Professional Documents
Culture Documents
في السادس والعشرين من أكتوبر عام ،2013اكتشف علماء اآلثار الصينيون في مقبرة
كبيرة بمدينة لويانغ في مقاطعة خنان ،يرجع تاريخها إلى أسرة وي الشمالية ( 534 -386م) عملة
ذهبية المعة من عصر اإلمبراطور البيزنطي أناستاسيوس األول ( 430 -518م) .يرجع تاريخ
سك هذه العملة الذهبية إلى الفترة من سنة 491إلى سنة 518م .وال غرابة في ذلك إذ أكتشفت،
منذ زمان ،عمالت ذهبية فارسية ورومانية قديمة في المناطق التي يمر بها طريق الحرير.
يرجع تاريخ طريق الحرير إلى أكثر من ألفي سنة ويمتد طوله إلى أكثر من سبعة آالف
كيلومتر ،وقد ربط الصين بالهند واإلمبراطورية الفارسية والدول العربية واليونان القديمة وروما
القديمة وعزز التبادالت الحضارية بين آسيا وأوروبا.
تسمية طريق الحرير
باعتباره طريقا تجاريا ربط الصين بالغرب في العصور القديمة ،كانت السلع المتبادلة على
طريق الحرير كثيرة ،ومنها األحجار الكريمة والحرير واألواني الخزفية .كان طريق الحرير ممرا
للتبادالت في مجاالت االقتصاد والسياسة والعلوم والتكنولوجيا والشؤون العسكرية واألديان
والعادات والتقاليد الشعبية والثقافة واألفكار بين الصين والغرب.
حمل طريق الحرير أسماء كثيرة ،مثل "طريق اليشم" و"طريق األحجار الكريمة " و"طريق
البوذية" و"طريق الفخار والخزف" وغيرها ،ولكن كل اسم من تلك األسماء كان يخص جزءا من
طريق الحرير .في عام ،1877أطلق عليه عالم الجغرافية األلماني فرديناند فون ريشتهوفن
"طريق الحرير" ألول مرة ،ثم اعترف العالم بهذا االسم واستخدمه حتى اآلن.
كان الحرير أشهر سلعة تجارية تصدرها الصين عبر طريق الحرير .كان الصينيون عندما
يذهبون إلى المناطق الواقعة غرب بالدهم أو أبعد من ذلك ،يقدمون الحرير هدية للتعبير عن
الصداقة .وكان قادة ونبالء الدول الغربية يعتزون بارتداء الحرير الصيني الملون باألحمر الفينيقي.
وكانت ملكة مصر المشهورة كليوباترا تستقبل المبعوثين وهي مرتدية لباسا من الحرير .وقد اكتشف
الحرير الصيني في مقبرة فرعونية يرجع تاريخها إلى ألف سنة قبل الميالد.
وقد جاء ذكر الحرير في اآلية الثالثة والثالثين من سورة فاطر بالقرآن الكريمَ " :ج َّن ُ
ات َع ْد ٍن
ب َولُ ْؤلُ ًؤا ۖ َولِ َبا ُس ُه ْم فِي َها َح ِري ٌر" .طريق الحرير الذي ذكره َي ْد ُخلُو َن َها ي َُحلَّ ْو َن فِي َها مِنْ أَ َس ِ
او َر مِنْ َذ َه ٍ
فرديناند فون ريشتهوفن يقصد به الجزء الذي كان يتم عبره تجارة الحرير هو بين نهر آمو داريا
(جيحون) ونهر ( )Amu Daryaونهر سير داريا (سيحون) ،وبين الصين والهند" .وبعد ذلك،
أطلق المؤرخون على الطرق التجارية التي ترتبط الصين بالغرب "طريق الحرير".
ازدهار وانحطاط طريق الحرير
يرجع تاريخ طريق الحرير إلى عصور قديمة ،ولكنه شهد أوج ازدهاره منذ فترة أسرة هان
اإلمبراطورية ( 220 -206ق.م).
