You are on page 1of 5

‫قلعة بال أبواب ‪ ...

‬دور حلب على طريق الحرير‬


‫‪: ‬العدد‬
‫‪11955‬‬
‫اثنين‪2005/10/31 ,‬‬

‫أوالً تمهيد ‪ :‬حلب وأهميتها التاريخية واالستراتيجية‬

‫حلب واحدة من أقدم مدن العالم ‪ ,‬والزالت الحياة تنبض فيها منذ ما قبل العصر الحجري ‪ ,‬وتشير الى‬
‫ذلك المغاير المحفورة تحت المدينة ‪.‬‬

‫تعرضت حلب للتدمير والخراب بفعل الحروب والغزو والزالزل واألوبئة منذ األلف الثالث ق ‪ .‬م ولكنها‬
‫كانت دوما ً تنهض من تحت األنقاض وتستأنف دورة الحياة ‪.‬‬

‫ذكرت حلب في رقم ماري منذ ‪ 2850‬ق ‪ .‬م ‪ .‬ودمرها ريموش األكادي منتصف األلف ‪ 3‬ق م ‪ .‬ثم‬
‫الحثيون أوائل األلف ‪ 2‬ق م ‪ .‬وتعاقب عليها الميتانيون والمصريون القدماء والبابليون واآلشوريون‬
‫والفرس ‪.‬‬
‫ودخلت منذ ‪ 330‬ق م في الدائرة االغريقية وأطلق عليها االغريق تسمية » بيروا « وقد أحبها الفيلسوف‬
‫» أرسطو « ‪ .‬الذي كان يرافق جيوش االسكندر وأقام فيها حتى تعافى من مرضه ألنه تأكد من طيب‬
‫مناخها وصفائه ‪ .‬أعاد سلوقس نيكاتور بناء المدينة وجدد القلعة واستخدمها مقراً عسكريا ً وأنشأ الشارع‬
‫المستقيم في المدينة ‪ 312‬ق م ‪ ,‬هذا الشارع الذي اليزال موجوداً ويمتد من سوق الزرب شرقا ً حتى باب‬
‫انطاكية غربا ً ‪ .‬وتتفرع عنه أسواق حلب المسقوفة وعددها ‪ 39‬سوقا ً ‪.‬‬

‫استمرت عالقة حلب الوثيقة بأوروبا خالل الفترة الرومانية التي بدأت ‪ 64‬ق م على يد » بومبيوس «‬
‫وأصبحت واحدة من المدن الهامة دينيا ً واقتصاديا ً بسبب موقعها الفريد ‪.‬‬

‫وفي الفترة البيزنطية غدت حلب مركز اسقفية مسيحية كبرى ‪ .‬وبنت فيها هيالنه أم االمبراطور‬
‫قسطنطين كاتدرائية عظمى هي اليوم المدرسة الحلوية ‪ .‬وقد تحولت من كاتدرائية الى مدرسة ومسجد‬
‫عام ‪ 1124‬م خالل حصار الصليبيين لمدينة حلب ‪.‬‬

‫ومنذ عام ‪ 636‬م تدخل حلب في العصور االسالمية المتتابعة ‪:‬‬

‫أموي ¯ عباسي ¯ حمداني ¯ سلجوقي ¯ زنكي ¯ أيوبي ¯ مملوكي ¯ عثماني ‪.‬‬

‫خالل كل تلك العصور وآالف السنين بقيت حلب تشكل المركز االقتصادي العالمي الذي يربط بين‬
‫القارات والمحيطات ‪ ,‬وبقيت الطريق البري والدولي الذي تمر به تجارات الحرير والتوابل والمنسوجات‬
‫والعطور ‪ .‬وهذا المركز المتميز تؤثر فيه عوامل كثيرة منها ‪:‬‬

‫خصوبة األراضي الزراعية ‪1 ¯ .‬‬

‫الحجارة الكلسية التي تكسب األبنية قوة وبقاء ‪2 ¯ .‬‬

‫الموقع االستراتيجي الحصين ‪ ,‬وسهولة الحركة شرقا ً وغربا ً ‪3 ¯ .‬‬

‫االتصال باألناضول‪ s‬والجزيرة العربية ‪4 ¯ .‬‬

‫التنوع الحضاري والديمغرافي الذي عرفته المدينة خالل تاريخها ‪5 ¯ .‬‬

‫المركز التجاري بين أوروبا من جهة والشرق األقصى من جهة أخرى ‪6 ¯ .‬‬

‫ورغم الخالفات السياسية بين أوروبا وبين الدول االسالمية المتتابعة ‪ ,‬فان حلب بقيت مركزاً اساسيا ً‬
‫للتجارة العالمية ‪.‬‬

