Professional Documents
Culture Documents
إعداد
2020/2021
الوحدة األوىل
1
المبحث األول :تعريف الثقافة وبيان األلفاظ ذات ِ
الصلة.
الثقافة لغةً.
الثقافة اصطالحاً.
األلفاظ ذات ِ
الصلة بالثقافة.
ومكوناتها ،ومنها:
2
الدين.
ّ .1
ومن معانيه اللغوية :االنقياد والطاعة ،أما معناه االصطالحي فهو :وضع إلهي يرشد إلى
ّ ّ
الحق في االعتقادات وإلى الخير في السلوك والمعامالت.
وتظهر العالقة بين الدين والثقافة ،في أن الدين غالباً ما يعتبر من أبرز المعالم التي تقوم
ونظام حياتهم.
.2الحضارة والمدنية.
ِ
الحاضرة؛ أي في المدن وهي في اللغة العربية ِخالف البداوة ،وهي مأخوذة من اإلقامة في
الفني
قي العلمي و ّوالقرى واألماكن التي يكون بها االستقرار وعدم الترحال .أما اصطالحاً فهي الر
ّ
واألدبي واالجتماعي والذي ينتقل من ٍ
جيل إلى جيل في مجتمع ما.
اجتماعي معنوي ،وطابع مدني مادي ،بمعنى أنها تشتمل على الجوانب المادية والمعنوية من حياة
الحضارة لها شّقان شق معنوي فكري هو الثقافة ،وشق مادي عمراني هو المدنية ،والمدنية هي
الرقي في الجانب المادي وهي طرز العيش أسباب الرفاهية في وسائل الحياة ،و تُرى آثارها في
3
الحضارة
المدنية الثقافة
االصطالح فهو إدراك الشيء على حقيقته ،واألصول الكلية التي تبحث في موضوع واحد.
وهنا نحن بصدد بيان العالقة بين الثقافة والعلم من حيث كونه يطلق اليوم على العلوم
أما عن العالقة بين العلوم الطبيعية (العلم) والعلوم اإلنسانية (الثقافة) فهي من جانبين:
أعم وأشمل من العلم ،فهي ليست مرتبطة بجهة واحدة كالعلوم التخصصية ،بل
-الثقافة ّ
وعاطفية.
ّ وسلوكية
ّ تشتمل على أمور فكرّية
-الثقافة غالباً ما تكون خاصة بأمة معينة ،أما العلم فهو موروث إنساني عام ومشترك
بين جميع األمم والشعوب ،وال يتأثر بالعواطف ،وبخاصة إذا كان علم مادي قائم على
ِ .4
الفكر.
4
ماهية الثقافة اإلسالمية وخصائصها.
المبحث الثانيّ :
تقدم ذكره ،يمكننا القول بأن الثقافة اإلسالمية هي :مجموعة العقائد والتشريعات
بناء على ما ّ
ً
والسلوكيات ،المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية ،والتي تميز األمة اإلسالمية عن غيرها.
فمن شأن الثقافة أن تؤثر على عقلية اإلنسان ،وتوسع من مداركه وآفاقه ،وتغير طريقة
عقيدة
سلوك شعور
إن ما يبدو لنا ويؤثر علينا كبشر في تعاملنا مع أنفسنا ومع اآلخرين ّإنما هو السلوك
ّ
والذي هو في المحصلة نتيجة العقيدة التي ولدت مشاعر ،ومن ثم أثمرت المشاعر السلوكيات.
5
كثير على االستقرار النفسي وعلى السعادة بل على معتقدات جديدة
هذه السلوكيات تؤثر ًا
نتبناها ،ستكون فيما بعد بذرة لسلوكيات جديدة ،ومن هنا تظهر أهمية مالحظة السلوك وتقويمه
وبناء على تعريف الثقافة نجد أن نقطة البداية ّإنما هي العقيدة؛ فالسلوك الصحيح ّإنما هو
صحيحا.
ً سلوكا
ً ثم
صحيحا ومن ّ
ً شعور
ًا ثمرة عقيدة صحيحة وّلدت
أن هللا عز وجل هو الخالق المنعم والتفكر في نعمه وآالئه ولطفه وتدبيره و ّأنه وحده
فعقيدة ّ
بسلوكيات مثل الصالة والصيام والقيام بسائر الفرائض والنوافل ،وأي خلل في هذه السلوكيات وهذا
وصغار ال بد
ًا فمن أراد تقويم السلوك الخاطئ سواء على مستوى النفس أو األفراد ًا
كبار
من أن يخاطب فكر وعقيدة صاحب السلوك الخاطئ بشتى الوسائل ،ومن أسوأ أساليب المعالجة
فمجموع العقائد المستمدة من الدين اإلسالمي وما تولده هذه العقائد من مشاعر وسلوكيات
هو الثقافة اإلسالمية التي يحملها المسلم في هذه األرض؛ فعندما يستند اإلنسان في ثقافته ومعارفه
على الوحي الرباني يكون نموذجاً يحتذى به في تفكيره وسلوكه وطريقة تعامله مع اآلخرين.
6
ويمكن تلخيص أهداف الثقافة اإلسالمية في النقاط التالية:1
.1تقديم تصور صحيح كامل عن الحياة واإلنسان والكون ،من خالل تحديد عالقة
المادي المعاصر.
.2تكوين الشخصية المسلمة المتميزة ،وذلك من خالل إمداد المسلم وتعريفه بكل ما يتعلق
.4تحقيق وحدة وتماسك األمة اإلسالمية ،وذلك من خالل القواسم الثقافية المشتركة،
1أنظر :الثقافة اإلسالمية والتحديات الفكرية المعاصرة وحقوق اإلنسان للدكتور حسن عبد الغني أبو غدة /والثقافة اإلسالمية للدكتور
مصطفى مسلم والدكتور فتحي محمد الزغبي.
7
خصائص الثقافة اإلسالمية
تمتاز الثقافة اإلسالمية بعدة صفات تنفرد بها ولم يشاركها بها سواها ،والتي تميزها عن
محمد عن طريق الوحي ،ال فرق في هذا بين القرآن الكريم كما في قوله تعالى ِإَّنا َن ْح ُن َن َّ ْزل َنا
ظون ،2أو السنة النبوية الشريفة كما في قوله تعالى وما ي ِ ِ
نط ُق َع ِن اْل َه َو ٰى ()3 ََ َ ال ّذ ْك َر َوإَِّنا َل ُه َل َح ِاف ُ َ
وحى .3ويعد اإلعجاز القرآني بجوانبه المتعددة دليل على ربانية الثقافة اإلسالمية. ِ َّ ِ
إ ْن ُه َو إال َو ْح ٌي ُي َ
ينما تعد الثقافات األخرى إنتاجاً بشرياً وضعها البعض وطوروها آخرون وتناقلها اتباعهم
عنهم ،وأما األديان األخرى كالنصرانة واليهودية فلم تعد ربانية بعد أن ّ
حرفها أتباعها وأضافوا عليها
ثقافاتهم البشرية .فقد جاء في أسفار التوراة من األباطيل ما ال يمكن معه أن تكون كتاباً سماوياً
عما يقولون علواً كبي اًر -نزل إلى األرض ليالً فلقيه
منزالً من هللا تعالى ،فمن ذلك :أن هللا تعالى ّ -
يعقوب عليه السالم زلم يعرفه ،فتصارع معه فصرعه يعقوب ،وحاول هللا –كما ّيدعون -أن يخّلص
نفسه طوال الليل فلم يستطع ،حتى اضطر إلى الموافقة على شروط يعقوب ليتركه ،فأطلق سراحه
عن الفجر.4
أما فيما يتعلق بالنصرانية ،فيمكن االكتفاء بما جاء في توصيات المجمع المسكوني
وّ
الكنسي الثاني للفاتيكان الذي انعقد في روما ما بين عامي ،1965-1962وذلك للبحث في
2سورة الحجر
3سورة النجم
4انظر :العهد القديم ،سفر التكوين.
8
المقدس مع االكتشافات العلمية الحديثة ،وحضره 2350شخصاً ،كلهم من
مشكلة تعارض الكتاب ّ
البطالن.
وهذا إنما يدل على وجود تحريف بشري ط أر ودخل على الكتب المقدسة "التوراة واإلنجيل"،
فلم يعد كتاباً ربانياً ،ألنه يستحيل في المنطق أن يتعارض فعل الخالق مع كالمه.
والدليل الواقعي على أن القرآن لم يحدث فيه أي تغيير أو تبديل؛ فهو أن المصاحف من
يادة أو نقصاناً.
عهد عثمان إلى عهدنا ال نجد بينها اختالفاً ولو في كلمة واحدة ز ً
وصوابه في مصلحة اإلنسان قبل أي شيء آخر ،فهو من هللا خالق اإلنسان ،العليم
ومن األمثلة على صواب المنهج الرباني ومراعاته لمصلحة اإلنسان ،ما جاء فيما يتعلق
بمعالجة جريمة السرقة ،فقد وضع هللا جل جالله أساليب وقائية تتمثل في تأمين الكفاية لكل رعايا
الدولة اإلسالمية ،كذلك التربية اإليمانية التي تقي اإلنسان من الجريمة ،واإلعالن عقوبة السرقة،
أما من لم تمنعه
طّبق فيهاّ .
وقد أثبت هذا النظام الوقائي نجاحه الكبير عبر أكثر من ألف سنة ُ
األساليب الوقائية السباقة ،فقد وضع هللا جل جالله لهم عقوبة دنيوية معاقب ًة لهم ،ورادع ًة لغيرهم،
وهي قطع اليد ،عند ثبوت الجريمة ،ووقوعها بأركانها وشروطها دون ُشبهة.
9
أما المنهاج
.2العدل :الثقافة اإلسالمية عادلة ألنها مستمدة من منهج رباني عادلّ ،
البشرية فيكثر فيها الظلم؛ فاإلنسان حينما يضع القانون فإنه يراعي مصالحه ،وكل
كل حكم بغير ما انزل هللا جل جالله إنما هو حكم ظالم ،فقال تعالى َ و َمن
أن ّ
وتعالى ّ
َّللا َفأُوَٰلِئك هم َّ
الظالِ ُمو َن.5 َّل ْم َي ْح ُكم ِب َما أ َ
َ ُُ َنزَل َّ ُ
ومن األمثلة على الظلم في التشريعات؛ حق النقض "الفيتو" في مجلس األمن الدولي،
فالكلمة األخيرة دائماً للقوة ال للعدالة ،وكذلك بعض األمثلة على القوانين الداخلية األوروبية :ما
جاء في القانون البريطاني من توريث االبن األكبر كل ما يملك الميت من عقارات ،ففي هذا ظلم
لباقي األخوة ،وأيضاً العنصرية التي يعاني منها السود في العالم ،وخاصة في أوروبا وأمريكا.
.3كمال الرقابة وعدم اإلفالت من العقوبة :حين يصدر األمر من هللا عز وجل يكون
اإلفالت من العقوبة ،فيلتزم بأمر هللا ،بخالف القوانين البشرية ،وهكذا تنجح التشريعات
آمُنوا ِإَّن َما اْل َخ ْم ُر َواْل َم ْي ِس ُر ولم يحتج األمر ّإال لبضع آيات كان آخرها قوله جل جالله يا أَي َّ ِ
ين َ
ُّها الذ َ
َ َ
اجتَِنُبوهُ َل َعَّل ُك ْم تُْفلِ ُحو َن ، فكان التطبيق لألمر فورياً طِ َزالم ِر ْج ٌس ِم ْن َعم ِل َّ
6
ان َف ْ الش ْي َ َ ّ اب َو ْاأل ْ َ ُ
َنص ُ
َو ْاأل َ
في اليوم نفسه ،وتطبيقاً شامالً لم يتخّلف عنه أحد ،وبوازع إيماني داخلي.
