Professional Documents
Culture Documents
االتجاه القديم في العلوم االنسانية كان يعتبر الشخصية ذات اساس بيولوجي وراثي ولذا سمي هذا
االتجاه بالحتمية البيولوجية .فزيادة او نقص او انعدام مادة معينة في الجسم كافية لالخالل
بشخصية االنسان .وقد رفضت االنثروبولوجيا فكرة ان آليات التكيف البيولوجي هي وحدها التي
تعيننا على البقاء واالستمرار ,بل ان هناك حاجة ماسة لالتصال االجتماعي وهو اساسي مثل
الحاجة الى الطعام او الشراب والراحة والزواج .والعزلة قد تسبب لصاحبها ضغوطا نفسية الن
البشر بطبيعتهم مدفوعين للعيش في جماعات اجتماعية .
فالطفل البشري ليس مثل الوليد الحيواني يحتاج الى فترة طويلة كي يتعلم وهو يعتمد كليا على
االخرين في عملية التعلم .لذا يقول بعض علماء االنتربولوجيا بانه يجب ان نضيف الى الحتمية
البيولوجية واالتصال االجتماعي ضرورة اخرى هي حتمية المعرفة او االدراك وهي تشير الى نوع
من التخصص التوافقي االعلى يميز النوع البشري .
ان الكائنات البشرية لديها استعداد بيولوجي لتعلم السلوك االنساني الن العقل البشري والجهاز
العصبي قد نظم ليشجع التفاعل االجتماعي مع االخرين بالتعلم والتكيف مع متطلبات النسق
االجتماعي .فالطفل ليس بحاجة الى متطلبات بيولوجية فقط لكنه بحاجة ايضا الى متطلبات
عاطفية .
لقد اوضحت دراسات عدة بان اطفال القردة العليا التي حرمت من صحبة امهاتها التنمو بنفس
الطريقة التي نمت بها القردة التي عاشت دفء االمومة .ووجدوا بانها تنصرف عن اللعب وتصبح
اقل فضوال واكثر عدوانية ,وعالقاتها الجنسية مضطربة .كما ان الذكور من القردة التي عاشت
بعيدة عن امهاتها تبدي اهتماما اقل بالقردة االناث في مرحلة البلوغ .من جهة اخرى فان القردة
االناث الالئي عشن بعيدا عن امهاتها يبدين اهتماما اقل باطفالهن .
ان فترة اعتماد االنسان بمكوناته البيولوجية وجيناته الوراثية على اآلخرين اطول من اعتماد الحيوان.
فطفولة االنسان الطويلة تحقق له ما يمكن ان نسميه التنميط الثقافي . cultural typology
فالطفل ليس لديه اختيار انه يتعلم الن يستجيب لثقافته التقليدية .
ظهور االتجاه الثقافي في االنثروبولوجيا بتاثير مدرسة فرويد التي تناولت الطفولة ومراحلها وتكييفها
الثقافي واالجتماعي ,اي عملية النضج النفسي والجنسي .كما تأثرت االنثروبولوجيا بالمدرسة
السلوكية التي استهدفت تفسير السلوك االنساني باخضاعه للمالحضة والمشاهدة والقياس,
وباالبحاث الخاصة عن الطبيعة البشرية وخاصة كتابات السير الذاتية وحياة االفراد .
وفقا لهذه المدرسة ان الشخصية تتشكل من عاملي الوراثة ( الجينات ) والبيئة .وأهم العناصر
البيئية هي الثقافة التي تتكون من أنساق المعاني المشتركة التي تزود الفرد بمعايير اإلدراك واإلعتقاد
والتقييم واإلتصال والفاعلية بين أولئك الذين يشترك معهم باللغة والتاريخ والموقع الجغرافي .والثقافة
حسب تعريف معاصر هي شبكة من المعرفة التي تكون أجرائية ( سلسلة مكتسبة من االستجابات
إلشارات معينة ) وبيانية ( تمثيالت الناس ,الحوادث ,االعراف ) وهي منتجة بين تجمعات من
ناس متفاعلين .وتأثير ثقافي على سلوك الفرد إحتمالي وليس حتمي .وبهذا تقارن باللعبة (مع
مختلف االدوار ) والناس هم الالعبين .فالالعبين يلتقطون (او يختارون) من مختلف االستراتيجيات
والخيارات .وأحياناً ينتهكون أو يعدلون االدوار في اللعبة .والدرجات المعطاة لالعبين هي حسب
االدوار المختلفة لألفراد .وتعتمد على تمييزهم الشخصي أو إختيارهم الشخصي ,المزاج ,مواقف
معينة .
