Professional Documents
Culture Documents
456
ISSN :2588-2384 مجلة المعيار
السنة3102 : عدد54 : المجلّد 32
مقدمة:
إن دراسة تطور الفكر العقدي باجلزائر يستلزم منا نفض الغبار عن مؤلفات وإسهامات أعالم العقيدة والكالم يف وطننا
احلبيب ،والكشف عن جوانب حياهتم العلمية ،وتتبع أخبارهم ،ومعرفة السياقات التارخيية واحلضارية اليت عايشوها ،من
خالل ما وصلنا من كتب التاريخ والتاجم والرحالت والنوازل ،وتركيز الدراسة حول املادة الكالمية والتا العقدي الذي
تركوه لنا ،خمطوطا كان أو مطبوعا ،ومعرفة جوانب تأثُِرِهم وتأثريهم يف تطور الفكر العقدي ،ومن هذه املنطلقات جاءت
هاته الدراسة ،عن َعلَم من أعالم اجلزائر ،وهو اإلمام أبو عثمان سعيد بن حممد العقباين ،للتعرف أوال على سريته
ومسريته العلمية ،ومعرفة مصنفاته ومسامهاته ،ث استخالص منهجه يف درس العقيدة ،من خالل بيان وتوضيح موقعه يف
اخلريطة العقدية للغرب اإلسالمي ،ومنهجه يف التأليف ،ومسالكه يف االستدالل على قضايا العقيدة ،وطبيعة املعرفة
العقدية عنده.
أوال:ترجــــمة اإلمــام العــقبـــاني
/0عصر العقباني وترجمته
اإلمام ،القاضي ،أبو عثمان ،سعيد بن حممد بن حممد بن حممد ،العقباين ،التلمساين ،التجييب ،والعقباين نسبة لعقبان(،)1
وهي قرية باألندلس ،وقيل :عقاب( ،)2أصله منها ،جتييب النسبُ ،ولد بتلمسان سنة 098هـ ،ونشأ هبا ،وال تُسعفنا
املصادر اليت ترمجت له بالوقوف على ظروف نشأته ،إال أننا نعلم أن اإلمام العقباين نشأ يف ظل الدولة املرينية ،اليت كان
منها سالطني اعتنوا عناية جيدة بالعلوم الشرعية ،فعاصر السلطان أيب عنان املريين ،وروى عنه صحيح البخاري واملدونة
عن عز الدين بن مجاعة وغريه( ،)3وتوىل قضاء اجلماعة ببجاية يف زمانه أيضا ،والعلماء يومئذ متوافرون( ،)4وتوىل القضاء
بغري جباية ،فتوىل قضاء تلمسان وسال ومراكش ووهران ،حىت قال عنه احلفيد بن مرزوق :كان عالمة خامتة قضاة العدل
بتلمسان( ،)5وطالت مدته يف والية القضاء فقد زادت على أربعني سنة( ،)6وكانت أغلبها بتلمسان معقل دولة بين زيان،
-1البستان يف ذكر األولياء والعلماء يف تلمسان ،أيب عبد اهلل حممد بن حممد امللقب بابن أيب مرمي التلمساين ،ص ،080الناشر :املطبعة الثعالبية،
0280م.
-2شجرة النور الزكية يف طبقات املالكية ،حممد بن حممد بن عمر بن علي ابن سامل خملوف ،160/0 ،ت :عبد اجمليد خيايل ،الناشر :دار الكتب
العلمية ،لبنان ،الطبعة :األوىل 0191 ،هـ 9881 -م.
-3البستان ،بن أيب مرمي ،ص ،080وانظر :ثبت أيب جعفر أمحد بن علي البلوي الوادي أشي ،أبو جعفر أمحد بن علي البلوي الوادي آشي،
ت:عبد اهلل العمراين ،ص ،962الناشر :دار الغرب اإلسالمي -بريوت /لبنان ،الطبعة :الطبعة األوىل0181 ،هـ.
-4الديباج املذهب يف معرفة أعيان علماء املذهب ،إبراهيم بن علي بن حممد ،ابن فرحون ،برهان الدين اليعمري ،121/0 ،ت :حممد األمحدي أبو
النور ،الناشر :دار التا للطبع والنشر ،القاهرة.
-5كفاية احملتاج ملعرفة من ليس يف الديباج ،أمحد بابا بن أمحد بن الفقيه احلاج أمحد بن عمر بن حممد التكروري التنبكيت السوداين ،أبو العباس،
،906/0ت :حممد مطيع ،الناشر :وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية املغربية9888 ،م.
-6الديباج ،ابن فرحون.121/0 ،
457
ISSN :2588-2384 مجلة المعيار
السنة3102 : عدد54 : المجلّد 32
وقد متي ز عصره باضطراب سياسي ،فقد تعاقب كثري من األمراء على تلمسان يف تلك الفتة ،وتعرضت لغارات وحصار
عنيف من املرينيني ،ومع هذا كانت احلركة الثقافية والعلمية مزدهرة ،اعتىن العلماء خالهلا الفتة مبؤلفات الغزايل،
كاالقتصاد يف االعتقاد ،وكتاب اإلرشاد ،للجويين ،ويف املنطق ،مجل اخلوجني ،مع أن ميزة التأليف اليت كانت تطبع عصر
العقباين ،هي الشروح واحلواشي واملختصرات( ،)1إال أنه استطاع أن يتميز مبُؤلفاته ،فقد شهدت نصوص معاصريه برفعة
قدر اإلمام العقباين وامتألت كتب التاجم بالثناء عليه ،فوصفه تلميذه شيخ اإلسالم ابن مرزوق احلفيد بأنه :وحيد دهره
وفريد عصره ،بقية العلماء الراسخني ،ووار الفضالء اجملتهدين( ،)2وقال عنه معاصره ابن فرحون :إمام عامل فاضل فقيه
مذهب مالك متفنن يف العلوم( ،)3ويف البستان :مسعت بعض الشيوخ حيكي عمن لقيه أنه كان يقال له رئيس العلماء
والعقالء(،)4وقال عنه اجملاري :فمنهم من أخذت عنه بتلمسان وهو اإلمام احملقق وحيد أهل زمانه يف املعقول وقدوهتم يف
يف املنقول أبو عثمان بن حممد بن حممد العقباين( ،)5وكانت وفاته -رمحه اهلل -عام أحد عشر ومثامنائة( ،)6رمحه اهلل تعاىل
تعاىل رمحة واسعة ،وأدخله فسيح جنانه.
/3مسيرة العقباني العلمية
أخذ اإلمام سعيد العقباين العلم عن أبرز مشايخ عصره ،فرسخت قدمه يف العلوم العقلية والنقلية ،وبلغت رتبته يف حتقيق
العلوم الشرعية رتبة أعلم أهل عصره بالغرب اإلسالمي ،كاإلمام ابن عرفة والشريف التلمساين ،واملقري ،قال التنبكيت
تعليقا على كالم ابن ظهرية يف شيخه بن عرفة :قلت :قوله :ومل يكن بالغرب من جيري جمراه! ...اخل ،يعين واللَّه أعلم،
بالنسبة آلخر عمره أو ببالده إفريقيا فقط ،وإال فقد كان باملغرب األوسط واألقصى واألندلس من هو مثله ومن ال
يتقاصر عن رتبته فيما ذكر من مجعه وحتقيقه ،فهذا اإلمام الشريف التلمساين واإلمام املقري والقاضي أبو عثمان العقباين
يف تلمسان ،وشيخ الشيوخ أبو سعيد بن لب واإلمام النظاري أبو إسحاق الشاطيب بغرناطة واإلمام القباب بفاس ،فهؤالء
أمثاله يف علومه بال شك( ،)7وهذه ال شك شهادة عظيمة لإلمام العقباين ،تدل على علو رتبته يف العلم ،وهذه الرتبة مل
تأت من فراغ ،فقد ترك مشاخيه بصمتهم على توجهه يف التأليف والتخصص ،سيما يف علم الفرائض الذي أتقنه على
السطي فصنف شرحه املتميز على احلُوفية ،ولتمكنه الكبري يف الفرائض كان من الصعب الدراسة عليه مباشرة ،ألنه
َّ
-1اإلمام السنوسي وعلم التوحيد ،مجال الدين بوقلي ،ص ،00-10املؤسسة الوطنية للكتب ،اجلزائر0200 ،م.
