما سكن المسلمون عند افتتاحهم وكانت مدائنهم التي‬
‫اختطوها مثل الفسطاط والبصرة والكوفة وإفريقية وما أشبه ذلك من ممالك‬
‫الشام فليس لهم إال أن يكون لهم شيء أعطوه فيوفى لهم‪ .‬وقال مالك‪ :‬أرى أن‬
‫يمنعوا من أن يتخذوا في بالد اإلسالم كنيسةـ إال أن يكون لهم عهد فيحملون‬
‫على عهدهم))(‪.)3‬‬
‫وعليه فالخالف منقول في البالد المختطة والبالد المفتوحة عنوة‬
‫ومادام األمر مختلفا فيه فدعوى اإلجماع ساقطة‪ ،‬وكنائس اليهود داخلة فيما‬
‫تمكن به الفتوى داخل المذهب‪ ،‬وال يعد صاحبها مفتياـ بخالف المنقول‬
‫ب ـ الفتاوى السالفة والعمل الجاري‬
‫استعان هذا الفريق المانع للهدم بالفتاوى السالفة من شيوخ المذهب‪،‬‬
‫ومن سكوت العلماء السابقينـ على تلك الكنائس‪ ،‬ومن قبيل ذلك‪:‬‬
‫ـ فتوى ابن الحاج الشهيد(‪529‬هـ) بجواز بناء كنائس النصارى في‬
‫العدوة المغربية بعد انتقالهم إليها من األندلس بأمر من المرابطينـ وذلك‬
‫استصحابا لعقد ذمتهم‪.‬‬
‫وفي ذلك يقول العصنوني‪(( :‬وهؤالء أهل الذمة يغلب على الظن أنهم إنما‬
‫انتقلوا إلى البالد الصحراوية من مكان لهم فيه عهد إما لظلم أو غير ذلك))(‪.)4‬‬

‫(?) فتاوى البرزلي ج‪2‬ص‪.18‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الونشريسي‪ :‬المعيار المعرب ج‪2‬ص‪214‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سحنون بن سعيد‪ :‬المدونة الكبرى‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪،‬ـ ‪2004‬ج‪3‬ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪.417‬‬
‫(?) المعيار المعرب ج‪2‬ص‪.215‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 323‬ـ‬
‫ـ نازلة تونس‪ :‬وذلك في نصارى أحدثوا كنيسةـ في فندقهم‪ ،‬وأقرهم‬
‫(‪)1‬‬
‫القاضي بموجبات عهدهم في أن ال يحال بينهم وبين أن يبنوا بيتا لتعبدهم ‪.‬‬
‫وفي ترسيخ مبدأ العمل الجاري ذهب الفقيه ابن أبي البركات إلى‬
‫التسليم بسنةـ السابقينـ الذين مضت دهورهم ولم ينكروا وجود هذه الكنائس‬
‫فقال‪(( :‬إن سكوت أهل زمان على أمر حجة‪ ،‬فكيف بأزمنة ال يدرك لها‬
‫مبدأ‪ ..،‬والحاصل الذي عليه االعتماد وإليه االستناد في هذه القضية أن ال‬
‫سبيل إلى هدم الكنائسـ بحال من األحوال))(‪ .)2‬وأيده في استصحاب هذا الواقع‬
‫وإبقاء ما كان على ما كان لما سلف من عدم إنكار السابقينـ الفقيه عبد‬
‫الرحمن بن سبع التلمسانيـ‪.‬‬
‫ج ـ مقتضيات عهد الذمة ليهود توات‬
‫قام توصيف العصنوني ليهود توات بأنهمـ أهل ذمة ملتزمون بعهدهم‬
‫غير ناقضين لعقدهم‪ ،‬بل إنه ناقض تقرير المغيلي بكونهم ضعفاء في هذا‬
‫الزمان أضر بهم العدم ـ وطلب في ذلك شهادة التجار الوافدين على توات ـ ‪،‬‬
‫واإلشكال العارض في الجزية في كونهم ال يدفعونها بانتظامـ فمرجعه إلى‬
‫العرف الساري في كونهم يدفعون شيئا من المال لشيوخ الواحات في‬
‫األعياد(‪ ،)3‬كما أنهم يتضامنونـ مع السكان في الفتن والنوائب‪ ،‬وهم يسكنون‬
‫في درب خاص بهم وكنيستهم في منازلهم‪ ،‬ولم يبدر منهم العصيان‬
‫والخروج أو نقض العهد‪ ،‬وبالتاليـ فال موجب لهدم كنائسهم‪.‬‬
‫وإذا كان األمر كذلك فاليهود أهل ذمة وعهد‪ ،‬وبالتالي فال حجة‬
‫لمخاللفين كالمغيلي وغيره في هدم معابدهم‪ ،‬خاصة وأن هؤالء يخطئون‬
‫ويخلطون في مفهوم عقدي هو المحبة والموالة حيث نسب المغيلي مخالفيه إلى‬
‫موالة الكفار ومحبتهم‪ ،‬فقال العصنوني في تخطئة ذلك الفهم‪(( :‬إن المغيلي يرى‬
‫أن إقرارها ـ الكنائس ـ محبة لهم ولما هم عليه من الكفر‪ ،‬وضرب المثل بآيات‬
‫قرآنية وأحاديث نبوية ينفّر بها من تقريرها واستنزل بها أكثر أهل البلد إلى‬
‫حب الكفر وأهله‪ ،‬والمسلمون براء من ذلك بحمد هللا تعالى))(‪.)4‬‬
‫ونفس الملحظ في تخطئة المغيلي في مفهوم الوالية قدمه شيخ الجماعة‬
‫بفاس أبو عبد هللا بن غازي(‪919‬هـ) لما اطلع على رسالة مصباح األرواح وقرأ‬

‫(?) فتاوى البرزلي ج‪2‬ص‪ /20‬المعيار المعرب ج‪2‬ص‪215‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) المعيار المعرب ج‪2‬ص‪.213‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر شهادة ليون اإلفريقي في وصف إفريقيا ج‪1‬ص‪.99‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) المصدر نفسه ج‪2‬ص‪.216‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 324‬ـ‬
‫ما قرره المغيلي في تفسير قوله تعالى‪ :‬ﮋﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ‬
‫()‬
‫ﭪ ﭫﮊ ‪. 1‬‬ ‫ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫في أن من يتوالهم بالتعصب لهم فإنه منهم في حكم التكفير‪ ،‬ورد ابن‬
‫غازي ذلك لأن الكفر ضد اإليمان وهو التكذيب‪،‬ـ وال تكذيبـ للمسلم هنا(‪.)2‬‬
‫وبناء على ما تقدم كان رأي مفتي توات العصنوني في إبقاء ما كان على‬
‫ما كان لعدم وجود إجماع في المسألة‪ ،‬وخوفا من حصول فتن‪ ،‬أو توقع مكروه‪،‬‬
‫فضال عن وجود سلف في المذهب لهم فتاوى مماثلة لنازلة يهود توات‪.‬‬
‫وأما المعاضد األهم فهو عالم تلمسان ومفتيها أحمد بن زكري الذي‬
‫عارض المغيلي‪ ،‬وبنى رأيه على جملة تقريرات فقهية ومنطقية‪ ،‬وقدم حكمة في‬
‫النازلة بقوله‪(( :‬هدم الكنائس المسئول عنها ال يجوز بمقتضى الشريعة المحمدية‬
‫على رأي المحققين في الفقه المالكي الناظرين به في القضية‪ ،‬والتشغيب فيها من‬
‫عدم التحقيق في أصول المسائل العلمية)) (‪ ،)3‬ويمكن أن نوجز تقريراته فيما‬
‫يأتي‪:‬‬
‫أ ـ عقد الذمة‪ :‬اليهود أهل ذمة سكناهم مع المسلمين فحيثماـ نزلوا في‬
‫أرض إحياء أو اختطاط جاز لهم إحداث بيعة‪،‬ـ لأن عقد الذمة قديم‪ ،‬وهم ال‬
‫يعلم لهم حرب مع المسلمين للقول بنقض العهد‪ ،‬وذمة المسلمين واحدة في‬
‫كل بالدهم‪ ،‬ولهذا نص المالكية على جواز نقل الجزية من بلد إلى آخر(‪.)4‬‬
‫ب ـ إثبات الملك بالحيازة والتقادم‪ :‬فالكنائس الموجودة قديمة‪ ،‬وملك‬
‫الحائز تام بالتقادم(عشر سنين لألجانب وخمسا لألقارب)فهدم الكنائس القائمة‬
‫الموصوفة ظلم ألهل الذمة ال يجوز شرعا‪ ،‬وال يتعرض لها‪ ،‬ولو كانتـ‬
‫مبنيةـ في أرض يمنعـ فيها اإلحداث‪ ،‬ألنه ال يستقيم االستدالل على وجوب‬
‫الهدم بمنعـ اإلحداث‪ ،‬فما دل بعمومه وإطالقه مخصوص ومقيد بغير‬
‫المعاهدين والذميينـ إذا انتقلوا في بلد اإلسالم من موضع إلى موضع ولم‬
‫يخرجوا عن العهد والذمة فسكنوا فيه وأرادوا إحداث كنيسة إلقامة دينهم‬
‫فإنهم يمكّنون من بنائهاـ وال يمنعون منها‪ ،‬وإنما يمنعون من إظهار ما ال‬
‫يجوز إظهاره كالقراءة وضرب النواقيس(‪.)5‬‬
‫ج ـ النص في المذهب‪ :‬الخالف وارد في المذهب في األرض العنوية‬
‫والمختطة‪،‬ـ وإذا أجاز الحاكم وأذن في اإلحداث لمصلحة رآها‪ ،‬أو الجماعة‬
‫(?) سورة المائدة‪.51/‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) رابح بونار‪ :‬مقدمة مصباح األرواح في أصول الفالح لعبد الكريم للمغيلي‪.‬الجزائر‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫المؤسسة الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،1968 ،‬ص‪17‬‬


‫(?) المعيار المعرب ج‪2‬ص‪.218‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) المعيار المعرب ج‪2‬ص‪.219‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) المصدر نفسه ج‪2‬ص‪.218‬‬ ‫‪5‬‬

‫ــ ‪ 325‬ـ‬
‫القائمة مقام اإلمام فإن ذلك من قبيل أن حكم الحاكم يرفع الخالف‪ .‬فإذا أجاز‬
‫الحاكم اإلحداث لمصلحة رآها‪ ،‬أو الجماعة القائمة مقامه كما في وضع توات‬
‫فإن هذا اإلذن يرفع الخالف كما هو النص في المذهب‪ ،‬وفي ذلك يقول ابن‬
‫زكري‪(( :‬ومما يحتمل إذن جماعة المسلمين للذميين في اإلحداث وهي قائمة‬
‫مقام اإلمام في الموضع الذي ال إمام فيه‪ ،‬أو تكون األرض محياة فملك‬
‫الذميون باإلحياء على القول بصحة إحياء الذمي في غير جزيرة العرب‪،‬‬
‫وهو مختار الباجي(‪494‬هـ)‪ ،‬أو تكون األرض مختلطة وأذنت الجماعة‬
‫لمصلحة في اإلحداث هي أرجح من المفسدة‪ ،‬ويصير ذلك كحكم من حاكم‬
‫في محل الخالف فيرفعه))(‪.)1‬‬
‫د ـ األمن من المفسدة في تغيير المنكر‪ :‬يشدد ابن زكري في فتواه على‬
‫توافر شروط تغيير المنكر وتحقيق الوصفية به‪ ،‬إذ أن المحل وهم المسلمون‬
‫وأهل الذمة سواء في توافر الشروط من العلم واإلجماع واألمن من حصول‬
‫مفسدة أو منكر أكبر منه‪ ،‬وهدم الكنائس قد يؤدي إلى مفسدة القتل والقتال بين‬
‫المسلمين للخالف المذكور سابقا بين العصنوني ومخالفيه‪ .‬هذا فضال على قتال‬
‫أهل الذمة الذين لم ينقضوا العهد هو حرابة وسعي في األرض بالفساد وهو‬
‫منهي عنه‪.‬‬
‫وخلص ابن زكري في توصيفه لوضعية يهود توات بأنها وضعية‬
‫أهل ذمة ال تخفر ذمتهم‪ ،‬وال تنتقص حقوقهم في معابدهم ألنهم مجاورون‬
‫للمسلمين في األرض‪ ،‬فال نص قطعي وال فتوى موحدة في منعهم من‬
‫مزاولة شعائرهم ماداموا ملتزمينـ بمقتضيات عقد الذمة‪.‬‬
‫قال‪(( :‬وأما كنائس البالد الصحراوية فأقرب شيء في تلك البالد أنها‬
‫مملوكة ألهلها باإلحياء واالختطاط‪ ،‬ويبعد فيها أن تكون عنوية أو صلحية‪،‬‬
‫وال سبيل إلى هدم ما وجد فيها من كنائسـ))(‪.)2‬‬
‫أما الفقيه الثالث الذي أدلى بدلوه في هذا االتجاه المجيز لبقاء الكنائس‬
‫فهو مفتي تونس اإلمام الرصاع (‪894‬هـ) الذي منع أهل الذمة من اشترط‬
‫بناء الكنائسـ في عقود ما يشترونه من المسلمين من أراض مختطة جديدة‪،‬‬
‫فالمنع واقع ابتداء‪ ،‬ولكن الملك إذا انتقلـ إلى أيديهم والتزموا بشروط الذمة‬
‫من دفع الجزية ومنع الضرر فإن ألهل الذمة أن يتصرفوا فيها ببناءـ ما‬
‫يحبون(‪ .)3‬والمسكوت عنه في هذه الفتوى هو جواز دخول الكنائس فيما‬
‫يحب أهل الذمة بناءه من عدمه‪.‬‬
‫وفي نفس المسلك السابق كانت فتوى الفقيه التلمساني أبو زكريا بن أبي‬
‫البركات الغماري الذي منع هدم الكنائس اليهودية العتبارات أهمها ما يأتي‪:‬‬

‫(?) المعيار المعرب ج‪2‬ص‪.222‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) المعيار المعرب ج‪2‬ص‪.228‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) نفسه ج‪2‬ص‪.229‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 326‬ـ‬
‫أ ـ قاعدة درء المفاسد مقدمة على جلب المصالح‪ ،‬والمفسدة العظمى‬
‫في الهدم هي الهرج والفتن المؤدية لقتل األنفس وإشعال نار الحرب بين‬
‫الخلق‪ ،‬وخوفا من استغالل أهل الفساد لذلك خاصة إذا تعلق األمر بقضية‬
‫دينية بين القلوب المشحونة بالضغائن‪.‬‬
‫ب ـ األثر األخالقي السيئ لما تورثه القضية من اختالف بين العلماء‬
‫وصيرورة األمر إلى الغيبة والتكذيبـ والقطيعة المترتبة عن االختالف‬
‫والجدل‪.‬‬
‫ج ـ النظر إلى المآالت‪ :‬حيث سكت العلماء على كثير من المفاسد ال‬
‫جهال بها‪ ،‬أو تقصيرا في إنكارها‪ ،‬وإنما وقع التغافل عنها نظرا لعواقبها‬
‫ومآالتها‪.‬‬
‫د ـ التسليم بسنة السلف والعلماء السابقينـ الذين مضت دهورهم ولم‬
‫ينكروا وجود هذه الكنائس ((إذ سكوت أهل زمان على أمر حجة فكيف‬
‫بأزمنة متصلة ال يدرك لها مبدأ))‪.‬‬
‫ثم قال مصرحا بمنع الهدم‪(( :‬والحاصل الذي عليه االعتماد وإليه‬
‫االستناد في هذه القضية أن ال سبيل إلى هدم الكنائسـ بحال من األحوال‪ ،‬لأن‬
‫ذلك على ما في السؤال حرام ال يسوغ شرعا‪ ،‬وال يخالف في هذا أحد من‬
‫المسلمين‪ ،‬والمعترض كذلك عاص‪ ،‬وإن كانت المفسدة مأمونة في الموضع‬
‫الذي منه السؤال إذ ال يؤمن وقوع الفساد في غيره))(‪.)1‬‬
‫وقد أيده في هذه الفتوى المانعةـ للهدم الفقيه عبد الرحمن بن سبع‬
‫التلمساني‪،‬ـ الذي بنى تأييده على استصحاب الواقع وبناء ما كان على ما كان‬
‫لما سلف من عدم إنكار العلماء السابقينـ وهو دفعه إلى وصف المغيلي‬
‫والتعمق والتشغيب‪ ،‬وهو ما يخالف سنة السابقين وختم فتواه المؤيدة‬ ‫ّ‬ ‫بالتشدد‬
‫(‪)2‬‬
‫لرأي أبي البركات الغماري باعتبار المسألة مما ال يجوز الخوض فيه ‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫للنهي الوارد في قوله تعالى‪:‬ـ ﮋﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﮊ ‪.‬‬
‫سادسا ـ الفتاوى والمواقف المؤيدة لهدم كنائس توات‬
‫وهي الفتاوى التي انتالتـ مؤيدة للمغيلي في مسعاه الرامي إلى وضع‬
‫قيود وحدود لما رأى أنه استعالء يهودي في ديار إسالم خالية من سلطة‬
‫مركزية قاهرة‪ ،‬وكان أعالم هذه الفتاوى هم اإلمام محمد بن عبد هللا‬
‫التنسي(‪899‬هـ) وأبو عبد هللا السنوسي(‪895‬هـ) وأخيرا أحمد بن يحي‬
‫الونشريسي(‪911‬هـ)‪ ،‬إضافة إلى صاحب المبادرة اإلمام المغيلي وتلميذه‬
‫محمد بن عبد الجبار الفجيجي‪.‬‬
‫(?) المعيار المعرب ج‪2‬ص‪231‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) المصدر نفسه ج‪2‬ص‪.232‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة المائدة‪.101/‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 327‬ـ‬
‫يمكننا أن نجمل ركائز مبادرة المغيلي في هدم كنائس توات إلى ما‬
‫يأتي‪:‬‬
‫أ ـ استعالء اليهود بما يفيد انتقاصهم من عقد الذمة الذي يوجب‬
‫صغارهم وذلتهم‪ ،‬وهذا االستعالء والتعدي والطغيانـ والتمرد على األحكام‬
‫الشرعية مسبباته سياسية واقتصادية ناتجة عن تولية أرباب الشوكة والمال‬
‫لهم واصطناعهم في حوائج المسلمين‪ ،‬وهو ما رفع عقيرتهم بإظهارـ بيعهم‬
‫وشعائرهم في ديار المسلمين(‪.)1‬‬
‫ب ـ النص الفقهي المذهبي في المدونة‪ ،‬والبيان والتحصيل البن‬
‫رشد الجد(‪520‬هـ) ومختصر البرادعي(‪438‬هـ) بوجوب هدم الكنائسـ والبيع‬
‫المحدثة في بالد اإلسالم ومنها توات‪ ،‬ونقل إنه إجماع المسلمين(‪.)2‬‬
‫ج ـ مقتضيات العقيدة الموجبة لمعاداة اليهود وعدم محبتهم والشدة‬
‫عليهم واجتنابهم كما هو منطوق اآلية‪ :‬ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬
‫ﭛ ﭜﮊ(‪.)3‬‬
‫د ـ إجراء مفهوم الصغار في حقهم ومفهوم العزة في حق‬
‫المسلمين‪ ،‬وهو ما يقتضي إخفاء شعائرهم‪ ،‬ونبذ ما يخالف الشريعة‬
‫اإلسالمية‪ .‬قال المغيلي‪(( :‬فإن نحن غلبناهمـ في دينهم نحملهم على إخفائه فهم‬
‫صاغرون‪ ،‬وإن ملكوا مع ذلك القناطيرـ المقنطرة من الذهب والفضة‪ ،‬ألننا‬
‫إذا غلبناهمـ على ذلك‪ ،‬وكانت شعائر كفرهم قائمة اختل من صغارهم ما‬
‫أقاموه من دينهم))(‪.)4‬والمقتضى المتقدم للصغار هو منعهم من إحداث‬
‫الكنائس في دار اإلسالم‪.‬‬
‫هـ ـ النصوص الحديثية المانعة من إحداث الكنائس في بلد اإلسالم‪:‬‬
‫مما استدل به في المسألة أحاديث وآثار ضعيفة‪ ،‬أو هي في غير‬
‫ودَّيٌة َوَال‬
‫موضوعها نحو قوله عليه الصالة والسالم‪َ« :‬ال تُْرَفُع ِفيكُْم َيهُ ِ‬
‫صَرانَِّيُة»‪.‬‬
‫نَ ْ‬
‫اهِدُموا البِيََع»‪.‬‬‫اهِدُموا الصََّوامَِع وَ ْ‬ ‫ما روي عنه × أيضا‪ْ « :‬‬
‫(‪)5‬‬
‫احَدٍة»‬
‫وقوله × أيضا‪َ« :‬ال َتكُونُ ِقبَْلَتانِ ِفي بَْلَدٍة وَ ِ‬
‫يسَة ِفي َد ِ‬
‫ار‬ ‫في ذلك‪ ،‬كقوله‪َ(( :‬ال َكنِ َ‬ ‫والنقل عن عمر بن الخطاب ‪‬‬
‫(‪)6‬‬
‫))‬ ‫المِ‬
‫اإلسْ َ‬
‫ِ‬
‫(?) المغيلي‪ :‬مصباح األرواح ص‪.27‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) المعيار المعرب ج‪2‬ص‪ /216‬مصباح األرواح ص‪50‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة المجادلة‪.21/‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) المغيلي‪ :‬مصباح األرواح ص‪.49‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) سنن أبي داوود‪ ،‬كتاب الخراج واإلمارة والفيء رقم‪.3022‬ج‪3‬ص‪.193‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) مصباح األرواح ص‪.38‬‬ ‫‪6‬‬

‫ــ ‪ 328‬ـ‬
‫و ـ الوضعية األخالقية المشينة لليهود في بالد المغرب واستغفالهم‬
‫المسلمين‪ ،‬واعتمادهمـ أساليب المكر والدهاء للعتو والخروج من عقد الذمة‬
‫محادون للدين القويم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الموجب لذلتهم وصغارهم ألنهم‬
‫وقد ذكر المغيلي شواهد شعرية وأخرى واقعية ألخالقهم الفاسدة‪ ،‬فمن‬
‫الشعر‪ :‬كل العداوة قد ترجى مودتها إال عداوة من عاداك في الدين‬
‫ومن الواقع ذكر قصصا في يهودي مكلف بغسل ثياب القاضي فكان‬
‫يبول عليها‪،‬ـ وأخرى يهودية تعجن العجين بعد قتل القمل دون غسل‬
‫(‪)1‬‬
‫يديها‪.....‬الخ‬
‫التحقق بالحب‬
‫ّ‬ ‫ز ـ الوضعية اإليمانية للمسلم التي تفرض عليها‬
‫الكامل للنبي × وبغض أعدائه‪ ،‬وال أعدى له من اليهود‪ ،‬وهو ما يوجب‬
‫البغض والعداوة لهم‪ ،‬وهو في ذلك ينبز وينتقد علماء زمانه ويصفهم بعلماء‬
‫السوء‪ :‬فما أكذب قوما يزعمون أنهم يؤمنون بالنبي × ويحبونه‪،‬ـ وهم مع‬
‫يقربون من أنفسهم وأهلهم أعداءه‪ ،‬ويتولون أشد الناس عداوة له‪،‬‬
‫ذلك ّ‬
‫ويقاطعون ألجله أحباءه‪ ،‬حتى أنهم يؤون اليهود إليهم ويحاربون العلماء‬
‫عليهم ﮋﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ‬
‫ﯹﯺﮊ(‪.)2‬‬
‫ح ـ العمل بسنة الخلفاء الراشدين‪ ،‬وعلى رأسهم عمر ‪ ‬في عهده‬
‫المنقول في الكتب الفقهية لنصارى الشام‪.‬و مما جاء فيه‪(( :‬وشرطنا لكم على‬
‫أنفسنا أن ال نحدث في مدائنناـ وال ما حولها ديارا وال كنيسة وال بيعة ولا‬
‫صومعة راهب‪ ،‬وال نجدد ما خرب منها))(‪.)3‬‬
‫وعلى رأي المغيلي فإن العلماء أخذوا بهذا الكتاب وتواطؤوا عليه‪،‬ـ‬
‫واختلفوا فيما يكون به نقض العهد بأوصاف ذكروها وشروط استوفوها‪.‬‬
‫أما يهود توات فقد نقضوا العهد في رأيه مما يوجب حربهم‬
‫وإخراجهم‪ ،‬وقال في ذلك‪(( :‬فكيف بيهود لم يأتوا وال بواحدة‪ ،‬بل تمردوا‬
‫على األحكام الشرعية بسكنى البالد السائبة‪ ،‬والتعلق بأربابـ الشوكة‬
‫(?) نفسه ص‪.38‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة الرعد‪.5/‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ابن القيم‪ :‬أحكام أهل الذمة‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ ،‬دار العلم للماليين‪.1981‬ج‪2‬ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪/657‬المعيار المعرب ج‪2‬ص‪ .237‬وهناك من شكك في الكتاب بكونه ليس كتاب عمر‪،‬‬
‫لعدم النص على المدينة المصالح عليها‪ ،‬ولغياب شواهد تاريخية في تمييز أهل الذمة‬
‫باللباس في زمن عمر ذاته‪ ،‬ولمخالفته عهود الفاتحين مثل عهود أبي عبيدة وخالد‬
‫وعمرو بن العاص‪.‬انظر صبحي الصالح‪ :‬مقدمة أحكام أهل الذمة البن القيم ج‪1‬ص‬
‫‪/ 16‬محمد الغزالي‪ :‬التعصب والتسامح بين المسيحية واإلسالم ط‪ ،3‬القاهرة‪ ،‬دار نهضة‬
‫مصر‪2003 ،‬ص‪.45‬‬
‫ــ ‪ 329‬ـ‬
‫والتعصب بأموالهم على من يتسبب من العلماء بإذاللهم‪ ،‬فهؤالء ونحوهم ال‬
‫خالف في نقض عهدهم وقتلهم وسبيهم‪ ،‬وهو حكم يسري على يهود توات‬
‫وتيجورارين وتافياللت ودرعة وكثير من األوطان بإفريقيةـ وتلمسان قد‬
‫حلت دماؤهم وأموالهم ونساؤهم‪ ،‬وال ذمة لهم لأن الذمة التي ترفع السيف‬
‫(‪)1‬‬
‫عنهم هي الذمة الشرعية ال الجاهلية))‬

‫ومن قبيل هذه الذمة الجاهلية دخولهم في خدمة ذوي السلطان فهذا‬
‫الفعل موجب لنقض العهد‪(( :‬فكل يهودي تعلق بخدمة سلطان أو وزير أو‬
‫وحل ماله ودمه‪ ،‬لأن خدمة أرباب الشوكة‬ ‫ّ‬ ‫قاض كبير‪ ،‬فقد انتقض عهده‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫مناقض لشرط الذمة من الصغار والذلة)) ‪.‬‬
‫يعتبرـ اإلمام محمد بن عبد الجليل التنسي أهم شخصية علميةـ اعتضد‬
‫بها المغيلي في تحقيق مبادرته الرامية إلى الحد من نفوذ اليهود في‬
‫صحراء توات‪ ،‬وقد ارتكز التنسي في فتواه المانعةـ من إحداث الكنائس على‬
‫ما يأتي‪:‬‬
‫أ ـ النصوص الحدثية المانعة من إحداث الكنائس ـ وهي في مجملها‬
‫نصوص ضعيفة ـ ومن ذلك‪:‬‬
‫اهِدُموا البِيََع»‪،‬‬ ‫اهِدُموا الصََّوامَِع وَ ْ‬‫ـ حديث أنس عن النبي ×‪ْ « :‬‬
‫المِ وََال ي َُجَّدُد َما ُهِدَم‬
‫اإلسْ َ‬
‫ث َكنِيسٌَة ِفي ِ‬ ‫حَد ُ‬
‫وحديث عمر عن النبي ×‪َ« :‬ال تُ ْ‬
‫(‪)3‬‬
‫ِمنَْها»‬
‫المِ‪َ ،‬وَال بُْنيَ َ‬
‫ان‬ ‫اإلسْ َ‬
‫صا َء ِفي ِ‬ ‫ـ حديث ابن عباس عن النبي ×‪َ« :‬ال ِخ َ‬
‫(‪)4‬‬
‫كَِنيسٍَة ِمنَْها»‬
‫ب ـ التوارد الفقهي على المنع في كتب المذاهب المختلفة‪.‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ـ من المالكية أبو بكر الطرطوشي(‪520‬هـ) في كتابه سراج الملوك ‪.‬‬
‫ـ أبو عبد هللا بن المناصف (‪620‬هـ) في كتابهـ اإلنجاد في آداب الجهاد‪.‬‬
‫ـ الحافظ ابن خلف الغرناطيـ في تنبيهـ ذوي األلباب على أحكام خطة‬
‫االحتسابـ‪.‬‬

‫(?) المغيلي‪ :‬مصباح األرواح ص‪53‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) نفسه ص‪.58‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ابن قدامة‪ :‬المغني‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬دار إحياء الثراث العربي‪.1405 ،‬ج‪9‬ص‪.286‬وهو‬ ‫‪3‬‬

‫ضعيف اإلسناد‪.‬‬
‫(?) البيهقي‪ :‬السنن الكبرى‪ ،‬ـ ت محمد عبد القادر عطا ـ مكة‪ ،‬دار عباس الباز‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪1414‬هـ‪.‬رقم‪ 19578‬ج‪10‬ص‪/ ،24‬أبو عبيد القاسم بن سالم‪ :‬كتاب األموال ص‪.213‬‬


‫(?) الطرطوشي‪ :‬سراج الملوك ـ ت محمد فتحي أبو بكر ـ ط‪ ،1‬القاهرة‪ ،‬الدار المصرية‬ ‫‪5‬‬

‫اللبنانية‪ ،1994 ،‬ج‪2‬ص‪550‬‬


‫ــ ‪ 330‬ـ‬
‫حزم( ‪456‬‬ ‫ـ من الشافعية ابن المنذر ( ‪309‬هـ)ومن الظاهرية اإلمام ابن‬
‫هـ)(‪.)1‬‬
‫ج ـ النقل عن اإلمام مالك كما في كتاب الجعل واإلجارة من‬
‫المدونة‪ ،‬وعلى ذلك جرى كالم شراحها أمثالـ الصرصري واليزناسني‬
‫والشوشاوي والطنجي(‪734‬هـ)(‪ ،)2‬في أن االستناد باإلحداث إنما هو في‬
‫أرض العنوة ال في أراضي المسلمين‪،‬ـ وبشرط أن يكون اإلذن في مبتدأ‬
‫الفتح ال بعده‪ .‬وأراضي توات هي مختطة للمسلمين‪ ،‬وليست من قبل العنوة‬
‫في شيء‪ ،‬وبالتاليـ فإن إحداث الكنائسـ بها باطل‪.‬‬
‫وقد يستثنى من هذا البطالن ما رجحته المصلحة كما لو كانتـ لهم‬
‫خبرة في البناء والغرس واإلحياء‪ ،‬كما حصل من إقرار النبي × ليهود خيبر‬
‫بالبقاء فيها مع منصفاتهم في غلتها الفالحية(‪.)3‬‬
‫أو كان الغرض تحصيل منفعة اقتصادية‪ ،‬أو توهين جبهة الحرب‬
‫للعدو‪ ،‬كما فعل المرابطون بنقلـ نصارى األندلس إلى العدوة المغربية‪،‬ـ‬
‫وافتاهم ابن الحاج بالجواز‪.‬‬
‫أما يهود توات فال مصلحة راجحة في إقرارهم ((إذ أن مسألة السؤال‬
‫كان فيها التزام ذلك لهم بالنزول ما جاز ذلك‪ ،‬إذ ليس فيهم مصلحة تغلب‬
‫والمعرة‬
‫ّ‬ ‫على مفسدة إظهار شرائعهم الموجب للثلم في الشريعة اإلسالمية‬
‫على المسلمين))(‪.)4‬‬
‫د ـ علو اإلسالم وشرفه‪ :‬وهي القاعدة التي استصحبها اإلمام التنسي‬
‫في تقرير منع إحداث الكنائسـ في توات‪ ،‬إذ المنع من البناء والدعوة إلى‬
‫الهدم هو إظهار شرف اإلسالم حتى ال يظهر معه غيره‪ ،‬إذ هو يعلو وال‬
‫يعلى عليه‪،‬ـ وهو المحصل من نصوص الشريعة‪ ،‬ومقتضى قول شيوخ‬
‫المذهب كابن الماجشون(‪212‬هـ) وابن حبيب(‪238‬هـ) وابن رشد الجد‪ .‬حسبما‬
‫هو الرواية في المدونة والواضحة‪ .‬وفي هذا السياق خطأ التنسي ابن عرفة‬
‫الورغمي(‪803‬هـ) في فهمه لكالم اللخمي في ذكر الخالف في العنوية‪ ،‬حيث‬
‫نقل اتفاق شيوخ المذهب على منع اإلحداث في األراضي التي اختطها‬
‫المسلمون‪ ،‬وأيد هذا بعمل أهل قرطبةـ‪ ،‬وكالم األئمة المعول عليهم في‬

‫(?) ابن حزم‪ :‬مراتب اإلجماع‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬ـ ت زاهد الكوثري ـ ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪.115‬‬
‫(?) المعيار المعرب ج‪2‬ص‪.240‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) انظر صحيح البخاري‪ :‬كتاب المغازي رقم‪/4248‬أبو عبيد‪ :‬كتاب األموال ص‪.97‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) المعيار المعرب ج‪2‬ص‪.141‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 331‬ـ‬
‫الفتوى والشورى مثل نوازل ابن سهل(‪486‬هـ) وابن عبد البر(‪436‬هـ) في‬
‫الكافي(‪.)1‬‬
‫كما أيد رأيه بنص القرافي(‪684‬هـ) في الذخيرة‪ ،‬وخليل(‪772‬هـ) في‬
‫التوضيح ـ شرح جامع األمهات البن الحاجب ـ ‪ ،‬وكذا عالم تلمسان قاسم بن‬
‫سعيد العقباني(‪871‬هـ) في رسالته "تحفة الناظر في تغيير المناكر" الذي أنكر‬
‫على يهود توات إخاللهم بواجبات عقد الذمة كالضيافة والجزية واألرزاق‪.‬‬
‫وفتوى حافظ المغرب أبو القاسم العبدوسي(‪749‬هـ) الذي اعتبر إحداث‬
‫الكنائس من اليهود في بالد اإلسالم أمرا موجبا لنقض عقد الذمة‪ ،‬إذا لم ينتهوا‬
‫عنه يصيرون في حكم أهل الحرب وعلى خالف المصنفات المالكية المتأخرة‬
‫عضد التنسي رأيه بالفتاوى من المذاهب المغايرة‪ ،‬حيث استظهر لرأيه بعلماء‬
‫الشافعية كابن المنذر وأبي حامد الغزالي(‪505‬هـ)‪ ،‬ومن الحنفية بمختصر‬
‫القدوري الذي نص فيه‪(( :‬ال يجوز إحداث بيعة وال كنيسة في دار اإلسالم))‪.‬‬
‫وكذا عن الحنابلةـ والظاهرية‪ ،‬وخلص إلى أن المسالة إجماعية‪،‬ـ‬
‫والواجب على كل من له قدرة من المسلمين أن يسعى في هدم الكنيسة‬
‫المسؤول عنها ـ أي كنائسـ توات ـ قدر طاقته ويبذل جهده في ذلك ما‬
‫استطاع‪ ،‬إذ ذلك من أكبر الجهاد(‪.)2‬‬
‫وبعد هذه الفتوى الحازمة جاء تأييد اإلمام السنوسي لها فيما كتبه إلى‬
‫المغيلي مشيدا به وبعمله حيث قال‪(( :‬إلى األخ الحبيب في ذات هللا تعالى القائم بما‬
‫اندرس في فاسد الزمان من فريضة األمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي‬
‫القيام بها ال سيما في هذا الوقت علم على االتسام بالذكورة العلمية والغيرة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وعمارة القلب بشريف اإليمان‪....‬فقد بلغنا أيها السيد ما حملتكم عليه‬
‫الغيرة اإليمانية‪ ،‬والشجاعة العلمية من تغيير إحداث اليهود أذلهم هللا تعالى وأخمد‬
‫كفرهم للكنيسة في بالد المسلمين وإنكم حرضتم أهل تمنطيطت على هدم الكنائس‬
‫التي لليهود ببالدهم‪ ،‬فتوقفوا من جهة من عارضكم في ذلك من أهل األهواء‪.‬فاعلم‬
‫يا أخي إني لم أر من وفق إلجابة هذا المقصد‪ ،‬وبدل وسعه في تحقيق الحق‪،‬‬
‫وشفي غليل أهل اإليمان في هذه المسألة‪ ،‬ولم يلتفت ألجل قوة إيمانه ونصوع‬
‫إيقانه إلى ما يشير إليه الوهم الشيطاني من مداهنة بعض من تتقى شوكته ويخشى‬
‫أن يقع على يده أضرار‪ ،‬أو حط في المنزلة سوى الشيخ اإلمام القدوة الحافظ‬
‫المحقق أبي عبد هللا محمد بن عبد الجليل التنسي))(‪.) 3‬‬
‫ولما تحصل للمغيلي هذه األجوبة المؤيدة من التنسي والسنوسي سار قدما‬
‫في تحقيق مشروعه للحد من نفوذ اليهود‪ ،‬فقام بإزالة كنيستهم في تمنطيط‪ ،‬رغم‬

‫(?) ابن عبد البر‪ :‬الكافي في فقه أهل المدينة المالكي‪ ،‬ط‪ ،2‬الرياض‪ ،‬مكتبة الرياض‬ ‫‪1‬‬

‫الحديثة‪ ،1980 ،‬ج‪1‬ص‪.483‬‬


‫(?) المعيار المعرب ج‪2‬ص‪.249‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) المعيار المعرب ج‪2‬ص‪ 252‬ـ ‪.253‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 332‬ـ‬
‫أنه قوبل بمعارضة فقيهها وقاضيها العصنوني‪ ،‬لكن الشيخ إبراهيم بن عبد الجبار‬
‫()‬
‫الفجيجي أعانه في عمله وحرض على المخالفين بأبيات شهيرة منها ‪: 1‬‬
‫آن أن أبوح بالبعض والكل‬ ‫أيا ساكني توات أصغوا إلي قولي‬
‫فقد‬
‫أم القوم واليهود شكل على شكل‬ ‫أأنتم على دين النبي محمـــد‬
‫واإلسالم أولى أن يشرف في األصل‬ ‫فما بالكم شرفتموهم عليكم‬
‫فما الظن بالسفيه والناقص العقل‬ ‫فإذا كان هذا الرأي رأي فقيهكم‬
‫وبعد انفضاض األمر وانتهاء القضية التي اختلفت فيها أنظار فقهاء‬
‫العصر‪ ،‬جاء صاحب المعيار اإلمام أحمد بن يحيى الونشريسي ليؤيد رأي‬
‫القائلين بإزالة بيع اليهود المستحدثة في بالد توات‪ ،‬ألنها في بالد إسالم‬
‫تحقيقا فقال‪(( :‬الحق األبلج الذي ال شك فيه وال محيد عنه أن البالد التواتيةـ‬
‫وغيرها من قصور الصحراء النائيةـ المسامتة لتلول المغرب األوسط‬
‫المختطة وراء الرمال الملتهبةـ التي ال تنبتـ زرعا وال ضرعا بالد إسالم‬
‫باختطاط‪،‬ـ ال تتقرر للمالعين اليهود ـ أبعدهم هللا ـ فيها كنيسة إال هدمت‬
‫(‪.)2‬‬
‫باتفاقـ ابن القاسم والغير))‬
‫ال يمكنناـ في نهاية عرض الفتاوى المختلفة في هذه النازلة من أن نذكر‬
‫المواقف المتوقف فيها مثل فتوى فقيه فاس أبي مهدي عيسى بن أحمد‬
‫الماواسي(‪896‬هـ) الذي علق الهدم من عدمه على مسالة اإلذن باإلحداث‬
‫وتحقيق المصلحة ودرء المفسدة‪ ،‬فإن كان هنالك إذن وفي لهم بذلك بمقتضى‬
‫عقد الذمة‪ ،‬كما إذا رجحت المصلحة‪ ،‬وهو أمر يعود إلى حاكم أو جماعة‬
‫المسلمين‪ ،‬ومما قاله في ذلك‪(( :‬ومدن الصحراء ونحوها كلها راجعة إلى‬
‫االختطاط‪ ،‬فإن شرط الذميون اتخاذ كنيسة لهم جاز إن كانت مصلحة ذلك‬
‫أعظم من مفسدته‪ ،‬ويوفى لهم))(‪.)3‬‬
‫الخالصة‬
‫إن هذا الجدل الفقهي الذي ثار بين علماء المغرب اإلسالمي في نهاية‬
‫القرن التاسع الهجري في نازلة استحداث البيع لليهود الذين كان تواجدهم عارضا‬
‫في منطقة توات بالصحراء الجزائرية في أعقاب الهجرة التي تصاعدت بعد‬
‫حروب االسترداد االسبانية والتي انتهت بتهجير المسلمين واليهود على السواء‬
‫من األندلس يعكس رؤيتين مختلفتين في التنزيل الفقهي لدى فقهاء المالكية‪ .‬أما‬
‫الرؤية األولى المجيزة إلحداث الكنائس فإنها راعت مقتضيات عقد الذمة الذي‬
‫يضمن لمنتسبيه من اليهود والنصارى حرية شعائرهم وعباداتهم داخل دار‬

‫(?) محمد باي بلعلم‪ :‬الرحلة العلمية إلى منطقة توات‪ ،‬الجزائر‪ ،‬دار هومة‪ ،‬ج‪1‬ص‪.85‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الونشريسي‪ :‬المعيار المعرب ج‪2‬ص‪.232‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) المصدر نفسه ج‪2‬ص‪.227‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 333‬ـ‬
‫اإلسالم ما التزموا بشروط ومقتضيات العقد‪ .‬حيث كانت دار اإلسالم الحاضنة‬
‫األولى لليهود في عصور االضطهاد والظلم الديني في أوروبا القرون الوسطى‪.‬‬
‫لكن الرؤية الفقهية المانعة من إحداث الكنائس في بالد توات راعت مقتضيات‬
‫حرمة الدين ووحدة الجماعة المسلمة في عصر تهاوت فيه الدويالت اإلسالمية‬
‫عقب سقوط الموحدين وبروز األطماع االسبانية والبرتغالية في بالد المغرب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ولذلك فإنها كانت تنظر بكل ريبة ألي عمل يستشعر منه انتهاك‬
‫الدين‪ ،‬أو انتقاص األرض‪ ،‬أو تهديد سالمة الجماعة المسلمة‪ ،‬وهو ما أدركه‬
‫المغيلي بحسه الفقهي والسياسي الثاقب الذي دفعه إلى الحد من تطاول الرأس‬
‫اليهودية في منطقة بعيدة عن أي سلطة مركزية قوية‪.‬خاصة وأن السلوك‬
‫اليهودي معروف بتقلبه وتلونه بحسب الغالب الوقتي‪.‬‬
‫وما نجح فيه المغيلي في مشروعه اإلصالحي فشل فيه الخلف بعد ثالثة‬
‫قرون حينما تقاطر اليهود إلى فلسطين وأنشئوا مستعمراتهم الصغيرة التي نمت‬
‫واشتد عودها واستوى ساقها حتى كانت نكبة فلسطين سنة(‪1948‬م)‪.‬‬
‫إنها الفتنة التي إذا أقبلت عرفها العلماء الربانيون فقط‪ ،‬وإذا أدبرت‬
‫وخلفت أثارها المشينة عرفها كل الناس‪ ،‬فندموا والت حين مندم‪ ،‬وهللا غالب‬
‫على أمره ولكن الناس ال يعلمون‪ .‬انتهىـ‬

‫ــ ‪ 334‬ـ‬
‫فتوى اإلمام ابن زكري التلمساني‬
‫في مسألة يهود توات (دراسة وتحقيق)‬
‫‪‬الدكتور محند أو إدير مشنان‬
‫نائب مدير التعليم القرآني‪ ،‬وزارة الشؤون الدينية‬
‫واألوقاف‪.‬‬
‫أستاذ كلية العلوم اإلسالمية جامعة الجزائر‬
‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا محمد وعلى آله‬
‫وصحبه أجمعين وبعد‪،‬‬
‫فإن من النوازل التي طرحت بقوة في القرن التاسع الهجري‪ ،‬وشكلت‬
‫حدثا من أحداث الساعة وقتئذ‪ ،‬هي قضية "يهود توات"‪ ،‬وذلك أن اإلمام عبد‬
‫الكريم المغيلي(‪ )1‬رأى أن اليهود قد استفحل أمرهم وقويت شوكتهم‪ ،‬وأخذوا‬
‫يتحكمون في زمام األمور في أرض توات بالجنوب الجزائري‪ ،‬فأفتى بقتالهمـ‬
‫وهدم معابدهم‪،‬ـ وعارضه في ذلك قاضي توات اإلمام العصنوني(‪.)2‬‬

‫(?) هو اإلمام محمد بن عبد الكريم المغيلي التلمساني‪ ،‬اإلمام العالم العالمة خاتمة المحققين‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫مع التفنن في العلوم والصالح في الدين‪ ،‬اشتهر بمواجهته ليهود توات‪ .‬أخذ عن الثعالبي‬
‫والسنوسي وجماعة‪ ،‬وعنه الفجيجي وغيره‪ ،‬من مصنفاته‪ :‬ا لبدر المنير في علوم التفسير‪،‬‬
‫شرح بيوع اآلجال من مختصر ابن الحاجب‪ ،‬شرج الجمل في المنطق وغيرها‪ ،‬توفي سنة‬
‫‪909‬هـ‪.‬‬
‫انظر ترجمته في‪ :‬دوحة الناشر البن عسكر ص ‪ ،130‬نيل االبتهاج للتنبكيتي ص ‪ 576‬ـ‬
‫‪ ،579‬البستان البن مريم ص ‪ 253‬ـ ‪257‬‬
‫(?) هو اإلمام أبو محمد عبد هللا بن أبي بكر العصنون ّي التّواتـ ّي‪ ،‬ال ّشيخ‪ ،‬الفقيه المتم ّكن‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫تولّى قضاء توات‪ ،‬وتص ّدر للتّدريس واإلفتاء بها م ّدة طويلة‪ ،‬تنازع مع اإلمام مح ّمد بن‬
‫عبد الكريـم المغيل ّي في كنائس يهود توات‪ ،‬فقررها عليهم العصنوني‪ ،‬وأفتى المغيلي‬
‫بهدمها‪ ،‬توفّي سنة ‪927‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬لقط الفرائد البن القاضي ص ‪288‬؛ نيل االبتهاج للتنبكتي ص‪576‬؛ الحركة‬
‫الفكريّة بالمغرب (‪ ،)2/631‬تعريف الخلف للحفناوي (‪.)1/170‬‬
‫ــ ‪ 335‬ـ‬
‫فأرسل المغيلي والعصنوني إلى تلمسان وفاس وتونس يستفتيان‬
‫(‪)1‬‬
‫العلماء‪ .‬فمنهم من وافق رأي المغيلي ‪ ،‬ومنهم اإلمامان السنوسي‬
‫والتنسيـ(‪ ،)2‬ومنهم من لم يوافقه في كل ما قال كاإلمام ابن زكري التلمساني‪،‬‬
‫الذي أفتى بأن اليهود أهل ذمة‪ ،‬وإذا التزموا بشروط العهد والذمة فال تهدم‬
‫عليهم بيعهم‪،‬ـ وإن أخلوا بشروط العهد والذمة انتفتـ حقوقهم‪.‬‬
‫وقبل تقديم الفتوى وتحقيقها‪ ،‬أرى أنه من المفيد تقديم خالصة موجزة‬
‫عن سيرة ابن زكري فيما يلي‪:‬‬
‫(‪) 3‬‬
‫التعريف بصاحب الفتوى ابن زكري التلمساني‬
‫اس مه ونس به‪ :‬هو شــيخ اإلســالم اإلمــام أبو العبــاس أحمد بن محمد بن‬
‫زَك ِري المغراوي المانوي التلمساني المالكي‪ ،‬ولد بين سنتي ‪ 920‬هـ و ‪925‬هـ‪.‬‬‫ْ‬
‫نشأته األولى‪ :‬عـاش اإلمـام ابن زكـري طفولته يتيمـا‪ ،‬اضـطر للعمل في‬
‫مهنة الحياكة لضــمان لقمة العيش‪ ،‬إلى أن تعـرف عليه الشــيخ أبو العبــاس أحمد‬
‫بن زاغو وأعجب بمواهبه‪ ،‬وتفرس فيه النبــوغ والقــدرة على التحصــيل العلمي‪،‬‬
‫فضمن له ما يساوي أجرته‪ ،‬مقابل أن يتفرغ لطلب العلم‪ ،‬ومن هنا بــدأت رحلته‬
‫العلمية‪.‬‬
‫شيوخه‬
‫‪ 1‬ـ أبو العباس أحمد بن محمد‪ ،‬المعروف بابن زاغو التلمساني المتوفى عــام ‪845‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أبو الفضل القاسم بن سعيد العقباني التلمساني‪ ،‬المتوفى سنة ‪854‬هـ‪.‬‬
‫(?) هو أبو عبد هللا محمد بن يوسف السنوسي التلمساني‪ ،‬العالمة الصالح الفاضل الفقيه‬ ‫‪1‬‬

‫المتكلم‪ ،‬شيخ العلماء الجامع بين العلم والعمل‪ ،‬أخذ عن أئمة منهم والده‪ ،‬وابن مرزوق‪،‬‬
‫والعقباني‪ ،‬والثعالبي‪ ،‬وعنه الماللي وابن صعد وزروق وغيرهم‪ ،‬له تآليف كثيرة منها عقائده‬
‫المتنوعة وشروحها‪ ،‬إكمال شرح صحيح مسلم‪ ،‬وشرح صحيح البخاري لم يكمله‪ ،‬توفي‬
‫سنة ‪895‬هـ‪.‬‬
‫انظر ترجمته في‪ :‬ثبت الوادي آشي ص ‪ 436‬ـ ‪ ،446‬نيل االبتهاج للتنبكتي ص ‪ 563‬ـ‬
‫‪ ،572‬البستان البن مريم ص ‪ 237‬ـ ‪.248‬‬
‫(?) هو أبو عبد هللا محمد بن عبد هللا بن عبد الجليل التنسي التلمساني‪ ،‬اإلمام الحافظ الفقيه‬ ‫‪2‬‬

‫األديب‪ ،‬أحد كبار علماء تلمسان‪ ،‬أخذ عن أئمة منهم أبو الفضل العقباني‪ ،‬وابن مرزوق‬
‫الحفيد وغيرهما‪ ،‬وعنه ابن صعد‪ ،‬وابن العباس الصغير‪ ،‬والوادي آشي وغيرهم‪ ،‬له كتاب‬
‫نظم الدرر العقيان في دولة آل زيان‪ ،‬وتعليق على مختصر ابن الحاجب‪ ،‬وفهرست‪ ،‬توفي‬
‫سنة ‪899‬هـ‪.‬‬
‫انظر ترجمته في‪ :‬ثبت الوادي آشي ص ‪ ،318‬الضوء الالمع للسخاوي (‪ ،)5/120‬نيل‬
‫االبتهاج للتنبكتي ص ‪ 572‬ـ ‪ ،573‬لبستان البن مريم ص ‪ 248‬ـ ‪.249‬‬
‫(?) انظر ترجمته في‪ :‬البستان البن مريم ص ‪ ،38‬تعريف الخلف للحفناوي ( ‪ ،)1/42‬ثبت‬ ‫‪3‬‬

‫الوادي آشي ص ‪ ،418‬دوحة الناشر البن عسكر ص ‪ ،19‬الضوء اللامع للسخاوي ( ‪،)1/303‬‬
‫شجرة النور لمحمد مخلوف ( ‪ ،)1/267‬نيل االبتهاج للتنبكتي ص ‪ .129‬وقسم الدراسة من كتاب‬
‫"غاية المرام في شرح مقدمة اإلمام" البن زكري‪ 1/150 ( ،‬ـ ‪.)241‬‬
‫ــ ‪ 336‬ـ‬
‫‪ 3‬ـ ابن مرزوق الحفيد التلمسانيـ المتوفى سنة ‪ 842‬هـ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أبو عبد هللا محمد بن العباس العبادي التلمساني‪،،‬ـ المتوفى سنة ‪871‬هـ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ أبو إسحاق إبراهيم بن علي اللنتي المعروف بالتـازي‪ ،‬نزيل وهـران‪ ،‬المتـوفى‬
‫سنة ‪866‬هـ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ أبو الفضل محمد بن محمد المش ّدالي المتوفى سنة ‪ 864‬هـ‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ الشــيخ أبو زيد عبد الــرحمن بن محمد بن مخلــوف الثعــالبيـ الجعفــري‬
‫المتوفى سنة ‪ 875‬هـ‪ .‬وغيرهم‪...‬‬
‫تالميذه‬
‫‪ 1‬ـ أبو عبد هللا محمد بن محمد بن العباس التلمساني‪،‬ـ المتوفى سنة ‪ 920‬هـ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي المتوفى سنة ‪ 914‬أو ‪915‬هـ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أحمد بن محمد بن محمد بن عثمان‪ ،‬المعـروف بـابن الحـاج البيـدري المتـوفى‬
‫حوالي عام ‪930‬هـ‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أبو العباس أحمد بن محمد بن مرزوق المعــروف بحفيد الحفيــد‪ ،‬المتــوفى‬
‫في حدود عام ‪930‬هـ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ أحمد بن أحمد بن أحمد بن عيسى البرنسي الفاسي الشــــهير بــــزروق‪،‬‬
‫المتوفى سنة عام ‪898‬هـ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ أبو جعفر أحمد بن علي بن أحمد بن داود البلوي الوادي آشي‪ ،‬المتــوفى عــام‬
‫‪938‬هـ‪.‬‬
‫مؤلفاته‬
‫‪ 1‬ـ معلم الطالب بما لألح اديث من األلق اب‪ :‬وهو النظم الــذي بين يــدي‬
‫القارئ‪ ،‬وقد شرحه اإلمام أبو الحسن علي بن أحمد الحريشي المتوفى ســنة ‪1042‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ محصل المقاصد مما به تعت بر العقائ د‪ ،‬توجد منه نسخ مخطوطة‬
‫كثــيرة في مكتبــات مختلفــة‪ ،‬وهو نظم طويل في علم الكالم يقع في نحو ‪1500‬‬
‫بيت‪ ،‬وهو غزير العلم كثير الفوائد‪ ،‬وقد اهتم الناس بحفظه وشرحه وتدريسه‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ بغية الط الب ش رح عقي دة ابن الح اجب‪ ،‬وقد حُ ِّق َق كرسـالة علمية في‬
‫إحدى جامعات المملكة المغربية‪ ،‬كما خدمه صديقنا الدكتور عبد الرزاق دحمون‪.‬‬
‫قمت بتحقيقهـ لنيلـ درجة‬‫‪ 4‬ـ غاية المرام في ش رح مقدمة اإلم ام‪ ،‬وقد ُ‬
‫الماجستير في الفقه وأصوله‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ مس ائل القض اء والفتي ا‪ :‬ذكره أغلب من تــرجم البن زكــري‪ ،‬وال‬
‫أدري هل ما يزال محفوظا في إحدى المكتبات‪ ،‬أم صار في عداد المفقودات؟‬
‫‪ 6‬ـ أجوبته وفت اواه المختلف ة‪ :‬نقل الونشريسي بعضــها في المعيــار‬
‫المعرب‪.‬‬

‫ــ ‪ 337‬ـ‬
‫وكانت له نشاطات ووظ ائف هامة منها‪ ،‬التــدريس في مختلف مســاجد‬
‫ومــدارس تلمســان‪ ،‬واإلمامــة‪،‬ـ إذ تــولى إمامة الجــامع األعظم في تلمســان‪،‬‬
‫واإلفتاء فقد تقلد رتبة مفتي تلمسان في وقته‪.‬‬
‫كما اجتمعت فيه جملة من األخالق والمحاس ن‪ ،‬منهـــــا‪ :‬الهمة العالية‬
‫والـشغف الكبير في طلب العلم‪ ،‬والـذكاء‪ ،‬والفطــنة‪ ،‬وسـرعة الحفـظ‪ ،‬والـروح‬
‫العلمية‪ ،‬وشدة احترامه لشيوخه‪ ،‬واالعتراف بالفضل ألهلــه‪ ،‬والتواضـع‪ ،‬والثقة‬
‫بالنفس‪ ،‬وحرية الرأي واستقاللية الفكر‪ ،‬والزهد والورع‪...‬‬
‫وأثنى عليه العلماء‪ ،‬وشهدوا له بمكانته وفضله‪ ،‬ومنهم شــيخه ابن زاغــو‪،‬‬
‫وشــيخه محمد ابن العبــاس‪ ،‬واإلمــام السنونسي مع ما كــان بينهما من المنــافرة‪،‬‬
‫والونشريسي‪ ،‬وأبو جعفر الوادي آشــي‪ ،‬وقاضي بجاية أحمد بن الحــاج‪ ،‬والحافظ‬
‫السخاوي‪ ،‬وأحمد بابا التنبكتي‪ ،‬وابن عسكر‪ ،‬وابن مريم صـاحب البسـتان‪ ،‬ومحمد‬
‫شقرون بن هبة هللا‪ ،‬وأبو راس الجزائري المعسكري ‪ ...‬وغيرهم‪.‬‬
‫وفاة الشيخ ابن زكري‬
‫بعد حيــاة حافلة بــالعلم والعمل تــوفي في تلمســان في أوائل صــفر ‪900‬هــ‬
‫الموافق ألوائل ديســمبر ‪ 1494‬هـــ ـــ على الــراجح ـــ ودفن في روضة الشــيخ‬
‫السنوسي‪ ،‬في مقبرة تسمى مقبرة القاضي‪ ،‬وقبره مشهور هنــاك‪ ،‬رحمه هللا تعــالى‬
‫ورضي عنه‪.‬‬
‫وفيما يلي عرض لفتوى اإلمام ابن زكري كما نقلها صاحب‬
‫المعيار(‪.)1‬‬
‫العصنوني فقها َء تلمسان وفاس]‬
‫ِّ‬ ‫[سؤال‬
‫قال الونشريس ّي‪ :‬كتب صاحبنا الفقيه أبو مـح ّمد عبد هللا بن أبـي بكر‬
‫العصنونـ ّي من توات لفقهاء تلمسان وفاس ما نصّه‪(( :‬سيّدي رضي هللا تعالى‬
‫عنكم‪ ،‬وأدام بمنّهـ عافيتكم‪،‬ـ ومتّع المسلمين بطول حياتكم‪.‬‬
‫صحراء‪ ،‬وهي‬ ‫جوابكم الكريم في مسألة وقع فيها النّزاع بين طلبة ال ّ‬
‫(‪)2‬‬
‫كنائس اليهود الكائنين بـ(توات) وغيرها من قصور الصّحراء ‪ ،‬فقد شغب‬
‫علينا فيها المغيلـ ّي وولده سيّدي عبد الجبّار(‪ )3‬تشغيبا كاد أن يوقع في فتنة‪،‬‬
‫وذلك أنّـي أفتيت بتقريرها‪ ،‬إذ سألني الفجيج ّي(‪ )4‬عنها وعن فصول أخر في‬
‫‪ )?( 1‬انظر‪ :‬المعيار المعرب للونشريسي (‪ 2/214‬ـ ‪.)217‬‬
‫‪ )?( 2‬المراد بقصور الصحراء‪ :‬أحياؤها وتجمعاتها السكانية‪.‬‬
‫‪ )?( 3‬هو ابن الشيخ عبد الكريم المغيلي‪ ،‬وقف مع أبيه في مناهضته ليهود توات‪ ،‬ومات‬
‫مقتوال بسبب ذلك‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) هو عبد الجبّار بن أحمد البـرزوز ّ‬
‫ي الفجيج ّي‪ ،‬الفقيه العالـم األديب الشاعر‪ ,‬توسّع‬
‫في علوم القرآن والحديث‪ ,‬من طبقة اإلمام ابن غازي‪ ,‬أسّس ال ّزاوية العلميّة المعروفة‬
‫باسمه‪ ,‬ووضع اللّبنة األولـى لـمكتبتها الحبسيّة‪ ،‬توفي سنة ‪945‬هـ‬
‫ــ ‪ 338‬ـ‬
‫شأنهم مـ ّمـا أنكره عليهم وعلى الغالئف(‪ ،)1‬وسأشيـر لكم إلى بعض جوابـي‪،‬‬
‫وهو ما يـخصّ الكنائس وما اعتـرض به علـ ّي‪ ،‬لتنظروا فيه‪.‬‬
‫وذلك أنّـي طالعت ابن عرفة(‪ )2‬فوجدته حصّل في بلد العنوة والّذي‬
‫اختطّه المسلمون ثالثةـ أقوال‪ ،‬ث ّم تكلّم على حكم بالد الصّلح‪.‬‬
‫ث ّم طالعت ابن يونس(‪ )3‬فوجدته تكلّم على تلك األقسام الثّالثة‪،‬ـ وأتى‬
‫بقول مالك في بلد اإلسالم(‪ )4‬دليال على الحكم الّذي أسّسه في البلد الّذي‬
‫اختطّه المسلمون‪ ،‬وذكر خالف الغيـر في بلد العنوة خاصّة‪.‬‬
‫ث ّم طالعت البـرزلـي(‪ ) 5‬فوجدته ذكر ما ذكر ابن يونس بعد نازلة ابن‬
‫(‪)6‬‬
‫الحاجّ‬

‫انظر‪ :‬دوحة الناشر البن عسكر ص ‪ ،132‬جذوة االقتباس البن القاضي (ص‪)94/‬؛‬
‫فهرس الفهارس للكتاني (‪.)2/263‬‬
‫‪ )?( 1‬الغالئف‪ :‬اسم لبعض الجالية اليهودية التي كانت تقطن بتوات وقتئذ‪ ،‬كما أخبرني‬
‫أحد األساتذة المهتمينـ بدراسة هذه الفترة من تاريخ الجزائر‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) هو اإلمام أبو عبدهللا محمد بن محمد بن عرفَة الورغمي‪ ،‬أحد أعالم المالكية‪ ،‬إمام‬
‫تونس وعالمها وإمام جامعها األعظم‪ ،‬أخذ عن ابن عبدالسالم ومحمد بن هارون‬
‫والشريف التلمساني وغيرهم‪ ،‬وعنه البرزلي‪ ،‬وابن ناجي‪ ،‬وابن مرزوق الحفيد‪ ،‬وابن‬
‫ي وغيرهم‪ ،‬من مصنفاته الشامل في التوحيد‪ ،‬والمبسوط‪ ،‬والمختصر‬ ‫واألِّب ّ‬
‫فرحون‪ُ ،‬‬
‫الكبير في الفقه‪ ،‬الحدود الفقهية‪ ،‬توفي سنة ‪803‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬أنباء الغمر البن حجر (‪ ،)4/336‬غاية النهاية في طبقات القراء لشمس الدين‬
‫الجزري (‪ ،)2/243‬نيل االبتهاج للتنبكتي ص ‪.463‬‬
‫ـي‪ ،‬اإلمام الحافظ الفقيه النظار‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصّقل‬ ‫‪ )?( 3‬هو أبو بكر مـح ّمد بن عبد هللا بن يونس ال ّت ّ‬
‫ميمي‬
‫فرضي‪ ،‬أحد العلماء وأئمة الترجيح المالزمين للجهاد‪ ،‬أخذ عن اإلمام أبي الحسن‬ ‫ّ‬ ‫ال‬
‫القصائري‪ ،‬وأبي عمران الفاسي‪ ،‬وأبي الحسن القابسي‪ ،‬من مؤلفاته كتاب في الفرائض‪،‬‬
‫وكتاب الجامع لمسائل المدونة وغيره من األمهات‪ ،‬وعليه كان اعتماد العلماء والطلبة‪ ،‬تو ّفـي‬
‫سنة ‪451‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬ال ّديباج المذهب (‪)2/240‬؛ شجرة النّور ال ّزكيّة لمحمد مخلوف (‪ ،)1/111‬الفكر‬
‫السامي للحجوي (‪.)2/210‬‬
‫‪ )?( 4‬يشير إلى ما ورد في المدونة (‪(( :)4/424‬هل كان اإلمام مالك يقول‪ :‬ليس للنصارى‬
‫أن يحدثوا الكنائس في بالد اإلسالم؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬كان مالك يكره ذلك))‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) هو أبو القاسم بن أحمد بن المعتل البلوي القيرواني التونسي الشهير بالبرزلي‪ ،‬أخذ‬
‫عن جـماعة منهم ابن مرزوق الجد‪ ،‬والبطروني‪ ،‬والزم ابن عرفة‪ ،‬وأخذ عنه جـماعة‬
‫منهم ابن ناجي وحلولو والرصاع‪ ،‬له ديوان كبير في الفقه‪ ،‬والحاوي في النوزال‪ ،‬توفي‬
‫عام ‪843‬هـ‪.‬‬
‫اـنـظرـ‪:‬ـ الـضـوءـ اـلـالـمـعـ لـلـسخـاـويـ (ـ‪)11/133‬ـ‪،‬ـ نـيـلـ اـالـبـتـهـاـجـ لـلـتـنـبـكـتـيـ صـ ‪،368‬ـ تـوـشـيـحـ‬
‫الـدـيـبـاـجـ لـبـدـرـ اـلـدـيـنـ الـقـراـفـيـ صـ ‪.266‬ـ‬
‫‪ )?( 6‬هو أبو عبد هللا محمد بن أحمد يعرف بابن الحاج‪ ،‬اإلمام الفقيه الحافظ‪ ،‬أخذ عن‬
‫محمد ابن فرج وابن رزق وغيرهما‪ ،‬وعنه ابنه أحمد والقاضي عياض وابن بشكوال‪،‬‬
‫ــ ‪ 339‬ـ‬
‫في ذلك‪ ،‬وذكر نوازل أخر في الكنائسـ بعد ذلك(‪)1‬؛ وسأثبتـ منها شيئا بعد إن‬
‫شاء هللا‪.‬‬
‫فتأ ّملت ما في الكتب المذكورة‪ ،‬إذ هي جـملة ما حضرنـي‪ ،‬فسبق منها‬
‫أن الغيـر يـخالف في‬ ‫أن المد ّونة مـحمولةٌ على ّ‬ ‫إلى فهمي من كالم ابن عرفة ّ‬
‫بلد العنوة وفي البلد الّذي اختطّه المسلمون‪ ،‬لتصريـحه بخالفه فيهما عن‬
‫اللّخمي(‪ ،)2‬ولق ّوة ظنّي كأكمل شارح عليها‪،‬ـ لـمـا علم من كثرة تـحصيله‬
‫وسكوته ع ّمـا تض ّمنه ظاهرها من قصر خالفه على بلد العنوة‪.‬‬
‫ولـ ّمـا أن حصل عندي هذا الفهم الّذي قرّرته لكم‪ ،‬وسبق أيضا إلى‬
‫أن المسألة المسؤول عنها هي مندرجةٌ في البلد الّذي اختطّه المسلمون‪،‬‬ ‫فهمي ّ‬
‫ّ‬
‫إذ معنى االختطاطـ عندي‪ :‬البناء والتّأسيس‪ ،‬أثبتت األقوال الثالثةـ وعزوتها‬
‫كعزوه؛ وقد كنت ـ وفّقكم هللا ـ رأيت في البـرزلـي ما نصّه‪ :‬شرط المأمور به‬
‫أن يكون واجبا باإلجـماع‪ ،‬وشرط التّغييـرـ أن يكون المنه ّي عنه مـحرّما‬
‫باإلجـماع‪ ،‬فقلت لـهـذا إثر ذكري األقوال الثّالثةـ‪.‬‬
‫والصّواب عندي تقريها اتّباعاـ لقول الغيـر لـجـري العمل به في كثيـر‬
‫من مدن المغرب‪ ،‬وهي مـ ّمـا اختطّه المسلمون في صدر اإلسالم وبعده‪،‬‬
‫وفيها العلماء متوافرون في ك ّل وقت‪ ،‬وفيهم من ال يسكت على باطل؛ وكذلك‬
‫قواعد هذه الصّحراء قد ح ّل بها علماء فضالء‪ ،‬وقد شاهدوا الكنائسـ فيها وهم‬
‫مـ ّمن يمتثلـ قولـهـم في األحيان‪،‬ـ وقد أنكروا أشياء على أهل ّ‬
‫الذ ّمة وعلى‬
‫غاليفهم‪ ،‬ولـم ينكروا الكنائس في جـملة ما أنكروه‪.‬‬
‫ث ّم قلت‪ :‬ولع ّل ما ذكرته في مدن المغرب من المسامـحـة لـهم فيها إنّما‬
‫كان ألمر أعطوه أو لغبّة الواّل ة‪ ،‬أو أنكر العلماء فلم يسعفوا‪ ،‬أو علموا أنّهم ال‬
‫يسعفون فتـركوا التّغييـر‪.‬ـ‬

