You are on page 1of 95

‫الجمهـ ـ ـ ـ ـ ــورية الجـ ـ ـ ـزائرية الديمقـ ـراطية الشعبي ـ ـ ـ ــة‬

‫وزارة الت ـ ـ ــعليــم الع ـ ــالــي والبح ــث العلم ـ ـ ــي‬


‫جامعة آكلي محند أولحاج البويرة‬
‫كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬
‫قسـ ـ ــم الت ـ ـ ــاريخ‬

‫السنة الجامعية ‪ 2022- 2021‬م‪ 1443- 1442 /‬ه‬

‫‪1‬‬
‫مقياس‪ :‬تاريخ اإلغريق و الرومان‬
‫السداسي األول‬
‫المحتوى‪:‬‬
‫مقياس‪ :‬تاريخ اإلغريق و الرومان‬
‫السداسي األول‬
‫المحتوى‪ :‬الجزء األول ‪:‬‬
‫الحضارة االغريقية‬
‫‪ -‬االطار الجغرافي للحضارة االغريقية‬
‫‪ -‬الحضارة الموكينية‬
‫‪ -‬العصر الهوميري‬
‫‪ -‬نظام مدينة الدولة‬
‫‪ -‬النظام السياسي‬
‫‪ -‬الحياة االقتصادية و االجتماعية‬
‫‪ -‬المنجزات الحضارية ‪ :‬الفلسفة ‪ ،‬التاريخ ‪...‬‬
‫الجزء الثاني ‪ :‬الحضارة الرومانية‬
‫‪-‬االطار الجغرافي للحضارة الرومانية‬
‫‪ -‬تأسيس روما بين األسطورة و الحقيقة‬
‫‪ -‬النظام السياسي في روما‬
‫‪ -‬الحياة االقتصادية‬
‫‪ -‬المجتمع الروماني‬
‫‪ -‬الحياة األدبية و الفنية‬

‫‪2‬‬
‫مقدمة‪:‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫ان التوغل في دراسة تاريخ الحضارات القديمة‪ ،‬يسمح لنا باالطالع على املنجزات‬
‫الحضارية للشعوب القديمة ‪ ،‬حيث أظهرت الدراسات القديمة و الحديثة منها أنها كانت‬
‫على درجة كبيرة من التقدم و الرقي رغم بساطة اإلمكانيات املتاحة لها ‪.‬و ملا اعتبرت‬
‫حضارات مصر وبالد مابين النهرين حضارات أصلية في منظور املختصين بسبب اسبقيتهما‬
‫التاريخية ملا شهدته من تطور األلف الرابع قبل امليالد ‪ ،‬اال أن االستمرارية في حمل مشعل‬
‫الحضارة استمر فيما بعد مع الفينيقيين و االغريق و الرومان ‪.‬حيث اعتبرت حضارات‬
‫مقتبسة كونها جاءت في مرحلة متاخرة عنها ‪ .‬و اخذت منها الكثير منما وصلت اليه من‬
‫إنجازات في مختلف املجاالت ‪.‬‬

‫وفي هذا االطار اهتم الدارسون بدراسة التاريخ الحضاري للشعوب القديمة خاصة في‬
‫كل من بالد االغريق و الرومان نظرا لطبيعة نتاجها الفكري و الحضاري من جهة ‪ ،‬و‬
‫امتدادها التاريخي الذي يرتبط بجذور املجتمعات األوروبية من جهة أخرى ‪ ،‬خاصة و أن‬
‫أغلب الكتابات التي اهتمت بتاريخ الحضارتين أساسا أجنبية ‪.‬‬

‫و منما تقدم يتضح انه البد من تخصيص حيز من االهتمام لهاتين الحضارتين و هو ما‬
‫كان ضمن مقرر املوائمة الخاص بالسنة الثالثة ليسانس في اطار تاريخ االغريق و الرومان‬
‫الذي اشرفنا على تدريسه لطلبة السنة الثالثة تاريخ خالل السداس ي األول ‪.‬‬

‫لقد حاولنا االملام بهذا املوضوع من خالل محاضراتنا التي القيت على الطلبة و التي‬
‫قسمت الى جزئين حيث يحتوي كل جزء على مجموعة من املحاضرات ‪.‬‬

‫خصصنا الجزء األول لدراسة الحضارة االغريقية بحكم األسبقية الزمنية عن‬
‫الرومانية ‪ ،‬لنتطرق في الجزء الثاني لدراسة تاريخ الحضارة الرومانية ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫مقدمة‪:‬‬

‫و يحتوي الجزء األول على حوالي ستة محاضرات ‪ ،‬ركزنا في األولى على دراسة االطار‬
‫الطبيعي و الجغرافي لبالد االغريق من خالل دراسة املوقع الجغرافي و املناخ و طبيعة‬
‫التضاريس نظرا لتأثيرها املباشر في قيام الحضارة ‪.‬‬

‫وتناولنا في املحاضرة الثانية دراسة املجال البشري و طبيعة التركيبة البشرية للمجتمع‬
‫االغريقي القديم التي اعتبرت فسيفساء و مزيج من الشعوب املحلية و األجنبية ز كيف‬
‫انصهرت لتكون مجتمعا متكامال متماسكا ‪.‬‬

‫أما املحاضرة الثالثة ركزنا من خاللها على دراسة االطار التاريخي للحضارة االغريقية و‬
‫الجذور التي ساهمت في بلورة وتكوين هذه الحضارة خالل األلف الثاني قبل امليالد من‬
‫كريت و موكيناي ‪.‬‬

‫وجاءت املحاضرة الرابعة كعرض لطبيعة النظم السياسية التي مرت على بالد‬
‫االغريق منذ القرن الثامن الى غاية القرن الخامس قبل امليالد ‪ ،‬و من خالل ذلك يتضح‬
‫خصوصية انجازات االغريق و اقبالهم على تفيير نظم الحكم الى غاية تطبيق النظام‬
‫الديمقراطي حوالي القرن الخامس قبل امليالد‪.‬‬

‫ومن خالل املحاضرة الخامسة تم تقديم عرض حول الحياة االقتصادية و االجتماعية‬
‫في بالد االغريق ‪ ،‬و تطرقنا الى طبيعة النشاطات االقتصادية املمارسة فضال على دراسة‬
‫النظام االجتماعي و التركيبة الطبقية بما في ذلك طبيعة الحياة الدينية‪.‬‬

‫اما املحاضرة السادسة خصصناها لدراسة املظاهر الحضارية في بالد االغريق من‬
‫أدب وفلسفة تاريخ و منجزات الحضارة في مختلف العلوم التي اصبخت في مابعد مرجعية‬
‫فكرية للحضارات االحقة لها ‪.‬‬

‫اما الجزء الثاني فلقد خصص لدراسة تاريخ الحضارة الرومانية التي اعتبرت بدورها‬
‫انموذجا فريدا بين الحضارات القديمة ملا حمله من ميزة التوسع في العالم القديم الى غاية‬
‫نهاية التاريخ القديم ‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫مقدمة‪:‬‬

‫ولقد خصصنا لتاريخ الرومان عدة محاضرات حاولنا من خاللها دراسة مختلف‬
‫الجوانب الحضارية من القرن األول قبل امليالد الى غاية السقوط معرجين على البدايات‬
‫األولى للحضارة الرومانية عند مرحلة التأسيس ‪.‬‬

‫شملت املحاضرة األولى دراسة لالطار الطبيعي و البشري لروما ‪ ،‬وتناولنا في املحاضرة‬
‫الثانية طبيعة النظم السياسية و العسكرية لروما ‪ ،‬في الوقت الذي ركزنا في املحاضرة‬
‫الثالثة على دراسة الحياة االقتصادية و االجتماعية ‪ ،‬لتأتي املحاضرة الرابعة لعرض‬
‫مختلف مجاالت التطور الحضاري عند الرومان من أدب و فكر و عمران و رسم ونحت‬
‫وغيرها من اإلنجازات التي حفظتها املخلفات األثرية في مختلف ربوع العالم القديم أمام‬
‫االمتداد الجغرافي لهذه الحضارة‬

‫ان دراسة هذا املقياس تم توزيعه على مجموعة من املحاضرات اختلفت من حيث‬
‫التركيبة الكمية بسبب طبيعة كل حضارة من جهة ‪ ،‬و طبيعة كل مجال من مجاالت‬
‫الدراسة من جهة أخرى تخذين بعين االعتبار العامل الزمني الذي يفرض علينا توزيع‬
‫املحاور على الدراسة وفق سلم زمني مدروس‬

‫‪5‬‬
‫مقدمة‪:‬‬

‫‪6‬‬
6
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫املحاضرة األولى‪ :‬اإلطار الطبيعي و البشري للحضارة اإلغريقية‬

‫‪-I‬االطار الطبيعي‪:‬‬

‫‪ .1‬منطقة الحوض املتوسط‪:‬‬

‫إذا توفرت عوامل االستقرار لدى العنصر البشري الذي يدرك تماما خصائص الطبيعة‪.‬‬
‫فذلك يؤشر على انه ستولد حضارة في هذا املكان‪ ،‬و لقد تجمعت عوامل مختلفة في منطقة البحر‬
‫األبيض املتوسط طبيعية و بشرية‪ ،‬أدت إلى انتشار مراكز حضارية حول املنطقة دفعت إلى تعامل‬
‫الشعوب فيما بينها‪.‬‬
‫و يجمع البحر األبيض املتوسط بين ثالث قارات إفريقيا و آسيا و أوروبا‪ .‬كما أن كثرة‬
‫التعرجات أدت إلى إقامة موانئ طبيعية‪ ،‬فضال على انتشار الجزر حول املنطقة ( جزر بحر ايجا)‬
‫إلى جانب هدوء البحر طيلة أيام السنة تقريبا أدى إلى إقبال شعوب املنطقة على االرتباط به حيث‬
‫تمرسوا على فن املالحة‪ .‬حتى أن تضاريس اليابسة املحيطة بالبحر كانت تشكل عوامل فصل بين‬
‫سكان املناطق القريبة من البحر و سكان املناطق الداخلية ‪.1‬‬

‫و من ضمن العوامل األخرى التي دفعت شعوب املنطقة للتعامل فيما بينها املناخ املعتدل‬
‫الذي يميز املنطقة‪ ،‬حتى أن التفاوت في صالحية األراض ي الزراعية فرض التعاون االقتصادي بين‬
‫شعوب املنطقة ‪ ،2‬فهناك مناطق غنية بالقمح مثال كمصر في الوقت الذي توجد فيه مناطق فقيرة‬
‫كبالد اإلغريق ‪ ،3‬التي رغم ذلك كانت تنتج كميات معتبرة من الزيوت و النبيذ ‪ ،‬ضف إلى املواد‬

‫‪1‬‬
‫تشكل التضاري س طوقا طبيعيا تحيط بسواحل البحر‪ ،‬فهناك جبال البرانيس شمال شبه جزيرة ايبيريا‪ ،‬ثم جبال األلب في غاليا و ايطاليا‪ ،‬ثم‬
‫منطقة البلقان و شبه جزيرة القرم‪ ،‬ثم سلس لة جبال فيثيوس شمال آسيا الصغرى‪ ،‬و جبال طوروس في بادية الشام ثم تكمل الدورة في حوض‬
‫المتوسط في إفريقيا ‪ ،‬حيث الصحراء الكبرى و جبال األطلسي التي تبدأ من شمال القار ة و تنتهي في الجزء الغربي منها‪ ،‬أنظر‪ :‬حسين الشيخ‪،‬‬
‫اليونان ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪،1992 ،‬إسكندرية‪ ،‬ص ‪. 19‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Emile Bournouf , histoire de la littérature grecque , Tome premier , libroure edition , paris , 1869 , P2 .‬‬
‫‪3‬‬
‫توضح األدلة األثرية احتمال وجود عالقات تجارية بي ن مصر و مختلف جزر البحر المتوسط‪ ،‬خاصة جزيرة كريت‪ ،‬منذ عصر ما قبل‬
‫األسرات ‪ .‬إذ عثر على أواني ذات النمط اإليجي ‪ ،‬و هي تتميز برقبتها الضيقة‪ ،‬و إن لها أربع أياد عمودية حو ل الوسط‪ ،‬و لقد عثر في أبيدوس‬
‫على عدد كبير من هذه األواني التي تنتمي الى أصل إيجي في مقابر الملكين ( جت ) و ( سموخت)‪ ،‬كما عثر في مقبرة نسبت إلى الملك (جت)‬
‫في سقارة على اثنين من هذه ا ألواني ‪ ،‬و يعتقد البعض ان مصر كانت تصدر لكريت معدن النحاس مقابل النبيذ و الزيت التي ربما تكون قد جلبت‬
‫في هذه األواني‪ ،‬كما عثر في أسفل البهو الرئيسي لقصر الملك مينوس – بكنوسوس على قطع أل واني حجرية تشبه في صناعتها األواني‬
‫المصرية ‪ ،‬التي تعود إلى هذا العصر‪ .‬انظر ‪ :‬احمد أمين سليم‪ ،‬دراسات في تاريخ الشرق األدنى القديم‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة و النشر‪،‬‬
‫بيروت ‪ ،‬ص ‪.41‬‬

‫‪7‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫الخام توزعت بنسب متفاوتة رغم كونها مهمة في قيام صناعات مختلفة ‪ ،‬و من هنا كان انطالق‬
‫الحركة التجارية في املنطقة ‪ .‬و استلزم ذلك وجود أساطيل بحرية بمصر و كريت ‪ ،‬و كانت فينيقيا‬
‫تعد همزة وصل بين مختلف املناطق ‪. 4‬‬
‫هذا البناء الحضاري أدى إلى ظهور صالت حقيقية بين مختلف املراكز التجارية فدفع إلى‬
‫قيام عامل التأثير و التأثر‪ .‬و تعد منطقة شرق البحر املتوسط مركز التنقل الحضاري فيما شهدته‬
‫من حضارة مصر و بالد ما بين النهرين و فينيقيا و انتقلت هذه املؤثرات الشرقية إلى شبه جزيرة‬
‫البيلوبونيز ‪.5‬‬
‫كما يمتاز حوض املتوس ط بلطافة املناخ و اعتدال الطقس و صفاء الجو و انتظام تعاقب‬
‫الفصول ‪ ،6‬ففي الشتاء تهطل األمطار لتغذية األراض ي‪ ،‬و في فصلي الربيع و الخريف تهب الرياح‬
‫املعتدلة ا ملنعشة لإلنسان و املثيرة للنشاط‪ ،‬و هو املناخ الذي يمكن اإلنسان من العيش في الهواء‬
‫الطلق معظم أيام السنة‪ ،‬حتى أن الشمس الدافئة اللطيفة ال تنهك األعصاب و ال تشل الحركة‬
‫حتى صيفا ‪ ،7‬و لكن صيفه الجاف غالبا ما يبدأ قبل األوان أو يستمر أكثر من املعتاد‪ ،‬لذلك ترى‬
‫الفالحين ال يتوقفون عن العمل و يظهرون عناية ببعض املحاصيل كالزيتون و الكروم حتى‬
‫يعوضون ما يخسرونه من زراعة الحبوب ‪.‬‬
‫إن هذه الظروف الطبيعية ملنطقة البحر املت وسط فرضت على التجمعات البشرية تأمين‬
‫معيشتهم من االجتهاد و االشتغال باملالحة و التجارة و الصناعة و اندفاعهم للحركة و النشاط‬
‫بصورة مستمرة لم يمنعهم من التمتع بمحاسن الطبيعة و االنصراف إلى التفكير و التأمل‪ ،‬و هكذا‬
‫فان الشروط الالزمة لنشأة الحضارة و تطورها و تقدمها متوفرة في هذه املنطقة من ا لعالم أكثر‬
‫من أي مكان آخر ‪ ، 8‬و بالد اإلغريق شبه جزيرة صغيرة تتفرع من شبه جزيرة البلقان الكبيرة ‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ارتبط الفينيقيون بعالقات تجارية مع شعوب عديدة مثل المصريين و الكريتيين ‪ ،‬و سمح الظرف التاريخي بظهور الفينيقيين كقوة تجارية و‬
‫بحرية ال يستهان بها‪ ،‬بعد أن تخلصت فينيقيا من النفوذ المصري أثناء حكم رمسيس الثالث‪ ،‬الذي واكبه فيما بعد تقويض قوة مصر البحرية ‪ ،‬و‬
‫كذلك انتهاء السيطرة البحرية المينوية على جزر بحر ايجا‪ .‬انظر ‪ :‬حسين الشيخ‪ ،‬اليونان و الرومان ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية‪ ، 2003 ،‬ص ‪. 41‬‬
‫‪5‬‬
‫كلمة بيلوبونيز تعني بيلوس ‪ ،‬و تعرف اليوم شبه جزيرة الموزة‪ .‬و بيلوس هو اسم شخصية شبه أسطورية عند اإلغريق‪ ،‬و هو ابن اتريوس و‬
‫جد أغاممنون‪ .‬أنظر‪ :‬كريم مناصر‪ ،‬دور المسرح في بالد اإلغريق‪ ،‬مذكرة ماجستير‪.2008 ،‬‬

‫‪6‬‬
‫‪Alexis Pierron , histoire de la littérature grecque , Paris , P10 .‬‬
‫‪7‬‬
‫حسين الشيخ ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪19‬‬
‫‪8‬‬
‫محمد كامل عياد ‪ ،‬تاريخ اليونان ‪ ،‬الجزء األول ‪ ،‬الطبعة األولى ‪ ،‬دمشق ‪ ،‬ص ‪20‬‬
‫‪8‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫‪ .2‬املوقع الجغرافي لبالد اإلغريق و أثره على التكوين الحضاري للمنطقة‪:‬‬


‫أ‪ .‬املوقع الجغرافي و نظرية القدماء له‪:‬‬

‫لقد ط أر على النظريات الجغرافية في تحديد الموقع الجغرافي لبالد اإلغريق تغي ار بين‬
‫التفسير الحالي و القديم‪ ،‬لقد نظر الجغرافيون القدامى إلى موقع بالد من زاوية مختلفة‪ ،‬ألن‬
‫تصورهم للعالم اختلف عن التصور الحالي‪ ،‬فلم تكن أوروبا في نظرهم قارة تقع بين القطب‬
‫الشمالي و المحيط األطلسي و البحر المتوسط ‪ ،‬بل كانت تتألف من السواحل الشمالية للبحر‬
‫المتوسط و البحر األسود‪ ،‬أي تتكون من أشباه جزر ثالثة‪ ،‬بالد اإلغريق‪ ،‬ايطاليا‪ ،‬اسبانيا‪،‬‬
‫و تقع وراءها بالد لم تكن معروفة تقريبا ‪.9‬‬

‫و لم تكن أسيا هي القارة المعروفة اليوم باتساع مساحتها‪ ،‬بل كانت تتألف من الجزء‬
‫الغربي من شبه جزيرة أسيا الصغرى و سواحل فينيقيا ‪ ،‬والمنطقة الخلفية التي لم تكن تمتد‬
‫حسب القدماء إلى مسافة بعيدة وراء بالد ما بين النهرين‪.‬‬

‫أما الهند فلقد ظلت بالدا عجيبة شبه خرافية تقع في الطرف األقصى من العالم‪ ،‬في‬
‫حين أن افريقيا التي أطلق عليها اسم ليبيا‪ ،‬لم تكن تتألف إال من الساحل و هو الحافة‬
‫الجنوبية من البحر المتوسط ‪ ،‬و تأتي هذه التفسيرات رغم المحاوالت المبكرة التي كانت في‬
‫المالحة‪ ،‬كما تصور اإلغريق و الرومان األرض منطقة من اليابسة تنتظم حول البحر‬
‫المتوسط‪ ،‬و لقد ظل هذا االعتقاد سائدا إلى أن اعتقد فيما بعد أن العالم هو اإلمبراطورية‬
‫الرومانية ‪.10‬‬

‫‪9‬‬
‫ركز سترابون في كتابه الجغرافيا عل ى وصف المناطق الشرقية و ثرواتها‪ ،‬و لقد اعتقد أنها أقصى أطراف األرض‪ .‬انظر‪:‬‬
‫‪Strabon , Geographie , Livre 1 , Paris 1865 , chapitre 1 , P 2 , Trad par . Andée Tardier .‬‬
‫‪10‬‬
‫لطفي عبد الوهاب يحي‪ ،‬اثر العامل الجغرافي في تاريخ اثينا‪ ،‬مطبعة دار النشر الثقافية‪ ،‬االسكندرية‪ ،1956 ،‬ص‪ . 5 .‬و انظر ايضا ‪:‬‬
‫سيد احمد الناصري‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.10 .‬‬
‫‪9‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫ب‪ .‬تحديد املوقع‪:‬‬

‫تقع بالد اإلغريق في أقص ى الطرف الجنوبي الشرقي من القارة األوروبية و املطلة على البحر‬
‫املتوسط‪ ،‬و تكاد تالمس جزيرة األناضول عبر مئات الجزر املنتشرة في املنطقة الفاصلة بينهما‪ ،‬و هذا ما‬
‫جعل اإلغريقي يولي وجهه تجاه الشرق دائما في فت رات حضارته األولى ‪.‬‬
‫إن طبيعة املنطقة جبلية بحرية‪ ،‬فالجبال تغطي حوالي ‪ ٪ 80‬من مساحة بالد اإلغريق‪ ،‬و هي‬
‫منتشرة في شكل سالسل جبلية تمتد عبر بالد اإلغريق‪ ،‬و أشهر هذه الجبال جبال بندوس (‪)Pendos‬‬
‫التي تمتد في شكل قوس ضخم من البلقان الغربية إلى بالد اإلغريق و جزر البحر اإليجي و غرب آسيا‪،‬‬
‫و يتفرع من هذه السلسلة عدة شعاب جبلية تميز الجانب الشرقي من بالد اإلغريق ‪ . 11‬و لقد أدت هذه‬
‫الطبيعة إلى التمزق الشديد للسطح بهذه الجبال و املرتفعات و الوديان‪ ،‬و مع أن هذه الجبال متوسطة‬
‫االرتفاع حيث ال تزيد عن ثمانمائة قدم في اغلبها ‪ .‬فإنها تعمل كحواجز طبيعية بين السهول‪ ،‬و تحول‬
‫دون االتصال بين الجماعات املختلفة ‪ ،12‬و من ثم فقد انقسمت بالد اإلغريق إلى أقاليم تكاد تكون‬
‫معزولة عن بعضها البعض إال من ممرات ضيقة بين املرتفعات الجبلية‪ ،‬أو شريط على ساحل‬
‫البحر ‪.13‬‬
‫و يشكل عبور جبال هيلكون الواقعة بين بؤوتيا و فوكيس عقبة لسالكيه‪ ،‬و ينطبق هذا القول‬
‫أيضا على عبور ج بال بندوس الواقعة بين سطح البحر ‪ ،‬وتغطي هذه املمرات الثلوج في فصل الشتاء‬
‫ما يعيق حرية التنقل‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫المالحظ انه أمام طبيعة التكوين الجيولوجي لمنطقة البلقان تقل األراضي السهلة الصالحة للزراعة‪ ،‬فهي تقل عن ربع شبه الجزيرة‪ ،‬إلى جانب‬
‫قلة خصوبة التربة‪ ،‬أما الجهات الغير سهلية تنعدم النباتات‪ ،‬حيث ال تسمح إال بالقليل من أشجار الزيتون‪ ،‬فضال عن ذلك فان الجفاف يغلب على‬
‫منطقة حوض بحر ايجا على العموم ما شعر اإلغريق بفقر أراضيهم‪ ،‬فاندفعوا مهاجرين إلى مناطق أخرى خارج بالدهم الحافلة بالمنافذ و الخلجان‬
‫انظر‪ :‬عاصم احمد حسين‪ ،‬مدخل إلى تاريخ و حضارة اإلغريق ‪ ،‬مكتبة نهضة الشرق ‪ ،‬ص ‪.53‬‬
‫‪12‬‬
‫إبراهيم عبد العزيز جندي ‪ ،‬معالم التاريخ اليوناني القديم ‪ ،‬الجزء األول ‪ ،.‬ا لمكتب المعري لتوزيع المطبوعات‪ ،‬القاهرة‪ ،1998 ،‬ص‪.56 .‬‬
‫‪13‬‬
‫لم تكن هذه الممرات ميسورة العبور و من بين األمثلة على وعورة بعضها لدينا جبال جرانيا )‪ (Geranea‬و جبال كراتية)‪ (Kareta‬الفاصلة‬
‫بين منطقتي كورنتا و أتيكا يوجد ممر على الحافة الشرقية لهذه الجبال تتراوح ارتفاعه بين ‪ 600‬و ‪ 700‬قدم ما يخلق صعوبة لعابريه من‬
‫المسافرين بسبب الرياح الشديدة االندفاع نحو البحر‪ ،‬و لم تكن الرياح هي العقبة الوحيدة حيث كان يضيق في بعض أجزاء ه حتى ال يكاد يكفي إال‬
‫لعبور شخص واحد فقط و أن كان هذا العبور يتم بجهد و مشقة ‪ ،‬و جبل كيثاريون (‪ )Kithareon‬الذي يمتد على حافتيه ممر يصل منطقتي‬
‫كورنتا و بؤوتيا‪ ،‬وقد كان المرور في هذا الممر يمثل مشقة كبيرة تواجه سالكيه‪ .‬أنظر‪ :‬إبراهيم عبد العزيز جندي ‪ :‬المرجع السابق ‪ .‬ص ‪56‬‬

‫‪10‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫و إذا كانت الجبال تمثل عنصر فصل ال وصل بين املناطق املختلفة و حتى ممراتها على الرغم‬
‫من صعوبتها ‪ ،‬فان السكان لم يهتموا بالعناية بها و تعبيدها و ذلك حتى ال يتعرضوا للغزو عبرها من‬
‫قبل الجماعات املجاورة‪ ،‬كما كان للبحر بصمات قوية على بالد اإلغريق و شخصيتها‪ ،‬فقد كانت‬
‫لحركة االنكسارات الجيولوجية في هذه املنطقة ابعد األثر عليها‪ ،‬حيث غزا البحر العديد من الوديان‬
‫و حولها إلى خلجان تمتد ملسافات بعيدة في اليابسة‪.‬‬
‫و في املقابل فإن سالسل الجبال تمتد داخل البحر مكونة أشباه جزر بارزة‪ ،‬ثم تستمر‬
‫لتشكل كذلك جزرا متنافرة‪ .‬و أما التداخل الشديد بين اليابسة و البحر فان البحر ال يكون بعيدا‬
‫أبدا عن املسافر فهو ال يبعد عن أية بقعة في بالد اإلغريق إال ملسافة بسيطة‪ ،‬حيث ال يوجد مكان‬
‫يبعد عن البحر بأكثر من واحد و ستون كيلومت را ‪ ،‬و ال مكان في البيلوبونيز يبعد عنه بأكثر من ثالثة‬
‫و خمسين كيلومت را‪ ،‬و أمام هذه الظاهرة كان البحر أحيانا هو الطريق الوحيد للمواصالت بين مدينة‬
‫و أخرى و خاصة الجزر و أشباه الجزر ‪.‬‬
‫و إذا كانت بالد اإلغريق مقطعة في كل مكان‪ ،‬فان الوصف نفسه ينطبق أيضا على البحر‬
‫املحيط بها حيث ال تكاد تغيب اليابسة عن عين املاء‪ ،‬و لقد أثمرت االنكسارات الجيولوجية عن غرق‬
‫املناطق املنخفضة من السالسل الجبلية و بقية املناطق املرتفعة على هيئة جزر ‪ ،‬فكان يوجد في‬
‫البحر اإليجي أربع مائة و ثالث و ثمانون جزيرة‪ ،‬و في غرب بالد اإلغريق حوالي مائة و ستة عشر جزيرة‬
‫مكونة أشباه جزر بارزة‪ ،‬ثم تستمر لتشكل كذلك جزرا متنافرة‪ ،‬و أما التداخل الشديد بين اليابسة و‬
‫البحر فان البحر ال يكون بعيدا أبدا عن املسافر فهو ال يبعد عن أية بقعة في بالد اإلغريق إال ملسافة‬
‫بسيطة‪.‬‬
‫و لم تكن املالحة و اإلبحار ‪ 14‬أمرا يسي را في العصور القديمة و منه فان البحر هو اآلخر سيؤثر‬
‫على اتجاه السكان نحو العزلة السياسية‪ ،‬و إن كانت كثرة الجزر في البحر اإليجي ستساعد على املالحة‬
‫و اإلبحار‪ ،‬هذا بحكم توجه اإلغريق نحو الشرق وحضارته في العصور السحيقة ثم االتجاه نحو‬
‫الغرب حيث األراض ي البكر‪ ،‬و إذا كانت الجبال و البحار تمنع تحقيق الوحدة‪ ،‬فان األنهار هي األخرى‬

‫‪14‬‬
‫في العصور القديمة لم تعرف البوصلة أو الخرائط‪ ،‬فكانت السفن تتحسس طريقها عابرة في حذر‪ ،‬لكنها كانت تجد في الجزر الكبيرة و‬
‫الخلجان المتقاربة مكانا ت حتمي فيه من العواصف المفاجئة ‪ ،‬و يصف هوميروس الممرات المائية بين الجزر المتالصقة بأنها أزقة مائية‪ ،‬لقد كانت‬
‫هذه الجزر بمثابة المعالم التي تسير السفن على هديها في عرض البحر‪ ،‬و أمام عدم توفر الوسائل لم يكن في وسع مالحيهم تحديد مكانهم في‬
‫البحر بدقة‪ ،‬خاصة عندما تكون السماء ملبدة بالغيوم‪ ،‬هذا العامل كان كفيال بإرغام السفن أال تبتعد عن اليابسة إال في القليل النادر‪ ،‬و لم يكن‬
‫اإلغريق يجرؤون على المالحة في فصل الشتاء أو أثناء الليل‪ ،‬بل كانوا يركبون البحر في فصل الصيف فقط و أثناء النهار‪ ،‬ملتزمين بالساحل‬
‫بقدر اإلمكان و بحلول الليل كانت المراكب تتجه على الفور إلى اقرب ميناء ‪ ،‬حيث يتناول البحارة طعامهم‪ ،‬و عليه فلم يكن من الضروري أن‬
‫يحملوا معهم مقادير كبيرة من المؤونة ‪ ،‬فكانت حمولة مراكبهم صغيرة‪ ،‬حيث ال تتعدى أقصى حمولة ‪ 300‬طن في العصر الكالسيكي‪ .‬انظر ‪:‬‬
‫لطفي عبد الوهاب يحي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪. 26 – 25‬‬
‫‪11‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫لم تكن تساعد على تحقيقها‪ ،‬فهي أنهار قصيرة املجرى قليلة املاء مثل نهر بينوس ( ‪ ) Peneus‬في‬
‫نتاليا‪ ،‬ونهر الفيوس (‪ )Alpheus‬في البيلوبونيز‪ ،‬و نهر أخيليوس (‪ )Achelous‬عند حدود إقليمي اكارتانيا‬
‫و ليتونيا ‪ ،15‬و نهر بمسوس في إقليم مسينا ال يصلح للمالحة إال في فترة قصيرة من العام و إبان‬
‫فصل الشتاء‪ ،‬أما بقية األنهار فهي ال تزيد على أن تكون سهوال تمتلئ باملاء إال بعد العواصف الشديدة‬
‫أو خالل فصل الشتاء‪ ،‬و تجف مجاريها بقية فصول السنة‪ ،‬فإذا كانت هذه األنهار غير صالحة‬
‫للمالحة فانه يتعذر عبورها و اجتيازها عندما تفيض مياهها في فصل الشتاء ‪.16‬‬
‫و لقد انعكست الطبيعة الجبلية البحرية الجزرية املعقدة على الشعب اإلغريقي الذي انقسم‬
‫إلى جماعات كثيرة صغيرة منفصلة عن بعضها البعض ‪ ،‬و كل واحدة منها حريصة على استقاللها التام‬
‫و كان بإمكانها أن تدافع عنه بسهولة‪ ،‬كما أنها تمسكت بسيادتها و لم تتصل أبدا بنظام حكم مشترك‬
‫أو حتى اتحادي فيما بينها ‪.‬‬
‫و أمام ذلك تأصلت النزعة االنفصالية السياسية عند هذه الجماعات حتى ذهبت إلى ابعد ما‬
‫ا‬
‫كانت تمليه الطبيعة‪ ،‬و تكونت املدن و الد ول التي استمسكت بحياة االستقالل‪ ،‬و ال ترض ى عنها بديال‪،‬‬
‫و لقد أشاد مفكرو اإلغريق بهذا النظام واعتبروه النظام الوحيد الذي يستطيع اإلنسان أن يعيش في‬
‫ظله‪ ،‬و أدى ذلك بمرور الوقت إلى تأسيس مستعمرات في أراض ي سهلية في سواحل آسيا الصغرى و‬
‫ايطاليا و صقلية ‪. 17‬‬

‫‪ .3‬املناخ و أثره على البالد و السكان‪:‬‬


‫للمناخ اثر كبير على حيا ة و شخصية الفرد في بالد اإلغريق‪ ،‬فمناخ البحر األبيض املتوسط‬
‫املعتدل ‪ ،‬صيفه حار و جاف و شتاءه ممطر دافئ ‪ ،18‬و إن كان هناك اختالف و تنوع في ا ملناطق املختلفة‬
‫من بالد اإلغريق ‪ ،‬فكلما توغلنا داخل البالد و ابتعدنا عن البحر يصبح أكثر تشابها باملناخ القاري (‬