-2مقدمة كتاب هناية األمل يف شرح اجلمل ،ابن مرزوق احلفيد ،ق/1أ ،خمطوط ،رقم ،000دار الكتب الوطنية ،تونس.
-3الديباج،ابن فرحون.121/0 ،
-4البستان ،بن أيب مرمي ،ص.080
-5برنامج اجملاري ،أبو عبد اهلل حممد بن حممد بن علي بن عبد الواحد اجملاري األندلسي ،ص ،092ت :حممد أبو األجفان ،دار الغرب اإلسالمي
-بريوت /لبنان ،الطبعة األوىل0209 ،م0188 /م.
-6وفيات الونشريسي ،أمحد بن حيىي الونشريسي ،ص ،09ت :حممد بن يوسف القاضي ،شركة نوابغ الفكر.
-7نيل االبتهاج بتطريز الديباج ،أمحد بابا بن أمحد بن الفقيه احلاج أمحد بن عمر بن حممد التكروري التنبكيت السوداين ،أبو العباس ،162/0 ،ت:
عبد احلميد عبد اهلل اهلرامة ،دار الكاتب ،طرابلس – ليبيا ،الطبعة :الثانية 9888 ،م.
458
ISSN :2588-2384 مجلة المعيار
السنة3102 : عدد54 : المجلّد 32
بالتعبري املعاصر أصبح خمتصا بتدريس طلبة الدراسات العليا( ،)1وتبحر أيضا يف علم اهلندسة قال اجملاري حكاية عن
السطي مل يشتغل باهلندسة إال
شيخه العقباين :قال وكان رفيقي السيد أبا عبد اهلل الشريف التلمساين ،وكان شيخنا َّ
قليال ،فكان يسألنا عن براهني بعض املسائل ومن أي شكل خترج من أوقليدس ،فكان رفيقي أبو عبد اهلل الشريف
يسبقين تارة وأسبقه أخرى ،ويف بعض السؤاالت أنطق أنا وهو باجلواب يف وقت واحد ،وهذا الكالم منه يشعر بتبحره يف
علم اهلندسة ولقد كان حبرا فيها( ،)2وهذه القصة تبني قوة العقباين يف العلوم العقلية ،النظرية والتطبيقية ،وأنه كان -رمحه
اهلل -يتميز بذكاء حاد ،تشهد به مصنفاته اليت تركها ،وفيما يلي بعض من أخذ العقباين عنهم العلوم:
/0محمد السطي :الفقيه حافظ املغرب العالمة الفرضي اجلليل ،اشتغل كثريا بعلم الفرائض ،أخذها عن الشيخ أيب
احلسن الطنجي ،ختم عليه احلوفية مثان ختمات ،وكانت له يف فهمه وإقرائه وحل ع ِ
قده اليد الطوىل( ،)3تتلمذ عليه وأخذُ
وأخذ عنه اإلمام العقباين ،قال اجملاري :ومن شيوخه الشيخ احملقق الفرضي املدقق ،أبو عبد اهلل حممد بن سليمان السطي،
أخربين أنه قرأ عليه مجيع كتاب احلويف ،قراءة تفقه وحتقيق ألحكامه الفقهية ،وتصوير ألعماله اجلزائية ،وذلك يف شهر(،)4
شهر( ،)4وهذا عجيب منه رمحه اهلل ،فقد استطاع حتصيل مسائل هذا العلم ،وقراءهتا وحتقيقها وتصورها يف ذهنه ،يف مدة
مدة شهر.
/9محمد العبدري التلمساني عرف باآلبلي :اإلمام العالمة اجملتمع على إمامته ،أعلم خلق اللَّه بفنون املعقول ،قال
عن نفسه :قرأت املنطق واألصلني على أيب موسى ابن اإلمام ،وقال عنه تلميذه املقري :هو اإلمام نسيج وحده ورحلة
وقته يف القيام على الفنون العقلية وإدراكه وصحة نظره(،)5قال ابن فرحون يف ترمجة العقباين :وأخذ األصول عن أيب عبد
اهلل اآلبلي( ،)6فأخذ عنه اإلمام العقباين علوم العقيدة والكالم واملنطق(.)7
/1أبو زيد ابن اإلمام التنسي التلمساني :العامل الراسخ والعلم الشامخ احلافظ النظار املتحلي بالوقار الشائع الصيت
شرقا وغربا وهو أكرب األخوين املشهورين بابين ا ِإلمام التنسي ،روى عنهما كثري من فضالء املغرب كاملقري وحممد
-1جاء يف رحلة القلصادي يف ترمجة شيخه عيسى الرتيمي :وأخرب -رمحه اهلل -أنه مل يَ ِسر إىل القراءة على سيدي سعيد العقباين إال بعد أن قرأ
مجيع احلوفية على والده ست مرات وحضره مع الغري حنو الثمان عشرة ختمة .رحلة القلصادي ،أيب احلسن علي القلصادي األندلسي ،ص ،20ت:
حممد أبو األجفان ،الشركة التونسية للتوزيع ،تونس 0200 ،م.
-2برنامج اجملاري ،اجملاري ،ص.018
-3نيل اإلبتهاج ،التنبكيت ،ص.180
-4برنامج اجملاري ،اجملاري ،ص ،018وقال التنبكيت :وقال بعض أصحابنا :كان السطي إماما جليال حافظا مقدما يف الفقه ... ،أخذ عنه ابن
عرفة والعقباين وابن خلدون .نيل اإلبتهاج ،التنبكيت ،ص ،182وانظر أيضا :كفاية احملتاج ،ألمحد بابا التنبكيت.906/0 ،
-5نيل االبتهاج ،أمحد بابا التنبكيت.100/0 ،
-6الديباج.121/0 ،
-7قال التنبكيت :وأخذ عن صاحب التمجة من ال يعد كثرة من األئمة ،كابن الصباغ املكناسي ،والشريف التلمساين ،والشرف الرهوين وابن مرزوق
اجلد ،وأيب عثمان العقباين .كفاية احملتاج ،أمحد بابا التنبكيت .00/9 ،
459
ISSN :2588-2384 مجلة المعيار
السنة3102 : عدد54 : المجلّد 32
الشريف التلمساين وابن مرزوق اجلد وسعيد العقباين ،قال ابن فرحون يف ترمجة العقباين :مسع من ابين اإلمام أيب زيد وأيب
موسى وتفقه هبما(.)1
/1أبو موسى ابن اإلمام التنسي التلمساني :مسع العقباين عليه مجيع صحيح البخاري ،قال العقباين :مسعت مجيعه
على اإلمام أيب موسى عيسى بن حممد ابن اإلمام ،املذكور مبدرسته بتلمسان يف جمالس آخرها غرة ذي احلجة عام اثنني
وأربعني وسبع مائة(.)2
/0ابن البناء أبو العباس األزدي :ذكره اجملاري يف شيوخ العقباين( ،)3وهذا َوهم منه -رمحه اهلل -فإن ابن البناء كانت
وفاته سنة 090هـ ،والعقباين مولده سنة 098هـ ،ولعله قصد روايته عنه ،واهلل أعلم.
