You are on page 1of 20

‫مقدمة‬

‫‪ 1‬الرابط االجتماعي في الفكر الخلدوني ‪ :‬العصبية كرابطة اجتماعية قرابية‬


‫‪ 2‬الرابط االجتماعي عند مالك بن نبي ‪ :‬من خالل شبكة العالقات االجتماعية‬
‫‪ 3‬الرابط االجتماعي عند المدرسة الفرنسية‬
‫أ‪ -‬الرابط االجتماعي عند أوغست كومت‬
‫ب‪ -‬الرابط االجتماعي عند إميل دوركايم ‪1917-1858‬‬
‫‪ 4‬الرابط االجتماعي عند المدرسة األلمانية‬
‫أ‪ -‬الرابط االجتماعي عند تونيز فرديناند‬
‫ب‪ -‬الرابط االجتماعي عند ماكس فيبر‬
‫‪ 5‬الرابط االجتماعي عند المدرسة األمريكية‬
‫الرابط االجتماعي عند تشارلز هولترن كولي‬
‫‪ 6‬الرابط االجتماعي من خالل نظرية العقد االجتماعي‬
‫خاتمة‬
‫مقدمة‬
‫تساءل علماء االجتماع‪ ،‬عن سـر التالحم والتعاون بين األفراد‪ ،‬في كل المجاالت‬
‫االجتماعية وبرزت محاوالت تحليلية نظرية عامـة‪ ،‬حول ما اصطلح عليه بمفهوم‬
‫الرابط االجتماعي أو ‪ le lien social‬بالالتنية‪ ،‬فبدؤوا بدراسة كل عناصر النظام‬
‫االجتماعي‪ ،‬والبنية والبناء االجتماعي‪ ،‬لفهم المجتمع وما يسود فيه من ظواهر‬
‫اجتماعية‪ ،‬محاولين البحث في حقيقة االنسان كفرد‪ ،‬وتفاعالته مع غيره من األفراد‬
‫داخل المجتمع اإلنساني‪ ،‬فاختلفت اآلراء والنظريات حول ذلك‪ ،‬من تطورية إلى‬
‫بنائية وظيفية‪ ،‬ثم رمزية تفاعلية‪.‬‬
‫مع ظهور مجموعة من النظريات والمفكرين البارزين‪ ،‬في فهم الفعل والسلوك‬
‫االجتماعي‪ ،‬الذي يرون أنه من خالله‪ ،‬تتشكل عالقات وروابط اجتماعية بين‬
‫األفراد‪.‬وجدوا أن هذه الروابط والعالقات‪ ،‬قد تتغير حسب المجتمع‪ ،‬من مجتمع‬
‫ريفي إلى حضري‪.‬وهذا ما سنتعرض إليه في المجال النظري للرابطة االجتماعية‬
‫في المجتمع الحضري‪.‬‬
‫نظريات الرابط االجتماعي‬
‫‪ 1‬الرابط االجتماعي في الفكر الخلدوني‪ :‬العصبية كرابطة اجتماعية قرابية‬
‫يتمثل الرابط االجتماعي عند ابن خلدون في ظاهرة العصبية‪ ،‬التي تعتبر مصطلحا‬
‫سوسيولوجيا خلدونيا فعندما نقول كلمة عصبية‪ ،‬يذهب تفكيرنا مباشرة إلى ابن‬
‫خلدون‪ ،‬الذي يُعتبر أول من أعطى الداللة السوسيولوجية‪ ،‬لهذا المفهوم ودوره‬
‫السياسي‪ ،‬في تشكل السلطة وقيام الدولة‪ ،‬فهو يعتبر ظاهرة العصبية‪ ،‬بمثابة المحور‬
‫الذي تدور حوله معظم البحوث االجتماعية والسياسية‪ .‬رغم أن هذا المصطلح‪ ،‬كان‬
‫شائعا بين العرب‪ ،‬قبل مجيء اإلسالم‪ ،‬فكانت تعني تبني شخص لقضية ذويه‪ ،‬أي‬
‫مساندة الشخص العمياء لجماعته‪ ،‬دون أن يأبه للعدالة وموقفها غير أنه لم تكن لها‬
‫قط قبل ابن خلدون قيمة تفسيرية‪ ،‬و ال داللة تقنية سياسية واجتماعية حقا‪.‬‬
‫و تُ ّ‬
‫عرف العصبية في لسان العرب "على أنها مشتقة من لفظ عصب‪ ،‬الذي يعني‬
‫حرفيا ربط‪ ،‬تجمع‪ ،‬ش ّد أحاط‪ ،‬اجتمع‪ ،‬فعصبية الرجل‪ ،‬بنوه وقرابته وكل شيء‬
‫استدار به‪.‬‬
‫صب الرأس بمعنى ربطه‪ ،‬وهي تدل على رابطة دموية وتالحم األرحام‪،‬‬
‫نقول ع ّ‬
‫منذ القديم أي قبل مجيء اإلسالم"‪.‬وبعد اإلسالم اندثرت العصبية بعنف‪ ،‬وذهبت‬
‫أثارها السيئة‪ ،‬ودعا المسلمون ليتخلصوا من أثارها القبلية المتخلفة‪ ،‬إال أن ابن‬
‫خلدون اقترب من مفهوم العصبية‪ ،‬ألجل منطق نظرياته ومعقوليتها‪ ،‬من وجهة نظر‬
‫أخرى‪ .‬لقد استعمل مفهوم العصبية مع مصطلح االلتحام والنسب فيقول ‪":‬في أن‬
‫العصبية إنما تكون من االلتحام بالنسب أو ما في معناه"‪،‬ويقصد بما في معناه أي كل‬
‫مصطلح يرادف معنى االلتحام‪ ،‬كالتماسك والترابط و التعاضد وغيرها‪.‬‬
‫ولهذا أعطى معظم الباحثين الذين اهتموا بالفكر الخلدوني‪ ،‬والدراسات الخلدونية‬
‫للعصبية‪ ،‬مفهوم التماسك والترابط‪ ،‬فهم يرون أن هذه الظاهرة‪ ،‬عبارة عن رابطة‬
‫اجتماعية‪ ،‬تمتاز بالتماسك بين أفراد النسب الواحد‪ ،‬وتظهر في القبيلة( المجتمع‬
‫البدوي )‪ ،‬بصورة واضحة‪ ،‬وأبرز هؤالء الدارسين محمد عابد الجابري‪ ،‬الذي‬
‫يُعرف العصبية في كتابه "العصبية و الدولة" على أنها "رابط اجتماعي سيكولوجي‪،‬‬
‫شعورية وال شعورية‪ ،‬تربط أفراد جماعة‪ ،‬قائمة على القرابة المادية والمعنوية‪،‬‬
‫ربطا مستمرا يبرز‪ ،‬عندما يكون هناك خطر‪ ،‬يهدد أولئك األفراد‪ ،‬كأفراد أو‬
‫كجماعة‪ ".‬ويعرفها الحصري "تدل على تفكير فاحص ونافذ‪ ،‬تفكير معمق في درس‬
‫الحوادث االجتماعية وفي تحليل الوقائعة التاريخية‪ ،‬وهي قادرة على إظهار‪ ،‬أوثق‬
‫أنواع الروابط االجتماعية وتعيين أهم أشكال الترابط الجتماعي‪ ".‬كما يعرفها عبد‬
‫الرزاق المكي –باحث اجتماعي مصري في الفكر الخلدوني –"العصبية كلمة‬
‫تتأسس اجتماعيا‪ ،‬بصلة االشتقاق إلى كلمة العصب‪ ،‬بمعنى الشد والربط واألصل‬
‫في معناها أنها الرابطة المعنوية‪،‬التي تربط بين ذوي القربى والرحم‪ ،‬فالعصبية‬
‫مرتبطة بالجماعة‪ ،‬إذن هي رابطة اجتماعية " ويرى الصغير بن عمار في‬
‫كتابه"الفكر العلمي عند ابن خلدون" "أن صاحب المقدمة‪ ،‬لم يستعمل هذه الكلمة‪،‬‬
