Professional Documents
Culture Documents
شفيق
كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية
يمثل عبد الرحمان ابن خلدون ( )1332-1406نقطة مضيئة في تاريخ الفكر االجتماعي بشكل عام.
نشأت أسرته باألندلس ،ثم انتقل بعد ذلك إلى تونس .فعاش متنقال بين أقطار الشمال اإلفريقي والمشرق
العربي ،من أجل تلقي العلم والمعرفة .وقد اعتبره الكثيرون " أكبر مفكر اجتماعي ظهر في الفترة
الفاصلة بين زمن أرسطو وزمن ماكيافلي".1
درس ابن خلدون علوم اللغة والمنطق والفلسفة وتقلد مناصب عليا ،إذ تولى القضاء واشتغل قبل
ذلك حاجبا ومدرسا...الخ .وقد مثل تقلده لمهام عديدة زادا أكسبه معرفة عميقة بأمور الدولة والسياسة
وتدبير شؤونها .وأتاح له ذلك ،معاينة أحوال " دول ضعيفة منحطة" 2في المشرق والمغرب .مما أفاده
في بناء تصور حول مراحل تطور الدول ونشأتها ودور العصبيات في ذلك.
في هذه المحاضرة ،سوف نركز على بعض من إسهاماته ،خاصة في ما يرتبط بدوره في نشأة علم
العمران البشري ،والذي مثل إضافة نوعية لتاريخ الفكر االجتماعي .وحسبنا أن تناول الفكر الخلدوني،
ال يمكن أن يستقيم في محاضرة أو عشر ،بل لقد كتب حول فكره مئات األطروحات وألفت حوله كتب
عديدة .ومع ذلك ،يظل فكره هاما بالنسبة لكل الباحثين في العلوم اإلنسانية واالجتماعية .من هنا ،سيتم
تناول جوانب بسيطة من إسهاماته ،بما يفيد الطالب المبتدئ في علم االجتماع من الوقوف عند بعض مما
قدمه هذا المفكر من جهة ،وربط ذلك بالتراكم الذي عرفه الفكر االجتماعي والذي أفضى إلى ظهور
السوسيولوجيا في القرن التاسع عشر.
لقد أنجز ابن خلدون أعماال هامة منها كتابه الشهير " العبر وديوان المبتدأ والخبر" وكتاب " المقدمة"
الذي ي مثل أهم مرجع يحوي مختلف أفكار ابن خلدون حول علم العمران .هذا العلم الذي يعد ابن خلدون
مؤسسه والداعي له من خالل تأكيده أن موضوعه هو االجتماع اإلنساني الذي هو مسألة ضرورية،
يقتضيها الطابع المدني لإلنسان ،أو صفته المدنية التي تعني العمران .من هنا نفهم تعريف ابن خلدون
لموضوع هذا العلم ،أي االجتماع البشري ،بأنه " عمران العالم وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من
) 1عبد هللا العروي ،ثقافتنا في ضوء التاريخ ،المركز الثقافي العربي ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة الرابعة .1997
ص .57
) 2نفسه ،ص .58
2
أسس علم االجتماع /ذ .شفيق
األحوال مثل التوحش والتأنس والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض وما ينشأ عن ذلك
من المل ك والدول ومراتبها وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع
وسائر ما يحدث من ذلك العمران بطبيعته من األحوال...وما لذلك من العلل واألسباب".3
ولما كانت نظرته للمجتمع وظواهره مستمدة من قناعة مترسخة لديه مؤداها أن العمران البشري
حقيقة طبيعية ،تنجم عن االعتماد المتبادل بين بني البشر ،الذين ال تفي قدرتهم على تحصيل حاجاتهم،
