You are on page 1of 36

‫الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية‬

‫وزارة التعليم العالي والبحث العلمي‬


‫المركز الجامعي نور البشير‪ -‬البيض‬
‫معهد العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬

‫قسم‪ :‬العلوم اإلنسانية‬

‫محاضرات تاريخ الفكر االجتماعي والسياسي‬

‫المقياس‪ :‬تاريخ الفكر االجتماعي والسياسي‬


‫االختصاص‪ :‬تاريخ عام‬
‫المستوى‪ :‬سنة ثالثة (السداسي الخامس)‬

‫‪ -‬اسم ولقب األستاذ‪ :‬قادة دين‬


‫‪ -‬الرتبة‪ :‬أستاذ محاضر (ب)‬
‫‪ -‬القسم‪ :‬علوم إنسانية‬

‫الموسم الجامعي‪:‬‬
‫‪ 2441/2441‬هـ‪1211/1212 -‬م‬

‫احملاضرة ‪ :10‬مدخل إىل الفكر السياسي واالجتماعي‬


‫‪ -1‬تعريف الفكر االجتماعي‪:‬‬
‫جمموعة أساليب وطرق العيش والتصورات واملعتقدات اليت أوجدها العقل البشري‪ ،‬حول‬
‫ذاته ومن أجل ضبط العالقة الثنائية واجلماعية مع العناصر احمليطة به وسط جمتمعه الضيق والواسع‪،‬‬
‫فيتضمن هذا الفكر الرؤى اليت طرحها اإلنسان حول عالقة اإلنسان أبخيه اإلنسان‪ ،‬وعالقته‬
‫ابلعناصر احمليطة به‪ ،‬البشرية والطبيعية‪ ،‬وكذلك عالقته ابلقوى العلوية‪ ،‬اليت اعتقد يف قدرهتا على‬
‫اخللق وصناعة احلوادث‪.‬‬
‫وجيب التمييز بني مفهوم علم االجتماع ومفهوم الفكر االجتماعي‪ ،‬فعلم االجتماع‪ ،‬يقصد به‬
‫التخصص العلمي الذي يدرس الظواهر االجتماعية واحلوادث البشرية اليومية‪ ،‬دراسة حتليلية‪ ،‬هبدف‬
‫استخالص القوانني والقواعد اليت ختضع هلا تلك الظواهر واحلوادث‪ ،‬أما الفكر االجتماعي‪ ،‬فيقصد‬
‫به األنشطة واملمارسات‪ ،‬والتصورات اليت عرفتها اجملتمعات البشرية منذ نشأهتا‪ ،‬واليت تطورت عرب‬
‫الزمن واحلقب التارخيية‪ ،‬لتشكل يف النهاية مادة دراسة علم االجتماع‪.‬‬
‫‪ -2‬تعريف الفكر السياسي‪:‬‬
‫هو جمموع النظرايت اليت ظهرت عرب اتريخ االجتماع البشري‪ ،‬واليت تستهدف حتديد شكل‬
‫العالقة بني احلاكم واحملكوم أو ما يسمى ابلسلطة‪ ،‬وضبط كل ما له عالقة جبهاز احلكم الذي يقوم‬
‫من أجل تنسيق وتنظيم حياة اجملتمعات وجعلها أفضل‪ ،‬من قوانني وتنظيمات وحدود وتصورات‪.‬‬
‫‪ -3‬أمهية دراسة الفكر االجتماعي‪:‬‬
‫هو صنف من أصناف التاريخ‪ ،‬ال يهتم بدراسة احلوادث والشخوص‪ ،‬لكن بدراسة اتريخ النظم‬
‫االجتماعية والسياسية اليت سادت يف اجملتمعات البشرية منذ القدمي‪ ،‬هبدف التعرف على جذور‬
‫العالقات اإلنسانية ‪ ،‬والوقوف على جمرى التطور العقلي البشري‪ ،‬ومن أجل التعرف على املؤثرات اليت‬
‫صاغت ذلك التفكري واملنطلقات اليت ارتكز عليها‪ ،‬واليت حتكمت يف نوع األنظمة اليت توجد‪ ،‬وكل‬
‫ذلك يصب يف خانة التفسري الصحيح للحوادث والظواهر‬
‫‪ -4‬اتريخ الفكر االجتماعي‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫الفكر االجتماعي والسياسي وجدا منذ وجد اإلنسان‪ ،‬لكن التأريخ هلما يبدأ فقط مع اتريخ‬
‫احلضارات اليت هلا اتريخ مكتوب‪ ،‬وقد مر هذا الفكر‪ ،‬مبرحلتني‪ ،‬املرحلة األوىل هي الفرتة العملية‪ ،‬اليت‬
‫كانت الفعاليات اجملتمعية‪ ،‬والعقل اجلمعي‪ ،‬يضعان فيها أسس لتصرف أو طقس معني‪ ،‬بشكل‬
‫عملي وانطالقا من التجربة الشخصية أو اجلماعية أو من االعتقادات الدينية السائدة‪ ،‬وأخذا يف‬
‫احلسبان فقط الفائدة واملصلحة العامة اليت سيجلبها ذلك التصور االجتماعي للجماعة أو التجمع‪،‬‬
‫وسادت تلك املرحلة خالل حضارات البشرية التارخيية املبكرة مثل حضارة مصر القدمية وحضارة بالد‬
‫الرافدين‪ ،‬مث بدأت املرحلة الثانية‪ ،‬وهي مرحلة التفكري والتأصيل النظري اجملرد‪ ،‬ويرجح أهنا انطلقت‬
‫مع الفالسفة اليواننيني‪ ،‬الذين حاولوا ألول مرة‪ ،‬التعبري بشكل جمرد وعقالين‪ ،‬عن النظم والعالقات‬
‫اجملتمعية اليت سادت واليت جيب أن تسود‪.‬‬
‫‪ -5‬األسس اليت صاغت الفكر االجتماعي عرب التاريخ‪:‬‬
‫كانت هناك جمموعة مؤثرات صاغت الفكر االجتماعي والسياسي عرب اتريخ البشرية‪ ،‬ويف‬
‫ضوءها مت ابتكار النظم اجملتمعية‪ ،‬ميكن أن نعدد أربعة ركائز‪:‬‬
‫‪ -‬الغريزة البيولوجية‪ :‬واليت كانت أول عامل تدخل يف صياغة التنظيمات االجتماعية والسياسية‪،‬‬
‫قبل أي شيء آخر‪ ،‬وانطالقا من البحث عن البقاء‪.‬‬
‫‪-‬النزعة الدينية‪ :‬اليت سادت خالل احلضارات القدمية‪ ،‬ووسط كثري من اجملتمعات الدينية عرب‬
‫التاريخ‪ ،‬واليت فسرت جل الظواهر الطبيعية أبسباب ميتافيزيقية خارجة عن إرادة البشر‪ ،‬وصاغت نظم‬
‫حياهتا وفق ما خيدم االعتقاد‪.‬‬
‫‪ -‬العقل والنزعة الفلسفية‪ :‬سادت منذ احلضارة اليواننية‪ ،‬بعد انتشار التفكري الفلسفي‪ ،‬وحاولت‬
‫أن تنظم العالقات اجملتمعية بطريقة مثالية‪ ،‬وفق املصلحة العليا للفرد واجلماعة‪.‬‬
‫‪ -‬النزعة املادية‪ :‬واليت بدأت تسود يف العصر احلديث‪ ،‬وانطالقا من بداية الثورة الصناعية‪ ،‬واليت‬
‫أمهلت كثري من اجلوانب الروحية‪ ،‬وركزت على املصلحة املادية للفرد واجملتمع‪.‬‬
‫‪ -6‬أبرز منظري الفكر االجتماعي والسياسي‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫أ‪ -‬عند اليوانن‪:‬‬
‫مثلت احلضارة اليواننية‪ ،‬املهد الذي خرجت منه كثري منه الفلسفة‪ ،‬واملنبع الذي أعطى القواعد‬
‫النظرية األولية جلل العلوم البشرية املعروفة‪ ،‬ومنها الفكر االجتماعي والسياسي‪ ،‬ومن أشهر األمساء‬
‫اليواننية اليت تركت بصمة ولو أولية يف هذا اجملال‪ ،‬هناك سقراط الذي تناول الواجبات العامة‬
‫والفردية‪ ،‬وهناك أفالطون الذي نظر جملتمعه‪ ،‬من خالل مشروع املدينة الفاضلة‪ ،‬الذي جسد نظرته‬
‫الطوابئية املثالية ملا جيب أن تكون عليه العالقات االجتماعية والسياسية البشرية‪ ،‬وهناك أرسطو الذي‬
‫وضع جمموعة نظرايت عن اإلنسان واألسرة واجملتمع‪.‬‬
‫ب‪ -‬املسلمني‪:‬‬
‫ومن أشهر علماء املسلمني الذين اهتموا ابلفكر االجتماعي والسياسي‪ ،‬وبدراسة طبائع البشر‬
‫واألخالق والعالقات اإلنسانية والنظم‪ ،‬وخلفوا ترااث يف هذا امليدان هناك‪ :‬الفرايب‪ ،‬وابن سينا‪ ،‬وهناك‬
‫ابن ابجة وابن خلدون‪.‬‬
‫ج‪ -‬الغربيني يف العصر احلديث واملعاصر‪:‬‬
‫حفل التاريخ الغريب احلديث واملعاصر بكثري من فالسفة وعلماء الفكر االجتماعي نذكر منهم‪:‬‬
‫مكيافليلي وتوماس مور وجان جاك روسو وأوغست كونت‪ ،‬وإمييل دوركامي‪ ،‬وسبنسر وتوينيب‪،‬‬
‫وابرسونز وماركس ولينني‪.‬‬

