You are on page 1of 14

‫المطمب الثاني‪ :‬التعريف المغوي لمحضارة في المغتين العربية واألجنبية‬

‫في المغة العربية ُيقال‪ :‬حضر يحضر فيو حاضر من الحضور أي التواجد‪ ،‬وقد استخدم لفظ‬
‫الحضارة قدرىا سيكسر الحاء وفتحيا لإلشارة إلى اإلقامة في الخضر" ‪1‬وىو خالف البادية‪،‬‬
‫ثم أجاز مجمع المغة بالقاىرة أن يطمق لفظ الحضارة عمى كل مرحمة سامية من مراحل‬
‫التطور اإلنساني"‪ ،‬وعمى "مظاىر الرقي العممي والفني واألدبي واالجتماعي في الخضر‪،‬‬
‫إضافة إلى المعنى المتقدم‪ ،‬وكل ما اشتق من الجذر السابق لم يكن يخرج عن معنى‬
‫الحضور واالستقرار والمدينة و البادية‪.‬‬

‫استنتاج‪ :‬ما يستنبط من التعاريف المغوية المتعمقة بمفيوم "الحضارة"‪ ،‬ىو أنيا ارتكزت عمى‬
‫الجانب السوسيولوجي‪ ،‬و كأنيا تشير إلى أن الحضارة مفيوم اجتماعي منذ نشأتو ‪ ،‬حيث ال‬
‫تقوم حضارة عمى الصعيد الفردي؛ بل عمى مجموعة من العالقات االجتماعية المثمرة‪ ،‬وما‬
‫ينعكس من صور التبادل واإلنتاج والتعاون والتنظيم‪ ....‬الحضارة في المغة العربية ‪ .‬اإلقامة‬
‫في الحضر ‪----‬الحضور الشيادة‪ ----‬االستقرار التعمير ‪----‬الحياة االجتماعية‪.‬‬

‫أما تعريف الحضارة في المغة األجنبية‪ ،‬فإننا نجد أصميا منبثقا من الجذر الالتيني ‪siviC‬‬
‫‪ siviviC/siviviC/‬ونجد أن الكممة ظيرت في المغة الفرنسية في عصر األنوار‪ ،‬عام‬
‫‪1734‬م‪ ،‬وىي مشتقة من صفة "‪ viviCusi‬متحضر‪ ،‬ومن الفعل "تحضر "‪ .siviviCuc‬في‬
‫القرن الثالث عشر ميالدي وكميا تعني مدني – مواطن ساكن المدينة و ما ىو خالف‬
‫الوحشية والتخمف واليمجية‪ ،‬ومنو كانت سمات الرجل المتحضر تعني صفات الرجل االوربي‬
‫في القرن الثامن عشر الميالدي‪.‬‬

‫(ابن منظور) جمال الدين ‪ :‬لسان العرب‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار الحديث ‪( 2 2/485 ،2003‬أنيس) إبراىيم‬ ‫‪1‬‬

‫وآخرون ‪ :‬المعجم الوسيط‪ ،‬اسطنبول‪ ،‬المكتبة اإلسالمية‪ ،‬د‪.‬ت ‪1/181‬‬


‫استنتاج‪ :‬مظاىر الرقي العممي و األخالقي وبالعودة إلى ما ورد في المادة المغوية‬
‫المعروضة في المغة الفرنسية حول مفيوم الحضارة تجدىا ال تخرج عن معنى التطور و‬
‫الرقي و االزدىار الفكري والعممي و األخالقي و االجتماعي‪ .‬و بالنظر إلى الفترة التاريخية‬
‫التي راج فييا المفيوم خالل "ق‪18‬م" نستنتج أنيا مرحمة السيطرة األوربية االستعمارية عمى‬
‫العالم في جميع الميادين‪ ،‬ومنو نستنتج أن المفيوم قد شيد البذور األولى لممركزية األوربي‬
‫الغربية والدليل عمى ذلك ما ورد في قاموس "‪ " eicuoCCu‬أن الحضارة ‪" :‬مجموعة الميزات‬
‫والقيم الشاىدة عمى درجة التقدم اإلنساني‪ ،‬وتطور المجتمعات الحضارة في المغة الفرنسية ‪-‬‬
‫‪ ---- siviviCiviuC‬مظاىر التقدم ‪---‬مظاىر التفوق—‬

‫وكأن التعريف قد تجاوز معطيات الحضارة إلى معنى العولمة " ‪.1" nuCtiiviCiviuC‬‬

‫" ثم معنى الكونية" أوما اصطمح عميو حضارة الكوكب األزرق‪ ،‬أي حضارة مشتركة ومتحدة‬