‫ورغم ضراوة الحروب الصليبية فقد شهدت حلب عام ‪ 1207‬م عقد اتفاقية تجارية مع دولة البندقية أيام‬
‫الظاهر غازي األيوبي وهي أول اتفاقية اقتصادية بين أوروبا والشرق األوسط ‪ .‬وتجددت هذه االتفاقية‬
‫في الفترة المملوكية ‪ ,‬وشملت بقية المدن االيطالية الى جانب البرتغال واسبانيا وغيرها ‪.‬‬
‫وخالل العهد العثماني الذي امتد أكثر من ‪ 400‬سنة كانت حلب العاصمة االقتصادية للدولة العثمانية‬
‫الممتدة من الدانوب غربا ً حتى العراق شرقا ً وعلى كل الشمال االفريقي والجزيرة العربية ‪ .‬ويشير‬
‫المؤرخون الى أن ما كان يباع في حلب في يوم واحد كان يحتاج الى ثالثة أشهر ليباع في القاهرة ‪.‬‬

‫وقد عقد السلطان العثماني سليمان القانوني عام ‪ 1535‬اتفاقا ً مع ملك فرنسا فرنسوا األول أدى الى تنشيط‬
‫الجالية الفرنسية في حلب ‪.‬‬

‫تضاعف حجم تجارة حلب خالل ربع قرن من الحكم العثماني عدة مرات وتوسعت األسواق والخانات ‪,‬‬
‫وكثرت القنصليات والجاليات والبعثات التجارية األوروبية والعالمية ‪ /‬ويشير دارفيو قنصل فرنسا في‬
‫حلب ‪ 1680‬الى أن المدينة كان فيها أكثر من ‪ 75‬قنصلية وممثلية تجارية في ذلك الوقت ‪ ,‬وكان سكانها‬
‫‪ 300‬ألف نسمة ‪ ,‬وكانت مثاالً للتسامح وسعة األفق وتعدد الطوائف واألعراق فيها ‪ .‬ومما يجدر ذكره أن‬
‫مدينة حلب تضم ‪ 11‬طائفة مسيحية لكل منها مطرانها وكنائسها ‪ ,‬وتعيش جميعا ً الى جانب المسلمين بكل‬
‫حرية وتسامح وتفاهم ألن الجميع مواطنون سواسية أمام القانون ‪.‬‬

‫تلقت حلب ضربة كبرى بافتتاح قناة السويس ‪ 1869‬الذي حول طريق التجارة العالمي الى طريق بحري‬
‫‪ .‬وفقدت حلب ‪ %93‬من تجارتها ‪.‬‬

‫استقبلت حلب منذ القرن الثالث عشر االرساليات الفرنسيسكانية والكبوشية والكراملية واليسوعية ‪ .‬واذا‬
‫استعرضنا مذكرات وكتابات الرحالة والقناصل والتجار االوروبيين الذي زاروا حلب أو أقاموا فيها‬
‫لرأيناها بالمئات ‪ ,‬ومن أهم الذين تحدثوا عنها ‪:‬‬

‫شكسبير ¯ المارتين ¯ برودويل ¯ فوستر ¯ ماسون ¯ لومانس ¯ دي راولف ¯ دارفيو ¯ فولني ¯‬


‫داندولو ¯ رامبلز ¯ جون دافيد ¯ لورنس ¯ جرنرودبل ‪.‬‬

‫وتركز هذه المذكرات على دور حلب التجاري وتصفها‪ s‬بأنها ‪:‬‬

‫أثينا اآلسيوية ¯‬

‫لندن الصغيرة ¯‬

‫باريس الصغيرة ¯‬

‫أجمل مدن السلطنة وأنظفها ¯‬

‫حلب تفضل القاهرة ¯‬

‫حلب قلعة الشرق ¯‬

‫الحلبيون أحسن شعوب الممالك العثمانية ¯‬


‫حلب بوابة آسيا ¯‬

‫ثانيا ً ¯ حلب والتجارة العالمية عبر التاريخ ‪:‬‬

‫عرفت حلب كمركز على طريق التجارة العالمية منذ األلف الثالث ق ‪.‬م وقد ورد ذلك في نصوص ¯ ‪1‬‬
‫ماري وايبال وآالالخ ‪ .‬وتميز دور حلب ببروزها كقوة سياسية واقتصادية ذات عالقات واسعة ‪ .‬ونشاط‬
‫تجاري يبدأ من الصين شرقا ً ويمتد حتى حلب ومنها الى األناضول والبحر المتوسط ‪.‬‬

‫وفي عهد مملكة يمحاض العمورية في األلف الثاني ق ‪.‬م يتوسع دور حلب التجاري ‪ ,‬وتشير النصوص‬
‫في الرقم الفخارية في ماري وايبال وسواهما الى هذا الدور المركزي الذي يؤكد أهمية موقع حلب‬
‫الزراعي والتجاري الذي جعلها تعود الى الحياة بعد كل تدمير ‪.‬‬