/6محمد بن عبد السالم الهواري التونسي :قاضي اجلماعة هبا وعالمتها الشيخ الفقيه َّ
القوال باحلق ،احلافظ املتبحر
يف العلوم العقلية والنقلية ،العمدة احملقق املؤلف املدقق ،مسع أبا العباس البطرين وأدرك مجاعة من الشيوخ ،خترج بني يديه
مجاعة منهم القاضي ابن حيدرة وابن عرفة( ،)4قال اجملاري يف ترمجة العقباين :ومن شيوخه اإلمام أبو عبد اهلل حممد بن
عبد السالم التونسي -رمحه اهلل.)5(-
وبعد هذا التحصيل الكبري والعميق ،ملختلف العلوم الشرعية ،وبلوغ العقباين مرتبة عالية يف حتقيقها ،صار متوقعا أن
يتخرج به ثلة من العلماء الذين كانوا يف زمانه ،وفيما يلي ذكر لبعضهم:
/0قاسم بن سعيد العقباني التلمساني :اإلمام أبو الفضل وأبو القاسم ،شيخ اإلسالم ،ومفيت األنام ،الفرد العالمة
احلافظ القدوة العارف اجملتهد املعمر ،ملحق األحفاد باألجداد ،أخذ عن والده اإلمام أيب عثمان وغريه ،وحصل العلوم
()6
درس كتب والده سعيد ،ومن ضمنها كتابه يفحىت بلغ درجة االجتهاد ،وله اختيارات خارجة عن املذهب ،وكان َّ
العقيدة األشعرية ،قال القلصادي :وما قرأت عليه بلفظي بعض احلويف ،بطريقيت التصحيح والكسور ،وبعض املناسخات
من الشرح لوالده سيدي سعيد ،وبعض خمتصره يف أصول الدين ،وغري ذلك(.)7
/9محمد بن مرزوق الحفيد التلمساني :اإلمام املشهور العالمة احلجة احلافظ احملقق الكبري ،الثقة الثبت النَّظار
املصنف التَّقي الصاحل الزاهد ،أخذ العلم عن مجاعة كالسيد الشريف العالمة أيب حممد عبد اللَّه ابن اإلمام العلم الشريف
التلمساين ،واإلمام عامل املغرب سعيد العقباين(.)8
/1إبراهيم بن محمد المصمودي التلمساني :الشيخ ا ِإلمام العالمة الفقيه احملقق الفهامة ،رئيس الصلحاء والزهاد
واألئمة العباد صاحب الكرامات املشهورة ،والديانة املأثورة الويل اجملاب الدعوة ،أخذ عن أعالم كالشيخ موسى
العبدوسي ،واآلبلي ،وسعيد العقباين( ،)1قرأ كثريا على اإلمام شريف العلماء ،أيب عبد اللَّه الشريف التلمساين ،ث انتقل
بعد وفاته للمدرسة التاشفينية فقرأ هبا على العالمة خامتة قضاة العدل بتلمسان سعيد العقباين(.)2
/1أبو عبد اهلل محمد بن إبراهيم التلمسانيُ :شهر بابن ا ِإلمام من بيت علم وجاللة وفضل وعدالة ،ا ِإلمام العالمة
الفهامة املتفنن يف العلوم احلامل راية املنثور واملنظوم ،أخذ عن سعيد العقباين وغريه ،وعنه احلافظ التنسي والقلصادي وابن
مرزوق الكفيف والتقي اليمين ،وغريهم من أهل املشرق واملغرب( ،)3وله حكاية عن شيخه العقباين سيأيت ذكرها.
/0ابن زاغو التلمساني :العامل العامل الويل الصاحل الشيخ الكامل املؤلف احملقق العمدة الفاضل ،أخذ عن سعيد
العقباين( ،)4وأيب حيىي الشريف التلمساين ومجاعة ،وعنه مجاعة منهم أبو زكرياء حيىي املازوين واحلافظ التنسي وابن زكري
وأبو احلسن القلصادي وذكره يف رحلته وأثىن عليه كثريا (.)5
/6عبد الرحمن ابن اإلمام محمد الشريف التلمساني :املعروف بأيب حيىي ،ا ِإلمام العالمة العمدة الفهامة شريف
العلماء وعامل الشرفاء وخامتة املفسرين والفضالء ،كان آية من آيات اهلل يف القيام بتحقيق العلوم مع اإلتقان حامال لواء
املعارف والعرفان ،أخذ عن سعيد العقباين( )6وعن أبيه وبه تفقه( ،)7وأخذ عن أخيه علوما مجة وقرأ عليه كتبا كثرية ،وقرأ
ومجل اخلوجني( ،)8وهذه الكتب متنوعة املعارف ،فهي تتوزع على وقرأ على العقباين أَصلَي ابن احلاجب وإيضاح الفارسي ُ
على حنو وصرف ومنطق وأصول ،وهذا انعكاس للمعارف اليت تشبع هبا العقباين طول مسريته العلمية احلافلة.
/0أبو عبد اهلل المجاري األندلسي :قرأ عليه مبوضع إقرائه باملدرسة( )9بلفظه ،من أول كتاب أيب عمرو بن احلاجب
يف األصول إىل قوله :للمتقدمني باعتبار الوسط أربعة أشكال ،ومن القياس منه حنو الربع ،ومن فرائض احلويف مجلة كبرية
-1قال احلفناوي يف ترمجة العقباين :أخذ عنه األئمة ،كاإلمام العارف باهلل إبراهيم املصمودي .تعريف اخللف برجال السلف ،أيب القاسم احلفناوي
الديسي ،ص ،001مطبعة بيري فونتانة الشرقية ،اجلزائر0286 ،م.
-2نيل االبتهاج ،أمحد بابا التنبكيت ،00/0 ،وانظر ترمجته يف شجرة النور ،ابن خملوف.100/0 ،
-3شجرة النور ،ابن خملوف ،166/0 ،وانظر ترمجته يف :البستان ،ابن أيب مرمي ،ص ،198نيل االبتهاج ،أمحد بابا التنبكيت. 090/0 ،
-4قال التنبكيت يف ترمجته :أخذ عن إمام الغرب أيب عثمان سعيد العقباين .نيل االبتهاج ،أمحد بابا التنبكيت.000/0 ،
-5رحلة القلصادي ،القلصادي ،ص ،080وانظر ترمجته يف :شجرة النور ،بن خملوف ،166/0 ،ويف معجم أعالم اجلزائر ،عادل نويهض،
ص ،006مؤسسة نويهض الثقافية للتأليف والتمجة والنشر ،بريوت – لبنان ،الطبعة :الثانية 0188 ،هـ 0208 -م.
-6جاء يف ترمجة العقباين يف البستان :أخذ عنه مجاعة من السادات ،...واإلمام العارف أيب حيي الشريف .البستان ،ابن أيب مرمي ،ص.080
-7شجرة النور ،ابن خملوف ،166/0 ،وانظر ترمجته يف البستان ،ابن أيب مرمي ،ص ،198نيل االبتهاج ،أمحد بابا التنبكيت090/0 ،
-8نيل االبتهاج ،أمحد بابا التنبكيت.901/0 ،
درس فيها أبو إسحاق املصمودي ،عند العقباين أيضا ،انظر :نيل االبتهاج ،أمحد بابا التنبكيت، -9قلت :لعله يقصد املدرسة التاشفينية ،اليت َ
.00/0
461
ISSN :2588-2384 مجلة المعيار
السنة3102 : عدد54 : المجلّد 32
من أََولِه ،ومسع منه بعض دول من الوصايا منه بقراءة غريه وحظا وافرا من تفسري القرآن ومن خمتصر الرباذعي كل ذلك
قراءة تفقه(.)1
/0محمد بن ميمون الجزائري المعروف بابن الفخار :لكون جده كان يبيع ذلك ،نزيل مصر ،أصله من األندلس،
ومولده باجلزائر من بالد املغرب ،قرأ هبا القرآن والفقه ،ث انتقل إىل تلمسان ،وأقام هبا ،وثابر على قراءة العلم على مجاعة
من شيوخها ،كقاضي اجلماعة هبا ،أيب عثمان سعيد العقباين مدة(.)2
ومل يكن لإلمام العقباين كبري عناية باألسانيد واإلجازات كما نبَّه إليه اجملاري( ،)3وإن كان أشرنا سابقا إىل روايته عن
السلطان أيب عنان املريين ،ولكن نذكر فيما يلي مجاعة من أجازهم:
/0عبد الله بن أحمد بن يوسف ،عرف بالعشاب ،الغساني ،األندلسي :نزيل درعة ،كان من أهل العلم يعتين جبمع
وحج ولقي أعالما وأجازوه ،كابن عرفة وسعيد العقباين ،وابن خلدون والعز
الكتب ،قيَّد خبطه كثريا مع حسن خطه رحل َّ
بن مجاعة ،وكتبوا خطوطهم له(.)4
/9أبو عبد اهلل محمد بن إبراهيم بن عقاب التونسي :قاضي اجلماعة هبا وإمامها وخطيبها جبامعها األعظم الفقيه
العالمة احملصل احملقق احلافظ الفهامة ذو الفنون والتحقيقات البارعة ،أخذ عن ابن عرفة وانتفع به وأجازه ا ِإلمام سعيد
العقباين وغريه(.)5
/1أبو عبد اهلل المجاري :ف َّ
ممن أجازه اإلمام العقباين إجازة عامة جبميع مروياته ،أبو عبد اهلل حممد بن حممد بن علي
بن عبد الواحد اجملاري ،األندلسي ،كما أخرب بذلك عن نفسه قائال :وأجازين -رمحه اهلل -إجازة عامة بشرطها وأباح يل
أن أحد عنه مبا ذكر وجبميع ما رواه وقيده كتب خط يده(.)6
ومع اشتغاله رمحه اهلل باإلمامة( ،)7والقضاء واإلفتاء والتدريس إال أن العناوين اليت وصلتنا عن مؤلفات اإلمام العقباين
تشهد على تبحره يف شىت العلوم واملعارف وفيما يلي عرض موجز ألهم مؤلفاته والتعريف هبا ومعرفة مكان تأليفها:
/0شرح الحوفية :ومنت احلوفية هو خمتصر يف علم الفرائض ،للشيخ أمحد أبو القاسم احلويف ،قال احلفناوي عن
()1
عظيم املنفعة.