5سورة المائدة.
6سورة المائدة
10
الخاصية الثانية :الشمول
أكبر االنحرافات أن تطبق الشريعة اإلسالمية في بعض جوانب الحياة ،وتستبدل في الجوانب
.1أنها شاملة لكل الناس على اختالف أجناسهم ولغاتهم وألوانهم وأديانهم إلى قيام الساعة،
أما اليهودية والنصرانية 7 ِ قال تعالى ُق ْل َيا أَيُّها النَّاس ِإِّني رسول َّ ِ ِ
يعا . و ّ
َّللا إَل ْي ُك ْم َجم ً َُ ُ ُ َ
.2أنها شاملة للدنيا واآلخرة ،وذلك ألن تشريعات هذا الدين في مختلف الجوانب تحقق
السعادة للمؤمن في الدنيا واآلخرة ،فالمؤمن يشعر بالسعادة لمجرد تطبيق أوامر هللا
تعالى ،وتزيد تلك السعادة عند إدراك الخير الذي يثمره التطبيق في الدنيا واآلخرة.
اإليمان والتقوى واإلخالص والتوكل والرضا والصبر وغير ذلك ،وح ّذر من أمراض قد
7سورة األعراف
8سورة األعراف
11
التي شرعها اإلسالم كالصالة والصوم وسائر عبادات المسلم لها آثار معنوية كبيرة
.4أنها شاملة لكل عالقات اإلنسان ،فتشريعات هذا الدين تنظم عالقة المسلم بربه ،ومع
نفسه ،ومع أسرته ،ومع مجتمعه على كافة المستويات ،ومع الكون بما فيه من حيوانات
ونباتات وغيرها.
التوازن في الثقافة اإلسالمية يعني إعطاء كل شيء حّقه وقدره ،وهو ال يقتضي التساوي؛
كما أن تحقيق التوازن أمر فوق قدرة البشر وطاقتهم ،ألنه أمر يحتاج إلى علم دقيق ّ
بكل
ما في الكون من إنسان وحيوان ونبات ومواد ،وهو شيء ال يقدر عليه إال هللا سبحانه وتعالى،
ومن أمثلة التوازن في خلق هللا سبحانه وتعالى نسبة خلق اليابسة إلى نسبة خلق الماء وهي
،71:29وهي نسبة غير متساوية ،لكنها نسبة متوازنة ،تحقق أفضل الظروف الستمرار الحياة
وازدهارها.
.1التوازن بين الدنيا واآلخرة ،فأعطت كالً منها ما تستحقه دون زيادة أو نقصان ،قال
ص َيب َك ِم َن ُّ
الد ْن َيا ۖ ،9فالغاية الدار ْاآل ِخرة ۖ وَال تَنس ن ِ
َ َ ََ َ َّللاُ َّ َ
اك َّ
يما آتَ َ
ِ
تعالى َ و ْابتَ ِغ ف َ
يجب أن تكون اآلخرة فقط ،أما الدنيا فهي وسيلة لآلخرة ،وال يصح أن نجعلها غاية؛
فالدنيا زائلة بينما اآلخرة باقية ال تنتهي ،ونسبة النهائي إلى الالنهائي صفر ،فنسبة
9سورة القصص
12
كل ما تريد حين ال تتعارض الدنيا
الدنيا إلى اآلخرة إذن صفر؛ لذلك خذ من الدنيا ّ
تستحّقه.
وذلك من خالل عقيدة تُقنع العقل وترتقي به ،وعبادات تغذي القلب والروح وتسعدهما،
.3التوازن في المشاعر بين الخوف من هللا جل جالله والرجاء في رحمته ،قال تعالى
11
يم ِ ِ يم (َ )49وأ َّ َ نِبئ ِعب ِادي أَِّني أ ََنا اْل َغُفور َّ ِ
اب ْاألَل ُ
َن َع َذابي ُه َو اْل َع َذ ُ الرح ُ ُ ّْ َ
.4التوازن في النظام االقتصادي بين الملكية الفردية والملكية الجماعية ،فال تطغى ملكية
الدولة كما في النظام الشيوعي ،وال تطغى الملكية الفردية على ملكية الدولة كما هو
وتركز
الحال في النظام االقتصادي الغربي الرأسمالي ،بما يصاحب ذلك من احتكار ّ
.5التوازن بين إطالق الدوافع وبين كبتها؛ فاإلنسان في الثقافة اإلسالمية ال يعيش
بحيث تسعد اإلنسان ،وتساعد في بناء المجتمع القوي السليم وال تساهم في هدمه
وتدميره.
10رواه البخاري في صحيحه ،كتاب الصوم ،باب حق الجسم في الصوم ،رقم .1975
11سورة الحجر
13
الخاصية الرابعة :اإلنسانية
العامة الخالدة
الثقافة اإلسالمية ثقافة إنسانية وذلك ألنها منتسبة إلى رسالة اإلسالم العالمية ّ
لكل الناس على اختالف أجناسهم ولغاتهم وألوانهم وأديانهم وأوطانهم إلى قيام الساعة ،قال جل
ّ
ِ الناس ِإِّني رسول َّ ِ ِ
يعا ،12فاإلسالم هو الدين الذي ختم به هللا جل
َّللا إَل ْي ُك ْم َجم ً َُ ُ ُّها َّ ُ
جالله ُق ْل َيا أَي َ
َّللاِ ِْ
اإل ْس َال ُم ،13وقال جل ين ِع ْن َد َّ ِ
جالله األديان السماوية ونسخها به ،قال جل جالله ِإ َّن ّ
الد َ
اإلس َال ِم ِدينا َفَلن يْقبل ِم ْنه وهو ِفي ْاآل ِخ ِرة ِمن اْلخ ِ
اس ِري َن.14 ِ
َ َ َ ً ْ ُ َ َ ُ َ َُ جالله َ و َم ْن َي ْبتَ ِغ َغ ْي َر ْ ْ
ان َما َل ْم َي ْعَل ْم ،15فاإلسالم وحده من بين سائر األديان َّالِذي َعَّلم ِباْلَقَل ِم (َ )4عَّلم ِْ
اإل ْن َس َ َ َ
غيره.
12سورة األعراف
13سورة آل عمران
14سورة آل عمران
15سورة العلق
16سورة األنعام
14
ثانيا ،قال جل
بالحق والعمل الصالح ً
ّ وكرمه من حيث هو إنسان ّأوًال ،ومن حيث التزامه
ّ
وبا َوَق َب ِائ َل لِتَ َع َارُفوا ۚ ِإ َّن أَ ْك َرَم ُك ْم ِع ْن َد اك ْم ِم ْن َذ َك ٍر َوأ ُْنثَ ٰى َو َج َعْل َن ُ
اك ْم ُش ُع ً اس ِإَّنا َخَلْق َن ُ ُّها َّ
الن ُ جالله َ يا أَي َ
شعوبا وقبائل ّإنما هو للتعارف والتعاون ،وليس للتفاضل ،فالتفاضل يكون بالتقوى واإليمان والعمل
ً
أال ال فضل لعربي على عجمي ،وال لعجمي على عربي ،وال ألحمر على أسود ،وال ألسود على
سجل القرآن الكريم عقيدة اليهود والنصارى في كونهم أبناء هللا وبأنهم
أحمر ّإال بالتقوى" ،وقد ّ
18
ِ
ود يتفوقون على غيرهم من البشر ،وناقشهم فيها ّ
ورد عليهم ،قال جل جالله َ وَقاَلت اْل َي ُه ُ بذلك ّ
ُي َعِّذُب ُك ْم ِب ُذُنوبِ ُك ْم ۖ َب ْل أَ ْنتُ ْم َب َشٌر ِم َّم ْن َخَل َق َّاؤهُ ۚ ُق ْل َفلِ َم النصار ٰى َنحن أَب َناء َّ ِ ِ
َّ
َّللا َوأَحب ُ َو َ َ ْ ُ ْ ُ
.2المساواة بين الناس أمام الشريعة اإلسالمية ،فال أحد فوق قانون الشريعة مهما بلغت
منزلته ،فقد كان الخلفاء يقفون أمام القضاء على قدم المساواة مع غيرهم ،واألمثلة على
أن عمر حكم لرجل غير مسلم على ابن عمرو بن العاص
المساواة كثيرة :منها ّ
أمهاتهم
أمير مصر ،وقال الكلمة المشهورة :يا عمرو! متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم ّ
أحرًارا؟.
.3كفالة حقوق اإلنسان جميعها بأنواعها المختلفة؛ فهناك حقوق شخصية وبدنية ومعيشية،
17سورة الحجرات
18رواه أحمد في مسنده رق .23489
15
شرع له من الحقوق والتشريعات ما يسعده ،وح ّرم ّ
كل ما ُيلحق الضرر باإلنسان، فقد ّ
ومن هذه الحقوق :حق الحياة وسالمة البدن والعقل والعرض ،وحق اإلنسان في الحرية،
وحقه في االعتقاد والعبادة والفكر ،والحق في التملك والعمل ،والزواج وتكوين األسرة.
وهذه الحقوق وغيرها ليست متطابقة مع الميثاق العالمي لحقوق اإلنسان الذي أقرته
األمم المتحدة في حوالي منتصف القرن العشرين ،وإنما تختلف معه في بعض الجوانب،
وبخاصة في مجال الحريات المتعلقة بالدين واألخالق؛ كحرية الردة ،وحرية فعل المحرمات
كما أن هذا اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان اشتمل على عدة أمور سلبية ،منها:
إن الباعث على فكرة حقوق اإلنسان في الفكر األوروبي هو مواجهة السلطة السياسية
ّ .1
الكنسية المستبدة وحدها ،ألنها كانت تتحكم في مصير الشعب بحجة التفويض اإللهي
من طغيان السلطة ورجال الكنيسة ،ولم تمتد هذه الفكرة آنذاك لتشمل بالحماية الشعوب
ركز الميثاق العالمي لحقوق اإلنسان على حقوق اإلنسان على المستوى الدولي
ّ .3
الغربية.
16
الخاصية الخامسة :الواقعية
الثقافة اإلسالمية واقعية ومعنى ذلك ّأنها تتعامل مع الواقع لالرتقاء به إلى المستويات
الممكنة وبالوسائل المناسبة ،فهي تتعامل مع الحقائق الموجودة في الكون وفي اإلنسان ،بحيث ال
االلتزام بها.
عليه ،وأباح له كل الطيبات من مأكل ومشرب وملبس وزينة من غير إسراف ،ولم
معينة
وحرم النظر إلى الجنس اآلخر ّإال في حاالت ّ
يجر إلى الكثير المسكرّ ،
ُيسكر ّ
تقدر بقدرها.
ّ
.4مراعاة حاالت الضرورة ،ومن هنا جاءت القاعدة المعروفة (الضرورات تبيح
المحظورات).