‫احملاضرة ‪ :2‬الفكر االجتماعي يف أوراب يف العصور الوسطى ويف عصر النهضة‬


‫‪ -0‬الفكر االجتماعي يف العصور الوسطى‪:‬‬
‫انتشرت املسيحية يف أرجاء اإلمرباطورية الرومانية بعد وفاة املسيح عليه السالم‪ ،‬رغم تعرض‬
‫أتباعها لالضطهاد واملنع‪ ،‬لتتحول مع بداية القرن الرابع امليالدي إىل الداينة الرمسية لإلمرباطورية‬
‫الرومانية‪ ،‬بعد اعتناق اإلمرباطور قسطنطني هلا سنة ‪ 213‬م‪ ،‬واجتذبت إليها اآلالف من الطبقات‬
‫‪4‬‬
‫الدنيا من رعااي روما‪ ،‬أتثرا ابلقيم األخالقية اليت اندت هبا‪ ،‬مثل املساواة بني البشر‪ ،‬وإعطاء أمهية ألي‬
‫فرد مهما كان موقعه يف اجملتمع‪.‬‬
‫أ‪ -‬مصادر الفكر االجتماعي املسيحي‪:‬‬
‫رغم أن املسيحية تنتسب إىل املسيح‪ ،‬لكن احلقيقة أن النموذج الذي انتشر منها يف روما‪ ،‬كان‬
‫خالصة جمموعة مصادر وثقافات عالوة على تعاليم اإلجنيل‪ ،‬وهي الفلسفة اليواننية والوثنية‬
‫الرومانية‪.‬‬
‫‪ ‬تعاليم املسيح‪ :‬احتوت املسيحية على قدر كبري من القيم األخالقية‪ ،‬وعلى عكس اليهودية اليت‬
‫توجهت لعدد معني من البشر وغرقت يف املادية وانشغلت ابجلدل عن روح الدين‪ ،‬وابلشكليات‬
‫عن الصفاء الروحي‪ ،‬وحتول أحرباها لكهنة جامدي القلوب‪ ،‬يكدسون املال وحيرفون احلق‪ ،‬فإن‬
‫املسيحية جاءت مببدأ مشول مجيع البشر‪ ،‬والرتكيز على الروح وتطهري النفوس‪ ،‬ونشر احملبة‬
‫واملساواة‪.‬‬
‫‪ ‬الفلسففة اليوانييففة‪ :‬تركتت الفلستتفة اليواننيتتة التيت أثتترت يف احليتاة الرومانيتتة الستابقة‪ ،‬أيضتتا أتثتريا يف‬
‫مفكتتري املستتيحية ويف احليتتاة االجتماعيتتة املستتيحية‪ ،‬متتن حيتتث جعتتل الفضتتيلة واإلنستتان مهتتا هتتدف‬
‫أي تشريع‪ ،‬والبحث عن السعادة يف الزهد واالبتعاد عن مباهج احلياة‪ ،‬وفصل الروح عن اجلسد‪.‬‬
‫‪ ‬الوثنية الرومايية‪ :‬عندما اعتنق الرومان املسيحية‪ ،‬محلوا معهم كثري من عقائتدهم الوثنيتة الستابقة‪،‬‬
‫فرتومت املسيحية أكثر مما متسحت روما‪ ،‬فقامت كثري من التصورات الدينية واالجتماعية املسيحية‬
‫على أنقاض الفلسفة الرومانية‪ ،‬وحل املسيح ابن اإلله مكان أنصاف آهلة الرومان‪ ،‬وحل القساوستة‬
‫حمتتل الكهنتتة‪ ،‬وحلتتت الكنتتائس حمتتل املعابتتد‪ ،‬واقتتتبس متتن التقاليتتد الرومانيتتة ستتلوكيات مثتتل يستتيد‬
‫املالئك تتة والرست تتل يف متاثيت تتل‪ ،‬وت ت تزيني الكنت تتاس بص تتور األست تتاطري الدينيت تتة‪ ،‬وكت تتذلك ابلنست تتبة للحيت تتاة‬
‫االجتماعية حيث أضحى رجال الدين رفقة السلطة الزمنية يف أعلى هرم اجملتمتع وصتاروا يستتعبدون‬
‫الناس ابسم السلطة اإلهلية املمنوحة‪ ،‬وانتشر الظلم االجتماعي والقهر والتضييق على العقل‪.‬‬
‫ب‪ -‬بعض مناذج الفكر االجتماعي املسيحي‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫‪ ‬القديس بولس‪ :‬يعترب القديس بولس (‪ 06-11‬م)‪ ،‬الذي ولد من أسرة يهودية آبسيا‬
‫الصغرى‪ ،‬هو من نشر تعاليم املسيحية للعامل‪ ،‬وهو اثين أهم شخصية يف املسيحية بعد املسيح‬
‫نفسه ‪ ،‬وهو من سطر عقائد وتصورات املسيحيني الدينية واالجتماعية املبكرة‪ ،‬وقد نشأ متأثرا‬
‫ابملفاهيم اليهودية واهليلنستية‪ ،‬مما انعكس الحقا على أفكاره وتصوراته وتفسرياته لالعتقاد‬
‫املسيحي‪.‬‬
‫وكمثال على األفكار االجتماعية اليت صاغها ألتباع املسيحية‪ ،‬تفسريه لقول املسيح‪":‬‬
‫أعطوا ما لقيصر لقيصر‪ ,‬وما هلل هلل"‪ ،‬بقوله‪" :‬لتخضع كل نفس للسالطني الفائقة‪ ،‬ألنه ليس‬
‫سلطان إال من هللا ‪ ،‬والسالطني الكائنة هي مرتبة من عند هللا‪ ،‬حأ أن من يقاوم السلطان يقاوم‬
‫ترتيب هللا"‪ ،‬فأصل بولس بذلك لنظرية احلق اإلهلي للحاكم‪ ،‬اليت ولدت الطغيان واالستبداد‪،‬‬
