You are on page 1of 10

‫وزارة التعليم العايل والبحث العلمي‬

‫جامعة التكوين عن بعد‬

‫مركز قسنطينة‬
‫جدع مشرتك علوم إنسانية‬

‫اعالم واتصال‬

‫السنة األوىل‬

‫فوج‪76 :‬‬

‫حبث مقدم استكماال لنشاطات الوحدة األوىل بعنوان‪:‬‬


‫عوامل قيام احلضارات القدمية‬
‫حتت اشراف األستاذ‬ ‫من اعداد الطالب‪:‬‬

‫بوفريوة حممد الشريف‬

‫السنة اجلامعية‬

‫‪2024/2023‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫مقدمة‬
‫الفصل األول‪ :‬تعريف احلضارة‬
‫املبحث األول‪ :‬تعريف احلضارة لغة‬
‫املبحث الثاين‪ :‬تعريف احلضارة اصطالحا‬
‫الفصل الثاين‪ :‬العوامل اليت تساهم يف قيام احلضارات‬
‫املبحث األول‪ :‬العوامل اجلغرافية لقيام احلضارات‬
‫املبحث الثاين‪ :‬العوامل االقتصادية لقيام احلضارات‪:‬‬
‫املبحث الثالث‪ :‬العوامل االجتماعية لقيام احلضارات‬
‫املبحث الرابع‪ :‬العوامل الدينية لقيام احلضارات‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬العوامل الفكرية لقيام احلضارات‬
‫خامتة‬
‫املراجع‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫اتريخ اإلنسانية يعود إىل آالف السنني‪ ،‬حيث شهدت العامل ظهور العديد من احلضارات املتقدمة اليت تركت بصماهتا البارزة يف‬
‫التاريخ‪ .‬وقد أاثرت هذه احلضارات اهتمام العلماء والباحثني على مر العصور‪ ،‬الذين سعوا لفهم العوامل األساسية اليت أدت إىل قيامها‬
‫أمرا ابلغ األمهية لفهم تطور البشرية وأتثريها على التاريخ واحلاضر‪.‬‬
‫وازدهارها‪ .‬يعترب فهم هذه العوامل ً‬
‫إن قيام احلضارات اإلنسانية يعود إىل جمموعة متنوعة من العوامل اليت تتداخل وتتشابك مع بعضها البعض‪ .‬ومن بني هذه العوامل‪،‬‬
‫ميكن اإلشارة إىل البيئة واملوارد الطبيعية‪ ،‬حيث أن توفر املوارد مثل املياه واألراضي اخلصبة كان له دور كبري يف تطور احلضارات الزراعية‪.‬‬
‫دورا حامسًا يف تقدم احلضارات‪ ،‬حيث سامهت يف حتسني ظروف احلياة وتوسيع قدرة‬ ‫ابإلضافة إىل ذلك‪ ،‬لعبت التكنولوجيا واالبتكار ً‬
‫اإلنتاج والتجارة‪.‬‬
‫دورا حامسًا يف بناء احلضارات‪ ،‬حيث أن النظم السياسية والقانونية والقيم‬ ‫عالوة على ذلك‪ ،‬لعبت السياسة والتنظيم االجتماعي ً‬
‫مهما للتنظيم والتطور االجتماعي‪ .‬ومل يقتصر دور العوامل االقتصادية على أتثريها على النمو‬ ‫أساسا ً‬ ‫واملعتقدات الدينية شكلت ً‬
‫أيضا يف تشكيل هوايت احلضارات وتفاعلها مع بعضها البعض‪.‬‬ ‫االقتصادي فحسب‪ ،‬بل سامهت ً‬
‫حيواي يف إثراء احلضارات وتعزيز هويتها وتراثها‪ .‬وعلى الرغم من تنوع‬
‫دورا ً‬
‫ابإلضافة إىل ذلك‪ ،‬فإن الثقافة والفن واألدب كانت تلعب ً‬
‫أتثريا يف تشكيل مسار التطور اإلنساين‪.‬‬
‫العوامل اليت أدت إىل قيام احلضارات‪ ،‬إال أن العوامل املذكورة تعترب األساسية واألكثر ً‬
‫الفصل األول‪ :‬تعريف احلضارة‬
‫يعترب مفهوم احلضارة من أكثر املفاهيم صعوبة يف التحديد‪ ،‬وذلك بفعل التطور الداليل الذي حظي به عرب اتريخ احلضارة نفسها‪،‬‬