‫=‬
‫= كان القضاء دائرا بينه وابن ابن رشد الجد‪ ،‬وهو صاحب النوازل المشهورة‪ ،‬وله أيضا‬
‫شرح خطبة صحيح مسلم‪ ،‬والكافي في بيان العلم وغير ذلك‪ ،‬توفي سنة ‪529‬هـ‪.‬‬
‫انظر ترجمته في‪ :‬الصالة البن بشكوال (‪ 3/844‬ـ ‪ ،)845‬سير أعالم النبالء للذهبي (‪19/‬‬
‫‪ 614‬ـ ‪ ،)615‬شجرة النور الزكية لمحمد مخلوف (‪.)1/132‬‬
‫‪ )?( 1‬انظر‪ :‬جامع مسائل األحكام بما نزل من القضايا بالمفتين والحكام‪ ،‬المشهور بفتاوى‬
‫البرزلي (‪ 2/17‬وما بعدها)‪.‬‬
‫‪( 2‬ـ?ـ)ـ هـوـ أـبـوـ الـحـسـنـ عـليـ بـنـ مـحـمـدـ اـلـرـبـعـيـ الـشـهـيـرـ بـاـلـلخـمـيـ‪،‬ـ اـإلـمـاـمـ الـحـاـفظـ إـمـامـ‬
‫الـمـاـلـكـيـةـ فيـ وـقـتـهـ‪،‬ـ أخـذـ عـنـ اـبـنـ مـحـرزـ وـاـلسـيـوـرـيـ واـلـتـوـنـسـيـ وـغـيـرـهـمـ‪،‬ـ وـعـنـهـ الـمـاـزـريـ‬
‫وأـبـوـ الـفـضلـ بـنـ الـنـحـوـيـ واـلـكـالـعـيـ وـغـيـرـهـمـ‪،‬ـ مـنـ مـؤـلفـاـتـهـ تـعـلـيـقـ عـلىـ اـلـمـدـوـنـةـ سـماـهـ‬
‫الـتـبـصـرـةـ‪،‬ـ تـوـفـيـ سـنـةـ ‪478‬هــ‪.‬ـ‬
‫انظر‪ :‬ترتيب المدارك للقاضي عياض (‪ ،)2/797‬وفيات ابن قنفذ ص ‪ ،258‬الديباج البن‬
‫فرحون (‪.)2/95‬‬
‫ــ ‪ 340‬ـ‬
‫فقلت‪ :‬هذا بعي ٌد‪ ،‬إذ لو كان شي ٌء من ذلك لعلم وسمع؛ ث ّم قلت‪ :‬ولع ّل‬
‫(‪)1‬‬
‫إذن الغالئف منذ قديم ال ّزمان لـهم يتن ّزل منزلة العهد الّذي ذكره ابن القاسم‬
‫في قوله‪ :‬إاّل أن يكون لهم عه ٌد فيوفّـى به(‪)2‬؛ وفي لفظ آخر‪ :‬أمر أعطوه؛‬
‫وحـملني على هذا النّظر نازلتانـ ذكرهما البـرزلـي‪:‬‬
‫أوالهما‪ :‬البن الحاجّ‪ ،‬إذ قال‪ :‬ما طلبه النّصارى ال ّداخلون من العدوة‬
‫من بناء بيع وكنائس في موضع استقرارهم‪.‬‬
‫فأجاب‪(( :‬هؤالء النّصارى وصفوا بالمعاهدين‪ ،‬وذلك يقتضي ثبوتهم‬
‫على ما سلف لهم من العهد والعقد من ّ‬
‫الذ ّمة‪ ،‬والوفاء لهم واجبٌ ‪ ،‬مبا ٌح لك ّل‬
‫طائفة منهم بيعةٌـ واحدةٌ إلقامة شريعتهم‪ ،‬ويمنعون من ضرب النّاقوس‪ّ ،‬‬
‫ألن‬
‫أميـر المؤمنين أمر بنقلهم من جزيرة األندلس للخوف منهم والحذر‬
‫للمسلمين؛ ورأيت لبعض المالكيّيـنـ نحوه‪ ،‬وهو الصّحيح عندي‪.‬‬
‫وتـميّزت هذه المسألة ع ّما اختلف العلماء فيها قديما وحديثا من‬
‫المالكيّيـن وغيرهم‪ ،‬فلم أر لذلك الختالفهم هنا وجها))‪ .‬انتهى(‪.)3‬‬
‫يشيـر إلى ما وقع من الخالف في كتاب الجعل واإلجارة منها(‪)4‬؛‬
‫فانظروا ـ وفّقكم هللا ـ كيف جعل العهد السّابق موجبا لبنائهم في المكان الّذي‬
‫الذ ّمة يغلب على الظّ ّن أنّهم إنّما انتقلوا إلى البالد‬
‫انتقلوا إليه‪ ،‬وهؤالء أهل ّ‬
‫صحراويّة من مكان لـهم فيه عه ٌد إ ّما لظلم أو لغيـر ذلك‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫أن النّصارى أحدثوا في فندقهم وجعلوا‬ ‫والثّانية‪ :‬وقعت بتونس‪،‬ـ وهي ّ‬
‫عليها شيئا يشبه الصّومعة‪ ،‬فطلبوا بذلك‪ ،‬فأتوا بكتاب العهد‪ ،‬فوجد فيه‪ :‬أنّه ال‬
‫يـحال بينهمـ وبين أن يبنوا بيتاـ لتعبّداتهم‪ ،‬واعتذروا ع ّما رفعوه بأنّهـ للضّوء‪،‬‬
‫فبعث القاضي إليه فوجده لذلك‪.‬‬
‫أن لـمن له األمر أن يأذن فيها ببلد‬ ‫وهذه أيضا ـ حفظكم هللا ـ تقتضي ّ‬
‫اإلسالم لـمن نزلها من الكفّار(‪.)5‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) هو أبو عبدهللا عبدالرحمن بن القاسم بن خالد العتقي المصري‪ ،‬أخذ عن اإلمام مالك‬
‫الح َك ِم ويحيى‬
‫والليث بن سعد ومسلم ابن خالد وغيرهم‪ ،‬وعنه أصبغ وسحنون وابْن َع ْب ِد َ‬
‫بن يحيى الليثي‪ ،‬توفي سنة ‪191‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬ترتيب المدارك للقاضي عياض ( ‪ ،)2/433‬تذكرة الحفاظ للذهبي ( ‪ 1/356‬ـ ‪ ،)357‬تهذيب‬
‫التهذيب البن حجر ( ‪.)6/252‬‬
‫للبرا ِذع ّي (‪.)3/361‬‬
‫(?) المدونة (‪ ،)4/424‬وانظر أيضا‪ :‬تهذيب المدونة َ‬ ‫‪2‬‬

‫(?) فتاوى البرزلي (‪.)2/17‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر‪ :‬المدونة (‪.)4/424‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) انظر‪ :‬فتاوى البرزلي (‪ ،.)2/20‬وانظر أيضا‪ :‬الدرر المكنونة في نوازل مازونة‬ ‫‪5‬‬

‫ألبي زكريا يحيى المازوني‪ ،‬مخطوط المكتبة الوطنية بالجزائر‪ ،‬رقم ‪ ،1335‬الجزء‬
‫ــ ‪ 341‬ـ‬
‫وهو أيضا ظاهر قولها‪(( :‬إاّل أن يكون لهم أم ٌر أعطوه))(‪ ،)1‬والغالئف‬
‫يشبه أن يكونوا كذلك‪ ،‬ألنّهم إنّما نزلوها بأمرهم مع تقرير علمائهم لذلك منذ‬
‫قديم ال ّزمان‪.‬‬
‫إن هدمها واجبٌ ‪ ،‬وقال‪ :‬ال يعلم فيها خالفا‪،‬‬ ‫وخالفني المغيـلـ ّي‪ ،‬وقال‪ّ :‬‬
‫وقال‪ :‬ال يفتي بتقريرها إاّل دجّالٌ؛ وكان هذا الجواب هو رأي السّائل‬
‫الفجيجي‪ ،‬ونفيا الخالف الّذي نقلته‪ ،‬وقاال‪ :‬إنّه ليس بموجود في النّازلة‪.‬‬
‫ي في بعض األوقات على رؤوس األشهاد ي ّدعي اإلجماع‬ ‫والمغيلـ ّـ‬
‫ويقول لـمن يدعوه إلى هدمها‪ :‬تهدم وإن أ ّدى إلى قطع الرّؤوس‪ ،‬ومن مات‬
‫مـ ّمن يريد هدمها فهو من أهل الجنّة‪ ،‬ومن اآلخرين فهو من أهل النّار‪.‬‬
‫وحكم على من منع من هدمها بالنّار‪ ،‬ألنّه رفع دين الكفر ونصره‬
‫وقرّر بيتاـ يسبّ فيه رسول هللا ×‪ ،‬ونحو هذا من التّغليظ‪.‬ـ‬
‫وقال مرّة لـمن يـخاطبه وهم كثيـرون‪(( :‬هذه الجنّة وهذه النّار))‪ ،‬يشيـر‬
‫إلى مكانين من األرض‪(( ،‬من هدمها فله الجنّة‪ ،‬ومن حماها فله النّار))‪.‬‬
‫وقال في ذلك الموطن وفي غيره‪(( :‬هذه مـحبّة رسول هللا ×‪ ،‬وهذه مـحبّة‬
‫أن تقريرها مـحبّةٌ لهم ولـمـا هم عليه‬ ‫اليهود‪ ،‬فاختاروا أيّهما شئتم))‪ .‬يشيـر إلى ّ‬
‫من الكفر‪ ،‬أعاذنا هللا وإيّاكم من ذلك‪ ،‬ونحو هذا من األمثلة‪ ،‬وضرب األمثال‬
‫بآيات قرآنيّة وأحاديث نبويّة ينفّر بها من تقريرها‪ ،‬استنزل بها أكثر البلد‬
‫بنسبتهم إلى حبّ الكفر وأهله‪ ،‬والمسلمون برا ٌء من ذلك بحمد هللا تعالى‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫واحتجّا على ما ا ّدعياه من االتّفاق بنصّ ابن شاس(‪ )2‬وصاحب البيانـ‬

‫األول (‪.)196‬‬
‫(?) المدونة (‪ ،)4/424‬تهذي المدونة للب َرا ِذع ّي (‪.)3/361‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫(?) هو جـمال الدين عبدهللا بن نجـم بن شاس الجذامي المصري المالكي‪ ،‬العالمة الفقيه‬
‫شيخ المالكية‪ ،‬سمع من عبدهللا بن بري النحوي‪ ،‬ودرس بـمصر وأفتى وتخرج به‬
‫األصحاب‪ ،‬ومات شهيدا بثغر دمياط سنة ‪616‬هـ‪ ،‬من مؤلفاته المشهورة عقد الجواهر‬
‫الثمينةـ في فقه أهل المدينة‪.‬‬
‫انظر‪ :‬البداية والنهاية البن كثير (‪ ،)13/86‬سير أعالم النبالء للذهبي (‪ ،)22/98‬الديباج البن‬
‫فرحون (‪.)1/390‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي المالكي‪ ،‬زعيم فقهاء وقته بأقطار‬
‫األندلس والمغرب‪ ،‬تفقه بابن رزق وابن فرج وجـماعة‪ ،‬وعنه ابنه أحمد والقاضي‬
‫عياض وغيرهم‪ ،‬تصانيفه كثيرة أهمها البيان والتحصيل‪ ،‬والمقدمات المـمهدات‪ ،‬توفي‬
‫سنة ‪520‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬سير أعالم النبالء للذهبي ( ‪ ،)19/501‬الديباج البن فرحون ( ‪ ،)2/229‬بغية الملتمس‬
‫البن عميرة الضبي ص ‪.51‬‬
‫ــ ‪ 342‬ـ‬
‫ع(‪.)1‬‬‫إن ملك موضعها إ ّما أن يكون ببيع أو غيره‪ ،‬وكالهما مـمنو ٌ‬ ‫فقاال‪ّ :‬‬
‫أن الغيـر يـخالف فيما اختطّه المسلمون تـمسّكا‬ ‫وتعقّب ما ذكرته‪ّ :‬‬
‫ي(‪ ،)3‬فإنّه ذكر قول مالك في بالد‬ ‫بظاهرها(‪ ،)2‬السيما اختصار البرا ِذعِ ّ‬
‫اإلسالم‪ ،‬وذكر قول ابن القاسم في البلد الّذي اختطّه المسلمون(‪.)4‬‬
‫فأطلعتهماـ على نصّ ابن عرفة‪.‬‬
‫أ ّما المغيلـ ّي فتأ ّمله ما شاء‪ ،‬ث ّم أجابني بأن قال‪ :‬ما اختطّه المسلمون‬
‫ليس كما فهمته‪ ،‬بل هو البلد الّذي أذن اإلمام في بنيانه بعد الفتح ليسكنهـ‬
‫المسلمون مع الكفّار؛ ومرّة قال‪ :‬البلد الّذي أخذه المسلمون ث ّم سكنه المسلمون‬
‫معهم‪ ،‬ومسألة النّزاع‪ :‬البلد الّذي بناه المسلمون ألنفسهم ث ّم نزل أهل ّ‬
‫الذ ّمة‬
‫عليهم‪.‬‬
‫فقلت له‪ :‬كالم ابن عرفة ال يعطي ذلك‪ ،‬ألنّه قال‪(( :‬فسكنوه معهم))‪،‬‬
‫الذ ّمة بعد اختطاط المسلمين شي ٌء واح ٌد‪.‬‬ ‫أن سكنى أهل ّ‬ ‫وهو مقتض ّ‬
‫أن بلد اإلسالم والبلد الّذي اختطّه المسلمون شي ٌء‬ ‫وكالمه أيضا مقتض ّ‬
‫واح ٌد القتصاره على أحدهما‪ ،‬وذلك ظاه ٌر من اختصار ابن يونس‬
‫ألن تلك المدائن صارت أهل اإلسالم))(‪ )5‬يوضّح فساد‬ ‫لـ(المد ّونة)؛ وقولها‪ّ (( :‬‬
‫ّ‬
‫تأويله؛ ولو ص ّح لكانتـ مسألة النّزاع لـم يتكلم عليها ابن عرفة بوجه‪ ،‬وهو‬

‫(?) لم أقف على كالم ابن رشد وابن شاس في مظانه‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) يقصد بظاهر المدونة قوله فيها (‪(( :)4/242‬فأما ما سكن المسلمون عند افتتاحهم‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫وكانت مدائنهم التي اختطوها مثل الفسطاط والبصرة والكوفة وإفريقية وما أشبه ذلك من‬
‫مدائن الشام‪ ،‬فليس لهم ذلك إال أن يكون لهم شيء أعطوه فيوفى لهم به‪ ،‬ألن نلك المدائن‬
‫صارت ألهل اإلسالم مال يرثون ويبيعون‪ ،‬وليس ألهل الصلح فيها حق‪ ،‬فقد صارت‬
‫مدائن ألهل اإلسالم وأمولهم))‪.‬‬
‫(?) هو أبو سعيد خلف بن أبي القاسم األزدي القيرواني‪ ،‬الشهير بالبَ َرا ِذ ِع ّي‪ ،‬الفقيه اإلمام‬ ‫‪3‬‬

‫العالم‪ ،‬من حفاظ المذهب المالكي‪ ،‬ومن أكابر أصحاب ابن أبي زيد القيرواني وأبي‬
‫الحسن القابسي‪ ،‬له تآليف منها التهذيب في اختصار المدونة‪،‬ـ واختصار الواضحة‪ ،‬كان‬
‫حيا بعد سنة ‪430‬هـ‪.‬‬
‫انظر ترجمته في‪ :‬سير أعالم النبالء للذهبي ( ‪ ،)17/523‬الديباج البن فرحون ( ‪ 1/344‬ـ ‪351‬‬
‫)‪.‬‬
‫(?) انظر‪ :‬تهذيب المدونة للب َرا ِذع ّي (‪ ،)3/361‬فقد جاء فيه ما يلي‪(( :‬وليس ألهل الذمة‬ ‫‪4‬‬

‫أن يحدثوا في بلد اإلسالم كنائس‪ ،‬إال أن يكون لهم أمر أعطوه‪.‬‬
‫قال ابن القاسم‪ :‬ولهم أن يحدثوا في بلد صولحوا عليها‪ ،‬وليس لهم ذلك في بلد العنوة‪،‬‬
‫ألنها فيء ليست لهم‪...‬‬
‫وما اختطه المسلمون عند فتحهم وسكنوه‪ ،‬كالفسطاط والبصرة والكوفة وإفريقية وشبهها‬
‫من مدائن الشام‪ ،‬فليس لهم إحداث ذلك فيها‪ ،‬إال أن يكون لهم عهد فيوفى به‪ ،‬ألن تلك‬
‫المدائن صارت ألهل اإلسالم دون أهل الصالح))‪.‬‬
‫(?) سبق توثيق هذا النص من المدونة (‪.)4/424‬‬ ‫‪5‬‬

‫ــ ‪ 343‬ـ‬
‫مؤ ّد إلى قصوره في إغفاله مسألة ي ّدعي المنازع أنّها شهيـرة ال تـخفى على‬
‫أحد‪ ،‬وأنّها إجـماعيّة‪.‬ـ‬
‫وأيضا‪ :‬مالك وابن القاسم إنّمـا منعا من اإلحداث بغيـر أمر‪ ،‬ومسألتنا‬
‫يتقرّر لها استنادا لقول‪ ،‬أو لقوله وقول ابن القاسم على ما أشرنا إليه من‬
‫احتمال الوفاق‪.‬‬
‫بأن المنع إنّمـا هو مع‬‫وأجبت ع ّما أورده من منع بيع مكانها أو هبته‪:‬ـ ّ‬
‫التّعييـن لذلك‪ ،‬وال نسلّم المنع مطلقا‪.‬‬
‫هذا خالصة الخالف الّذي وقع بيننا في الكنائس‪.‬ـ‬
‫الذ ّمة بأوصاف توجب‬ ‫أن الفجيجي وصف في سؤاله أهل ّ‬ ‫واعلم سيّدي ّ‬
‫أن يكونوا ناقضين للعهد‪ ،‬ونحن يا سيّدي ال نعرفها‪ ،‬السيما يهود مدينة‬
‫(توات)؛ وغاية ما وقع منهم عند إهمال الغالئف لهم ما يوجب ال ّزجر أو‬
‫األدب‪ ،‬بل هم عند تفطّنهمـ وزجرهم في غاية ّ‬
‫الذلّة والصّغار؛ وأ ّما الجزية‬
‫فلهم عوائد من قديم ال ّزمان مع األشياخ في األعياد وسائر النّوائب من الفتن‬
‫وغيرها من ضيافات العرب وغيرهم؛ ومرّة لو فضّ ذلك زاد على القدر‬
‫الواجب‪ ،‬ومرّة ينقص‪،‬ـ ومرّة يساوي‪ ،‬ويظلمون كثيـرا‪ ،‬ولو وجدوا العدل‬
‫لهان عليهم القدر الواجب وأكثر منه‪.‬‬
‫الذ ّمة يتحقّقه ك ّل تاجر قدم (توات) من‬ ‫وك ّل ما قلناه من وصف أهل ّ‬
‫أهل بلدكم‪ ،‬بل ضعفوا في هذا ال ّزمان وأض ّر بهم العدم‪.‬‬
‫أن يهود توات لهم دربٌ اختصّوا به‪ ،‬وليس في خارجه‬ ‫واعلم يا سيّدي ّ‬
‫إاّل قلي ٌل منهم‪ ،‬وكنيستهم بين دورهم‪ ،‬ال تالصق دار مسلم‪.‬‬
‫جوابكم ولكم األجر‪ ،‬والسّالم عليكم والرّحـمة والبـركة))‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫[جواب اإلمام أبي العباس أحمد بن زكري]‬
‫فأجاب فقيهـ تلمسانـ ومفتيهاـ أبو العبّاسـ أحـمد بن مـح ّمد بنـ زكري‬
‫بماـ ن ّ‬
‫صه‪:‬ـ‬
‫الحمد هلل‪.‬‬
‫الجواب عن السّؤال المكتتبـ في الورقتيـن قبل هذا هو أن نقول‪ :‬هدم‬
‫الكنائس المسؤول عنها ال يـجوز بمقتضى ال ّشريعة المح ّمديّة‪ ،‬على رأي‬
‫المحقّقين في الفقه المالك ّي‪ ،‬النّاظرينـ به في القضيّة‪ ،‬والتّشغيبـ فيها من عدم‬
‫التّحقيق في أصول المسائلـ العلميّة‪،‬ـ فيغتـ ّر المشغب في المسألة بظاهر‬
‫عمومات هي مـخصوصةٌ‪ ،‬وكذلك المطلقات من النّصوص وهي مقي ٌ‬
‫ّدات‪،‬ـ‬
‫(?) انظر نص الجوب في المعيار المعرب للونشريسي (‪ 2/217‬ـ ‪..)225‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 344‬ـ‬
‫الذ ّم ّي كنيسة في بلد اإلسالم‪ ،‬وموضوع قضيّة‬ ‫أن موضوعها إحداث ّ‬ ‫على ّ‬
‫ّ‬
‫النّزاع هدم ما وجد من الكنائس مبنيّا مـحوزا بيد الذ ّمييـن دهرا طويال‪ ،‬ولـم‬
‫ينكر عليه أح ٌد من المسلمين؛ـ وال يد ّل منع اإلحداث على وجوب هدم المبنىـ‬
‫المحوز على الوجه الموصوف بشيء من ال ّداللة الثّالث؛ ولهذا [رأى] ال ّشيخ‬
‫بأن الظّاهر من قول ابن القاسم وغيره ّ‬
‫أن القديم من‬ ‫أبو الحسن اللّخمي ّ‬
‫الكنائس يتـرك وال يهدم؛ وكذا قال صاحب الجواهر(‪(( :)1‬ال نتعرّض‬
‫لكنائسهم))(‪ ،)2‬مع قوله بعد هذا‪(( :‬فإن كانوا في بلدة بناهاـ المسلمون فال‬
‫يم ّكنون من بناء كنيسة)) (‪.)3‬‬
‫ي من الكنائسـ القديمة ال يتعرّض له‪،‬‬ ‫وال فرق إاّل ما قلناه من ّ‬
‫أن المبن ّـ‬
‫وإن كان في موضع يمنعـ فيه اإلحداث‪ ،‬فال يستقيم االستدالل على وجوب‬
‫الهدم بمنعـ اإلحداث‪.‬‬
‫على أنّا نقول‪ :‬ما د ّل منها بعمومه وإطالقه مـخصوصٌ ومقيّ ٌد بغيـر‬
‫والذ ّمييـنـ إذا انتقلوا في بلد اإلسالم من موضع إلى موضع‪ ،‬ولـم‬ ‫المعاهدين ّ‬
‫والذ ّمة‪ ،‬فسكنوا فيه وأرادوا إحداث كنيسةـ إلقامة دينهم‪،‬‬ ‫يـخرجوا عن العهد ّ‬
‫فإنّهم يم ّكنون من بنائها وال يمنعون منها‪،‬ـ وإنّمـا يمنعون من إظهار ما ال‬
‫يـجوز إظهاره‪ ،‬كالقراءة وضرب النّواقيس(‪.)4‬‬
‫وعلى هذا بنى ابن الحا ّج في مسألة النّصارى الرّاحلين من العدوة‬
‫بأمر أميـر المسلمين إلى موضع استقرّوا فيه وطلبوا بناء كنائسـ في موضع‬
‫استقرارهم‪ ،‬فقال‪(( :‬هؤالء النّصارى وصفوا بالعهد‪ ،‬وذلك يقتضي ثبوتهم‬
‫على ما سلف من العهد والعقد من ّ‬
‫الذ ّمة‪ ،‬والوفاء لهم واجبٌ ‪ ،‬فيباح لك ّل‬
‫طائفة منهم بناء بيعة واحدة إلقامة شريعتهم‪ ،‬ويمنعون من ضرب النّواقيس‪،‬‬
‫ألن أميـر المؤمنين أمر بنقلهم للخوف منهم والحذر للمسلمين؛ قال‪ :‬ورأيت‬ ‫ّ‬
‫لبعض المالكيّيـنـ نحوه‪ ،‬وهو الصّحيح عندي‪...‬‬
‫ث ّم قال‪ :‬وتـميّزت هذه المسألة ع ّما اختلف العلماء فيه قديما وحديثا من‬
‫المالكيّة وغيـرهم‪ ،‬لـم أر لذكر اختالفهم هنا وجها))(‪.)5‬‬
‫قلت‪ :‬وأنا ال أرى لـهدم الكنائس المسؤول عنها وجها‪.‬‬

‫(?) هو اإلمام ابن شاس صاحب كتاب "عقد الجواهر الثّمينةـ في مذهب عالـم المدينةـ"‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫وقد سبقت ترجـمته‪.‬‬


‫(?) عقد الجواهر الثمينةـ البن شاس (‪.)1/491‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) المصدر نفسه (‪.)1/492‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) انظر‪ :‬المصدر نفسه (‪.)1/493‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) فتاوى البرزلي (‪.)2/17‬‬ ‫‪5‬‬

‫ــ ‪ 345‬ـ‬
‫الذميّيـن المذكورين لو أرادوا إحداث كنيسةـ في موضع‬ ‫فألن ّ‬
‫ّ‬ ‫أ ّما أ ّوال‪:‬‬
‫ي وجه‬ ‫استقرارهم حين نزلوا فيه لساغ لهم ذلك‪ ،‬وال يسوغ منعهم على أ ّ‬
‫الذ ّمة على ما علم من حال اليهود‬ ‫فرضت من اختطاط أو إحياء‪ ،‬إذ هم أهل ّ‬
‫في بلد المسلمين‪،‬ـ إذ ال يعلم لهم فيها حربٌ ‪ ،‬فعقد ّ‬
‫الذ ّمة لهم قدي ٌم؛ فقد نصّ‬
‫الذ ّم ّي جزيته من بلد لغيـره من بلد اإلسالم‪،‬‬‫مشايخ المالكيّة على جواز نقل ّ‬
‫وذ ّمة المسلمين واحدةٌ في ك ّل بلد من بالدهم‪ ،‬فال يتوقّف في أمرهم‪ ،‬وإنّمـا‬
‫ينظر فيهم لو كانوا نصارى كما أشار إليه ابن الحا ّج في نازلتهـ‪.‬‬
‫ولعمري لو اتّفق مثل ذلك لليهود لـم يـحتج إلى مثل ما احتاج إليه من‬
‫قوله‪(( :‬هؤالء قد وصفوا بالعهد‪...‬ـ)) إلى آخر ما ذكره‪.‬‬
‫فقضيّة النّزاع ابتداء مندرجةٌ في جوابه اندراجا أحرويّا‪ ،‬لـمـا علم من‬
‫الذ ّمة أقوى من العهد‪ ،‬فكيف يستقيم هدم ما وجد مبنيّاـ مـحوزا بيد‬‫أن عقد ّ‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫الذ ّمييـن المذكورين من الكنائسـ لها بأيديهمـ أم ٌد طوي ٌل ال يعلم تاريـخه‪ ،‬وال‬
‫مانع من اإلنكار عليهم عادة في تلك المواضع وال في غيرها‪،‬ـ لـمـا قد علم‬
‫من حال اليهود في غالب أحوالـهم‪ ،‬فيجب القضاء بالملك لـهم‪.‬‬
‫وقد قضى أهل المــذهب المــالك ّي بملك الحــائز موضــعا مــ ّدة الحيــازة‬
‫بشــــروطها‪ ،‬عشــــرة أعــــوام ونحوها بين األجــــانب‪ ،‬وخـمسيـن ســــنة بين‬
‫األقــارب(‪ ،)1‬الســيما مع البنــاء والهــدم‪ ،‬وال أثر في ذلك الحتمــال الغصب أو‬
‫التّع ّدي‪.‬‬
‫(‬
‫ي ‪)2‬‬‫وعلى هذا األصل بنى شيخنا سيّدي أبو الفضل قاسم العقبانـ ّـ‬
‫رحـمه هللا ورضي هللا عنه‪ ،‬فتياه للقصّارين بتلمسان‪ ،‬فإنّهم تـملّكوا مقبـرة‬
‫من مقابر المسلمين يتص ّرفون فيها بالبيع واالبتياعـ وتورث عنهم‪ ،‬فقام عليهم‬

‫(?) انظر‪ :‬المدونة لسحنون (‪ ،)5/192‬عقد الجواهر الثمينةـ البن شاس (‪،)170 ،2/164‬‬ ‫‪1‬‬

‫القوانين الفقهية البن جزي ص ‪ ،310‬شرح مختصر الشيخ خليل للخرشي (‪ 7/242‬ـ‬
‫‪ ،)243‬مواهب الجليل للحطاب (‪ 6/221‬ـ ‪ ،)226‬شرح تحفة الحكام لميارة الفاسي (‪2/16‬‬
‫‪،)170 ،4‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) هو أبو الفضل قاسم بن سعيد العقباني‪ ،‬قاضي الجـماعة بتلمسان‪ ،‬أخذ عن والده‬
‫وابن حجر وغيرهما‪ ،‬وعنه ابن مرزوق حفيد الحفيد‪ ،‬والمازوني‪ ،‬وابن زكري‪،‬‬
‫وطبقتهم‪ ،‬له تعليق على ابن الحاجب الفرعي‪ ،‬وأرجوزة في التصوف‪ ،‬وشرح الرسالة‪،‬‬
‫وشرحان على المدونة‪،‬ـ توفي سنة ‪854‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬رحلة القلصادي ص ‪ 106‬ـ ‪ ،107‬ثبت الوادي آشي ص ‪ ،130‬نيل االبتهاج‬
‫للتنبكتي ص ‪ 365‬ـ ‪.366‬‬
‫ــ ‪ 346‬ـ‬
‫قائ ٌم وأراد نزعها من أيديهم وتصييـرها حبسا كسائر المقابر‪ ،‬مـحتجّا عليهم‬
‫أن الميّت إذا دفن في موضع فهو حبسٌ ‪.‬‬ ‫باتّفاقـ المذاهب على ّ‬
‫بأن الحوز بأيديهمـ م ّدة طويلة من غير نكيـر‪ ،‬وذلك‬ ‫فأجاب الشّيخ‪ّ :‬‬
‫يوجب ملكهم‪ ،‬وال يسألون عن سببه‪،‬ـ وال يـحمل أمرهم على العداء‪ ،‬إلمكان‬
‫طريان ال ّدين على ملكهم لحصار ونحوه‪.‬‬
‫فهذه الكنائس المسؤول عنها مندرجةٌ فيما أفتى به شيخنا‪ ،‬بل هي‬
‫الذ ّمة‪ ،‬وظلم أهل ّ‬
‫الذ ّمة ال‬ ‫أحرويّةٌ‪ ،‬فنقول‪ :‬هدم الكنائسـ الموصوفة ظل ٌم ألهل ّ‬
‫يجوز شرعا؛ فمن أ ّول األ ّول هدم الكنائس الموصوفة ال يـجوز شرعا‪.‬‬
‫للذميّيـن المذكورين‪،‬‬ ‫بيان الصّغرى‪ :‬ما تق ّدم من ثبوت ملك ما أريد هدمه ّ‬
‫واحتمال ال ّتع ّدي فيها مرجوح [وحق] ّ‬
‫الذ ّم ّي‪ ،‬معلو ٌم من ال ّدين ضرورة‪.‬‬
‫فهذا المنهج في تـحصيل المطلب المسؤول عنه كاف‪ ،‬ويدفع ال ّشغب‬
‫سك بظاهره في‬ ‫عن القضيّة للمنصف واف‪ .‬ث ّم نتبـ ّرع بالكالم على ما يتم ّ‬
‫منع اإلحداث‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫ّ‬
‫قد قسّم غيـر واحد من مشايخ المالكيّةـ األرض باعتبارـ إحداث الذ ّم ّي‬
‫فيها كنيسة ثالثة أقسام‪ :‬أرضٌ للمسلمين‪ ،‬وأرضٌ للصّلحيّيـن‪ ،‬وأرض عنوة‪،‬‬
‫وهي أيضا للمسلمين؛ وال خفاء في الفرق بين هذه األراضي الثّالث‪.‬‬
‫فاألولـى‪ :‬ما ملكه المسلمون ملكا تا ّما يقبل نقل الملك بسبب من أسبابه‪،‬‬
‫والخطة‪ :‬العطيّة‪ ،‬قال الجوهريّ (‪:)1‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المختطة‪ ،‬أي‪ :‬المعطاة‪،‬‬ ‫ومن ذلك األرض‬
‫يعلم عليها عالمة بالخط‪ّ،‬‬ ‫يـختطها الرّجل لنفسه‪ ،‬وهو أن ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الخطة بالكسر‪ :‬األرض‬
‫ليعلم أ ّنه قد اختارها ليبنيها دارا‪ ،‬ومنه خطط الكوفة والبصرة‪.‬‬
‫قال ال ّشيخ أبو إسحاق التّونس ّي (‪ :)2‬ما اختطّ المسلمون من أرض فلهم‬
‫ك في‬‫أن يبنوا ويتملّكوا مثل القيـروان الّتي اختطّها العرب حين نزلوا‪ ،‬ال ش ّ‬
‫جواز بيعها‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) هو أبو نصر إسماعيل بن حـ ّمـاد الجوهريّ‪ ،‬إما ٌم من أئمة اللغة‪ ،‬أخذ العربية عن‬
‫أبي سعيد السيرافي‪ ،‬وأبي علي الفارسي‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬وهو صاحب معجم الصحاج‬
‫الشهير‪ ،‬توفّـي سنة ‪393‬هـ‪ ،‬وقيل في حدود سنة ‪400‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬إنباه الرواة للقفطي (‪ 1/167‬ـ ‪ ،)198‬بغية الوعاة للسيوطي (‪ 1/446‬ـ ‪)447‬؛ سير‬
‫أعالم النبالء للذهبي (‪ 17/80‬ـ ‪.)82‬‬
‫‪2‬‬
‫(?)هو أبو إسحاق إبراهيبم بن حسن بن إسحاق التّونس ّي‪ ،‬اإلمام المحدث الحافظ الفقيه‬
‫األصولي‪ ،‬تفقه بأبي بكر بن عبد الرحمن‪ ،‬وأبي عمران الفاسي‪ ،‬واألزدي‪ ،‬وغيرهم‪،‬‬
‫وبه جماعة منهم عبد الحميد بن سعدون‪ ،‬وعبد الحميد الصائغ‪ ،‬له تعاليق حسنة على‬
‫المدونة وكتاب ابن المواز‪ ،‬توفّـي سنة ‪443‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬الديباج البن فرحون (‪ ،)1/269‬شجرة النور الزكية لمحمد مخلوف (‪ 1/108‬ـ ‪،)109‬‬
‫وفيات ابن قنفذ ص ‪.244‬‬
‫ــ ‪ 347‬ـ‬
‫صلح‪ :‬فعلى وجهيـن‪:‬‬ ‫وأ ّما أرض ال ّ‬
‫األ ّول‪ :‬يعمرها أهل الصّلح بخراج‪ ،‬ورقبتها للمسلمين‪.‬‬
‫والثّانـي‪ :‬أن تكون الرّقبة لهم‪ ،‬وعليهم الخراج(‪.)1‬‬
‫وأ ّما أرض العنوة‪ :‬فهي المأخوذة من أيدي الكفّار الحربيّيـنـ قهرا‪،‬‬
‫وهي أيضا للمسلمين ال تقبل النّقل للملك بسببـ من أسبابه‪ ،‬فيمتنع فيها‬
‫االبتياع واإلقطاع‪.‬‬
‫فأ ّما األرض األولـى فقد ا ّتفقت المالكيّة على منع إحداث ّ‬
‫الذ ّم ّي فيها كنيسة؛‬
‫المدونة‪(( :‬وال يـجوز لـمسلم أن يكري داره أو يبيعها مـ ّمن ي ّتخذها كنيسة))(‪.) 2‬‬
‫ّ‬ ‫ففي‬
‫وفي رسم "يسلّف في المتاع والحيوان" من سماع ابن القاسم من كتاب‬
‫السّلطان من العتبيّة‪(( :‬سئل مالك عن الكنائسـ الّتي في الفسطاط المحدثة الّتي‬
‫في خطط اإلسالم‪ ،‬إن أعطوهم العراص وأكروها يبنون فيها الكنائسـ؟‬
‫(‪)3‬‬
‫قال مالك‪ :‬أرى أن تغيّـر وتهدم وال يتـركوا‪ ،‬وذلك ال خيـر فيه)) ‪.‬‬
‫قال القاضي ابن رشد في البيان ـ عند شرحه لهذه المسألة‪(( :‬هذا مثل‬
‫ما في المد ّونة‪ ،‬وال خالف أعلمه فيها))(‪.)4‬‬
‫قلت‪ :‬وليس في المد ّونة ما يماثل مسألة العتبيّة الّتي حكى القاضي ابن‬
‫رشد فيها االتّفاق تص ّورا وتصديقا‪ ،‬إاّل قولها‪(( :‬وال يـجوز لـمسلم أن يكري‬
‫داره أو يبيعهاـ مـ ّمن يتّخذها كنيسة أو بيت نار))(‪.)5‬‬
‫لعله أراد قولها‪(( :‬ليس ألهل ّ‬
‫الذ ّمة أن يـحدثوا ببلد اإلسالم‬ ‫فإن قلت‪ّ :‬‬
‫كنيسة))‪.‬‬
‫ّ‬
‫قلت‪ :‬ال يص ّح أن يريد ذلك‪ ،‬ألن المراد ب"بـلد اإلسالم" عند شارحيها‬
‫الذ ّم ّي فيها كنيسة منصوصٌ‬ ‫"بلد العنوة" ال غيـرها‪،‬ـ والخالف في إحداث ّ‬

‫(?) انظر‪ :‬عقد الجواهر الثمينةـ البن شاس (‪.)1/492‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) قال اإلمام مالك في المدونة (‪(( :)4/424‬وال يعجبني أن يبيع الرجل ممن يتخذها‬ ‫‪2‬‬

‫كنيسة‪ ،‬وال يؤاجر داره ممن يتخذها كنيسة))‪.‬‬


‫للبرا ِذع ّي (‪.)3/360‬‬
‫أما العبارة التي نقيلها ابن زكري‪ ،‬فإنها مقتبسة من تهذيب المدونة َ‬
‫وهذه على عادة كثير من المتأخرين‪ ،‬فإنهم يحيلون على المدونة‪ ،‬والحقيقة أنهم رجعوا‬
‫إلى تهذيبها للب َرا ِذع ّي‪.‬‬
‫(?) انظر‪ :‬العتبية ضمن البيان والتحصيل البن رشد الجد (‪.)9/340‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) البيان التحصيل البن رشد الجد (‪.)9/340‬‬ ‫‪4‬‬

‫للبرا ِذع ّي (‪.)3/360‬‬


‫(?) انظر‪ :‬المدونة لسحنون (‪ ،)4/242‬تهذيب المدونة َ‬ ‫‪5‬‬

‫ــ ‪ 348‬ـ‬
‫عليه في المد ّونة عند ابن القاسم وغيـره؛ وقد أشار ابن رشد إليه في آخر‬
‫كالمه(‪.)1‬‬
‫ألن الغيـر لـم يـخالف فيها ابن‬ ‫وال يقال‪ :‬مراده األرض المختطّة‪ّ ،‬‬
‫القاسم‪ ،‬كما خالفه في أرض العنوة‪ ،‬حسبما هو ظاهر المد ّونة‪.‬‬
‫خمي الخالف فيها وفي العنويّة‬ ‫الل ّ‬‫أل ّنا نقول‪ :‬قد نقل ال ّشيخ أبو الحسن ّ‬
‫المختطة للغيـر المخالف البن القاسم في أرض‬ ‫ّ‬ ‫صريـحا‪ ،‬إاّل أ ّنه لـم يعزه في‬
‫العنوة‪.‬‬
‫ولفظه‪(( :‬اختُِلف في الكنائس في بالد المسلمين في العنوة إذا أقـ ّر فيها‬
‫أهلها‪ ،‬وفيما خطّه المسلمون فسكنه أهل ّ‬
‫الذ ّمة على ثالثة أقوال‪:‬‬
‫ـ فقال ابن القاسم(‪ :)2‬ليس لهم أن يـحدثوا كنيسة في شيء من بلد‬
‫المسلمين كانوا عنوة فأقرّوا فيها أو اختطّ ذلك المسلمون فسكنها أهل ّ‬
‫الذ ّمة‬
‫معهم‪ ،‬إاّل أن يكونوا أعطوا ذلك فيوفّـى لهم‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ـ وقال غيـره‪ :‬لـهم أن يتّخذوا ذلك في أرض العنوة إذا أقرّوا فيها ‪.‬‬
‫أن القديم منها يتـرك‪ ،‬قال ابن القاسم‪ :‬وأ ّما أهل الصّلح‬ ‫وظاهر قوليهما ّ‬
‫فال يمنعوا من أن يـحدثوا الكنائس ألنّها بالدهم‪.‬‬
‫وقال ابن الماجشون(‪ )4‬في كتاب ابن حبيب( )‪ :‬أ ّما أهل العنوة فال يتـرك‬
‫‪5‬‬

‫لهم عند ضرب الجزية كنيسةٌـ إاّل هدمت‪ ،‬ث ّم ال يـحدثون كنيسة في بلد‬
‫المسلمين‪ ،‬وإن كانوا منعزلينـ عن بلد اإلسالم‪...‬‬

‫‪ )?( 1‬انظر‪ :‬البيان التحصيل البن رشد الجد (‪.)9/340‬‬


‫‪ )?( 2‬قال ذلك في المدونة (‪.)4/242‬‬
‫‪ )?( 3‬جاء في تهذيب المدونة للب َرا ِذع ّي (‪ 3/361‬ـ ‪ )362‬ما يلي‪(( :‬وقال غيره [غير ابن‬
‫القاسم]‪ :‬كل بلدة افتتحت عنوة وأقرّوا فيها‪ ...‬فال يمنعوا من كنائسهم التي فيها‪ ،‬وال أن‬
‫يحدثوا فيها كنائس‪ ،‬ألنهم أقروا فيها على ما يجوز أهل الذمة))‪.‬‬
‫وانظر‪ :‬البيان والتحصيل البن رشد الجد (‪.)9/341‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) هو أبو مروان عبدالملك بن عبدالعزيز الماجشون‪ ،‬كان فقيها من فقهاء المالكية‪،‬‬
‫دارت عليه الفتوى وعلى أبيه من قبله‪ ،‬تفقه بأبيه ومالك وغيرهما‪ ،‬وبه تفقه كثير منهم‬
‫ابن حبيب وسحنون وغيرهما‪ ،‬توفي سنة ‪212‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬التاريخ الكبير للبخاري (‪5/42‬‬
‫‪ ،)4‬ترتيب المدارك للقاضي عياض (‪ ،)1/360‬تهذيب التهذيب البن حجر (‪.)6/408‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) هو أبو مروان عبدالملك بن حبيب السلمي القرطبي‪ ،‬الفقيه األديب الثقة العالم‬
‫المشاور‪ ،‬روى عن الغازي بن قيس وزياد بن عبدالرحمن‪ ،‬وسمع ابن الماجشون‬ ‫َ‬
‫ومطرفا وابن عبدالحكم‪ ،‬وسمع منه تقي الدين بن مخلد وابن وضاح وجـماعة‪ ،‬ألف كتبا‬
‫كثيرة منها‪ :‬الواضحة‪ ،‬الجامع‪ ،‬تفسير الموطأ‪ ،‬فضل المسجد‪ ،‬توفي سنة ‪238‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬طبقات الفقهاء للشيرازي ص ‪ ،162‬ترتيب المدارك للقاضي عياض (‪،)2/30‬‬
‫تهذيب التهذيب البن حجر (‪.)6/390‬‬
‫ــ ‪ 349‬ـ‬
‫قال‪ :‬وأما أهل الصالح فال يحدثوا كنيسةـ في بالد اإلسالم المسلمين‪،‬ـ‬
‫وإن شرط ذلك لم يجز‪ ،‬ويمنعون من ر ّم كنائسهم القديمة إذا دثرت‪ ،‬إاّل أن‬
‫يكون شرط لهم ذلك فيوفى لهم‪ ،‬ويمنعون من الزيادة الظاهرة والباطنة‪.‬‬
‫وإن كانوا منقطعين عن بلد المسلمين‪ ،‬وليس بينهمـ مسلمون‪ ،‬كان لهم‬
‫أن يـحدثوا‪ .‬انتهى(‪.)1‬‬
‫ق ونظ ٌر واضحٌ‪.‬‬‫فما نقله ابن عرفة منسوبا إليه فيه قل ٌ‬
‫وأ ّما األرض الّتي اتّفق أهل المذهب على جواز اإلحداث فيها فهي‬
‫األرض األخيـرة في كالم ال ّشيخ اللّخم ّي‪ ،‬والمختلف فيها ما ذكر من أرض‬
‫العنوة والمختطّة‪ ،‬وكذلك أرض الصّلح الّتي بين أظهر المسلمين‪.‬‬
‫ـ فقال القاضي ابن رشد‪ :‬لهم اإلحداث إن شرطوه(‪.)2‬‬
‫ونقل ال ّشيخ ابن أبـي زيد(‪ )3‬عن عبد الملك(‪ )4‬في النّوادر‪ :‬ليس لهم‬
‫اإلحداث وإن شرطوه‪.‬‬
‫خمي‪.‬‬ ‫المدونة كما نقله ال ّشيخ ّ‬
‫الل ّ‬ ‫ّ‬ ‫وكالهما لـم يعرّج على قول ابن القاسم في‬
‫وقوله في الكتاب‪:‬ـ ((إاّل أن يكون لهم أم ٌر أعطوه))‪ ،‬فسّره ال ّشرّاح بـإذن‬
‫اإلمام‪ .‬ونقل ال ّشيخ أبو الحسن عن ال ّشيوخ جواز اإلذن لإلمام في اإلحداث إذا‬
‫كانت مصلحته أعظم من مفسدته‪.‬‬
‫أن األرض الّتي بنيتـ فيها الكنائسـ المسؤول‬ ‫فظهر بما ذكرناه وقرّرناه ّ‬
‫عنها ليست من األرض أو منفعتهاـ على أن يبنوا فيها تلك الكنائس‪ ،‬فاحتمل‬
‫صحّة‪ ،‬إذ يـحتملـ أن يكون‬ ‫أمرها وجها واحدا فاسدا ووجوها كثيـرة من ال ّ‬
‫التّمليك للسّكنى ث ّم بدا ّ‬
‫للذ ّمييـن بناء الكنيسة إلقامة دينهم‪ ،‬والملك المعتبـر‬

‫(?) انظر نحو كالم اللخمي في البيان والتحصيل البن رشد الجد (‪ 9/340‬ـ ‪ ،)341‬عقد‬ ‫‪1‬‬

‫الجواهر الثمينة البن شاس (‪.)1/493‬‬


‫(?) انظر‪ :‬البيان والتحصيل البن رشد الجد (‪.)9/340‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫(?) هو أبو محمد عبدهللا بن أبي زيد عبدالرحمن النفزي القيرواني‪ ،‬إمام المالكية في‬
‫وقته‪ ،‬أخذ عن جـماعة منهم محمد بن مسرور والقطان واألبياني‪ ،‬وتفقه به أبو بكر بن‬
‫عبدالرحمن‪ ،‬والبراذعي واللبيدي وغيرهم‪ ،‬من تآليفه النوادر والزيادات‪ ،‬والرسالة‪،‬‬
‫والذب على مذهب مالك وغيرها‪ ،‬توفي سنة ‪386‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬طبقات الفقهاء للشيرازي ص ‪ ،160‬ترتيب المدارك للقاضي عياض (‪ 2/492‬ـ‬
‫‪ ،)497‬سير أعالم النبالء للذهبي (‪ 17/10‬ـ ‪.)13‬‬
‫(?) هو عبد الملك بن الماجشون‪ ،‬وقد سبقت ترجمته‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 350‬ـ‬
‫ّ‬
‫للذ ّم ّي مص ّح ٌح إلحداثه الكنيسةـ فيه على مقتضى قول ابن القاسم في المد ّونة‪،‬‬
‫إذ فرّق به بين أرض الصّلح يـجوز فيها اإلحداث وبين العنوة فمنعه فيها(‪.)1‬‬
‫وكذلك يعتبـرـ الملك على قول ابن الماجشون أيضا‪ ،‬غيـر أنّه جعل‬
‫شرط تأثيـرهـ السّالمة من مـخالطة ّ‬
‫الذميّيـن للمسلمين خشية الفتنة على‬
‫الضّعفاء‪ ،‬ولذلك أجاز اإلحداث للمنقطعين عن المسلمين إن لـم يسكنوا‬
‫ي قال‪ :‬إنّه خالف المذهب‪.‬‬ ‫معهم(‪ ،)2‬إاّل ّ‬
‫أن اإلمام المازر ّ‬
‫ومـ ّمـا يـحتمل ِإْذنُ جـمـاعة المسلمين ّ‬
‫للذ ّمييـن في اإلحداث وهي قائمةٌ‬
‫مقام اإلمام في الموضع الّذي ال إمام فيه‪.‬‬
‫أو تكون األرض مـحياة‪ ،‬فملك ّ‬
‫الذ ّميّون باإلحياء‪ ،‬على القول بصحّة‬
‫الذ ّم ّي في غيـر جزيرة العرب(‪ ،)3‬وهو مـختار الباجي(‪.)4‬‬ ‫إحياء ّ‬
‫أو تكون األرض مـختطّة وأذنت الجماعة لـمصلحة في اإلحداث هي‬
‫أرجح من المفسدة‪ ،‬ويصيـر ذلك كحكم من حاكم في مـحـ ّل الخالف فيـرفعه‪.‬‬
‫الذ ّميّون على الموضوع للسّكنى فيه عن عهد معتبـر سابق‪ ،‬كما‬ ‫أو قدم ّ‬
‫أن وقوع واحد من شيئينـ فأكثر أقرب من‬ ‫تق ّدم‪ .‬وقد الح في أصول الفقه ّ‬
‫وقوع واحد بعينه‪.‬‬

‫‪ )?( 1‬في المدونة (‪(( :)4/24‬سألت مالكا هل ألهل الذمة أن يتخذوا الكنائس في بالد‬
‫اإلسالم؟‬
‫فقال‪ :‬ال إال أن يكون لهم شيء أعطوه‪.‬‬
‫قال ابن القاسم‪ :‬وال أرى أن يمنعوا من ذلك في قراهم التي صالحوا عليها‪ ،‬ألن البالد بالدهم‬
‫يبيعون أرضهم وديارهم‪ ،‬وال يكون للمسلمين منها شيء‪ ،‬إال أن تكون بالدهم غلبهم‬
‫عليها المسلمون وافتتحوها عنوة فليس لهم أن يحدثوا فيها شيئا‪ ،‬ألن البالد بالد‬
‫المسلمين))‪.‬‬
‫‪ )?( 2‬انظر عقد الجواهر الثمينة البن شاس (‪ )1/493‬فقد جاء فيه ما يلي‪(( :‬فلو صولحوا‬
‫على أن يتخذوا الكنائس إن شاؤوا‪ .‬فقال ابن الماجشون‪ :‬ال يجوز هذا الشرط‪ ،‬ويمنعون‬
‫منه إال في بلدهم الذي ال يسكنه المسلمون معهم‪ ،‬فلهم ذلك وإن لم يشترطوه‪ .‬قال‪ :‬وهذا‬
‫هو الصلح‪.))...‬‬
‫وانظر‪ :‬البيان والتحصيل البن رشد الجد (‪.)9/340‬‬
‫‪ )?( 3‬انظر‪ :‬المتقى للباجي (‪.)6/29‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) هو اإلمام أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي األندلسي‪ ،‬اإلمام الحافظ الفقيه‪ ،‬أخذ عن‬
‫علماء األندلس والمشرق كأبي ذر الهروي‪ ،‬وأبي الطيب الطبري‪ ،‬والشيرازي وغيرهم‪،‬‬
‫وسمع من الخطيب البغدادي وسمع الخطيب منه‪ ،‬أخذ عنه ابنه أحمد‪ ،‬والطرطوشي‪،‬‬
‫وابن بشير‪ ،‬وسمع منه ابن عبدالبر‪ ،‬من مصنفاته‪ :‬إحكام الفصول في أصول الفقه‪،‬‬
‫والمنتقى شرح الموطأ‪ ،‬توفي سنة ‪474‬هـ‪.‬‬
‫انظر‪ :‬تذكرة الحفاظ للذهبي ( ‪ ،)3/1178‬الصلة البن بشكوال ( ‪ ،)1/201‬ترتيب المدارك للقاضي‬
‫عياض ( ‪.)8/802‬‬
‫ــ ‪ 351‬ـ‬
‫إن الحوز الثّابت ّ‬
‫للذ ّمييـن ـ على ما ذكر ـ مان ٌع من اعتبار الفساد‪،‬‬ ‫ث ّم ّ‬
‫ّ‬
‫وإن احتمل بمقتضى ما تقرّر في الفقه‪ ،‬فلو ق ّدر التـرافع في الكنائسـ‬
‫الموصوفة إلى حاكم موصوف بالعلم والعدالة ال يقضي فيها سوى بال ّ‬
‫صحّة‪،‬‬
‫صحّة لنقض حكمه‪.‬‬ ‫ولو قضى فيها بالفساد الحتمالهـ مع قيام موجب ال ّ‬
‫ولـم يـخرج عن حكم هذا األصل سوى مسألةٌ واحدةٌ نبّه مشايخ‬
‫المالكيّة عليها‪ ،‬وهي‪ :‬إذا ا ّدعت المرأة على زوجها الوطء في خلوة االهتداء‬
‫وهي مـحرمةٌ أو حائضٌ ‪ ،‬أو في نهار رمضان‪ ،‬وأنكره ال ّزوج‪.‬‬
‫قال في المد ّونة(‪ :)1‬فالقول فيه كالقول في الوطء الصّحيح في وجوب‬
‫جـميع الصّداق‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬القول قول ال ّزوج‪ ،‬عمال باألصل المقرّر‪.‬‬
‫وإنّما لـم يعتبـره في المد ّونة في هذه المسألة من أجل الوازع الطّبيع ّي‪،‬‬
‫فق ّدمه على الوازع ال ّشرع ّي‪.‬‬
‫هذا كلّه مـ ّمـا يتعلّق بالمق ّدمة الصّغرى من القياس‪ ،‬وهي قولنا‪ :‬هدم‬
‫الكنائس الموصوفة ظل ٌم ألهل ّ‬
‫الذ ّمة‪.‬‬
‫وأ ّما ما يتعلّق بالمق ّدمة الثّانية‪،‬ـ وهي الكبـرى القائلة‪ :‬وظلم أهل ّ‬
‫الذ ّمة ال‬
‫يـجوز شرعا‪ ،‬فنقول‪ :‬قد أمر هللا بالوفاء بالعهد(‪ ،)2‬وقال رسول هللا ×‪َ« :‬ال‬
‫ن َيْأَذُنوا َلُكمْ»(‪.)3‬‬
‫اهِدينَ ِإَّال أَ ْ‬
‫وت ْالُمعَ َ‬
‫خُلوا ُبيُ َ‬
‫تَْد ُ‬
‫وقد تظافرت األحاديث عنه ـ عليه السّالم ـ بالنّهيـ عن ظلم أهل ّ‬
‫الذ ّمة‪،‬‬
‫فال سبيلـ إلى استباحته‪ ،‬فلزم صدق النّتيجة‪ ،‬وهي‪ :‬هدم الكنائسـ الموصوفة ال‬
‫يـجوز شرعا‪.‬‬

‫(?) انظر المدونة (‪ 2/321‬ـ ‪.)322‬‬ ‫‪1‬‬

‫ﯠ ﯡ ﮊ [اإلسراء‪]34/‬‬ ‫(?) قال هللا تعالى‪ :‬ﮋ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير حديث ‪ :)6/160( 5850‬قال‪ :‬حدثنا صدقة بن‬ ‫‪3‬‬

‫محمد بن خروف المصري‪ ،‬ثنا عبد المنعم بن بشير األنصاري‪ ،‬ثنا عبد الحميد بن‬
‫سليمان عن أبي حازم‪ ،‬عن سهل بن سعد قال‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه و سلم ‪« :‬الَ‬
‫ن»‪.‬‬
‫وت َأْهِل الذَِّّمة ِإَّلا ِبِإْذ ٍ‬
‫خُلوا ُبُي َ‬
‫َتْد ُ‬
‫وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد [كتاب األدب‪/‬باب االستئذان‪ ،.)8/64( ،]...‬وقال‪:‬‬
‫وفيه عبد المنعم بن بشير وهو ضعيف‪ .‬وقال محقق الجامع الكبير للطبراني‪ :‬وعبد‬
‫الحميد بن سليمان أيضا ضعيف‪.‬‬
‫وانظر كنز العمال لعالء الدين الهندي (‪ ،)15/41635‬رقم ‪.41635‬‬
‫وأخرج الطبراني أيضا في المعجم الكبير رقم ‪ )18/258( 645‬حديثا آخر بلفظ‪« :‬الَ‬
‫تَد ُْخلُوا بُيُوتَ ال ِكتَابِيِّينَ ‪ .» ...‬قال محققه‪ :‬وفي أسنده‪ :‬أشعث بن سوار‪ ،‬وهو لين‪،‬‬
‫فالحديث ضعيف أيضا‪.‬‬
‫ــ ‪ 352‬ـ‬
‫ث ّم خروج أهلها إن خرجوا عن الح ّد الواجب ال يستلزم استباحة‬
‫أموالـهم‪ ،‬إاّل أن يكون ذلك مـ ّمـا نصّ أئ ّمتنا أنّه نقضٌ للعهد‪ ،‬كما إذا تـمرّدوا‬
‫على األحكام ومنعوا الجزية‪،‬ـ أو برزوا لقتال المسلمين‪،‬ـ ال بالحرابة على‬
‫المشهور؛ وعليه فحكم المحارب منهم حكم المحارب من المسلمين‪،‬ـ أو يثبتـ‬
‫الذ ّم ّي حرّة مسلمة على ال ّزنـا‪ ،‬فمكرهها ناقضٌ للعهد‪ ،‬أو غرّها بأنّه‬‫إكراه ّ‬
‫مسل ٌم فتز ّوجها؛ وكذلك إن خرج لدار الحرب يريد السّكنى بها ما لـم يكن‬
‫ق على المشهور(‪.)1‬‬ ‫خروجه لظلم لـحقه‪ ،‬فإنّه ال يستـر ّ‬
‫الذ ّمة يقتضي وجوبا عليناـ وعليهم‪ ،‬فحكمه علينا‬ ‫وفي الجواهر‪(( :‬عقد ّ‬
‫الكف عنهم‪ ،‬وأن نعصمهم بالضّمان نفسا وماال‪ ،‬وال نتعرّض‬ ‫ّ‬ ‫وجوب‬
‫لكنائسهم وال خـمورهم وال لخنازيرهم‪ ،‬ما لـم يظهروها‪ ،‬فإن أظهروا الخمر‬
‫أرقناهاـ عليهم‪ ،‬وإن لـم يظهروها وأراقها مسل ٌم فقد تع ّدى ويـجب عليه‬
‫الضّمان؛ وقيل‪ :‬ال يـجب))(‪.)2‬‬
‫قلت‪ :‬مبنى الخالف في هذه المسألة وما يشبهها اختالف األصوليّيـن‬
‫في خطاب الكفّار بالفروع‪ ،‬وهكذا يكون حكم األمور الّتي هي من شرعهم‪،‬‬
‫فإنّا ال نتعرّض لهم فيها ما لـم يظهروها‪ ،‬فيتق ّدم إليهم فيها‪ ،‬فالتّغييـرـ عليهم‬
‫كتغييـر المنكر على المسلمين بشروط ثالثة‪:‬ـ‬
‫األ ّول‪ :‬العلم بالمعروف والمنكر‪ ،‬والجاهل ال يص ّح منه أم ٌر وال نه ٌي‪،‬‬
‫ألنّه قد ينهىـ عن المعروف ويأمر بالمنكر؛ وقد نصّ بعض المتكلّمينـ على‬
‫أن المنه ّي عنه والمأمور به الب ّد أن يكونا مـجمعا عليهما باألمر بالوجوب‬
‫ّ‬
‫والنّهي بالتّحريم‪ ،‬فيخرج المندوب وما اختلف في وجوبه‪ ،‬وكذلك المكروه‬
‫وما اختلف في تـحريمه‪.‬‬
‫الثّانـي‪ :‬األمن من أن يؤ ّدي إنكار المنكر إلى منكر أكبـر منه‪،‬ـ كمن‬
‫ينهى عن شرب الخمر‪ ،‬بحيث يؤول نهيهـ إلى قتل نفس؛ فإن لـم يؤمن ذلك‬
‫لـم يـجـز التّغييـر‪ ،‬كما ذكر من أراد هدم الكنائسـ المسؤول عنها؛ فبتقدير أن‬
‫يكون بقاؤها منكرا لـم يـجـز تغييـرها‪ ،‬إن كان ذلك يؤ ّدي إلى القتل والقتالـ‬
‫بين المسلمين‪،‬ـ فال سبيل إلى تغييـرهاـ على أهلها‪ ،‬وهم من أهل ّ‬
‫الذ ّمة؛ وقد‬
‫اتّفق العلماء على تـحريم قتال ّ‬
‫الذ ّميّيـن‪ ،‬وهم لـم ينقضوا العهد‪ ،‬فلهم ما‬
‫للمسلمين وعليهم ما عليهم‪ ،‬إاّل أن ينقضوا عهد ّ‬
‫الذ ّمة‪ ،‬وحيث لـم ينقضوا‬
‫عهد ّ‬
‫الذ ّمة يكون قتالـهم حرابةٌ‪،‬ـ ومن باب السّعي في الفساد في األرض‪،‬‬

‫(?) انظر‪ :‬شرح مختصر خليل للخرشي (‪ 3/149‬ـ ‪.)150‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر‪ :‬عقد الجواهر الثمينةـ البن شاس (‪.)1/491‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 353‬ـ‬
‫فالسّاعي في ذلك مندر ٌج في آية الحرابة‪،‬ـ وهي قوله تعالى‪ :‬ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ‬
‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ‪...‬ﮊ اآلية(‪.)1‬‬
‫أن إنكاره للمنكر مزي ٌل له‪،‬‬ ‫الثّالث‪ :‬أن يعلم المنكر أو يغلب على ظنّه ّ‬
‫فإن لـم يعلم وال غلب على ظنّه لـم يـجب التّغييـرـ‪.‬‬
‫ال ّشرطان األ ّوالن في الجواز‪ ،‬والثّالثـ في الوجوب‪ ،‬فإذا عدم ال ّشرط‬
‫األ ّول والثّانـي لـم يـجـز األمر وال النّهي‪ ،‬وإذا عدم الثّالث ووجد األ ّول‬
‫والثّانـيـ جاز أن يأمر وينهى‪.‬‬
‫ويد ّل على وجوب األمر بالمعروف والنّهي عن المنكر بال ّشروط‬
‫الثّالثة قوله تعالى‪:‬ـ ﮋ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ‪ ...‬ﮊ اآلية (‪.)2‬‬
‫وف‪َ ،‬وتَ ْن َهوُنَّ‬ ‫سي بِيَ ِد ِه لَتَْأ ُم ُرنَّ بِال َم ْع ُر ِ‬ ‫وقول رسول هللا ×‪َ « :‬والَّ ِذي نَ ْف ِ‬
‫ق َأ ْط ًرا‪َ ،‬أ ْو‬ ‫سفِي ِه َولَتَُأطِّ ُرنَّهُ َعلَى َ‬
‫الح ِّ‬ ‫ع َِن ال ُم ْن َك ِر‪َ ،‬ولَتَْأ ُخ ُذنَّ َعلَى يَـ ِد ال َّ‬
‫س َراِئي َل‪َ ،‬كانَ‬ ‫ض‪َ ،‬ويَ ْل َعن ُك ْم َك َما لَ َعنَ بَنِي ِإ ْ‬ ‫ض ُك ْم َعلَى بَ ْع ٍ‬ ‫وب بَ ْع ِ‬‫ص ِرفَنَّ هللاُ قُلُ َ‬ ‫لَيَ ْ‬
‫سهُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الخ ِطيَئ ِة نَ َهاهُ النَّا ِهي تَ ْع ِزيزًا‪ ،‬فِإذا َكانَ ِمنَ ال َغ ِد َجال َ‬ ‫ِإ َذا َع ِم َل ال َعا ِم ُل ِمن ُه ْم بِ َ‬
‫ْ‬
‫س‪ ،‬فَلَ َّما َرَأى هللاُ َذلِ َك‬ ‫الخ ِطيَئ ِة بِاَأل ْم ِ‬ ‫َو َوا َكلَهُ َوشَا َربَهُ َو َكَأنَّهُ لَـ ْم يَ َرهُ َعلَى َ‬
‫سى»(‪.)3‬‬ ‫ان دَا ُوو َد َو ِعي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ض َولَ َعنَ ُه ْم َعلَى لِ َ‬ ‫ض ِه ْم َعلَى بَ ْع ٍ‬ ‫ص َرفَ قُلُ َ‬
‫وب بَ ْع ِ‬ ‫َ‬
‫وصلّى هللا على نبيّناـ وعليهما وعلى سائر النّبيّيـنـ والمرسلين‪ ،‬وآخر‬
‫دعوانا أن الحمد هلل ربّ العالـمينـ‪.‬‬
‫وك ّل ما وقع في السّؤال من الحجج والمحاجّة صوابٌ ‪ ،‬أرانا هللا الح ّ‬
‫ق‬
‫حقّا ورزقنا اتّباعه‪،‬ـ وجنّبنا طرق الباطل وأشياعه‪ ،‬بمنّه وفضله وجوده‬
‫وطوله‪.‬‬
‫وكتبه عبد ربّه أحـمد بن مـح ّمد بن زكري التّلمسانـ ّي‪ ،‬لطف هللا به‪.‬‬
‫(‪)4‬‬
‫[فتوى البن زكري في مسألة مشابهة وقعت في بيت المقدس]‬
‫الحمد هلل‪ ،‬والصّالة والسّالم على نبيّنا وموالنا رسول هللا‪.‬‬
‫(?) من قوله تعالى‪ :‬ﮋ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ‬ ‫‪1‬‬

‫ﮑ ﮒﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮊ [سورة المائدة‪.]33/‬‬
‫(?) من قوله تعالى‪ :‬ﮋ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ‬ ‫‪2‬‬

‫ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﮬ ﮊ [سورة التوبة‪.]71/‬‬


‫‪ )?( 3‬أخرجه بنحو هذا اللفظ الترمذي في [كتاب المالحم‪/‬باب األمر والنهي]‪ ،‬حديث رقم‬
‫‪.)4/122( ،4337‬‬
‫والطبراني في المعجم الكبير‪ ،‬حديث ‪ 10/146( 10268‬ـ ‪.)147‬‬
‫والبيهقي في شعب اإليمان [باب في األمر بالمعروف والنهي عن المنكر]‪ ،‬حديث ‪6/( 7546‬‬
‫‪.)80‬‬
‫وذكره األلباني في ضعيف سنن أبي داود ص ‪ ،431‬أما محقق كتب شعب اإليمان فقد حسن‬
‫إسناده‪.‬‬
‫‪ )?( 4‬انظر نص هذا الجواب في المعيار المعرب للونشريسي (‪ 2/227‬ـ ‪.)229‬‬
‫ــ ‪ 354‬ـ‬
‫من عبد هللا أحمد بن مح ّمد بن زكري التّلمسان ّي‪،‬ـ خار هللا له‪ ،‬وأنجح‬
‫في رضاه قصده وأمله‪ ،‬إلى األخ في هللا أبي مح ّمد عبد هللا‪.‬‬
‫بعد السّالم عليكم‬
‫قد وردت علـ ّي أسئلتك‪ ،‬وأنا مشغول البال من أجل كثرة األشغال‪،‬‬
‫ي إثرها كتبٌ وسؤا ٌل من قبل المغيلي‪ ،‬طالبا الجواب في قضيّة‬ ‫ووردت عل َّ‬
‫الكنائس الّتي سألت عنها‪.‬‬
‫فأ ّما أجوبة أسئلتك فقد حصلت والحال على ما وصفت لك‪ ،‬وسيقع‬
‫الجواب له عن سؤاله إن شاء هللا ع ّز وج ّل‪.‬‬
‫وما عندي في القضيّة إاّل ما وقع به الجواب لك‪ ،‬وكان ذلك إثر جوابي‬
‫في قضيّة وردت عل ّي من المشرق مثل قضيّتك‪.‬‬
‫ّ‬
‫وحاصل سؤالها‪ :‬كنيسةٌ في بيت المقدس ألهل الذ ّمة أراد بعض‬
‫الفقهاء هدمها‪ ،‬فهل تهد‪ ،‬أم ال؟‬
‫مكتوب في رقّ‪ ،‬بما حاصله‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫سؤال‪ ،‬وهو‬ ‫فأجبت عن ال ّ‬
‫إن بيتـ المقدس قد استفتحه الصّحابة ‪ ‬صلحا من غير خالف بين‬ ‫ّ‬
‫أهل السّيـرة والتّاريخ؛ وما استفتح صلحا‪ ،‬للصّلح ّي اإلحداث على مذهب‬
‫مبني من قبل الفتح؟‬
‫ٌّ‬ ‫المد ّونة‪ ،‬فكيف يهدم ما هو‬
‫وقد طلب صاحب السّؤال تسجيله في ك ّل بلد إلى أن يصل‪ ،‬فسجّل‬
‫عل ّي‪ ،‬وسافر حامله في طرائد البنادقة في هذه السّنة‪.‬‬
‫صحراويّة فأقرب شيء في تلك البالد أنّها مملوكة‬ ‫وأ ّما كنائس البالد ال ّ‬
‫ألهلها باإلحياء واالختطاط‪ ،‬ويبعد فيها أن تكون عنويّة أو صلحيّة‪ ،‬وال سبيلـ‬
‫أن أهل تلك البالد ملّكوا‬ ‫إلى هدم ما وجد فيها من الكنائس‪،‬ـ إاّل إذا ثبتـ ّ‬
‫الذ ّميّيـن األرض على أن يبنوا فيها الكنائس؛ـ وإثبات هذا هو المتّفق على منع‬ ‫ّ‬
‫اإلحداث به وعلى وجوب الهدم‪ ،‬وال خفاء في عدم ثبوت ذلك‪.‬‬
‫وأ ّما سواه ال يص ّح معه الهدم بوجه من الوجوه‪ ،‬إاّل بوجه العدوان‬
‫والظّلم ألهل ّ‬
‫الذ ّمة‪.‬‬
‫اللّه ّم إاّل إن كان القائم عليهم ينكر مشروعيّةـ ضرب الجزية وإعطاء‬
‫الذ ّمة المعلوم ضرورة من دين األ ّمة‪ ،‬فحينئذـ يكون خارقا لإلجماع القطع ّي‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وقد علم كفر منكره‪ ،‬وال خالف بين المسلمين في سائر األعصار وفي جميع‬
‫الذ ّمة إلى أن ينزل عيسى بن‬ ‫األمصار في مشروعيّةـ ضرب الجزية وإعطاء ّ‬
‫مريم عليه السّالم من السّماء إلى األرض‪ ،‬فحينئذ ال تعطىـ لكافر ذ ّمةٌ‪.‬‬
‫وسال ٌم منّا على شيوخ الموضع وفّرهم هللا‪ ،‬وكان في عونهم على الح ّ‬
‫ق‬
‫فإن دعاء المؤمن ألخيه المؤمن بظهر‬ ‫ودفع الباطل‪ ،‬ونطلبهم في ال ّدعاء لنا‪ّ ،‬‬
‫الغيب مستجابٌ ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ختم هللا لنا ولهم بالحسنىـ وال ّزيادة‪ ،‬وبلغ ك ّل واحد منّا في مرضاة‬
‫مواله منتهى اإلرادة‪ ،‬وختم لنا ولهم بالسّعادة‪.‬‬
‫ــ ‪ 355‬ـ‬
‫الاجتهاد المقاصدي في الفقه النوازلي‬
‫اإلعالم بنوازل الأحكام‬
‫لعيسى بن سهل المالكي الغرناطي (ت‪413‬هـ) أنموذجا‬
‫‪ ‬أ‪/‬إسماعيل نقاز المكناسي‬
‫باحث‪ ،‬كلية العلوم اإلسالمية‪ ،‬جامعة الجزائر‬
‫تمهيد‬
‫إن التشريع اإلسالمي منظومة تغياها الشارع الحكيم سبحانهـ وتعالى‬
‫النتظام أمر البشرية في ميادينـ الحياة العامة‪،‬ـ وتسيير شؤون دينهم ودنياهم‪،‬‬
‫ولما كانتـ هذه المنظومة تمثلـ القانون التشريعي في كل زمان ومكان‪ ،‬مجيبة‬
‫عن كل النوازل واألحداث‪ ،‬اقتضى منها أن تمتلك المؤهالت المعرفية التي‬
‫توفر لها مقدرة على مواكبة األزمان واإلجابة عن نوازلها‪ ،‬وعلى هذا‬
‫األساس انتظمت األحكام التشريعيةـ تحت قاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد‪.‬‬
‫إن هذه القاعدة المقاصدية تركزت على أهم خاصية تميز بها هذا الدين‬
‫الحنيف‪ ،‬وهي الهيمنة التي أوحى الشارع الحكيم بها إلى البشرية معلنة ختام‬
‫النزول السماوي‪ ،‬واحتواء كل الدياناتـ السابقة‪،‬ـ قوله تعالى‪ :‬ﮋﭿ ﮀ ﮁ‬
‫ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮊ(‪.)1‬‬
‫أمام كل هذه الخصائص الربانيةـ للشريعة اإلسالمية واجه الفقهاء وأهل‬
‫الفكر أمانةـ ثقيلة‪،‬ـ تمثلتـ في بيان أحكام الدين‪ ،‬واإلجابة عن تساؤالت‬
‫األزمان وما تطرحه مشكالت الناس من حوادث بقدر ما أحدثوا من‬
‫المعامالت واالرتفاقات والنظم في مختلف الميادين والمجاالت‪ ،‬أمام كل هذه‬
‫التحديات التي لم تثن عزمهم‪ ،‬انبرى أساطين الفقه إلى ذلك بعد أن كللوا‬
‫مساعي علم النوازل‪ ،‬هذا العلم الذي يعد نافذة على كل األزمان‪ ،‬حيث وقفوا‬
‫على كثير من الفضاءات الفقهية الواسعة‪ ،‬فأنشأوا على غرار المصنفات‬
‫المقررة في الفقه اإلسالمي على مختلف مجاالته‪ ،‬مصنفات لقبوها بعلم‬
‫النوازل حيث تعد بياناـ لما أشكل مما هو مقرر في كتب الفقه‪ ،‬فضال عن‬
‫اإلضافات الجديدة‪ ،‬جدة الحوادث الحاصلة التي وقفوا على بيانها وتحديد‬
‫حكم الشارع الحكيم فيها‪.‬‬