أثبتت البحوث األثرية أن مروج وادي النيل وبالد الرافدين ووادي السند وشمالي النهر
األصفر ،كانت بها طريق تكون من خطوط تجارية على نطاق صغير .وفي مصر اُكتشف حجر
الالزورد الذي يُستخرج في أفغانستان ويرجع تاريخه إلى أكثر من خمسة آالف سنة .هذا يثبت أن
المصريين بدأو التجارة على نطاق معين على الطريق الذي ُسمى بـ"طريق الحرير" فيما بعد.
بعد حوالي ألف سنة ،بدأت تجارة حجر الالزورد تدخل قرية هارابا في وادي السند ،وأصبح
حجر الالزورد من الكنوز السبعة النفيسة للبوذية .وبعد وقت قصير ،دخل حجر الالزورد الصين،
حيث اكتشف في مقبرة زوجة اإلمبراطور وو دينغ ألسرة شيانغ (القرن 11 -16ق.م) اليشم اللين
(النفريت) المستخرج في منطقة شينجيانغ ،وذلك يثبت أن الصين بدأت التبادالت التجارية مع
المناطق الواقعة غربها والغرب األقصى.
قال الدكتور قوه وو ،من مركز الدراسات األثرية باألكاديمية الصينية للعلوم االجتماعية إن
األواني البرونزية التي اكتشفت في الصين وروسيا ومنغوليا خالل السنوات العشر األخيرة ،كانت
تصدر من شمالي الصين في نهاية أسرة تشو الغربية (القرن 771 -11ق.م) وانتشرت في منطقة
أورآسيا ،وتعتبر دليال ماديا هاما لبداية التبادالت الثقافية بين الشرق والغرب.
تشانغ تشيان ( 114 -164ق.م) ،أول مبعوث صيني ألسرة هان الغربية ( 206ق.م24 -
م) إلى آسيا الوسطى قد رأى في سوق داشيا (أفغانستان حاليا) العكاز الخيزراني وقماش شو
المصنوعين في جنوب غربي الصين ،وذلك يثبت أن منطقة جنوب غربي الصين كانت تتبادل
التجارة مع دول آسيا الوسطى.
في عام 138قبل الميالد ،قاد تشانغ تشيان وفدا مكونا من مائة شخص من مدينة تشانغآن
إلى مناطق آسيا الوسطى .في عام 119قبل الميالد ،أرسل اإلمبراطور هان وو دي (عام 156
ق.م 87 -ق.م) تشانغ تشيان إلى المناطق الغربية للمرة الثانية ،حيث زار العديد من الدول في
المناطق الغربية ،بينما أرسلت دول المناطق الغربية مبعوثين إلى مدينة تشانغآن ،فتعاظمت
التبادالت واالتصاالت بين أسرة هان والمناطق الغربية .في عام 73م ،أرسلت أسرة هان الشرقية
(220 -25م) بان تشاو (102 -32م) إلى المناطق الغربية ،وكان بان تشاو أرسل قان ينغ إلى
اإلمبراطورية الرومانية ،فوصل قان ينغ إلى منطقة الخليج العربية .في عام ،166جاء مبعوث من
اإلمبراطورية الرومانية إلى مدينة لويانغ ،فيما يعد أول تبادل دبلوماسي للدول األوروبية مع
الصين.
في فترة أسرة تانغ (907 -618م) ،شهد طريق الحرير تطورا سريعا .كان عدد العرب
والفرس الذين استقروا في الصين أربعة آالف فرد .في عام ،879كان عدد المسلمين واليهود
والمسيحيين والمجوس يتراوح بين مائة وعشرين ومائتي ألف فرد ،مما يوضح أن التبادالت
واالتصاالت بين الصين ودول آسيا الوسطى وآسيا الغربية كانت كبيرة ،وقد استقر عدد من أبناء
تلك المناطق في الصين.