‫بين الشعوب جميعيا‪.‬‬

‫أما في المغة اإلنكميزية فالحضارة ‪ siviviiiviuC‬تشير إلى "مرحمة متقدمة من التنمية‬


‫االجتماعية اإلنسانية مع مستوى عال من الفن والدين والعمم والحكم والمغة المكتوبة ‪ ..‬إلخ"‬
‫كما تشير إلى "سمة المجتمع المتقدم في مكان وزمان معينين"‪.‬‬

‫ويذىب بعض الباحثين إلى المعنى السابق ‪ ،‬ويرى بدوي من الجية االصطالحية‪-‬‬
‫أنو ليس ثمة فارق بين تعريفي الثقافة والحضارة من الوجية األنثروبولوجية المطمقة‪ .‬غير أن‬
‫البعض يرى الحضارة ثقافة معممة‪ ،‬امتدت خارج خصوصيتيا المجتمعية المحددة‪ ،‬وأخذت‬
‫ويالحظ ىنا أن‬
‫تتسيد وتفرض نفسيا بالمعنى الشامل في عصر أو مرحمة تاريخية معينة‪ُ ،‬‬

‫‪( 1‬بدوي) أحمد زكي معجم ‪ .‬مصطمحات العموم االجتماعية‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ ،‬مكتبة لبنان‪ ،1982 ،‬ص‪62‬‬
‫( لبيب) فخري ‪ :‬صراع الحضارات أم حوار الثقافات القاىرة‪ ،‬منظمة تضامن الشعوب اإلفريقية األسيوية‪،‬‬
‫‪ ،1990‬ص ‪.80‬‬
‫ىذه الرؤية تفترض عدة مستويات ثقافية في أي جماعة إنسانية‪ ،‬تكون حضارة الجماعة ىي‬
‫المستوى األقوى من ىذه المستويات جميعا‪ .‬نضرب عمى ذلك مثاال لما يحدث في سيل‬
‫البنجاب باليند أين تعيش طائفة كبيرة من الثقافات المختمفة باختالف الطبيعة الدينية‬
‫والعرقية في إطار واحد‪ ،‬والحقيقة أن نموذج سيل البنجاب ىذا يعد أحد النماذج المشيورة‬
‫عمى ما يسمى بتعايش الحضارات ‪ ،‬ومع ذلك فإن الواقع الذي ُيختمف حولو ىو أن ىذه‬
‫الثقافات المختمفة تعيش جميعا في إطار حضارة واحدة ىي الحضارة اليندية‪ ،‬وىكذا تمارس‬
‫الفن والصناعة والديمقراطية دون تمايز بين عناصرىا‪.‬‬

‫ٍ‬
‫ثقافات أكثر من كونيا ثقافة عامة‬ ‫وبناء عمى ذلك فإن الحضارة يمكن أن تعد وعاء‬
‫قاىرة في مقابل ثقافات أخرى مقيورة وجزئية‪ ،‬وتقترب ىذه النتيجة مما وصل إليو المفكر‬
‫األلماني ألبرت اشفيتسر في كتابو "فمسفة الحضارة"‪ ،‬إذ يرى أن الحضارة ىي بذل المجيود‬
‫بوصفنا كائنات إنسانية من أجل تكميل النوع اإلنساني وتحقيق التقدم ‪ ،"..‬وفكرة تكسيل النوع‬
‫اإلنساني تمك ‪ .‬ىي ما يتخذ لإلشارة إلى أن الحضارة وعاء ثقافات"‪.‬‬

‫أما النظرية القائمة بتسيد ثقافة عمى األخريات لتصبح ىي الحضارة في أي أمة من‬
‫األمم‪ ،‬فإنيا أخي ار إلى أن الحضارات العالمية كذلك تتصارع‪ .‬وعمى الرغم من المحاوالت‬
‫الكثيرة لعولمة العالم وفرض الحضارة الواحدة عميو‪ ،‬فإن مسألة التباين الحضاري قائمة إلى‬
‫يومنا ىذا‪.‬‬
‫المطمب الثاني‪ :‬الداللة االصطالحية لمحضارة‬

‫تعريف عبد الرحمن بن خمدون‬

‫يقول ابن خمدون‪" :‬الحضارة نياية العمران وخروجو إلى الفساد ونياية الشر والبعد عن‬
‫الخير"‪ . 1‬فالحضارة بالمعنى الخمدوني مرافقة لممدنية‪ ،‬حيث إنيا تعني درجة عالية من‬
‫التقدم‪ ،‬التي تبمغو األمم التي تنتقل من مستوى الفساد إلى مستوى الالتعقل مارة بشيء من‬
‫الرفو لتكمل دورة حضارية ثم تعود من جديد إلى حالتيا األولى التي كانت عمييا ‪ ..‬وىي‬