‫(?) سورة المائدة‪.48/‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 356‬ـ‬
‫وقد شكل الفكر النوازلي عبر العصور إضافة معرفية مهمة أثبتتـ‬
‫جدارة التشريع اإلسالمي‪ ،‬ولهذا لم يخل عصر من كتب في الفقه النوازلي‪،‬‬
‫متناولة الفقه اإلسالمي في نوازله ومستجداته‪.‬‬
‫وقد اختلف التصنيفـ في هذا الفكر‪ ،‬خاصة في معالجة القضايا النازلة‪،‬‬
‫فهنالك كتب تناولت القضايا النازلة في كل أبواب الفقه‪ ،‬وبعضهم أفرد أبوابا‬
‫في معالجة القضايا النازلة دون غيرها من األبواب‪.‬‬
‫وفي بحثنا هذا نتناولـ علما من أعالم المالكيةـ المغاربةـ الذي كتبوا في‬
‫هذا العلم‪ ،‬حيث أفرد كتاباـ في الفقه النوازلي تناول فيه باب القضايا السلطانيةـ‬
‫والسياسةـ الشرعية واألحكام القضائية‪،‬ـ وقد وسم كتابهـ هذا بـ "اإلعالم بنوازل‬
‫األحكام وقطر من سير الحكام"‪ ،‬وهناك تسمية أخرى لهذا الكتاب وهي‬
‫"ديوان األحكام الكبرى" للفقيه المالكي اإلمام أبي األصبغ عيسى بن سهل بن‬
‫عبد هللا األسدي الجياني‪،‬ـ المتوفى سنة (‪486‬هـ) ~‪.‬‬
‫وقد كان موضوع بحثنا حول "االجتهاد المقاصدي في الفقه النوازلي‪:‬‬
‫اإلعالم بنوازل األحكام أنموذجا"‪ .‬متناولين عالقة الفكر المقاصدي بالفكر‬
‫النوازلي من خالل هذا الكتاب ومدى حضور التوظيف المقاصدي لنوازل‬
‫األحكام السلطانية والقضائية‪ ،‬لنخلص في األخير إلى حقيقة التجربة االجتهادية‬
‫التي خاضها هذا الفقيه في رؤية الحوادث السلطانية والقضائية‪ ،‬مكلال كل ذلك‬
‫بمساعي وقواعد وكليات الفكر المقاصدي في جانبه التشريعي‪.‬‬
‫وهذا ما سنولي بيانهـ في هذه المفردات التي جعلنا عنوانا على مضمون‬
‫البحث‪ ،‬في ثالثة مباحث‪.‬‬
‫تمهيد‪:‬ـ‬
‫المبحث األول‪ :‬اإلمام الفقيه عيسى بن سهل الغرناطي وكتابه اإلعالم‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬سيرة مختصرة عن الفقيه‬
‫المطاب الثاني‪ :‬بطاقة تعريفية عن كتاب اإلعالم بنوازل األحكام‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الفكر المقاصدي وعالقته بالفقهـ النوازلي‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬اإلطار المفهومي لمقاصد التشريع والفقه النوازلي‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬عالقة مقاصد التشريع بنوازل األحكام‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬التوظيفـ المقاصدي لنوازل األحكام عند اإلمام من‬
‫خالل كتابه اإلعالم‪.‬‬
‫ــ ‪ 357‬ـ‬
‫ـ القواعد المقاصدية في كتابـ اإلعالم بنوازل األحكام‪.‬‬
‫ـ مظان التوظيف المقاصدي لنوازل األحكام عند اإلمام‪.‬‬
‫خاتمة‪:‬ـ أهم النتائجـ التي خلص إليها البحث‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الفقيه عيسى بن سهل المالكي وكتابه اإلعالم بنوازل األحكام‬
‫المطلب األول‪ :‬سيرة مختصرة عن اإلمام‬
‫اسمه ونسبه‪ :‬هو عيسى بن سهل بن عبد هللا األسدي‪ ،‬ويكنى بأبي‬
‫األصبغ‪ ،‬ولد بجيان سنة (‪413‬هـ‪1022 /‬م)‪ .‬وجيان من بالد األندلس‪ .‬أما‬
‫أسدي نسبة إلى القبيلة العربية المشهورة أسد‪.‬‬
‫كان والده يتولى الصالة وخطبة الجمعة بحصن القلعة‪ ،‬وكان من‬
‫العلماء المبرزين‪.‬‬
‫طلبه العلم ورحالته‪ :‬درس بن سهل ببلده أوال على يدي كل من الفقيه‬
‫هشام بن عمر بن ساور الجياني‪،‬ـ والفقيه بكر بن عيسى بن سعيد الكندي‪.‬‬
‫بعد ذلك قصد ابن سهل غرناطة لألخذ عن الفقيه أبي زكريا يحي بن‬
‫محمد بن حسين الغساني المعروف بالقليعي‪ ،‬وروى عنه الكثير‪ ،‬من ذلك‬
‫كتاب الموطأ لمالك بن أنس‪.‬‬
‫ثم دخل ابن سهل قرطبة ولم يتجاوز عمره ‪ 24‬سنة‪ ،‬ولقي بها المقرئ‬
‫مكي بن أبي طالب(ت‪437‬هـ)‪ ،‬روى عنه مؤلفاته ككتاب الموجز في القراءات‬
‫السبع‪ ،‬وكتاب الرعاية في تجويد القرآن‪ ،‬ورسالة الفقيه ابن أبي زيد القيرواني‪،‬‬
‫وسمع بها أيضا من األديب محمد بن يحي العثماني القرطبي (ت‪433‬هـ)‪.‬‬
‫ثم قفل ابن سهل إلى بياسة‪ ،‬فواله معن ابن صمادح التجيبي (‪433‬هـ)‬
‫أمير المرية‪ ،‬قضاء بياسة‪ .‬ثم انتقلـ إلى إشبيليةـ بعد أن كانتـ له أدوار هامة‬
‫في قرطبة مع فقيهها ابن منظور القيسي اإلشبيلي‪.‬‬
‫ثم انتقلـ إلى المغرب في سبتة تحديدا أين نوه بمكانه حاكمها‬
‫البرغواطي‪ ،‬فرأس فيها‪ ،‬بعدها انتقل إلى مدينة طنجة بعد سنوات قضاها في‬
‫سبتة مدرسا للفقه‪.‬‬
‫ثم رجع إلى غرناطة للقضاء بها‪ ،‬وكان هذا نتيجةـ للمالبسات السياسية‬
‫التي كانتـ وراء تولية عيسى بن سهل على قضاء غرناطة‪.‬‬

‫ــ ‪ 358‬ـ‬
‫تخبرنا المصادر األندلسية أن األمير عبد هللا بن بلقين قد بعث‪ ،‬قاضيه‬
‫عيسى بن سهل مرتين أو أكثر إلى المغرب سفيرا لدى المرابطين‪ ،‬لكن القاضي‬
‫ـ كما زعم ابن بلقين ـ قد أطلع ابن تاشفين على ضعف أميره عبد هللا بن بلقين‪،‬‬
‫وأعلمه أن غرناطة ليس فيها مختلف على طاعة ابن تاشفين‪ ،‬وأن قلوب الجند‬
‫والعامة مع المرابطين‪ ،‬وبهذا شجع ابن سهل المرابطين على االستيالء على‬
‫غرناطة إذ استولوا عليها سنة ‪483‬هـ‪ ،‬ونفي ابن بلقين إلى المغرب سنة ‪484‬هـ‪.‬‬
‫هذه بعض المالبساتـ السياسيةـ التي ذكرتها كتب التراجم وهي تنم على‬
‫شخصية ابن سهل السياسية وال أدل على ذلك كتابهـ هذا في القضايا السلطانية‬
‫والقضائيةـ والفقهية‪.‬‬
‫تالميذه‪ :‬إن الرحالت التي قام بها ابن سهل الغرناطيـ انعكست على‬
‫كثرة تالميذه في بقاع متعددة المغرب واألندلس‪.‬‬
‫فمن تالميذه المغاربة‪ :‬محمد بن يعلى المعافري‪ ،‬عبد هللا بن يعلى‬
‫المعافري‪ ،‬القاضي أبو عبد هللا محمد بن عبد هللا األموي‪ ،‬عبد هللا بن أحمد‬
‫بن خلوف األزدي‪ ،‬وغيرهم كثير‪.‬‬
‫أما تالميذه في غرناطة‪ :‬محمد بن حكم بن محمد الجذامي‪ ،‬محمد بن‬
‫مفرج بن سليمان الصنهاجي‪،‬ـ محمد بن علي التجيبي‪ ،‬محمد بن علي‬
‫الرعيني‪ ،‬وغيرهم كثير‬

‫وفاته‪ :‬توفى يوم الجمعة‪ ،‬ودفن يوم السبت ‪ 5‬محرم سنة ‪486‬هـ‪.~ .‬‬
‫ثناء العلماء عليه‪ :‬لقد أثنى كثير من العلماء على الفقيه القاضي عيسى‬
‫بن سهل وبينوا علمه وفضله‪ ،‬فال بأس أن نختم ترجمتنا له بكالمهم‪:‬‬
‫قال ابن الصيرفي‪(( :‬كان من أهل العلم‪ ،‬والفهم والتفنن في العلم مع الخير‬
‫والورع وصحة الدين وكثرة الجود مع قلة الوجود‪ ،‬بارع الخط‪ ،‬فصيح الكتابة‪،‬‬
‫حاضر الذهن‪ ،‬سريع الخاطر‪ ،‬له قريض جزل‪ ،‬وهمه في اقتناء الكتب))‪.‬‬

‫وقال محمد بن القاضي عياض‪:‬ـ ((هو من شيوخ (شيوخ) أبي ~ وهو‬


‫أسدي النسب وكان من الراسخين في المسائل‪ ،‬وصنعة الوثائق‪...‬ـ والجزالة‬
‫النافذة في أحكامه‪ ،‬وفصل القضاء وكثرة الرواية ~‪.))...‬‬

‫ــ ‪ 359‬ـ‬
‫مؤلفاته‪ :‬كتابهـ اإلعالم بنوازل األحكام‪ ،‬شرح عيسى بن سهل لصحيح‬
‫البخاري‪ .‬رسالة في الرد على ابن حزم‪ ،‬كما نقل عمر رضا كحالة في معجم‬
‫المؤلفين(‪.)1‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬بطاقة تعريفية عن كتاب اإلعالم بنوازل األحكام‬
‫يعتبرـ كتابـ "اإلعالم بنوازل األحكام وقطر من سير الحكام"‪ ،‬أو‬
‫"ديوان األحكام الكبرى"‪ ،‬من أهم الكتب التي ألفت في علم النوازل‪ ،‬وقد مثل‬
‫هذا الكتابـ مخاض تجربة خاضها اإلمام بين الحكومة والقضاء‪ ،‬ليخلص لنا‬
‫الكتاب في قشيبه على مجموعة غير قليلية من مهمات النوازل في القضاء‬
‫والحكم‪ .‬يقول في ديباجة كتابه‪:‬ـ «‪...‬فإني من جميل صنع هللا وجليل‬
‫أفضاله عندي‪ ،‬وحسن عونه أيام نظري في القضاء واألحكام‪،‬‬
‫وزمن تقييدي أحكام غيري في القضاء من الشيوخ والعلماء جرت‬
‫على يدي نوازل استطلعت رأي من أدركته من الشيوخ والعلماء‬
‫وانفصلت لدي مسائل كاشفت عنها كبار الفقهاء إذ كانوا من أهل‬
‫الشأن بأرفع مكان وأعلى منزلة‪ ...‬وكنت قد علقت ذلك على حسب‬
‫وقوعه ال على ترتيبه وتنويعه ـ»(‪.)2‬‬
‫‪  ‬وقد تنوعت األبواب التي طرق مشكالتهاـ ونوازلها؛ فقد تناول‬
‫بعض المسائلـ السلطانية مثل ما يدخل في الحكم من األحكام‪ ،‬وما يدخل في‬
‫القضاء منها‪،‬ـ فتكلم عن العالقة بين السلطة القضائيةـ والسلطة الحكومية‪،‬‬
‫وغيرها من األحكام‪.‬‬
‫وتناول كذلك مسائل حادثة في أبواب القضاء والشهادة وأحكامهما‪ ،‬إضافة‬
‫إلى نوازل األحوال الشخصية بصفة عامة من النكاح والطالق وغيرها‪ ،‬ونوازل‬
‫المعامالت المالية من بياعات وهبات وأحباس وغيرها‪ ،‬وكذلك تطرق إلى بعض‬
‫مسائل العبادات من األيمان والنذور وأحكام الحلف وغيرها‪.‬‬
‫وقد نال هذا الكتابـ شهرة في أوساط المحافل العلمية حيث كان يمثل‬
‫مصدرا مقررا لدى طالب العلم‪ ،‬وقد كانت عنايةـ أهل المغرب واألندلس‬
‫بكتاب اإلعالم كبيرة‪ ،‬يستدل على ذلك ما قاله فيه كبار المالكية‪:‬‬
‫(?) ينظر في ترجمة اإلمام‪ :‬معجم المؤلفين‪ ،‬عمر كحالة‪ ،8/25 :‬تاريخ قضاة األندلس‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫أبو الحسن المــالقي‪ .1/96 :‬ســير أعالم النبالء‪ ،‬الــذهبي‪ ،19/25 :‬الــديباج المــذهب في‬
‫معرفة علماء المذهب‪ ،‬ابن فوحون‪.1/176 :‬‬
‫(?) اإلعالم بنــــوازل األحكــــام‪ ،‬عيسى بن ســــهل الغرنــــاطي‪ :‬تح‪ :‬مــــراد يحي‪ ،‬دار‬ ‫‪2‬‬

‫الحديث(مصر)‪ ،‬ط‪2007 :1‬م‪ ،‬ص‪.25 :‬‬


‫ــ ‪ 360‬ـ‬
‫قال أبو بكر ابن العربي المعافري‪ ...(( :‬وصار الصبي عندهم (يعني أهل‬
‫األندلس) إذا عقل‪ ،‬فإن سلكوا به أمثل طريقة لهم‪ ،‬علموه كتاب هللا تعالى‪ ،‬فإذا‬
‫حذقه‪ ،‬نقلوه إلى األدب‪ ،‬فإذا نهض فيه‪ ،‬حفظوه الموطأ‪ ،‬فإذا لقنه‪ ،‬نقلوه إلى‬
‫المدونة‪ ،‬ثم ينقلونه إلى وثائق ابن العطار ثم يختمون له بأحكام ابن سهل))(‪.)1‬‬
‫وقال ابن بشكوان‪ ...(( :‬وكان ابن سهل عارفا بالنوازل بصيرا باألحكام‬
‫مقدما في معرفتها وجمع فيها كتاباـ حسنا مفيدا يعول الحكام عليه))(‪.)2‬‬
‫وقد حقق الدكتور مراد يحيى الكتاب فخرج في قشيب منيع يحكي بهجة‬
‫وجدة‪ ،‬وهذا ما سنجليه نحن في دراستنا للجانب المقاصدي في االستدالل‬
‫والتوظيف‪ ،‬لنرى مدى ضرورة الفكر المقاصدي للفقه النوازلي‪ ،‬ولنستشف‬
‫اعتناء العلماء المغاربة بالمقاصد تأصيال وتوظيفا‪ ،‬وأن ما جاء به اإلمام‬
‫الشاطبي لما تفتق عليه فيه فكره‪ ،‬ما هو إال مخاض لتجربة سارت بها الركبان‬
‫من لدن الفقهاء المغاربة األوائل رحمهم هللا جميعا‪ ،‬ونفعنا بعلومهم آمين‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الفكر المقاصدي وعالقته بالفقه النوازلي‬
‫يتناولـ هذا المبحث مدى الوصلة المعرفية التي تجمع بين الفكر‬
‫المقاصدي في جانبهـ التشريعي والفقه النوازلي‪ ،‬وقد تقرر هذا في مطلبين‪:‬‬
‫المطلب األول‪ :‬اإلطار المفهومي لمقاصد التشريع والفقه النوازلي‬
‫إن التشريع اإلسالمي معلل كما قلنا في ديباجة هذا البحث بجلب‬
‫المصالح ودرء المفاسد‪ ،‬وهذه قاعدة كبرى تمثلـ لنا أهم مبدإ تغيته هذه‬
‫الشريعة الغراء‪ ،‬وأنها بهذه المعاني السامية تند عن كل أسر وإصر وسلطة‬
‫دينية مبهمة كما حدثت في األديان السابقة المحرفة‪ ،‬فكل شيء في الفقه‬
‫اإلسالمي له حكمه ومناطاته‪،‬ـ ومصالحه ومفاسده‪ ،‬فعن طريق تقرير هذا‬
‫الميزان والمعيار تنسلك أحكامه من تحليل وتحريم وكراهة وندب وإباحة‪.‬ـ‬
‫ومن ثم تتقرر أصالة هذا التشريع‪.‬‬

‫(?) العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصـــحابة بعد وفـــاة النـــبي ×‪ :‬أبـــوبكر بن‬ ‫‪1‬‬

‫العــربي‪ ،‬دار الجيل(بــيروت) ط‪:2‬ــ ‪1407‬هـ‪ ،‬ص‪ :‬الــديباج المــذهب في معرفة أعيــان‬
‫المذهب‪ :‬ابن فرحون‪.1/67 ،‬‬
‫(?) األعالم‪ :‬الزركلي‪.5/103 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 361‬ـ‬
‫وعلى هذا المعيار فإن قاعدة المصالح والمفاسد المقاصدية باتت‬
‫مستصحبة دائما‪ ،‬ومستحضرة لدى المنظر األصولي والمشرع الفقيه (على‬
‫سبيل المجاز‪ ،‬وإال فالمشرع هو الشارع الحكيم)‪ ،‬في كل وقت وحين‪ ،‬على‬
‫كر الدهور ومر السنين‪،‬ـ فكل ما ينزل بالمجتمع المسلم في أرض اإلسالم‪ ،‬أو‬
‫أرض غير المسلمين‪،‬ـ أو أرض الدعوة‪ ،‬سواء على مستوى األفراد أو على‬
‫مستوى الجماعات ينبغيـ أن يناطـ بقاعدة المصالح والمفاسد‪.‬‬
‫معنى مقاصد التشريع‪ :‬لقد تداول هذا المصطلح الفقهاء المعاصرين‬
‫على سبيل التأصيل والتنظير والكتابة في موضوعه بشكل يلفت االنتباه‪ ،‬أو‬
‫نستطيعـ القول بأن عصرنا هذا عصر المقاصد‪ ،‬فقد بلوروا كثيرا من‬
‫المعارف االستداللية في الفكر األصولي لدى السابقين‪ ،‬خاصة من الذين‬
‫وضعوا بصمات ملموسة من لدن اإلمام العز بن عبد السالم والغزالي وابن‬
‫تيمية‪،‬ـ واإلمام الشاطبي الذي يعد المؤسس بال منازع‪ ،‬وابن عاشور الذي‬
‫أضاف ما عز عن البيانـ لدى السابقين‪.‬ـ‬
‫فهذا اإلمام الشاطبي وإن لم يعط تعريفا على وفق اصطالح التعريفات‪،‬ـ‬
‫إال أنه أصاب كبد الفكرة عندما حدد مفهوم المقاصد قائال‪ « :‬أن وضع‬
‫ً (‪)1‬‬
‫الشرائع إنما هو لمصالح العباد في العاجل واآلجل معا ـ»‬
‫وقد أعطى األصولي الزركشي مفهوما تحديديا كذلك فقال‪ « :‬قَا َل‬
‫ع اُأل َّم ِة‬‫ح ْال ِعبَا ِد‪ ،‬إجْ َما ُ‬‫صالِ ِ‬‫َأصْ َحابُنَا‪:‬ـ ال َّدلِي ُل َعلَى َأ َّن اَألحْ َكا َم ُكلَّهَا شَرْ ِعيَّةٌ لِ َم َ‬
‫ف َو ْالفَضْ ِل َعلَى َأصْ لِنَا‪َ ،‬أوْ َعلَى ِجهَ ِة ْال ُوجُو ِ‬
‫ب‬ ‫ط ِ‬‫َعلَى َذلِكَ‪ ،‬إ َّما َعلَى ِجهَ ِة اللُّ ْ‬
‫َت ُم ْعتَبَ َرةً فِي ال َّشرْ ِ‬
‫ع لَ ِكنَّهُ لَي َ‬
‫ْس‬ ‫َعلَى َأصْ ِل ْال ُم ْعت َِزلَ ِة‪،‬ـ فَنَحْ ُن نَقُولُ‪ِ :‬ه َي َوِإ ْن َكان ْ‬
‫ح يَ ْمتَنِ ُـع فِي ْال َع ْق ِل َك َما يَقُو ُل‬ ‫ب‪َ ،‬وال َأل َّن ُخلُ َّو اَألحْ َك ِام ِم ْن ْال َم َ‬
‫صالِ ِ‬ ‫يق ْال ُوجُو ِ‬ ‫بِطَ ِر ِ‬
‫ع‪َ ،‬و َكانَ يَجُو ُز‬ ‫ْال ُم ْعت َِزلَةُ‪َ ،‬وِإنَّ َما نَقُولُ‪ِ :‬رعَايَةُ هَ ِذ ِه ْال َمصْ لَ َح ِة َأ ْم ٌر َواقِ ٌع فِي ال َّشرْ ِ‬
‫(‪) 2‬‬
‫ور ْال َعا ِديَّ ِة»‬ ‫ُأل‬
‫فِي ْال َع ْق ِل َأ ْن ال يَقَ َع َك َساِئ ِر ا ُم ِ‬
‫وقد قرر هذه المعاني المقاصدية العالمة ابن القيم بأن ((الشريعة مبناهاـ‬
‫وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد‪ .‬وهي عدل كلها‬
‫ورحمة كلها ومصالح كلها‪ .‬فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن‬
‫(?) الموافقات ‪.9 / 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) البحر المحيط في أصول الفقه‪ :‬البحر المحيط في أصول الفقه‪ :‬بدر الدين الزركشــي‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫دار الصفوة للطباعة (الكويت)‬


‫ــ ‪ 362‬ـ‬
‫الرحمة إلى ضدها‪ ،‬وعن المصلحة إلى المفسدة‪ ،‬وعن الحكمة إلى العبث‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل‪...‬ـ))‬

‫وقد عزز هذا الكالم ما قاله العالمة شاه ولي هللا الدهلوي‪(( :‬وقد يظن‬
‫أن األحكام الشرعية غير متضمنة لشيء من المصالح‪...‬وهذا ظن فاسد تكذبهـ‬
‫السنة وإجماع القرون المشهود لها بالخير))(‪.)2‬‬
‫وعلى هذا فمقاصد الشريعة ومعرفتها ومراعاتها‪ ،‬ليس شيئا اكتشفه‬
‫(‪)3‬‬
‫الالحقون أو ابتكره المتأخرون‪ ،‬بل هو من صميم الدين‪ ،‬بل هو صميمه ‪،‬‬
‫من أول يوم ومن أول فهم‪.‬والقرآن الكريم والسنة النبويةـ هما أول مصرح‬
‫بمقاصد الشريعة وأول منبه على أمثلتها ونماذجها اإلجماليةـ والتفصيلية‪.‬ـ‬
‫فرغم أن أحكام الوحي لها من القداسة ومن الثقة بها والتسليم لها ما ال مزيد‬
‫عليه عند المؤمنين بها‪ ،‬وما ال يحوجهم إلى بيانـ علة وال حكمة وال مقصد‬
‫وال مصلحة‪ ،‬فإن القرآن والسنة ـ رغم ذلك ـ قد بينا كثيرا من علل األحكام‬
‫ومقاصدها‪ ،‬في العبادات والمعامالت وسائر أبواب التشريع‪.‬وأقول كما قال‬
‫اإلمام ابن القيم ~‪(( :‬والقرآن وسنة رسول هللا × مملوآن من تعليلـ األحكام‬
‫بالحكم والمصالح‪...‬ولو كان هذا في القرآن والسنة نحو مائةـ موضع أو‬
‫مائتينـ لسقناها‪،‬ـ ولكنه يزيد على ألف موضع بطرق متنوعة))(‪.)4‬‬
‫إن هذه المعاني الكبرى التي ندب إليها الفقهاء أنفسهم وبحوثهم هي التي‬
‫أعطت بعد ذلك موقعا هاما في االستدالل والتوظيف النصي‪ ،‬فمن دونها لن‬
‫نصل أبدا إلى كبد المعاني التي تغياها الشارع الحكيم من كل حكم ونازلة‪.‬‬
‫وعلى وفق هذا التصور فإن مقاصد التشريع جوهر أساس في العملية‬
‫االستداللية التي ال تقف عند حد النص في ظاهره‪ ،‬بل تأخذ بنا إلى المعانيـ‬
‫االحتوائيةـ المنتجةـ لإلمكانات المعرفية في االستدالل‪ .‬وسنرى هذا جليا في‬
‫المبحث األخير عند الحديث عن تجربة اإلمام عيسى بن سهل الغرناطي‬
‫بتقرير المقاصد في نوازله‪ ،‬وتكليله لقواعدها وإمكاناتها‪.‬ـ‬
‫معنى الفقه النوازلي‬

‫(?) أعالم الموقعين‪3/3‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) حجة هللا البالغة‪ ،1/27‬وانظر كذلك تعليل األحكــام في الشــريعة اإلســالمية‪ ،‬محمد‬ ‫‪2‬‬

‫مصطفى شلبي‪ ،‬ص‪96‬‬


‫(?) البحث في المقاصد نشــأته وتطــوره ومســتقبله‪ :‬أحمد الريســوني‪ ،‬بحث مقــدم لنــدوة‬ ‫‪3‬‬

‫مقاصد الشــريعة‪ ،‬الــتي نظمتها مؤسسة الفرقــان للــتراث اإلســالمي بلنــدن‪ ،‬من ‪ 1‬إلى ‪5‬‬
‫مارس ‪.2005‬‬
‫(?) مفتــاح دار الســعادة ومنشــور والية العلم واإلرادة‪ ،2/22‬وانظــر كــذلك "أعالم‬ ‫‪4‬‬

‫الموقعين"‪ 1/169‬إلى ‪ 200‬وشفاء العليل ‪ 2/537‬إلى ‪.575‬‬


‫ــ ‪ 363‬ـ‬
‫إن المنظومة الفقهية قد تنوعت أساليب التصنيف فيها لدى الفقهاء‬
‫وأهل المعارف الدينية‪ ،‬ولعل أهم أسلوب كان نتاج الثروة القانونيةـ في‬
‫التشريع هو مصنفات الفقه النوازلي‪ ،‬هذا النوع من التصنيفـ قديم قدم‬
‫األغراض واألسباب التي دعت إليه‪ ،‬فمنذ القديم وفقهاؤنا يترصدون‬
‫للمنظومة الفقهية مصنفات على غير ما هو مقرر ومرتب فيها‪ ،‬ومعهود في‬
‫مصنفاتها‪ ،‬فكانت كتب النوازل مستصحبة ومزاولة لكتب الفقه المستقر‪ ،‬ألن‬
‫كثيرا من الصور والتخريجات النازلة والحادثة لم تكن تسعفهم في الفقه‬
‫المستقر‪ ،‬فكان هذا يضطرهم إلى التأليف على غراره كتباـ ومصنفات تكون‬
‫في موقع اإلضافة واإلثراء على ما هو مقرر في ما عهدوه‪.‬‬
‫ونرى هذا واضحا من كالم اإلمام عيسى بن سهل الغرناطيـ في مقدمة‬
‫مصنفه قائال‪« :‬ثم إني رأيت اآلن ضم تلك النوازل إلى نظام وجمع‬
‫تلك المسائل إلى ترسيم والتئام وجمع أشكالها بعضها إلى بعض‬
‫لتكون فائدتها أمكن وأيسر ومنفعتها أقرب وأيسر وأكثرـ»(‪.)1‬‬
‫ففي اللغة‪ :‬معنى النوازل يطلق على جمع نازلة‪ ،‬وهي ((المصيبة الشديدة‬
‫من شدائد الدهر تنزل بالناس))(‪ ،)2‬وأصلها من الفعل نزل بمعنى هبط ووقع‪.‬‬
‫لم أقف للسابقين عن تعريف محدد للفقه النوازلي‪ ،‬كل ما في األمر‬
‫أنهم يوظفون المعنى اللغوي للتعبير عنها في مسائل الفقه‪.‬‬
‫يقول اإلمام الشافعي عن مسألة في القنوت‪ « :‬وال قنوت في شيء من‬
‫الصلوات إال الصبح إال أن تنزل نازلة فيقنت في الصلوات كلهن إن شاء اإلمام‬
‫ـ»(‪.) 3‬‬
‫وقد وضح في رسالته األحكام النازلة من غيرها فقال‪« :‬كل‬
‫حكم هلل أو لرسوله وجدت عليه داللة فيه أو في غيره من أحكام هللا أو رسوله‬
‫بأنه حكم به لمعنى من المعاني‪،‬ـ فنزلت نازلة ليس فيها نص حكم‪ :‬حكم فيها‬
‫حكم النازلة المحكوم فيها إذا كانت في معناهـا»(‪.)4‬‬
‫ومعنى كالم اإلمام الشافعي أن األحكام الفرعية نوعان‪ :‬أحكام ثابتة بنص‬
‫الوحي عينا وواقعة‪ ،‬أو بفهم المجتهد‪ ،‬أي أنها مبتوت فيها وواضح حكمها‪،‬‬
‫وهناك أحكام لم تثبت بعين الشرع‪ ،‬ولم يكن فيها للفقهاء حكم واضح‪ ،‬فيتم عن‬
‫(?) اإلعالم بنوازل األحكام‪.26 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر معجم مقــاييس اللغة ‪ ،986‬مــادة "نــزل"‪ ،‬والقــاموس المحيط ‪ ،4/65‬مــادة‬ ‫‪2‬‬

‫"النزول"‪ ،‬ولسان العرب ‪ /11/57‬مادة "نزل"‪ ،‬ومختار الصحاح ‪ 1/273‬مادة "نزل"‪.‬‬


‫(?) األم‪ :‬الشافعي‪.1/205 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) الرســالة‪ :‬محمد بن إدريس الشــافعي‪ ،‬تحقيق أحمد شــاكر‪ ،‬المكتبةـ العلميــة(بــيروت)‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪.512‬‬
‫ــ ‪ 364‬ـ‬
‫طريق الحكم الواضح والمبين االستدالل على الحكم النازل والواقع‪ .‬يشير هنا‬
‫إلى القياس األصولي‪ ،‬والقياس بمعنى القاعدة العامة الثابتة باالستقراء التي‬
‫يدخل فيها ما هو في معناها‪ ،‬وهذا معنى قوله‪ ...(( :‬إذا كانت في معناها))‪.‬‬
‫يقول اإلمام مالك (ت‪179‬هـ)‪(( :‬أدركت هذا البلد وما عندهم إال الكتابـ‬
‫والسنة فإذا نزلت نازلة جمع األمير لها من حضر من العلماء فما اتفقوا عليه‬
‫أنفذه))(‪.)1‬‬
‫وقال ابن القيم (ت‪751‬هـ) وهو يتحدث عن مشروعية تقليد العامي‬
‫للعالم‪(( :‬وقد علم هللا سبحانهـ أن الحوادث والنوازل كل وقت نازلة بالخلق‪،‬‬
‫فهل فرض على كل منهم فرض عين أن يأخذ حكم نازلتهـ من األدلة الشرعية‬
‫بشروطها ولوازمها؟‪.)2())...‬‬
‫ومن مجمول هذه المعاني يمكن أن نقول بأن الفقه النوازلي هو‪:‬‬
‫((المسائل والحوادث التي تنزل دون أن يكون للشرع في عينها‬
‫نص‪ ،‬وال للسابق فيها نظر واضح ال يستدعي اجتهادا زائدا على‬
‫ما هو مقرر))‪.‬‬
‫نوضح أكثر معنى هذا التعريف حتى نخرج عن النوازل بعض‬
‫المشموالت التي ال تدخل في تحديده تحديدا دقيقا‪.‬‬
‫ـ ((المسائل والحوادث التي تنزل دون أن يكون للشرع في عينها‬
‫نص))‪ :‬يدخل فيه كل حكم نص الشرع أصالة أو تبعاـ عليه‪،‬ـ مثل حلية البيع‬
‫وحرمة الربا‪ ،‬فهذا نص عليه أصالة وتبعا في نصوصه‪ .‬ويخرج منه ما نص‬
‫عليه الشرع في جنسه‪ ،‬حيث إن الحكم على النازلة فيه هو حكم عليه من‬
‫حيث إن جنسه معلوم في الشرع مثل حرمة تناول الحشيش فلم يرد في نصه‬
‫حكم‪ ،‬حيث إن النص ورد في الخمر‪ ،‬فكل ما كان من جنس علة التحريم‬
‫دخل فيه‪ ،‬ولو لم يكن من قبل‪.‬‬
‫وكذلك ما ثبت فيه الحكم لكن ال على نص واحد‪ ،‬ولكن من مجموع‬
‫نصوص مستقرأة‪ ،‬وقاعدة كلية تمثلتـ مقصدا من مقاصد التشريع‪ ،‬فكانت‬
‫النازلة في ضمن مشموالت هذا المقصد مثل قاعدة ((ال ضرر وال ضرار))‪،‬‬
‫تدلنا على حرمة ما كان فيه ضرر معتبر في الشرع‪ ،‬فهو محرم ولو لم ينص‬
‫عليه الشرع‪ ،‬مثل تناول الدخان فقد ثبتتـ قطعية مضرته وهي معتبرة في‬
‫الشرع‪ ،‬إذن فيحرم على وفق القاعدة المستقرأة‪.‬‬

‫(?) تفسير القرطبي‪.6/332 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) إعالم الموقعين‪:‬ـ ابن القيم الجوزية‪ ،‬دارالجيل (بيروت)‪.2/205 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 365‬ـ‬
‫ـ ((وال للسابق فيها نظر واضح ال يستدعي اجتهادا زائدا‬
‫على ما هو مقرر))‪ :‬أي أن المجتهد السابق على حدوث النازلة لم‬
‫يكن له فيها من قبل نظر وحكم ثابت وواضح‪ ،‬وهنا مقصود‬
‫الوضوح ليس في التحريم والتحليل‪ ،‬ولكن في تحقيق المناط؛ أي‬
‫في تكييف النازلة‪ ،‬حيث إن المسألة قد ال تتوضح صورتها على‬
‫وفق ما نزلت عليه فيما بعد‪ ،‬كأن كانت تشبهها‪ ،‬لكن تختلف من‬
‫حيث التكييف‪ ،‬وبالتالي فهي تغاير صورة المسألة التي حكم عليها‬
‫المجتهد السابق‪ ،‬ومن ثم أصبحت النازلة تستدعي نظرا جديدا‪ ،‬مثل‬
‫حرمة بعض العقود المالية المعاصرة لشوبها بالربا‪ ،‬وقياسها على‬
‫بعض بيوع العينة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬عالقة مقاصد التشريع بنوازل األحكام‬
‫إن الفقه النوازلي له عالقة وطيدة بكبريات قواعد الفكر المقاصدي في‬
‫جانبه التشريعي‪ ،‬بل إن الحكم على النازلة لن يكون أبدا بمنئ وبمعزل عن‬
‫مقاصد التشريع وقواعده‪ ،‬وكل نظر في األحكام النازلة دون استصحابها فهو‬
‫مردود‪.‬‬
‫ومعلوم أن المسألة النازلة هي مسألة خاضعة لالجتهاد واالستنباط‪،‬‬
‫وهذه اآللية (االستنباط)‪،‬ـ تنظر إلى األحكام النازلة بنظرين‪:‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ االجتهاد االستداللي‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ االجتهاد التنزيلي‪.‬ـ‬
‫ألن األحكام إما أن يكون منصوصا عليها أو ال‪ ،‬فإن كان منصوصا‬
‫عليها‪ ،‬بحثنا عن طريق االجتهاد االستداللي في مظان النصوص والقواعد‬
‫المباشرة حول المسألة في جنسها‪ ،‬أما إذا لم يكن منصوصا عليها‪ ،‬أو كان‬
‫منصوصا عليها‪ ،‬لكن حدثت صور مختلفة عند تطبيق النازلة على بعض‬
‫الحاالت‪ ،‬فهنا نوظف االجتهاد التنزيلي‪ ،‬أو ما يسمى في أصول الفقه بتحقيق‬
‫المناط‪.‬‬
‫فقاعدة تحقيق المناط هي جوهر في مقاصد التشريع‪ ،‬والفقه النوازلي‬
‫له تعلق كبير بتحقيق المناط‪ ،‬ألن غالبا ما تكون األحكام النازلة لها جنس في‬
‫الشرع يقضي إما بحرمتها أو وجوبها أو حليتها أو غير ذلك‪ ،‬لكن تنزيلـ هذه‬
‫الصور واألحكام قد يختلف عند التطبيقـ والحدوث العملي للمسألة‪ ،‬فهنا يمثل‬
‫تحقيق المناط الجوهر األساس في بيان حكم المسألة النازلة‪.‬‬

‫ــ ‪ 366‬ـ‬
‫وقد قال اإلمام الشاطبي في باب االجتهاد‪ ،‬عن تحقيق المناط‪ « :‬كل دليل‬
‫شرعي؛ فمبني على مقدمتين‪ :‬إحداهما‪ :‬راجعة إلى تحقيق مناط الحكم‪.‬‬
‫واألخرى‪ :‬ترجع إلى نفس الحكم الشرعي‪ .‬فاألولى نظرية وأعني بالنظرية هنا‬
‫ما سوى النقلية سواء علينا أثبتت بالضرورة أم بالفكر والتدبر‪ ،‬وال أعني‬
‫بالنظرية مقابل الضرورية‪ ،‬والثانية نقلية‪ ،‬وبيان ذلك ظاهر في كل مطلب‬
‫شرعي‪ ،‬بل هذا جار في كل مطلب عقلي أو نقلي؛ فيصح أن نقول‪ :‬األولى‬
‫راجعة إلى تحقيق المناط‪ ،‬والثانية راجعة إلى الحكم‪ ،‬ولكن المقصود هنا بيان‬
‫المطالب الشرعيةـ»(‪.)1‬‬
‫ومعنى ذلك في نظر اإلمام إذا‪ « :‬شرع المكلف في تناول خمر‬
‫مثال؛ قيل له‪ :‬أهذا خمر أم ال؟ فال بد من النظر في كونه خمرا أو غير خمر‪،‬‬
‫وهو معنى تحقيق المناط‪ ،‬فإذا وجد فيه أمارة الخمر أو حقيقتها بنظر معتبر؛‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬هذا خمر‪ ،‬فيقال له‪ :‬كل خمر حرام االستعمال‪ .‬فيجتنبه‪ ،‬وكذلك إذا‬
‫أراد أن يتوضأ بماء؛ فال بد من النظر إليه‪ :‬هل هو مطلق أم ال؟ وذلك برؤية‬
‫اللون‪ ،‬وبذوق الطعم وشم الرائحة‪ ،‬فإذا تبين أنه على أصل خلقته؛ فقد تحقق‬
‫مناطه عنده ـ»(‪.)2‬‬
‫فتحقيق المناط متعلق تمام التعلق باألحكام النازلة ألنه كما قال اإلمام‬
‫الشاطبي ال ينقطع حتى ينقطع أصل التكليف‪ ،‬أي أنه مساوق لما يحدث من‬
‫المشكالت والنوزال‪ ،‬فهو«ال يمكن أن ينقطعـ حتى ينقطعـ أصل التكليف‪،‬‬
‫وذلك عند قيام الساعة ـ»(‪.)3‬‬
‫إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن إثبات حكم المسائل النازلة كما قلنا في‬
‫التعريف بأنه متعلق بما ثبت بجنس الشرع ال بعينه‪ ،‬فما ثبت بعين‬
‫الشرع ليس بنازل‪ ،‬بل هو معهود‪ ،‬ومقصود ثبوتها (النازلة)‪ ،‬بجنس‬
‫الشرع أي أن المجتهد ينظر في المسألة النازلة ويحدد حقيقة متعلق‬
‫الحكم فيها ومناطه‪ ،‬أي أنه يتبين عن طريق السبر والتقسيم‪ ،‬وعن‬
‫طريق تخريج المناط‪ ،‬إلى جوهر ما تتكون عليه المسألة وتشكل فيه‬
‫أساسا‪ ،‬فإذا تبين له حقيقتها‪ ،‬نظر مرة أخرى في القواعد المستقرأة‬
‫على علل ومقاصد واضحة‪ ،‬فيحكم على المسألة النازلة على وفق‬
‫هذا النسق‪.‬‬
‫(?) الموافقات ‪.3/232‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) المصدر نفسه‪.3/323 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) الموافقات‪.5/11 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 367‬ـ‬
‫المبحث الثالث‪ :‬التوظيف المقاصدي لنوازل األحكام عند اإلمام من‬
‫خالل كتابه اإلعالم‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ العادة محكمة‬
‫العرف في التشريع اإلسالمي موصول بالقاعدة األصولية الذهبيةـ وهي‬
‫تغير األحكام بتغير األزمان‪ ،‬وعلى هذا األساس يأتي التوظيف المقاصدي‬
‫لهذه القاعدة تحت مسمى مقصود الشارع الحكيم وما تغياه في مراعاة‬
‫المصلحة المعتبرة التي ال تناقض القاعدة العامة‪.‬ـ‬
‫فالعرف في اصطالح أهل الشرع‪ :‬هو ما اعتاده الناس وساروا عليه‬
‫من كل فعل شاع بينهم‪،‬ـ أو لفظ تعارفوا إطالقه على معنى خاص ال تألفه‬
‫اللغة‪ ،‬وال يتبادرـ غيره عند سماعه‪،‬ـ وهو بمعنىـ العادة الجماعية‪،‬ـ وقد شمل‬
‫هذا العرف القولي والعرف العملي(‪.)1‬‬
‫فالعرف هو ما اعتاده الناس في أمور دنياهمـ ومعامالتهم‪،‬ـ وهو معتبر‬
‫في الشرع‪ ،‬لذلك قال ابن عابدينـ في أرجوزته‪ :‬والعرف في الشرع له اعتبار‬
‫لذا عليه الحكم قد يدار‪.‬‬
‫وقد وظف اإلمام مسائلـ فقهية كثيرة مبنية على العرف وقد وظفه أيما‬
‫توظيف‪ ،‬لما له من أهمية لها شق كبير في توظيف المقاصد‪:‬‬
‫ـ مسألة نفقة العرس والهدية‬
‫أي الهدايا التي يرسل بها األزواج إلى الزوجة قبل العقد‪ ،‬فما الحكم إذا‬
‫امتنع عن الزواج وطلب هداياه‪.‬‬
‫عرض القاضي هذه المسألة على الشيخ ابن عتابـ فقال يقضي بها على‬
‫قدره وقدرها وقدر صداقها‪ ،‬وليس عليه أن تثيبهـ إال أن تشاء‪ ،‬فإن أبت أو أبى‬
‫أبوها إن كانت بكرا لم يقض عليه بذلك‪.‬‬
‫وسأله هل يقضي عليه بالعرس واألجرة المتعارفة عندهم‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ال يقضي عليه بذلك إن امتنعـ ويؤمر به وال يجبر‪.‬‬

‫(?) أصول الفقه اإلسالمي‪ :‬وهبة الزحيلي‪.2/828 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 368‬ـ‬
‫وقد رجح اإلمام ابن سهل أن الصواب في هذه المسألة‪ :‬أن يقضي عليه‬
‫شاٍة»(‪ ،)1‬مع‬
‫بالوليمة لقول النبي عليه الصالة والسالم‪َ« :‬أ ْولِ ْم َولَ ْو بِ َ‬
‫العمل به عند الخاصة والعامة‪ ،‬بخالف ما تعطى الماشطة على‬
‫الجلوة ال يقضى به عندي إن امتنع منه وال بأجرة ضاربة دف‬
‫وال كبر(‪.)2‬‬
‫واالستدالل هنا واضح في توظيف العرف كأساس تحكم على‬
‫وفقه األحكام‪ ،‬مع مراعاته أن يكون فاسدا أو غير ذلك‪ ،‬فالعرف‬
‫المعمول هو أن يقضى عليه‪ ،‬وقد عزز اعتبار هذا العرف‬
‫الحديث النبوي‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ االستحسان‬
‫اشتهر الحنفية والمالكيةـ باالستحسانـ وطفحت كتبهم بإيراده‪ ،‬وإن‬
‫القارئ ليجد في كتبهم كثيرا استعمال أستحسن كذا‪ ،‬وال أستحسن كذا‪.‬‬
‫ولقد كان األخذ به مثار ضجة بين الفقهاء فأخذ به الحنفية والحنابلة‬
‫والمالكية‪ ،‬حتى قال اإلمام مالك ‪ (( :‬االستحسان تسعة أعشار العلم))(‪.)3‬‬
‫ورفض األخذ به اإلمام الشافعي ~ واشتهر عنه ((من استحسن فقد شرع))‪.‬‬
‫لكن الشافعي نفسه إذا جئنا إلى كتابيهـ الرسالة واألم نجده يقول‬
‫أستحسن كذا وكذا‪ ،‬وبالتالي فالخالف لفظي‪ ،‬ومقصود الرفض عند الشافعي‬
‫هو نفسه مقصود الرفض عند غيره‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس فاالستحسان يمثلـ شقا كبيرا وموردا عظيما من‬
‫موارد مقاصد التشريع‪ ،‬ألن فلسفة االستحسان قائمة على أن المسألة ليس‬
‫منصوصا عليها في عين الشرع كتابا وسنة‪،‬ـ لكن موارد األحكام في‬
‫استقرائها تشهد بجنس نصوص الشرع بجوازه واستحسانه‪.‬ـ‬
‫ولهذا عرفه ابن رشد فقال‪(( :‬هو أن يكون طرحا لقياس يؤدي إلى غلو‬
‫في الحكم ومبالغة فيه‪ ،‬فيعدل عنه في بعض المواضع لمعنى يؤثر في الحكم‬
‫يختص به ذلك الموضع‪.‬‬

‫(?) أخرجه البخاري في صحيحه ج‪ 1‬ص ‪ ،722‬ومسلم في صحيحه ج‪ 1‬ص‪.1042‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) اإلعالم بنوازل األحكام‪.195 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) االعتصام‪ :‬أبو إسحاق الشاطبي‪ ،‬مكتبة الرياض الحديثة‪.2/138.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 369‬ـ‬
‫ومقصدية االستحسان تتبدى من المبنىـ الذي يقوم عليه‪ ،‬وهي موارد‬
‫الشرع‪ ،‬وموارد الشرع معناه غاياتهـ وأهدافه‪ ،‬وعلى هذا األساس‬
‫فاالستحسان قائم على تقديم مصلحة جزئيةـ في جوار مصلحة كلية نص‬
‫الشرع عليها‪ ،‬لكن شرود الحكم في هذه المصلحة الجزئيةـ إلى حكم آخر‪ ،‬هذا‬
‫ال يعفيهاـ من كونها محاطة بسياج مصلحة كلية أخرى عززتها القواعد‬
‫واألصول‪.‬‬
‫وقد وظف اإلمام عيسى بن سهل االستحسان كثيرا فعلى سبيلـ المثال‪.‬ـ‬
‫ـ مسألة تحمل الشهادة‬
‫معنى المسألة أنه إذا كان هنالك قاض أراد أن يشهد مسألة إلى قاضي‬
‫آخر وكان صاحب القضية هو الحامل لها في تحملها ونقلها‪ ،‬فهذا ال يجوز‬
‫بإجماع القضاة‪ ،‬أما إذا تحمل الكتاب شاهدان وشهد به عند المكتوب إليه‬
‫وأثنىـ عليه عندهما بخير‪ ،‬وإن لم يكن تعديال بينا‪ ،‬أو توسم فيهما صالحا‪،‬‬
‫وكان الخط والختم مشهورين معروفين عند المكتوب إليه‪ ،‬فيرى اإلمام‬
‫إجازتها استحسانا(‪.)1‬‬
‫ووجه االستدالل هنا في إجازة مثل هذا نظرا لتعذر موافقة العدول‪،‬‬
‫وكذلك ما جرى عليه العمل في صدر السلف من إجازة الخاتم‪ ،‬واالستحسان‬
‫قائم على تلك القرائن المقوية باإلجازة‪ ،‬وهي اإلشهاد وتوسم الصالح‪ ،‬وتلك‬
‫أمور رفيعة في القضاء تستدعي الفقيه في حسمها إلى ملكة النظر والممارسة‪.‬‬
‫ـ مسألة قضاء القاضي بعلمه‬
‫ذكر اإلمام مسألة القاضي الذي يقضي بعلمه أو بما سمع في مجلس‬
‫نظره‪ ،‬وهذا قياس مطرد‪ ،‬لكن اإلمام رجح إجازة القاضي ذلك من دون بينة‬
‫استحسانا موافقا بذلك ما قاله ابن العطار وابن الماجشون وغيرهم‪ ،‬وأعار‬
‫المسألة بعيار االستحسان‪ ،‬ووجه االستدالل في نظره أن المسألة في أصلها‬
‫خاضعة للملكة التي يكتسب بها القاضي تجربة تجعله يقف على مظان المسألة‪،‬‬
‫َص ُمونَ ِإلَ َّي‬ ‫وقال بأن ظاهر هذا يعضده الحديث‪ِ« :‬إنَّ َما َأنَا بَ َ‬
‫ش ٌر وَِإنَّ ُك ْم ت َْخت ِ‬
‫ض َي لَهُ َعلَى نَ ْح ِو َما َأ ْ‬
‫س َم ُع‬ ‫ض َوَأ ْق ِ‬
‫ض ُك ْم َأنْ يَ ُكونَ َأ ْل َحنَ بِ ُح َّجتِ ِه ِمنْ بَ ْع ٍ‬
‫َولَ َع َّل بَ ْع َ‬

‫(?) اإلعالم بنوازل األحكام‪.31 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 370‬ـ‬
‫ش ْيًئا فَاَل يَْأ ُخ ْذ فَِإنَّ َما َأ ْقطَ ُع لَهُ قِ ْط َعةً ِمنْ‬
‫ق َأ ِخي ِه َ‬ ‫فَ َمنْ قَ َ‬
‫ض ْيتُ لَهُ ِمنْ َح ِّ‬
‫النَّا ِر»(‪.)1‬‬
‫ـ حكم اللبن المغشوش في السوق‬
‫هذه مسألة متعلقةـ باالحتسابـ مفادها أن صاحب الحسبة إذا لقي في‬
‫السوق بائعاـ يبيعـ لبنا مغشوشا فهل يقوم بإهراقه‪،‬ـ أم كيف يصنع‪ ،‬ذكر مالك‬
‫في المدونة من حرف ابن القاسم أنه يتصدق به وال يهراق‪ ،‬وخالف بهذا ما‬
‫روته المدونة عن عمر بن الخطاب أنه كان يطرح اللبن المغشوش في‬
‫األرض أدبا مع صاحبه‪.‬‬
‫لكن مالكا رأى استحسانا أن يتصدق به إذ في ذلك عقوبة للغاش‬
‫بإتالف عليه‪ ،‬وإخراجه عنه ونفع المساكينـ بإعطائهم إياه(‪.)2‬‬
‫وهذه فقاهة تنم على البعد المقاصدي الذي راعه اإلمام مالك حيث إن‬
‫مقصود الزجر قائم‪ ،‬وذلك في المعاقبةـ باالضافة إلى سلب منه متاعه‬
‫وسلعته‪،‬ـ ثم في جوار ذلك هنالك إرفاق بالتصدق باللبنـ على الفقراء أو‬
‫المعدومين‪ .‬وهذا نظر حصيف‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ سد الذرائع‬
‫هذا دليل يعتبرـ موردا هاما من موارد التقصيد في التشريع‪ ،‬ألن‬
‫مقصود الشارع الحكيم متحقق بغاياته وأهدافه‪ ،‬ولو تعددت وسائله واختلفت‬
‫مناهله‪،‬ـ فمتى ما تعطلت المصالح في نفسها‪ ،‬أو كانت هنالك مسالك‬
‫مشروعة‪ ،‬لكن كانت سببا في تعطيلها‪،‬ـ فما كان ذريعة إلى تفويت مقصد‬
‫الشارع فهو محظور وإن جازت وسائله‪.‬‬
‫من هذه الديباجة تظهر لنا مقصدية هذا الدليل وعلى هذا األساس قال‬
‫اإلمام القرافي في معناها‪:‬ـ ((اعلم أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها‬
‫وتكره وتندب‪ ،‬وتباح‪ ،‬فإن الذريعة هي الوسيلة‪ ،‬فكما أن وسيلة المحرم‬
‫محرمة‪ ،‬فوسيلة الواجب واجبة‪ ،‬كالسعي للجمعة والحج‪ ،‬وموارد األحكام‬
‫على قسمين‪ :‬مقاصد‪ :‬وهي المتضمنةـ للمصالح والمفاسد في أنفسها‪ ،‬ووسائل‪:‬‬

‫(?) أخرجه البخــاري في الصــحيح ج‪ ،2/952‬قم ‪ .2435‬ومســلم في الصــحيح ج‪3/133‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.7‬رقم ‪.1713‬‬
‫(?) اإلعالم بنوازل األحكام‪.601 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 371‬ـ‬
‫وهي الطرق المفضية إليها‪ ،‬وحكمها حكم ما أفضت إليه من تحريم وتحليل‪،‬‬
‫غير أنها أخفض رتبة من المقاصد في حكمها))(‪.)3‬‬
‫من هذا النص القرافي الذي حدد المدلول الحقيقي للذرائع وربطها‬
‫بالمقاصد يتبين لنا أن مقصود الشرع حاضر في كل الصيغ التي وردت‬
‫عليها المسائلـ والنوازل‪ ،‬وال عبرة بظاهرهاـ وال وسيلتها إذا كانتـ تفضي إلى‬
‫المحظور‪ ،‬وهذا ما نستشفه في التوظيف المقصدي لها عند اإلمام ابن سهل‬
‫في نوازله‪ ،‬فعلى سبيلـ المثال‪:‬ـ‬
‫ـ مسألة في الصالة في األسواق‬
‫وقعت نازلة في عهد اإلمام وهي في حوانيت ابتناهاـ السلطان واكتراها‬
‫الناس منه لتجارتهم‪ ،‬ويقرب هذه الحوانيتـ ثالثةـ مساجد فيها أئمة راتبون‪،‬‬
‫وفي بعض هذه الحوانيت رجل يؤم الناس في الظهر والعصر‪ ،‬يقف وسط‬
‫الحوانيت‪،‬ـ ويصيح الصالة يرحمكم هللا ثم يتقدمهم ويصلي في جوار‬
‫الحوانيتـ ويتركون السعي إلى تلك المساجد‪.‬‬
‫فسأل اإلمام شيخه ابن عتابـ عنها فأجاب‪ :‬أن صالتهم غير جائزة‬
‫ويِؤمروا بالصالة في المساجد‪ ،‬فإن انتهوا فذلك توفيق من هللا‪ ،‬وإن أبوا‬
‫وذكروا عذرا تركوا على حالهم‪ ،‬وهللا يعلم المفسد من المصلح‪.‬‬
‫وانظر ذلك التحقيق المقاصدي في المسألة المذلل بموارد الشرع‪ ،‬فعدم‬
‫جواز صالتهم‪ ،‬ليس ألن صالة الجماعة واجبة‪ ،‬ال سيما وفي مذهبناـ الذي‬
‫يقول بالسنية‪،‬ـ لكن عدم الجواز متعلق بالذريعةـ التي قد تفضي إلى حرام وهي‬
‫إقامة جماعة خلف اإلمام‪ ،‬حيث إن هذا سبيلـ إلى التفرق والفتنة‪،‬ـ واجتماع‬
‫المسلمين مقصد عظيم من مقاصد الشرع‪ ،‬إذن فالصالة في الحوانيتـ هو‬
‫مظنة إلى االنعزال والتحزب واالنفصال‪ ،‬ال سيما إذا كان لهم اجتماع كما‬
‫ذكر في المسألة‪ ،‬وموعد‪ ،‬والذي يعزز الرحمة كما قال ابن عتابـ هو قربهم‬
‫من المساجد‪ ،‬فلو كانت المساجد بعيدة لما كان هنالك حرج‪ ،‬لكن ولما كان‬
‫القرب فهو مظنة وسبيلـ هذه المفسدة‪.‬‬

‫(?) الفروق‪ :‬شهاب الدين القرافي‪ ،‬عالم الكتب(بيروت) (‪.)2/22‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 372‬ـ‬
‫ثم إن ابن عتابـ قال إذا ذكروا عذرهم كأن تعذروا بسرقة رحالهم إذا‬
‫ذهبوا أو لديهم أعذار معتبرة في ال ّشرع‪ ،‬قال يخلى بينهم وبين ما يفعلون‪،‬‬
‫ونياتهم إلى ربهم‪.‬‬
‫وهذا نظر آخر أصاب الفقيه كبد الحكمة فيه‪ ،‬وهي مسألة النوايا‬
‫والباعثـ وهذه المسألة اختلف حولها الفقهاء اختالفا شديدا‪.‬‬
‫يعني هل ينظر إلى المآالت والنتائج أم يستصحب النظر كذلك إلى النوايا‬
‫والبواعث‪ ،‬وقد وقف اإلمام الشاطبي بين االتجاهين مفترضا هذه المسألة فقال‪:‬‬
‫((ال إشكال في منع القصد إلى اإلضرار من حيث هو إضرار‪ ،‬لثبوت الدليل‬
‫على أن ال ضرر وال ضرار في اإلسالم‪ ،‬لكن يبقى النظر في هذا العمل الذي‬
‫اجتمع فيه قصد نفع‪ ،‬وقصد إضرار غيره‪ ،‬أيمنع منه فيصير غير مأذون فيه‪،‬‬
‫أم يبقى على حكمه األصلي من اإلذن‪ ،‬ويكون عليه إثم ما قصد))‪ ،‬ويردف‬
‫المسألة ويعيرها شيئا من التفصيل فيقول‪(( :‬وهو أنه إما أن يكون إذا رفع ذلك‬
‫العمل وانتقل إلى وجه آخر في استجالب تلك المصلحة‪ ،‬أو درء تلك المسألة‪،‬‬
‫حصل له ما أراد أو ال‪ ،‬فإن كان كذلك فال إشكال في منعه منه‪ ،‬ألنه لم يقصد‬
‫ذلك الوجه‪ ،‬إال ألجل اإلضرار‪ ،‬فلينقل عنه‪ ،‬وال ضرر عليه‪ ،‬كما من ذلك‬
‫الفعل إذا لم يقصد إال اإلضرار‪ .‬وإن لم يكن له محيص عن تلك الجهة التي‬
‫يستضر بها غيره‪ ،‬فحق الجالب أو الدافع مقدم‪ ،‬وهو ممنوع من قصد‬
‫اإلضرار))(‪.)1‬‬
‫ومن هذا النص المحقق يتبين أن الفعل يمنع من صورتين‪ :‬حالة إمكان‬
‫تحقيق مصلحته من طريق آخر‪ ،‬وحالة قصد اإلضرار فقط‪ ،‬ويجوز الفعل‬
‫في حالة تعينـ ممارسته‪،‬ـ وال سبيلـ لتحقيق المصلحة سوى ذلك‪.‬‬
‫وقد رأينا كيف أعار اإلمام عيسى بن سهل نوازله بمعيار االجتهاد‬
‫المقاصدي الذي كان حاضرا حضور المشكالت التي ال يمكن أن نجد لها‬
‫حلوال نسترشد فيها مسلكا وسطا إال بهذا االجتهاد‪ ،‬والمسائل كثيرة ويطول‬
‫البحث بتحليلها‪،‬ـ فكان همنا ذكرها على سبيل المثال ال الحصر واإلكمال‪،‬‬
‫حتى نستشف كيف كانت المقاصد حاضرة في مغربنا‪ ،‬وحتى نجد تفسيرا‬

‫(?) الموافقات‪ : :‬أبو إسحاق الشاطبي‪ ،‬تحقيق عبد هللا دراز‪ ،‬المكتبة التجارية‪.2/349 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 373‬ـ‬
‫دقيقا لسر الطاقة التي فجرها ابنا المغرب اإلمام الشاطبيـ وابن عاشور‬
‫وغيرهم‪ ،‬في تذليل مصاعب هذا العلم وإبداعه‪.‬‬
‫نكتفيـ بهذه المسائلـ النازلة التي راعى فيها فقهاؤنا الموارد المقاصدية‪،‬‬
‫وأن حضورها كان فاعال‪ ،‬ألنه هو األساس في الحكم والجوهر‪،‬‬
‫فاالستصحاب المقاصدي كما قال اإلمام الشاطبي وغيره ال يمكن أن يتجاهلـ‬
‫أو يتأخر‪ ،‬فالشريعة كلها مقاصد وغايات‪،‬ـ ولن ننشد التوظيف الحقيقي للعدالة‬
‫اإللهية في تشريعاته‪،‬ـ وبغية الصالح لهم ودرء الفساد عنهم عاجال وآجال إال‬
‫بمراعات المنظومة المقاصدية أصوال وفروعا وموارد‪.‬‬
‫وصلى هللا وسلم على سيدنا وموالنا محمد وآله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫ــ ‪ 374‬ـ‬
‫نظرية ما جرى به العمل وتطبيقاتها على فقه النوازل‬
‫‪ ‬د‪/‬جمال كركار‬
‫كلية العلوم اإلسالمية‪ ،‬جامعة الجزائر‬
‫تمهيد‬
‫إن نظرية العمل هي نظرية مالكية محضة‪ ،‬استطاع علماء المذهب من‬
‫خاللها أن يتصدوا للوقائع والنوازل‪ ،‬ولم يمنعهم تمسكهم باألقوال المشهورة من‬
‫أن يخضعوا لسلطان الواقع فتعاملوا مع المستجدات بمرونة تفرضها الضرورة‬
‫والحاجة الملّحة حينا‪ ،‬وتستجيب لتحقيق المصالح‪ ،‬ودرء المفاسد حينا آخر‪،‬‬
‫وفي هذه الدراسة أحاول بيان هذه النظرية وتأثيرها في فقه النوازل من خالل‬
‫نماذج من مصادر مختلفة‪ ،‬وأحقاب وأماكن متنوعة مبيّنا مدى أخذ فقهاء‬
‫الغرب اإلسالمي بها على وجه العموم‪ ،‬وفقهاء الجزائر على وجه الخصوص‪.‬‬
‫تعريف ما جرى به العمل‬
‫األخذ بما جرى به العمل في مقابل القول الراجح والمشهور يكون‬
‫بسبب موجب‪ ،‬وهذا الموجب قد يكون لدرء مفسدة‪ ،‬أو لخوف فتنة‪ ،‬أو‬
‫لجريان عرف في المسائلـ التي مستنداتهاـ أعراف‪ ،‬وقد يكون الموجب‬
‫مصلحة‪ ،‬ويؤخذ بالعمل في محل خاص ومكان خاص‪ ،‬فإذا تغير المحل‬
‫والمكان رجع إلى القول المشهور أو الراجح‪.‬‬
‫وهذا المسلك في فقه المالكيةـ راجع إلى أصولهم‪ ،‬فإن األخذ بالعملـ في‬
‫مقابل المشهور يرجع إلى أصل مالك في سد الذرائع‪ ،‬وجلب المصلحة راجع‬
‫إلى أصل المصلحة المرسلة‪.‬‬
‫وفي حال غياب الموجب الذي جعل الفقيه أو القاضي يأخذ بالضعيف‬
‫أو الشاذ‪ ،‬عاد الحكم إلى أصله األول‪ ،‬وال يكون األخذ بما جرى به العمل إال‬
‫بشروط نذكرها حتى ال نخالف النصوص ونصادم القطعياتـ بدعوى العمل‪،‬‬
‫أو بدعوى موجب العمل من مصلحة ملغاة‪ ،‬أو عرف فاسد‪ ،‬أو ضرورة غير‬
‫متحققة‪ ،‬كأن يكون الموجب في رتبة التحسينات‪ ،‬فكل هذا ليس من قبيل‬
‫العمل الذي يسمح بالخروج عن المشهور‪.‬‬
‫يطلق هذا المصطلح‪ :‬ما جرى به العمل "أو" ما مضى به العمل "أو"‬
‫المعمول به وغيرها من المصطلحات ويقصد به‪:‬‬
‫أ‪  ‬ـ ما حكمت به األئمة لرجاحته(‪.)1‬‬
‫ب ـ ويقصد به ما اختاره القضاة والمفتون من أقوال ضعيفة أو شاذة‬
‫أو مهجورة في المذهب‪ ،‬ثم الحكم واإلفتاء بها تحقيقا لمصلحة أو درءا‬
‫لمفسدة‪ ،‬أو سدا لذريعة أو تحكيما لعرف غالب‪ ،‬وتبقى هذه الفتوى سائدة‬
‫باستمرار الموجب‪ ،‬فيبقى العمل جاريا بهذه الفتوى أو بهذا الحكم‪.‬‬

‫(?) البهجة التسولي ‪.1/45‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 375‬ـ‬
‫تعريف األستاذ عمر الجيدي‬
‫قال الدكتور عمر الجيدي‪(( :‬والعمل كما استقر عليه الرأي عند المغاربة‬
‫هو العدول عن القول الراجح أو المشهور في بعض المسائل إلى القول الضعيف‬
‫فيها‪ ،‬رعيا لمصلحة األمة وما تقتضيه حالتها االجتماعية " أو هو" حكم القضاة‬
‫بالقول وتواطؤهم عليه‪ ،‬من غير أن يكون كل ما حكم به قاض جرى به العمل))‪.‬‬
‫أو هو‪(( :‬اختيار قول ضعيف والحكم واإلفتاء به‪ ،‬وتمالؤ الحكام‬
‫والمفتينـ بعد اختياره على العمل به لسبب اقتضى ذلك))(‪.)1‬‬
‫الفرق بين العرف والعمل‬
‫لقد أطلق لفظ العمل عند علمائنا على معنيين‪:‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ المعنى األول‪ :‬أطلق مرادفا للعرف‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ المعنى الثاني‪ :‬مخالفا له‪.‬‬
‫فالذين لم يفرقوا وجدوا تداخال كبيرا بينهما‪ ،‬فجريان العمل ما هو إال‬
‫عرف متطور‪.‬‬
‫فالحجوي في الفكر السامي بيّن أن العمل كثيرا ما يكون تابعا للعرف‪،‬‬
‫ومثل لذلك‪  ‬بما ذكره ابن فرحون في الخالف في متاع البيت‪ ،‬أن من أدوات‬ ‫ّ‬
‫المنزل منها ما هو للرجال‪ ،‬ومنها ما هو للنساء أي الزوجات‪ ،‬حسب العوائد‬
‫واألعراف‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫ثم قال‪(( :‬وكل بلد يرجع إلى عمله وعرفه)) ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ورأى الدكتور الجيدي نقال عن ابن خلدون والوزاني وغيرهما هذا‬
‫الرأي ورجحه قائال‪(( :‬هذا رأي غالبية الفقهاء))(‪.)4‬‬
‫أما الذين فرقوا بينهماـ فرأوا‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ‪   ‬أن جريان العرف هو تلقائي تتناقلهـ عامة الناس‪ ،‬أما جريان‬
‫العمل فيفتقر إلى قول عالم ثقة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ إن العرف الصحيح هو أحد األسباب التي ينبنيـ عليها العمل‬
‫كمصلحة معتبرة‪ ،‬أو سد ذريعة‪ ،‬أو ضرورة‪ ،‬أو جريان عرف غالب‪ ،‬أما‬
‫العرف فال يستند إلى عمل جار‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) العرف والعمل‪ ،‬الجيدي‪.342 :‬‬
‫(?) الفكر السامي‪ ،‬الحجوي ‪ ،4/229‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪1416 ،‬هـ ـ ‪1995‬م‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) هو أبو عيسى محمد المهدي بن محمد العمراني الوزاني‪ ،‬مفتي فاس وفقيهها في‬ ‫‪3‬‬