بعد أسرة تانغ ،انتقل مركز اقتصاد الصين إلى الجنوب ،فازدادت التجارة الخارجية في
جنوبي الصين ،مما عزز ازدهار طريق الحرير في جنوبي الصين وطريق الحرير البحري،
وأصبحت قوانغتشو وتشنغدو وتشيوانتشو مدنا اقتصادية كبيرة في جنوبي الصين.
في القرن الثالث عشر ،قاد جنكيز خان (1227 -1162م ،مؤسس اإلمبراطورية المنغولية،
الفرسان المنغول لغزو آسيا الشمالية ،فعاد طريق الحرير البري إلى الظهور .وصل المنغول إلى
آسيا الغربية ،ونشطت التجارة بين الصين وأوروبا.
بعد أسرة يوان (1368 -1271م) ،شهد طريق الحرير ركودا تدريجيا ،السبب األول هو
احتالل الدولة العثمانية للقسطنطينية عاصمة اإلمبراطورية الرومانية ،فصارت التبادالت التجارية
بين أوربا والصين أكثر صعوبة .السبب الثاني هو اكتشاف فاسكو دا جاما لطريق رأس الرجاء
الصالح بالمحيط الهندي في عام ،1498مما حول االهتمام إلى الطريق البحري .السبب الثالث هو
البيئة اإليكولوجية على طريق الحرير التي تتعرض للتخريب الشديد ،واندثار محطات المدن عليه
في رمال الصحراء.
رغم أن تشنغ خه قام برحالت بحرية إلى سواحل المحيط الهندي وجنوبي آسيا في فترة أسرة
مينغ ( ،)1644 -1368ظلت الصين تنتهج سياسة انعزالية وتحظر التجارة البحرية مع البلدان
األجنبية ،فلم تطور الصين ،أو تهتم ،بتجارتها مع المناطق الغربية وطريق الحرير .بدأت الدول
الغربية حركاتها المالحية خالل القرنين الرابع عشر والخامس عشر ،ووجد الناس أن السفر بالبحر
أكثر سالمة ،فتراجعت مكانة طريق الحرير بسرعة في ذلك الوقت.
في القرن الـحادي والعشرين ،بدأت أهمية طريق الحرير تتجلى تدريجيا ،فقد أنشئ على
طريق الحرير القديم خط السكة الحديد الدولية الذي يبدأ من مدينة ليانيونقانغ شرقا وينتهي في
روتردام بهولندا ،بطول عشرة آالف وتسعمائة كيلومتر ،وأصبحت التجارة بين الصين ودول آسيا
الوسطى أكثر فأكثر.
في فبراير عام ،2008وقع وزراء المواصالت وكبار مسؤولي تسع عشرة دولة آسيوية
وأوروبية ،من بينها الصين وروسيا وإيران وتركيا خطاب نوايا في مدينة جنيف السويسرية
لالستثمار في إحياء طريق الحرير القديم وبعض الطرق البرية في المنطقة األوراسية وإعادة بريق
طريق الحرير القديم.
خط طريق الحرير
يتكون طريق الحرير من أربعة خطوط :الخط الرئيسي هو الطريق البري الذي سلكه تشانغ
تشيا ،مبعوث أسرة هان الغربية ،ويبدأ من مدينة تشانغآن ويعبر ممر خشي ومنطقة شينجيانغ
ويصل إلى آسيا الوسطى وآسيا الغربية حتى أوروبا .وهذا الخط البري ليس خطا مستقيما ،بل يشكل
بعض الخطوط اإلشعاعية على خط مستقيم.
الخط الثاني هو "طريق الحرير من جنوب غربي الصين" .في األزمنة القديمة ،فُ ِت َح في
جنوب غربي الصين طريق تجاري يبدأ من مدينة تشنغدو ويمر بمقاطعة يوننان وميانمار والهند
وباكستان ويصل إلى آسيا الوسطى .هذا الطريق أقدم من طريق الحرير الذي سلكه تشانغ تشيان،
وكانت البغال أداة النقل الرئيسية عليه ،فكانت تحمل قماش شو المصنوع في جنوب غربي الصين
والحرير المصنوع في مقاطعة يوننان إلى الهند ،ومنها ينتقل إلى أوروبا.