‫‪15‬‬
‫إبراهيم عبد العزيز جندي ‪ :‬المرجع السابق ‪ .‬ص‪.‬ص ‪.58 – 55‬‬
‫‪16‬‬
‫معظم البحيرات في بالد اإلغريق ال مصارف لها سوى المسالك او القنوات الجوفية ( ‪ )katabo thrai‬فإن انسدت هذه القنوات ارتفع منسوب‬
‫المياه فيها‪ ،‬و إذا زالت العواصف هبط ذلك المنسوب ‪ ،‬و قد تختفي البحيرة تماما في بعض األحيان‪ ،‬و هذه الظاهرة الغريبة في نظر قدماء اإلغريق‬
‫أدت إلى نشأة الكثير من األساطير‪ .‬انظر ‪ :‬عبد اللطيف احمد ‪ ،‬تاريخ اليوناني (العصر الهيالدي)‪ ،‬دار النهضة العربية للطباعة و النشر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪ ،1976‬ص‪.24 .‬‬
‫‪17‬‬
‫إبراهيم عبد العزيز جندي ‪ :‬المرجع السابق ‪ .‬ص‪. 59 .‬‬
‫‪18‬‬
‫يرجع اعتدال المناخ في بالد اإلغريق إلى اعتدال البحر المتوسط ‪ ،‬حيث تهب الرياح العكسية الغربية في فصل الشتاء مما يلطف من برودة‬
‫الجو ‪ ،‬بينما يجلب في الصيف الرياح الشمالية الشرقية الجافة الباردة فتلطف من درجة الحرارة انظر‪ :‬المرجع السابق ‪ .‬ص ‪59‬‬

‫‪12‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫مناخ وسط القارة األوروبية)‪ ،‬و عموما فان مناخ البالد مالئم لنشأة الحضارات التي قامت خاصة على‬
‫أطراف و سواحل البالد كحضارة كريت و الحضارة املوكينية ‪.‬‬

‫كما أن اعتدال املناخ و سطوع الشمس لساعات طويلة صيفا و شتاءا كان له عظيم األثر في‬
‫حياة اإلغريق الجماعية‪ ،‬فكان اإلغريقي يقض ي ساعات طويلة من وقته خارج املنزل و يلتقي ببقية‬
‫الجماعة‪ ،‬حيث يمكنه تبادل األفكار و شحذ القدرات العقلية و تنمية فكرة الحياة املشتركة‪ ،‬و كان‬
‫صقل ‪ 19‬و صهر هذه األفكار املشتركة يتم في ساحة املدينة العامة أو السوق ( ‪ )Agora‬و كان ثمرة هذا‬
‫كله النضج السياس ي‪.‬‬

‫كما أن سطوع الضوء لساعات طويلة سواء على الجبال أو البحار و األنهار و الغابات و املراعي و‬
‫املروج و املزروعات‪ ،‬و كلها غالبا ما تؤدي إلى تباين األلوان و كان لهذا األثر البالغ في التأثير في‬
‫الحواس‪ ،‬و ملا تكون الحواس نشطة و مشحوذة في حماس فنتيجة ذلك أن يكون العقل متأهبا‬
‫لتمحص و تأمل كل ش يء و تفسير األمور و األحوال ‪.20‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ -‬كانت السوق ( ‪ ) Agora‬ساحة متعددة األغراض لتبادل السلع و المنافع و التقاضي و تبادل األفكار‪ ،‬و كذلك للحوار بين الناس ‪ .‬نفسه ‪ ،‬ص‬
‫‪60‬‬
‫‪20‬‬
‫لطفي عبد الوهاب يحي ‪ ،‬اليونان مقدمة في التاريخ الحضاري ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ ،‬ص ‪. 39‬‬
‫‪13‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫‪14‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫املحاضرة الثانية ‪ :‬الخصائص البشرية‬

‫‪ - I‬السكان‪:‬‬

‫‪ )1‬التسمي ــة‪:‬‬

‫اختلفت التسميات التي أطلقها المؤرخون على الشعب اإلغريقي منذ بداية العصور‬
‫التاريخية بين يوناني و إغريقي و هيليني و لم تعرف بالد اإلغريق بأي تسمية من هذه منذ‬
‫العصور السحيقة و أول مصدر أدبي يطلعنا على أسماء هذا الشعب هو ما ورد في ملحمتي‬
‫اإللياذة و األوديسا المنسوبتين لهوميروس ‪ ،‬حيث وردت عدة تسميات منها‪:‬‬

‫‪ ‬اآلخيون(‪ :) Acheeor‬نسبة إلى منطقة في إقليم تساليا عرفت باسم آخيا ‪ )Achaia ( 1‬أو فثيا‬
‫(‪ )Phthia‬أو اخيايا افتيوس (‪ ) Achaia Phtheos‬و هي أكثر التسميات شيوعا و عرفت طريقها‬
‫للشعوب املجاورة مع تحويرها وفقا للسان كل امة ‪. 2‬‬
‫‪ ‬األرجيوس‪ :‬نسبة إلى مدينة ارجوس و هي إحدى مدن إقليم ارجوليس في شبه جزيرة‬
‫البيلوبونيز ‪ ،‬ويطلق عليهم أحيانا اسم الدنانيين نسبة إلى داناوس و لقد وردت هذه التسمية في‬
‫النصوص املصرية (‪. ) Denyen‬‬
‫‪ ‬يطلق اسم هيالس (‪ )Hellas‬على املنطقة الواقعة حول خليج ماليا عند الحدود الفاصلة بين‬
‫وسط بالد اإلغريق و تساليا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫أطلق عليهم الحيثيون اسم االخياوين أو االهياوين ( ‪ . ) Ahlaol‬ورد ذكر هذه التسمية في عشرين لوحا تم العثور عليها في بوكازكوي (‬
‫‪ ) Boghaz kawi‬و هذه التسمية هي طريقة الحيثيين في الكتابة ( ‪ ) Akhiawoi‬األخيين الذين كانوا شعبا ذا سيادة في بالد اإلغريق ‪ ،‬و أطلق‬
‫عليهم المصريون تسمية االكيوشا ( ‪ ) Akawosh‬و الواقع أن تاريخ هذه التسميات أقدم من رواية هوميروس ‪ .‬إبراهيم عبد العزيز جندي ‪،‬‬
‫المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪1‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Thucydede , La guerre de Péloponnèse , Trad par J de Rommily , paris , 1953 , P.4 .‬‬
‫‪14‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫‪ ‬منذ أوائل القرن السابع قبل امليالد أطلقت تسمية الهلينيين على كل شعب تلك البالد و‬
‫تسمية (‪ ) Hellenes‬مأخوذة من اسم شخص ‪ 3‬هو هيليين بن ديكاليون‪ ،‬جد اإلغريق األكبر‬
‫حسب الرواية األسطورية‪.‬‬
‫‪ ‬تسمية اإلغريق (‪ )Graeci‬أطلقها الرومان و الشعوب االيطالية عليهم و اشتهروا به بعد ذلك في‬
‫كل أوروبا ‪ ،‬و أطلقت هذه التسمية على جماعة ( ‪ )Graeci‬و كانت تقطن إقليم بوبوتيا ببالد‬
‫اإلغريق األم‪ ،‬و كانت هذه الجماعة قد شاركت في تأسيس مدينة كيمي (‪ )Kume‬على‬
‫السواحل الغربية اليطاليا‪ ،‬و هي أقدم املستعمرات اإلغريقية هناك ( ‪ 750‬ق‪.‬م – ‪ 735‬ق‪.‬م )‬
‫و لم يلبث أن أطلقوا على جميع سكان تلك املستوطنة و املستوطنات األخرى بجنوب ايطاليا‬
‫و صقلية اسم بالد اليونان العظمى (‪ ) Graecia Mayma‬و من اللفظة الالتينية جاءت تسمية‬
‫اليونان في اللغات األوروبية الحديثة مثل (‪ )greeks‬في االنجليزية و ( ‪ ) grec‬في الفرنسية و‬
‫( ‪ ) Griechiach‬في األملانية ‪ .......‬الخ ‪.‬‬
‫‪ ‬أما لفظة يونان فهي تحوير للفظ أيونيين (‪ )Iones‬و كان األيونيون يعرفون في اللغة اإلغريقية‬
‫العتيقة باسم ياؤونيس (‪. 4 )Iaones‬‬
‫و يعد االيونيون أول الهيلينيين الذين احكت بهم املمالك الشرقية املجاورة فأطلقت هذه‬
‫الشعوب اسم ياؤنيين مع تحوير يتفق و طبيعة ل سان و لغة كل امة من هذه األمم‪ ،‬و صار ينطق يناني‬
‫(‪ ، )Yavani‬و اسماهم اآلشوريون (‪ )Yawan‬و (‪ )Yaman‬أما الفرس فأسموهم (‪ )Yavna‬و املصريون في‬
‫الخط الديموطبقي (‪ ،)Wynn‬و لعل االسم املحور( يونان) قد ظهر أوال في قبرص صاحبة الصالت‬
‫الوثيقة مع اوجاريت‪ ،‬و كانت اسبق من مدن أيونيا ذاتها في إقامة صالت مع هذه املنطقة‪.‬‬
‫و مما سبق عرضه نجد أن أكثر من تسمية أطلقت على هذا الشعب بفروعه و مناطقه‬
‫الجغرافية‪ ،‬و الواضح أن الهيلينيين هي التسمية التي كان يرغب مفكري اإلغريق استعمالها للداللة على‬
‫الشعب كله‪ ،‬أما تسمية يونان و إغريق فقد أطلقتها أمم أخرى على فروع هذا الشعب و عمت التسمية‬
‫كل الشعب اإلغريقي‪ ،‬و رغم األصالة الظاهرة في لفظ ( هيليني ) إال أنه األقل شيوعا في لغتنا العربية‪،‬‬
‫أما لفظ يوناني فهو االسم امل ستخدم عند األكثرية من العرب ‪.5‬‬

‫‪3‬‬
‫يعتقد أن هذا التأويل اجتهادي يهدف إلى التأكيد على أن اإلغريق امة واحدة منحدرة من عرق واحد ‪ ،‬و أن أصل االسم إشتق من اسم قبيلة‬
‫هيلوس التي كانت تشرف على أقدم معابد زيوس في دوداتا ‪ .‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪2‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -‬إبراهيم عبد العزيز جندي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪3‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ -‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪4‬‬
‫‪15‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫‪ )2‬الظروف الطبيعية و أثرها في تكوين الفرد‪:‬‬


‫لقد أثرت عدة عوامل طبيعية في تكوين املجتمع اإلغريقي و توجيه تفكيره و من جملتها ‪ :‬إذا كان‬
‫اإلقليم املناخي يمتاز بالإلعتدال و اللطافة فان األرض على العكس من ذلك ألنه ا فقيرة‪ .‬فهي بالد‬
‫جبلية و صخرية‪ ،‬قليلة األراض ي الصالحة للزراعة‪ ،‬نادرة املراعي الجيدة‪ ،‬ثم أن بالد اإلغريق تنقصها‬
‫قبل كل ش يء املياه الالزمة للزراعة‪ ،‬و هو نقص ال يرجع سببه إلى قلة األمطار‪ ،‬فان كمية التساقط‬
‫ال سنوية ال تقل عن ‪ 400‬ملم سنويا‪ ،‬لكنها ليست موزعة بصورة مناسبة في مختلف الفصول‪ ،‬فهي‬
‫ً‬
‫تنحصر في فصل الشتاء – أو حتى في أيام معدودات من هذا الفصل – و كثي را ما يحدث أن يتساقط‬
‫في فصل واحد كميات هامة من األمطار تعادل ربع املتوسط السنوي ‪.‬‬
‫لكن هذه املياه تؤلف سهوال و تصب في البحر فال تستفيد منها األراض ي في ش يء‪ ،‬و ينتج عن ذلك‬
‫أن األرض في فصل الصيف يسودها الجفاف املطلق‪ ،‬و لكن رغم ذلك لم يهمل اإلغريق فالحة األرض‪،‬‬
‫حيث يبذل املزارعون جهود جبارة ليخرجوا من ارض كل ما يستطيعون إنتاجه‪ ،‬و يحاولون بكل‬
‫الوسائل الوصول إلى أجود محصول ممكن‪ ،‬و يحرصون على استثمار كل قطعة من األرض تصلح‬
‫للزراعة‪ ،‬فيعتنون بتحسين تربتها‪ ،‬و يستخدمون كافة الطرق املمكنة لريها ‪.‬‬
‫و لكن رغم كل هذه املجهودات فان محصول الحبوب ال يكفي لسد متطلبات السكان فال بد لهم‬
‫من التفتيش عن موارد أخرى لتعويض النقص ‪ .‬و لقد ساعدتهم الطبيعة على إيجاد مثل هذه املوارد‪،‬‬
‫و املقصود من ذلك بالدرجة األولى األشجار املثمرة‪ ،‬فان اإلقليم اإلغريقي صالح لنمو الكروم‪ ،‬التين‪ ،‬و‬
‫الزيتون التي ال تحتاج إلى الكثير من األمطار‪ ،‬و لقد وجه اإلغريق كل اهتمامهم إلى شجرة الزيتون إلى‬
‫درجة التم جيد و املبالغة في وصف محاسنها‪ ،‬و ال شك آن الزيتون كان من أهم مصادر الثروة في أتيكا‬
‫خاصة ‪. 6‬‬
‫كان العتدال اإلقليم املناخي و صفاء الجو الفضل في تحقيق الحاجيات ا ملادية لإلنسان إلى ادني‬
‫حد ممكن‪ ،‬كان اإلغريق يتمتعون بمحاسن الطبيعة ‪ 7‬كما يميل اإلغريقي للبساطة في لباسه‪ ،‬حيث كان‬

‫‪6‬‬
‫محمد كامل عياد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.‬ص ‪32 – 31‬‬
‫‪7‬‬
‫يوصف اإلغريقي بأنه قنوع في نمط عيشه و أكله حيث يقتصر في يومه كله على قليل من الكعك و حفنة من الزيتون و التين و بضع رؤوس‬
‫من البصل أو الثوم و قطعة من الجبن أو السمك و هو ال يأكل اللحم إال في الحفالت و إذا شرب قليال من الخمر فإنما بعد إضافة كثير من الماء‬
‫ع ليه ‪ ،‬حتى أن ما يأكله انجليزي واحد يكفي إلعاشة أسرة إغريقية مؤلفة من ستة أفراد ‪ .‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.‬ص ‪37 – 36‬‬

‫‪16‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫كانوا يقتصرون على رداء من الصوف يلفونه على أجسادهم و ال يضعون شيئا على رؤوسهم إال في أيام‬
‫الصيف كما أنهم يتجولون عادة حفاة إال في الشتاء‪.‬‬
‫و كانت البيوت اإلغريقية صغيرة متواضعة‪ ،‬تقتصر على حوش حوله بضع حجرات مفروشة‬
‫باسط األثاث ‪ ،‬تنصرف فيها النساء إلى األعمال املن زلية و ال يدخلها الرجال إال لألكل و النوم ألنهم كانوا‬
‫‪8‬‬
‫يقضون معظم أوقاتهم في الطرقات و األسواق و املالعب و املعابد و االجتماعات في الهواء الطلق‬
‫و اإلغريقي ال يميل إلى العزلة بل يحب االنصراف إلى املحادثة و املناقشة مع مواطنه في كل‬
‫املوضوع ات خاصة القضايا السياسية العامة ‪ ،‬و بذلك فقد تعود هذا املجتمع على الصبر و احتمال‬
‫الشدائد التي تزيد في نشاطهم و تقوي ملكاتهم و مواهبهم و تجعلهم ال يفقدون الثقة في النفس مهما‬
‫اعترضهم من مصائب‪ ،‬و فوق ذلك فان طبيعة البالد تولد روح اإلقدام و املغامرة‪ ،‬حيث امتهنوا‬
‫القرصنة ليصبحوا بحارة قديرين بعد أن كانوا رعاة‪ ،‬و صاروا نجارين م اهرين بعد أن كانوا فالحين‬
‫بسطاء‪ ،‬و اختلطوا باألمم املجاورة و اقبلوا على الصناعات و الفنون‪ ،‬كما برعوا في الصنع السفن‬
‫لتمرس فن املالحة ‪. 9‬‬
‫إن قرب بالد اإلغريق من منطقة الشرق األدنى ‪ ،‬سواء مصر أو بالد ما بين النهرين جعل بالد‬
‫اإلغريق بمثابة البوابة الشرقية ألوروبا‪ ،‬كما كانت جزيرة قبرص و كريت بمثابة املعبر الجنوبي لإلتصال‬
‫التجاري و الحضاري لساحل آسيا الشمالي‪ ،‬فبالد اإلغريق كانت بمثابة همزة وصل في االلتقاء التجاري‬
‫و الحضاري بين كافة مناطق البحر املتوسط الذي كان مهد الحضارات التي اخذ منها اإلغريق‪.‬‬
‫‪ )3‬أصـل السك ـان‪:‬‬

‫لقد نشأت هذه الحضارة التي عرفت في السابق باسم هيالس في العصر النيوليتي(العصر‬
‫الحجري الحديث) الذي يبدأ ‪ 3500‬ق‪.‬م و انتهى حوالي ‪ 2000‬إلى ‪ 1900‬ق‪.‬م‪ ،‬و لقد جاء بعده عصر‬
‫البرونز الذي انتهت حضارته حوالي ‪ 1100‬ق‪.‬م على وجه التقريب و كان قد دخل شبه الجزيرة‬
‫اإلغري قية أثناء العصر النيوليتي قوم أطلق عليهم اسم البالسجين ( ‪ 10 )Pelasgoi‬و من الواضح أنهم‬

‫‪8‬‬
‫محمد كامل عياد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪37‬‬
‫‪9‬‬
‫محمد كامل عياد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪38‬‬
‫‪10‬‬
‫البالسجين‪ :‬اسم أطلق على شعب آسيوي احتل البحر اإليجي و أجزاء من بالد اإلغريق قبل قدوم األخيين ‪ ،‬و قد ظهروا في اإللياذة أنهم حلفاء‬
‫الطرواديي ن المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 86‬‬

‫‪17‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫وفدوا من جنوب غرب آسيا الصغرى و دخلوا الجزيرة من سواحلها الشرقية و الجنوبية و لعلهم‬
‫ينحدرون من السكان األوائل لكريت و جزر البحر اإليجي ‪.‬‬
‫و قد قامت لهم حضارة زراعية الطابع ‪ ،‬عثر األثريون على أغلب مراكزها في إقليم تسالينا (‬
‫حوالي ‪ 150‬مركزا ) و كذلك في منطقة كورنتا و انتشرت غربا حتى جزيرة كركي را ( كورغو ) و جنوب‬
‫شرق ايطاليا ( إقليم إيوليا) و لم تكن لغة ‪ 11‬هؤالء تنتمي إلى عائلة اللغات الهندو – أوروبية‪ ،‬و يتضح‬
‫ذلك من خالل أسماء املناطق و النباتات و الطيور التي تنتهي بنهايات هندو – أوروبية‪ ،‬و بالتالي غير‬
‫أصلية في اللغة اإلغريقية ‪.‬‬
‫أما الطور األخير من هذه الحضارة درج العلماء على تسميته بالعصر الهيالدي القديم ( ‪– 2500‬‬
‫‪ 1900‬ق‪.‬م ) و لم يكن قد ظهر الهيلينيون بعد خالل هذه الفترة على مسرح األحداث ‪.‬‬
‫و مع بداية العصر البرونزي أي حوالي عام ‪ 1900‬ق‪.‬م و بعده بفترة – اختلف الباحثون في‬
‫تحديد مداها – بدا يدخل شبه الجزيرة قوم جدد ‪ . 12‬يعتقد أنهم وفدوا من منطقة الدانوب أو من‬
‫شمال شرق أوروبا أو حتى من شرق بحر قزوين و أواسط آسيا ( و هي منطقة شديدة البرودة و بعيدة‬
‫عن البحر)‪ ،‬ثم دخلوا الب لقان من شماله أو سواحله الشرقية‪ ،‬و املعتقد السائد أنهم ينتمون إلى‬
‫الساللة الهندو – أ وروبية ‪ ،‬و هم قوم محبون للفروسية و القتال ‪ ،‬و يحملون أسلحة مصنوعة من‬
‫البرونز ‪.‬‬

‫و لعل ذلك الدمار الذي لحق بعدد كبير من املراكز العمرانية ( أواخر العصر الهيالدي القديم ) و‬
‫شمل منطقة تمتد من غرب شبه الجزيرة إلى أرجوس يرتبط بمجيء هؤالء القوم‪ ،‬و اغلب الظن أنهم‬
‫دخلوا املنطقة في شكل أفواج متعاقبة كما أن حضارتهم لم تكن بأرقى من حضارة السكان األصليين‬
‫الذين كان اغلبهم فالحون يمتهنون الزراعة ‪ ،‬و هؤالء القوم الجدد الذين امتزجوا بالقدامى خالل بضعة‬
‫قرون قاموا بالحملة على طروادة في مستهل القرن الثاني عشر قبل امل يالد و يسميهم هوميروس اآلخيين‬
‫بعد عام ‪ 1900‬ق‪.‬م يبدأ عصر النحاس و البرونز حيث هبط على شبه الجزيرة اإلغريقية‬
‫موجات متتابعة من الغزاة‪ ،‬واستمر ذلك لفترة طويلة ‪ ،‬و يظهر هؤالء الغزاة من خالل الرسوم طوال‬

‫‪11‬‬
‫عبد اللطيف احمد علي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ .‬ص ‪86‬‬
‫‪12‬‬
‫في رأي العالمة السويدي نيلسون ( ‪ ) M . P . Nilsson‬فان العصر الهيالدي الوسيط ( ‪ 1500 – 1900‬ق ‪ .‬م ) ال تكشف آثاره إلى اآلن‬
‫عن أي أدلة قاطعة بوجود مراكز عمرانية هندو – أوروبية في بالد اإلغريق و من ثمة فهو ال يعتقد بمجيء األخيين إلى شبه الجزيرة قبل عام‬
‫‪ 1600‬ق‪.‬م ‪ .‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪86‬‬

‫‪18‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫القامة ذوي بشرة شقراء ينتمون إلى العنصر الهندو – أوروبي و على وجه التحديد الفصيلة الوردية‬
‫األلبانية و كان هؤالء الغزاة يجلبون معهم أسرهم و أمتعتهم‪ ،‬ويعملون بالصيد و القنص و يستخدمون‬
‫أسلحة مصنوعة من النحاس و البرونز ‪.‬‬
‫و يتشابه هؤالء الغزاة الجدد باملقدونيين القدماء و ال يعرف من أين جاء هؤالء الغزاة الجدد‬
‫لكن املؤكد أنهم يتكلمون لغة هندو –أوروبية و جاؤوا من شمال أوروبا الشرقية أو منطقة حوض‬
‫الدانوب‪ ،‬أو شرق بحر قزوين أو أوسط آسيا الصغرى ‪ ،‬ثم تغلغلوا جنوبا إلى تركيا و مقدونيا و تساليا‬
‫ثم ب الد اليونان الوسطى و الجنوبية‪ ،‬و بفضل أسلحتهم البرونزية و شخصيتهم العدوانية سيطروا على‬
‫البالسجين و فرضوا عليهم لغتهم الجديدة ( الهندو – أوروبية )‪.‬‬

‫و بمرور الزمن امتزج العنصران‪ ،‬حوالي القرن السادس قبل امليالد حتى اكتمل هذا العنصر في‬
‫شكل جديد أطلق عليهم هوميروس اسم األخيين ‪ . 13‬و ربما كان ذلك اسم القبيلة ‪ ،‬ثم عممه‬
‫هوميروس االسم على الشعب كله‪ ،‬و لقد تركزت هذه القبائل في منطقة شمال شرق البيلوبونيز حيث‬
‫ظهرت مدن مثل موكسيناي ‪ ،‬و تيرنز ( ‪ ) Tiryns‬و ظهرت مدينة بيلوس ( ‪ ) Pylos‬غرب البيلوبونيز و‬
‫أرخومينوس ( ‪ )Orchomenos‬كما عرفت شعوب هذه الحضارة املوكينيين ( ‪ )Mycéniens‬و عمموا‬
‫اسم أشهر مدينة على العصر كله‪ .‬و تسمى هذه الفترة بالعصر الهيالدي الثاني ‪ ،‬و هو الشعب الذي قاد‬
‫اإلغريق في حرب مريرة ضد مدينة طروادة ‪ .‬و ملا تحقق الوعي الحضاري و القومي لإلغريق أطلقوا على‬
‫أنفسهم اسم الهيلينيين ( ‪ )hellènes‬و ذلك نسبة إلى الجد األسطوري هيلين ( ‪ ،) Hellên‬و من املرجح‬
‫انه كانت هناك قبيلة عرفت به ذا االسم شمال شبه جزيرة البلقان‪ ،‬و بذلك عمم االسم على العصر‬
‫كله ‪.14‬‬
‫و مع مطلع القرن الحادي عشر قبل امليالد وصل إلى بالد اإلغريق آخر موجات الهجرات و هم‬
‫الدوريون (‪ )Dorians‬و هم قبائل هندو – أوروبية ‪ -‬ا لذين جلبوا معهم الحديد‪ ،‬وبالتالي انتهى عصر‬
‫البرونز و بدأ عصر الحديد‪ ،‬و لقد هاجر الدوريون إلى جنوب غرب ساحل آسيا الصغرى و إلى جزيرة (‬
‫ردوس ) و كريت و سموها دوريس ( ‪ )Doris‬أي منطقة الدوريين ‪.15‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ -‬عاصم احمد حسين ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ص ‪59 – 58‬‬
‫‪14‬‬
‫علي عبد الواحد وافي ‪ ،‬االدب اليوناني القديم ‪ ،‬دار المعارف ‪ ،‬مصر ‪ ،‬ص ص ‪. 8 - 7‬‬
‫‪15‬‬
‫‪ -‬عاصم احمد حسين ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪.‬ص ‪. 59 – 58‬‬
‫‪19‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫‪20‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫املحاضرة الثالثة ‪ :‬اإلطار التاريخي للحضارة االغريقية‬

‫‪- I‬حضارات بحر ايجا‪:‬‬

‫رغم قدم الحضارة الهيلينية في بالد اإلغريق‪ ،‬توصل العلماء إلى معرفة حضارات أقدم منها‬
‫أثر عليها ‪ ،‬و عرفت بالحضارة الهيالدية أو حضارة بحر‬
‫ِازدهرت بالقرب من شواطئها ‪ ،‬و كان لها أكبر ٍ‬
‫ً‬
‫إيجا ألنها ِانبثقت عن بعض جزر بحر إيجا خاصة جزيرة ميلوس) ‪ ،( Mélos‬و تشمل املنطقة حضارة‬
‫كريت و حضارة موكيناي و حضارة شمال غرب آسيا الصغرى‪ ،‬أو حضارة طروادة على الجانب اآلخر‬
‫من بحر إيجا ‪.‬‬
‫ً‬
‫و ينتمي سكان هذ ه الحضارة إلى جنس البحر املتوسط‪ ،‬و تمتد قدما إلى حضارة العصر الحجري‬
‫الحديث ‪ ،‬لكنها تميزت عنها بعد األلف الثالث قبل امليالد ‪ ،‬حيث تبدأ كريت ببلورتها بأسلوبها الخاص‬
‫فجأة حوالي ‪ 1400‬ق‪.‬م لتظهر الحضارة املوكينية‪ ،‬حيث نجد اآلخيين يتدفقون‬‫ً‬
‫و انهارت حضارة كريت‬
‫حرب ضرو ٍس ضد مدينة طروادة التي تدمر حوالي منتصف القرن الثاني عشر ق‪.‬م‪ ،‬ليتعرض‬ ‫ٍ‬ ‫في‬
‫هجوم مدمر من الدورين حوالي القرن العاشر ق‪.‬م ‪.1‬‬
‫ٍ‬ ‫املوكينيون أنفسهم إلى‬

‫‪ِ - 1‬اكتشاف كريت‪:‬‬

‫بدأ االهتمام بكريت و دراسة موروثها الحضاري من طرف العلماء بعد النتائج الهامة التي توصلوا إليها‪،‬‬

‫و ذلك عن طريق جمع النقوش و دراستها ‪ ،‬و التنقيب عن اآلثار‪ ،‬و لقد كانت هذه املادة العلمية غزيرة‬

‫‪1‬‬
‫يمكن تقسيم مراحل التاريخ اإلغريقي إلى الفترات التالية ‪:‬‬
‫‪ -‬عصر البرونز من ‪ 3000‬ق‪.‬م إلى ‪ 1100‬ق‪.‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬العصور المظلمة من ‪ 1100‬ق‪.‬م إلى ‪ 900‬ق‪.‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬فترة التأثير الشرقي من ‪ 900‬ق‪.‬م إلى ‪ 600‬ق‪.‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬الفترة الهيلينية من ‪ 600‬ق‪.‬م إلى ‪ 480‬ق‪.‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬الفترة الكالسيكية من ‪ 480‬ق‪.‬م إلى ‪ 323‬ق‪.‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬الفترة الهيلينية من ‪ 321‬ق‪.‬م إلى ‪ 31‬ق‪.‬م ‪.‬‬
‫‪ -‬الفترة الرومانية من ‪ 27‬ق‪.‬م إلى ‪ 235‬ميالدي ‪.‬‬
‫أنظر أيضا‬
‫‪Roland Etienne , Christel Muler , Francis Prost , ell ipses , Archéologie historique de la Grèce Antique .‬‬

‫‪20‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫معلومات قيمة ‪.‬و مهما‬


‫ٍ‬ ‫االكتشافات ‪ ،‬و يستخرجون م نها‬‫لدرجة أن العلماء ال يزالون يراجعون هذه ِ‬
‫ً‬ ‫ً ً‬
‫يكن األمر فإن املعلومات األثرية تؤكد أن جزيرة كريت لعبت دورا هاما في الحضارة األوروبية خاصة و‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اإلنسانية عامة ‪،‬و أن هناك جذورا تاريخية حقيقية وراء األشعار الهوميرية ‪.‬‬

‫في عام ‪ 1978‬عثر تاجر كريتي اسمه ( ميتوسكاليكاتيوس ) على بع ض اآلثار القديمة و الغريبة في التالل‬

‫الواقعة جنوب عاصمة كريت ‪ ،‬و ملا سمع الباحث األملاني شليمان بهذا جاء الى كريت عام ‪ 1879‬م ‪ .‬و‬

‫هو على يقين انه تحت هذه التالل يستقر قصر كنوسوس ‪ ،‬و ملا بدأ يفاوض صاحب األرض ليشتريها و‬
‫‪2‬‬
‫يبدأ اعمال الحفر ‪ ،‬استقر الطمع في نفس صاحب األرض ‪ ،‬فغضب شليمان و توقفت املفاوضات‬

‫بدأ السير آرثر إيفانس أبحاثه األثرية بعد أن استطاع شراء األرض عن قصر الاليي رانت أو قصر امللك‬
‫اسم ِامتدت من عام ‪ 1900‬م إلى ‪ 1905‬م ‪ ،‬و كانت‬
‫مينوس في كنوسوس و ِاستمرت حفائره ستة مو ٍ‬
‫نتائجها ِاكتشاف معالم حضارة عصر النحاس في كريت ‪ ،‬و التي سماها إيفانس الحضارة املينوية‬
‫ً‬
‫نسبة إلى ملكها األسطوري ( مينوس ) ‪. 3‬‬

‫مختلفة كالحلي و أدوات الزينة املرصعة بالذهب و الفضة‬


‫ٍ‬ ‫صناعات‬
‫ٍ‬ ‫و تشير اآلثار إلى مهارة الكريتيين في‬
‫و العاج و حجر الالزورد ‪ ،‬وتميز أهل كريت عن غيرهم في صناعة األواني الفخارية و رسم املناظر‬
‫ً‬
‫الزخرفية إلى جانب صناعة الزجاج ‪ ،‬كما صنعوا تماثيال من الذهب و العاج ‪ ،‬و ِاستخدموا الخزف‬
‫سنة األخيرة من القرن التاسع‬
‫امللون ‪ ،‬و لقد أضاف العلماء إلى رصيد معلوماتنا عن كريت في العشرين ٍ‬
‫معلومات جديدة و غزيرةمصدرها الحفائر األثرية و مجهودات علماء النقوش اإلغريقية ‪ .‬و‬
‫ٍ‬ ‫عشر ميالدي‬
‫مجمل القول أن دراسة الحضارة املينوية تستلزم دراسة الجوانب الفنية املحيطة بها‪.‬‬

‫‪ ) 2‬أهمية الفن في كريت و فضل الحضارة املينوية في الحضارة الهيلينية ‪:‬‬

‫‪ - 2‬محمد كامل عياد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪41‬‬


‫و انظر ايضا‪:‬‬
‫‪G .Golty , op . cit , P 37‬‬
‫‪ - 3‬سيد أحمد الناصري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 36‬‬
‫‪21‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫كبير في مجال العمارة و التصوير و انتقل هذا األسلوب‬


‫تقدم ٍ‬‫ٍ‬ ‫كشفت حفائر سير آرثر إيفانس عن‬
‫بمختلف ألوانه إلى الحضارة املوكينية ثم الهيلينية ‪ ,‬و منه يمكن ِاستنتاج مالمح الت راث األسطوري و‬
‫الديني‬