‫زمانه‪ ،‬ولد بوزان سنة ‪ 1266‬هـ‪ ،‬وتوفي ~ بفاس ‪ 1342‬هـ له المعيار الجديد‪،‬ـ وحاشية‬
‫على شرح ميارة وغيرهما‪ ،‬شجرة النور ‪ 2/435‬ـ ‪ 436‬والفكر السامي ‪.4/364‬‬
‫(?) العرف والعمل‪.395 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 376‬ـ‬
‫‪ 3‬ـ ورأى الدكتور عمر الجيدي أن الفقهاء ليسوا متفقين على إجراء‬
‫العمل في العبادات‪ ،‬بل إن جمهور المحققين منهم من يمنعـ ذلك ويقصرونه‬
‫على المعامالت‪ ،‬وأن العرف ليس محل اتفاق بينهم من حيث عدم تأثيرهـ في‬
‫العبادات‪ ،‬إذ هناك مسائل كثيرة هي من صميم العبادات أحال الفقهاء فيها‬
‫على العرف‪ ،‬فالخالف الجاري في هذا جار في ذاك‪ ،‬وإذا كان األمر كذلك لم‬
‫يبق لهذا الفرق معنى(‪.)1‬‬
‫تعريف المشهور‪ :‬لقد جاء معنى المشهور عند المالكية على ثالثة أقواال‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أنه ما كثر قائله‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أنه ما قوي دليله‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أنه قول ابن القاسم في المدونة‪.‬‬
‫القول األول‪ :‬القول بأن المشهور ما كثر قائله‪.‬‬
‫يقصد بالكثرة عند الفقهاء ما تجاوز عدد الثالثة‪،‬ـ فال يقال ن هذا األمر‬
‫اشتهر إال إذا قاله ثالثة من العلماء فأكثر‪ .‬وممن اختاروا هذا القول الدسوقي‬
‫في حاشيته‪،‬ـ وقال عنه أنه المعتمد‪ ،‬وقال كذلك المشهور ما كثر قائله ولو كان‬
‫مدركه ضعيفا(‪ .)2‬ومما يعضد هذا التفسير أمور ثالثة‪:‬ـ‬
‫األول‪ :‬إن هذا التفسير هو الموافق للمعنى اللغوي في لفظ المشهور‪،‬‬
‫والشك أن الحكم الصادر عن جماعة أكثر من ثالثة ظاهر‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إذا لم يكن تفسير المشهور بهذا المعنى لكان مرادفا للراجح وال‬
‫يكون فرق بينهما‪ ،‬وجمهور األصوليين ال يقولون بالترادف‪ ،‬بل يثبتونـ‬
‫الفرق‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬لو كان المشهور هو ما قوي دليله لم يتأت في القول الواحد أن‬
‫يجمع بين الشهرة والرجحان باعتبارين مختلفين‪ ،‬رغم أنه من الثابت عند العلماء‬
‫أنه يمكن للقول الواحد أن يكون مشهورا لكثرة قائله‪ ،‬وراجحا لقوة دليله(‪.)3‬‬
‫ولقد رد هذا القول بأن الكثرة ليست دليال على الصواب‪.‬‬
‫جاء في المعيار للونشريسي(‪ )4‬على لسان من يرى خالف هذا الرأي‪،‬‬
‫مبيّنا أن المشهور هو ما قوي دليله‪ :‬أن المشهور ما قوي دليله‪ ،‬وأن مالكا ~‬
‫كان يراعي من الخالف ما قوي دليله ال ما كثر قائله‪ ،‬وقد أجاز ~ الصالة‬
‫على جلود السباع إذا ذكيت وأكثرهم على خالفه‪.‬‬
‫(?) العرف والعمل‪ ،‬الجيدي‪ ،‬ص‪.395‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ‪ ،1/34‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1419 ،1‬هـ ـ ‪1998‬م‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) االختالف الفقهي في المذهب المالكي‪ ،‬مصطلحه وأسبابه‪ ،‬عبد العزيز بن صالح‬ ‫‪3‬‬

‫الخليفي‪ ،‬ص‪ 174‬الطبعة األولى‪ ،‬المطبعة األهلية‪ ،‬قطر‪ 1414 ،‬هـ ـ ‪ 1993‬م‪.‬‬
‫(?) أبو العباس أحمد بن يحي بن محمد بن عبد الواحد الونشريسي التلمساني ثم الفاسي‬ ‫‪4‬‬

‫فقيه مالكي حمل لواء المذهب على رأس السنة التاسعة‪ ،‬أخذ عن علماء تلمسان كأبي‬
‫الفضل العقباني وابن مرزوق الكفيف‪ ،‬توفي ‪ 914‬هـ‪ ،‬له عدة مؤلفات أهمها المعيار‪.‬‬
‫انظر توشيح الديباج‪ ،65 :‬وتعريف الخلف ‪.1/62‬‬
‫ــ ‪ 377‬ـ‬
‫وأباح بيع ما فيه حق توفية من غير الطعام قبل قبضه‪ ،‬وأجاز أكل‬
‫الصيد إذا أكل منه الكلب ولم يراع في ذلك خالف الجمهور‪.‬‬
‫وقد بيّن ابن فرحون في تبصرته أن الشهرة قد تكون غير معتمدة على‬
‫أصل فذكر قول ابن راشد(‪(( :)1‬وسمعت بعض الفضالء ينكر لفظة مشهور فإنه‬
‫يعول على ما يعضده‬
‫قد يشتهر عند الناس شيء‪ ،‬وليس له أصل قال‪ :‬إنما ّ‬
‫الدليل))(‪.)2‬‬
‫ثانيا ـ المشهور ما قوي دليله‬
‫قال ابن بشير(‪ (( :)3‬اختلف في المشهور على قولين‪ ،‬أحدهما إنه ما‬
‫قوي دليله‪ ،‬واآلخر ما كثر قائله‪ ،‬والصحيح أنه ما قوي دليله))‪.‬‬
‫ومن المالكية من عرف المشهور بهذا الرأي‪ ،‬أي ما قوي دليله وهو‬
‫ابن خويز منداد(‪ ،)4‬إذ قال‪(( :‬تدل على أن المشهور ما قوي دليله‪ ،‬وأن مالكا‬
‫~ كان يراعي من الخالف ما قوي دليله ال ما كثر قائله))(‪.)5‬‬
‫وقد نقل ابن فرحون عن ابن راشد‪ :‬أن ما يعكر على القول بأن‬
‫المشهور ما كثر قائله أن بعض المسائلـ وجدنا المشهور فيها المنع‪ ،‬بينما‬
‫عمل األكثرين على الجواز‪ ،‬ومثّل لذلك بمسألةالتزامـ المرأة لزوجها إرضاع‬
‫ولدها حولين كاملين عند الطالق‪ ،‬والتزام نفقته وكسوته سنتين بعد الحولين‬
‫والمشهور أنه ال يلزمها إال الحولين فقط وال يزيد على ذلك‪ ،‬وجرى العمل‬
‫في األندلس على جواز الزيادة إذا اشترطها الزوج وتلزم على المطلقة‪.‬ـ‬
‫وموجب هذه الفتيا هو اعتبار عرف أهل األندلس‪ ،‬فلذلك عدلوا عن‬
‫المشهور(‪.)6‬‬
‫القول الثالث‪ :‬المشهور هو قول ابن القاسم في المدونة‬

‫(?) هو أبو عبد هللا محمد بن عبد هللا بن راشد البكري‪ ،‬فقيه مالكي‪ ،‬متفنن في علوم شتى‬ ‫‪1‬‬

‫ولي قضاء قفصة توفي ~ سنة ‪ 736‬هـ من مؤلفاته "المذهب في ضبط قواعد المذهب"‪.‬‬
‫ترجمته في الديباج‪ 417 :‬ـ ‪.418‬‬
‫(?) تبصرة الحكام ‪ ،1/71‬راجعه طه عبد الرؤوف سعد‪ ،‬مكتبة الكليات األزهرية‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪1406‬هـ ـ ‪1986‬م‬
‫(?) هو عبد هللا محمد بن سعيد بن بشير‪ ،‬لقي مالكا وجالسه وسمع منه ثم رحل إلى‬ ‫‪3‬‬

‫األندلس‪ ،‬تولى قضاء قرطبة‪ ،‬توفي ~‪  ‬سنة ‪ 198‬هـ‪ .‬انظر ترجمته في المدارك ‪2/493‬‬
‫(?) هو محمد بن أحمد بن عب هللا منداد‪،‬ـ إمام متكلم فقيه أصولي‪ ،‬توفي ~ سنة ‪390‬هـ‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫الديباج المذهب‪ ،‬ص‪.363‬‬


‫(?) تبصرة الحكام‪ ،‬ابن فرحون ‪.1/71‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) تبصرة الحكام‪ ،‬ابن فرحون‪.1/71 ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫ــ ‪ 378‬ـ‬
‫قال ابن فرحون‪(( :‬إن قول ابن القاسم هو المشهور في المذهب إذا كان‬
‫في المدونة‪ ،‬والمشهور في اصطالح العلماء المغاربة هو مذهب المدونة))(‪.)1‬‬
‫وهذا الرأي عارضه فقهاء كثيرون‪ ،‬فلم يقبلوا أن ينحصر المشهور في‬
‫رواية ابن القاسم في المدونة(‪.)2‬‬
‫وضربوا لذلك مثاال‪ ،‬وهو أن الماء اليسير إذا أصابتهـ نجاسة ولم يتغير‬
‫وصفا من أوصافه فإنه طهور‪ ،‬ويكره استعمالهـ مع وجود غيره‪ ،‬فهذا هو‬
‫المشهور‪ ،‬وقول ابن القاسم في المدونة يخالف المشهور فقليل الماء ينجسه‬
‫قليل النجاسة وإن لم تغيره‪ ،‬فكيف يكون القول الضعيف مشهورا(‪.)3‬‬
‫أقسام العمل‬
‫ينقسم العمل إلى قسمين‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬عمل مطلق وهو ما جرى به العمل مطلقا في مذهب‬
‫مالك غير مقيد بقطر معين‪ ،‬وال بمكان مخصوص‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬العمل اإلقليمي وهو الخاص بإقليم معين كمنطقة زواوة‪،‬‬
‫أو تلمسان‪ ،‬أو قسنطينة‪،‬ـ فالعمل قاصر على أماكن خاصة‪ ،‬وال يجوز اإلفتاء‬
‫إال بالموجب الذي يتحقق في المنطقة الخاصة‪ ،‬وهو يقابل في تقسيم العرف‪،‬‬
‫العرف الخاص‪.‬‬
‫شروط العمل‬
‫شروط تقديم ما جرى به العمل‬
‫اشترط الفقهاء المالكيةـ لتقديم ما جرى به العمل خمسة شروط‪:‬‬
‫الشرط األول‪ :‬ال بد أن يثبتـ جريان العمل‪ ،‬حتى ال يرد القول‬
‫المشهور بمجرد الدعوى‪ ،‬ومن هنا اشترطوا النقل الصحيح الذي يفيد اليقين‬
‫وال يكون هذا إال بشهادة الشهود المثبتين أن هذا الحكم جرى به العمل من‬
‫قبل العلماء المقتدى بهم‪.‬‬
‫وقالوا إن ثبوت جريان العمل ال يكون بنقل العوام الذين ال يفرقون بين‬
‫خبر صحيح وخبر كاذب‪      .‬‬

‫(?) نفس المرجع‪.1/71 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) من الذين عارضوا هذا التعريف ابن عرفه‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) الشرح الكبير للدردير ‪.1/43‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 379‬ـ‬
‫قال الشيخ ميارة(‪)1‬في شرح الالّمية‪:‬ـ ((وال يثبت العمل المذكور بقول‬
‫عوام العدول ممن ال خبرة له بمعنى لفظ المشهور أو الشاذ فضال عن غيره‪،‬‬
‫جرى العمل بكذا فإذا سألته عمن أفتى به أو حكم به من العلماء توقف‬
‫(‪)2‬‬
‫وتزلزل‪ ،‬فإن مثل هذا ال يثبتـ به مطلق الخبر فضال عن حكم الشرعي)) ‪.‬‬
‫قال الدكتور عمر الجيدي في هذا الشرط‪(( :‬ووجه اشتراط الشرط‬
‫األول‪ ،‬أن قول القائل في مسألة معينة‪ ،‬بهذا جرى العمل‪ ،‬قضية نقلية يبنى‬
‫عليها حكم شرعي فال بد من إثباتها بنقل صحيح حتى يصبح في قوة‬
‫المشهور والراجح))(‪.)3‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬معرفة محل جريانه‪ ،‬عاما أو خاصا بناحيةـ من البلدان‬
‫ألنه إذا جهلنا المحل أو الزمان‪ ،‬يصعب تعدي الحكم إلى مكان آخر لكون كل‬
‫مكان له خصوصياته‪،‬ـ فالحكم يتغير بتغير األزمنة واألمكنة‪.‬ـ‬
‫وهنا يدخل العرف الخاص‪ ،‬فأهل الزواوة جعلوا من التين المجفف‬
‫طعاما لهم‪ ،‬وأدخله بعضهم ضمن الطعام المزكى‪ ،‬وهو عند غيرهم فاكهة‬
‫وليس قوتا يقتات به‪.‬‬
‫وهكذا كثير من المسائلـ التي تختلف باختالفـ الزمان والمكان‪ ،‬فما‬
‫كان نفيسا عند قوم فقد يكون خسيسا عند آخرين‪ ،‬وما كان عمال شريفا عند‬
‫قوم فقد يكون هوانا عند آخرين‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬معرفة زمانه‪ ،‬فموجبات العمل لها عالقة بالزمان‬
‫والمكان‪،‬ـ فإذا ثبت موجب العمل في منطقة‪،‬ـ فليس بالضرورة أن يثبتـ في‬
‫غيرها‪ ،‬كما إذا ثبتـ في زمان ليس بالضرورة أن يتعدى زمانا آخر‪ ،‬ومتى‬
‫سقط الموجب رجع الحكم إلى المشهور‪.‬‬
‫الشرط الرابع‪ :‬مـعـرـفـةـ كـوـنـ مـنـ أـجـرـىـ ذـلـكـ اـلـعـمـلـ مـنـ اـألـئـمـةـ‬
‫اـلـمـقـتـدـىـ بـهـمـ فـيـ اـلـتـرـجـيـحـ‪،‬ـ قـاـلـ اـلـدـكـتـوـرـ اـلـجـيـدـيـ‪:‬ـ (ـ(ـفـإـنـ اـلـعـمـلـ مـنـ اـلـمـقـلـدـ‬
‫بـمـاـ جـرـىـ بـهـ اـلـعـمـلـ تـقـلـيـدـ لـمـنـ أـجـرـاـهـ‪،‬ـ وـإـذـاـ لـمـ يـعـرـفـ مـنـ أـجـرـاـهـ لـمـ تـثـبـتـ‬
‫أـهـلـيـتـهـ إـذـ رـبـمـاـ عـمـلـ بـعـضـ اـلـقـضـاـةـ بـاـلـمـرـجـوـحـ لـجـهـلـهـ أـوـ جـوـرـهـ‪،‬ـ الـ‬
‫لـمـوـجـبـ شـرـعـيـ‪،‬ـ فـيـتـبـعـهـ مـنـ بـعـدـهـ بـنـحـوـ ذـلـكـ‪،‬ـ فـيـقـاـلـ جـرـىـ بـهـ اـلـعـمـلـ‪،‬ـ وـالـ‬
‫يـجـوـزـ اـلـتـقـلـيـدـ فـيـ اـلـجـوـرـ وـاـلـجـهـلـ)ـ)ـ(ـ‪)4‬ـ‪.‬ـ‬
‫(?) هو أبو عبد هللا محمد أحمد بن محمد ميارة الفاسي فقيه مالكي من أهل فاس‪ ،‬ولد‬ ‫‪1‬‬

‫سنة ‪ 999  ‬هـ وتوفي ‪ 1072‬هـ‪ ،‬من مؤلفاته‪"  ‬شرح األرجوزة المسماة بتحفة الحكام‬
‫البن عاصم"‪ ،‬ترجمته في شجرة النور‪.2/309 ،‬‬
‫(?) البهجة‪ ،‬التسولي‪.1/45 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) العرف والعمل‪ ،‬ص ‪.360‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) نفس المرجع‪ ،‬ص ‪.361‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 380‬ـ‬
‫قال الحجوي(‪(( :)1‬وإال فالعمل ال يعتمد إال إذا جرى بقول راجح‪ ،‬أو‬
‫من قاض مجتهد الفتوى بين وجه ترجيح ما عمل به ؛ ألن المجتهد هو الذي‬
‫يقدر على تمييز ما هو مصلحة وما هو مفسدة أو ذريعة إليها‪ ،‬ويميز ما هو‬
‫في رتبة الضرورات أو الحاجيات‪ ،‬وما هو في رتبة التحسينيات‪ ،‬وما ألجأت‬
‫إليه المحافظة على النفس أو الدين أو النسل أو المال أو العرض أو العقل))‬

‫(‪.)2‬‬
‫ولقد أكد الشيخ الشنقيطي(‪)3‬على ضرورة إثبات عزو الكالم إلى‬
‫صاحبه واشترط أن يثبت عزوه إلى قائله خوف أن يكون ممن ال يقتدى به‬
‫لضعفه في الدين أو العلم أو الورع وإال فال يجوز العمل به‪ ،‬ورأى وجوب‬
‫تعلق شهادة العدول بتقديم القول الضعيف على المشهور(‪.)4‬‬
‫غير أن العلماء اختلفوا في ذكر وتسمية القاضي الذي أجرى ذلك‬
‫العمل قال صاحب نظرية األخذ بما جرى به العمل‪ :‬ذهب البعض إلى‬
‫التساهل في هذه المسألة وجعلوا عدم ذكر من أجرى العمل أمرا مباحا يجوز‬
‫ذكره ويجوز السكوت عنه‪،‬ـ لكن المطلوب أن يشيع ذلك العمل على ألسنة‬
‫الفقهاء‪ ،‬أو في مؤلفاتهم‪ ،‬وذهب آخرون كالشيخ الرّهوني(‪ )5‬إلى لزوم ذكر‬
‫من أجرى تلك األعمال من المتقدمين‪ ،‬كما يلزم على المتأخرين بيانـ ذلك‪.‬‬
‫وحجة أصحاب الرأي األول أن اإلمام مالك ~ بالنسبة لعمل أهل‬
‫المدينة ال يذكر في موطئه أسماء من أجرى العمل إنما يكتفي في قوله‪:‬‬
‫((األمر المعمول به عندنا‪ ،‬وعليه العمل عندنا‪ ،‬هو األمر المجتمع عليه‬
‫عندنا‪...‬ـ))‪.‬‬

‫(?) هو محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي الفاسي‪ ،‬من مؤلفاته الفكر السامي‪ ،‬توفي ~‬ ‫‪1‬‬

‫بالرباط سنة ‪ 1376‬هـ‪ ،‬معجم المؤلفين‪.9/187 ،‬‬


‫(?) الفكر السامي‪ ،‬الحجوي‪  ‬ج‪.4/466‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) هو أبو محمد عبد هللا بن إبراهيم الشنقيطي‪ ،‬أقام مدة بفاس‪ ،‬من آثاره نشر البنود‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫األعالم‪.4/187 ،‬‬
‫(?) نشر البنود ‪ ،2/327‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1409 ،1‬هـ ـ ‪1988‬م‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) هو عبد هللا بن محمد الرّهوني‪ ،‬عالم محقق‪ ،‬له حاشية على شرح ميارة‪ ،‬ولد سنة‬ ‫‪5‬‬

‫‪ 1159‬هـ‬
‫‪ ‬وتوفي ‪1230‬م‪ ،‬ترجمته في شجرة النور‪.2/378 :‬‬
‫ــ ‪ 381‬ـ‬
‫وأما حجة الفريق الثانيـ أن البحث عمن أجرى العمل لمعرفة هل هو‬
‫من المؤهلين المجتهدين‪،‬ـ قال اإلمام الشافعي‪(( :‬ليت شعري من هؤالء الذين‬
‫ال يسمون فإننا نعرفهم ولم يكلف هللا أحدا أن يأخذ دينه عمن ال يعرف))(‪.)6‬‬
‫الشرط الخامس‪ :‬معرفة السبب الذي ألجله عدلوا عن المشهور‪ ،‬فإذا‬
‫جهل الموجب امتنع تعدية الحكم إلى بلد آخر‪ ،‬والموجب كما ذكرنا إما ضرورة‬
‫ملحة قائمة‪ ،‬أو سد ذريعة أو سلطان عرف مستحكم‪ ،‬أو مصلحة معتبرة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫حجية العمل (إثبات العمل)‬
‫إن الحديث عن حجية عمل األمصار يجرنا إلى سرد أقوال علماء‬
‫األندلس والمغرب باختالف أمصاره‪ ،‬غير أني اكتفي بقول علمين أحدها‬
‫أندلسي والثانيـ جزائري‪.‬‬
‫أوال ـ موقف اإلمام الشاطبي ~‬
‫قال الشاطبي مثبتا حجيته‪(( :‬واألولى عندي في كل نازلة يكون فيها‬
‫لعلماء المذهب قوالن‪ ،‬فيعمل الناس فيها على موافقة أحدهما وإن كان‬
‫مرجوحا في النظر‪ ،‬أن ال يعرض لهم‪ ،‬وأن يجروا على أنهم قلدوه في‬
‫الزمان األول وجرى به العمل‪ ،‬فإنهم إن حملوا على غير ذلك‪ ،‬كان في ذلك‬
‫تشويش للعامة‪ ،‬وفتح ألبواب الخصام‪ ،‬وربما يخالفني في ذلك بعض‬
‫(‪)2‬‬
‫الشيوخ‪ ،‬ولكن ذلك ال يصدني عن القول به‪ ،‬ولي فيه إسوة))‬

‫ثانيا ـ موقف الونشريسي‬


‫‪ ‬قال الونشريسي‪:‬ـ ((واالستشهاد بعمل أهل البلد ببعضـ األقوال الفقهية‬
‫دون بعض أمر معروف‪ ،‬شهير عند الخاص والعام‪ ،‬ال يجهله من له بالطلبـ‬
‫أقل تلبس))(‪.)3‬‬
‫ورد على من نفى حجية العمل بقوله‪(( :‬فانظر إلى هذا التشنيع الشنيع‬
‫والتنظير الذي ليس له في عدم االرتباط من نظير‪ ،‬كيف تنظر مسألتنا بمسألة‬
‫اإلجماع ويحتج على منعها بمنع إجماع أهل الكوفة وغيرهم؟))(‪.)4‬‬
‫‪ ‬نفي العمل‬
‫‪ ‬من أبرز علماء الجزائر ممن ردوا العمل ونفوا حجيته اإلمام المقري ~‪.‬‬
‫(?) نظرية األخذ بما جرى به العمل‪ ،‬عبد السالم العسري‪ ،‬ص ‪ 163‬ـ ‪ ،164‬طبعة‬ ‫‪6‬‬

‫وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬المملكة المغربية‪،‬ـ ‪1417‬هـ ـ ‪1996‬م‪.‬‬


‫(?) فتاوى الشاطبي‪ 150 :‬مطبعة طيباوي للطبع والنشر الجزائر د ت ط‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) المعيار الونشريسي ‪ 2/196‬طبعة دار الغرب اإلسالمي بيروت ‪ 1401‬هـ ـ ‪ 1981‬م‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) المعيار‪ ،‬الونشريسي‪.2/195 ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 382‬ـ‬
‫موقف المقري ~‬
‫()‬
‫‪ ‬رد اإلمام المقري ‪  1‬شرط أهل قرطبة قائال‪(( :‬وعلى هذا الشرط‬
‫ترتب إيجاب عمل القضاة باألندلس‪ ،‬ثم انتقل إلى المغرب‪ ،‬فبينا نحن ننازع‬
‫الناس في عمل المدينةـ ونصيح بأهل الكوفة مع كثرة ما نزل بها من علماء‬
‫األمة كعلي وابن مسعود ومن كان معهما ثم انشد‪:‬‬
‫سنح لنا محض الجمود ومعدن‬ ‫ليس التكحُّل في العينين كال َك َح ِل‬
‫التقليد‬
‫ثم قال‪:‬‬
‫حتى رأيت من الزمان عجائباـ‬ ‫هللا أخر مدتي فتأخرت‬
‫إلى أن قال‪(( :‬يا هلل والمسلمين ذهبت قرطبة وأهلها‪ ،‬ولم يبرح من‬
‫الناس جهلها ما ذاك إال أن الشيطانـ يسعى في محو الحق فينسيه والباطلـ ال‬
‫يزال يلقنه))(‪.)2‬‬
‫‪ ‬غير أن معظم فقهاء المذهب على خالف هذا الرأي‪ ،‬وإن الذين قالوا‬
‫بحجية العمل تخوفوا من اعتبار الموجب في غير موضعه‪.‬‬
‫قال الشنقيطي‪(( :‬فال يجوز للمفتي أن يفتي بغير المشهور‪ ،‬ألنه كما قال‬
‫المسناوي ال يتحقق الضرورة بالنسبةـ إلى غيره كما يتحققهاـ من نفسه‪ ،‬ولذلك‬
‫سدوا الذريعة‪ ،‬فقالوا تمنع الفتوى بغير المشهور خوف ان ال تكون الضرورة‬
‫محققة‪ ،‬ألجل أنه ال يعمل بالضعيفـ إذا تحققت الضرورة يوما ما‪.)3())...‬‬
‫ومعظم الذين ردوا العمل لم يردوه مع تحقيق الموجب من مصلحة‬
‫قائمة أو سد الذريعة‪ ،‬أو عرف جار غالب‪ ،‬أو رفع ضرر عام‪ ،‬وإنما تخوفوا‬
‫من التساهل في تتبعـ العمل بدعوى تحقق الموجب‪ ،‬أو تتبعـ الرخص أو‬
‫األقوال الواهية الشديدة الضعف‪.‬وهذه نقول لمواقف بعض العلماء من المنع‬
‫من الخروج عن المشهور‪.‬‬
‫ضرورة العمل بالمشهور‪ :‬قال عالم بجايةـ الشيخ عبد الرحمن‬
‫الوغليسي(‪(( :)4‬لست ممن يتقلد غير المشهور الذي عليه القضاء والفتياـ من‬
‫السلف والخلف‪ ،‬فاعمل على جادة‪  ‬أئمة المذهب‪ ،‬واحذر مخالفتهم‪ ،‬وقد قال‬
‫(?) هو شهاب الدين أحمد بن محمد بن يحي‪ ،‬أبو العباس المقري التلمساني‪ ،‬ولد ونشأ‬ ‫‪1‬‬

‫بتلمسان ثم انتقل إلى فاس ثم القاهرة وتوفي بمصر سنة ‪ 1041‬هـ‪ ،‬من مؤلفاته نفخ‬
‫الطيب‪ ،‬انظر تعريف الخلف ‪.1/48‬‬
‫(?) نفخ الطيب أحمد المقري ‪ ،557 ،1/556‬تحقيق إحسان عباس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪1408‬هـ‪1988  ‬م‪ .‬ومن الذين اتبع منزع المقري العالمة الشريف التلمساني لكن علماء‬
‫زمانه أنكروا عليه ذلك‪ ،‬ورأوا أنه ال يخرج عما عوّل عليه زعماء الفقهاء كابن رشد‬
‫وأصحاب الوثائق كالمتيطي من اعتماد أهل قرطبة ومن في معناهم‪.‬‬
‫(?) نشر البنود ‪ 2/276‬وما بعدها‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 383‬ـ‬
‫المازري(‪ )1‬ال أفتي بغير المشهور‪ ،‬وال أحمل الناس على غيره‪ ،‬وقد قل‬
‫الورع والتحفظ على الديانة‪ ،‬وكثر من يدعي العلم ويتجاسر على الفتوى فيه‬
‫بغير بصيرة‪ ،‬فلو فتح لهم باب مخالفة مشهور المذهب التسع الخرق على‬
‫الرقع‪ ،‬وهتك حجاب هيبةـ المذهب‪ ،‬وهذا من المفسدات التي ال خفاء بها‪،‬‬
‫وهذا في زمانه فانظر في أي زمان نحن))(‪.)2‬‬
‫ومن علماء الجزائر كذلك ما قاله سيدنا أبو الفضل قاسم العقباني ~ ما‬
‫نصه في الحكم الذي عدل عن المشهور إلى الشاذ فإن حكم به لمظنة أنه‬
‫المشهور نقض حكمه‪ ،‬وإن حكم به مع العلم بأنهـ الشاذ إال أنه ترجح عنده‪،‬‬
‫فإن كان من أهل النظر ممن يدرك الراجح والمرجوح‪ ،‬وهذا يعز وجوده‬
‫مضى حكمه‪ ،‬وإن لم يكن من العلم بهذه المنزلة زجر عن موافقة مثل هذا‪،‬‬
‫وينبغي أن يؤخر عن القضاء إن لم ينزجز‪ ،‬فإن اإلمام الذي قدمه والذي قدم‬
‫للحكم بينهمـ إنما يرضون منه الحكم بالمشهور))(‪.)3‬‬
‫ثم نقل الشيخ قول الشاطبيـ عن المازري‪(( :‬انظر كيف لم يستجز هذا‬
‫اإلمام العالم وهو المتفق على إمامتهـ وجاللته الفتوى بغير مشهور المذهب‬
‫وال بغير ما عرف منه بناء على قاعدة مصلحية ضرورية إلى أن قل الورع‬
‫والديانةـ من كثير ممن ينتصب لبث العلم والفتوى‪ ،‬فلو فتح لهم هذا الباب‬
‫النحلت عرى المذهب‪ ،‬بل جميع المذاهب‪ ،‬ألن ما وجب للشيء وجب لمثله‪،‬ـ‬
‫وظهر أن تلك الضرورة التي أدعيت في السؤال ليست بالضرورة))(‪.)4‬‬
‫انواع العمل (العمل األندلسي‪ ،‬العمل الجزائري)‬
‫العمل األندلسي‬

‫(?) هو أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد الوغليسي البجائي‪ ،‬عالم بجاية ومفتيها‪ ،‬إمام‬ ‫‪4‬‬

‫صالح فقيه أصولي نشأ في بجاية وتولى الفتيا بها‪ ،‬أخذ عن جماعة من العلماء األجالء‬
‫كأبي الحسن علي بن عثمان المنجالتي الزواوي والقاسم بن محمد المشدالي‪ ،‬من مؤلفاته‬
‫الجامعة في األحكام الفقهية على مذهب اإلمام مالك‪ ،‬وهي ما يعرف بالوغليسية‪ ،‬توفي~‬
‫ببجاية سنة ‪ 786‬هـ‪ ،‬شجرة النور‪ ،‬ص ‪.237‬‬
‫(?) هو أبو عبد هللا محمد بن علي بن عمر المازري المعروف باإلمام‪ ،‬كان عالما محققا‬ ‫‪1‬‬

‫مجتهدا‪ ،‬بلغ درجة اإلجتهاد‪ ،‬كما كان يفزع إليه في الطب توفي بالمهديةـ سنة ‪ 536‬هـ‬
‫ترجمته في معجم المؤلفين ‪.11/321‬‬
‫(?) فتح العلي المالك‪ ،‬لعليش ‪ 1/74‬طبعة مصطفى البابي الحلبي مصر ‪ 1378‬هـ‪  ‬ـ‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 1958‬م‪.‬‬
‫(?) نفس المصدر ‪.1/74‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) نفس المصدر ‪.1/74‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 384‬ـ‬
‫‪ ‬إن فقه العمل لم يبدأ من عهد مالك ~ بل ثبتـ عن شيوخه(‪ ،)1‬وثبت‬
‫عند الحنفية والشافعية‪ ،‬إال أن اإلمام مالك جعله من أصوله‪ ،‬ولما انتشر فقه‬
‫مالك في األندلس سرت هذه الفكرة إلى المنطقةـ ثم انتقلتـ إلى المغرب‬
‫العربي ابتداء من فاس‪ ،‬فإن عملهم كان في الجملة تابعا لعمل أهل األندلس‬
‫خصوصا بعد تغلب األمويينـ آخر القرن الثالث وأول الرابع‪.‬‬
‫وألن أهل المغرب نبذوا مذهب العبيديين الشيعي بالقيروان‪ ،‬وأقبلوا‬
‫على اعتدال مذهب األمويينـ السني‪ ،‬لهذا فضلوا عمل أهل األندلس على‬
‫عمل أهل قيروان(‪.)2‬‬
‫وأثبتتـ هذه الحقيقة من قبل أبو العباس المقري التلمسانيـ الذي قال‪:‬‬
‫((واعلم أنه لعظم أمر قرطبة كان عملها حجة بالمغرب حتى أنهم يقولون في‬
‫األحكام‪ :‬هذا مما جرى به عمل قرطبة‪،‬ـ وفي هذه المسألة نزاع كثير))(‪.)3‬‬
‫وتعظيماـ لمذهب مالك ~ في األندلس فإن قوله لم يخالف لمدة خمسة‬
‫قرون إال في نحو ست مسائل‪،‬ـ ولم يخالف ابن القاسم إال في ثمانيةـ عشرة‬
‫مسألة‪ ،‬وهذه المسائل المخالف فيها هي ذاتها ما يسمى بجريان عمل قرطبةـ‬
‫واألندلس‪ ،‬والتي تأثر بها المغاربةـ ومن ضمنهم فقهاء الجزائر‪.‬‬
‫وأما مخالفة مالك داخل المذهب فثابتة‪ ،‬لكن الحكم والقضاء كان في‬
‫الغالب بالمشهور‪ ،‬وقليال ما ينتقل إلى أقوال علماء المذهب المخالفين‪ ،‬وممن‬
‫خالف مالك من علماء األندلس على سبيل التمثيل أذكر بعض آراء ابن حبيب‬
‫القرطبي(‪ )4‬التي خالف فيها مالكا‪ ،‬والتي بنى كثير من الفقهاء فتاويهم على‬
‫اجتهاداته‬
‫‪ 1‬ـ في المذهب ال زكاة في التين وهو يقول بزكاتهاـ(‪.)5‬‬
‫‪ 2‬ـ في المذهب أن االستجمار يجزئ مع عدم الماء ومع وجوده‪ ،‬خالفا‬
‫البن حبيب الذي يقول إنه ال يباح استعمال األحجار إال لمن عدم الماء(‪.)6‬‬
‫(?) الزهري‪ ،‬وربيعه بن أبي عبد الرحمن ومن عاصرهما‪ ،‬وشيوخهم كسعيد ابن‬ ‫‪1‬‬

‫المسيب‪ ،‬وأبي سلمة بن أبي عبد الرحمن‪ ،‬كما أخذ الحنفية بعمل علماء العراق‪ ،‬واحتج‬
‫الشافعي بعمل أهل مكة‪.‬‬
‫(?) الفكر السامي في تاريخ الفقه اإلسالمي‪ ،‬محمد بن الحسن الحجوي ‪ ،4/465‬اعتنى به‬ ‫‪2‬‬

‫أيمن شعبان‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت لبنان ‪ 1416‬هـ ـ ‪ 1995‬م‪.‬‬
‫(?) نفح الطيب‪ ،‬المقري‪.1/556 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) هو أبو مروان عبد الملك بن حبيب القرطبي‪ ،‬كان حافظا للفقه على مذهب مالك‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫انتهت إليه رئاسة األندلس بعد يحي بن يحي‪ ،‬روى عنه قيس وزياد بن عبد الرحمن‪،‬‬
‫وسمع ابن الماجشون ومطرفا وغيرهما وتوفي سنة ‪ 238‬هـ‪ ،‬شجرة النور الزكية‪.1/74 :‬‬
‫(?) انظر االستذكار البن عبد البر ‪ .3/234‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت ‪ 1423‬هـ‪2002 ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫م‪.‬‬
‫(?) شرح زروق على الرسالة ‪ ،1/102‬وانظر رأي ابن حبيب في مواهب الجليل ‪1/41‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪ ،8‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪1416 ،‬هـ ـ ‪1995‬م‬


‫ــ ‪ 385‬ـ‬
‫‪ 3‬ـ إن أقل مدة الطهر بالنسبةـ للمرأة خمسة عشر يوما على المشهور‪،‬‬
‫وقال ابن حبيب‪:‬ـ عشرة أيام(‪.)1‬‬
‫‪ 4‬ـ في الغسل يجب الدلك باليد أو بالخرقة‪ ،‬وإال يسمى انغماسا ولو‬
‫انفصل الماء عن العضو لصار مسحا وأما العاجز عن الدلك فإنه يجب عليه‬
‫أن يستنيب غيره وإن استنابـ غيره مع قدرته عليه لم يصح‪ ،‬قال ابن رشد‪:‬‬
‫إال لذي آفة أو عليل‬ ‫وال يصح الدلك بالتوكيل‬

‫وهذا هو مذهب سحنون ومشى عليه العالّمة خليل ومقابله البن حبيب‪،‬ـ‬
‫وهو متى تعذر باليد سقط الدلك وص ّوبه ابن رشد(‪.)2‬‬
‫‪ 5‬ـ إذا رفع الذابح يده عن الذبيحة بعد قطع بعض الحلقوم واألوداج‬
‫وطال رفع ثم أعاد يده فأجهز فال تأكل‪،‬ـ وهذا باتفاق‪،‬ـ واختلف إذا رجع‬
‫(‪)3‬‬
‫بالقرب‪ ،‬فقال سحنون‪(( :‬تحرم وقال ابن حبيب‪:‬ـ تؤكل واختاره اللّخمي ‪ ،‬ألن‬
‫كل ما طلب فيه الفور يغتفر فيه التفريق اليسير‪ ،‬والطول مقيد بما لو تركت‬
‫لم تعش‪ ،‬إماإن كانت حين الرفع لو تركت لعاشت أكلت‪ ،‬ألن الثانية ذكاة‬
‫مستقلة))(‪.)4‬‬
‫ومن اآلراء واالجتهادات التي خالف فيها أهل األندلس مالكا وابن‬
‫القاسم للموجباتـ التي ذكرتها في المقدمة ما يلي‪:‬‬
‫أوال ـ المسائل التي خالفوا فيها اإلمام مالك ~‬
‫هي ست مسائلـ(‪:)5‬‬
‫‪ 1‬ـ مسألة سهم الفرس‪ ،‬فمذهب مالك للفرس سهمين‪ ،‬ولراكبه سهم‬
‫واحد في الغنيمة‪.‬‬
‫أما المالكيةـ في األندلس فيرون للفرس سهم وللراكب سهم‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ غرس األشجار في المساجد‪ ،‬فمالك يرى عدم جواز ذلك وعند أهل‬
‫األندلس جوازه‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الحكم باليمينـ والشاهد‪ :‬ال يجوز ذلك عند األندلسيينـ والمذهب‬
‫جوازه‪.‬‬

‫(?) شرح الخرشي ‪.1/204‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الفواكه الدواني‪ ،‬النفراوي‪ ،1/175 ،‬المكتبةـ الثقافية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬د ت ط‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) أبو الحسين على بن محمد المعروف باللخمي القيرواني‪ ،‬كان إماما فقيها من علماء‬ ‫‪3‬‬

‫المالكية وحفاظها‪ ،‬سكن سفاقس سنة ‪ 478‬هـ‪ ،‬الفكر السامي للحجوي‪.4/250 ،‬‬
‫(?) كفاية الطالب الرباني لرسالة ابن أبي زيد القيرواني‪ ،‬ألبي الحسن المالكي‪،1/510 ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫دار إحياء الكتب العربية مصر‪.‬‬


‫(?) المعيار الجديد‪،‬ـ المهدي الوزاني‪.2/5 ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫ــ ‪ 386‬ـ‬
‫‪ 4‬ـ كراء األرض بجزء منها‪ ،‬مذهب مالك عدم جواز كراء األرض‬
‫بجزء ما يخرج منها من زرع وغيره وعند أهل األندلس جواز ذلك(‪.)1‬‬
‫‪ 5‬ـ جرى عمل األندلسيينـ بأن يرفع المؤذن صوته أول اآلذان ومذهب‬
‫مالك إخفاء ذلك‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ مذهب مالك وكافة أصحابه إلى أنه ال تجب اليمين إال إذا كانت‬
‫هناك خلطة بين المدعى والمدعى عليه‪ ،‬وأما األندلسيون ال يعتبرون الخلطة‪،‬‬
‫ويوجبون اليمينـ بمجرد الدعوى وعليه العمل اليوم‪.‬‬
‫وذكر المهدي الوزاني في معياره الجديد أبياتا جمعت هذه المسائل‬
‫وهي للشيخ ابن غازي(‪.)2‬‬
‫في ستة منهن سهم الفرس‬ ‫قد خولف المذهب باألندلس‬
‫والحكم باليمين قل والشاهد‬ ‫وغرس األشجار لذا المساجد‬
‫ورفع تكبيرـ األذان األول‬ ‫وخلطة واألرض بالجزء تلي‬

‫المسائل التي خالفوا فيها ابن القاسم ~‬


‫أوردها أبوالحسن التسولي في شرحه على التحفة ومنها‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ مراعاة الكفء في النكاح في المال والحال‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ يسقط الزائد على الحولين في نفقة المختلعة على ولدها‪ ،‬إذا التزمت‬
‫بذلك فال يجوز ما زاد على الحولين على مذهب ابن القاسم في المدونة‪ ،‬وقال‬
‫المغيرة وسحنون وأشهب وابن الماجشون جائز وبه جرى العمل(‪.)3‬‬
‫‪ 3‬ـ جواز أخذ األجرة على الصالة وهذا ما قال به ابن عبد الحكم‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ جرى العمل على جواز بيع كالب الماشية والمشهور من قول ابن‬
‫القاسم المنع‪ ،‬والجواز البن كنانة وابن نافع(‪.)4‬‬
‫‪ 5‬ـ جواز أفعال السفيه الذي لم يول عليه‪.‬ـ‬

‫(?) وجرى بهذا العمل في الزواوة فهم يعرفون عقد الخماس وكراء األرض بجزء منها‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫انظر مقال أبي بكر عبد السالم حول المغارسة في المجلة اإلفريقية رقم ‪ 79‬لسنة ‪ 1936‬م‪،‬‬
‫ص ‪829‬هـ‪ ،‬وانظر البهجة في شرح التحفة‪ ،‬التسولي‪ ،2/163 ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1370 ،2‬هــ ـ‬
‫‪1951‬م‪.‬‬
‫(?) هو أبو عبد هللا محمد بن أحمد علي بن غازي المكناسي‪ ،‬ولد سنة ‪841‬هـ‪ ،‬تولى‬ ‫‪2‬‬

‫رئاسة العلم والفتيا بمدينة فاس‪ ،‬كان فقيها مؤرخا توفي ~ بفاس ‪929‬هـ‪ .‬توشيح الديباج‬
‫لبدر الدين القرافي‪ ،‬ص ‪.176‬‬
‫(?) حلي المعاصم‪ ،‬التاودي بهامش البهجة‪.1/349 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) حلي المعاصم‪.2/46‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 387‬ـ‬
‫‪ 6‬ـ جواز التفاضل في المزارعة‪ ،‬وهذا قول عيسى بن دينار وعليه‬
‫العمل(‪.)5‬‬
‫‪ 7 ‬ـ عقد المزارعة الزم قبل البذر على األصح‪ ،‬وقيل ال تلزم إال‬
‫بالشروع في العمل وهو البن كنانة في المبسوط وابن رشد وبه جرت الفتوى‬
‫بقرطبة(‪.)2‬‬
‫‪ 8‬ـ وجوب الشفعة في الفرن والحمام والرحى إذا بيع وحده‪ ،‬وجرى‬
‫العمل في هذه الثالث‪ ،‬وإن كان خالف المشهور(‪.)3‬‬
‫‪ 9‬ـ دخول الشيء المستحق في ضمان المستحق منه‪ ،‬وتكون له الغلبة‪،‬ـ‬
‫ويجب ‪ ‬توقيفه وقفا يحال بين الشيء وبين المستحق منه إذا ثبت بشاهدين‪،‬ـ‬
‫وهو قول مالك‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ ‪  ‬عدم جواز الشهادة على خط الشاهد إال في األحباس المعقبةـ إذا‬
‫اقترن به السماع‪.‬‬
‫‪ 11‬ـ ‪   ‬وجوب اليمين على الحالف قائما مستقبلـ القبلة‪ ،‬وهو مذهب‬
‫ابن الماجشون‪.‬‬
‫‪ 12‬ـ ‪ ‬لو شهد قوم بالتجريحـ وآخرون بالتعديل فشهادة المجرحين أتم‬
‫ألنهم علموا من ‪ ‬الباطن ما لم يعلم المعدلون وهو قول ابن نافع وسحنون وبه‬
‫جرى العمل(‪.)4‬‬
‫وفي الختام يمكن القول أن المتأخرين خالفوا المتقدمين في كثير من‬
‫المسائل للضرورة ولغيرها حتى بالغ بعضهم في الضرورة ومنه ما جاء في‬
‫الفواكه الدواني‪ :‬أرخص للعروس في سبعة أيام أن تمسح في الوضوء والغسل‬
‫على ما في رأسها من الطيب‪ ،‬وإن استعملته في سائر جسدها تيممت‪ ،‬ألن إزالته‬
‫من إضاعة المال المنهي عنها‪ ،‬قال الحطاب‪ :‬وهذا خالف المعروف من‬
‫المذهب(‪.) 5‬‬
‫العمل الجزائري‬
‫‪ ‬إن عمل أهل الجزائر في أغلبه تابع للعمل األندلسي على اختالف بين‬
‫المناطق ألن من مستنداتـ األخذ بالعملـ اختالف األعراف والعادات‪.‬‬
‫(‪)6‬‬
‫‪ ‬فعمل تلمسان مثال كان تابعاـ لعمل األندلس‪ ،‬قال القاضي اليزناسي ‪:‬‬
‫((والذي أخذناه عن األشياخ من أهل األحكام والموثقين أن عمل بلدنا ـ‬
‫(?) البهجة‪ ،‬التسولي‪.2/203 ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) البهجة‪ ،‬التسولي‪.2/204 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) نفس المرجع ‪.2/109‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) حلي المعاصم‪ ،‬التاودي‪.1/94‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) الفواكه الدواني‪ ،‬النفراوي‪ ،1/174 ،‬وهو قول أبو عمران الفاسي‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) أبو زيد عبد الرحمن بن محمد اليزناسي‪ ،‬فقيه‪ ،‬فاضل‪ ،‬صالح استوطن فاس‪ ،‬رحل إلى‬ ‫‪6‬‬

‫المشرق ولقي علماء كثيرين‪ ،‬وصاحب نجم الدين بن شاس‪ ،‬كان محصال لمذهب مالك‬
‫على طريقة األقدمين‪ ،‬توشيح الديباج‪ ،‬ص ‪ ،152‬وانظر ترجمته في عنوان الدراية‪ :‬ص‬
‫‪.223‬‬
‫ــ ‪ 388‬ـ‬
‫تلمسان ـ وما بعدها من المغرب كفاس ومراكش إنما هو على عمل األندلس‬
‫ال على عمل تونس ومصر))(‪.)1‬‬
‫ولليزناسي شرح على تحفة ابن عاصم(‪ )2‬التي جاءت حافلة باألخذ بما‬
‫جرى به العمل عند الفقهاء والقضاة المغاربة‪.‬ـ‬
‫‪ ‬وإن تأثر منطقة المغرب العربي عموما‪ ،‬والمغرب األوسط على وجه‬
‫الخصوص كان بعد سقوط األندلس‪ ،‬وهجرة علمائهاـ إلى المغرب(‪.)3‬‬
‫ثم إن ال ّرحالت العلمية التي كانتـ بين حواضر المغرب األوسط‬
‫واألقصى كان لها األثر في أخذ علماء الجزائر‪.‬‬
‫بيعتـ بقسنطينةـ العظيمةـ‬ ‫وفي جهاز صنيعة اليتيمة‬
‫(‪)4‬‬ ‫لما عدا معرة عليها‬
‫ترك شراء شورة إليها‬
‫ومعناه أن تشوير اليتيمة بمالها جرى به العمل وهذا خضوعا لعرف‬
‫المنطقة‪ ،‬والناظر في كتاب الدرر المكنونة يجد صاحبه قد أخذ عن علماء‬
‫فاس‪،‬‬
‫وكذا عن علماء تونس وذلك ألن علماء الجزائر كانت اتصاالتهم متعددة‬
‫تأثرت في أكثر األحوال بقوة السلطات الحاكمة كالدولة الحفصية‪ ،‬ولذلك نجد‬
‫بعض المسائلـ المتعلقةـ بالعملـ مطروحة في كتب تجمع فقه المغاربةـ ككتب‬
‫الونشريسي‪،‬ـ والبرزلي‪ ،‬والعلمي(‪ ،)5‬والمازوني(‪ ،)6‬وأما المسائل المكررة في‬
‫دول المغرب العربي؛ الجزائر وتونس والمغرب‪.‬‬
‫منها مسألة الوقف على الذكور دون اإلناث وجريان العمل بذلك‪ ،‬مسألة‬
‫الخماس‪ ،‬مسألة شهادة اللفيف وغيرها‪ ،‬وفي الخالصة فإن العمل الجزائري‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ منه ما هو تابعـ لفاس واألندلس‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ منه ما هو تابعـ لتونس ومصر‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ عمل خاص به‬
‫لماذا لم ينتشر فقه العمل في الجزائر‬
‫(?) فتح الجليل الصمد‪.222 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أبو بكر ابن عاصم الغرناطي‪ ،‬ولد سنة ‪ 760‬هـ كان فقيها أصوليا محدثا‪ ،‬متقنا لعلوم‬ ‫‪2‬‬

‫شتى‪ ،‬أخذ عن الشاطبي من مؤلفاته "تحفة األحكام في نكت العقود واألحكام"‬


‫و"اختصار الموافقات" توفي ‪829‬هـ‪ ،‬توشيح الديباج‪ ،‬ص‪ ،126‬الفكر السامي ‪.4/297‬‬
‫(?) العرف والعمل‪ ،‬الجيدي‪.350 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) فتح الجليل الصمد‪ :‬ص‪.33‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) هو يحيى بن أحمد بن عبد السالم عرف بالعلمي نسبة إلى العلم‪ ،‬أخذ الحديث عن‬ ‫‪5‬‬

‫ابن حجر‪ ،‬ودرس في األزهر‪ ،‬توفي‪  ‬رحمه ‪888‬هـ‪ .‬توشيح الديباج‪ ،‬ص‪.262‬‬
‫(?) هو يحيى بن موسى بن عيسى بن يحيى‪ ،‬أبو زكريا المغيلي المازوني‪ ،‬فقيه‪ ،‬قاض‪،‬‬ ‫‪6‬‬

‫من أعيان المالكية‪ ،‬نشأ في مازونة وولي القضاء فيها‪ ،‬توفي ~ بتلمسان‪ ،‬من آثاره‬
‫الدرر المكنونة في نوازل مازونة‪ ،‬معجم أعالم الجزائر‪ ،‬ص‪.281‬‬
‫ــ ‪ 389‬ـ‬
‫هذا سؤال مهم طرحه بعض فقهاء القانون زمن االحتالل الفرنسي‬
‫لبلدنا الجزائر‪ ،‬خصوصا بعض الدكاترة الذين تولوا تدريس الشريعة في‬
‫الجامعة المركزية بالجزائر‪ ،‬ومن الذين قاموا بمهمةـ تدوين الفقه المالكي‪،‬‬
‫أمثال مارسل موران (‪ )Marcel Morand‬وكدوز (‪.)1()Kadoz‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وممن اهتموا بفقه العمل في المغرب أمثال " ميو" (‪)Milliot‬‬
‫و"جورج مارسي"(‪ )Georges Marcy‬و"سردون " (‪.)Surdon‬‬
‫فمارسيل موران بيّن توجه فقه المالكية إلى األقوال المشهورة في‬
‫كتابه‪"  ‬دراسات في الفقه اإلسالمي الجزائري "(‪ ،)3‬وسردون كالمه حول‬
‫تاريخ اللفيف(‪  )4‬وفي كتابهـ اآلخر" مؤسسات وأعراف البربر في‬
‫المغرب"(‪.)5‬‬
‫وممن اهتموا بفقه العمل جورج مارسي في كتابهـ "القانون العرفي‬
‫لزمور"(‪ ،)6‬فكل هؤالء المؤلفين بينوا نزوع الفقهاء المغاربةـ إلى نظريةـ‬
‫العمل‪ ،‬وقلة هذا عند علماء الجزائر‪ ،‬الذين تأثروا من باب االحتكاك‬
‫بالمغاربة‪،‬ـ كمسألة الخماس وموقف الفقه المالكي منها‪،‬ـ وكذا مسألة الوقف‬
‫على الذكور دون اإلناث وغيرهما من المسائلـ المرتبطةـ بهذا الموضوع‪.‬‬
‫وأشار هؤالء في دراستهم إلى توسع المغاربةـ في األخذ بهذه النظرية‬
‫التي انبهر بها الفقه الغربي‪.‬‬
‫وفي المقابل أشاروا إلى تشبثـ القطر الجزائري بالقول المشهور فكان‬
‫التأخر واضحا في األخذ بفقه العمل‪.‬‬
‫كما أكدوا أن االلتزام بمختصر خليل هو من أهم األسباب التي ضيقت‬
‫نطاق توسع نظرية العمل في المغرب األوسط‪ ،‬وحتى أن المجلة التي د ّونها‬
‫الدكتور "مارسيلـ موران" قد اعتمدت على األقوال المشهورة في المذهب‪.‬‬

‫(?) كدوز‪ :‬هو رجل قانون فرنسي‪ ،‬من مؤلفاته‪Droit Musulman malékite Paris :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪1870‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) ميو‪ :‬دكتور في القانون‪ ،‬ومحامي مشهور من مؤلفاته المؤسسات القبائلية‪:‬‬
‫‪Les institutions kabyles. La femme Musulmane au magreb. Introduction a Létude‬‬
‫‪du droit Musulman‬‬
‫‪3‬‬
‫‪)? (Etudes de droit musulman algérien. Alger  1910  imprimerie de‬‬
‫‪l'université.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪)? (L'histoire de l'afif، revue magrébine 1939.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪)? (Institutions et coutumes des berbères du page: p 435، Tanger  1936.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪)? ( Le droit coutumier zemmour p: 43.‬‬
‫((وممن اهتم بفقه المغاربة جاك بيرك في كتابه‬
‫‪Essai sur la méthode juridique magrébine،p121، Jacques Berque، Rabat 1944‬‬
‫ــ ‪ 390‬ـ‬
‫وهذه الحقيقة نقلها الدكتور عبد السالم العسري عن المجلة المغربية‬
‫للقوانين والمذاهب التي ذكرت موقف سردون من العمل في الجزائر‪ ،‬حيث‬
‫قال‪(( :‬إن مجرد اإللمام بالدواوين الموروثة عن إسبانياـ اإلسالمية تفيد القارئ‬
‫أن الفقه المالكي ينقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫القسم األول ـ المشهور‪ :‬ويعنون به األقضية الصادرة عن المتقدمين‪.‬‬
‫القسم الثاني ـ العمل‪ :‬يريدون به أقضية المتأخرين‪،‬ـ ومن بابه دخل‬
‫التجديد على مذهب مالك‪ ،‬ومما هو حري بالعجب أن الجزائر لم تتمسك من‬
‫هذه الناحيةـ إال بالمشهور سواء من جهة الفقه والبحث‪ ،‬أو من جهة النوازل‪.‬‬
‫ولعل السبب فيه ما تقرر عند فقهاء األندلس قاطبة من أن ما د ّون‬
‫بمختصر خليل هو من حيز المشهور‪ ،‬فبان مما تقدم أن الكلية الفرنساوية‬
‫فيما يرجع للفقه اإلسالمي جهلت وما زالت تجهل إلى اليوم العمل الجديد‬
‫الطارئ على مذهب مالك‪ ،‬مما هو مد ّون في كتب النوازل كالمعيارـ وما‬
‫ضاهاه))(‪.)1‬‬
‫من كالم رجال القانون والشريعة خالل فترة االحتالل يظهر أن نظريةـ‬
‫العمل في الجزائر كانتـ في سيرها متأخرة عما كان عليه الحال في المغرب‪،‬‬
‫ولهذا كان التأثر بالمدرسة المغربيةـ واضحا في فتاوى علماء الجزائر في‬
‫كثير من المسائلـ المتعلقةـ بالعمل‪،‬ـ بل حتى المدارس األوروبيةـ تأثرتـ به كما‬
‫أكد ذلك دكاترة القانون أنفسهم‪.‬‬

‫(?) نظرية األخذ بما جرى به العمل عن المجلة المغربية للقوانين والمذاهب األهلية ص‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،17‬العدد ‪ 6‬ـ ‪ ،7‬السنة ‪1937‬م ـ ‪ 1938‬م‪.‬‬


‫ــ ‪ 391‬ـ‬
‫التأصيل الشـرعي للنوازل الفقهية عند المالكية‬
‫وسبل االستفادة منها في المستجدات المعاصرة‬
‫‪ ‬د‪/‬نور الدين بوحمزة‬
‫كلية العلوم اإلسالمية‪ ،‬جامعة الجزائر‬
‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والســالم على رســوله األمين وعلى آله‬
‫وصحبه وأتباعهـ إلى يوم الدين أما بعد‪:‬‬
‫في حياتنا المعاصــرة ج ـ َّدت نــوازل لم تكن في األيــام الماضــية‪ ،‬وهــذه‬
‫النوازل ال ترتبطـ بنوع معين من المسائل أو األحوال بل هي متنوعةـ وكثيرة‪،‬‬
‫فمنها النوازل المتعلقةـ بالعبادات مثل‪ :‬نوازل الصيام‪ ،‬ونوازل الحج‪ ،‬ونــوازل‬
‫الصــالة‪ ،‬ومنها نـوازل تتعلقـ بالمعــامالتـ الماليــة‪ ،‬وبنظـام األسـرة‪ ،‬وبأنظمة‬
‫عديدة‪ ،‬وال نكاد نطرق ناحية من نواحي الحيــاة إال ونجد فيها من المســتجدات‬
‫ما يحتاج إلى بيان حكمه‪.‬‬
‫والــواجب على المجتهــدين التصــدي لهــذه النــوازل ببيــان أحكامهــا‪،‬‬
‫وتوضـــيح قصد الشـــارع منها فعال أو تركـــا؛ لئال يُـــتر ً‬
‫ك النـــاس ألهـــوائهم‬
‫وأغراضهم‪ ،‬مما يجعلهم محتكمينـ إلى الهــوى والتشــهي في التعامل من غــير‬
‫استناد إلى الشرع‪ ،‬وهو ما يناقض قصد الشــارع من إنــزال الشــريعة ووضع‬
‫التكــاليف‪،‬ـ وهــذا البيــان من أفضل األعمــال‪ ،‬وأكثرها فائــدة وأجــرا‪ ،‬قــال أبو‬
‫العباس الونشريسي ~‪(( :‬والبحث في المسائل الفقهية وإجراؤها على األصول‬
‫الصحيحة مع صحة النية من أفضل العبادات وأقرب القربات وأعظم الوسائلـ‬
‫إلى هللا))(‪.)1‬‬
‫ولما كانتـ هذه المستجدات أو (القضايا المعاصرة) متجددة‪ ،‬ال تنحصر‬
‫بزمان دون زمان‪ ،‬وكــانت النصــوص الشــرعية منحصــرة‪ ،‬كــان الســبيلـ إلى‬
‫بيان أحكامها هو االجتهاد الشرعي الذي تتحقق فيه شروطه وضوابطه‪ ،‬يقول‬
‫العالمة أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشــاطبي (ت‪790‬هـــ)‪(( :‬إن الوقــائع في‬
‫الوجــود ال تنحصر فال يصح دخولها تحت األدلة المنحصــرة؛ ولــذلك احــتيج‬
‫إلى فتح بــاب االجتهــاد من القيــاس وغــيره فال بد من حــدوث وقــائع ال تكــون‬
‫منصوص على حكمها وال يوجد لألولين فيه اجتهــاد وعند ذلك فإما أن يــترك‬

‫(?) الونشريسي؛ أبو العباس‪ :‬المعيار (‪.)5/22‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 392‬ـ‬
‫الناس مع أهوائهم أو ينظر فيها بغير اجتهاد شــرعي وهو أيضا اتبــاع للهــوى‬
‫وذلك كله فســـاد‪ ،‬فال يكـــون بد من التوقف ال إلى غايـــة‪،‬ـ وهو معـــنى تعطيلـ‬
‫التكليف لزوما وهو مؤد إلى تكليف ما ال يطاقـ فإذا ال بد من االجتهــاد في كل‬
‫زمان ألن الوقائع المفروضة ال تختص بزمان دون زمان))(‪.)1‬‬
‫وهذا االجتهاد لم يكن عند السالفين من الفقهــاء بضــاعة مزجــاة يــرغب‬
‫عنها الدالل‪ ،‬ويطلبهاـ الــراغب لها بــأبخس األثمــان‪ ،‬أو حرفة ممتهنةـ يحســنها‬
‫كل عاطل‪ ،‬ويدعيها كل خاطــل‪ ،‬بل االجتهــاد فريضة محكمــة‪ ،‬ال يســتحقه إال‬
‫كل فقيه حاذق؛ ولذا نرى أن فقهاءنا رحمهم هللا لم يقصروا في بيانـ الحـوادث‬
‫التي تــنزل بهم‪ ،‬بخالف ما يدعيهـ كثــير ممن لم يتمــرس بفقههم ولم يطلع على‬
‫تراثهم‪ ،‬حيث نجدهم يدعون ـ عن قصد أو بغـير قصد ــ بـأن الفقهـاء القـدامى‬
‫كانوا جامدين على ما هو مدون في الكتب الفقهية التي خلفها األسالف‪ ،‬وكــان‬
‫فقههم بعيــدا عن شــؤون الحيــاة ومتطلباتهــا‪،‬ـ وأنهم كــانوا يقــررون األحكــام‬
‫الشرعية من غير مراعــاة ألحــوال النــاس وحاجــاتهم ومصــالحهم‪ ،‬ويكفي أن‬
‫نطالع فتاويهم لندرك بطالن هذا الكالم‪.‬‬
‫إن االجتهاد في النوازل الفقهية‪ ،‬تحكمه أصول شــرعية بديعــة‪،‬ـ وقواعد‬
‫جامعة‪ ،‬وضوابط محكمة‪ ،‬قررها علماؤنا األخيار في تــواليفهم‪ ،‬ونثروها فيما‬
‫سطروه من أحكامهم وفتاويهم‪ ،‬وهي كالدرر المكنونة‪ ،‬ال يستحقها إال أربــاب‬
‫المدارك العالية‪ ،‬وأصحاب األذهان الصافية‪،‬ـ ومن حصلها من كتب المتقدمينـ‬
‫بالسبر والتتبع‪،‬ـ وشفعها بالنظرـ في جهود المعاصرين في دراساتهم للنــوازل‪،‬‬
‫حصل له الملكة الفقهية الـــتي تعينهـ على االســـتفادة والتخـــريج في النـــوازل‬
‫المعاصرة‪ .‬وفي هذه الورقات بيــانـ للتأصــيل الفقهي عند المالكية في النــوازل‬
‫وسبل االستفادة منه في القضايا المعاصرة‪ ،‬وهذا أوان الشروع في المقصود‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مفهوم النوازل الفقهية‬
‫النوازل جمع نازلة؛ والنازلة‪:‬ـ اسم فاعل من نزل يــنزل‪،‬ـ إذا ح ـلَّ‪ ،‬ومن‬
‫ذلك قنــوت النـوازل‪ ،‬والنازلـة‪:‬ـ المصـيبة والخطب الجلل الـذي يــنزل بالنــاس‬
‫ويشتد عليهم(‪.)2‬‬
‫(?) الشاطبي؛ الموافقات (‪.)5/38‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر‪ :‬المصباح المنير (ص‪ ،)309‬ومختار الصحاح (ص‪.)308‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 393‬ـ‬
‫أما في االصـــطالح‪ :‬فقد اشـــتهر عند الفقهـــاء إطالق هـــذا اللفظ على‬
‫المسألة الجديدة التي تقع للنــاس وتتطلبـ بيانا لحكمها نصا أو داللــة‪ ،‬وقد ورد‬
‫هذا اإلطالق في كالم الفقهــاء‪ ،‬قــال ابن عبد الــبر‪(( :‬بــاب اجتهــاد الــرأي على‬
‫األصول عند عــدم النصــوص في حين نــزول النازلة))(‪ ،)1‬وعلى هــذا فالنازلة‬
‫هي‪(( :‬الحادثة المستجدة التي تتطلب حكما شرعيا))(‪.)2‬‬
‫ويالحظ أن ثمة مناســبةـ بين المعنــيين؛ ألن النظر في المعــنى اللغــوي‬
‫للنازلة ينبئـ عن جملة من األوصاف نجدها متحققة في المعنى االصــطالحي‪،‬‬
‫وهذه المعانيـ ينبغي مراعاتها في إطالق وصف (النازلة) على المســألة الــتي‬
‫يراد بحثها‪،‬ـ وترجع هذه األوصاف إلى‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ كونها واقع ة‪ ،‬أي‪ :‬نزلت بالنــاس‪ ،‬وعلى هــذا المســائلـ المفترضة‬
‫والمتوقعة ليست من النـــوازل‪ ،‬والنظر فيها ال يـــدرج في (فقه النـــوازل)‪ ،‬بل‬
‫يــدرج في (الفقه االفتراضــي)‪ ،‬وهو الفقه الــذي يــبينـ المســائل الــتي يتوقع‬
‫حصولها‪ ،‬وقد يكون الغرض من بحثها‪،‬ـ التمرين على االجتهاد‪ ،‬أو االســتعداد‬
‫لوقوعها‪ ،‬وهذا النوع من الفقه واالجتهــاد ليس في مطلوبا على وجه التعــيين‪،‬‬
‫وقد حصل اختالف بين الفقهاء في طلبه وتتبعهـ ما بين مجيز ومانع(‪.)3‬‬
‫‪ 2‬ـ كونها جدي دة‪ ،‬أي لم تكن في العصـــور الســـالفة‪ ،‬إما لكونها من‬
‫القضايا المستجدة في أعقاب التطور العلمي والتقني‪،‬ـ أو لغير ذلك‪ ،‬وعلى هذا‬
‫فما يحدث للناس من األقضية والحوادث التي لها نظائرـ في الشريعة ـ عينا أو‬
‫نوعا ـ ال تع ُّد من النوازل‪ ،‬وقد تكون الواقعة لها أصل في الحــوادث الماضــية‬
‫غـــير أن إعـــادة طرحها في العصر الحاضر تبعاـ لوجـــود بعض األوصـــاف‬
‫المؤثرة يجعلها داخلة في النوازل‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ كونها ش ديدة؛ أي فيها معــنى الشــدة والحاجــة‪ ،‬وقد تكــون الشــدة‬
‫والحاجة نابعةـ من عمومهـــا‪ ،‬أو شـــدة الحاجة إليهـــا‪ ،‬أو عمـــوم البلـــوى بها‬
‫ونحوهـــا‪ ،‬يقـــول د‪ .‬محمد عابد الســـفياني‪:‬ـ ((والـــذي يظهر أن الوصف األول‬

‫(?) ابن عبد البر؛ يوسف‪ :‬جامع بيان العلم (ص ‪.)275‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر‪ :‬الهويريني؛ وائــل‪ :‬المنهج في اســتنباط أحكــام النــوازل ص‪ ،11‬والقحطــاني؛‬ ‫‪2‬‬

‫مسفر‪ :‬منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة (ص‪.)90‬‬


‫(?) منهج استنباط أحكام النوازل (ص‪.)130‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 394‬ـ‬
‫والثانيـ وصفان طبيعيان لمعنى النازلة؛ ألن المسألة الــتي تحتــاج إلى اجتهــاد‬
‫شرعي في الغالب البد أن تكون قد وقعت‪ ،‬وكانت من المسائلـ الجديدة‪ ،‬وهــذا‬
‫في جميع المســائل ثم تختص النازلة بكونها شــديدة‪ ،‬بحيث تلتفتـ لها األمة في‬
‫مجموعها‪ ،‬وتستدي موقفا اجتهادياـ شرعيا‪ ،‬ويـترتب على تـرك االجتهـاد فيها‬
‫ضرر على المسلمين‪ ،‬وهذا المعنى ـ وهو كونها تتصف بالشدة ـ وغن كان له‬
‫أصل في اللغـــة‪ ،‬لكن األقـــوى االســـتدالل عليه بما ورد في بعض نصـــوص‬
‫السيرة أن النبي × كان يقنتـ في النوازل أي‪ :‬الشدائد))‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬عناية المالكية بفقه النوازل‬
‫كـــان للمالكية اهتمـــام خـــاص بفقه النـــوازل؛ ويؤكد هـــذا االهتمـــام تلك‬
‫المصنفات الكثيرة التي ألفها فقهاء المــذهب تحت مســمى (النــوازل)؛ وهم بهــذا‬
‫الصــنيع يــبرزون الجــانب الحي من الفقــه؛ ألن االشــتغال بــالنوازل مقصــده‬
‫األساسي هو إيجاد الحلول الشرعية ألفعال العبــاد‪ ،‬وإرشـاد العبـاد إلى الوقـوف‬
‫عند حـدود تلك األحكـام وعـدم مجاوزتهـا‪ ،‬يقـول العالمة ابن بية ــ مـبرزا هـذا‬
‫المقصد ـــ‪(( :‬هي وقــائع حقيقية تــنزل بالنــاس فيتجهــون إلى الفقهــاء بحث ـاً عن‬
‫ال مع الحيـــاة المحلية لمختلف‬‫الفتـــوى‪ ،‬فهي تمثل جانبـــاً حيـــاً من الفقه متفـــاع ً‬
‫المجتمعات)‪.‬‬
‫ولم تكن هــذه التســميةـ (النــوازل) هي الســائدة في التــأليف عند المالكية‬
‫دون غيرهـــا‪،‬ـ بل أطلق بعض الفقهـــاء على مؤلفـــاتهم لفـــظ‪( :‬األجوبـــة)‪ ،‬أو‬
‫(الفتـــاوى)‪ ،‬ونحوهـــا‪ ،‬وهي تســـمياتـ مشـــهورة في المـــذهب ال تحتـــاج إلى‬
‫إيضاح‪ ،‬وال تخرج في كثير منها عما حررناه من بحث الوقائع الحقيقيةـ الــتي‬
‫تــنزل بالنــاس‪،‬ـ وإن كــانت ال تختص بالمســائلـ الــتي تحقق فيها وصف الجــدة‬
‫والشدة‪ ،‬وهو وصف أساس في معنى النازلة‪.‬‬
‫وكتب النوازل على نوعين في الجملة‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬كتب في نوازل عامة؛ وهي كثيرة‪ ،‬منها‪:‬ـ‬
‫(النوازل) ألبي عيسى بن دينار الغافقي القرطبي (ت‪212‬هـ)‪.‬‬
‫(النوازل) ألبي عبد هللا أصبغ بن الفرج المالكي (ت‪225‬هـ)‪.‬‬
‫(النوازل) لسحنون بن عبد السالم بن سعيد التنوخي (ت‪240‬هـ)‪.‬‬
‫الن وع الث اني‪ :‬كتب الن وازل ال تي تن اولت قض ايا مخصوصة عقديــة‪،‬‬
‫أوفقهية‪،‬ـ وأخالقية‪ ،‬أو تربوية‪،‬ـ أو سياسية‪ ،‬ويمثل لهذا النوع‪:‬‬
‫ــ ‪ 395‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ رسالة أبي العباس اإلبياني التونسي المالكي اإلمــام الفقيه (ت‪352‬هـــ)‪،‬‬
‫بعنوان (مسائل السمسرة في البيوع)‪ ،‬وقد أخرجها د‪ .‬إبراهيم السامرائي‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ اإلشارة الناصحة لمن طلب الوالية بالنية الصالحة لمحمد بن ســعيد‬
‫السوسي المراكشي المالكي (ت‪1089‬هـ)‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ نازلة إجالء اليهـود من تمنطيــط؛ فتــوى العالمة محمد بن عبد الكـريم‬
‫المغيلي التلمســــاني (ت ‪909‬هـــــ)‪ ،‬وقصــــته في جالء اليهــــود من تمنطيط في‬
‫المعيار(‪.) 1‬‬
‫‪ 4‬ـ رسالة‪( :‬تقرير الــدليل الواضح المعلــوم على جــواز النسخ في كاغد‬
‫الروم) للعالمة محمد بن أحمد بن مرزوق (ت‪812‬هـ)‪ ،‬قال في مقدمتها‪(( :‬هذه‬
‫المسألة لم أجد فيها نصا بعد البحث بقدر طاقتي))(‪.)2‬‬
‫ودراسة هذه الكتب من أهم ما يمكن من معرفة أحكام النوازل ومنهجية‬
‫النظر فيهـا‪ ،‬وهـذا ما قصـدته‪ :‬بــ (التأصـيل لفقه النـوازل عند المالكيةـ وسـبل‬
‫االســتفادة منه في المســتجدات المعاصــرة)‪ .‬فــالنظر في الفتــاوى المقــررة في‬
‫كتب (النــوازل) وردها إلى أصــولها الشــرعية الــتي اســتند إليها الفقهــاء في‬
‫االســتنباط والتخــريج‪ ،‬لالســتفادة منها في المســتجدات المعاصــرة‪ ،‬يعد من‬
‫أفضل السبل لبيان األحكام‪ ،‬وقد بين اإلمام ابن عرفة ~ ما يختص بالنظرـ في‬
‫الفتــاوى عن النظر في الفقه عامة حيث قــال‪(( :‬علما القضــاء والفتــوى أخص‬
‫من العلم بالفقــه‪ ،‬ألن متعلق الفقه كلي من حيث صــدق كليته على جزئيــات‪،‬ـ‬
‫فحــال الفقيه من حيث هو فقيه كحــال عــالم بكــبرى قيــاس الشــكل األول فقــط‪،‬‬
‫وحال القاضي والمفتي كحــال عــالم بها مع علمه بصــغراه وال خفــاء أن العلم‬
‫بها أشق وأخص‪ ،‬وأيضا ً فقها القضاء والفتوى مبنيــان على إعمــال النظر في‬
‫الصور الجزئية وإدراك ما اشــتملت عليه من األوصــاف الكامنةـ فيهــا‪ ،‬فيلغى‬
‫طريدها ويعمل معتبرها))(‪.)3‬‬
‫وهــذا الكالم نفيس جــد ًا‪ ،‬فــابن عرفة ينبه على أن المفــتي ال بد أن يكــون‬
‫بصير ًا بالواقع‪ ،‬مدركاً لجزئيات الوقائع‪ ،‬حتى يسـتطيع تطـبيق األحكـام والقواعد‬
‫الفقهيـة‪ ،‬فحفظ المسـائل الفقهية ال يكفي إذا لم يكن الفقيه قـادر ًا على تطبيقها على‬
‫الواقع‪ ،‬وقادر ًا على االستنباط من القواعـد‪ ،‬وقد شـبه الحفيد ابن رشد الفقيه الـذي‬
‫(?) الونشريسي؛ المعيار المعرب (‪ 2/214‬ـ ‪.)263‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الونشريسي؛ المعيار المعرب (‪.)1/75‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) التسولي (‪.)1/17‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 396‬ـ‬
‫يحفظ المسائل ببـائع الخفـاف الـذي عنـده خفـاف كثـيرة لكنه ليس خفافـاً؛ ألنه ال‬
‫يحسن أن يصنع خفافاً لمن ال يوافق قدمه ما عنده من الخفاف(‪.)1‬‬
‫وهــذا ما عنــاه العالمة الشـاطبيـ بقولــه‪(( :‬أن يتحقق بالمعــانيـ الشــرعية‬
‫منزلة على الخصوصيات الفرعية))(‪.)2‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أصول النظر في النوازل‬
‫األصل األول‪ :‬التصور الدقيق النازلة‬
‫فالمســتجدات والنــوازل يلــزم الفقيه أن يتصــور حقيقتها تصــورا كــامال‬
‫وصـــحيحا‪ ،‬فالتصـــور الســـليم هو البداية المنطقية للحكم المناســـب‪ ،‬والخطأ في‬
‫التصور ينتج عنه الخطأ في بيان حكمها ضرورة؛ ألن الحكم على الشــيء فــرع‬
‫عن تصوره‪ .‬فالواجب على الناظر في النــوازل المتصــدر لبيانها أن يبــذل جهــده‬
‫ويستفرغ وسعه في فقه الواقعة الجديدة ومعرفة حقيقتها‪ ،‬مما يمكنه من تصورها‬
‫بوضوح‪ ،‬قبل تكييفها وبيان حكمها‪ .‬ونعني بتصور النازلة‪(( :‬فهمها فهما دقيقا مع‬
‫معرفة أبعادها وما يتعلق بها من األوصــاف المــؤثرة فيها))(‪ ،)3‬فال بد أن يكــون‬
‫التصور لها مرتبطا بالمالبسات‪ ،‬والقرائن‪ ،‬واألحوال التي جرت بها النازلة‪.‬‬
‫والرجــوع إلى أهل االختصــاص (أهل الخــبرة) إذا كــانتـ النازلة مما‬
‫يحتاج في بيانها إلى رأيهم وخبرتهم ضــروري؛ ليكــون الحكم وفق ذلــك‪ ،‬كما‬
‫في القضايا الطبيــة‪ ،‬والتقنيــة‪ ،‬والماليــة‪،‬ـ ونحوهــا‪ .‬وقد بين الفقهــاء رحمهم هللا‬
‫أهمية االستفادة من رأي المختصين‪ .‬قال ابن القيم ~ (ت‪751‬هـ)‪(( :‬وال يتمكن‬
‫المفتي وال الحــاكم من الفتــوى والحكم بــالحق إال بنــوعينـ من الفهم‪ ،‬أحــدهما‪:‬‬
‫فهم الواقع والفقه فيه‪ ،‬واستنباطـ حقيقة ما وقع بالقرائنـ واألمارات والعالمــات‬
‫حتى يحيط بها علما))(‪ ،)4‬وقال الشاطبي (ت‪790‬هـ) ـ وهو يتكلم عن المعارف‬
‫التي تلزم المجتهد ـ‪(( :‬لكن هذه المعارف تارة يكون اإلنسان عالما بها مجتهدا‬
‫فيهــا‪ ،‬وتــارة يكــون حافظا لها متمكنا من االطالع على مقاصــدها‪ ،‬غــير بــالغ‬