الخط الثالث هو طريق مروج شمالي الصين الذي يتكون من خطين ،وفتح الخط الشمالي في
الوقت الذي هاجر الفرع الشمالي ألهل الهون إلى الغرب ،ويبدأ من هضبة سيبيريا شرقا ،ويعبر
هضبة منغوليا وبحر آرال وبحر قزوين والبحر األسود ويصل إلى شرقي أوروبا؛ أما الخط
الجنوبي ،فيبدأ من لياوهاي ويسير مع السفح الشمالي لجبال تيانشان ويصل إلى آسيا الوسطى
وغربي آسيا وشرقي أوروبا .ويحمل هذا الطريق اسم "طريق الشاي" في أسرة مينغ (-1368
)1644وأسرة تشينغ (.)1911 -1616
الخط الرابع هو طريق الحرير البحري .منذ أسرة هان ( 206ق.م 220 -م) ،فتح الصينيون
الطريق البحري من مقاطعة قوانغدونغ إلى الهند .وبعد أسرة سونغ ( ،)1279 -960أصبحت
الطرق البحرية التي تبدأ من مدينة قوانغتشو وتشيوانتشو وهانغتشو متطورة يوما بعد يوم .يمر هذا
الطريق بمضيق ملقا وشبه القارة الهندية والمحيط الهندي وبحر العرب ،ويصل إلى اإلمبراطورية
العربية حتى السواحل الشرقية ألفريقيا .يحمل طريق الحرير البحري لقب طريق الفخار والخزف
البحري وطريق التوابل البحري.
كانت مدينة تشانغآن (شيآن حاليا) ،في فترة أسرة هان ،بداية لطريق الحرير .كانت مساحتها
ذلك الوقت أربعة وثمانين كيلومترا مربعا ،وتجاوز عدد سكانها مليون نسمة ،فكانت أكثر مدينة
سكانا في العالم.
على طريق الحرير كثير من المعالم المشهورة واآلثار القديمة ،منها التماثيل الحربية
الجنائزية ألسرة تشين ( 207 -221ق.م) وكهوف موقاو في مدينة دونهوانغ وأطالل مدينة لوالن
القديمة ومدينة نييا القديمة وبوذا باميان في أفغانستان والذي قامت عناصر من طالبان بتدميره في
عام .2001
طريق تبادل السلع
كانت القوافل التجارية الصينية تنقل منتجات الصين من الحرير واألواني الخزفية
والمصنوعات الحديدية واألدوات المطلية باللك والشاي وأشغال الخيزران واألدوية الصينية التقليدية
إلى الخارج عن طريق الحرير .كانت األواني الخزفية هي ثاني أكبر سلعة صادرات بعد الحرير
على طريق الحرير .جدير بالذكر أن الخزف الصيني األزرق واألبيض ألسرة يوان (-1206
)1368كان يصنع بغرض التصدير إلى الدول اإلسالمية .وقد اكتشف في الصين أكثر من مائة
قطعة من الخزف الصيني األزرق واألبيض ألسرة يوان ،وأكثر من مائتين قطعة في أنحاء العالم،
من بينها أكثر من أربعين قطعة في متحف سراي طوب كاي في تركيا.
هناك كثير من النباتات الصينية التي انتقلت إلى الغرب عن طريق الحرير ،مثل شجر التوت
والخيزران المربع والكمثري والبتوال والخطمية الوردية والورد والشاي وكثير من العقاقير الطبية
مثل السليخة والزنجبيل والريزوم كويتيديس (Coptis chinensis, the Chinese
)goldthreadوجذور الراوند الصيني وجذور (.)Smilax glabra Roxb
بينما انتقلت كثير من المنتجات الغربية النادرة إلى الصين عن طريق الحرير ،مثل السجاد
والمنسوجات الصوفية والزئبق والكهرمان والعقيق والماس واللجأة السهفية والتوابل وغيرها.