‫وجعلت النص الديين هو مصدر السلطات‪ ،‬وليس الشعب‬
‫‪ ‬القديس أوغستني‪ 326- 213( :‬م) من أهم منظري الفكر االجتماعي املسيحي‪ ،‬نشأ‬
‫متأثرا برتبيته املسيحية وبتعليمه وثقافته الفلسفية والتارخيية الواسعة‪ ،‬مما أثر على تصوراته اليت‬
‫اصطبغت ابلفلسفة اليواننية‪ ،‬فوثق أفكاره يف كتاب مساه "مدينة هللا"‪ ،‬ضمنه اعتقاده عن طبيعة‬
‫اجملتمع املثايل‪ ،‬مزج فيه بني تعاليم املسيحية وفلسفة أفالطون‪ ،‬وانقش احلق الطبيعي واحلق اإلهلي‬
‫والسلطة السياسية والسلطة الدينية‪ ،‬وحتدث عن دور العقيدة الدينية يف أخلقة العالقات البشرية‪،‬‬
‫وواجب السلطة السياسية يف حتقيق العدالة االجتماعية‪ ،‬ودعا إىل امللكية اجلماعية‪ ،‬والوحدة‬
‫املعنوية بني البشر‪ ،‬واعترب أن القانون الوضعي ضرورة اقتضتها خطااي األفراد‪ ،‬وأن السلطة الزمنية‬
‫تستمد شرعيتها من هللا‪.‬‬
‫‪ ‬توما اإلكويين‪1331-1331( :‬م)‪ ،‬من منظري الفكر املسيحي يف هناية القرون الوسطى‪،‬‬
‫أتثر ابلفلسفة اليواننية واإلسالمية‪ ،‬خاصة ابن رشد وابن سينا‪ ،‬وبثقافته الواسعة نتيجة دراسته‬
‫األكادميية‪ ،‬وقد ترك جمموعة من املؤلفات‪ ،‬تناول فيه شرح معتقدات املسيحية وأعمال أرسطو‪،‬‬
‫وحاول التوفيق يف تصوراته بني الدين والفلسفة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫وقد اعترب أن اجملتمع اإلنساين ضرورة‪ ،‬وهو عدد من األفراد الذين جيمعهم االنتظام‬
‫واخلضوع املشرتك جملموعة من القوانني اليت تستهدف حتقيق العدالة‪ ،‬وجيمعهم اهلدف واملطالب‬
‫الواحدة‪ ،‬حتت سلطة القوة املنظمة اليت هي الدولة‪ ،‬اليت تصبح بذلك ضرورة اجتماعية أيضا‪.‬‬
‫‪ -2‬الفكر االجتماعي يف عصر اإلصالح الديين والنهضة األوربية‪:‬‬
‫مع هناية القرون الوسطى‪ ،‬بدأ فجر األنوار يطل شيئا فشيئا على أورواب‪ ،‬وتعالت األصوات‬
‫املنادية بضرورة مراجعة تلك التصورات االجتماعية املقدسة اليت حكمت القارة لعشرة قرون متوالية‪،‬‬
‫وابت دور الكنيسة والدين يف حياة الناس حمل مناقشة‪ ،‬فظهر جمموعة فالسفة ومفكرين‪ ،‬أعادوا‬
‫صياغة مفاهيم الناس حول دور الفرد والسلطة‪ ،‬والعالقة بينهما‪ ،‬وعن مهمة اجملتمع وقوانينه‪ ،‬بعيدا‬
‫عن احلق اإلهلي‪ ،‬وعن املقدس التارخيي‪ ،‬واعتمادا فقط على ما يقره العقل والتفكري احلر‪ ،‬البعيد عن‬
‫كل قيد وتوجيه‪ ،‬وانتشر نقد النظام االجتماعي القائم ومفاسده‪ ،‬وأعيد االعتبار للفكر العقالين‬
‫اإلنساين اليوانين الذي أمهلته الكنيسة طيلة القرون الوسطى‪.‬‬
‫وقد برزت عدة أمساء تركت بصمتها يف نقد الفكر االجتماعي القائم وطرحت تصورات بديلة‬
‫يف هذه الفرتة‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫‪ -‬حنا كالفن (‪0555-0511‬م)‪ :‬يعترب من أهم املصلحني الدينيني واالجتماعيني األوربيني‪،‬‬
‫وقد أتثر بدراسته يف نفس الوقت لالهوت وللقانون الوضعي‪ ،‬فجاءت طروحاته اليت وثقها يف كتابه‬
‫"املؤسسة املسيحية"‪ ،‬وسطية‪ ،‬بني ضرورة التوازن بني السلطة الدنيوية ومرجعية الكتاب املقدس‪،‬‬
‫فاإلنسان يستطيع أن يضع تنظيما اجتماعيا استجابة للحاجة الطبيعية لألفراد واعتمادا على عقله‬
‫فقط‪ ،‬لكن هذا غري كايف اياه املطالب الروحية لإلنسان‪ ،‬ابعتبار أن العامل خيضع إلرادة هللا‪ ،‬فهناك‬
‫ابلنسبة لكالفن‪ ،‬أهداف سامية للبشر‪ ،‬يرجع فيها للكتاب املقدس‪ ،‬وهناك أهداف اجتماعية دنيوية‬
‫يرجع فيها إىل التفاهم اإلنساين والنظام االجتماعي البشري‪.‬‬
‫‪ -‬ييقولو مكيافيلي (‪ :)0525-0461‬سياسي ودبلوماسي إيطايل من مدينة فلورنسا‪،‬‬
‫استقى أسس فكره من ممارسته السياسية وقراءته النهمة للتاريخ‪ ،‬قدم فلسفته يف مؤلفني مها‪:‬‬