‫بمعناها اللغوي الظاهر‪ ،‬وال بالمعنى العرقي‪ ،‬بل استعملها بمعنى أوسع من ذلك‬
‫بكثير‪ ،‬إنه أدخل في نطاق مفهوم العصبية‪ ،‬الروابط االجتماعية والظواهر التكاتفية‬
‫والتناصرية‪ ،‬وبذلك أصبحت العصبية مفهوما اجتماعيا تدخل في المجتمعات و‬
‫سيرها"‪.‬‬
‫ُعرف العصبية"على أنها‬
‫أما إذا ذهبنا إلى معجم علم االجتماع المعاصر‪ ،‬فإنه ي ّ‬
‫مجموعة أو مجتمع محلي‪ ،‬نشأ على أساس ترابط عائالت‪ ،‬وهي تلتقي مع مفهوم‬
‫الرابطة االجتماعية باالنجليزية‪ ،‬في كلمة" ‪ Band‬بمعنى الربط والشد"‪.‬هذا ما‬
‫يوضح لنا أن العصبية‪ ،‬لها عالقة كبيرة بالرابطة االجتماعية أو بعبارة أدق‪،‬‬
‫العصبية رابطة اجتماعية‪ ،‬تقوم على النسب والقرابة‪.‬‬
‫كما يرى محمد عزيز لحبابي‪ ،‬أن العصبية في النسق الخلدوني هي‪ ":‬العالقة التي‬
‫تربط أهدافا ومشاعر مشتركة‪ ،‬عند كل من تجمعهم لُحمة الدم أو الوالء‪ ،‬فهي كما‬
‫توجد في البوادي توجد كذلك داخل المدن‪ ،‬ألنها تستجيب لميل طبيعي‪ ،‬يحمل الناس‬
‫على أن يلتحموا بعضهم البعض وأن يتكتلوا في فئات وإن لم ينتموا إلى نفس‬
‫األسرة‪ ،‬على أن هذا االلتحام‪ ،‬يظل أقل متانة من روابط الدم‪ ،‬وبالتالي فالعصبية‬
‫المتولدة عن هذا الميل‪ ،‬ليست سوى جزء مما يتولد عن القرابة المباشرة‪".‬‬
‫ويرى إيف الكوست أن العصبية عند ابن خلدون‪ ،‬ليست شكال من أشكال التعاضد‬
‫فحسب‪ ،‬بل هي نوع من أنواع العالقات االجتماعية‪ ،‬أو الروابط االجتماعية‪،‬كما‬
‫يمكننا أن نضيف بعض مرادفات العصبية‪ ،‬التي قدمها ُ‬
‫شراح ابن خلدون‪ ،‬ومن بين‬
‫هذه التفسيرات في اللغات األجنبية‪ ،‬نجد البارون دوسالن‪ ،‬الذي ترجم كلمة عصبية‬
‫بتعبير ‪ ، Esprit de corps‬الذي يعني روح التضامن‪ ،‬يظهر بين األشخاص‬
‫المنتسبين إلى المهنة الواحدة‪.‬‬
‫إذن تحدث ابن خلدون عن الرابط االجتماعي‪ ،‬من خالل شرحه لمفهوم العصبية‪،‬‬
‫على أنها االلتحام بالنسب‪ ،‬وبالتالي القرابة هي رابطة اجتماعية طبيعية عند البشر‪،‬‬
‫تتميز باالتصال برابطة النسب والقرابة وما إليها من الراوابط المماثلة‪ ،‬حيث يفقد‬
‫الفرد في هذا التجمع فرديته‪ ،‬ويتقمص شخصية القبيلة أو األسرة‪ ،‬التي ينتمي إليها‬
‫وخاصة‪ ،‬في حالة الخطر الخارجي‪ ،‬الذي يُهدد كيان العصبية المادي أو‬
‫المعنوي‪.‬وألنها تنشأ بين أفراد النسب الواحد في العائلة فالقبيلة‪ ،‬تمر بمراحل‬
‫تطورية‪ ،‬لتصل إلى المجتمع الحضري‪ ،‬فتتغير شيئا فشيئا لتأثرها بالثقافة الحضرية‪،‬‬
‫أو كما سماها ابن خلدون بحياة الترف الحضري‪ ،‬ألنها تتميز بالقوة و التماسك في‬
‫البداوة خاصة أثناء الخطر لتضعف في المدينة‪.‬كما أن العصبية أيضا عبارة عما‬
‫تتمتع به القبيلة أو األسرة من القوة والجاه اللذان يجعالن من أفرادها جمعا متراص‬
‫البنيان‪.‬‬

‫‪ 2.‬الرابط االجتماعي عند مالك بن نبي‪ :‬من خالل شبكة العالقات االجتماعية‬
‫إن تصور شبكة العالقات االجتماعية‪ ،‬كتمثيل لمجموعة معقدة من العالقات‬
‫المتبادلة‪ ،‬في نظام اجتماعي‪ ،‬ما ليس بجديد و إنما له تاريخ طويل‪ ،‬ففكرة اعتبار‬
‫العالقات االجتماعية شبكة وأن خصائص هذه الشبكة‪ ،‬يمكن استعمالها لتفسير بعض‬
‫جوانب‪ ،‬سلوك األفراد المنخرطين فيها‪ ،‬قد انتشرت بسرعة كبيرة‪ ،‬بعد أن قدم‬
‫األنثروبولوجي البريطاني جون بارنس‪ ،‬الفكرة ألول مرة في بحث سنة‪،1954‬‬
‫يصف نظام العالقات االجتماعية‪ ،‬الذي شعر بأنها مهمة لفهم السلوك االجتماعي‬
‫الفراد بحثه‪ ،‬في مجتمع برمنس النرويجي‪ ،‬وتطورت الفكرة فيما بعد‪ ،‬حتى‬
‫أصبحت مفيدة تحليليا‪ .‬وبرهنت على أهميتها التحليلية‪ ،‬في دراسة الباحثة في مجال‬
‫األنثروبولوجيا االجتماعية البريطانية إليزابات بوت لألدوار الزواجية في عدد من‬
‫األسر اللندنية‪ 1955،1956،1957‬ونشرت ذلك في كتابها بعنوان األسرة وشبكة‬
‫العالقات االجتماعية‪.‬‬
‫ومن أبرز علماء االجتماع واألنثروبولوجيا‪ ،‬الذين أسهموا في تطوير اتجاه شبكة‬
‫العالقات االجتماعية‪ ،‬هم بوت‪ ،‬جيمس كاليد متشل‪ ،‬برودنس ويلدون من جنوب‬
‫إفريقيا‪ ،‬ثم نشرت عشرات الدراسات‪ ،‬التي تستعمل مفهوم شبكة العالقات‬
‫االجتماعية‪ ،‬واعتبرت هذه الدراسات من أهم الدراسات السوسيولوجية‬
‫واألنثروبولوجية‪ ،‬التي استعملت اتجاه شبكة العالقات االجتماعية بدقة وتفصيل في‬
‫مجال دراسة األسرة‪.‬‬
‫كون مالك بن نبي‪ ،‬مفكر مسلم وعاش في بيئة أثناء نشأته‪ ،‬تكتسي بالروح‬
‫اإلسالمية‪ ،‬حيث يبدو ذلك واضحا‪ ،‬من خالل بناءه لنظريته االجتماعية بالمنظور‬
‫اإلسالمي‪ ،‬فهو يطرح فكرة مفادها أن اإلنسان‪ ،‬في كل مرحلة يمر بها المجتمع في‬
‫دورته الحضارية‪ ،‬يتصف بخصائص نفسية واجتماعية حسب المرحلة التي يمر‬
‫بها‪.‬كما يؤكد على أن المجتمع‪ ،‬يولد بميالد شبكة العالقات االجتماعية‪ ،‬ويزول أو‬
‫ينتهي بزوالها‪ ،‬فإن لم تكن هناك عالقات وروابط اجتماعية‪ ،‬يزول المجتمع أو‬
‫بمعنى آخر إن الروابط والعالقات االجتماعية في مفهوم مالك بن نبي‪ ،‬هي التي‬
‫تشكل هذه الشبكة‪ .‬ولذلك فأفراد تلك الشبكة‪ ،‬دائما ً يفضلون اإلجماع على معايير‬
‫يتفقون عليها‪ ،‬مع بعضهم البعض‪ ،‬وبالتالي يمارسون ضغطا ً غير رسمي‪ ،‬على‬
‫بعضهم البعض لإلمتثال لتلك القواعد والمعايير‪ ،‬وعندما ال يتفاعل األفراد مع‬
‫بعضهم البعض‪ ،‬تقل اتصاالتهم إلى الحد األدنى‪ ،‬وبالتالي فإن شبكة عالقاتهم‬
‫االجتماعية‪ ،‬تكون إلى حد ما ضعيفة‪ ،‬مما يؤدي إلى اختالف المعايير االجتماعية‪،‬‬
‫ويصبح الضبط االجتماعي‪ ،‬وتبادل المساعدة أكثر تفككاً‪ ،‬وأقل استمرارية‪.‬‬
‫فمن خالل التحليل‪ ،‬ألهم أفكار مالك بن نبي عن المجتمع‪ ،‬يبدو أن تشكل الرابط‬
‫االجتماعي هو ميالد للمجتمع‪ ،‬و زوالها زوال له‪ ،‬حيث يستمر ذلك بشبكة من‬
‫العالقات االجتماعية‪ ،‬ويحدث هذا عند ميالد المجتمع‪ ،‬فميالد الجماعات والروابط‪،‬‬
‫يرتكز على عالقات ولكي تتشكل هذه العالقات‪ ،‬يعود السبب لنتيجة أولية‪ ،‬يحدثها‬
‫المجتمع‪ ،‬ويعطي مثال عن المجتمع االسالمي‪ ،‬عندما قام بإنشاء ميثاق يربط بين‬
‫المهاجرين واألنصار‪ ،‬معتبرا أن الهجرة هي نقطة البداية في التاريخ االسالمي‪،‬‬
‫وذلك ببداية قيام المجتمع اإلسالمي‪ ،‬وتكوينه لشبكة من العالقات االجتماعية‪،‬كما‬
‫يرى أنه لقيام هذه الشبكة‪ ،‬يجب توفر ثالث عناصر وهي‪:‬األشخاص‪،‬األفكار‬
‫األشياء‪ .‬موضحا أن المجتمع ساعة ميالده يكون قويا‪ ،‬بقوة العالقات االجتماعية‬
‫ويزول بزوالها حتى وان كان االفراد موجودون‪ .‬وهذا ما وجدناه في نظريات‬
‫الرابط االجتماعي‪ ،‬عند علماء االجتماع‪ ،‬حيث يرون أن الرابطة االجتماعية‪ ،‬تكون‬
‫قوية في بداية تواجدها‪ ،‬وتضعف عندما تتواجد في الحياة الحضرية‪ ،‬رغم وجود‬
‫األفراد نفسهم‪.‬‬
‫ويعني مالك بن نبي أن هناك عالقة بين االشخاص واألفكار واألشياء تتمثل في‬
‫الثقافة فالشخص وعالقته بالفن مثال‪ ،‬هذا اتصال فكري ثقافي مكتسب‪ ،‬ألن الشيء‬
‫هو الفن واالتصال بين الشيء والشخص هو الثقافة‪ ،‬هذا يعتبر عالقة اجتماعية‪.‬وهنا‬
‫نخرج بفكرة رئيسية وهي أن شبكة العالقات االجتماعية‪ ،‬عامل أساسي وضروري‬
‫في الجماعة والقوة‪ ،‬كما أنها حقيقة التطور وبتمزقها يتمزق المجتمع ويتأخر‬
‫‪.‬‬
‫‪ 3‬الرابط االجتماعي عند المدرسة الفرنسية‪.‬‬
‫أ‪ -‬الرابط االجتماعي عند أوغست كونت‬
‫كونت‪ ،‬عالم اجتماع فرنسي شهير‪ ،‬يُعتبر مؤسس علم االجتماع‪ ،‬فهو الذين مهد‬
‫السبيل لنشوء هذا التخصص‪ ،‬بعد فصله عن العلوم الطبيعية والفلسفة‪ ،‬وتثبيت‬
‫حدوده العلمية وإحراز استقالليته المنهجية والموضوعية‪ ،‬فهو مؤسس علم االجتماع‬
‫ومصطلح‪La sociologie.‬‬
‫أراد دراسة المجتمع دراسة تطورية تهدف‪ ،‬إلى اقتفاء المراحل التاريخية‬
‫الحضارية‪ ،‬التي تمر بها المجتمعات‪ ،‬وتدرس صفات وخصوصيات ومشكالت كل‬
‫مرحلة على إنفراد ثم تشتق القوانين الشمولية التي تفسر مسيرة المجتمعات‪ ،‬كما أنه‬
‫تحدث عن تقسيم العمل االجتماعي والتضامن االجتماعي‪ .‬ومن هنا شرح كومت‬
‫الرابطة االجتماعية‪ ،‬من خالل حديثه عن قانون التضامن االجتماعي‪ ،‬حيث"انتهى‬
‫من دراسته في علم االجتماع‪ ،‬إلى قانون الحاالت الثالث و قانون التقدم وقانون‬
‫التضامن االجتماعي‪ ،‬إذ يقع القانونان األوالن تحت القسم األول‪ ،‬من أقسام علم‬
‫االجتماع وهو الديناميكا االجتماعية‪ ،‬و يقع القانون األخير تحت قسم الستاتيكا‬
‫االجتماعية"‪.‬‬
‫فاألسرة هي أولى الروابط االجتماعية عند كونت‪ ،‬ثم تتشكل مجموعة من األسر‪ ،‬ثم‬
‫االتحادات والهيئات االجتماعية‪ ،‬التي تتجمع في األمم‪ ،‬وغيرها من أشكال التجمعات‬
‫اإلنسانية وتشكل بناءا اجتماعيا "فاألسرة هي النواة األولى للمجتمع‪ ،‬كما يؤكد‬
‫كونت على وجوب دراستها‪ ،‬ألنها أول خلية في جسم المجتمع‪ ،‬وألن المجتمع‬
‫جردة‪ ،‬ويقول كل قوة‬
‫اإلنساني‪ ،‬يتكون من أسر ال من أفراد ألن الفرد فكرة ُم ّ‬
‫اجتماعية‪ ،‬تنتج عن تعاون وتضافر النشاط‪ ،‬بين عدد كبير أو صغير من األفراد‪،‬‬
‫هذا ما يؤدي إلى تشكل الروابط االجتماعية‪ ،‬والعالقات االجتماعية"‪.‬‬
‫وهنا ينتهي كونت إلى تقرير حقيقة هامة‪ ،‬أال وهي أن الفرد‪ ،‬ال يعتبر في ذاته‬
‫عنصرا اجتماعيا فالفاعلية االجتماعية للفرد‪ ،‬مستمدة من تضامن األفراد‪ ،‬و‬
‫مشاركتهم في العمل‪ ،‬وفي توزيع النشاطات فيما بينهم وتقاسمهم في الوظائف‬
‫االجتماعية‪.‬كما أن قيمة الفرد االجتماعية‪ ،‬ال تتحقق بصورة صحيحة‪ ،‬إال إذا كان‬
‫في نطاق وحدة اجتماعية‪ ،‬كاألسرة‪ ،‬حيث تمتزج العقول وتتفاعل الوجدانات‬
‫وتتوزع الواجبات‪ ،‬كما أن مظاهر النُظم السائدة‪ ،‬في الحياة االجتماعية تترابط‬
‫بعضها مع بعض‪ ،‬وتسير وظائف كل منهما في تناسق مع وظائف أخرى‪ ،‬وتعمل‬
‫كلها بصفة تلقائية لتحقيق االستمرارية في الحياة الجماعية‪.‬‬
‫يرى كونت أن أساس التماسك االجتماعي‪ ،‬وأساس تقسيم العمل االجتماعي‪ ،‬هو ما‬
‫يسمى بالموافقة العامة أو التوافق الجمعي‪ ،‬أي االرتباط الضروري بين أفراد‬
‫المجتمع‪ ،‬وبين عناصر المجتمع وهذا التوافق موجود في كل مجاالت الحياة‪ ،‬ولكنه‬
‫يصل الذروة في المجتمع اإلنساني‪ ،‬كما ذكرنا سابقا وهذا التوافق يكون خاصة بين‬
‫األفكار‪ ،‬فيؤدي إلى توافق اجتماعي أو جمعي‪ ،‬وهو أساس الرابطة االجتماعية‪ ،‬هذا‬
‫يعني أنه هناك توازن أو تشابه بين المجتمع‪ ،‬وبين الكائن العضوي ففي المجتمع كما‬
‫في الكائن العضوي‪ ،‬تؤدي األعضاء المتماسكة وظائف معينة‪.‬ويعتبر كونت أن‬
‫اإلنسانية ك ٌل ال يتجزأ و أنها عبارة عن مجتمع واحد‪ ،‬يخضع لنفس القانون في‬
‫الوقت الذي نجد فيه مجتمعات جزئية مختلفة‪ ،‬ألن المجتمع اإلنساني‪ ،‬ليس مجتمعا‬
‫في صيغة ال ُمفرد و إنما هو عدد من المجتمعات‪ ،‬رغم أنها تختلف فيما بينها من‬
‫حيث استعداداتها طبيعتها‪ ،‬إال أنها كلها تقوم بالتعاون والتضامن‪ ،‬وتشكل عالقات‬
‫وتفاعالت وروابط اجتماعية‪.‬‬
‫ب‪-‬الرابط االجتماعي عند إميل دوركايم ‪1917-1858‬‬
‫يعتبر إميل دوركايم‪ ،‬من أهم و أشهر علماء االجتماع الفرنسيين‪ ،‬وذلك لما وهبه من‬
‫أفكار ونظريات اجتماعية‪ ،‬وما نشره من أبحاث ومؤلفات‪ ،‬ودراسات قيّمة في حقول‬
‫علم االجتماع والفلسفة والتربية‪ ،‬استطاعت أن تؤثر فيما بعد‪ ،‬في أفكار وأطروحات‬
‫عدد كبير‪ ،‬من علماء االجتماع على حد سواء‪ ،‬ويمكن اعتبار العالم دوركايم من‬
‫أقطاب المدرسة االجتماعية الفرنسية‪.‬‬
‫لقد تعرض دوركايم لموضوع الرابط االجتماعي‪ ،‬من خالل كتابه تقسيم العمل‬
‫االجتماعي ‪ ،1893‬عندما تحدث عن التضامن االجتماعي اآللي‬
‫‪Mécanique‬والعضوي ‪ Organique‬وذلك بمقارنته للمجتمعات القديمة أو‬
‫البدائية والمجتمعات الحديثة أو الصناعية ألن األولى تتميز بالتماسك اآللي‪ ،‬والثانية‬
‫يسود فيها التماسك العضوي‪.‬كما يرى دوركايم أن األفراد في المجتمع البدائي‬
‫متجانسون‪ ،‬وتقسيم العمل االجتماعي‪ ،‬يأخذ شكال بسيطا ويقصد بذلك أن الرابطة‬
‫االجتماعية‪ ،‬ضئيلة من حيث العمل االجتماعي‪ ،‬فاألفراد ال يتقاسمون األعمال‬
‫بدرجة كبيرة‪ ،‬ألن معظمهم يمارسون نشاطا واحدا‪ ،‬يتمثل في النشاط الفالحي‬
‫والرعوي‪ ،‬ومن جهة أخرى الرابطة االجتماعية قوية‪ ،‬بين األفراد لوجود عامل‬
‫القرابة والتقاليد الواحدة‪ ،‬كما أن لديهم رأي عام واحد‪ ،‬وتتسم المسؤولية فيه‬
‫جماعية‪ ،‬إضافة إلى المكانة تورث وال تُكتسب‪.‬‬
‫إذن الحظ دوركايم بأن الروابط االجتماعية‪ ،‬قد تبدلت مع التطور اإلقتصادي‪،‬‬
‫فالتحول من مجتمع إطاره أناس كثيرة التشابه‪ ،‬إلى مجتمع مختلف تماما‪ ،‬أي من‬
‫تضامن آلي إلى عضوي‪ ،‬لهذا كانت من أهم انشغاالت دوركايم اإلشارة إلى أن‬
‫تقسيم العمل‪ ،‬تحت مالمحه المهنية على األخص وتكاثر المهن المختلفة و األشغال‬
‫المختلفة‪ ،‬مع إلتزامات خاصة بكل عمل و بكل مهنة كلما تقترض نظاما بينا بالرغم‬
‫من نشاطاتهم هي إضافية‪.‬‬
‫نستنتج من فكر دوركايم عن الرابط االجتماعي أنها تكون قوية وواضحة في‬
‫المجتمع البدائي لوجود عامل القرابة والتقاليد واألعراف المشتركة وتضعف‬
‫الروابط االجتماعية‪ ،‬في المجتمعات الحضارية النتشار الفردانية مما يؤدي إلى‬
‫زوال بعض القيم والتقاليد‪ ،‬إال أنه في كلتا الحالتين‪ ،‬يرى دوركايم أن الضمير‬
‫الجماعي‪ ،‬عبارة عن رابطة اجتماعية‪ ،‬توجد في كل المجتمعات البدائية‪،‬‬
‫والحضارية‪".‬الضمير الجماعي رابطة اجتماعية‪ ،‬تنتج عن تجمع عقول األفراد‬
‫والتحامها مما يؤدي إلى ظهور نوع من الوحدة السيكولوجية‪ ،‬المتميزة عن األفراد‬
‫ذاتهم"‪.‬‬
‫حيث يكتسب هذا الضمير العام‪ ،‬واقعا ملموسا فهو يدوم خالل الزمن‪ ،‬و يُدعّم‬
‫الروابط بين األجيال ألنه يعيش بين األفراد و يتخلل حياتهم‪ .‬فالرابطة االجتماعية‬
‫موجودة في كل من المجتمع البدائي والحضري‪ ،‬إال أن االختالف يظهر في نوعية‬
‫التضامن من آلي إلى عضوي‪ ،‬و الضمير الجمعي السائد‬
‫‪ 4‬الرابط االجتماعي عند المدرسة األلمانية‪.‬‬
‫أ‪ -‬الرابط االجتماعي عند تونيز فرديناند‪.‬‬
‫يعتبر تونيز من أهم من ساهموا في نشأة علم االجتماع‪ ،‬في ألمانيا‪ ،‬لما تقدم به من‬
‫نصيب كبير في علم االجتماع النظري‪ ،‬بنظريته الخاصة بالجماعة أو المجتمع‬
‫المحلي والمجتمع ‪ Gemeinschaft and Gesellschaft‬والتي نشرها ألول‬
‫مرة في كتاب‪ ،‬بهذا االسم سنة ‪ 1887‬كما يعد تونيز‪ ،‬من أقطاب االتجاه التحليلي‬
‫للروابط االجتماعية‪ ،‬على أساس تميّزه بين شكلين اجتماعيين هما الجماعة‬
‫‪Gemeinschaft‬و المجتمع‪Gesllechaft.‬‬
‫و يقصد بذلك أن المجتمع ينتقل من نظام المجموعة المحلية ‪ Gemeinscheft‬إلى‬
‫المجتمع التعاقدي ‪ Gesellschaft‬وهذا االنتقال يكون بعالقات قوية‪ ،‬إلى جماعة‬
‫وحياة تعتمد‪ ،‬على عالقات الالشخصية ‪ impersonnel‬حتى وإن كان هؤالء‬
‫االفراد ال تجمعهم أي عالقة‪.‬استعمل تونيز مصطلح اإلرادة اإلنسانية‪ ،‬التي يعتبرها‬
‫المصدر أو الركيزة األساسية لكل الروابط والعالقات االجتماعية‪ ،‬حيث يميز بين‬
‫نوعين من اإلرادة الطبيعية أو العضوية‪ ،‬واإلرادة العقلية أو التحكمية ‪.‬فاإلرادة‬
‫الطبيعية توجد في المجتمع المحلي‪ ،‬واإلرادة العقلية توجد في المجتمع العام‪.‬أما‬
‫اإلرادة العضوية أو الطبيعية‪ ،‬المقصود بها"تلك الضرورة البيولوجية‪ ،‬التي‬
‫بمقتضاها يولد الفرد‪ ،‬فيجد نفسه عضوا في الجماعة‪ ،‬ويرتبط بالصالت الحياتية‬
‫القائمة والمتواجدة‪ ،‬بين أعضاءها ويلتزم بالروابط االجتماعية المستقرة والتي تتميز‬
‫بحدة تفاعالتها‪ ،‬وتضامن أفرادها‪ ،‬كما تتميز بالتعاطف‪ ،‬والمشاركة الجماعية‪،‬‬
‫واالتصاالت المباشرة بين أعضاءها‪".‬‬
‫اإلرادة العقلية وهي"رابطة تقوم بين األفراد على أساس العقل‪ ،‬وتشيع في‬
‫المجتمعات الحديثة أين توجد الفردية‪ ،‬والحذر والقلق‪ ،‬والبحث عن المصالح‬
‫الخاصة‪ ،‬فاألفراد يرغبون عن طريق اإلرادة التحكمية أو العقلية‪ ،‬الوصول إلى‬
‫هدف معين أوغاية معينة‪ ،‬أي يقوم ترابطهم االجتماعي بقصد تحقيق هدف معين‬
‫يهمهم‪ ،‬برغم ما قد يكون بينهم من برودة‪ ،‬وكراهية ألن روابطهم تقوم على أساس‬
‫تصنعي‪ ،‬فهم يترابطون برغم ما قد يكون بينهم من عوامل االنفصال"‪.‬‬
‫في رأي تونيز األفراد يندمجون و يتفاعلون‪ ،‬طبقا لرغباتهم أو إرادتهم الشخصية‬
‫الصادرة عن العقل‪ ،‬أي الروابط عقالنية‪ ،‬تخضع إلرادة أفراد المجتمع‪،‬‬
‫ووحداته‪.‬ويعتقد بوجود ثالث نماذج للعالقات أو الروابط االجتماعية‪ ،‬تنشأ عن‬
‫الظروف الحيوية‪ ،‬وتمثل هذه النماذج الروابط االجتماعية التي تقوم على‬
‫‪ -1‬روابط الدم‪ -2 .‬روابط الجوار‪ -3 .‬روابط التجاذب الروحي‪.‬‬
‫نستنتج من هذا أن أولى الجماعات و أولى الروابط االجتماعية‪ ،‬ظهرت في المجتمع‬
‫المحلي وفي الروابط األسرية البدائية والقبلية‪ ،‬ثم بدأت تتوسع وتزداد تعقيدا بين‬
‫األفراد‪ ،‬بظهور التغيير والنمو الصناعي والتجاري وظهور الطبقات االجتماعية‪.‬كما‬
‫يؤكد تونيز"أن الروابط االجتماعية تكون قوية في المجتمع المحلي‪ ،‬ألنه تسود فيه‬
‫اإلرادة الطبيعية‪ ،‬وليست اصطناعية‪ ،‬ال يتحكم فيها الفرد‪ .‬تسود فيها الروح‬
‫الجماعية وتنعدم الفردية‪ ،‬يجد الفرد نفسه مرتبطا برابطة الدم‪ ،‬والقرابة طبيعيا منذ‬
‫والدته‪".‬بينما الروابط االجتماعية تضعف رغم أنها موجودة‪ ،‬وذلك بسبب اإلرادة‬
‫التحكمية العقلية‪ ،‬الفرد هو الذي ينتمي إليها بإرادته‪ ،‬وعقله ألهداف وغايات يريد‬
‫الوصول إليها‪ ،‬لهذا يقول جلين أن"الجماعة لكي تقوم يتطلب قيامها وضعا معينا‪،‬‬
‫يسمح بالتأثير المتبادل المقصود واالستجابة المقصودة بين األشخاص الذين‬
‫تربطهم‪ ،‬وأن يكون هناك نوع مشترك من االهتمام يرتكز حول دوافع مشتركة أو‬
‫مصالح مشتركة‪ ،‬مع ما يتطلبه كل هذا من قيام عدد من االتجاهات والتصرفات‬
‫والشعور المشترك"‪.‬‬
‫وقد علق تالكوت بارسونز على األهمية السوسيولوجية لتصورات تونيز‪ ،‬في كتابه‬
‫"بناء الفعل االجتماعي" موضحا االختالفات الجوهرية‪ ،‬بين المجتمع المحلي‬
‫والمجتمع قائال‪":‬إن المعيار األساسي هنا هو الطريقة التي نتحدث بها عن األطراف‬
‫المتقابلة‪ ،‬والتي يكون لكل منها غرض معين من الدخول في العالقة‪ ،‬ففي المجتمع‬
‫نجد أن هناك غرضا محددا ونوعيا‪ ،‬ومتبادال للسلع والخدمات وهدفا عاجال يراد‬
‫تحقيقه‪ ،‬أما في حالة المجتمع المحلي‪ ،‬فإن األمر يختلف عن ذلك تماما‪...‬نالحظ أن‬
‫أطراف العالقة في المجتمع‪ ،‬يتمسكون بالتزامات تؤكد جزاءات معينة‪ ،‬غير أن‬
‫االلتزامات في هذه الحالة تكون محدودة بالعقد"‪.‬‬
‫ب‪ -‬الرابط االجتماعي عند ماكس فيبر‬
‫يعتبر ماكس فيبر من أهم علماء االجتماع األلمان‪ ،‬وبالذات علماء مدرسة العالقات‬
‫االجتماعية‪ ،‬وممن درس العالقات االجتماعية‪ ،‬دراسة تحليلية‪ ،‬كما أنه من الداعين‬
‫إلى ضرورة بحث التأثيرات المتبادلة‪ ،‬بين النظم االجتماعية‪ ،‬وخاصة الدينية‬
‫واالقتصادية والسياسية ويعتقد فيبر‪ ،‬أن موضوع علم االجتماع يجب أن يكون‬
‫مقصورا على دراسة العالقات االجتماعية‪ ،‬في صورها المجردة ويكون هذا إال عن‬
‫طريق دراسة و فهم وتفسير السلوك االنساني‪ .‬فالعالقات إنما تنتج على تصرف‬
‫األفراد بعضهم إزاء البعض األخر‪ ،‬ويعرف ماكس فيبر العالقة االجتماعية على‬
‫أنها‪" :‬السلوك الذي يصدر عن مجموعة من الفاعلين‪ ،‬إلى المدى الذي يكون‪ ،‬كل‬
‫فعل من األفعال آخذا في اعتباره المعاني التي تنطوي عليها أفعال اآلخرين"‪.‬‬
‫فاألفراد بتفاعلهم من خالل األفعال التي يقومون بها‪ ،‬تنشأ بينهم عالقات‬
‫اجتماعية‪.‬ومن خالل موضوع العالقات االجتماعية نجده تعرض للرابطة‬
‫االجتماعية‪ ،‬التي توجه األفراد نحو السلوك التبادلي مع بعضهم البعض‪ ،‬حيث هذه‬
‫العالقة تنتظم بنمطين أساسين من العالقات االجتماعية عنده و هي‬

‫‪ -1‬التنشئة الجماعية‪ -2 .‬التنشئة االجتماعية‪ .‬حيث تدل التنشئة الجماعية على‬


‫النشاط االجتماعي الموحد‪ ،‬الذي يستند إلى شعور المشاركين الشخصي باالنتماء‬
‫إلى مجموعة واحدة‪ ،‬بينما يشير مفهوم التنشئة االجتماعية‪ ،‬إلى ذلك النشاط الذي‬
‫يوقد الناس على أساس تسوية‪ ،‬أو تنسيق مصالح وفقا لتصور العقلنة‪ ،‬بدافع قيمي أو‬
‫غائي‪.‬‬
‫فالتنشئة الجماعية‪ ،‬ترتكز على االعتبارات التقليدية والعاطفية‪ ،‬وقد تكون ذات طابع‬
‫ديني أو أسري أو عرقي أو إثني ( جماعات دينية‪ ،‬عائلية‪ ،‬قومية‪ ،)....‬في حين‬
‫ترتكز التنشئة االجتماعية على االلتزام المتبادل المستند إلى مبدأ العقالنية‪ ،‬فبهذا‬
‫التقسيم يرى فيبر‪ ،‬أن األفراد يعيشون في ترابطات اجتماعية مستمرة قد يشعرون‬
‫بها أو ال يشعرون‪،‬‬

‫كما قسم النشاطات االجتماعية البشرية إلى أربعة أقسام وهي‪:‬‬


‫‪1-‬نشاط عضوية الجمعيات‪ :‬هذا النشاط يفترض وجود أنظمة اجتماعية‬
‫موضوعية‪ ،‬بمشيئة األعضاء‪ ،‬أو أنظمة يلتزمون بها طوعا‪ ،‬وهذا يعني وجود نظام‬
‫أساسي‪ ،‬يحكم العالقات فيما بينهم حيث أن هذا النظام يحدد غايات الجمعيات‬
‫والوسائل والخدمات والممتلكات‪ ،‬وتكوين الجهاز اإلداري والعقوبات والجزاءات‬
‫والصالحيات‪ ،‬وطريقة االنتساب إلى هذه الجمعيات‪.‬‬
‫‪2-‬النشاط اإلتفاقي‪:‬ويشير إلى ذلك النوع من النشاط‪ ،‬الذي ال يستند إلى نظام‬
‫أساسي وإنما إلى نوع من التفاهم واالتفاق والتنظيم‪ ،‬وتتميز مثل هذه األنشطة‬
‫باالحترام وااللتزام باتفاقيتها‪.‬‬
‫‪3-‬النشاط المؤسسي‪ :‬ويعني أنه يتضمن نظام أساسي‪ ،‬ومؤسسات ال تخضع في‬
‫وجودها لمشيئة األفراد‪ .‬فيرى فيبر أن الفرد ال ينتسب إلى هذه التنظيمات‪ ،‬وإنما‬
‫يجد نفسه عضوا فيها بالوالدة أو بالثقافة‪ ،‬أو نتيجة لظروف البيئة‪ ،‬وهذا يعني أن‬
‫انتسابه لهذا التنظيم ال يتطلبه إعالن انتسابه أو طلب انتماءه‪ ،‬وإنما هو موجود فيه‬
‫بالوراثة‪.‬كاألسرة و الجماعات القرابية‪.‬‬
‫فمن خالل هذه التقسيمات‪ ،‬نجد فيبر يحلل العالقات االجتماعية‪ ،‬حيث أن هذه‬
‫العالقات تضم روابط اجتماعية‪ ،‬فالتنشئة الجماعية تجعل األفراد‪ ،‬يعيشون بشعور‪،‬‬
‫يجعلهم يُحسون أنهم ينتمون إلى جماعة واحدة‪ ،‬حيث أن هذه الجماعة‪ ،‬قد تكون‬
‫مشتركة في عوامل كثيرة‪ ،‬ومن أهمها النشاطات االجتماعية المشتركة‪ ،‬التي‬
‫يمارسونها‪ ،‬فالنشاط االجتماعي‪ ،‬عامل من عوامل ترابط األفراد و اجتماعهم‪،‬‬
‫والتنشئة االجتماعية تجعل األفراد ينتمون إلى جماعة واحدة‪ ،‬عن طريق المصالح‬
‫والغايات والقيم‪ ،‬كما يرى فيبر‪ ،‬أن أي تصرف أو سلوك يقوم به األفراد‪ ،‬بشكل‬
‫متعمد عن وعي وتعقل لرد فعل أخر‪ ،‬يعتبر تصرفا اجتماعيا فمثال ‪:‬حالة تصادم‬
‫سي ارتين‪ ،‬فاالصطدام في ذاته مظهرا مادي طبيعي‪ ،‬اليعتبر سلوكا اجتماعيا‪ ،‬وإنما‬
‫المحاوالت التي يبذلها كل من السائق لتجنب وقوع التصادم والمناقشات التي تدور‬
‫بينهما‪ ،‬واإلجراءات التي تتبع وقوع الحادث‪ ،‬كل ذلك وما إليه يعتبر تصرفا‬
‫اجتماعيا‪ ،‬وينشئ عالقة أو عالقات اجتماعية‪ ،‬التي تنشأ استجابة لنشاط أو سلوك أو‬
‫رد فعل اجتماعي‪ ،‬مقابل هذه الدعامة األساسية للروابط االجتماعية‪.‬كما يوجه فيبر‬
‫عرف السلطة أو السيادة‬
‫مزيد عنايته للوصول‪ ،‬إلى مفاهيم لتلك االرتباطات‪ ،‬فقد ّ‬
‫بأنها نوع من القيادة‪ ،‬تعمل إليجاد طاعة عند أشخاص معينين فقد تكون‪ ،‬السلطة‬
‫قائمة على أساس العُرف والعادات والتقاليد السائد‪ ،‬في المجتمع أو الجماعة‪ ،‬وقد‬
‫تنبني على دعامة عاطفية تجعل الجماهير يطيعون القائد ويتبعونه بشكل الشعوري‪،‬‬
‫فتؤدي إلى تشكيل عالقة اجتماعية قوية بينهم‪.‬‬
‫نستنتج أن فيبر قرر أنه‪ ،‬ال ينبغي أن نوسع من نطاق هذا السلوك‪ ،‬بل يجب أن‬
‫يكون مقصورا على العالقات و الروابط االجتماعية‪ ،‬التي تنشأ استجابة لنشاط أو‬
‫سلوك مقابل ولذلك فليس كل العالقات اإلنسانية عالقات اجتماعية‪.‬‬

‫‪ 5‬الرابط االجتماعي عند المدرسة األمريكية‬


‫الرابط االجتماعي عند تشارلز هولترن كولي‬
‫يعتبر كولي أحد أقطاب المدرسة األمريكية لعلم االجتماع‪ ،‬ولد في ميتشيغن بأمريكا‪،‬‬
‫ودرس فيها ويعد من تالميذ وأتباع جبلاير تارد‪ ،‬حيث تأثر بعدد كبير من علماء‬
‫االجتماع والنفس فاتخذ الظواهر السيكولوجية‪ ،‬أساسا لتفسير طبيعة المجتمع‪،‬‬
‫وطبيعة الروابط والعالقات االجتماعية‪ .‬فالمجتمع مركب عضوي نفسي وهو يطبع‬
‫أفراده على هذه الطبيعة النفسية‪ ،‬ألن الفرد ال يولد مزودا بهذه الطبيعة البشرية‪ ،‬بل‬
‫يروض ويحصل عليها شيئا فشيئا من المجتمع‪،‬كما يعتبر مفهوم الجماعة األولية‪،‬‬
‫من أهم المفاهيم التي ارتبطت باسم تشارز كولي‪.‬ولهذا فكلمتي المجتمع والفرد‪،‬‬
‫ليستا منفصلتين بل هما حقيقة نفسية واحدة فقد أعلن في كتابه التنظيم االجتماعي‬
‫الذي نشره عام ‪ 1909‬فكرته المشهورة عن الروابط االجتماعية من خالل تمييزه‬
‫لشكلين من العالقات االجتماعية هما‪ :‬العالقات األولية والعالقات الثانوية‬
‫وتتميز العالقات األولية بالقوة والتماسك والتعاون‪ ،‬وهي موجود عند الجماعات‬
‫القرابية كاألسرة وجماعة الجوار‪ ،‬ونجدها داخل الجماعات صغيرة الحجم‪ ،‬ألنها‬
‫تقوم على العالقات المباشرة وتسمى بجماعات المواجهة‪ ،‬ففي هذه الرابطة‬
‫االجتماعية‪ ،‬يذوب فيها الفرد داخل الكل فتظهر عبارة نحن وليس عبارة أنا‪ ،‬حيث‬
‫يدل هذا‪ ،‬على قوة االنتماء إلى الجماعة‪ ،‬وزيادة درجة الترابط االجتماعي والوالء‬
‫للجماعة‪ .‬أما الروابط الثانوية فهي موجودة داخل ما يطلق عليه كولي الجماعات‬
‫الثانوية‪ ،‬وهي تتميز بكبر الحجم‪ ،‬وضعف الرابطة االجتماعية‪ ،‬والعالقات‬
‫الشخصية المباشرة‪ ،‬وطغيان العالقات الرسمية التعاقدية‪.‬‬
‫من خالل نظرة كولى للعالقات االجتماعية‪ ،‬يبدو واضحا أن المجتمع مقسم إلى‬
‫جماعتان جماعة أولية وجماعة ثانوية‪ ،‬يرتبط الفرد بهما مشكال روابط اجتماعية‪،‬‬
‫فاألولى نجدها تتميز بالقرب المكاني وصغر حجمها‪ ،‬وطول مدة التفاعل داخلها‪،‬‬
‫مثل رابطة األسرة والقرابة‪ ،‬رابطة الصداقة والجيران‪.‬أما الثانية فتتميز بالبعد‬
‫المكاني‪ ،‬وكبر عدد أفرادها‪ ،‬وقصر مدة تفاعل االفراد داخلها‪ ،‬مثل الشركات‬
‫واإلدارات وكل الروابط والعالقات‪ ،‬التي ال تتميز بطول المدة وقرب المكان‬
‫والتفاعل‪ .‬وهنا ندرك أن قوة الرابطة االجتماعية‪ ،‬عند كولي تكون قوية ومستمرة‪،‬‬
‫إذا كانت قريبة من الفرد إلى درجة شعوره أنها جزء منه‪ ،‬أو هو جزء منها‪ ،‬حيث‬
‫يذوب بداخلها ويستعمل مصطلح نحن‪ ،‬بدال من أنا أو ما يسمى باألنا الجماعي عند‬
‫علماء االجتماع‪.‬‬
‫من خالل هذا التحليل يبدو واضحا أن كولي‪ ،‬يريد أن يفسر ظهور الجانب‬
‫االجتماعي للفرد في المراحل األولى للطفولة‪ ،‬وهي عندما يبدأ باالتصال والكالم مع‬
‫اآلخرين‪ ،‬بمعنى أن الروابط والعالقات االجتماعية‪ ،‬تبدأ في مرحلة مبكرة لإلنسان‬
‫وهي الشعور بالذات االجتماعية التي أصبحت عبارة عن أفكار‪ ،‬تشتق وجودها من‬
‫التواصل االجتماعي‪ ،‬بين األفراد‪.‬مؤكدا على أهمية الجماعات األولية في تكوين‬
‫الذات االجتماعية‪ ،‬وذلك من خالل مالحظاته التي ركزها على ثالث نماذج‬
‫للجماعات األولية وهي األسرة‪ ،‬جماعة اللعب لألطفال‪ ،‬جماعة الجوار‪ ،‬معتبرا أن‬
‫داخل سياق هذه الجماعات الصغيرة‪ ،‬تتشكل القيم والمثاليات‪ ،‬لدى األطفال عند أول‬
‫احتكاك لهم باألسرة‪.‬فهو يقول‪":‬المجتمع مجموعة منظمات وليس تنظيما فريدا‪،‬‬
‫فالمجتمع يعني الترابط‪ ،‬أي الدخول في عالقات وتفاعالت متبادلة‪ ،‬ألن ذلك هو‬
‫سبيل بلورة الخبرات بصورة أفضل وأكثر واقعية‪ ،‬وكلما زاد عدد المنظمات‪ ،‬كان‬
‫ذلك محققا بشكل أفضل للحياة االجتماعية‪ ،‬وال يتحقق ذلك إال من خالل االتصال‬
‫والمشاركة"‪.‬‬

‫‪6‬الرابط االجتماعي من خالل نظرية العقد االجتماعي‬


‫لقد برزت نظرية العقد االجتماعي‪ ،‬بصورة واضحة في الفكر السياسي واالجتماعي‬
‫في أوروبا خالل القرنين السابع عشر والثامن عشر‪ ،‬على يد عدد من المفكرين‬
‫األوروبيين‪ ،‬أبرزهم االنجليزي توماس هوبز‪ ،‬جون لوك ‪،‬جان جاك روسو‬
‫ومنتسكيو ‪ ،‬قد اتفقت النظريات التي قال بها هؤالء المفكرون‪ ،‬على إرجاع نشأة‬
‫المجتمع و الدولة إلى فكرة العقد االجتماعي‪ ،‬وأن األفراد قد انتقلوا من الحياة‬
‫البدائية‪ ،‬التي كانوا يعيشونها‪ ،‬إلى حياة الجماعة التضامنية والسياسية‪ ،‬بموجب‬
‫العقد‪ .‬والذي هو عبارة عن اتفاق مجموعة من األفراد‪ ،‬فيما بينهم لتكوين مجتمع‬
‫على قاعدة الفائدة المتبادلة‪ ،‬وتجنب األضرار مقابل تسليم الفرد‪ ،‬إلرادة الجماعة‬
‫ممثلة بالسلطة‪.‬‬
‫*هوبز‪ ،‬لقد قام بوضع نفسه في مرحلة ما قبل المجتمع االفتراضية‪ ،‬وقارن بينها‬
‫وبين الحالة االجتماعية‪ ،‬ليستنتج أن األسباب التي دعت لنشوء المجتمع والتضامن‬
‫االجتماعي فيه‪ ،‬أن اإلنسان في مرحلة ما قبل المجتمع‪ ،‬أي الحالة األصلية يتركز‬
‫اهتمامه على المصلحة الذاتية‪ ،‬ومع غياب السلطة التي تجبر األفراد على التعاون‪،‬‬
‫وجد أن الحياة في مثل هذه البيئة‪ ،‬ستكون صعبة التحمل وقاسية جدا‪ ،‬حيث يخشى‬
‫كل فرد على حياته مع األخر‪ ،‬وال يستطيع أحدهم ضمان تلبية حاجاته ورغباته لمدة‬
‫زمنية طويلة وعليه استنتج أن المرحلة الهمجية‪ ،‬تحوي أسوء ظروف يمكن أن‬
‫يعيشها اإلنسان‪.‬كما رأى هوبز‪ ،‬أن الطريقة للخروج من الحالة السابقة‪ ،‬هو عن‬
‫طريق االتفاق على قوانين مشتركة وعلى إيجاد سلطة حاكمة‪ ،‬والتي تكون هي‬
‫تكون المجتمع والتضامن االجتماعي‪ ،‬على عكس التنافر االجتماعي‪،‬‬
‫السبب في ُ‬
‫وتظهر الروابط االجتماعية بين األفراد ألنه ال يستطيع أي فرد أن يُؤذي غيره من‬
‫األفراد في المجتمع‪ ،‬بسبب العقد القائم بينهم والقوانين المطبقة عليهم‪.‬‬
‫*كما يؤكد روسو أن األسرة هي أقدم المجتمعات‪ ،‬وهي وحدها المجتمع الطبيعي‪،‬‬
‫تشكل رابطة طبيعية‪ ،‬إال أنها ال تدوم مع الزمن ألن األبناء في البداية (الرابطة‬
‫الطبيعية)‪ ،‬يعيشون مرتبطين بوالديهم لضمان بقائهم‪ ،‬وحالما تقتضي تلك الحاجة‬
‫تنحل تلك الرابطة الطبيعية‪ ،‬فاألوالد وقد أصبحوا ُمعفين من الطاعة‪ ،‬التي كانت‬
‫مفروضة عليهم ألبيهم‪ ،‬واألب وقد أعفى من ضروب العناية‪ ،‬التي كان ُملزما ببذلها‬
‫لهم‪ ،‬ينالون كلهم على السواء استقاللهم بأنفسهم‪ .‬وإذا حدث أن ظلوا مترابطين‪،‬‬
‫مؤتلفين فال يكون هذا طبيعيا‪ ،‬كما كان من قبل بل تُصبح رابطة اجتماعية بمحض‬
‫إرادتهم‪.‬‬
‫والعقد عند روسو‪ ،‬ليس عقدا بين األفراد‪ ،‬مثلما يراه هوبز‪ ،‬وال عقدا بين األفراد‬
‫والحاكم كما يراه لوك‪ ،‬ولكنه أعطاه شكال أخر‪ ،‬فبموجب العقد االجتماعي‪ ،‬كل‬
‫واحد يتحد مع الكل والعقد معقود مع المجوعة‪ ،‬لكل واحد منا يضع في الشراكة‬
‫شخصه‪ ،‬وكل قدرته تحت سلطة اإلدارة العامة‪ ،‬ونحن نلتقي ككل‪ ،‬أي كجسم‪ ،‬كل‬
‫عضو ال يتجزأ من الكل‪ ،‬كل شريك يتحد مع الكل وال يتحد مع أي شخص بشكل‬
‫خاص‪ ،‬إنه ال يخضع هكذا إال لذاته‪ ،‬ويبقى حرا كما في السابق‪.‬‬
‫*كما نجد منتسكيو يربط القانون بالمجتمع وأصله فيقول‪ :‬ال يمكنني أبدا أن أتحدث‬
‫عن القانون العام‪ ،‬دون أن أبدأ في البحث عن أصل المجتمعات‪ ،‬والشيء الذي ال‬
‫يبدوا سخيفا‪ ،‬إذا شكل األفراد ترابطا‪ ،‬ألنه ال يمكن االنفصال بينهم‪ ،‬وذلك ألن‬
‫القانون االجتماعي‪ ،‬يتطلب الترابط بين البشر لخلقهم من أب واحد‪ ،‬وهذه هي سببية‬
‫االجتماع‪.‬هذا ما توصل إليه علماء االجتماع إلى أن االتحاد أو الترابط يؤدي إلى‬
‫القوة ‪.‬وذلك ليس رغبة من الفرد وإنما يأتي تلقائيا في الجماعة‪ .‬فالعقد االجتماعي‪،‬‬
‫هو عبارة عن رابطة اجتماعية‪ ،‬تجمع بين أفراد المجتمع داخل لواء الدولة في علم‬
‫االجتماع السياسي‪ ،‬فتتشكل الحقوق والواجبات اتجاه الوطن أو الدولة وهذا ما يسمى‬
‫بالمواطنة‪ ،‬كما اعتبرها رواد هذه النظرية‪.‬وحتى يعيش الفرد بأمان واكتفاء يحتاج‬
‫للتعاون‪ ،‬مع بني جنسه ولكن شريطة وجود الحاكم‪ ،‬الذي يكبح من عدوانية األفراد‬
‫بينهم وينظم حياتهم بالقانون‪.‬‬
‫فالعقد االجتماعي عبارة عن رابطة اجتماعية‪ ،‬تجمع بين األفراد فيما بينهم وبين‬
‫األفراد والحاكم أو السلطة الحاكمة‪ .‬كما أن لوك و جان جاك روسو‪ ،‬استعمال نفس‬
‫المنهجية التي استخدما هوبز‪ ،‬في نظرية العقد االجتماعي‪ ،‬رغم بعض الفارق بينهم‬
‫المتمثل في الحالة الطبيعية لإلنسان حيث يرى روسو"أن الناس كانوا يعيشون في‬
‫الحالة الطبيعية‪ ،‬اكتفاء ذاتيا وسالم في ظل مبادئ أخالقية‪ ،‬إال أن التجمع أو‬
‫المجتمع جاء نتيجة لعوامل اقتصادية و ليس أمنية‪ ".‬ألن ظهور الروابط‬
‫االجتماعية‪،‬والتضامن االجتماعي‪ ،‬من خالل تقسيم العمل‪ ،‬إال أنه ظهرت بعض‬
‫الصفات الذميمة‪ ،‬كالحسد والجشع بظهور الملكية الخاصة‪ ،‬وهذا هو السبب الذي‬
‫عمال لديهم‪ ،‬مما أوجد نظام الطبقات‪ ،‬فأدرك‬
‫جعل البشر ينقسمون إلى ُمالك وإلى ُ‬
‫أصحاب األمالك أن من مصلحتهم إنشاء حكومة‪ ،‬لتحمي ممتلكاتهم‪ ،‬وتتأسس هذه‬
‫الحكومة على أساس عقد اجتماعي ينص على توفير ال ُمساواة والحماية‪ ،‬إال أن‬
‫الروابط االجتماعية‪ ،‬تبقى موجودة بين األفراد رغم التنافر والتجاذب الدائم بينهم‪.‬‬
‫ورغم أن نظرية العقد االجتماعي‪ ،‬تدور حول السلطة و النظام السياسي‪ ،‬إال أن لها‬
‫عالقة بالمجتمع‪ ،‬والرابطة االجتماعية‪ ،‬ف ُمنظري هذه النظرية يتحدثون عن‪ ،‬كيف‬
‫ينشأ المجتمع‪ ،‬وكيف ي ُحل فيه التجمع والتضامن‪ ،‬فهم يرون أن المجتمع ينشأ عن‬
‫تعاقد الناس واتفاقهم‪ ،‬سماه روسو بالكل فالمجتمع قبل هذا التعاقد‪ ،‬أي قبل تعيين‬
‫صاحب السيادة‪ ،‬هو مجموعة من الناس بدون نظام وبدون قانون وعلى هذا‬
‫األساس‪ ،‬يرى روسو أن الحالة الطبيعية لألفراد‪ ،‬كانت خيرا للناس حيث سادت فيه‬
‫الحرية والمساواة‪ ،‬ونتيجة للتفاوت في الثروات و التقدم المدني‪ ،‬سادت هذه الحالة‬
‫فأدى ذلك بتنازل األفراد عن حقوقهم‪ ،‬لصالح اإلدارة العامة‪ ،‬مقابل ضمان أمنهم‬
‫وحقوقهم واستقرارهم‪.‬‬
‫خاتمة‬
‫نستنتج من هذا أن أصحاب نظريات الرابط االجتماعي‪ ،‬يقسمون الروابط حسب‬
‫المراحل االجتماعية‪ ،‬أو بصورة أوضح يتحدثون على الروابط االجتماعية‪ ،‬ضمن‬
‫ثنائية المجتمع التقليدي‪ ،‬والمجتمع الحديث أو المجتمع الريفي والحضري‪ .‬كما أنهم‬
‫يرون أن الروابط تكون قوية في المجتمعات الريفية والتقليدية‪ ،‬بينما تضعف في‬
‫المجتمعات الحضرية الصناعية‪ ،‬معنى هذا أن طبيعة الرابطة االجتماعية‪ ،‬تتغير‬
‫لتتحول طبيعتها من روابك دموية طبيعية أساسية‪ ،‬بين األفراد لتصبح طبيعتها‬
‫مصلحية نفعية‪ ،‬تتأسس على الفردانية‪ ،‬خاصة منها في المجتمعات الصناعية الكبيرة‬

You might also like