باإلضافة إلى ذلك ،كان للزجاج والمينا الملونة أثر كبير على صناعة الخزف الصينية ،كما كان
للفرو والمنسوجات الصوفية تأثير ملموس على صناعة الغزل والنسج الصينية.
ودخل إلى الصين عبر طريق الحرير ،العنب والفصة المزروعة والجوز والسمسم والخيار
والفلفل والبطيخ والجزر والسبانخ والرمان والتين والكزبرة والبصل األخضر والزيتون ،مما وفر
مزيدا من األطعمة ألبناء آسيا الشرقية .هذا إضافة إلى بعض األنواع النادرة من الحيوانات ،مثل
حصان آسيا الوسطى والجمل واألسد والكركدن والطاووس والنعام وغيرها.
طريق انتشار الحضارة
رغم أن طريق الحرير بدأ بتجارة الحرير ،غير أن أهميته لم تقتصر على التجارة .في
التبادالت واالتصاالت بين الصين والغرب عبر طريق الحرير ،استفاد الجانبان منه..
انتقلت الثقافة والعلوم والتكنولوجيا الصينية إلى الغرب عبر طريق الحرير ،ومن ذلك فنون
التعدين وحفر اآلبار وتربية دود القز والمعلومات في مجاالت الفلك والطب والموسيقى والعمارة
وغيرها .أثر الفن الصيني على فنون آسيا الوسطى وآسيا الغربية تأثيرا كبيرا .وعندما شن المنغول
حملة تأديبية على الغرب ،انتشر كثير من الرسوم الصينية إلى آسيا الوسطى وآسيا الغربية ،فبدأ
الناس هناك يدرسون فنون الرسوم الصينية .وانتشرت المخترعات الصينية األربعة (صناعة الورق
والطباعة والبوصلة والبارود) وتركت أثرا كبيرا على تطور حضارة العالم .بفضل انتشار صناعة
الورق والطباعة إلى الغرب ،انتشر الورق في الغرب ،فانخفضت كلفة الكتاب بشكل كبير ،وصار
التعليم أكثر انتشارا ،وعزز تطور الثقافة الغربية .دخلت البوصلة إلى أوروبا في القرن الثاني
عشر ،وكان استخدامها في المالحة معينا لرحلة كريستوفر كولومبوس الكتشاف أرض القارة
األمريكية والرحلة المالحية العالمية لفرناندو ماجالن.
دخلت الحضارة الغربية إلى الصين عبر طريق الحرير أيضا .وجاءت البوذية وفنون السحر
والموسيقى والرقص وفن النحت وغيرها من الغرب إلى الشرق .وبعد أن دخلت الموسيقى واآلالت
الموسيقية وغناء ورقص القوميات المختلفة في أنحاء آسيا الوسطى إلى الصين ،أثرت تأثيرا كبيرا
على موسيقى الصين التقليدية ،حيث انضمت بعض اآلالت الموسيقية الفارسية مثل كونغهو وبيبا
(العود الصيني) إلى مجموعة اآلالت الموسيقية الصينية التقليدية قبل سنوات طويلة .كما دخل
الصين التقويم العربي والطب العربي .على سبيل المثال ،في عام ،961زار العالم الفلكي ما يي
تسه من األناضول الصين تلبية لدعوة من أسرة سونغ ( 1279 -960م) ،حيث شارك في تأليف
((تقويم ينغتيان)) ،وتولى منصب مدير مؤسسة األرصاد الجوية وحساب التقويم .وفي أسرة يوان (
1368 -1206م) ،ظلت مؤسسات األرصاد الجوية وأكاديمية الطب اإلسالمي موجودة ،وعندما
تأسست أسرة مينغ ( 1644 -1368م) كان "التقويم اإلسالمي" ال يزال مستخدما.