‫‪7‬‬
‫املطارحات واألمري‪ ،‬حيث اعترب أن االجتماع البشري ونشوء السلطة جاء نتيجة اإلحساس ابخلطر‪،‬‬
‫ونشأت األخالق نتيجة املعامالت بني األفراد‪ ،‬ورأى أن احلياة يف اجملتمعات تقوم على القوة بسبب‬
‫نزعة الشر يف اإلنسان‪ ،‬ودعا إىل فصل األخالق عن السلطة وإبعاد الدين عن السياسة‪.‬‬
‫‪ -‬إيرازموس اهلولندي (‪0536-0466‬م)‪ :‬فيلسوف هولندي‪ ،‬رائد تيار اإلنسانية‪ ،‬حاول‬
‫التوفيق بني األفكار االجتماعية العقالنية اليت طرحها فالسفة اليوانن وبني تعاليم املسيحية‪ ،‬دعا إىل‬
‫البساطة والتسامح واحملبة ونبذ املادة لصاحل الروح‪ ،‬واعترب أن اإلنسان هو مركز الوجود وهو اهلدف‬
‫من كل تنظيم ومعرفة‪ ،‬وأعلى من قيمة الرتاث اإلنساين الذي حيوي احلكمة والصالح مهما كان‬
‫مصدره‪ ،‬من دون اإلخالل بدور الدين‪.‬‬
‫‪ -‬توماس مور (‪0535-0451‬م)‪ :‬فيلسوف إجنليزي‪ ،‬أعاد طرح نظرية املدينة الفاضلة‪ ،‬من‬
‫خالل كتابه "يوتوبيا"‪ ،‬فوضع تصورا لنظام اجتماعي لدولة مثالية يف جزيرة خيالية‪ ،‬يقوم على احتاد‬
‫فيدرايل بني جمموعة مدن‪ ،‬تسود فيها العدالة واملساواة واحلرية‪ ،‬وتصوره عبارة عن نوع من‬
‫االشرتاكية‪ ،‬حيث ال توجد ملكية شخصية لكن يشرتك الناس يف كل الوسائل واألغراض‪ ،‬ويتساوى‬
‫الناس يف الثروة‪ ،‬ويف ساعات العمل ويف طراز البيوت ويف مساحة األراضي‪ ،‬ويسود التسامح الديين‪،‬‬
‫وتقدس األسرة‪ ،‬وهو نفس الطرح الذي ذهب إليه الفيلسوف اإلجنليزي فرانسيس بيكون‬
‫(‪1030 -1101‬م)‪ ،‬من خالل مدينته األفالطونية الفاضلة أطالنطيس‪.‬‬
‫احملاضرة ‪ :3‬الفكر االجتماعي عند املسلمني‬
‫‪ -0‬مصادر الفكر االجتماعي اإلسالمي‪:‬‬
‫‪ -‬تعاليم اإلسالم‪ :‬تعترب الداينة اإلسالمية أكثر رسالة احتوت على التشريعات االجتماعية‪ ،‬اليت‬
‫مشلت جل صنوف املعيشة‪ ،‬وضبطت خمتلف العالقات بني أفراد اجملتمع‪ ،‬بني الرجل واملرأة‪ ،‬بني‬
‫اجلريان‪ ،‬بني الفرد واجملتمع‪ ،‬بني الفرد والسلطة‪ ،‬بني الغين والفقري‪ ،‬بني الصغري والكبري‪ ،‬بني املسلم‬
‫وغري املسلم‪ ،‬وحضت على العدل واملساواة وعلى التسامح واحملبة واإليثار‪ ،‬سواء من خالل آايت‬
‫القرن الكرمي مثل قوله تعاىل ‪ " :‬اي أيها الناس إان خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعواب‬