‫‪ ) 3‬دراسة العالقات املتبادلة ‪:‬‬


‫حيث كشفت الحفائر في منطقتي كريت و مصر عن مواد أثرية متبادلة ‪ ،‬حتى أن الكتابة األولية في‬
‫ً‬
‫كريت كانت شبيهة بالكتابة الهيروغليفية ‪ ،‬كالكتابة املقطعية املعروفة باملجموعة الخطية األولى‬
‫( ‪ ، ) Linear A‬كما صور الفن املصري أهل كريت الذين عرفوا بأهل كفتيو() ‪ Keftun‬و هم يقدمون‬
‫الهدايا لفرعون مصر ‪ ،‬كما أن الف ن الكريتي أثر في الفن الفرعوني و أكسبه الدقة و الجمال ‪ ،‬و عثر‬
‫على العديد من املخلفات التي تبينالصالت التجارية بين قبرص و فينيقيا ‪ ،‬و لكن مع ذلك ال يوجد‬
‫الكثير من الوثائق الكتابية التي تساعد على تحديد الزمن بالضبط ‪.4‬‬

‫‪ ) 4‬دمار كريت‬

‫بقي السؤال مطروحا حول ِ‬


‫االختفاء املفاجئ لحضارة كريت ‪،‬الذي من بين مظاهره االنقطاع املفاجئ‬
‫االتصال التجاري بينهم و بين املصريين ‪.‬‬
‫في ِ‬
‫يشير ا لبروفيسور ( سيريديونمارتياتوس ) خالل التنقيبات في ( أمينسوس ) و هو موقع ميناء قديم‬
‫حفرة مليئة بالجفاف البركاني ‪ ،‬ووجد دالئل أمو ٍاج عاتية طفت‬
‫ٍ‬ ‫مجاور لكيتوموس ‪ ،‬انه تم ِاكتشاف‬
‫على املوقع‪ ،‬و بين أن ِاختفاء كريت لم يكن بسبب غز ٍاة أتوا من الخارج ‪ -‬كما ِاعتقد معظم املؤرخين –‬
‫بل يرجع ذلك إلى كارثة طبيعية عنيفة حلت بالجزيرة ‪ ،‬و ِاحتمال أن ذلك قد يكون من الجزيرة‬
‫البركانية ( تي را ) شمال كريت ‪ ،‬و هي أقص ى الجزر إلى الجنوب من أرخبيل ( السيكالديس ) ؛ و هو ما‬
‫ال يتناقض و الدراسات امليتولوجية الحديثة التي ترجع ذلك إلى النشاط البركاني‪ ،‬و من املحتمل أن‬
‫يكون هذا ِ‬
‫االنفجار حدث حوالي ‪ 3000‬ق‪.‬م و ‪ 1000‬ق‪.‬م ‪ .‬و لقد تمت هذه الدراسات قبل ِاكتشاف‬
‫إيفانس في كريت ‪.‬‬

‫‪ - 4‬محمد كامل عياد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪46‬‬

‫و أنظر كذلك‬
‫‪G.G lotry , op . cit, p.p 422 – 423 .‬‬
‫‪22‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫‪ .‬و بدأ البروفيسور ( ماريتانوس ) تنقيباته الهامة في ( أكروتيري ) عام ‪ 1956‬م ‪ ،‬حيث حدث زلزال‬
‫بالجزيرة أدى إلى تمزيق أرضية الجزيرة في ( تي را ) فكشف أطالل مباني قديمة و عظام بشرية و أخشاب‬
‫محروقة ‪ .‬و لقد قام العالم اليونا ني الدكتور (أنجيلوسجاالنوبولوس) بالكشف عن هذه املخلفات‬
‫بطريقة الكربون _‪ 14‬املشع و تبين ان عمرها حوالي ‪ 3500‬سنة ‪ ،‬و أجريت ِاختبارات إضافية عام‬
‫‪ 1967‬م على تلك املخلفات دلت على أن البركان حدث ما بين ‪ 1500‬و ‪ 1450‬ق‪.‬م ‪ ،‬و هو ما يتفق مع‬
‫تاريخ ِانهيار الحضارة املي نوية املفاجئ ‪.‬و أدى ذلك إلى ِانتقال مركز القوة من كريت إلى الشاطئ اإلغريقي‬
‫حيث بدأت الحضارة املوكينية في الظهور ‪. 5‬‬
‫‪ - 2‬حضارة موكيناي‪:‬‬

‫أ ‪ -‬من خالل البحوث األثرية ‪:‬‬


‫و ترينيس( ‪ ) Tirynithe‬في شبه‬ ‫انتقلت حضارة كريت الى بالد اإلغريق عن طريق مدينتي ميكيناي‬
‫جزيرة البيلوبونيز ‪ ،‬وملا كانت هاتين املدينتين قد ضاعت آثارهما ‪ ،‬بقي املؤرخون الحديثون حتى‬
‫منتصف القرن التاسع عشر‪ ،‬يعتبرون أن أشعار هوميروس التي تتحدث عن ملوك االخيين و‬
‫قصورهم في موكيناي و تيرينس ‪ ،‬مجرد أساطير ‪ .‬لكن الحقيقة أثبتت مع اكتشافات شليمان االثرية‬
‫في طروادة و ميكيناي منذ بداية تراكم املواد و املصنوعات األثرية عن املوكينيين ‪ ،‬و علماء اآلثار‬
‫يحاولون الكشف عن خبايا هذه الحضارة ‪ ،‬فتشير األدلة األثرية إلى أن املوكينيين هم أجداد اإلغريق‬
‫ً‬
‫األولين كما تبرز كذلك أن بالد اإلغريق في العصر البرو نزي كانت دائما محط العديد من القبائل‬
‫املتجولة و الشعوب املختلفة ‪ ،‬و عن طريق ِامت زاج هذه الشعوب بالسكان األصليين خرج العنصر الذي‬
‫ً‬
‫يسمى في العصور التالية باإلغريق ‪ ،‬أما حضاريافهناك خط ممتد منذ العصر البرونزي حتى العصر‬
‫الكالسيكي ‪ ،‬و لكن تعرض هذا العنصر الحضاري للتلقيح و التهذيب من أطر ٍ‬
‫اف مختلفة ‪.‬‬

‫و يعود الفضل لإللياذة في معرفة مماليك موكينية كثيرة منها مملكة بولكوس في إلقليم تساليا (‬
‫) ‪ Thesalia‬و مملكة طيبة ) ‪ ( Thebes‬و أرخومينوس) ‪ ( Orchonenos‬في بويوتيا () ‪ Boeotia‬و مملكة‬
‫أثينا في إقليم أتيكا) ‪ ، ( Attica‬و لكن مركز الثقل السياس ي و الحضاري يتمركز في البيلوبونيز ‪ ،‬حيث‬
‫فرضت مدينة بيلوس) ‪ ( Pylos‬نظامها على إقليم موكيناي) ‪ ( Mycenae‬سلطانها على منطقة أرجوليس (‬
‫و مدن صغيرة ‪ ،‬و اليزال البحث و التنقيب في منطقة ( الكوتيا ) املطلة‬ ‫) ‪ Argolis‬بما فيها من مراكز‬

‫‪ - 5‬محمد الغرب موسى ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 57‬‬


‫‪23‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫على البحر ‪ ،‬و التي تقع في القسم الجنوبي ملنطقة البيلوبونيز ‪ .‬و من املظهر العام للحضارة املوكينية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫نستطيع القول بأنها كانت أكثر بساطة و أقل بذخا من الحضارة املينوبة و أشد ميال للنظام و النظافة‬
‫‪ ،‬ففي قصورهم و منازلهم كانوا يتخلصون أول بأول من القمامة و بقايا املستهلكات عن طريق مصارف‬
‫‪6‬‬
‫مياه املطر ‪ ،‬كما كان القصر امللكي هو مقرالدولة‬

‫‪.‬ب ‪ )-‬السجالت الكتابية و دورها في كشف الحقائق عن الحضارة املوكينية ‪:‬‬


‫ِاستطاع العالم إيفانس أن يميز نوعين مختلفين من الكتابة أولها املجموعة الخطية األولى ( ) ‪Linear A‬‬
‫و الثانية ‪ ، ( Linear B )7‬و ذلك خالل الحفائر التي أجريت في كريت و التي كشفت عن كمية كبيرة من‬
‫هذه الوثائق ‪ ،‬حيث بلغ ما أخرجه إيفانسكينوسوس وحدها ما بين ‪ 3000‬و ‪ 4000‬وثيقة ‪. 8‬‬
‫و ِارتبطت هذه الكتابات كليا بحضارة بالد اإلغريق و أصبح حل رموزها مفتاح لدخول متاهات‬
‫الحضارة امل وكينية ‪ ،‬بل أن العثور على هذا الججل الكبير اصيح ثروة خخمة في علم اآلثار ‪ ،‬و أخرج‬
‫حجرة واحدة داخل بقايا القصر‬
‫ٍ‬ ‫من بيلوس ما يزيد عن ‪ 1300‬لوحة أو شذرات من اللوحات وجدت في‬
‫امللكي ‪ ،‬حتى أن علماء اآلثار عرفوها ِباسم حجرت الججالت ) ‪ ، ( Archive Room‬و لم يستخرجوا من‬
‫مدينة موكيناي سوى سبعين وثيقة كتابية و يفسر العلماء ذلك ِباندثار هذه الوثائق تحت تأثير ظروف‬
‫طبيعية ‪ .‬و يعود الفضل في حل رموز الكتابة الخطية الثانية إلى مهندس بريطاني ِاسمه ميخائيل‬
‫جورج فنتريس) ‪ ( Michael Georges Francis Ventris‬الذي ِاشتهر ِباسم مايكل فنتريس ( ‪– 1922‬‬
‫‪‬‬
‫ات عديدة أكمل العالم عمله‬
‫‪ ،‬و بعد ِاختبار ٍ‬ ‫‪ ) 1956‬الذي تمكن من حل رموز الكتابة املوكينية‬
‫تحت عنوان ( وثائق باللغة املوكينية اليونانية ) ‪ ،‬و أشارت هذه الوثائق إلى الضرائب املفروضة على‬

‫‪6‬‬
‫‪collegmon Max , op . cit , P 14‬‬
‫‪7‬‬
‫‪- Roland Etienne , Op.cit , P 47‬‬
‫‪ - 8‬سيد أحمد الناصري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 53‬‬
‫‪ -  ‬بدأ مايكل فنتريس أبحاثه بعد حضوره للدروس التي ألقاها العالم إيفانس ‪ ،‬عندما كان طالبا في الثانوية ‪ ،‬حيث روى‬
‫العالم إيفانس عن هذه األلواح – التي نقلها معه من كريت إلى بريطانيا – أن كتابتها غريبة ‪ .‬و أثناء الحرب العالمية‬
‫الثانية كان ضابطا في البحرية البريطانية ‪ ،‬و أسفرت نت ائج بحثه التي نشرت عام ‪ 1952‬عن إعالنه لفك هذه الرموز ‪،‬‬
‫عمر ال يتجاوز‬
‫ٍ‬ ‫حيث وزعت في دوريات بعشرين عددا و لكل واحد ةٍ ‪ 167‬صفحة مكتوبة على آلة الكتابة ‪ ،‬و توفي عن‬
‫‪ 35‬سنة ‪.‬‬
‫انظر ‪ - :‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 56‬‬
‫‪24‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫الناس عينا و ماال لصالح اآللهة ‪ ، 9‬منها أثينا وهي را كما كشفت األلواح عن العناية الكبيرة ببناء شبكات‬
‫أسماء للشعوب القديمة‬
‫ٍ‬ ‫الطرق من أجل خدمة التجارة و الجيوش ‪ ،‬و ذكرت هذه املجموعة عدة‬
‫ً‬
‫التي تعاملوا معها تجاريا ‪ ،‬و ذكرت ( مصري ‪ ) Misirayo‬و مرادفها ) ‪ ، ( Aikupitayo‬و ذكرت كلمة (‬
‫قبرص ‪، ) Arasiyo‬‬

‫كما تردد لفظ ) ‪ ( pi-ni-ko‬و ) ‪ ( pi-ni-ki-yo‬و هما للداللة على العالقات التجارية مع الفينيقيين ‪ ،‬و‬
‫ً‬
‫تعرف علماء اللغة على العديد من األسماء السامية خاصة أسماء التوابل ‪ ،‬و كانت الصادرات‬
‫ات منها في فينيقيا و مصر ‪. 10‬‬
‫املوكينية توضع في جر ٍار ذات أشكال مختلفة عثر على شذر ٍ‬
‫‪ . - 3‬مدينة طروادة من خالل التنقيبات األثرية‬

‫أ) طروادة في شعر هوميروس ‪:‬‬


‫تظهر اإللياذة و األوديسا أن مدينة طروادة كانت مدينة واسعة جدا في بنائها و جدرانها و أروقتها ن‬
‫حتى أن املعلومات املوجودة في شعر هوميروس تعطي القليل من التفاصيل عن مخططات املدينة ‪،‬‬
‫فذكرت البوابة املطلة على الدردنيل ثالث مرات ‪ ،‬ولقد استعمل هوميروس في اإللياذة جمع أبواب ‪،‬‬
‫وهو دليل على أن لها عدة أبواب ‪ .‬في األشعار الهوميرية توجد تسمية طروادة و إليوس ‪ ،‬فيمكن أن‬
‫و ما جاورها ‪ ،‬و لكن إليوس مخصصة لتسم ية املدينة‬ ‫تكون تسمية طروادة عامة لكل املدينة‬
‫املحصنة و مقر امللك ‪ ،‬ففي اإللياذة ذكرت إليوس مائة و ست مرات و طروادة خمسين مرة ‪ ( .‬أي أكثر‬
‫من النصف ) يصف هوميروس الطرواديين بحوالي ستة عشر صفة في اإللياذة ‪ ،‬فهم أناس مفعمين‬
‫بالحيوية ‪ ،‬أقوياء ‪ ،‬متكبرين ‪ ،‬متخلقين ‪ ،‬متغطرسين ‪ ،‬عارفين بفنون الحرب ‪ ،‬حاملين للرماح ‪ .‬و في‬
‫‪11‬‬
‫نظرته فان إليوس مدينة مقدسة محمية بعناية اآللهة‬
‫ب) املدينة ‪:‬‬

‫‪9‬‬
‫‪- Robert Flaceleiere , op . cit , P 10‬‬
‫‪ - 10‬سيد أحمد الناصري ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 65‬‬
‫و أنظر كذلك ‪ -‬عبد اللطيف أحمد علي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 182‬‬
‫‪11‬‬
‫‪- Carl . W. Bblegen . Troy and the Trojans, Thamerand Hudson , London , p 13 – 20 .‬‬
‫و انظر ايضا‬
‫‪CollegmonMax , op . cit , P 12‬‬

‫‪25‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫رغم انه و لفترة طويلة من الزمن كان االعتقاد السائد هو رفض وجود املدينة ‪ ،‬و لكن ذلك ال يعني‬
‫عدم وجود محاوالت الستكشاف املدينة املفقودة من طرف بعض العلماء من بينهم ( فون مان ) عام‬
‫‪ 1864‬و ( تشارلز ماكالوان ) عام ‪ 1822‬اللذان حاوال استنباط معلومات اإللياذة ‪ ،‬و ( فرانك كالفورت‬
‫) عام ‪ ، 1865‬و لكنهم لم يحققوا نتائج مهمة ‪ .‬غير أن شليمان الذي اكتشف املوقع عن طريق (‬
‫فرانك) وصل إلى تحقيق نتائج باهرة ‪ .‬و بعد وفاته عام ‪ 1890‬أكمل زميله و خليفته (دويفالدويلهالم)‬
‫و عندما الحظ شليمان أن الحطام لم يكن كتلة واحدة متكافئة استنتج أن هناك فرق‬ ‫العمل ‪.‬‬
‫بين املدن فأطلق عليها اسم ( طروادة األولى و الثانية و الثالثة ‪ ) ......‬فكانوا كلما وجدوا مدينة قالوا إنها‬
‫هي التي شهدت الحرب ‪ ،‬و الدليل هي اآلثار املكتشفة و األشياء املحروقة و بعض األسلحة ‪ ،12‬ال توجد‬
‫وسائل دقيقة ملعرفة الزمنية ‪ ،‬لكن يمكن القول أن عصر البرونز دام أكثر من ألفية كاملة ‪ .‬و هذه‬
‫املدينة اس تطاع سكانها مقاومة أي تدخل أجنبي ‪ .‬و لقد بنيت طروادة األولى فوق صخرة كبيرة ‪ ،‬و من‬
‫املحتمل أن تكون قد تعرضت للكثير من الكوارث الطبيعية ‪ ،‬و عثر فريق البحث على عظام مت راكمة في‬
‫املدينة األولى سمكها أربعة أمتار ‪ .‬لكن لم يكن باستطاعتهم معرفة الحقبة الزمنية التي يعود إليها‬
‫الحطام ‪ .‬و انطالقا من طبيعة البناء ثبت أن السكان كانوا يعيشون حياة بسيطة و لكنها كانت مستقرة‬
‫‪ ،‬فكانت بيوتهم ال تتوفر على الكثير من األثاث ‪ ،‬ذات جدران ملساء و تحتوي أسقفها على مدخنات ‪ .‬و‬
‫تم العثور على بقايا أثاث املطبخ من سكاكين و موائد لكن لم يعثر فريق البحث على مجوهرات ‪ .‬و لكن‬
‫ذلك لم يكن يعني أنها لم تكن موجودة ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪- Carl. W .Bolegom , op . cit , p 38 .‬‬
‫‪26‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫املحاضرة الرابعة ‪ :‬النظام السياس ي‬

‫في حوالي لبقرن التاسع ق م مر املجتمع االغريقي بعدة متغي رات حيث عاش مرحلة ِانتقالية‬
‫سياسية في تكوينه ‪ .‬فلقد تراجعت قوة النظام امللكي في الوقت الذي تزايدت فيه قوة الطبقة‬
‫األرستقراطية من أصحاب األراض ي الزراعية و الرعوية ‪.‬‬

‫و يمكن القول أن الطرفين كانا في طريقهما إلى نوع من التعادل في ِاقتسام السيطرة على مقدرات‬
‫األمور في املجتمع ‪ .‬و مع ذلك فإن هذا التعادل لم يكن قد تم و اتفق عليه ‪ ،‬و إنما كان ال يزال محط‬
‫ً‬
‫جدل وصل أحيانا إلى الصراع السافر بين هذين الطرفين ‪ .‬هذا بينما كانت الطبقة العامة ال تزال‬
‫بعيدة عن اإلشت راك في تصريف األمور ‪. 1‬‬
‫كما أن املجتمع آنذاك كان مجموعة من التجمعات القبلية أو السكانية في طريقها نحو التكتل الذي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ِاتخذ في النهاية شكل املدن اإلغريقية التي أصبحت لكل منها صفة الدولة شكال و مضمونا ‪ ،‬و لكنه لم‬
‫يكن قد وصل بعد نهاية هذا الشوط ‪.‬‬
‫و في ضوء هذا الوضع كانت تطلعات املجتمع تطلعات تدور حول تحقيق املقومات الهيكلية و األساسية‬
‫لنظام مستقر ‪. 2‬‬

‫أما عن الطبقة اإلجتماعية العامة ‪ ،‬فوضع أفرادها هو أن يحضروا االجتماعات‬


‫و املناقشات دون أن يشتركوا فيها بالرأي أو النقد ‪ ،‬إنما هو حضور صامت ال يتعدى مراقبة سير األمور‬
‫عن كثب ‪.‬‬
‫‪.‬نظام دولة املدينة‪:‬‬

‫اندثرت الحضارة املوكينية حوالي عام ‪ 1000‬ق‪.‬م ‪.‬نتيجة لغزو القبائل الدورية‪ ،‬ونتيجة هذا االندثار‬
‫ظهرت فترة من التخلخل والتخلف في أرجاء املجتمع اليوناني‪ ،‬استمرت قرابة قرنين من الزمان‪ ،‬ثم ظهر‬
‫مجتمع جديد عرف بنظام ” دولة املدينة "‪ "Polis‬وهنا ال يصبح املجتمع‪ ,‬اليوناني كيانا واحدا‪ ،‬بل تصبح‬
‫‪1‬‬
‫‪- Emile Burnouf , op . cit . P 2 .‬‬
‫‪ - 2‬لطفي عبد الوهاب يحي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 228‬‬
‫‪27‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫كل منطقة كيانا مستقال قائما بذاته وله كل أبعاد الدولة‪ ،‬و كانت الظروف الجغرافية قد جزأت بالد‬
‫اليونان إلى مناطق منعزلة وأدت إلى ظهور هذا التكوين كان محور نظام دولة املدينة هي األجورا "‪: "Agora‬‬
‫ومعناها الساحة العامة فيها يقض السكان حاجاتهم اليومية‪ ،‬ثم أصبحت تعني املكان الذي يناقش فيه‬
‫سكان املدينة الشؤون العامة ملدينتهم‪.‬جمعت دولة املدينة بين الثقافة والحرية في مجتمع صغير ‪ ,‬وفرضت‬
‫الوالء على كل شخص يقيم بها‪ ،‬كان املواطنون في املدينة قليلي العدد‪ ،‬ولكنهم كانوا يشعرون بالتقارب‬
‫واملساواة والديموقراطية‪ ،‬ويعرف الجميع بعضهم بعض‪،‬كانت دولة املدينة تحدد للفرد واجباته الخلقية‪،‬‬
‫وتشجع على التقدم العقلي‪ ،‬كانت تسمح بحرية التفكير والكالم والنقد في املجالس الشعبية وفي ساحة‬
‫األجورا‪ ،‬أد ت حرية املناقشة إلى الديمقراطية‪ ،‬فكانت مناقشتهم تتناول الحرية والقانون والحكومة‪،‬‬
‫وكانت مبنية على املنطق والفهم‪ ،‬كما كان من ركائز دولة املدينة ‪ :‬الفنون والدراما والعلم والفلسفة والدين‬
‫واألخالق والحياة السياسية والحرية‪ ،‬ثم بدأ الضعف يدب في دولة املدينة نتيجة لعجز املدن على التجمع‬
‫في شكل من أشكال االتحاد السياس ي أمام العدو املشترك ‪.3‬‬

‫تطور النظام السياس ي‪ :‬عرفت بالد اإلغريق العديد من األنظمة السياسية طوال تاريخها الطويل وهي‬
‫كالتالي‪:‬‬
‫أ( النظام امللكي‪:‬‬
‫كان امللك يضم في يديه كل السلطات العسكرية والتشريعية والتنفيذية والدينية‪ ،‬أول منصب‬
‫ً‬
‫استحدث وانتزع بعضا من صالحيات امللك كان منصب قائد الجيش البوليمارخوس)‪(Polemarchos‬‬
‫الذي تبعه إحداث منصب الحاكم األرغون )‪ (Archon‬الذي اختص بالشؤون اإلدارية ‪.‬وكان شغل هاتين‬
‫الوظيفتين مدى الحياة أسوة بامللك وفي منتصف القرن الثامن ق‪.‬م عدلت املدة إلى عشر سنوات ثم إلى‬
‫سنة واحدة في بداية القرن السابع ق‪.‬م كما كان هناك أيضا مجلس األعيان) األرستقراطيين( باإلضافة إلى‬
‫مجلس العامة الذي لم يكن له أكثر من العلم بمجريات األمور واملوافقة على قرارات امللك‪ ،‬وكان كبار‬
‫املوظفين هؤالء يتحولون فور انتهاء والياتهم إلى أعضاء مدى الحياة في مجلس أو محكمة يطلق عليها‬
‫محكمة األريوباغوس )‪ (Areopagos‬وهو اسم التل الذي كانت تجتمع عليه‪ ،‬وكانت تكلف بمهمة انتخاب‬
‫كبار املوظفين بما فيهم امللك ‪,‬وكذلك الفصل في القضايا الجنائية ‪.4‬‬

‫‪3‬‬
‫‪Burinet John, Early Greek philosophy, second edition, Adam and CharlesBlack , London , p. 132.‬‬
‫‪4‬‬
‫الناصري سيد احمد ‪،‬اإلغريق تاريخهم و حضارتهم ‪.‬ط ‪ ، 2‬دار النهضة العربية‪ ،‬ص‪. 122 .‬‬
‫‪28‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫النظام اإلرستقراطي‪:‬‬
‫يتميز أواخر العهد األخير الذي ساد فيه النظام امللكي بنشؤ طبقة خاصة من املالك لألراض ي الزراعية‬
‫تجمعت الثروة أي ملكية األراض ي بيدها ‪ ،‬وأطلق عليها طبقة االرستقراطيين أو أمراء اإلقطاع الذين‬
‫استحوذا على األراض ي وأصبحت ملكية األراض ي وراثية خاصة بهذه الطبقة وبلغ االرستقراطيون قدرا‬
‫عظيما من النفوذ والقوة‪ .‬وبذلك أصبح املقوم االقتصادي هو الدافع للتطور السياس ي‪ ،‬وأخذ أفراد‬
‫الطبقة األرستقراطية يزحفون على سلطات امللك وينتزعون الواحدة وراء األخرى ‪ ,‬العسكرية والسياسية‬
‫والتنفيذية‪ ،‬و بدأت الحكومات امللكية تسقط في أغلب املدن اليونانية‪ ،‬وتحل مكانها حكومات جماعية‬
‫تتكون من الطبقة األرستقراطية‪ ،‬التي كان أفرادها يسيطرون على املورد االقتصادي الرئيس ي وهو‬
‫فقضوا على امللوك بعد ‪ 750‬ق ‪-‬م وبدلوا نظام الحكم من امللكية إلى نظام الحكم‬ ‫األرض‪،‬‬
‫االرستوقراطى ‪.5‬‬
‫‪ -‬مقوماته‪ :‬وقد قام الحكم األرستقراطي على ثالث دعائم‪:‬‬

‫‪ .1‬الدعامة االقتصادية‪:‬‬
‫األرستقراطيون هم أصحاب األرض‪ ،‬واستطاعوا بذلك أن يسيطروا على املجتمع اليوناني‪.‬‬
‫‪ .2‬الدعامة العسكرية‪:‬‬
‫كانوا هم أصحاب السيطرة على القوة العسكرية في البالد‪ ،‬و كانوا يتشكلون أساسا من فئة‬
‫الفرسان الذين يمتلكون الخيل ويستطيعون القيام بالغارات على جي رانهم‪.‬‬
‫الدعامة القانونية‪:‬‬
‫كان الحكم في العصر امللكي يقوم على أساس الحق اإللهي‪ ،‬وليس على أساس من تنظيم قانوني‪ ،‬أي على‬
‫أساس من إرادة امللك ومقدار سطوته‪ ،‬ولكن حين سيطرة الطبقة األرستقراطية على زمام األمور‪ ،‬أصبح‬
‫الحكم على أساس القانون الذي يحدد الحقوق والواجبات‪ ،‬فمجلس األعيان أصبح ينتخب سنويا‪،‬‬
‫ورفعت الن زاعات إلى املحاكم املكلفة بالفصل في الجرائم العامة وفرض العقوبات‪ ،‬أ ي أن القانون حل‬
‫محل القوة ‪.6‬‬
‫ج (النظام األوليغرش ي )‪:(Oligarchy‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Birsad Victoe ,l’Odysseed’Homere , Bibliotheque de Clyry, 1931, p. 67.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Ibid., p. 81.‬‬
‫‪29‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫األوليغاركية أو األوليغارشية أو حكم األقل ِِّية‪ ،‬وهي شكل من أشكال الحكم بحيث تكون السلطة‬
‫السياسية محصورة بيد فئة صغيرة من املجتمع تتميز باملال أو النسب أو السلطة العسكرية ‪.7‬‬
‫نظرا لضيق األرض ولزيادة عدد السكان‪ ،‬مما دفعهم إلى الهجرة من بالد اليونان وقيامهم‬
‫باالستيطان على ساحل أسيا الصغرى‪ ،‬و هذا ما أدى إلى ظهور طبقة جديدة وهم التجار الذين سعوا إلى‬
‫تأمين مصالحهم عن طريق السعي إلى املشاركة في الحكم‪ ،‬مما أدى إلى ظهور نوع من الحكومات تحالفت‬
‫فيها الطبقات التجارية الجديدة مع الطبقات األرستقراطية القديمة من مالك األراض ي‪ ،‬و هو ما عرف‬
‫باسم النظام السياس ي األوليغراش ي أو نظام حكم األقلية‪.‬‬

‫‪ -‬التطور إلى الديموقراطية‪:‬‬


‫كان ازدهار التجارة سببا في فتح مجال جديد أمام الطبقات الشعبية وأعطاهم فرصة املساواة االجتماعية‬
‫بين الطبقة األرستقراطية القديمة وطبقة التجار الجديد‪ ،‬و كان النشاط التجاري يعتمد على أبناء طبقة‬
‫العامة من أصحاب الحرف والبحارة وعمال النقل والجنود‪ ،‬و هنا بدأ العامة يشعرون بكيانهم وأهميتهم‪،‬‬
‫وبدأت حالة من السخط تنتشر بينهم‪ ،‬نتيجة النفراد طبقة محدودة بكل املزايا والحقوق السياسية‬
‫واالقتصادية‪ ،‬من هنا قامت الثورات الشعبية لإلطاحة بالحكومات األوليغارشية‪.‬و منذ القرن السادس‬
‫ق‪.‬م ‪.‬انتشرت ظاهرة جديدة عرفت باسم حكم الطغاة‪ .‬حكم الطغاة )‪: (la tyrannie‬‬

‫و هو أن أحد األشخاص األقوياء يتزعمون العامة في ثورة ضد حكومة األقلية‪ ،‬ويأخذون الحكم بأيديهم‬
‫بطرق غير شرعية‪ ،‬وهذا عن طريق إرضاء طبقة العامة واستمالتهم إلى جانبه‪ ،‬ولكن حكم الطغاة لم‬
‫يستمر طويال‪ ،‬وذلك نظرا ألنهم حاولوا أن يحتفظوا بالحكم فترة طويلة في أسراتهم‪ ،‬و كان أبنائهم الذين‬
‫ورثوهم أقل قدرة من آبائهم‪ ،‬لذلك حاول العامة التخلص من هذا الحكم وأقامت بدال منه النظام‬
‫الديموقراطى‪.‬‬
‫هـ ( النظام الديمقراطي )‪:(Système démocratique‬‬

‫مصطلح ديمقراطية مشتق من املصطلح اإلغريقي)‪( (δημοκρατία‬بالالتينية‪ )dēmokratía :‬ويعني‬


‫"حكم الشعب" لنفسه‪ ،‬هو مصطلح قد تمت صياغته من شقين ديموس )‪" (δῆμος‬الشعب" و‬

‫‪7‬‬
‫‪Heern H .L , de la politique et du commerce des peuples de l’antiquité , Trad. , Allen W de Sinku et A, Schutte ,‬‬
‫‪Section Grecque , Paris , p. 181.‬‬
‫‪30‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫كراتوس (‪" )κράτος‬السلطة" أو "الحكم" في القرن الخامس قبل امليالد للداللة على النظم‬
‫السياسية املوجودة آنذاك في واليات املدن اليونانية‪ ،‬وخاصة أثينا؛ واملصطلح مناقض ألرستقراطية‬
‫ً‬
‫)‪ (ἀριστοκρατία‬وتعني " حكم نخبة "‪ .‬بينما يتناقض هذين التعريفين نظريا‪ ،‬لكن االختالف‬
‫ً‬
‫بينهما قد طمس تاريخيا‪ .‬فالنظام السياس ي في أثينا القديمة‪ ،‬على سبيل امل ثال‪ ،‬منح حق ممارسة‬
‫ُ‬
‫الديمقراطية لفئة النخبة من الرجال األحرار واستبعد العبيد والنساء من املشاركة السياسية ‪..‬‬
‫مؤسسات النظام السياس ي‪:‬‬
‫أ( في أثينا‪:‬‬
‫الديمقراطية األثينية عرفت ميالدها في القرن ‪ 5‬ق‪.‬م على يد حركة إصالحية أخذت على عاتقها ضرورة‬
‫النهوض بأثينا استجابة للمطالب الشعبي‪ ،‬فأن أهم القواعد التي يقوم عليها النظام الديموقراطى هو أن‬
‫السلطة يجب أن ترتكز بيد املواطن‪ ،‬وتماشيا مع هذا الوضع أرسيت قواعد نظام يرتكز على مجموعة من‬
‫املؤسسات ‪.8‬‬
‫أ( املؤسسات التشريعية‪:‬‬

‫‪ .1‬اإلكليزيا )‪ ) (Ecclesia‬مجلس الشعب– الجمعية العامة( ‪ :‬أي الجمعية الشعبية ‪.‬وهى عبارة‬
‫عن سلطة تقريرية‪ ,‬وهيئة تجمع كل املواطنين عل اختالف وضعهم االجتماعي‪ ,‬يخول لهذه الهيئة مناقشة‬
‫القضايا املطروحة على الحكام في اجتماعات عادية أو استثنائية في مجلس يجمع فيه املواطنين ويعطيهم‬
‫الحق في التدخل قبل اتخاذ القرار على أن ينتهي النقاش بتصويت علني‪.‬‬

‫‪ .‬مجلس الخمسمائة )مجلس النواب (‪ :‬ويتكون من ‪ 511‬عضو كل قبيلة يمثلها ‪ 51‬عضو يتجاوزون ‪01‬‬
‫سنة‪ ،‬يتم اختيارهم بواسطة القرعة وهو هيئة تحضيرية ملشاريع األعمال التي تقدم لإلكليزيا أي الجمعية‬
‫الشعبية‪.‬‬

‫ب( املؤسسات التنفيذية‪ :‬ويتكون مجلس القادة العشرة‪،‬حكام املدينة األراخنة‬

‫ج (املؤسسات القضائية‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ .1‬املحكمة العامة‪ :‬او الجمعية القضائية ويعمل فيها اكثر من ‪ 6000‬مواطن فوق سن ال‪ 30‬عاما‬
‫َ‬
‫يحظ ُّ‬
‫أي نظام‬ ‫ُيصبحون قضاة عن طريق القرعة سنويا‪ .‬ويشكل هذا العدد ُخمس مواطني املدينة‪ .‬لم‬

