Professional Documents
Culture Documents
تعتبر الحض ارة واح دة من القض ايا الهام ة ال تي ش غلت فك ر االنس ان على م ر العص ور ،إال أن العص ر
الحديث تميز باحتدام النقاش حولها بشكل كبير ،إذ شكل بل وغ الحض ارة الى مس تويات عالي ة من التط ور
هاجسا لدى الفالسفة والمفكرين ،حول الكيفيات التي يمكن من خاللها الحف اظ على ه ذا ال وهج الحض اري
الذي سطع على اإلنسانية وباتت تنعم من خالله بحياة الرفاهية التي ما تنفك تزداد يوما بعد يوم.
وقد حدث خالل ذلك كله اضطراب كب ير في تحدي د مف اهيم دقيق ة للحض ارة واالص طالح ح ول تعري ف
موحد لها ،فقد أحصت الدراسات ما ينب و عن 160تعريف ا للحض ارة ،كله ا تتق اطع أحيان ا وتتن افر أحيان ا
أخرى فيما بينها ،وكل يستقي تعريفه ورؤيته للحضارة ،وذلك انطالقا من رؤيت ه ومفهوم ه للحي اة نفس ها،
كما كان النتقال األفكار عبر مختلف اللغات من خالل أعمال الترجمة دوره هو اآلخر في زي ادة حجم ه ذا
اإلضطراب المفاهيمي ،لذلك سنحاول من خالل هذه المحاضرة رفع اللبس عن مفهوم الحضارة والمف اهيم
المشابهة له:
-1-1معنى الحضارة:
1-1-1الحضارة لغة:
-إن مصدر الكلمة في اللغة العربي ة ه و :من الفعل "حض<<ر" ،وه و م رادف لكلم ة "ش<<هد" ،فالحض ىور
والش هود متقارب ان في المع نى ،فالش هود ه و أن يك ون الم رء حاض را بشخص ه معاين ا بحس ه لألح وال
والحوادث الجارية.
وتجعل المعاجم العربية "الحضارة" مقابل "البداوة" ،فجاء في لسان الع رب" :الحض<<ر" :خالف الب دو،
والحضارة بكس ر
ِ و"الحاضر" :خالف البادي ،فالحاضر :المقيم في المدن والقرى ،والبادي المقيم بالبادية،
الحاء :تعني اإلقامة في الحضر.
-الحضارة في اللغة الغربية:
تعود أصول كلمة civilisationإلى الكلم ة الالتيني ة civitesوتع ني المدين ة ،و civiesبمع نى س اكن
المدينة ،و civiliأي كل ما تعلق بالمدينة ،ويتضح أن المع نى الم راد ه و المدين ة وك ل م ا يتعل ق به ا من
عمران ومؤسسات ونظم.
ولذلك فقط تطور مفهوم هذا المصطلح بتطور المدينة عند الغربيين ،فكلما كبرت المدينة واتسعت وتغيرت
نظمها ،تغير مدلول المصطلح وأصبح يعني نمطا معينا بعينه ال ينسحب على غيره.
1-1-2الحضارة اصطالحا:
أما في االصطالح ف إن الحض ارة هي جمل ة المظ اهر ال تي تُعبِ ر بواس طتها األمم عن ثقافاته ا ،وال تي من
خاللها تقوم بحماية هذه الثقافة؛ حتى تستطيع توريثها لألجي ال القادم ة ،وتعتبَ ر الحض ارة ش املة لك ٍل من
قوي بين ك ٍل منهما ،وإن أي إهمال ألي منهما قد يُؤ ِدي إلى ضعف، الثقافة ،والمدنية ،فهي تقوم على رابط ٍ
ولربُما يكون بداية النهيار الحضارة.
حيث يرى "مالك بن نبي"" :أن العناص ر المكون ة للحض ارة تكمن في ه ذه المعادل ة بس يطة :إنس ان +
تراب +وقت = حضارة.
فالحضارة عنده هي كل ما ينتج عن تفاعل المجموعات البشرية مع بيئتهم التي يعيشون فىيها.