‫‪8‬‬
‫وقبائل لتعارف وا إن أكرمكم عند هللا أتقاكم ‪ ،‬إن هللا عليم خبري" ‪ ،‬وقوله‪" :‬وت عان وا على‬
‫الرب والتقوى وال تعاون وا على اإلمث والعد وان"‪.‬‬
‫أو يف أحاديث الرسول عليه الصالة والسالم‪ ،‬مثل قوله‪" :‬ال حتاسدوا وال تناجشوا وال‬
‫تباغضوا وال تدابروا‪ ،‬وال يبع بعضكم على بيع بعض‪ ،‬وكونوا عباد هللا إخواان‪ ،‬املسلم أخو املسلم‪،‬‬
‫ال يظلمه وال خيذله"‪.‬‬
‫‪ -‬تقاليد العرب‪ :‬رغم أن اإلسالم محل معه الكثري من النظم والتصورات النابعة من صلبه كشريعة‬
‫رابنية‪ ،‬لكنه تسامح مع بعض األعراف والتنظيمات اليت كانت سارية عند العرب‪ ،‬لتستمر يف‬
‫الوجود والتأثري‪ ،‬مثال نظام القبيلة‪ ،‬وسلطة الرجل يف األسرة‪ ،‬ومثل بعض األخالق كالكرم‬
‫والشجاعة ونصرة املظلوم‪.‬‬
‫‪ -‬تراث الشعوب واحلضارات األخرى‪ :‬زايدة على ما سبق‪ ،‬فلم يعدم املسلمون التأثر بطروحات‬
‫ونظم اإلنسانية وابقي الشعوب‪ ،‬خاصة تراث الشعوب اليت اندجمت يف اإلسالم‪ ،‬فظهرت الصوفية‬
‫مثال كانعكاس مباشر لدخول سكان املناطق املسيحية يف اإلسالم‪ ،‬حاملني معهم اعتقاد الزهد‬
‫وتقديس رموز الدين‪ ،‬وبدأ املسلمون يناقشون وجيتهدون يف التنظري ألفضل النظم االجتماعية‪،‬‬
‫نتيجة انطالق حركة الرتمجة للرتاث اليوانين بداية من العهد العباسي‪ ،‬وخاصة يف عهد املأمون‪،‬‬
‫فبدأت تظهر بينهم مؤلفات فلسفية خصبة‪ ،‬حتمل فكرا اجتماعيا قائما وحقيقيا‪.‬‬
‫‪ -2‬الفكر االجتماعي اإلسالمي‪:‬‬
‫قام الفكر االجتماعي اإلسالمي على مقاصد الشريعة اإلسالمية اليت استهدفت أساسا محاية‬
‫وحفظ وتنزيه اإلنسان يف احلياة الدنيا ويف اآلخرة‪ ،‬واشتمل القرآن والسنة‪ ،‬مصدرا اإلسالم‪ ،‬على‬
‫آالف القواعد العامة والتوجيهات‪ ،‬اليت تضبط حياة اإلنسان وتنظمها‪ ،‬ومحال الكثري من القصص‬
‫والتوصيفات لطبائع الفساد واالحنراف اجملتمعي‪ ،‬ولطرق عالجها والتصدي هلا‪ ،‬ومثال خزانة تشريعات‬
‫ضبطت أبسط السلوكات البشرية‪ ،‬وهندست جل العالقات داخل اجملتمع املسلم‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫فأفراد اجملتمع املسلم سواسية يف نظر الشرع اإلسالمي‪ ،‬واجتماعهم ووحدهتم والتضامن‬
‫والتكاتف بينهم واجب ال يقبل النقاش‪ ،‬والسلطة تفرضها املصلحة العامة‪ ،‬وكل مظهر من مظاهر‬
‫اخلري والصالح مرحب به وجيازى عليه‪ ،‬وكل مظهر من مظاهر الشر والفرقة والفساد مرفوض ويعاقب‬
‫عليه‪ ،‬واحلياة الدنيا متهد للحياة اآلخرة الباقية والدائمة‪ ،‬وخمتصر النظام اإلسالمي يلخصه قوله تعاىل‪:‬‬
‫"" إن هللا أيمر ابلعدل واإلحسان وإيتاء ذي القرىب وينهى عن الفحشاء واملنكر والبغي‪ ،‬يعظكم لعلكم‬
‫تتقون"‪.‬‬
‫‪ -3‬الفكر االجتماعي اإلسالمي عند بعض املفكرين املسلمني‪:‬‬
‫رغم هيمنة تعاليم اإلسالم والعلوم الشرعية على حياة املسلمني وعلى احلياة العلمية يف بالد‬
‫اإلسالم‪ ،‬لكن كان للفلسفة وعلوم الشعوب األخرى مثل اإلغريق والفرس مكانتها‪ ،‬وأتثر كثري من‬
‫علماء املسلمني ابلنظرايت العلمية اإلنسانية‪ ،‬وأنتجوا هم بدورهم فكرا فلسفيا واجتماعيا‪ ،‬تعرض‬
‫للتنظيمات اليت تضبط احلياة‪ ،‬ومن أبرز هؤالء‪:‬‬
‫‪ -‬الفرايب (‪2231-251‬هف‪151-154/‬م)‪ :‬يعترب حممد أبو النصر الفرايب مؤسس الفلسفة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وقد ترك الكثري من املؤلفات‪ ،‬اليت احتوت على أفكاره ورؤيته ملختلف الشؤون ومنها‬
‫احلياة االجتماعية مثل""آراء أهل املدينة الفاضلة"‪ ،‬وقد أتثر يف ذلك أوال بتعاليم اإلسالم واثنيا‬
‫ابلفالسفة اليواننيني‪ ،‬ورغم أنه يعترب وريث فكر أرسطو وجمدده‪ ،‬إال أنه يف اجلانب االجتماعي أتثر‬
‫أبفالطون ومثاليته‪.‬‬
‫واعترب الفرايب أن االجتماع اإلنساين ضرورة إلشباع احلاجات‪ ،‬وصنف الفرايب االجتماعات‬
‫اإلنسانية إىل اجتماعات كاملة وغري كاملة‪ ،‬والكاملة ثالثة أنواع‪ :‬العظمى‪ ،‬وختص اجتماع البشر‬
‫كلهم يف املعمورة‪ ،‬والوسطى هو اجتماع أمة يف جزء من املعمورة‪ ،‬والصغرى اجتماع مدينة يف جزء‬
‫من أمة‪ ،‬أما غري الكاملة‪ ،‬فهي اجتماع أهل القرية وأهل احمللة وأهل السكة وأهل املنزل‪ ،‬ويرى‬
‫الفرايب أن االجتماع املثايل يف املدينة الفاضلة يشبه اجلسد الصحيح‪ ،‬الذي تتعاون أعضاؤه كلها‬
‫من أجل حفظ احلياة‪ ،‬وكما أن اجلسد تتفاضل أعضاؤه وتتفاوت يف األمهية‪ ،‬وفيه عضو يلعب‬