‫‪8‬‬
‫ارتن بنيامين ‪ ،‬العلم اإلغريقي ‪ ،‬ترجمة أحمد شكري سالم ‪ ،‬المركز القومي للترجمة ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬مصر ‪ ،2011 ،‬ص‪.37 .‬‬
‫‪31‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫ديمقراطي في هذا العالم بهذا الكم العددي الهائل في املشاركة ِّ‬


‫الفعالة واملباشرة بنظام الحكم كما هو‬
‫في أثينا‪ .‬و تتضمن صالحيات القضاة النظر في الشكاوى والدعاوى واستدعاء املشتكي عليهم ثم إقرار‬
‫نوع العقوبة و قراءة الحكم وتنفيذه‪ .‬لم ْ‬
‫تكن لدى ديمقراطية أثينا ِّأية مدارس للقانون أو دراسة النظم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يمي ُز هذا النظام هو الحرص على‬
‫حاكما لنفسه‪ .‬ما ِّ‬ ‫ُ‬
‫الشعب قاضيا على نفسه وكان‬ ‫القضائية‪ .‬كان‬
‫املصلحة العامة‪ .‬فاأليتام مثال كان ُينظر لهم على ِّأنهم أبناء املدينة وبذلك يخضعون ملسؤولية الجميع‪،‬‬
‫باإلضافة إلى هذه املحكمة هناك محاكم أخرى مثل محكمة األشراف‪.‬‬
‫ب( إسبرطة‪:‬‬
‫يتركز النظام االسبارطي على أربعة ـركان ‪:‬‬
‫امللكية املزدزجة ‪:‬ملكين على رأس الدولة بدال من ملك واحد‪ ،‬وكانت النتيجة أن السلطة لم تكن مركزة‬
‫في يد ملك واحد وإنما كانت موزعة بين امللكين‪،‬وكل ملك كان رقيبا على امللك اآلخر ومقيدا لسلطاته‪،‬‬
‫مما يحول دون السيطرة املستبدة‪ ،‬كان للملكين صالحيات مطلقة ‪ ،‬فقد كان من حقهما إعالن الحرب‬
‫على أي منطقة ‪ ،‬وتوقيع العقوبات على أي مواطن‪ ،‬فإذا قامت الحرب فهما القائدان للمعركة‪ ،‬ثم‬
‫أصبحت بعد ذلك قيادة الجيش مللك واحد ويبقى اآلخر في املدينة‪.‬‬
‫مجلس الشيوخ‬
‫كان سن األعضاء يجب أن يكون فوق الستين عاما وكان املجلس يتكون من ‪ 30‬عضوا من بينهم‬
‫امللكان ‪ ،‬ويتم اختيارهم من بين األشراف ويعتبرهذا املجلس هو صاحب السلطة الحقيقية في إسبرطة‬
‫ومن صالحيات تحضير املسائل التي تعرض على مجل س العامة والفصل في القضايا الجنائية والنظر في‬
‫‪9‬‬
‫شؤون السياسة الخارجية‪.‬‬
‫مجلس العامة‪:‬‬
‫يتكون من كل مواطن إسبرطي يزيد سنه عن الثالثين عاما كان اجتماع هذا املجلس يتم مرة كل شهر‬
‫بدعوة من امللكين‪ ،‬انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ ‪ ،‬وهيئة املشرفين ‪ ،‬وتقرير كانت صالحيات املجلس‬
‫تشمل الرسائل الخاصة بالحرب والسالم والسياسة الخارجية ‪ ،‬واملسائل املتعلقة بوراثة العرش وكان‬
‫هذا املجلس ركيزة للحكم الديمقراطي‪.‬‬
‫‪ .‬هيئة املشرفون‪:‬‬

‫‪9‬‬
‫وافي علي عبد الواحد ‪ ،‬األدب اليوناني القديم و داللته على عقائد اليونان و نظامهم اإلجتماعي‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬ص‪.210 .‬‬
‫‪32‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫يتكون من خمسة أفراد يختارون ملدة سنة عن طريق االنتخاب من الشعب ومن بين سلطاته الرقابة‬
‫على تصرفات امللوك ‪ ،‬واملحافظة على النظام العام ‪ ،‬وتطبيق القانون كما كانوا يشكلون الهيئة‬
‫القضائية التي تنظر في مختلف القضايا ‪.10‬‬
‫عيوب النظام االسبارطي ‪:‬‬

‫فساد النظم‪ ،‬الحروب واالنتصارات أدت أن ينال كبار القادة الغنائم واألسالب ‪ ،‬أما الطبقة الفقيرة‬
‫تضعف اقتصاديا وتزداد فقرا‪ ،‬ازدادت الثروات في أيدي النساء واألبناء نتيجة وفاة أعداد كبيرة من‬
‫الرجال في الحروب‪ ،‬تفتت امللكيات الصغرى إلى ملكيات أصغر ‪...‬ورغم ذلك فقد ظلت إسبرطة أقوى‬
‫دولة في بالد اليونان أكثر من ربع قرن ‪.11‬‬

‫‪10‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.211 .‬‬
‫‪11‬‬
‫‪Commop M, , histoire de l’origine de la Grèce ancienne , Trad par Adolph Joanne , Pontin et Cheva lier ,‬‬
‫‪editeurs , Paris , 1852, p. 122.‬‬
‫‪33‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫املحاضرة الخامسة ‪:‬االقتصاد و املجتمع‬

‫‪ -‬االقتصاد اإلغريقي‪:‬‬
‫‪ .1‬الزراعة‪:‬‬

‫كان االقتصاد في اليونان القديمة يقوم على العديد من النواحي ‪ ،‬فقد اشتهرت بالد اليونان‬
‫بالزيتون ومنتجاته وكذلك الكروم والنبيذ ‪ ،‬بالتالي فانها بدأت بعد استعمال حاجات مدنها من تلك‬
‫املنتجات بدأت تفكر في التصدير للبلدان املجاورة وبذلك ربطت بين الزراعة والتجارة من ناحية ‪ ،‬ومن‬
‫ناحية أخرى كانت الفضة من أهم املعادن املوجودة في بالد اليونان واستلزم بحكم طبيعة بالد اليونان‬
‫الجغرافية االستعانة بالبحر كوسيلة من وسائل النقل االرخص واالمن وقامت صناعة السفن وبدأ‬
‫االهتمام بتقوية األسطول البحري لحماية طرقها التجارية ‪.1‬‬
‫‪ .2‬الصناعة‪:‬‬
‫‪ .‬الصناعة‪:‬‬

‫كانت الصناعة في اليونان القديمة وإن كانت صغيرة في حجمها دقيقة شديدة التخصص في‬
‫ً‬
‫نوعها ‪ ،‬فقد كانت تستخرج الرخام وغيره من الحجارة من محاجرها‪ ،‬وتصنع آالفا من أشكال اآلنية‬
‫الخزفية ‪ ،‬وكانت تدبغ الجلود في مدابغ كبيرة كالتي يمتلكها كليون منافس بركليز و أنيتس الذي وجه‬
‫التهمة إلى سقراط‪ ،‬صانعة العربات‪ ،‬وبناء السفن وصانعة السروج ولوازم الخيول ‪ ،‬صناعة األحدية ‪،‬‬
‫وكان من املشتغلين بحرف البناء نجارون وصانعون للقوالب‪ ،‬وقاطعون لألحجار ‪ ،‬ومشتغلون‬
‫باملعادن‪ ،‬ومصورون‪ ،‬وطالون للجدران واألخشاب‪ .‬وكان فيها حدادون وصانعون للسيوف والدروع‪،‬‬
‫واملصابيح‪ ،‬والقيثارات ومختلف اآلالت املوسيقية‪ ،‬و ّ‬
‫الطحانون ‪ ،‬والخبازون ‪ ،‬والوزانون والسماكون ‪-‬‬
‫والنسيج وغيرها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫عياد محمد كامل ‪ ،‬تاريخ اليونان ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬ط ‪ ،1‬دمشق ‪ ،‬ص ‪. 18‬‬
‫‪34‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫وكانت أرض أتكا تنتج املعادن والوقود كما تنتج الطعام ‪ ،‬وكان األهالي يضيئون بيوتهم بمصابيح‬
‫جميلة املنظر‪ ،‬ومشاعل يستخدمون فيها زيت الزيتون املكرر أو الراتينج ‪ -‬أو بالشموع‪ .‬وكانوا َّيدفئون‬
‫بالخشب الجاف أو الفحم الخشبي‪ ،‬يحرقونه في مواقد متنقلة ‪.2‬‬
‫‪ .3‬التعدين‪:‬‬
‫ُ‬
‫كانت الغابات والتالل القريبة من املدن لكثرة ما قطع من أشجارها للوقود والبناء ‪ ،‬حتى أضحت‬
‫البالد في القرن الخامس قبل امليالد تستورد الخشب الذي تحتاجه لبناء البيوت والسفن وصنع‬
‫األثاث‪ .‬ولم يكن الغرض من التعدين في بالد اليونان الحصول على الوقود‪ ،‬بل كان غرضه استخراج‬
‫املعادن‪ ،‬وكانت أرض أتكا غنية بالرخام والحديد‪ ،‬الفضة والرصاص‪ .‬وكانت مناجم لوريوم القريبة من‬
‫الطرف الجنوبي من شبه الجزيرة "فوارة تندفع منها الفضة ‪ ،‬ألثينا" كما يقول إسكلس‪ .‬وكانت هذه‬
‫عليه الحكومة‪ ،‬فكانت تحتفظ لنفسها بملكية كل ما تحت التربة ‪ ،‬وتؤجر‬ ‫ِ‬ ‫املناجم أكبر ما تعتمد‬
‫ً‬
‫املناجم إلى من يستغلها من األفراد نظير أجر محدد قدره وزنة تالنت أي جزء من أربعة وعشرين جزءا‬
‫من غلتها في العام ‪.3‬‬
‫‪ .4‬صناعة النسيج‪:‬‬

‫كانت املنسوجات العادية ال تزال حتى ذلك الوقت ُتنسج في املنازل من طرف النساء‪ ،‬ويصلحن‬
‫ثياب األسرة وفراشها ‪ ،‬ومنهن َمن يمشطن الصوف أو يدرن عجلة الغزل ‪ ،‬ومنهن َمن يتعهدن األنوال‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ومن ينحنين أمام إطار التطريز‪ .‬أما املنسوجات الخاصة فكانت تشترى من املصانع أو تستورد من‬
‫َ‬
‫خارج البالد ‪ -‬فاألقمشة الرقيقة كانت ترد من مصر‪ ،‬و أمرجوس ‪ ،Amorgos‬و تارنتم؛ واألقمشة‬
‫الصوفية املصبوغة من سراقوصة ‪ ،‬والبطاطين من كورنثة‪ ،‬والزرابي من الشرق األدنى و قرطاجة ‪،‬‬
‫وأغطية الفراش امللونة من قبرص وتعلمت نساء كوس في أواخر القرن الرابع حل غزل خيوط الحرير‪.‬‬
‫ً‬
‫وأتقنت النساء في بعض املنازل فنون النسيج إتقانا أمكنهن أن ينتجن أكثر من حاجة أسرهن ‪ ،‬فكن‬
‫يبعن ما زاد على حاجتهن إلى املستهلكين في بادئ األمر ‪ ،‬ثم إلى الوسطاء ؛ وكن يستعن بمن يساعدهن‬
‫‪ ،‬من املعاتيق أو األرقاء ‪ ،‬ونشأت على هذا النحو صناعة من زلية كانت هي الخطوة األولى في سبيل نظام‬
‫املصانع ‪.4‬‬

‫‪2‬‬
‫العابد مفيد رائف‪ ،‬دراسات في تاريخ اإلغريق‪ ،‬الطبعة الجديدة ‪ ،‬دمشق ‪ ،1979‬ص‪. 191 .‬‬
‫‪3‬‬
‫مطر أمير حلمي‪ ،‬جمهورية أفالطون‪ ،‬مكتبة األسرة‪ ،‬مهرجان القراءة للجميع‪ ،‬ص‪.87 .‬‬
‫‪4‬‬
‫الناصري سيد احمد‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪. 122 .‬‬
‫‪35‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫‪ .5‬التجارة‪:‬‬
‫ازدهرت التجارة في اليونان القديمة من عام ‪ 480‬إلى ‪ 430‬ق‪.‬م بعد القضاء على القرصنة‬
‫ُ‬
‫تستطيعه من أسباب التيسير؛‬ ‫وكانت أرصفة أثينا ومخازنها ‪ ،‬وأسواقها ومصارفها تقدم للتجارة كل ما‬
‫وسرعان ما أضحى هذا الثغر النشيط العامل أهم مراكز التصدير وإعادة الشحن للتجارة املتبادلة بين‬
‫الشرق والغرب‪ .‬وفي ذلك يقول سقراط‪ " :‬لقد كان من اليسير أن يبتاع اإلنسان في أثينا جميع ما‬
‫يجده إال في أماكن متفرقة سلعة منه في هذه املدينة وسلعة في تلك "‪ .‬ويقول‬ ‫ُ‬ ‫عليه أن‬ ‫يصعب‬
‫ِ‬
‫توكيديدس " إن عظمة مدينتنا تجذب غالت العالم كله إلى مرفئنا ‪ ،5‬حتى أصبحت ثمار البالد األخرى‬
‫ً‬
‫من مواد الترف املألوفة لألثيني كثمار بلده نفسه "‪ ،‬كما أن ولم تكن امل ستعمرات أسواقا فحسب ‪ ،‬بل‬
‫كانت فوق ذلك وكاالت شحن ترسل البضائع األثينية إلى الداخل ‪ ،‬ومع أن مدائن أيونيا قد اضمحلت‬
‫في القرن الخامس قبل امليالد ألن التجارة التي كانت تمر بها من قبل تحولت إلى البروبنتس وكاريا أيام‬
‫ً‬
‫الحرب الفارسية وبعدها ‪ ،‬فإن إيطاليا وصقلية قد حلتا محلها وأصبحت بالدهما ثغورا لتصدير ما زاد‬
‫عن الحاجة من غالت بالد اليونان األصلية وسكانها ‪.6‬‬
‫‪ .6‬النظام النقدي‪:‬‬
‫يمكن تقسيم تاريخ العمالت اليونانية القديمة (إلى جانب معظم أشكال الفن اليوناني األخرى)‬
‫إلى أربع فت رات‪ :‬العتيقة والكالسيكية والهلنستية والرومانية‪ .‬تمتد الفترة العتيقة منذ إدخال العمالت‬
‫املعدنية إلى العالم اليوناني خالل القرن السابع قبل امليالد حتى الحروب الفارسية اليونانية نحو ‪480‬‬
‫قبل امليالد‪ .‬ثم تلتها الفترة الكالسيكية‪ ،‬التي استمرت حتى فتوحات اإلسكندر األكبر نحو ‪ 330‬قبل‬
‫امليالد‪ ،‬وبعدها بدأت ا لفترة الهلنستية‪ ،‬التي امتدت حتى االندماج الروماني بالعالم اليوناني في القرن‬
‫األول قبل امليالد‪ .‬واصلت املدن اليونانية إنتاج عمالتها لقرون عدة أخرى تحت الحكم الروماني‪.‬‬
‫ُس ّميت العمالت املعدنية املنتجة خالل هذه الفترة بالعمالت املعدنية الرومانية املحلية أو عمالت‬
‫اإلمب راطورية اليونانية ‪.7‬‬
‫‪ -‬الحياة االجتماعية‪:‬‬
‫‪ .1‬الطبقات االجتماعية‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Thucydide, la Guerre de Péloponnèse, Trad. De Romilly, Paris, 1953, p. 211.‬‬
‫‪6‬‬
‫جنيدي ابراهيم عبد العزيز‪ ،‬معالم التاريخ اليوناني‪ ،‬ج ‪ ، 1‬المكتب المصري لت وزيع المطبوعات‪ ،‬مصر ‪ ،1999- 1998‬ص‪.102 .‬‬
‫‪7‬‬

‫‪36‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫كان املجتمع اليوناني مقسما إلى عدة طبقات‪ ،‬وتختلف أهمية هذه الطبقات باختالف الرقي‬
‫الفكري واالنتعاش االقتصادي من مدينة ألخرى‪ ،‬ففي أثينا التي كانت تتمتع بنوع من الديمقراطية في‬
‫ذلك العصر نجد مجتمعها مقسما إلى ثالث طبقات متميزة عن بعضها البعض‪:‬‬
‫‪.1‬املواطنون األثينيون في األصل‪.‬‬

‫‪ .2‬املستوطنون‪ ،‬وهم القاطنون في أثينا وليسوا من أبوين أثينيين‪.‬‬

‫األسرة‪:‬‬
‫كانت األسرة في معظم املدن اإلغريقية تتكون من الجد والجدة واألعمام أي العائلة الكبيرة‪،‬‬
‫والبيوت الزوجية املنفردة على أهل الزوج قليلة‪ ،‬ويتوقف ذلك على الحالة االجتماعية للزوج‪ ،‬أي ذلك‬
‫ميسور للعائالت املرموقة في مجتمع املدن فقط ‪.8‬‬

‫وكان لألب سلطة الحياة واملوت على أبنائه وزوجته‪ ،‬أما وضعية املرأة كانت ال وضعية بائسة‬
‫فهي بين عالم الحيوان وعالم العبي د‪ ،‬ليس لها وجود قانوني بمفردها‪ ،‬فهي ترتبط بمواطنة األب أو‬
‫الزوج وهي تحت الوصاية األبدية للوالي الشرعي‪ ،‬لم تكن تستشار في زواجها‪ ،‬أما املهر فكان واجب من‬
‫أهل الفتاة املقبلة على الزواج تدفعه للزوج‪ ،‬وليست لها حق طلب الطالق مهما كان مدى ظلم زوجها‪،‬‬
‫أما الخيانة الزوجية فكانت منتشرة ومسموح بها لألزواج أي الرجال وال يعاقب عليها القانون‪ ،‬بينما إن‬
‫كانت الزوجة الخائنة يمكن أن تصل العقوبة إلى اإلعدام‪ ،‬أو يحرم عليها الحضور في املعابد‬
‫واالحتفاالت الدينية واملدنية ومسموح للناس ضربها حتى املوت إن فعلت ذلك‪ ،‬كما أن مكان املرأة هي‬
‫بيتها فهي مبعدة عن الحياة العامة ‪.9‬‬

‫‪8‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.99 .‬‬
‫‪9‬‬
‫‪Burinet John, Early Greek philosophy, second edition, Adam and Charles Black, London, p. 122.‬‬

‫‪37‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫لألبناء حق التغذية واللباس في مرحلة الطفولة‪ ،‬كما لألم واألب نفس الحق على األبناء في مرحلة‬
‫الشيخوخة‪ ،‬ومن لم يرعى األبوين في مرحلة العجز يعاقب وفق قانون أتيميا بتجريده من حقوق‬
‫املواطنة األثينية‪.‬‬
‫الديانة‪:‬‬

‫عرف اإلغريق القدماء اآللهة واإللهات االثني عشر األوملبيون‪( :‬زيوس‪ ،‬هي را‪ ،‬بوسيدون‪ ،‬ديميتر‪ ،‬أثينا‪،‬‬
‫آريز‪ ،‬أفروديت‪ ،‬أبولو‪ ،‬أرتميس‪ ،‬هيفايستوس‪ ،‬هيرميز‪ ،‬وإما هيستيا أو ديونيسوس)‪ .‬على الرغم من أن‬
‫إلها و ً‬
‫احدا‬ ‫الفلسفات مثل الرواقية وبعض أشكال من األفالطونية تستخدم لغة يبدو أنها تحمل ً‬
‫ً ُ‬ ‫ً‬
‫متعاال‪ً .‬‬
‫أحيانا بكنية تميزهم وتحدد طبيعتهم املحلية‬
‫غالبا ما كانت املدن املختلفة تعبد نفس اآللهة‪ ،‬و‬

‫ا عتقد اإلغريق في وجود عالم سفلي حيث تذهب إليه أرواح املوتى بعد املوت‪ .‬واحدة من أكثر‬
‫املناطق إنتشا ًرا في هذا العالم السفلي كان يحكمه هاديس‪ ،‬شقيق زيوس‪ ،‬وكان هذا املكان يعرف باسم‬
‫هاديس (يسمى في األصل "مكان هاديس")‪ .‬املنطقة املعرفة األخرى هي تارتاروس‪ ،‬مكان العذاب‬
‫للمذنبين‪ ،‬وإليسيون‪ ،‬مكان امللذات للطيبين‪ .‬في أوائل الديانة امليسينية كان جميع املوتى يذهبون إلى‬
‫هاديس‪ ،‬لكن صعود الطقوس الغامضة في العصر القديم أدى إلى ظهور أماكن مثل تارتاروس‬
‫وإليسيون ‪.10‬‬

‫‪10‬‬
‫‪Merllot, A, Introduction à l’étude comparative des langues Indo-européennes, Librairie Hachette, Paris, 1903,‬‬
‫‪p. 62.‬‬

‫‪38‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫املحاضرة السادسة ‪:‬املظاهر الحضارية‬

‫تطور الكتابة ‪:‬‬


‫إن أكبر ما قدمه الفينيقيون للعنصر البشري ‪ ،‬هو ِاخت راع حروف الكتابة ‪ ،‬ففي الوقت الذي ِابتكر‬
‫أو املقاطع الهجائية ‪ ،‬وإن استعملوا‬ ‫فيه املصريون و السومريون عالمات تدل على حروف الهجاء‬
‫كال على حدى ‪ ،‬ولكن الفرق بين ِاستعمال تلك العالمات ‪ِ ،‬واستعمالها دون غيرها ‪ ،‬واألرجح أن‬
‫االخت راع ‪ ،‬كل منهم على حده ‪ ،‬لكن الكتابة الكريتية ال يمكن‬
‫الكريتيين و الفينيقيين وص لوا إلى ذلك ِ‬
‫عصر متأخر بكثير ‪. 1‬‬
‫ٍ‬ ‫قراءتها حتى اآلن ‪ ،‬و هي لم يتفرع منها ش يء سوى الكتابة القيصرية التي نشأت في‬
‫عصر مبكر حوالي‬
‫ٍ‬ ‫االخت راع اآلسيوي بدأ قبل سنة ‪ 1000‬ق‪.‬م ‪ ،‬و يجوز أنه تم منذ‬
‫و ال شك أن هذا ِ‬
‫سنة‪ 1500‬ق‪.‬م ‪ ، 2‬أما الحروف الفينيقية فهي إن لم تكن األولى التي سبقت غيرها ‪ ،‬فهي الكتابة‬
‫الوحيدة التي ظهرت قبل أواخر القرن الحادي عشر ق‪.‬م ‪ ،‬ثم إنها بعد أن تعرضت لتغي رات ال تحص ى ‪،‬‬
‫وعلى مر الزمن أخذ اإلغريق بحروف الكتابة‬ ‫ال تزال باقية في معظم الكتابات املستعملة اليوم ‪.‬‬
‫الفينيقية ‪ ،‬وأصلحوها بأمن أضافوا لها رموزا جديدا لكي يد لوا على حروف الحركة القصيرة و‬
‫االخت راع الفينيقي هو الداللة على كل مخرج من مخارج األصوات بأقل عدد ممكن من العالمات و بدون‬
‫حدوث لبس ‪ ،‬وحاول الكتاب الفينيقيونتقليل عدد الرموز إلى الحد األد نى ‪ ،‬حيث عرف عنهم أنهم‬
‫كانوا شديدي االقتصار في الحروف إلى درجة لم تفهمه أمم أخرى اعتمدت على حروفهم األبجدية ‪.‬‬
‫و خالصة القول أن حروف الكتابة اإلغريقية مأخوذة عن الحروف الفينيقية ‪ .‬كما اختلطت طائفة من‬
‫الكلمات الفينيقية ( السامية ) باللغة اإلغريقية ‪ ،‬و هي كلمات ليست قليلة نادرة االستعمال ‪ .‬و من‬
‫أهم ذلك كلمة ( ‪ ) biblos‬التي تعني الورق و الكتاب بالفينيقية ‪ ،‬و منها جاءت كلمة ( ‪ ) Bible‬التي‬
‫يعني بها الكتاب املقدس‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- G . G . Lotz , La civilisation Égéenne , la renaissance de livre , Paris 1923 , P 422 .‬‬
‫‪ - 2‬إبراهيم السايح ‪ ،‬ممدوح درويش مصطفى ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪. 10‬‬

‫‪39‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫االدب عند االغريق‪:‬‬


‫إن ما تميز به اإلغريق هو أدب املالحم الذي يعد أول مظاهر التطور األدبي‪ ،‬فلإلغريق ملحمتان‬
‫شهيرتان و هما اإللياذة و األوديسا املنسوبتين لهوميروس‪ ،‬فضال قصيدتي األيام و األعمال و ثيوغونيا (‬
‫أنساب اآللهة )لهيزيدوس‪ .‬و لقد نشأت امللحمة اإلغريقية ‪ 3‬في إطار سياس ي تميز بمرحلة انتقالية في طور‬
‫التكوين تراجعت خاللها مكانة امللكية مقابل تنامي الطبقة االرستقراطية‪ .‬و كان ذلك خالل القرن‬
‫التاسع قبل امليالد‪ ،‬و جاءت هذه الفترة بعد حرب طروادة ( القرن الثاني عشر قبل امليالد) لتدخل‬
‫املنطقة بعد الغزو الدوري مرحلة العصور امل ظلمة التي تناقلت خاللها األجيال بطوالت الحرب بطريقة‬
‫الرواية شفهية التي خلدتها اإللياذة الهوميرية‪.‬‬
‫‪ .1‬األدب الهوميري‬
‫أ‪ .‬إلياذة هوميروس ‪:‬‬
‫سميت باإللياذة أو ألياس نسبة إلى مدينة إليون عاصمة مدينة طروادة‪ ،‬و هي ملحمة شعرية‬
‫تناولت موضوعا واحدا هو حرب طروادة‪ ،‬و غضب أخيليوس‪ ،‬تضمنت أحداثا متسلسلة وشخصيات‬
‫متنوعة ‪ ،4‬و لقد وصلت هذه األشعار عبر الشعراء املتجولين ‪ .5‬و موضوع اإللياذة قصير ‪ ،‬فقد استغرق‬
‫أربعين يوما‪ ،‬و تتكون امللحمة من أربعة و عشرين نشيدا ‪ 6‬و يقدر مجموع أبياتها بخمسة عشر ألفا و‬
‫خمسمائة و اثنين و تسعون بيتا‪ .‬و يجمع النقاد على أن اإللياذة من أهم املالحم الغربية – مع جواز‬
‫استثناء األوديسا – و لم تظهر هذه امللحمة في عصر الثقافة اإلغريقية‪ ،‬بل ظهرت في فترة مبكرة لها‪ .‬و‬
‫لقد تضمنت اإللياذة قيما فنية و تاريخية فضال عن اعتبارها أولى مصادر دراسة التاريخ الحضاري‬
‫‪7‬‬
‫لبالد اإلغريق‪ .‬ملا تضمنته من معالم سياسية و دينية و عسكرية و اجتماعية‪.‬‬
‫أ‪ .‬األوديسا‪:‬‬

‫تتكون من أربعة و عشرون أنشودة تتمحور حول موضوعات أساسية متعلقة بمغامرات أودسيوس‬
‫في عودته إلى وطنه و التخلص من األعداء أو الذين احتلوا قصره‪ ،‬كما تتضمن تفاصيل إقامته في‬

‫‪3‬‬
‫نور الهدى لوشن ‪ ،‬وقفة مع األدب الملحمي ‪ ، 2006 ،‬ص ‪. 10‬‬
‫‪ : 4‬هومريوس ‪ ،‬اإللياذة ‪ ،‬ص ‪. 30‬‬
‫‪5‬‬
‫‪Monique Ired, Boulimer Sauzanne Said , Op Cit , P1 .‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Jacqueline De Romilly, Op Cit , P 14 .‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Maurice Groiset , Op Cit , P 31 .‬‬

‫‪40‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫جزيرة فالكيس ( ‪ ) PHLAKS‬بما في ذلك من وصف للرحلة التي قام بها للعالم اآلخر‪ ،.‬و يقول أرسطو‬
‫في كتابه (الشاعر) أنه قد أدخلت تعديالت كثيرة في أسلوب االوديسا‪ ،‬خاصة في النشيد الثالث و‬
‫العشرين مقارنة مع األناشيد األخرى‪ ،‬أو حتى مقارنة مع الصيغة األولى التي وردت فيها‪ .‬و يقول أيضا‬
‫‪8‬‬
‫أنها بقدر ما وصفت رحلة أودسيوس قال أنها وصفت أيضا مغامرات (تيلما خولي) في البحث عن أبيه‪.‬‬
‫و وردت االوديسا مثل اإللياذة بلغة أيونية – أيولية ‪ 9‬بحكم أنها ا للغة التي كانت متداولة في تلك الفترة‬
‫قبل تداول اللغة اإلغريقية‪ ،‬ويقول توكيديس في كتابه أن هوميروس هو أول من استعمل لفظ‬
‫‪10‬‬
‫الهيلينيين‪ ،‬كما استعمل مصطلح اآلخيين في حديثه عن اإلغريق‪.‬‬
‫‪ .2‬امللحمة عند هيزيدوس ( معالم تربوية و تعليمية ) ‪:‬‬

‫ثاني أشهر أدباء املالحم عند اإلغريق‪ ،‬مثله مثل هوميروس تنحدر أصوله من آسيا الصغرى‪،‬‬
‫غير أن والد هيزيدوس هاجر إلى بالد اإلغريق األوروبية في منطقة (أسكرا – ‪ )ASKARA‬الواقعة على‬
‫سفح جبل (هيليكون) (‪ ،)Hellecon‬و من اهم منظوماته ‪ 11‬قصيدة األيام و األعمال التي تتكون من‬
‫ثمانمائة بيت و تنقسم إلى أقسام ثالثة ‪ ،‬حيث يوجه الشاعر إلى أخيه – نتيجة خالفه معه – طائفة‬
‫من النصائح و املواعظ مدعمة بأمثلة تاريخية كما تناولت القصيدة التقويم الفلكي الذي ابرزه الشاعر‬
‫بتقسيمه أليام الشهر وفق العقائد الدينية املنتشرة في عصره‪ ،‬و ث اني أهم قصائد هيزيدوس (ثيوغونيا)‬
‫التي تطرقت إلى تاريخ اآللهة في ذكر أصولهم و أنسابهم ‪ . 12‬و انطالقا من ذلك صنف كأقدم مؤلف في‬
‫تاريخ عقائد اإلغريق‪ ،‬حيث استمد املؤلف املادة من األساطير التي انتشرت في عصره‪ ،‬و تتألف‬
‫و رغم تعرضها للتحريف كغيرها من القصائد األخرى إال أنها ما تزال‬ ‫القصيدة من حوالي ألف بيت‪،‬‬
‫متماسكة و متسلسلة ‪.‬‬
‫و ثاني أهم قصائد هيزيدوس (ثيوغونيا) التي تطرقت إلى تاريخ اآللهة في ذكر أصولهم و‬
‫أنسابهم ‪ . 13‬و انطالقا من ذلك صنف كأقدم مؤلف في تاريخ عقائد اإلغريق‪ ،‬حيث استمد املؤلف املادة‬
‫و رغم تعرضها‬ ‫من األساطير التي انتشرت في عصره‪ ،‬و تتألف القصيدة من حوالي ألف بيت‪،‬‬
‫للتحريف كغيرها من القصائد األخرى إال أنها ما تزال متماسكة و متسلسلة ‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Aristote, Poetique, Trad F Dufan, Les belles lettres, Paris, 1932, Chapitre 24 , Emile Burnouf p. 72.‬‬
‫‪9‬‬
‫‪Paul Mazon , Des commentaires sur la traduction de l’Iliade, , Les belles lettres, Paris, 1938, p. 122.‬‬
‫‪10‬‬
‫‪Thecydide , Op Cit , P 4‬‬
‫‪11‬‬
‫‪Emile Burnouf , Op Cit , P 70 .‬‬
‫‪12‬‬
‫‪Hesiode , Theogonie , Trad , M Patin , Paris , 1872 , P 130.‬‬
‫‪13‬‬
‫‪Hesiode , Theogonie , Trad , M Patin , Paris , 1872 , P 130.‬‬

‫‪41‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫املسرح ‪:‬‬
‫ارتبط ظهور املسرح اإلغريقي باحتفاالت اإلله ديونيسيوس ‪ ،‬و تطورت العروض الف نية لتأخذ الطابع‬
‫الجاد لتصبح الت راجيديا هي البداية الحقيقية للفن املسرحي اإلغريقي‪ 14 .‬و كانت الت راجيديا ‪15‬بسيطة في‬
‫بداية األمر الرتباطها باإلله ديونيسيوس‪ ،‬لكنها لم تبق على بساطتها‪ ،‬حيث شهدت أوائل القرن الخامس‬
‫قبل امليالد مرحلة من التطور من حيث الشكل أو املضمون أو األداء‪ .‬فمن املضمون لم يعد موضوع‬
‫املسرحية يتصل باإلله ديونيسيوس‪ ،‬و إنما أصبح يدور حول الصراع بين اآللهة و اإلنسان‪ ،‬أو بين‬
‫القدر و اإلنسان و الخير و الشر ‪ ،‬أو ما يتصل بهذا القبيل من مواضيع تأخذ من األساطير اإلغريقية‪ ،‬و‬
‫من حيث الشكل تطور عدد املمثلين من ممثل واحد إلى ثالثة‪ ،‬كما ظهرت تحسينات بشكل املسرح‬
‫عموما‪ ،‬و تم ذلك على يد ثالثة من رواد املسرح اإلغريقي‬
‫رواد املسرح اإلغريقي ‪:‬‬
‫و من اهم رواد املسرح في بالد اإلغريق‪:‬‬

