You are on page 1of 3

‫المحاضرة األولى‪ :‬الثقافة ( املفهوم و النشأة واخلصائص)‬

‫أوال‪ :‬مفهوم الثقافة‪.‬‬

‫ف مع اين كث رية كم ا هي يف الق واميس‬ ‫‪ 1‬لغة‪ :‬اص ل الثقاف ة يف اللغ ة العربي ة م أخوذ من الفع ل َث ُق َ‬
‫ف و للفع ل َث ُق َ‬
‫العربية و من هذه املعاين‪:‬‬

‫ف الرجل أي اصبح حذقا فطنا‪.‬‬ ‫ِ‬


‫أ‪.‬احلذق والفطنة نقول‪ :‬ثَق َ‬
‫ف الطالب املعلم أي‪ :‬فهمه بسرعة ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ب‪.‬سرعة اخذ العلم وفهمه نقول‪ :‬ثَق َ‬
‫َّف املعلم الطالب‪ :‬أي هذبه و أدبه ‪.‬‬
‫ج‪-‬التهذيب والتأديب‪ :‬نقول‪َ :‬ثق َ‬
‫د‪ -‬تقومي العوج من األشياء نقول‪ :‬ث ّقف الصانع الرمح‪ :‬أي سوى اعوجاجه ‪.‬‬

‫وهم} حيث ذكر‬ ‫ه‪ -‬ادراك الشيئ و احلصول عليه‪ :‬يف قول اهلل تعاىل‪{ :‬وا ْقتلُوهم حي ِ‬
‫ث ثَق ْفتُ ُم ُ‬
‫ُ ُ ْ َْ ُ‬
‫القرطيب يف تفسريه (‪ )1967‬ان ثقف يف اآلية الكرمية تدل على األسر و الظفر بالعدو‪.‬‬

‫‪:‬الثقافة اصطالحا‪2-‬‬
‫مفهوم الثقافة يف االصطالح أوسع من معناها اللغوي ومن الصعوبة أن جند هلا تعريفا جامعا مانعا‪ ،‬ويرجع ذلك إىل‬
‫اختالف جماالت الدراسة أو اختالف اهتماماهتا سواء كانت تارخيية أو فلسفية أو نفسية أو اجتماعية أو‬
‫أنثروبولوجية‪ .‬وقد ذكر صاحل ذياب هندي يف كتابه دراسات يف الثقافة اإلسالمية أسباب االختالف يف تعريف‬
‫الثقافة وهي‪ :‬اهتمام وختصص صاحب التعريف ‪ ،‬واختالف املدارس و االجتاهات الثقافية يف العامل حول تعريف‬
‫‪.‬الثقافة‬

‫وقد أشار مالك بن نيب إىل مدارس الثقافة وهي ‪ :‬املدرسة الغربية الرأمسالية ‪ ،‬واليت ترى أن الثقافة انعكاس‬
‫لفلسفة الفرد و فكره ‪.‬واملدرسة املاركسية اليت ترى أن الثقافة انعكاس لفلسفة اجملتمع ‪ .‬واملدرسة اإلسالمية اليت‬
‫ترى أن الثقافة انعكاس لفلسفة الفرد و اجملتمع يف آن واحد‪.‬وفيما يلي نورد بعض التعريفات اليت عرفت هبا الثقافة‬
‫‪:‬‬
‫تعريف تايلور‪":‬هي ذلك الكل املركب الذي يتضمن املعرفة و العقيدة و الفن والقانون و األخالق و العادات و‪-‬‬
‫" التقاليد ‪ ،‬وغريها من القدرات اليت يتحصل عليها املرء كعضو يف مجاعة‬
‫تعريف ابن خلدون‪" :‬العمران الذي هو من صنع االنسان مبا قام به من جهد و فكر و نشاط ليسد به النقص ‪-‬‬
‫"بني طبيعته األوىل‪ ,‬وخاصة يف بيئته حىت يعيش معيشة عامرة زاخرة باألدوات و الصناع‬
‫تعريف اجلابري‪":‬هي ذلك املركب املتجانس من الذكريات والتصورات و القيم و الرموز و التغريات و ‪-‬‬
‫‪ .‬االبداعات و التطلعات اليت حنتفظ هبا جلماعة بشرية‬