‫ويتأكد هذا الدور خالل عهد ملوك يمحاض ‪ :‬سوموايبوخ ‪ ,‬وياريم ليموحمورابي الحلبي ومن جاء‬
‫بعدهم ‪.‬‬

‫وفي العصور الكالسيكية ‪ ,‬استمرت مدينة حلب مركزاً عالميا ً للتجارة في المرحلة السلوقية ‪ ,‬وقد ¯ ‪2‬‬
‫أطلق عليها السلوقيون تسمية » بيروا « ووسعوها وبنوا الطريق المحوري الذي اليزال باقيا حتى اليوم ‪.‬‬
‫وفي المرحلة الرومانية حافظت حلب على أهميتها كمحطة تجارية تلتقي عندها القوافل من كل‬
‫االتجاهات ‪ :‬الفرات ‪ ,‬األناضول ‪ ,‬الساحل المتوسطي ‪ ,‬وكانت في تلك الفترة مدينة تموج بالحركة‬
‫التجارية ‪ ,‬وبخاصة في فترة ما دعي بالسلم الروماني ‪ .‬وقد تأثرت حلب خالل القرن السادس الميالدي‬
‫بالحروب الطاحنة بين الساسانيين والبيزنطيين ‪.‬‬

‫وفي العصور االسالمية تغدو حلب مدينة ثغور شمالية في العصرين األموي والعباسي وينصب ¯ ‪3‬‬
‫عليها االهتمام كمركز استراتيجي وبوابة سياسية وعسكرية ‪ .‬ولكنها تبلغ ذروة مجدها السياسي واتساعها‬
‫خالل القرن الرابع الهجري في فترة الدولة الحمدانية حينما أصبحت دولة حلب تمتد على مساحة واسعة‬
‫في بالد الشام واألناضول‪ s‬والجزيرة وتوسعت تجارتها ‪ ,‬وأصبحت مقصداً للزائرين والرحالة ‪.‬‬

‫وفي القرن الخامس للهجرة خضعت حلب للنفوذ الفاطمي ثم لدولة بني مرداس والعقيليين والسالجقة ‪,‬‬
‫وفي خالل ذلك كانت التجارة بين مد وجزر حسب الظروف السياسية ولكننا نجد الرحالة يتحدثون عن‬
‫تلك المرحلة باهتمام بالغ ‪.‬‬

‫وكانت تجارة حلب في العصور االسالمية تعتمد على تصدير كثير من المصنوعات‪ s‬المحلية‬
‫كالمنسوجات الحريرية والقطنية ‪ ,‬والقطن والزجاج والورق ‪ .‬واليزال أحد أحياء المدينة يحمل اسم »‬
‫الوراقة « كما كانت تصدر الملح والفستق والزيتون والزيت والصابون والنحاس والعطور واألعشاب‬
‫الطبية والفواكه الطازجة والمجففة ‪.‬‬

‫ومن أطرف صادرات حلب » الثلج « الذي كان يحفظ ويصدر الى العراق ومصر بينما كانت أبرز‬
‫المواد المستوردة التمور والجلود والكتان ‪.‬‬
‫وقد عرفت تلك الفترة توسع األسواق وكثرة الخانات ‪ ,‬وازداد هذا التوسع في العصر األيوبي الذي شهد‬
‫توقيع أول اتفاقية تجارية مع » البندقية « عام ‪ 1207‬وقعها بيترو مارنياني في حلب مع الظاهر غازي‬
‫األيوبي ‪.‬‬

‫واستمرت حلب في العصر المملوكي مركزاً اقتصاديا ً هاما ً ولكنها مع القرن السادس عشر وخالل أقل‬
‫من نصف قرن على بداية العهد العثماني تقفز مساحتها وأسواقها وخاناتها قفزات كبيرة ‪ .‬فقد غدت‬
‫تتوسط دولة مترامية األطراف تمتد من الدانوب غربا ً حتى العراق شرقا ً ‪ ,‬وجعلها هذا االمتداد تتفوق‬
‫على سائر المدن المنافسة بحيث غدت العاصمة االقتصادية للدولة العثمانية ‪ .‬وغدت الطريق االجباري‬
‫لقوافل الحرير والمنسوجات والعطور والتوابل بين أوروبا والشرق األقصى ‪ ,‬وتمتع هذا الطريق باألمن‬
‫والحراسة ‪ ,‬وكانت القوافل‪ s‬تفد اليها من بغداد والبصرة وفارس والهند والصين واألناضول واستانبول ‪.‬‬

‫‪: ‬الفئة‬
‫قلعة بال أبواب‬
‫‪: ‬الكاتب‬
‫محمد قجة‬
‫‪http://jamahir.alwehda.gov.sy/node/303062‬‬

‫‪14/12/2015‬‬

You might also like