‫ايضا‪" :‬أحوال عادية زائدة عمى الضروري من أحوال العمران زيادة تتفاوت بتفاوت الرفو‬
‫‪2‬‬
‫المادي‪"...‬‬

‫تطورت فمسفة التاريخ عند المسممين انتقل مفيوم الحضارة من التفسير البطولي إلى‬
‫التفسير العممي‪ .‬وما يظير من القول السابق ىو ان الحضارة في نظر ابن خمدون مرحمة‬
‫من الرقي تمنح اإلنسان تفكي ار مبدعا‪ ،‬يتج أر من خاللو عمى اإلنجازات الخالدة‪ ،‬كالعمران‬
‫وحسن التصرف ثم يتدرج منحد ار إلى الالحضارة متى يحين موعد السقوط والتولي‬
‫واالنحطاط‪.‬‬

‫تطورت فمس فة التاريخ عند المسممين انتقل مفيوم الحضارة من التفسير البطولي إلى التفسير‬
‫العممي‪.‬‬

‫وما يظير من القول السابق ىو ان الحضارة في نظر ابن خمدون مرحمة من الرقي تمنح‬
‫اإلنسان تفكي ار مبدعا‪ ،‬يتج أر من خاللو عمى اإلنجازات الخالدة‪ ،‬كالعمران وحسن التصرف ثم‬
‫يندرج منحد ار إلى الالحضارة متى يحين موعد السقوط والتولي واالنحطاط‪.‬‬

‫فالحضارة دورة مكتممة تبدأ من النيوض والتعقل‪ ،‬فاإلبداع واالزدىار والتشيع واالستقرار‬
‫والرفعة ثم الخمد إلى معطيات الغناء والنكوس من ترقب وفساد واستبداد‪ ،‬ومنو إلى‬

‫‪1‬‬
‫ابن خلدون‪ ،‬مقدمة ابن خلدون لكتاب ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان األكبر‪ ،‬دار الفكر ‪،7112‬‬
‫بيروت‪ ،‬ص‪.032‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.511‬‬
‫االضمحالل والزوال‪ .‬يعد ابن خمدون من المفكرين القدامى الذين أناروا الفكر اإلنساني بعمق‬
‫نظرتيم وموسوعيتيم‪ ،‬فيو واحد من الذين استخدموا التحميل العقمي في دراسة الحضارة‬
‫ومقوماتيا‪ .‬إذ يظير لنا ذلك من خالل توظيفو لممذىب العقمي في طرح أفكاره‪ ،‬حين أكد‬
‫عمى ضرورة المزج بين المجالين العقمي والنقمي االعتراف بالقوانين األلفية والطبيعية والعمل‬
‫عمى التخمين البشري في مواجية األزمات والحدي المشكالت‪ .‬ويمكننا توضيح الفكرة بالمثال‬
‫التالي‪:‬‬

‫التعرض لظروف طبيعية معينة‪ ،‬كالجفاف أو الزالزل ينتج عنو صعوبة تحقق عممية‬
‫الزراعة‪ ،‬واالكتفاء الذاتي في الغذاء والنتيجة الحاجة إلى االستعانة بحمول عقمية بشرية "بناء‬
‫السدود‪ ،‬االدخار‪ ،‬االستيراد باالعتماد عمى األمم األخرى ضعفا"‪ .‬يظير أن التأسيس العممي‬
‫المتنوع الروافد قد ساعده في صياغة متعددة االتجاىات‪ .‬فيواذ يقدم المفيوم بداللتو‬
‫االصطالحية يعطي وجية نظر المؤرخ واالقتصادي وعالم االجتماع‪.‬‬

‫إذن الحضارة في التفكير الخمدوني مجموع العوامل المحققة لالستقرار بأنواعو المزج‬
‫بين القوانين االليية والعقمية مزجا ايجابيا ‪ /‬الوصول إلى مستوى االستفحال متمثال في قدرة‬
‫األمة عمى مواجية األزمات المسات من اإلبداع البشري كالعمران ‪ /‬قضا عمر من العطاء‬
‫والتميز واالرتق اء ثم التحول إلى مستوى أدنى بعد إتمام دورة مكتممة‪ /‬تغيير مستمر لظروف‬
‫الحياة في الميادين المختمفة‪.‬والتعقل‪ ،‬فاإلبداع واالزدىار والتشيع واالستقرار والرفد تم تخمد‬
‫إلى معطيات الفناء والتكوس من ترف وفساد واستبداد‪ ،‬ومنو إلى االضمحالل والزوال‪ .‬بعد‬
‫ابن خمدون من الم فكرين القدامى الذين أناروا الفكر اإلنساني بعمق نظرىم وموسوعيتيم‪ ،‬فيو‬
‫واحد من الذين استخدموا التحميل العقمي في دراسة الحضارة ومقوماتيا ‪.‬‬