ُ جليل، ح
ٌ شر ه أن دليل وهذا ، العقباين :وألف شرح احلوفية ال نظري له
/9شرح الجمل :ومنت اجلُمل هو خمتصر يف علم املنطق ،للشيخ أفضل الدين اخلوجني ،قال ابن القاضي يف ترمجة
العقباين :وله تواليف منها :شرح احلويف يف الفرائض ،وشرح مجل اخلوجني يف املنطق(.)2
/1شرح مختصر ابن الحاجب :يف علم األصول ،وإليه أشار اإلمام العقباين يف هناية كتابه الوسيلة بقوله :وقد حققنَا
ذلك يف شرح ابن احلاجب األصلي( ،)3فقوله :حققنَا ،يدل على متكنه يف علم األصول وإحاطته به ،وأنه أتى يف شرحه
بفوائد نفيسة ،وإىل هذا أشار التنبكيت ،يف قوله :ألَّف شرح احلوفية ومل يؤلف عليها مثله ،... ،وشرحا جليال على ابن
احلاجب األصلي(.)4
وله أيضا مؤلفات متفرقة يف خمتلف العلوم العقلية ،والشرعية ،كشرح كتاب تلخيص أعمال احلساب أليب العباس بن البناء
املراكشي وقصيدة ا بن يامسني يف اجلرب واملقابلة ،وقصيدة الربدة ،وله أيضا تفسري سورة األنعام والفتح أتى فيه بفوائد
جليلة( ،)5وكانت له مناظرات مع أحد أقرانه وهو اإلمام القباب( ،)6وبسببه أَلَّف كتابه لباب اللباب ،قال التنبكيت يف
ترمجة القباب :ووقع بينه وبني اإلمام سعيد العقباين مناظرة بل مناظرات ومراجعات يف مسائل مجعها العقباين ومساها :لب
اللباب يف مناظرة القباب( ،)7وهذا يشري بشكل واضح إىل قوة العقباين يف املناظرة ،اليت من أهم مقوماهتا ،سرعة
استحضار املسائل ،والتكيب بينها ،وهذا األمر ال يستطيعه إال من كان يتميز بذكاء حاد ،وسرعة بديهة.
أما يف أصول الدين وعلم الكالم فقد صنَّف فيه كتابان ،حبسب ما بلغه جهدي يف البحث والتنقيب:
األول /شرح العقيدة البرهانية :وهو شرح على عقيدة اإلمام أيب عمرو عثمان السالجلي اليت اختصرها من كتاب
اإلرشاد إلمام احلرمني( ،)8قال يف مقدمته :اعلم أن الذي يُنظر فيه يف علم الكالم ينحصر يف أربعة فصول :يف وجود اهلل،
وفيما يستحيل يف حقه ،وفيما جيب له ،وفيما جيوز أن يثبت وجيوز أن ال يثبت له ،والبد من تقدمي مقدمة يتبني فيها
اصطالح أهل هذا العلم( ،)9فبدأ يف مقدمة الكتاب حبصر مسائل علم العقيدة ،وقال يف وصف كتابه :وضعنا هذا
-1تعريف اخللف ،أيب القاسم احلفناوي ،ص ،001وانظر :البستان ،ابن أيب مرمي ،ص.086
-2درة احلجال يف أمساء الرجال ،أيب العباس أمحد بن حممد املكناسي ،الشهري بـ :ابن القاضي ،922/0،ت :حممد األمحدي أبو النور ،دار التا ،
القاهرة.
-3الوسيلة بذات اهلل وصفاته ،أيب عثمان سعيد بن حممد العقباين ،ص ،011ت :نزار محادي ،مؤسسة املعارف ،بريوت-لبنان9880،م.
-4نيل االبتهاج ،أمحد بابا التنبكيت.028/0 ،
-5شجرة النور ،ابن خملوف ،168/0 ،وانظر :نيل االبتهاج ،أمحد بابا التنبكيت.028/0 ،
-6أمحد بن قاسم بن عبد الرمحن ،الشهري بالقباب ،اإلمام احلافظ العالمة الصاحل الزاهد ،أحد حمققي املتأخرين من احلفاظ املشهورين بالدين
والصالح والتقدم يف العلوم ،توىل الفتيا بفاس ،وله فتاوى مشهورة ،وانظر ترمجته يف :شجرة النور ،ابن خملوف ،110/0 ،نيل االبتهاج ،أمحد بابا
التنبكيت.089/0 ،
-7نيل االبتهاج ،أمحد بابا التنبكيت.081/0 ،
-8انظر دراسة األستاذ مجال عالل البخيت املسماة :عثمان السالجلي ومذهبيته األشعرية ،وهي من منشورات وزارة األوقاف املغربية9880 ،م.
-9شرح العقيدة الربهانية ،أيب عثمان سعيد بن حممد العقباين ،ص ،10ت :نزار محادي ،الناشر :مؤسسة املعارف ،بريوت-لبنان ،الطبعة :األوىل،
9880م.
463
ISSN :2588-2384 مجلة المعيار
السنة3102 : عدد54 : المجلّد 32
الكتاب ال للمنتهني ،فما تراه يف عبارة هذا الكتاب من رطوبة فسببه قصد التقريب لألفهام( ،)1وهذا الكالم يقصد به أن
أن سهولة عبارة الكتاب ،دليل أنه ليس موجها لطالب الدراسات العليا ،واملنتهني يف هذا العلم ،بل غرضه تقريب
مسائل العقيدة.
الثاني /الوسيلة بذات اهلل وصفاته :وهو خمتصر يف علم أصول الدين ،تطرق فيه العقباين إىل ُجل مباحث هذا العلم،
على حنو خمتصر ،على طريقة أهل السنة األشاعرة ،وقد ذكر يف مقدمة الكتاب أنه صنفه للحاجب أيب العباس القبائلي،
فقال :ألَّفت برمسه هذا التأليف الغريب الذي يغنيه الن ظر فيه عن تعليم املعلمني ،وينتظم به يف سلك العلماء العارفني،
ويصري بذلك يف درجة اجملتهدين( ،)2وقد ألَّف كتاب الوسيلة عند استقراره بتلمسان ،أما العقيدة الربهانية فقد شرحها
خالل مدة إقامته ببجاية(.)3
من خالل كل ما سبق نتبني سعة اطالع اإلمام العقباين ومتيزه بني أقرانه وتضلعه يف العديد من العلوم ،وخباصة علم
الكالم ،وأصول الدين ،ومصنفاته خري شاهد على ذلك.