‫‪ .1‬أسخيليوس ( ‪ 556- 524 ( ) Eschylos‬ق‪.‬م )‬


‫يعود له الفضل في تطور الت راجيديا اإلغريقية‪ ،‬حيث تخطى مبدأ التمثيل الواحد ليدخل في‬
‫مسرحياته ممثال ثانيا‪ ،‬و ذلك ما ساعد على تطور الحوار و إبراز املواقف و وجهات النظر املختلفة أو‬
‫املتعارضة‪ ،‬فضال عن اهتمام أسخيليوس بتطوير األقنعة و ثياب املثلين حتى تتناسب مع األدوار التي‬
‫يقومون بها‪ ،‬و ركز اهتماماته على دور إرادة اآللهة كقيمة لها دور في تهذيب العالقات بين أفراد املجتمع‪.‬‬
‫‪ .2‬سوفوكليس( ‪ 406- 496 ( ) Sophokles‬ق‪.‬م) ‪:‬‬
‫يعد ثاني هؤالء املسرحيين الكبار سوفوكلي ‪ 406- 496 ( ) Sophokles ( 16‬ق‪.‬م) حيث أضاف‬
‫ممثال ثالثا الش يء الذي وسع دائرة الحوار و من ثم خدمة مواقف الصراع الذي تحتوي عليه خشبة‬
‫املسرح‪ ،‬كما ابرز عناصر البطولة في اإلنسان بشكل واضح‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫لطفي عبد الوهاب يحي ‪ ،‬اليونان مقدمة في التاريخ الحضاري ‪ ،‬ص ‪. 195‬‬
‫‪15‬‬
‫التراجيديا هي محاكاة للعقل الجاد التام في ذاته بلغة ممتعة‪ ،‬و تكون في شكل درامي ال أنشودي‪ ،‬و تكون أجزائها في المسرحيات باستخدام‬
‫الشعر وحده و في البعض األخر يستخدم الغناء‪ .‬انظر ‪ :‬أرسطو ‪ ،‬فن الشعر ‪ ،‬ترجمة و تعليق إبراهيم حمادة‪ ،‬ط ‪ ، 1‬الدار العربية للطباعة و‬
‫النشر و التوزيع ‪ ، 1999 ،‬ص ‪111‬‬

‫‪16‬‬
‫‪Sophocle, Antigone, Trad par P. Mazon, les belles lettres, Paris, 1953, p. 150.‬‬
‫‪42‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫‪ . 3 .‬بوروبيديس ‪:‬‬
‫و ثالث هؤالء بوروبيديس ( ‪ 406 – 485‬ق‪.‬م ) الذي اتصف بالواقعية في تصوير اإلنسان و‬
‫صراعاته ال كمخلوق ال حول له أمام إرادة اآللهة كما فعل أسخيليوس‪ ،‬و ال كبطل صراعاته أكثر من‬
‫حجمه كما فعل سوفوكليس‪ ،‬حيث عالج في مسرحياته عددا من املواضيع التي ال تزال مطروحة إلى‬
‫اآلن ‪ ،‬كموض وع الوطنية و املعاناة في الحروب‪،.‬إلى جانب ذلك عرفت بالد اإلغريق و خاصة أثينا ظهور‬
‫املسرح الكوميدي مع نهاية القرن الخامس قبل امليالد و بداية القرن الرابع قبل امليالد‪ ،‬و الجدير بالذكر‬
‫أن هذا اللون ظهر في منطقة ميجار و املدن اإلغريقية في صقلية ‪ ،‬و ازدهر في أثينا التي كانت تمر بفترة‬
‫تدهور الوضع االجتماعي بعد هزيمتها في حروب البيلوبونيز‪ ،‬و ما نتج عن ذلك من خسائر اقتصادية و‬
‫سياسية أثرت سلبا على الوضع االجتماعي‪ ،‬حيث أصبح املجتمع اآلثيني يعيش تناقضات و مفارقات‬
‫كانت موضوعا لتلك املسرحيات‪ ،‬التي تطرق من خاللها الكاتب أو الفنان إلى املشاكل اليومية و إلقاء‬
‫الضوء على األحوال العامة بطريقة ساخرة‪ ،‬و تزامن ذلك مع تطور النظام الديمقراطي‪.‬‬

‫و بلغت الكوميديا اإلغريقية قمتها مع أرسطوفانيس (‪ 385- 450(- )Aristophanes‬ق‪.‬م) الذي‬


‫كتب ما يزيد عن ‪ 40‬مسرحية‪ ،‬وصلت منها ‪ 11‬مسرحية بصورة كاملة ‪ .‬و من أعماله مسرحية (‬
‫السجن ) التي سخر فيها من سقراط الحكيم و السوفسطائيين ‪ ،‬ثم الضفادع التي سخر فيها من‬
‫بوربيديس ‪ ،‬و الطيور التي سخر ف يها من العدالة و محاكم القضاء ‪ ،.‬و قد ساهمت عدة عوامل في‬
‫تطوير املسرح اإلغريقي ‪ ،‬منها ما يتعلق باملوروث الخاص لألدب اإلغريقي كالشعر الهوميري‪ ،‬غير أن‬
‫عملية النضج التي كانت خالل القرن الخامس قبل امليالد ارتبطت أساسا بعوامل أخرى تتصل بدور‬
‫البيئة وتأثيرها على اإلنسان‪ ،‬ومنها ما ارتبط كذلك بالعامل السياس ي املتعلق بتطور النظام‬
‫‪17‬‬
‫الديمقراطي كون أثينا كانت مسرحا له‪.‬‬

‫الفلسفة و التاريخ ‪:‬‬


‫غير أن البحث في تطور املسرح ال يمكن حصره في حيز بسيط بقدر ما يحتاج إلى دراسة معمقة في‬
‫كفن و نشاط إنساني لم‬
‫جميع ما يتعلق به شكال و مضمونا‪ .‬و ما يهمنا اإلشارة إليه هنا هو أن املسرح ٍ‬
‫يرتبط ظهوره ببالد اإلغريق‪ ،‬بل عرفته حضارات الشرق القديمة في فترة مبكرة ‪ ،‬و لكنه اتخذ شكال‬
‫دينيا ‪ ،‬و هو ما ينطبق على املسرح اإلغريقي في بداياته األولى‪ .‬إال أن هذا األخير بفضل عوامل مختلفة‬

‫‪17‬‬
‫‪Dugas Mortbel , Observation sur l’Ilia de d’Homère , T2 , Paris 1830, p.30 .‬‬

‫‪43‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫استطاع أن يتبلور و ينضج على أيادي الكثير من رواده الذين جعلوا منه تراثا إنسانيا عامليا تباهى به‬
‫الفن و األدب‬
‫‪ – 1‬الفلسفة‪:‬‬
‫تميز فجر الفلسفة االغريقية في البحث في القضايا الطبيعية املتعلقة بالكون والطبيعة ‪ ،‬ومن ابرز‬
‫روادها في املدرسة املالطية طاليس ‪ 460‬ق م الذي اعتبر ان اصل الكون املاء ‪ ،‬وأنكسمندريس ‪ 410‬ق‬
‫م وانكسمونس وتعد هذه املدرسة أول مظهر للتطور الفكري عند االغريق ‪.‬‬
‫ومن األوائل الذين ساهموا في بلورة الفكر الفلسفي االغريقي فيتاغورس الذي ولد حوالي ‪ 532‬ق م ‪،‬‬
‫ويعد أول من وضع املي اديء األولى للرياضيات و الحساب ‪ ،‬ومع القرن الخامس ق م اتخذ الفكر‬
‫الفلسفي االغريقي اتجاها اخرا ركز فيه على التطرق للقضايا املتعلقة باإلنسان وذلك مع سقراط‬
‫والسوفسطائيين الذين تميزوا بب راعة الجدل وفصاحة اللسان باعتبار أن سقراط يعد أول من أنزل‬
‫الفلسفة من السماء الى األرض و هو ما اتضح جليا من خالل مقولته املشهورة اعرف نفسك بنفسك‪.‬‬

‫أما أفالطون ‪ 347/427‬ي م يعد أول من أسس أكاديمية لتدريس الطلبة عرف باتجاهه املثالي ‪ ،‬كانت‬
‫له نظريات مختلفة في السياسة و األخالق و اتضح ذلك من خالل محاوراته املختلفة وكتاباته‬
‫كالجمهورية ‪.‬القوانين‬
‫ومن أبرو الفالسفة االغريق أيضا أرسطو ‪ 322/ 384‬ق م تميز بواقعيته مقارنة مع استاذه أفالطون‬
‫أسس مدرسة اللوقيوم ‪ ،‬كتب في مختلف املجاالت كالطب و الطبيعة و الشعر و السياسة ‪ ،‬ومن أبرز‬
‫مخلفاته ‪ :‬الكون و الفساد ‪.‬السياس ي ‪ .‬دستور األثينيين ‪.‬الطبيعة ‪ .‬الشاعر‬
‫‪ – 2‬التاريخ ‪:‬‬
‫لقد تأسست املعرفة بالتاريخ على يد االغريق من خالل هيرودوت ‪ 425/ 474‬ق م الذي يعتبر أبو‬
‫التاريخ وعرف من خالل كتابه التواريخ ‪ ،‬الى جانب توكيديتس الذي كتب حرب البيليبونيز‬
‫كما ظهر اكسينوفون الذي كتب الذكريات وديودور الصقلي الذي كتب املكتبة التاريخية‬
‫لقد تطرقت كل هذه الكتابات الى تاريخ العالم القديم لذلك اعتبرت املصادر االصلية لدراسة تاريخ‬
‫الحضارات القديمة ‪.‬‬

‫الرياضيات عند اإلغريق‪:‬‬


‫‪44‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫نشأ املجتمع اإلغريقي نشأة املجتمعات األخرى‪ ،‬و تطورت مظاهر الحياة به‪ ،‬و مرت على مراحل‬
‫مختلفة من التطور و االنحدار مثله مثل باقي املجتمعات األخرى‪ .‬و مع مطلع القرن السادس قبل امليالد‬
‫تنامت حركة التجارة باملدن األيونية‪ ،‬فأصبح املجتمع هناك يعج بأصحاب الحرف و التجار الذين‬
‫تواصلوا مع منطقة الشرق القديم‪ .‬و استلزمت ضرورة الحياة الجديدة البحث عن طرق جديدة‬
‫للقياس و الحساب و ضبط املوازين و املكاييل‪ ،‬ملا ارتبطت به بصفة وثيقة معطيات حياتهم و نشاط‬
‫الحركة التجارية خاصة و هذا ما يدفعنا للقول في مستهل هذا العرض أن الرياضيات اإلغريقية –‬
‫بعكس ما يقول أصحاب نظرية املعجزة اإلغريقية – نشأت ألغراض معرفية بحتة‪ .‬فصفوة الرياضيات‬
‫اإلغريقية مدت جذورها إذن من الرياضيات العلمية‪ ،‬و ممارسة الحياة اليومية التي نشطت عندهم في‬
‫‪18‬‬
‫و رغم محاولة امل فكرين املتأخرين إبعاد الرياضيات‬ ‫الضفة الشرقية من البحر األبيض املتوسط‪.‬‬
‫اإلغريقية من هذه الجذور‪ ،‬إال أنه في حقيقة األمر يجب تعامل بحذر ألن كل من برز فيه من علماء‬
‫الفترة الهيلينية أو حتى الهيلينستية لم يولدوا في بالد اإلغريق القارية‪ ،‬و رغم أنهم كتبوا بلغة إغريقية‬
‫إال أنهم لم يأتوا منها‪.‬‬
‫تطور مجال الفلك عند مفكري اإلغريق‪:‬‬
‫آراء املفكرين حول الفلك‬
‫لقد تعددت وجهات نظر مفكري اإلغريق حول مجال الفلك و العناصر املكونة له‪ ،‬و من أبرز هذه‬
‫الوجهات ما ذهب إليه طاليس في أن األرض محمولة على املاء و أن الكون متغير‪ ،‬كما أشار إلى أن القمر‬
‫حسبهم جسم مظلم تضيئه ال شمس‪ ،‬فبدأ بكسوف الشمس و قال أن الكسوف ظاهرة تحدث كل‬
‫ثمانية عشر سنة و إحدى عشر يوما‪،19 .‬أما أناكسمندريس فيقر بأن النجوم دوائر فارعة من املاء‪ ،‬و هي‬
‫مكونة من الهواء الكثيف‪ ،‬و مملوءة بالنار‪ ،‬و تحيط باألرض األسطوانية و املحدبة السطح املوجودة في‬
‫حالة توازن في الفضاء‪ ،‬أما األبيرون املحيط بالكون‪ ،‬و العلة املادية األولى حسبه لكل ش يء ‪ ،‬نشأ عنه‬
‫السموات و األكوان‪ .‬و وصف نشأة الكون بالسديم الحار و البارد‪ ،‬و انفصال أثناء الحركة الدائرية‬
‫للمادة غير املحدودة‪ .‬و أحاطت النار باألرض‪ ،‬و تمزق الغالف و أخذ اللهب يشكل دائرة نارية هي‬
‫الشمس‪ ،‬القمر و الكواكب‪ ،‬و املقصود بالبارد األرض‪ ،‬املاء‪ ،‬الهواء‪ ،‬و لكن هو ال يفسر ك يف تميزت هذه‬

‫‪18‬‬
‫جاكلين ستيدال‪ ،‬تاريخ الرياضيات‪ ،‬ترجمة محمد عبد العظيم سعود‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم و الثقافة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،2016 ،‬ص‪. 23 .‬‬
‫‪19‬‬
‫دحام إسماعيل العاني‪ ،‬موجز تاريخ العلم‪ ، 2002 ،‬ص ‪. 100‬‬

‫‪45‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫العناصر عن بعضها‪ ، .‬كما يرى أن األرض تقع وسط العالم‪ ،‬و ليست معلقة بش يء‪ ،‬بل الهواء و كل‬
‫األجرام تدور حولها من شمس و كواكب‪ ،‬أما أناكسمانس يرى أن الهواء هو العنصر الكوني األول يحمل‬
‫األرض‪ ،‬و األرض مسطحة ترتكز على قاعدة شبيهة باملنضدة‪ ،‬و هي مركز الكون‪ .‬بينما يذهب فيتاغورس‬
‫الى ضرورة حساب حركة الشمس في السماء باعتبارها نتيجة لحركتين متداخلتين‪ ،‬و هناك نظام كوني‬
‫يفترض أن األرض تدور حول مركزها‪.‬‬

‫و لقد اقر زيتون األيلي بكروية األرض‪ ،‬و لكنها تقع في محور الكون‪ ،‬حيث تبقى متوازية إلنعدام‬
‫أسباب حركتها‪ ،‬و الشمس هي في األصل مزيج حراري ‪ ،‬فيما يشكل القمر مزيجا أكثر حرارة و برودة‪ ،‬غير‬
‫أن اناكساغوراس حاول رسم خريطة لألرض و السماء ( لونسيبوس – ‪ ،) Lencippus‬و أن الكون نشأ‬
‫من الذرات( ‪ ،)Atomisme‬تخيل عددا من الدوائر حول األرض‪ ،‬و األرض هي مركزها جميعا‪ ،‬و دورة‬
‫القمر هي األقرب لن ا‪ .‬فيما تعد دورة الشمس هي األبعد‪ ،‬و تحتل بقية األجرام السماوية متوسطة‬
‫بينهما‪ ،‬و كل الكواكب تدور حول األرض و تلتهب تحت تأثير سرعة حركتها‪.‬‬

‫أما ديمقراطيس فالكون عنده مكون من ذرات و فراغ المتناهي في حدوده‪ ،‬و الذرات غير منتهية‬
‫في عددها‪ .‬أما نشأته‪ ،‬فك انت نتيجة تضارب الذرات في كل اإلتجاهات‪ ،‬و تتجمع الذرات املتشابهة‪ ،‬و‬
‫يحدث التشابك‪ ،‬و تتشكل كتل‪ ،‬و عودتها إلى الفوض ى تنشأ عن تفكك عضوي لها‪ .‬و يعرف هذا‬
‫اإلتجاه باإلتجاه الذري الذي ظهر كرد فعل لإلتجاه األيلي‪ ،‬و الجدير بالذكر أن املدرستين الذرية و‬
‫األيلية مختلف تين في نظريتهما في مجال الفلك‪.‬‬
‫و من أهم ورثة الفكر الفيتاغورس ي ( فيلوالوس ‪ ) Philolaos‬نهاية القرن الخامس قبل امليالد‪ ،‬و وضع‬
‫تصورا أن مركز الكزن تحتله بؤرة مركزية متأرجحة‪ ،‬و حوله تدور عشرة أجرام سماوية‪ ،‬و هي أجسام‬
‫بما فيها األرض ذات الشكل الكروي‪ ،‬و يأتي ترتيبها حول األرض كما يلي ‪ :‬األرض ثم القمر‪ ،‬عطارد‪،‬‬
‫الزهرة‪ ،‬الشمس‪ ،‬املريخ‪ ،‬املشتري‪ ،‬ساتورن ‪.20‬‬
‫لكن إذا انتقلنا إلى سقراط‪ ،‬فلم يعرف عليه أنه تطرق للقضايا الطبيعية أو الفلكية‪ ،‬ذلك ألنه كان‬
‫يرى أن عالم الطبيعية هو من صنع اآللهة‪ ،‬فهي وحدها تعرف معرفته‪ ،‬و أن البح ث في ذلك يعد من‬

‫‪20‬‬
‫دحام إسماعيل العاني ‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 107‬‬

‫‪46‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫املحرمات‪ ،‬كما كان يعتقد انه ليس لإلنسان أن ينظر إلى دراسة اآللهة و الطبيعة ‪ ،‬و هو يجهل نفسه و‬
‫‪21‬‬
‫ال يستطيع أن يعرف نفسه‪ ،‬فال يمكنه الطمع في البحث فيما ليس له به صلة‪.‬‬
‫غير أن أفالطون كان عكس ذلك ‪ ،‬فهو يتناول مجمل القضايا املتعلقة بالطبيعة و اإل نسان على حد‬
‫السواء‪ ،‬و عن الفلك ورد في محاوراته عدة مقوالت و آراء‪ ،‬منها ما ورد في محاورة القوانين على لسان‬
‫كلينياس في الكتاب العاشر ‪ ( :‬علينا أن نفكر في األرض و الشمس و الكواكب‪ ... ،‬بل و النظام املدهش و‬
‫الجميل‪ ،‬بل و مما يحمل من فروق بين األشهر و السنين‪ ،‬إلى جانب ذلك الحقيقة أن كل الجنس‬
‫‪22‬‬
‫البشري من اليونانيين و غير اليونانيين يعتقدون بوجود اآللهة‪).‬‬
‫و يقول في محاورة تيمياويس حول نفس السياق‪ ( ،‬إن الفلك قد نظم على معادالت رياضية محددة‬
‫بالضبط‪ 23 ).‬و يقول أيضا ‪ ( :‬إن انسجام العالم و النظام و الكواكب في الفلك‪ ،‬و مجرى الحركة منتظم‬
‫و ثابت‪ 24 ) .‬أي أننا نالحظ أن أفالطون يقر بالنظام املوجد في الكون‪ ،‬و لكن يعتقد أن وراء هذا‬
‫التنظيم املحكم قوة إلهية تقوم بتسييره‪.‬‬

‫و يؤكد في نفس املحاورة على أن األرض كروية الشكل‪ ،‬حيث يبعد مركز القطر عن سطحه بعدا‬
‫متساويا من كل الجهات‪ ،‬و إدارته تدويرا جعلته أكمل جميع األشكال‪ ،‬و أشبه ش يء بذاته‪ ،‬هو الشكل‬
‫الكروي‪ 25 .‬و يقول أيضا حول حركة العالم و الكون ‪ ( :‬و قد حباه هللا حركة تالىم الجسم‪ ،‬و لذل يرمه‬
‫على نفسه دورانا‪ 26 ).‬و نالحظ أن أفالطون أقر بمجموعة من اآلراء في موضوع كروية األرض و النظام‬
‫الكوني‪ ،‬كما أدخل القواعد الرياضية إلدراك املعارف الفلكية‪.‬‬
‫أما أرسطو فإنه أيضا أدلى بدلوه في املوضوع‪ ،‬حيث أن األرض عنده تحتل املركز‪ ،‬و يوجد حولها‬
‫عناصر أربعة‪ :‬املاء‪ ،‬الهواء‪ ،‬النار‪ ،‬و الت راب‪ .‬و لكل منها مركزه‪ ،‬و مجمله ا يشكل عالم تحت القمر‪ ،‬و‬
‫خلفه تمتد كل منطقة األثير التي هي العنصر الخامس لألجرام السماوية‪ .‬و الكرة األدنى كرة القمر‪.‬و‬
‫األخيرة هي النجوم‪ .‬و الكون عنده وحيد محدود‪ ،‬و خارجه ال يوجد أي ش يء‪ 27 .‬و األجرام األخرى صغيرة‬

‫‪21‬‬
‫حسام الدين األلوسي‪ ،‬الفلسفة اليونانية قبل أرسطو‪ ،‬منشورات اإلختالف‪ ،‬الجزاىر ‪ ، 2017‬ص ص ‪. 166 – 165‬‬
‫‪22‬‬
‫أفالطون ‪ ،‬محاورة القوانين‪ ،‬الكتاب العاشر ‪ ،‬ص ‪. 449‬‬
‫‪23‬‬
‫أفالطون‪ ،‬محاورة الطيمياويس و إكريتيس‪ ،‬ترجمة فؤاد جورجي بربارة ‪ ،‬منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪، 2014 ،‬‬
‫ص ‪. 61‬‬
‫‪24‬‬
‫المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 63‬‬
‫‪25‬‬
‫أفالطون ‪ ،‬محاورة طيمياويس‪ ،‬ص ‪. 208‬‬
‫‪26‬‬
‫المصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪. 209‬‬
‫‪27‬‬
‫دحام إسماعيل العاني ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪108‬‬
‫‪47‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫‪ 28‬أذا ما قورنت باألرض‪ ،‬و يرى في كتابه ما بعد ا لطبيعة أن األرض هي في حركة دائمة‪ ،‬و ذكر خمسة‬
‫‪29‬‬
‫كواكب هي الزهرة‪ ،‬عطارد‪ ،‬املشتري‪ ،‬زحل‪ ،‬و األرض‪ ،‬و يعتقد أن الشمس و القمر كرتان زائدتان‪.‬‬
‫و يتكون الكون حسب أرسطو من تسع و خمسين كرة ذوات مركز واحد‪ ،‬و تحته األرض‪ ،‬و‬
‫لألرض أربع كرات و خارجها خمس و خمسون كرة‪ ،‬أكثرها انخفاضا القمر و أكثرها ارتفاعا النجوم‪ ،‬و‬
‫يذهب إلى أن الكرات تدور حول األرض الثابتة‪ ،‬و تحمل معها في دورانها األجسام السماوية‪ ،‬و تختلف‬
‫املادة التي تتكون منها السماء عن املادة التي تتكون منها األرض‪ 30 .‬و ما يمكن إضافته أمام هذا التعدد‬
‫في اآلراء و املواقف بين مفكري اإلغريق في مجال علم الفلك ‪31‬أنهم قد استعانوا بالنجوم لعملية‬
‫أذا ﻣﺎ ﻗورﻧت ﺑﺎﻷرض‪ ،‬و ﯾرى ﻓﻲ ﻛﺗﺎﺑﮫ ﻣﺎ ﺑﻌد اﻟطﺑﯾﻌﺔ أن اﻷرض ھﻲ ﻓﻲ ﺣرﻛﺔ داﺋﻣﺔ‪ ،‬و ذﻛر ﺧﻣﺳﺔ‬
‫ﻛواﻛب ھﻲ اﻟزھرة‪ ،‬ﻋطﺎرد‪ ،‬اﻟﻣﺷﺗري‪ ،‬زﺣل‪ ،‬و اﻷرض‪ ،‬و ﯾﻌﺗﻘد أن اﻟﺷﻣس و اﻟﻘﻣر ﻛرﺗﺎن زاﺋدﺗﺎن‪29.‬‬
‫و ﯾﺗﻛون اﻟﻛون ﺣﺳب أرﺳطو ﻣن ﺗﺳﻊ و ﺧﻣﺳﯾن ﻛرة ذوات ﻣرﻛز واﺣد‪ ،‬و ﺗﺣﺗﮫ اﻷرض‪ ،‬و‬
‫الحساب و التقويم‪.‬‬
‫ﻟﻸرض أرﺑﻊ ﻛرات و ﺧﺎرﺟﮭﺎ ﺧﻣس و ﺧﻣﺳون ﻛرة‪ ،‬أﻛﺛرھﺎ اﻧﺧﻔﺎﺿﺎ اﻟﻘﻣر و أﻛﺛرھﺎ ارﺗﻔﺎﻋﺎ اﻟﻧﺟوم‪ ،‬و‬
‫ﯾذھب إﻟﻰ أن اﻟﻛرات ﺗدور ﺣول اﻷرض اﻟﺛﺎﺑﺗﺔ‪ ،‬و ﺗﺣﻣل ﻣﻌﮭﺎ ﻓﻲ دوراﻧﮭﺎ اﻷﺟﺳﺎم اﻟﺳﻣﺎوﯾﺔ‪ ،‬و ﺗﺧﺗﻠف‬
‫و ما نخلص إلى قوله عن جهود علماء اإلغريق حول مجال علم الفلك أنه ‪:‬‬
‫اﻟﻣﺎدة اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻛون ﻣﻧﮭﺎ اﻟﺳﻣﺎء ﻋن اﻟﻣﺎدة اﻟﺗﻲ ﺗﺗﻛون ﻣﻧﮭﺎ اﻷرض‪30 .‬و ﻣﺎ ﯾﻣﻛن إﺿﺎﻓﺗﮫ أﻣﺎم ھذا اﻟﺗﻌدد‬
‫ﻓﻲ اﻵراء و اﻟﻣواﻗف ﺑﯾن ﻣﻔﻛري اﻹﻏرﯾﻖ ﻓﻲ ﻣﺟﺎل ﻋﻠم اﻟﻔﻠك ‪31‬أﻧﮭم ﻗد اﺳﺗﻌﺎﻧوا ﺑﺎﻟﻧﺟوم ﻟﻌﻣﻠﯾﺔ‬
‫‪.‬اﻟﺣﺳﺎب و اﻟﺗﻘوﯾم‬

‫‪ ‬تم استعمال الرياضيات كأداة منطقية للتوصل إلى معارف فلكية ساهمت بقدر كبير في التركيب الذهني‬
‫لبنية الكون بصفة نظرية‪ ،‬أكثر ما تهدف للسيطرة على البيئة املادية‪ ،‬و بذلك نالحظ الطابع الفلسفي‬
‫للفلك اإلغريقي‪.‬‬
‫‪ ‬تطور املعارف الفلكية حوالي القرن السادس قبل امليالد مع ظهور املدرسة األيونية‪.‬‬
‫‪ ‬ظهور صراع بين العلم و الدين‪ ،‬و بلغ ذروته عندما حرمت الشرائع اآلثينية دراسة علم الفلك و هو في‬
‫أوج تطوره في عصر بركليس‪ ،‬و هو دليل آخر على سيطرة الدين على العقل اإلغريقي ة تحكمه فيه‬
‫بنسب متفاوتة خالل أوج العصر الذهبي للعلم اإلغريقي‪ .‬و بذلك يكون ردا على من ادعى أن العقل‬
‫اإلغريقي قد تحرر من سلطة الدين و أن الشرائع كانت تخدم تطور الفكر‪.‬‬
‫‪ ‬رغم أخطاء الفلكيين اإلغريق في العديد من نظرياتهم‪ ،‬إال أن مالحظاتهم أتاحت املجال لتطور العلم‬
‫الحقا بسبب غزارة النظريات و الفرضيات التي أطلقوها حول صفات الكون املادية في كلياته‪ ،‬أو في‬
‫‪32‬‬
‫عناصره الجزئية‪.‬‬
‫و مما تقدم يتضح لنا أن الفكر اإلغريقي الذي تميز بغزارة منتوجه في مجال الفلك و دراسة‬
‫الكون لم يكن قد تطور بمعزل عما أنتجته حضارات الشرق القديم في نفس املجال‪ .‬كما أن آراء‬
‫‪28‬‬
‫أرسطوطاليس ‪ ،‬الكون و الفساد ‪ ،‬ترجم ة أحمد لطفي السيد ‪ ،‬الدار القومية للطباعة و النشر‪ ،‬مصر ‪ ،‬الفقرة ‪ ، 4‬ص ‪91‬‬
‫‪29‬‬
‫ارسطو طاليس‪ ،‬ما بعد الطبيعة ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار ذو الفقار ‪ ،‬دمشق‪ ، 2008 ،‬ص ‪. 230‬‬
‫‪30‬‬
‫بنيامين فرنهاين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.119‬‬
‫‪31‬‬
‫محمد حمدي إبراهيم‪ ،‬حضارة اليونان و عبقرية المكان‪ ،‬مقال منشور‪ ،‬مجلة عالم الفكر‪ ،‬ص ‪. 101‬‬
‫‪ 32‬دحام اسماعيل العاني‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.113‬‬

‫‪48‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫الفالسفة لم تكن عقلية محضة بقدر ما اعتمدت على الجانب الحس ي القائم على املالحظة‪ ،‬فضال على‬
‫أنها لم تقص ي تماما الجانب الديني‪ ،‬بل أن أكبر فالسفة اإلغريق سقراط و أفالطون يذهبان إلى القول‬
‫أن وراء هذا النظام الكوني قوة إلهية‪ ،‬و هو دليل آخر أن الفلك اإلغريقي ال يمد للمعجزة بقدر ما هو‬
‫تفاعل العقل البشري‪.‬‬

‫‪49‬‬
49
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫املحاضرة السابعة ‪ :‬االطار الجغرافي و التاريخي لروما‬

‫‪ .‬الظروف الجغرافية إليطاليا وأثرها في تاريخ الرومان‪:‬‬


‫تتكومن إيطاليا من قسمين رئيسيين ‪ ،‬يختلف أحدهما عن اآلخر‪:‬‬

‫‪ – 1‬القسم الشمالي ‪ :‬وهو عبارة عن سهل فسيح ‪ ،‬تحيط به سلسلة جبال األلب‪ ،‬ونتيجة وجود‬
‫ممرات في هذه الجبال‪ ،‬فلم تصبح حاجزا ومانعا أمام الهجرات القادمة من القارة األوربية‪ ،‬كما يعتبر‬
‫نهر ” البو ” من أعظم أنهار إيطاليا‪ ،‬وقد هيأت لهذا القسم عامالن رئيسيان الزدهار الزراعة هما‪:‬‬
‫خصوبة التربة – ووفرة املياه ‪.1‬‬

‫‪ – 2‬القسم الجنوبي‪ :‬ويتكون من شبه جزيرة تقع بين البحر التي راني في الغرب‪ ،‬والبحر االدرياتيكي في‬
‫الشرق‪ ،‬وهذا القسم تحيط به الشواطئ على طول امتداده‪.‬‬

‫‪ – 3‬جزيرة صقلية‪ :‬قامت هذه الجزيرة بدور هام في التاريخ الروماني‪ ،‬وخاصة أثناء الصراع بين روما‬
‫وقرطاجة‪ ،‬بحيث أقام الرومان مستعمرات لهم في صقليه‪ ،‬وكانوا يمارسون نشاطهم التجاري الواسع‬
‫فيها‪.‬‬

‫‪ – 4‬البحر‪ :‬كانت سواحل روما ال تضم – رغم طولها الظاهري – سوى عدد قليل من التعاريج‬
‫ونظرا لقلة التعاريج وعدم وجود الرياح املواتية للمالحة‪ ،‬أثر ذلك في تأخر دخول إيطاليا في ميدان‬
‫النشاط البحري‪ ،‬فترة متأخرة كثي را عن تلك التي برزت فيها في بالد اليونان‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الشيخ حسين ‪ :‬دراسات في الشرق األدنى اليونان و الرومان ‪ ،‬دار المعرفة الجامعية ‪ /‬مصر ‪ ،2015‬ص‪.112 .‬‬

‫‪50‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫‪ – 5‬املناخ‪ :‬املناخ بوجه عام من الطراز الشائع في حوض البحر املتوسط وهو جاف صيفا ممطر شتاء‪،‬‬
‫دون إفراط في درجة الحرارة أو البرودة‪.‬‬
‫‪ – 6‬موارد الثروة‪:‬‬
‫‪ – 1‬الثروة الزراعية والحيوانية‪ :‬اشتهرت إيطاليا في العصور القديمة بأن أهم موارد ثروتها كانت‬
‫الزراعة وتربية الحيوان‪ ،‬ومن أهم املنتوجات الزراعية نجد القمح‪ ،‬الذرة‪ ،‬الشعير‪ ،‬الكروم‪ ،‬الزيتون‪،‬‬
‫وبعض األشجار املثمرة مثل التفاح والبرتقال‪ ،‬وتلي الزراعة في األهمية ‪ ،‬تربية الحيوان‪ ،‬ومن أشهر‬
‫الحيوانات الخيول‪ ،‬األغنام‪ ،‬األبقار‪ ،‬املعز‪ ،‬الخنازير‪ .‬كما اشتهرت إيطاليا بكثرة الغابات‪.‬‬

‫‪ – 2‬الثروة املعدنية‪ :‬لم تتمتع إيطاليا بثروة معدنية كبيرة‪ ،‬وقد عرفت النحاس والحديد‪ ،‬كما توفرت‬
‫بها أحجار البناء من مختلف األنواع‪ ،‬والرخام الجيد‪.‬‬