‫ولعل من أهم أسباب االختالف يف تعريفها أيًضا ما يرجع إىل اخللفية الفكرية لصاحب كل تعريف‪ ،‬واملنظور الذي يقدم من خالله‬
‫تعريفه‪ ،‬وكذلك تكوينه العلمي وزاده املعريف؛ فاملؤرخ‪ ،‬واألنثروبولوجي‪ ،‬وعامل االجتماع‪ ،‬واللغوي‪ ،‬وعامل النفس‪ٌّ ،‬كل يعرفها انطالقا من‬
‫أرضيته الفلسفية ومنظوره املعريف الذي ينظم أفكاره‪ ،‬ونتيجة حليوية التنقيب والبحث يف حقل الدراسات احلضارية‪ ،‬ظهرت تعريفات‬
‫متعددة ومتنوعة لظاهرة احلضارة‪ ،‬كما أن هناك تعريفات ولدت ضمن إطار الوعي العقدي الغريب وأخرى صيغت استجابة للوعي‬
‫‪1‬‬
‫العقدي التوحيدي‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬تعريف احلضارة لغة‬
‫احلضارة بكسر احلاء وفتحها –تعين اإلقامة يف احلضر وإن مظاهر الرقي العلمي والفين واألديب واالجتماعي يف احلضر‪ ،‬جاء يف‬
‫القاموس احمليط ‪":‬أن معناها من حضر وهو ضد غاب واحلاضرة واحلضارة خالف البادية" وجاء يف لسان العرب املعاين التالية‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫"احلضور نقيض املغيب والغيبة‪ ،‬واحلضر خالف البدو‪ ،‬واحلضارة اإلقامة يف احلضر احلاضرة احلي العظيم"‪.‬‬
‫فاحلضارة يف عرف اللغة العربية ترتبط ابحلضر‪ ،‬والعمران‪ ،‬أي أن املصطلح من انحية اللغة العربية ذاهتا حيمل املعىن االجتماعي‪ ،‬وذلك‬
‫عند اعتبار احلضارة عالمة على احلضور واإلقامة واالستقرار‪ ،‬وهذه كلها حتمل معاين اجتماعية‪ ،‬فإذا سكن الناس واستقروا نشأت بينهم‬
‫صالت اجتماعية أكثر‪ ،‬وارتبطت مصاحلهم‪ ،‬ونشأت بينهم سبل التعاون‪ ،‬واجتهوا إىل بناء املدن واإلبداع واالنتظام والتنظيم‪.‬‬
‫فاحلضارة يف جذرها اللغوي تعىن وتركز على اجلانب االجتماعي‪ ،‬وكأن اللغة تشري إىل أن احلضارة مفهوم اجتماعي منذ نشأته‪ ،‬كما أهنا‬
‫ال تكون إال حيث توجد عالقات اجتماعية متبادلة بني الناس تظهر فيها معاين التعاون والتنظيم واالنتظام يف إطار مكاين حمدد هو‬
‫‪3‬‬
‫املدينة‪ ،‬مبا يتضمنه لفظ املدينة من قيم اجتماعية وحضارية بعيدة األثر يف النفس اإلنسانية‪.‬‬
‫وقد اختلف كثري من املفكرين حول الكلمتني الدالتني على معىن "احلضارة"‪ ،‬ومل يتفق علماء الغرب على اعتبار كلمة ‪Culture‬‬
‫وحدها مرادفة للحضارة‪ .‬فهناك كلمة أخرى هي ‪ Civilization‬املأخوذة من أصل خمتلف ألهنا تركز على الدماثة واخلصال‬
‫االجتماع املستحبة اليت ظهرت بظهور الدين‪ .‬واتباعا هلذا الرأي ال تصلح كلمة حضارة اليت تنسب اىل حياة املدن أو احلضر للتعبري عن‬
‫خصائص ما نسميه ابحلضارات البدائية ويوجد يف هذه املشكلة ثالثة آراء‪:4‬‬
‫‪ -‬الرأي اإلجنليزي‪ :‬وينسب كلمة ‪ Civilization‬اىل احلضارات العليا وحدها‪ ،‬أما احلضارات البدائية فقد ترك هلا كلمة‬
‫‪ Culture‬وأحياان تطلق كلمة ‪ Culture‬على احلضارات يف كل مستوايهتا وأنواعها‪ ،‬وتطلق كلمة ‪Civilization‬‬
‫على احلضارات العليا من قبيل املتخصصني‪.‬‬