‫استنتاج‪ :‬الحضارة في التفكير الخمدوني مجموع العوامل المحققة لالستقرار بأنواعو المزج‬
‫بين القوانين االليية والعقمية مرجا ايجابيا ‪ /‬الوصول إلى مستوى االستفحال متمثال في قدرة‬
‫األمة عمى مواجية األزمات المسات من اإلبداع البشري كالعمران قضا عمر من ا العطاء‬
‫والتميز واالرتقاء ثم التحول إلى مستوى أدنى بعد إتمام دورة مكتممة ‪ /‬تغيير مستمر لظروف‬
‫الحياة في الميادين المختمفة‪ .‬ب الحضارة في فكر مالك بن نبي‪ :‬قدم المفكر والفيمسوف‬
‫الجزائري مالك بن نبي تعاريف شتى لمحضارة من مستويات مختمفة‪.‬‬

‫فكرة الحضارة لدى أرنولد تويني‪:‬‬

‫مثمت الحضارة اىم مجاالت الدراسة التاريخية وقد جعميا محر الدراسات التاريخية في‬
‫موسوعتو ‪ . uv tiCvucs Cvots‬وقد تطورت دراسة التاريخ بعد العصور الوسطى حيث اخذ‬
‫اصبح لو منيجو وأصوليا لمعوالم الداللة" مع األفكار ‪ +‬ع األشخاص ع األشياء " عناية‬
‫واعية بالمراتب المسؤولة عن تماسك المجتمع‪.‬‬

‫وأل ن التاريخ بحاجة إلى مناىج الفكر الفمسفي فقد اتسع مجال فمسفة التاريخ‬
‫حتىاصبحت مصطمحا يشير الى جانبين مختمفين من جوانب دراسة التاريخ الجانب األول‬
‫يتعمق بدراسة مناىج البحث فيو من الوجية الفمسفية وىذه الدراسة تنضمن – في جممتيا –‬
‫الفحص النقدي الدقيق وىو يدخل في مجال النشاط التحميمي‪ ،‬واما الجانب اآلخر فيو النشاط‬
‫التركيبي وفيو يبحث الدارس عن اشمل راي يمكن من تفسير معنى الحياةة ىدفيا حيث‬
‫تكتمل بو نظرة شاممة الى الوجود أو صورة كاممة عن الكون والحياة‪ .‬ومن خالل ذلك نصل‬
‫الى تحديد الموقع الحقيقي لمحضارة وفمسفتيا بين كل من التاريخ والفمسفة فيي تقع في‬
‫المنتصف بينيما‪ .‬كما نجد أن توينيي يركز في دراستو لمحضارة عمى النزعة الدينية‪ .‬فيو يرد‬
‫الحضارات إلى األديان ذلك أن االمبراطوريات ليست المقياس األمثل في تفسير الحضارات‪.‬‬
‫بل ىي الفكرة الدينية والتي تقوم عمييا فكرة تويني التارخية بكامميا‪ ،‬وانما الحضارة تنطمق‬
‫منيا‪ .‬وبأن المجتمعات البشرية كل متماسك حيث إن الحضارة السميمة شيء متكامل‬
‫فنشاطيا اإلقتصادي ال ينفصل عن مقاييسيا الخمفية‪ ،‬ومنو يبدو ان لمفكرة الدينية أىميتيا في‬
‫تفسير تويني لمحضارة وشروط قياميا‪ .‬وال يعتد بمقياس التوسع االمبراطوري لبناء الحضارة‬
‫أي القوة والتوسع‪ ،‬إذ تمجا االقمية المسيطرة إلى التوسع حينما تفقد مقومات اإلبداع وذلك‬
‫عمى خالف األديان وتأثيرىا إذ وراء كل حضارة من الحضارات القائمة ديانة عالمية‪.‬‬
‫فالعقائد الدينية ىي التي تسير مجرى التاريخ‪ .‬مثال ذلك الحضارة الغربية "األوربية‬
‫واألمريكية" المسيحية والحضارة الشرقية "روسيا والبمقاد" األرثوذكسية والحضارة اإلسالمية‬
‫اإلسالم ‪....‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬المظاهر الحضارية وأبرز الحضارات و المشاهد الحضارية‬