‫(?) بداية المجتهد (‪ 7/376‬ـ الهداية)‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الموافقات (‪.)5/232‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) المنهج في استنباط أحكام النوازل (ص‪.)268‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) إعالم الموقعين (‪.)1/87‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 397‬ـ‬
‫رتبة االجتهاد فيها‪ ،‬وتارة يكون غير حافظ وال عارف‪ ،‬إال أنه عالم بغاياتهــا‪،‬‬
‫وأن له افتقارا إليها في مسألتهـ التي يجتهد فيهــا‪ ،‬فهو بحيث إذا عنت له مســألة‬
‫ينظر فيها زاول أهل المعرفة بتلك المعــارف المتعلقةـ بمســألته فال يقضي فيها‬
‫إال بمشورتهم))(‪.)1‬‬
‫وقـــال ابن تيميةـ (ت‪728‬هــــ) ــــ في معـــرض حديثه عن جـــواز بيع‬
‫المغيباتـ‪(( :‬والمرجع في كل شيء إلى الصالحين من أهل الخبرة به))(‪.)2‬‬
‫وقــال ابن فرحــون (ت‪799‬هـــ)‪(( :‬يجب الرجــوع إلى قــول أهل البصر‬
‫والمعرفة من النخاسين في معرفة عيوب الرقيق من اإلماء‪ ،‬والعبيــد‪ ،‬وســائر‬
‫الحيوانات))(‪.)3‬‬
‫ويتبينـ من خالل أقوال العلماء أن الرجوع في تصوير القضــايا إلى من‬
‫له بصر بذلك الباب ــ من أهل البصر والخــبرة ــ أمر مقــرر في كتب الفقهــاء‬
‫على اختالف مــذاهبهم‪ ،‬وهو الــذي دلت عليه نصــوص الشــريعة‪ ،‬وقواعــدها‬
‫لقوله تعالى‪:‬ـ ﮋﭚـ ﭛـ ﭜـ ﭝـ ﭞـ ﭟـ ﭠﮊ(‪)4‬؛ وألن الرجوع إليهم يعين‬
‫المجتهد على التكييفـ الفقهي للنوازل والوقائع الجديدة‪ ،‬فيكشف له عن وجــوه‬
‫الجمع والفــرق بين النازلة والمســائل ذات الصــلة‪ .‬يقــول العالمة أبو العبــاس‬
‫الونشريســـــــي‪:‬ـ ((والمقايسةـ بين المســـــــائل ال بد فيها من االلتفـــــــات إلى‬
‫الخصوصيات المثيرة إلى الفوارق))(‪.)5‬‬
‫وقد أكد هـــذا األمر مجمع الفقه اإلســـالمي الـــدولي في دورته الحادية‬
‫عشرة المنعقدة في مدينة المنامة في الفترة ما بين (‪ 25‬ـ ‪ )30‬رجب من عــام (‬
‫‪1430‬هـ) في أعطاف قراره برقم‪)7/11( )104( :‬ـ المتعلقةـ بسبل االستفادة من‬
‫النوازل (الفتاوى)(‪.)6‬‬

‫(?) الموافقات (‪.)5/44‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) مجموع الفتاوى (‪.)29/36‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) تبصرة الحكام (‪.)2/78‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة النحل‪ ،43/‬سورة األنبياء‪.7/‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) الونشريسي؛ المعيار (‪.)6/16‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪6‬‬
‫(?)انظر‪ :‬قرارات وتوصيات مجمع الفقه اإلسالمي (‪ 357‬ـ ‪.)359‬‬
‫ــ ‪ 398‬ـ‬
‫ومن لطيف ما هو مسطور في كتب النوازل فتــوى لمحمد بن مــرزوق‬
‫في (حكم ســلخ جلد اإلنســان واســتعماله) فيها فوائد جمة وتقريــرات حســنة‪،‬‬
‫ومنها قوله‪..(( :‬ومن الغــريب المشــاكل لما ظهر لكم في اســتعمال جلد اآلدمي‬
‫ما رأيت في التقييدـ المنســوب إلى ابي الحسن الصــغير عند قوله في المدونــة‪:‬‬
‫((وتوقف مالك أن يجيب في خنزير الماء‪ ،‬وأجاز الليث أكل إنسان المــاء)) وال‬
‫أدري كيف صورة هذا اإلنسان المذكور فإن كــان نوعا من الحــوت في بعض‬
‫أعضــائه مشــبهة اإلنســان كما في القــرد‪ ،‬ولعله الحيــوان الــذي يقــال له أبو‬
‫اللمرين فاألمر قريب‪ ،‬وإن كانتـ صــورته صــورة إنســان على الحقيقة إال أن‬
‫مسكنه البحر فمشكل))(‪.)1‬‬
‫األصل الثاني‪ :‬التكييف الفقهي للنازلة‬
‫ويــراد به عند الفقهــاء المعاصــرون‪(( :‬تحرير األصل الــذي ترجع إليه‬
‫النازلة))(‪ ،)2‬ويتحقق ذلك بردها وإلحاقها إلى نظائرها إذا كـــان لها أصـــل‪ ،‬أو‬
‫ردها إلى جملة أصــول‪ ،‬أو اعتبارها بما يشــبهها صــورة ومعــنى‪ ،‬أو اعتبارها‬
‫مسألة لها حالة خاصة‪ ،‬وكل ذلك يعرف تارة بالنص‪ ،‬أو اإلجمـاع‪ ،‬أو التخـريج‬
‫على نازلة سابقة‪ ،‬وقد ورد في كتــاب عمر بن الخطــاب ألبي موسى األشــعري‬
‫{‪(( :‬الفهم الفهم فيما ينخلج في صــدرك ويشــكل عليك مما لم يــنزل في كتــابـ‬
‫ولم تجر به ســنة‪ ،‬واعــرف األشــباه والنظــائرـ ثم قس األمــور بعضــها ببعض‬
‫وانظر أقربها إلى هللا وأشبهها بالحق فاتبعه))(‪.)3‬‬
‫وهنا يتوجب على الناظر حصر القواعد واألصول الشـرعية الـتي تخـرج‬
‫عليها النازلة ما أمكن؛ لئال يكــون التقصــير في التخــريج عليها مقدمة للخطأ في‬
‫تطبيق الحكم‪ ،‬فتخريج النوازل على قواعدها‪ ،‬وإرجــاع الجزئيــات والفــروع إلى‬
‫أصــولها‪ ،‬وإناطة األحكــام بعللها ومــداركها؛ يهــدي النــاظر إلى النظر الــرجيح‪،‬‬
‫ويعصــمه من الغلط والــوهم‪ ،‬والنــوازل على اتســاعها ((وبعد غاياتها لها أصــول‬

‫(?) المعيار (‪.)1/75‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) انظر‪ :‬الهويريني؛ المنهج في استنباط أحكام النوازل (ص‪.)278‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) إعالم الموقعين (‪.)1/86‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 399‬ـ‬
‫معلومة وأوضاع منظومة‪ ،‬ومن ال يعرف أصولها وأوضاعها لم يحط بها علما‬
‫))‬

‫(‪.)1‬‬
‫وقــال العالمة بكر أبو زيــد‪(( :‬المهم في بيــانـ أحكــام النــوازل المســتجدة‬
‫تحرير النتيجة الحكمية من القواعد الــتي تخــرَّج عليهــا‪ ،‬وســالمة التخــريج‪،‬‬
‫وتثبيتـ مــدرك الحكم والتعليــل‪،‬ـ فإنه مــتى صــحت مع البــاحث هــذه المطــالب‬
‫سهل عليه بإذن هللا تعالى ترتيب الحكم بأمانـ واطمئنانـ))(‪.)2‬‬
‫األصل الث الث‪ :‬تط بيق الحكم عليها تحقيقا لمقصد الش رع ورعيا‬
‫لمصالح الخلق‬
‫وهذا األصل هو ثمرة النظر في النوازل وال يكــون بعـده إال االسـتجابة‬
‫بالتنفيذـ ممن تعلقت به النازلة من األفــــراد أو الجماعــــات‪ ،‬ففي بيــــانـ الحكم‬
‫وتطبيقهـ تحقيق لمقصد الشــارع‪ ،‬وتحصــيل لمصــالح الخلــق‪ ،‬ودرء للمفاسد‬
‫عنهم في الحـــال والمـــآل‪،‬ـ وال يتحقق البيـــان إال إذا اعتـــبر المجتهد جملة من‬
‫األصــول الكلية والقواعد المرعيــة؛ـ والــتي ترجع في مجملها إلى درك مقصد‬
‫الشارع وتحقيق مصلحة الخلق‪.‬‬
‫تقرر في األصــول أن ال نازلة تحـــدث إال ولها حكم في كتــابـ هللا‬
‫وقد ّ‬
‫تعــالى نصا أو داللــة؛ وهــذا األصل متفق عليه بين الفقهــاء؛ والشــواهد على‬
‫صحته من القرآن والسنة ظاهرة‪ ،‬قال هللا تعالى‪:‬ـ ﮋﭢﭣـ ﭤـ ﭥـ ﭦـ ﭧـ ﭨـ ﭩ‬
‫ﭪـ ﭫـ ﭬﮊ(‪ ،)3‬وقال تعالى‪:‬ـ ﮋﭯـ ﭰـ ﭱـ ﭲـ ﭳ ﭴﮊ(‪ ،)4‬وقال تعالى‪ :‬ﮋﮀـ ﮁ‬
‫ﮂـ ﮃـ ﮄـ ﮅﮆﮊ(‪ ،)5‬قال الشافعي‪(( :‬كل ما نزل بمسلم ففيه حكم الزم‪ ،‬أو على‬
‫ســبيل الحق فيه داللة موجــودة‪ ،‬وعليه إذا كــان فيه بعينهـ حكم وجب اتباعــه‪،‬‬
‫وإذا لم يكن فيه بعينهـ طلب الداللة على سبيلـ الحق فيه باالجتهاد))(‪.)6‬‬

‫(?) الزنجاني؛ تخريج الفروع على األصول (ص‪.)34‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) النوازل (‪)2/10‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة إبراهيم‪.1/‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة النحل‪.89/‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) سورة األنعام‪.38/‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) الرسالة (ص‪.)477‬‬ ‫‪6‬‬

‫ــ ‪ 400‬ـ‬
‫وقــــال ابن رشد الجد في نوازلــــه‪(( :‬ال نازلة إال والحكم فيها قــــائم من‬
‫القرآن إما بنص وإما بدليل علمه من علمه وجهله من جهله))(‪ .)1‬وقــال أيضــا‪:‬‬
‫((ما حــدث من النــوازل الــتي ال يوجد فيها نص في الكتــابـ وال في الســنة وال‬
‫فيما اجتمعت عليه األمة يســـتنبط لها أحكـــام من الكتـــاب والســـنة ألن هللا ‪‬‬
‫يقول‪ :‬ﮋﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ‬
‫ﰆ ﰇ ﮊ(‪ .)2‬وقال‪ :‬ﮋﮔـ ﮕـ ﮖ ﮗـ ﮘـ ﮙـ ﮚ ﮛـ ﮜـ ﮝـ ﮞ‬ ‫ﰅ‬
‫(‪)4‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ﮟﮊ ‪ ،‬فجعل المستنبط من الكتاب والسنة علما وأوجب الحكم به فرضا)) ‪.‬‬
‫وقال العالمة محمد الخضر حسين‪(( :‬وهكذا لم يختلف المسلمون في أن‬
‫الشريعة اإلسالمية نـزلت لتقرير أحكـام الوقـائع فال واقعة إال لها حكم مـدلول‬
‫عليه بالنصـ أو بأصل من األصول المستمدة من النصوص))(‪.)5‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬كيفية االستفادة من كتب النوازل‬
‫‪ 1‬ـ الطريق األول‪ :‬الرجوع إلى الفتــاوى المبنيةـ على األدلة من الكتــاب‬
‫والسنة واإلجماع والقياس المستوفي لشرائط اعتباره‪ ،‬فكثــير من النــوازل في‬
‫كتب المالكيةـ انــتزعتـ أحكامها من الكتــاب والســنة وســائر األدلة المعتــبرة‪،‬‬
‫يقول ابن رشد الجد ـ فيمن كان مظهرا لألحكام بــاالنتزاع من الكتــاب والســنة‬
‫واإلجماع والقياس‪،‬ـ مراعيا كيفية االستدالل بها على ما هو مقرر في شــرائط‬
‫االجتهاد ـ ‪(( :‬وأما الطائفةـ الثالثةـ فهي التي تصح لها الفتوى عموما باالجتهــاد‬
‫والقياس على األصول التي هي الكتابـ والسنة وإجماع األمة بالمعنىـ الجــامع‬
‫بينها وبين النازلة أو على ما قيس عليها إن عـــدم القيـــاس عليهـــا‪ ،‬أو على ما‬
‫قيس عليها إن عدم القياس عليها أو على ما قيس عليها))(‪.)6‬‬
‫وهذا الطريق مفيد جدا‪ ،‬ألن الفتاوى التي صدرت عن الفقهاء الســابقين‬
‫مبنيةـ ـ في الغالب ـ على األصول الشرعية التي ينبغي مراعاتها في االجتهاد‪،‬‬
‫والنظر فيها يعين على تحصــيل الملكة الفقهيــة‪ ،‬واألصل في نظر المجتهد أن‬
‫يكون مبنيا على النصوص الشرعية‪ ،‬يقول د‪ .‬عبد هللا الشيح محفــوظ بن بيــة‪:‬ـ‬

‫(?) فتاوى ابن رشد الجد (‪.)2/762‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة النساء‪.59/‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة النساء‪.83/‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) فتاوى ابن رشد (‪ 761‬ـ ‪.)762‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) الشريعة صالحة لكل زمان ومكان (ص‪.)47‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) فتاوى ابن رشد الجد (‪.)3/1502‬‬ ‫‪6‬‬

‫ــ ‪ 401‬ـ‬
‫((إن فتاوى أهل زمانناـ بحاجة إلى التأصيل على ضوء أصول فتاوى األولين‪.‬‬
‫انطالقـا ً من مجمــوع الضــوابط والشــروط الــتي وضــعها العلمــاء‪ ،‬ســواء في‬
‫العصــور األولى الزدهــار االجتهــاد‪ ،‬أو تلك الــتي وصــلوا إليها للضــرورة‬
‫والحاجــة‪ ،‬عنــدما أجــازوا قضــاء المقلد وفتــواه بشــرط أن يحكم بــالراجح‬
‫والمشهور وما عليه العمل بشــروط‪ ،‬أو ما به الفتــوى الــذي يــوازي عند غــير‬
‫المالكية العمل عند المالكية‪.‬ـ كما أن الفتـوى بالضـعيفـ للضـرورة الـتي ليست‬
‫ضــرورة بــالمعنى الفقهي‪ ،‬وهي األمر الــذي إذا لم يرتكبهـ المضــطر هلك أو‬
‫قــارب الهالك‪ ،‬فهــذه تــبيح المحــرم‪ ،‬وال يحتــاج إلى قــول لتســتند عليــه‪ .‬لكن‬
‫الضرورة التي تعم الحاجة وهو تعبير مستفيض في كالم الفقهاء))(‪.)1‬‬
‫‪ 2‬ـ الطريق الث اني‪ :‬النظر في القواعد الشــرعية والضــوابط المرعية‬
‫التي تخرج عليها النوازل‪ ،‬وهي األسس التي أقــام المجتهــدون أحكــامهم على‬
‫ضــوئها‪ ،‬وهــذه القواعد الشــرعية هي تســاعد على تطــبيق النصــوص على‬
‫القضايا المعاصرة‪(( ،‬فهي خـير معين على مقارعة صـعاب النـوازل‪ ،‬وتقـويم‬
‫اعوجــاج ملتويــات المســائل))(‪ ،)2‬وهــذه القواعد تتعلق برفع الحــرج‪ ،‬وجلب‬
‫المصالح ودرء المفاســد‪ ،‬ونفي الضــرر‪ ،‬وارتكــاب أخف الضــررين‪ ،‬والنظر‬
‫في المآالت‪ ،‬والعبرة بالمقاصد والمعانيـ ال باأللفـاظ والمبـاني‪،‬ـ وسد الـذرائع‪،‬‬
‫وتحكيم العــرف‪ ،‬وتحقيق المنــاط‪،‬ـ واإلذن في العقــود‪ ،‬وفي مــدونات الفتــاوى‬
‫تطبيقـ حي للقواعد والضوابط على الواقعات‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أ ـ اعتبار األعراف في األيمان‪ ،‬والطالق‪ ،‬والنذور‪ ،‬واألوقاف‪ ،‬والوصــايا‬
‫ونحوهــا‪ ،‬قــال أبو العبــاس الونشريســي‪(( :‬إن الفقهــاء بنــوا األحكــام على عــرف‬
‫التخاطب سيما في باب األيمان وهو مقدم عندهم على المدلول اللغوي فيها))(‪.)3‬‬
‫ب ـ اعتب ار المقاصد وع دم الوق وف مع األلف اظ‪ ،‬إذا الح للمخــاطب‬
‫القصد إلى خالف ما دل عليه اللفظ‪ ،‬وهي قاعدة اعتبرها الفقهــاء وبنــوا عليها‬
‫أحكاما كثــيرة‪ ،‬قــال ابن رشد الجــد‪(( :‬األحكــام إنما هي للمعــانيـ ال لمجــرد‬

‫(?) مجلة مجمع الفقه اإلسالمي‪ ،‬مقال‪ :‬سبل االستفادة من النوازل الفتاوى والعمل الفقهي‬ ‫‪1‬‬

‫في التطبيقات المعاصرة (‪.)603 /11‬‬


‫(?) مجلة مجمع الفقه اإلسالمي‪ ،‬مقال‪ :‬سبل االستفادة من النوازل الفتاوى والعمل الفقهي‬ ‫‪2‬‬

‫في التطبيقات المعاصرة (‪.)603 /11‬‬


‫(?) المعيار(‪.) 4/352‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 402‬ـ‬
‫األلفاظ))(‪ ،)1‬وقال أيضا‪..(( : :‬ولو قال إنه األظهر من مجرد اللفظ وســلمنا ذلك له‬
‫لما لزم اتباع مجرد ظاهر اللفظ إذا خالفه المعــنى لنا إنما تعبــدنا بمعــاني األلفــاظ‬
‫دون مجردها ولو اتبعنا مجردها دون معانيها لعاد اإليمان كفرا والــدين لعبا))(‪،)2‬‬
‫وقــال أيضــا‪..(( :‬فــوجب حمل لفظ المحبس على ما يعــرف من مقاصد النــاس‬
‫بألفاظهم وإن خالف ذلك موجب اللفظ في اللسان العربي‪.)3())..‬‬
‫ج ـ رعاية الضرورة والحاجة وبناء الحك ام عليها‪ ،‬جــاء في المعيــار‪:‬‬
‫((ســئل أبو محمد عبد الحميد عن اتخــاذ الكالب في الجنــات وموضع الــزرع‪،‬‬
‫فأجــاب‪ :‬إن اتخــاذ الكالب في الجنــات وموضع الــزرع جــائز‪ ،‬ومن شــيوخنا‬
‫المتقــــدمين من فعل ذلك في داره ألجل الخــــوف))(‪ .)4‬وقــــال أبو العبــــاس‬
‫الونشريسي أيضــا‪(( :‬قــال أبو بكر بن العــربي في أواخر كتــابـ األقضــية من‬
‫القبس ما نصــــه‪ :‬وكل ما دعت الحاجة إليه في الشـــــريعة مما فيه منفعةـ ولم‬
‫يعارضه محظور فإنه جائز وواجب بحسب حاله وهذا أصل بديع))(‪.)5‬‬
‫وـفـيـ فـتـوـىـ ألـبـيـ عـبـدـ هللاـ بـنـ عـبـدـ اـلـسـالـمـ اـلـتـوـنـسـيـ(ـ(ـفـيـ حـكـمـ مـع ـاـمـالـتـ‬
‫أـهـلـ اـلـغـصـبـ)ـ)ـ جـاـءـ فـيـ آـخـرـهـاـ‪:‬ـ (ـ(ـ‪.‬ـ‪.‬ـوـأـمـاـ هـلـ يـج ـوـزـ لـه ـذـاـ اـلـت ـاـئـبـ أـنـ يـتـمـسـكـ‬
‫بـش ـيـءـ مـنـ ه ـذـاـ اـلـم ـاـلـ لـفـق ـرـهـ؟ـ فـالـ م ـاـنـعـ مـنـهـ إـنـ ك ـاـنـ اـلـمـت ـوـلـيـ لـتـفـرـقـةـ ذـلـكـ‬
‫أـعـطـاـهـ بـغـيـرـ ه ـوـىـ‪،‬ـ وـإـنـ ك ـاـنـ هـوـ اـلـمـت ـوـلـيـ لـتـفـرـقـتـهـ فـفـيـهـ نـظ ـرـ‪،‬ـ وـرـبـمـاـ وـجـدـ‬
‫فـيـ اـلـمـذـهـبـ مـاـ يـشـهـدـ لـجـوـاـزـهـ إـذـاـ أـخـذـ نـصـيـبـهـ مـعـ اـلـفـقـرـاـءـ‪.‬ـوـاـل ـذـيـ ك ـاـنـ يـف ـتـيـ‬
‫بـهـ فـقـه ـاـءـ إـفـرـيـقـيـةـ فـيـ اـلـق ـرـنـ اـلـخ ـاـمـسـ لـمـنـ ت ـاـبـ مـنـ أـع ـرـاـبـ زـم ـاـنـهـمـ عـلـىـ‬
‫سـبـيـلـ اـلـتـرـخـصـ وـاـالـس ـتـيـالـفـ لـهـمـ عـلـىـ اـلـتـوـبـةـ أـنـ يـق ـ ِّوـ مـ اـألـع ـرـاـبـيـ جـمـيـعـ مـاـ‬
‫بـيـــدـهـ مـنـ مـــاـلـ وـتـبـقـىـ تـلـكـ اـلـقـيـمـةـ عـلـيـهـ دـيـنـاـ بـعـدـ أـنـ يـخـــرـجـ مـنـهـاـ شـــيـئـاـ فـيـ‬
‫اـلـحـاـلـ ثـمـ يـخـرـجـ بـعـدـ ذـلـكـ شـيـئـاـ فـشـيـئـاـ)ـ)ـ(ـ‪)6‬ـ‪.‬ـ‬
‫والنــــاظر في كتب النــــوازل ال ينبغيـ أن يغيبـ عن ذهنه أن جملة من‬
‫الفتاوى إنما بــنيتـ في أحكامها وفق ما غلب على النــاس من المعــانيـ الجارية‬

‫(?) ابن رشد الجد؛ الفتاوى (‪.)2/894‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ابن رشد الجد؛ الفتاوى(‪.)2/733‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ابن رشد الجد؛ الفتاوى (‪.)2/1124‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) المعيار (‪.)11/300‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) المعيار (‪.)1/87‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) المعيار (‪.)6/144‬‬ ‫‪6‬‬

‫ــ ‪ 403‬ـ‬
‫بينهم‪ ،‬فكانت األحكـام المفصـلة للواقعة غـير خارجة عن رعاية تلك العوائـد؛‬
‫وعلى هــذا إذا تبــدلت تلك العوائد كــان على المفــتي إعــادة النظر في الواقعة‬
‫لتقرير حكم يناسبـ العرف الطارئ‪.‬‬
‫وليس له أن يقتصر على ما تقــــرر في (األجوبــــة) أو (النــــوازل) من‬
‫أحكام‪ ،‬ظنا منه أن ما حكم به ال ينبغي العدول عنه؛ـ ولهذا نجد لفقهاء المالكيةـ‬
‫المشــهود لهم بــالتحقيقـ والتأصــيل العــدول عما هو مشــهور في المــذهب في‬
‫مســـائلـ مشـــهورة رعاية للعـــرف‪ ،‬وجـــرى باختيـــارهم عمل أهل القضـــاء‬
‫والفتوى‪ ،‬كما في فتاوى أبي عبد هللا بن عتابـ والقاضي ابن زرب‪ ،‬والقاضي‬
‫أبي بكر بن العربي‪ ،‬وأبي الوليد بن رشد‪ ،‬وأبي األصبغ بن سهل(‪.)1‬‬
‫‪ 3‬ـ الطريق الث الث‪ :‬هو البحث عن بعض النـــوازل الـــتي لها صـــلة‬
‫بالقضايا المعاصـرة في وجه من الوجـوه وصـورة من الصــور‪ ،‬فيطبقـ عليها‬
‫أو يســتأنسـ بها إليجــاد حل للقضــية المعاصــرة(‪ )2‬وهــذا النظر يحقق للمجتهد‬
‫(‪)3‬‬
‫فوائد جمة‪ ،‬فهو يمكنهـ من الوقوف على تعليالتهم‪ ،‬ونقدهم‪ ،‬وتخريجهم‬
‫وينبغيـ اإلشارة إلى أن ((الفتاوى والنوازل القديمة قد ال تجدي فتيالً في‬
‫حل المسائل المعاصرة التي يمكن أن تحل من خالل القواعد كما أســلفنا‪ ،‬ومع‬
‫ذلك فإنه بإمعــان النظر في كتب الفتــاوى والعمل يســتطيع المتوسم أن يعــثر‬
‫على فروع ومسـائل تشـبه تلك الـتي تطرحها المعـامالت المعاصـرة‪ ،‬وينبغي‬
‫التنبيهـ على أن داللتها عليها قد ال تكون داللة مطابقــة‪ ،‬ومفهومها قد ال يكــون‬
‫مفهوم موافقــة‪ ،‬بل أنها تــدل عليها داللة تضــمن‪ ،‬أو الــتزام بوجه من الوجــوه‬
‫وشــكل من األشــكال تنـبئـ عما رواء األكمة بــدون غـوص في مضــامينها‪،‬ـ أو‬
‫تعمق في محتواهــــا‪ ،‬غــــير ملــــتزم بــــترجيح وجه من أوجه الخالف‪ ،‬إذ أن‬
‫المقصود إثارة الموضوع ليعلم أن له شواهد في النوازل تبيحهـ أو تحرمــه‪ ،‬أو‬
‫تحكي الخالف فيه‪ ،‬وهو أمر ســيتيحـ للفقيه عنــدما يعــالج أيا من هــذه النــوازل‬
‫سندا يستند إليه ليرجح من الخالف على أســاس من المرجحــات‪ ،‬ويكفيه منقبةـ‬
‫(?) محمد الخضر حسين؛ الشريعة اإلسالمية (ص‪.)78‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) مجلة مجمع الفقه اإلسالمي‪ ،‬مقال‪ :‬سبل االستفادة من النوازل الفتاوى والعمل الفقهي‬ ‫‪2‬‬

‫في التطبيقات المعاصرة (‪.)605 /11‬‬


‫(?) انظر‪ :‬منهج في استنباط أحكام النوازل (ص ‪.) 284‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 404‬ـ‬
‫لهذا الخالف أنه يرفع عن الباحث إصر مخالفة اإلجمــاع‪ ،‬ويســلكه في مســلك‬
‫االتباع))(‪.)1‬‬

‫‪  ‬‬

‫(?) مجلة مجمع الفقه اإلسالمي‪ ،‬مقال‪ :‬سبل االستفادة من النوازل الفتاوى والعمل الفقهي‬ ‫‪1‬‬

‫في التطبيقات المعاصرة (‪.)605 /11‬‬


‫ــ ‪ 405‬ـ‬
‫القانون الدولي اإلنساني في كتب نوازل المغاربة‬
‫‪ ‬د‪/‬سليمان ولدخسال‬
‫كلية الحقوق‪ ،‬جامعة المدية‬
‫تمهيد‬
‫بالرّغم من أن القانون الدولي اإلنسانيـ برز في العصر الحديث إثر‬
‫الحروب العالميةـ المدمرة التي انطلقتـ من أوروبا‪ ،‬إال أن الكثير من‬
‫مضامين هذه االتفاقيات التي قننت هذا القانون‪ ،‬وجدت في الفقه اإلسالمي‬
‫بصورة عامة وفي كتب النوازل والفتاوى بصفة خاصة‪.‬‬
‫وهذا السبق في األفكار بقدر ما يترجم العقلية اإلسالمية المبدعة‬
‫والخالّقة‪ ،‬فإنه وبنفس القدر يخبر بمدى الثراء والخصوبة التي يحملها هذا‬
‫الثراء الفقهي العظيم‪ ،‬ويكاد يصرخ في هذا الجيل من المسلمين ومن غيرهم‬
‫على ضرورة االعتناء واالستفادة من كنوزه إذا أرادوا بناء صرح قوي لهذه‬
‫اإلنسانية‪.‬ـ‬
‫والسؤال الذي يطرح‪ :‬كيف تجلى القانون الدولي اإلنسانيـ في كتب‬
‫نوازل المغاربة؟ وما السبيل إلى االستفادة من هذا الزخم المعرفي العظيم؟‪،‬‬
‫هذا ما سأحاول اإلجابة عنه من خالل العناصر اآلتية‪:‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ مفهوم القانون الدولي اإلنساني‪.‬ـ‬
‫‪ 2‬ـ مميزات هذا القانون وخصائصه‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ تطور مصطلح النوازل في كتاباتـ الفقهاء‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أهميةـ كتب النوازل والفتاوى‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ تأصيل مبادئ القانون الدولي اإلنساني‪.‬ـ‬
‫‪ 6‬ـ نماذج من هذا القانون في كتب نوازل المغاربة‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ ضرورة االستفادة من هذا العلم‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ مفهوم القانون الدولي اإلنساني‪ :‬برز هذا القانون نتيجةـ قيام‬
‫الحروب‪ ،‬ولذلك فإن زمن مكان تطبيق مثل هذا القانون إنما يكون حصرا في‬
‫أيام النزاعات الحربية‪ ،‬لهذا عرف بأنهـ ((مجموعة العالقة بين األطراف‬
‫المتحاربة‪ ،‬أو بالنسبةـ إلى األشخاص غير المنخرطين في النزاع المسلح‪ ،‬أو‬
‫بخصوص األعيان واألهداف غير العسكرية))(‪.)1‬‬
‫ويعتمد هذا القانون على مصادر منها القواعد العرفية‪ ،‬وعلى المصادر‬
‫المكتوبة‪ ،‬ومن هذه المصادر المكتوبةـ قانون الهاي لعام ّي ‪1899‬م و‪1907‬م‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) أحمد أبو الوفا‪ ،‬القانون لدولي اإلنساني‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة القاهرة ط‪2006 1‬‬
‫ص‪.7‬‬
‫ــ ‪ 406‬ـ‬
‫وقانون جنيف‪،‬ـ وقد تم تقنينـ هذا القانون خصوصا في اتفاقيات جنيف‬
‫األربعة لعام ‪1949‬م‪ ،‬االتفاقية األولى الخاصة بتحسين أحوال الجرحى‬
‫والمرضى‪ ،‬وتتعلق الثانيةـ بتحسينـ أحوال الجرحى والمرضى والغرقى في‬
‫البحر‪ ،‬أما االتفاقية الثالثة فتخص أسرى الحرب‪ ،‬والرابعة بحماية المدنيين‬
‫وقت الحرب(‪.)1‬‬
‫‪ 2‬ـ مميزات هذا القانون وخصائصه‪ :‬يعد القانون الدولي اإلنساني‬
‫فرعا من فروع القانون الدولي العام مثله في ذلك مثل قانون حقوق اإلنسان‪،‬‬
‫لكن وبالمقارنة بينهماـ تتبين مميزات وخصائص القانون الدولي اإلنسانيـ‬
‫ومنها‪:‬‬
‫ـ أن القانون الدولي اإلنسانيـ من الناحيةـ الزمنيةـ يطبقـ أساسا وقت‬
‫الحرب أو بسببها‪ ،‬أما قواعد حقوق اإلنسان فتطبق في وقت المسلم وزمن‬
‫الحرب معا‪.‬‬
‫أن قواعد القانون الدولي اإلنساني من الناحية الشخصية تخص‬ ‫ـ ّ‬
‫عالقة الدولة برعاياـ دولة أخرى خصوصا رعايا األعداء‪ ،‬أما قواعد قانون‬
‫حقوق اإلنسان فتشمل كل المقيمينـ فوق إقليم الدولة‪.‬‬
‫أن الهدف من القانون الدولي اإلنسانيـ حماية ضحايا النزاعات‬ ‫ـ ّ‬
‫المسلحة‪ ،‬بينما قانون حقوق اإلنسان تتسع دائرته لتشمل حقوق اإلنسان في‬
‫السلم والحرب ومن أية إساءات اتجاه األفراد العاديين‪.‬‬
‫أن نظم الحماية بالنسبةـ للقانون الدولي اإلنساني تتمثلـ في عدة وسائل‬ ‫ـ ّ‬
‫منها الدولة الحامية‪ ،‬أو السلطة البديلة للدولة الحامية أو الصليب أو الهالل‬
‫األحمر أو عرض األمر على المحاكم الجنائية الدولية‪ ،‬وأما قانون حقوق‬
‫اإلنسان فيبرز في وسائلـ داخلية كاللجوء إلى المحاكم والسلطات التنفيذيةـ‬
‫داخل الدولة أو في وسائل دولية مثل اللجوء إلى المنظمات الدولية المعنية‪،‬ـ‬
‫أو اللجان الخاصة بتطبيقـ االتفاقيةـ أو إثارة األمر بالطرق الدبلوماسيةـ(‪.)2‬‬
‫‪ 3‬ـ تطور مصطلح النوازل في كتابات الفقهاء‪ :‬إن مصطلح النوازل‬
‫يراد بها تلك األحكام الشرعية التي تستفاد من إجابات الفقهاء‪ ،‬ولهذا تعددت‬
‫مصطلحاته وتطورت في كتابات فقهاء المغرب اإلسالمي‪ ،‬ففضال عن هذا‬
‫المصطلح أي مصطلح النوازل الذي عرفه هؤالء الفقهاء من خالل ما كتبه‬
‫اإلمام البرزلي في نوازله والمهدي الوزاني في نوازله الجديدة الكبرى‪ ،‬ومحمد‬
‫المهدي في نوازله الصغرى نجد بالمقابل مصطلحات أخرى منها مصطلح‬

‫‪1‬‬
‫(?) لمزيد من التوسع انظر المرجع نفسه ص‪ 08‬إلى ص‪.13‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) اعتمدت في هذه المقارنة على أحمد أبو الوفا‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪23‬إلى ص‪.25‬‬
‫ــ ‪ 407‬ـ‬
‫المسائل كمسائل ابن رشد(‪ ،)1‬ومصطلح األسئلة كما ذكر ذلك اإلمام البرزلي‬
‫في نوازله(‪ ،)2‬ومصطلح الجوابات واألجوبة(‪ ،)3‬وأخيرا مصطلح الفتاوى‬
‫كفتاوى ابن رشد(‪ ،)4‬وفتاوى ابن أبي زيد القيرواني والمعيار المعرب عن‬
‫فتاوى علماء افريقية واألندلس والمغرب لإلمام الونشريسي وغيرهم‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ أهمية كتب النوازل والفتاوى‪ :‬تتميز كتب النوازل والفتاوى عن‬
‫كتب الفقه اإلسالمي في كون هذه األخيرة عرفت بالتنظير والتأصيلـ‬
‫الشرعي اعتمادا على األدلة الشرعية المتفق عليها والمختلف حولها‪ ،‬ولهذا‬
‫ال تختلف هذه الكتابات كثيرا عن بعضها البعض العتمادها في الجملة على‬
‫نفس األصول‪ ،‬أما كتب النوازل والفتاوى فإن أصحابها يتصدون لمشاكل‬
‫الناس اليومية وللظروف السياسيةـ اإلقليمية والدولية المستجدة ويحاولون‬
‫بعدها إيجاد حلول شرعية(‪ )5‬انطالقا من تنزيلـ وإسقاط النص الشرعي على‬
‫الواقعة أو النازلة‪.‬‬
‫لهذا فإن أهمية هذه الكتب تكمن كما ذكر محقق كتاب الفتاوى البن‬
‫رشد بأنهاـ ((جديرة باالنكبابـ عليها‪،‬ـ حقيقة باالهتمام بما ورد فيها‪ ،‬ألنها‬
‫تميزت بمزاج خاص وطابع خاص‪ ،‬وتجّلت فيها ثقافة أصيلة تلونت بالحياة‬
‫ومعلومات تنوعت بالواقع وأحكام اجتهادية تعددت‪ ،‬كانتـ وليدة الحاجات‬
‫والظروف‪ ،‬وربطت بين الفقه وأصوله وعقدت الصلة بين الحكم وتطبيقه‪،‬‬
‫وأعطت للدين عمومه وسعته‪،‬ـ وللتشريع شموله وصالحياته في سياسة‬
‫الناس‪ ،‬وترشيد البشرية‪،‬ـ وأبرزت لإلسالم صفاءه وقدرته على القيادة‬
‫الحكيمة‪ ،‬ونفاذه في تغييرـ األوضاع المتردية‪،‬ـ وح ّل األزمات المستعصية‬
‫وتبديل السياسات المتعفنة والمظالم المتراكمة))(‪.)6‬‬
‫إن مصطلح القانون‬ ‫‪ 5‬ـ تأصيل مبادئ القانون الدولي اإلنساني‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الدولي اإلنسانيـ وإن كان مصطلحا قانونيا وضعيا معاصرا إال أنه عند‬

‫‪1‬‬
‫(?) فتاوى ابن رشد ألبي الوليد بن رشد تحقيق المختار بن طاهر التليلي‪ ،‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي لبنان‪ ،‬ط‪1987 ،1‬م‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪.36‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) المرجع نفسه‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ 36‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) المرجع نفسه‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.37‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) المرجع نفسه‪ ،‬ج‪1‬ص‪.40‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) ولدخسال سليمان‪ ،‬جهود فقهاء المغرب العربي في بناء النظام السياسي اإلسالمي‪.‬‬
‫رسالة دكتوراه جامعة الجزائر ‪2009\2008‬م‪ ،‬ص‪ 51‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) فتاوى ابن رشد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪1‬ص‪.07‬‬
‫ــ ‪ 408‬ـ‬
‫تأصيله سيسهل عمليات البحث والربط في كتب الفقه اإلسالمي عامة‪ ،‬وفي‬
‫كتب النوازل والفتاوى خاصة‪.‬‬
‫وعليه فإنه من المصطلحات الشرعية التي تؤصل لهذا القانون الدولي‬
‫(‪) 1‬‬
‫اإلنساني نجد أحكام الجهاد وأحكام القتال وأحكام الحرب والسير والمغازي ‪.‬‬
‫فالباحث في االتفاقيات التي تفصّل في مبادئ القانون الدولي اإلنساني إذا‬
‫ما أراد أن يعرف ما يقابلها في الفقه اإلسالمي فما عليه إال أن يتتبع أحكام‬
‫الجهاد أو السير ألن تلك المبادئ ال تتحقق وال تتجسد إال في زمن الحروب‬
‫والمنازعات‪ ،‬وطبيعي أن يجد مادة البحث في كتب النوازل والفتاوى باعتبار أن‬
‫هذه األخيرة حوت على فصول كاملة تحدثت عن أحكام الجهاد والسير‪ ،‬وحتى‬
‫هذه المصطلحات‪ :‬قانون الحرب وقانون النزاعات المسلحة ((هي التي يستخدمها‬
‫رجال القانون في هذه اآلونة وهي الشائعة والمعروفة بين الناس في هذه األيام))‬

‫(‪.)2‬‬
‫‪ 6‬ـ نماذج من هذا القانون في كتب نوازل المغاربة‪ :‬إن مبادئ القانون‬
‫الدولي اإلنسانيـ كثيرة‪ ،‬لهذا سأكتفيـ بذكر البعض منها‪:‬‬
‫أ ـ الحماية المقررة للقتلى والموتى في االتفاقيات الدولية‪ :‬تقضي هذه‬
‫االتفاقيات الدولية بوجوب احترام جثث القتلى والموتى بسببـ األعمال‬
‫العسكرية أو بسببـ االحتالل الحربي‪ ،‬أو الذين ماتوا أثناء األسر فيتعين على‬
‫أطراف النزاع دفن جثثهم بطريقةـ محترمة وعدم التمثيل بها(‪.)3‬‬
‫وعند النظر في كتب نوازل المغاربةـ نجد األمثلة كثيرة نذكر منها ما‬
‫قاله أبو عيسى المهدي الوزاني بأن ((الضرب في الكافر بعد موته‪ ،‬أو حمل‬
‫رأسه أو حرقه بالنار مثلة وهي حرام‪ ،‬وفاعل ذلك مأثوم ملعون))(‪.)4‬‬
‫ب ـ الحماية المقررة لألسرى والجرحى والمرضى في االتفاقيات الدولية‪:‬‬
‫وتتلخص في حظر قتل األسرى وتعريض حياتهم أو صحتهم للخطر‪ ،‬وعلى‬
‫الطرف الذي يسيطر على ميدان القتال أن يبحث عنهم ويحميهم من أي اعتداء‬
‫أو أي معاملة سيئة‪ ،‬فيحظر قتلهم أو تعذيبهم أو أخذهم كرهائن(‪.)5‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) جابر عبد الهادي سالم الشافعي‪ ،‬تأصيل مبادئ القانون الدولي اإلنساني‪ ،‬دار‬
‫الجامعة الجديدة اإلسكندرية مصر‪ 1418‬ﻫ ‪2007/‬م‪ ،‬ص‪.41‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) المرجع نفسه ص‪ ،107‬وانظر أيضا اتفاقيات جنيف األربعة المؤرخة في ‪12‬أوت‬
‫‪ 1949‬وملحقيها اإلضافيين سنة ‪1977‬م‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) أبو عيسى المهدي الوزاني‪ ،‬النوازل الجديدة الكبرى‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون‬
‫اإلسالمية المغرب ‪1418‬ﻫ‪1997 /‬م‪ ،‬ج‪3‬ص‪.46‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) جابر عبد الهادي سالم الشافعي‪ ،‬المرجع السابق ص‪83‬وما بعدها‪ ،‬وانظر أيضا‬
‫اتفاقيات جنيف األربعة المؤرخة في ‪ 12‬أوت‪.1949‬‬
‫ــ ‪ 409‬ـ‬
‫وفي كتب نوازل المغاربة أمثلة كثيرة عن هذه الحماية فقد جاء في نوازل‬
‫البرزلي أن ((أسارى خرجوا من بلد اإلسالم فوجدهم الدليل فردهم وبيعوا‪ ،‬وقد‬
‫كان فيهم من ثبت أنه فدى نفسه أو اشتراه أهله‪ ،‬ومنهم من أعتقه مالكه‪ ،‬ومنهم‬
‫من لم يزل على ملك صاحبه فأفتى ابن الحاج بأن بيع مثل هؤالء ال يجوز‬
‫ونقض عهدهم حتى يروا بالدهم ال يحل‪ ،‬ويجب فسخ البيع مطلقا اتباعا لما‬
‫كانوا عليه من األمان إذ لم يزل قائما لهم ويتناوله أدلة الوجوب بالوفاء بالعهد‬
‫حتى يرجع إلى موضعه وأيضا فإنه في نقض العهد بهم مضرة على أسرى‬
‫المسلمين))(‪.)1‬‬
‫وجاء في النوازل الكبيرة بإن ((خيانة األسير ال تجوز إذ أؤتمن طائعا‬
‫فإن الغدر ليس من شيم المسلمين(‪ ،)2‬وجاء أيضا "وقتله بعد األمان ال يحل‬
‫وتجب ديته على من قتله‪.)3())..‬‬
‫وقد علق أحد المعاصرين على عبارة ابن رضوان المالقي ((ليس من‬
‫المعالي قتل األسرى))(‪ ،)4‬بأنهاـ عبارة جميلة تدل على ضرورة احترام أسرى‬
‫الحرب‪ ،‬ولعل ذلك يذكر وينبهـ بعض الدول مثل إسرائيل أو الصرب أنه ليس‬
‫من المعالي أو المفاخر قتل األسرى والعزل(‪.)5‬‬
‫وقال اإلمام الونشريسي‪:‬ـ ((ومن أثقلتهـ الجراح من المحاربين األعداء‬
‫وبقي وتمكن منه لم يجز اإلجهاز عليه وكذلك أسيرهم ومنهزمهم))(‪.)6‬‬
‫ج ـ الحماية المقررة للسكان المدنيين‪:‬ـ فقد نصت المادة ‪ 45‬من‬
‫البروتوكول األول والثاني أن لألطراف المعنية إنشاء مناطق صحية ومواقع‬
‫آمنة لحماية الجرحى والمرضى والعجزة والمسنين واألطفال والحوامل‪ ،‬قال‬

‫‪5‬‬
‫(?) أبو القاسم البرزلي‪ ،‬فتاوى البرزلي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت ط‪2002 1‬م ص‬
‫‪.40‬‬
‫‪1‬‬
‫(?) أبوعيسى المهدي الوزاني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪3‬ص‪.45‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) المرجع نفسه‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.46‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) المرجع نفسه‪ ،‬ج‪2‬ص ‪.113‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) ابن رضوان الشهب الالمعة في السياسة النافعة‪ ،‬الدار البيضاء المغرب ط‪،1‬‬
‫‪1404‬ﻫ‪1984/‬م ص‪.412‬‬
‫‪5‬‬
‫(?) أحمد أبو الوفا أثر أئمة الفقه اإلسالمي في تحرير قواعد القانون الدولي والعالقات‪،‬‬
‫دار النهضة العربية القاهرة ‪1417‬ﻫ‪ ،1997/‬ص‪305‬‬
‫‪6‬‬
‫(?) الونشريسي‪ ،‬المعيار المعرب دار الغرب اإلسالمي بيروت ‪1401‬ه\‪1981‬م ج‪ ،2‬ص‬
‫‪.116‬‬
‫ــ ‪ 410‬ـ‬
‫اإلمام الونشريسي‪:‬ـ ((اِعلم أن النهي قد ورد عن قتل األطفال والنساء نهيا‬
‫مطلقا لم يخص به حالة من حالة‪...‬ـ))(‪.)1‬‬
‫د ـ الحماية المقررة لألجانب المقيمين في إقليم أحد األطراف‬
‫المتنازعة‪:‬ـ وهذا ما نصت عليه المادة ‪ 35‬من االتفاقية الرابعة أن أي شخص‬
‫أجنبي مشمول بالحماية خصوصا رعايا أي طرف معاد‪ ،‬يكون له حق‬
‫مغادرة إقليم الطرف اآلخر‪ ،‬إال إذا كانتـ مغادرته تتعارض والمصالح‬
‫الوطنية لهذا األخير وبالنسبة ألولئك األشخاص الذين ال يغادرون إقليم تلك‬
‫الدولة فإنهم يتمتعونـ بكافة المساعدات المادية والطبية وبحق مغادرة‬
‫المناطق المعرضة ألخطار الحرب بنفس القدر المسموح به لرعايا دولة‬
‫اإلقليم‪.‬‬
‫ومثل هذه األحكام توجد نظائرهاـ في كتب النوازل فقد جاء في النوازل‬
‫الصغرى‪ :‬أن اإلحسان ألهل الذمة مطلوب‪ ،‬وأن من كان في الذمة‪ ،‬وجاء‬
‫أهل الحرب إلى بالدنا يقصدونهم وجب عليناـ أن نخرج إلى قتالهم بالكراع‬
‫والسالح ونموت دون ذلك صونا لمن هو في ذمة هللا تعالى وذمة رسوله ×‬
‫فإن تسليمهم دون ذلك إهمال لعقد الذمة(‪.)2‬‬
‫وأخبر اإلمام البر زلي عن مسألة ((وهي أن بعض أمراء بني مرين‬
‫ورد على تونس وأخرج الموحدين منها‪،‬ـ وفيها نصارى لهم أمان وآلبائهمـ‬
‫ولهم فيها قريب من أول دولة الموحدين‪ ،‬فلما أرادوا أن ينفصلوا ه ّموا‬
‫بأخذهم وأسرهم مع أوالدهم ونسائهم وقالوا‪ :‬إنّا لم نؤ ّمنهم فاختلفوا ولم‬
‫يمكنهم الناس وال علماؤهم منهم لوجوه منها أنهم أهل ذمة ضربت عليهم‬
‫الجزية في بالد اإلسالم فال يحل ألحد التعرض لهم))(‪.)3‬‬
‫ﻫ ـ مبدأ الخضوع إلى المحاكمة‪:‬ـ فقد جاء في اتفاقياتـ جنيف أن‬
‫األسرى يحاكمون عادة أمام المحاكم العسكرية للدولة الحاجزة وبشرط توافر‬
‫الضماناتـ األساسية المعروفة مثل االستقالل والحيدة وعدم االنحياز(‪.)4‬‬
‫وفي هذا الشأن جاء في النوازل الجديدة الكبرى أن ((من ارتد من‬
‫المسلمين وتنّصر وصار إذاية عليهم كالتركي والدهداه من المرتدين‬
‫فالصواب في حق من ظفر بهم وتمكن من أسرهم أن يرفعهم إلى السلطان‬
‫‪1‬‬
‫(?) المرجع نفسه‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.116‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) أبو عبد هللا محمد المهدي‪ ،‬النوازل الصغرى‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‬
‫المغرب ‪ 1412‬ﻫ ‪1992/‬م‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪.439‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) فتاوى البرزلي المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪.41‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) أحمد أبو الوفا‪ ،‬القانون الدولي اإلنساني‪ ،‬المرجع السابق ص‪.41‬‬
‫ــ ‪ 411‬ـ‬
‫ليفعل في شأنهم ما توجبه الشريعة المحمدية التي عليها قتالنا مع النصارى‬
‫الذين هم إخواننا من أبينا آدم وأمنا حواء عليهماـ السالم))(‪.)1‬‬
‫‪ 7‬ـ ضرورة االستفادة من هذا العلم‪ :‬إن مبادئ القانون الدولي‬
‫اإلنساني بما تشكله من أهمية بالغة على مستوى النزاعات الحربيةـ اإلقليمية‬
‫والدولية‪ ،‬وبما تحويه من نظم إنسانيةـ وآليات قانونية تخفف العنت والمشقة‬
‫زمن الحروب واألهوال‪ ،‬أضحى يمثلـ هذا الشأن أكثر من ضرورة وحاجة‬
‫خاصة بالنسبة للفقهاء المعاصرين وبالنسبةـ إلى الدعاة واألئمة من أجل‬
‫اإلطالع على مافي هذا القانون من نصوص واتفاقياتـ كثير منها يتفقـ والفقه‬
‫اإلسالمي حتى يتسنى لهم االستفادة منه وإفادة الغير من هذا التراث‬
‫اإلسالمي الثري الموجود في كتب الفتاوى والنوازل‪.‬‬
‫وتأسيسا على هذا ترجى بعض المعاصرين فكتب ((يا فقهاء القانون‬
‫الدولي العام المسلمين كونوا جميعا شيبانيين))(‪ ،)2‬ثم قال‪(( :‬من المؤلم للنفس‬
‫أن يكون لدينا هذا التشريع العظيم ثم نجهله أو نتجاهله‪ ،‬في حين يعترف‬
‫البعض من غير المسلمين بفضل شريعة اإلسالم في مجال القانون الدولي‬
‫العام بصفة عامة وفي القانون الدولي اإلنسانيـ بصفة خاصة‪...‬فأسسوا‬
‫بألمانياـ سنة ‪1955‬م جمعية الشبابي للقانون الدولي‪ ،‬واحتفلت جامعة باريس‬
‫سنة ‪1970‬م بذكرى مرور ألف ومائتي سنة هجرية على وفاته))(‪.)3‬‬
‫وهكذا فإن هذه األجيال مطالبة بخدمة هذا العلم وتفعيله تنظيرا‬
‫وممارسة خاصة في ظل الهجمات الشرسة التي تحاول النيلـ من نصاعة‬
‫اإلسالم وبياضه وأن أحكامه ضد اإلنسانية‪،‬ـ مع أن الحقيقة والموضوعية‬
‫تقتضيان اإلقرار بأن اإلسالم هو اإلنسانية وهو دين الفطرة‪.‬‬
‫الخاتمـــة‬
‫وفي خاتمة هذا البحث البد من تقرير النتائجـ التالية‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أن الكثير من بنود اتفاقيات القانون الدولي اإلنسانيـ ال تختلف عن‬
‫الكثير من األحكام الشرعية الموجودة في كتب نوازل المغاربة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أن كتب نوازل المغاربة تشكل رصيدا معرفيا معتبرا وفي شتى‬
‫الفنون والعلوم بما في ذلك مبادئ القانون الدولي اإلنساني‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ أن على الفقهاء المعاصرين واألئمة والدعاة االهتمام بهذا القانون‬
‫واستثماره خدمةً لإلسالم واإلنسانية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫(?) أبو عيسى المهدي الوزاني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪.45‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) جابر عبد الهادي سالم الشافعي‪ ،‬المرجع السابق ص‪.171‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) المرجع نفسه ص‪171‬وما بعدها‪.‬‬
‫ــ ‪ 412‬ـ‬
‫‪ 4‬ـ أن التحدي الذي يواجهه العالم اإلسالمي‪ ،‬والهجمات الشرسة التي‬
‫تستهدف اإلسالم يحتمانـ البحث في مثل هذه الدراسات المقارنة بين الشريعة‬
‫والقانون‪.‬‬
‫وفي األخير فإن ما تقدم هو جهد المقل وإني أسال هللا سبحانه وتعالى‬
‫أن يكون ما قدم في ميزان حسناتنا وأن يتجاوز عنا ما كان فيه من تجاوز‬
‫وخطأ والحمد هلل رب العالمين‪.‬ـ‬
‫قائـمة المــراجــع‬
‫ـ اتففاقيات جنيف األربعة المؤرخة في ‪ 12‬أوت ‪1949‬م وملحقيها اإلضافيين سنة‬
‫‪1977‬م‪.‬‬
‫ـ أثر أئمة الفقه اإلسالمي في تطوير قواعد القانون الدولي والعالقات الدولية دار‬
‫النهضة العربية القاهرة ‪1417‬ﻫ‪1997/‬م‪.‬‬
‫ـ تأصيل مبادئ القانون الدولي اإلنساني جابر عبد الهادي سالم الشافعي‪ ،‬دار الجامعة‬
‫الجديدة اإلسكندرية مصر ‪ 1418‬ﻫ‪2007/‬م‪.‬‬
‫ـ جهود فقهاء المغرب العربي في بناء النظام السياسي اإلسالمي‪،‬ـ رسالة دكتوراه‬
‫جامعة الجزائر ‪2008/2009‬م‪.‬‬
‫ـ الشعب الالمعة في السياسة النافعة‪ ،‬ابن رضوان المالقي‪ ،‬تحقيق علي سامي النشار‬
‫دار الثقافة‪ ،‬الدار البيضاء المغرب‪ ،‬ط‪1404 ،01‬ﻫ‪1984/‬م‪.‬‬
‫ـ فتاوى ابن رشد ألبي الوليد بن رشد تحقيق المختار بن الطاهر التليلي دار الغرب‬
‫اإلسالمي لبنان ط‪1987 1‬م‪.‬‬
‫ـ فتاوى البرزلي‪ ،‬أبو القاسم البرزلي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت ط‪2002 1‬م‪.‬‬
‫ـ القانون الدولي اإلنساني‪ ،‬أحمد أبو الوفا المجلس األعلى للثقافة القاهرة ط‪2006 1‬م‪.‬‬
‫ـ المعيار المعرب عن فتاوى علماء إفريقية واألندلس والمغرب تحقيق محمد حجي‬
‫دار الغرب اإلسالمي بيروت ‪ 1401‬ﻫ‪1981/‬م‪.‬‬
‫ـ النوازل الجديدة الكبرى أبو عيسى المهدي الوزاني وزارة األوقاف والشؤون‬
‫اإلسالمية المغرب ‪1418‬ﻫ‪1997/‬م‪.‬‬
‫ـ النوازل الصغرى أبو عبد هللا محمد المهدي‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‬
‫المغرب ‪ 1412‬ﻫ‪1997/‬م‪.‬‬

‫‪  ‬‬

‫ــ ‪ 413‬ـ‬
‫النوازل الفقهية‬
‫المرتبطة بالوجود االستعماري في الجزائر‬
‫‪ ‬أ‪.‬د‪ /‬محمد دراجي‬
‫كلية العلوم اإلسالمية‪ ،‬جامعة الجزائر‬
‫وأخيرا أثمرت المخططاتـ الفرنسية المتتالية‪ ،‬والممتدة لحوالي ثالثةـ‬
‫قرون‪ ،‬وسقطت مدينةـ الجزائر في يد الغزاة البرابرة الفرنسيين‪.‬‬
‫أخيرا سقطت "المحروسة" "دار الجهاد‪(( :‬التي ظلت لقرون شوكة في‬
‫حلق الصليبيينـ من البرتغاليين واإلسبان والمالطيين تطارد سفنهم في البحر‪،‬‬
‫وتجبرهم على دفع اإلتاوات والضرائب لحكومة الجزائر‪.‬‬
‫وأخيرا دمر األسطول البحري العظيم الذي كان حامال للواء الجهاد‬
‫والدفاع عن راية اإلسالم والمسلمين في مشارق األرض ومغاربها‪ ،‬وما‬
‫موقعة "نافارين" ببعيدة‪.‬‬
‫وهاهي دار اإلسالم‪ ،‬وحاضرة العلم‪ ،‬تدوسها سنابك خيل الكفار‪ ،‬وأصبح‬
‫أقصى ما يطمح إليه المسلمون في هذه البلدة أال تمنع شعائر الدين كاألذان‬
‫والصالة‪ ،‬وأال تنتهك األعراض‪ ،‬وأن يعطوا األمان في أنفسهم وأموالهم‪.‬‬
‫وطبيعيـ أن يفرز الوجود االستعماري في بلد من بلدان اإلسالم حملة‬
‫من النوازل الفقهية المعقدة‪ ،‬التي تواجه الفقهاء وأهل االجتهاد والمشتغلينـ‬
‫بالفتوى وتحتم عليهم تقديم إجابات فقهية لهذه المعضالت التي لم تكن لتطرح‬
‫لوال هذا الوجود االستعماري‪ ،‬إذ هي من نتائج الوجود وإفرازاته‪،‬ـ وعليه فقد‬
‫أثرت قضية بقاء المسلمين في األراضي التي يستولي عليها االستعمار‬
‫ويبسط نفوذه‪ ،‬وقضية التجنيد في صفوف جيش هذا االستعمار ومشاركته في‬
‫حروبه التي يخوضها والتي قد تكون ضد بعض المسلمين‪،‬ـ وقضية التجنس‬
‫بجنسيتهـ التي عرضها لنيلـ الحقوق والمساواة وغيرها كثير‪.‬‬
‫مفهوم النوازل‪ :‬إذا كانتـ النوازل في اللغة هي الحوادث العظيمةـ التي‬
‫تنزل بالناسـ فتجعلهم حائرين مضطربين‪ ،‬فقد قال صاحب الصباح المنير‬
‫((والنازلة المصيبة الشديدة تنزل بالناسـ))(‪.)1‬‬
‫و أشار الزمخشري في أساس البالغة إلى أن هذا االستعمال مجازي‬
‫فيه فقال‪(( :‬ومن المجاز‪ :‬نزل به مكروه‪ ،‬وأصابته نازلة من نوازل الدهر))‬

‫(‪.)2‬‬
‫أما في االصطالح فإن النوازل هي مرادفة للفتاوى‪ ،‬ويظهر أن‬
‫مصطلح "النوازل" مصطلح مغربي‪ ،‬استعمله فقهاء األندلس وإفريقيا‬
‫(?) المصباح المنير‪ ،‬الفيومي‪ ،‬ص ‪356‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أساس البالغة‪ ،‬الزمخشري‪ ،‬ص ‪.453‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 414‬ـ‬
‫والمغرب‪ ،‬ووضعوه في عناوين كتبهم التي جمعوا فيها فتاويهم أو وضعها‬
‫تالمذتهم حين جمعوا إجابات أساتذتهم وشيوخهم على المسائلـ الفقهية‬
‫المرفوعة إليهم‪ ،‬والمعالجاتـ الشرعية وللمستجدات التي كانتـ تواجههم‪ ،‬وقد‬
‫نوعوا عناوينـ هذه الكتب‪ ،‬فمن األجوبة‪ ،‬إلى الفتاوى‪ ،‬إلى األحكام أو مسائل‬
‫األحكام‪ ،‬إلى النوازل‪ ...‬وهكذا‪.‬‬
‫ـ جمع القاضي أبو إسحاق ابراهيم التسولي التازي (ت‪749‬هـ) أجوبة‬
‫الشيخ أبي الحسن الصغير قاضي الجماعة بفاس المتوفى (ت‪719‬هـ)‪.‬‬
‫ـ جمع الشيخ أبو القاسم بن أحمد البرزلي البلوي القيرواني (ت‪844‬هـ)‬
‫مدونته الفقهية الكبرى‪ ،‬المسماة بـ "جامع مسائلـ األحكام لما نزل من القضايا‬
‫بالمفتينـ والحكام"‪.‬‬
‫ـ كما جمع أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريسي (ت‪914‬هـ)‬
‫موسوعته الفقهية‪ ،‬المسماة بـ"المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوى‬
‫علماء إفريقيةـ واألندلس والمغرب"‪.‬‬
‫ومن المدونات الفقهية التي حملت لفظ النوازل في عناوينها‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ اإلعالم بنوازل األحكام‪ ،‬للقاضي أبي األصبع عيسى بن سهل‬
‫األسدي القرطبي الحافظ المشاور (ت‪486‬هـ)‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ األحكام‪ ،‬للقاضي أبي المطرف عبد الرحمان بن قاسم الشعبي ـ‬
‫المالقي (ت‪497‬هـ)‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ نوازل أبي جعفر بن بشتغيرـ (ت‪516‬هـ)‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ نوازل القاضي أبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد الجد (ت‪520‬هـ)‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ أجوبة فقهاء غرناطة‪،‬ـ جمعها مجهول‪ ،‬تضم ثمان وأربعين فتوى‬
‫أغلبها البن لب‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ نوازل القاضي أبي الفضل بن طركاط (ت‪854‬هـ)‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ الحديقة المستقلة النضرة في الفتاوى الصادرة عن علماء الحضرة‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ تقريب األمل البعيد في نوازل األستاذ أبي سعيد(‪.)1‬‬
‫وم ّما يرجح ـ في نظري ـ أن استعمالـ النوازل بمعنىـ الفتوى‪ ،‬هو أن‬
‫العالم اللغوي الفيومي أحمد بن محمد بن علي الفيومي المقري‪ ،‬صاحب‬
‫كتاب "المصباح المنير" وهو معجم لغوي في شرح غريب شرح الوجيز‬
‫لإلمام الرافعي(‪ ،)2‬وهو كتاب معتمد في الفقه الشافعي‪ ،‬وجرت عادة الفيومي‬
‫بعد إشباع اللفظة شرحا لغويا ونقال عن أئمة اللغة وشيوخها‪ ،‬أن يتعرض إلى‬
‫المعنى االصطالحي عند الفقهاء‪ ،‬إذا كانتـ اللفظة لها معنى اصطالحيا‪،‬‬
‫(?) لقد اعتمدنا في هذا على المقدمة القيمة التي كتبها المرحـوم الفقيه الـدكتور محمد أبو‬ ‫‪1‬‬

‫األجفانل كتابه فتــاوى اإلمــام الشــاطبي‪ ،‬فرحمه هللا رحمة واســعة على ما أســدى للفقه‬
‫المالكي من خدمة جليلة‪.‬‬
‫(?) مقدمة المصباح المنير‪ ،‬الفيومي‪ ،‬ص ‪.5‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 415‬ـ‬
‫ولكنه اصطالح مغربي (مغازي)‪ ،‬عندما شرح لفظة النوازل من حيث اللغة‪،‬‬
‫فإنه لم يتعرض للمعنى االصطالحي‪.‬‬
‫األمر الذي يرجح أن هذا االصطالح مغاربي‪،‬ـ وهللا أعلم‪ ،‬وأنه‬
‫مرادف‪ ،‬للمصطلحات األخرى‪ ،‬كاألجوبة‪ ،‬والفتاوى‪ ،‬ومسائل‬
‫األحكام‪....،‬إلخ‪.‬ـ‬
‫فالنوازل ـ أو الفتاوى ـ هي الجانب العملي التطبيقي للفقه النظري وهو‬
‫يواجه المشكالت الحياتية التي ال تنتهي‪ ،‬ونحن في مقالنا هذا نسقط البحث على‬
‫نازلة واحدة من تلك النوازل العديدة التي أفرزها الوجود االستعماري‪ ،‬ونرى‬
‫كيف واجه فقهاء تلك الفترة هذه النازلة‪ ،‬وكيف تعاملوا معها‪ ،‬وهذه النازلة هي‪:‬‬
‫حكم اإلقامة في بلد تغلب عليه الكفار (االستعمار)‬
‫إن من أوائل النوازل التي واجهت المسلم الجزائري بعد احتالل فرنسا‬
‫االستعمارية لحاضرة الجزائر وأحوازها‪ ،‬هو حكم البقاء ومشروعية اإلقامة‬
‫في هذه المناطق المحتلة‪ ،‬الواقعة تحت ذمة الملة الكافرة‪ ،‬وقد اختلف النظر‬
‫الفقهي في تكييف هذه المسألة‪ ،‬وتنزيل األحكام الفقهية النظريةـ على هذه‬
‫الواقعة بالذات‪،‬ـ وكان األمير عبد القادر فارس السيف والقلم من الذين تصدوا‬
‫لهذه المشكلة‪ ،‬فكتب رسالة في الموضوع يظهر أنها كانتـ إجابة على سؤال‬
‫ُملِحِّ ورد إليه‪ ،‬إذ في مقدمتها‪:‬ـ ((وبعد ـ يا أخي ـ فإني رأيتك متعطشا لسماع‬
‫كالم سادتنا في هؤالء الذين ركنوا إلى الكافر‪ ،‬ودخلوا تحت ذمته‪ :‬شعوبا‬
‫وقبائل‪ ،‬أصاغر وأكابر‪ ،‬فأحببت لذلك أن أذكر لك بعض ما هنالك))(‪.)1‬‬
‫كما جاء في خاتمة الرسالة‪(( :‬تم ـ بحمد هللا وحسن عونه ـ ما قصدناه‬
‫جوابا لسؤال بعض المحبين‪،‬ـ وقطعا لشبه المرتدين‪ ،‬ونحن مرابطون وال‬
‫كتاب معنا إذ ذاك وفي حجة الحرام خاتم ثمانية وخمسين ومائتين وألف‪ ،‬من‬
‫هجرة حائز كمال الفخر والشرف‪ × ،‬وآله وصحبه وسلم تسليماـ))(‪.)2‬‬
‫وواضح أن األمير عبد القادر كان ينادي بوجوب الهجرة على األعيان‪،‬‬
‫وأن كل من تقاعس عن الهجرة من هذه المناطق الواقعة تحت االحتالل فهو‬
‫مرتد عن الدين عياذا باهلل‪ ،‬مؤثر للدنيا عن الدين‪ ،‬مخالف لتوجيهات اإلسالم‬
‫وأحكام الشريعة القاضيتين بوجوب الهجرة من دار الكفر (الحرب) إلى دار‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫وقد صرح األمير بأن هدفه من كتابةـ هذه الرسالة هو بيانـ حكم الشرع‬
‫في هذه المسألة أو النازلة‪ ،‬وإقامة الحجة على المخالف وإال فهو يائس من‬
‫التحاق هؤالء بدار اإلسالم التي كانت تحت حوزته في الغرب الجزائري‪.‬‬