19سورة البقرة
17
الخاصية السادسة :اإليجابية
الثقافة اإلسالمية توجب إعمار األرض ،وتوجب اإلصالح في كافة مجاالت الحياة ،وتوجب
المنورة واجبة
الحق والخير؛ ولذلك كانت الهجرة النبوية إلى المدينة ّ
ّ .2وجوب إقامة دولة
ونساء.
ً جاال
كل القادرين ر ً
على ّ
.3وجوب الجهاد في سبيل هللا جل جالله؛ وقد فرض هللا على المسلمين أن ال يقفوا
المرجوة
ّ يتوكل في تحقيق النتيجة
ثم ّ كل األسباب الممكنةّ ،
وذلك بأن يتّخذ اإلنسان ّ
على هللا جل جالله ،فقد كانت سيرة رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كّلها عمل وجهاد
20سورة آل عمران
21سورة البقرة
18
قدم للبشرية وتفكير وتخطيط ،فلم ِ
يكتف اإلسالم بالدعوة إلى اإلصالح والتغيير ،و ّإنما ّ
19
المبحث الثالث :عالقة الثقافة اإلسالمية بغيرها ودورها في التقدم
-التعددية الثقافية.
إن التعددية في األلوان واألجناس واللغات ،وفي القبائل واألمم والشعوب ،بل وفي الشرائع
ّ
ولقد ّبين القرآن الكريم بكل وضوح أن إرادة هللا تعالى ومشيئته اقتضت أال يكون ّ
الناس
أن الطبيعة التي خلقهم عليها تحمل في ثناياها أسباب الخالف والتنوع والتعددية ،في
أمة واحدة ،و ّ
ُم ًة و ِ
اح َد ًة ۖ َوَال َي َازُلو َن ُّك َل َج َع َل َّ ق
اس أ َّ َ
الن َ اء َرب َ
األفهام وطر التفكير والقناعات ،قال تعالى َ وَل ْو َش َ
ين .22وقد راعى اإلسالم هذه الفروقات بين األمم ،فجعل لكل منها شريعتها الخاصة ومنهجها ِِ
ُم ْخَتلف َ
الخاص ،رغم وحدة األنبياء وإجماعهم على مبدأ التوحيد والعبودية هلل تعالى.
-التعايش الثقافي.
أصبح العالم اليوم في ظل ثورة المعلومات واالتصاالت قرية صغيرة ،يستمع أهلها إلى
أفكار بعضهم ،ويطلعون على ثقافات غيرهم شاؤوا أم أبوا ،وهكذا أصبح التعايش الثقافي حقيقة
بصحة دين
ّ ولكنه ال يعني اإلقرار
.1التعايش يعني االعتراف باآلخر ،وبحقوقهّ ،
22سورة هود
20
هام للدعوة إلى
طالع على ثقافات اآلخرين لمحاورتهم مطلوب شرعي ،وطريق ّ
.2اال ّ
هللا تعالى.
.3الحوار بالتي هي أحسن هو األصل في العالقة بين الثقافات ،مهما كانت مختلفة،
ِ
وجعل القرآن الكريم القاعدة في الحوار مع اآلخرين قوله جل جالله َ ال ِإ ْك َرَاه ِفي ّ
الد ِ
ين
أما الحقائق العلمية والعقلية في الثقافات األخرى فال تعارض بينها وبين
العلمية ،و ّ
اإلسالم.
.5أن نجري التعديالت الالزمة على ما يتعارض جز ًئيا مع ثقافتنا ،كما في أساليب
اّللباس والطعام والرياضة والحياة ،وعليه فيمكننا أن نفيد من ثقافات اآلخرين بعد
المتنوعة.
ّ والتعايش مع الثقافات
التقدم والتخّلف شيء نسبي؛ يمكن أن يوصف به األفراد أو األمم ،فالتقدم ّإنما يكون قياسه
ّ
التأخر.
بالنسبة لآلخرين ،وكذلك التخّلف أو ّ
21
التقدم والتخّلف في الجانبين اإلنساني والمادي؟ ،بمعنى
يسأل البعض :هل هناك تالزم بين ّ
قطعا متخّلفة
ماديا هي ً
األمة المتخّلفة ً
إنسانيا؟ وهل ّ
ً متقدمة
قطعا ّ
ماديا هي ً
المتقدمة ً
ّ األمة
هل ّ
ثقافيا؟.
إنسانيا أو ً
ً
قطعا قوي والجواب عن ذلك هو كالجواب عن السؤال التالي :هل الفرد القوي ً
ماديا هو ً
خلقيا؟
ً
يكون صاحب خلق وضيع ،وكذلك اإلنسان المريض أو الفقير يمكن أن يكون ذا خلق رفيع ،أو ذا
إنسانيا؛ فال تالزم بين الجانبين ،وفي هذا السياق تُسمع كثير
ً ماديا أن تكون ّ
متقدمة لألمة المتخّلفة ً
ّ
تخّلف عقيدتنا وديننا وثقافتنا ،وانطلت الحيلة على كثير من المسلمين ،وظنوا ّأنه ال مجال للتقّدم
غيرنا ثقافتنا وديننا ،وليس ذلك من الحقيقة في شيء؛ فهذه األمم المادية تعيش في
المادي إال إذا ّ
ثقافات مختلفة ،بعضها مادي كالغرب ،وبعضها وثني متخّلف كاليابان ،وقد وصلوا إلى مستويات
التقدم
التقدم المادي لم يساهم في ّ
أن هذا ّ
جدا على الصعيد المادي ،أضف إلى ذلك ّ
متقدمة ً
ّ
وكثرة األمراض النفسية ،واالنتحار ،والتفكك األسري ،والتمييز العنصري ،واستعمار الشعوب ،ونهب
22
متقدمة في الجانبين اإلنساني والمادي ،وال
متقدمة ّإال إذا كانت ّ
األمة ّ
تسمى ّ
يصح أن ّ
ّ فال
ومتقدمة في
ّ أما إذا كانت متخّلفة في جانب،
تسمى متخّلفة إالّ إذا كانت متخّلفة في الجانبينّ ،
ّ
وسلوكا،
ً تصوًار
ظل اإلسالمّ ،
التقدم الشامل في الجانبين لم يحدث في التاريخ ّإال في ّ
وهذا ّ
.1العقيدة الصحيحة ،التي تزيل الحيرة والشك من نفس اإلنسان ،وتؤمن باآلخرة لتحقق
األمة.
العدالة في األرض ،تتحول إلى مشاعر وسلوك بالقدر الذي يكفي لتقدم ّ
.2القيم الصحيحة ،قد تكون نابعة من دين رّباني ،أو من قناعات ،وقد جاء اإلسالم ّ
بكل
وهي من الواجبات على الحاكم حتى لو كان رسوًال تنفي ًذا ألمر هللا َ و َش ِاوْرُه ْم ِفي
.4االستقرار ،ال يمكن أن يحدث االستقرار إال في ظل العدالة ،التي لن تسود إال في ظل
يعبر فيها اإلنسان عما يريد دون بطش أو تزوير ،كما قال عمر
الحرية الحقيقية التي ّ
بن الخطاب رضي هللا عنه :متّى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرًارا.
.5استثمار الطاقات البشرية والمادية :تدريب األيدي العاملة واستثمار طاقاتها ،واالستفادة
السماو ِ
ات َو َما ِفي ِ
َّللاَ َس َّخ َر َل ُكم َّما في َّ َ َ من الكون وما فيه ،قال تعالى أََل ْم تَ َرْوا أ َّ
َن َّ
اب ُّمِن ٍ
ير. ُهًدى وَال ِكتَ ٍ
َ
23
.6اغتنام الوقت :الذي يضيع وقته ،يضيع حياته من حيث يدري أو ال يدري ،قال رسول
سقمك ،وغناك قبل فقرك ،وفراغك قبل شغلك ،وحياتك قبل موتك).
األمة بحاجة أكثر إلى تخصص معين كان أجره أعظم ،وهذا حافز ديني وعلى الدولة أن تضع
األمة.
التخصص في كل ما تحتاجه ّ
ّ تشجع الناس به على
من الحوافز المادية والمعنوية ما ّ
24
الوحدة الثانية
25
المبحث األول :القرآن الكريم
القرآن الكريم وهذا اسمه الرئيس ،ويسمى الكتاب ،وهما أشهر اسمين ،وهذه إشارة إلى حفظ
هذا الكالم في طريقتين ،في الصدور حفظاً وقراءة ،يشير إلى هذا المعنى اسم القرآن ،وفي السطور
كتابة ،ويشير إلى هذا المعنى اسم الكتاب ،وصدق هللا العظيم ِإَّنا َن ْح ُن َن َّ ْزل َنا الِّذ ْك َر َوِإَّنا َل ُه
َل َح ِاف ُ
ظو َن.
القرآن الكريم هو :كالم هللا المعجز ،المتعبد بتالوته ،المنزل على سيدنا محمد ﷺ ،المنقول
المعجز :الذي أراده هللا عز وجل المعجزة األولى لنبيه محمد ﷺ ،والوجه الرئيس الذي
كان به التحدي والذي يشمل القرآن كله هو الوجه البالغي (البياني) في نظم القرآن ولغته ،فالقوم
كانوا أهل فصاحة وبيان ،ومن هنا تحداهم هللا بأن يأتوا أوالً بمثله ،ثم تدرج معهم حتى تحداهم أخي اًر
بأن يأتوا بسورة من مثله ،وهذا يخرج الكتب السماوية األخرى ،ألنها ليست معجزة.
المتعبد بتالوته :أي أن مجرد تالوة القرآن عبادة ،حتى لو كان بدون فهم ،كما هو حال
26
ولتالوة القرآن الكريم فضائل أهمها:
ول ٍ .1أن بكل حرف حسنة ،والحسنة بعشر أمثالها ،عن عبد َّ ِ
ال َرُس ُ
َّللا ْبن َم ْس ُعود ،قالَ :ق َ َْ ّ
.3أنه يرفع من منزلة صاحبه ،عن عبد هللا بن عمرو رضي هللا عنهما قال :قال رسول
َّللاِ ﷺ:
رسول َّ
ُ قال
َّللا عنها قاَل ْتَ :
.4أنه الماهر به مع المالئكة ،وعن عائشة رضي َّ
َجران" وهو ِ
اق َل ُه أ ْ
عليه َش ٌّ َُ
المنزل :أي على قلب النبيﷺ ،وهذا يفرق بين كالم هللا المنزل وغير المنزل ،فلم ينزل كل
23رواه الترمذي
24رواه مسلم
25رواه الترمذي وأبو داود
26سورة الكهف
27
ِ .2تثبيت قلب النبي ﷺ وصحبه ،قال تعالى وَق َّ ِ
ين َكَف ُروا َل ْوَال ُن ِّزَل َعَل ْيه اْلُق ْر ُ
آن ُج ْمَل ًة ال الذ َ
َ َ
اح َد ًة ۚ َك َٰذلِ َك لُِنثَِّب َت ِب ِه ُف َؤ َاد َك ،27وذلك لتحقيق التأييد المستمر لشخص النبي الكريم
وِ
َ
.3التدرج في تربية هذه األمة على أفضل صورة ،حيث كان نزول القرآن طيلة هذه المدة
المنقول بالتواتر :وهو الخبر الذي ينقله جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب ،أو وقوعهم في
الخطأ ،عن جمع مثله ،من أول السند إلى منتهاه ،هذا إضافة إلى الكتابة التي كانت مع نزوله
حين اتخذ النبي ﷺ كتاباً للوحي ،فتم توثيق النص حفظاً في الصدور وكتابة في السطور.