‫المطمب األول‪ :‬المظاهر الحضارية‬

‫فالحضارة كما سبق وأن ذكرنا ىي كممة تصف مرحمة متقدمة من المجتمعات البشرية‬
‫متطورة من منظماتيا االجتماعية وثقافتيا وطريقة وأسموب حياتيا في فترة‬
‫ّ‬ ‫تتضمن أشكاالً‬
‫زمنية معينة‪ ،‬وىي تشمل جميع الجوانب كالزراعة والصناعة واألعراف االجتماعية المشتركة‬
‫وطريقة الحكم والقانون والفنون وغيرىا‪ ،‬كما أنيا تشمل الجانبين الروحي والمادي معاً‪ ،‬وقد‬
‫تطورت الحضارات المبكرة بين ‪ 4000‬و‪ 3000‬قبل الميالد‪ ،‬وذلك عندما ازدىرت الزراعة‬
‫والتجارة والمين واالىتمامات األخرى المختمفة‪ ،‬وقد ظيرت الحضارات ألول مرة في بالد ما‬
‫بين النيرين (العراق) والحقًا في مصر ثم ازدىرت في وادي السند والصين وأمريكا الوسطى‬
‫(المكسيك)‪ ،‬وفي نياية المطاف يمكن القول بأن الحضارات تطورت وازدىرت في جميع‬
‫القارات باستثناء القارة القطبية الجنوبية‪.‬‬

‫مظاهر الحضارة اإلنسانية‪:‬‬

‫متطورة وان كان ىناك جدل بين العمماء عمى‬


‫ّ‬ ‫تعرف عمى أنيا ثقافةٌ‬
‫إذاً فالحضارة اإلنسانية ّ‬
‫تحديد ما ىو متطور وما ىو غير ذلك مما يجعل إطالق مسمى الحضارة عمى ثقافة معينة‬
‫أكثر صعوبة‪ ،‬إال أنو من الميم أن يتم تناول المظاىر التي تتميز بيا الحضارة اإلنسانية‬
‫والتي تتمثل فيما يمي‪:‬‬

‫المظهر السياسي‪:‬‬

‫ىناك عدة جوانب ييتم المظير السياسي فييا نذكر من أىميا ما يأتي‪:‬‬

‫طورتيا المجتمعات لمحكم‬


‫يبحث في كل الجوانب السياسية لمحضارات كاألنظمة التي ّ‬
‫والتشريع فييا‪ ،‬والحكومات التي يرجع سبب ظيورىا تاريخياً إلى الحاجة لمحفاظ والدفاع عن‬
‫الموارد الغذائية التي تستخدميا المجتمعات واستدامتيا‪ ،‬والحاجة أيضاً إلى الحصول عمى‬
‫الحماية ا لكافية لممجموعة‪ ،‬باإلضافة إلى الحاجة إلى التنظيم كانت كميا حاجات أصبحت‬
‫ممحة مع التزايد المطّرد في أعداد الناس‪.‬‬
‫ّ‬

‫ييتم المظير السياسي أيضاً بدراسة أشكال الحكومات والتي يظير أنيا كانت في الماضي‬
‫عادةً تحت قيادة المموك والممكات الذين نظموا الجيوش لحماية شعوبيم‪ ،‬ووضعوا القوانين‬
‫ٍ‬
‫أشكال أخرى عبر الزمن‬ ‫لتنظيم حياة رعاياىم ومواطنييم‪ ،‬ثم تطورت ىذه الحكومات إلى‬
‫وحتى يومنا ىذا‪.‬‬

‫وأخي اًر فيو يبحث في ىياكل الحكم واإلدارة وأنواع الحكومات دستورية أم مطمقة‪ ،‬ممكية أم‬
‫جميورية‪ ،‬والمؤسسات اإلدارية والمحمية التي تنتمي إلى المجتمع‪.‬‬

‫المظهر االقتصادي‪:‬‬

‫نذكر من الجوانب التي ييتم المظير االقتصادي بيا ما يأتي‪:‬‬

‫ئيسي ومباشر‪ ،‬ويساىم في‬ ‫ٍ‬


‫بشكل ر ٍ‬ ‫الحكم‬
‫يعد المتح ّكم في موازين القوى و ُ‬
‫إن اقتصاد الدول ّ‬
‫الرفع من شأن الحضارات ودفعيا نحو القمة أو نحو الياوية‪ ،‬ومن ىنا تأتي أىمية ىذا‬
‫المظير فيو يبحث في الجوانب المتعمقة باقتصاد الحضارات وتفاصيل ذلك كالمصادر التي‬
‫مقدراتيا ومواردىا‪.‬‬
‫تجمع منيا الثروة والطريقة التي تدير بيا ّ‬