‫(?) حكم الهجرة من خالل ثالث رسائل جزائرية‪ ،‬ص ‪.45‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) المصدر نفسه ص ‪.66‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 416‬ـ‬
‫كما أبان األمير عبد القادر ~ عن عقلية فقهية تشريعيةـ مكينة‪ ،‬ومنهج‬
‫علمي رائد‪ ،‬من خالل النقول‪ ،‬والردود والمناقشات‪،‬ـ والتنزيالت‪،‬ـ خصوصا‬
‫وقد صرح بأنهـ كتب هذه الرسالة وهو مرابط في الثغور‪ ،‬ليس بين يديه أي‬
‫مرجع أو كتابـ علمي(‪.)1‬‬
‫والخالصة أن األمير عبد القادر قد ركز في رسالته على حكم الهجرة‬
‫وأنها الوجوب‪ ،‬أما الدار فهي عنده تحصيل حاصل فهي دار الكفر بمجرد‬
‫استيالء الكفار عليها‪،‬ـ وقد أيد األمير في فتواه هذه بعض فقهاء العصر كقدور‬
‫بن رويلة‪ ،‬كاتب األمير عبد القادر‪ ،‬الذي خص الموضوع برسالة وجهها‬
‫لفقهاء الجزائر العاصمة‪.‬‬
‫وثانيهما الشيخ علي بن الحفاف‪ ،‬ثم تراجع عن فتواه هذه‪ ،‬وعاد إلى‬
‫اإلقامة في العاصمة وتولى منصب اإلفتاء فيها‪ ،‬ولكن هذا االجتهاد الفقهي قد‬
‫وجد من الفقهاء من يخالفه‪ ،‬وينظر إلى المسألة من زاوية أخرى‪ ،‬وبالتاليـ‬
‫يختلف مع الرأي األول في تنزيلـ هذه األحكام الشرعية على هذه النازلة‪،‬‬
‫وفي مقدمة هؤالء مفتي الجزائر محمد بن الشاهد‪ ،‬الذي كتب هو اآلخر‬
‫رسالة فند بها رسالة األمير وما جاء فيها‪ ،‬وأوضح بأن رميه لهم بالكفر‬
‫والخروج عن الملة‪ ،‬هو كالم كبير‪ ،‬وحكم خطير‪ ،‬يتضمن مخالفات شرعية‬
‫جمة‪ ،‬ويستلزم مراجعات عميقة حتى يتوضّح هذا األمر الشائك‪.‬‬
‫وقد بني ابن الشاهد رأيه على أن الدار مازالت دار إسالم لم تتحول‬
‫إلى دار كفر‪ ،‬لبقاء الشعائر فيها‪ ،‬وحتى ولو فرضنا أنها أصبحت دار كفر‬
‫فإن ترك الهجرة إنما يكون معصية كبيرة‪ ،‬وحرما خطيرا ولكنه ليس كفرا‬
‫وردة‪ ،‬وذلك على القادر على الهجرة‪ ،‬أما العاجز فال‪.‬‬
‫ولم يكتفـ ابن الشاهد بالمناقشة النظرية لألدلة للمسألة‪ ،‬وإنما راح‬
‫يلتمس من واقع المسلمين في العصر الحديث ما يؤيد رأيه في الموضوع‪،‬‬
‫وهو أن علماء األزهر الشريف لم يتركوا بالدهم عندما دخلها نابليون غازيا‪،‬‬
‫ومحتال‪.‬‬
‫وأخيرا خص العلماء برؤية خاصة فقال‪(( :‬وأيضا فإن العلماء‬
‫كاألطباء‪ ،‬ألديان العوام‪ ،‬فلو فرضنا أنهم هاجروا وانتقلوا‪ ،‬لم يجد العوام من‬
‫يطب أديانهم‪،‬ـ فربما يقعون في الكفر فلذلك تركوا الهجرة))(‪.)2‬‬
‫ومنشأ الخالف في هذه المسألة الشائكة والخطيرة هو ما هو المعيار‬
‫الذي بموجبه تتحول الدار من دار إسالم إلى دار الكفر؟‬

‫(?)حكم الهجرة من خالل ثالث رسائل جزائرية‪ ،‬ص ‪.66‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?)حكم الهجرة من خالل ثالث رسائل جزائرية‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 417‬ـ‬
‫لقد اختلفت آراء المذاهب وأئمة االجتهاد في هذه المسألة‪ ،‬فذهب اإلمام‬
‫السرخسي‪ ،‬الفقيه الحنفي إلى أن‪(( :‬دار اإلسالم اسم الموضع الذي يكون‬
‫تحت يد المسلمين وعالمة ذلك أن يأمن فيه المسلمون))(‪.)1‬‬
‫وعرفها الشيخ عبد الوهاب خالف‪ ،‬وهو من الفقهاء المعاصرين‬
‫المعدودين‪ ،‬بقوله‪(( :‬إنها الدار التي تجري عليها أحكام اإلسالم ويأمن من فيها‬
‫بأمان المسلمين سواء أكانوا مسلمين أو ذميين))(‪.)2‬‬
‫فضابط الحكم على الدار بأنهاـ دار إسالم من خالل هذين التعريفين هو‬
‫أن تكون تحت سلطة المسلمين‪،‬ـ ومحكومة بهم‪ ،‬وتظهر فيها شعائر اإلسالم‬
‫بقوة المسلمين ومنعتهم‪ ،‬ويحكم فيها بأحكام اإلسالم‪ ،‬وليس من شروطها أن‬
‫يكون ك ّل سكانها مسلمين‪ ،‬ولكن قد يكون من سكانها غير المسلمين وهم‬
‫الذميون‪.‬‬
‫أما دار الحرب فهي الدار التي ال تجري فيها أحكام اإلسالم‪ ،‬وال يأمن‬
‫من فيها بأمان المسلمين‪ ،‬وهو التعريف الذي عرف به الشيخ عبد الوهاب‬
‫خالف دار الحرب لما قال‪(( :‬هي الدار التي تجري فيها أحكام اإلسالم وال‬
‫يأمن من فيها بأمانـ المسلمين))(‪.)3‬‬
‫وقد عرفها غيره من الفقهاء المعاصرين بالقول‪(( :‬هي الدار التي ال‬
‫سلطان لإلسالم عليها وال نفوذ ألحكامه فيها بقوة اإلسالم ومنعته))(‪.)4‬‬
‫وضابط الحكم على الدار بالكفر من خالل هذين التعريفين‪ ،‬هو أال‬
‫تكون تحت سلطة المسلمين‪،‬ـ أال تجري فيها أحكام اإلسالم‪ ،‬وال تظهر‬
‫شعائره‪ ،‬وال يأمن فيها المسلمين وال الذميون بأمانـ اإلسالم األول‪.‬‬
‫وبعد معرفتنا لدار اإلسالم ولدار الحرب‪ ،‬بقي أن نعرف متى تصير‬
‫دار اإلسالم دار حرب‪ ،‬هل بمجرد زوال السلطة اإلسالمية عنها وإظهار‬
‫أحكام غير اإلسالم فيها تصبح كذلك أم البد من توفر شروط أخرى؟‬
‫لقد ذهب جمهور الفقهاء والصاحبان إلى أن الدار تصير دار حرب‬
‫بمجرد أن تزول السلطة اإلسالمية عنها‪،‬ـ فما لم يكن الحاكم مسلما واألحكام‬
‫المطبقة هي الشرائع اإلسالمية كانتـ البالد دار الكفر‪.‬‬
‫وأما اإلمام األعظم أبو حنيفة النعمان فقد رأى بأن الدار ال تصير دار‬
‫حرب إال بشروط ثالثة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫(?) شرح السير الكبير‪ ،‬السرخسي (‪.)3/81‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) السياسة الشرعية‪ ،‬عبد الوهاب خالف ص ‪.69‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)السياسة الشرعية‪ ،‬عبد الوهاب خالف ص ‪.69‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أألحكام الذميين والمستأمنين في دار اإلسالم‪ ،‬د عبد الكريم زيدان‪ ،‬ص ‪.21‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 418‬ـ‬
‫ـ ظهور أحكام الكفر ونفاذه فيها‪( :‬أي أن السلطة تكون فيها غير‬
‫إسالمية وال تنفذ أحكام اإلسالم)‪.‬‬
‫ـ أن تكون متاخمة لدار الكفر والحرب‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ـ أال يبقىـ فيها مسلم وال ذمي آمنا باألمان األول ‪.‬‬
‫و لما كان األمن متوفرا اليوم في أغلب بالد العالم‪ ،‬ووسائل النقل‬
‫الحديثة قد قربت البعيد م ّما لم يعد معه أثر لشرط متاخمة الدار لدار الكفر‪،‬‬
‫فإن الدكتور وهبة الزحيلي لم يجد بدا من ترجيح رأي جمهور الفقهاء‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫((فالمعول عليه في تحديد المقصود بدار الحرب‪ :‬هو سيادة األحكام ونوع‬
‫السلطة‪ ،‬فيتغير بذلك وصف الدار ويكون رأي جمهور الفقهاء في تعريف دار‬
‫الحرب هو األرجح‪ ،‬فإذا انقطعت شعائر اإلسالم أو غالبها في بلد‪ ،‬وزال‬
‫سلطان المسلمين عليها أصبحت الدار دار حرب‪ ،‬وإذا أقيمت الشعائر‬
‫اإلسالمية أو غالبها كانت البالد دار إسالم‪ ،‬حتى ولو تغلب عليها حاكم كافر))‬

‫(‪.)2‬‬
‫ولكن باإلضافة إلى عنصر النظام والتشريع في الحكم على الدار بأنهاـ‬
‫دار إسالم أو دار حرب‪ ،‬فال بد من مراعاة عامل آخر وهو البعد التاريخي‬
‫والجغرافي والسكاني‪،‬ـ وتتجلى أهميةـ هذا البعد عندما تستولي دولة كافرة‬
‫على جزء من دار اإلسالم‪ ،‬فهل تتحول تلك البلدة إلى دار الكفر‪ ،‬حتى ولو‬
‫كان سكانها من المسلمين المقيمينـ للشعائر اإلسالمية؟‬
‫لقد تعرض أحد فقهاء الحنفية الكبار‪ ،‬في القرن السابع الهجري‪ ،‬وهو‬
‫اإلمام محمد بن أحمد األهبيجانيـ(‪ )3‬إلى هذا الموضوع‪ ،‬حينما استولى التتار‬
‫على بعض أجزاء البالد اإلسالمية ورأى بأن تلك البالد المحتلة من التتار ال‬
‫تزال من جملة بالد اإلسالم لعدم اتصالها بدار الحرب وألن الكفرة لم‬
‫يظهروا فيها أحكام الكفر فقد بقي القضاة من المسلمين‪ ،‬ثم قال‪(( :‬وقد تقرر أن‬
‫بقاء شيء من العلة يبقي الحكم‪ ،‬وقد حكمنا بال خالف بأن هذه الديار قبل‬
‫استيالء التتارعليها كانت من ديار اإلسالم‪ ،‬وأنه بعد االستيالء عليها‪،‬ـ بقيتـ‬
‫(‪)4‬‬
‫شعائر اإلسالم كاألذان والجمع والجماعات‪،‬ـ وغيرها فتبقى دار اإلسالم)) ‪.‬‬
‫ومن خالل هذه الفتوى من هذا اإلمام نرى بأن الدار ال تتحول إلى دار‬
‫حرب أو كفر بمجرد استيالء دولة كافرة عليها ما دامت تقام فيها الشعائر‬
‫(?) بــدائع الصــنائع في تــرتيب الشــرائع‪ ،‬الكاســاني (‪ ،)7/130‬وانظر كــذلك‪ :‬العالقــات‬ ‫‪1‬‬

‫الدولية في اإلسالم مقارنة مع القانون الدولي الحديث للدكتور وهبة الوحيلي‪ ،‬ص ‪.105‬‬
‫(?) العالقات الدولية في اإلسالم ص ‪.106‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) هو اإلمــــام بهــــاء الــــدين محمد بن أحمــــد‪ ،‬من أئمة الحنفية في القــــرن الســــابع‬ ‫‪3‬‬

‫الهجري‪.‬انظر الفوائد البهية في تراجم الحنفية ص ‪.42‬‬


‫(?) أحكام الذميين والمستأمنين في دار اإلسالم‪ ،‬الدكتور عبد الكريم زيدان‪ ،‬ص ‪.21‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 419‬ـ‬
‫اإلسالمية كاألذان والجماعات والجمع‪ ،‬وكذلك بعض الشرائع اإلسالمية‬
‫كاألحوال الشخصية‪...‬الخ‪.‬ـ‬
‫وبما أن األوصاف أو الشروط كثيرة ومتفاوتة‪ ،‬فإن بعض الفقهاء‬
‫المعاصرين قد تكلموا عن أقسام لدار اإلسالم وأوصلوها إلى خمسة أقسام‬
‫هي(‪:)1‬‬
‫‪ 1‬ـ دار العدل‪ :‬وهي الدار التي تقيم اإلسالم وتحمي السنة وعلى رأسها‬
‫الخليفة الشرعي للمسلمين‬
‫‪ 2‬ـ دار البغي‪ :‬وهي التي سيطر عليها الخارجون على اإلمام الحق‬
‫ولو حكموا باإلسالم‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ دار البدعة‪ :‬وهي التي سيطر عليها المبتدعون وأظهروا فيها‬
‫بدعتهم‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ دار الردة‪ :‬وهي التي ارتد أهلها أو سيطر المرتدون عليها أو كان‬
‫أهلها كافرين خضعوا لحكم المسلمين ثم نقضوا العهد وسيطروا عليها‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ الدار المسلوبة‪ :‬وهي الدار التي استولى عليها كافرون من خارج‬
‫أرض اإلسالم وكانت في األصل دار إسالم‪.‬‬
‫وهذه األقسام الخمسة كلها داخلة في دار اإلسالم اصطالحا‪ ،‬وعليه‬
‫فالبالد اإلسالمية التي تقع فريسة الحتالل أجنبي‪،‬ـ ال تخرج عن كونها دار‬
‫اإلسالم أو جزءا من دار اإلسالم‪ ،‬إذا بقي فيها شيء من شعائر اإلسالم‬
‫وشرائعه‪،‬ـ ذلك أن دار اإلسالم ليست في مستوى واحد من حيث االلتزام‬
‫اإلجمالي بالشريعة وال شك أن دار العدل هي الصورة المثلى لدار اإلسالم‪،‬‬
‫ألنها الدار التي تقيم اإلسالم بكل شرائعه وشعائره ويرعى ذلك كله إمام‬
‫شرعي يحرص على تطبيقـ اإلسالم وسياسةـ كل أمور الدنيا به‪ ،‬وإلى جانب‬
‫دار العدل هناك صور أخرى ال ترقى إلى هذا المستوى ولكنها ال تخرج عن‬
‫دائرة وضعها بدار اإلسالم إلى دار الحرب‪.‬‬
‫وبعد هذا التحليل الفقهي لمعيار التمييزـ بين دار الحرب ودار اإلسالم‪،‬‬
‫وإمكانية أن تتحول دار اإلسالم إلى دار حرب‪ ،‬وحكم الهجرة منها في هذه‬
‫الحالة‪.‬‬
‫وبالعودة إلى الرسالتين أو باألحرى الفتويينـ في هذه النازلة‪ ،‬ال نسجل‬
‫أي اختالف في األحكام النظرية‪ ،‬تحقيق المناط‪،‬ـ فالكل متفق على التمييز بين‬
‫دار اإلسالم‪ ،‬ودار الحرب‪ ،‬وعلى إمكانيةـ أن تتحول دار اإلسالم‪ ،‬إلى دار‬
‫الحرب‪ ،‬أو دار كفر‪ ،‬وعلى وجوب الهجرة من دار الحرب أو الكفر‪ ،‬إذا‬

‫(?) اإلسالم‪ ،‬للشيخ سعيد حوّى‪ ،‬ص ‪ .400‬وانظر كذلك‪ :‬مجموع فتــاوى ابن تيمية (‪28/‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.)18/281( ،)240‬‬
‫ــ ‪ 420‬ـ‬
‫أكرهوا على ترك ممارسة شعائرهم الدينية‪ ،‬أو منعت تلك الشعائر في بالدهم‬
‫وهكذا‪...‬مع القدرة على الهجرة‪...‬الخ‪.‬‬
‫ولكن االختالف ناشئ ـ في نظري ـ في تنقيح المناط بمعنىـ أن األمير‬
‫عبد القادر كان يقدر بأن الجزائر العاصمة وأحوا زها الواقعة تحت االحتالل‬
‫أصبحت فعال دار كفر نظرا للممارسات االستعمارية فيها والمتمثلة في هدم‬
‫المساجد‪ ،‬وتحويلها إلى كنائس واالستيالء على نظام األوقاف‪ ،‬والتضييقـ‬
‫على الشعائر الدينية‪،‬ـ ومحاصرة الشرائع والقوانين اإلسالمية وعيرها من‬
‫التصرفات التي تجعل دين المسلمين الذين آثروا البقاء تحت سلطات‬
‫االحتالل في خطر عظيم‪ ،‬وعقيدتهم مهددة باالضمحالل‪ ،‬وأن مصيرهم‬
‫سيكون كمصير مسلمي األندلس الذين فقدوا دينهم وعقيدتهم وأصبحوا‬
‫نصارى كلهم‪ ،‬بسبب ما مورس ضدهم من تقتيلـ وتشريد‪ ،‬وحمالت إبادة‪،‬‬
‫وقمع وتنصير منهج‪......‬إلخ‪.‬‬
‫أما العلماء اآلخرون الذين خالفوا األمير في فقه التنزيلـ هذا‪ ،‬فرأوا بأن‬
‫األعمال الشنيعةـ التي باشرها االستعمار‪ ،‬رغم فظاعتهاـ وشناعتهاـ إال أن‬
‫األمر لم يصل إلى حد تحول الدار إلى دار كفر‪ ،‬تصبح الهجرة منها واجبة‬
‫وجوبا عينيا‪ ،‬بدليل بقاء كثير من الشعائر التعبدية التي يمكن القيام بها دونما‬
‫منع من االستعمار‪ ،‬ثم إن محاولة التنصير لم تكن بتلك الشراسة التي‬
‫مورست ضد مسلمي األندلس‪ ،‬بل وجد تيار من المفكرين األحرار من‬
‫الفرنسيين من وقف ضد تنصير الجزائريين‪ ،‬وشيئاـ فشيئا بدأ أمل الفقه‬
‫والفتوى‪ ،‬والدراية واالجتهاد‪ ،‬يميلون ويرجحون الرأي الفقهي القائل بوجوب‬
‫البقاء في دار اإلسالم المحتلة أو المسلوبة‪ ،‬واالستماتة في الثباتـ والدفاع عن‬
‫الدين وتعاليمه‪،‬ـ خصوصا العلماء‪.‬‬
‫يقول الشيخ محمد بيرم التونسي‪(( :‬ومن األخيار الذين اجتمعت بهم‬
‫ومنحوني فضائل أخالقهم التحرير لعالم الشيخ علي بن الجفاف‪ ،‬المفتي‬
‫المالكي بقاعدة الجزائر‪ ،‬وهو من تالمذة عالمة القطر اإلفريقي الشيخ‬
‫إبراهيم الرياحي‪ ،‬كما أخبرني بذلك عن نفسه‪ ،‬وله فضائل كاملة وتقوى‬
‫وسكينة‪ ،‬واطالع‪ ،‬والسعة في الفقه والحديث‪ ،‬وذاكرني في الهجرة‪ ،‬فذكرته‬
‫بأن مثله قليل الوجود في ذلك القطر‪ ،‬وأن بقاءه فيه لتعليم الناس دينهم أنفع‬
‫للعامة من مثله‪،‬ـ بل ربما حمل خروج غيره‪ ،‬ثمن على شاكلته على الخروج‬
‫فتبقى العامة بال تعلم لديانتهم‪،‬ـ وتضمحل منهم الديانةـ شيئا فشيئا‪ ،‬والعياذ‬
‫باهلل‪ ،‬بخالف ما إذا بقي ـ هو ـ و أمثالهـ فإنه ينتشر تعاليمـ العقائد والفقه‪ ،‬وتبقى‬
‫الديانة ـ إن شاء هللا ـ محضوضة في األهالي‪.‬وذلك هو المنصوص عليه في‬

‫ــ ‪ 421‬ـ‬
‫))‬ ‫كتب فقهنا‪ ،‬حتى أن األسارى إذا لم يمكن فداؤهم جملة فيؤخر منهم العلماء‬
‫(‪.)1‬‬
‫ويحدثنا الشيخ عبد الحميد بن باديس ~ أنه لما هاجر إلى الحجاز عام‬
‫‪1913‬م‪ ،‬ألداء فريضة الحج‪ ،‬كيف كانت هذه الفكرة‪ ،‬مح ّل نقاش‪ ،‬ومثار جدل‬
‫بين عالمينـ جليلين‪ ،‬أحدهما من المغرب اإلسالمي‪ ،‬من الجزائر بالذات‪،‬ـ‬
‫واآلخر من أقصى الشرق اإلسالمي‪ ،‬من الهند‪ ،‬فقال‪(( :‬وأذكر أني لما زرت‬
‫المدينة المنورة‪ ،‬واتصلت فيها بشيخي األستاذ حمدان لونيسي‪ ،‬المهاجر‬
‫ي األول بالهجرة إلى‬‫الجزائري‪ ،‬وشيخي حسين أحمد الهندي‪ ،‬أشار عل َّ‬
‫المدينة المنورة‪ ،‬وقطع كل عالقة لي بالوطن‪ ،‬وأشار على الثانيـ وكان عالما‬
‫حكيما بالعودة إلى الوطن وخدمة اإلسالم والغزيمة بقدر الجهد‪ ،‬فحقق هللا‬
‫رأي الشيخ الثاني‪ ،‬ورجعنا إلى الوطن بقصد خدمته))(‪.)2‬‬
‫وبعد عودة الشيخ عبد الحميد بن باديس ~ وانخراطه في مشروعه‬
‫اإلصالحي الكبير‪ ،‬القائم على المحافظة على الهوية الجزائرية‪،‬ـ التي‬
‫استهدفها االستعمار ورسم الخطط لتجسيدها حتى تؤتى أكلها‪ ،‬فازداد الشيخ‬
‫قناعة بوجوب البقاء في دار اإلسالم المسلوبة‪ ،‬والعمل حثيثا على تثقيف‬
‫الناس وتوعيتهم دينيا‪ ،‬وحملهم على االلتزام بالدين وبما يمليه عليهم من أخالق‬
‫وتوجيهات‪ ،‬وبما يلزمهم به من أحكام وإرشادات‪ ،‬ووصل به األمرمن شدة ما‬
‫أدرك من هول المخططات اإلستعماريةو التهديدات الحقيقية التي تستهدف دين‬
‫األمة وعقيدتها‪ ،‬أنه كان يفتي بأن ترك أهل العلم البلد فريسة لالستعمار‬
‫ومخططاته هو لون من التولي يوم الزحف الذي يعتبره الدين من أكبر الكبائر‪.‬‬
‫وقد حدث الشيخ محمد البشير اإلبراهيمي أنه في فترة من فترات‬
‫المواجهة مع االستعمار‪ ،‬واالشتباك مع أذنابه‪ ،‬استولت عليه مشاعر اليأس‪،‬‬
‫وسيطرت عليه فكرة الهجرة نحو المشرق العربي‪ ،‬فما اقتلع هذه الفكرة من‬
‫رأسه‪ ،‬وإلى صوت األستاذ اإلمام الرئيس مجلجال برأية في هجرة أمثاله‪،‬ـ‬
‫وترك عموم األمة فريسة لالستعمار يعبثـ بدينها‪ ،‬وينفذ إلى عقيدتها‪،‬ـ وأنه‬
‫تول يوم الزحف فقال‪(( :‬وال أذكر أن كلمة ثنت عزيمتي عن شيء هممت به‬
‫إال كلمة الفضيل هذه‪ ،‬وكلمة قبلها ألخيناـ األستاذ اإلمام عبد الحميد بن باديس‬
‫~‪ ،‬فقد وقعت مرة في هم بَ َر َح بي‪ ،‬فص ّممت على الخروج من الجزائر‪،‬‬
‫وزارني بمدينة تلمسان وأنا مصمم فكشفت له عن ذات صدري‪ ،‬فارتاع‬
‫ورأى أن إقناعي بالكالم المعتاد ال يثنيـ عزمي فسكت قليال وقال‪ :‬إن‬
‫(?) صــفوة االعتبــار بمســتودع األقطــار‪ ،‬بــيروم محمــد‪ ،‬تــونس‪ ،‬المطبعة اإلعالمية‬ ‫‪1‬‬

‫‪1303‬هـ‪ ،)4/16( ،‬نقال عن حكم الهجرة ص ‪.13‬‬


‫(?) آثار اإلمام ابن باديس (‪.)5/360‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 422‬ـ‬
‫خروجك يا فالن أو خروجي يكتبه هللا فرارا من الزحف‪ ،‬فو الذي وهب له‬
‫العلم والبيان‪،‬ـ لقد كانت كلمة تلك شؤبوبا من الماء صب على لهب))(‪.)1‬‬
‫وعمال بهذا الرأي الفقهي‪ ،‬فإن العربي التبسي‪ ~ ،‬لم يرتض لنفسه‬
‫الخروج من الجزائر‪ ،‬حيث اشتد أوار الثورة التحريرية المباركة‪ ،‬وحمي‬
‫وطيسها‪ ،‬وكانت وجهة نظره أن الخروج من الجزائر في هذه الظروف‬
‫الحالكة هو نوع من الفرار عن مواجهة العدو‪ ،‬وتول من الزحف الذي توعد‬
‫هللا تعالى فاعليه بأقسى العقوبات‪ ،‬ولذا لما نصحه عديد من أصحابه‪،‬ـ وكثير‬
‫من محبّيه‪ ،‬بالخروج أجابهم بالقول‪...(( :‬هناـ يموت قاسي‪ ،‬لئن أقطع إربا إربا‬
‫في ساحة الجهاد خير لي من الموت على سرير من ذهب في أرض الفرار‬
‫لو فررنا نحن العلماء من ساحة المعركة من سيبقى فيها‪...‬؟ ماذا نقول هلل‬
‫ورسوله ولصحابته يوم نلقاهم عن فرارنا من مالقاة العدو؟ أين نرفع‬
‫رؤوسنا أمام العالم إذا فر علماؤنا؟ ماذا تقول الالحقة عنا‪ :‬الفرارون يوم‬
‫الزحف))(‪.)2‬‬
‫ويحدث األستاذ أحمد بن ذياب ~ في المقالة التي كتبها عن الشيخ‬
‫العربي التبسي وإسهاماتها في بث الوعي الديني والوطني‪ ،‬ودوره في‬
‫الحركة العلمية‪ ،‬وتوقف مع قناعتهـ القوية‪ ،‬وموقفه الصلب من هذه القضية‪،‬‬
‫ومستنداته الفقهية فيها فقال‪(( :‬انقلوا عني وبلغوا كل من لقيتم بمن تعرفون‪،‬‬
‫أن كل هجرة من الوطن إلى خارجها تعتبر مروقا من الدين‪ ،‬وخيانةـ للوطن‪،‬‬
‫ما لم تكن في مهمة كلفت بها جبهة التحرير‪ ،‬وكل من خالف يعتبر من‬
‫مشموالت اآلية الكريمة التي جاء فيها‪ :‬ﮋﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ‬
‫ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶﯷ ﯸ ﯹﯺﮊ(‪.)4()))3‬‬
‫وبعد‪ ،‬فهذا نموذج لنازلة وقعت بسببـ الوجود االستعماري وماذا أثار‬
‫من نقاش علمي فقهي‪ ،‬والحقيقة أن تتبع النوازل‪ ،‬ودراستها دراسة مستوعبةـ‬
‫شاملة‪ ،‬يمد الدارس بمعلومات تاريخية وتشريعية وسياسيةـ واجتماعيةـ قيمة‪،‬‬
‫وهذا ما تفطن له المؤرخ والفيلسوف والمستشرق جاك بيرك‪ ،‬إني ألدعو هللا‬
‫العلي القدير أن يوفقني ـ مستقبال ـ إلستقصاءالنوازل المرتبطة بالوجود‬
‫االستعماري في الجزائر‪ ،‬ودراستها دراسة علمية مستفيضة تكون إضافة‬
‫علمية في هذا المجال وتسد ثغرة‪ ،‬نحن في مسيس الحاجة إلى من يسدها‪.‬‬

‫(?) آثار اإلمام اإلبراهيمي (‪.)4/337‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) أحمد عيساوي‪ ،‬العربي التبسي مصلحا‪ ،‬دكتوراه دولة مرقون’ن (‪.)1/133‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) سورة األنفال‪.16/‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) أحمد بن ذياب‪ ،‬العربي التبسي والنهضة العلمية بالجزائر‪ ،‬مجلة األصالة‪ ،‬السـنة ‪،2‬‬ ‫‪4‬‬

‫عدد‪ ،8‬ربيع الثاني ـ جمادى األولى‪1392 ،‬هـ‪ ،‬جوان ‪ ،1972‬ص ‪.271‬‬


‫ــ ‪ 423‬ـ‬
‫ــ ‪ 424‬ـ‬
‫قاعدة الجوابر الفقهية في النوازل المغربية‬
‫‪ ‬د‪ /‬محمد حموش‬
‫كلية العلوم اإلسالمية‪ ،‬جامعة الجزائر‬
‫إن هللا تعالى شرع لعباده الطاعات‪ ،‬وأباح لهم الطيباتـ وأحل لهم‬
‫مختلف المعامالتـ ونهاهم عن المحرمات تحقيقا للمصالح ودفعا للمفاسد‪،‬‬
‫فكل حكم من أحكام الشريعة منوط بتحقيق مصلحة أو دفع مفسدة‪ ،‬قال اإلمام‬
‫العز بن عبد السالم في وصف أحكام الشريعة‪(( :‬الشريعة كلها نصائح إما‬
‫بدرء مفاسد أو بجلب مصالح))(‪ ،)1‬وقال في بيان غرض تأليفه لكتاب قواعد‬
‫األحكام‪(( :‬الغرض بوضع هذا الكتاب بيان مصالح الطاعات والمعامالت‬
‫وسائر التصرفات‪ ،‬ليسعى العباد لكسبها‪ ،‬وبيان مقاصد المخالفات ليسعى العباد‬
‫في درئها‪ ،‬وبيان مصالح المباحات ليكون العباد على خيرة منها‪.)2())..‬‬
‫فالشريعة مبناهاـ على رعاية المصالح التي تُعد القاعدة الكبرى التي‬
‫بني عليها التشريع والمقصد األم لجميع األحكام والتكاليفـ الشرعية‪ ،‬والتي‬
‫يراد منها في العموم الحفاظ على مقاصد الشرع الكبرى‪ .‬فكل ما يتضمن‬
‫حفظ هذه المقاصد فهو مصلحة يجب حفظها واعتبارها‪،‬ـ وكل ما يُف ّوت جزءا‬
‫منها فهو مفسدة يجب دفعها وعدم اعتبارها‪ .‬ألجل هذا اهتم التشريع بالحفاظ‬
‫وسن أحكاما الستدراك ما فات منها لضمان عدم‬ ‫ّ‬ ‫على استمرارية المصالح‪،‬‬
‫اختالل األحكام وتعذر إقامة التكاليفـ الشرعية‪.‬‬
‫ومن هنا جاءت قاعدة الجوابر أو قاعدة استدراك المصالح القائمة على‬
‫إصالح جوانب النقص الواقعة في التكاليف الشرعية الواجب فعلها أو تركها‪،‬‬
‫لما يترتب على بقاء النقص فيها من الخلل وفوات المصالح العامة أو الخاصة‬
‫المنوطة بها‪ ،‬وضياع الحقوق المرتبطة بها والتي أقرّتها الشريعة وجودا‬
‫وعدما‪ ،‬مما يتنافى مع مقاصد هذه الشريعة القائمة على جلب المصالح ودرء‬
‫المفاسد‪.‬‬
‫كما ينظم إلى ما سبق ِحك ٌم أخرى في مشروعيةـ الجبران من رفع‬
‫المشقة والتيسيرـ على الناس والتخفيفـ ومنع الضرر وإزالته عند الوقوع‪،‬‬
‫إلى غير ذلك من األصول والمعاني الشرعية التي ترتبط في تشريعهاـ بقاعدة‬
‫الجوابر‪ّ ،‬مما يُظهر الترابط والتكامل الموجود بين أصول هذه الشريعة‬
‫وقواعدها العامة‪،‬ـ حيث يُك ّم ُل بعضها بعضا ويخدم بعضها بعضا والتي في‬
‫مجملها تندرج تحت قاعدة المصالح الكبرى أو أصل مراعاة المصالح‪.‬‬
‫فكانت قاعدة الجوابر من قواعد الفقه الكبرى التي يقوم عليها التشريع‬
‫اإلسالمي في باب المصالح لما حوته من قواعد عامة كلية وضوابط خاصة‬
‫(?) قواعد األحكام (‪)1/14‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) المصدر السابق‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 425‬ـ‬
‫ترجع إليها أحكام الشريعة وتنضبط بها الجزئياتـ المتناثرةـ عباداتـ كانتـ أو‬
‫معامالت أو جنايات كما تُرد إليها الحوادث والنوازل التي لم يرد فيها حكم‬
‫من الشارع الحتياج الناس إلى أحكامها ضرورة الستمرار الحياة وعدم‬
‫اضطرابها ورفعا للمشقة والحرج الواقعين بدونها‪.‬‬
‫قال القرافي في بيانـ الفرق بين قاعدة الجوابر والزواجر‪(( :‬وهاتان‬
‫قاعدتان عظيمتان وتحريرهما أن الزواجر تعتمد المفاسد وأما الجوابر فهي‬
‫مشروعة الستدراك المصالح))(‪.)1‬‬
‫المطلب األول‪ :‬عالقة فقه النوازل بقاعدة الجوابر‬
‫تظهر العالقة بين فقه النوازل وقاعدة الجوابر في جانبين‪:‬ـ‬
‫الجانب األول‪ :‬طبيعة قاعدة الجوابر‬
‫تتميز قاعدة الجوابر في كونها تحافظ على استمرارية قيام المصالح وعدم‬
‫فوات جزء منها‪ ،‬فكل مصلحة فائتة وجب شرعا جبرها‪ ،‬ويعد هذا الجانب من‬
‫أهم قواعد االستصالح في الشريعة‪ ،‬بل هو الشريعة كلها‪ ،‬لما يترتب على فوات‬
‫المصالح من فوات الشريعة ألنها مبنية عليها أساسا كما تقرر سابقا‪.‬‬
‫وفقه النوازل هو في حقيقته جملة من المصالح المركبة سواء ما تعلق‬
‫بصاحب النازلة أو الناظر فيها أو ما ارتبطت به من أشخاص أو حقوق‪،‬‬
‫ومن هنا تظهر العالقة بين قاعدة الجوابر وفقه النوازل‪.‬‬
‫الجانب الثاني‪ :‬كون قاعدة الجوابر من قواعد الفقه اإلسالمي الكبرى‬
‫تنظم قاعدة الجوابر إلى قائمة القواعد الفقهية الكثيرة التي ع ّدها‬
‫القرافي أحد قسمي أصول الشريعة التي جاء بها محمد ×‪ ،‬حيث قال وهو‬
‫يشيد بأهمية القواعد الفقهية بقوله‪(( :‬فإن الشريعة المعظّمةـ المح ّمدية زاد هللا‬
‫تعالى منارها شرفا وعلوا اشتملت على أصول وفروع‪ ،‬وأصولها قسمان‬
‫أحدهما المسمى أصول الفقه والثاني قواعد فقهية جليلة كثيرة العدد‪.)2())..‬‬
‫كما أشاد غير واحد من علماء األمة بأهميّةـ القواعد الفقهية كمرجع لكل‬
‫عالم أو مجتهد في تقرير األحكام الشرعية‪ ،‬والحكم على النوازل المستجدة‬
‫وح َك ٍم متعددة‪ ،‬وبيان مآخذ الشريعة‬
‫والوقائع‪ ،‬نظرا لما تحتويه من أحكام ِ‬
‫ومقاصدها الجليلة‪ ..‬إلى غير ذلك مما يحتاجه المجتهد أو الناظر في أحكام‬
‫النوازل‪.‬‬
‫قال السيوطي‪(( :‬إن فن األشباه والنظائر فن عظيم به يطّلع على حقائق‬
‫الفقه ومداركه ومآخذه وأسراره ويتمهّد في فهمه واستحضاره ويقتدر على‬

‫(?) الذخيرة (‪)8/289‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الفروق (‪)1/4‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 426‬ـ‬
‫اإللحاق والتخريج ومعرفة أحكام المسائلـ التي ليست بمسطرة والحوادث‬
‫والوقائع التي ال تنقضي على مر الزمان))(‪.)1‬‬
‫وباإلضافة إلى اإلحاطة بقواعد الفقه‪ ،‬يضاف أمر آخر كشرط لسالمة‬
‫النظر وإمكانية الحكم على النوازل وهو حسن الربط بينها وبين الوقائع‪،‬‬
‫وهي مرحلة ال يصل إليها إال القليل من الناس م ّمن تدرّب على الفتيا‪.‬ـ‬
‫قال أبو عبد هللا بن عبد السالم‪(( :‬إنما الغرابة في استعمالـ كلياتـ علم‬
‫الفقه وانطباقها على جزئياتـ الوقائع بين الناس وهو عسير على كثير من‬
‫النّاس فتجد الرجل يحفظ كثيرا من الفقه ويفهمه ويعلمه غيره فإذا سئل عن‬
‫واقعة لبعض العوام من مسائلـ الصالة أو مسألة من األعيان ال يحسن‬
‫الجواب‪ ،‬بل وال يفهم مرا ُد السائل عنها إال بعد عسر))(‪.)2‬‬
‫ألجل هذا تقرر عند العلماء أن الرجوع إلى قواعد الفقه من السبل التي‬
‫تعين المجتهد على إدراك حكم النازلة وما يجب مراعاته من المعاني‬
‫والمقاصد الشرعية‪ .‬ذلك أن الرجوع إلى القواعد رجوع إلى رأس الفقه‬
‫ومقامه األعلى‪ ،‬كما أن االشتغال بها أولى من االشتغال بالفروع والجزئياتـ‬
‫التي ال تتناهىـ لسهولة تحصيلها ويسر حفظها بخالف الفروع والجزئيات‬
‫التي يتعذر اإلحاطة بها ويعسر حفظها لتناثرهاـ في مختلف أبواب الفقه‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس نلمس في منهج العلماء في فقه النوازل والحكم على‬
‫الوقائع والحوادث المستجدة اعتمادهم على القواعد الفقهية‪،‬ـ كبرى كانت أو‬
‫صغرى‪ ،‬فرعيةـ أو أصلية‪ ،‬وذلك في مختلف أبواب الفقه اإلسالمي الواسعة‪،‬‬
‫كما نلحظ فيه استدراك جملة من المصالح الفائتة‪.‬ـ‬
‫ومن نماذج هذا النوع من االستدالل على وجه من االختصار‪:‬‬
‫‪1‬ـ قاعدة األمور بمقاصدها‬
‫لم يخرج العلماء في الحكم على المسائلـ المطروحة عليهم عما تقرر‬
‫من أن المعتبر في الحكم على ما يصدره اإلنسان من عبارات وتصرفات‬
‫هو الرجوع إلى المقاصد والنيات غير أن هذا ال يعني بالضرورة إهمال‬
‫األلفاظ بالكلية فهي الوسيلة المعبرة عن المعاني‪ ،‬بل المراد من اعتبار‬
‫المقاصد إذا ظهرت فتكون مقيدة للفظ وقد تلغي األلفاظ التي لم يقصد المتكلم‬
‫معانيها‪،‬ـ ومن فتاوى العلماء في هذا الباب‪:‬‬

‫(?) األشباه والنظائر ص(‪)4‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) المعيار المعرب (‪)10/79‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 427‬ـ‬
‫ـ سئل بن أبي زيد عمن قال المرأته تركتك هلل قال‪ :‬إن نوى الطالق‬
‫لزمه ما نوى وإن لم ينو الطالق فال شيء عليه(‪.)3‬‬
‫ـ وسئل ابن هالل عمن اختلفت نيتهـ ونطقه عند اإلحرام بالصالة‬
‫فأجاب‪ :‬المعتبر ما نواه بقلبه دون ما لفظ به غلطا(‪.)2‬‬
‫‪ 2‬ـ قاعدة التعسير سبب للتيسير‬
‫إن رفع الحرج والتيسيرـ على الناس ومراعاة المشقة والتعسير حاصلة‬
‫في التكاليفـ مقصد من مقاصد الشريعة‪ ،‬بل هو من األصول التي ترجع‬
‫إليها جميع التخفيفاتـ والرخص الواردة في التكاليف الشرعية‪ ،‬فأحكام‬
‫الشريعة جاءت بما يتناسبـ وقدرة المكلف واستطاعته‪،‬ـ فلم يكلف هللا تعالى‬
‫عباده إال بما يقدرون على فعله‪ ،‬وهذا المعنى الشرعي العظيم هو الذي‬
‫نلمسه عند العلماء في الفتاوى وحكمهم على النوازل والوقائع التي يسألون‬
‫عنها‪.‬‬
‫ـ سئل بن أبي زيد عن الرجل البربري الذي ال يعرف العربيةـ هل له‬
‫أن يدعو في الصالة بالبربرية قال‪ :‬نعم ال بأس بذلك وهللا أعلم بكل لغة(‪.)3‬‬
‫ويلحق بالبربريةـ اللغات التي تلهج بها األلسن في هذا الزمان الذي ال يقدر‬
‫أصحابها على اللغة العربية‪.‬‬
‫ـ وسئل عمن من أتى المسجد يوم الجمعة وقد ضاق ولم يجد أين‬
‫يصلي ألجل مطر ووحل قال بن أبي زيد َأ َحبُ إل ّي أن يذهب إلى داره‬
‫فيصلي فيها متمكنا(‪.)4‬‬
‫‪ 3‬ـ اليقين ال يزول بالشك‬
‫ـ سئل أبو القاسم بن خجو عمن صلى فرضا وشك في ركعة هل قرأ‬
‫فيها القرآن أم ال؟‬
‫فأجاب‪ :‬ومن شك في قراءة أم القرآن في ركعة وهو بها ألغى الشك‬
‫وقرأها ويسجد بعد السالم الحتمال زيادتها(‪.)5‬‬
‫ـ سئل بن أبي زيد عن رجل اشترى ثوبا ملبوسا من السوق هل يغسل أو‬
‫ينضح أو ال وهو مجهول؟ وكيف إن كان في األسواق يهود ونصارى‬
‫واختلطوا مع المسلمين في لباسهم فاشترى ثوبا كذلك هل يصلي به كذلك أم ال؟‬
‫الجواب‪ :‬له الصالة به إال أن يستريب أمرا فيغسله أو يكون الغالب في‬
‫بلد النصارى(‪.)6‬‬
‫(?) فتاوى ابن أبي زيد القيرواني ص (‪)161‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) النوازل الجديدة الكبرى (‪)1/263‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) فتاوى بن أبي زيد القيرواني ص(‪)119‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) المصدر السابق ص (‪)121‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) النوازل الجديدة (‪)1/255‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) فتاوى ابن أبي زيد القيرواني ص(‪)108‬‬ ‫‪6‬‬

‫ــ ‪ 428‬ـ‬
‫‪ 4‬ـ ال ضرر وال ضرار‬
‫ـ سئل القاضي عياض عمن استخرج عين ماء نصب عليها رحى‬
‫طحنت مدة ثم إن صهرا له مجاور في جنة أخرى استنبطـ فيها عيناـ وبينهاـ‬
‫واألولى خمسين ذراعا عرضا ونصب عليها رحى وضعفت عين األولى‬
‫وتعطلت رحاه وزعم أن ماء جاره هو ماؤه وماء هذا الجار اآلخر ضعف‬
‫ماء األول وكان يشتكيـ إال أنه لم يخاصمه‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬إذا ثبتـ عند القاضي أن ضعف الماء من عين األول وتعطيل‬
‫رحاه إنما كان بما أحدث عليه صهره وحازه من العين التي احتفرها وأنه‬
‫استفرغ بذلك ماء عين جاره بشهادة من يعرف ذلك من العدول أهل البصر‬
‫فلألول أن يقوم بحثه ويغير بمقتضى الحكم ما أحدث عليه جاره من العين‬
‫التي أضره بها وال يمنع من ذلك سكوته وقد قال عليه الصالة والسالم‪« :‬الَ‬
‫ض َرا َر»(‪.)1‬‬
‫ض َر َر َوالَ ِ‬
‫َ‬
‫ـ سئل بن أبي زيد عمن فتح باب داره فانكسر ما خلفه فإنه يضمن ألن‬
‫فتح الباب وقع هو والجناية معا والخطأ والعمد في أموال الناس سواء بخالف‬
‫واقد التنور أوائل فعله جائزة وحدثت الجناية بعد ذلك فهو كمن يباشر الجناية‬
‫بخالف األول(‪.)2‬‬
‫ـ وفي فتاوى البرزلي‪ :‬سئل اللخمي عمن خرج حاجا في طريق مخوفة‬
‫ويغلب على ظنه أنه ال يسلم هل يكون ممن ألقى بيده إلى التهلكة أو هو‬
‫مأجور بسببـ قصده فريضة الحج والتقرب إلى هللا تعالى فأجاب الحج مع‬
‫هذه الصفة من الضرر ساقط وتحامله بعد ذلك ال يسلم فيه من اإلثم(‪.)3‬‬
‫وعلّق اإلمام البرزلي على هذا فقال‪(( :‬وعندي أن هذا من باب تقابلـ‬
‫الضررين فيُنفى األصغر لألكبر كما أشار إليه النبي ×‪ .‬فينظر ما يترتبـ من‬
‫المفاسد في ركوبه وما يحصل من المنافع األخروية والدنيويةـ فكلما عظم‬
‫المكروه اعتبر ومتى قل انتفى(‪.)4‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تعريف الجوابر‬
‫يدور معنى الجبران في معناه االصطالحي في بيانـ الجانب التشريعي‬
‫له المتمثل في جلب ما فات من المصالح الخاصة أو العامة سواء ارتبطتـ‬
‫بحقوق هللا تعالى أو حقوق عباده‪.‬‬

‫(?) مذاهب الحكام في نوازل األحكام للقاضي ص(‪)101‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) فتاوى ابن أبي زيد ص(‪)217‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) فتاوى البرزلي (‪)1/593‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) فتاوى البرزلي (‪)1/595‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 429‬ـ‬
‫وفي هذا المعنى يقول العز بن عبد السالم‪(( :‬والغرض من الجوابر‬
‫جبر ما فات من مصالح حقوق هللا تعالى وحقوق عباده))(‪.)5‬‬
‫وقال القرافي‪(( :‬وأما الجوابر فهي مشروعة ال ستدراك المصالح الفائتة))‬

‫(‪.)2‬‬
‫ولهذا يمكن أن نقول إن الجوابر منهج تشريعي عام مبني على‬
‫نصوص وأحكام شرعية يستدرك بها النقص الواقع في التكاليف الشرعية‬
‫بقصد إتمامهاـ وإصالح خللها تحقيقا للمصالح المنوطة بها‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬ضوابط الجبران وشروطه‬
‫ينضبط جبر المصالح الفائتة بحسب نوع الفائت بين أن يكون من‬
‫العبادات أو من المعامالت‪ ،‬كما يشترط لترتب الصحة على هذه الجبران شروط‬
‫معينة ‪ ،‬نحاول من خالل هذه األسطر أن نلخص أهم هذه الشروط والضوابط‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬شروط الجبران في العبادات وضوابطه‬
‫يراد بشروط الجبران ما حكم الشارع بوجوده في األحكام إلزاما‬
‫وترتب على فقدانها البطالن‪،‬ـ والسؤال الذي يطرح هل الفقهاء في تعاملهم‬
‫مع النوازل تقيدوا بشروط الجبران المضبوطة في مسائلـ الفقه أم أن لهم‬
‫مسلكا ومنهجا خاصا في التعامل مع الوقائع‪.‬‬
‫في الواقع وبعد تصفح كتب النوازل ال نجد فرقا في منهج التعامل مع‬
‫الحوادث لخصوصية التعبد‪ ،‬وعليه نحاول أن نذكر هذه الشروط والضوابط‬
‫على وجه من االختصار‬
‫ـ الشرط األول‪ :‬أن ال يكون الفائت المراد جبره ركنا في العبادة‬
‫والمراد بالجبر هنا إمكانية االستدراك وإال فإعادة العبادة هي كذلك‬
‫نوع من الجبران ومسائله في فقه النوازل ال تحصى والتي يجيب فيها‬
‫الفقهاء بعدم إجزاء العبادة ووجوب إعادتها كمسائل نسيان أركان الصالة‬
‫والحج أو الترك الذي ال يمكن جبره باالستدراك ونحو ذلك‪.)3(...‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬أن يكون المجبور قابال للجبران‬

‫(?) قواعد األحكام (‪)1/263‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) الفروق (‪)1/357‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) المعيار المعرب (‪ ،)444 ،1/167‬النوازل الجديدة (‪)274 ،1/269‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 430‬ـ‬
‫ويراد به إذن الشرع به‪ ،‬فال يمكن جبر الخلل واستدراك النقص‬
‫إال على وفق تقدير الشرع(‪.)4‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬أن يكون الفائت المراد جبره مؤقت(‪.)2‬‬
‫الشرط الرابع‪ :‬أن يكون الجابر من ماهية المجبور(‪.)3‬‬
‫الشرط الخامس‪ :‬ال يجبر الفائت إال بنيته‬
‫فالنية مطلوب تعي ّنهُا في العبادات‪ ،‬فكذلك الشأن في جبران الفائت منها‬
‫وإصالح الخلل الواقع فيها فيجب أن يكون بنية الفائت منه ال بنية أخرى‪.‬‬
‫الشرط السادس‪ :‬أن ال تفوت المصلحة التي شرعت لها العبادة المراد‬
‫جبرها‬
‫تقرر باستقراء الشريعة أنها جاءت لتحقيق مصالح معينة من خالل‬
‫تلك التكاليف فإذا كان جبران التكليف ال يحقق تلك المصلحة أصبح اإلقدام‬
‫على جبران ال معنى له في الشريعة ألنه معدوم المصلحة‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‬
‫قضاء صالة الكسوف والخسوف واالستسقاء وغيرها‪ ،‬فإذا فاتت ال يشرع‬
‫قضاؤها(‪.)4‬‬
‫ضوابط الجبران في العبادات‬
‫ـ األول‪ :‬ال يصار إلى الجبر إال عند تعذر تحصيل األصل‬
‫ألن الجبران شرع الستدراك المصالح الفائتةـ من العبادات فال يمكن‬
‫المصير إليه مع تحقق المصالح‪ ،‬ومن شرط الجبران ثبوت النقص أو‬
‫الخلل‪ ،‬فالصالة مثال ال تصح بالتيممـ مع إمكانية الضوء وهكذا‪..‬‬
‫ـ الثاني‪ :‬ال ينجبر األقوى باألضعف‬
‫وهو ما نجده في تفريق العلماء بين العمد والسهو في ترك ما هو‬
‫من الصالة ألن العمد أقوى من السهو فال ينجبر بالسجود بل بالتوبةـ‬
‫وإعادة الصالة‪.‬‬

‫(?) النوازل الجديدة للوزاني (‪)276 ،1/271‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) النوازل الجديدة (‪)2/302‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) المصادر السابقة‬ ‫‪3‬‬

‫(?) النوازل الجديدة (‪)2/575‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 431‬ـ‬
‫الثالث‪ :‬المتروك إذا كان ليس مقصودا في موضعه ال يوجب‬
‫الجبران‬
‫كترك التكبيراتـ والجهر واإلسرار في الصالة ألنها غير مقصود‬
‫في موضعها من العبادة فال يتعلقـ بتركهاـ جبران‪ ،‬وكذلك ما تعلق بالحج‬
‫كنسيان الرمل واالضطباع فال يترتب عليه جبران وهكذا‪.)1(...‬‬
‫وهناك ضوابط أخرى يضيق المقام بذكرها منها‪:‬‬
‫ـ تقدير الجبران يكون مساويا للفائت في القدر والمنفعة‬
‫ـ التقرب بالعبادةـ المجبورة أولى من إعادتهاـ‬
‫ـ النفل كالفرض في الجبران‬
‫ـ الجبران ال يسقط بالنسيان‬
‫الفرع الثاني‪ :‬شروط الجبران في المعامالت وضوابطه‬
‫شروط الجبران في المعامالت(‪.)2‬‬
‫‪ 1‬ـ أن يكون الفائت المجبور ماال فال يجبر ما ليس بمال في نظر‬
‫الشريعة أو ما تعارف الناس عليه كونه ليس ماال‪ ،‬فالماليةـ تثبتـ بهذين‬
‫األمرين‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ أن يتحقق الفوات المستلزم للجبران مع الديمومة واللزوم‪.‬‬
‫وذكر الفقهاء هذا لبيان أن مجرد الفعل الضار مما يترتب عليه‬
‫الفوات في الغالب ال يستلزم الجبران إال بتحقق الفوات كمن حفر بئرا‬
‫فمجرد الفعل ضار لكن ال نرتب عليه حكما إال مع حصول الضرر‬
‫بالفعل الضار‪.‬‬
‫أما معنى الديمومة واللزوم فالمراد به بقاء الضرر بعد حصوله فإن‬
‫عاد الشيء إلى ما كان عليه في األصل انتفى الجبران بارتفاع الضرر‪.‬‬
‫ضوابط الجبران في المعامالت‬
‫‪ 1‬ـ جبران الحقوق يكون برد أعيانها فإن تعذر فبمثلها فإن تعذر‬
‫فبقيمتهاـ‬
‫‪ 2‬ـ جبران الفائت يكون من مال المتسببـ‬
‫(?) النوازل الجديدة (‪)1/276‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) لمعيار المعرب (‪ )5/181‬وما بعدها‪ ،‬النوازل الجديدة (‪ )5/13‬وما بعدها‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 432‬ـ‬
‫‪ 3‬ـ جبر العين مع فوات جزء منها هل يحكم ببقاء العين مع جبران‬
‫النقص أو يحكم برد المثل‪ ،‬فالذي وجدناه أنه يجوز العدول إلى المثل مع‬
‫بقاء حق المطالبةـ بالعينـ وقيمة النقصان الحاصل فيها‬
‫كما نجد تفصيال آخر أن الضرر إذا كان يسيرا لم يزل معه معظم‬
‫منافع الشيء فليس للمالك حق المطالبةـ بالمثلـ مع الجبران إذا شاء‪ ،‬بل‬
‫يجب عليه أخذ العين مع الجبران‬
‫‪ 4‬ـ طريقة تقويم النقص فلم يختلف الفقهاء في النوازل اإلفتاء بما‬
‫هو متداول وهو إنما تُقَ ّوم العين المراد جبرها على صفة الكمال ثم تُقَ ّوم‬
‫على صفة النقص فما وجدناه من التفاوت فهو الواجب في الدفع(‪.)1‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أسباب الجبران‬
‫أما األسباب التي اعتبارهاـ الفقهاء موجبة للجبران في النوازل فهي‬
‫نفسها في الفقه اإلسالمي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ النسيانـ‬
‫‪ 2‬ـ الخطأ‬
‫‪ 3‬ـ العمد‬
‫‪ 4‬ـ التكرار‬
‫‪ 5‬ـ التأخير‬
‫‪ 6‬ـ التعدي‬
‫‪ 7‬ـ التفريط‬
‫‪ 8‬ـ التغرير الفعلي‬
‫المطلب الرابع‪ :‬تطبيقات القاعدة في النوازل الفقهية‬
‫الجبر في نوازل العبادات‬
‫ـ من مسائل الصالة‬
‫‪ 1‬ـ من سلم في نافلة ودخل في أخرى ثم تذكر سجدة من األولى يرجع‬
‫إلى إصالحها ما لم يعقد ركعة من الثانيةـ(‪.)2‬‬
‫‪ 2‬ـ قال البرزلي عن الصالة في موضع كان مرحاضا وحول إلى بيت‬
‫يجلس فيه إال أنه بقي بهيئتهـ األولى ما نصه‪(( :‬إذا غيرت صورته فواضح‬
‫ودليله مسجد رسول هللا أنه كان فيه مقابر المشركين و ُح ٍول‪ ،‬وأما إذا بقي‬

‫(?) المعيار المعرب (‪ ،)5/204‬النوازل الجديدة (‪)5/494‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) فتاوى البرزلي (‪)1/412‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 433‬ـ‬
‫على ما هو عليه فشرط طهارة ظاهره واضح وأما باطنهـ فيحتمل أن تكون‬
‫طهارته من باب الكمال ألنه أجاز أن يصلي على فراش طاهر فوق فراش‬
‫نجس(‪.)1‬‬
‫‪ 3‬ـ سئل السيوري عمن خاف أن يسرق ثوبه أو ينتهب ماله إن حضر‬
‫الجمعة هل يباح له التخلف‬
‫فأجاب بقوله‪(( :‬إذا غلب عليه الخوف بما ذكرت وال يقدر على التحرز‬
‫ساغ له التخلف وإال لم يسغ))(‪.)2‬‬
‫من مسائل الصيام‬
‫وجاء في فتاوى البرزلي‪(( :‬عمن قلع ضرسه من وجع كان به وبقي‬
‫ثقب إن جعل فيه لبان سكن وإذا أزاله عاوده الوجع العظيم وهو في رمضان‪،‬‬
‫قال يجوز له ذلك إن اضطرا ويقضي اليوم(‪.)3‬‬
‫من مسائل الزكاة‬
‫ـ سئل اللخمي هل يجوز إعطاء من أتلف ماله الزكاة إذا احتاج إليها‬
‫فقال‪(( :‬ال يعطىـ من أتلف ماله إال أن يتوب أو يخاف عليه))(‪.)4‬‬
‫ـ وجاء في فتاوى البرزلي‪(( :‬إذا حبّس جماعة على مسجد حوائط كل‬
‫إنسان حبس نخال فإنه يحسب جملة ذلك للمسجد ويُنظر فإن خرج من الجميع‬
‫خمسة أوسق زكاه عن المسجد وإنما الحوائط المحبسة تزكى ألن الزكاة‬
‫تصرف إلى السبيل والصدقة والرقاب فال يجوز أن نتركهاـ نحن ألجل أن‬
‫التمر للمساكين ألن الساعي ينظر فيها باالجتهاد فقد يكون اجتهاده في‬
‫صرفها لغير الفقراء))(‪.)5‬‬
‫مسائل الحج‬
‫ـ سئل السيوري من وقف يوم النحر بعرفة غلطا أو أغمي عليه الهالل‬
‫هل يجزيه أو ال؟ وهل يستحسن في من شك في هالل ذي الحجة أن يقف‬
‫يومين احتياطاـ أم ال؟ كالشاك في رمضان‪ .‬الجواب‪(( :‬إن أخطأ بما وفق له‬
‫قبل الوقت فال أعلم خالفا أن حجه غير جائز وإن أخطأ فوقف بعدها ففيه بين‬

‫(?) المصدر السابق (‪)1/344‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) المصدر السابق (‪)1/368‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) المصدر السابق (‪)1/530‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) فتاوى البرزلي (‪)1/577‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) المصدر السابق (‪)1/579‬‬ ‫‪5‬‬

‫ــ ‪ 434‬ـ‬
‫أصحابناـ خالف فقيل يمضون على حجهم وينحرون بالغد ويتأخر عمل الحج‬
‫كله يوما))(‪.)1‬‬
‫وأجاب اللخمي عن هذه المسألة فقال ((والذي آخذ به فإنه ينظر فإن‬
‫كانوا لو اجتهدوا رأوه فإن عليهم القضاء وإن كانوا لو اجتهدوا لم يروه لكون‬
‫ذلك خفيا فال قضاء))(‪.)2‬‬
‫وفي فتاوى البرزلي فيمن نسي صالة إن صالها فاته الوقوف بعرفة‬
‫قال‪ :‬القياس أحد األمرين إما الصالة مسايفة مع إسقاط أحد أركان الصالة أو‬
‫ان‬
‫ض َر َر ِ‬ ‫ان َأ ِو ْ‬
‫اجتَ َم َع َ‬ ‫تقديم الوقوف وهو األولى لقوله ×‪ِ« :‬إ َذا ا ْلتَقَى َ‬
‫ض َر َر ِ‬
‫ص َغ ُر لَِأل ْكبَ ِر»(‪.)3‬‬
‫نُفِ َي اَأل ْ‬
‫من باب الكفارات‬
‫ـ سئل الصائغ‪ :‬هل يجزئ أقل مد في زمن الشدائد لعموم اآلية في‬
‫الوسط فأجاب تترك كفارة اليمين عند ضيق العيش إلى االجتهاد والتحرير‬
‫كلفة ومشقة واالجتهاد أولى(‪.)4‬‬
‫من باب الشهادة‬
‫ـ قال البرزلي عمن كثر منهم االضطراب في شهادتهم حقيقة هل‬
‫تصح شهادتهم وإمامتهم؟‪ .‬ما نصه‪(( :‬أما الشهادة فالصواب منعه إن كان‬
‫هناك من يقوم به الحال وأيضا شهادته في الماضي لتعلق حقوق بها واألصل‬
‫حقيقتها حتى يتبينـ خالفه‪ ،‬وإن لم يكن هناك من يقوم به أمر الناس فينظر في‬
‫هذا من ابتلي به فإن رأى تقديمهـ للضرورة فعل شبيها بأكل الميتة ولتعذر‬
‫العدالة الحقيقية في هذا الزمان))(‪.)5‬‬
‫ـ من باب البيوع‬
‫ـ جبر العيوب في البيع‬
‫سئل بن أبي زيد عمن اشترى ثوبا فوجده معيباـ وقيمته معيبة مثل ثمنهـ‬
‫أو أكثر فهل على البائع شيء أم ال؟ فأجاب‪(( :‬ينظر إلى قيمتهـ صحيحا يوم‬
‫الصفقة وقيمتهـ وبه ذلك العيب يومئذ‪ ،‬فما كان بينهماـ من النقص رجع بنسبته‬
‫من الثمن إن كان الربع فالربع وإن كان الثلث فالثلث))(‪.)6‬‬
‫ـ تعويض ما يباع على أصحابه جبرا للمصلحة العامة‬

‫(?) المصدر السابق‬ ‫‪1‬‬

‫(?) فتاوى البرزلي (‪)1/590‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?)فتاوى البرزلي (‪)1/590‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?)المصدر نفسه (‪)2/95‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) المصدر نفسه (‪)1/307‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) فتاوى بن أبي زيد ص(‪)175‬‬ ‫‪6‬‬

‫ــ ‪ 435‬ـ‬
‫جاء في مذاهب الحكام‪(( :‬إذا ضاق المسجد الجامع عن أهل الموضع‬
‫واحتيج إلى الزيادة فيه كما وصفت ـ حوانيت أبى أصحابها البيع وادعوا‬
‫التحبيس ـ ولم يكن حواليه ما يزاد فيه إال الحوانيت التي أبى أربابها من بيعها‬
‫فالواجب في ذلك أن تؤخذ منهم بالقيمة ويحكم عليهم بذلك على ما أحبوا أو‬
‫كرهوا لمنفعة الناس بذلك وضرورتهم وهو قول ابن الماجشون وإليه ذهب أكثر‬
‫شيوخنا))(‪.)1‬‬
‫من باب النكاح‬
‫ـ جاء في النوازل لعيسى بن علي‪(( :‬فلما شاع وذاع بهذه البالد الغمارية‬
‫وما واالها من القبائل البدوية الفاحشة العظمى فاحشة هروب النساء مع الرجال‬
‫ومن الواجب علينا أن نحسم مادة الفساد ونسد كل باب يوصل إلى معصية‬
‫والقول بسد الذرائع الفاسدة من أصول قواعد مذهب مالك ‪ ‬فالواجب أن نجتهد‬
‫جهدنا في سد الذريعة لهذه الفاحشة ولهذا اختار العلماء الصلحاء ممن سلف‬
‫الفتوى في البالد بتأبيد التحريم للهاربة على من هرب بها وإن كان على خالف‬
‫المشهور وذلك معاملة بنقيض المقصود الفاسد ألنه يريد أن يرفع الحجر عنها‬
‫لخلوة الهارب بها مدة ألنها مظنة االفتضاض وزوال البكارة))(‪.)2‬‬
‫وجاء في المسألة عن اإلمام سيدي عمر بن عبد العزيز ما نصه‪(( :‬فلو‬
‫لم يكن نص لعلماء المذهب المالكي في تحسيم هذه المفسدة وتحسيم مادتها‬
‫ووجدنا قوال خارجا يقتضي تحسيم مادتها لتعين علينا أن نرتكبه في قطع هذه‬
‫المفسدة وتحسيم مادتها ولم يزل أهل الفتوى والقضاء يختارون الفتوى بقول‬
‫شاذ ويحكمون به لدليل ظهر لهم في ترجيحه(‪.)3‬‬
‫ـ والجبران هنا في هذه المسألة يتعلقـ بثبوتـ الصداق لها حيث جاء‬
‫فيها ((إن ثبت غصبه إياها ببينةـ أو بإقرار وادعت أنه أصابها فال إشكال في‬
‫أن لها الصداق مع يمينها أنه أصابها وإن تكرر الوطء تكرر الصداق كما‬
‫عند ابن الحاجب ومن تبعهـ وهو ظاهر الفقه(‪.)4‬‬
‫من باب القصاص والديات‬

‫(?) مذاهب الحكام في نوازل األحكام ص(‪)314‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) كتاب النوازل لعيسى (‪)1/91‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) المصدر السابق‬ ‫‪3‬‬

‫(?) كتاب النوازل (‪)1/108‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 436‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ جاء في كتابـ النوازل للشيخ عيس بن علي‪(( :‬عمن قتل رجال هل‬
‫يجبر على الدية مخافة إن طلب القصاص قامت الفتنة بينهم فيقتل خلق كثير‬
‫فأفتى بالدية))(‪.)5‬‬
‫و نقل في نفس الموضع عن أبي عمران أن القصاص إذا تعذر حيث ال‬
‫أحكام رجع للدية))(‪.)2‬‬
‫‪ 2‬ـ يجوز أن يؤخر إقامة الحد على الزاني رعاية للمصلحة‪ ،‬فقد سئل‬
‫أبو عمران عن رجل زنى في جيش المسلمين وهو بأرض العدو وخيف أن‬
‫أقيم عليه الحد مفسدة قال ((يؤخر الحد وال يقام))(‪.)3‬‬

‫(?) المصدر السابق (‪)1/112‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) المصدر السابق(‪)1/112‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) المصدر السابق (‪)1/113‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 437‬ـ‬
‫فقه نوازل المالكية في االقتصاد‬
‫(األزمة المالية العالمية)‬
‫‪ ‬أ‪/‬عبد الرزاق دالل‬
‫باحث جامعي‪ ،‬والية الوادي‬
‫المقدمة‬
‫في‪ ‬سبتمبر ‪ 2008‬بدأت‪ ‬أزمة مالية‪ ‬عالمية‪ ‬والتي اعتبرت األسوأ من‬
‫نوعها منذ زمن‪ ‬الكساد الكبير‪ ‬سنة‪1929 ‬م‪ ،‬ابتدأت األزمة أو ً‬
‫ال‪ ‬بالواليات‬
‫المتحدة األمريكية‪ ‬ثم امتدت إلى دول العالم لتشمل‬
‫الدول‪ ‬األوروبيةـ‪ ‬والدول‪ ‬اآلسيوية والدول‪ ‬الخليجية‪ ‬والدول الناميةـ التي‬
‫يرتبط‪ ‬اقتصادها‪ ‬مباشرة باالقتصاد األمريكي‪ ،‬وقد وصل عدد‪ ‬البنوك‪ ‬التي‬
‫انهارت في‪ ‬الواليات المتحدة‪ ‬خالل العام‪2008 ‬م‪ ‬إلى ‪ 19‬بنكاً‪ ،‬كما توقع آنذاك‬
‫المزيد من االنهيارات الجديدة بين البنوك األمريكية البالغ عددها ‪8400‬‬
‫بنكا ً(‪.)1‬‬
‫والسبب يعود إلى المخالفات الشرعية في المعامالتـ البنكية التي أدت‬
‫لألزمة والصورة الخاطئة التي تمت في الرهن العقاري‪ ،‬من حيث اعتمادهاـ‬
‫على اإلقراض بفائدة‪ ،‬والذي هو عين الربا‪ ،‬ثم قيام البنوك بعمليات التوريق‪،‬‬
‫والتي تعتمد على بيع الديون‪ ،‬وهى مخالفة شرعية صريحة‪ ،‬حيث نهى‬
‫الشرع عن هذا البيع وقيام المشتري قبل أن يسدد باقي ثمن العقار ببيعهـ أو‬
‫رهنه للحصول على قرض آخر‪ ،‬وهو بيع ما ال يملك‪ ،‬وهذه المعامالت‬
‫المالية التي نهاناـ عنها اإلسالم وتم وضعها ضمن المعامالت المنهي عنها‪.‬ـ‬
‫وهو كل ما دعا الدول الغربية للتعامل والعمل وإقرار قوانين التعاملـ‬
‫بالمعامالتـ اإلسالمية في الدول األوربية في الوقت الذي شهدت فيه البنوك‬
‫التقليدية انهيارات مالية وائتمانيةـ كبيرة‪.‬‬
‫و بعد هذه المقدمة القصيرة جدا نبدأ في الحديث عن النوازل التي‬
‫ظهرت في هذا العصر وهي النوازل المتجددة التي نعتبرها من أسباب األزمة‬
‫المالية الحديثة التي ظهرت سنة ‪ 2008‬وفي آخر هذه الورقة نقدم بعض‬
‫البدائل‪.‬‬
‫الربا‬
‫هذا العنصر من أهم العناصر ألنه سبب دمار األمم‪ ،‬فقال هللا تعالى‪ :‬ﮋﮥ ﮦ‬
‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲﯳ ﯴ‬ ‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ‬