‫‪10‬‬
‫دور الرئيس هو القلب وأعضاء أدوار مساعدة وأعضاء اثنوية‪ ،‬فكذلك املدينة حتتاج رئيس‬
‫وهيئات هلا مهام خمصصة‪ ،‬وترتتب طبقات جمتمعها حسب ما تقدمه للمجتمع من فائدة وإنتاج‪.‬‬
‫‪ -‬ابن سينا (‪ 425 -351‬هف‪0153-111 /‬م)‪ :‬فيلسوف وطبيب مسلم‪ ،‬يعترب أبو‬
‫الطب‪ ،‬كانت له مسامهات فكرية عامة وأيضا يف ميدان الفكر االجتماعي‪ ،‬ضمنها موسوعته‬
‫الفلسفية "الشفاء"‪ ،‬فهو يرى أن اإلنسان يتميز أساسا عن احليوان ابحلياة االجتماعية‪ ،‬واجملتمع‬
‫يقوم على التعاون بني عناصره‪ ،‬واعترب أن التفاوت االجتماعي بني أفراد اجملتمع وطبقاته نعمة‬
‫إهلية‪ ،‬وهو السر يف حفاظ البشر على بقائهم وحتقيقهم النمو والتطور‪ ،‬ولو تساوى البشر يف‬
‫ثرواهتم وقدراهتم‪ ،‬لتوقف التنافس بينهم وانتهى نشاطهم‪ ،‬وانقرضوا وفين جنسهم‪ ،‬ووضع ابن سينا‬
‫تصوره للنظام االجتماعي للمدينة الفاضلة ولرتتيب ولتقسيم وترتيب اجملتمع فيها‪ ،‬ولطرق ونظام‬
‫العيش وتدبر الرزق‪.‬‬
‫‪ -‬ابن رشد (‪515 -521‬هف‪0011 -0026 /‬م)‪ :‬فيلسوف مسلم ترك أاثرا فكرية‬
‫عظيمة‪ ،‬أتثر أبرسطو وأفالطون كثريا‪ ،‬وضمن بعضا من آرائه االجتماعية يف كتابه "تلخيص‬
‫السياسة ألفالطون"‪ ،‬وقد رأى بدوره يف االجتماع اإلنساين ضرورة‪ ،‬ألن اإلنسان يعجز عن القيام‬
‫بشؤون احلياة مبفرده‪ ،‬وحتدث عن خصال أصناف السكان وأصحاب املهن‪ ،‬وعناصر املدينة‬
‫الفاضلة رؤساء ومرؤوسني‪.‬‬
‫‪ -‬أبو حامد الغزايل (‪515 -451‬هف‪0000 -0151/‬م)‪ :‬فقيه وفيلسوف وأحد أعالم‬
‫التصوف يف اإلسالم‪ ،‬خلف ترااث كبريا‪ ،‬أشهره كتابه "إحياء علوم الدين"‪ ،‬وقد كانت له جهود‬
‫على صعيد اإلصالح االجتماعي‪ ،‬وترك تصورات اجتماعية مهمة‪ ،‬تقوم على التصوف واإلعالء‬
‫من شأن احلياة الروحية‪ ،‬واالهتمام ابألخالق الباطنة وتزكية النفوس‪ ،‬واألمر ابملعروف والنهي عن‬
‫املنكر‪.‬‬