‫‪ .7‬التسمية‪ :‬كلمة ” إيطاليا ”‪ :‬تعبير أطلقة اإلغريق على الجزء الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة‪ ،‬وربما‬
‫أنه مشتق من الكلمة اإليطالية القديمة ‪ vitellio‬ومعناها ” أرض العجول والثي ران”‪.‬‬

‫‪ .8‬نتائج طبيعة تكوين إيطاليا‪:‬‬


‫ً‬
‫كانت وحدة إيطاليا الجغرافية وحدة ظاهرية أكثر منها حقيقية‪ ،‬ألن روما أخذت وقتا طويال لبسط‬
‫سيطرتها على كل القبائل والشعوب اإليطالية عبر مراحل عديدة‪ ،‬كانت املمي زات التي تمتعت بها قد‬
‫شجعت على الهجرة لها شعوبا عديدة‪ ،‬محبة للحرب والقتال‪ ،‬ومتباينة في األصل والحضارة‪ ،‬كان موقع‬
‫روما في وسط‬

‫شبه الجزيرة عامال مهما في بسط سيطرتها عليها‪ ،‬وكذلك في م وقعها وسط البحر‪ ،‬تأخر نمو‬
‫ً‬
‫إيطاليا الحضاري عن بالد اإلغريق يعود أساسا لبعد موقعها الجغرافي عن حضارات الشرق القديم‪،‬‬
‫عكس بالد اإلغريق التي كان موقعها أقرب وذلك ما سمح لها بربط عالقات تجارية مع حضارات الشرق‬

‫‪51‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫القديم مثل مصر الفرعونية واملدن الفينيقية وبالد ما ب ين النهريين والفرس وسومر وغيرها وبالتالي‬
‫ُ‬
‫هناك التفاعل الحضاري بينهما‪ ،‬وعليه فكان اإلقالع الحضاري لإلغريق سابقا للرومان ‪.2‬‬
‫‪ - II‬اإلطار الجغرافي والتاريخي ملدينة روما‪:‬‬
‫‪ .1‬املوقع الجغرافي وخصائصه‪:‬‬

‫تقع مدينة روما في إقليم التيسو الواقع في شبيه الجزيرة اإليطالية‪ ،‬نشأت املدينة في أول أمرها‬
‫الضفة الشرقية من نهر التيبر‪ ،‬على التالل السبعة )أنظر الخريطة رقم ‪ (1‬وعلى مسافة نحو ‪40‬‬ ‫َّ‬ ‫على‬
‫ً‬
‫صالحا للمالحة‪َّ ،‬‬ ‫ِّ‬
‫مما‬ ‫مصبه في شبه الجزيرة اإليطالية‪ ،‬وقد كان هذا االمتداد من النهر‬ ‫كيلومتر من‬
‫َّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الجبلية‬ ‫أعطى سكانها منفذا سهال لبلوغ البحر التي راني‪ .‬كان مناخ املنطقة معتدال بالنظر إلى طبيعتها‬
‫أولية َّ‬
‫وفرت األودية املحيطة بها مواقع استيطان َّ‬ ‫َّ‬
‫مهمة لسكانها األوائل‪ ،‬فقد‬ ‫كثيرة التضاريس‪ .‬وقد‬
‫َّ‬
‫الطبيعية‬ ‫غنية بالعديد من األسمدة‬ ‫امتازت هذه األودية بتربتها البركانية شديدة الخصوبة‪ ،‬حيث كانت َّ‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫مثل البوتاسيوم والفوسفات‪ ،‬وساعد ذلك كله على ازدهار املستوطنات األولى فيها‪ .‬امتاز موقع املدينة‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫بإطالله على املاء واليابسة في اآلن ذاته‪ ،‬حيث وفر لها موقعها على مسافة ‪ 20‬كيلومت را من جبال ألبان‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫طبيعيا َّ‬ ‫ً‬
‫ضد الغزاة من البر‪ ،‬وفي الوقت نفسه كانت بعيدة كفاية عن البحر لتأمين خطر غارات‬ ‫دفاعا‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫القراصنة‪ .‬وأخي را‪ ،‬كان نهر التيبر نفسه (مع جزيرة التيبر) وهضبتي كابيتولين وباالتين عبارة عن قلعة‬
‫طبيعية جعلت الدفاع عن روما بالغ ُّ‬
‫السهولة‪.‬‬ ‫َّ‬
‫الخريطة رقم ‪1‬‬
‫موقع تأسيس روما على التالل السبع‬

‫‪2‬‬
‫التربية والتعليم في الحضارة اليونانية والرومانية‪ ،‬ط‪ ،1 .‬مكتبة االنجلو المصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص‪.82 .‬‬
‫‪52‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫الخريطة رقم ‪ :1‬مخطط موقع روما التاريخي‬

‫‪ .2‬أصل السكان‪:‬‬
‫تعود أصولهم إلى الجنس األري فرع من الفرع اإليطالي‪ ،‬وهي مجموعة الشعوب الهندو ـ أوربية‪ ،‬التي‬
‫هاجرت إلى إيطاليا في أواخر األلف الثاني ق‪.‬م‪ ،‬واستقر هذا الشعب في سهل التيوم )‪ (Latium‬في‬
‫الوسط الغربي من إيطاليا املطل على البحر التي راني‪ . .‬تأسيس روما‪:‬‬

‫أ( األسطورة األولى‪ :‬وفقا لهذه النسخة‪ ،‬تأسست روما في ‪ 21‬أفريل ‪ 753‬ق‪.‬م على يد أخوين توأم من‬
‫ساللة أمير طروادة أينياس‪ .‬رومولوس ورموس هم أحفاد امللك الالتيني‪ ،‬نيوميتور من ألبا لونجا‪ .‬طرد‬
‫امللك من عرشه على يد أخيه القاس ي اموليوس بينما ابنة نيوميتور‪ ،‬ريا سيلفيا‪ ،‬أنجبت‪ .‬وكانت ريا‬
‫سيلفيا العذراء الطاهرة التي تعرضت لالغتصاب من اإلله مارس‪ ،‬مما يجعل التوائم نصف إله ونصف‬
‫بشر )أنظر الشكل رقم ‪ ،(1‬و خش ي امللك الجديد من أن يقوم رومولوس وريموس باستعادة العرش‪،‬‬
‫ولذلك كان ال بد من إغراقهم‪ .‬وأنقذتهم الذئبة (أو زوجة أحد الرعاة في بعض الروايات) وقامت‬
‫بتربيتهم‪ ،‬وعندما نضجوا بما يكفي‪ ،‬استعادوا عرش ألبا لونجا لنيوميتور‪ ،.‬ثم أسس التوأم مدينتهم‪،‬‬
‫ولكن ريموس قتل رومولوس في مشاجرة عن أن واحد منهم يحكم كملك روما‪ ،‬وإن كانت بعض‬

‫‪53‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫املصادر أضافت أن الخالف كان عن إطالق أسمائهم على املدينة‪ .‬ثم أصبح رومولوس مصدرا السم‬
‫املدينة‪ .‬وحيث أن املدينة كانت محرومة من النساء‪ ،‬تقول األسطورة إن الالتينيون دعوا أهل سابين‬
‫ملهرجان واستولوا على كل فتاة غير متزوجة‪ ،‬مما يؤدي إلى تحقيق التكامل بين الالتين وأهل سابين ‪.3‬‬

‫ب( األسطورة الثانية‪ :‬سجل املؤرخ اليونانى ديونيسيس أسطورة أخرى تقول إن األمير أينياس قاد‬
‫مجموعة من طروادة في رحلة بحرية ‪ .‬وبعد فترة طويلة في بحر هائج‪ ،‬استقروا على ضفاف نهر التيبر‪.‬‬
‫ولم يمض وقت طويل بعد أن استقروا‪ ،‬حتى أراد الرجال اإلبحار من جديد‪ ،‬ولكن النساء الذين كانوا‬
‫يسافرن معهم لم يريدوا املغادرة‪ .‬واقترحت امرأة واحدة‪ ،‬اسمها روما‪ ،‬أن تقوم النساء بحرق السفن في‬
‫عرض البحر ملنعهم من مغادرة البالد‪ .‬في البداية‪ ،‬غضب الرجال من روما‪ ،‬لكن سرعان ما أدركوا أنهم‬
‫في املوقع املثالي لالستقرار‪ .‬وقاموا بتسمية امل ستعمرة على اسم املرأة التي أحرقت سفنهم‪ .‬لكن‬
‫ً‬
‫األسطورة األولى هي األكثر انتشارا من الثانية وبالتالي هي الرسمية‪.‬‬

‫‪ .4‬مصادر التاريخ الروماني‪:‬‬


‫‪.1‬اآلثار( املخلفات املادية )‪ :‬بقايا املعابد‪ ،‬القصور والحمامات‪ ،‬املسارح والحصون واألسوار والبوابات‬
‫واألعمدة‪ ،‬الرسوم والصور‪،‬األواني الفخارية واألدوات املن زلية‪ ،‬املسكوكات والعملة‪ ،‬الكتابات الحائطية‪،‬‬
‫النقوش‪ ،‬الكتابات الجنائزية ‪.4‬‬

‫‪3‬‬
‫الشيخ حسين‪ :‬دراسات في الشرق األدنى اليونان و الرومان‪ ،‬دار المعرفة ا لجامعية ‪ /‬مصر ‪ ،2015‬ص‪.112 .‬‬

‫‪4‬‬ ‫‪e‬‬
‫‪Rougé, J., 1991, Les institutions romaines : De la Rome royale à la Rome chrétienne, 2 éd, Paris, p. 52.‬‬

‫‪54‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫الشكل ‪ :1‬تمثال ألسطورة تأسيس روما ‪ -‬متحف روما‬

‫‪ .2‬املصادر املكتوبة‪ :‬وهي كالتالي‪:‬‬


‫‪ – 1‬قوانين اللوحات اإلثنى عشر‪ :‬وهي القوانين التي صدرت عام ‪ 450‬ق‪.‬م‪ ،‬وقد حفظت لنا‬
‫مقتطفات الكتاب الرومان منذ عهد ” شيشرون ” أجزاءا كبيرة منها‪ ،‬وهي تلقي أضو ًاء على جوانب من‬
‫الحياة في الجمهورية الرومانية في أوائل عهدها‪.‬‬

‫‪ – 2‬املعاهدات ‪ :‬كانت املعاهدات التي تعقدها روما نوعين‪:‬‬

‫‪55‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫• نوع كان الطرفان املتعاقدان يعتب ران ندين متكافئين ويلتزمان بمساعدة بعضهما البعض في الحروب‪.‬‬
‫• والنوع اآلخر كانت روما تعتبر فيه الحليف األسمى‪ ،‬ويلتزم الطرف اآلخر بمساعدتها في الحروب وأيضا‬
‫احت رام هيبتها‪ ،‬وكانت نصوص املعاهدات تحفر على لوحات من البرونز وتعلق على تل” الكابيتول ”‬

‫‪ – 3‬القرارات‪ :‬وكانت تصدرها الجمعية الشعبية‪ ،‬وجرت العادة على حفر هذه القرارات على لوحات‬
‫برونزية وإيداعها في املعبد‪ ،‬وبذلك كان املعبد يؤدي عدة وظائف‪ :‬فهو دارا للعبادة وخزانة عامة‪ ،‬ودارا‬
‫للمحفوظات العامة‪.‬‬
‫‪ – 4‬قرارات السناتو‪ :‬كانت في خالل القرنين األخيرين من عهد الجمهورية تودع في املعبد‪.‬‬

‫‪ – 5‬سجالت الحكام وكبار الكهنة‪ :‬وكانت على ثالثة أنواع ‪:‬‬

‫أ – قوائم اإلحصاء‪ :‬وتتضمن بيانات إحصائية عن عدد املواطنين الرومان وممتلكاتهم ‪ ،‬وقد اعتمد‬
‫الكتاب الرومان على هذه القوائم‪.‬‬

‫ب – القوائم السنوية للحكام‪ :‬كانت كل هيئة من هيئات الحكام الرومان تحتفظ لديها بقائمة تسجل‬
‫فيها أسماء شاغلي مناصب هذه الهيئات سنويا‪ ،‬وأهم هذه القوائم من الناحية التاريخية هي قوائم ”‬
‫القناصل" ‪ ،‬وقد اعتاد الرومان ومؤرخيهم على اعتبار سنوات تولي القناصل للحكم تأريخا لكافة‬
‫األحداث العامة والخاصة‪.‬‬

‫ج – حوليات كبار الكهنة‪ :‬كان كبير الكهنة هو الذي يحدد سنويا أيام األعياد‪ ،‬وأيضا أيام انعقاد‬
‫املحاكم‪ .‬وكان يقوم بإعداد حولية يسجل بها األحداث الهامة التي تقع أثناء العام الذي يتولى فيه‬
‫منصبه‪ ،‬ويذكر فيها كذلك أسماء حكام ذلك العام‪ ،‬وهي حوليات تذكر أحداثا دينية‪ ،‬وإقامة‬
‫املهرجانات للقواد املنتصرين‪ ،‬أو حدوث مجاعة‪ ،‬أو وقوع حدث من األشياء الغريبة لديهم ككسوف‬
‫الشمس أو خسوف القمر‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫‪ – 6‬األساطير‪ :‬وهكذا لم يتبقى أمام مؤرخي الرومان الستكمال معلوماتهم عن تاريخ روما إال مصدران‬
‫‪ :‬األسطورة التقليدية لروما في بداية تاريخها‪ ،‬وروايات األسر األرستقراطية‪.‬‬

‫‪ – 7‬الكتاب القدماء‪ :‬وهم املؤرخون اإلغريق والرومان ومن أهم هؤالء بوليبيوس‪ ،‬تيتيوس ليفوس‪،‬‬
‫بلوتارك‪ ،‬أبيانوس‪ ،‬ست رابون‪ ،‬بنبيوس ميال‪ ،‬فابيوس ماكسيموس‪ ،‬سالستيوس‪ ،‬قصير أغسطس‪،‬‬
‫بلينوس الكبير‪ ،‬بل ينوس الصغير وغيرهما ‪.5‬‬

‫‪5‬‬
‫‪Rougé, J., 1991, p. 55.‬‬

‫‪57‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫املحاضرة الثامنة‪ :‬التنظيم السياس ي والعسكري‬

‫‪ - I‬املراحل التاريخية للنظام السياس ي الروماني‪:‬‬


‫مند نشأة روما في ‪ 753‬ق‪.‬م مرت على ثالث مراحل أساسية من ناحية نظام والحكم وهي كالتالي‪:‬‬

‫‪ ) 1‬النظام امللكي (‪510 - 753‬ق‪.‬م‪:).‬تأسست روما منذعام ‪ 753‬ق‪.‬م‪ .‬على النظام امللكى‪ .‬حيث امللك‬
‫بيده السلطة العليا في الشؤون الدينية والقضائية والسياسية والعسكرية ويحكم مدى الحياة‪ .‬ثم مجلس‬
‫ً‬
‫الشيوخ الذي يتكون من ‪ 300‬عضو من الطبقة االرستقراطية ويعتبر استشاريا للملك‪ .‬ويليه جمعية األحياء‬
‫ً‬
‫حيث كان الشعب الروماني ينقسم إلى ثالثين حيا هي أقسام روما ثم اندمجت هذه األحياء لتصبح ثالثة‪.‬‬
‫تعتبر هذه الجمعية كمجلس شعبي يجتمع بأمر من امللك ملناقشة أمور تهم الشعب‪ ،‬قرر‬
‫االرستقراطيون سلب امللك سلطاته وتوزيعها عليهم وبالفعل أسقطوا النظام امللكي عام ‪510‬ق‪.‬م‪ .‬وأعلنوا‬
‫النظام الجمهوري كما حدث في اليونان‪.‬‬

‫‪ .2‬النظام الجمهوري (‪27- 509‬ق‪.‬م‪:).‬قام هذا النظام بعد الثورة على امللك (تاركوينوس) لعدم‬
‫إحساسه بمعاناة شعبه وتعديه على التقاليد الرومانية‪.‬‬
‫وتمثل هذا النظام في مايلى‪:‬‬

‫ً‬
‫‪.1‬القنصالن‪:‬هما اثنان من الحكام ينتخبان سنويا وملدة عام واحد يتم اختيارهما باالنتخاب املباشر‬
‫بواسطة الشعب‪.‬‬

‫‪ .2‬مجلس الشيوخ‪ :‬يتكون من ‪ 300‬عضو من االرستقراطيين ويدير شئون البالد السياسية والتشريعية‬
‫واالقتصادية والعسكرية‪.‬‬

‫ً‬
‫‪ .3‬جمعية القبائل‪:‬تعتبر تطورا ًللجمعية الشعبية وتنعقد بناءا على دعوة أحد نقباء العامة وقد زادت‬
‫أهمية هذه الجمعية بالتدرج حتى أصبحت أهم جمعية تشريعية في روما‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫‪ .4‬نقباء العامة‪:‬هم همزة الوصل بين الدولة والعامة بحيث يحملون لحكام املدينة مشاكل العامة‬
‫ويبلغون العامة بأوامر الحكومة ‪.1‬‬

‫‪ .5‬ديمقراطية روما‪ :‬على الرغم من منح العامة فى النظام الجمهوري بروما حقوقا كفلت لهم املساواة‬
‫ً‬
‫قانونا مع األشراف إال أنها كانت مساواة شكلية حيث كان العامة يميلون إلى انتخاب مرشحين ينتمون ألسر‬
‫من األشراف وبالتا لي استولوا على جميع املناصب ولم يكن للعامة نصيب منها وهكذا لم يكن النظام‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الجمهوري في روما ديمقراطيا بمعنى الكلمة وإنما ظل في الواقع نظاما ارستقراطيا‪.‬وقد شهدت روما خالل‬
‫ً‬
‫السنوات األخيرة من العصر الجمهوري أحداثا سياسية خطيرة أدت إلى التحول إلى العصر اإلمب راطوري‪.‬‬
‫‪،‬بحيث كان الصراع الحزبي على أشده في مجلس السناتور بين حزبي‪:‬العامة برئاسة‪ :‬يوليوس قيصر وحزب‬
‫النبالء برئاسة‪ ،‬بومبي‪ ،‬أدى ذلك إلى نشوب حرب أهلية بينهما انتهت بمقتل بومبي عام ‪ 48‬ق‪.‬م‪ .‬بعدها استأثر‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قيصر لنفسه بألقاب ومناصب عليا ملدى الحياة متعديا بذلك على النظام الجمهوري ومخالفا لدستور روما‬
‫وقوانينه مما أدى إلى اغتياله عام ‪ 44‬ق‪.‬م‪ .‬في أعقاب حادثة االغتيال تكون تكتل عسكري من (أوكتافيوس‬
‫وماركوس انطونيوس ولبيدوس) ملحاربة قتلة قيصر‪ .‬بعد االنتصارعليهم قسمت الواليات الرومانية الغربية وملا‬
‫استشعر الرومان عودة ظهور (كليوباترا السابعة) للعب أدوار سياسية في مسرح السياسة الرومانية نتيجة‬
‫عالقتها بأنطونيوس‪ .‬وبعد تيقن (أوغسطس) من قوة سيطرة امللكة البطلمية على قلب وفكر (أنطونيوس) أثار‬
‫الشعب الروماني والسناتور ملحاربتهما وانتصر عليهما في معركة (أكتيوم البحرية) غرب بالد اليونان عام ‪31‬‬
‫ق‪.‬م‪.‬‬

‫‪ .3‬النظام اإلمبراطورى (‪31‬ق‪.‬م‪:)476 – .‬يبدأ هذا العصر من عام‪ 31‬ق‪.‬م بسيطرة القائد‬
‫(أوكتافيوس) (‪27‬ق‪.‬م‪14 – .‬م) على روما‪ ،‬بدأ أكتافيوس عهد اإلمب راطورية الرومانية وقد منحه مجلس‬
‫الشيوخ لقب (أغسطس) وبمجرد انفراده بالعرش أدرك أن أمن روما القومي يكمن في‪:‬‬
‫‪- 1‬إنهاء االنقسامات بين القادة العسكريين الرومان والتفافهم حوله‪.‬‬
‫‪- 2‬إعادة األمن في ربوع اإلمب راطورية الرومانية‪.‬‬
‫‪- 3‬املحافظة على أمالك اإلمب راطورية الرومانية في الشمال والشرق‪.‬‬
‫‪- 4‬تحقيق العدالة االجتماعية للمواطنين الرومان‪.‬‬
‫ولتحقيق ذلك حرص أكتافيوس على ضرورة التأييد الشعبي املستمر لكل خطواته لدرجة أنه ابتدع‬
‫أخطر وسيلة دعائية في التاريخ القديم وهي إصدار جريدة يومية إلخبار الشعب الروماني بما يريده هو‬

‫‪1‬‬
‫‪Rougé, J., 1991, p.61.‬‬
‫‪58‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫واستطاع بنجاح أن يمثل عليهم دور خادمهم املطيع املتواضع وهو في الحقيقية سيدهم‪ .‬في عام ‪395‬م قسمت‬
‫اإلمب راطورية الرومانية إلى قسمين كبيرين هما‪:‬‬
‫أ ( اإلمبراطورية الرومانية الشرقية (الدولة البيزنطية)‪ :‬عاصمتها القسطنطينية‪ .‬سقطت على يد‬
‫السلطان العثماني (محمد الفاتح) والذي استولى على مدينة القسطنطينية عام ‪1453‬م‪ ،‬املالحظ بأنها‬
‫استمرت بعد سقوط روما ملدة تقرب من األلف عام‪ ،‬أطلق عليها العرب دولة الروم ‪.2‬‬

‫ب) اإلمبراطورية الرومانية الغربية‪ :‬عاصمتهاروما‪.‬سقطت على يد البربر عام ‪476‬م‪ ،‬وبالتالي سقطت‬
‫آخر حضارات العالم القديم‪.‬‬
‫‪ - II‬الجيش الروماني‪:‬‬
‫هو النظام العسكري القائم في العصر الروماني القديم‪ .‬و قد كان الجيش الروماني األساس الذي‬
‫يعتمد عليه الدستور الروماني في آخر األمر‪ ،‬الذي كان أكثر األنظمة العسكرية ً‬
‫نجاحا في تاريخ العالم القديم‬
‫كله‪.‬‬
‫حسب قول (فرجيل) أحد شعراء الرومان‪" :‬إننا شعب شديد املراس نحمل أطفالنا إلى األنهار ونعودهم‬
‫قوة االحتمال في املياه الثلجية القارصة وهم فى الصبي يقضون الليالي ساهرين على الصيد ويقطعون أخشاب‬
‫الغابات ورياضتهم هي كبح جماح الجياد وقذف النبال بالقوس فإذا بلغوا سن الشباب يزداد جلدهم على‬
‫املشاق واحتمالهم للضنك فيسحرون األرض بمعاولهم ويهزون املدائن فى الحروب" ‪ ،‬هذا يوحي بمدى اهتمام‬
‫الرومان بالتكوين العسكري ألبنائهم مند سن مبكرة‪ ،‬وكان غرض هذه التربية هو إنشاء جيش قوي يحقق‬
‫مشاريعهم التوسعية في العالم القديم‪.‬‬
‫كان الجيش في ظل الجمهورية الرومانية يتألف فقط من املواطنين الذين يملكون األرض‪ .‬فقد أدرك‬
‫الرومان أن أصحاب املمتلكات لهم نصيب أكبر في الجمهورية من الذين ال أرض ي لهم‪ ،‬وبالتالي سيدافعون عنها‬
‫بشكل أفضل‪.‬‬

‫ً‬
‫جنودا أكثر‪،‬وكان على هؤالء الجنود‬ ‫عندما بدأت روما بشن الحروب‪ ،‬في ما وراء البحار‪،‬احتاجت‬
‫الخدمة في الجيش ل فت رات أطول‪ .‬ولكن في سنة ‪ 107‬ق‪.‬م‪ .‬ألغت الحكومة الرومانية شرط امللكية وفتحت‬
‫الجيش للمتطوعين‪ .‬وبذلك أتاح الجيش لعدد كبير من الرومان مهنة طويلة األمد‪ .‬و في وقت الحق أصبح عدد‬
‫تباعا‪ .‬وفي سنة ‪ 20‬ق‪.‬م‪ .‬كان نحو ‪ 300,000‬رجل يخدمون في الجيش‬ ‫الذين يجندون من الواليات يزداد ً‬

‫‪2‬‬
‫‪Ibid., p. 62‬‬
‫‪59‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫ً‬
‫الروماني‪ .‬وقد تغير هذا العدد قليال بعد ذلك‪ .‬كان معظم الجنود من املحترفين‪،‬وجعل تدريبهم وانضباطهم من‬
‫ً‬
‫واحدا من أعظم القوى املحاربة في التاريخ ‪.3‬‬ ‫الجيش الروماني‬

‫لم تكن مهنة الجنود الرومان القتال فحسب‪ ،‬و إنما قاموا ً‬
‫أيضا ببناءالطرق والقنوات املعلقة واألسوار‬
‫واألنفاق‪ .‬وبعد أن وصلت روما إلى أقص ى اتساع لها كانت املهمة الرئيسية للجيش هي الدفاع عن حدود‬
‫اإلمب راطورية‪.‬‬
‫ولهذا تمركزت قوات عديدة على طول نهري الراين والدانوب‪ .‬كما أقيمت مراكز عسكرية مهمة أخرى في‬
‫مصر وسوريا وبريطانيا‪.‬‬
‫كما كانت لروما أسطول بحري عسكري كبي را‪ ،‬ولو أن كان ذلك متأخرا بحيث بلغ اهتمامها بإنشاء‬
‫أسطول بحري لتنفيذ مخططاتها التوسعية فيما وراء البحار إال بعد الحرب البونيقية األولى‪ ،‬وقد استفدت‬
‫من الخبرة القرطاجية في بناء السفن الحربية‪ ،‬بحيث كانت تقوم ببناء السفن على نماذج السفن القرطاجية‬
‫املحطمة في الحرب البونيقية األولى في القرن الثالث‪ ،‬ق‪.‬م‪ ،‬وبلغت الذروة في صناعة السفن الحربية و التجرية‬
‫‪4‬‬
‫في القرن الثاني واألول ق‪.‬م‪ ،‬ذلك ما جعلها تبسط نفوذها على الشمال اإلفريقي وعلى مصر وبالد اإلغريق‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫الشيخ حسين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪. 122 .‬‬
‫‪4‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪. 123 .‬‬
‫‪60‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫املحاضرة التاسعة ‪ :‬االقتصاد و املجتمع‬

‫‪ -‬االقتصاد‪:‬‬
‫بفعل توفر إيطاليا بمساحات أراض ى زراعية واسعة وموارد طبيعية وبشرية كبيرة‪ ،‬ظل االقتصاد‬
‫ً‬
‫الروماني قائما على الزراعة والتجارة إلى جانب الصناعة‪.‬‬

‫‪ )1‬الزراعة‪:‬‬
‫كانت الزراعة أساس حياة الرومان‪ ،‬بحيث كانت امللكية الفردية قائمة في روما منذ أقدم العصور‬
‫يعمل بها جميع أفراد األسرة وعبيدها‪ ،‬امتلكت الطبقة االرستقراطية مساحات واسعة من األراض ي‬
‫الزراعية وعمل عندهم أعداد كبيرة من العبيد‪ ،‬أهم املحاصيل هي القمح و بساتين الزيتون وكروم‬
‫العنب والفاكهة والبقول‪ ،‬وكان الشمال اإلفريقي مخزن روما بالنسبة للحبوب في العصر الجمهوري‪،‬‬
‫ومصر كانت كذلك في العصراإلمب راطوري‪ ،‬كما كان الرومان يهتمون كثي را بتربية الحيوانات ومن أهمها‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫الخنازير واألبقار واألغنام تربى من أجل ألبانها وأصوافها وجلودها‪.‬‬

‫‪ )2‬الصناعة‪:‬‬
‫ً‬
‫كانت الصناعة أقل نسبيا من الزراعة من حيث أهميتها‪ ،‬وكانت الصناعات الكبيرة في روما القديمة‬
‫تتمثل فى اآلتي‪:‬‬

‫‪- 1‬التعدين‪ :‬استخدمت املناجم الستخراج املعادن التي استخدمت في صناعة األدوات واألسلحة كما‬
‫تم استخراج كميات كبيرة من الذهب والفضة التي تستخدم في صناعة القطع النقدية واملجوهرات‬
‫وتم استخدام الحديد والرصاص والقصدير في صناعة األسلحة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Rougé, J., 1991, p. 137.‬‬
‫‪61‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫‪-‬املحاجر‪ :‬وفرت املحاجر الحجارة لبناء امل شروعات املختلفة‪ ،‬من أهم املواد املستخرجة من املحاجر‬
‫نجد الرخام في رأس القائمة‪.‬‬

‫‪- 3‬الفخار‪:‬أنشأت روما مصانع صغيرة من أجل صناعة الفخار بجانب الصناعات اليدوية‪.‬‬

‫‪- 4‬صناعات أخرى‪ :‬تمثلت في صناعة النسيج والصباغة وصناعة الطوب والنجارة‪.‬‬

‫‪ )3‬التجارة‪:‬‬
‫‪- 1‬كانت التجارة ف ي روما خالل العصر امللكي قاصرة على تبادل البضاعة والسلع بين األقاليم‬
‫الرومانية‪.‬‬
‫‪- 2‬كان نهر التيبر واحدا من أهم الطرق التجارية داخل شبه الجزيرة اإليطالية‪.‬‬
‫‪- 3‬مع بداية الجمهورية الرومانية دخلت روما في اتفاقيات للتبادل التجاري مع املماليك القديمة‬

‫‪-‬ازداد النشاط التجاري منذ أن بدأ عهد اإلمب راطورية الرومانية على يد أغسطس‪.‬‬
‫ويرجع سبب ازدهار النشاط التجاريفي اإلمب راطورية الرومانية‪ ،‬إلى األسباب التالية‪:‬‬
‫‪- 1‬هيمنة اإلدارة املركزية في روما في الداخل والخارج‪.‬‬

‫‪- 2‬تأمين املالحة البحرية بفضل قوة األسطول الروماني‪.‬‬


‫‪- 3‬فتح أسواق جديدة في أفريقيا واسبانيا‪.‬‬
‫‪- 4‬إعطاء الفرصة لقرطاجة ملمارسة نشاطها التجاري من جديد‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪- 5‬أصبح البحر املتوسط طريقا داخليا للربط بين الواليات الرومانية‪.‬‬

‫‪-‬كانت السفن التجارية الرومانية متقدمة بشكل كبير على السفن اليونانية‪.‬‬
‫‪- 7‬كما تعددت الطرق التجارية والبضائع التجارية مثل‪:‬‬
‫طريق البخور ـ طريق شمال إفريقيا ـ طريق البحر األسود ـ سلسلة الطرق املنتشرة في أوروبا‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫‪ 4‬في العصر الجمهوري أو صور القيصر على العملة وكذلك صور املعالم الرومانية كالكولوسيوم‬
‫ً‬
‫مثال وكانت أغلب العمالت على شكل مدور قرص ي ‪.2‬‬
‫استخدم الرومان األوائل‪ ،‬شأنهم شأن الشعوب الزراعية البدائية األخرى املاشية ‪ Pecus‬كوسيلة‬
‫للتبادل التجاري‪ ،‬وعندما استخدمت عملتهم ألول مرة‪ ،‬أسموها النقود ‪ ، Pecunia‬إذ أن كل عملة‬
‫كانت من وجهة نظرهم تمثل القيمة املساوية لرأس املاشية وكانت هذه العملة القديمة في الحقيقة‬
‫عبارة عن قضبان من البرونز زنة الواحد ( آس ‪ ) As‬ثم ضربت فيما بعد عمالت مستديرة الشكل ذات‬
‫أشكال مسكوكة تشبه عملتنا اليوم‪ ،‬وكانت أولى وحدات النقد هى اآلس ‪ As‬وأجزائه وأستخدم الرومان‬
‫لعمل نقودهم آلة تتكون من مطرقتين صغيرتين وهى ( اسطمبة العملة ‪. ) Coining‬‬

‫وعندما بدأ استخدام العملة الفضية كانت الوحدة األساسية هى السسترتيوس )‪ ،(Sestertius‬التى‬
‫أصبحت من أحسن العمالت الرومانية وكلمة سسترتيوس تعنى ‪2‬و ‪ 2\1‬آس ثم أدخلت فيما بعد أولى‬
‫العمالت الذهبية وهذه أسماء ثالث عمالت من الذهب والفضة ومن بينها‪ :‬سسترتيوس)‪،(Sestertius‬‬
‫ديناريوس)‪ (Denarius‬ويساوي ‪4‬سسترتيوس‪ ،‬أوريوس)‪ (Aureus‬ويساوي ‪ 100‬سسترتيوس‪.‬‬
‫‪ -‬املجتمع‪:‬‬

‫‪ .1‬طبقات املجتمع‪:‬‬
‫‪ .1‬طبقة األشراف‪ :‬هي الطبقة الثرية التي تمتلك السلطة واملال وبحوزتهم أراض ى زراعية شاسعة‬
‫ولهم كافة الحقوق السياسية ومنهم الفرسان وهم كبار رجال الجيش‪.‬‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ .2‬طبقة التجار الحرفيين‪ :‬يشكلون جزءا كبي را من املجتمع الروماني عاشوا حياة اقتصادية صعبة‬
‫وتضرروا من كثرة حروب روما‪.‬‬