‫(?) ‪http: //ar.wikipedia.org‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 438‬ـ‬
‫ﰂ ﰃ ﰄ‬ ‫ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ‬ ‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ‬ ‫ﯵ‬
‫ﰅ ﰆ ﰇﰈﮊ(‪.)1‬‬
‫وقال‪ :‬ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽ ﭾﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃﮊ(‪.)2‬‬
‫فهذا يدل على أن الربا خطره عظيم‪ ،‬وضرره جسيم وهو سبب الدمار‬
‫والقضاء على هذه األمة‪ ،‬وهذا ما جعل األمة اإلسالمية في مؤخرة القافلة‬
‫وهو دليل على عدم اتباعهاـ للتشريع الذي وضع لها والمتمثل في هدي‬
‫سو ُل هللاِ × آ ِك َل‬ ‫اإلسالم‪ ،‬وجاء في سنة الرسول ×‪ :‬ع َْن َع ْب ِد هللاِ قَا َل‪« :‬لَ َعنَ َر ُ‬
‫(‪)3‬‬ ‫الربَا َو ُمْؤ ِكلَهُ قَا َل قُ ْلتُ َو َكاتِبَهُ َوشَا ِه َد ْي ِه قَا َل ِإنَّ َما نُ َحد ُ‬
‫س ِم ْعنَا» ‪،‬‬ ‫ِّث بِ َما َ‬ ‫ِّ‬
‫اَل‬
‫فتناول اللعن كل من له صلة أو عالقة بالربا‪ ،‬وقال رسول هللا ×‪ « :‬تَبِي ُعوا‬
‫س َوا ٍء َوبِي ُعوا‬ ‫ض ِة ِإاَّل َ‬
‫س َوا ًء بِ َ‬ ‫ضةَ بِا ْلفِ َّ‬ ‫س َوا ٍء َوا ْلفِ َّ‬
‫س َوا ًء بِ َ‬ ‫ب ِإاَّل َ‬ ‫َب بِ َّ‬
‫الذ َه ِ‬ ‫الذه َ‬ ‫َّ‬
‫ب َكيْفَ ِشْئتُ ْم»(‪.)4‬‬ ‫ضةَ بِ َّ‬
‫الذ َه ِ‬ ‫ض ِة َوا ْلفِ َّ‬‫َب بِا ْلفِ َّ‬
‫الذه َ‬ ‫َّ‬
‫بيع الديون‬
‫وهو الذي تمارسه البنوك الربوية‪ ،‬وهو القرض الذي يجر منفعة‪،‬ـ‬
‫وتقوم عليه البنوك الكبرى‪ ،‬والقاعدة العامة في الشريعة ((كل قرض جر نفعا‬
‫فهو ربا))‪ ،‬والقرض يجب أن ال يكون معه أي نفع بل بذل مجاني‪،‬ـ ومحض‬
‫إحسان‪ ،‬حتى لو كان النفع بعقد ثان مقرون بعقد القرض‪ ،‬فإنه ربا‪ ،‬ومثاله في‬
‫ئ»(‪ )5‬بالهمز‪.‬‬ ‫عنْ الكَِال ِ‬ ‫ي × َنهَى َ‬ ‫حديث ابن عمر «َأنَّ النَّبِ َّ‬
‫قال اللغويون‪ :‬وهو النسيئةـ أي الدين بالدين‪،‬ـ وهو عند الفقهاء عبارة‬
‫عن ثالثة أشياء‪ :‬بيع الدين بالدين‪،‬ـ وابتداء الدين بالدين‪،‬ـ وفسخ الدين في‬
‫الدين‪ ،‬وال يجوز دين بدين أي نسيئةـ بنسيئة‪.‬ـ‬
‫فأول الثالثة التي ذكرت‪ ،‬وهو بيع الدين بالدينـ ال يتصور في أقل من‬
‫ثالثة‪ ،‬وصورته أن يكون لك على شخص مائة شقة مثال إلى أجل فتبيعها من‬
‫شخص آخر بمائةـ إلى أجل ويصور في أربعة‪.‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ 278/‬ـ ‪.281‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) سورة البقرة‪.275/‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) صحيح مسلم (‪)8/287‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) الجامع الصحيح المختصر محمد بن إسماعيل أبو عبدهللا البخاري الجعفي (‪)5/403‬‬ ‫‪4‬‬

‫تحقيق‪ :‬د‪ .‬مصطفى ديب البغا أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة ـ جامعة دمشق‬
‫دار ابن كثير‪ ،‬اليمامة ـ بيروت الطبعة الثالثة‪ 1407 ،‬ـ ‪1987‬‬
‫(?) المستدرك بتعليق الذهبي اإلمام الحاكم أبو عبد هللا محمد بن عبد هللا بن محمد (‪2/3‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪ )18‬تحقيق تعليق اإلمام الذهبي شمس الدين أبوعبد هللا محمد بن أحمد‪.‬‬
‫ــ ‪ 439‬ـ‬
‫ومثاله أن يكون لشخص على آخر دين ولثالث على رابع دين فباع كل‬
‫من صاحبي الدينين ما يملكه من الدين بالدينـ الذي هو لآلخر‪ ،‬فالحاصل أن‬
‫بيع الدين بالدينـ ال بد فيه من تقدم عمارة ذمة أو ذمتين على البيع‪،‬ـ وعلة‬
‫المنع كونه يوصل إلى المنازعة والمخاصمة التي يبغضها الشارع‪ ،‬وقيل‬
‫محض تعبد (‪.)1‬‬
‫وجاء أيضا أن األمة أجمعت على أن بيع الدين بالدين ال يجوز‬
‫وحقيقتهـ بيع شيء في ذمة بشيء في ذمة أخرى غير سابق تقرر أحدهما على‬
‫اآلخر‪ ،‬وهو معنى قولهم ابتداء الدين بالدين‪ ،‬وما تقدم فيه تقرر الدين يسمى‬
‫فسخ دين في دين(‪.)2‬‬
‫وـجـاـءـ فـيـ حـاـشـيـةـ اـلـعـدـوـيـ عـلـىـ شـرـحـ كـفـاـيـةـ اـلـطـاـلـبـ اـلـرـبـاـنـيـ أـنـهـ‬
‫اـسـتـثـنـىـ مـنـ مـنـعـ سـلـمـ اـلـشـيـءـ مـنـ جـنـسـهـ فـقـاـلـ‪:‬ـ إـالـ أـنـ يـقـرـضـهـ قـرـضـاـ شـيـئـاـ‪،‬ـ‬
‫وـفـيـ نـسـخـةـ بـيـنـاـ فـيـ مـثـلـهـ صـفـةـ وـمـقـدـاـرـاـ‪،‬ـ وـجـوـاـزـ اـلـقـرـضـ فـيـ مـثـلـهـ صـفـةـ‬
‫وـمـقـدـاـرـاـ مـقـيـدـ بـمـاـ إـذـاـ كـاـنـ اـلـنـفـعـ فـيـ ذـلـكـ لـلـمـتـسـلـفـ أـمـاـ إـذـاـ كـاـنـ اـلـنـفـعـ‬
‫لـلـمـسـلـفـ فـالـ يـجـوـزـ وـالـ يـجـوـزـ دـيـنـ أـيـ بـيـعـهـ بـدـيـنـ‪.‬ـ‬
‫لـمـاـ رـوـاـهـ اـلـدـاـرـقـطـنـيـ‪،‬ـ وـاـلـبـيـهـقـيـ «أَنَّهُ عَلَيْ هِ الصَّال َةُ وَالسَّال َمُ نَهَى‬
‫عَنْ بَ ْي عِ الكَالِئِ بِالكَالِئِ» قـاـلـ أـهـلـ اـلـلـغـةـ‪:‬ـ هـوـ بـاـلـهـمـزـةـ اـلـنـسـيـئـةـ بـاـلـنـسـيـئـةـ‪.‬ـ‬
‫وـقـاـلـ أـيـضـاـ‪:‬ـ إـنـ حـقـيـقـةـ بـيـعـ اـلـدـيـنـ بـاـلـدـيـنـ مـثـلـ أـنـ تـتـقـدـمـ عـمـاـرـةـ‬
‫اـلـذـمـتـيـنـ أـوـ أـحـدـهـمـاـ عـلـىـ اـلـمـعـاـوـضـةـ كـمـنـ لـهـ دـيـنـ عـلـىـ رـجـلـ وـلـثـاـلـثـ دـيـنـ‬
‫عـلـىـ رـجـلـ رـاـبـعـ‪،‬ـ فـبـاـعـ كـلـ وـاـحـدـ مـنـ صـاـحـبـيـ اـلـدـيـنـ مـاـ يـمـلـكـهـ مـنـ اـلـدـيـنـ‬
‫بـاـلـدـيـنـ اـلـذـيـ لـآلـخـرـ‪.‬ـ‬
‫وـكـذـلـكـ لوـ كـاـنـ لـرجـلـ عـلـىـ رـجـلـ دـيـنـ فـبـاـعـهـ مـنـ ثـاـلـثـ بـدـيـنـ وـتـأـخـيـرـ‬
‫رـأـسـ اـلـمـاـلـ أيـ مـاـلـ اـلـسـلـمـ بـشـرـطـ إـلـىـ مـحـلـ اـلـسـلـمـ أـيـ أـجـلـهـ أـوـ إـلـىـ مـاـ بـعـدـ‬
‫مـنـ اـلـعـقـدـةـ أـيـ عـنـ عـقـدـةـ اـلـسـلـمـ بـأـكـثـرـ مـنـ ثـالـثـةـ أـيـاـمـ مـنـ ذـلـكـ أـيـ مـنـ اـلـدـيـنـ‬
‫بـاـلـدـيـنـ(ـ‪.)3‬ـ‬
‫(‪) 4‬‬
‫و من ربا الديون ما يسمى اليوم بالتوريق‬
‫(?) الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (‪.)6/55‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) التاج واإلكليل لمختصر خليل (‪.)7/25‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباني (‪.)6/81‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) التوريق المصرفي‪ Securitization‬هو أداة مالية مستحدثة تفيد قيام مؤسسة مالية‬ ‫‪4‬‬

‫بحشد مجموعة من الديون المتجانسة والمضمونة كأصول‪ ،‬ووضعها في صورة دين‬


‫واحد معزز ائتمانيا ثم عرضه على الجمهور من خالل منشأة متخصصة لالكتتاب في‬
‫شكل أوراق مالية‪ ،‬تقليال للمخاطر‪ ،‬وضمانا للتدفق المستمر للسيولة النقدية للبنك‪.‬‬
‫ــ ‪ 440‬ـ‬
‫ويسمى قديما بالعينة والعينةـ هي أن يبيعـ شخص آلخر بأجل ثم يشتري‬
‫السلعة منه حاال بسعر أقل ـ ففي المداينةـ يدخل طرف ثالث‪،‬ـ فيشتري األول‬
‫من الثاني مؤجال‪ ،‬ثم يبيعه لثالث حاال بثمن أقل‪ ،‬والعينةـ بكسر العين المهملة‬
‫فياء تحتية فنون وأهل العينةـ هم قوم نصبوا أنفسهم لطلب شراء السلع منهم‬
‫وليست عندهم فيذهبون إلى التجار فيشترونها منهم ليبيعوها لمن طلبها منهم‬
‫فهي بيع من طلبت منه سلعة قبل ملكه إياها لطالبهاـ بعد شرائها سميت بذلك‬
‫الستعانة البائع بالمشتري على تحصيل مقصده من دفع قليل ليأخذ عنه كثيرا‬
‫وهي ثالثة أقسام‪ :‬جائز ومكروه وممنوع‪.‬‬
‫وإليكم المسائلـ المتعلقةـ لوجوه بيع التوريق بمسائلـ مختلفة ذكرها‬
‫الشيخ الدردير في الشرح الكبير الجائز بقوله‪ :‬جاز لمطلوب منه سلعة‬
‫وليست عنده أن يشتريها من مالكها ليبيعها لطالبها منه بثمنـ وفي نسخة بنماء‬
‫وهي أحسن ألنه المقصود في هذا األمر وعلى كل فهو متعلق ببيعها هذا إن‬
‫باعها للطالب بنقد كله أو بمؤجل كله بل ولو بمؤجل بعضه وعجل الطالب‬
‫بعضه للمطلوب منه ورد بلو قول العتبية بكراهة ذلك ألنه كأنه قال له خذها‬
‫بع منها لحاجتك والباقي لك ببقيةـ الثمن لألجل والغالب إن ما بقي بعد بيع‬
‫بعضها لحاجته ال يفي بما اشتريت به فليتأمل وأشار‪.‬‬
‫وتوضيحا أكثر في مسألة لمن قيل له‪ :‬سلفني ثمانين وأرد ذلك عنها‬
‫مائة أن يقول‪ :‬خذ مني بمائة ما‪ ،‬أي سلعة بثمانينـ قيمة ليكون حالال وما‬
‫سألتنيهـ حرام أو اشترها‪ ،‬أي يكره أن يقول شخص لبعض أهل العينةـ إذا‬
‫مرت عليك السلعة الفالنيةـ فاشترها ويومئ لتربيحه‪.‬‬
‫اعترض بأن الذي في توضيحه وأنا أربحك وال يلزم من الكراهة مع‬
‫التصريح الكراهة مع اإليماء‪.‬‬
‫وأيضا فإن كالمه هنا يوهم حرمة التصريح‪.‬‬

‫لذلك يتمثل مصطلح التوريق (التسنيد)ـ في تحويل القروض إلى أوراق مالية قابلة‬
‫للتداول ‪ Marketable Securities‬أي تحويل الديون من المقرض األساسي إلى مقرضين‬
‫آخرين‪.‬‬
‫وعلى ذلك‪ ،‬تبدو القروض المصرفية وكأنها قروض مؤقته أو معبرية‪Bridging‬‬
‫أي تنتقل القروض عبرها من صيغة القرض المصرفي إلى صيغة األوراق المالية‪،‬‬
‫فباالعتماد على الديون المصرفية القائمة‪ ،‬يمكن خلق أصول مالية جديدة‪ ،‬وتوفير تدفقات‬
‫نقدية‪.‬‬
‫وتقوم تكنولوجيا التوريق أساسا على اإلبداعات المستمرة في هيكلة الموجودات‪،‬‬
‫وتبويبها بما يساعد على تقييم أدائها من جهة‪ ،‬والتمويل الالحق من جهة أخرى‪ ،‬بهدف‬
‫تحقيق الدخل‪ ،‬واستبعاد مخاطر اإلفالس‪.‬‬
‫يتضح مما تقدم‪ ،‬أن عملية التوريق تؤدي إلى تحويل القروض من أصول غير‬
‫سائلة إلى أصول سائلة ‪The conversion of illiquid Assets to Marketable‬‬
‫‪securities‬‬
‫ــ ‪ 441‬ـ‬
‫وأجيب بأن مراده باإليماء ذكر الربح من غير تسمية قدره فسماه إيماء‪،‬‬
‫ألنه لم يذكر قدر الربح فإن صرح بقدره حرم‪ ،‬وإن أومأ من غير تصريح‬
‫بلفظه نحو وال يكون إال خيرا جاز ولم يفسخ أتى به مع علمه من الكراهة لدفع‬
‫توهم أن المراد بالكراهة التحريم‪ ،‬وللتصريح بالرد على من قال بالفسخ وأشار‬
‫للقسم الثالث مخرجا له من الجواز بقوله‪ :‬بخالف قول اآلمر اشترها بعشرة نقدا‬
‫وأنا آخذها منك باثني عشر ألجل كشهر فال يجوز لما فيه من سلف جر نفعا‪.‬‬
‫ثم تارة يقول اآلمر لي وتارة ال يقول لي وإليهما أشار بقوله‪ :‬ولزمت‬
‫السلعة اآلمر بالعشرة إن قال في الفرض المذكور اشترها لي ويفسخ البيع‬
‫باثنيـ عشر ألجل‪.‬‬
‫وهل للمأمور جعل مثله أو األقل منه ومن الربع خالف وفي الفسخ للبيع‬
‫الثاني وهو أخذها باثني عشر إن لم يقل لي فيرد عينها إال أن تفوت بيد اآلمر‪،‬‬
‫فالقيمة للمأمور حالة يوم قبضها اآلمر أو إمضائها أو بمعنى الواو كما في بعض‬
‫النسخ أي وفي الفسخ إن لم يقل لي وإمضاء العقدة الثانية بمجرد العقد ولزومه‬
‫أي اآلمر االثنا عشر لألجل ألن ضمانها من المأمور ولو شاء اآلمر عدم الشراء‬
‫كان له ذلك‪ ،‬ألنها لم تلزمه فقوله أو إمضائها أي إن أخذها اآلمر وليس للمأمور‬
‫منعها منه لكونه كوكيل اآلمر قوالن والمعتمد الثاني وال جعل للمأمور على‬
‫القولين‪.‬‬
‫وبخالف قول اآلمر للمأمور اشترها لي بعشرة نقدا وأنا آخذها منك‬
‫باثنيـ عشر نقدا فيمنع إن نقد المأمور العشرة بشرط عليه من اآلمر بأن قال‬
‫اآلمر اشترها لي بعشرة وانقدها عني وأنا أشتريها منك باثني عشر نقدا ألنه‬
‫حينئذ جعل له الدرهمين في نظير سلفه وتوليه الشراء‪ ،‬فهو سلف وإجارة‬
‫بشرط‪ ،‬وهو يفيد أنه إذا حذف الشرط صح كالبيعـ والسلف وإن شرط النقد‬
‫كالنقد بشرط ولزمت السلعة اآلمر في هذه أيضا بالثمنـ األول وهو العشرة‬
‫نقدا ويفسخ الثاني‪.‬‬
‫وإن وقع له أي للمأمور على اآلمر األقل من جعل مثله أو الدرهمين‬
‫فيهما‪ ،‬أي في هذه المسألة وفي أول قسمي التي قبلها وهو قوله اشترها لي‬
‫بعشرة نقدا وآخذها باثني عشر ألجل وأما في قسمها الثاني وهو إن لم يقل لي‬
‫فال جعل له كما تقدم واألظهر واألصح أنه ال جعل له فيهما لئال يلزم تتميم‬
‫الفاسد وهو ضعيف والراجح ما قدمه وجاز نقد المأمور بغيره أي بغير شرط‬
‫بل وقع تطوعا وله الدرهمان كنقد اآلمر نفسه بأن دفع العشرة للمأمور وقال له‬
‫اشترها لي بالعشرة وآخذها باثني عشر نقدا فإنه يجوز له الدرهمان ألنهما‬
‫أجرة له وإن لم يقل لي بأن قال اشترها بعشرة نقدا وآخذها منك باثني عشر‬
‫نقدا‪.‬‬
‫ففي الجواز أي جواز شرائه منه باثنيـ عشر نقدا والكراهة وهو‬
‫الراجح قوالن محلهما أن نقد المأمور بشرط فإن تطوع جاز قطعا وبخالف‬

‫ــ ‪ 442‬ـ‬
‫اشترها لي باثني عشر ألجل وأشتريها منك بعشرة نقدا فممنوع للسلف بزيادة‬
‫ألنه يسلفه عشرة على أن يشتريها له باثنيـ عشر‪ ،‬فتلزم اآلمر بالمسميـ‬
‫الحالل وهو االثنا عشر ألجلها وال تعجل العشرة‪ ،‬وللمأمور ألنه يؤدي إلى‬
‫السلف بزيادة‪.‬‬
‫وإن عجلت أخذت أي ردت لآلمر ولو غاب عليها المأمور وال يفسد‬
‫العقد وله جعل مثله زاد على الدرهمين أو نقص وإن لم يقل لي في الفرض‬
‫المذكور فهذا ثاني القسم الثالث وهو تمام الستة األقسام الممنوعة فهل ال يرد‬
‫البيع الثانيـ بالعشرة نقدا إذا فات بل يمضي بالعشرة نقدا وعلى المأمور االثنا‬
‫عشر لألجل يؤديها لبائعه عنده وليس على اآلمر إال العشرة التي أمر بها أو‬
‫يفسخ البيع الثاني مطلقا فات أو لم يفت لكن ترد إن كانت قائمة وإال فالقيمة‬
‫يوم قبضها وحينئذ فالقوالن متفقان على الرد إن لم تفت والخالف بينهماـ إن‬
‫فاتت فأحدهما اإلمضاء بالثمن والثانيـ لزوم القيمة‪.‬‬
‫وظاهر قوله‪ :‬إال أن يفوت أي البيع فالقيمة‪ ،‬أنه ال فسخ مع الفوات على‬
‫هذا القول وليس كذلك فهو إما إيضاح يغني عنه اإلطالق أو استثناءـ من مقدر‬
‫أي وترد بعينها إال الخ قوالن(‪.)1‬‬
‫بيع الصرف الممنوع‬
‫(‪)2‬‬
‫بالنسبة للتأخير في صرف الفلوس قد جاء في المدونة في ما يخص‬
‫التأخير في صرف الفلوس قلت‪ :‬أرأيت إن اشتريت فلوسا بدراهم فافترقنا‬
‫قبل أن نتقابضـ هذا األمر غير مقبول وفاسد عند مالك‪ ،‬وقال مالك في‬
‫الفلوس‪ :‬ال خير فيها نظرة بالذهب وال بالورق‪ ،‬ولو أن الناس أجازوا بينهم‬
‫الجلود حتى تكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق‪ ،‬ولو‬
‫اشتريت خاتم فضة أو خاتم ذهب أو تبر ذهب بفلوس وتم االفتراق قبل‬
‫(?) الشرح الكبير ألبي البركات سيدي احمد الدردير وبهامشه الشرح المذكور مع‬ ‫‪1‬‬

‫تقريرات للعالمة المحقق سيدى الشيخ محمد عليش مطبعة احياء الكتب العربية عيسى‬
‫البابى الحلبي وشركاء (‪.)3/88/89‬‬
‫(?) ينظر شرح حدود ابن عرفة (‪( )2/5‬الصرف بيع الذهب بالفضة أو أحدهما بفلوس‬ ‫‪2‬‬

‫وبيع جنس يدخل فيه جميع أنواع البيع وقوله ((الذهب بالفضة)) يخرج به البيع األخص‬
‫ألن من خاصته كون أحد عوضيه غير ذهب وال فضة قوله ((أو أحدهما بفلوس))‪ .‬أشار‬
‫إلى أن الفلوس حكمها حكم النقد ال حكم العرض قال الشيخ ~ مستدال على أن بيع‬
‫الفلوس بالذهب أو الفضة من باب الصرف أن في المدونة قال من صرف دراهم بفلوس‬
‫فقد أطلق على ذلك صرفا واألصل في اإلطالق الحقيقة وهذا جواب عن سؤال كأن قائال‬
‫قال اإلطالق يكون مجازا ويكون حقيقة فال دليل يدل على ذلك فأجاب بأن اإلطالق‬
‫أصله الحقيقة والحمل عليها واجب)‪.‬‬
‫ــ ‪ 443‬ـ‬
‫التقابض أيجوز هذا عند المالكية؟ هذا األمر ال يجوز ألن مالكا قال‪ :‬ال يجوز‬
‫فلس بفلسين‪،‬ـ وال تجوز الفلوس بالذهبـ والفضة وال بالدنانيرـ نظرة ‪ ،‬وجاء‬
‫عن ابن وهب‪ ،‬عن يونس بن يزيد عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال‪:‬‬
‫الفلوس بالفلوس بينهما فضل فهو ال يصلح في عاجل بآجل وال عاجل بعاجل‬
‫وال يصلح بعض ذلك ببعض إال هاء وهاء قال‪ :‬الليث بن سعد‪ ،‬عن يحيى بن‬
‫سعيد وربيعةـ أنهما كرها الفلوس بالفلوس وبينهماـ فضل أو نظرة وقاال‪ :‬إنها‬
‫صارت سكة مثل سكة الدنانير والدراهم الليث‪ ،‬عن يزيد بن أبي حبيب‬
‫وعبيد هللا بن أبي جعفر قاال‪ :‬وشيوخنا كلهم أنهم كانوا يكرهون صرف‬
‫الفلوس بالدنانير والدراهم إال يدا بيد وقال يحيى بن أيوب‪ :‬قال يحيى بن‬
‫سعيد‪ :‬إذا صرفت درهما فلوسا فال تفارقه حتى تأخذه كله(‪.)1‬‬
‫ومما جاء في بيع الصرف هذا الحديث يروى عن عبد هللا بن يوسف‬
‫أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن مالك بن أوس أخبره أنه التمس صرفا بمائةـ‬
‫دينار‪ ،‬فدعانى طلحة بن عبيد هللا فتراوضنا‪ ،‬حتى اصطرف منى‪ ،‬فأخذ‬
‫الذهب يقلبها فى يده‪ ،‬ثم قال حتى يأتىـ خازني من الغابة‪ ،‬وعمر يسمع ذلك‪،‬‬
‫ب ِربًا ِإاَّل‬ ‫َب بِ َّ‬
‫الذ َه ِ‬ ‫َّ‬
‫«الذه ُ‬ ‫فقال وهللا ال تفارقه حتى تأخذ منه‪ ،‬قال رسول هللا ×‪:‬‬
‫ش ِعي ِر ِربًا ِإاَّل هَا َء َوهَا َء‬ ‫هَا َء َوهَا َء َوا ْلبُ ُّر بِا ْلبُ ِّر ِربًا ِإاَّل هَا َء َوهَا َء َوال َّ‬
‫ش ِعي ُر بِال َّ‬
‫َوالتَّ ْم ُر بِالتَّ ْم ِر ِربًا ِإاَّل هَا َء َوهَا َء»(‪.)2‬‬
‫فنطرح اإلشكالية التاليةـ هل يدخل في هذا المجال البيع بالشيكاتـ هل‬
‫يمكن أن نعتبرـ قبض الشيك قبض لحقيقة المال أم ال وهذا األمر نعرضه على‬
‫السادة الكرام فيقولون بجوازه أم ال؟‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ القمار‬
‫القمار ـ أو الميسر بحسب التراث العربي ـ هو كل لعب بين متنافسينـ‬
‫على‪ ‬مال‪ ‬يجمع منهم ويوزع على الفائز منهم ويحرم الخاسر‪ .‬ويوجد الكثير‬
‫من أشكال القمار من أشهرها ألعاب‪ ‬اليانصيب‪ ‬واللوتري وظهر مع‬
‫بداية‪ ‬اإلنترنتـ‪ ‬نوع جديد من القمار وهو القمار اإللكتروني‪.‬‬
‫أنواع القمار‬
‫‪ 1‬ـ ألعاب المائدة‪ :‬في الكازينوهات‪،‬ـ يستخدم مصطلح ألعاب المائدة‬
‫لوصف ألعاب مثل‪ ‬البالك جاك‪ ،‬الروليت‪ ،‬وبوكر‪ ‬والتي تلعب على المائدة‬
‫وتدار بواسطة شخص أو أكثر كمدير اللعبة أو الموزع في لعبة البوكر‪ ،‬في‬
‫حين أن ماكينةـ الحظ أو‪ ‬السلوت آلة بها ذراع يتم تحريكه فتقوم بتحريك ثالث‬

‫(?) المدونة (‪.)8/305‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الجامع الصحيح المختصر محمد بن إسماعيل أبو عبدهللا البخاري الجعفي (‪8/12‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،)9‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬مصطفى ديب البغا أستاذ الحديث وعلومه في كلية الشريعة ـ جامعة‬
‫دمشق دار ابن كثير‪ ،‬اليمامة ـ بيروت الطبعة الثالثة‪ 1407 ،‬ـ ‪1987‬‬
‫ــ ‪ 444‬ـ‬
‫بكرات بها أشكال مختلفة إذا تطابق أحد األشكال فيتحقق الفوز ال تستلزم‬
‫سوى الالعب فقط‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ األلعاب اإللكترونية‪ :‬وتشمل السلوت والفيديو بوكر والقمار عبر‬
‫األنترنت‪ .‬وقد حرّم اإلسالم الميسر بكل أشكاله لقول تعالى‪ :‬ﮋﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ‬
‫ﭮ ﭯ ﭰ ﭱﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﮊ(‪ .)1‬ولقد نهى الرسول عليه الصالة والسالم عن‬
‫اللعب بالنرد عن سليمان ابن بريدة عن أبيه أن النبي × قَا َل‪َ « :‬منْ لَ ِع َ‬
‫ب‬
‫صبَ َغ يَ َدهُ فِى لَ ْح ِم ِخ ْن ِزي ٍر َو َد ِم ِه»(‪.)2‬‬
‫َشي ِر فَ َكَأنَّ َما َ‬
‫بِالنَّ ْرد ِ‬
‫وقد جاء في شرح مختصر خليل‪ :‬المسابقة مشتقة من السبق بسكون‬
‫الباء مصدر سبق إذا تقدم وبفتحها المال الذي يوضع بين أهل السباق‪.‬‬
‫قال القرافي المسابقة مستثناة من ثالث قواعد‪ :‬القمار بكسر القاف‪ ،‬وتعذيب‬
‫الحيوان لغير مأكلة‪ ،‬وحصول العوض والمعوض لشخص واحد انتهى قوله‪.‬‬
‫وحصول العوض إلخ أي في بعض الصور وهي ما إذا كان الجعل من‬
‫غير المتسابقينـ على أن يأخذه السابق كما يأتي والمعوض هو الثواب ؛ ألن‬
‫السبق له ثواب لتدريبهـ على الحروب وإنما استثنيتـ من هذه القواعد‬
‫الممنوعة لمصلحة الجهاد‪.‬‬
‫وعقد المسابقة الزم بمجرد بجعل في الخيل واإلبل وبينهماـ والسهم‪ ،‬أي‬
‫المسابقة حال كونها بالجعل جائزة فيما ذكر فقط‪ ،‬فال تجوز في غيره إال‬
‫مجانا‪ ،‬كما يأتي فقوله في الخيل خبر المسابقةـ‪ .‬فهو متعلق بمحذوف لكنه‬
‫خاص أي جائزة فيما ذكر بدليل قوله فيما يأتيـ وجاز فيما عداه مجانا‪.‬‬
‫وقوله في الخيل من الجانبين كفرسين أو أفراس وقوله وفي اإلبل كذلك‬
‫وقوله وبينهما أي الخيل من جانب واإلبل من آخر وال يدخل الفيل في ذي‬
‫الخف وال الحمار وال البغل في ذي الحافر ؛ ألنها ال يقاتل عليها واألظهر‬
‫عند الشافعية الجواز لدخوله في الخبر المذكور(‪.)3‬‬
‫طرق عالج األزمة المالية (المعامالت المالية الجائزة) ورأي المالكية‬
‫ويمكن أن نقدم بعض العالج وهو من المبادئ التي نؤمن بها وهذا العالج‬
‫نادى به أصحاب القرار في الواليات المتحدة األمريكية حيث خفضوا سعر‬
‫الفائدة‪ ،‬وهم اآلن يعترفون أن رفع سعر الفائدة ضار ج ًّدا باالقتصاد‪ ،‬وهذا ما‬
‫نص عليه القرآن الكريم بقول هللا تعالى ﮋﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ‬
‫ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦﮊ(‪ ،)4‬والفائدة في اإلسالم هي الربا‪ ،‬وهي محرمة واإلسالم‬

‫(?) سورة المائدة‪ 90/‬ـ ‪.91‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الجامع الصحيح المسمى صحيح مسلم أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم‬ ‫‪2‬‬

‫القشيري النيسابوري دار الجيل بيروت ‪ +‬دار األفاق الجديدة ـ بيروت (‪.)7/5‬‬
‫(?) شرح مختصر خليل (‪.)182 /10‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة البقرة‪279/‬‬ ‫‪4‬‬

‫ــ ‪ 445‬ـ‬
‫عندما جعل القرض بغير فائدة يحميهـ أكثر مما تحميهـ اآلن الفائدة‪ ،‬والقرض‬
‫في اإلسالم مضمون بنسبةـ ‪ %100‬ال يمكن إطالقًا أن يضيع قرض على‬
‫صاحبه‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ دور استخدام الذهب والفضة على استقرار قيمة النقود في النظام‬
‫االقتصادي‬
‫إن دور استخدام الذهب والفضة على استقرار قيمة النقود في النظام‬
‫االقتصادي له أثر كبير في استقرار النظام االقتصادي العالمي‪ ،‬ألن النظام‬
‫النقدي من أهم ركائز النظام االقتصادي‪ ،‬وقد اهتم فقهاء المالكيةـ وغيرهم‬
‫بمسائل النقود اهتماماـ كبيرا ألنها ذات عالقة بمسائل فقهية بارزة كالربا‪،‬‬
‫والزكاة‪ ،‬والبيوع‪ ،‬والصرف‪ ،‬والسلف‪ ،‬والشركة والمضاربة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫وقد حرص فقهاؤنا على تحقيق العدالة بين الدائن والمدين‪ ،‬ولذلك فقد‬
‫عبر المالكية وغيرهم عن ضرورة ثباتـ قيمة النقود‪ ،‬وأنها يجب أن تكون‬
‫معيارا مستقرا ال يزيد وال ينقص‪ ،‬ووضعوا من األدوات والوسائل التي‬
‫تحقق ذلك وهذا تم استنباطه من القرآن الكريم وسنة الرسول عليه الصالة‬
‫والسالم‪ ،‬والسؤال المطروح هو هل يمكن الرجوع إلى الذهب والفضة‬
‫(نظام المعدنين)؟ وهل هناك معوقات تحول دون العودة إلى نظام المعدنين؟‬
‫وفي الجزائر بعد االستقالل كان سعر الصرف فيها يحدد ويثبت ليالئم‬
‫استراتيجيات التنمية فتم إنشاء العملة الوطنية المتمثلة في الدينار وحدد وزن‬
‫الذهب‪ ،‬ولكن اليوم أصبح سعر صرف الدينار مرتبط بعملة واحدة أو سلة من‬
‫العمالت‬
‫‪ 2‬ـ المعامالت المالية الجائزة‬
‫أوال ـ المــــــرا بــحة‬
‫‪ 1‬ـ تعريفها‪ :‬لغة‪ :‬مصدر ربح من الربح وهو الزيادة‪.‬‬
‫اصطالحا‪ :‬بيع ما اشترى بثمنه وربح معلوم ؛ وهو جائز بإجماع العلماء‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ مشروعية المرابحة‪ :‬ورد عن عثمانـ بن عفان ‪ ‬أنه كان‬
‫يشتري العير فيقول من يربحنيـ عقلها من يضع في يدي دينارا‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ حكمتها‪ :‬المرابحة تسد حاجة الناس‪ ،‬وهي باب من أبواب‬
‫االستثمار في اإلسالم‪ ،‬ترفع الحرج عن الناس‪.‬‬
‫ثانيا ـ بيع التـــــــقسيط‬
‫‪ 1‬ـ تعريفه‪ :‬عقد على مبيعـ حال‪ ،‬بثمن مؤجل‪ ،‬يؤ ّدى مفرقا على أجزاء‬
‫معلومة في أوقات معلومة‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ حكمه‪ :‬جائز شرعا بشروط حتى ال يؤدي إلى الربا‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ حكمته‪ :‬شرع بيع التقسيط لحاجة الناس إليه ومنفعة ذلك لهم‪ ،‬إذ‬
‫اإلنسان قد يحتاج إلى اقتناء أشياء وال يملك ثمنهاـ الكامل فيشتريها بأقساط‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ رأي المالكية‪ :‬جاء في الموطأ‪ :‬قال مالك في رجل ابتاع سلعة من‬
‫رجل بعشرة دنانيرـ نقدا أو بخمسة عشر دينارا إلى أجل قد وجبت للمشترى‬

‫ــ ‪ 446‬ـ‬
‫بأحد الثمنين إنه ال ينبغىـ ذلك ألنه إن أخر العشرة كانتـ خمسة عشر إلى‬
‫أجل وإن نقد العشرة كان إنما اشترى بها الخمسة عشر التي إلى أجل‪.‬‬
‫وقال مالك في رجل اشترى من رجل سلعة بدينار نقدا أو بشاة‬
‫موصوفة إلى أجل قد وجب عليه بأحد الثمنينـ‪ :‬إن ذلك مكروه ال ينبغىـ ألن‬
‫ن َبيَْعتَْينِ فِي َبيَْعٍة»‪ ،‬وهذا من بيعتينـ في بيعة‪.‬‬
‫«نَهى عَ ْ‬
‫رسول هللا × َ‬
‫قال مالك في رجل قال لرجل أشترى منك هذه العجوة خمسة عشر‬
‫صاعا أو الصيحانى عشرة أصوع أو الحنطة المحمولة خمسة عشر صاعا أو‬
‫الشامية عشرة أصوع بدينار قد وجبت لي إحداهما إن ذلك مكروه ال يحل‬
‫وذلك أنه قد أوجب له عشرة أصوع صيحانيا فهو يدعها ويأخذ خمسة عشر‬
‫صاعا من العجوة أو تجب عليه خمسة عشر صاعا من الحنطة المحمولة‬
‫فيدعها ويأخذ عشرة أصوع من الشامية فهذا أيضا مكروه ال يحل‪.‬‬
‫وهو أيضا يشبهـ ما نهى عنه من بيعتين في بيعةـ وهو أيضا مما نهى‬
‫عنه أن يباع من صنف واحد من الطعام اثنانـ بواحد(‪.)1‬‬
‫وقد بين صاحب جواهر اإلكليل هذا المعنى بقوله‪ :‬وكبيعتين في بيعة أي‬
‫عقد واحد‪ ،‬في الموطأ « َن َهى × عَ ْ‬
‫ن َبيَْعتَْينِ ِفي َبيَْعٍة»‪ .‬ومحمله عند مالك على‬
‫صورتين أشار المصنف إلحداهما بقوله يبيعها أي مالك السلعة المعينة‪ ،‬بشرط‬
‫إلزام للمشتري أو للبائع بالشراء‪ ،‬وأنه ليس له تركة على وجه يتردد فيه‪،‬‬
‫ويحصل به الغرر كبيعها بعشرة من الدراهم مثال نقدًا أي حالة أو بـ أكثر منها‬
‫كعشرين ألجل كشهر‪ ،‬ومفهوم بإلزام أنه لو كان بالخيار في األخذ والترك جاز‬
‫له ذلك(‪.) 2‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ثالثا ـ الـــقــراض(المــضاربة)‬
‫‪ 1‬ـ تعريفه‪ :‬لغة‪ :‬بمعنىـ القطع؛ اصطالحا‪ :‬هو عقد شركة بين طرفين‬
‫على أن يدفع أحدهما ماال إلى اآلخر ليتاجر فيه ويكون الربح بينهماـ حسب ما‬
‫يتفقان عليه‪.‬‬
‫حكمه‪ :‬القراض جائز ومشروع عند المسلمين وقد ضارب النبي ‪ ‬في‬
‫مال خديجة <(‪.)4‬‬

‫(?) موطأ مالك (‪.)4/348‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) ‪http: //www.islamonline.net‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) بداية المجتهد ونهاية المقتصد لإلمام القاضي أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن‬ ‫‪3‬‬

‫أحمد بن رشد القرطبي االندلسي الشهير (بابن رشد الحفيد) (‪ )2/18‬تنقيح وتصحيح‬
‫خالد العطار طبعة جديدة منقحة ومصححة إشراف مكتب البحوث والدراسات دار الفكر‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع‬
‫(?) مختصر خليل تأليف خليل بن إسحاق الجندي (‪ )1/208‬دار الكتب العلمية بيروت ـ‬ ‫‪4‬‬

‫لبنان ‪1995‬م‪.‬‬
‫ــ ‪ 447‬ـ‬
‫‪ 2‬ـ الحكمة من تشريعه‪ :‬شرع القراض لشدة حاجة الناس إليه‪ ،‬فقد يملك‬
‫إنسان ما المال وال يحسن تنميته وقد يُحسن إنسان ما فنون التجارة وتنمية المال‬
‫وال يملك المال‪ .‬فشرع القراض (المضاربة) ليتحد الجهد والمال‪.‬‬
‫دعوة‪:‬‬
‫وفي األخير وليس آخرا أقدم ألساتذتي الكرام هذا الطلب المتواضع‬
‫إلى دعوة تجديد الفقه المالكي ألن من مصادر التي يحتوي عليها هذا الفقه‬
‫والذي يعتبرـ ميراث الرسول عليه الصالة والسالم ما يسمى المصالح‬
‫المرسلة التي نعتبرها الميزان التي نزن بها كل النوازل التي ال يوجد في‬
‫سندها دليل شرعي من القرآن الكريم والسنة المطهرة‪ ،‬وفي األخير يكمن في‬
‫العودة إلى األخالق الحسنة فهي الحل لكل المعضالت‪.‬‬

‫ــ ‪ 448‬ـ‬
‫نوازل الوقف في الغرب اإلسالمي‬
‫(دراسة تطبيقية عن حدود احترام شرط الواقف وأثره على تنمية الوقف)‬
‫‪ ‬د‪/‬عبد القادر بن عزوز‬
‫كلية العلوم اإلسالمية‪ ،‬جامعة الجزائر‬
‫عرف الغرب اإلسالمي عبر تاريخه نهضة حضارية في مختلف‬
‫جوانبهـ السياسيةـ واالجتماعيةـ واالقتصادية أثرت في نمط حياتهـ الدينيةـ‬
‫والفكرية‪،‬ـ ومن أمثلة ذلك توسع ثقافة الوقف في الغرب اإلسالمي لدى كل‬
‫الفئات االجتماعية‪ ،‬وما نقله الفقهاء في كتب النوازل لخير دليل على هذا‬
‫األمر‪.‬‬
‫وإن من أهم المسائل التي تناولها فقهاء المالكيةـ في الغرب اإلسالمي‪،‬‬
‫مسائل الوقف عموما‪ ،‬وبحث شروط الواقف خصوصا‪ ،‬والتي هي مدار هذا‬
‫البحث‪.‬وقبل بيان موقف الفقهاء في مدى احترام شرط الواقف؟ وهل يجوز‬
‫التصرف فيه؟وما هي حدود ذلك؟يجدر بالبحث أن يحدد جملة من‬
‫المصطلحات كمدخل للبحث كتعريف الوقف وبيان مكانة الشروط عموما في‬
‫المنظومة الفقهية الشرعية‪.‬‬
‫أوال ـ تعريف الحبس في اللغة واالصطالح‬
‫‪ 1‬ـ تعريف الوقف في اللغة‪ :‬الوقف في أصل اللغة مصدر مشتق من‬
‫وقف‪ ،‬نقول‪ :‬وقفت الشيء إذا حبسته(‪.)1‬‬
‫‪ 2‬ـ الحبس في االصطالح الشرعي‪ :‬هو ((إعطاء منافع على سبيلـ‬
‫التأبيد))(‪.)2‬‬
‫ثانيا ـ حكم احترام شروط العقد‪ :‬أمرت الشريعة باحترام العقود‬
‫المشروعة وما تضمنته من شروط مشروعة عمال بظواهر نصوص الكتاب‬
‫والسنة‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫ـ فمن القرآن قوله تعالى‪:‬ـ ﮋﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮊ ‪.‬‬

‫‪ )?( 1‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.9/359 :01‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) فتــاوى الــبرزلي الــبرزلي(‪841‬هـــ)‪ ،‬تحقيق أد‪/‬محمدـ الحــبيب الهيلــة‪ ،‬دار الغــرب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪2002 / 01‬م‪.5/316 :‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) سورة المائدة‪.1/‬‬
‫ــ ‪ 449‬ـ‬
‫والوقف عقد من العقود الشرعية يتضمن أركان وشروط يجب الوفاء‬
‫بها‪ ،‬واإلخالل بها إخالل بمعنىـ العقد ومقاصده في الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫ـ ومن السنة حديث ابن عباس قال‪ :‬قَال النَّبِ ُّي ×‪« :‬ا ْل ُم ْ‬
‫سلِ ُمونَ ِع ْن َد‬
‫وط ِه ْم»(‪.)1‬‬
‫ش ُر ِ‬
‫ُ‬
‫أي عند شروطهم المتعلقة بالعقود المشروعة‪ ،‬والوقف المشروع‬
‫يتضمن شروطا يجب الوفاء يها‪.‬‬
‫ثالثا ـ تعريف الشرط في اللغة واالصطالح‬
‫‪ 1‬ـ الشرط في اللغة‪ :‬الشرط في أصل اللغة‪ :‬هو العالمة‪ ،‬ويأتي بمعنى‬
‫إلزام الشيء والتزامه في البيع ونحوه(‪.)2‬‬
‫‪ 2‬ـ الشرط في االصطالح‪ :‬عرف اإلمام الشرط بقوله‪(( :‬الشرط هو ما‬
‫يلزم من نفيه نفي أمر ما على وجه ال يكون سببا لوجوده وال داخال في السبب))‬

‫(‪.)3‬‬
‫رابعا ـ حكم التصرف في شرط الواقف‪ :‬أوجب الفقهاء وجوب احترام‬
‫شرط الواقف عمال بقاعدة احترام مضامين العقود المشروعة والتي يتفرع عنها‬
‫الضابط الفقهي الكلي‪ ،‬والذي مضمونه أن ((شرط الواقف يجب إتباعه‪ ،‬إن جاز‬
‫أو كره))(‪.) 4‬‬
‫ومنه يتفرع عن هذا أن شرطه تعتريه األحكام الشرعية الخمسة من‬
‫جهة الوجوب إن عينه وكان مشروعا ومقدورا على تنفيذه‪،‬ـ وقد يكون محرما‬
‫في حالة إذ تضمن شرطا محرما‪...‬‬
‫خامسا ـ أنواع الشروط في الوقف‪ :‬يقسم الفقهاء شرط الواقف إلى‬
‫قسمين‪ :‬جائز وغير جائز‪.‬‬

‫‪ )?( 1‬صحيح البخاري‪ ،‬باب أجرة السمسار‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫(?) لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪.329 / 07 :‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) اإلحكام لآلمدي‪ ،‬تحقيق د‪ .‬سيد الجميلي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1404 /01‬‬
‫‪.2/332‬‬
‫‪4‬‬
‫(?) الثمر الداني في تقريب المعاني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني‪ ،‬صــالح بن عبد‬
‫السميع اآلبي األزهري (المتوفى‪1335 :‬هـ)‪ ،‬المكتبةـ الثقافية ـ بيروت‪.1/156 :‬‬
‫ــ ‪ 450‬ـ‬
‫فأما الشرط الجائز‪ ،‬ويتضمن الواجب‪ ،‬والمندوب والمباح‪ ،‬وهو‪ :‬الذي‬
‫ال يخالف الشريعة ومقاصدها في الخلق كوقفه على المرضى أو الفقراء أو‬
‫الذرية‪ ،‬فيحترم شرطه وال يتجاوزه‪.‬‬
‫وأما النوع الثانيـ فهو غير الجائز‪ ،‬ويتضمن المحرم والمكروه‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫الذي يخالف الشريعة ومقاصدها كالوقف على الكنائس مثال أو مخمرة‪...‬‬
‫سادسا ـ هل يجوز مخالفة شرط الوقف‪ :‬يجيز فقهاء المالكية التصرف‬
‫في شرط الواقف إن تحققت جملة من األسباب أو الشروط أجملها في اآلتي‪:‬‬
‫ـ الشرط األول‪ :‬أن يشترط شرطا مخالفا لمقتضى الشريعة أو مقتضى‬
‫مقاصد الوقف‪ ،‬ومثاله‪ :‬كأن يوقف على ما يحقق مفسدة شرعية كالوقف على‬
‫نشر كتب مضللة‪ ،‬أو معابد للكفار‪ .‬ألن في القول بعدم جواز مخالفة هذه‬
‫الشروط الفاسدة‪ ،‬وسيلة لمفسدة إبطال الكليات الخمس‪ ،‬وفي مقدمتها كلية الدين‪.‬‬
‫ـ الشرط الثاني‪ :‬أن يتعذر تحقيق شرط الواقف‪ :‬يعتبر فقهاء المالكيةـ‬
‫تعذر تحقيق شرط الواقف سببا يبيح للناظر أن يتصرف بما فيه مصلحة‬
‫للوقف‪ ،‬ويعمل بقصده ال بلفظه كماء نقله البرزلي في مسائله قوله‪(( :‬وسئل‬
‫القابسي عمن حبس كتبا‪،‬ـ وشرط في تحبيسهـ أنه ال يعطىـ الطالب إال كتاباـ بعد‬
‫كتاب‪.‬فإذا احتاج الطالب إلى كتابينـ أو تكون كتباـ من أنواع شتى فهل يعطىـ‬
‫كتابينـ معا أو ال يأخذ إال كتاباـ بعد كتاب؟‬
‫فأجاب‪ :‬إذا كان الطالب مأمونا أمن من هذا‪ ،‬وإن كان غير معروف‪ ،‬فال‬
‫يدفع إليه إال كتابا واحدا وإن كان من أنواع‪ ،‬خشية الوقوع في ضياع أكثر من‬
‫واحد‪.‬‬
‫قلت‪...:‬وظاهر ما في هذا السؤال أنه يراعى قصد المحبس ال لفظه‪.‬‬
‫ومنه ما جرى به العرف في بعض الكتب المحبسة على المدارس‬
‫بشرط عدم خروجها من المدرسة‪ ،‬وجرت العادة في هذا الوقت بخروجها‬
‫بحضرة المدرسين ورضاهم‪ ،‬وربما فعلوا ذلك في أنفسهم ولغيرهم‪ ،‬وهو ـ‬
‫وهللا أعلم ـ مما أشار إليه الشيخ مراعاة قصد المحبس ال لفظه‪.‬‬
‫ومثله ما فعلته أنا في مدرسة الشيخ التي بالقنطرة‪ ،‬غيرت بعض‬
‫أماكنها مثل الميضات ورددتها بيتاـ ونقلتها إلى محل البئر النقطاع الساقية‬
‫التي كانتـ تأتيها ورد العلوي المحبس على عقبه الذكور بيوتا لسكنى الطلبة‬
‫بعد إعطاء علوي من الحبس يقوم مقامه في المنفعةـ بموجب مذكور في‬

‫ــ ‪ 451‬ـ‬
‫محله‪ ،‬وكزيادة رواتب الطلبة لما كثروا بها ويفضل شيء من خراجها بحيث‬
‫لو كان المحبس حاضرا الرتضاه))(‪.)1‬‬
‫ومثاله أيضا ما جاء في المعيار قوله‪(( :‬وسئل الشيخ أبو عبد هللا سيدي‬
‫محمد بن مرزوق عن أرض محبسة على أستاذ‪ ،‬وشرط المحبس ~ في‬
‫األستاذ شروطا ال توجد اليوم في أحد؟‬
‫وهنا بعض الطلبة ممن يحسن أن يقرأ عليه‪،‬ـ ولكن تورع عنها ألجل‬
‫الشروط التي في أصل الحبس‪ ،‬وطلب مني السؤال في القضية‪ ،‬فهل يأخذها‬
‫األمثل فاألمثل أو يبقى كذلك إلى أن يوجد من هو بتلك الصفات؟‬
‫والغالب على ظني أال توجد اليوم في أحد؟‬
‫فهل يا سيدي تعين ألعرف ما في الوقت عندنا‪ ،‬أو تبقى كذلك دون‬
‫تعيين ألحد؟‬
‫ومن جملة ما شرطه ‪ ،‬أنها ال تكرى وال تحرث إال بالشركة‪ ،‬وهذا‬
‫أيضا تعذر من وجوه من عدم الزريعة وغيرها‪ ،‬ألن الناس يحرثونها بزريعتهم‬
‫للدراس‪ ،‬ويأخذ زريعته‪ ،‬فهل يجوز‬
‫وما ينوب للثلث يعطيه الذي يحرث حتى ِ‬
‫هذا أم ال؟‬
‫ولو كان متطوعا به في الظاهر‪ ،‬وأما هو فما دخل إال على أن يعطيهـ‬
‫حتى إلى معظم الدراس ويأخذ زريعته‪ ،‬فبين لنا وجه الحكم في هذه المسألة؟‬
‫ويخاف على األرض إن بقيتـ دون من يتكلم عليها ممن ال تكون بيده‬
‫تضيع لفساد الوقت ولعدم جريان أحكام الشريعة‪.‬‬

‫واألوصاف التي شرط ‪ ،‬ال توجد أصال إال في أبي عمر واإلمام‬
‫حمزة ‪ ،‬ولهذا كره العلماء ‪ ‬كثرة الشروط في الحبس كما في كريم‬
‫علمكم‪ ،‬والسالم التام يخص مقامكم سيدي ورحمة هللا‪.‬‬
‫فأجاب‪ :‬تصرف ألمثل من يوجد من أهل المكان المذكور‪ ،‬ومهما وجد‬
‫من هو أمثل منه صرفت عليه‪ ،‬والشركة على الوجه المذكور وإن شرطت لم‬
‫يتلفت إلى ذلك الشرط‪ ،‬ويبطل ويشارك فيها على الوجه الشرعي‪ ،‬وإال أكريت‬

‫(?) فتاوى البرزلي‪.5/419 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 452‬ـ‬
‫وصرفت غلتها لمن ذكر وهللا تعالى أعلم وكتب محمد بن مرزوق ~ ولطف‬
‫به بمنهـ))(‪.)1‬‬
‫ـ الشرط الثالث‪ :‬أن تنقطع منافع الوقف‪ :‬يجيز فقهاء المالكية تغيير‬
‫شرط الواقف إن انقطعت منافع الوقف بالكلية وال ترجى في المستقبلـ قال‬
‫الوزاني‪ :‬إن الحبس ((الذي ال نفع فيه بالكلية‪ ،‬كجنان ال تفي غلته بخدمته‪،‬‬
‫وكخربة ال منفعةـ فيها‪ ،‬ال فيما فيه نفع يمكن أن يصلح به‪ ،‬كالحوانيت‪ ،‬وكدار‬
‫يمكن كراؤها ؛فتكرى لإلصالح حسبما أشار إلى ذلك في المختصر بقوله‪:‬‬
‫وأخرج الساكن الموقوف عليه للسكنى إن لم تصلح لتكرى له مع أن العمل لم‬
‫يجر ببيعـ الحبس بفاس أصال؛وإنما جرى بالمعاوضة كما رأيت‪.)2())...‬‬
‫ـ الشرط الرابع‪ :‬أن يصرف في مصلحة عامة‪ :‬أفتى بعض فقهاء‬
‫المالكية بجواز تغييرـ شرط الواقف مؤقتا إن دعت الضرورة لما فيه من‬
‫تحقيق مصالح لألمة‪ ،‬ومثاله ما نقله الوزاني في نوازله الصغرى عن الفقيه‬
‫سيدي عبد الرحمن الحائك إذ سئل عن‪(( :‬تصحيح ما أفتى به غيره من جواز‬
‫إصالح أسوار البلد مما جمع من أحباس مكة‪.‬‬
‫فأجاب‪ :‬إنه صحيح آت على ما به الفتوى‪ ،‬عمال بما رواه ابن حبيب‬
‫عن أصبغ عن ابن القاسم‪ ،‬وبه قال ابن الماجشون وأسبغ‪ ،‬وإن ما أريد به‬
‫وجه هللا تعالى‪ ،‬فال بأس أن يصرف بعضه في بعض كما أجاب به القوري‬
‫المذكور وفي أجوبة الفاسي نوفي االستنابةـ للتلمسانيـ وفي غيرهما‪...‬ـ))(‪.)3‬‬
‫سابعا ـ أثر تغيير شرط الواقف عند تعذر تحقيقه على تنمية الوقف‪:‬‬
‫إن الناظر في كتب النوازل للغرب اإلسالمي يالحظ كثرة األسئلة الموجهة‬
‫للفقهاء للنظر في مسائلـ الوقف‪ ،‬وهذا يدل على االهتمام الفردي واالجتماعي‬
‫بالوقف وفهمهم للمصالح التي يحققها في حياة الجميع‪ ،‬ومن آثار تغيير شرط‬

‫‪ )?( 1‬المعيار‪ ،‬الونشريسي‪ ،‬تحقيق د‪/‬محمدـ حجي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط‪01/1401‬هـ ــ‬
‫‪1981‬م‪ 7/43 :‬ـ ‪.44‬‬
‫‪2‬‬
‫(?) النــوازل الجديــدة الكــبرى‪ ،‬الــوزاني (‪1342‬هـــ)‪ ،‬تحقيق أ‪/‬عمر بن عبــاد‪ ،‬وزارة‬
‫األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬المملكة المغربية‪،‬ـ ط ‪1419‬هـ ـ ‪1998‬م‪.8/395 :‬‬
‫‪3‬‬
‫(?) النوازل الصغرى‪ ،‬الوزاني‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬المملكة المغربية‪،‬‬
‫ط ‪1413‬هـ ـ ‪1993‬م‪.4/156 :‬‬
‫ــ ‪ 453‬ـ‬
‫الواقف عند تعذر تحقيق شرطه‪ ،‬أذكر على سبيل التمثيلـ بعض النوازل‬
‫المساعدة على معنى تنمية الوقف‪:‬‬
‫أ ـ تغيير شرط الواقف بتحويل غلة الوقف لوقف آخر‪ :‬أفتى فقهاء‬
‫المالكية بمشروعية تغييرـ شرط الواقف عند تعذر تحقيق شرط الواقف كأن‬
‫تعطلت المصالح المرجوة منه‪ ،‬بتحويل غلته أو ريعه إلى مرفق آخر يكون‬
‫أكثر نفعا للموقوف عليهم‪ ،‬ومنه المجتمع‪ ،‬ومثاله ما جاء في مسائل البرزلي‬
‫قال‪ :‬الشعبي‪ :‬من حبس غلة في مصالح حصن المسلمين‪،‬ـ فتغلب العدو عليه‬
‫تصرف هذه الغلة في حصن غيره على مثل تلك الوجوه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومثله إذا خرب وأيس من عمارته مثل ما تقدم في أنقاضه‪،‬‬
‫ورأيت هذا))(‪.)1‬‬
‫ب ـ تغيير شرط الواقف باستبدال مصالحه‪ :‬أجاز الفقهاء تغيير بعض‬
‫رسوم الوقف من حالة ألخرى إن وجدت أسباب ذلك وتحقيقا لمصلحة الوقف‬
‫من جهة استمراره واستمرار منافعه‪ ،‬ومثاله ما نقله الونشريسي في معياره‬
‫في مسألة استبدال مراحيض تعطلتـ عن تأديةـ وظيفتهاـ إلى محالت تجارية‬
‫ينتفع الوقف بريعهاـ كما جاء في المعيار للونشريسي ~ تعالى‪(( :‬وسئل‪ :‬أبو‬
‫عمران سيدي موسى العبدوسي ~ عن ميضاة بنيت حول المسجد الجامع‪،‬‬
‫ولم يزل اإلهمال يكثر فيها حتى ترك الوضوء به لضيقه وكثرة ظلمته؛ـ‬
‫وصار جملة الناس يتغوطون فيه‪ ،‬فينجس بذلك الماء الجاري فيه لباب الحفاة‬
‫في غالب األمر‪ ،‬وتتطرق النجاسة إلى المسجد الجامع بسبب ذلك‪ ،‬وتؤذي‬
‫رائحته من يجلس في صحنه ليصلي فيه يوم الجمعة‪ ،‬أو في أيام الحر‪ ،‬وآل‬
‫أمره إلى أن أغلق على أربع قطعات منه‪ ،‬وبقيت القطعة الخامسة المتصلة‬
‫بباب الحفاة المذكور فصار بذلك دثروا في أربع القطعات المذكورة‪ ،‬وتعذر‬
‫عودها إلى ما أسس عليه الموضع المذكور ولم يمكن ردها إلى ما قصد فيه‪،‬‬
‫لعدم احتياج الناس إليه‪ ،‬ورفع الضرورة الداعية إلى الوضوء فيه‪ ،‬من‬
‫الضيق والظلمة وعدم الوثوق بطهارة الماء‪.‬فهل يسوغ تغييره حوانيتـ تلحق‬
‫بأحباس المسجد الجامع المذكور مع احتياجه لذلك‪ ،‬ويصير هذا من باب‬

‫(?) فتاوى البرزلي‪.5/456 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 454‬ـ‬
‫صرف نوع من الجنس إلى نوع منه؟ أم ال يسوغ ذلك؟بينه لنا مأجورا إن‬
‫شاء هللا والسالم عليكم ورحمة هللا‪.‬‬
‫فأجاب‪ :‬الحمد هلل‪ ،‬أكرمكم هللا بالتقوى‪ ،‬ووفقنا وإياكم لما يحبه‬
‫ويرضى‪ ،‬الجواب أن بنيانـ الحوانيت في الموضع الذي ذكرتم جائز؛بل هو‬
‫من قبيل المندوب المستحب‪ ،‬وإزاحة الضرر والنتن من الموضع المذكور‬
‫واجب‪ ،‬ووجه ذلك أن تغيير الحبس على ثالثة أوجه‪:‬‬
‫ـ واجب‪.‬‬
‫ـ وممنوع‪.‬‬
‫ـ ومختلف فيه‪.‬‬
‫فالواجب‪ :‬ما في بقائهـ ضرر؛ فإذا كان يجوز بيعهـ لضرر؛ فتغيير حاله‬
‫إلى حالة أخرى مع بقائهـ حبسا أولى‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬ما في بقائه منفعة وال ضرر في بقائه‪ ،‬فهذا ال يجوز بيعه‬
‫باتفاق‪.‬‬
‫والقسم الثالث‪ :‬ما ليس فيه منفعة في الحال وترجى منفعته في المآل‪،‬‬
‫فهذا مختلف في بيعه‪،‬ـ فمن العلماء من أجاز بيعه نظرا إلى قصد المحبس‪،‬‬
‫وقصد المحبس االنتفاع به‪ ،‬فإذا عدم االنتفاع به بيع وعوض به ما فيه منتفع‪،‬‬
‫ومن العلماء من منع بيعه محافظة أال يغير الحبس))(‪.)1‬‬
‫ثم قال‪ ...(( :‬وأما مسألتكم هذه ففيها وجوه تجوز بناء الحوانيت‪،‬ـ‬
‫أحدها‪ :‬ما في بقائهاـ من الضرر بنتنـ يضر بأهل المسجد‪.‬‬
‫والوجه الثاني‪ :‬ما يخاف من النجاسة ببقائهـ وتلطيخ المسجد‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬لو سلم من هذه بقاؤه بغير منفعة في الحال وال في‬
‫المآل‪ ،‬ال ستغنى عنه بالميضاة المتصلة به‪.‬‬
‫الوجه الرابع‪ :‬افتقار المسجد إلى ما ينتفع به‪.‬‬
‫الوجه الخامس‪ :‬ما يرجى من غلة الحوانيت وتكثير فوائد المسجد لو لم‬
‫يكن محتاجا فيتعين بناء الحوانيت كما ذكرتم ويكون برأي القاضي وثبوت‬
‫الضرر عنده‪ ،‬كما في العقد الذي وقفت عليه بظهره‪ ،‬وهللا ولي التوفيق بفضله))‬

‫(‪.)2‬‬

‫(?) المعيار‪ ،‬الونشريسي‪.7/15 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) المعيار‪ ،‬الونشريسي‪.7/15 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 455‬ـ‬
‫ومثاله أيضا ما جاء عن الشيخ عبد هللا العبدوسي ~ تعالى أنه سئل‪:‬‬
‫((عن دار وضوء قديمة وأخرى حدثت جديدة‪ ،‬وهي خدامة اليوم‪ ،‬واألخرى‬
‫تعطلت من عدم الماء‪ ،‬وأراد الناظر أن يعمل بها فندقا ينتفع بها المسجد‬
‫الجامع نفعا بينا‪ ،‬فهل يجوز ذلك أم ال؟‬
‫فأجاب‪ :‬أما مسألة دار الوضوء‪ ،‬فإن بطلت منفعتهاـ وتعذر إصالحها‬
‫ولم ترج عودتها في المستقبل؛ـ جاز أن تتخذ فندقا لما ذكره وإال فال‪.)1())...‬‬
‫ج ـ صرف ريع األحباس بعضها في بعض‪ :‬أجاز فقهاء المالكيةـ في‬
‫الغرب اإلسالمي أن تصرف ريع الوقف من وقف آلخر إن زادت عن حاجة‬
‫الوقف‪ ،‬ومثاله ما نقل عن الشيخ ابن لب أنه سئل عن ((مسجد عليه أصول‬
‫زيتون محبسة تؤخذ غلتها في كل يوم عام‪ ،‬ويصرف منها في استصباح‬
‫المسجد ما يحتاج إليه بطول العام‪ ،‬ويبقى منه فضل في كل عام‪ ،‬وأئمة سائر‬
‫المواضع ينتفعونـ بذلك الفضل في استصباح مساجدهم ومنافعهم الخاصة‬
‫بهم‪ ،‬فهل يجوز ذلك لهم أو يكون الفضل لإلمام بالمسجد المذكور‪ ،‬وينتفع به‬
‫لنفسه أو بموضع غير ذلك؟‬
‫فأجاب‪ :‬يجوز للناظر في أصول الزيتون المحبسة المذكورة أن‬
‫يصرف ما يفضل عن زيتها في مصالح المسجد ومنافعه ببيعهـ وصرف ثمنهـ‬
‫في ذلك‪ ،‬وإن صرف لخدمة المسجد ألجل خدمتهم له‪ ،‬فحسن لإلمام والمؤذن‬
‫وشبههماـ مما يحتاج المسجد إليه‪.‬‬
‫وأما صرف الفاضل لمساجد أخرى أو ألئمتها وخدمتها ففيها اختالف في‬
‫المذهب‪ ،‬فقد كان فقهاء قرطبة وقضاتها يبيحون صرف فوائد األحباس بعضها‬
‫في بعض‪ ،‬وفي نوازل ابن سهل‪ :‬ما هو هلل ال بأس أن ينتفع به فيما هو هلل))(‪.)2‬‬
‫ونقل الوزاني في نوازله أن ابن هالل نص في نوازله قوله‪(( :‬سئل عن‬
‫مسائل منها‪ :‬صرف ما لمسجد في مصلحة آخر إن احتاج إليها أو لم يحتج؟‬
‫وصرف ما كان حبسا على المؤذنين لألئمة أو عكسه‪ ،‬وهل يجوز ذلك أم‬
‫ال؟‬
‫جوابه‪ :‬الحمد هلل‪ ،‬أما صرف ما لمسجد إلى مسجد آخر‪ ،‬فإن خرب‬
‫المسجد وال ترجى عمارته وال حياته ؛ فإنه يجوز نقل أحباسه إلى المسجد‬
‫(?) المعيار‪ ،‬الونشريسي‪.7/57 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) المعيار‪ ،‬الونشريسي‪.7/112 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫ــ ‪ 456‬ـ‬
‫العامر لكن ليس على وجه التأبيد‪ ،‬فإذا عادت العمارة إليه‪ ،‬رجعت أحباسه‬
‫إليه‪.)1())...‬‬
‫الخاتمة‬
‫إن الناظر في كتب النوازل يقف على الحركة االجتماعية في مختلف‬
‫نواحي الحياة الدينية واالجتماعية واالقتصادية والثقافية‪...‬ومن ذلك االهتمام‬
‫باقتصاديات القطاع الخيري ممثال في الوقف وما يقوم به من خدمات اجتماعية‬
‫مختلفة تحفظ له استقراره وهويته العربية واإلسالمية‪ ،‬وإن في اهتمام فقهاء‬
‫المالكية بعرض نوازل الوقف وتخصيص أجزاء من مؤلفاتهم للكالم عنها ؛يدل‬
‫على مدى االهتمام االجتماعي والسياسي لهذه المؤسسة وللوعي السائد لدى أفراد‬
‫األمة وشعورها ومعرفتها بدورها في المحافظة على استمرارها‪ ،‬وتفعيل دورها‬
‫في الداخل والخارج‪ ،‬كما يمكننا ومن خالل ما عرضناها من فتاوى من‬
‫مجموعة كتب النوازل أن الفقهاء وإن أمروا باحترام شرط الواقف ديانة وقضاء‬
‫غير أنهم استثنوا من ذلك حاالت يكون فيها المحافظة على شرطه يخالف‬
‫مقاصد الشريعة ومقتضى الوقف ومقاصده الخادمة للكليات الخمس‪ ...‬وهللا أعلم‬
‫بالصواب‪.‬‬
‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫ـ القرآن الكريم‪.‬‬
‫ـ اإلحكام لآلمدي‪ ،‬تحقيق د‪ .‬سيد الجميلي‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪1404 ،01‬هـ‪.‬‬
‫ـ الثمر الداني في تقريب المعاني شرح رسالة ابن أبي زيد القيرواني‪ ،‬صالح بن عبد‬
‫السميع اآلبي األزهري (المتوفى‪1335 :‬هـ)‪ ،‬المكتبة الثقافية‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫ـ المعيار‪ ،‬الونشريسي‪ ،‬تحقيق د‪/‬محمد حجي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬ط ‪01/1401‬هـ ـ‬
‫‪1981‬م‪.‬‬
‫ـ شرح صحيح البخاري‪ ،‬ابن بطال‪ ،‬تحقيق أبو تميم ياسر بن إبراهيم‪ ،‬مكتبة الرشد‪،‬‬
‫السعودية‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1423 /02‬هـ ـ ‪2003‬م‪.‬‬
‫ـ فتاوى البرزلي البرزلي(‪841‬هـ)‪ ،‬تحقيق أد‪/‬محمد الحبيب الهيلة‪ ،‬دار الغرب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪2002 / 01‬م‪.‬‬
‫ـ لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪ ،،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.01‬‬
‫ـ النوازل الجديدة الكبرى‪ ،‬الوزاني (‪1342‬هـ)‪ ،‬تحقيق أ‪/‬عمر بن عباد‪ ،‬وزارة‬
‫األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬المملكة المغربية‪ ،‬ط ‪1419‬هـ ـ ‪1998‬م‪.‬‬
‫ـ النوازل الصغرى‪ ،‬الوزاني‪ ،‬وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬المملكة المغربية‪،‬‬
‫ط ‪1413‬هـ ـ ‪1993‬م‪.‬‬