‫يبحث المظير االقتصادي في وسائل اإلنتاج الزراعي والتجارة وتبادل المنتجات ووسائل‬
‫اإلنتاج الصناعي أيضاً والسموكيات االقتصادية لألفراد كاالستيالك واالدخار واالستثمار‬
‫وغيرىا‪.‬‬

‫المظهر االجتماعي‪:‬‬

‫نذكر من الجوانب التي يبحث فييا المظير االجتماعي ما يأتي‪:‬‬

‫يبحث في الييكمية التي تتشكل وتُبنى منيا المجتمعات وأنظمتيا وييتم أيضاً بدراسة الجوانب‬
‫المتعمقة بالعائمة والمرأة واآلداب واألعياد‪.‬‬
‫كما ُيعنى بطبقات المجتمع والتي انقسمت تاريخياً حسب القوة االقتصادية في كثير من‬
‫الحضارات فكانت لدينا الطبقات المختمفة كاألسياد والعبيد والطبقات المتوسطة بينيما وقد‬
‫تغيرت أشكال ىذه الطبقات ومسمياتيا حسب المجتمعات واألزمنة وصوالً إلى اليوم والتي‬
‫يغطييا جميعاً ىذا الجانب‪.‬‬

‫المظهر الفكري‪:‬‬

‫ييتم المظير الفكري بدراسة عدة جوانب نذكر منيا ما يأتي‪:‬‬

‫ييتم بالموروث الفكري لممجتمعات وغالباً ما يدرس تمك المكتوبة منيا فقد استخدمت‬
‫الحضارات األولى الكتابة كطريقة لمتعبير اإلبداعي وكانت ىذه أول األعمال األدبية في‬
‫العالم‪.‬‬

‫كما ييتم أيضاً بكل ما أنتجتو المجتمعات في مختمف الحقول الفكرية من فمسفة وأدب وعموم‬
‫ومنطق وغيرىا‪.‬‬

‫المظهر الفني‪:‬‬

‫يبحث المظير الفني في مجموعة من الجوانب نذكر منيا ما يأتي‪:‬‬

‫الفنون التي مارستيا المجتمعات كالنحت والموسيقى والعمارة والرسم وغيرىا بصفتيا شكالً‬
‫ميماً من أشكال التعبير‪.‬‬

‫ييتم بالجانب المعماري أيضاً ويشمل من خاللو كل ما قام المعماريون ببنائو من معابد وأبنية‬
‫وأيضاً ما شيدوه من آثار ال زالت ماثمةً وحاضرةً لمعيان‪.‬‬

‫كما يبحث في األعمال الفنية والنتاج اإلبداعي الذي ظير في المجتمعات كالموحات‬
‫والمجسمات والتماثيل حيث استخدميا الفنانون لتصوير قصص الطبيعة وتاريخ األمم‬
‫وحكاياىا وأمجادىا‪.‬‬
‫المطمب الثاني‪ :‬أبرز الحضارات‬

‫تاريخ البشرية يمتد آلالف السنين‪ ،‬وقد شيدت العديد من الحضارات الميمة التي تركت‬
‫بصمتيا في التاريخ‪ .‬فيما يمي أبرز الحضارات بالتفصيل‪:1‬‬

‫‪ .1‬حضارة سومر‪ :‬تعتبر حضارة سومر أول حضارة ظيرت في منطقة الشرق األدنى‬
‫القديم في جنوب العراق حوالي ‪ 4500‬قبل الميالد‪ .‬وكانت تعتمد عمى الزراعة والري‬
‫والتجارة‪ ،‬وقد أسس السومريون أول الكتابات المعروفة (الكتابة السومرية) وبنوا أول‬
‫المدن والمعابد والمدافن‪.‬‬

‫‪ .2‬حضارة مصر القديمة‪ :‬تعد حضارة مصر القديمة واحدة من أعظم الحضارات في‬
‫التاريخ‪ ،‬وقد استمرت ألكثر من ‪ 3000‬سنة‪ .‬كانت تعتمد عمى نير النيل والزراعة‪،‬‬
‫وتطورت في مجاالت مثل اليندسة والعمارة والفنون والطب‪.‬‬