‫احملاضرة ‪ :4‬الفكر االجتماعي عند ابن خلدون‬

‫‪11‬‬
‫‪ -0‬التعريف اببن خلدون‪:‬‬
‫عبد الرمحن بن خلدون مؤرخ وسياسي وعامل اجتماع من أصول أندلسية‪ ،‬ولد بتونس سنة‬
‫‪123‬ه‪1223/‬م‪ ،‬وتويف مبصر سنة ‪868‬ه‪1360 /‬م‪ ،‬أخذ عن علماء تونس يف عهد‬
‫احلفصيني وعلماء الدولة املرينية بعد توسعها إىل تونس‪ ،‬وتفقه يف علوم الدين والفقه املالكي ويف علوم‬
‫اللغة والشعر والتاريخ والفلسفة والرايضيات واملنطق والطب‪ ،‬ومن أشهر شيوخه‪ :‬إبراهيم اآلبلي وأمحد‬
‫الزواوي وحممد اجلياين وأبو القاسم حممد القصري وبن برال األنصاري‪.‬‬
‫وقد متيز ابن خلدون بكثرة أسفاره‪ ،‬بني عواصم العلم والسياسية‪ ،‬فانتقل من تونس إىل بسكرة‬
‫مث تلمسان ومنها إىل جباية مث إىل فاس ابملغرب‪ ،‬وشد الرحال كثريا إىل حواضر األندلس؛ غرانطة‬
‫وإشبيلية‪ ،‬وعاد إىل تلمسان ومنها إىل تيهرت حيث كتب أشهر مؤلفاته كتاب العرب‪ ،‬مث انتقل إىل‬
‫املشرق‪ ،‬حيث قصد مكة حاجا واستقر أخريا ابلقاهرة‪.‬‬
‫وكان البن خلدون نشاط سياسي متميز ساهم إىل جانب حتصيله العلمي يف صقل شخصيته‬
‫وتنمية فكره‪ ،‬فقد عمل كاتبا يف بالط احلفصيني‪ ،‬مث التحق سنة ‪1213‬م ببالط األمري املريين أيب‬
‫عنان‪ ،‬مث مبجلس وزير بين األمحر بغرانطة لسان الدين ابن اخلطيب‪ ،‬وتوىل احلجابة وانل بعض‬
‫املناصب عند أمري جباية‪ ،‬وتوىل يف آخر حياته القضاء مبصر‪ ،‬كما كان له نشاط دبلوماسي فكثريا ما‬
‫ابتعث كسفري بني سالطني دول املغرب واألندلس‪.‬‬
‫وقد كانت له جمموعة مؤلفات يف شأ العلوم نذكر منها‪:‬‬
‫ديوان املبتدأ واخلرب‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫رحلة ابن خلدون‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫لباب احملصل يف أصول الدين ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫شرح الربدة للبصريي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ملخص املنطق ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫عدة مؤلفات لشرح أتليف ابن رشد يف الفلسفة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪12‬‬
‫شرح لقصيدة لسان الدين بن اخلطيب يف الفقه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫شفاء السائل لتهذيب املسائل‪ ،‬ورسالة يف التصوف ومفاهيمه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -2‬مكاية ابن خلدون يف اتريخ العلوم والفكر والفلسفة‪:‬‬
‫ارتبط بزوغ جنم ابن خلدون ابكتشاف مؤلفه البالغ األمهية "املقدمة"‪ ،‬من قبل الباحثني األوربيني‪،‬‬
‫والذي مثل سابقة يف اتريخ املؤلفات التارخيية‪ ،‬حيث احتوى على منهجية غري مسبوقة‪ ،‬قصد هبا‬
‫صاحبها تنظيم عملية الكتابة التارخيية‪ ،‬عرب وضع ضوابط حمددة يتبعها املؤرخ‪ ،‬كان أمهها حتليل‬
‫العمران البشري من أجل الوقوف على علل ومسببات احلوادث‪ ،‬وإثبات صحتها من عدمها‪ ،‬ويف‬
‫خضم هذا التحليل املستفيض لطبائع اجملتمعات والدول والسلطة‪ ،‬أوجد ابن خلدون أركان علم‬
‫متكامل هو علم االجتماع‪.‬‬
‫ونتيجة ذلك اعترب ابن خلدون هو مؤسس علم االجتماع وواضع أهم النظرايت يف الفكر‬
‫االجتماعي والسياسي‪ ،‬ونظر إليه الغرب والشرق بعني اإلجالل والتقدير‪ ،‬وصنفوه كأحد أعظم‬
‫العقول واملفكرين عرب التاريخ‪ ،‬وقد قال فيه الوزير ابن اخلطيب‪" :‬خاطب للحظ‪ ،‬متقدم يف فنون‬
‫عقلية ونقلية‪ ،‬سديد البحث‪ ،‬كثري احلفظ‪ ،‬صحيح التصور‪ ،‬مفخر من مفاخر التخوم املغربية"‪ ،‬وقال‬
‫فيه املؤرخ واملستشرق األملاين فرانز روزنتال‪" :‬من أعظم شخصيات الدهر كله"‪ ،‬وقال فيه املؤرخ‬
‫الربيطاين أرنولد توينيب‪" :‬إن ابن خلدون قد تصور فلسفة هي بال شك أعظم إنتاج أبدعه أي ذهن‬
‫يف أي عصر ويف أي بلد"‪.‬‬
‫‪ -3‬حماور الفكر االجتماعي اخللدوين وأهم يظرايته‪:‬‬
‫يزخر الفكر االجتماعي اخللدوين ابلنظرايت واألفكار‪ ،‬وميكن تصنيف مواضيعه إىل بضعة حماور‬
‫رئيسية‪:‬‬
‫‪ -‬العمران البشري على العموم‪ :‬وبرهن فيه ابن خلدون على ضرورة االجتماع البشري‪ ،‬من أجل‬
‫البقاء‪ ،‬وفصل يف أتثري البيئة يف ذلك االجتماع ويف طباع البشر وأحواهلم‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ -‬العمران البدوي‪ :‬وهو الشكل البدائي للتجمع البشري‪ ،‬وقد تناول ابن خلدون فيه دراسة‬
‫سكان البدو والقبائل املتوحشة أو البعيدة عن األمصار واملدن وأساليب عيشها‪ ،‬وأوجد عدة‬
‫نظرايت تفسر كيفيات نشوء هذا الطور‪ ،‬وتربز خصائصه ومميزاته وسلبياته وأتثرياته‪ ،‬مثل قوله‪:‬‬
‫"البدو أقدم من احلضر وسابق عليه‪ ،‬والبادية أصل العمران"‪ ،‬حيث أن اإلنسان يبدأ بطور البداوة‪،‬‬
‫عندما تكون حياته مقتصرة على الضروري‪ ،‬لكنه ينتقل إىل التمدن والتحضر عندما يتجاوز عن‬
‫الضروري إىل الكماليات‪.‬‬
‫ومن أبرز ما طرحة ابن خلدون يف هذا احملور نظرية العصبية‪ ،‬وهي أحد أهم ركائز االجتماع‬
‫البشري ونواته‪ ،‬فيلتقي النا س بسبب العالقة القوية اليت تربطهم سواء عرب رابط الدم‪ ،‬أو احللف‪،‬‬
‫وينشأ بينهم التضامن والتالحم والتعاون‪ ،‬ويكون ذلك ممهدا لنشوء اجملتمع والدولة والسلطة وامللك‬
‫واحلضارة‪.‬‬
‫‪ -‬العمران السياسي‪ :‬ويتناول فيه ابن خلدون حتليل ودراسة مفاهيم الدولة والسلطة وامللك والتدافع‬
‫بني األمم‪ ،‬وسنتطرق له يف حمور الفكر السياسي‪.‬‬
‫‪ -‬العمران احلضري‪ :‬وتطرق فيه ابن خلدون لطور احلضارة يف اتريخ االجتماع البشري‪ ،‬وقدم عدة‬
‫نظرايت عن نشأة املدن واألمصار وازدهارها و‪ ،‬وتناول كل أحوال ومظاهر احلياة احلضرية من أبنية‬
‫ومنشآت وعالقات وسكان ومنجزات حضارية‪.‬‬
‫‪ -‬العمران االقتصادي‪ :‬وتعرض فيه ابن خلدون لكل ما يتعلق ابلكسب واملعاش واحلرف والصنائع‬
‫والوظائف‪ ،‬والفالحة والتجارة والفنون‪.‬‬
‫‪ -‬العمران العلمي والفكري‪ :‬وحتدث فيه ابن خلدون عن العلوم والتعليم وكل ما له عالقة هبما‪،‬‬
‫وأتثريمها وأتثرمها ابلعمران واحلضارة‪ ،‬وفصل يف مجيع أنواع العلوم العقلية والنقلية‪،‬‬