‫(?) نوازل الكبرى‪ ،‬الوزاني‪ 8/400 :‬ـ ‪.401‬‬ ‫‪1‬‬

‫ــ ‪ 457‬ـ‬
‫نوازل استثمار األراضي الفالحية واستصالحها في الغرب اإلسالمي‬
‫من خالل كتاب المعيار للونشريسيـ (‪843‬هـ‪914/‬هـ)‬
‫‪ ‬أ‪/‬شوقي نذير‬
‫المركز الجامعي أمين العقال الحاج موسى أق أخموك تمنراست‪.‬‬
‫توطئة‬
‫جلية هي مظاهر الحياة االقتصاديةـ للغرب اإلسالمي في كتاب المعيــار‬
‫المعـــرب‪ ،‬إذ إن نوازله الفقهية المرصـــودة في ذلكم الحين تعكس بصـــورة‬
‫واضـــحة مالمحهـــا‪ ،‬وهي مـــرآة عاكسة صـــادقة لنمط الحيـــاة االقتصـــادية‬
‫وركائزها‪.‬ـ‬
‫وإن من مظاهر الحياة االقتصادية الــتي تم رصــدها في هاته الموســوعة‬
‫هي‪:‬‬
‫ً‬
‫ـ النــوازل الخاصة بالمجــالـ الــزراعي بــدءا من الــري والســقي‪ ،‬إذ تم‬
‫تبــيين نظــام الســقي المعمــول به في تلكم الفــترة‪ ،‬وتظهر هــذه النــوازل في‬
‫النزاعات القائمةـ بسببها‪ ،‬وقد أفردها اإلمام بجزء خاص(‪.)1‬‬
‫ـ النوازل الخاصة بأنواع األرضين‪ ،‬وأقسام الممتلكات العقاريــة‪ ،‬وهي‬
‫نوازل متناثرة بين طياتـ الكتاب‪.‬ـ‬
‫ـ نــوازل خاصة بمنح األراضي الســتثمارها وإنمائها وهي المســماة نــوازل‬
‫اإلقطاع‪.‬‬
‫ـ وهناك نوازل متعلقةـ بالنشاطـ التجاري عموما وأخرى متعلقةـ بــالثروة‬
‫الحيوانية وغيرها‪.‬‬
‫هذا؛ وإن المتتبع للنوازل الفقهية الــواردة في كتــاب المعيــار‪ ،‬وبخاصة‬
‫الــتي تمس جــوانب االســتثمار الفالحي يجد أن صــاحب المعيــار إنما نقل لنا‬
‫واقعا ً معيشا أيا َمه‪،‬ـ فكانت فتــاواهم وحلــولهم لتلك المعضــالت أو المســتجدات‬
‫تنم عن وعي وإدراك بها‪ ،‬وكانت أيضا بمثابة تجديد في الفتوى وتحيين لها‪.‬‬
‫وعليـــه‪ ،‬ســـأركز نـــاظري على النـــوازل الفقهية الخاصة باســـتثمار‬
‫األراضي الفالحية وإحيائهـــا‪،‬ـ وهو المســـمى قـــديما نظـــام إقطـــاع األراضي‬
‫الفالحية‪.‬‬
‫وقبل التطرق إلى هذه النــوازل‪ ،‬فــإني أعــرج على أنــواع األراضي أو‬
‫أنـواع الملكيـاتـ العقارية في تلكم الفـترة‪ ،‬ثم أتطـرق لنظـام منح األراضي أو‬
‫إقطاعها المنتشر آنذاك‪ ،‬وإلى مــدى اإلفــادة منها في عصــرنا هــذا‪ ،‬باالســتناد‬
‫إلى كتاب المعيار المعرب لإلمام الجزائري الونشريسي‪.‬‬
‫أوال ـ أنواع األمالك العقارية‬
‫(?) أبو العباس أحمد بن يحيى الونشريســي‪ :‬المعيــار المعــرب والجــامع المغــرب عن فتــاوى‬ ‫‪1‬‬

‫علماء إفريقية واألنــدلس والمغــرب‪ ،‬إشـراف‪ :‬محمد حجي‪ ،‬دار الغــرب اإلســالمي‪ ،‬بــيروت‪،‬‬
‫‪1981‬م‪( ،‬دون ذكر الطبعة)‪ ،‬ج‪.08‬‬
‫ــ ‪ 458‬ـ‬
‫توضح نوازل الونشريسي أنواع األمالك العقارية‪،‬ـ أو أنــواع األراضي‬
‫عموماً‪ ،‬وهي مقسمة إلى‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ األمالك الخاص ة‪ :‬وهي الـــتي تكـــون ملكيتها بجميع عناصـــرها‬
‫(التصرف‪ ،‬االســتعمال‪ ،‬االســتغالل) لشــخص معين أو عــدة أشــخاص ســواء‬
‫كانوا طبيعـيين أو اعتبـاريين‪ ،‬بمعـنى أنها تـؤدي وظيفة ذات طبيعةـ تمليكيــة‪،‬ـ‬
‫وهــذا تم اإلشــارة إليه في النــوازل الخاصة بــالبيع والمعاوضــات وغيرهــا‪،‬‬
‫كمسائل نزع الملكية من أجل المنفعة العامة(‪.)1‬‬
‫‪ 2‬ـ األمالك العام ة‪ :‬وهـــذا النَّوع ال يخلو منه عصـــر‪ ،‬إذ هي معـــ َّدة‬
‫لالســتعمال العــام أو للجمهــور مباشــرة‪ ،‬ال يســتأثر بها أحد من دون آخــر‪،‬‬
‫كأراضي المراعي وأراضي القبائل‪،‬ـ ومسائلها متناثرة بين حيثيات النوازل‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ األمالك الوقفي ة‪ :‬هي أمالك حبســها مالكها بمحض إرادته ليجعل‬
‫التمتع بها دائما ينتفع بها شخص طبيعي أو معنوي‪ ،‬وقد أفرد لها الونشريسي‬
‫جزءاً خاصا بها(‪.)2‬‬
‫‪ 4‬ـ األمالك الوطني ة‪ :‬أي األمالك التابعةـ للدولــة‪ ،‬ســواء كــانت أمالكا‬
‫وطنية خاصة أم عامـــة‪ ،‬وهي مجموعة األمالك والحقـــوق المنقولة العقارية‬
‫الـتي تحوزها الدولة في شـكل ملكية عمومية أو خاصة‪ ،‬كـاألمالك الشـاغرة(‪،)3‬‬
‫أو األمالك التي تكتسبها الدولة أثناء ممارستها لحق السيادة كالتأميم‪ ،‬وكــاألمالك‬
‫الـــتي ليس لها وارث‪ ،‬أو أثنـــاء القيـــام بوظائفها كـــنزع الملكية من أجل المنفعة‬
‫العامة(‪.)4‬‬
‫أضف إلى كل هاتهـ األمالك مع تنوعها فقد ذكر الونشريسي أنواعا‬
‫أخرى لألراضي كانت منتشرة حينها وهي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ األراضي الموات‪ :‬وهي من مكونات األمالك التابعةـ للدولة‪ ،‬ميزتهاـ‬
‫أنها بور يمنحها الحاكم أو المسؤول من أجل استصالحها‪ ،‬فتملك بــه‪ ،‬وتــنزع‬
‫باإلهمال(‪.)5‬‬
‫‪ 2‬ـ أرض المخ زن‪ :‬وهي األراضي التابعة للدولــة‪ ،‬وقد وردت عــدة‬
‫نوازل بشأنها‪ ،‬كالنوازل المتعلقةـ بالبناء على هذا النوع من األراضي‪ ،‬وجعل‬

‫(?) الونشريسي‪ :‬المعيــار المعــرب‪( ،‬مرجع ســابق)‪ ،‬ج‪ ،01‬ص‪ ،224‬وج‪ ،04‬ص‪،32‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،103‬وج‪.5‬‬
‫(?) الونشريسي‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ج‪.07‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) األمالك الشــاغرة هي الــتي لم يكن لها مالك معــروف أو تــوفي ولم يكن لها وارث‬ ‫‪3‬‬

‫أصال أو أنه تخلى عنها‪.‬‬


‫(?) الونشريسي‪ :‬المعيار المعرب‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ج‪ ،01‬ص‪ ،244‬وج‪ ،06‬ص‪.257‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) الونشريسي‪ :‬المعيار المعرب‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ج‪ ،05‬ص‪.117‬‬ ‫‪5‬‬

‫ــ ‪ 459‬ـ‬
‫نفاذ التصرفات الواردة عليها موقوفة على إقرار المســؤول(‪ ،)1‬وكــان المفــتي‬
‫الشيخ أو الحسن الصُغيّر(‪.)2‬‬
‫بعض ســالطين‬ ‫َ‬ ‫‪ 3‬ـ أرض الظه ير‪ :‬وهي األرض الــتي كــانتـ تقطع‬
‫وأمراء الدول ممن يؤدون خدمات لهــا‪ ،‬وكــانت تمنحـ على أســاس االنتفــاع ال‬
‫الرقبة أو التمليــك‪،‬ـ بمعــنى للمقطع عنصــرا االســتعمال واالســتغالل من دون‬
‫التصرف‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ األرض الموظف ة‪ :‬مصــطلح الوظيف يعــنيـ ـ ـ قــديما ـ ـ الضــريبة‪،‬‬
‫بمعــنىـ أن األرض الــتي فرضت عليها رســوم أو ضــرائب من قبل الحــاكم‬
‫تــدعى األرض الموظفــة‪ ،‬والنازلة الــتي ينقلهاـ صــاحب المعيــار تتحــدث عن‬
‫انتقال الضرائب من البـائعـ إلى المشــتري أو من الســلف إلى الخلف الخــاص‪،‬‬
‫حيث تكون بعد إبرام التصــرف القــانوني وليس قبله حيث جــاء في النازلة(‪:)3‬‬
‫((وسئل الشعبي عمن ابتاع أرضا ً وعليها وظيف‪.‬‬
‫فأجاب‪ :‬ال يجب على المبتاع إال من يــوم الشــراء خاصة فما بعــده‪ ،‬وال‬
‫قبل ذلك‪.‬‬
‫وإن لهــذا أصال عاما في القــانون المــدني الجزائــري في مســألة انتقــالـ‬
‫آثــار العقد من الســلف إلى الخلف الخــاص‪ ،‬حيث يكــون انتقالها شــريطة أن‬
‫يكون هذا تاريخ التصرف سابقا على انتقالـ الشيء إلى الخلف))(‪.)4‬‬
‫‪ 5‬ـ األرض القانونية‪ :‬مصطلح األرض القانونيةـ ذكره صاحب المعيار‬
‫في ثالثة مواضع‪ ،‬إال أنه لم أجد له معنى معينا‪ ،‬لكن وفي إحدى النوازل التي‬
‫ذكرها تعقب هذه النازلة بمسألةـ تخص أراضي المغرب وعن كيفيةـ افتتاحها؛ـ‬
‫صلحا أم عنوة؟‪ ،‬وهذا في موضعين(‪.)5‬‬
‫إن هذا يجعل االحتمــالـ وارداً على األرض الــتي هي بيد الحــائز عليها‬
‫أو واضع اليد عليها ولم تعلم الطريقة الــتي صــارت بها إليــه‪ ،‬فســميت أرض‬
‫القــانون‪ ،‬تقع عليها جميع أنــواع التصــرفات القانونية ســواء كــانت إدارة أو‬
‫تصرف‪ ،‬أي أنها تملك وتباع وتورث(‪ ،)6‬أو أنها األرض التي يقطعهاـ الحــاكم‬
‫أو المســؤول لبعض الشخصــيات نظــير خــدماتهم للدولة وهي بمثابة رواتب‬
‫(?) الونشريسي‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ج‪ ،05‬ص‪ ،44‬وج‪ ،06‬ص‪.205‬‬ ‫‪1‬‬

‫بالص ـغير الــزرويلي‪ ،‬الفقيه‬


‫ُّ‬ ‫(?) هو علي بن محمد بن عبد الحــق‪ ،‬أبو الحســن‪ ،‬ويعــرف‬ ‫‪2‬‬

‫المالكي المحصل‪ ،‬أحد األقطاب الــذين دارت عليهم الفتيا أيــام حياتــه‪600( ،‬هــ ‪719/‬هـــ)‬
‫من مؤلفاته التقييد على تهذيب المدونة وكان يقال إن‪ :‬أبا الحسن في المغــرب كــابن تيمية‬
‫في المشرق‪.‬‬
‫(?) الونشريسي‪ :‬المعيار المعرب‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ج‪ ،06‬ص‪.102‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) المادة (‪ )109‬من القانون المدني الجزائري‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) الونشريسي‪ :‬المعيار المعرب‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ج‪ ،06‬ص‪ 133‬وج‪ ،09‬ص‪.73‬‬ ‫‪5‬‬

‫ــ ‪ 460‬ـ‬
‫لهم(‪ ،)1‬والمــيزة بين هــذا من النــوع من األراضي وأرض الظهــير أن األولى‬
‫تملك وتورث وتباع‪ ،‬بخالف الثانية(‪.)2‬‬
‫ثانيا ـ أشكال منح األراضي‬
‫من أنواع األمالك العقارية‪ ،‬أو أنواع األراضي‪ ،‬وبحسب نمط الملكية‪ ،‬أو‬
‫بحسب التصرفات المثقلة لها‪ ،‬أو بحسب األهداف المتوخاة‪ ،‬يتحدد نوع أو شــكل‬
‫منح األراضي أو إقطاعها في الغرب اإلسالمي‪ ،‬هاته األنواع تتمثل في‪:‬‬
‫ـ منح األراضي لكب ار رج ال البالط والحكومة‪ ،‬أو الشخص يات‬
‫السياس ية الــتي قد تكــون أجنبية عن الدولــة‪ ،‬أو تكــون غــير مشــاركة في‬
‫الحكم(‪ ،)3‬وهذا هو الذي يعكس نوع اإلقطاع السياسي أو ذا األبعاد السياســية‪،‬‬
‫والذي تمثلـ في إقطاع الكور والطسوج(‪ )4‬والقرى‪ ،‬آخــذا معــنى التولية وجمع‬
‫الضــرائب‪ ،‬وكــانت عبــارة على منح حق االنتفــاع ومن دون التصــرف وقد‬
‫سمي نظام القبالة فيما بعد(‪ ،)5‬ويمكن اعتباره من قبيل المنح لفائدة األشــخاص‬
‫االعتبارية‪.‬ـ‬
‫ومهما يكن من أمر فإن اإلقطاع وإن كان متعلقا بمثل هــذا‪ ،‬فــإن القصد‬
‫من ورائه هو جمع الضــرائب الموظفة على الســكان‪ ،‬وكــذلك الشــأن بالنســبةـ‬
‫لألرياف‪ ،‬فإن اإلقطاع الممنوح للبدو يكتسي في أغلب األحيــان صــبغة جبايةـ‬
‫الضرائب‪ ،‬ألنه وبواسطة هذه القطائعـ ترخص الدولة لإلقطاعيينـ اســتخالص‬
‫الضرائب وجبيتها لفائدتهم‪.‬‬

‫(?) إن هذا المعنى لو صح لكان رداً مفحما على االحتماالت التي يوردها من كتب حول‬ ‫‪6‬‬

‫أزمة العقــار في الجزائر وأن مردها إلى أســباب تاريخيــة‪ ،‬وبخاصة إلى كيفيــات الفتح‬
‫اإلسالمي ألرض المغرب عموما‪ ،‬وللمغرب األوسط خصوصا‪.‬‬
‫(?) إن عزوف الدولة المعاصرة عن إقطاع األراضي في مجاالت غــير الزراعة لتـوفر‬ ‫‪1‬‬

‫اإلقطاع المالي‪ ،‬خالف ما كان عليه األمر في الســابق‪ ،‬فهي التجــأت إليه لتفــادي النقص‪،‬‬
‫وبخاصة في مجال الرواتب والمنح واالمتيازات وما أشبهها من ذلك‪.‬‬
‫(?) د‪.‬كمــال الســيد أبو مصــطفى‪ :‬جــوانب من الحيــاة االجتماعية واالقتصــادية والدينية‬ ‫‪2‬‬

‫والعلمية في المغرب اإلسالمي من خالل نوازل وفتـاوى المعيـار المعـرب للونشريســي‪،‬‬


‫مركز اإلسكندرية للكتاب‪ ،‬مصر ‪1996‬م ص‪.63‬‬
‫(?) الونشريسي‪ :‬المعيار المعرب‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ج‪ ،05‬ص‪(.43‬في معناها)‬ ‫‪3‬‬

‫(?) الكور هي القرى‪ ،‬والطســوج تطلق على النــواحي أو الضــواحي‪ ،‬وتطلق أيضا على‬ ‫‪4‬‬

‫نوع من األوزان أو المكاييل‪.‬‬


‫(?) د‪ /‬صـــبحي الصـــالح‪ :‬وســـائل الملكية وعالقتها بالعدالة االقتصـــادية في الشـــريعة‬ ‫‪5‬‬

‫اإلســالمية‪ ،‬محاضــرات ومناقشــات الملتقى التاسع للفكر اإلســالمي‪ ،‬منشــورات وزارة‬


‫الشــؤون الدينيــة‪ ،‬تلمســان‪ ،‬من‪ 01 :‬ــ ‪ 10‬رجب ‪1395‬هــ ‪ 10/‬ــ ‪ 20‬يوليو ‪1975‬م‪ ،‬مج‪،3‬‬
‫ص‪.1002‬‬
‫ــ ‪ 461‬ـ‬
‫وإن الــدافع لمثل هــذه اإلقطاعــاتـ هو الخــدمات العســكرية؛ إذ هــؤالء‬
‫المقطعــون لهم من األتبــاع ما تحتــاج إليهم الدولة في الجــانب العســكري في‬
‫الذود عن بيضتها‪.‬‬
‫ـ منح الفق راء والمع وزين‪ ،‬وهــذا اإلقطــاع يــدخل في عامل اإلقطــاع‬
‫االجتمـــاعي والـــذي من أهدافه التكفل بـــالعجزة والفقـــراء والمســاكينـ غـــير‬
‫القادرين على كسب القوت ولقم العيش‪ ،‬ويمكن اعتباره من اإلقطاع الفالحي‪،‬‬
‫وهو على نوعين إقطاع األرض العامرة أو الغامرة سواء تمليكاًـ أو استغالالً‪،‬‬
‫الستثمارها أو إحيائها(‪.)1‬‬
‫غــير أن هــذا النظــام بــدأ يتضــاءل يوما بعد يــوم‪ ،‬والغــريب هو أن‬
‫األراضي الـــتي قطعت لبعض األشـــخاص قصد إحيائها وإعمارها اســـتغالال‬
‫فقط‪ ،‬آلت بعد ذلك إلى أراض ذات ملكية خاصة تابعة للمقطَعين‪.‬‬
‫هذا؛ وينقل إلينا صاحب المعيار اعــتراض بعض الفقهــاء على من منح‬
‫أرضا من أجل اســتثمارها امتاع ـاًـ أو انتفاع ـا ً ال تمليك ـاًـ فقــام بالتصــرف فيها‬
‫تصرفات ناقلة للملكية‪،‬ـ بسببـ غيابـ السلطات الرقابيةـ(‪.)2‬‬
‫ـ منح علماء الدين وش يوخ الزوايا وذويهم الــذين كــانوا يســهمون في‬
‫نشر تعــاليمـ الــدين اإلســالمي ومبادئهـ للناشــئة‪،‬ـ فيعتــبر هــذا اإلقطــاع بمثابة‬
‫رواتب يتقاضاها هؤالء العلماء؛ إذ ليس لهم دخل ســواه‪ ،‬ومثل هــذا قد رأينــاه‬
‫في إقطاع الجند‪ ،‬وهو من اإلقطــاع الفالحي‪ ،‬أما بالنســبة لشــيوخ الزوايــا‪ ،‬أو‬
‫للزوايا أو ذويهم فقد كان المراد منه التبرك بهؤالء المشايخ أو من أجل القيــام‬
‫بشــؤون الزاويــة‪ ،‬وال يســتثنى من هــذا المنح إال الفاسق ما دام فاســقا‪ ،‬وحكم‬
‫معلق بعلته‪ ،‬وكل هاته المنح كانتـ انتفاعاـ ال تمليكا ً(‪.)3‬‬
‫(حكم ما يعطيه الملوك للزوايا وأبناء الصالحين)‬
‫وسـئل سـيدي أبو علي منصــور بن علي الــزواوي‪ ،‬من فقهــاء تلمســان‬
‫عن مسألة تظهر من جوابه‪.‬‬
‫فأجــاب‪ :‬إن كــان األمر على ما ذكر فــاألظهر نظــرا وقياسا أن ك ـ ّل ما‬
‫حــرر ألجل التــبرك بزاوية الشــيخ وبقصد عمارتهاـ أو القيــام بقاصــدها‪ ،‬أو‬
‫لمحاشــاة ذريته من الوظــائف المخزنية والمغــارم الســلطانية‪،‬ـ يكــون كالمــالـ‬
‫المفقود فيقتسمونهـ على المفاضلة في الدين والقيــام بــأحوال الزاوية المــذكورة‬
‫قســمة انتفــاع ال قســمة تمليــك‪ ،‬ألن مقصــو َد الســالطين عرفا وعــادة بــذلك‬
‫ك بذلك الشيخ وبذريته وبمقامه‪،‬ـ فال يخرج عن ذلك التحرير إال‬ ‫التحرير التبر ُ‬
‫ِ‬
‫المعلن بفســقه‪ ،‬فــإذا تــاب رجع إليه نصــيبه‪،‬ـ فيشــمله ما شــملهم من‬ ‫ُ‬ ‫الفاســ ُ‬
‫ق‬
‫المحاشــاة والحرية مما يقصــده الملــوك عــادة من التحرير ألوالد المــرابطين‬
‫(?) الونشريسي‪ :‬المعيار المعرب‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ج‪ ،05‬ص‪ ،98‬ص‪.117‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الونشريسي‪ :‬المعيار‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.246‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) الونشريسي‪ :‬المرجع نفسه‪ ،‬ج‪ ،06‬ص‪.171‬‬ ‫‪3‬‬

‫ــ ‪ 462‬ـ‬
‫والصالحين‪ ،‬فال تصح في ذلك حيازة لتجدد المستحقين‪ ،‬وسقوط حق الميتين‪،‬ـ‬
‫وليقــدموا رجال فاضال منهم يتــولى القســمة بينهمـ كما قلنــا‪ ،‬ال تحــرم المــرأة‬
‫الصالحة منهم‪ .‬ولها نظائرـ يطول ذكرها من األمهات‪ ،‬وهللا أعلم‬
‫إن الفائدة المرجــوة من ذكر أنــواع هــذه األمالك أو هاتهـ األراضي هو‬
‫أن االســتثمار الفالحي كمصــطلح قــانوني يطلق على األراضي الــتي تمنحها‬
‫الدولة لطالب االستثمار واإلنماء واإلحياء للمستصلحين‪.‬‬
‫وعليــه؛ ومن خالل ما ســبق ســأذكر التعريف باالســتثمار الــزراعي‬
‫والنوازل الخاصة به‪ ،‬سواء المتعلقةـ باستثمارـ األراضي الفالحية‪ ،‬أو المتعلقة‬
‫باستصالح األراضي الموات‪.‬‬
‫ثالثا ـ تعريف استثمار األراضي عند الفقهاء‬
‫إن استثمار األراضي أو باألصح منحها الستثمارهاـ هو تســويغ أو منح‬
‫الدولة جــزءاً من أرض عــامرة أو غــامرة غــير مملوكة ألحد لمن تــراه أهال‬
‫لذلك‪ ،‬بعوض أو بغيره‪ ،‬تمليكاـ أو استغالال‪..‬‬
‫والمســتثمرة الفالحية اصــطالح اقتصــادي يعــنيـ وحــدة ترابية مســيرة‬
‫ومستغلة طيلة مدة من قبل شــخص أو عــدة أشــخاص‪ ،‬وتنظم وســائلـ اإلنتــاج‬
‫المعدة لخدمة اإلنتــاج الفالحي‪ ،‬بمعــنىـ أنها أرض ذات مســاحة معينةـ تحتــاج‬
‫لمن يستثمرهاـ أو يحييهاـ(‪.)1‬‬
‫إن مصـــطلح االســـتثمار إنما يـــرد على األراضي العـــامرة‪ ،‬بخالف‬
‫األراضي البور والموات فإنما يــرد عليها فعل االستصــالح واإلحيــاء‪ ،‬مع أن‬
‫االستصالح نوع من االستثمار‪.‬‬
‫رابعا ـ النوازل الخاصة باالستصالح الزراعي‬
‫ذكر صاحب المعيار نازلةً واحــدةً بخصــوص استصــالح األراضي أو‬
‫إحياء الموات‪ ،‬كانت بقرب العمران‪ ،‬وإن األرض الموات أو األرض الواجب‬
‫استصالحها أو التي يقع عليها فعل اإلحياء واالستصالح هي‪(( :‬األرض الــتي‬
‫ال مالك لها وال منتفعـ بها))(‪.)2‬‬
‫إن موضــوع هاتهـ النازلة هو(‪ )3‬أن رجال وجد أرضا بمقربة من العبــاد‬
‫(بقـــرب العمـــران) وكـــان قد مضى عليها ســـنون ال يعلم لها ملـــك‪ ،‬أحياها‬
‫(?) شــوقي نــذير‪ :‬سياسة إقطــاع األرضــين الفالحية في الفقه اإلســالمي وتطبيقاتها في‬ ‫‪1‬‬

‫الجزائر‪( ،‬رسالة ماجستير)‪ ،‬كلية العلوم اإلسالمية‪ ،‬جامعة الجزائر‪2005 ،‬م‪ ،‬ص‪.191‬‬
‫(?) الونشريسي‪ :‬المعيار‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ج‪ ،05‬ص‪.116‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) القــرافي‪ :‬الــذخيرة‪ ،‬دار الغــرب اإلســالمي‪ ،‬بــيروت‪ ،‬تحقيق ســعيد أعــراب‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪1994‬م‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.147‬‬


‫ــ ‪ 463‬ـ‬
‫وغرسها لمدة تزيد عن الخمسين عاماً‪ ،‬ثم تصرّف فيها تصــرفا ً قانونيـاًـ نــاقال‬
‫ثــان‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫للملكية (بيع)‪ ،‬بعدها جاء بعض ورثة المشتري وباع جزءاً منها لمشتر‬
‫وبعد مدة قام بعض الورثة مطالبا حقه في ذلك الموضع موضــوع الــبيع‪ ،‬وقد‬
‫وفص ـل في أحكــام إقطــاع المــوات‬ ‫ّ‬ ‫كــان الجــواب أن المفــتي ّ‬
‫أص ـل المســألة‬
‫وبخاصة إذنَ اإلمام‪ ،‬ثم فرع المسألة على األقوال الــواردة فيها كي يصل إلى‬
‫حكم مفاده أن اإلقطاع نافذ والملك جار‪ ،‬باعتبارـ القول إنه كــان بغــير إذن من‬
‫اإلمام‪ ،‬وكل إقطاع إحياء بغير إذن اإلمام أو الحاكم غــير نافذ أو ال يتم إال إن‬
‫أقره الحاكم‪ ،‬أو إن وقع فيتقرر مراعاة للخالف‪ ،‬وبهذا فالملكية تنصــرف إلى‬
‫الورثة(‪ ،)1‬أما إذا فرّع مسألته على نحو القــول بعــدم نفــاذ اإلقطــاع بغــير إذن‬
‫الحــاكم ولم يقر بــذلك‪ ،‬فتكــون كل التصــرفات القانونيةـ (الــبيع)ـ باطلةـ بطالناـ‬
‫مطلقا لكونه تم على شيء ال يملكه‪،‬ـ ووجب رد كل األطراف إلى الحالة الــتي‬
‫كانوا عليها قبل التعاقد‪ ،‬أي تطبيقـ البطالن بــأثر رجعي(‪ ،)2‬وبخاصة لما زال‬
‫ملك المشتري األول بعدم العمل وهذا في قوله (بذهاب عمارته بالزبر)‪.‬‬
‫إن المعلــوم لــدى الســادة المالكيةـ أنهم وكقاعــدة عامة يشــترطون إذن‬
‫الحــاكم أو المســؤول في استصــالح األرض المــوات‪ ،‬أو ممن فوضه الحــاكم‬
‫حيث جاء في البيان والتحصــيل من كتــاب األقضــية الثــانيـ في كتــاب الســداد‬
‫واألنهار أنه‪(( :‬ليس للعامل ـ المكلف باإلقطاع أو نائبـ اإلمام ـ أن يقطع شــيئا‬
‫من الموات إال بإذن اإلمــام))(‪ ،)3‬أما دليلهم فكــان قياســهم األرض على أمــوال‬
‫بيت مال المسلمين‪،‬ـ فالعامل المكلف باإلنفاق من بيت مال المســلمين ال يعطي‬
‫أحــدا إال أن يــأذن له الحــاكم‪ ،‬فكــذلك األرضــون ال يمكن للعامل أن يقطع إال‬
‫ادي‬ ‫ع ِ‬
‫ن َ‬ ‫بــإذن الحــاكم(‪ ،)4‬وكــذلك ما روي عن رســول هللا × أنه قــال‪َ :‬‬
‫«أَال إِ َّ‬
‫ي َلُكمْ ِمنْ بَ ْع ُد»(‪ ،)5‬فعـــادي األرض هي القديمة‬ ‫ولِه‪ ،‬ثَُّم ِه َ‬
‫هلل وَِلَرس ُ ِ‬
‫ض ِ‬ ‫األْر ِ‬
‫َ‬
‫المباحة التي لم يثبتـ عليها ملك ألحد‪ ،‬والنــبي × في حديثه هــذا أضــاف هــذه‬
‫(?) هاته هي المسألة موضوع الدراسة‪ ،‬وفيها إشارة مهمة إلى ســقوط الــدعوى بالتقــادم‬ ‫‪1‬‬

‫فإذا كان هناك تهاون في المطالبة بالحقوق تسقط مقالته أي ال تسمع‪ ،‬وهاته المــدة تخضع‬
‫لحكمي الوقف واالنقطــــاع كما نبه إلى ذلك في المســــألة في قوله (إن ك ان له ع ذر‬
‫مستمر‪.)...‬‬
‫(?) الحكم نفسه في القانون المدني الجزائري في تقرير البطالن وأثره المــادة ‪ 103‬منــه‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ومع هذا وجب مراعاة المشتري أو الغير حسن النية كي ال تضيع حقوقهم‪.‬‬
‫(?) ابن رشد‪ :‬البيان والتحصــيل والشــرح والتوجيه والتعليل في مسـائل المســتخرجة‪ ،‬تحقيق‬ ‫‪3‬‬

‫محمد حجي وأحمد الشرقاوي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪1988 ،2‬م‪ ،‬ج ‪ ،10‬ص ‪254‬‬
‫‪.‬‬
‫(?) القرافي‪ :‬الذخيرة‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.154‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) أخرجه البيهقي‪ :‬السنن الصغرى‪ ،‬تحقيق خليل مأمون شيحا‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫ط‪1999 ،1‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،692‬رقم‪ .612278 :‬وفي الســنن الكــبرى‪ ،‬تحقيق يوسف عبد‬
‫الرحمن المرعشلي‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1988 ،2‬م‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.143‬‬
‫ــ ‪ 464‬ـ‬
‫األرض هلل جل جالله وتعـــالى مقامه ولرســـوله عليه أفضل الصـــالة وأزكى‬
‫التســـليم‪ ،‬بمعـــنىـ أنه جعل ملكيتها لهما وما كـــان مضـــافا إلى هللا والرســـول‬
‫فملكيته للدولة والنظر والتدبير فيه لإلمام‪.‬‬
‫وإن عدم اشتراط اإلذن مؤد إلى النزاع والشجار وال سبيل للحد منه إال‬
‫باشتراطه‪ ،‬غير أنهم يؤكـدون هـذا الشـرط على القـريب من العمـران(‪ )1‬ومن‬
‫دون البعيد منه(‪.)2‬‬
‫هذا بخصــوص مســألة اإلذن‪ ،‬أما بالنســبةـ ألثر اإلحيــاء أو المنح فــإنهم‬
‫منقسمون إلى قســمين‪ :‬فريق أثبت الملك بمجــرد المنح‪ ،‬وفريق لم يثبتـ الملك‬
‫إال باإلحياء والعمل‪.‬‬
‫فعلى رأي الفريق األول يثبت الملك عند أصــحاب هــذا الــرأي بمجــرد‬
‫المنح‪ ،‬ألنه مفيده بنفسه‪ ،‬وال يحتاج إلى إحيــاء‪ ،‬وعليه إذا أقطع الحــاكم أرضا‬
‫شخصــا‪ ،‬فــإن لهــذا الرجل التصــرف في رقبة األرض بما شــاء من أنــواع‬
‫التصــرف المخولة لــه‪ :‬كــالبيعـ والهبــة‪،‬ـ وتــورث عنه إن هلك(‪ ،)3‬وعلى رأي‬
‫الفريق الثانيـ ال يثبت الملك عندهم إال باإلحياء والعمل‪ ،‬وفي هذا يقول القرافي‪:‬‬
‫((‪...‬وإن أقطعه مواتا‪ ،‬طالبه باإلحياء‪ ،‬فإن لم يفعل أو عجز عنه أقطعه غــيره‪ ،‬إذ‬
‫ليس له أن يتحجر األرض عن نفعه ونفع غيره))(‪ ،)4‬وكان دليلهم هـو‪(( :‬ما روي‬
‫عن النبي × أنه أقطع بالل بن الحارث ‪ ‬من العقيق ما يصلح للعمل فلم يعمــل‪،‬‬
‫فقال عمر بن الخطاب ‪ :‬إن قويت على عمله فاعمله‪ ،‬وإال أقطعته الناس‪ ،‬فقـال‬
‫بالل بن الحـارث‪ :‬قد أقطعنيه رسـول هللا ×‪ ،‬فقـال عمـر‪ :‬إن رسـول هللا اشـترط‬
‫عليك شرطا‪ ،‬فأقطعه عمر الناس‪ ،‬ولم يكن بالل عمل شيئا))(‪.)6(.)5‬‬
‫لكن ما العمل إن تصــرف المقطع له في األرض بــالبيع مثال‪ ،‬هل هــذا‬
‫التصرف نافذ‪ ،‬أم ال؟‪ ،‬وقد ذهب أصحاب هذا الــرأي إلى أن تصــرف المقطع‬
‫له في القطيعةـ صــحيح نافد ((قبل نظر اإلمــام في ذلــك‪ ،‬ألن المقصــود أن ال‬
‫(?) إن تقســيم األرض إلى قريبة من العمــران وبعيــدة منه أصــبح أمراً عســيرا نوعا في‬ ‫‪1‬‬

‫وقتنا الحالي نظراً للتقسيمات الحديثة لألقاليم المعمول بها‪.‬‬


‫(?) ابن رشد‪ :‬البيان والتحصيل‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.254‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) الحطاب‪ :‬مواهب الجليل شرح سيدي مختصر خليل‪ ،‬تحقيق زكريــاء عمــيرات‪ ،‬دار‬ ‫‪3‬‬

‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1995 ،1‬م‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.603‬‬


‫(?) القرافي‪ :‬الذخيرة‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.145‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) ابن رشد‪ :‬البيان والتحصيل‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.301‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) أخرجه البيهقي‪ :‬السنن الكــبرى‪( ،‬مرجع ســابق)‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.149‬ـ والــبيهقي‪ :‬الســنن‬ ‫‪6‬‬

‫الصغرى‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،694‬رقم‪(.2286 :‬بغير هذا اللفظ)‪ ،‬وذكره ابن عبد‬
‫البر‪ :‬االستذكار الجامع لمذاهب فقهاء األمصار وعلماء األقطــار فيما تضــمنه الموطأ من‬
‫معاني الرأي واآلثار وشرح ذلك كلّـه باإليجـاز واالختصــار‪ ،‬تحقيق عبد المعطي قلعجي‬
‫أمين‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1993 ،1‬م‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪( 58‬منسوبا ألبي بكر)‪.‬‬
‫ــ ‪ 465‬ـ‬
‫تبقى األرض محجورة عن االنتفاع بها‪ ،‬والمبتــاع والموهــوب وغيرهما ممن‬
‫انتقل إليه الملك يحل محل البــائعـ أو الــواهب أو المتصــرف))(‪ ،)1‬ألن واجب‬
‫العمل لصيق باألرض المــوات ينتقلـ معهـا حيثما كــانت‪ ،‬وهو الجــواب الــذي‬
‫أورده المفتي في المسألة‪ ،‬وبه تحقق المقصود‪.‬‬
‫وقد اهتدى المشرع الجزائري(‪ )2‬إلى مثل هذا الحكم في جعل مستصــلح‬
‫األرض مالكا لها‪ ،‬له السلطة الكاملة عليها‪ ،‬غير أن هــذه الملكية تتمــيزـ بطــابع‬
‫خاص‪ ،‬حيث اشترط المشرع الجزائري في حالة إرادة البيع موافقة المشــتري‬
‫على الشرط الفاسخ‪ ،‬حيث ال يجــوز لمالك األرض عن طريق االستصــالح أو‬
‫المشـــتري أن يغـــير من الوجهة الفالحية لألرض‪ ،‬وهو أمر حسن يضـــمن به‬
‫المحافظة على الوجهة الفالحية لألرض‪ ،‬وهو الحكم المــذكور أعاله في كــون‬
‫واجب العمل ينتقلـ إلى المشتري الجديد‪.‬‬
‫لقد قــام المشــرع الجزائــري بإصــدار عــدة مراســيم بعد هــذا القــانون‬
‫المتضمن حيازة الملكية العقارية بطريق االستصالح‪ ،‬والذي كــان مطبقاـ على‬
‫المنــــاطقـ الصــــحراوية فقــــط‪ ،‬تحمل هاتهـ المراســــيم في موادها معــــاني‬
‫االستصـــالح‪ ،‬لكن بشـــروط وكيفيـــات مختلفة عن ذلك القـــانون‪ ،‬من هـــذه‬
‫المراسيم‪ :‬المرسوم رقم‪ 92/289 :‬المــؤرخ في‪06/07/1992 :‬م المحــدد شــروط‬
‫التنــازل عن األراضي الصــحراوية في المســاحات االستصــالحية وكيفيــات‬
‫اكتســابها‪،‬ـ والمرســوم رقم‪ 97/483 :‬المــؤرخ في‪15/12/1997 :‬م الــذي يحــدد‬
‫كيفيـــات منح عقد امتيـــاز قطعة أرضـــية من األمالك الوطنيةـ الخاصة التابعة‬
‫للدولة في المســـاحات االستصـــالحية وأعبائهـ وشـــروطه‪ ،‬الـــذي نص على‬
‫االمتياز ((االمتياز هو تصــرف تمنح الدولة بموجبه ولمــدة معينةـ حق االنتفــاع‬
‫بأراضي متــــوفرة تابعة ألمالكها الوطنية الخاصة لكل شــــخص طــــبيعي أو‬
‫معنوي في إطار االستصالح‪ ،‬وفي المناطقـ الصحراوية والجبليةـ والســهبيةـ))‪،‬‬
‫وهو التعريف الوارد في الفقه اإلسالمي‪ ،‬والمرسوم رقم‪ 87/01 :‬المــؤرخ في‪:‬‬
‫‪05/04/2001‬م المحدد لشروط وكيفيات استغالل األراضي الغابية(‪.)3‬‬
‫خامسا ـ النوازل الخاصة باالستثمار الزراعي‬
‫إن منح األراضي في إطار االســتثمار لــدى الفقهــاء على نــوعين أراضي‬
‫تمنح تمليكــاً‪ ،‬وأخــرى اســتغالال‪ ،‬وإن النــوازل الــتي ذكرها صــاحب المعيــار‬

‫(?) القــانون رقم‪ 83 :‬ــ ‪ 18‬المــؤرخ في‪13/08/1983 :‬م المتعلق بحيــازة الملكية العقارية‬ ‫‪1‬‬

‫الفالحية بالنسبة لألراضي الفالحية‪ ،‬الجريدة الرسمية العددـ ‪ ،34‬سنة ‪1983‬م‪.‬‬


‫(?) ابن رشد‪ :‬البيان والتحصيل‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.301‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) الجريدة الرسمية العدد ‪ 55‬السنة ‪ ،1992‬والعددـ ‪ 83‬الســنة ‪ ،1997‬والعــدد ‪ 20‬الســنة‬ ‫‪3‬‬

‫‪(.2001‬بالترتيب)‬
‫ــ ‪ 466‬ـ‬
‫بخصـوص األراضي موضـوع االسـتثمار على نـوعين‪ :‬منح األراضي تمليكــا‪،‬‬
‫واستغالال‪.‬‬
‫ـ منح األراضي الستثمارها تمليكا ً‬
‫ال توجد وقــائع مادية مرصــودة بخصــوص منح األراضي تمليكــا‪ ،‬وإنما‬
‫وردت نــوازل على ســبيل االستفســار أو االفــتراض‪ ،‬ولعل هــذا راجع لألصل‬
‫العــــام عند الســــادة المالكية في منعهم منح األراضي تمليكا وبخاصة األرض‬
‫العامرة‪.‬‬
‫إن منح األراضي تمليكا هو‪(( :‬إعطاء أو منح األرض للمقطع بأن يملك‬
‫رقبتها‪،‬ـ فله الــبيع والهبة والوقف ويــورث عنه))(‪ ،)1‬وإن األرض العــامرة هي‬
‫((األرض التي تزرع‪ ،‬أو ما تصلح لزراعة البر))(‪.)2‬‬
‫وقد منع الســادة المالكيةـ منح األرض تمليكــاًـ في إطــار اســتثمارهاـ في‬
‫نــوع من األراضي وهــذا النــوع يعــود إلى أصل حيــازة األرض‪ ،‬فــاألرض‬
‫العامرة التي أخذت عنوة ال تقطع تمليكا‪ ،‬بل اســتغالال‪ ،‬ألنه وبمجــرد اســتالء‬
‫المسلمين عليها صارت وقفا عليهم‪ ،‬ووقفها مانع من اختصاص بعض النــاس‬
‫بها من دون البعض‪ ،‬لصنيع سيدنا عمر بن الخطاب ‪ ‬في أرض السواد التي‬
‫أوقفها ولم يقســـمها(‪ ،)3‬والحكم نفسه بالنســـبةـ للأرض العـــامرة الـــتي أخـــذت‬
‫صلحا‪ ،‬فليس لإلمام أن يقطعها ال تمليكاـ وال استغالال(‪.)4‬‬
‫أما الأرض العامرة التي أخذت بغــير عنــوة فال خالف بين المالكية أنها‬
‫تقطع تمليكاـ كما تقطع اســـتغالال(‪ ،)5‬والحكم نفسه بالنســـبةـ لألرض العـــامرة‬
‫كــانت العمــارة فيها إســالمية ولم يتمــيزـ مالكهــا‪،‬ـ فهي في حكم المــال الضــائع‬
‫اآليل لبيت مال المسلمين‪.‬‬
‫وإن العلة في ذلك راجعة إلى تصـــنيف األراضي الـــتي يحق لإلمـــام أو‬
‫الحاكم التصرف فيها‪ ،‬فقد عرفنا أن األمالك العقارية في الفقه اإلسالمي تقسم إلى‬
‫ثالثة أقســــــــام أمالك عقارية خاصة وأمالك عقارية عامة وأمالك عقارية تابعة‬
‫للدولة‪.‬‬

‫(?) الدسوقي‪ :‬حاشية الدسوقي على مختصر سيدي خليــل‪ ،‬دار الكتب العلميــة‪ ،‬بــيروت‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ط‪1996 ،1‬م‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪.442‬‬


‫(?) الخرشي‪ :‬حاشية الخرشي على مختصر سيدي خليل‪ ،‬تحقيق زكرياء عمــيرات‪ ،‬دار‬ ‫‪2‬‬

‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1997 ،1‬م‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.345‬‬


‫(?) القرافي‪ :‬الفروق‪ ،‬الفروق وأنوار البروق في أنــواء الفــروق‪ ،‬تحقيق خليل منصــور‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1998 ،1‬م‪ .‬ج‪ ،3‬ص‪ ،18‬الفرق رقم‪.116 :‬‬
‫(?) القرافي‪ :‬الفروق‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،18‬الفرق رقم‪.116 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) القرافي‪ :‬الفروق‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،18‬الفرق رقم‪.116 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫ــ ‪ 467‬ـ‬
‫وفي هـــذا الســـياق نجد أن النـــوازل الخاصة بمنح أو إقطـــاع األرض‬
‫تمليكا والمــذكورة في كتـابـ المعيــار عــددها نازلتـان‪،‬ـ كــان االستفسـار حـول‬
‫إمكانيةـ منح األرض تمليكا‪،‬ـ وهما البن عرفة المــالكي‪ ،‬حيث كــان الــرد بعــدم‬
‫منحها تمليكاـ في إحداهما‪ ،‬وكان الرد في الثانيةـ بــأن المنح أو اإلقطــاع الثــاني‬
‫ينسخ األول وهو دال على عدم منح الرقبة في األول(‪.)1‬‬
‫ـ منح األراضي الستثمارها استغالل أو انتفاعا ً‬
‫المســألة الــواردة في هاتهـ النازلة أن أناســا ً كــانت بيــدهم أرض بــأمر‬
‫سلطاني‪ ،‬فعمد منهم شخص إلى استثمارهاـ غارسا إياها بــأنواع من األشــجار‬
‫وبعد وفاته وانــدثار عملــه‪ ،‬قــام ورثتهـ ببيعها لشــخص قــام باســتثمارهاـ مــرة‬
‫أخرى واالنتفاع منها‪،‬ـ فاعترضه أرباب األرض السابقينـ الذين حصلوا عليها‬
‫ماض‪ ،‬وهي لــبيت مــال المســلمين‬ ‫ٍ‬ ‫بأمر سلطاني‪ ،‬فكان الجواب أن البيع غير‬
‫ولجماعة المسلمين رقبتهــا‪ ،‬ومنحها كــان إمتاعـا ً ال تمليكـاً‪،‬ـ بمعــنىـ أن رقبتها‬
‫تبقى للدولة وإنما حق االنتفاع ينتقل إلى المستثمر(‪.)2‬‬
‫إن إقطاع أو منح األرض اســتغالال هو منحها لمن يشــغلها إن شــاء أن‬
‫يزرعهــا‪ ،‬وإن شــاء أن يؤجرهــا‪ ،‬وإن شــاء أن يــزارع عليها‪ ،‬أو منحها لمن‬
‫يشغلها بنفسهـ ونوابه من غير تمليك وال تأبيد(‪.)3‬‬
‫إن للدولة أن تمنح هــذه الأراضـي لأنــاس للعمل على أن تكــون‬
‫المنـــافع له والرقبة باقية تحت يد الدولـــة‪ ،‬لألثر الـــوارد عن ســـيدنا عمر بن‬
‫ض))(‪ ،)4‬بمعــنى أن للســلطان أن يمنح من‬ ‫األْر ِ‬ ‫الخطاب ‪ ‬إذ قال‪َ(( :‬لنَ ا ِر َق ُ‬
‫اب َ‬
‫األراضي الــتي يحق له التصــرف فيها اســتغالال على أن تبقىـ ملكيتهاـ تحت‬
‫يده‪ ،‬وله استرجاعها في أي وقت على حسب ما هو متفق عليه(‪ ،)5‬وكان أكثر‬
‫ما يســـتعملـ هـــذا في إقطـــاع الجنـــد‪ ،‬الســـتغاللها مباشـــرة باســـتثمارها‪ ،‬أو‬
‫بإيجارها(‪.)6‬‬
‫هــذا؛ وإن قيــام الدولة بكل المؤونــات يكــون بإعطــاءـ المواطــنين من‬
‫أراضي بيتـ مــال المســلمين الســتغاللها وكسب العيش منها‪ ،‬ومما تنتجهـ بكل‬
‫الطــرق الشــرعية‪ ،‬بطريقةـ مباشــرة أو غــير مباشــرة‪ ،‬أو يكــون بالســماح لهم‬
‫(?) الونشريسي‪ :‬المعيار‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ج‪ ،09‬ص‪.73‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الونشريسي‪ :‬المعيار‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ج‪ ،05‬ص‪.98‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) ابن جماعة‪ :‬تحرير األحكام في تدبير أهل اإلسالم‪ ،‬تحقيق عبد المنعم فؤاد‪ ،‬قطر‪ ،‬ط‬ ‫‪3‬‬

‫‪1987 ،2‬م‪ ،‬ص‪.110‬‬


‫(?) الطحاوي‪ :‬شرح معاني اآلثار‪ ،‬تحقيق محمد زهري النجار ومحمد ســيد جـاد الحـق‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫ترقيم يوسف عبد الرحمن مرعشلي‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بــيروت‪ ،‬ط‪1994 ،1‬م ج‪ ،3‬ص‪،270‬‬
‫رقم‪ .5317 :‬وأبو عبيد‪ :‬األموال‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1408 ،‬هـ‪ ،‬ص‪.291‬‬
‫(?) الخرشي‪ :‬حاشــية الخرشي على مختصر ســيدي خليــل‪( ،‬مرجع ســابق)‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‬ ‫‪5‬‬

‫‪.354‬‬
‫(?) الونشريسي‪ :‬المعيار المعرب‪( ،‬مرجع سابق)‪ ،‬ج‪ ،05‬ص‪.43‬‬ ‫‪6‬‬

‫ــ ‪ 468‬ـ‬
‫للحصول على مرتب يكــون من ريع بعض أمالك الدولــة‪ ،‬وهي غالبا ما تتبعـ‬
‫المنوال الثاني‪ ،‬وهذا اإلجراء عند بعض الفقهاء المعاصــرين ليس إقطاعا في‬
‫الحقيقة‪ ،‬وإنما هو تكليف للفرد بأن يتعــاطىـ أجــرة من خــراج مــادة معينةـ من‬
‫األرض يحصل عليه من طريق االتصال بالمزارع(‪.)1‬‬
‫إن هذا الحكم شبيه إلى حد كبير بحق االنتفاع الدائم (حق االنتفاع الدائم هو‬
‫حق عيني عقــاري ينتقل إلى الورثة ويمكن التنــازل والحجز عليه وبالتــالي رهنه‬
‫أيضا)‪ ،‬الذي تمنحه الدولة للمنتفع في إطار القانون رقم‪ 87 :‬ـ ‪ 19‬المؤرخ في‪08 :‬‬
‫‪/12/1987‬م المتضـــــــمن كيفية اســـــــتغالل األراضي الفالحية التابعةـ لألمالك‬
‫الوطنيــة‪ ،‬وتحديد حقــوق المنتجينـ وواجبــاتهم(‪ ،)2‬والمتمثل في حق اســتعمالـ‬
‫األرض الفالحية واستغاللهاـ فيما أعدت لــه‪ ،‬ولمــدة غــير محــدودة‪ ،‬أضف إلى‬
‫ذلك حقوق االرتفــاق التابعةـ لألرض المنتفع بها من مجــرى ومســيل‪ ،‬وغيرها‬
‫من الحقوق المقررة(‪.)3‬‬
‫وإن عــدم تحديد المــدة في هــذا النــوع من االســتغالل هو الــراجح لــدى‬
‫الفقهــــاء‪ ،‬ومن شــــأنه أن يعطي اطمئنانــــاًـ للفالح في عمله واســــتقراره على‬
‫األرض ما يجعله أكثر نشاطا وعمال(‪.)4‬‬
‫الخاتمة‬
‫لقد أوضحت النــوازل أن هنــاك نشــاطاـ زراعيا بــالمغرب‪،‬ـ وإنما كــانتـ‬
‫على العمــوم فيما يخص الــري(‪ ،)5‬وتوضح هاته النــوازل أن أراض كــانتـ‬
‫تحت فرد أو عدة أفراد ومجموعــات ثم تهجر هاتهـ األراضي لظــروف معينة‬
‫كالمجاعة أو الحروب‪ ،‬وإن عامل ضعف الرقابةـ على هاتهـ العملية يــؤدي في‬
‫كثير من األحيــان إلى حــدوث نزاعــات حــول هاته األراضي الممنوحــة‪ ،‬وقد‬
‫(?) محمد باقر الصدر‪ :‬اقتصادنا‪ ،‬دار التعارف‪ ،‬بيروت‪1991 ،‬م‪ ،‬ص‪.488‬‬ ‫‪1‬‬

‫(?) الجريدة الرسمية العدد ‪ 50‬السنة ‪1987‬م‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫(?) د‪ /‬بن رقية بن يوسف‪ :‬شــرح قــانون المســتثمرات الفالحيــة‪ ،‬طبع الــديوان الوطــني‬ ‫‪3‬‬

‫لألشغال التربوية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪2001 ،1‬م‪ ،‬ص‪.144‬‬


‫(?) إن نوعية الملكية الناتجة عن حق االنتفــاع على وفق األحكــام المنصــوص عليها في‬ ‫‪4‬‬

‫القوانين الجزائرية أدى إلى نوع اختالف حول الملكية المطبقة على هــذه األرض فبعض‬
‫الباحثين ذهب إلى أن الدولة من خالل هذا القانون أقرت ملكيتين على أرض واحدة هما‪:‬‬
‫ملكية الرقبة وهي تابعة للدولة‪ ،‬وحق االنتفاع الممنوح للمستفيدين أو المستفيد‪ ،‬وبعضــهم‬
‫اعتبر أن المشرع الجزائري ج ّزأ ملكية واحــدة على جهــتين؛ جهة خصــها بحق االنتفــاع‬
‫فقط وهي للمســتثمرة ال يكــون لها التصــرف في األرض‪ ،‬وجهة خصصــها بملكية الرقبة‬
‫وهي للدولة الـــتي يكـــون لها التصـــرف في األرض‪ ،‬ومن خاللهما يتجلى لنا أن الدولة‬
‫طبقت على هــــذه األرض نوعا من الملكية هو معــــروف في الفقه اإلســــالمي بالملكية‬
‫الناقصة المقصورة على حق المنفعة دون الرقبة‪.‬‬
‫(?) إن الجــدير بالمالحظة أن هنــاك مخطوطــات كثــيرة تتحــدث عن النــوازل الفقهية‬ ‫‪5‬‬

‫بالجنوب الجزائري وبخاصة منطقة تامنغست‪ ،‬وبها عدد هائل من نوازل الســقي والــري‬
‫واآلبــار كمخطــوط هدية البــاري في أحكــام آبــار بالد أزواد لســيدي محمد بن بــادي‪،‬‬
‫وكنــوازل الشــيخ ســيدي محمد بــاي بن عمر الكنــتي في القــرن الرابع عشر الهجــري‪،‬‬
‫وفتاوى القالدي للشيخ لمين بن أحمد القالدي التكروري في القرن الثالث عشر الهجري‪.‬‬
‫ــ ‪ 469‬ـ‬
‫رأينا ذلك في غضب الفقهــاء من تحــول نــوع الملكية على بعض األراضــي‪،‬‬
‫ولعل هذا الجانب هو الذي يعانيـ منه العقار الفالحي في الجزائــر‪ ،‬فضال عن‬
‫وجود عدم استقرار وانعــدام ثقة في هــذا النــوع من التصــرفات‪ ،‬وعليه وجب‬
‫تفعيل آليات الرقابة في عمليةـ االستثمار‪ ،‬وتوفير مناخ استثماري يشــجع على‬
‫االستثمار بشكل عام إذ االضطراب يؤدي إلى زعزعة الثقة لدى المستثمر‪.‬ـ‬
‫إن إضافة بعض الممتلكاتـ إلى هللا تعــالى من شــأنه أن يــؤدي إلى ربط‬
‫العمل الزراعي المادي بالجانب الــروحي‪ ،‬وهو من مســتلزماتـ تحقيق نجــاح‬
‫سا َأ ْو يَ ْز َر ُع ز َْرعًا فَيَْأ ُك ُل‬
‫س َغ ْر ً‬
‫سلِ ٍم يَ ْغ ِر ُ‬
‫االستثمار الفالحي قال ×‪َ « :‬ما ِمنْ ُم ْ‬
‫َ ٌ (‪)1‬‬
‫ص َدقة» ‪ ،‬فضال عن اتبــاع‬ ‫س انٌ َأ ْو بَ ِهي َم ةٌ ِإاَّل َك انَ لَ هُ بِ ِه َ‬
‫ِم ْن هُ طَ ْي ٌر َأ ْو ِإ ْن َ‬
‫المناهج العلمية في تطويره‪.‬‬
‫قائمة المصادر والمراجع‬
‫ـ ابن جماعة‪ :‬تحرير األحكام في تدبير أهل اإلسالم‪ ،‬تحقيق عبد المنعم فــؤاد‪ ،‬قطــر‪ ،‬ط‬
‫‪1987 ،2‬م‪ ،‬ص‪.110‬‬
‫ـ ابن رشد‪ :‬البيــان والتحصــيل والشــرح والتوجيه والتعليل في مســائل المســتخرجة‪،‬‬
‫تحقيق محمد حجي وأحمد الشرقاوي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1988 ،2‬م‪.‬‬
‫ـ ابن عبد البر‪ :‬االستذكار الجامع لمذاهب فقهاء األمصار وعلماء األقطار فيما تضــمنه‬
‫الموطأ من معاني الرأي واآلثــار وشــرح ذلك كلّـه باإليجــاز واالختصــار‪ ،‬تحقيق عبد‬
‫المعطي قلعجي أمين‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1993 ،1‬م‪.‬‬
‫ـ أبو عبيد‪ :‬األموال‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1408 ،‬هـ‪.‬‬
‫ـ البخــاري‪ :‬الصــحيح البخــاري‪ ،‬تحقيق محمد علي قطب وهشــام البخــاري‪ ،‬المكتبة‬
‫العصرية‪ ،‬صيدا‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1997 ،1‬م‪.‬‬
‫ـ بن رقية بن يوسف‪ :‬شرح قانون المستثمرات الفالحية‪ ،‬طبع الديوان الوطني لألشـغال‬
‫التربوية‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪2001 ،1‬م‪ ،‬ص‪.144‬‬
‫ـ البيهقي‪ :‬السنن الصغرى‪ ،‬تحقيق خليل مأمون شيحا‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط ‪1999 ،1‬م‪.‬‬
‫ـ الــبيهقي‪ :‬الســنن الكــبرى‪ ،‬تحقيق يوسف عبد الــرحمن المرعشــلي‪،‬ـ دار المعرفــة‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪1988 ،2‬م‪.‬‬
‫ـ الجريدة الرسمية العدد ‪ 50‬السنة ‪1987‬م‪ ،‬والعدد ‪ 55‬السنة ‪ ،1992‬والعدد ‪ 83‬السنة‬
‫‪ ،1997‬والعدد ‪ 20‬السنة ‪.2001‬‬
‫ـ الحطاب‪ :‬مواهب الجليل شرح ســيدي مختصر خليــل‪ ،‬تحقيق زكريــاء عمــيرات‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1995 ،1‬م‪.‬‬
‫ـ الخرشي‪ :‬حاشية الخرشي على مختصر سيدي خليــل‪ ،‬تحقيق زكريــاء عمــيرات‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1997 ،1‬م‪.‬‬
‫ـ الدسوقي‪ :‬حاشية الدسوقي على مختصر سيدي خليل‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بــيروت‪ ،‬ط‬
‫‪1996 ،1‬م‪.‬‬
‫ـ شــوقي نــذير‪ :‬سياسة إقطــاع األرضــين الفالحية في الفقه اإلســالمي وتطبيقاتها في‬
‫الجزائر‪( ،‬رسالة ماجستير)‪ ،‬كلية العلوم اإلسالمية‪ ،‬جامعة الجزائر‪2005 ،‬م‪.‬‬
‫ـ صبحي الصالح‪ :‬وسائل الملكية وعالقتها بالعدالة االقتصادية في الشريعة اإلســالمية‪،‬‬
‫محاضــرات ومناقشــات الملتقى التاسع للفكر اإلســالمي‪،‬ـ منشــورات وزارة الشــؤون‬
‫الدينية‪ ،‬تلمسان‪ ،‬من‪ 01 :‬ـ ‪ 10‬رجب ‪1395‬هـ ‪ 10/‬ـ ‪ 20‬يوليو ‪1975‬م‪.‬‬
‫(?) البخــاري‪ :‬الصــحيح البخــاري‪ ،‬تحقيق محمد علي قطب وهشــام البخــاري‪ ،‬المكتبةـ‬ ‫‪1‬‬

‫العصرية‪ ،‬صيدا‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1997 ،1‬م ج‪ ،02.‬ص‪ ،691‬رقم‪.2320 :‬‬


‫ــ ‪ 470‬ـ‬
‫ـ الطحاوي‪ :‬شرح معاني اآلثار‪ ،‬تحقيق محمد زهـري النجـار ومحمد سـيد جـاد الحــق‪،‬‬
‫ترقيم يوسف عبد الرحمن مرعشلي‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1994 ،1‬م‪.‬‬
‫ـ القانون المدني الجزائري‪.‬‬
‫ـ القانون رقم‪ 83 :‬ـ ‪ 18‬المــؤرخ في‪13/08/1983 :‬م المتعلق بحيــازة الملكية العقارية‬
‫الفالحية بالنسبة لألراضي الفالحية‪ ،‬الجريدة الرسمية العدد ‪ ،34‬سنة ‪1983‬م‪.‬‬
‫ـ القــرافي‪ :‬الــذخيرة‪ ،‬دار الغــرب اإلســالمي‪،‬ـ بــيروت‪ ،‬تحقيق ســعيد أعــراب‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1994‬م‪.‬‬
‫ـ القرافي‪ :‬الفروق‪ ،‬الفروق وأنــوار الــبروق في أنــواء الفــروق‪ ،‬تحقيق خليل منصــور‪،‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1998 ،1‬م‪.‬‬
‫ـ كمال السيد أبو مصطفى‪ :‬جوانب من الحياة االجتماعية واالقتصادية والدينية والعلمية‬
‫في المغرب اإلسالمي من خالل نوازل وفتاوى المعيار المعــرب للونشريســي‪ ،‬مركز‬
‫اإلسكندرية للكتاب‪ ،‬مصر‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫ـ محمد باقر الصدر‪ :‬اقتصادنا‪ ،‬دار التعارف‪ ،‬بيروت‪1991 ،‬م‪.‬‬
‫ـ الونشريسي‪ :‬المعيار المعرب والجامع المغــرب عن فتــاوى علمــاء إفريقية واألنــدلس‬
‫والمغرب‪ ،‬إشراف‪ :‬محمد حجي‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪،‬ـ بيروت‪1981 ،‬م‪.‬‬

‫ــ ‪ 471‬ـ‬
‫توصيات الملتقى‬
‫ﭑﭒﭓﭔ‬
‫الحمد هلل والصالة والسالم على سيدنا محمد رسول هللا صلى هللا عليه‬
‫وعلى آله وسلم‪ .‬أما بعد‪،‬‬
‫فتحت الرعاية السامية لفخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز‬
‫بوتفليقة حفظه هللا تعالى ورعاه‪ ،‬وفي إطار أعمال األسبوع الوطنيـ الحادي‬
‫عشر للقرآن الكريم احتضنت والية عين الدفلى المضيافة‪ ،‬الملتقى الدولي‬
‫السادس حول المذهب المالكي الذي يحمل عنوان "فقه النوازل في الغرب‬
‫اإلسالمي " وذلك يومي ‪ 13‬ـ ‪ 14‬جمادى األولى ‪1431‬هـ الموافقين‪ 28‬ـ ‪29‬‬
‫أفريل ‪2010‬م‪ ،‬والذي تميز بحضور عدد من العلماء واألساتذة من داخل‬
‫الوطن وخارجه‪ ،‬بحضور مكثف من المشايخ واألئمة وطلبة العلم‪ ،‬وقد‬
‫توجت أعمال الملتقى بالتوصيات التالية‪:‬ـ‬
‫أوال ـ إبراز المناهجـ المعتمدة في اإلفتاء في فقه النوازل عند فقهاء‬
‫المالكية عبر العصور ومحاولة االستفادة منها في دراسة القضايا المعاصرة‪.‬‬
‫ثانيا ـ توجيه الباحثين إلى دراسة وتحقيق التراث الجزائري في فقه‬
‫النوازل خصوصا والمغاربي عموما‪ ،‬ونشره لتمكين األجيالـ من االستفادة‬
‫منه‪.‬‬
‫ثالثا ـ دعوة المتخصصين في مختلف العلوم اإلنسانيةـ (االجتماع‪،‬‬
‫التاريخ‪ ،‬القانون‪ ،‬السياسة‪ )..‬لالهتمامـ بفقه النوازل وتعميق الدراسات حولها‬
‫لما تحويه من كنوز معرفية متنوعة‪.‬ـ‬
‫رابعا ـ تفعيلـ المجالس العلمية الوالئيةـ وتدعيمهاـ بأساتذة متخصصين‬
‫في العلوم الشرعية لمعالجة القضايا المعاصرة‪.‬‬
‫خامسا ـ التأكيد على االجتهاد الجماعي في النوازل‪.‬من خالل إنشاء‬
‫مجلس للفتوى يجمع بين كل الكفاءات العلمية الوطنية التي تعنيـ بهذا الجانب‬
‫الحساس من حياة المواطن الجزائري‬
‫سادسا ـ االعتناء بالجانب التربوي في اإلفتاء‪.‬‬
‫سابعا ـ التأكيد على مواصلة طبع أعمال الملتقى والحرص على‬
‫إخراج أشغاله كاملة في أقراص لالستفادة من التعقيباتـ والمناقشات‪.‬ـ‬
‫ويثمن المشاركون تسمية هذا الملتقى باسم المرحوم العالمة الفقيه‬
‫الشيخ محمد باي بالعالم الذي وافته المنيةـ يوم ‪ 23‬ربيع اآلخر ‪1430‬هـ‬
‫الموافق ‪ 19‬أفريل ‪ 2009‬م كما ين ّوهون بخصاله الحميدة وأعمالهـ الجليلة‪.‬‬

‫ــ ‪ 472‬ـ‬
‫وفي األخير‪ ،‬يتوجه المشاركون في هذا الملتقى بأسمى آيات الشكر‬
‫واالمتنانـ والتقدير والعرفان لفخامة رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز‬
‫بوتفليقة على رعايته السامية لهذا الملتقى‪.‬ـ‬
‫والشكر موصول لمعالي وزير الشؤون الدينيةـ واألوقاف على عنايته‬
‫لمثل هذه اللقاءات العلمية والتربوية‪.‬‬
‫كما نشكر جزيل الشكر والي والية عين الدفلى السيد عبد القادر قاضي‬
‫على كرم ضيافته وجميل عنايتهـ وتسخيره لكل الوسائلـ المادية والمعنويةـ‬
‫إلنجاح هذا الملتقى‪.‬‬
‫وال ننسى أن نشكر جميع من ساهم في إنجاح هذه التظاهرة من‬
‫السلطات المدنيةـ واألمنية ووسائل اإلعالم‪ ،‬وجميع سكان والية عين الدفلى‬
‫المضيافة‪.‬‬
‫والحمد هلل رب العالمين‬

‫ــ ‪ 473‬ـ‬
‫فهرس الموضوعات‬
‫تـقديـم‬ ‫‪#‬‬

‫? الدكتور بوعبد هللا غالم هللا‪ ،‬وزير الشؤون الدينية‬


‫واألوقاف ‪3...................................................................................‬‬
‫‪ #‬الكلمة االفتتاحية األمين العام لوزارة الشؤون الدينية واألوقاف‬
‫السيد علي حمي ‪7..............................................‬‬ ‫?‬
‫كلمة والي والية عين الدفلى‬ ‫‪#‬‬

‫السيد عبد القادر قاضي ‪13...................................‬‬ ‫?‬


‫‪ #‬مدخل إلى فقة النوازل‬
‫دهينة‪19.............................................‬‬ ‫? د‪/‬نصيرة‬
‫تدوين النوازل في الغرب اإلسالمي‬ ‫‪#‬‬
‫سكحال ‪37.............................................‬‬ ‫? أ‪/‬محمد‬
‫‪ #‬خصائص النوازل الفقهية في الغرب اإلسالمي‬
‫سعيدي ‪61.............................................‬‬ ‫? د‪/‬يحيى‬
‫‪ #‬موجّهات الفتوى في النّوازل عند المالكيّة‬
‫? د‪/‬محمد سماعي‪83.............................................‬‬
‫‪ #‬حدود النظر في النوازل‪ :‬قراءة في نصوص المغاربة‬
‫? د‪/‬أحمد معبوط ‪97..............................................‬‬
‫‪ #‬فقه النوازل عند علماء توات‪ :‬المنهج والمضمون‬
‫? أ‪.‬د‪/‬محمد دباغ‪119.............................................‬‬
‫‪ #‬فقه النوازل عند القاضي عياض‬
‫? د‪ /‬التواتي بن التواتي‪127....................................‬‬
‫‪ #‬ابن جزي الغرناطي ونوازل عصره‬
‫? أ‪/‬محمد عمارة‪149.............................................‬‬
‫‪ #‬فقهاء النوازل المالكية في القرنين الثامن والتاسع الهجريين‬
‫? د‪/‬الناجي لمين‪185............................................‬‬
‫‪ #‬الجامع لمؤلفات النوازل في الفقه المالكي‬
‫? د‪/‬محمد العلمي‪245...........................................‬‬
‫‪ #‬نماذج من كتب النّوازل ومناهج تدوينها عند فقهاء المغرب اإلسالمي‬
‫? د‪/‬مصطفى بوعقل ‪285.....................................‬‬
‫‪ #‬فقه النوازل عند اإلباضية‬
‫? د‪ .‬داود بن عيسى بورقيبة ‪299...........................‬‬
‫‪ #‬النوازل مصدرا للتاريخ االجتماعي والثقافي‬
‫? أ‪.‬د‪/‬ع ّمار جيدل ‪317.........................................‬‬
‫‪ #‬فتاوى التفسير‬
‫?د‪/‬محمود مغراوي‪329........................................‬‬
‫‪ #‬العذر بعوارض األهلية في العقيدة من خالل النوازل المغربية‬
‫? د‪/‬يوسف عدار ‪349...........................................‬‬
‫‪ #‬الفكر الصوفي في النوازل التواتية‬
‫? أ‪/‬زهير بن عبد الرحمان قزان‪373.......................‬‬
‫‪ #‬يهود توات في كتب النوازل الجزائرية‬
‫? د‪ /‬محمد عبد الحليم بيشي ‪409..............................‬‬
‫‪ #‬فتوى اإلمام ابن زكري التلمساني في مسألة يهود توات (دراسة وتحقيق)‬
‫?الدكتور محند أو إدير مشنان‪439.............................‬‬
‫‪ #‬االجتهاد المقاصدي في الفقه النوازلي‬
‫? أ‪/‬إسماعيل نقاز المكناسي‪467................................‬‬
‫‪ #‬نظرية ما جرى به العمل وتطبيقاتها على فقه النوازل‬
‫? د‪/‬جمال كركار ‪489.............................................‬‬
‫ــ ‪ 474‬ـ‬
‫‪ #‬التأصيل الشـرعي للنوازل الفقهية عند المالكية‬
‫بوحمزة‪513.........................................‬‬ ‫? د‪/‬نور الدين‬
‫‪ #‬القانون الدولي اإلنساني في كتب نوازل المغاربة‬
‫? د‪/‬سليمان ولدخسال‪529............................................‬‬
‫‪ #‬النوازل الفقهية المرتبطة بالوجود االستعماري في الجزائر‬
‫? أ‪.‬د‪ /‬محمد دراجي ‪539.............................................‬‬
‫‪ #‬قاعدة الجوابر الفقهية في النوازل المغربية‬
‫? د‪ /‬محمد حموش ‪553...............................................‬‬
‫‪ #‬فقه نوازل المالكية في االقتصاد‬
‫? أ‪/‬عبد الرزاق دالل ‪569.............................................‬‬
‫‪ #‬نوازل الوقف في الغرب اإلسالمي‬
‫? د‪/‬عبد القادر بن عزوز‪583........................................‬‬
‫‪ #‬نوازل استثمار األراضي الفالحية واستصالحها في الغرب اإلسالمي‬
‫? أ‪/‬شوقي نذير‪593.....................................................‬‬
‫‪ #‬التوصيات ‪611..........................................................................‬‬

‫ــ ‪ 475‬ـ‬

You might also like