‫‪ 1‬بدران بن احلسن‪ ،‬يف مفهوم احلضارة‪ ،‬جملة نوافذ ‪:‬اجتاهات فكرية‪ ،‬اخلميس‪ ،‬ذو القعدة ‪1424‬املوافق ‪25‬ديسمرب ‪.200‬‬
‫‪ 2‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪1414 ،‬هـ‪ ،‬ج ‪4،‬ص‪1‬‬
‫‪ 3‬بدران بن احلسن ‪:‬مرجع سابق‬
‫‪ 4‬روالن بريتون‪ ،‬جغرافيا احلضارات‪ ،‬ترمجة خليل أمحد خليل‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بريوت ابريس –الطبعة األوىل ‪- 1993‬ص‪1‬‬
‫‪ -‬الرأي األماين‪ :‬أما األملان فاهنم يستعملون كلمة ‪ Kultur‬األملانية للداللة على تنمية احلياة الداخلية والطاقات العقلية‬
‫والروحية‪ ،‬ويستعملون كلمة ‪ Civilization‬للداللة على اجلوانب املادية أو التكنولوجية يف احلضارة‪ ،‬وغالبا ما يستعمل‬
‫األملان كلمة ‪ Civilization‬من قبيل االنتقاص أو الداللة على أن احلضارة يف طريقها اىل االحتضار أو االفالس‪.‬‬
‫‪ -‬الرأي الفرنسي الذي يستعمل كلمة ‪ Civilization‬للداللة على احلضارة يف كل مستوايهتا‪ ،‬ويستخدم كلمة ‪Culture‬‬
‫للداللة على اجلانب الثقايف وحده‪ ،‬ظهرت كلمة ‪ Civilization‬ابلفرنسية سنة ‪ 1734‬وأصلها واضح ‪:‬فهي تنحدر‬
‫مباشرة من صفة ‪Civilisé‬متحضر يف القرن السابع عشر‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬تعريف احلضارة اصطالحا‬
‫للحضارة اصطالحا تعاريف خمتلفة منها‪:‬‬
‫• ابن خلدون‪:‬‬
‫يف االصطالح اخللدوين احلضارة هي هناية العمران وخروجه إىل الفساد وهناية الشر والبعد عن اخلري‪ ...‬فلتعلم أن احلضارة يف العمران‬
‫أيضا كذلك ألنه غاية ال مزيد وراءها‪ ،‬وأن الرتف والنعمة إذا حصال ألهل العمران دعاهم بطبعه إىل مذاهب احلضارة والتخلق‬
‫بفوائدها‪.1‬‬
‫يرى عبد الرمحن بن خلدون (ت ‪808‬هـ( ‪ :‬أن الناس حني ختطوا يف كسبهم للمعاش ما هو ضروري وحصل هلم ما فوق احلاجة من‬
‫الغىن والرفاه‪ ،‬دعاهم ذلك إىل السكون والدعة وتعاونوا يف الزائد على الضرورة واستكثروا من األقوات واملالبس والتأنُّق فيها وتوسعة‬
‫البيوت واختطاط املدن واألمصار للتحضر ‪.‬ث تزيد حالة الرفاه والدعة فتجيء عوائد الرتف البالغة مبالغها يف التأنّق يف عالج القوت‬
‫واستجادة املطابخ وانتقاء املالبس الفاخرة يف أنواعها من احلرير والديباج وغري ذلك ومعاالة البيوت والصروح وإحكام وضعها يف‬
‫تنجيدها واالنتهاء يف الصنائع يف اخل روج من القوة إىل الفعل إىل غايتها يفّ ختذون القصور واملنازل وُ جيرون فيها املياه ويعالون يف‬
‫صرحها ويبالغون يف تنجيدها وخيتلفون من استجادة ما يّ ختذونه ملعاشهم من ملبوس أو فراش أو آنية أو ماعون ‪.‬وهؤالء هم احلضر‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫ومعناه احلاضرون أهل األمصار والبلدان‪.‬‬
‫وابن خلدون هنا يشري إىل املرحلة األخرية اليت متر هبا الدولة أو اجملتمع عندما تتفكك العصب وتضمحل قوة الرابطة اليت جتمع الناس‬
‫على بناء اجملتمع‪ ،‬فيصري اجملتمع يف حالة الرتف اليت أشار إليها ابن خلدون يف مقدمته‪ ،‬وتقل أخالق البناء‪ ،‬وتظهر أخالق الفتور‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫فاحلضارة هبذا التعبري اخللدوين درجة من التقدم تبلغها اجملتمعات‪.‬‬
‫• ول ديورانت‪: 4‬‬
‫ديورانت يعرفها أبهنا‪ :‬نظام اجتماعي يعني اإلنسان على الزايدة من إنتاجه الثقايف‪ ،‬وإن احلضارة تتألف من عناصر أربعة ‪:‬املوارد‬
‫االقتصادية‪ ،‬والنظم السياسية‪ ،‬والتقاليد اخللقية‪ ،‬ومتابعة العلوم والفنون‪ ،‬وهي تبدأ حيث ينتهي االضطراب والقلق‪ ،‬أو هي "نظام‬