ثانيا :منهج اإلمـــام العقبـاني في العـــقيــدة:
/0موقع العقباني في الخريطة العقدية المغربية ومنهجه في التأليف
إن أساطني الكالم يف زمن اإلبداع املشرقي كان هلم عميق األثر يف تشكيل الفكر الكالمي املغريب ،لكن تعامل املغاربة
عموما ،وباخلصوص علماء املغرب األوسط ،مع النصوص الكالمية املشرقية ،شرحا وتعليقا واختصارا ،مل يكن تقليدا وال
تَكرارا ،فجاءت شروحهم تنقيحا ،وختليصا من غري املفيد ،وهتذيبا وتيسريا ،فتذليل املعارف كانت هي امليزة األساسية يف
كتابات العقباين.
ومن أهم الكتب اليت كان لنصوصها عميق األثر ،كتاب اإلرشاد أليب املعايل اجلويين ،فقد تأثر به متكلموا اجلزائر
خصوصا والغرب اإلسالمي عموما ،واعتربوه املدخل إىل علم االعتقاد( ،)4واختذه الناس إماما لعقائدهم ،بل كانت له
عليهم سلطة جعلت منه يف نظرهم حمور املعتقد األشعري وكان يُ َدرس يف الصفوف العالية( ،)5وبذلك تعاملوا معه نظما
واختصارا وشرحا بفهم وبصرية ،فقد جاء يف وصف اللخمي ،املعروف بابن اإلشبيلي ،بأنه :كان له بصر بكتاب
اإلرشاد( ،)1وبقي أثره إىل زمن العقباين ،فقد جاء يف ترمجة ابن عباد أنه قرأ كتاب اإلرشاد على اإلمام اآلبلي شيخ
العقباين يف العقيدة والكالم(.)2
وجاءت العقيدة الربهانية ،أليب عمرو عثمان السالجلي ،أفضل تلك املختصرات لكتاب اإلرشاد ،فظلت هلا الصدارة
على الس احة املغربية ،مرحلة تارخيية طويلة ،حفظا ونظما وتدريسا ،فقد اتصف اختصاره هذا باإلبداع ،حيث استطاع
السالجلي ،من خالهلا أن يؤسس مدرسة نظرية ،حيق لنا أن نسميها مدرسة اإلرشاد السالجلية ،فقد جاء يف وصفه بأنه
كانت له خربة وبصرية بكتاب اإلرشاد ،وأنه إمام أهل املغرب يف االعتقاد ،واألوحد يف علم الكالم( ،)3فأنتجت مدرسة
السالجلي( ،)4مجلة من علماء املذهب بفاس وبالغرب اإلسالمي عموما ،وقد ُش ِرحت الربهانية بشروح كثرية( ،)5لشرح
العقباين فيها مرتبة رفيعة.
م ا سبق يتوضح موقع العقباين يف اخلريطة العقدية املغربية واخلريطة الكالمية عموما ،فقد جاء شرحه للربهانية ،ليعطي
نفسا جديدا متميزا ،فقد حاول يف شرحه هذا تقريب مباحث الربهانية للمبتدئني من طلبة العلوم الشرعية ،فابتدأه ببيان
مسائل علم الكالم( ،)6ث مقدمة شرح فيها مصطلحات هذا العلم( ،)7واقتصر على ذكر أصول االستدالالت على
العقائد الدينية اإلسالمية فلم يشرح الفصول املتعلقة باإلمامة واملفاضلة بني الصحابة والتوبة ما مل يعتربه من األصول
العقدية(.)8
أما كتابه اآلخر يف أصول الدين املوسوم بـ :الوسيلة بذات اهلل وصفاته ،فقد ابتدأه بتبيني فضل وشرف علم الكالم ،ث
أردفه مبقدمات أكثر توسعا ،ألن ه مل يقتصر ببيان مصطلحات الفن ،بل أضاف إليها أقسام احلكم العقلي ،وعرض أيضا
تقسيم العلم احلاد إىل تصور وتصديق وبيان كل منهما ،ث أوجه االستدالل ،ث تعريف اخلرب وحقيقة الدعوى وامل َق َدم
ُ
واملطلوب ،فجاءت مخسة مقدمات ،ث شرع يف الفصل الذي يليه ُم َّسميا إياه املقصد األعظم وهو وجود اإلله -جل
وعز -ث صفاته -عز وجل -وأحكامها ،وعرض بعدها النبوات واملعجزات ،ث حكم مرتكب الكبرية وحقيقة التوبة،
فعذاب القرب وامليزان واحلوض والشفاعة ،ليختتم كتابه حبقيقة اإلميان واإلسالم واخلالف مع املعتزلة يف ذلك.
مل يكن متَيُز العقباين يف التصنيف فقط( )1بل كان أيضا متميزا يف مادته الكالمية ألن مقصوده أن يصبح الناظر يف
املقلَ ِدين ،ودعوة العقباين لالجتهاد تقودنا للبحث عن اختياراته العقدية ،وما متيز به من آراء
مصنَفه يف درجة اجملتهدين و َّ
َ
كالمية ،ونضرب لذلك مثاال من اإلهليات وبعده مثاال من النبوات.
أما يف باب اإلهليات فيعقد العقباين فرعا يف تعلق قدرة اهلل مبا عُلِم عدم وقوعه ،ألن الشيء قد يكون مكنا يف نفسه،
صريه حماال ،كإميان أيب جهل مثال ،مكن يف نفسه ،لكن ملا تعلق علم اهلل بعدم وقوعه صار من هذا فيع ِر ُ
ض له أمر يُ َ
الوجه حماال ،فهل تتعلق به القدرة أو ال؟ ،لقد حاول الغزايل التوفيق بني القولني ،لكن العقباين حسم موقفه يف هاته
املسألة بقوله :واحلق عندي أن تعلق العلم بعدم وقوعه ال خيرجه عن أن تتعلق القدرة به(.)2
ويف باب الن بوات يف سياق ما كتبه عن املعجزة وشروطها ،عقد فرعا لبيان وجه إعجاز القرآن الكرمي ،فقال :وقد اختلف
يف وجه إعجازه ،فقيل :ألنه بلغ يف الفصاحة إىل الغاية اخلارجة عن قدرة البشر عادة ،وقيل :بل هو من جنس املقدور،
إال أهنم عجزوا عنه( .)3بعد أن استعرض العقباين أقوال العلماء يف املسألة ومذاهبهم فيها عرض اختياره بقوله :واحلق
عندي أن محل اإلعجاز فيه على الوجه األول هو احلق(.)4
ومن أهم ِمسات مادته الكالمية متيزها باألسلوب اجلديل وهو ما كان شائعا عند املتكلمني فال يكاد خيلو دليل من أدلتهم
من أقسام متعددة ،واحتماالت متوالية ،كقوهلم :لو صح ما قلتموه فإما كذا وإما كذا ،فال خيلوا األمر إما أن يكون كذا
وكذا ،فكانت عباراته مشاهبة لعباراهتم كقوله :فإن قلتم قلنا ،وإن قيل فاجلواب أن نقول ،وإن قيل قلنا(.)5
/3مسالك االستدالل عند اإلمام العقباني
يعترب العقل أهم مسلك من املسالك اليت يعتمد عليها املتكلمون يف االستدالل والربهنة على قضايا العقيدة ،وذلك
لوجوب النظر عندهم ،وقد استعمل املتكلمون عدة صور من االستدالل الكالمي لصياغة معارفهم وأفكارهم،
كاالستقراء وانتفاء املدلول النتفاء دليله ،وأساليب اجلدل املختلفة ،لكن تبقى أهم صورة من صور االستدالل هي:
قياس الغائب على الشاهد :حيث يكون طريق إثبات األحكام االعتقادية املتعلقة باهلل وصفاته وأفعاله ،بناء على وجود
نظائر هلا يف الواقع املشاهد(.)6
ويستعمل العقباين هذه الصورة يف االستدالل يف سياق إثبات صفة الوحدانية هلل ،وهو يذكر برهان نفي الشريك عن اهلل،
فيقول :واعلم أن هذا الربهان هو املشار إليه يف قوله تعاىل {:لَو َكا َن فِي ِه َما ِآهلَةٌ إَِّال اللَّهُ لََف َس َدتَا} [األنبياء ،]99:أي:
-1قال العقباين :ألفت برمسه هذا التأليف الغريب .انظر :الوسيلة ،العقباين،ص.19
-2الوسيلة ،العقباين،ص ،02راجع تربيره الختياره يف نفس الصفحة.