المكتوب في المصاحف :إشارة إلى ما كان زمن عثمان بن عفان رضي هللا عنه.
الوحي كلمة تدل على :اإلعالم بخفة وسرعة ،وتدل على الشيء الموحى به ،والوحي أعم
من القرآن فقد أوحي إلى أنبياء قبل النبي صلى هللا عليه وسّلم ولم ُيطلق على ما أوحي إليهم قرًآنا؛
والحديث وحي ،فمعناه من هللا ولفظه من النبي ﷺ ،ففي الحديث "أال إنني أوتيت القرآن
ومثله معه" ،فالقرآن هو كتاب الهداية العام ،وجاءت السنة لتبينه وتفسره.
27سورة الفرقان
28
عالقة القرآن بالكتب السماوية
يعتقد كل مسلم جازماً أن هللا سبحانه وتعالى أنزل كتباً على بعض أنبيائه كما أخبر القرآن،
ونحن مطالبون بأن نؤمن بها ،ولكن هللا أخبرنا بأنها حرفت ،قال تعالى ُ ي َح ِّرُفو َن اْل َكلِ َم َعن
اض ِع ِه28
َّمو ِ
َ
والمسلم حين يعتقد هذا فإنه يعتز بدينه ،ويحترم أصول الديانات األخرى ،ويلتزم بأمر ربه،
تاريخ القرآن
لم يلق كتاب من الكتب العناية والرعاية ما لقيه القرآن الكرين ،فهو آخر كتاب أنزل على
آخر نبي ليبلغ آخر رسالة إلى العالمين كافة ،فاّلل سبحانه وتعالى تكفل بحفظه حيث قال ِ إَّنا
عالمية وإنما كانت خاصة بهم ،مؤقتة إلى حين مبعث رسول آخر.
مر القرآن الكريم في تاريخه بمراحل ثالث؛ مرحلة كتابة ومرحلة جمع ومرحلة نسخ،
وقد ّ
ويمكن تلخيص مراحل الكتابة األولى في زمن النبي في النقاط التالية.
.1كان النبي ﷺ يملي كل ما يوحى إليه على كتّاب ُسموا بكتاب الوحي.
28سورة المائدة
29سورة اإلسراء
30سورة الحجر
29
ُ .2كِتب القرآن على ما تيسر من الكتابة حينئذ ،كالحجارة الرقيقة ،والجلود ،والخشب،
والعظام الرقيقة وسعف النخيل ،وكان أكثر من واحد يكتب النص ،ويحتفظ به عنده،
ُ .3كِتب القرآن كله ،وكان مرتب اآليات ،حيث كان النبي ﷺ يأمرهم بتحديد موضع كل
.4لم يجمع النبي ﷺ القرآن قبل وفاته بين دفتي كتاب ،لتعذر ذلك بسبب وسائل الكتابة،
ثم إن القرآن كان ما زال يتنزل ،ولم يكن ترتيبه وفق نزوله كما هو معلوم ومشهور،
في زمن أبي بكر حدثت حروب الردة التي ُقتل عدد كبير من الصحابة الكرام ،منهم
القراء والحفاظ ،وهذا أمر تنبه له عمر بن الخطاب ،حيث ذهب إلى أبي بكر وطلب منه جمع
القرآن الكريم ،خشية أن يذهب منه شيء ،وفي البداية رفض أبو بكر هذا الطلب وقال " :كيف
أفعل شيئاً لم يفعله رسول هللا ،"!ولكن عمر ّبين أهميته وأنه خير ،فشرح هللا صدر أبي بكر
لذلك ،وطلب من زيد بن ثابت أن يقوم بالمهمة ،وقال له أبو بكر :إنك شاب عاقل ال نتهمك،
وكنت تكتب الوحي لرسول هللا ،وإني أرى أن تجمع القرآن ،وكان رد زيد في البداية كرد أبي
بكر ،ولكن هللا شرح صدره لذلك ،وقال فيما قال " :وهللا لو كلفوني نقل جبل من الجبال لكان أهون
30
.2اتفقوا ّأال ُيقبل شيء إال إذا توفر فيه شرطان هما:
بشاهد ْين يشهدان على أن هذا النص مكتوب بحضرة النبي ﷺ.
َ أن يأتي الصحابي
ظ عند الصحابة.
المكتوب المحفو َ
ُ أن يوافق
.4بقي المصحف عند أبي بكر ،ثم عند عمر ،ثم عند َحفصة بنت عمر ،أم المؤمنين
اللحن ،وأدى هذا إلى أن يلحن بعضهم بقراءة القرآن الكريم ،فأدى إلى أن يختلفوا بالقراءة ،وسمع
بهذا الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان ،وكان في فتح أرمينية وأذربيجان ،وسمع بنفسه نزاع بعض
المسلمين في القراءة ،ونقل هذا األمر إلى الخليفة فور عودته ،واستشار عثمان الصحابة واستقر
ُ .1شكلت لجنة على رأسها زيد بن ثابت ،مهمتها نسخ القرآن في صحف ،وإرسال هذه
.2أحضر عثمان المصحف الموجود عند َحفصة ليكون األصل في عملية النسخ.
ُ .3كتبت مجموعة من المصاحف ،اختلف في عددها ولكنها على األقل ستة ،أُرسلت
31
.4أرسل الخليفة مع كل مصحف قارئاً أو أكثر من الصحابة أو من كبار التابعين ،ليكون
المرجع في ضبط النص المكتوب في المصحف المرسل إليهم ،فمن المعلوم أنه لم
.5أمر الخليفة بما سوى هذه المصاحف أن ُيحرق ،وبهذا توحدت الدولة اإلسالمية وزال
32
موضوعات القرآن
القرآن الكريم هو مصدر الثقافة اإلسالمية لمعظم أسسها وتشريعاتها ،فهو األصل الذي
موضوعات القرآن الرئيسة :يمكننا تقسيم القرآن من حيث موضوعاته إلى ثالثة أقسام رئيسة
المكي من القرآن على موضوع اإليمان ،إذ ُيعد اإليمان األساس للبناء ،وقد
يركز القسم ّ
الناس إلى اإلسالم نزل الحالل والحرام ،ولو نزل أول ما نزل ال تشربوا
النار ،حتى إذا ثاب ّ
الجنة و ّ
ّ
الخمر لقالوا ال ندعُ الخمر أبداً ،ولو نزل ال تزنوا لقالوا ال ندعُ الزنا أبداً ".
ومن القضايا الكبيرة في آيات العقيدة إثبات وجود هللا تعالى ووحدانيته من خالل آيات
هللا في الكون ،ووظيفة اإلنسان في الحياة ،وأن حق التشريع هلل وحده ،والموت والبعث والجنة.
المفاسد عنهم ،وأنها جاءت لتحل لهم الطيبات وتحرم الخبائث ،فمثل هذه القواعد ذكرت
33
.2اآليات المتحدثة عن تشريع العبادات ،وهي التي تبين عالقة اإلنسان بربه ،كأركان اإلسالم
وغيرها مما يتقرب به العبد إلى هللا من مناسك وذكر ،وقد جاءت معظم آيات هذا القسم
مجملة لكونها أمور عملية ،وقد طبقها الرسول ﷺ حتى ال يساء فهمها.
.3اآليات المتحدثة عن تشريع المعامالت ،وهي أكثر ذك اًر وتفصيالً ،وهي المعنية بتنظيم
عالقة الفرد بغيره ،وتنظيم المجتمع ،وعالقات أفراده ،وعالقته بغيره من المجتمعات والدول،
وتبدأ هذه التشريعات من األسرة ،حيث حقوق الطفل وأحكام الرضاعة والحضانة ،ثم أمور
الزواج والحقوق المترتبة عليه للزوجين واألبناء ،ثم حقوق األقارب والجيران وأفراد المجتمع،
.4اآليات المتحدثة عن تشريع العقوبات ،وهي األحكام التي شرعت لضمان أمن المجتمع
وحفظ هيبته ،حتى يكون االستقرار والرخاء ،وهذا من واقعية اإلسالم ،حيث يفترض وجود
تشكل األخالق منظومة متكاملة في ديننا اإلسالمي ،وقد قال النبي ﷺ " إنما بعثت
األخالق تؤكدها كذلك آيات العقيدة والعبادات والمعامالت بشكل عام ،حيث إن ما شرعه
متسقة مع التكريم اإللهي لإلنسان ،ومن األمثلة على آيات األخالق في القرآن الكريم،
اآليات الواردة في سورة الحجرات ،فدعت إلى كثير من أمهات األخالق والفضائل واآلداب،
إن بعض العلماء أطلق عليها سورة اآلداب اإلسالمية لعظم اآلداب الواردة فيها ،ال
بل ّ
34
اإلعجاز القرآني
اصطالحا :هي أمر خارق للعادة يدل على تصديق هللا تعالى ّ
للمدعي في دعواه ً والمعجزة
الرسالة .ومعجزة النبي محمد ﷺ هي القرآن الكريم الذي كان على أعلى درجات الفصاحة والبالغة
مر األزمنة
ومعجزة النبي ﷺ عقلية ،وسبب كونها عقلية ّانها معجزة عامة باقية خالدة على ّ
إلى النظم ،ويطلق عليه أحياناً اإلعجاز اللغوي أو البالغي أو اللفظي ،فالقرآن بنظمه وكلماته
استطاعوا.
وأصدقه ،فاختيار الكلمة في موضع دون آخرواختيار الكلمة دون غيرها من إعجاز القرآن الكريم.
مسدها.
ّ
35
أن لفظ "عمل" يستعمل لما يمتد
فإن بينهما فروًقا ،منهاّ :
فمن ذلك كلمتا الفعل والعملّ ،
زمانه ،ولفظة فعل على العكس من ذلك ،فهو لما يكون دفعة واحدة.
ومن إعجاز القرآن البياني واللفظي احتواؤه على تلك الكلمات الرائعة بإيقاعها ،واختيار
الجملة بتركيبها العجيب المتغير المتنوع ،وفق أساليب العرب وبأروع عرض ،ويمكن أن تدرج فيه
ذلك التناسق والتماسك ،فالقرآن وحدة واحدة رغم نزوله مفرقاً ،فيشهد بعضه لبعض في صدقه وأنه
كالم رب العالمين.
ونعني به اشتمال القرآن الكريم على تشريعات دقيقة وشاملة وواقعية ومتزنة ،نظمت
عالقات الفرد بنفسه وبغيره وبخالقه ،والتي عالجت أحواله كلها ،والتي تعجز البشرية على أن تحيط
بها.
.2النظام االقتصادي الذي شهد العالم أنه أكثر نظام اقتصادي أماناً ،وبعداً عن دورات
36
.3تشريع العقوبات والتي تبدو شديدة من ظاهرها ،لكنها رحمة لإلنسان ،وأمن للمجتمع.