فإن لهذا االعتماد ظواهر يفرزها تحتاج إلى علم يدرسها ويدرس تغير هذا العمران الذي ال يدوم على
حال ،والذي يخضع لتبدل مرتبط بتبدل عوائد األجيال في تعاقبها .وذلك ما يفهم من قوله " وكأن هذا علم
مستقل بنفسه ،فإنه ذو موضوع ،وهو العمران البشري واالجتماع اإلنساني .وذو مسائل ،وهي بيان ما
يلحقة من العوارض واألحوال لذاته واحدة بعد أخرى .وهذا شأن كل علم من العلوم وضعيا كان أو
عقليا".4
لقد جعل لعلم العمران موضوعا شاسعا يختص به ،يرتبط بكل مناحي الحياة االجتماعية في البدو
والحضر ،وذاك ما تكشف عنه مقدمته التي جعلها جامعة مانعة ،تركز تفاصيلها على طبيعة الدول
وتطورها من حال إلى حال .لذلك يرى أن هذا العلم الذي هو دراسة الحاضر يمكنه العودة إلى التاريخ
من خالل التمعن في أحداث الماضي ومعرفة كيفية حدوث ظواهره وتطورها ،بما يجعل من التاريخ
حقال مزودا لعلم العمران واالجتماع بمادته ،أو لنقل إنه مادته األساسية .بل إن هناك من رأى أن علم
العمران الذي وضع أسسه ابن خلدون هو أقرب إلى علم التاريخ منه إلى علم االجتماع كما أسسه كونت
وكما تطور بعد هذا األخير .فهذا المفكر المغربي محمد عابد الجابري ،في مؤلفه " فكر ابن خلدون،
العصبية والدول ،معالم نظرية خلدونية في التاريخ اإلسالمي" يبرز كيف أن ابن خلدون لم يهتم كثيرا
في مقدمته ال بالفرد وال باألسرة ،كما أنه لم ير كز على العالقات االجتماعية في مستواها الدقيق وإنما
اهتم بشكل خاص بالقبيلة عندما تصبح قوة سياسية لها وزنها في سير األحداث ،وهذا االهتمام جعل ابن
خلدون ،بحسب الجابري ،يركز أكثر على العمق .أي أنه لم يتناول العالقات االجتماعية في تفاصيلها
األفقية الواسعة ،بقدر ما سعى إلى دراسة ظاهرة اجتماعية أساسية بعينها هي ظاهرة الدولة خالل مراحل
نشأتها وتطورها ،مما يدفع إلى االعتقاد أن علم العمران الذي اهتم به ابن خلدون أضيق من علم
االجتماع من الناحية األفقية وأعمق منه من الناحية العمودية ،أي من الناحية التاريخية .وهذا ما يجعل
علم العمران ،حسب محمد عابد الجابري ،أقرب لعلم التاريخ منه لعلم االجتماع.5
) 3عبد الرحمان ابن خلدون ،المقدمة ،تحقيق عبد هللا محمد الدرويش ،دار يعرب ،دمشق ،سوريا ،2004 ،ص .125
) 4محمد عابد الجابري ،فكر ابن خلدون ،العصب ية والدولة ،معالم نظرية خلدونية في التاريخ اإلسالمي ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت
لبنان ،الطبعة السادسة ،1994 ،ص .105
) 5نفسه ،ص.130/129 :
3
أسس علم االجتماع /ذ .شفيق
ضمن هذا الزخم الهائل من الموضوعات التي تتضمنها المقدمة ،يولي ابن خلدون أهمية قصوى لمفهوم
العصبية ودورها في نشوء الدولة واضمحاللها .راسما بذلك فلسفة لتطور التاريخ ،كما يبرز أرنولد
توينبي ،فلسفة تقرأ التاريخ وتحوالته وفق رؤية دائرية تنشأ فيها الدول وتتطور وتزدهر ثم سرعان ما
يدب الضعف في مفاصلها وتتحلل لحمتها لتتقهقر من جديد تاركة المجال لعصبية أقوى.
تتشكل أعمدة فكر ابن خلدون من مفاهيم أربعة :الطبيعة ،االجتماع ،الملك والعصبية .ويمثل المفهوم
األخير في نظريته عامال مهما ،ومفسرا للديناميات االجتماعية والسياسية .من هنا ،فإن العصبية تمثل
عامل نصرة ودعم للحاكم.
في تحليله لنظرية العصبية عند ابن خلدون ،يربط محمد عابد الجابري بين العصبية ومفهوم الوازع
الذي يعتبر أساس االجتماع والتعاون كما ورد ذلك في الفكر الخلدوني .ذلك أن اإلنسان بوصفه مدني
بالطبع ،ينطوي سلوكه على جوانب من العدوان والشر المتأصل فيه ،والذي هو من آثار القوى
الحيوانية .من هنا ،كان الوازع ضرورة تفرضها طبيعة اإلنسان المجبول على الخير والشر وعلى
العدوان والتعاون في آن واحد .تبعا لذلك ،فإن حفظ الحياة وبقاء اإلنسان يقتضيان وجود سلطة تحفظ
للمجتمع استمراريته وتماسكه وتكبح كل قوة تهدد هذا الوجود .ومادامت حياة البدو تختلف عن حياة أهل
المدن والحواضر ،وأخالق وأنماط حياتهم مختلفة ،فإن الوازع يختلف .إذ يكون الوازع طبيعيا فطريا في
البادية حيث تتسم الحياة ببساطتها ،بينما يزداد الوازع تركيبا وتعقيدا في حياة حضرية أكثر تعقيدا.
ولئن كان الوازع ضروري لدرء العدوان الذي يلحق الفرد والجماعة ،فإن هذا العدوان يختلف بحسب ما
إذا كان صادرا من أفراد اتجاه بعضهم بعضا من داخل الجماعة نفسها أو من خارجها .ومهما يكن أصل
العدوان ،داخليا أم خارجيا ،فإن المعتدى عليهم يحتاجون إلى نصرة من ذويهم وأنسابهم ،أو إلى من يزع
الناس بعضهم بعضا ويحد من عدوانهم .وذاك ما يفهم من قول ابن خلدون " وذلك ألننا قدمنا :أن
العصبية تكون الحماية والمدافعة والمطالبة وكل أمر يجتمع عليه .وقدما أن اآلدميين بالطبيعة اإلنسانية
يحتاجو ن في كل اجتماع إلى وازع وحاكم يزع بعضهم عن بعض ،فالبد أن يكون متغلبا عليهم بتلك
العصبية ،وإال لم تتم قدرته على ذلك....وصاحب العصبية إذا بلغ إلى رتبة طلب ما فوقها".6
4
أسس علم االجتماع /ذ .شفيق
والظاهر في تحليل ابن خلدون للعصبية أن هذه األخيرة تتقوى أواصرها أكثر في ظل الظروف
االقتصادية والطبيعية القاسية التي تمر منها الدول .مما يخلق منها دافعا قويا يدفع الجماعات التي تتوق
إلى الحكم والحصول على السيادة والملك الستثمارها ضد العصبيات الحاكمة أو المناوئة .فتقدم
الجماعات نفسها بديال عن القوى السياسية واالجتماعية صاحبة الملك ،وتبعا لذلك تتشكل ذروة النمو
االجتماعي ودورته.
بيد أن العصبية ،إن كانت تشكل مصدر قوة الدول والجماعات من أهل الملك والسلطان فإنها تمثل
مصدر ضعف وتقهقر لحكم هذه الجماعات ل ّما تضعف شوكتها بفعل شيوع البدخ بين أفراد الجماعات
المسيطرة الذين يسلكون طريق الشهوات والملذّات .يكشف ابن خلدون دور العصبية في دورة الملك
وسلطة الدولة ،ويتحدث باستفاضة عن تطور الدولة التي تمر بثالثة أطوار :الشباب حيث تكون
عصبيات الدولة متساوية ،الرجولة حيث تستقل عصبية واحدة بالملك والمجد وتعوض العصبيات
األخرى بالموالي والصنائع ،الكهولة حيث ت ّمحي العصبية بسبب الترف وانحطاط األخالق وتصبح
الدولة ملكا للموالي والعبيد.7
ويكشف تحليله لمراحل تطور الدولة أنها متداخلة في ما بينها ،حيث يؤثر تطور العصبية في الدولة
فتحقق هذه األخيرة تطور البشر من البداوة إلى الحضارة ،بمعنى أن الدولة تحقق الغاية من الحياة
البشرية التي هي العمران.
يستفيض ابن خلدون في عرضه ألثر العصبية في انحطاط الدولة كما في جاهها وملكها ،فيرى أن الجيل
الثالث من حياة الدولة ،حينما تطل على االنحطاط ويدب في عصبية حكامها الضعف وتتهاوى " يلبسون
يموهون بها وهم في األكثر أجبن من
على الناس في الشارة والزي وركوب الخيل وحسن الثقافةّ ،
النسوان على ظهورها " .ففي هذا المرحلة تدخل الدولة في دوامة أزمات متكررة وخانقة تفضي بها إلى
أن تصبح لقمة سائغة في يد كل العصبيات المناوئة لها.
لقد وضع ابن خلدون ،من خالل تحليله لمراحل تطور الدولة ،فلسفة للتاريخ ،بموجبها تتطور
المجتمعات في منحى دائري ،يبدأ بالنشأة والتأسيس فالتطور واالزدهار ثم التقهقر واالنحطاط .وفي إطار
ذلك ،يخصص للعصبية مكانة مركزية في كل المراحل .وكأن نشوء الدول وزوالها يخضع لحتمية
تاريخية ،تنشأ فيها مرتكزة على قوة الجيل األول المؤسس الذي يكون مصمما على إرساء أركان النظام
5
أسس علم االجتماع /ذ .شفيق
وتأمين الحكم ،ثم يلحق به الجيل الثاني الذي يعيش في استقرار ورفاهية ثم سرعان ما يأتي جيل ثالث
ويسرع من تر ّهل الدولة من جراء تنام ي النزاع بين مكوناته فتضعف عصبيتها.
ّ مولع بالبدخ واالفتتان
تكشف نظرة ابن خلدون لموضوع علم العمران أن هذا األخير ال يقتصر على وصف األحداث
لذاتها ،بل إن له غاية تتمثل في تقصي الطبيعة والخصائص التي تتسم بها المجتمعات على اختالفها من
أجل الكشف عن ما يحكم تطور االجتماع اإلنساني من قوانين .بيد أن الكشف عن األسباب والمسببات
التي تحدد قواني ن حدوث الظواهر ،إنما يفترض منهجا علميا تتكامل فيه رؤية المؤرخ والعالم االجتماعي
بغية النظر السديد لوقائع العمران كما هي ال كما يهواها الباحث .من هنا ،فسر ابن خلدون أحوال
العمران تفسيرا طبيعيا :الملك طبيعي وكذلك الترف والحضارة واالستقالل بالمجد واالنحالل والخراب.
وبحسب المفكر المغربي عبد هللا العروي ،فقد حاول ابن خلدون أن يجعل من ميدان االجتماع البشري
نطاق الحتمية الطبيعية التامة بعدما خلّصه من ميدان الخوارق والمعجزات .8واثقا من مبدأ جبرية
الظواهر االجتماعية ،فهي حسب فهمه ال تتولد عن صدف كما أنها ال تنبثق من فراغ ،وال هي خاضعة
إلرادات األفراد وميوالتهم ،وإنما هي خاضعة لجبرية توجهها .على أن القول بجبرية الظواهر ،ال يعني،
كما يشير إلى ذلك المفكر محمد عابد الجابري ،أن ابن خلدون كان جبريا يرجع الظواهر إلى القضاء
والقدر ،بل كان يرى أن األمور تحدث وفق مستقر العادة.9
وإذا كان تحديده لموضوع علم العمران واالجتماع ،قد دفعه إلى االهتمام بالتاريخ بأحداثه ووقائع
عمرانه واجتماعه بوصفه أصلح مادة خام لوضع أسس االجتماع اإلنساني .فإنه حينما سعى إلى الكشف
عن عادات متواترة وضوابط عامة لكل عمران بشري ،لم يكن يتوخى من علم العمران ،بحسب عبد هللا
العروي ،أن يحل محل التاريخ ،بل نظر إليه كمبحث مساعد فقط .10لقد دفعه حرصه على أن يكون
التاريخ " نظر وتحقيق وتعليل للكائنات" أن يشترط أن " البد أن يسرد هذا التاريخ سردا خاليا من
الشوائب وأن يحلل بعد ذلك تحليال واقعيا يستخدم المنهج العلمي ،الذي يربط األسباب بمسبباتها ،والذي
ينظر إلى الوقائع العمرانية أو االجتماعية كما هي ال كما نهوى أن تكون".11
6
أسس علم االجتماع /ذ .شفيق
لقد أظهرت إنتاجات ابن خلدون استيعابه العميق لمغزى العلم وغايته القصوى القائمة على
استشراف المستقبل ،لذلك لم يقتصر على تفسير األحوال العمرانية في الماضي والحاضر ،بل تعدى ذلك
إلى تفسير ما سيأتي في المستقبل من أحوال أيضا ،وذاك ما يفهم من قوله " ...وشرحت ...ما يعرض في
االجتماع اإلنساني من العوارض الذاتية...حتى تنزع من التقليد يدك ،وتقف على أحوال ما قبلك من
األيام واألجيال وما بعدك" .12وبذلك ،تكون الممارسة التاريخية ،عنده " ممارسة تنتج معرفة بقوانين
الحركة التاريخية للواقع االجتماعي .أي ،معرفة الكل االجتماعي في صيرورته التاريخية ،محكوما
بمنطقه الداخلي".13
والبين أن الغايات التي رسمها للعالقة بين التاريخ وعلم العمران قد دفعته إلى جعل التأريخ خبر عن
ا الجتماع اإلنساني ،اجتماع ال يمثل مجرد حدث وإنما يتعدى ذلك ليكون عالقة عمرانية بين البشر
وعالمهم " فعمران العالم هو بناؤه االجتماعي الذي يقضي بتحويله وتنظيمه وإنتاجه بشكل يجعله قابال
ألن يكون عالم البشر فيعتمرونه .إنه ،إذن ،عالقة اجتماعية ،وبالتالي تاريخية بين البشر والعالم".14
وارتباطا بتحديده لموضوع علم العمران ،استطاع ابن خلدون أن يضع تقسيما للمعرفة اإلنسانية من
خالل تمييزه بين العلوم والفنون وما شابه ذلك ،منبها إلى أن أي ميدان من ميادين المعرفة إنما يتحدد
ويعترف له بصفة العلمية من خالل سرد مادته للكشف عن سبيل الوصول إليها.
لقد شدد ابن خلدون في تحديده لموضوع علم العمران ومنهجه ،على أهمية المقارنة بين ماضي الظواهر
وحاضرها من خالل الوقوف عند ظواهر مختلفة واستجالء أوجه التشابه واالختالف بينها بغية الكشف
عن القوانين التي توجه ظواهر العمران التي تتسم بالتغير الدائم .حيث أحوال المجتمعات في دينامية
دائمة ومتغيرة تلعب فيها العصبيات دورا ال يستهان به في تغليب كفة جماعة على أخرى .ومن أجل
دراسة الظواهر العمرانية وضع خطوات منهجية تقوم على المالحظة والوصف والتحليل والتفسير.
فاكتشاف القوانين المتحكمة في ظواهر العمران ال يمكن أن يتحقق إال بعد جمع عدد ضخم من الحقائق،
ومالحظة ما يقترن بها أو يليها من وقائع .ولذلك ،فإن جمع هذه الحقائق " يمكن أن يتأتى من خالل
مصدرين :الوقائع الماضية ومالحظة األحداث الراهنة" .15وفي السياق ذاته ،نجده يهتم كثيرا،
) 12مهدي عامل ،في علمية الفكر الخلدوني ،دار الفارابي ،بيروت ،لبنان ،1985 ،ص .24
) 13نفسه.
) 14نفسه ،ص .28
) 15أنتوني غدنز ،علم االجتماع ،مع مدخالت عربية ،ترجمة فايز الصياغ ،المنظمة العربية للترجمة ،بيروت ،لبنان ،2005 ،ص .56
7
أسس علم االجتماع /ذ .شفيق
وباستمرار ،بعلل الحوادث والوقائع وأسبابها .وهذا ما دفعه للتأكيد على " أن فن التاريخ في ظاهره ال
يزيد على أخبار عن األيام والدول وفي بطنه نظر وتحقيق وتعليل للكائنات ومبادئها دقيق".16
إن من يتفحص ،بعمق ،مؤلف ابن خلدون ،يستشف أنه قد ضمنه مقدمة تمهيدية يبسط فيها المنهج العلمي
وكل ما يحتاج إليه المؤرخ ،والسبيل الذي يجب أن يسلكه .محددا المضامين الكبرى لهذا المنهج في
مستويين:
-مستوى عام يقوم على قواعد يجملها ،بشكل مباشر أو غير مباشر ،في التزود بالعلم والتشكيك
والموضوعية والحيطة عند التعميم.
-مستوى خاص يقوم على قواعد التأمل واالستقراء والتحقيق العقلي والتحقيق الحسي والمقارنة
والتجربة والنظر في الحوادث في إطارها الزماني.
) 16حسن الساعاتي ،المنهج في مقدمة ابن خلدون ،ضمن :عبد الرحمان ابن خلدون ،المقدمة ،ترجمة عبد هللا محمد الدرويش ،مرجع سابق ،ص
.35
) 17أورده عبد هللا محمد الدرويش في المرجع نفسه ،ص .71
) 18ورد في أنتوني غدنز ،مرجع سابق ،ص .55
8
أسس علم االجتماع /ذ .شفيق
-الجابري محمد عابد ،فكر ابن خلدون ،العصبية والدولة ،معالم نظرية خلدونية في التاريخ اإلسالمي ،مركز دراسات
الوحدة العربية ،بيروت ،لبنان ،الطبعة السادسة.1994 ،
-العروي عبد هللا ،ثقافتنا في ضوء التاريخ ،المركز الثقافي العربي ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء ،المغرب،
الطبعة الرابعة .1997
-العروي عبد هللا ،مفهوم التاريخ ،المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء ،الطبعة الرابعة.2005 ،
-أنتوني غدنز ،علم االجتماع ،مع مدخالت عربية ،ترجمة فايز الصياغ ،المنظمة العربية للترجمة ،بيروت ،لبنان.2005 ،
-عامل مهدي ،في علمية الفكر الخلدوني ،دار الفارابي ،بيروت ،لبنان.1985 ،
9
أسس علم االجتماع /ذ .شفيق
ملحق :
يتضمن هذا الملحق مقاال هاما حول المنهج العلمي في مقدمة ابن خلدون .يمكن التركيز
على الجزء من الصفحة 39إلى الصفحة .51
ورد هذا المقال في :ابن خلدون عبد الرحمان ،المقدمة ،تحقيق عبد هللا محمد الدرويش،
دار يعرب ،دمشق ،سوريا ( .2004 ،المقال منشور في تقديم المحقق).
10