-1كل ثقافة لها ميزتها وكل اعضائها استدخلوا تلك الميزات وصوروا شخصية مجسمة مع
ثقافة مشتركة بينهم ( فرضية التماثل ) .
-2خبرات الطفولة – المشكلة ثقافياً – يمكن ان تؤثر في أنماط متوقعة لشخصية البالغ
(فرضية اإلستم اررية).
-3خصائص شخصية البالغ السائدة في شعب معين تتأثر بصورة مباشرة بثقافته ومؤسساته
واالتجاهات التاريخية واالجتماعية .
ظهرت هذه المدرسة في النصف االول من القرن العشرين ودرست التفاعل بين المظاهر النفسية
للفرد وثقافته .واالفكار الرئيسية التي طرحتها هذه المدرسة هي :
بينت نظريات الثقافة والشخصية بأن التنشئة اإلجتماعية هي التي تخلف أنماط الشخصية ,وتشكل
عواطف الشخص وأفكاره وسلوكه وقيمه ومعاييره الثقافية كي تتالئم مع دوره كعضو منتج في
المجتمع المحيط به .فمدرسة الثقافة والشخصية تبحث كيف ان مختلف اساليب التنئشة االجتماعية
تنتج أنماط مختلفة للشخصية .
وهذه المدرسة جائت كرد فعل لألفكار التطورية واالنتشارية التي سادت في القرن التاسع عشر.
وتعد الدراسات الميدانية التي أجرتها كل من روث بندكت وماريكريت ميت المغذيات الرئيسية
للعالقة التفاعلية بين الثقافة والشخصية .وقد وصلت هذه المدرسة ذروتها في الثالثينات القرن
العشرين ولكنها بدات بالظمور بعد الخمسينيات حيث تغير أسمها الحقاً الى األنثروبولوجيا النفسية.
ان اإلهتمام بالعالقة بين الثقافة والشخصية من قبل رواد هذه المدرسة :بندكت ,ميد ,سابير
أنتج ثالث نماذج نظرية هي :
طرحت افكارها الرئيسية في كتابها (انماط الثقافة) الذي طبع عام .1231يعد كتاب بندكت تعديالً
آخر على فكرة (الثقافة تنشأ من ثقافة) ولكن بشكل مختلف اعتمدت فيه على االبعاد النفسية
للبشر .اذ ترى بأن التكامل الثقافي ليس على مستوى السمات ومركبات السمات واالقتصاديات
والتقنيات والمواقع االيكولوجية ,لكنه في نمط االفكار والعواطف المميزه لثقافة ما .بكلمة أخرى
فان ما يربط الثقافة معاً يوجد في عقول اعضاء الثقافة.
ان مفهوم النمط Patternيشير الى مجموعة اساسية مميزه من القيم والعواطف التي تنتشر بين
مجموعة من الناس وتتكامل بها ثقافاتهم .وما يحدد تكامل السمات الثقافية في ثقافة معينة هو
على الطبيعة المميزه لتلك الثقافة.
واكدت بندكت مثل استاذها بواس على طواعية (ليونة) السلوك البشري وقوة تأثير الثقافة في تشكيل
ذلك السلوك .فانماط الثقافة التي وصفتها لجماعات الزوني والكواكيوتل والدوبو هي امثلة ألولية
الثقافة على البيولوجيا .حسب رأيها ان كل ثقافة تشغل جزءاً من متصل كبير للتنوع او ما أسمته
(القوس الكبير) للثقافة الذي تنتج فيه المنافع اما من خالل دورة الحياة او البيئة او انشطة االنسان.
ان الثقافة تشمل قد اًر كبي اًر من االمور الغامضة مثل اللغة التي تستعمل النقرات والشفاهيات والصفير
والحروف من الصامتة الى الصوتية ومن الشفاهية الى االنفية .هويتها كثقافة تستند على انتقاء
بعض االجزاء في ذلك القوس .وكل مجتمع انساني له مثل هذا االنتقاء في مؤسساته الثقافية.
فاحدى الثقافات ال تهتم بالقيم االقتصادية (المالية) ,وأخرى تجد فيها االساس لكل سلوك .وفي
مجتمع ما نجد تجاهالً للتكنولوجيا مع ضرورتها للبقاء ,لكن في مجتمع آخر نجد التكنولوجيا معقدة
ولها اهمية بالغة .وقد تستند ثقافة ما على جيل المراهقين ,وأخرى تستند على قيم ما وراء الحياة.
عملت بندكت على فكرة ان الثقافات المختلفة تؤكد على خصائص معينة تصبح مركزية وتنظم ما
حولها من الجوانب االخرى في المجتمع ,وطبقت تلك االفكار على الدين .فالدين مثل الضوء الذي
يتأرجح بشكل عشوائي .اذ نجده في مجتمع يركز على ان الملكية وما حولها من المفاهيم مكفولة
دينياً ,وفي مجتمع آخر نجده يتجاهل الملكية ,وفي آخر يركز على السيطرة على المناخ ,او على
العالج ,لذا فهي تعتقد بأن االختالفات الثقافية النهائية .وان اي ثقافة يمكن ان تتطور وفقاً ألي
مسار بسبب ديناميكيتها الداخلية .
ان كل جوانب الثقافة تخضع لنمط عاطفي اساسي وضمني تسميه بندكت التكوين الثقافي او
(الصيغة )Configurationوتسمى فكرتها هذه بالتكوينية .تركز بندكت وفق هذه المفهوم على
فهم الظواهر ككل منظم وليس كتجمع الجزاء منفصلة وذلك رداً على االنتشاريه االوربية التي
كانت تنظر الى الثقافة بشكل سمات منعزلة ,التكوينية بدال عن ذلك اكدت على تكامل السمات
مع عناصر الثقافة .فكل انواع السلوك التي تتجه نحو المعيشة والزواج والعنف والعبادة تتم في
انماط ثابتة وفقاً لقوانين غير واعية من االختيار التي تنمو داخل الثقافة.ان كل ثقافة لها تكوين
من السمات مميز وفريد ,ولها ايضاً تكوين عاطفي فريد من المشاعر والحوافز .فالثقافة وفقاً لذلك
تحدد شخصيات البشر بدعم نماذج المزاج المالئمة لها.
الثقافة والشخصية
تشير الشخصية الى تنظيم من القوى اقل او اكثر ثباتاً ضمن الفرد مرتبط بمركب متماسك من
القيم واالتجاهات وطرق االدراك التي تشكل السلوك المنتظم للفرد .ان اآللية التي تطبع من خاللها
القيم الثقافية عند الفرد تسمى بالتثقيف Enculturationاو التنشئة االجتماعية التي تبدأ بتربية
الطفل ,حيث يستعمل الوالدان اساليب الثواب والعقاب لتعليم ابناءهم السمات الثقافية كجزء من
القوس الثقافي ,وبذلك يتم قولبة moldingالطفل في نمط شخصية معينة .اذن تتشكل الطبيعة
البشرية من خالل القيم االولية للثقافة الى درجة ان اعضاءها سيتصورون بأن مؤسساتهم الخاصة
تعكس التعقل النهائي والشامل .وهذا ال يعني بأن كل عضو في ثقافة ما له نفس طباع االعضاء
االخرين .كما ال يوجد باحث يعتقد بأن االفراد يتصرفون بشكل ميكانيكي وفقاً لثقافتهم .كما التوجد
ثقافة تستطيع الغاء االختالفات في طباع االشخاص الذين يكونونها .فالعملية دائماً هي اخذ
وعطاء.
الحظت بندكت بأن كل ثقافة تضم افراداً منحرفين عن نمط الشخصية السائدة في ثقافتهم .وألن
القيم الثقافية نسبية فأن االنحراف ذاته نسبي ايضاً .فالمجنون في احدى الثقافات قد يكون بسهولة
قديساً في ثقافة اخرى .في مجتمع الدوبو مثالً يعد الشخص الودود شاذاً ,والشخص الذي يحظى
بتقدير ٍ
عال بين اعضاء قبائل السهول يكون منحرفاً عند قبائل البويبلو ,وصاحب الفخامة في
الكواكيوتل يعد مصاباً بجنون العظمة في الثقافة االوروامريكية.
وبسبب ان الثقافة تحدد الشخصية ,فان الناس من مختلف الثقافات يتصرفون ويشعرون ويفكرون
بشكل مختلف .فالفكر والسلوك هو نتاج لكل ثقافة مميزة ,وليس نتاجاً للثقافة االنسانية بأسرها.
النه الثقافات تختلف جذرياً فيما بينها وال تناسب احداها االخرى.
تعد افكار بندكت انعكاساً للجوانب النسبية والخصوصية التي ميزت اتباع فرانز بواس التي ترى
بأن كل ثقافة يمكن ان تدرس في ضوء مفاهيمها .وهي ذات الفكرة التي تكررت الحقاً على يد
كتاب االنثروبولوجيا التأويلية في أن الثقافة تنتج التنوع Othernessاو االختالف بين البشر.
ان فكرة بندكت حول كون الثقافة هي المحدد االساسي لشخصيات اعضائها اصبحت االطروحة
فسرت بندكت العالقة
المركزية لمدرسة الثقافة والشخصية في االنثروبولوجيا الثقافية االمريكية .اذ ّ
بين الثقافة والشخصية في ضوء مفهومين :الديونيسي واالبولوني .1
وصفت بندكت شعب بوبيلو بالشك في الفردية وانه يقدر قمع رغبه الفرد واذابتها برغبة الجماعة,
فااللتزام بالحدود واالمتثال للتقاليد واالعتدال له قيمة اكثر من المبادرة االفردية واالبتكار.ان شعب
البويبلو هادئ غير عاطفي ويتجنب االفراط وتغيب عنهم الخبره الدينية الصوفية
(المنتشية ) ecstaticوتناول المسكرات وفساد الذات السائدة في ثقافات السهول .بالمقابل
وصفت هنود السهول بالشخصية الديونيسية التي تميل الى العنف (الحرب) والفردانية واالعتماد
على الذات والطموح والتنافس ,وهم يقدرون كل تجارب العنف ويتوسلون بالقوى الغيبية لمساعدتهم
في نزوات الحرب والتنافس العدواني .
ان االختالف بين ثقافتي البويبلو وهنود السهول يمكن توضيحه في ضوء االختالف في انظمة
المعيشه واالنظمة االيكولوجية .فشعب البويبلو من المزارعين الذين يعيشون في القرى ويتبعون
1وهما مفهومين استعارتهما من الفيلسوف االلماني نيتشه .ديونيس عند اليونان هو اله الخمر اما ابولون فهو اله الشعر والموسيقى.
precedenceوالتقاليد روتينهم في الزراعة والحصاد والتخزين .ويسود بينهم االمتثال للسلف
كما هو الحال في كل المجتمعات الزراعية .بينما ينظر الى المساهمة الفردية واالبتكار بالشك
النها قد تعيق الدورة الزراعية.
اما هنود السهول فكانوا بدو يصطادون الجاموس وينخرطون في حروب غزوية كثيفة ولهم مؤسسات
تربي على االعتماد الذاتي من خالل اثبات الشجاعة والتسامح مع االلم وتقدير قوة المحارب .وكل
هذه المزايا ضرورية للبقاء في بيئه تنافسية وحربية هي السهول العظمى ,وضرورية ايضاً للنجاح
كونهم صيادين للجاموس من على ظهور الخيول والتي تتطلب االعتماد على الجرأة الفردية والدهاء
والتفكير النشط.
ماركريت ميد
كانت ميد احد الذين أرسوا قواعد مدرسة الثقافة والشخصية وأول من قام بدراسة ميدانية موجهة
توجهاً سيكولوجيا (نفسياً) وبدأت في ذلك المجال بدارسة التنشئة االجتماعية والتطبيع الثقافي.
تصور بندكت للثقافة كنمط وأدى اهتمامها بالفرد الى اعادة تعريف
وانطلقت في دراستها باستخدام ّ
الثقافة بانها (الحبكة) التي تكمن وراء السلوك البشري وانها أمر تمت صياغته بطريقة غير واضحة
ومعقدة ليس من السهل تصورها ,وشارك في هذه الصياغة آالف من المخيالت خالل عصور
طويلة .انها عمل من اعمال الفن التي تخاطب العديد من الحواس ولها ابعاد عديدة واساليب
متنوعة للوصول الى االخرين .كما كانت اول باحث انثروبولوجي تدرس ممارسات رعاية االطفال
وتمكنت لعدة سنوات على تنسيق وتنظيم وتطوير االجراءات المنهجية التي تضمن دقة المالحظة
والتسجيل التفصيلي لسلوك الطفل وادماجه في الثقافة ,اي عملية التعلم العقلي كما تحدث في اي
ثقافة معينة .وتعتبر افضل علماء االنثروبولوجيا في ابراز ادق االرتباطات بين االنماط الكلية
الشاملة للثقافة وانماط تنشئة الطفل في تلك الثقافة.
في دراستها لقبائل ساموا وجدت بان تربية الطفل تؤدي الى ظهور البنية النمطية للشخصية بين
البالغين .فمثال ان الحرية الجنسية التي تتمتع بها الفتاة في ساموا تفسر لنا عدم مواجهة الفتيات
لالزمات او االحباط خالل مراحل المراهقة .
في دراستها عن غينيا الجديدة وجدت ان سكان احدى القبائل يميلون الى العنف والعدوان وعدم
الثقة والشك كما لو كانوا في حرب مستمرة .فاالبناء يتشاجرون دائما مع االباء واالخوة في صراع
مستمر .بينما وجدت في قبيلة االرابش المجاورة ان السكان يتميزون باللطف والتعاون وال يعرفون
الصراع او الحرب ويدخلون في عالقات تكافلية الى حد بعيد .
هذه االختالفات في نمط الشخصية مرده الى عمليات التنشئة االجتماعية وممارسات تربية الطفل.
فقد اكتشفت ان قبيلة االرابش تدرب االطفال على االستقاللية بطريقة متدرجة والنظام تدريجيا بعيدا
عن العنف والقسوة .فالمرأة تقدم ثديها لطفلها الخائف حتى الولئك الذين تجاوزوا سن الفطام بينما
المرأة لدى قبائل موندوكومور التفعل ذلك فالفطام قاسي ومفاجئ الى حد بعيد وتصرخ االم في
وجه الطفل او تضربه اذا لم يلتزم الوامرها .
كما اسهمت في دراسة (الخلق القومي) او الشخصية القومية باعتبارها من المدافعين عن االسلوب
الذي استحدثته بندكت لتحديد بناء الشخصية المنوالية للثقافة وممارسة العناية باالطفال في تلك
الثقافة .ووصفت ميد عالقة الثقافة باساليب الرضاعة ورعاية الطفل بالقول ( ان رابطة رعاية االم
بطفلها رابطة بعيدة العمق في الشروط البيولوجية التي ال يمكن التغاضي عنها اال عن طريق
ترتيبات اجتماعية غاية في التعقيد .ويمكن القول ان كل امرأة هي أم بالطبيعة اال اذا اخطرت
بانها غير مؤهلة للحمل) .وكانت تضيف بان االفعال والتصرفات الخاصة بتقميط جسم الطفل او
فطامه ليست هي التي تنقل الثقافة لألطفال ولكن الذي يقوم بذلك هو السياق الثقافي الذي تتم فيه
هذه االفعال.
وانتقدت اساليب الرعاية التي يوصي بها طب االطفال والمتعلقة بالوالدة وذلك التي تتدخل في فترة
ما بعد الوالدة مباشرة وتفصل االم عن الطفل المولود حديثا وتفرض طرق التغذية والعناية التي ال
تاخذ في االعتبار العالقة المتبادلة الرقيقة بين االم والطفل الوليد .وذهبت الى حد افتراض (انه
عن طريق القواعد الثقافية المفروضة على سلوك االم الهادئ او االيجابي يمكن لعملية التعلم ان
تبدأ داخل الرحم).
وكان اهتمامها بالتفاعل االمومي مع الطفل الصغير هو الذي وجهها نحو دراسة عمليات الرمزي
عن طريق الحركات او المالمسة غير الكالمية .ففي بالي الحظت ان االطفال الصغار اليستجيبون
للتعبيرات الوجهية لالم ولكن للعواطف والمشاعر التي يتم التعبير عنها حركيا .فبينما االم تبتسم
مثال وتنحني وهي تحيي الشخص الغريب يصرخ الطفل الصغير من االرتباك .فهو يعبر عن
الخوف الناشئ في السلوك الحركي الذي تعبر به االم دون ان يصدر عنها اي كالم او تعبير في
الوجه او في طريقة وقوفها .وشعرت ميد بان مثل هذا التعلم (الاللفظي) وغير المفصل يمكن ان
يحدث فقط في حالة وجود نموذج مثالي .وكانت تؤكد كما لو كان مختلفا عن تعلم الكالم ثم تعلم
لغة ثانية بعد ذلك.
ان اهتمامها بمفهوم العالقات غير اللفظية ادى فيما بعد الى االهتمام بالتعلم الحركي وتطوير
مجال علم االشارات واستخدام التسجيالت السمعية – البصرية في دراسة السلوك مما ترتب عليه
اتجاهها نحو دراسة الجوانب الروحية التي كانت تعتبرها جزء من (متصل كلي لظواهر االتصال).
كانت ميد تعتبر التطبيع الثقافي (التنشئة االجتماعية) عملية اتصال وان التجربة يمكن نقلها عن
طريق اساليب رمزية .فتزامن التأثي ارت ال يتم فقط عن طريق سلوك وتصرفات االشخاص الذين
يتصلون بالطفل وحسب لكنه يتم ايضا عن طريق الشعائر والمواقف االنفعالية ومظاهر الفنون.
فشكل احد االواني مثال او الرسوم على ابواب المعابد او منظر الساحة الممتدة امام البيت كلها
تقوي نفس النمط الذي يتعرض له الطفل في تسلسل متتابع .ففي المجتمعات التي يحدث فيها
التغير ببطء شديد تتاح الفرصة لكل طفل ان يتعلم من االجزاء المختلفة للتجربة .فبعض االطفال
يتعلمون من شكل سقف البيت وهم ينظرون الى السقف المعروش اثناء استلقائهم على ظهورهم
بينما البعض االخر يتعلم من ملمس اإلناء في ايديهم بينما آخرون يتعلمون من وقع االصوات في
اذانهم وهكذا ..اال ان هذه االشياء تعتبر مجرد اجزاء في وحدة كلية لها شكل متسق تم تثبيته
وتوفيقه خالل عدة اجيال.
ابراهام كاردينر
يرى كاردينر ان افراد المجتمع الحاملين لثقافة واحدة يشتركون في سمات معينة للشخصية وأطلق
على تلك السمات المشتركة البناء االساسي للشخصية .وعرفها بانها االدوار الفعالة المتكيفة عند
الفرد ,وهي عامة عند جميع افراد المجتمع الواحد .ويعطى كاردينر اهمية كبرى لمرحلة الطفولة
المبكرة وما يتضمنها من انماط ثقافية في تشكيل البناء األساسي للشخصية .ففي كل مجتمع توجد
العديد من النظم التربوية يطبقها اآلباء في تربية اطفالهم في مرحلة الطفولة .وبرغم وجود اختالفات
فردية في تطبيق تلك النظم فانه توجد انماط عامة تمثل اكثر حاالت السلوك تك اررا .فمثال في كل
مجتمع تميل النساء الى ارضاع اطفالهن لفترات زمنية متقاربة بحيث نستنتج ان سن الفطام في
مجتمع ( أ ) هو سنة وفي مجتمع ( ب ) سنتان وفي مجتمع ( ج ) ثالث سنوات كذلك الحال
بالنسبة لباقي النظم التربوية الخاصة بمرحلة الطفولة مثل نظام التدريب على المرحاض ونظام
الثواب والعقاب وعدد مرات الرضاعة في اليوم الواحد واسلوب وضع المالبس على جسم الطفل
والتنظيمات الجنسية ونظام حمل الطفل ونظام تشجيع الطفل على النوم وتعليم الطفل النطق الول
مرة وما الى ذلك من النظم االجتماعية والثقافية الخاصة بمرحلة الطفولة .يرى كاردينر ان تلك
النظم هي عوامل حاسمة في تكوين شخصية الفرد ولذلك تؤثر بقوة في مرحلة الطفولة ويستمر هذا
التأثير بدرجات اقل في مراحل النمو تالية.
ان الجديد الذي اضافه كاردينر هو مفهوم البناء االساسي للشخصية وتحليله للنظم االجتماعية
والثقافية باسلوب اصيل يبين العالقة بين الثقافة والشخصية .فهو يرى ان خضوع االطفال في
المجتمع الواحد لخبرات ذات طابع واحد واستجابتهم المتشابهة لتلك الخبرات من اهم العوامل التي
تؤدي الى طبع شخصياتهم بسمات مشتركة ,ويتكون من مجموع تلك السمات المشتركة البناء
االساسي لشخصية هؤالء االفراد.
ان هذا البناء االساسي للشخصية هو الصيغة الكلية للشخصية العامة التي يشترك فيها معظم
اعضاء المجتمع الواحد نتيجة للخبرات المبكرة المتشابهة التي يشتركون فيها .وكما تختلف أساليب
تربية االطفال من مجتمع الى آخر تختلف كذلك اشكال األسرة وتختلف النظم االقتصادية التي
تؤثر بدورها في العالقات االسرية وتتفاعل كل تلك العوامل في تشكيل البناء االساسي للشخصية.
يستخدم كاردينر مفهومي النظم االولية والنظم الثانوية بطريقة خاصة تختلف عن التعريف التقليدي.
يعني اصطالح ( نظام ) عند كاردينر اي شكل محدد للتفكير او السلوك تأخذ به جماعة من
االفراد ويمكن ان ينتقل من فرد الى فرد ويتميز بان معظم افراد الجماعة يقبلونه ,ويترتب في
الخروج عليه حدوث بعض االضطراب عند الفرد او عند الجماعة.
اما النظم االولية فهي النظم االجتماعية والثقافية التي تتمتع نسبيا ِ
بالقدم والثبات والتأثر الضعيف
بالتغييرات المناخية واالقتصادية .وينظر افراد المجتمع الى النظم االولية على انها امور طبيعية
شأنها في ذلك شأن عملية التنفس .ويحدد كاردينر موضوعات النظم االولية بانها نظام االسرة
والنظم التربوية في مرحلة الطفولة مثل نظام الفطام ونظام التدريب على المرحاض والمحرمات
الجنسية باالضافة الى نظام التكوين الداخلي للجماعة وفنون توفير الطعام .تلعب النظم االولية
دو ار جوهريا في تشكيل البناء االساسي للشخصية وتمثل تلك النظم الوسائل التي تستخدمها الثقافة
في التأثير على الشخصية ,وبعد ان يتكون البناء االساسي للشخصية يقوم هذا البناء بدور فعال
في التأثير على الثقافة عن طريق النظم الثانوية.
ي حدد كاردينر النظم الثانوية بانها االداب الشعبية والمعتقدات والطقوس الدينية عن طريق عملية
اسقاط لبعض خصائص البناء االساسي للشخصية .فمثال قد ترجع مفاهيم المجتمع عن اآللهة
وعالقتهم باآللهة للنظم االولية التي تحدد عالقات الطفل بأبويه.
هكذا تتلخص نظريته في ان كل مجتمع يتميز افراده ببناء اساسي للشخصية ويتشكل هذا البناء
عن طريق النظم االولية السائدة في هذا المجتمع وعن طريق عمليات اسقاطية يشكل البناء
االساسي للشخصية النظم الثانوية السائدة في هذا المجتمع .
اهتم كاردينر باخضاع نظريته للفحص عن طريق المادة الثقافية وبالتالي حقق التعاون المنشود
بين ميدان الثقافة والشخصية وهو التعاون بين علماء النفس واالنثروبولوجيين .وقد كشف هذا
التطبيق والفحص االنثروبولوجي للنظرية عن بعض اوجه القصر والضعف فيها .ويحذرنا كاردينر
في مقدمة كتاب ( الفرد والمجتمع ) ان اوجه القصور ال تضعف من اهمية المنهج الذي اتبعه
والذي يتمثل في االهتمام باجراء التطبيقات االنثروبولوجية على نظريته ,اما النتائج السلبية فهي
امور مؤقتة ممكن ان تغيرها تطبيقات وابحاث اخرى تؤدي الى نتائج ايجابية.
يتضمن كتاب ( الفرد والمجتمع ) مناقشة قصيرة لخمس ثقافات لقبائل تروبرياند وكيوكيوتل وزوني
وتشوكش واالسكيمو .كما يحتوي كذلك على دراسة طويلة نسبيا قدمها رالف لينتون لشرح ثقافة
قبيلة ماركيزاس وقبيلة تاناال بجزيرة مدغشقر .وفيما يتعلق بكتاب (الحدود النفسية للمجتمع) توجد
مناقشات لثالث ثقافات اخرى ودراسة لينتون لثقافة قبيلة كومانش ومناقشة ويست لقبيلة الور وقبيلة
بالنفيل .ومن يؤكدان اهمية تعاون علماء النفس واالنثروبولوجيين لنجاح الدراسات في ميدان الثقافة
والشخصية.
ادوارد سابير
من الرواد في استخدام المتغيرات الثقافية لتحل محل المتغيرات الفسيولوجية والعصبية وجاء
تعريفه للثقافة مشتمال على مضامين نفسية وتاريخية وهذه الثنائية ( الثنائية النفسية والتاريخية )
ضلت مسيطرة على تفكيره .
استعرض تحيزه التاريخي ورفضه لفكرة ان الثقافة ( نسق ) بالقول ( ان كل وجهة من اوجه
الحياة االجتماعية كالفلسفة والدين والموسيقى ......انما يتحدد الى حد كبير من حيث الشكل او
المحتوى في ارتباطه بالماضي التاريخي لهذا الوجه او ذاك اكثر من كونه قائم ومتناسق مع
االوجه االخرى لهذه الحياة االجتماعية ) ؟؟
مدرس الثقافة الفرنسية التي تتميز براية بالوضوح والصفاء والتوازن والعناية في اختيار البدائل
واللياقة وانعكست هذه الروح الفرنسية في طبيعة الحركات الجمالية والموسيقى واالتجاهات نحو
الوالدين فضال عن الميل القوي للبيروقراطية في االدارة .
روث بندكت
في دراسته لثقافة الجنوب الغربي في امريكا تقول بان هذه الثقافة تكونت من عناصر مختلفة
ومستقلة تراكمت من هنا وهناك في شتى االتجاهات عن طريق االنتشار الثقافي حيث تتم عملية
التكامل طبقا لالنماط الثقافية المتضررة والمتباينة .
النظام الثقافي اليعود الى وظيفة السمات الثقافية وانما الى الظروف السائدة في الجماعات لذا
ترتبط االنماط الثقافية باالحتياجات الداخلية التي ظهرت وتطورت داخل الجماعة او من خاللها
.
السمات النفسية يكون لها معنى من خالل مضمونه التشكيل الخاص بالشخصية .
في كتابها انماط الثقافة اشارت الى ان قبائل الزوني تعيش في ثقافة يسيطر عليها الفكر االبولوني
ولهم نمط سائد وهو نمط الشخصية االبولونية .الشخصية البولونية التعرف المنافسة التعرف
الفردية تتميز بالهدوء وااللفة .
اما قبائل الكواكتيل التي درسها بوان فتتميز بنمط الشخصية الديونسينية وهذ تميل الى التعبير عن
ذاتها بوضوح وفردية متمايزة فضال عن المنافسة التي قد تصل الى حد الصراع تميل للوقوع
والتجربة الملموسة .
اما قبائل الدويو فيتميزون بالميل الى العدوان المنافسة والشك .
تقول بان تشكيل الشخصية يتم من خالل عملية التنميط الثقافي وان الطفل في ثقافة ما يتعلم الن
يستجيب بطرق مختلفة ثقافيا من خالل المثل والقيم التي تسود هذه الثقافة او تلك .
الطفل في ثقافته الكواكيبل مثال يتعرض لخبرة مختلفة تماما وان يتجه نحو اهداف متباينة عن تلك
الموجودة في الزوني والدوبو فالطفل في كل ثقافة يتعلم الن ينمط او يعد استجاباته االنفعالية
بالطرق التي تراها الثقافة مناسبة ومقبولة .
لذا فالفرد في االسكيمو ذو شخصية انبساطية extrovertاو خارجية النزعة بينما الهنود في
عمومها تتطابق مع التفكير الداخلي النزعة او االنطوائي . introvert
ترى روث بندكت بان الفرد صفحة بيضاء يمكن الي ثقافة ان تؤثر فيها وتستطيع فيها طابعها
الخاص فالفرد مجموعة ضخمة من االمكانات التاي يمكن الي ثقافة ان تختار منها وتنتقي ماتيال
ئم ويتفق مع نمطها الخاص .
موقف الفرد سلبي فيما يتعلق بعملية التنشئة االجتماعية التطبيع االجتماعي .
تفسر بندكت العرقة بين الثقافة والشخصية باالستناد الى التحليل النفسي والتاريخ فالشخصية
الديونسية (الواقعية) توجد في مجتمع ما دون غيره الن االحداث التاريخية التي قد تحدث في ثقافة
ما قد تشجع حدوثه وتطوره في حين في ثقافات اخرى قد التشجعه او تنميه .
تقول بندكت اذا ما اردنا تفسيرا لالشكال الثقافية فاننا بامس الحاجة الى علم النفس والتاريخ وال
نستطيع ان نجعل احدهما يقوم بدال من االخر .