يمكننا تقسيم األمور الغيبية إلى قسمين رئيسين ،ففي بعض آيات القرآن حديث عن هذين
النوعين من األخبار التي لم يشاهدها الرسول ﷺ ،وتحديد ذلك بهذه الدقة والتفاصيل واألرقام هو
ٍ
ماض لم يعاصره النبي ﷺ أو يشاهده ،مثل َك ْشف القرآن الكريم عن عقيدة اتخاذ .1غيب
"العزير" ابناً هلل -تعالى عما يقولون -عند اليهود ،ولم تكن هذه العقيدة معروفة
عندهم في التوراة التي لديهم قبل أن ينزل بها القرآن ،وكذلك األمر بالنسبة إلخبار
وم (ِ )2في أ َْد َنى .2غيب مستقبلي لم تقع أحداثه بعد ،ومن أمثلته قوله تعالى ُ غلِ َب ِت ُّ
الر ُ
ِِ ِ ِ ِ ِ
ين ،حيث تم تحديد كلمة ض َو ُه ْم م ْن َب ْعد َغَلِب ِه ْم َس َي ْغلُبو َن ( )3في ِب ْ
ض ِع سن َ ْاأل َْر ِ
"ِب ْ
ضع" التي تعني من ( ،)9-3وفعالً كان هذا بعد سبع سنين .وقوله تعالى َ سُي ْه َزُم
ففي القرآن الكريم آيات كثيرة تتحدث عن قضايا دقيقة ما كان يعرفها سيدنا محمد ﷺ وال
قومه وال أهل عصره ،والسؤال هنا :من أعلم محمدا ﷺ بهذه األمور ولم يكتشفها العلم الحديث إال
القلوب والعقول ومن ذلك هذه اإلشارت العلمية التي أشار إليها القرآن الكريم.
37
ومن آيات اإلعجاز العلمي ،اآليات التي تتحدث عن خلق اإلنسان ومراحل خلقه ،وبعض
الدقائق الخاصة باإلنسان كالجلد والبنان ،وتتحدث عن الكون وسعته ،وأصله وطبيعته ،وعن تكوين
.1عدم التعارض.
فمن بين أكثر من ألف آية تتحدث عن الكون بأرضه وسمائه ونجومه وكواكبه وعن
اإلنسان ،ال نجد حقيقة إسالمية واحدة تتعارض مع حقيقة علمية ،ذلك أن الذي خلق
الكون هو نفسه الذي أنزل القرآن الكريم ،فال يمكن أن بينهما تعارض.
فمن ذلك وصف القرآن الكريم لمراحل تكوين الجنين في رحم أمه في مواضع
ض َغ َة
ض َغ ًة َف َخَلْق َنا اْل ُم ْ
طَف َة َعَلَق ًة َف َخَلْق َنا اْل َعَلَق َة ُم ْ
الن ْ طَف ًة ِفي َق َرٍار َّم ِك ٍ
ين ( )13ثُ َّم َخَلْق َنا ُّ ُن ْ
لم يتوصل لها بهذه الدقة إال بعد تطور وسائل التصوير وتقدمها.
السبق العلمي .أي أن يسبق القرآن الكريم العلم في إثبات قضية علمية مما لم يعلمه
َّ .2
الناس زمن النبي ﷺ ،ثم يأتي العلم باكتشاف ذلك بعد قرون طويلة ،فما هذا إال دليل
38
ال أ َْوتَادا ِ
-قال تعالى َ واْلج َب َ
خلق هللا تعالى الجبال لتقوم بتثبيت األرض أثناء دورانها السريع حول نفسها ،وهذه هي
وظيفتها ،ولذلك جعل هللا تعالى لها جذو اًر في أعماق األرض ،فأكثر طول الجبل يقع تحت سطح
األرض ،وجزء صغير منه فوق سطح األرض ،وهذا شكل الوتد ،وهو ما لم يكن يعرفه العلماء
هذه اآلية تتحدث عن أعماق المحيطات ،وهو مكان لم يكن اإلنسان يعلم عنه شيئاً ،حيث
أكثر من ذلك نفذ من رئتيه األكسجين ،وبدأت خاليا الدماغ بالموت ،ثم يموت ،كما أن األوعية
الدموية الدقيقة تبدأ باالنفجار نتيجة الضغط الهائل للماء عليها ،إذن ال يمكن إلنسان أن يكون
ولكننا نجد في القرآن الكريم وصفاً لشيء موجود على عمق مئات األمتار في أماكن لم
يتمكن البشر من وصولها زمن النبي محمد صلى هللا عليه وسّلم ،فهذه اآلية تبين أن هناك موجين:
موج سطحي ،وهذا يراه الناس ويعرفونه ،وموج عميق وهذا لم يره اإلنسان ولم يكتشفه العلماء إال
ّ
في حوالي منتصف القرن العشرين ،ويبين القرآن أنه تحت هذا الموج العميق ظالم دامس بحيث
34سجلت حاالت لغواصين يتحملون مسافات أعمق بدون وسائل الغوص ،لكن معظم الغواصين المحترفين لم يتجاوزوا عمق 120
مترا.
ً
39
.3اإلعجاز العلمي التشريعي .فقد أوجب هللا علينا واجبات ،وحرم محرمات ،ولم يكن
األطباء يعلمون الحكمة الطبية في ذلك ،حتى بدأ العلم الحديث يكشف عن حكم علمية
تدل على إعجاز علمي في المجال التشريعي ،ومن األمثلة على ذلك:
-الصالة ،فقد أصبح معلوماً عند المتخصصين اليوم أن الصالة إذا أديت بشكل صحيح
-الصوم ،فقد ُكِتبت أبحاث ودراسات في فوائد الصوم لصحة اإلنسان جسدياً ونفسياً
وعصبياً ،ومنها أنه يخلص الجسم من كثير من المواد الضارة المتراكمة فيه.
-تحريم الخمر ،فقد أصبح معلوماً أن الخمر تسبب العديد من األمراض ،كتليُّف الكبد،
40
المصدر الثاني :السنة النبوية.
معنى السّنة.
قية. ِ
لقية أو ُخلُ ّ
السنة هي ما أضيف للنبي من قول ،أو فعل ،أو تقرير ،أو صفة خ ّ
ّ
الفعلية ،ما رواه ابن عباس قال "كان رسول هللا أجود الناس ،وكان أجود
ّ السنة
-ومثال ّ
في الجاهلية".
لقية ،ما رواه أنس بن مالك في صفته ،قال "كان َرْبعة من القوم، ِ
-ومثال الصفات الخ ّ
تعد السنة جزءاً من الوحي المنزل على الرسول ،حيث تمثل مع القرآن الكريم مجمل
ما بعث به من الهدى والعلم ،لذلك فإن الوحي ال يقتصر معناه على ما ورد في القرآن الكريم،
-قول النبي " أال إني أوتيت الكتاب ومثله معه " .
41
.1اإلعجاز العلمي والغيبي في الحديث الشريف ،فهو دليل آخر على أنه وحي ،ألن ذلك
فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظمها" .35يؤكد العلماء أن عمر الـ 42
يوما وما بعده هو حد فاصل بيين المرحلة التي يكون الجنين فيها غير مميز ،والمرحلة
ً
التي يأخذ الجنين فيها شكله البشري ،حيث تبدأ العين واألذن بالتطور بسرعة مذهلة.
وهذا الحديث يشهد على صدق نبينا ،بل إن المرء يعجب من من دقته ،وكأنه
ينظر عبر جهاز تصوير دقيق ويحدد الليلة 42لتميز الجنين البشري ،ولم يقرر العلماء
أيضا
هذه الحقيقة إال في دراسات معاصرة ،فما هذا إال دليل على أن السنة النبوية هي ً
اقتضى أمر هللا أن يكون بيان القرآن وتفصيل ما فيه إلى الرسول ،قال تعالى َ وأ َ ْ
َنزل َنا
العامة لألحكام
ولو نظرنا إلى كل من القرآن والسنة ،لوجدنا أن القرآن يشتمل على األصول ّ
الشرعية ،من غير تعرض إلى تفصيلها جميعاً ،ونجد أن أسلوبه أسلوب إجمالي في الغالب ،ال
ّ
يمكن الوقوف منه على مراد هللا تعالى إال ببيان الرسول ،بقوله أو فعله أو إق ارره.
35رواه مسلم.
42
.1تفصيل المجمل :أمر هللا تعالى بإقام الصالة في آيات كثيرة ،دون تفصيل ،فجاءت السنة
وبينت أوقاتها ،وأركانها ،وعدد ركعاتها ،وكان بيان ذلك بقول الرسول وفعله.
العضو من الكتف إلى رؤوس األصابع ،فكان تقييدها بفعله ،حيث بين عملياً أن القطع
يكون من الرسغ.
.3تخصيص العام :ومثال ذلك أن الصحابة حملوا الظلم في قوله تعالى والذين آمنوا ولم
يلبسوا إيمانهم بظلم على المعنى العام ،فقالوا :يا رسول هللا أينا ال يظلم نفسه؟ فقال ليس
يم. ِ
ظْل ٌم َعظ ٌ اّللِ ۖ ِإ َّن ِّ
الش ْر َك َل ُ ِب َّ
.4اإلضافة :فقد جاءت السنة النبوية بأمور لم تذكر في القرآن الكريم ،كتحريم الجمع بين
.5التأكيد ،ومن ذلك قوله " إن هللا ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ،يوافق قوله تعالى
وخالصة ذلك ،أن القرآن والسنة مصدران تشريعيان ،وال يمكن لمسلم فهم الدين إال بالرجوع
إليهما معاً.
43
أقسام الحديث من حيث القبول أو الرد
اشتملت علوم الحديث على القواعد التي تميز الحديث المقبول من غير المقبول ،وكان
العلماء قد قسموا الحديث بناء على ذلك إلى قسمين ،هما الحديث المقبول والحديث المردود .وهما
كالتالي:
.1الحديث المقبول :وهو الحديث الذي توافرت فيه شروط القبول في المتن والسند ،وهو على
درجتين:
-الصحيح :وهو ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله من غير شذوذ وال علة.
.1اتصال السند ،أي أن يكون كل رٍاو قد سمع عن شيخه الذي روى عنه.
.2عدالة الرواة جميعاً ،أي أن يكون كل رٍاو متصفاً بالصدق ،لضمان عدم الكذب.
.2الحديث المردود :وهو الحديث الذي فقد شرطاً من شروط الحديث المقبول في السند أو
المتن .كأن يكون السند منقطعاً ،أو أن يكون راوي الحديث متصفاً بالوهم والنسيان.
44
أقسام الحديث من حيث عدد الرواة
بناء على عدد رواته إلى قسمين رئيسين هما :المتواتر واآلحاد.
قسم العلماء األحاديث ً
.1المتواتر :هو الحديث الذي رواه في كل طبقة من طبقات السند جماعة من الرواة يحيل
العقل اتفاقهم على الكذب عادة ،أو وقوع الخطأ منهم جميعاً صدفة.
وال فرق عند العلماء بين النوعين من حيث الحكم أو االعتبار ،حيث يعد منكر الحديث
-المشهور :وهو الذي رواه في كل طبقة من طبقات السند ثالثة فأكثر ،ولم يصل حد
التواتر.
ومن األمثلة عليه حديث النبي " :من سئل عن علم فكتمه أُلجم بلجام من ناريوم
القيامة".
-العزيز :وهو الذي رواه في طبقة من طبقاته اثنان ،وال يقل عن ذلك في بقية الطبقات.