‫‪ 1‬عبد الرمحن بن محّ مد بن خلدون ‪:‬املقدّ مة‪ ،‬دار اجليل‪،‬بريوت‪ ،‬دون اتريخ‪ ،‬ص‪47‬‬
‫‪ 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪13‬‬
‫‪ 3‬بدران بن احلسن ‪:‬مرجع سابق‬
‫‪ 4‬ول ديورانت ‪:‬قصة احلضارة‪ ،‬ترمجة زكي جنيب حممود‪،‬جلنة التأليف والرتمجة والنشر‪،‬القاهرة‪ ،‬ج‪1‬‬
‫اجتماعي يعني االنسان على زايدة انتاجه الثقايف‪ ،‬وترتبط األخرية )الثقافة ( من حيث اللفظ ابلزراعة‪ ،‬كما ترتبط املدن ابملدينة‪ ،‬إذ‬
‫يعمل االخرتاع وتعمل الصناعة من أجل مضاعفة االشياء احملسوسة وزايدة وسائل الراحة والرتف وكذلك يستغين عن فئة من الناس فال‬
‫يطلب منهم صناعة االشياء املادية‪ ،‬اذا يعملون على انتاج العلم والفلسفة واالدب والفن‪.‬‬
‫• فرانز بواس‪:‬‬
‫‪1‬‬

‫يرى أن احلضارة هي الكم املتكامل لألفعال والنشاطات العقلية والطبيعة اليت متيز السلوك اجلماعي والفردي لألفراد الذين يكونون‬
‫جمموعة اجتماعية‪ ،‬ابالرتباط ببيئتهم الطبيعية ‪..‬وهي حتتوي أيضا على منتجات هذه النشاطات ودورها يف حياة اجملموعة‪.‬‬
‫• اتيلور‪:‬‬
‫يعرفها األنثروبولوجي اتيلور ابهنا الكل املركب الذي حيتوي على املعرفة واملعتقد والفن واألخالقيات والقانون والعادة وكل القدرات‬
‫واالعتبارات االخرى يكتسبها االنسان كعضو يف اجملتمع أو هي‪ :‬درجة من التقدم الثقايف‪ ،‬تكون فيها الفنون والعلوم واحلياة السياسية‬
‫يف درجة متقدمة‪.‬‬
‫• هنتنجتون‪:2‬‬
‫عرف هنتنجتون احلضارة وربطها بعض الشيء ابلثقافة فقال‪ :‬احلضارة والثقافة كالمها يشري إىل جممل أسلوب احلياة لدى شعب ما‪،‬‬
‫واحلضارة هي الثقافة على نطاق أوسع وكالمها يضم املعايري والقيم واملؤسسات وطرائق التفكري اليت علقت عليها أجيال متعاقبة أهم‬
‫أساسية يف جمتمع ما ‪ ...‬واحلضارة إمنا هي أعلى جتمع ثقايف من البشر وأعلى مستوى من اهلوية الثقافية ميكن أن مييز اإلنسان عن‬
‫األنواع األخرى‪ ،‬وهي تعرف بكل من العناصر املوضوعية العامة مثل اللغة والتاريخ والدين والعادات واملؤسسات والتحقيق الذايت‬
‫للناس‪.‬‬
‫• ماكيفر‪:3‬‬
‫ميز ماكيفر بني احلضارة واملدنية من منطلق ارتباط املدنية ابلوسائل وارتباط احلضارة ابألهداف والغاايت وحدها ‪.‬وقال‪ :‬عندما نتحدث‬
‫عن املدنية فإننا نقصد هبذا عادة اإلشارة إىل ذلك امليكانيزم الكلي وذلك التنظيم الذي ابتدعه اإلنسان لتنظيم حياته‪.‬‬
‫أما احلضارة فإهنا تعين التعبري عن طبيعتنا يف صور الفكر واحلياة السائدة يف حياتنا اليومية‪ ،‬كالفن واألدب والدين أيضا‪ ،‬ومن ث فإن‬
‫احلضارة متثل عامل القيم وأساليب االرتباطات العاطفية واملغامرات العقلية أو بعبارة أخري إهنا نقيض املدنية ‪.‬‬
‫وهكذا أصبحت املدنية جمرد وسيلة هلدف آخر أو غاية أخرى‪ ،‬أي أهنا مل تعد متثل هدفا يف حد ذاهتا فهي برمجاتية يف أصلها‬
‫وطبيعتها‪ ،‬مما جيعلها متميزة عن القيم اإلنسانية العليا اليت تقصد لذاهتا ال لشيء آخر غريها‪.‬‬

