Professional Documents
Culture Documents
أ .المق ّدمة
الصوفية أو التصوف هو مذهب إسالمي ،لكن وفق الرؤية الصوفية ليست مذهبًا ،وإمنا هو أحد مراتب الدين الثالثة (اإلسالم،
اإلميان ،اإلحسان) ،فمثلما اهتم الفقه بتعاليم شريعة اإلسالم ،وعلم العقيدة 6باإلميان ،فإن التصوف اهتم بتحقيق
مقام اإلحسان ،مقام الرتبية والسلوك ،مقام تربية النفس والقلب وتطهريمها من الرذائل وحتليتهما بالفضائل ،الذي هو الركن الثالث
من أركان الدين اإلسالمي الكامل بعد ركين اإلسالم واإلميان ،وقد مجعها حديث جربيل ،وذكرها ابن عاشر يف منظومته (املرشد
1
املعني على الضروري من علوم الدين ) ،وحث أكثر على مقام اإلحسان ،ملا له من عظيم القدر والشأن يف اإلسالم
واإلحسان كما تضمنه حديث جربيل هو أن تعبد اهلل كأنك تراه ،فإن مل تكن تراه فإنه يراك ،وهو منهج أو طريق يسلكه العبد
للوصول إىل اهلل ،أي الوصول إىل معرفته والعلم به ،وذلك عن طريق االجتهاد يف العبادات واجتناب املنهيات ،وتربية النفس
وتطهري القلب من األخالق السيئة ،وحتليته باألخالق احلسنة .وهذا املنهج يقولون 6أنه يستمد أصوله وفروعه من القرآن والسنة
النبوية واجتهاد العلماء فيما مل يرد فيه نص ،فهو علم كعلم الفقه له مذاهبه ومدارسه وجمتهديه وأئمته الذين شيدوا أركانه
وقواعده -كغريه من العلوم - 6جيالً بعد جيل حىت جعلوه علما مسوه بـ علم التصوف ،وعلم التزكية ،وعلم األخالق ،وعلم
السلوك ،أو علم السالكين إلى اهلل
بعد عهد الصحابة والتابعني ، دخل يف دين اإلسالمُ أمم شىت وأجناس عديدة ،واتسعت دائرة العلوم 6،وتقسمت وتوزعت بني
أرباب االختصاص؛ فقام كل فريق بتدوين الفن والعلم الذي جُي يده أكثر من غريه ،فنشأ ـ بعد تدوين النحو يف الصدر األول ـ علم
الفقه ،وعلم التوحيد ،وعلوم احلديث ،وأصول الدين ،والتفسري ،واملنطق ،ومصطلح 6احلديث ،وعلم األصول ،والفرائضاملرياث
وغريها .وبعد هذه الفرتة أن أخذ التأثري الروحي يتضاءل شيئاً فشيئاً ،وأخذ الناس يتناسون ضرورة اإلقبال على اهلل بالعبودية،
وبالقلب واهلمة ،مما دعا أرباب الرياضة والزهد إىل أن يعملوا ُهم من ناحيتهم أيضاً على تدوين علم التصوف ،وإثبات شرفه
وجالله وفضله على سائر العلوم 6،من باب سد النقص ،واستكمال حاجات الدين يف مجيع نواحي النشاط
ب .المبحث
1
كتاب :األقمار المشرقة ألهل الشريعة والطريقة والحقيقة ،المؤلف :عبد السالم العمراني الخالدي ،الناشر :دار الكتب العلمية،
سنة النشر2018 :م ،ص.50 :
سيرة اشخصية ا.
محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي األندلسي الشهري بـ محيي الدين بن عربي ،أحد أشهر املتصوفني لقبه أتباعه
وغريهم من الصوفيني« بالشيخ األكرب» ،ولذا تُنسب إليه الطريقة األكربية الصوفية .ولد يف مرسية يف األندلس يف
شهر رمضان عام 558 هـ املوافق1164 م قبل عامني من وفاة الشيخ عبد القادر اجليالين .وتويف
يف دمشق عام638 هـ املوافق1240 م .ودفن يف سفح جبل قاسيون.
وهو عامل روحاين من علماء املسلمني األندلسيني ،وشاعر وفيلسوف ،أصبحت أعماله ذات شأن كب ٍري حىت خارج العامل العريب.