45
ومن األمثلة عليه قوله " :ال يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده
والناس أجمعين".
-الغريب :وهو الذي انفرد بروايته رٍاو واحد في طبقة واحدة أو أكثر.
وفيما يخص حجية خبر اآلحاد في االعتقاد ،فإنه يجب االيمان به ،ولكن ال يكفر
منكره.
46
السيرة النبوية
السيرة النبوية هي سجل األحداث المتعلقة برسول هللا وظروف الزمان والمكان المحيطة
بتلك األحداث.
-العالقة بين السيرة النبوية والسنة :تعد السيرة النبوية فرعاً من فروع السنة المطهرة ،وباباً
-العالقة بين السيرة النبوية والتاريخ اإلسالمي :عالقة السيرة النبوية بالتاريخ اإلسالمي هي
عالقة األساس بالبناء ،فأول ما دونه المؤرخون المسلمون من وقائع التاريخ وأحداثه هو
ال شك أن دراسة السيرة النبوية واجب إسالمي ،وأن في السيرة من الفوائد والغايات والعبر
.1فهم شخصية الرسول من خالل حياته وظروفه التي عاشها ،والتأكد من أنه لم يكن
.2االقتداء به في جميع مجاالت حياته ،ألن هللا جمع في شخصيته كل صفات األنبياء
.3فهم القرآن الكريم ،فقد كانت اآليات تنزل على المناسبات ،وال شك أن معرفة هذه المناسبات
.4الوقوف على تصرفاته في مختلف األحوال ،ومن خالل ذلك تتعرف على درجة المرونة
47
.5بعث األمل في النفوس اليائسة ،فقد أصبح الطريد من مكة سيدها ،يمنح األمان لمن شاء.
تنفرد سيرة النبي محمد عن سير السابقين من األنبياء والمصلحين بخصائص وميزات
عدة منها:
.1وضوح هذه السيرة في كل مراحلها ،منذ زواج عبد هللا والد الرسول بأمه آمنة بنت وهب،
.2شمول السيرة النبوية ،وإحاطتها بجميع شؤون الحياة البشرية بجميع مجاالتها ،مما يجعل
.3صحة السيرة النبوية ونقاؤها ،فقد ذكر قسم كبير منها في القرآن الكريم وفي كتب السنة
الصحيحة.
48
الوحدة الثالثة
49
المبحث األول :النظام األخالقي والتربوي
يقوم النظام األخالقي والتربوي في اإلسالم على قاعدة اإليمان ،واإليمان هو :االعتقاد
الجازم ،وهو اإلذعان بالقلب واإلقرار باللسان والعمل بالجوارح .فال بد لإليمان الحقيقي أن يترجم
وهذا الفهم لإليمان هو الفهم اإليجابي العملي الذي يتجاوب مع حياة المسلم ،ومن لم يثمر
ولما سئل النبي عن اإليمان أجاب " : أن تؤمن باّلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم
وشره".
اآلخر ،وتؤمن بالقدر خيره ّ
األركان آثار تربوية من شأنها أن تقيم حياة المؤمن على السلوك القويم ،وعلى النهج الذي أراده
جل لعباده.
هللا عز و ّ
وألهمية ركن اإليمان باّلل عز وجل وكونه الباعث على اإليمان بغيره من اإلركان ،نفصل
فيما يلي أهم األدلة التي تدل على وجود هللا تعالى:
.1الدليل الفطري :فاإلنسان يحس من داخله بأن له رباًّ خالقاً ومدب اًر ،فاإلنسان يجد نفسه
50
وجه هللا سبحانه اإلنسان إلى الكون العظيم وما فيه من آيات مبثوثة ،وجعل
.2الدليل الكونيّ :
هذه األدلة الكونية في اآلفاق وفي األرض نموذجاً ثابتاً لالستدالل على وجوده ،ومن هذه
األدلة الكونية:
دليل الخلق أو اإلبداع أو الحدوث ،أي أن كل مخلوق ال بد له من خالق ،وال يمكن أن يكون ذلك
صدفة ،وال يمكن أن تكون المخلوقات قد خلقت نفسها ،وهذا دليل عقلي ذكره هللا تعالى ،فقال أ َْم
دليل التنظيم والعناية ،فالكون في غاية التنظيم والعناية واالتقان ،بحيث يؤدي كل مخلوق فيه
الغرض من خلقه ،بما يجعل للكون عمالً منتظماً ،وأدوا اًر متكاملة متناسقة ،وال يمكن أن يكون ذلك
.1توحيد الربوبية :ويعني اإلقرار بأن هللا تعالى خالق كل شيء والمتصرف فيه ،فهو المحيي
المميت ،النافع الضار ،الذي له األمر كله ،القادر على كل شيء ،ليس له في ذلك شريك.
وتوحيد الربوبية أمر مركوز في فطرة االنسان ،ال يكاد ينازع فيه أحد ،حتى المشركين
ض ِ الذين بعث فيهم رسول هللا ،كانوا يقرون بذلك َ وَلِئن َسأَْلتَ ُهم َّم ْن َخَل َق َّ
الس َم َاوات َو ْاأل َْر َ
36سورة الطور،
37سورة الزخرف87 ،
51
.2توحيد األلوهية :ومعناه إفراد هللا سبحانه وتعالى بالطاعة المطلقة ،فاّلل سبحانه وتعالى
هو وحده المعبود بحق .وهذا التوحيد هو الذي وقع النزاع فيه بين الرسل وأممهم ،فالمشركون
كانوا يتخذون من جون هللا أنداداً ،ويعتقدون أن لهم حقاً في الطاعة مع هللا عز وجل فيما
.3توحيد األسماء والصفات :ومعناه االعتقاد الجازم بأن هللا سبحانه وتعالى وحده متصف
52
النظام األخالقي ومفهوم األخالق
والثقافة اإلسالمية تشمل المجال األخالقي والسلوكي للمجتمع والدولة واألمة ،واألخالق
والسلوك كالهما يقومان على اإليمان ،ويمارسان عملياً بعبادة هللا تعالى.
كما أن األخالق هدف مهم من أهداف اإلسالم ،قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلّم " إنما
بعثت ألتمم مكارم األخالق" ،ولذلك جعل اإلسالم عقيدته وعبادته وأنظمته وشريعته ملفوفة باإلطار
الخُلقي في كل المجاالت ،واإلسالم يتكون إلى جانب األخالق من عقيدة وشريعة ،والشريعة تتكون
ُ
جميعا.
ً من عبادات ومعامالت وغير ذلك وقد ارتبط الجانب الخلقي بذلك
وحين ُسئل :يا رسول هللا قل لي في اإلسالم قوالً ال أسأل عنه أحد غيرك ،قال" قل
53
-وفي جانب العبادات التي شرعت في اإلسالم واعتبرت أركاناً في اإليمان ،نجد أنها
كما يقول الغزالي :تمارين مكررة لتعويد المرء أن يحيا بأخالق صحيحة وأن يظل
فلو نظرنا إلى الصالة نجد أن حقيقتها تتمثل في االبتعاد عن الرذائل ،والتطهير من سوء
الص َالة تَ ْنهى ع ِن اْلَفح َش ِ القول وسوء العمل ،حيث قال تعالى َ وأ َِق ِم َّ
نك ِر38
اء َواْل ُم َ ْ الص َال َة ۖ ِإ َّن َّ َ َ ٰ َ
وكذلك األمر بالنسبة لبقية العبادات ،فالزكاة فيها غرس لمشاعر األلفة والرحمة وتنمية
لروح التكافل والتضامن في المجتمع ،والصيام تربية وتهذيب للنفس ورقي للروح ،والحج تطهير
وتنقية من الرفث والفسوق حتر يكون مبرو اًر ال جزاء له إال الجنة.
-وكذلك األمر في جانب المعامالت والتشريعات ،حيث نجد أن مقاصد الشريعة مقاصد
38سورة العنكبوت
54
المبحث الثاني :أصول البناء األخالقي
يقوم البناء الخلقي والسلوك االجتماعي في األخالق اإلسالمية على أصول ثالثة:
.1اإللزام.
ومعناه من الذي يلزم اإلنسان باألخالق؟ هل هو هللا ،أم المجتمع ،أم النفس .وقد جمع
اإلسالم بين هذه المصادر الثالثة ،لكنه جعل المصدر الرباني هو األساس ،وجعل المصدرين
اآلخرين مصدرين مساعدين .ولكن النفس والمجتمع فيهما إمكان الخطأ ،ولذلك فإن تعارض شيء
منهما مع المصدر الرباني قدمناه عليهما ،وإذا ما اتفقت المصادر الثالثة فإن الدافع يكون قوياً
لعمل الخير.
وبهذا يحارب اإلسالم في بنائه لألخالق والسلوك ثالثة أعداء يمكن أن تضغط على
اإلنسان ،وهي التقليد األعمى؛ فيعيب على الذين يتبعون اآلباء ويقلدونهم دون استعمال لعقولهم،
والهوى وهو السير وراء الشهوات دون استعمال للعقل ،والطاغوت وهو كل قوة ضغط تخالف
الشرع.
.2المسؤولية.
يقتضي كل إلزام مسؤولية يتحملها اإلنسان عن أفعاله ،ومن ثم فإن اإلنسان مسؤول عن
.3الجزاء.
وهو الثمرة الكبرى التي يجنيها اإلنسان على أعماله ،فالجزاء في اآلخرة إحدى المزايا
الكبرى والخصائص العامة التي تميز األخالق اإلسالمية عن غيرها .حيث يربط اإلسالم بين أفعال
55
الخلقية وبين اإليمان باآلخرة ،ويجعل الجزاء حاف اًز قوياً بالترغيب والترهيب ،من أجل ضمان
العبد ُ
الذاتية.
ّ أوًلً :األخالق
على اإلنسان أن يزكي نفسه ويبنيها عقلياً وروحياً ونفسياً وجسمياً ،فهي األمانة األولى
التي ال بد أن يوليها اهتمامه ،ولذا كان على اإلنسان أن يأخذ نفسه باألخالق الحسنة في مختلف
.1التعلم والتعليم.
-أخالق المتعلم :كاإلخالص ،والتأدب مع األستاذ ،والجدية في التعلم ،والعمل بما يتعلم،
56
.5آداب اللسان ،كالذكر في كل األحوال ،وقول الخير والبعد عن قول الشر ،والصدق في
الحديث وعدم رفع الصوت ،والنهي عن آفات اللسان من غيبة ونميمة ولمز وتحقير
واستهزاء.
اإلسالم.
األسرة في اإلسالم:
يولي اإلسالم أهمية بالغة للحفاظ على األسرة ،ويؤكد القرآن الكريم أن البشر هم أكرم مخلوقات هللا
ضرورة للبشر جميعا لتحقيق الصحة النفسية الكاملة؛ فالحاجة إلى ألفة حقيقية وصحيحة ال تكتمل
زوجا ،فال يحصل المرء على الراحة النفسية الكاملة واكتمال دينه إال ضمن
إال إذا صار الفرد ً
قدسية الزواج ،كما يؤكد لنا القرآن الكريم( :هن لباس لكم وأنتم لباس لهن).
-لكن الواقع المشاهد اليوم أن هناك اضطراب وخلل في المقدمات والعالقات التي تسبق
هذا الزواج ،يتمثل هذا الخلل االجتماعي والديني في العالقات المحرمة باختالف
الصحيحة في اختيار شريك الحياة؛ ثم سرعان ما تظهر ثمرات هذا االستهتار على
شكل مشاكل تطفو على السطح بعد الزواج ويرى كل طرف اآلخر على حقيقته ،بغير
57
العين التي كان يرى بها قبل الزواج؛ كما ورد في األثر" :حبك الشيء يعمي ويصم"؛
أبدا من شأن الحب 39والميل العاطفي في مشروع الزواج ،بل هو معتبر شرًعا
ال نقلل ً
كما جاء في األثر" :لم َير للمتحابين إال الزواج" ،لكن ما نحن بصدده هو :توسيع
األفق بحيث ُيؤخذ بعين االعتبار أمور مهمة ج ًدا في اختيار شريك الحياة ال تقل
أهمية عن الحب ،بل إن غيابها في كثير من األحيان كفيل بنسف هذا الحب بين
الطرفين بعد الزواج ،فكم من حالة طالق سمعنا بها كانت بين طرفين جمعهما الحب
والعشق.
40
التي البد من أخذها في عين االعتبار عند -وقد اجتهد العلماء في بيان الشروط
فمما يؤخذ بعين االعتبار عند اختيار الزوجة :اإلسالم ،والصالح والحياء ،والوعي،
ومما يؤخذ بعين االعتبار عند اختيار الزوج :اإلسالم ،والصالح والحياء ،والوعي ،والباءة،
39يتعامل اإلسالم مع السلوكيات الناجمة عن هذه العالقة العاطفية ،فيعطي من األحكام ما يضبط هذه النفوس ،كذلك يعطي أحكا ًما قبل
أصال حتى ال يصل الفرد إلى التعلق العاطفي ،كغض البصر وعدم الخلوة واالختالط المحرم وغير ذلك من األحكام، ً بداية هذه العالقة
رفقًا بالنفس البشرية ،حيث إن وقوع الفرد في عالقة حب هو في حد ذاته مأزق كبير لما ينجم عنه من مجاهدة للنفس تتمثل في عجز
النفس غالبًا في التخلص من سيطرة المحبوب على فكره كذلك المجاهدة في عدم الوقوع في سلوكيات خاطئة يولدها هذا الحب ،والحال
اليوم أن الكثرة قد تجرأت في هذه السلوكيات ووقعت فيها؛ تجرؤ في الكالم والتواصل والتراسل وقد يتطور األمر إلى مواعيد ولقاءات
و ...؛ فانظر إلى أي حد أوصلتنا تلك البدايات ،وإما أن ينتهي هذا الحب بزواج ،وفي الغالب ال تكون النهاية كذلك؛ فتكون ثمرة هذه
(ذكرا أو أنثى) معذبًا بذكريات حبيب قديم على الرغم من زواجه بآخر لكن ذلك الحبيب ال يغيب عن المخيلة وال سعادةً العالقة إنسانًا
في ال حياة حتى وإن توفرت كل أسباب السعادة المادية؛ فأي جحيم أكبر من ذلك؛ فاإلسالم في أحكامه كلها وإن كان في ظاهر بعضها
منع إنما يريد سعادة اإلنسان وطمأنينته وسكينته في الدنيا واآلخرة.
40هذه شروط اجتهادية وضعها علماء عاملين في المجال االجتماعي واألسري وقد الحظوا أن ُجل المشاكل بين الزوجين إنما هو
عائد إلى غياب واحد أو أكثر من هذه الشروط.
58
ففي حالة تمكن الطرفان من التحقق من الشروط العشرة السابقة نتحدث هنا عن زواج
أما فيما يتعلق باألخالق بين الزوجين فإن من أهمها :حسن العشرة بين الزوجين ،وحفظ
ّ
األسرار الزوجية.
يط أر بعد الزواج عامل آخر للنمو والتطور وهو الرغبة في إنجاب أوالد وتكوين أسرة؛ فالرغبة
في اإلنجاب تحقق السعادة النفسية ،وبعد وجود األطفال ينتقل الزوجين إلى مرحلة جديدة هي
مرحلة األبوة واألمومة ،فأصبح لألسرة جانبان اثنان ،هما جانب الوالدين وجانب األوالد ،وتشمل
هذه التغيرات في شكل االسرة الصعوبات والتحديات من جانب ،والفرح والسعادة من جانب آخر.
-في اإلسالم تقام العالقات األسرية على نظرية األدوار والمسؤوليات والواجبات ،وليس
وينفق عليه ،ويعلمه االيمان ويدربه على العبادة ،والرحمة والتلطف بهم.
59
.2تربيته تربية إسالمية على ضوء توجيهات الشرع وقيمه ،41حيث تبدأ الصفات
الخبرات والمهارات المختلفة في وقت الحق على حين يبدأ تكوين شخصية الطفل
وأخالقه وقيمه في السنين األولى ابتداء من الرضاعة ومرحلة ما قبل المدرسة وال
بد للوالدين من التيقن أن مرحلة التربية هي أولى ما تكون في تلك المراحل العمرية
أما عن حقوق اآلباء على األبناء :فمنها اإلحسان لهم بالطاعة ،والنفقة والرعاية ،وأن
ّ -
-أخالق صلة األرحام وذوي القربى :شرع اإلسالم خلق صلة الرحم واألقارب ،توثيقاً
.1الخلق مع الجيران :للمسلم جيران لهم عليه حقوق ،وعليه أن يعاملهم معاملة طيبة ،فال
41غالبًا ما يكون اآلباء الجدد يفتقرون إلى الخبرة في الممارسة الوالدية؛ فيحتاجون أن يتعلموا كيف يتعاملون مع األبناء
حتى قبل أن يكونوا أجنّة في بطون أمهاتهم.
وعلى الرغم من أننا نكد ونجتهد في جمع المال واقتناء المسكن األنيق والسيارات الفارهة واالثاث الفاخر ،فإننا نغفل لألسف
أن األمور تسير بصورة جيدة ،من دون أن نعد لها اإلعداد المناسب،عن بذل جهد مماثل في تربية أبنائنا ،على افتراض منا ّ
وهكذا تُترك التربية عرضًا من غير سابق تدبير وهذه مجازفة كبيرة ،ومخاطرها جسيمة.
في الغالب يعتمد األمهات واآلباء في التربية على التجارب السابقة اكتشفوا فيها الصواب من الخطأ من خالل تجربة شخصية؛
حقال لتجاربهم.غير ّ
أن المشكلة لذا قد يكون آداء الوالدين مع أطفالهم الالحقين أفضل من آدائهم مع الطفل األول الذي كان ً
متأخرا أو بعد فوات األوان ،إذ يكون األبناء وقتئذ قد كبروا
ً تكمن في أن اآلباء يتعملون هذه الدروس –التي ال تقدر بثمن-
ووصلوا إلى مرحلة النضج والبلوغ ،ويصعب على اآلباء اإلفادة الكاملة مما تعلموه لتطبيقه على أبنائهم.
60
.2أخالق األخوة اإلسالمية:
-احترام المؤمن في نفس أخيه ،وحب الخير له ،وحبه في هللا ،والتعاون معه ومودته
ونصيحته.
.3األخالق مع غير المسلمين :يأمر اإلسالم بالتعامل مع الناس باألخالق الحسنة بغض
النظر عن ديانتهم ومعتقداتهم وألوانهم وأجناسهم .فلغير المسلمين المواطنين كافة حقوق
المواطنة ،ولهم حرياتهم الدينية ،ولغير المسلمين من غير المواطنين حقوقهم حتى لو كانوا
بناء على ما تقدم ذكره ،أصبح من الواضح لدينا كيف تعمل الثقافة اإلسالمية على إعداد
المسلم لحياتي الدنيا واآلخرة إعداداً كامالً من جميع النواحي ،وفي جميع مراحل نموه ،في ضوء
ّ
المفاهيم والمبادئ والقيم التي جاء بها اإلسالم.
61
المبحث الثالث :الحوار في اإلسالم.
االختالف بين البشر قضية واقعية ،ومنهج تعامل العقالء مع هذه القضية هو الحوار الذي
الحوار هو التعبير عن الرأي وسماع الرأي اآلخر ،ومناقشته للوصول إلى الحقيقة .بينما
42
ان أَ ْكثَ َر َشي ٍء َج َد ًال
نس ُ الجدل ففيه غالباً خصومة وتعصب للرأي ،قال تعالى وَك َ ِ
ان ْاإل َ َ
ْ
ويمكن أحياناً قليلة إطالق كلمة الجدال دون أن يراد بها الخصام ،مع ذكر ما يميزها ،قال
ِ ِ َّ َِّ ِ ِ
َه َل اْلكتَاب ِإال ِبالتي ه َي أ ْ
43
َح َس ُن تعالى َ وَال تُ َجادلُوا أ ْ
.1مخاطبة العقل.
ألن هدف الحوار هو اإلقناع والوصول للحق وتفهم وجهة نظر اآلخر ،وذلك ال يكون إال
باالعتماد على الحجة والمنطق ،بعيداً عن العواطف ونزعات النفس ،وهذا هو الشرط األهم في أي
فأقبل القوم عليه فزجروه ،وقالوا :مه مه ،فقال :ادنه ،فدنا منه قريبا ،قال :فجلس ،قال :أتحبه
َّللا فداك ،قال :وال الناس يحبونه ألمهاتهم ،قال :أفتحبه البنتك؟،
وَّللا ،جعلني َّ
ألمك؟ ،قال :ال َّ
َّللا فداك ،قال :وال الناس يحبونه لبناتهم ،قال :أفتحبه ألختك؟
َّللا جعلني َّ
وَّللا ،يا رسول َّ
قال :ال َّ
42سورة الكهف
43سورة العنبوت.
62
َّللا فداك ،قال :وال الناس يحبونه ألخواتهم ،قال :أفتحبه لعمتك؟ قال :ال
وَّللا ،جعلني َّ
قال :ال َّ
وَّللا جعلني
َّللا فداك ،قال :وال الناس يحبونه لعماتهم ،قال أفتحبه لخالتك؟ قال :ال َّ
َّللا ،جعلني َّ
و َّ
قلبهِ ،
ص ْن ْفر َجه" ،فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء.
وح ّ
َ
فال بد من التسليم الجدلي بأن اآلخر قد يكون على حق ،فبعد محاورة طويلة في األدلة
ّ
ض َال ٍل ِ على وحدانية هللا تعالى يأمر سبحانه تعالى نبيه أن يقول َ وإَِّنا أ َْو ِإي ُ
َّاك ْم َل َعَل ٰى ُهًدى أ َْو في َ
ُّمِب ٍ
ين ،44وهذا دليل على األدب الرفيع واألسلوب األمثل في الحوار ،ليحفزهم على التدبر والتفكر
الغَلبة والتفوق.
بأسلوب ليس فيه اعتداد أو تكبر أو الرغبة في إظهار َ
حتى يستمع لآلخر بإقبال وتجرد .وقّلة اإلنصاف تسقط احترام الشخص ألنها تظهره معانداً للحق.
حداً للمهور،
ومن صور االنصاف والرجوع أن عمر بن الخطاب بدا له أن يضع ّ
فخطب قائالً " أيها الناس ما إكثاركم في صداق النساء وقد كان رسول هللا صلى هللا عليه وسلم
وأصحابه الصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك ولو كان اإلكثار في ذلك تقوى عند هللا
أو كرامة لم تسبقوهم إليها فألعرفن ما زاد الرجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم" ،فاعترضته
امرأة من قريش فقالت :يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة
درهم ؟ قال :نعم فقالت :أما سمعت ما أنزل هللا في القرآن ،قال :وأي ذلك قالت أما سمعت
44سورة سبأ.
63
ار فقال :اللهم غفرا ،كل الناس أفقه من عمر ،ثم رجع فركب اه َّن ِق ْن َ
ط ًا هللا يقول َ وآتَ ْيتُ ْم ِإ ْح َد ُ
المنبر ،فقال :أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم فمن
يسر المحاور ويجعله يثق بصدق الطرف اآلخر وجديته في الوصول للحق ،وقد نقل
فذلك ُ
إلينا القرآن الكريم كيف أنصت األنبياء ألقوامهم وسمعوا منهم مقاالتهم ثم قاموا بمحاورتهم ،ومنها
فالكثير من مجالس الحوار والمناظرات ينتقل فيها الحديث من قضية إلى قضية وتتداخل
األفكار والخواطر بحيث تضيع الفكرة األصلية ،فالعبرة ليست بكثرة الكالم إنما بما فيه من منفعة.
ِ
المحاور. .7احترام
فكيف يكون هناك حوار حقيقي هادف دون احترام الطرف اآلخر؟ دون ايذائه أو تسفيه
45سورة آل عمران
64
.8الوضوح في اللغة واألسلوب.
فذلك يعمل على توفير الكثير من الوقت والجهد في الحوار وهو ضروري إلنجاح الحوار.
.9االهتمام باألولويات.
وهو التركيز في المحاورات على ما تدعو إليه حاجة الناس ،فالقضايا كثيرة ،وينبغي أن
يختار المحاور ما فيه فائدة عاجلة للناس ،ويؤجل الحديث في غيرها إلى ان يحين أوانها .فالقرآن
الكريم نزل متدرجاً ،فقد بدأ نزول آيات العقيدة وااليمان والبعث والترغيب والترهيب ،إلى أن أصبح
ابيا قال وقد كان النبي القدوة في توجيه الناس إلى ما أهم في حياتهم ،فقد ورد أ َّ
َن أَعر ًّ
َح َب ْب َت .فليس المهم معرفة متى تقوم الساعة ،بل األهم اإلعداد لها بالعمل الصالح.
َم َع َم ْن أ ْ
65
الوحدة الرابعة
-التبشري.
-االستشراق.
-التغريب.
66
الوحدة الرابعة :التحديات الفكرية والحركية التي تواجه الثقافة اإلسالمية
وهو :الهجمات التي يشنها أعداء األمة لفرض ثقافتهم عليها ،فالغزو يطلق أصالً على
والمسلمين عقيدة وتشريعات وتاريخاً ولغة ،وتبث شبهاتها في محاولة لتشويه صورة اإلسالم
والمسلمين.
.1الحيلولة دون انتشار اإلسالم في الغرب وذلك بتشويه اإلسالم وتقديمه على يد
وزراء بريطانيا "غالدستون" في مجلس العموم في بريطانيا بقوله :ما دام القرآن موجوداً فلن تستطيع
وإذا أردنا قياس مدى نجاح الغزو الثقافي فإنه يمكن ذلك من خالل مظاهر نجاح الغزو
الثقافي ،وأهمها:
67
.2أن تتبنى الرموز الفكرية واإلصالحية لألمة الغازية محل رموز األمة التي تتعرض
للغزو.
والعمل على إنجاحها ،ومن أبرز هذه األساليب التي قام عليها الغزو الثقافي للعالم اإلسالمي:
أوًلً :التبشير
وقد نشطت الجهود التبشيرية بعد الحروب الصليبية ،وبعد أن فشلت أوروبا في مواجهتها
والتبشير له عدة أهداف ،أبرزها :الحد من انتشار اإلسالم المتالحق في العالم ومنع
النصارى من الدخول فيه ،والعمل على تشكيك المسلمين في دينهم ،وإخراجهم منه وتبشيرهم
مر التبشير بمرحلتين أساسيتين ،األولى هي محاولة التنصير وبعد فشلها انتقل
بالنصرانية .وقد ّ
68
وسائل التبشير
استخدم المبشرون لتحقيق أهدافهم مختلف الوسائل واألساليب وعملوا في شتى المجاالت،
فقد استخدم التبشيريون هذه المهنة اإلنسانية الضرورية للوصول إلى عقول المسلمين
وقلوبهم ،وخاص ًة الفقراء منهم والنساء واألطفال ،فأقاموا المستشفيات والمصحات ودور الرعاية في
ك تقديم المساعدات العينية والنقدية للفقراء والمحتاجين ،وإنشاء دور رعاية وضيافة األيتام
فقاموا بإنشاء المدارس في شتى مراحل التربية والتعليم ،ابتداء من الحضانة ،ومرو اًر
بالمدارس االبتدائية والمتوسطة والثانوية ،انتهاء بالدراسة الجامعية .باإلضافة إلى استخدام اإلذاعات
69
ثانياً :اًلستشراق
وهو دراسة أحوال الشرق وبخاصة العالم اإلسالمي ،دراسة شاملة لدينه وأرضه وإنسانه
ولغته وتاريخه ،تسهيالً لمهمة الغزو الثقافي الذي بدأ الغرب يشنه ضدهم.
يعد االستشراق وسيلة يستعين بها التبشير ،ومع ذلك هناك فروقات ما بينهما ،من أهمها:
المباشر بالناس.
-المستشرق ال يصرح غالباً بغرضه التبشيري ،أما التبشير فإنه يقوم أصالً على
دوافع اًلستشراق
.1الدافع الديني ،وذلك بعد الحروب الدينية وحركة اإلصالح الديني المسيحي ،فقد شعر
رجال الدين في أوروبا بحاجة إلعادة النظر في شرح كتبهم الدينية ،فاتجهوا إلى الدراسات
العبرية والعربية.
.2الدافع السياسي االستعماري ،فالصلة وثيقة بين االستشراق واالستعمار ،والمعلومات التي
70
.3الدافع االقتصادي ،وذلك لخدمة التجار األوروبيين عن طريق تقديم معلومات لهم عن
.4الدافع العلمي ،على الرغم من طغيان الدوافع السابقة على االستشراق ،إال أن قّلة منهم قد
تحرروا من تلك الدوافع ،وبحثوا بجد وحياد عن اإلسالم والمسلمين ،وبعضهم دخل في
ثالثاً :التغريب
وبهذا يصبح المسلم يعيش ويفكر كما يعشي ويفكر الغربيون ،فال يبقى له من اإلسالم إال االسم.
وقد اتخذ التغريب في العالم اإلسالمي مظاهر متنوعة منها الفكري ،واالجتماعي،
والسلوكي.
-ففي الجانب الفكري أصبحت األفكار الغربية تدرس وال تناقش وتنقد بل تؤخذ على أنها
مسّلمات.
َ
المعيشة.
71
سبل مواجهة المسلمين للغزو الثقافي.
.1نشر الثقافة اإلسالمية الصحيحة بين المسلمين في مختلف المجاالت التعليمية والثقافية
.2االلتزام بتعاليم اإلسالم على صعيد الفرد والمجتمع ،والحفاظ على الهوية الثقافية المتميزة.
.3تأهيل العلماء والباحثين من أجل مواجهة األفكار والرد على الشبهات بالحجج والبراهين
العلمية.
72
العلمانية.
المبحث الثاني :أ
العلمانية نسبة إلى العالم الدنيوي ،وهي تعني الالدينية أو الدنيوية ،أي عدم االهتمام
َ
نشأتها
العلمانية في أوروبا احتجاجاً على ممارسات الكنيسة ،حث أنها مارست االستبداد
نشأت َ
الفكري والديني على معارضيها ،وجنت على الدين حيث صورته على أنه دين الخرافة والدجل
.1الفساد الديني للكنيسة ،وقد اتخذ عدة صور ،منها :حق التحلة أي التحليل والتحريم متى
اقتضت ذلك مصلحة رجال الدين .وصكوك الغفران فمن أراد أن تغفر ذنوبه اشترى من
.2الفساد االقتصادي واالجتماعي ،وقد ظهر هذا الفساد بصور كثيرة من أبرزها :نظام
االقطاع والرقيق فقد تملكت الكنيسة اإلقطاعيات الواسعة من أراضي الناس وأصبحت
عائداتها تُنفق على رجال الدين والحروب الصليبية ،وعمال السخرة وهم أناس يجبرون من
قبل الكنيسة على العمل مجاناً يوماً في األسبوع ،وضريبة السنة األولى وهي أن يدفع
للكنيسة.
.3الفساد السياسي ،فالكنيسة كانت هي التي تتوج االمبراطور الذي يذعن لجميع توجهات
73
.4محاربة العلماء ،فقد تبنت الكنيسة نظريات حول نشأة الكون وأصبحت جزءا من عقيدتهم،
ومن يعتقد غير ذلك كان جزاؤه القتل ،وقد قتل أكثر من ثالثين ألفاً من العلماء وأتباعهم
بأوامر من الكنيسة.
.5الحروب الدينية ،فقد استعلت الحروب الدينية في أوروبا بين الطوائف المسيحية ولم تنطفئ،
فقد كانت أوروبا تنتقل من حرب إلى أخرى حتى أنهكتها هذه الحروب ،حتى قامت فيما
بعد ما يعرف بثورة الرقيق والفالحين في فرنسا ،وأهم ما تمخض عنها هو فصل الدين عن
صالحيات البابا.
ّ الكنيسة وتقليص
العلمانيين
العلمانية و َ
وشجع االستعمار َ
العلمانية لمحاربة اإلسالم والمسلمينّ ،
وقد استخدمت َ
في العالم اإلسالمي ،وجعل اإلسالم ديناً ال ُيمارس إال في المسجد ،وال عالقة له بالحياة نهائياً.
إن الفرق كبير بين اإلسالم والمسيحية المحرفة كما عرفتها أوروبا في القرون الوسطى،
وإذا كان الفرق في السببين األول والثاني واضحاً ،فسنقتصر على بيان الفرق في السببين الثالث
والرابع.
-يدفع اإلسالم إلى التقدم العلمي حتى من خالل العبادات ،فقد تقدمت عند المسلمين
74
-لم يشهد التاريخ اإلسالمي صراعاً بين العلوم الطبيعية والدين ،بل على العكس هناك
-ال ينتخب من الشعب وال من ممثليهم ،بل ينتخب من رجال الدين فهو وكيل عن هللا.
أما الحاكم في اإلسالم فيتم اختياره من ممثلي األمة فهو وكيل عن األمة.
اإلسالم فهو انسان يجتهد ،يصيب ويخطئ ،لذلك يجب عليه أن يستشير وأن يلتزم
برأي األغلبية.
العلمانية
المحرفة ،إال أن َ
ّ وعلى الرغم من الفرق الواضح بين الدين اإلسالمي والمسيحية
انتقلت إلى دول العالم اإلسالمي تزامناً مع االستعمار األوروبي ،وكانت في أول األمر تقتصر
.2إعالء شأن العقل وتعظيمه ،وجعله حاكماً على الشرع ،فما يستسيغه العقل فهو مشروع
76