‫‪ .3‬حضارة اليندوس‪ :‬تعتبر حضارة اليندوس واحدة من أقدم الحضارات في العالم‪،‬‬


‫المتفرد‬
‫ِّ‬ ‫وتعود تاريخيا إلى حوالي ‪ 2500‬قبل الميالد‪ .‬تتميز بنظاميا االجتماعي‬
‫(النظام اليندوسي) الذي يستند إلى الطبقات االجتماعية (الكاستات)‪ ،‬وتشتير‬
‫بالفمسفة والديانة والعموم‪.‬‬

‫‪ .4‬حضارة الصين القديمة‪ :‬تعد حضارة الصين القديمة واحدة من أقدم الحضارات في‬
‫شرق آسيا‪ ،‬وتمتد تاريخيا ألكثر من ‪ 5000‬سنة‪ .‬تشتير بتطورىا في مجاالت مثل‬
‫الزراعة والعمارة والفنون والفمسفة‪ ،‬وقد ساىمت بشكل كبير في تطور العديد من‬
‫االبتكارات واالختراعات مثل الورق والبوصمة والبارود‪.‬‬

‫‪ .5‬حضارة اإلغريق القديمة‪ :‬تعتبر حضارة اإلغريق القديمة واحدة من أىم الحضارات‬
‫في عصور قديمة‪ ،‬وتمتد تاريخيا من القرن الثاني عشر قبل الميالد حتى القرن الرابع‬
‫قبل الميالد‪ .‬تشتير بتطورىا في مجاالت مثل الفمسفة واألدب والعمارة والرياضة‪ ،‬وقد‬
‫ساىمت في تشكيل الثقافة الغربية‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫انظر محمود شاكر‪ ،‬موسوعة الحضارات القديمة والحديثة‪ ،‬ج‪ ،0‬ص‪.72‬‬
‫ىذه فقط بعض الحضارات الميمة التي تركت بصمتيا في التاريخ‪ ،‬وىناك العديد من‬
‫الحضارات األخرى التي ليا أىميتيا الخاصة‪.‬‬

‫المطمب الثالث‪ :‬أهم المشاهد الحضارية‬

‫تعد المشاىد الحضارية من أىم المظاىر التي تعبر عن تطور المجتمعات البشرية وتركت‬
‫بصمات في التاريخ‪ .‬وفيما يمي بعض المشاىد الحضارية البارزة بالتفصيل‪:1‬‬

‫‪ -1‬بناء األىرامات في مصر القديمة‪ :‬تُعتبر األىرامات من أعظم اإلنجازات اليندسية في‬
‫التاريخ‪ ،‬حيث تم بناءىا في العصور القديمة لتكون مقابر لمفراعنة‪ .‬تتميز بتصميميا‬
‫الدقيق واستخدام التقنيات المعمارية المذىمة‪.‬‬

‫‪ -2‬مدينة بومبي باإلمبراطورية الرومانية‪ :‬تعتبر مدينة بومبي في إيطاليا من أىم اآلثار‬
‫حاليا‪ .‬تعرضت المدينة لثوران بركاني في القرن األول قبل‬ ‫ً‬ ‫الرومانية المحفوظة‬
‫الميالد مما أدى إلى دفنيا تحت الرماد البركاني‪ .‬تم اكتشاف المدينة في القرن الثامن‬
‫عشر‪ ،‬وىي اليوم تعرض مقتنيات وآثار الحضارة الرومانية‪.‬‬

‫‪ -3‬اإلمبراطورية الصينية العظمى‪ :‬تعتبر الصين من أقدم الحضارات في العالم‪ ،‬وقد‬


‫شيدت الكثير من المشاىد الحضارية الميمة‪ .‬يعود تاريخ الحضارة الصينية إلى‬
‫آالف السنين‪ ،‬ومن أبرز المشاىد الحضارية فييا تشييد الجدار العظيم‪ ،‬وتصنيع‬
‫الفخار والخزف‪ ،‬وتطوير الطب الصيني التقميدي‪.‬‬

‫‪ -4‬األكروبوليس اليونانية‪ :‬تُعتبر األكروبوليس في اليونان من أىم المعابد القديمة التي‬


‫يعود تاريخيا إلى العصور القديمة‪ .‬يتميز بوجود مجموعة من المعابده عمى قمة‬
‫التمة‪ ،‬ويتميز بالعمارة والنقوش الجميمة التي تعبر عن الفن اإلغريقي القديم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫انظر محمد سعيد حمدان‪ ،‬الحضارات البشرية ومنجزاتها‪ ،7101 ،‬الشركة العربية المتحدة للتسويق و التوريدات‪ ،‬ص‪.14-13‬‬
‫‪ -5‬الحضارة اإلسالمية في األندلس‪ :‬تعتبر األندلس المرحمة اإلسالمية في جنوب إسبانيا‬
‫مركز لمعموم والثقافة‬
‫ًا‬ ‫من أىم المشاىد الحضارية التي شيدتيا أوروبا‪ .‬كانت األندلس‬
‫والفنون‪ ،‬وقد تميزت بالعمارة اإلسالمية الرائعة مثل القصور والمساجد والحدائق‪.‬‬