‫‪ .3‬طبقة العامة واملزارعين‪ :‬اشتركوا مع طبقة التجار والحرفيين في الصراع السلمي مع اإلشراف‬
‫لنيل حقوقهم السياسية واالجتماعية وحققوا إنجازات كبيرة في ذلك‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪Rougé, J., 1991, p. 138.‬‬
‫‪63‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫‪ .4‬طبقة العبيد‪ :‬هم أسرى الحرب الذين فقدوا كافة حقوقهم االجتماعية والسياسية وشكلوا أزمة‬
‫حقيقية داخل املجتمع‪.‬‬
‫‪ .2‬الحياة اليومية‪ :‬كانت الحياة اليومية في املدن الرومانية في العصر الجمهوري أو اإلمب راطوري‬
‫التي تعتبر مراكز للتجا ة و الثقافة‪ .‬وقد خططها املهندسون الرومان بعناية فائقة‪َّ ،‬‬
‫شيدوا املباني العامة‬ ‫ر‬
‫في أماكن مناسبة‪ ،‬و زودوها بشبكات املياه و املجاري‪ .‬وكان األباطرة أو األثرياء يدفعون األموال الالزمة‬
‫إلنشاء املباني العامة الضخمة‪ ،‬مثل‪ :‬الحمامات واملالعب الرياضية واملسارح‪ .‬وفي قلب املدينة يقع‬
‫الفورم الروماني‪،‬وهو ميدان كبير مكشوف تحيط به األسواق واملباني الحكومية واملعابد‪ .‬وقدا ختلط‬
‫الغني بالفقير في هذا امليدان الصاخب‪ ،‬وفي الحمامات واملسارح واملالعب‪.‬‬
‫أما في الريف كان الرومان األوائل رعاة ومزارعين‪ .‬وفي روما القديمة َّ‬
‫كون املزارعون‪،‬أما في الريف كان‬
‫كون املزارعون‪ ،‬الذين يعملون في أراضيهم الخاصة‪،‬‬ ‫الرومان األوائل رعاة ومزارعين‪ .‬وفي روما القديمة َّ‬
‫العمود الفقري للجيش الروماني‪ .‬وكان هؤالء يزرعون محاص يلهم في الربيع و يحصدونها في الخريف‪ .‬أما‬
‫خالل الصيف ُ‬
‫فيجندون في الجيش‪.‬‬
‫ُ‬
‫وقد تغيرت الحياة الريفية بعد أن بدأت روما في توسيع رقعتها؛ إذ أرسل عدد كبير من املزارعين‬
‫لخوض الحروب الخارجية لفت رات طويلة‪ ،‬وبذلك كانوا مضطرين لبيع أراضيهم‪ .‬فأقام أثرياء الرومان‬
‫مزارع كبيرة زرعوا فيها املحاصيل وربوا املواش ي من أجل التجارة‪ ،‬واشتروا املستعبدين للعمل لديهم‪.‬‬
‫كما كانوا ً‬
‫أيضا يؤجرون األراض ي للمزارعين التابعين لهم‪ .‬كانت الحياة شاقة بالنسبة ملعظم املزارعين‪.‬‬
‫ولكنهم كانوا يتشوقون إلى األعياد الدورية التي تقام عند زراعة األرض وحصادها‪ ،‬وكانت تشتمل على‬
‫ألعاب رياضية و وسائل التسلية األخرى ‪.3‬‬

‫‪ .3‬األسرة‪ :‬كان رب األسرة الرومانية صاحب سلطة مطلقة على جميع أفراد أسرت‪ ،‬تصل إلى حد‬
‫بيع أوالده ً‬
‫قيقا أو حتى قتلهم‪ .‬ولم يكن بإمكان االبن حيازة أية ملكية خاصة أو التمتع بأية سلطة‬‫ر‬
‫شرعية بما في ذلك أوالده‪ ،‬مادام أبوه على قيد الحياة‪ .‬وبالتالي فقد كانت األسرة الكبيرة كثيرة العدد‪،‬‬
‫تشتمل على األوالد املتزوجين وعائالتهم‪ ،‬ولم يكن للمرأة أي حقوق للمواطنة فال تسجل في سجالت‬
‫املدنية للمواليد الجدد‪ ،‬مكانها في بيتها ال تتدخل في الشأن العام وال في الوظائف القضائية وال دينية‪،‬‬

‫‪3‬‬

‫‪64‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫فهي قاصرة مدى الحياة‪ ،‬ال وجود لها صفة قانونية بمفردها‪ ،‬فهي مرتبطة دائما بالسيد )األب األخ‬
‫الزوج أو الوالي الشرعي(‪ ،‬وال تملك أي رأي في مسألة اختيار الزوج أو املوافقة أو الرفض‪ ،‬فهي ملك‬
‫ألبها يفعل بها ما يشاء‪ ،‬ولم يكن لها حق املهر أو طلب الطالق‪ ،‬فكانت بين طبقة البشر وهم الرجال‬
‫الذين يتمتعون بحقوق املواطنة و طبقة العبيد‪ ،‬وهي نفس وضعية املرأة اإلغريقية‪.‬‬

‫‪ .‬الديانة‪:‬‬
‫كان الرومان األوائل وثنيون‪ ،‬يعتقدون بأن آللهتهم سلطة على الزراعة وعلى نواحي الحياة‬
‫ً‬
‫اليومية كلها‪ .‬فقد كانوا يزعمون أن سيريز‪ ،‬مثال‪،‬إلهة للحصاد‪،‬وفستا حارسة نار املوقد‪ ،‬ويانوس‬
‫حارسا ألبواب‪ .‬وكانت اآللهة‪ ،‬املسماة الريس و بيناتيس‪ ،‬تحرس األسرة والبيت‪ .‬حتى أن جوبيتر‪،‬الذي‬
‫ً‬
‫ومتحكما في الطقس‪.‬‬ ‫إلها للسماء‬ ‫ُ‬
‫آلهتهم‪،‬عبد في بادئا ألمر ً‬ ‫ً‬
‫مؤخرا أكبر‬ ‫أصبح‬
‫تزايد احتكاك الرومان باألفكار اإلغريقية خالل القرن الرابع ق‪.‬م‪ .‬ومن ثم أخذوا يعبدون اآللهة‬
‫اإلغريقية‪ ،‬وأعطوها أسماء رومانية وبناء معابد ومزارات لتكريمها‪ .‬وقد سيطرت الحكومة على الدين‪.‬‬
‫وكان الكهنة موظفين حكوميين‪ ،‬إما باالنتخاب أوبالتعيين‪ ،‬يقومون بالطقوس العامة التي كانوا يرون‬
‫أنهم يكسبون بها عطف آلهتهم على الدولة‪ ،‬كما عرفت عبادة األباطرة مند عهد أغسطس في كل أرجاء‬
‫اإلمب راطورية ‪.4‬‬
‫فقد عدد كبير من الرومان في القرن األول امليالدي اهتمامهم بد يانتهم‪ .‬وجذبتهما ألديان السماوية‬
‫التي كانت تخاطب فطرتهم اإلنسانية وتبين لهم طريق الخير في الدنيا و اآلخرة‪ .‬وكسبت النصرانية‪،‬‬
‫ً‬
‫أتباعا كثيرين في ذلك الوقت‪ ،‬و لكن عرفت الديانة املسحية االضطهاد والتنكيل للمؤمنين بالدين‬
‫الجديد‪ ،‬وأصبحت ديانة رسمية في عهد اإلمب راطور قسطنطين األول في القرن الرابع ميالدي‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الشيخ حسين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪. 102 .‬‬
‫‪65‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫‪66‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫املحاضرة العاشرة ‪:‬املظاهر الحضارية‬

‫الحياة الثقافية والعلمية‪:‬‬


‫التعليم ‪:‬‬
‫في أوائل العصر الجمهوري يم يكن هناك مدارس خاصة لذلك كان األبناء يتعلمون القراءة‬
‫والكتابة على يد الوالدين في البيوت ‪ ،‬وكان التعليم يهدف أساسا الى تدريب األطفال على امتهان‬
‫الزراعة وكذلك الحرب وفق التقاليد الرومانية ‪ ،‬كما يتعلمون كيفية التعامل مع معطيات الحياة‬
‫اليومية كمرافقة اإلباء الى الحفالت الرسمية و الدينية و السياسية بما في ذلك مجلس الشيوخ‬
‫بالنسبة البناء النبالء ‪.‬‬

‫كان أبناء النبالء يتعلمون على يد شخصية علمية أو سياسية بارزة في سن ‪ ، 16‬و يشترك في‬
‫حمالت الجيش منذ سن السابعة عشر ‪ ، ،‬وبقى هذا معمول به عند العائالت النبيلة حتى العهد‬
‫االمب راطوري ‪. 1‬‬

‫و املالحظ أن التطبيقات التربوية الرومانية تختلف بعض الش يء عن اليونانية ‪ ،‬ألنه بوسع‬
‫الوالدين تحمل النفقات و ارسال الفتيان و بعض الفتيات في سن السابعة الى مدرسة خارج البيت‬
‫حيث يشرف على تدويسه مدرس من أصل يوناني ويقوم بتعليمه أساسيات القراءة و الكتابة و‬
‫الحسا ب و أحيانا اللغة اليونانية حتى سن ‪ ، 11‬ومنذ سن الثانية عشر يتوجه الطالب الى املدارس‬
‫الثانوية حيث يتعلمون األدب الروماني و اليوناني ‪ ،‬وفي سن السادسة عشر ينظم بعض الطالب الى‬
‫مدارس فن الخطابة ‪،‬أو البالغة حين يتواجد مدرسين أغلبهم يونانيين ‪ ،‬و يعد التعليم في هذا املستوى‬
‫الطالب للمهن القانونية التي تتطلب حفظ قوانين روما حيث يتواجد بها الطلبة كل يوم يلستثناء أيام‬
‫األعياد و التسوق فضال على وجود عطلة خالل فصل الصيف ‪. 2‬‬
‫أي أن التعليم العالي‪ ،‬في روما القديمة‪ ،‬يعني دراسة الخطابة‪ .‬والرومان الذين درسوا الخطابة من أبناء‬
‫ال طبقة العليا هم وحدهم الذين مارسوا مهنة في القانون أو السياسة؛ ألن التدريب على الخطابة كان يوفر‬
‫املهارات الالزمة لطرح املشكالت أمام املحاكم القانونية أو مناقشة املسائل في مجلس الشيوخ الروماني‪ .‬وكان‬

‫‪1‬‬
‫الشيخ حسين‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪. 111 .‬‬
‫‪2‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪. 112 .‬‬
‫‪66‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫أيضا من أجل تحسين ق دراتهم خطباء في املحافل العامة‪ .‬أما النساء‬ ‫ً‬
‫أحيانا الفلسفة والتاريخ ً‬ ‫الطلبة يدرسون‬
‫اللواتي درسن الخطابة فقدكن قلة‪ ،‬ألن عالم السياسة كان ً‬
‫حكرا على الرجال‪.‬‬

‫‪ .1‬اللغة‪ :‬استخدم الرومان اللغة الالتينية وجعلوها اللغة الرسمية التي يتكلمها سكان التيوم ومن ثم‬
‫انتشرت في بقية أنحاء روما نتيجة التوسع الروماني‪ ،‬استخدموا الحروف الالتينية التي اشتقوها من‬
‫الكتابة اإلغريقية والتي تستخدم في كتابة اللغات األوربية الحديثة‪ ،‬عندما تفككت أوصال‬
‫اإلمب راطورية ظلت الالتينية لغة الكنيسة التي حافظت عليها حتى اآلن‪.‬‬

‫‪ .2‬الشعر‪ :‬ازدهر الشعر خاصة في عصر أغسطس‪ ،‬يعتبر فرجيل أعظم شعراء الرومان ظهر زمن‬
‫أغسطس وهو الذي خلد قصة تأسيس روما في قصيدته امللحمية األليادة‪.‬‬

‫‪ .3‬التاريخ‪ :‬بعض املؤرخين من أصل روماني صنفوا ضمن مؤرخي اليونان ألنهم كتبوا التاريخ باليونانية‬
‫فاملؤرخون الرومان هم الذين كتبوا تاريخهم بالالتينية‪ ،‬أشهرهم إيلوس‪ :‬يقلب بأب التاريخ الروماني‬
‫كتب حوليات مللوك روما وحكامها‪ ،‬كاتو الرقيب‪ ،‬أول مؤرخ روماني كتب بالنثر الالتيني‪ ،‬ومن مؤلفاته‬
‫املهمة عن التاريخ (األصول) ويتحدث عن تأسيس مدينة روما‪ ،‬يوليوس قيصر‪ ،‬لم يبق من مؤلفاته‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إال (التعليقات ) وهى ذكريات عن معاركة الحربية‪ ،‬ليفيوس‪ ،‬لم يؤلف إال كتابا واحدا ويتناول تاريخ‬
‫ً‬
‫روما كامال منذ تأسيسها حتى وفاته ‪.3‬‬

‫‪ .4‬العلوم‪ :‬كانت الكشوف العلمية للرومان القدماء قليلة‪ .‬غير أن أعمال العلماء اإلغريق ازدهرت في‬
‫ظل الحكم الروماني‪ .‬فطاف الجغرافي اإلغريقي‪ ،‬ست رابو في أرجاء اإلمب راطورية الرومانية‪ ،‬وكتب‬
‫طور الفلكي اليوناني بطليموس‪ ،‬الذي عاش في مصر‪ ،‬نظرية الكون‪،‬‬ ‫ً‬
‫دقيقا ملا شاهده‪ .‬كما ّ‬ ‫ً‬
‫وصفا‬
‫التي ظلت مقبولة لنحو ‪ 1,500‬سنة‪ .‬وافترض الطبيب اإلغريقي‪ ،‬جالينوس‪ ،‬نظريات طبية مهمة‬
‫اعتمدت على تجارب علمية‪ .‬وجمع الرومان أنفسهم مجموعات مهمة من املعلومات العلمية‪ .‬فصنف‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫مجلدا بعنوان التاريخ الطبيعي ‪.4‬‬ ‫بليني األكبر‪ ،‬مثال‪ ،‬دائرة معارف في ‪37‬‬

‫‪3‬‬
‫‪Rougé, J., 1991, p. 119.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Op.cit. p. 120.‬‬
‫‪67‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫‪ .5‬القانون‪ :‬نشر الرومان أولى مدوناتهم القانونية املعروفة نحو سنة ‪ 450‬ق‪.‬م‪ .‬وسجلت هذه املدونة‪،‬‬
‫التي أطلق عليها اسم القوائم االثنتي عشرة للقوانين‪ ،‬األعراف السائدة بشكل مكتوب‪ .‬وظل القانون‬
‫الروماني مرًنا واعتمد على تفسي رات ملحامين وقضاة مهرة‪ ،‬وتطورت‪ ،‬بمرور السنين‪ ،‬مجموعة شاملة‬
‫ُ‬
‫من القواعد التشريعية‪ ،‬ط ِّّبقت على مختلف الشعوب التي تعيش في ظل الحكم الروماني‪ .‬وأطلق‬
‫املحامون الرومان على هذه املجموعة من القواعد التشريعية اسم قانون األمم‪ .‬وقد ارتكز قانون‬
‫األمم هذا على األفكار البديهية للعدالة‪ ،‬مع مراعاة التقاليد واألعراف املحلية‪.‬‬
‫‪ - II‬الحياة الفنية‪:‬‬
‫‪ )1‬العمارة‪ :‬بلغ الرومان في العمارة درجة كبيرة من التقدم‪ ،‬حيث أصبح فن العمارة الروماني هو أهم‬
‫ً‬
‫مظهر فني للدولة الرومانية‪ ،‬جاء فن العمارة الروماني مزيجا من العمارة التوسكانية واليونانية‬
‫واملصرية والبقايا األثرية حتى اآلن تبرز مدى التفاعل الحضاري بين الحضارات‪ ،‬أ حيث نشأ الرومان‬
‫أكثر املدن روعة في التاريخ وهى مدينة روما وما تتضمنه من (املعابد والقصور والحمامات والتماثيل)‪.‬‬

‫‪ (2‬النقل‪ :‬كانت هناك شبكة رائعة من الطرق تتقاطع في داخل اإلمب راطورية‪ .‬وكانت تمتد إلى نحو ‪80,000‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫الجيش الروماني طرقا لتسهيل تحركات القوات‬ ‫كلم وتساعد على إبقاء اإلمب راطورية متماسكة‪ .‬وبنى‬
‫أيضا التجار َة َّ‬
‫والنقل‪ .‬واعتمد النظام البريدي الروماني املنظم بدرجة عالية‬ ‫العسكرية‪ .‬كما عززت الطرق ً‬
‫‪5‬‬ ‫ً‬
‫جدا‪ ،‬على شبكة الطرق هذه‪ .‬وكانت الطرق الرومانية املستقيمة واملرصوفة من روائع الزمن‪.‬‬

‫‪ )2‬النحت‪ :‬كان من أهم ما تفوق فيه الرومان النقوش البارزة على الجدران واألعمدة ويستخدمون هذه‬
‫النقوش كزخارف وزينة ومن أمثلتها‪ :‬نقوش عمود تراجان‪ ،‬زخارف الصلصال املحروق على جدران‬
‫املعابد وقد تجلى في نحتهم دقة العمل والتعبير عن الشعور‪ ،‬النقوش املوجودة على أقواس النصر‬
‫ً‬
‫التي تعتبر من روائع فن النحت الروماني وكانت تقام تخليدا النتصارات القادة العظام واألباطرة‬
‫وأجملها قوس اإلمب راطور تيتوس‪ .‬رأس قيصر املصنوع من حجر البازلت وتمثال بومبى وتدل على‬
‫الواقعية الشديدة‪ .‬معبد البانثييون‪ ،‬أقواس النصر واألعمدة التذكارية تدل على تميز الفن الروماني‬
‫باالبتكار والتجديد خاصة في نحت التماثيل الشخصية وكذلك الفنون املعمارية‪ .‬يتميز النحت‬
‫ً‬
‫الروماني بتجسيد البطوالت الحربية التي توحي دائما بالبطولة والقوة والعظمة‪ ،‬كما تعتبر تماثيل‬
‫ً‬
‫اآللهة التي نقلت حرفيا عن التماثيل اإلغريقية كما قدموا التماثيل املصرية التي تمثل القياصرة بقوة‬
‫خارجة ترفعهم إلى مستوى اآللهة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫زايد مصطفى ‪ ،‬التربية و التعليم في الحضارة اليونانية و الرومانية‪ ،‬ط ‪ ،1‬مكتبة االنجلو المصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص‪.53 .‬‬

‫‪68‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫‪ )3‬التصوير الروماني‪ :‬يدين فن التصوير الروماني إلى فن التصوير اإلغريقي بعد استيالء الرومان على‬
‫كل بالد اإلغريق‪ .‬انتقل فن التصوير اإلغريقي إلى روما بانتقال املصورين اإلغريق إلى روما عاصمة‬
‫اإلمب راطورية‪ .‬ازدهر فن التصوير وازداد انتشاره عند الرومان لحاجة املسكن الروماني إلى تجميل‬
‫حوائطه من الداخل‪.‬استخدم النبالء الرومان املصورين اإلغريق في تزيين جدران قصورهم بالصور‬
‫لتنقل الطبيعة والحياة من خارج املسكن إلى داخلة إلعطاء الرحابة والجمال حتى ال يشعر من فيه‬
‫بعزلته الكاملة عن العالم الخارجي‪ .‬وكان املصورون ينقلون املناظر الطبيعية واإلشكال املعمارية‬
‫واألعمدة ذات التيجان والنوافذ ومن خلفها الحدائق والحقول الجميلة في أحسن صورها مما يتفق‬
‫ً‬
‫مع االتجاه الكالسيكي تماما ‪.6‬‬
‫َّ‬
‫‪ - III‬الترويح‪:‬‬
‫كان الرومان يتمتعون بعطالت كثيرة وكانوا يحرصون عليها‪ .‬وكانت معظم هذه العطالت عطالت دينية‪.‬‬
‫وأصبحت هذه العطالت كثيرة إلى حد كبير خاصة في أوائل القرن الثاني امليالدي (سنة ‪ 101‬وما بعدها)‪ ،‬حتى‬
‫يوما في السنة‪ .‬وفي كثير من هذه العطالت كان‬ ‫حد من عددها وجعلها ‪ً 135‬‬ ‫أن اإلمب راطور ماركوس أوريليوس ّ‬
‫الترويح العام ً‬ ‫َّ‬
‫مجانا في مسارح مكشوفة واسعة‬ ‫ا إلمب راطور أو موظفو الدولة األغنياء يتبنون إقامة أنشطة‬
‫ذات مدرجات وتعرف باملسارح املدرجة‪ ،‬وكان أشهر هذه املسارح املكشوفة ذات املدرجات الكولوسيوم الذي‬
‫ً‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫رويحي ة ذا طابع عنيف تسفك فيه الدماء‪ .‬فمثال‬ ‫كان يتسع لنحو ‪ 50,000‬متفرج‪ .‬وكان أكثر هذه األنشطة الت‬
‫كان هناك بعض املحاربين املدربين على فنون القتال‪ ،‬وكان ُي َّ‬
‫سمى الواحد منهم املجالد‪ ،‬وكانوا يؤخذون إلى‬
‫الحلبة داخل املدرج ليقاتل أحدهم اآلخر حتى املوت‪ .‬وكان معظم هؤالء املجالدين من املستعبدين‪ ،‬أو من‬
‫أسرى الحرب‪ ،‬أو من املجرمين الذين حكم عليهم باملوت‪ .‬وفي بعض الحاالت كان هناك بعض الرجال‬
‫جوعا‪ ،‬كما كانت تلك‬‫ً‬ ‫املسلحين الذين يطلب منهم أن يقاتلوا بعض الحيوانات املتوحشة أو املتضورة‬
‫الحيوانات تهجم على أولئك املجرمين الذين يراد إعدامهم‪.‬‬
‫أعدادا كبيرة من الناس في روما القديمة‪ ،‬حيث كان السباق يأخذ‬ ‫ً‬ ‫وكان سباق عربات الخيول يجذب‬
‫مجراه في مضمار بيض ي الشكل طويل املدى يسمى املدرج‪ .‬وكانت ساحة السباق الرومانية أكبر مضمار في‬
‫ً‬
‫روما‪ ،‬يتسع لنحو ‪ 250,000‬شخص‪ .‬وكان سائقين العربات املهرة يعدون أبطاال لهم شعبيتهم ومكانتهم‬
‫السامية بين الجماهير‪ .‬وكان كث ير من الرومانيين يراهنون على من يفضلونهم من بين هؤالء املتسابقين ‪.7‬‬
‫وكانت هناك ثالثة مسارح في روما تعرض عليها املسرحيات الكوميدية‪ ،‬واملسرحيات الجادة التي ألفها‬
‫بعض الكتاب من اإلغريق أو الرومان‪ .‬ولكن معظم الرومانيين كانوا يفضلون التمثيل الصامت الذي يتناول‬
‫حياتهم اليومية‪ ،‬أو القصص التي تروى عن طريق استخدام املوسيقى والرقص أثناء السرد أو ما يعرف‬
‫بالتمثيل اإليمائي‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪.54 .‬‬
‫‪7‬‬
‫‪Rougé, J., 1991, p..122‬‬
‫‪69‬‬
‫محاضرات في مقياس تاريخ اإلغريق و الرومان‬

‫وكان أباطرة الرومان قد اعتادوا على بناء بعض الحمامات العامة التي يظهر فيها البذخ والتي يستخدم‬
‫في تزيينها الرخام والذهب‪ ،‬وذلك لتشجيع الناس على الرياضة اليومية واالستحمام‪ .‬وكان املستحمون يمرون‬
‫من خالل غرف مليئة بالبخار الحار‪ ،‬وبرك داخلية فيها ماء حار وبارد ودافئ‪ ،‬وكان الرومان يزورون الحمامات‬
‫َّ‬
‫بغرض الترويح ومقابلة األصدقاء‪ ،‬وكان يحيط بهذه الحمامات بعض ميادين التدريبات الرياضية والحدائق‪،‬‬
‫‪8‬‬
‫وغرف الجلوس واملكتبات‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪Ibid., p. 123.‬‬
‫‪70‬‬
‫امللحق األول‬
‫قصر مينوس – كنوسوس‬

‫« في وسط البحر القاتم كلون النبيذ ارض تسمى كريت ‪ ،‬و هي ارض جميلة غنية يحيط بها املاء ‪ ،‬و فيها‬
‫خلق كثيرون يخطئهم العد ‪ ،‬كنا ان بها تسعين مدينة ‪» .‬‬

‫ملا انشد هوميروس هذه االبيات كانت بالد االغريق قد دخلت مرحلة جديدة تميزت باالنحطاط و الت راجع ‪.‬‬
‫فبقيت ذكرى هذه املدينة في ذاكرة الشاعر و هو يتحدث عن عصر ذهبي كان الناس فيه اكثر حضارة و‬
‫ارتقاء ‪.‬‬

‫‪ .1‬اكتشاف هذه الحضارة ‪:‬‬


‫لقد كان اكتشاف هذه الحضارة املفقودة عمال من ّ‬
‫اجل االعمال في تاريخ علم االثار‬
‫الحديث ‪ ،‬فجزيرة كريت هي اهم جزر الكيكيالديس ‪ ،‬و اكبرها بعشرين مرة ‪ .‬و هي في منتصف الطريق بين‬
‫فينيقيا و ايطاليا ‪ ،‬و بين مصر و بالد االغريق ‪ .‬هذا املوقع مكن امللك مينوس من اقامة امب راطورية في بحر‬
‫ايجا ‪.‬‬
‫ملا عثر التاجر الكريتي – كما سبق ذكره – على اثار قديمة ‪ ،‬و بعد ان زار شليمان‬
‫املوقع و اخفق في شراء االرض ‪ ،‬اشترى املوقع الدكتور ايفانس ‪ ،‬عالم االثار البريطاني ‪ ،‬الذي باشر اعمال‬
‫الحفر ‪ .‬و بعد ان قض ى تسعة اسابيع في الحفر ‪ ،‬اكتشف الكنز املتمثل في قصر امللك مينوس ‪ .‬و هو صرح‬
‫معقد في اتساعه ‪ .‬و اغلب الظن انه القصر الذي اشتهر في الروايات القديمة ‪ ،‬فعثر على االف االختام و‬
‫االلواح ‪ .‬و رغم ان الني ران دمرت القصر ‪ ،‬عثر على هذه االلواح ‪ ،‬و ما يزال ما وجد عليها من رموز و‬
‫كتابات غامضا الى االن يخفي جانبا من تاريخ بحر ايجا في العصور القديمة ‪.‬‬
‫و ملا ذاع نبا هذا االكتشاف ‪ ،‬هب العلماء الى كريت من كثير من االقطار و استمرت‬
‫عمليات الحفر من ‪ 1900‬م الى ‪ 1905‬م ‪ .‬و ان كانت عمليات الحفر قد استمرت الى غاية ‪ 1914‬م ‪،‬‬
‫لتتوقف مع بداية الحرب العاملية االولى ‪ ،‬و مع نهاية الحرب واصل ايفانس تنقيباته و اخرج نتائج دراسته‬
‫في كتاب ( ‪ ) The Palace of Minos‬الذي ضم اربع مجلدات في الفترة املمتدة بين ‪ 1920‬و ‪ ، 1935‬و لقد‬
‫شارك ايفانس علماء اخرون في الكشف عن مواطن هذه الحضارة ‪ ،‬و من بين هؤالء جوزيف هتزيداكيس‬

‫‪70‬‬
‫امللحق األول‬
‫قصر مينوس – كنوسوس‬

‫‪ Joseph Hazzidakis‬مؤسس جمعية االثار الكريتية و سالوجوس‪ ، Sylogos‬و كانت تنقيباتهم ملهمة‬
‫لغيرهم ‪. 1‬‬
‫ثم توالت التنقيبات االثرية و تواصلت اعمال الحفر في انحاء مختلفة من الجزيرة و اضافت نتائج‬
‫جديدة عن عصر البرونز‪ .‬و لقد حاول وضع مالمح لتلك الحضارة على اختالف عصورها الثالث ‪.‬‬

‫املخلفات االثرية ‪:‬‬ ‫‪.2‬‬


‫لقد عثر على اشكال بدائية لفخار مصنوع باليد محلى برسوم مكونة من خطوط‬
‫و لقد اقام‬ ‫بسيطة و على لوالب و مغازل تستعمل في الغزل و النسيج و اسلحة و حجارة مصقولة ‪.‬‬
‫امراء كنوسوس ألنفسهم مساكن واسعة كثيرة الحجرات ‪ ،‬و مخازن و حوانيت متخصصة ‪ ،‬و مذابح و‬
‫هياكل ‪ .‬و يالحظ كذلك ان الكتابة قد تطورت من التصويرية ‪ .‬كما وجد كذلك ثمانية عشر صفا من‬
‫املقاعد الحجرية طولها ثالثة و ثالثين قدما ‪ ،‬و هي احدى دور التمثيل التي تتسع الى حوالي اربعمائة او‬
‫خمسمائة من النظارة ‪.‬‬
‫و قد احتفظت صورة من القصر بطائفة من سيدات الطبقة الراقية ‪ ،‬و من حولهن‬
‫جماعة من الرجال املعجبين بهن ‪ ،‬الى جانب مشاهد رقص تقوم بها بعض الفتيات املرحات ‪ ،‬كما وجد‬
‫و لقد وصف هوميروس بعض‬ ‫هناك صورا اخرى تمثل مختلف مظاهر الرقص للكنهة و الكاهنات ‪.‬‬
‫مظاهر ذلك الرقص على صوت القيثارة ‪ ،‬و جدت ايضا صورة لقيثارة ذات السبعة اوتار التي كانت من‬
‫اخت راع تريبندو ( ‪ ، ) Terpandoy‬و هناك ايضا املزمار و الناي ذو االنبوبين ‪ .‬و يالحظ على احدى الحلي‬
‫نقش ألمراة تنفخ على بوق مصنوع من صدفة ضخمة ‪.‬‬
‫و لقد جهز القصر بنظام لصرف املياه ارقى من كل انظمة صرف املياه لحضارات العالم‬
‫القديم ‪ ،‬فلقد كانوا يجمعون في قنوات حجرية املاء الذي ينزل من سفوح التالل او من السماء و يسيرونه‬
‫في اسطوانات مجفوفة الى الحمامات و املراحيض ‪ ،‬ثم ينقلون الفضالت في أنابيب من الصلصال املحروق‬
‫مصنوعة على احسن طراز ‪ ،‬كل قسم منها طوله حوالي ستة بوصات و طوله ثالثون بوصة ‪ ،‬و هي مزودة‬
‫بشرك لحجز الرواسب‪ ،‬و ربما كان بها جهاز يمد القصر امللكي باملاء الساخن ‪. 2‬‬

‫‪1‬‬
‫ابراهيم عبد العزيز جندي ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪78‬‬

‫‪ - 2‬ول ديورانت ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪40‬‬


‫‪71‬‬
‫امللحق األول‬
‫قصر مينوس – كنوسوس‬

‫لقد زين الفنانون في كنوسوس داخل القصر على سعته بارق و سائل التزيين ‪ ،‬و جملوا‬
‫بعض الحجرات باملزهريات و التماثيل الصغيرة ‪ ،‬و بعضها بالرسوم الجميلة و النقوش البارزة ‪ ،‬و بعضها‬
‫بالقوارير الحجرية او االنية الضخمة ‪ ،‬و البعض االخر بتحف من الخزف و العاج ‪ .‬و لقد نقشوا على‬
‫الجدران عددا من اللوالب على سطح من الرخام ‪ .‬كما صورت على مختلف جدران القصر عدة مظاهر‬
‫حضارية ‪.‬‬

‫و مجمل القول انه ليس في مقدور اية حضارة ما ان تتطلب او تخلف مثل هذا الترف و‬
‫‪1‬‬
‫هذه الزينة اال اذا كان قد طال عهدها بالنظام و الث راء و سالمة الذوق‬

‫قصر امللك مينوس‬

‫املرجع ‪ :‬صالح ع بد الحكيم حسن ‪ ،‬تاريخ العالم منذ فجر الحضارة ‪ ،‬دار الطالئع ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ص ‪48‬‬

‫‪ - 1‬ول ديورانت ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪41‬‬


‫‪72‬‬
‫امللحق األول‬
‫قصر مينوس – كنوسوس‬

‫كان قصر كنوسوس‪ Knosos‬اكبر قصر في االمب راطورية املينوية ‪ ،‬بني حول ساحة مركزية ‪ ،‬و كان يشتمل‬
‫على ‪ 1300‬حجرة ‪ ،‬كانت حجرات الجناح امللكي مزدانة بالرسومات‪ ،‬اكتشف القصر في اوائل القرن‬
‫العشرين من طرف عالم االثار‬

‫السير ارثر ايفانس‪Sir Arthur Evans‬‬

‫‪73‬‬
‫امللحق األول‬
‫قصر مينوس – كنوسوس‬

‫مخازن الجرار‬

‫في قصر كنوسوس‬

‫كانت صناعة الفخار في إمب راطورية ‪ Minoa‬متقدمة و كان الحرفيون في هذه الصناعة غاية في املهارة ‪،‬‬
‫كانت األواني الفخارية تصنع من طين الصلصال باحجام تصل احيانا اطول من االنسان ‪ ،‬و ذلك لتخزين‬
‫الزيت و الحبوب ‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫امللحق األول‬
‫قصر مينوس – كنوسوس‬

‫صورة لنقش على جدران قصر كنوسوس‬

‫املرجع ‪ :‬ارشيف املكتبة الوطنية الفرنسية ‪B.N.F‬‬

‫‪75‬‬
‫امللحق األول‬
‫قصر مينوس – كنوسوس‬

‫جدار عرش امللك مينوس ‪ .‬متحف هرقليوم‬

‫املرجع السابق‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫امللحق األول‬
‫قصر مينوس – كنوسوس‬