-3انظر :شرح العقيدة الربهانية ،العقباين،ص.20
-4راجع تربيره الختياره يف شرح العقيدة الربهانية ،العقباين،ص.20
-5راجع عباراته يف الوسيلة ،العقباين،ص ، 00-08-12وشرح العقيدة الربهانية ،العقباين،ص.20
-6املدخل إىل دراسة علم الكالم ،حسن حممود الشافعي ،ص ،061الناشر :إدارة القرآن والعلوم اإلسالمية ،كراتشي -باكستان9888 ،م.
466
ISSN :2588-2384 مجلة المعيار
السنة3102 : عدد54 : المجلّد 32
لفسدت السماوات واألرض ،ووجه التوفيق بني اآلية وبني هذا الربهان أن يقال :لو تعددت اآلهلة الختلفت إرادهتم يف
تدبري السماوات واألرض ،ولو اختلفت إرادهتم يف تدبريمها لفسدتا ،أما بيان أهنم لو تعددوا الختلفت إرادهتم فبقياس
كل مستقل بامللك إال اختلفا وتناكرا ،حىت
ٌ الغائب على الشاهد ،إذ من املعلوم يف الشاهد ،أنه ال جيتمع ملِكان يف قُطر
ُ
أنك تراهم يقتل أحدهم أباه أو ابنه(.)1
ويستعمله مرة أخرى أيضا العقباين يف سياق إثباته لصفة العلم فيقول :وأما أن كل ِ
عامل فله علم ،فبالقياس على الشاهد،
عامل يف الشاهد له علم ،فوجب أن يكون يف الغائب كذلك(.)2 وذلك أن كل ِ
وقياس الغائب على الشاهد مأخوذ من أصول الفقه ولكن املتكلمني أدخلوا عليه تعديال ،يقربه إىل طبيعة البحو
الكالمية وهو أن يتوفر بني الشاهد والغائب جامع مشتك من حيث احلقائق أو األدلة أو الشروط أو العلل ،ويف هذا
حيكي اآلمدي :اتفاق األصحاب على إحلاق الغائب بالشاهد ،جبامع احلد والعلة والشرط والداللة(.)3
وعلى هذا املنهج سار العقباين يف االستدالل على ثبوت الصفات األزلية ،فيقرر جامعني مشتكني يسمحان له باستعمال
قياس الغائب على الشاهد ومها :العلة واحلقيقة ،فيقول عن جامع العلة :أما العلة فهو أن علة كون زيد مثال عاملا هو
دل على وجود علته ،فإذا ثبت أنه عامل ،ثبت أن له علما( ،)4ويقول يف بيان جامع ثبوت العلم به ،واملعلول مىت وجد َّ
ُ
()5 ِ
احلقيقة :وأما احلقيقة ،فألن حقيقة العامل يف الشاهد :هو من ثبت له علم .
وبعد أن ضرب لنا مثاال بصفة العِلم ،يُقرر أن هذا املسلك يف االستدالل جيري يف باقي الصفات ،بقوله :وإذا فهمت
هذا الدليل يف العِلم ،فكذلك ُجتريه يف سائر الصفات(.)6
وهذا يبني اطالعه ومعرفته مبسالك االستد الل اليت انتهجها املتكلمون الذين سبقوه ،وكذلك توظيفه هلاته املسالك يف
تقرير املعارف اإلميانية.
وال يكتفي العقباين باستعمال قياس الغائب على الشاهد يف املعارف اإلهلية بل يستعمله أيضا يف باب النبوات وذلك يف
سياق إثبات نبوته -صلى اهلل عليه وسلم -فيقول :فقد ثبت أنه عليه السالم ادعى الرسالة ،واستدل عليها بأنه أتى
باخلارق ،وعجز الناس عن معارضته ،وأما من اجتمعت له هذه األمور فهو رسول ،فقد بينا ذلك يف مثال ذلك امللك
الذي زعم واحد من رعيته أنه قدمه على سائر الرعية ،واستشهد على ذلك بأنه يطلب من امللك أن يقوم ويقعد على
خالف عادته ،فيوافقه امللك على ذلك ،فقد ثبت رسالته عليه السالم(.)1
وهناك صيغة استداللية أخرى استعملها املتكلمون بكثرة ،وهي :السرب والتقسيم ،وتعريفه :أن حنصر األمر يف قسمني ،ث
يبطل أحدمها ،فيلزم منه ثبوت الثاين ،كقولنا :العامل إما حاد وإما قدمي ،وحمال أن يكون قدميا فيلزم منه ال حمالة أن
يكون حادثا أنه حاد وهذا الالزم هو مطلوبنا(.)2
استعمل اإلمام العقباين هذه الطريقة يف االستدالل بكثرة ومن ذلك قوله :واحلق أن العا َمل كله حاد ،وبرهانه أن نقول:
العامل كله إما جوهر وإما َعَرض ،وكل جوهر حاد ،وكل عرض حاد ،فالعامل كله حاد (.)3
وقال يف موضع آخر :وأما بيان أن كل ما ميكن عدمه بعد وجوده ال يكون قدميا ،فألن القدمي إما أن وجوده واجبا غري
حمتاج إىل سبب ،وإما أن يكون وجوده مكنا ،فإن كان واجبا مل ميكن انعدامه ،وإن كان مكنا فالبد لوجوده من سبب،
فإن املمكن ال يوجد إال لسبب ،ث ذلك السبب إما أن يكون واجبا أو مكنا ،وباطل أن يكون مكنا ألنه إذا كان مكنا
حيتاج وجوده أيضا إىل سبب ويتسلسل ،فالبد من االنتهاء إىل سبب واجب(.)4
ويتبني لنا ما سبق أن املسلك العقلي يف االستدالل كان حاضرا بقوة يف منهج العقباين العقدي مبختلف طرق االستدالل
الكالمي.
أما املسلك الشرعي يف االستدالل فواضح متسكه بظواهر األدلة السمعية ،يف بعض مسائل االعتقاد ،ومن ذلك ما ذكره
عند الكالم عن االختالف يف إثبات اإلدراك صفة هلل ،حيث قال :إال أن الشرع مل يَِرد إال بإطالق السمع والبصر ،فلم
يُتجاسر على إطالق هذه اإلدراكات من الشم والذوق واللمس( ،)5وقال أيضا يف سياق الكالم عن كيفية إعادة
األجسام مرة ثانية بعد فنائها :إن أئمتنا اختلفوا يف ذلك ،وال معتصم فيه إال نصوص الشريعة ،وال شك أن األمر فيه
ُمعتصم(.)6
وبني العقل والنقل ميضي العقباين يف تقرير العقائد اإلميانية والربهنة عليها ،وعرض مسائلها وتقريبها بأبسط صورة مكنة.
/2طبيعة المعرفة العقدية عند اإلمام العقباني
مل خيض املتكلمون يف الطبيعيات بقصد التفلسف أو النظر العقلي اجملرد ،بغية الوصول إىل تفسري طبيعي للكون على
غرار ما يفعله الفالسفة ،وإمنا كان خوضهم يف الطبيعيات لغرض ديين ،وهو إثبات أن كل ما يف العا َمل من :اجلواهر
واألعراضُ ،حم َد خملوق ،ومن ث فالبد له من ُحمد ،أي من خالق هو اهلل تعاىل ،فيكون هذا دليال على وجود اهلل،
معتمدا على العقل ،جبانب األدلة املعتمدة على النقل يف إثبات اخللق واخلالق.