‫‪ :‬ثانيا ‪ :‬نشأة مفهوم الثقافة‬

‫تعود جذور كلمة ‪ culture‬إىل اللفظ الالتيين ‪ culture‬الذي يعين حرث األرض وزراعتها‪ ،‬وقد ظلت‬
‫اللفظة مقرتنة هبذا املعىن طوال العصرين اليوناين والروماين‪ ،‬حيث استخدمها شيشرون جمازاً بالدالالت نفسها‪،‬‬
‫فقد أطلق على الفلسفة ‪ Mentis Culture‬أي زراعة العقل وتنميته‪ ،‬مؤكداً أن دور الفلسفة هو تنشئة‬
‫الناس على تكرمي اآلهلة وقد ظلت الكلمة هكذا حىت القرون الوسطى حيث أطلقت يف فرنسا على الطقوس‬
‫الدينية ‪ ،Cultes‬ويف عصر النهضة اقتصر مفهوم ‪ culture‬على مدلوله الفين واألديب‪ ،‬فتمثل يف دراسات‬
‫تتناول الرتبية واإلبداع‪ ،‬وبعدها عمد فالسفة القرن السابع عشر إىل تطبيق املناهج العلمية يف دراسة املسائل‬
‫اإلنسانية‪ ،‬وأفردوا مضماراً خاصاً للعمليات املتعلقة مبفهوم " ‪." Culture‬‬
‫ففي كتابه " تقدم املعرفة " يعتمد " فرنسيس بيكون " صورة التثمري الزراعي للداللة على أحد مرامي الفلسفة‬
‫الكامن يف هذا املفهوم واستخدمها بذات املعىن فولتري وأقرانه من مفكري فرنسا‪ ،‬حيث كانت كلمة "‬
‫‪ culture‬تعين لديهم تنمية العقل وغرسه بالذوق والفهم وتزيينه باملعرفة‪ ،‬واستعملها توماس هوبز مبعىن‬
‫العمل الذي يبذله اإلنسان لغاية تطويرية سواء أكانت مادية أم معنوية‪.‬‬
‫‪  ‬واستمرت الكلمة حمافظة على جذرها اللغوي والدالالت املشتقة منها إىل أن جاء إدوارد تايلور‬
‫‪Tylor‬ووضع كتابه " ‪ " primitive Culture‬الثقافة البدائية " عام ‪ 1871‬ويف أول فقرة من كتابه‬
‫وضع تعريفاً هلذا املفهوم يقول فيه " هي ذلك الكل املركب الذي يشمل املعرفة والعقائد واألخالق والقانون‬
‫والعرف وغري ذلك من اإلمكانيات أو العادات اليت يكتسبها اإلنسان من حيث هو عضو يف اجملتمع "‪.‬‬
‫‪ ‬وبانتقال مفهوم " ‪ " Culture‬إىل " ‪ "kulture‬األملاين اكتسبت الكلمة مضمونا مجاعياً‪ ،‬فقد أصبحت‬
‫تدل على التقدم الفكري الذي يعترب معياراً أساسياً للتمييز بني مراحله‪ ،‬ففي القرنني التاسع عشر والعشرين‬
‫عاجل املفكرون األملان‪ ( ،‬هيغل والرومانتيكيون – فريدريك‪ ،‬نيتشه‪ ،‬قيلهيلم ديلتاي‪ ،‬قيلهيلم فانيدل باند‬
‫اجملسدة‬
‫هاينريش روبكريت وجورج سيميل ) اخلطوط العريضة للتفكري الفلسفي واالجتماعي القائم على القيم ّ‬
‫يف إنتاجات هذا املفهوم وعلى طبيعة القيم املتعلقة به‪.‬‬
‫‪  ‬ومن ناحية أخرى انطلق املفكرون االجنليز يف املسائل السياسية والدينية لينظروا إىل ‪ Culture‬من زاوية‬
‫تطبيقاهتا العملية‪ ،‬فقد عرفها ميتيو ارنولد بأهنا عملة ترقى حنو الكمال اإلنساين‪ ،‬تتم بتمثل أفضل األفكار اليت‬
‫عرفها العامل وبتطوير اخلصائص اإلنسانية املميزة‪ ،‬ويرى أن ال‪ Culture‬الدينية –لكوهنا تعلم االستقامة‬
‫واالنضباط – تساهم إىل جانب ال‪ culture‬العلمانية – اليت تبلور احلقائق املوضوعية يف ترقية احلياة‬
‫اإلنسانية وقد ورد يف معجم ويبسرت اجلديد الثالث أن ‪ Culture‬تتمثل فيما يأيت ‪ -1 :‬فن الزراعة أو عملية‬
‫الزراعة‬
‫‪ -2‬عملية التنمية الناجتة عن التعليم والنظام واخلربة االجتماعية‪-3 .‬استنارة التذوق وامتيازه الالزمان‬
‫للممارسة الفكرية واجلمالية املتمثلة يف ‪ :‬أ‪ -‬املضمون الفين والفكري للمدنية‪ .‬ب‪ -‬تنقية السلوك والتذوق‬
‫الفكري‪ .‬ج – التعرف على الفنون اجلميلة واإلنسانيات واجملاالت الفسيحة للعلم وتذوقها باعتبارها نوعاً من‬
‫املهارة أو املعرفة اإلدارية أو التقنية أو املهنية‪ -4 .‬اإلطار اجلمايل للسلوك البشري ومنتجاته املتمثلة يف الفكر‬
‫والكالم والعمل املعتمد على قدرة اإلنسان على التعليم‪ ،‬ونقل املعرفة إىل األجيال املتتالية من خالل استعمال‬
‫األدوات واللغة ونظم التفكري اجملردة‪.‬‬
‫‪ ‬ويعرفها معجم اجملمع الفرنسي – الذي ناقش كلمة "‪ " Culture‬ومفهومها يف جلسة خاصة باملعجم‬
‫بتاريخ ‪ 4‬يونيو ( حزيران ) ‪ 1972‬م " بأهنا تطلق باملعىن اجملرد العام يف مقابل كلمة " طبيعة "‪ ،‬فهي العبقرية‬
‫اإلنسانية مضافة إىل الطبيعة بغية حترير عطاءاهتا وإغنائها وتنميتها "‪.‬‬