‫ىذه مجرد بعض المشاىد الحضارية البارزة التي يمكن ذكرىا‪ ،‬وىناك العديد من المشاىد‬
‫األخرى التي تعكس تطور الحضارات البشرية عمى مر التاريخ‪.‬‬
‫خاتمة‬

‫في النياية يمكن القول بأن الحضارة ىي نتاج الثقافة والتطور والتواصل بين‬
‫البشر ‪ ،‬إنيا العالمة المميزة لتطور المجتمعات وتقدميا في مختمف المجاالت مثل‬
‫العموم والفنون والتكنولوجيا والعمارة واألدب وغيرىا‪.‬‬

‫تزخر الحضارة بالفكر واالبتكار والتعاون‪ ،‬وىي تعكس قدرة اإلنسان عمى التكيف‬
‫واالستفادة من موارده الطبيعية وتحويميا لصالحو‪.‬‬

‫تساىم الحضارة في تطوير البشرية وتعزز التواصل والتفاىم بين الثقافات المختمفة‪.‬‬

‫عمى الرغم من أن كل حضارة تحمل خصوصياتيا ومبادئيا المميزة‪ ،‬إال أنيا‬


‫تتشابو في بعض الجوانب األساسية مثل التعايش السممي واحترام حقوق اإلنسان‬
‫وتقدير العمم والمعرفة فالحضارة تعمم اإلنسان وتقدير العمم والمعرفة‪ ،‬فالحضارة‬
‫تعمم اإلنسان قيم الحرية والعدالة والمساواة‪.‬‬

‫فالحضرة ىي إرثنا الذي نتركو لألجيال القادمة لذا يجب أن معمل عمى تعزيز‬
‫القيم اإلنسانية األساسية والعمل عمى تحقيق التقدم والتطور بشكل شامل وعادل‪،‬‬
‫فيي رمز اليوية اإلنسانية وسبيمنا لمتعبير عن أنفسنا وتحقيق إمكاناتنا الكاممة‪.‬‬
‫قائمة المراجع‬

‫‪ ‬أحمد شمبي ‪ ،‬موسوعة التاريخ اإلسالمي ‪ ،‬مكتبة النيضة المصرية ‪ 13 /‬لعام‬


‫‪ ،1988‬ج‪.1‬‬
‫‪ ‬محمد عبد المنعم خفاجي األدب األندلسي التطور والتجديد دار الجيل بيروت ط‪1‬‬
‫لعام ‪1992‬م‪.‬‬

‫‪ ‬عمر فروخ‪ ،‬تجديد التاريخ في تعميمو وتدوينو‪ ،2017 ،‬دار الباحث‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ ‬حسين مؤنس ‪ ،‬التاريخ والمؤرخون‪ ،‬دار المعارف‪.1985 ،‬‬
‫‪( ‬ابن منظور) جمال الدين ‪ :‬لسان العرب‪ ،‬القاىرة‪ ،‬دار الحديث ‪2 2/485 ،2003‬‬
‫(أنيس) إبراىيم وآخرون ‪ :‬المعجم الوسيط‪ ،‬اسطنبول‪ ،‬المكتبة اإلسالمية‪ ،‬د‪.‬ت‬
‫‪.1/181‬‬
‫‪( ‬بدوي) أحمد زكي معجم ‪ .‬مصطمحات العموم االجتماعية‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪ ،‬مكتبة‬
‫لبنان‪ ،1982 ،‬ص‪ ( 62‬لبيب) فخري ‪ :‬صراع الحضارات أم حوار الثقافات القاىرة‪،‬‬
‫منظمة تضامن الشعوب اإلفريقية األسيوية‪.1990 ،‬‬

‫‪ ‬ابن خمدون‪ ،‬مقدمة ابن خمدون لكتاب ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر‬
‫ومن عاصرىم من ذوي السمطان األكبر‪ ،‬دار الفكر ‪ ،2007‬بيروت‪.‬‬
‫‪ ‬محمود شاكر‪ ،‬موسوعة الحضارات القديمة والحديثة‪ ،‬ج‪.1‬‬
‫‪ ‬محمد سعيد حمدان‪ ،‬الحضارات البشرية ومنجزاتيا‪ ،2010 ،‬الشركة العربية المتحدة‬
‫لمتسويق و التوريدات ‪.‬‬

You might also like