‫‪ 1‬حممد رايض ‪:‬اإلنسان ‪:‬دراسة يف النوع واحلضارة‪ ،‬بريوت‪1974، ،‬ص‪18‬‬


‫‪ 2‬صمويل هنتنجتون ‪:‬صدام احلضارات "إعادة صنع النظام العاملي"‪ ،‬ترمجة طلعت الشايب‪ ،‬تقدمي د ‪.‬صالح قنصوه‪1،‬‬
‫‪ 3‬بدران بن احلسن ‪:‬مرجع سابق‬
‫‪1‬‬
‫‪ -‬مالك بن نيب‪:‬‬
‫إن قيام أي حضارة عند مالك ابن نيب ال يكون إال بتوفر " جمموع الشروط األخالقية واملادية اليت تتيح جملتمع معني أن يقسم لكل فرد‬
‫من أفراده يف كل طور من أطوار وجوده منذ الطفولة إىل الشيخوخة املساعدة الضرورية له يف هذا الطور أو ذاك من أطوار منوه‪.‬‬
‫وعلى هذا فاحلضارة هي نتاج فكرة جوهرية تطبع على جمتمع يف مرحلة ما قبل التحضر الدفعة اليت تدخل به التاريخ‪ ،‬ومن هذا املنطلق‬
‫فإن معىن التحضر هو أن يتعلم اإلنسان كيف يعيش يف مجاعة‪ ،‬وأن يدرك شبكة العالقات االجتماعية يف تنظيم احلياة اإلنسانية من‬
‫أجل وظيفتها التارخيية‪ ،‬كما أهنا مجلة العوامل املعنوية واملادية اليت تتيح جملتمع ما أن يوفر لكل عضو فيه مجيع الضماانت االجتماعية‬
‫الالزمة لتطوره‪.‬‬
‫عناصر احلضارة عند مالك بن نيب‪:‬‬
‫إن املفكر ابن نيب عندما جاء إىل تعريف احلضارة‪ ،‬طبق عليها آليتني أو منهجني متكاملني‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬املنهج التحليلي‪ ،‬إذ حلل احلضارة إىل عناصرها األولية اليت تعترب الرأمسال األويل‪ ،‬وصاغها يف شكل معادلة رايضية ذات متغريات‬
‫ثالثة هي اإلنسان والرتاب والوقت‪ ،‬وقوامها ‪:‬إنسان تراب ‪ +‬وقت حضارة‪.‬‬
‫اثنيا‪ :‬املنهج الرتكييب‪ ،‬الذي من خالله أراد أن يكتشف القانون الذي ختضع له احلضارة يف بنائها‪ ،‬وحتديد املنهج الذي ختضع له‬
‫احلضارة ابعتبارها بناءً‪ ،‬وهو ما أمساه بقانون التفاعل‪ ،‬إذ العناصر األولية تبقى ساكنة ما مل تتدخل الفكرة املركبة‪ ،‬حمدثة الشرارة الروحية‬
‫اليت جتعل من العناصر األولية ديناميكية متحركة يف إطار التاريخ‪ ..‬هذه الفكرة املركبة اليت حتدث الشرارة هي الدين‪ ،‬أو‬
‫الفكرة الدينية‪ .‬إذن فالعناصر الضرورية اليت تتشكل منها كل احلضارات حسب مالك بن نيب ‪ -‬هي ثالثة‪:‬‬
‫اإلنسان ‪ +‬الرتاب ‪ +‬الوقت‪.‬‬