ومن هذا املنطلق تناول العقباين الكثري من املسائل الطبيعية ،ليس بصورة موسعة ،وذلك ألن طبيعة كتابيه املختصرة ال
تسمح بذلك ،فقد جعل هذه املباحث بابا رئيسيا للدخول يف اإلهليات ،فمعرفة اهلل بصفاته تستلزم معرفة الطبيعة أي:
العا َمل ،فتكلم عن اجلواهر واألعراض ،واحلركة والسكون ،واالجتماع واالفتاق ،وهذه األربعة هي :األكوان األربعة ،وهي
كلها أعراض ،والظهور والكمون( ،)1ث بعد حديثه عن اجلواهر واألجسام واألعراض اليت هي مكونات العا َمل الطبيعي،
بدأ بصياغة أدلة وجود اهلل ومن تلك األدلة :دليل األعراض ،أو ما يسمى بدليل الدعاوى األربعة ،ألنه مبين على
دعاوى أربعة حتتاج كل منها إىل إثبات فيثبت العقباين األعراض أوال ،ث يثبت حدوثها ،ث يثبت أهنا ال تنفك عن
األجسام ،ث يرتب عليها حدو األجسام ،يقول العقباين :وبيان أن اجلواهر واألجسام حادثة أهنا ال ختلوا عن احلواد ،
وبيان أهنا ال ختلوا عن احلواد أهنا ال ختلو عن احلركة والسكون ،ومها حادثان ،وبيان أن كل ما خيلوا عن احلواد فهو
حاد أنه لو مل يكن حادثا لكان قدميا ،ولو كان قدميا لكان وجوده سابقا على وجود احلواد ،إذ كل قدمي البد أن
يكون سابقا على احلواد كلها ،وإذا كان سابقا عليها فقد كان خاليا عنها حيث سبقها بالوجود ،فكل قدمي فهو خيلو
عن احلواد ،وكل ما ال خيلوا عن احلواد ال يكون قدميا ،فكل ما ال خيلوا عن احلواد فهو حاد (.)2
ومن تلك األدلة أيضا :بطالن الرجحان بدون مرجح ،ومعىن ذلك أن يكون الشيء جاريا على نسق معني ،ث يتغري عن
نسقه ويتحول عنه بدون مؤثر ،فهذا من األمور الواضحة البطالن ،يقول العقباين :اعلم أنا إذا رأينا شيئا ُوجد بعد أن
كان معدوما ،فإنا ال نتمارى -أي :ال نشك -أنه ما أوجد نفسه ،وإمنا أوجده غريه ...فإذا نظر اإلنسان أوال يف نفسه،
علِم أنه ليس له يف وجود نفسه كسب وال حول وال قوة ...وكما يعلم هذا يف نفسه وأسالفه فكذلك يعلمه يف مجيع
العامل ...فإذا تبني لنا أن العامل كان معدوما ث ُوجد ،مل يبق معنا شك أن غريه أوجده وذلك الغري هو اهلل تعاىل(.)3
وبعد أن َّقرر العقباين دليل احلدو ودليل اإلمكان ،جنده ينتصر لألول ،فيقول تعقيبا على ما أورده السالجلي يف
الربهانية :واعلم أن هذا االستدالل الذي سلك املصنف ال يتوقف إال على إمكان العامل ،وال يتوقف على حدوثه ،وال
شك أن االستدالل باحلدو كما قدمناه أمت من هذا( ،)4وهذا من أبرز اختيارات العقباين العقدية ،وهو ميله لدليل
احلدو .
وبعد أن أثبت العقباين وجود اهلل جاء الكالم عن صفات اهلل ،وقد كان منهجيا يف طرحها وحبثها فجعلها على قسمني:
صفات ذات وصفات أفعال وجعل صفات الذات قسمني أيضا :سلبية ووجودية( ،)1وهذا خمالف لصنيع اجلويين يف
اإلرشاد ،حيث قال :اعلم أن صفاته سبحانه ،منها نفسية ،ومنها معنوية( ،)2ومل يذكر اجلويين مصطلح صفات األفعال
وإن كان تكلم عن أفعال اهلل(.)3
وكان صنيعه متميزا أيضا عند سرده براهني الصفات ،فقد اكتفى بدليل الكمال فقط عند إثبات كونه تعاىل مسيعا بصريا
متكلما( ،)4مع أن املعتمد عند أهل السنة األشاعرة الدليل السمعي ،قال اجلويين :فإن قيل من أركان دليلكم استحالة
اتصاف الباري تعاىل باآلفات املضادة للسمع والبصر ،فما الدليل على ذلك؟ قلنا :هذا ما كثر فيه كالم املتكلمني ،وال
نرتضي ما ذكروه يف هذا املدخل إال االلتجاء إىل السمع( ،)5وكذلك يف رؤية اهلل اعتمد على دليل الوجود وحده يف شرح
الربهانية( ،)6مع أن املعتمد عند أهل السنة هو االستدالل على إثبات رؤية اهلل بالظواهر السمعية ،وإن كان يف الوسيلة
أشار إىل الدليل السمعي يف إثبات كونه تعاىل مسيعا بصريا متكلما وكذلك يف إثبات رؤية اهلل(.)7
وإذا كان هذا صنيعه فما موقفه من األدلة الشرعية إذا ،يوضح العقباين يف هذا النص موقفه من األخبار أو األدلة
السمعية عموما ،فيقول :ث أخباره( )8ثالثة أنواع:
النوع األول :أن يقوم الدليل العقلي أن ظاهرها حق ،كقوله{ :وما ِمن إِلَه إَِّال إِلَه و ِ
اح ٌد} [املائدة .]01: ٌَ ََ
النوع الثاين :أن يقوم الدليل العقلي أن ظاهرها ليس بصحيح ،كقوله عليه السالم( :خلق اهلل آدم على صورته) (.)9
حمتمال ال يُعلم دليل على إمكانه ،وال على استحالته ،وهو أحد ما قيل يف الظواهر الواردة
النوع الثالث :أن يبقى ظاهره َ
برؤية البارئ جل وعال.
فأما النوع األول فال إشكال يف اعتقاد الصحة يف ظاهره ،وأما النوع الثاين فال إشكال أن يُعتقد أن املراد منه خالف
ظاهره ،وأما النوع الثالث فإنه جيب أن يُعتقد صحة ظاهره كالنوع األول ،ويكون لفظ الشرع يقوم مقام الدليل العقلي
على صحة ظاهره(.)1
-1الوسيلة ،العقباين،ص.00
-2اإلرشاد إىل قواطع األدلة يف أصول االعتقاد ،إمام احلرمني اجلويين،ص ،10ت :أمحد السايح ،الناشر :مكتبة الثقافة الدينية ،الطبعة :األوىل،
9882م.
-3انظر :اإلرشاد ،اجلويين،ص.000
-4انظر :شرح العقيدة الربهانية ،العقباين،ص.06
-5اإلرشاد ،اجلويين،ص.01
-6يقول العقباين مستعمال طريقة السرب :الباري موجود ،وكل موجود متكن رؤيته ،فالباري متكن رؤيته .شرح العقيدة الربهانية ،العقباين،ص.01
-7انظر :الوسيلة ،العقباين،ص20وص.62
-8أي :الرسول.
-9صحيح البخاري ،رقم ،6990 :صحيح مسلم ،رقم.9010:
470
ISSN :2588-2384 مجلة المعيار
السنة3102 : عدد54 : المجلّد 32
وعلى هاته الطريقة كان أئمة أهل السنة كابن فورك ،والبغدادي ،واجلويين ،والغزايل الذي يقول :ما ال يعلم بالضرورة
ينقسم إىل ما يعلم بدليل العقل دون الشرع ،وإىل ما يعلم بالشرع دون العقل ،وإىل ما يعلم هبما ...ث كلما ورد السمع
به ينظر ،فإن كان العقل جموزا له وجب التصديق به قطعا إن كانت األدلة السمعية قاطعة يف متنها ومستندها ال يتطرق
إليها احتمال ...وأما ما قضى العقل باستحالته فيجب فيه تأويل ما ورد السمع به وال يتصور أن يشمل السمع على
قاطع خمالف للمعقول ،وظواهر أحاديث التشبيه أكثرها غري صحيحة ،والصحيح منها ليس بقاطع بل هو قابل للتأويل
(.)2
ما سبق يتبني بشكل واضح الطبيعة املعرفية العقدية للعقباين من خالل اختياراته العقدية ،وموقفه من الدليل السمعي،
وانتصاره لبعض األدلة العقلية على حساب األخرى.