باإلضافة إلى ذلك ،دخلت أديان المناطق الغربية المختلفة الصين عبر طريق الحرير ،خاصة
البوذية .دخلت البوذية إلى الصين من خالل التبادالت الثقافية بين الشرق والغرب بعد فتح طريق
الحرير ،وأثرت على ثقافة الصين تأثيرا عظيما ،وقد أصبحت جزءا من ثقافة الصين .أما الدين
اإلسالمي الذي بدأت دعوته في سنة ،622فقد أتى به المسلمون إلى الصين في القرن الثامن
وأصبحوا اآلباء واألجداد لقومية هوي الصينية اآلن .كما دخلت المجوسية والمانوية واليهودية
والمسيحية الصين عبر طريق الحرير.
ممر هجرة القوميات
طريق الحرير هو طريق هجرة القوميات أيضا.
في فترة أسرة تانغ ،كان العرب والفرس المستوطنون في الصين كثيرين .وفقا للسجالت
التاريخية ،كانت مدينة تشانغآن بها "السوق الغربية" وهي سوق خاصة أسستها الحكومة الصينية
لهؤالء التجار العرب والفرس .وعلى الشوارع محالت المجوهرات والصيدليات الخاصة بهم
وتسمى "المحالت الفارسية".
في فترة أسرة سونغ ،بفضل تنفيذ الحكومة سياسة التشجيع على إقامة العالقات التجارية،
ازداد عدد التجار من مختلف قوميات آسيا الوسطى واإلمبراطورية العربية واإلمبراطورية
الفارسية .وفقا للسجالت التاريخية الصينية ،بلغ عدد أبناء القوميات المختلفة آلسيا الوسطى
واإلمبراطورية العربية واإلمبراطورية الفارسية الذين استوطنوا في قوانغتشو وتشيوانتشو ويانغتشو
ومينغتشو وهانغتشو وغيرها من المدن بلغ مئات آالف ،ويشكلون حاليا جزءا من قومية هوي
الصينية.
هاجرت بعض القوميات من الشرق إلى الغرب عبر طريق الحرير .كان أبناء قومية توجو
(الترك) يعيشون في منطقة سلسلة شنغآن الكبرى (سلسلة جبال خينقان الكبرى) ،وقد انقسموا إلى
جزئين ،واحد شرقي وآخر غربي خالل حربهم مع أسرة تانغ .خضع الترك الشرقيون ألسرة تانغ،
أما الترك الغربيون ،فهاجروا إلى غربي جبال البامير ،وبعضهم هاجر إلى األناضول ،أي تركيا
الحالية.
استسلم بعض أبناء الهون ألسرة هان الشرقية ،وبعضهم اآلخر هاجر إلى الغرب ،وغزا
الشاطئ الشمالي للبحر األسود في القرن الرابع.
أسس الويغور (قومية بدوية عاشت في شمالي الصين ،قومية الويغور حاليا) خاقانية (مملكة)
الويغور في منطقة الصحراء الشمالية ،ثم هاجر بعضهم عبر هضبة البامير ووصل إلى آسيا
الوسطى.
مشاهير على طريق الحرير
ارتبطت أسماء عدد كبير من الصينيين واألجانب بطريق الحرير ،وأشهرهم تشانغ تشيان
الذي فتح طريق الحرير رسميا.