‫‪ 1‬مالك بن نيب ‪:‬شروط النهضة‪ ،‬ترمجة ‪:‬عبد الصبور شاهني‪ ) ،‬دمشق ‪:‬دار الفكر‪(199،‬‬
‫‪1‬‬
‫الفصل الثاين‪ :‬العوامل اليت تساهم يف قيام احلضارات‬
‫توجد عوامل عدة تسهم يف قيام احلضارات‪ ،‬وقد تكون هذه العوامل متداخلة ومرتابطة‪ ،‬وفيما أييت بعض العوامل املشرتكة اليت تسهم يف‬
‫قيام احلضارات‪.‬‬
‫املبحث األول‪ :‬العوامل اجلغرافية لقيام احلضارات‬
‫متثل العوامل اجلغرافية لقيام احلضارات يف الوطن العريب جزءاً هاماً من عوامل قيام احلضارات‪ ،‬وتشمل العوامل اجلغرافية عدداً من‬
‫العناصر احملددة اليت تؤثر يف تكوين وتطور احلضارات‪ ،‬ومن بينها‪:‬‬
‫‪ -‬املوقع اجلغرايف‪ :‬قد يكون املوقع اجلغرايف للمنطقة النامية للحضارة عامً ال هاماً يف قيامها‪ ،‬فمثال‪ ،‬املناطق اليت تتمتع مبناخ‬
‫مالئم‪ ،‬وتربة خصبة‪ ،‬وموارد مائية وفرية‪ ،‬قد تكون أكثر قدرة على دعم الزراعة وتوفري موارد طبيعية تدعم تطور احلضارات‪.‬‬
‫‪ -‬املوارد الطبيعية‪ :‬توفر املوارد الطبيعية‪ ،‬مثل األراضي اخلصبة‪ ،‬واملياه اجلوفية‪ ،‬واملعادن‪ ،‬والغاابت‪ ،‬واحليواانت‪ ،‬القاعدة الالزمة‬
‫القتصاد قوي‪ ،‬وازدهار حضاري‪ ،‬فقد يؤثر توفر وتوزع هذه املوارد الطبيعية يف قوة وازدهار احلضارة املتكونة‪.‬‬
‫‪ -‬الطبيعة اجلغرافية‪ :‬تتضمن الطبيعة اجلغرافية السطحية للمنطقة‪ ،‬مثل املناطق اجلبلية أو الصحراوية أو الشواطئ‪ ،‬وقد تكون‬
‫عامال مؤثرا يف منط حياة السكان ويف التواصل والتفاعل بني الثقافات واحلضارات املختلفة‪.‬‬
‫‪ -‬الوجود اجلغرايف ملواقع اسرتاتيجية وجتارية‪ :‬توفر وجود مواقع جتارية اسرتاتيجية‪ ،‬مثل املوانئ البحرية أو الواجهات الربية‪ ،‬قاعدة‬
‫للتبادل االقتصادي وتطور احلضارات عرب التجارة والتبادل الثقايف بني الشعوب‪.‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬العوامل االقتصادية لقيام احلضارات‬
‫تعد العوامل االقتصادية أحد البنود الرئيسة من عوامل قيام احلضارات‪ ،‬وتشمل العوامل االقتصادية عدداً من العوامل اليت تؤثر يف تكوين‬
‫وتطور احلضارات‪ ،‬ومن بينها‪:‬‬
‫‪ -‬االقتصاد الزراعي‪ :‬يؤدي تطور الزراعة واستدامتها إىل ازدهار احلضارات؛ إذ توفر الزراعة الغذاء الالزم للسكان‪ ،‬وتسمح‬
‫بتكوين جمتمعات مرتابطة ومستدامة‪ ،‬وقد تساهم تقنيات الري والزراعة املتقدمة يف حتسني إنتاجية الزراعة وتطور احلضارات‪.‬‬
‫‪ -‬االقتصاد الصناعي‪ :‬يساعد تطور الصناعة وتنوعها على منو االقتصاد وتطور احلضارة‪ ،‬إذ تنتج التكنولوجيا الصناعية سلعاً‬
‫وخدمات بشكل أكثر كفاءة‪ ،‬وتوفر فرص عمل‪ ،‬وتزيد اإلنتاجية واالبتكار‪.‬‬
‫‪ -‬التجارة والتبادل االقتصادي‪ :‬قد تكون التجارة والتبادل االقتصادي عاملني مؤثرين يف تطور احلضارات‪ ،‬إذ تسمح التجارة‬
‫بتبادل املوارد والسلع واألفكار بني الشعوب‪ ،‬وتساهم يف تطوير االقتصاد وتوسيع نطاق التعاون االقتصادي والثقايف بني‬
‫احلضارات املختلفة‪.‬‬
‫‪ -‬البنية التحتية والتكنولوجيا‪ :‬تؤثر البنية التحتية والتكنولوجيا يف تطور احلضارات‪ ،‬كماُ توفر البنية التحتية املتقدمة‪ ،‬مثل الطرق‪،‬‬
‫واجلسور‪ ،‬واملرافق احلضرية‪ ،‬والطاقة‪ ،‬واالتصاالت‪ ،‬قاعدة للتنمية االقتصادية والتكنولوجية‪ ،‬وكذلك تساعد التكنولوجيا على‬
‫حتسني عمليات اإلنتاج والنقل واالتصاالت‪ ،‬وتدعم اإلبتكار‪.‬‬