‫ثالثا‪:‬خصائص الثقافة ‪:‬‬


‫‪ :‬تتميز الثقافة مبجموعة من اخلصائص أبرزها فيما يلي‬

‫‪ :‬مكتسبة‬
‫إن الثقافة ليست غريزية أو فطرية ولكنها تتكون من العادات اليت يكتسبها الفرد خالل خربة حياته ‪ ،‬من خالل صالته و عالقته‬
‫‪.‬باآلحرين‬
‫‪ :‬إنتقالية وتراكمية‬
‫تنتقل الثقافة من جيل اىل جيل على شكل عادات و تقاليد و نظم و أفكار و معارف يتوارثها اخللف عن السلف عن طريق‬
‫املخلفات املادية و الرموز اللغوية كما اهنا تنتقل من وسط اجتماعي إىل وسط اجتماعي آخر و هبذا املعىن فاهنا تراكمية فاالنسان‬
‫‪.‬يستطيع ان يبىن على أساس منجزات اجليل السابق او األجيال السابقة فهو ليس حباجة اىل ان يبدأ دائما من جديد يف كل جيل‬
‫‪:‬االستمرارية‬
‫‪.‬قد تفىن األجيال و ميوت افرادها و لكن الثقافة وما تشمل من عادات و تقاليد و اساطري و ٍ‬
‫مبان سوف تبقى مستمرة لفرتة طويلة‬
‫‪:‬التغير‬
‫الثقافة خاضعة لقانون التغري الذي ختضع له مجيع مظاهر الكون‪ .‬كما قال "هريقليطس" ان التغري قانون الوجود و أن االستقرار‬
‫موت و عدم ‪ .‬و التغري الثقايف هو كل تغري حيدث يف العناصر املادية و غري املادية للثقافة‪ .‬و يقصد بالعناصر املادية املباين و األثاث‬
‫و األدوات و املالبس و اآلالت ووسائل املواصالت‪...‬اخل‪ .‬اما العناصر الغري مادية او املعنوية فيقصد هبا العادات و العرف و التقاليد‬
‫وآداب السلوك والفن و اللغة و الدين و املعلومات و األفكار ‪ .‬وتتغري الثقافة مبا تضيفه هلا األجيال اجلديدة من خربات وأدوات و‬
‫قيم و أمناط سلوك او بالعكس مبا تستبعده و حتذفه من بعض األساليب أو األفكار أو األدوات اليت مل تعد تتفق مع ظروف حياهتا‬
‫اجلديدة‬
‫‪:‬االشباع‬
‫للثقافة جمموعة من الوضائف االجتماعية و االقتصادية و البيولوجية فهي تكرس إشباع احلاجات اإلنسانية األساسية و العمل‬
‫على رفاهيته و تلبية احتياجاته املستمرة و املتغرية مبرور الوقت و الزمن‪ ،‬فاإلنسان يسعى دائما إلشباع غرائزه املختلفة‪ .‬عالوة على‬
‫أن له مطالب أخرى من الثقافة و عناصرها سواء كانت مادية او غري مادية فحاجات االنسان من املأكل و امللبس و املسكن و‬
‫‪.‬التعليم و التنشئة و الرفاهية مجيعها تستلزم من االنسان العمل على إشباع تلك احلاجات بصورة أساسية‬

You might also like