تزيد مؤلفاته عن ،800لكن مل يبق منها سوى .100كما غدت تعاليمه يف جمال علم الكون ذات أمهية كبرية يف عدة أجزاء من
العامل اإلسالمي
كان ابن عريب متصوفاً وشاعراً وفيلسوفاً ،وولد يف مرسية ،إسبانيا ،يف السابع عشر من شهر رمضان أو السادس والعشرين من
شهر متوز عام 1165ميالدي ويُعرف ابن عريب لدى املتصوفني باسم (الشيخ األكرب) أو حمي الدين بن عريب ،ويعترب أحد األولياء
يف الصوفية .أما يف الشرق األوسط ،فُعرف باسم الشيخ األكرب حمي الدين بن عريب
وبالرغم من كونه من أتباع املذهب الصويف ،لكن كتاباته عن األئمة اإلثين عشر ذات شأن كبري عند الشيعة وهناك جدل واسع
خبصوص مذهبه الفقهي ،حيث يعتقد البعض أن ابن عريب كان ينتمي للمذهب 6الظاهري.
انتشرت تعاليم ابن عريب بسرعة هائلة عرب العامل .ومل تكن كتاباته حكراً على خنبة املسلمني ،بل وجدت طريقها إىل الطبقات
الدنيا من اجملتمع نتيجة انتشار املد الصويف .كما تُرمجت أعمال ابن عريب إىل اللغات الفارسية والرتكية واألردية .فوقتها ،كان عدد
كبري من الشعراء يتبعون املذهب الصويف ،وكانت أفكار ابن عريب مبثابة ٍ
إهلام كبري هلم
ب .نشأته
ولد حميي الدين بن عريب يف مدينة مرسية من أب عريب طائي وأم عربية خوالنية و يعرف عند الصوفيني بالشيخ األكرب والكربيت
األمحر .وهو واحد من كبار املتصوفة والفالسفة املسلمني على مر العصور .كان أبوه علي بن حممد من أئمة الفقه واحلديث ،ومن
أعالم الزهد والتقوى والتصوف .وكان جده أحد قضاة األندلس وعلمائها ،فنشأ ضمن جو ديين .انتقل والده إىل إشبيلية وكان
حيكمها أنذاك السلطان حممد بن سعد ،وكانت عاصمة من عواصم احلضارة والعلم 6يف األندلس .وما كاد لسانه يبني حىت دفع به
والده إىل أيب بكر بن خلف عميد الفقهاء ،فقرأ عليه القرآن الكرمي بالقراءات السبع ،فما أمت العاشرة من عمره حىت كان ملماً
بالقراءات واملعاين واإلشارات .مث سلمه والده إىل طائفة من رجال احلديث والفقه تنتقل بني البالد واستقر أخرياً يف دمشق طوال
2
حياته وكان واحداً من أعالمها حىت وفاته عام 1240 م
ذكر أنه مرض يف شبابه مرضاً شديداً ويف أثناء شدة احلمي رأى يف املنام أنه حماط بعدد ضخم من قوى الشر ،مسلحني يريدون
الفتك به .وبغتة رأى شخصاً مجيالً قوياً مشرق الوجه ،هجم على هذه األرواح الشريرة ففرقها ومل يبق منها أي أثر فسأله حميي
2محمد حسن االعظمي ،شعراء الصوفية ،تحقيق مصطفى غالب ،بيروت مؤسسة عز الدين ،1988 ،ص .334
الدين ابن عريب« :من أنت؟» فقال له الرجل : :أنا سورة يس " .وعلى أثر هذا استيقظ فرأى والده جالساً إىل وسادته يتلو عند
رأسه سورة يس .مث مل يلبث أن شفي من مرضه ،وأتته فكرة أنه معد للحياة الروحية وآمن بوجوب سريه فيها إىل هنايتها.
تزوج بفتاة فارسية تدعى نظام وهي ابنة الشيخ أيب شجاع بن رستم األصفهاين الذي يعد من كبار شيوخ بالد فارس يف حينها.
وكانت تعترب مثاالً يف الكمال الروحي واجلمال الظاهري وحسن اخللق ،فسامهت معه يف تصفية حياته الروحية ،بل كانت أحد
دوافعه إىل اإلمعان فيها .ويف هذه األثناء كان يرتدد على إحدى مدارس األندلس اليت تعلم فيها سراً مذهب األمبيذوقلية احملدثة
املفعمة 6بالرموز 6والتأويالت واملوروثة عن الفيثاغورية واالورفيوسية والفطرية اهلندية .وكان أشهر أساتذة تلك املدرسة يف ذلك
القرن ابن العريف املتوىف سنة1141 م.
فيما بني سنيت597 هـ620 ،هـ املوافق سنة 1223 ،1200 بدأ رحالته الطويلة املتعددة ايل بالد الشرق فاجته واستقر يف
دمشق.