‫‪77‬‬
‫امللحق الثاني‬
‫مدينة ميكيناي‬

‫في الجهة الشرقية من شبه جزيرة البيلوبونيز ‪،‬على سفوح الجبال حيث يمتد‬
‫سهل ( أرغوس ) تقع مدينة ميكيني ( ‪ ، ) Mycenae‬ثم إلى الجنوب و على بعد ميل و‬
‫نصف من شاطئ البحر كانت تقوم مدينة تيرينس ( ‪ . ) Tirynthus‬في هاتين المدينتين‬
‫ظهرت أقدمآثار للحضارة على أرض اإلغريق ‪،‬إنتيرينس هي المدينة األولى التي تأسست في‬
‫هذه البالد ‪ ،‬و هي تقوم على هضبة صخرية قليلة االرتفاع قد حفرت فيها أيادي البشر و‬
‫جعلت منها ثالث درجات ‪ .‬و قد بني قصر الملك في الدرجة العليا ‪ ،‬ثم أحيطت المدينة كلها‬
‫بسور من الحجارة الضخمة ‪ ،‬و بعض هذه الحجارة يبلغ طولها ستة أقدام ‪ ،‬ويتراوح ارتفاع‬
‫السور بين عشرين إلى خمسين قدما ‪ ،‬و يروي اليونانيون أن هذا السور قد أمر بتشييده‬
‫األميربروئتوس ( ‪ ) Proteus‬قبل مائتي سنة من حصار طروادة ‪ ،‬فاستدعى بنائين مشهورين‬
‫من بالد ( ليكيا ) في آسيا الصغرى ‪ .‬و يطلق اإلغريق على هؤالء البنائين اسم سيكلوبس‬
‫(‪ ) Cyclopes‬و هم يتصورونهم في هيئة عمالقة لهم عين واحدة مدورة ‪.‬‬

‫و القصر في تيرينس يشبه قصر كنوسوس بكثرة غرفه و ممراته ‪1‬المتشابكة ‪ ،‬و لكنه يختلف‬
‫عنه بفقدان الباحة المركزية المكشوفة ‪ ،‬إذأن الغرف بنيت حول قاعة واسعة مسقوفة ‪،‬‬
‫إضافةإلى فصل القسم الخاص بالنساء و األقساماألخرى ‪ .‬و على الرغم من أن غرفة الملكة‬
‫مالصقة لغرفة الملك في وسط القصر ‪،‬إال انه ليس هناك اتصال مباشر بينهما ‪ ،‬بل إن لكل‬
‫منهما مدخال مستقال ‪ ،‬و قد ظل مبدأ الفصل بين محالت الرجال و النساء سائدا لدى اإلغريق‬
‫في العصور التالية ‪.‬‬
‫أما مدينة ميكيني التي تبعد حوالي اثني عشر ميال عن تيرينس فهي على شكل مثلث ‪ ،‬و كانت‬
‫محاطة أيضا بسور سيكلوبس ‪ ،‬و تروي القصص اإلغريقيةأن مؤسسها هو الملك بريسيوس(‬
‫‪ ) Perseus‬في القرن الرابع عشر ‪ ،‬و يصف هوميروس المدينة بأنها جيدة البناء ‪ ،‬واسعة‬
‫الشوارع ‪ ،‬غنية يكثر فيها الذهب ‪.‬‬
‫و لقد كشفت حفريات شليمان عن قسم من السور ‪ ،‬و في زاوية منه احد مداخل‬
‫المدينة المشهور باسم باب األسد ( انظر الصورة ) حيث نرى تمثال لبؤتين نحت على‬
‫صخرة عظيمة ‪ ،‬و لكن رأسيهما قد تحطما ‪ .‬و في مرتفع من المدينة يقوم قصر الملك الذي‬
‫نستطيع أن نميز تقسيماته الداخلية من خالل األطالل ‪ ،‬فنعرف مكان البهو الخاص بالعرش ‪،‬‬
‫ثم المعبد و قاعات اال ستقبال و المخازن و الحمام ‪ ،‬كما نشاهد الدرجات العريضة التي ترتقي‬
‫إلى الطابق العلوي ‪ ،‬ثم آثار النقوش التزينية على الجدران و البالط الملون على األرض ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫محمد كامل عياد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص‪72 .‬‬
‫‪77‬‬
‫امللحق الثاني‬
‫مدينة ميكيناي‬

‫كما أن الحفريات قد كشفت بالقرب من باب األسد على مقبرة تحتوي على رفاة‬
‫تسعة عشر شخصا ‪ .‬و قد و جدت على جماجم الرجال تيجان ذهبية و على عظام الوجوه‬
‫أقنعة ذهبية ‪ ،‬كما عثر على الكثير منالمجوهرات و الحلي الذهبية معلقة على صدور السيدات‬
‫وإلى جانب هذا كان في المقبرة عدد كبير من األواني الخزفية المزخرفة و قدور من البرونز‬
‫و إناء للشرب في شكل قرن مصنوع من الفضة و قطع أخرى من الحجارة الثمينة و العاج ثم‬
‫خناجر و سيوف مرصعة ‪ ،‬و تكاد تكون جميع التحف الموجودة في المقبرة مصنوعة من‬
‫الذهب سواء تعلق األمر باألختام أو الخواتم ‪1‬و األقداحأواألساورأواألقراط ‪ .‬إن هذه الرفات‬
‫الغارقة في الذهب هي دون شك رفاة ملكية ‪.‬‬

‫إن هذه اآلثار التي عثر عليها في ميكيني و تيرينس هي بقايا حضارة قديمة انتشرت في بالد‬
‫اإلغريق و جزر بحر ايجا ‪ ،‬و يذهب علماء اآلثارإلىأن هذه الحضارة قد بدأت حوالي ألف و‬
‫ستمائة سنة قبل الميالد ‪ ،‬و استمرت حتى سنة ألف و مائتي قبل الميالد ‪ ،‬على أن تحديد المدة‬
‫في عصور ما قبل التاريخ ليس من األمور السهلة ‪ .‬فال يمكن ادعاء الدقة و اليقين فيها ‪ ،‬و‬
‫تدل الظواهر على أنأهم مركز لهذه الحضارة كان في مدينة ميكيني لذلك أطلق عليها اسم‬
‫الحضارة الميكينية ‪.‬‬
‫يبدو من تدقيق آثار هذه الحضارة أنها اقتبست الشيء الكثير من المصريين ‪،‬و‬
‫أن العالقة بين البلدين كانت وثيقة ‪ ،‬فقد عثر في مقابر ميكيني على قطع من الخزف المصري‬
‫نقش على إحداها اسم أمنحوتب الثالث ( ‪ ) 1372 – 1408‬ق ‪ .‬م و في آخر على اسم هذا‬
‫الملك مع زوجته ( تي ‪ . ) Tay‬ثم نرى على خنجر و جد في هذه المقابر نقوشا تصور نهر‬
‫النيل و بعض الحيوانات التي ال تعيش إال في مصر ‪ .‬و الخنجر صنع في بالد ايجا ‪ ،‬ما يعني‬
‫أن صانعه قد زار بالد النيل ‪ ،‬و في المقابل فقد وجد على جدار في مدينة طيبة بمصر صورة‬
‫تمثل أوانيميكينية ‪.‬‬
‫باالستناد إلى هذه العالقات يذهب بعض المؤرخين إلى انه من المحتمل أن يكون‬
‫ملوك مصر قد حالفوا الميكينيين و أرسلواإلى ملوكهم الهدايا ثم حرضوهم على مهاجمة كريد‪،‬‬
‫غير انه ال توجد دالئل كافية تؤيد هذه الفرضية ‪ .‬و من الواضح أن الحضارة الميكينية قد‬
‫نشأت تحت تأثير حضارة كريد ‪. 2‬إن طريقة الفن المعماري في بناء القصور و تزيينها ميكيني‬
‫و تيرينس تشبه قصر كنوسوس رغم الفوارق التي اشرنا إليها ‪.‬‬
‫و كان الميكينيون الذين يختلفون عن الكرديين في لباسهم و مظهرهم الخارجي‬
‫قد استقلوا في حضارتهم عن كريد فاكتسبت هذه الحضارة مع مرور الزمن ‪ ،‬فهي عاشت‬
‫‪1‬‬
‫المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪71‬‬
‫‪2‬‬
‫محمد كامل عياد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪74‬‬
‫‪78‬‬
‫امللحق الثاني‬
‫مدينة ميكيناي‬

‫مائتي سنة بعد انهيار دولة مينوس ‪ .‬و نرى أن قصر تيرينس يجدد بناؤه على مقياس أوسعو‬
‫بصورة أفخم حوالي سنة ألف و ثالثمائة و خمسون قبل الميالد ‪،‬أي بعد سقوط كنوسوس ‪ ،‬و‬
‫كذلك األمر مع قصر ميكيني ‪ .‬و قد زينت جدران القصر بالرسوم على طريقة الكريدين ‪.‬إالأن‬
‫هذه الرسوم ال تصور مناظر الطبيعة و الحيوانات أو النباتات أو مشاهد الحياة العادية كما في‬
‫قصر كنوسوس ‪ ،‬بل تمثل الجنود و ساحات الحرب ‪.‬‬
‫إن الحضارة الميكينة لم تكن على درجة من الرقي و الترف يمكن مقارنتها بحضارة كريد ‪،‬‬
‫فالمجتمع اليوناني كان ال يزال في حالة بدائية ‪ ،‬و السكان كانوا منصرفين إلى الصيد و‬
‫الحرب و إلى صناعة األسلحة في الدرجة األولى ‪ .‬و األدوات التي كانوا يستعملونها خليط من‬
‫المصنوعات القديمة ( الحجرية ) و الحديثة ( البرونزية ) و أكثر الصناعات قدما في ميكيني‬
‫هي صناعة المعادن و على األخص الذهب و الفضة الذين وجدت منهما كميات كبيرة ‪.‬‬
‫و أحسن المصنوعات من هذا النوع لم يعثر عليها في ميكينيأوتيرينس ‪ ،‬بل في‬
‫مدينة ( وفيو ) قرب موقع إسبارطة ‪ .‬فقد وجدت في مقبرة األمير كنز من المجوهرات و‬
‫التحف من بينها قدحان من الذهب الرقيق ‪ ،‬و كانت النقوش على هذين القدحين تمثل مناظر‬
‫لترويض الثيران مقتبسة عن الفن الكريدي و تنم عن مهارة في الصنعة و جمال في الشكل ‪.‬‬
‫أمااألواني الخزفية فإنها اقل اتقانا و رشاقة ‪ .‬و إن كان الميكينيون قد توصلوا إلى اختراع‬
‫أنواع جديدة من هذه األواني تختلف عن مصنوعات كريد بلمعان رسومها ‪،‬و كانت الفنون‬
‫الجميلة عموما في حالة تقهقر و متأخرة عن المستوى الذي بلغته في كريد ‪ ،‬أما التجارة فكانت‬
‫بطيئة في تقدمها بسبب سيطرة القرصان على المالحة في بحر ايجا ‪.‬‬
‫و نرى أن ملوك ميكيني و تيرينسأنفسهم كانوا يقومون بأعمااللقرصنة ‪،‬و كانوا‬
‫يبنون مدنهم بعيدة قليال عن شواطئ البحر ليستطيعوا من جهة حمايتها من الغارات المفاجئة ‪،‬‬
‫ثم استخدامها لمواجهة السفن من جهة ثانية ‪ .‬و لكن يظهر أن هؤالء الملوك قد أدركوا بعد ذلك‬
‫فائدة التجارة البحرية في ظل األمن ‪ ،‬و عرفوا أنها السبب في عنى كريد و ازدهارها فاخذوا‬
‫يمنعون القرصنة و انصرفوا إلى التجارة ‪. 1‬‬
‫يمكن أن نجمع بين الحضارتين الكريدية و الميكينية و حضارة البالسجيسو‬
‫الليديين و القاريين و الليكيين ‪ ،‬و نطلق عليها اسم الحضارة اإليجية ‪ ،‬فكل هذه الشعوب من‬
‫عرق واحد ‪ ،‬و هي تتكلم لهجات متقاربة ‪ ،‬و هناك تشابه كبير في طراز معيشتها و مظاهر‬
‫حضارتها ‪ .‬و نرى أن القبور في كل مكان مبنية على الطريقة نفسها ‪ ،‬في شكل قبب و‬
‫حجرات مربعة ‪ ،‬و تحتوي على األواني و الخناجر و السيوف ذاتها ‪ .‬و هذه الشعوب جميعا‬

‫‪1‬‬
‫المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪76‬‬
‫‪79‬‬
‫امللحق الثاني‬
‫مدينة ميكيناي‬

‫خاضعة لتأثير بحر ايجا ‪ ،‬و ما يتصف به من اعتدال اإلقليم و الموقع الممتاز بين القارات‬
‫الثالث و الشروط المالئمة للمالحة و التجارة ‪.‬‬
‫بعد أن حملت كريد مشعل هذه الحضارة عصورا طويلة و سارت بها خطوات‬
‫واسعة في طريق التقدم و التكامل ‪ ،‬انتقل قسم من ترائها إلىالميكينيين الذين حافظوا على‬
‫الحضارة في العالم اإليجي ‪ ،‬و قد بسط الميكينيون سيطرتهم التجارية على جزر بحر ايجا ‪،‬‬
‫و شواطئ آسيا الصغرى ‪ ،‬كما اتصلوا بقبرص و سورية و مصر و ايطاليا و اسبانيا ‪ .‬و هكذا‬
‫نقلوا بدورهم حضارة كريد إلى شبه جزيرة اليونان و إلى كثير من أنحاء البحر‬
‫األبيض المتوسط ‪ ،‬و مهدوا السبيل لظهور الحضارة اليونانية ‪.‬‬

‫و لكن يظهر أن الميكينيين قد اصطدموا في طريق توسعهم الجارف بمدينة طروادة‬


‫التي كانت تحرس المضايق ‪ ،‬و تسيطر على طرق القوافل ‪ ،‬فاضطروا إلى مهاجمتها و‬
‫فرضوا حرب طروادة ‪. 1‬‬

‫بوابة االسد ‪:‬‬


‫كانت بوابة هي املدخل الرئيس ي الى‬
‫ميسينا‪ . Mycenae‬بنيت هذه البوابة‬
‫حوالي عام ‪ 1250‬ق ‪ .‬م‬
‫قد يكون االسدان املحفوران فوق‬
‫البوابة‬
‫يعب ران عن رموز لألسرة املالكة‬
‫امليكينية ‪.‬‬

‫املرجع ‪ :‬صالح عبد الحكيم حسن ‪ ،‬املرجع السابق ‪ ،‬ص ‪50‬‬

‫محمد كامل عياد ‪ ،‬المرجع السابق ‪ ،‬ص ‪77‬‬ ‫‪-1‬‬


‫‪80‬‬
‫امللحق الثاني‬
‫مدينة ميكيناي‬

‫‪81‬‬
‫البيبليوغرافيا‬

‫المصادر باللغة العربية ‪:‬‬

‫أرسطو دستور اآلثينيين‪ ،‬ترجمة أوغسطينيس بربارة‪ ،‬الهيئة العامة السورية للكتاب‪ ،‬دمشق‪. 2013 ،‬‬
‫ارسطو طاليس‪ ،‬ما بعد الطبيعة ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار ذو الفقار ‪ ،‬دمشق‪. 2008 ،‬‬
‫أرسطو‪ ،‬فن الشعر‪ ،‬ترجمة و تعليق إبراهيم حمادة‪ ،‬ط ‪ ،‬الدار العربية للطباعة و النشر و التوزيع‪. 1999 ،‬‬
‫أرسطوطاليس‪ ،‬الكون و الفساد‪ ،‬ترجمة أحمد لطفي السيد‪ ،‬الدار القومية للطباعة و النشر‪( ،‬من املقدمة التي كتبها‬
‫سانتهيليربارتليمي )‪.‬‬
‫أرسطوطاليس‪ ،‬في السياسة‪ ،‬ترجمة أغسطس بابارةاليولس ي‪ ،‬ط ‪ ،2‬اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع‪ ،‬بيروت – لبنان‪،‬‬
‫‪.1980‬‬
‫أفالطون ‪ ،‬محاورة الدفاع‪ ،‬محاورات أفالطون‪ ،‬ترجمة زكي نجيب محمود‪ ،‬مكتبة األسرة‪ ،‬مصر‪. 2005 ،‬‬
‫أفالطون‪ ،‬الجمهورية ‪ ،‬الكتاب السابع‪ ،‬املجلد األول‪ ،‬ترجمة شوقي داوود عزار‪ ،‬األهلية للنشر و التوزيع ‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪. 1994‬‬
‫أفالطون‪ ،‬محاورات كريتوس ( في الفلسفة و اللغة )‪ ،‬ترجمة و تحليل عزمي طه سيد احمد‪ ،‬ط ‪ ،‬وزارة الثقافة ‪،‬‬
‫عمان‪ ،‬األردن‪. 1995 ،‬‬
‫أفالطون‪ ،‬محاورة الطيمياويس و إكريتيس‪ ،‬ترجمة فؤاد جورجي بربارة‪ ،‬منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب‪،‬‬
‫دمشق‪ ،‬سوريا‪. 2014 ،‬‬
‫أفالطون‪ ،‬محاورة القوانين‪ ،‬ترجمة محمد حسن ظاظا‪ ،‬الهيئة العامة املصرية للكتاب‪.‬‬
‫أفالطون‪ ،‬محاورة فايدروس أو عن الجمال‪ ،‬ترجمة أميرة حلمي مطر‪ ،‬دار غريب‪ ،‬مصر‪. 2000 ،‬‬
‫ديوجينس الالتيري‪ ،‬حياة مشاهير الفالسفة‪ ،‬ترجمة إمام عبد الفتاح إمام‪ ،‬املجلس األعلى للثقافة‪ ،‬مصر‪2004 ،‬‬
‫هوميروس‪ ،‬األوديسا‪ ،‬ترجمة ذريني خشية‪ ،‬مكتبة دار الكتب األهلية‪ ،‬القاهرة ‪. 1945‬‬
‫هوميروس‪،‬اإللياذة‪ ،‬ترجمة سليمان البستاني‪ ،‬ط ‪ ،1‬دار املعارف للطباعة و النشر و التوزيع‪ ،‬سوسة‪ ،‬تونس ‪.‬‬
‫املصادر باللغة األجنبية‪:‬‬
‫‪Aristote , Constitution d’Athènes , Trad par Mathiew et B Housoulien , Paris .‬‬
‫‪Aristote , La matiere , Chapitre 2 , Trad par Jean Claude Fsaise , 1 iere edition , , 1990 .‬‬
‫‪Aristote , Politique , Trad par Pelle Grine , , C F K Tamarian , 1993 .‬‬
‫‪Aristote ,Ploetique, Trad F Dufan, Les belles lettres, Paris,1932, Chapitre 24 .‬‬
‫‪Aristote ,Poletique , Trad par ChBateux , Paris , CHAPITRE 4 .‬‬
‫‪Diodore de Sicile, bibliotheque historique, livre 4, TradHolift, Paris.‬‬
‫‪Hésiode , les travaux et les jours Trad , M Patin , Paris , 1872 .‬‬
‫‪Hesiode ,Theogonie , Trad , M Patin , Paris , 1872 .‬‬
‫‪Thucydide , la Guerre de Péloponnèse , Trdpar De Rommily, Paris , 1953 .‬‬
‫‪Xeophone ,Memorable , Livre premier , librairie , CH ouss , elgme , Paris . 1902.‬‬

‫املراجع باللغة العربية‬

‫ابراهيم عبد هللا ‪ ،‬املركزية الغربية ‪ ،‬إشكالية التكوين و التمركز حول الذات ‪ ،‬املركز الثقافي العربي ن الدار البيضاء‪،‬‬
‫بيروت‪.1997 ،‬‬
‫‪81‬‬
‫البيبليوغرافيا‬

‫اسكندر املعلوف عيس ى ‪ ،‬تاريخ الطب عند األمم القديمة و الحديثة‪ ،‬هنداوي للتعليم و الثقافة‪. ،‬‬
‫االلوس ي حسام الدين ‪ ،‬الفلسفة اليونانية قبل أرسطو‪ ،‬دار األمان‪ ،‬الرباط ‪ ،‬املغرب األقص ى‪.‬‬
‫االلوس ي حسام الدين‪ ،‬الفلسفة اليونانية قبل أرسطو‪ ،‬منشورات اإلختالف‪ ،‬الجزائر ‪. ، 2017‬‬
‫اميار اندري ‪ ،‬جانين أوبوابية‪ ،‬تاريخ الحضارات العام ( الشرق و اليونان القديمة ) ترجمة فريد داغر‪ ،‬فؤاد أبو‬
‫ريحان‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬لبنان‪. 1986 ،‬‬
‫أميرة حلمي مطر‪ ،‬الفلسفة السياسية من أفالطون الى ماركس‪ ،‬ط ‪ ، 5‬دار املعارف مصر ‪. 1995 ،‬‬
‫اورا م س ‪ ،‬التجربة اليونانية‪ ،‬ترجمة أحمد سالمة‪ ،‬محمد الس ي‪ ،‬الهيئة املصرية العامة للكتاب‪.1989 ،‬‬
‫بارنال مارتن ‪ ،‬أثينا السوداء ( النهاية البطولية لعصر بطولي سقوط طيبة و طروادة و موكيناي ) ما بين ‪– 1250‬‬
‫‪ 1150‬ق‪.‬م‪ ،‬الجزء الثاني ‪ ،‬املجلد الثاني ‪ ،‬ترجمة و تعليق و تحليل ‪ ،‬محمد إبراهيم السعدني ‪ ،‬املجلس األعلى‬
‫للثقافة ‪ ،‬مصر ‪. 2005‬‬
‫بدوي عبد الرحمان ‪ ،‬ربيع الفكر اليوناني ‪ ،‬ط ‪ ، 3‬مكتبة النهضة املصرية ‪.‬‬
‫جنيدي ابراهيم عبد العزيز‪ ،‬معالم التاريخ اليوناني‪ ،‬ج‪ ، 1‬املكتب املصري لتوزيع املطبوعات‪ ،‬مصر ‪. 1999- 1998‬‬
‫الخراط إدوارد ‪ ،‬فجر املسرح ‪ ،‬دراسة في نشأة املسرح ‪ ،‬دار البستاني للنشر و التوزيع ‪ ،‬القاهرة ‪.2002 ،‬‬
‫الخطيب محمد ‪ ،‬املسرح اإلغريقي ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار عالء الدين سوريا ‪. 2014 ،‬‬
‫الخطيب محمد ‪ ،‬الفكر اإلغريقي‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار عالء الدين‪ ،‬سوريا‪. 1999 ،‬‬
‫خليل صبري محمد ‪ ،‬مقدمة في الفلسفة و قضاياها ‪ ،‬الهيئة الفلسفية لطلبة جامعة الخرطوم ‪. 2005 ،‬‬
‫دي بورج ‪ ،‬تراث العالم القديم ‪ ،‬ترجمة زكي سوسن ‪ ،‬مكتبة األسرة ‪ ،‬القاهرة ‪. 1999 ،‬‬
‫ديورانت ول ‪ ،‬قصة الحضارة‪ ،‬حياة اليونان‪ ،‬ترجمة محمد بدران‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬املجلد الثاني‪ ،‬سيرت‪ ،‬تونس‪.‬‬
‫ديورانت ول ‪ ،‬قصة الفلسفة ( من أفالطون إلى جون ديوي ) ‪ ،‬ترجمة عبد الفتاح محمد املشحشح‪.‬‬
‫زايد مصطفى ‪ ،‬التربية و التعليم في الحضارة اليونانية و الرومانية‪ ،‬ط ‪ ،1‬مكتبة االنجلو املصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫ساتون جورج ‪ ،‬تاريخ العلم ‪ ،‬ج ‪ ، 1‬الهيئة العامة لشؤون الطباعة ‪. 2010‬‬
‫سارتون جورج ‪ ،‬تاريخ العلم و األنسنة الجديدة‪ ،‬ترجمة إسماعيل مظهر‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬القاهرة – نيويورك‪،‬‬
‫‪.1961‬‬
‫سلمان عبد اللطيف محمد ‪ ،‬تاريخ الفن و العمارة ( فنون العالم القديم )‪ ،‬منشورات جامعة دمشق‪.‬‬
‫سليمان مصطفى محمود‪ ،‬تاريخ العلوم و التكنولوجيا في العصور القديمة و الوسطى ‪ ،‬ط ‪ ، 2‬الهيئة املصرية العامة‬
‫للكتاب ‪. 2008‬‬
‫سيستدال جاكلين ‪ ،‬تاريخ الرياضيات‪ ،‬ترجمة محمد عبد العظيم سعود‪ ،‬مؤسسة هنداوي للتعليم و الثقافة‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مصر‪.2016 ،‬‬
‫الشيخ حسين ‪ :‬دراسات في الشرق األدنى اليونان و الرومان ‪ ،‬دار املعرفة الجامعية ‪ /‬مصر ‪. 2015‬‬
‫الشيخ حسين ‪ ،‬اليونان ‪ ،‬درا املعرفة الجامعية ‪ ،‬مصر ‪.‬‬
‫شيكين بين بريكو‪ ،‬أسرار الفيزياء الفلكية و امليثولوجيا القديمة‪ ،‬ترجمة حسان ميخائيل إسحاق‪ ،‬الطبعة ‪، 3‬‬
‫منشورات عالء الدين‪ ،‬دمشق‪ ،‬سوريا‪. . 2010 ،‬‬
‫صبحي أحمد محمود‪ ،‬صفاء عبد السالم جعفر ‪ ،‬في فلسفة الحضارة اليونانية و اإلسالمية و الغربية ‪ ،‬ط ‪ ، 1‬دار‬
‫وفاء الدنيا للنشر و التوزيع‪ ،‬مصر ‪. 2006‬‬
‫العابد مفيد رائف‪ ،‬دراسات في تاريخ اإلغريق‪ ،‬الطبعة الجديدة ‪ ،‬دمشق ‪. 1979‬‬

‫‪82‬‬
‫البيبليوغرافيا‬

. 1992 ، ‫ جامعة الكويت‬،‫ الفلسفة اليونانية حتى أفالطون‬، ‫عزت قرني‬


. 1994 ،‫ الهيئة املصرية العامة للكتاب‬، 2 ‫ ط‬، 1 ‫ ج‬،‫ اإلغريق بين األسطورة و اإلبداع‬، ‫عكاشةثروت‬
.‫ دمشق‬،1 ‫ ط‬، 1 ‫ ج‬، ‫ تاريخ اليونان‬، ‫عياد محمد كامل‬
. 2011 ، ‫ مصر‬، ‫ القاهرة‬، ‫ املركز القومي للترجمة‬، ‫ ترجمة أحمد شكري سالم‬، ‫ العلم اإلغريقي‬، ‫فارتن بنيامين‬
. 1962\ ‫ القاهرة‬، ‫ دار الفكر العربي‬، ‫ ترجمة عبد الرزاق يسري‬، ‫ اإلغريق‬، ‫كيتو‬
. 2006 ، ‫ وقفة مع األدب امللحمي‬،‫لوشن نور الهدى‬
‫ األردن‬، ‫ األصلية للنشر و التوزيع‬، 1 ‫ ط‬.‫ دراسة في الطب و السحر و األسطورة و الدين‬، ‫ بخور اآللهة‬، ‫املاجد خزعل‬
. 1998 ،
. ‫ مهرجان القراءة للجميع‬، ‫ مكتبة األسرة‬،‫ جمهورية أفالطون‬، ‫مطر أمير حلمي‬
.‫ املغرب‬،‫ الدار البيضاء‬،‫ دار الرشاد الحديثة‬،‫ و حضارته‬،‫ تاريخ العالم اإلغريقي‬، ‫مكاوي فوزي‬
‫ دار النهضة العربية‬، 2 ‫ط‬. ‫اإلغريق تاريخهم و حضارتهم‬، ‫الناصري سيد احمد‬
.1998 ،‫ مصر‬،‫ دار قباء للطباعة و النشر و التوزيع‬،‫ تاريخ الفلسفة اليونانية من منظور شرقي‬، ‫النشار مصطفى‬
‫ دار قباء للطباعة و النشر و‬،‫ من التاريخ إلى فلسفة التاريخ قراءة في الفكر التاريخي عند اليونان‬، ‫النشار مصطفى‬
. 1997 ‫ مصر‬،‫التوزيع‬
. 1962 ،‫ دار الفكر العربي‬،‫ ترجمة عبد الرزاق يسري‬،‫ اإلغريق‬، ‫ د كيتو‬. ‫هـ‬
.‫ مصر‬،‫ دار املعارف‬،‫ األدب اليوناني القديم و داللته على عقائد اليونان و نظامهم اإلجتماعي‬، ‫وافي علي عبد الواحد‬
‫املراجع باللغة األجنبية‬

A, Bouché – LECLRCL , L’astrologie Grecque , Ernest Le Roux, Editeur , Paris . 1899 .


ArbanneG , Analyse de l histoire asiatique .t 2 .l histoire grecque ,Paris , sd
Barker Ernest, Greek political theory, Third edition, London .
Birsad Victoe ,l’Odysseed’Homere , Bibliotheque de Clyry, 1931 .
Bower c m , Problems in Greeck poetry , Oxford , 1953.
Burinet John, Early Greek philosophy, second edition, Adam and CharlesBlack , London ,.
Burnouf Emille , l’histoire de la littérature grecque
Commop M, , histoire de l’origine de la Grèce ancienne , Trad par Adolph Joanne , Pontin et
Chevalier , editeurs , Paris , 1852 .
Croiset Moris, La Civilisation de la Grece antique, Payot , Paris 1932 , .
De Romuly Jaqueline ,Poesie de literature grecque ,Paris ,1980
Etienne Roland , Christel Muller , Francis Prost : Archéologie historique de la Grèce antique .
SD.
George Sir, Francis Hill, The encientcornage of southern Arabia, The british academy,
London, .
Gerrardeaux et Alessandro Baricou , Le mythe literaire de la Guerre fr Troie , B N F Gallica
GLotz G, la civilisation Égéenne, La renaissance du livre, Paris, 1930
Gollingom Maxime, manuel d’archéologie grecque, Paris.
Gougny Gaston ,Lart Antique , 2eme partie La Grece – Rome , Paris .
Hearen, A H L . de la politique et du commerce des peuples de l’antiquité, A.S Hutte, Paris,
1844.
Heern H L , de la politique et du commerce des peuples de l’antiquitée , Trad , Allen W de
Sinku et A, Schutte , Section Grecque , Paris , .
Hegel g w , The philosophy of history, translated by S.Besrée.
83
‫البيبليوغرافيا‬

HoftF .G , Poésie Héroïque de l’indiens à l’époque grecque et latin , August Dinson ,Paris
1860 .
Jacques Jean Marie, Médecine et poésie, Micandre de Colophon et ses poèmes rologiques, les
belles lettres, Paris, 2004 .
L - . Martim A. histoire de la condition des femmes chez les peuples de l’antiquité ,E. B
RARD de libraire édition .paris 1839 MYRIAM PHILEBERT .DICTIONAIRE DES
METHOLOGIE GRECQUE .MAXLIRERE .FRANCE 2002.
Lanrent Jerome , Platon , 1'édition, Septembre 1999 .
Lechese, Albert, La philosophie grecque avant Socrat, Librairie Bland et C, Paris, 1908, .
Lioyd G E R, Earlygreekscience ,thales to Aristotle, Chatto and windus, London.
Mazon Paul , Des commentaires sur la traduction de l’Iliade, , Les belles lettres, Paris, 1938.
Merllot, A, Introduction à l’étude comparative des langues Indo-européennes, Librairie
Hachette , Paris, 1903.

84
‫محتوى المقياس‪2..................................................................................‬‬

‫المقدمة‪5- 3.........................................................................................‬‬

‫الجزء األول‪ :‬الحضارة اإلغريقية ‪6...............................................................‬‬

‫المحاضرة األولى‪ :‬اإلطار الطبيعي والبشري للحضارة اإلغريقية‪13- 7.......................‬‬

‫المحاضرة الثانية‪ :‬الخصائص البشرية‪19- 14...................................................‬‬

‫المحاضرة الثالثة‪ :‬اإلطار التاريخي للحضارة االغريقية‪26- 20................................‬‬

‫المحاضرة الرابعة‪ :‬النظام السياسي‪33- 27......................................................‬‬

‫المحاضرة الخامسة‪ :‬االقتصاد والمجتمع‪38- 34................................................‬‬

‫المحاضرة السادسة‪ :‬المظاهر الحضارية‪48- 39................................................‬‬

‫الجزء الثاني‪ :‬الحضارة الرومانية‪49............................................................‬‬

‫المحاضرة السابعة‪ :‬اإلطار الجغرافي والتاريخي لروما‪56- 50................................‬‬

‫المحاضرة الثامنة‪ :‬التنظيم السياسي والعسكري‪60- 57.........................................‬‬

‫المحاضرة التاسعة‪ :‬االقتصاد والمجتمع‪65- 61.................................................‬‬

‫المحاضرة العاشرة‪ :‬المظاهر الحضارية‪69- 66................................................‬‬

‫الملحق األول‪ :‬قصر مينوس – كنوسوس‪76- 70...............................................‬‬

‫الملحق الثاني‪ :‬مدينة ميكيناي‪80- 77............................................................‬‬

‫البيبليوغرافيا ‪84- 81.............................................................................‬‬

‫فهرس المحتوى‪85...............................................................................‬‬

‫‪85‬‬
86

You might also like