‫‪ 1 1‬ول ديورانت ‪:‬قصة احلضارة‪ ،‬مرجع سابق‬


‫املبحث الثالث‪ :‬العوامل االجتماعية لقيام احلضارات‬
‫تعد العوامل االجتماعية إحدى النقاط الرئيسة اليت تندرج حتت عوامل قيام احلضارات‪ ،‬وتشمل العوامل االجتماعية عدداً من العوامل‬
‫اليت تؤثر يف تكوين وتطور احلضارات‪ ،‬ومن بينها‪:‬‬
‫‪ -‬التنظيم االجتماعي‪ :‬يساعد التنظيم االجتماعي الفعال واملؤسسات االجتماعية املتطورة على بناء احلضارات‪ ،‬وتتضمن هذه‬
‫املؤسسات احلكومية‪ ،‬واملنظمات االجتماعية‪ ،‬واملؤسسات الدينية‪ ،‬األسرة‪ ،‬والنظام القانوين‪ ،‬والقواعد االجتماعية والسياسية‬
‫اليت حتكم التفاعالت االجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬التعليم والثقافة‪ :‬يساهم التعليم والثقافة يف تطور احلضارات‪ ،‬إذ يوفر التعليم الفعال فرصاً لتطوير املهارات واملعرفة‪ ،‬ويعزز‬
‫االبتكار واإلبداع‪ ،‬كما تؤثر الثقافة يف تشكيل اهلوية االجتماعية‪ ،‬والقيم‪ ،‬واملعتقدات‪ ،‬والعادات‪ ،‬والتقاليد للمجتمع‪ ،‬وتسهم‬
‫يف تكوين احلضارة‪.‬‬
‫‪ -‬التنوع االجتماعي والتعايش الثقايف‪ :‬يؤدي التنوع االجتماعي والتعايش الثقايف إىل تطور احلضارات‪ ،‬فقد تساهم التفاعالت‬
‫االجتماعية والثقافية بني جمموعات خمتلفة يف تبادل األفكار واخلربات والتكنولوجيا‪ ،‬وتعزيز االبتكار والتطور الثقايف‪.‬‬
‫‪ -‬العدالة االجتماعية‪ :‬تعزز العدالة االجتماعية واملساواة استقرار اجملتمع‪ ،‬وتساهم يف تطور احلضارات؛ إذ تضمن العدالة‬
‫االجتماعية توزيع املوارد والفرص بشكل عادل‪ ،‬وتعزز املشاركة االجتماعية والسياسية جلميع أفراد اجملتمع‪.‬‬
‫املبحث الرابع‪ :‬العوامل الدينية لقيام احلضارات‬
‫تعد العوامل الدينية أحد العوامل اليت تسهم يف قيام احلضارات‪ ،‬وقد يكون هلا دور كبري يف تكوين وتطور احلضارات‪ ،‬ومن بني العوامل‬
‫الدينية اليت تؤثر يف قيام احلضارات‪:‬‬
‫‪ -‬العقائد واملعتقدات‪ :‬تكون العقائد واملعتقدات الدينية قوة دافعة لتكوين وتطور احلضارات؛ إذ توفر العقائد الدينية اإلطار‬
‫األخالقي والروحي والفلسفي للمجتمع‪ ،‬وتعزز القيم واملبادئ اليت تسهم يف تعايش الناس والتفاعل االجتماعي البناء‪.‬‬
‫‪ -‬الشريعة والقانون‪ :‬قد تؤثر الشريعة والقوانني الدينية يف تنظيم اجملتمع وتوفري النظام واالستقرار‪ ،‬وقد تشتمل على توجيهات‬
‫دينية تنظم املعامالت االجتماعية واالقتصادية والسياسية‪ ،‬وتسهم يف بناء املؤسسات واهلياكل االجتماعية‪.‬‬
‫املبحث اخلامس‪ :‬العوامل الفكرية لقيام احلضارات‬
‫تعد العوامل الفكرية من أهم عوامل قيام احلضارات؛ إذ تتعلق ابألفكار واملفاهيم والعقليات اليت يتبناها أفراد اجملتمع‪ ،‬وتؤثر يف تكوين‬
‫وتطور احلضارات‪ ،‬ومن بني العوامل الفكرية اليت تسهم يف قيام احلضارات‪:‬‬
‫‪ -‬الفلسفة والعلم‪ :‬تكون الفلسفة والعلم قوة دافعة لتكوين وتطور احلضارات‪ ،‬إذ يشجعان التفكري النقدي‪ ،‬واالبتكار‪ ،‬والتطور‬