في عام 138قبل الميالد ،أرسل اإلمبراطور وو دي ألسرة هان ( 87 -156ق.م) تشانغ
تشيان إلى المناطق الغربية ،للتواصل مع أبناء يويتشي الذين ُ
طردهم أبناء الهون من ممر خشي إلى
المناطق الغربية ،للتعاون معهم في الهجوم على الهون من جانبين .قاد تشانغ تشيان أكثر من مائة
شخص إلى الغرب ،وقد أسره أبناء الهون وهو في طريقه وظل أسيرا لمدة 11سنة .لكنه لم ينس
مهمته ،فحاول الهرب ،ووصل إلى يويتشي أخيرا .بعد عودته إلى تشانغآن ،نقل تشانغ تشيان ما
رأى وما سمع في المناطق الغربية إلى اإلمبراطور وو دي ،ونقل رغبة أبناء يويتشي في التواصل
مع أسرة هان .وتعتبر السجالت التاريخية رحلة تشانغ تشيان إلى المناطق الغربية "استكشافا غير
مسبوق" .كما أنه أول مبعوث أرسلته حكومة الصين إلى المناطق الغربية في التاريخ .في عام
119قبل الميالد ،أرسل اإلمبراطور وو دي تشانغ تشيان إلى المناطق الغربية للمرة الثانية ،حيث
قاد تشانغ تشيان وفده إلى دولة ووسون (في حوض نهر ييلي اآلن) وفرغانة (داخل أوزبكستان
الحالية) و سوقديانا ( بين نهر آمو داريا ونهر سير داريا) ويويتشي وداشيا (في مدينة خوتان
بمنطقة شينجيانغ) واإلمبراطورية البارثية دولة قديمة واقعة على هضبة إيران والهند وغيرها .بينما
أرسلت الدول في المناطق الغربية مبعوثين إلى تشانغآن لرد تلك الزيارة ،فازدادت التبادالت
واالتصاالت بين أسرة هان والمناطق الغربية.
الراهب شيوان تسانغ ( )664 -604ألسرة تانغ ،انطلق من تشانغآن في عام ،627ووصل
إلى الهند عبر طريق الحرير ،ثم بقى في الهند سنوات ،وترك آثار قدميه في كل ركن من الهند .عاد
إلى الصين في عام ،645وعكف على ترجمة األسفار البوذية التي جلبها من الهند ،وأنجز ترجمة
75سفرا في 1335مجلدا .وكتب ((قصة المناطق الغربية ألسرة تانغ)) الذي كان يعتبر سجال
نادرا عن المناطق الغربية وطريق الحرير في ذلك الوقت .عانى شيوان تسانغ من المتاعب
والصعوبات في حجه إلى الغرب لجلب األسفار البوية ،وأثرت قوة إرادته وروحه في األجيال
التالية .وفي رواية ((رحلة إلى الغرب)) التي ُكتبت وفقا لحكايته في رحلته لجلب األسفار ،أصبح
شيوان تسانغ شخصية سحرية يعرفها كل أسرة صينية.
الراهب كوماراجيفا ( ،)413 -344صاحب الفضل في نشر البوذية إلى الشرق .ترهبن
وعمره سبع سنوات فقط ،وتعلم وآمن بالبوذية ،ونشر البوذية في الدول المختلفة في المناطق
الغربية .في عام ،382جاء إلى الصين ،وأشرف على ترجمة األسفار البوذية في تشانغآن ،فتمت
ترجمة 35كتابا في 294مجلدا.
ماركو بولو ،تاجر ومستكشف ،وُ لد في أسرة تعمل بالتجارة في البندقية في إيطاليا .عندما
كان عمره 17سنة ،سافر مع أبيه وعمه إلى الصين عابرا منطقة الشرق األوسط .استغرقت هذه
الرحلة أربع سنوات ،وتجول في الصين لمدة 17سنة .بعد عودته إلى بالده ،دون كتابه ((رحلة
ماركو بولو)) ،الذي سجل فيه ما رأى وما سمع في أغنى دولة شرقية – الصين ،مما أثار تطلعات
األوروبيين إلى الشرق ،أثر تأثيرا عظيما في فتح الخطوط البحرية الجديدة .وقد رسم علماء
الجغرافيا الغرب "خريطة العالم" وفقا لوصفه في الكتاب.
http://www.chinatoday.com.cn/ctarabic/se/2013-12/24/content_586593.htm
14/12/2015