يف السنة 1201 م رحل إىل مكة فاستقبله فيها شيخ إيراين وقور جليل عريق احملتد ممتاز يف العقل والعلم 6واخللق
والصالح .والتقى بفتاة تدعي نظام وهي ابنة ذلك الشيخ وقد حباها اهلل بنصيب موفور من احملاسن اجلسمية وامليزات
الروحية .اختذ منها حميي الدين ابن عريب رمزا ظاهريا للحكمة اخلالدة وأنشأ يف تصوير هذا الرمز قصائد سجلها يف
ديوان ترمجان األشواق ألفه يف ذلك احلني.
ويف ذلك احلني يف احدي تأمالته رأي مرشده السماوي مرة أخرى يأمره أيضا بتأليف كتابه اجلامع اخلالد الفتوحات
3
املكية الذي ضمن فيه أهم أرائه الصوفية والعقلية ومبادئه الروحية.
يف سنة599 هـ زار الطائف ويف زيارته إىل بيت عبد اهلل بن العباس ابن عم رسول اهلل حممد استخار اهلل وكتب رسالة حلية
األبدال لصاحبيه أيب حممد عبد اهلل بن بدر بن عبد اهلل احلبشي وأيب عبد اهلل حممد بن خالد الصديف التلمساين.
يف سنة601 هـ1204 ،م ارحتل ايل املوصل حيث جذبته تعاليم الصويف الكبري علي بن عبد اهلل بن جامع الذي تلقي
لبس اخلرقة عن اخلضر مباشرة ،مث ألبسها حمليي الدين ابن عريب بدوره .ويف نفس السنة زار قرب رسول اإلسالم وكما قال
«وقد ظلمت 6نفسي وجئت إىل قربه صلى اهلل عليه وسلم فرأيت األمر على ما ذكرته وقضى اهلل حاجيت وانصرفت ومل يكن
قصدي يف ذلك اجمليء إىل الرسول إال هذا اهلجري».
يف سنه1206 م رحل إىل القاهرة.
كتاب :رسائل النور الهادي ،المؤلف :عبد السالم العمراني الخالدي ،الناشر :دار الكتب العلمية ،سنة النشر2004 :م ،ص.61 : 3
يف سنة1207 م عاد ايل مكة وأقام فيها ثالثة أعوام مث عاد إىل دمشق وزار قونية برتكيا حيث رحب به
أمريها السلجوقي باحتفال هبيج .وتزوج هناك بوالدة صدر الدين القونوي .مث مل يلبث أن ارحتل ايل أرمينيا.
يف سنة1211 م رحل ايل بغداد والتقى هناك بشهاب الدين عمر السهروردي الصويف املشهور.
يف سنه1214 م زار مكة ووجد عدد من فقهائها الدساسني قد جعلوا يشوهون مسعته لسبب القصائد اليت نشرها يف ديوانه
أخريا أقام يف دمشق يف الفرتة1223 م ـ1240 م حيث كان أمريها أحد تالميذه ومن املؤمنني بعلمه ونقائه وعاش حياته
يف دمشق يؤلف ويعلم وكان واحدا من كبار العلماء بني أهل العلم 6والفقه 6يف دمشق ،وألتقى به عدد كبري من العلماء
والطالب من مجيع أحناء املعمورة ومن أبرزهم الشيخ جالل الدين الرومي صاحب املثنوي ،ويف دمشق دون وكتب مراجعاته
ومؤلفاته وكان له جملس للعلم 6والتصوف يف رحاب جمالس دمشق وبني علماء الفقه والعلم 6بدمشق ومدارسها.
املكون من 37سفر و 560باب..الذي ُوصف بأنه من النصوص الصوفية املوغلة يف التعمق وان كتاب الفتوحات املكيةُ ،
لغته رمزية وهبا إشارات اهلية ،له نشرة علمية حمققة متقنة ،بتحقيق الدكتور عثمان حيىي.
كتاب فصوص احلكم ،الذي أثار جدال ً كبرياً يف وقته والزال مصدرا ً للجدل.
ديوان ترمجان األشواق ،الذي خصصه ملدح نظام بنت الشيخ أيب شجاع بن رستم األصفهاين اليت عرفها يف مكة سنة 598
كتاب اليقني ،الذي تناول موضوع اليقني الذي حري عديد من فالسفة ذلك العصر
من قال بالحلول فدينه معلول ،وما قال باالتحاد إال أهل اإللحاد
اهلل تعاىل واحد باإلمجاع ،ومقام الواحد يتعاىل أن حيل فيه شيء أو حيل هو يف شيء أو يتحد يف شيء.