‫الفكري‪ ،‬ويسهمان يف تطوير املعرفة‪ ،‬والتكنولوجيا‪ ،‬والعلوم االجتماعية والثقافية‪.‬‬
‫‪ -‬الفنون واألدب‪ :‬تعرب الفنون واألدب عن التعبري اإلبداعي والفكري للمجتمع‪ ،‬وتسهم يف تعزيز التفاهم والتالقح الثقايف؛ إذ‬
‫تعزز الفنون واألدب اهلوية الثقافية‪ ،‬وتساهم يف تشكيل تصورات وأفكار اجملتمع بشأن العامل واإلنسان‪.‬‬
‫‪ -‬الثقافة والقيم‪ :‬تعكس الثقافة والقيم الرؤى واملعتقدات واألفكار السائدة يف اجملتمع؛ إذ تساهم الثقافة والقيم يف حتديد السلوك‬
‫االجتماعي واالقتصادي والسياسي‪ ،‬وتسهم يف بناء اهلوية الثقافية للمجتمع‪.‬‬
‫خامتة‪:‬‬
‫يف اخلتام‪ ،‬ميكن القول أبن قيام احلضارات اإلنسانية كان نتيجة لتداخل وتفاعل عدة عوامل أساسية‪ .‬اتريخ اإلنسانية يشهد على أتثري‬
‫هذه العوامل يف بناء احلضارات وتطورها عرب العصور‪ .‬فقد كانت البيئة واملوارد الطبيعية‪ ،‬والتكنولوجيا واالبتكار‪ ،‬والسياسة والتنظيم‬
‫االجتماعي‪ ،‬والعوامل االقتصادية‪ ،‬والثقافة والفن واألدب‪ ،‬مجيعها أتثرت بشكل كبري يف تشكيل احلضارات اإلنسانية‪.‬‬
‫مجيعا سامهت يف بناء اهلوية والثقافة والتطور االجتماعي واالقتصادي للحضارات‪ .‬ومن‬ ‫على الرغم من تنوع هذه العوامل‪ ،‬إال أهنا ً‬
‫خالل فهم هذه العوامل وأتثريها‪ ،‬ميكننا أن نفهم اجلذور واألسباب احلقيقية وراء قيام احلضارات وتطورها‪.‬‬
‫ومن الواضح أن دراسة هذه العوامل األساسية تعترب ضرورية لفهم التاريخ اإلنساين وأتثريها على احلاضر واملستقبل‪ .‬فهي تساعدان على‬
‫فهم كيف ميكن للحضارات أن تزدهر وتتطور وتتأثر ببعضها البعض‪.‬‬
‫مهما لتعزيز التعايش السلمي والتفاهم بني الثقافات املختلفة وبناء‬ ‫يف النهاية‪ ،‬يظل فهم العوامل األساسية لقيام احلضارات اإلنسانية ً‬
‫ازدهارا للجميع‪.‬‬
‫تقدما و ً‬
‫عامل أكثر ً‬
‫قائمة املراجع‪:‬‬
‫‪ .1‬ابن منظور‪ :‬لسان العرب‪1414 ،‬هـ‪ ،‬ج ‪.4،‬‬
‫‪ .2‬بدران بن احلسن‪ ،‬يف مفهوم احلضارة‪ ،‬جملة نوافذ ‪:‬اجتاهات فكرية‪ ،‬اخلميس‪25‬ديسمرب ‪.2003‬‬
‫‪ .3‬روالن بريتون‪ ،‬جغرافيا احلضارات‪ ،‬ترمجة خليل أمحد خليل‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬بريوت ابريس –الطبعة األوىل ‪1993‬‬
‫‪ .4‬صمويل هنتنجتون‪ ،‬صدام احلضارات "إعادة صنع النظام العاملي"‪ ،‬ترمجة طلعت الشايب‪ ،‬تقدمي د ‪.‬صالح قنصوه‪،‬‬
‫‪ .5‬عبد الرمحن بن حممد بن خلدون ‪:‬املقدمة‪ ،‬دار اجليل‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ .6‬مالك بن نيب‪ ،‬شروط النهضة‪ ،‬ترمجة‪ ،‬عبد الصبور شاهني‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬دمشق _ سوراي‪.1996 ،‬‬
‫‪ .7‬حممد رايض‪ ،‬اإلنسان ‪:‬دراسة يف النوع واحلضارة‪ ،‬بريوت‪.1974 ،‬‬
‫‪ .8‬ول ديورانت‪ ،‬قصة احلضارة‪ ،‬ترمجة زكي جنيب حممود‪ ،‬جلنة التأليف والرتمجة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ج‪.1‬‬

You might also like