خــــــــــاتمـــــة:
توصلنا من خالل مطالب هذا البحث إىل جمموعة من النتائج جنملها فيما يلي:
/0إن املوسوعية اليت كان العقباين يتمتع هبا هي نتيجة حتمية للنبوغ الفكري والتفوق الذي كان يتحلى به ،هذا األمر
الذي جعله يبـ ُرز بني أقرانه ،وألجل ذلك سلَّ َم له العلماء زمام القضاء ألكثر من أربعني سنة ،وقد ظهرت آثار تفوقه يف
أبنائه وأحفاده من بعده ،فأصبحت عائلته من العائالت املرموقة يف تلمسان ،وتولوا كلهم القضاء من بعده.
/9إن اإلطار العام الذي حكم فِكر العقباين ال خيتلف كثريا عن التيار العام الذي كان يسود آنذاك وهو املدرسة
األشعرية اجلوينية.
/1إن العقيدة الصحيحة عند العقباين هي اليت تبىن على اإلقناع ،األمر الذي ينبهنا إىل قيمة العقل يف املدرسة األشعرية.
/1ال يعين االعتماد على العقل يف الفكر األشعري التخلي عن االهتداء بالشرع ،بل ما قامت األشعرية إال لتثور على
العقل املتطرف ،فكان العقباين وغريه من أعالم أهل السنة مناذج لتجسيد التكامل بني العقل والشرع.
/0إن املتتبع والقارئ لفكر العقباين جيد نفسه أمام شخصية متساحمة ومرنة غري متعصبة ،فال تكاد جتد يف كتبه االهتام
بالتبديع أو التفسيق أو التكفري ،إال يف النادر ما أمجعت األمة على رميه بذلك.
وأخريا نقول أن العقباين وغريه من أعالم اجلزائر مل ينالوا حقهم من الدراسة والبحث ما يستدعي اهتماما خاصا هبذه
الشخصية وغريها من شخصيات اجلزائر وإعادة بعث تراثهم وحتقيق خمطوطاهتم ،وإقامة أيام دراسية وملتقيات فكرية
حوهلم.
المصادر والمراجع:
مقدمة كتاب هناية األمل يف شرح اجلمل ،ابن مرزوق احلفيد ،خمطوط ،رقم ،000دار الكتب الوطنية ،تونس.
أبكار األفكار يف أصول الدين ،سيف الدين اآلمدي ،ت :أمحد حممد املهدي ،الناشر :دار الكتب والوثائق
القومية القاهرة ،الطبعة :الثانية0191 ،هـ 9881 -م.
اإلرشاد إىل قواطع األدلة يف أصول االعتقاد ،إمام احلرمني اجلويين ،ت :أمحد السايح ،الناشر :مكتبة الثقافة
الدينية ،الطبعة :األوىل 9882م.
االقتصاد يف االعتقاد ،أبو حامد حممد بن حممد الغزايل الطوسي ،الناشر :دار الكتب العلمية ،بريوت – لبنان،
الطبعة :األوىل 0191 ،هـ 9881 -م.
اإلمام السنوسي وعلم التوحيد ،مجال الدين بوقلي ،الناشر :املؤسسة الوطنية للكتب ،اجلزائر0200 ،م.
البستان يف ذكر األولياء والعلماء يف تلمسان ،أيب عبد اهلل حممد بن حممد امللقب بابن أيب مرمي التلمساين،
الناشر :املطبعة الثعالبية0280 ،م.
التشوف إىل رجال التصوف ،ابن الزيات ،ت :أمحد التوفيق ،منشورات كلية اآلداب ،املغرب ،الطبعة :األوىل،
0201م.
الديباج املذهب يف معرفة أعيان علماء املذهب ،إبراهيم بن علي بن حممد ،ابن فرحون ،برهان الدين اليعمري،
ت :حممد األمحدي أبو النور ،الناشر :دار التا للطبع والنشر ،القاهرة.
الروض العطر األنفاس بأخبار الصاحلني من أهل فاس ،حممد بن عيشون الشراط ،ت :زهراء النظام ،منشورات
كلية اآلداب ،املغرب0220 ،م.
العقد الثمني يف تاريخ البلد األمني ،تقي الدين حممد بن أمحد احلسين الفاسي املكي ،ت :حممد عبد القادر
عطا ،الناشر :دار الكتب العلمية ،بريوت ،الطبعة :األوىل 0220 ،م.
املدخل إىل دراسة علم الكالم ،حسن حممود الشافعي ،الناشر :إدارة القرآن والعلوم اإلسالمية ،كراتشي-
باكستان9888 ،م.
برنامج اجملاري ،أبو عبد اهلل حممد بن حممد بن علي بن عبد الواحد اجملاري األندلسي ،ت :حممد أبو األجفان،
الناشر :دار الغرب اإلسالمي -بريوت /لبنان ،الطبعة األوىل0209 ،م0188 /م.
بغية الرواد يف ذكر امللوك من بين عبد الواد ،حيي بن خلدون ،ت :بوزياين الدراجي ،الناشر :دار األمل
للدراسات ،اجلزائر9880 ،م.
تطور املذهب األشعري بالغرب اإلسالمي ،يوسف احنانة ،الناشر :وزارة األوقاف املغربية9881 ،م.
تعريف اخللف برجال السلف ،أيب القاسم احلفناوي الديسي ،الناشر :مطبعة بيري فونتانة الشرقية ،اجلزائر،
0286م.
ثبت أيب جعفر أمحد بن علي البلوي الوادي أشي ،أبو جعفر أمحد بن علي البلوي الوادي آشي ،ت:عبد اهلل
العمراين ،الناشر :دار الغرب اإلسالمي -بريوت /لبنان ،الطبعة :الطبعة األوىل0181 ،هـ.
472
ISSN :2588-2384 مجلة المعيار
السنة3102 : عدد54 : المجلّد 32
درة احلجال يف أمساء الرجال ،أيب العباس أمحد بن حممد املكناسي الشهري بابن القاضي ،ت :حممد األمحدي أبو
النور ،الناشر :دار التا ،القاهرة.
رحلة القلصادي ،أيب احلسن علي القلصادي األندلسي ،ت :حممد أبو األجفان ،الناشر :الشركة التونسية
للتوزيع ،تونس 0200 ،م.
شجرة النور الزكية يف طبقات املالكية ،حممد بن حممد بن عمر بن علي ابن سامل خملوف ،ت :عبد اجمليد
خيايل ،الناشر :دار الكتب العلمية ،لبنان ،الطبعة :األوىل 0191 ،هـ 9881 -م.
شرح العقيدة الربهانية ،أيب عثمان سعيد بن حممد العقباين ،ت :نزار محادي ،الناشر :مؤسسة املعارف ،بريوت-
لبنان،الطبعة األوىل9880 ،م.
عثمان السالجلي ومذهبيته األشعرية ،مجال عالل البخيت ،الناشر :وزارة األوقاف املغربية9880 ،م.
كفاية احملتاج ملعرفة من ليس يف الديباج ،أمحد بابا بن أمحد بن الفقيه احلاج أمحد بن عمر بن حممد التكروري
التنبكيت السوداين ،أبو العباس ،ت :حممد مطيع ،الناشر :وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية املغربية9888 ،م.
معجم أعالم اجلزائر ،عادل نويهض ،مؤسسة نويهض الثقافية للتأليف والتمجة والنشر ،بريوت – لبنان ،الطبعة:
الثانية 0188 ،هـ 0208 -م.
نيل االبتهاج بتطريز الديباج ،أمحد بابا بن أمحد بن الفقيه احلاج أمحد بن عمر بن حممد التكروري التنبكيت
السوداين ،أبو العباس ،ت :عبد احلميد عبد اهلل اهلرامة ،الناشر :دار الكاتب ،طرابلس – ليبيا ،الطبعة :الثانية،
9888م.
وفيات الونشريسي ،أمحد بن حيىي الونشريسي ،ت :حممد بن يوسف القاضي ،الناشر :شركة نوابغ الفكر.
ورقات عن احلضارة املغربية يف عصر بين مرين ،حممد املنوين ،منشورات كلية اآلداب ،املغرب ،الطبعة :الثالثة،
9888م.
473