4كتاب :شرح شطرنج العارفين (أنيس الخائفين وسمير العاكفين) ،المؤلف :محمد بن أحمد الهاشمي التلمساني ،المُحرر :عاصم إبراهيم
الكيالي ،الناشر :دار الكتب العلمية ،سنة النشر2005 :م ،ص18 :
لو صح ان يرقى اإلنسان عن انسانيته وامللك عن ملكيته ويتحد خبالقه تعاىل ،لصح انقالب احلقائق وخرج اإلله عن كونه إله،
5
وصار احلق خالقا ،واخللق حقا.
احلكم نتيجة احلكمة ،والعلم 6نتيجة املعرفة ،فمن ال حكمة له ال حكم له ،ومن ال معرفة له ال علم له
«فإذا مسعت احدا من أهل اهلل يقول أو ينقل إليك عنه أنه قال الوالية أعلى من النبوة ،فليس يريد ذلك القائل اال ما ذكرناه.
أو يقول ان الويل فوق النيب والرسول فأنه يعين بذلك يف شخص واحد وهو أن الرسول من حيث أنه ويل أمت منه من حيث
أنه نيب ورسول ال أن الويل التابع له أعلى منه فإن التابع ال يدرك املتبوع أبدا فيما هو تابع له فيه إذ لو أدركه مل يكن تابعا
فافهم
ال تعرتضوا على اجملتهدين من علماء الرسوم وال جتعلوهم حمجوبني على اإلطالق فإن هلم القدم الكبرية يف الغيوب وإن كانوا
ز .وفاته
تويف ابن عريب يف 28 ربيع الثاين من سنة638 هـ املوافق 16نوفمرب من سنة1240 م ودفن يف سفح جبل قاسيون يف دمشق.
ج .الخا تمة
كمل العارفني بِإ مجاع أهل الطريق ،وكان جليس رسول اهلل ِإ
عبد الوهاب الشعراين ،حيث قال عن ابن عريب « :ن الشيخ من ّ
صلى اهلل عليه وسلم على الدوامعالء الدين حممد بن علي احلصكفي ،6الفقيه احلنفي صاحب الدر املختار حيث قال ناقالً :يف
املعروضات املذكورة ما معناه :أن من قال عن فصوص احلكم للشيخ حميي الدين بن العريب إنه خارج عن الشريعة وقد صنفه
لإلضالل ومن طالعه ملحد ماذا يلزمه؟ أجاب :نعم فيه كلمات تباين الشريعة وتكلف بعض املتصلفني إلرجاعها إىل الشرع
سره فيجب االحتياط برتك مطالعة تلك الكلمات ،وقد صدر أمر لكنّا تيقنا أن بعض اليهود افرتاها على الشيخ قدس اهلل ّ
6
سلطاين بالنهي فيجب االجتناب من كل وجه
الفريوزآبادي ،صاحب القاموس ،حيث سئل عن الشيخ ابن عريب فقال« :اللهم نطقنا مبا فيه رضاك الذي أعتقده وأدين اهلل به
وعلما وإمام احلقيقة حقيقةً ورمساً وحميي رسوم املعارف فعالً وامساً إذا تغلغل فكر املرء يف طرف
إنه كان شيخ الطريقة حاالً ً
من علمه غرقت فيه خواطره عباب ال تكدر الدالء وسحاب تتقاصى عنه األنواء كانت دعوته خترق السبع الطباق وتفرق
بركاته فتمأل اآلفاق وإين أصفه وهو يقينا فوق ما وصفته وناطق مبا كتبته وغالب ظين أين ما أنصفته
مصادر البحث
6كتاب :صريح العبارة وباهر اإلشارة في جرد معاني البحر المديد الغزيرة ،المؤلف :عبد السالم العمراني الخالدي ،الناشر :دار الكتب
العلمية ،سنة النشر2009 :م ،الجزء الرابع ،ص.149 :
كتاب :األقمار املشرقة ألهل الشريعة والطريقة واحلقيقة ،املؤلف :عبد السالم العمراين اخلالدي ،الناشر :دار الكتب
العلمية ،سنة النشر2018 :م ،ص.50 :
كتاب :رسائل النور اهلادي ،املؤلف :عبد السالم العمراين اخلالدي ،الناشر :دار الكتب العلمية ،سنة النشر2004 :م،
ص.61 :
حممد حسن االعظمي ،شعراء الصوفية ،حتقيق مصطفى غالب ،بريوت مؤسسة عز الدين ،1988 ،ص .334
كتاب :صريح العبارة وباهر اإلشارة يف جرد معاين البحر املديد الغزيرة ،املؤلف :عبد السالم العمراين اخلالدي ،الناشر:
دار الكتب العلمية ،سنة النشر2009 :م ،اجلزء الرابع ،ص: