You are on page 1of 14

‫الحركة الدائرية للتغير الحضاري عند ابن خلدون‪.

‬‬

‫بوخدوني صبيحة‪.‬‬
‫جامعة‪ :‬سعد دحلب – البليدة‬

‫ملخص المداخلة‪:‬‬
‫لقد تناوؿ كثَت من الفالسفة واؼبفكرين يف اختالؼ وتنوع اذباىات وؾباالت زبصصهم وخاصة االجتماعيُت منهم‬
‫حوؿ موضوعات التغَت اغبضاري‪ ،‬منذ القدـ وحىت وقتنا الراىن‪ ،‬وتعددت وجهات نظرة علماء االجتماع تبعا الختالؼ‬
‫التوجهات اإليديولوجية والنظرية اليت قادت دراساهتم اؼبناىج اليت استخدموىا يف تفسَت ىذه الظاىرة‪ ،‬فالتغَت اغبضاري‬
‫زنتل مكانو ؿبورية يف بناء النظرية االجتماعية اؼبعاصرة نظرا ألنو من ظبات اجملتمعات‪ .‬ويف اؼبقابل جند البعض األخر من‬
‫العلماء ينظر إىل موضوع التغَت اغبضاري على أنو أحد موضوعات علم االجتماع‪ ،‬ولعل ىنا االختالؼ يف وجهات نظر‬
‫الباحثُت واؼبفكرين‪ ،‬الذي يرجع إىل أف التغَت اغبضاري عملية معقدة‪ ،‬فنجد أنو ال شنكن القوؿ بأف التغَت عملية تتعلق‬
‫بتغَت البنية االجتم اعية وحدىا أو بالتنظيمات السياسية واالقتصادية وحدىا ولكن ىناؾ تفاعل دائم ومستمر بُت كل‬
‫اعبوانب اليت تؤدي يف النهاية إىل حدوث ما يسمى بالتغَت اغبضاري‪ ،‬وقد تكوف ىذه الدينامكية ىي سبيلها إىل النمو‬
‫والتقدـ‪،‬كما ازبذ اذباىا سريع يف عاؼبنا اؼبعاصر‪ ،‬وأصبحنا نعيش يف عا م ال يستييع فيو أي خخ أف يالحق التغَتات‬
‫اليت ربدث فيو يوما بعد يوـ‪ ،‬ومن اليبيعي أف يواجو علم االجتماع ىذه التغَتات اؼبتالحقة باىتماـ علمي ؼبوضوع التغَت‬
‫اغبضاري‪.‬‬
‫حبيث زنتل ابن خلدوف يف الًتاث العريب اإلسالمي ويف الفكر الغريب اؼبعاصر‪،‬مكانة متميزة‪،‬فهو أحد الرواد الذين‬
‫خيدوا البناء الفكري لصرح العلوـ اإلنسانية‪ ،‬وعلى رأسها علم االجتماع‪ ،‬ويُنظر إليو على أنو صاحب رؤية حضارية‬
‫خاصة‪ ،‬والسيما فيما يتعلق بدراسة التاريخ البشري‪ ،‬واجملتمع اإلنساين والعمراف اغبضاري‪،‬ويتجاوز بعض الدارسُت لو‬
‫ذلك فيتحدثوف عن عبقريتو يف الفكر االقتصادي والًتبوي والسياسي وغَت ذلك من اغبقوؿ اؼبعرفية‪.‬‬
‫ولقد عمل ابن خلدوف مع موضوع التغَت اغبضاري من خالؿ التتبع الدقيق لعمر الدولة باعتبارىا موجهة الفعل‬
‫السياسي واالجتماعي‪ ،‬نشوءا وتيورا‪ ،‬وضعفا واهنيارا‪ .‬و يؤكد ابن خلدوف أف التغيَت ظبة ثابتة من سنن العمراف البشري‬
‫والزمة أساسية من لوازمو وال زنصل تيور األفراد واجملتمعات‪.‬‬
‫ويف ىذا السياؽ ومن خالؿ ىذا أردنا من ىاتو اؼبداخلة توضيح أىم األفكار اليت جاء هبا ابن خلدوف يف فهم‬
‫حركية اغبضارة واؼبراحل اليت سبر هبا وأىم العوامل اليت تؤثر فيها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫تمهيـد‪:‬‬
‫لقد تناوؿ كثَت من الفالسفة واؼبفكرين يف اختالؼ وتنوع اذباىات وؾباالت زبصصهم وخاصة االجتماعيُت منهم‬
‫حوؿ موضوع اغبضارة وتيورىا‪،‬فمنذ القدـ وحىت وقتنا الراىن‪،‬و تعددت وجهات نظرة علماء االجتماع تبعا الختالؼ‬
‫التوجهات اإليديولوجية والنظرية‪ ،‬فموضوع اغبضارة زنتل مكانو ؿبورية يف بناء النظرية االجتماعية اؼبعاصرة نظرا ألهنا من‬
‫ظبات اجملتمعات‪ .‬ويف اؼبقابل جند البعض األخر من العلماء ينظر إىل أنو أحد موضوعات علم االجتماع الكثَتة‪ ،‬ولعل‬
‫ىنا االختالؼ يف وجهات نظر الباحثُت واؼبفكرين‪ ،‬الذي يرجع إىل أهنا عملية معقدة‪ ،‬فنجد أنو ال شنكن القوؿ بأهنا‬
‫مرتبية بالبنية االجتماعية وحدىا أو بالتنظيمات السياسية واالقتصادية وحدىا ولكن ىناؾ تفاعل دائم ومستمر بُت كل‬
‫اعبوانب اليت تؤدي يف النهاية إىل حدوث ما يسمى بالتيور اغبضاري حبيث أصبحنا نعيش يف عا م ال يستييع فيو أي‬
‫خخ أف يالحق التغَتات اليت ربدث يف اجملتمع يوما بعد يوـ‪.‬‬
‫أوال‪ -‬مفهوم الحضارة عند ابن خلدون‪:‬‬
‫تعٍت اغبضارة أو اؼبدنية عند العرب اإلقامة يف اغبواضر واؼبدف وما يتبع تلك اإلقامة من أخكاؿ التيور وأساليب‬
‫العمراف والتقدـ‪ ،‬وؼبا كانت لفظة “اغبضارة” مشتقة من اغبضر ولفظة “اؼبدنية” مشتقة من اؼبدينة فال فرؽ بُت اغبضارة‬
‫واؼبدنية‪ .‬ولذلك كاف ابن خلدون يستخدـ صيغة التمدف دبعٌت التحضر‪ ،‬بل إنو كاف يرى أف اؼبدنية ىي االجتماع ذاتو‬
‫فهو يقوؿ“ ‪:‬اإلنساف مدين باليبع أي ال بد لو من االجتماع الذي ىو اؼبدنية ”ويف اللغات األوروبية اغبديثة ًب اختقاؽ‬
‫كلمة “حضارة ”‪ civilisation‬من الكلمة الالتينية “مدينة ”‪ civitas‬فاغبضارة إذف مفهوـ إنساين عاؼبي‪ ،‬غَت أف‬
‫اؼبفاىيم اػباصة واؼبعتقدات ىي اليت سبيز حضارة عن أخرى‪.‬‬
‫إف بعض اؼبفكرين اؼبسلمُت يفرقوف بُت اغبضارة واؼبدنية‪ ،‬فهم يروف أف اغبضارة ىي العقائد واؼبفاىيم واألفكار اليت‬
‫ت عتنقها األمة‪ ،‬أما اؼبدنية فهي أساليب العمراف وأخكاؿ التيور اؼبادي‪ ،‬وىي عاؼبية ال زبت هبا أمة دوف غَتىا من‬
‫األمم‪ ،‬بل إهنا تنتشر وتتناقلها الشعوب بغض النظر عن مصدرىا‪ .‬حيث تشكل اؼبدينة والظواىر اغبضرية بكوهنا حقيقػة‬
‫اقتصادية وإقليمية وسياسية وحضرية وتارسنية‪ ،‬ومنذ زمن بعيد ؾباال ىاما وؿبور اىتماـ كثَت من الباحثُت يف التاريخ‬
‫واعبغرافيا وعلم االجتماع‪ ،‬الذين اىتموا بدراسة ظاىرة اؼبدف وتيورىا وأدناطػها‪ .1‬باإلضافة إىل دراسة تأثَت اغبياة اغبضرية‬
‫على األفعاؿ االجتماعية والعالقات االجتماعية والنظم االجتماعية وأدناط اؼبدنيات ومعاؼبها اؼبختلفة‪.‬‬
‫فل قد ظهرت االىتمامات األوىل لدراسة اؼبدينة منذ عهد اإلغريق ضمن ما شنكن تسميتو بنظػرية اغبتمية البيئية‬
‫القدشنة اليت شنثلها بعض فالسفة اإلغريق أمثاؿ (ىيبوقراط ‪ )Hippocrate‬القرف اػبامس قبل اؼبيالد (‪ 430‬ؽ‪.‬ـ)‬
‫الذي حاوؿ يف كتابو (اعبو واؼبناخ واألقاليم) أف يبُت نظرتو إىل الفروؽ بُت سكاف اؼبناطق اغبية‪ ،‬وسكاف األقاليم السهبية‬
‫اعبافة من حيث الصفات اعبسدية والنفسية والصفات الشخصية‪ ،‬كما حاوؿ أف يربط بُت البيئة وظهور بعض العادات‬
‫والقيم الثقافية وكذلك االىتماـ باألدوار االجتماعية‪ 2‬كما يف كتاب أرسيو (‪ 384 - 322‬ؽ‪.‬ـ) (السياسة) تأكيده‬

‫‪ 1‬سليفاف أؼباند‪ :‬المدينة محل نقاش‪ .‬ؾبلة معا م‪ ،‬العدد ‪ ، 3‬دار النشر مارينور‪ ،‬اؼبيبعة ج‪.‬ـ‪.‬ج‪ ،‬بوزريعة‪ .‬ص‪.01.‬‬
‫‪ 2‬عبد الفتاح ؿبمد وىبة‪ :‬جغرافية اإلنسان‪ .‬دار النهضة العربية لليباعة والنشر‪ ،‬القاىرة‪ .1972 ،‬ص ‪.10‬‬

‫‪2‬‬
‫على االرتباط بُت اؼبناخ وطبائع الشعوب والعادات البشرية العالقة بأذىاف الكثَت من اؼبفكرين وقد ذىب أرسيو إىل أكثر‬
‫من ذلك يف تأكيد فكرتو حينما حاوؿ أف يقدـ تصنيفا للمجتمعات البشرية حسب الظروؼ اؼبكانية‪.1‬أما إسيرابوف فقد‬
‫أبدى اىتماما كبَتا بأثر التضاريس األرضية واؼبناخ والعالقات اؼبكانية يف إيياليا وأثرىا على ظهور مدينة روما‪،2‬و قد‬
‫اختفت كل ىذه األفكار خالؿ العصور الوسيي يف أوروبا اؼبسيحية العتقاد الناس فيما جاء يف التوراة يف اختالؼ اؼبناخ‬
‫والت ضاريس وتباين البشر يف الشكل واليباع من حكمة اهلل وال نقاش يف حكمة اهلل‪ .‬أما يف بالد اؼبسلمُت فقد اىتم‬
‫الكثَت من الكتاب والفالسفة واعبغرافيُت اؼبسلمُت بدراسة اثػر البيئة يف نشأة اؼبدف وجند ىذا (مروج الذىب) للمسعودي‬
‫ويف (عجاب اؼبخلوقات) للقزويٍت‪ ،3‬ولعل إبن خلدوف (‪ )1332-1406‬أفضل من عاجل اؼبوضوع يف (اؼبقدمة)‬
‫بدراستو نشأة اؼبدف واألمصار اليت ضمتها آراءه حوؿ اثر اؼبناخ على طبائع الشعوب‪ ،‬وأحواؽبم االجتماعية (النظم‬
‫االجتماعية‪ ،‬اعبماعات البشرية ‪-‬األدوار االجتماعية وطبيعة العالقة اليت تسود بُت تلك النظم والتنظيمات واعبماعات‬
‫االجتماعية) والثقافية (القيم واؼبعايَت فضال عن اعبانب اؼبادي من الثقافة اؼبتمثل يف العمارة والتكنولوجيا)‬
‫وأثر العصبية يف تكوين األمم واؼبمالك ومدنياهتا‪ ،‬كما اىتم بشػرح مقومػات اؼبدينػة اغبضرية وأثر البدو يف تدىورىا‬
‫أو مدىا بعناصر جديدة‪..4‬‬
‫ثانيا‪-‬النظرية الدائرية للحضارة عند ابن خلدون‪:‬‬
‫وىي النظرية اليت تشبّو اجملتمع لإلنساين يف تيوره بالكائن اغبي (والدة‪ ،‬دنو‪ ،‬نضج‪ ،‬موت) وىي عبارة عن دوائر‬
‫مستقلة‪ ،‬تتشابو يف بدايتها وهنايتها‪ ،‬ولذلك يقًتب ىذا الفهم الدورة اغبضارية من الفهم اغبيوي للمجتمع‪.‬أو ما يسمى‬
‫"باذباىات التذبذب الالذباىي حيث سبر اجملتمعات بارتفاعات واخنفاضات حضارية‪ ،‬ومراحل دنو ٍب مراحل تدىور" ‪.5‬‬
‫ومن أىم رواد ىذه النظرية الذين عاعبوا أسباب مراحل وخصائ كل دورة تيرأ على الثقافات واغبضارات‬
‫اإلنسانية‪ ،‬وىو أزوالد شبنجلر يف كتابو (اهنيار اغبضارة الغربية‪ )0101‬والذي يرى أف اغبضارات تشبو الكائنات اغبية‪،‬‬
‫وسبر دبراحل دائرية يف تيورىا من والدة‪ ،‬نضوج وموت‪ ،‬سباما كما شنر اإلنساف هبذه اؼبراحل‪ ،‬لكن بينما شنتد عمر اإلنساف‬
‫ليصل مائة سنة على أكرب تقدير"‪ 6‬جنده زندد عمر كل حضارة بألف عاـ‪ ،‬كما أ ٌف لكل حضارة رمزا معينا وقيما خلقية‬
‫خاصة هبا ألهنا صادرة عن روحها اػباصة‪ "،‬ويقوؿ‪ :‬ليست ىناؾ أخالؽ إنسانية عامة‪ ،‬وإدنا لكل حضارة طرازىا يف‬

‫‪ 1‬فادية عمر اعبوالين‪ :‬علم االجتماع الحضري‪ .‬مؤسسة خباب اعبامعة‪ ،‬القاىرة‪ ،0113 ،‬ص‪.65 .‬‬
‫‪ 2‬نفس اؼبرجع‪ ،‬ص‪.66 .‬‬
‫‪ 3‬عبد الفتاح ؿبمد وىيبة‪ :‬جغرافية اإلنسان‪ .‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.10 .‬‬
‫‪ 4‬أدريس خضَت‪ :‬التفكير االجتماعي الخلدوني وعالقتو ببعض النظريات االجتماعية‪ .‬ديواف اؼبيبوعات اعبامعية‪ ،‬ط‪ ،2.‬اعبزائر‪،‬‬
‫ص‪.‬ص‪.110-106 .‬‬
‫‪ 5‬إس‪ .‬سي‪.‬دوب‪ ،‬التغير االجتماعي‪( ،‬تر‪ :‬عبد اؽبادي اعبوىري)‪ ،‬القاىرة‪ :‬مكتبة هنضة الشرؽ‪ ،.0111 ،‬ص ‪.47‬‬
‫‪ 6‬ؾبد الدين عمر خَتي طبش‪ ،‬علم االجتماع‪ ،‬الموضوع والمنهج‪ ،‬دار ؾبدالوي‪ ،‬عماف‪ ،‬األردف‪ ،‬ط‪ ،5112 ،3‬ص ‪.500‬‬

‫‪3‬‬
‫الفن‪ ،‬ىذه األخالؽ الصادرة عنها صادقة دائما يف داخل إطار ىذه اغبضارة‪ ،‬أما خارج ىذا اإلطار فإهنا باطلة دائما‪،‬‬
‫والفلسفة كاألخالؽ تابعة لروح اغبضارة اليت تنشأ فيها"‪.‬‬
‫"واغبضارة عنده انبعاث روحي عبماعة من الناس يربيهم مفهوـ متقارب للوجود‪ ،‬فينعكس ذلك على ألواف‬
‫نشاطهم اؼبختلفة يف الفن والدين والفلسفة والسياسة واغبرب واالقتصاد‪ ،‬وهبذا يكوف مفهوـ كل صباعة متميزا عن غَته يف‬
‫ؾباؿ التغَت واالنبعاث الروحي"‪.1‬‬
‫‪-‬وميز شبنجلر بُت شباين حضارات كربى‪ ،‬وىي‪ :‬اؼبصرية‪ ،‬واليابانية‪ ،‬واؽبندية‪ ،‬والصينية‪ ،‬واؼبكسيكية‪ ،‬واليونانية‬
‫الكالسيكية‪ ،‬والعربية‪ ،‬والغربية"‪.2‬‬
‫‪"-‬ويتسم منهج خبنجلر باعبربية‪ ،‬حيث يرى أف لكل حض ارة صَتورة واذباىا وزمانا ومصَتا وتارسنا‪ ،‬وأف اغبضارة‬
‫أسَتة مصَتىا"‪.3‬‬
‫‪ -‬ولكل حضارة خصوصيتها سبيزىا عن كافة اغبضارات األخرى "ال شنكن أف تكوف شبة حضارتاف متماثلتاف كل‬
‫التماثل‪ ،‬وذلك ألف تاريخ كل حضارة ىو تاريخ مستقل وقائم بذاتو وال يتأثر بتاريخ أي حضارة غَت حضارتو‪ ...،‬كما‬
‫أف لكل حضارة عناصر خاصة هبا وأخرى غريبة عنها‪ ،‬وأف ىذه العناصر اػباصة ربددىا النفس األولية لكل حضارة‪،‬‬
‫ولذلك يعتقد خبنجلر بأنو ؼبن اؼبستحيل على فرد أو أفراد ينتموف إىل إحدى اغبضارات أف يفهموا فهما صحيحا‬
‫حضارة أخرى غَت حضارهتم‪ ،‬وذلك بسبب العناصر الغربية عنهم‪ ،‬وىذه العناصر اليت تتشكل منها اغبضارة األخرى"‪.4‬‬
‫‪-‬وخبو ازوالد سبنجلر اؼبراحل األربع للحضارة بالفصوؿ األربعة للسنة مبينا أف لكل مرحلة خصائ ومميزات‬
‫تشبو خصائ ومميزات كل فصل وما يصاحبها من تغَتات تيرأ على اليبيعة‪ ،‬حاوؿ أف يستكشف عوامل صعودىا‬
‫وى بوطها وتبُت لو أهنا صبيعا مرت دبراحل إنشاء ودنو‪ ،‬ونضج‪ٍ ،‬ب احندار ‪ :5‬وىذا ما الحظو عند دراستو للحضارات‬
‫الست (اؼبصرية‪ ،‬واؽبندية‪ ،‬والصينية‪ ،‬والعربية‪ ،‬والغربية)‪.‬‬
‫فصل الربيع‪ :‬الذي يعد فًتة البيولة‪ ،‬حيث التغٍت بالبيولة كما يف خعر اؼبالحم واألساطَت‪..‬‬
‫فصل الصيف‪ :‬فيتصف بظهور القيادات اؼبتوثبة اليموح‪ ،‬إهنا فًتة ظهور وازدىار دولة اؼبدنية‪.‬‬
‫فصل الخريف ‪ :‬وشنثل اػبريف مرحلة النضج الكامل للينابيع الروحية الثقافية والبوادر األوىل للشيخوخة واإلرىاؽ‪،‬‬
‫وفيها اؼبلكيات اؼبركزة والفلسفة اليت تتحدى الدين والقيم السائدة باسم التنوير‪.‬‬

‫‪ 1‬نورة خالد السعد‪ ،‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪.17‬‬


‫‪ 2‬ؾبد الدين عمر وخَتي طبش‪ ،‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص‪.505‬‬
‫‪ 3‬سليماف اػبييب‪ ،‬فلسفة الحضارة عند مالك بن نبي (دراسة إسالمية في ضوء الواقع المعاصر)‪،‬اؼبؤسسة اعبامعية للدراسات‬
‫والنشر والتوزيع‪ ،‬بَتوت‪ ،‬ط‪ ،0113 ،0‬ص‪.13‬‬
‫‪ 4‬نورة خالد السعد‪ ،‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪.11-12‬‬
‫‪ 5‬يوسف خضور‪ ،‬التغير االجتماعي بين النظرية والتطبيق‪ ،‬اؼبرجع السابق‪،‬ص ‪.41‬‬

‫‪4‬‬
‫فصل الشتاء ‪ :‬ويتمثل االنتقاؿ إىل الشتاء حُت يتخذ الفن طابعا غامضا سريا‪ ،‬وحُت تتخذ الفلسفة طابع الشك‬
‫والالإرادية‪ ،‬ويسود يف السياسة عصر اإلمرباطوريات واالستعمار واليغياف والسياسيُت‪ ،‬يف الشتاء تفقد اغبضارة روحها‬
‫‪1‬‬
‫اؼببدعة‪ ،‬وتصبح ؾبرد مدينة يتجلى أفضل ما تقدمو يف تيبيق العلم على الصناعة‪.‬‬
‫فنظرية خبنجلر ‪" SPENGLER‬تفسر اغبضارة باعتبارىا شبرة لعبقرية خاصة تتسم عصرا معينا دبيسم ابتداع‬
‫أساسي‪ ،‬كما ىو الشأف يف (علم اعبرب) بالنسبة إىل اغبضارة العربية"‪،2‬ومن ىذه اؼبراحل جند أنو عندما يًتاجع الدين‬
‫تيغى الفلسفة على النفوس والعلم على الصناعة‪ ،‬وتًتاجع العناصر الروحية والثقافية اليت أسست لقياـ اغبضارة‪ ،‬فتنهار‬
‫ىذه اغبضارة‪ ،‬ويعترب أف التاريخ ماىر إال إحدى صور تغيَت الياقة يف اجملتمع‪ ،‬فبزوغ حضارة جديدة ليس سوى ربوؿ من‬
‫صورة طاقة خاـ إىل طاقة أخرى أكثر نفعا واستفادة للمجتمع البشري‪ ،‬وكلما زاد معامل ربوؿ الياقة اػباـ إىل طاقة‬
‫نافعة يف أي ؾبتمع‪ ،‬ازداد ىذا اجملتمع تقدما عرب التاريخ‪.‬‬
‫والعالقات االجتماعية زبتلف يف طبيعتها جذريا عن حركة األجساـ اعبوامد‪ ،‬فالعالقات االجتماعية غَت ملموسة‪،‬‬
‫متعددة األسباب‪ ،‬معقدة‪ ،‬سريعة التغَت حبيث يصعب إخضاعها لقوانُت ميكانيكية‪ ،‬ولذلك تعجز اؼبدرسة اؼبيكانيكية‬
‫‪3‬‬
‫عن تفسَت ؾبرى تاريخ وتغَت اجملتمعات اإلنسانية‪.‬‬
‫أما نظرية العالمة عبد الرضبن ابن خلدوف (‪ )0711-0335‬عن الدورة الحضارية"‪ ،‬والتعاقب الدوري‬
‫للحضارات يف تاريخ الفكر اإلنساين من حيث بعدىا االجتماعي والفلسفي العاـ‪ ،‬فقد توصل إىل االقتناع بفكرة‬
‫التعاقب يف اغبضارة وقارف يف دائرية التغيَت بُت اإلنساف واجملتمع‪،‬و بدراساتو العلمية واالجتماعية والتارسنية‪ ،‬اىتم بتحليل‬
‫ودراسة اجملتمعات‪ ،‬والعالقات بُت األفراد واجملتمع‪ ،‬ما يتصل هبا من مظاىر‪ ،‬ما ييرأ عليها من تغَتات سياسية‪،‬‬
‫اقتصادية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬أخالقية‪ ،‬دينية‪...،‬‬
‫إف تصويره لشكل الدائري للحضارة‪ ،‬يبدأ من نقية معينة‪ٍ ،‬ب يسَت يف ع ّدة مراحل إىل أف ينتهي إىل نفس النقية‬
‫اليت بدأ منها‪ .‬ابن خلدوف يف مؤلفو‪ :‬مقدمة ابن خلدوف اؼبسمى (ديواف اؼببتدأ واػبرب يف تاريخ العرب والرببر ومن‬
‫عاصرىم من ذوي السلياف الكرب)‪ ،‬اليت ترى أ ٌف الدولة تمر بأطوار متتالية‪ ،‬تبدأ بدورة البداوة والعصبية‪ٍ ،‬ب دور استبداد‬
‫اغبكاـ باؼبلك‪ٍ ،‬ب طور الفراغ لتحصيل شبرات اؼبلك‪ٍ ،‬ب طور القناعة واؼبساؼبة‪ ،‬وبعدىا دور اإلسراؼ والتبذير‪ ،‬مما يؤدي‬
‫إىل عوامل االحنالؿ والتدىور واالهنيار‪.4‬‬

‫‪ 1‬سليماف اػبييب‪ ،‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪.17‬‬


‫‪ 2‬مالك بن نيب‪ ،‬شروط النهضة ( تر عمر كاصل مسقاوي وعبد الصور خاىُت)‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬اعبزائر ط‪ ،0114 ،7‬ص ‪.40‬‬
‫‪ 3‬عبد اغبليم رضا عبد العاؿ‪ ،‬التغير االجتماعي (و ىيكلة المجتمعات المعاصرة )‪ ،‬مكتبة االجنلو مصرية‪ ،‬القاىرة‪ ،5112 ،‬ص ‪55‬‬
‫ص‪.53‬‬
‫‪ 4‬معن خليل العمر‪ ،‬التغير االجتماعي ‪ ،‬دار الشروؽ للنشر والتوزيع‪ ،‬األردف‪ ،‬اليبعة األوىل‪ ،5117 ،‬ص ‪.37‬‬

‫‪5‬‬
‫فاجملتمع ػ حسب ابن خلدوف ػ يشبو الفرد‪،‬لو عمر ينتهي‪ ،‬وبذلك ينتهي اجملتمع‪ .‬ويقوؿ ذلك يف مقدمتو‪ " :‬إف‬
‫اؼبكونات‪ ،‬عمرا‬
‫العمراف كلو‪ ،‬من بداوة وحضارة وملك‪،‬لو عمر ؿبسوس‪ ،‬كما أف للشخ الواحد من أخخاص ّ‬
‫‪1‬‬
‫ؿبسوسا‪".‬‬
‫جند يف نظرية ابن خلدوف عن الدورة اغبضارية "أف اجملتمع والدولة شنراف دبراحل معينة تبدأ باؼبيالد وتسَت إىل‬
‫النضج ٍب تتجو إىل الشيخوخة‪ ،‬وتتسم كل مرحلة بصفات معينة تيبعها بيابع خاص يفرقها عن سواىا من اؼبراحل‪"2‬‬
‫فمن خالؿ دراستو التحليلية للدولة من نشأهتا‪ ،‬فازدىارىا ٍب اهنيارىا تصل أهنا سبر بعدة أطوار ولكل طور‬
‫خصائ وأدوار‪ ،‬وأكد على تالزـ مفهومي الدولة والعمراف(اغبضارة) "فالدولة دوف العمراف ال تتصور‪ ،‬والعمراف دوف‬
‫الدولة متعذر"ويشَت كذلك "وعلى قدر عظم الدولة يكوف خأهنا يف اغبضارة‪ ،‬إذ أمور اغبضارة من توابع الًتؼ‪ ،‬والًتؼ‬
‫من توابع الثروة والنعمة‪ ،‬والثروة والنعمة من توابع اؼبلك" ‪ 3‬وقد قسم ابن خلدوف الدولة على أطوار خبهها باألطوار اليت‬
‫شنر هبا‪.‬و شنر اجملتمع عند ابن خلدوف دبراحل ثالث ىي‪:):4‬‬
‫‪-0‬مرحلة النشأة والتكوين‪ :‬فاعترب مرحلة النشأة والتكوين يف جسم اإلنساف تقابلها اؼبرحلة األوىل يف الدولة‪،‬‬
‫تلك اؼبرحلة اليت تقوـ على العصبية سواء أكانت عصبية الدين أـ عصبية الدـ وىي تظهر قي مرحلة البداوة‪ ،‬ويقتصر‬
‫األفراد فيها على الضروري من أحواؽبم اؼبعيشية‪ ،‬وتتميز ىذه اؼبرحلة خبشونة العيش‪ ،‬وتوحش األفراد وبسالتهم‪ ،‬كما تتميز‬
‫بوجود العصبيات‪ .‬يف اؼبستوى األوؿ العصبية تكوف تنيوي على ثالث عناصر متيابقة‪::):5‬‬
‫البادية‬ ‫عنصر بيئوي‬
‫النسب أو التزاوج داخل القبيلة‬ ‫عنصر إحيائي البيولوجي‬
‫الوقار الذي يتمتع بو كبَت القبيلة‬ ‫عنصر أخالقي‬
‫‪-5‬مرحلة النضج واالكتمال ‪ :‬كما اعترب مرحلة النضج والرجولة يف جسم اإلنساف مقابلة للمرحلة الثانية يف‬
‫الدولة وىي مرحلة اؼبلك‪ ،‬وفيها يتحوؿ اجملتمع من البداوة إىل اغبضارة‪ ،‬ومن الشظف إىل الثروة واػبصب‪ ،‬ومن االخًتاؾ‬
‫يف اجملد إىل انفراد الواحد بو‪ ،‬وفيها زندث تركيز السلية يف يد خخ أو أسرة أو أمة واحدة بعد أف كانت عامة‬
‫وخائعة‪ .‬ونواه "ابن خلدوف" بالفوارؽ الثقافية القائمة بُت األعراب واغبضر مسًتعيا االنتباه أكثر من مرة إىل أف ىذه‬

‫‪ 1‬عبد الرضبن ابن خلدوف‪ ،‬المقدمة‪ .‬دار الفكر العريب للنشر والتوزيع‪ ،‬بَتوت‪ ،5117 ،‬ص ‪.321‬‬
‫‪ 2‬نورة خالد السعد‪ ،‬التغير االجتماعي في فكر مالك بن (دراسة في بناء النظرية االجتماعية)‪ ،‬دار السعودية للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪،0‬‬
‫‪ ،0114‬ص‪.41‬‬
‫‪ 3‬عبد الرضبن ابن خلدوف‪ ،‬المقدمة‪،‬اؼبرجع السابق‪،،‬ص ‪.047‬‬
‫‪ 4‬ؿبمد اؽبادي عفيفي‪ ،‬التربية والتغير الثقافي‪ ،‬مكتبة ألجنلو اؼبصرية‪ ،‬القاىرة‪ ،0142 ،‬ص ‪.04‬‬
‫‪ 5‬إظباعيل قباري ؿبمد‪ ،‬علم االجتماع الحضري ومشكالت التهجير والتغير والتمية‪ ،‬منشاة اؼبعارؼ بالسكندرية‪ ،‬القاىرة‪،0112 ،‬‬
‫ص ‪.011‬‬

‫‪6‬‬
‫األخَتة تأٌب بالضرورة نتيجة األوىل حيث يقوؿ "فالبدو أصل للمدف واغبضر وسابق عليهما"‪ ،1‬وينوه إىل أف البدو‬
‫‪2‬‬
‫يقتصروف على الضروريات أما اغبضر فيلجؤوف إىل الكماليات‬
‫‪-3‬مرحلة الهرم والشيخوخة ‪ :‬واؽبرـ يف جسم اإلنساف وىي مرحلة الًتؼ والنعيم أو اغبضارة‪ ،‬وفيها ينسى األفراد‬
‫عهد البداوة واػبشونة‪ ،‬وتسقط العصبية‪ ،‬ويبلغ الًتؼ ذروتو‪ ،‬وينسوف اغبماية واؼبدافعة‪ ،‬ويؤدي النعيم بالدولة إىل‬
‫االنقراض والزواؿ تسبقو حالة من الضعف واالستكانة وفساد اػبلق تسمى االضمحالؿ‪ ،‬وينتهي األمر باجملتمع إىل‬
‫اؽبرـ‪ 3.‬والواقع أف ىذه األجياؿ الثالثة يف اغبقيقة‪ ،‬حىت تستمر الدولة‪ ،‬أما اعبيل الرابع فال حياة وال بقاء" ‪ 4‬وأساس‬
‫اؼبلك وقياـ الدولة عنده ذنا العصبية والدين‪ ،‬ويف فصل يقوؿ "أف الدعوة الدينية تزيد الدولة يف أصلها قوة على العصبية"‬
‫من اؼبقدمة يؤكد أف الصبغة الدينية تذىب بالتنافس والتحاسد الذين يف أىل العصبية وتفرد الوجهة إىل اغبق‪ ،‬كما أف‬
‫الدعوة الدينية من غَت عصبية ال تتم‪ 5‬فإذا كانا قوياف قويت الدولة وازدىرت بينما إذا تراجعا وضعفا ضعفت الدولة‬
‫وآلت للسقوط واالهنيار‪ ،‬فالعصبية عند ابن خلدوف‬
‫ىي "النعرة على ذوي القرىب وأىل األرحاـ أف يناؽبم ضيم أو تصيبهم ىلكة"‪( 6‬العصبية ىي نزعة طبيعية يف البشر‬
‫البشر "تؤدي إىل االرباد وااللتحاـ‪ ،‬بُت أفراد النسب الواحد ألهنا ربملهم على التعاضد والتناصر تستلزـ استماتة كل‬
‫واحد منهم دوف صاحبو‪ .7 ...‬فإذا استقر اؼبلك‪ ،‬بدأت العصبية تضعف خيئا فشيئا‪ ،‬فيبتعد الناس عن حياة البداوة‪،‬‬
‫ويدخلوف يف مرحلة اغبضارة‪ ،‬حي ث ينشغلوف بإخباع الشهوات والتمتع هبا نتيجة ىذه اغبضارة من ألواف الًتؼ يف اؼبأكل‬
‫واؼبشرب واؼبلبس ويفقدوف بذلك طبائع التوحش والشجاعة وخدة البأس‪ ،‬وينسوف اغبماية‪ ،‬وزنتاجوف ؼبن يدافع عنهم‪،‬‬
‫ويصرفوف من الكماليات إىل درجة تؤدي إىل إفساد اغبياة واجملتمع‪ ،‬وبذلك يصبحوف عرضة للغزو من اػبارج‪ ،‬وىذه ىي‬
‫مرحلة اؽبرـ اليت تؤذف باحنالؿ اجملتمع لتبدأ الدورة من جديد‪8.‬و يبدو من خالؿ ذلك‪ ،‬أف دورة التاريخ تعيد نفسها دائما‬
‫دائما على الوتَتة نفسها‪ ،‬وىذا يدؿ على أف اغبضارة غَت أبدية بل ىي ؾبرد مرحلة زمنية سبر كبقية اؼبراحل‪.‬‬
‫ويتبُت من خالؿ أفكار ابن خلدوف باف القضايا ذات الصلة بنهوض وتدىور اغبضارة تلك اليت تتمثل بالعالقة‬
‫بُت اغبياة اغبضرية وحياة الصحراء‪ .‬حبيث تأثر كل من اغبياتُت على اليبيعة اإلنسانية حيث يساعد اؼبثاؿ التايل على‬

‫‪ 1‬عبد الغٍت مغريب‪ ،‬الفكر االجتماعي عند ابن خلدون‪( ،‬تر‪ :‬ؿبمد خريف بن دايل حسُت)‪ ،‬ديواف اؼبيبوعات اعبامعية‪ ،‬اعبزائر‪:‬‬
‫‪ ،0111‬ص ‪.11‬‬
‫‪ 2‬نفس اؼبرجع‪ ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪ 3‬نورة خالد السعد‪ ،‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص‪.11‬‬
‫‪ 4‬نفس اؼبرجع‪ ،‬ص ‪.15-10‬‬
‫‪ 5‬عبد الرضبن ابن خلدوف‪ ،‬المقدمة‪،‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪.021-011‬‬
‫‪ 6‬نفس اؼبرجع‪ ،‬ص ‪.035‬‬
‫‪ 7‬سليماف اػبييب‪ ،‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪ 8‬ؿبمد السويدي‪ ،‬علم االجتماع السياسي‪ ،‬ميدانو وقضاياه‪ ،‬ديواف اؼبيبوعات اعبامعية‪ ،‬اعبزائر‪ ،1990،‬ص ‪.51‬‬

‫‪7‬‬
‫فهم دورة اغبضارات‪ .‬وقد قدـ ابن خلدوف مفهوماً متميزاً ؽبذه العالقة‪ .‬فهو يقوؿ أف‪" :‬البدو يقيدوف أنفسهم باغبصوؿ‬
‫على اغباجات األساسية يف حياهتم وال يستييعوف ذباوزىا‪ ،‬فيما الشعوب اغبضرية هتتم باغبصوؿ على وسائل الراحة‬
‫والرفاىية يف ؿبييها وعاداهتا‪ .‬بالتأكيد إف الضروريات األساسية تسبق يف األذنية وسائل الراحة والرفاىية‪ .‬اغباجات‬
‫األساسية‪ ،‬يف ىذا السياؽ‪ ،‬ىي األولية‪ ،‬فيما الرفاىية ثانوية‪ .‬وبالتايل فإف البدو ىم األساس ويسبقوف اؼبدف والشعوب‬
‫اغبضرية‪.‬‬
‫فاإلنساف يسعى أوالً للضروريات األساسية‪ .‬وال يبدأ البحث عن وسائل الراحة والرفاىية إال بعد أف زنصل على‬
‫الضروريات األساسية‪ .‬إف خظف العيش يف الصحراء يسبق نعومة اغبياة اغبضرية‪ .‬وؽبذا جند أف التحوؿ للحياة اغبضرية‬
‫ىو اؽبدؼ الذي ييمح إليو البدو‪ ...‬ىذه ىي اغباؿ مع كل القبائل البدوية‪ .‬أما الشعوب اغبضرية يف اؼبقابل‪ ،‬فليست‬
‫لديها الرغبة يف اغبياة الصحراوية‪ ،‬ما م تكن مدفوعة بضرورة طارئة أو عدـ مقدرهتا على التعايش مع خركائها يف حياة‬
‫اؼبدينة‪ .‬كما أف الشعوب اغبضرية أكثر اىتماماً بكل أنواع اؼبتع‪ .‬وىي معتادة على الرفاىية والنجاح يف األخغاؿ الدنيوية‬
‫والتلذذ باؼبتع الدنيوية‪ .‬وؽبذا جند نفوسها مشوبة بكل الصفات اؼبكروىة والشريرة‪ .‬وكلما كانت ىذه الصفات أكثر يف‬
‫نفوسهم‪ ،‬كلما أصبحت اؼبسالك والوسائل الييبة أبعد عنهم‪ .‬وبالفعل فإهنم سنسروف أي إحساس بضبط النفس‪ .‬الحقاً‬
‫يتضح أف اغبياة اغبضرية سبثل اؼبرحلة األخَتة من اغبضارة والنقية اليت تبدأ منها سَتىا حنو السقوط‪ .‬كما تشكل أيضاً‬
‫اؼبرحلة األخَتة من الشرور والبعد عن الييبة‪ .‬ومن الواضح أف البدو أكثر ميالً حنو أف يكونوا طيبُت من الشعوب‬
‫اغبضرية‪ .‬كما يرى ابن خلدوف أف السبب يف تغيَت اجملتمع يرجع إىل تغيَت اغبكاـ ورجاؿ السلية يف اجملتمع وإف كل جيل‬
‫جديد يكوف تابعا لعادات حكامو ويتغَت ممن سبق من أجياؿ يف بعض النواحي‪ ،‬ومن خالؿ عملية تعاقب اغبكاـ‬
‫واألجياؿ‪ ،‬زندث نوع من اؼبزح واػبلط بُت القدمي واعبديد مما يؤدي إىل حدوث بعض التغَتات بسبب الصراع بُت القدمي‬
‫واعبديد‪ ،‬وىذه التغَتات قد زبتلف من ؾبتمع إىل أخر‪ ،‬باختالؼ الزماف واؼبكاف وطبيعة السلية فيو‪.1‬‬
‫وقد جعل ابن خلدوف االستقرار أوؿ خرط يف نشوء اغبضارة‪ ،‬حيث تظهر اغباجة إىل القوانُت اليت تنظم حقوؽ‬
‫اؼبلكية وعالقات األفراد بعضهم ببعض وربدد نظاـ العقوبات وما إىل ذلك مما يعترب أساسا لنشوء الدولة‪ .‬حبيث كانت‬
‫اؼبسألة األساسية اليت استحوذت على فكر ابن خلدوف‪:‬كيف تنشأ الدوؿ؟ وما عوامل ازدىارىا؟ وما أسباب ىرمها؟‬
‫ويشرح ابن خلدوف ىذه األطوار فيقوؿ يف مقدمتو " وحاالت الدولة وأطوارىا ال تعدو يف الغالب طبسة أطوار‪:‬‬
‫‪-‬اليور األوؿ‪ :‬طور الظفر بالبغية وغلب اؼبدافع واؼبمانع واالستيالء على اؼبلك‪...‬‬
‫‪-‬اليور الثاين‪ :‬طور االستبداد على القوـ واالنفراد باؼبلك ومنعهم من اؼبساذنة واؼبشاركة‬
‫‪-‬اليور الثالث‪ :‬طور الفراغ والدعة لتحصيل شبرات اؼبلك مما تنزع طباع البشر إليو من ربصيل اؼباؿ وزبليد اآلثار‬
‫وبعد الصيت‪...‬‬

‫‪ 1‬عبد اجمليد مزياف‪ :‬النظرية االقتصادية عن ابن خلدون وأسسها في الفكر اإلسالمي والواقع االجتماعي‪ ،‬مؤسسة الوحدة‪،‬الكويت‬
‫‪ ،0110‬ص ‪.574‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ -‬اليور الرابع‪ :‬طور القنوع واؼبساؼبة‪ ،‬ويكوف صاحب الدولة يف ىذا اليور متلفا ؼبا صبع أولوه يف سبيل الشهوات‬
‫واؼبالذ‪.‬‬
‫واجملتم عات اإلنسانية يف نظرية ابن خلدوف وإف كانت زبضع بالضرورة لتتابع ىذه األدوار‪ ،‬فإف خضوعها ليس‬
‫بدرجة واحدة‪ ،‬كما أف اؼبدة اليت تتيلبها كل مرحلة زبتلف عن األخرى‪ ،‬دبعٌت أف بعض اجملتمعات قد تبقى طويال يف‬
‫مرحلة اليفولة أو يف مرحلة النضج أو يف مرحلة اؽبرـ‪ ،‬وقد سنتتم ؾبتمع ما حياتو يف اؼبرحلة األوىل أو الثانية‪ ،‬وقد يقاوـ‬
‫هنايتو يف إحدى ىذه اؼبراحل ولقد خبو أعمار الدوؿ بأعمار األخخاص وأف كل طور من أطوار (اؼبيالد والنضج‬
‫واالضمحالؿ) يستغرؽ أربعُت سنة‪ ،‬وقد شنتد عمر الدولة يف حركتها اغبضارية إىل مائة وعشرين سنة‪.1‬‬
‫ويقوؿ ابن خلدوف يف ذلك "إال أ ٌف الدولة يف الغالب ال تعدو أعمار ثالثة أجياؿ‪ ،‬واعبيل ىو عمر خخ واحد‬
‫من العمر الوسط‪ ،‬فيكوف أربعُت الذي ىو انتهاء النمو والنشوء إىل غايتو قياسا على قولو تعاىل‪" :‬حىت إذا بلغ أخده‬
‫وبلغ أربعُت سنة"‪ .2‬وقد ق ّدر "ابن خلدوف " للدولة عمرا يساوي ثالثة أجياؿ‪ ،‬أي تعادؿ ‪ 120‬عاما‪ .‬منذ نشوئها غبُت‬
‫زواؽبا وتكوف على ثالث مراحل‪ ،‬كل مرحلة ‪ 71‬سنة تعيد نفس الدورة السالفة‪ .3‬فقد ورد يف الفصل الرابع عشر يف‬
‫اؼبقدمة‪ ،‬ربت عنواف‪ ‘‘ :‬يف أف الدولة ؽبا أعمار طبيعية كما لألخخاص‪ ،’’.‬ما يلي‪:‬‬
‫" وإدنا قلنا أف عمر الدولة ال يعدو يف الغالب ثالثة أجياؿ (‪ ،)...‬ألف اعبيل األوؿ‪ ،‬ال يزالوا على خلق البداوة‬
‫ربوؿ حاؽبم باؼبلك والًتؼ من البداوة إىل اغبضارة‪ ،‬ومن الشظف إىل الًتؼ‬ ‫وتوحشها (‪ ،)...‬واعبيل الثاين‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫وخشونتها‬
‫عز االستيالة إىل ذؿ االستكانة (‪ ،)...‬وأما اعبيل الثالث فينسوف عهد البداوة واػبشونة كأف م‬ ‫واػبصب (‪ ،)...‬ومن ّ‬
‫العز والعصبية (‪ ،)...‬فيحتاج صاحب الدولة إىل االستظهار بسواىم من أىل النجدة‪ ،‬ويستكثر‬ ‫تكن‪ ،‬ويفقدوف حالوة ّ‬
‫‪4‬‬
‫اؼبوايل (‪ ،)...‬حىت يأذف اهلل بانقراضها‪ ،‬فتذىب الدولة دبا ضبلت‪".‬‬
‫وقد كاف تتبع ابن خلدوف للتيورات اليت تيرأ على الدولة على أساس مدخلُت أساسيُت‪:‬‬
‫‪ ‬أ ‪ -‬التيورات اليت ربدث يف الدولة‪ ،‬من ناحية األمواؿ العامة واألخالؽ‪.‬‬
‫‪ ‬ب‪ -‬التيورات اليت ربدث يف الدولة من ناحية كرب حجمها واتساع نياقها‪.‬‬
‫ويف فصل "أف الدعوة الدينية تزيد الدولة يف أصلها قوة على العصبية" من اؼبقدمة يؤكد أف الصبغة الدينية تذىب‬
‫‪5‬‬
‫بالتنافس والتحاسد الذين يف أىل العصبية وتفرد الوجهة إىل اغبق‪ ،‬كما أف الدعوة الدينية من غَت عصبية ال تتم‬
‫فيمثل الدين يف مرحلة اغبضارة الشرارة أو اؼبركب الكيميائي الذي يضفي على اؼبعادلة تأثَتىا والدفع باجملتمع إىل‬
‫الدخوؿ يف السَتورة التاريخ‪ ،‬ولذلك يرى ابن خلدوف أف اليور األوؿ للدولة ىو البداوة ولكن البدو سرعاف ما يتيوروف‬

‫‪ 1‬نورة خالد السعد‪ ،‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص‪.11‬‬


‫‪ 2‬سورة األحقاؼ‪ ،‬اآلية ‪02‬‬
‫‪ 3‬معن خليل العمر‪ ،‬التغير االجتماعي‪ ،‬دار الشروؽ للنشر والتوزيع‪ ،‬األردف‪ ،‬اليبعة األوىل‪ ،5117 ،‬ص‪.32‬‬
‫‪ 4‬عبد الرضبن ابن خلدوف‪ ،‬اؼبرجع السابق‪ ،‬ص ‪045- 040‬‬
‫‪ 5‬نفس اؼبرجع‪ ،‬ص ‪.021-011‬‬

‫‪9‬‬
‫إذ يتحوؿ حاؽبم من البداوة إىل اغبضارة والعمراف بفعل اؼبلك مع اعبيل الثاين واغبضارة إدنا ىي ”تفنن يف الًتؼ وأحكاـ‬
‫الصنائع اؼبستعملة يف وجوبو ومذاىب من اؼبيابخ واؼبالبس واؼبباين…‪ ..‬فصار طور اغبضارة من اؼبلك يتبع طور البداوة‬
‫” فتعريف ابن خلدوف للحضارة ال يشمل اؼبفاىيم والعقائد اليت تقوـ على أساسها الدولة ألف ذلك زنتاج إىل زبصي ‪.‬‬
‫ويرى ابن خلدوف أنو ما من حضارة إال واعتمدت على علوـ ومعارؼ اغبضارات اليت سبقتها‪ ،‬فهو يقوؿ“ ‪:‬وأىل‬
‫الدوؿ أبدا يقلدوف يف طور اغبضارة وأحواؽبا الدوؿ السابقة قبلهم‪ ،‬فأحواؽبم يشاىدوف ومنهم يف الغالب يأخذوف‪ ،‬ومثل‬
‫ىذا وقع للعرب ؼبا كاف الفتح وملكوا فارس والروـ ‪ ، “.‬ولذلك يقوؿ ابن خلدوف‪ :‬إف من طبيعة اؼبلك الدعة والسكوف‬
‫والًتؼ الذي ىو غاية اغبضارة وىو يزيد الدولة يف بدايتها قوة‪ ،‬إذ تتباىى اجملتمعات اؼبتحضرة بو ولكنو أيضاً ىو العلة‬
‫األساسية لبداية االحنالؿ‪ ،‬وىو اؼبؤذف خبراب العمراف‪ .‬فاغبضارة تفسد طباع البداوة إذ يتجو أصحاب الدولة إىل‬
‫اإلسراؼ يف التنعم ويزىدوف يف العمل ويركنوف إىل الدعة والسكوف وسنلدوف إىل الراحة والشراب ويكثروف من النساء‬
‫فتزوؿ ىيبة السلية من النفوس وتكثر القالقل والفنت وتظهر اؼبعارضة ويتقوى األعداء فيفلت زماـ األمور وتبدأ الدولة يف‬
‫السقوط فتظهر صباعة أخرى من البدو تسعى إىل اؼبلك والريادة فتحل ؿبلهم‪ .‬والواقع أف ىذا األخذ ال يعيب األمة‬
‫اؼبتحضرة وال زنط من خأهنا فهو ظاىرة عاؼبية وىو يدؿ على مرونة اغبضارة الناخئة وإرنابيتها‪ .‬فالًتؼ مظهر اغبضارة‪،‬‬
‫وىو ىادمها أيضاً وىو غاية العمراف ولكنو مؤذف بنهايتو أيضاً‪ ،‬فاغبضارة غاية العمراف وهناية لعمره وإهنا مؤذنة بفساده‪.‬‬
‫وقد اكد رسوؿ اهلل (صل اهلل عليو وسلم) ىذه السنّ ْة للدورة اغبضارية اػبالدة‪ ،‬فقاؿ رسوؿ اهلل صلى اهلل عليو وسلم‬
‫يقوؿ‪" :‬خَت ىذه األمة القرف الذي بعثت فيهم‪ٍ ،‬ب الذين يلوهنم‪ٍ ،‬ب الذين يلوهنم ؛ ٍب الذين يلوهنم "‪ .‬وتتجلى آثار‬
‫اغبضارة اؼبفسدة للعمراف يف حياة البذخ والًتؼ إذ سرعاف ما ينسى سكاف اعبيل الثالث عهد اػبشونة والبداوة فيفقدوف‬
‫بذلك حالوة العز والعصبية دبا ىم فيو من ملكة القهر ويبلغ فيهم الًتؼ غايتو فتفسد أخالقهم وطباعهم فينقلب‬
‫التناصر إىل تنافر والتعاضد إىل زباذؿ والكفاح اؼبشًتؾ من أجل اؼبصلحة اؼبشًتكة إىل نزاع وصراع من أجل مكاسب‬
‫خخصية ومصاحل خاصة‪ ،‬فيظهر الظلم إىل جانب الًتؼ‪ ،‬وذنا مظهراف من مظاىر خراب العمراف(اغبضارة)'وسقوط‬
‫الدولة‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الشكل‪ :‬يوضح الرؤية الحضارية عند ابن خلدون‬

‫عصبيات ضعيفة‬ ‫في البادية ‪+‬‬ ‫عصبية قوية‬

‫أخالقي‬ ‫بيولوجي‬ ‫عنصر بيؤي‬

‫التحالف أو الوالء ‪-‬العنصر االجتماعي‪-‬‬

‫قيام الدولة أو الملك‬

‫ضعف التحالف‬ ‫ضعف اعبانب‬ ‫انتقال إلى‬ ‫انتقال العنصر‬ ‫تفقد‬


‫األخالقي نتيجة‬ ‫نسب اجتماعي‬ ‫البيؤي إلى‬
‫العصبية‬
‫العوائد اعبديدة‬ ‫الحضر‬

‫‪11‬‬
‫اإلنفراد بالحكم والمجد‬ ‫تكتسب العصبية بعض‬
‫العناصر اعبديدة‬

‫تغير في تنشئة‬ ‫جيش منظم‬ ‫ثقافة جديدة‬ ‫الترف‬


‫األجيال‬ ‫الثروة‬

‫فالحضارة غاية العمران ونهاية لعمره‬

‫فنهوض وتدىور الحضارة تمثل العالقة بين الحياة الحضرية والبدوية‬

‫نقد نظرية ابن خلدون ‪:‬‬


‫يتضح من خالؿ العرض السابق ألىم ما جاءت بو نظرية ابن خلدوف‪ ،‬أ ٌف النظرية ركزت على دور القادة‬
‫واغبكاـ يف حدوث التغَت الدوري للحضارة اجملتمع‪ ،‬وىذا زندث أحيانا يف بعض الفًتات لبعض اجملتمعات إال أف من‬
‫االنتقادات اليت وجهت إليها أهنا أرجعت كل التغَتات اليت ربدث يف اجملتمع إىل عامل واحد‪ ،‬يتمثل يف رجاؿ اغبكم‬
‫والسلية‪ ،‬وىذا التفسَت م يعد مقبوال‪ ،‬لتداخل وترابط كل جوانب اغبياة يف اجملتمع والنظم القائمة فيو‪ ،‬كما أف اجملتمعات‬
‫زبتلف يف مراحل تقدمها وتيورىا عن اؼبراحل القدشنة‪.‬‬
‫‪ -‬ركز "ابن خلدوف" على األسباب اليت تؤدي إىل اؼبراحل السابقة أكثر من تركيزه على اؼبراحل يف ح ّد ذاهتا‪.‬‬
‫دبعٌت أنو ال يؤكد عملية الدورة يف ضوء السلسلة الزمنية وال زندد ؾبتمعا معينا ينتقل من البداوة إىل اؼبلك‪ ،‬فاغبضارة واؽبرـ‪.‬‬
‫التحضر إذا‬
‫ّ‬ ‫‪-‬كما نفهم من رأي « ابن خلدوف "‪ ،‬أنو من اؼبمكن‪ ،‬أف يرجع اجملتمع‪ ،‬من مرحلة الًتؼ إىل مرحلة‬
‫ما أدرؾ نفسو قبل سقوطو يف مرحلة التدىور"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫نستخل أيضا أنو م زندد الفًتة الزمنية اليت شنكن أف تستمر فيها كل مرحلة من اؼبراحل األربعة السابقة‪.‬‬
‫ومن الواضح أف أصحاب النظريات الدائرية يتفقوف على فكرة أف التاريخ يعيد نفسو‪،‬وأف اػبربات التارسنية‬
‫للمجتمعات شنكن أف تتكرر‪.‬ولكنهم –مع ذلك‪ -‬سنتلفوف يف رؤيتهم ؽبذه اغبركة الدائرية غبضارات اجملتمعات‪.‬فبعضهم‬
‫زندد مراحل ثابتة سبر هبا كل اجملتمعات كما يف نظرية خبنجلر أو نظرية سروكُت‪،‬بينما شنيل البعض اآلخر إىل اغبديث عن‬
‫دورات شنكن أف تتكرر ىنا وىناؾ دوف ربديد مراحل ثابتة‬
‫وؽبذه االنتقادات وغَتىا باتت التيورية بصياغاهتا التقليدية غَت مقبولة إىل حد كبَت‪،‬ومن ٍب فقد انتعشت رؤى‬
‫بديلة ال تركز على التيور بقدر ما تركز على الواقع اؼبعاصر للمجتمعات كالرؤية الوظيفية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫الصراع الحضاري في العالم اإلسالمي‪ ،‬ديواف اؼبيبوعات اعبامعية‪ ،‬اعبزائر ‪ ،1990‬ص ‪.012-011‬‬
‫خاريف عكاخة‪ّ ،‬‬

‫‪12‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫لقد كاف ظهور العالمة العريب ابن خلدوف يف القرف الرابع عشر دبثابة االنعيافة الكربى اليت غَتت أسلوب‬
‫التفكَت ومنهج النظر يف خؤوف العمراف البشري واالجتماع اإلنساين‪،‬وقد وضع ابن خلدوف ؽبذا االجتماع صبلة من‬
‫اغباجات ىي دبثابة األركاف اليت يتكىء عليها االجتماع البشري ويف الًتاث العريب اإلسالمي ويف الفكر الغريب‬
‫اؼبعاصر‪،‬مكانة متميزة ويُنظر إليو على أنو صاحب رؤية حضارية خاصة‪،‬والسيما فيما يتعلق بدراسة التاريخ‬
‫البشري‪،‬واجملتمع اإلنساين والعمراف اغبضاري‪،‬ويتجاوز بعض الدارسُت لو ذلك فيتحدثوف عن عبقريتو يف الفكر‬
‫االقتصادي والًتبوي والسياسي وغَت ذلك من اغبقوؿ اؼبعرفية‪.‬‬
‫حبيث اف ىناؾ اختالؼ بُت الدارسوف من القدامى واحملدثُت يف تفسَت تدىور اغبضارة العربية اإلسالمية فبنسبة‬
‫البن خلدوف طور طبيعي‪ ،‬فالتمدف غاية البداوة‪ ،‬ولكن البدو عندما يتيوروف يف أساليب العيش ويتقدموف يف الصنائع‬
‫فإهنم ينتهوف إىل الفناء‪ ،‬ألف اغبضارة ربمل يف طياهتا بذور الفساد‪ ،‬فتهرـ الدولة وتسقط‪ ،‬واؽبرـ عند ابن خلدوف مسالة‬
‫طبيعية يف الدولة إذ يقوؿ‪ :‬وىو من األمراض اؼبزمنة اليت ال شنكن دواءىا وال ارتفاعها لندىا أنو طبيعي واألمور اليبيعية ال‬
‫تتبدؿ وىكذا تفسح الدولة اؼبنهارة اجملاؿ لقياـ دولة جديدة سبر بنفس األطوار واؼبراحل‪.‬‬
‫فازدىار اغبضارة مرتبط بازدىار العمراف وأف عدوىا اغبقيقي يكمن يف حياة البذخ والًتؼ اؼبؤدي إىل االهنيار‪.‬‬
‫والواقع أف ىذا ال يعيب األمة اؼبتحضرة وال زنط من خأهنا فهو ظاىرة عاؼبية وىو يدؿ على مرونة اغبضارة الناخئة‬
‫وإرنابيتها‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫قائمة المراجع‪:‬‬
‫‪-0‬أؼباند سليفاف‪ :‬المدينة محل نقاش‪ .‬ؾبلة معا م‪ ،‬العدد ‪ ،3‬دار النشر مارينور‪ ،‬اؼبيبعة ج‪.‬ـ‪.‬ج‪ ،‬بوزريعة‪.‬‬
‫‪-5‬ابن خلدوف عبد الرضبن‪ ،‬المقدمة‪ .‬دار الفكر العريب للنشر والتوزيع‪ ،‬بَتوت‪.5117 ،‬‬
‫‪-3‬السعد خالد نورة‪ ،‬التغير االجتماعي في فكر مالك بن (دراسة في بناء النظرية االجتماعية)‪ ،‬دار السعودية‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪.0114 ،0‬‬
‫‪-7‬اعبوالين عمر فادية‪ :‬علم االجتماع الحضري‪ .‬القاىرة (مصر)‪ :‬مؤسسة خباب اعبامعة‪.0113 ،‬‬
‫‪-2‬إس‪ .‬سي‪.‬دوب‪ ،‬التغير االجتماعي‪( ،‬تر‪ :‬عبد اؽبادي اعبوىري)‪ ،‬القاىرة‪ :‬مكتبة هنضة الشرؽ‪.0111 ،‬‬
‫‪-1‬السويدي ؿبمد‪ ،‬علم االجتماع السياسي‪ ،‬ميدانو وقضاياه‪ ،‬ديواف اؼبيبوعات اعبامعية‪ ،‬اعبزائر‪.1990،‬‬
‫‪-4‬اػبييب سليماف‪ ،‬فلسفة الحضارة عند مالك بن نبي (دراسة إسالمية في ضوء الواقع المعاصر)‪،‬اؼبؤسسة‬
‫اعبامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بَتوت‪ ،‬ط‪.0113 ،0‬‬
‫‪-1‬بن نيب مالك‪ ،‬خروط النهضة (تر عمر كاصل مسقاوي وعبد الصور خاىُت)‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬اعبزائر ط‪0114 ،7‬‬
‫‪-1‬خضَت أدريس ‪ :‬التفكير االجتماعي الخلدوني وعالقتو ببعض النظريات االجتماعية‪ .‬ديواف اؼبيبوعات‬
‫اعبامعية‪ ،‬ط‪ ،2.‬اعبزائر‪.‬‬
‫‪-01‬خضور يوسف‪ ،‬التغير االجتماعي بين النظرية والتطبيق منشورات جامعة دمشق‪ ،‬ط‪.5113-5115 ،5‬‬
‫‪-00‬عبد الفتاح ؿبمد وىبة‪ :‬جغرافية اإلنسان‪ .‬دار النهضة العربية لليباعة والنشر‪ ،‬القاىرة‪.1972 ،‬‬
‫‪-05‬عبد اغبليم رضا عبد العاؿ‪ ،‬التغير االجتماعي (و ىيكلة المجتمعات المعاصرة )‪ ،‬مكتبة االجنلو مصرية‪،‬‬
‫القاىرة‪.5112 ،‬‬
‫‪-03‬عمر خَتي ؾبد الدين‪ ،‬علم االجتماع‪ ،‬الموضوع والمنهج‪ ،‬دار ؾبدالوي‪ ،‬عماف‪ ،‬األردف‪ ،‬ط‪.5112 ،3‬‬
‫‪-07‬عفيفي اؽبادي ؿبمد‪ ،‬التربية والتغير الثقافي‪ ،‬مكتبة ألجنلو اؼبصرية‪ ،‬القاىرة‪.0142 ،‬‬
‫الصراع الحضاري في العالم اإلسالمي‪ ،‬ديواف اؼبيبوعات اعبامعية‪ ،‬اعبزائر‪.‬‬
‫‪-02‬عكاخة خاريف‪ّ ،‬‬
‫‪-01‬معن خليل العمر‪ ،‬التغير االجتماعي‪ ،‬دار الشروؽ للنشر والتوزيع‪ ،‬األردف‪ ،‬اليبعة األوىل‪.5117 ،‬‬
‫‪-04‬مغريب عبد الغٍت‪ ،‬الفكر االجتماعي عند ابن خلدون‪( ،‬تر‪ :‬ؿبمد خريف بن دايل حسُت)‪ ،‬اعبزائر‪ :‬ديواف‬
‫اؼبيبوعات اعبامعية‪0111 ،‬‬
‫‪-01‬مزياف عبد اجمليد‪ :‬النظرية االقتصادية عن ابن خلدون وأسسها في الفكر اإلسالمي والواقع االجتماعي‪،‬‬
‫مؤسسة الوحدة‪ ،‬الكويت ‪.0110‬‬
‫‪-01‬قباري إظباعيل ؿبمد‪ ،‬علم االجتماع الحضري ومشكالت التهجير والتغير والتمية‪ ،‬منشاة اؼبعارؼ‬
‫بالسكندرية‪ ،‬القاىرة‪.0112،‬‬

‫‪14‬‬

You might also like