أما "أرنولد توينبي" فيرى" :أن الحضارة م ا هي إال تح د واس تجابة ،وأن اإلنس ان في مواجه ة مص يره
يصل إلى صناعة الحضارة".
ويلخص "ويل ديورنت" الحضارة ق ائال ":أن الحض ارة نظ ام اجتم اعي يعين اإلنس ان على الزي ادة في
إنتاجه الثقافي ،وهي تبدأ حيث ينتهي االضطراب والقلق ،ألنه إذا ما أمن اإلنسان من الخوف ،تحررت في
نفسه دوافع التطلع وعوام ل اإلب داع واإلنش اء ،وبعدئ ذ ال تنف ك الح وافز الطبيعي ة تستنهض ه للمض ي في
طريقه إلى فهم الحياة وازدهارها".
وفي األخير يمكن القول أن الحضارة :هي محاوالت اإلنسان اإلستكشافية ،واإلخ تراع والتفك ير والتنظيم،
والعمل على استغالل الطبيعة للوصول إلى مستوى حياة أفضل ،وهي حصيلة جهود األمم كلها.
-1-2معنى الثقافة:
-1-2-1الثقافة في اللغة :مأخوذة من الفعل ثَقُف ،وتطلق هذه الكلمة على الفِطنة ،والعلم ،والذكاء.
-1-2-2أما في االصطالح :فإن الثقافة هي جملة المعارف ،والفنون ،والعلوم لدى مجتمع معيَن ،باإلض افة
إلى الرقي في السياسة ،واألفكار ،والقانون لهذا المجتمع.
وذكر العديد من علماء االجتماع مفاهيم مختلِفة للثقافة؛ إال ّ
أن أقد َم تعريف للثقافة هو الذي وض َعه "إدوارد
تايلور"؛ حيث ع رف الثقاف ة على أنَه ا ":ك ل م ا يَش تم ُل على العقائ د ،والمعرف ة ،والع ادات ،واألخالق،
كتسبُها الفرد".
وكذلك الفن ،والقانون ،وغيرها من األمور التي يَ ِ
-1-3معنى المدنية:
المدنية هي الجزء المادي من أي حضارة ،كالعمران ،والترفي ه ،ووس ائل االتص ال ،وق د ظه رت المدني ة
نتيجة التفاعل الحاصل بين العلوم وتطبيقاتها من ناحية ،وما أنتجته األمة من ناحية أخرى؛ وهذا ما جعله ا
تَرتبِط بالمجالين :االقتصادي والصناعي.
ويرى البعض أنَ المدنية مرادفة للحض ارة؛ فهم يَ رون أنَه ا تحم ل الج انب الم ادي ،كم ا أنّهم يَعتبرونَه ا
جمل ة ال رقي في الص ناعة والزراع ة في المجت َم ع ،فالمدنيّ ة هي ت را ُكم اإلنج ازات اإلنس انية من الناحي ة
المادية لمجت َمع ُمعيَّن في فترة زمني ة معيَن ة ،وه ذه اإلنج ازات ته ِدفُ إلى تس هيل وتيس ير حي اة اإلنس ان،
ضمن العقيدة السائدة في مجت َمعه.
-1-4معنى األويكومين:
" "Oikumenaهي كلمة يونانية قديمة تعني "مأهول" ،وهي وصف جغرافي يوناني ق ديم ك ان يطل ق
في البداية على األراضي اليونانية فقط ،ثم توس ع اس تعماله في وقت الح ق ليش مل جمي ع األراض ي ال تي
يسكنها الناس بشكل عام.
فاألويكومين تعبير إغريقي شاع استعماله في العصر الهيليني ،ويعني حرفيا الج زء المس كون من الع الم،
أو بتحديد أدق الجزء المسكون بالمجتمعات المسماة متمدنة من األرض.
-2عناصر الحضارة:
-المظهر السياسي :ويبحث في هيكل الحكم ،ونوع الحكومة ،ملكية أم جمهورية ،دستورية أم مطلقة،
والمؤسسات اإلدارية والمحلية.
-المظهر االقتصادي :ويبحث في موارد الثروة ،ووسائل اإلنتاج الزراعي والصناعي ،وتبادل المنتجات.
-المظهر االجتماعي :ويبحث في تكون المجتمع ونظمه ،وحياة األسرة ،والمرأة ،وطبقات المجتمع،
واآلداب ،واألعياد.
-المظهر الديني :ويبحث في المعتقدات الدينية ،والعبادات ،وعالقة اإلنسان ونظرته إلى الكون والحياة.
-اإلنسان:
يعتبر اإلنسان بما يتضمنه من أفكار وعادات و تقاليد و نضال العامل األول من عوام ل قي ام الحض ارات،
إذ أنه يعتبر الجوهر األساسي في المعادلة ،فبدونه ال يمكن تصور إمكانية لقيام أي نوع من الحضارة ،كم ا
أن أفكار اإلنسان هي المبعث األهم لقيام الحضارات ،فالحضارة االسالمية مثال ابتدأت في فكر رجل واحد
وس رعان م ا انتقلت بع د ذل ك لتعم أم الق رى ،وم ا حوله ا لتنتهي في ظ رف عق ود من ال زمن لتش مل
امبراطورية عظيمة هيمنت لعصور طويلة على تاريخ االنسانية.
-الموارد االقتصادية:
تعت بر الم وارد االقتص ادية من أهم العوام ل بع د عام ل اإلنس ان في نش وء الحض ارات وقيامه ا ،فبن اء
حضارة عظيمة يحتاج الى أموال طائلة ،وهو ما يجب العمل على تأمينه سواء من خالل استغالل الثروات
الطبيعية أو بإقامة أنظمة اقتصادية فعالة ومنتجة ،أما في القديم فقد كان الغ زو أح د أهم القن وات األساس ية
لتأمين هذه الموارد.
-البيئة المالئمة:
تعتبر البيئة هي الحاضن لكل تفاعالت اإلنسان ،ومن الطبيعي أن يشكل الوسط البي ئي ع امال من العوام ل
المؤثرة على قيام الحضارات ،فكلما ك انت البيئ ة أك ثر مالءم ة ك ان نش اط اإلنس ان وفاعليت ه في اإلنت اج
مضاعفة ،كما هو الشأن بالنسبة لحضارة ما بين النهرين ومصر القديمة ،فوفرة المياه وخصوبة األراضي
حفزهما على اإلبداع أكثر في المجال الحضاري.
-تالقح الشعوب:
ال يمكن لش عب من الش عوب أن يب دأ مس يرة الحض ارة من الص فر ،فالب د ل ه من اإلطالع على تج ارب
اآلخرين ومنجزاتهم واالقتباس منها ،فقد أخذت اليونانية من البابلية ومن مصر والروماني ة من اليوناني ة و
المسلمون من المناطق التي فتحوها وهكذا ،فأيم ا حض ارة تنش أ الب د وأن ترتك ز على حض ارة س بقتها أو
تكون معاصرة لها.
-4-1المص<<ادر المادي<<ة (األثري<<ة) األولي<<ة :هى مص ادر أثري ة عاص رت وعايش ت مج رى األح داث
التاريخي ة ،يتم العث ور عليه ا واكتش افها من قب ل علم اء اآلث ار أثن اء الحف ائر من حين آلخ ر فى المن اطق
األثرية المختلفة ،وتشمل عدة أنواع:
-اآلثـــــار :تعد المصدر األساسى لدراسة الحضارات وتشمل جميع أنواع البقايا األثرية القائمة ،فقب ل أن
يهتدي اإلنسان الى اختراع الكتابة ،اقتصرت مصادرنا على آثاره المادية التي خلفها لنا في المواضع ال تي
حل وسكن فيها ،كأدواته المصنوعة من الحجارة والخشب وبيوته ،وكذلك عظامه وعظام الحيوان ات ال تي
كان يصطادها ،وبقايا النباتات والمعلومات الجيولوجية مما يتعلق بأحوال المناخ والبيئة التي عاش فيها.
-النقوش :هى إحد المصادر األولية لدراسة الحضارات ،وتشمل كل الرسوم والكتاب ات على م واد ص لبة
كالحجر والرخام والمعادن والخشب والصلصال مثل :النقوش والتصاوير التي نقشها اإلنس ان الب دائي في
سقوف الكهوف التي عاش فيها في العصور الحجرية القديمة.
-السجالت والوثائق :عندما اهتدى اإلنسان إلى اختراع الكتاب ة أض يف مص در جدي د إلى اآلث ار المادي ة،
ونعني بذلك السجالت والوث ائق المدون ة ،كس جالت المل وك واألم راء ال تي خلفه ا لن ا الق دماء ،ال تي أخ ذ
بتدوينها على ألواح الطين والحجر وعلى الجلود والمعادن.
-البرديات :هى الم ادة الوثائقي ة المكتوب ة على ورق ال بردى وتع د مص دراً لكث ير من ج وانب الحض ارة
المختلفة ،ومن أنواع البرديات فى مجال الطب ":بردي<<ة أي<<برس الطبية" ،وفى مج ال الت اريخ" :بردي<<ة
تورين".
-األوستراكا :هىي قط ع من الفخ ار المكس ور وك انت لس هولة الحص ول عليه ا تس تخدم فى الكتاب ة ،حيث
وجدت الطبقة المتوسطة والفقيرة ضالتها فى كسرات الفخار اللتقاط م ا يناس بهم مجان ا الس تخدامها كم ادة
كتابة نظرا الرتفاع أسعار ورق البردى.
-النقود :عبارة عن قطع معدنية تحمل خاتما ً من السلطة العامة لضمان وزنه ا ودرج ة نقائه ا ،كم ا تحم ل
صور الملوك والحكام فى تلك الفترة.
وقد كثرت المصادر المادية في العهود التاريخية وتنوعت ،فشملت فن العمارة كالمباني العامة من قصور
ومعابد وبيوت ،وكذلك اآلثار الفنية كالمنحوتات والصور إلى غير ذلك من آثار الفن.
-4-2المصادر األدبية (المكتوبة) الثانوية :هى المصادر التى اعتمدت في تناولها لألحداث التاريخة على
المصادر المادية األولية ،ولم تعاصر األحداث التاريخية ،وتشمل األنواع التالية:
مانيتون السمنودى :يعد أول مؤرخ قديم ح اول كتاب ة ت اريخ مص ر معتم داً على معرفت ه لق راءة النق وش
المصرية القديمة.
هيردوت :زار مصر وكتب عنها فى كتابه (تمحيص األخبار) وينقسم إلى تسعة أجزاء ،وخص ص الج زء
الثانى منه لمصر ،وتحدث فيه عن جغرافيتها ومدنها واألحداث التاريخية التى م رت به ا وأعم ال ملوكه ا
ومظاهر حضارتها.
-3كتابات الشعراء :منهم هوميروس الشاعر اإلغريقى صاحب اإللياذة واألوديسة ،وال تى تعت بر مص درا
تاريخيا نستقى منه المعلومات المتنوعة لبالد اإلغريق القديمة.
-4األساطير :تمثل األساطير جزءا من التراث الشعبى ،وتعد مصدرا أدبي ا يعكس كث يرا من ص ور الحي اة
ان . ة الطوف ل قص ية ،مث ة والسياس االجتماعي
-5بعض اإلش<<<<<<<ارات في الكتب المقدس<<<<<<<ة وفي كتاب<<<<<<<ات الرحال<<<<<<<ة أو اإلخب<<<<<<<اريين الع<<<<<<<رب:
مثل ما ورد في القرآن الكريم عن مصر وفرعون وقصة الخ روج منه ا ،وم ا ق ام ب ه س يدنا موس ى علي ه
السالم من أعمال ،وقد وردت بعض اإلشارات عن وصف آثار مص ر وعج ائب مص ر في بعض كتاب ات
الرحالة العرب ومنهم :اليعقوبي والكندي والبيروني ،وغيرهم مثل ابن بطوطة وابن خلدون.