‫احملاضرة ‪ :5‬أبرز يظرايت الفكر االجتماعي احلديثة واملعاصرة‬

‫‪14‬‬
‫‪ -0‬يظرية العقد االجتماعي‪:‬‬
‫‪ ‬مفهوم العقد االجتماعي‪:‬‬
‫تقوم فكرة العقد االجتماعي على أن الناس كانوا يعيشون يف بدايت وجودهم على الغريزة‬
‫والطبيعة‪ ،‬وحصول كل واحد منهم على ما يريد من حاجات‪ ،‬ولو على حساب الناس ولو أدى ذلك‬
‫إىل احلروب والنزاعات‪ ،‬لكن ذلك كان يتسبب يف أذى ومفاسد كبرية قد تكون أكرب من الفائدة‬
‫احملصلة فرداي‪ ،‬فتطلب األمر وجود تنظيم مشرتك وقانون موحد‪ ،‬يتنازل مبوجبه األفراد عن أاننيتهم وعن‬
‫جزء من حريتهم وحاجياهتم الطبيعية مقابل نشوء ذلك النظام املشرتك الذي حيفظ العدل ويضمن‬
‫حاجيات اجلميع وحيقق البقاء‪ ،‬وقد عرفه جان جاك روسو قائال‪:‬‬
‫"ي ضع كل واحد منا شخصه ومجيع قوته شركة حتت إدارة اإلرادة العامة‪ ،‬وحنن نلتقي –كهيئة‪ -‬كل‬
‫عضو كجزء خفي من اجملموع"‪.‬‬
‫وقد بدأت إرهاصات هذا املفهوم منذ عهد اإلغريق‪ ،‬حيث أورد أفالطون هذا الطرح على لسان‬
‫الفيلسوف السوفسطائي غلوكون‪ ،‬حيث أن اإلنسان مييل إىل الظلم والتعدي‪ ،‬ملا يف ذلك من‬
‫مكاسب شخصية ‪ ،‬ولكنه أيضا عرضة للظلم‪ ،‬وهناك من ليس له القدرة على رد العدوان‪ ،‬فتميل‬
‫الناس إىل ترك الظلم مقابل عدم تعرضها للظلم‪ ،‬فيحدث تفاهم أو اتفاق مشرتك وسط‪ ،‬لكن هذه‬
‫الفلسفة برزت على يد فالسفة عهد التنوير هوبز وروسو وغريهم‪.‬‬
‫‪ ‬أبرز منظري العقد االجتماعي‪:‬‬
‫‪ -‬توماس هوبز (‪ :)0651-0511‬فيلسوف إجنليزي وأحد فالسفة العقد االجتماعي‪ ،‬رأى‬
‫أن اإلنسان غري اجتماعي بطبعه‪ ،‬ولكن فرض عليه السعي للبقاء والعيش يف أمن‪ ،‬التجمع واالتفاق‬
‫والتنازل عن جزء من حريته وحقوقه‪ ،‬وهلذا السلطة املطلقة ضرورة‪.‬‬
‫‪ -‬جون لوك (‪0514 -0632‬م)‪ :‬فيلسيوف وطبيب وسياسي إجنليزي‪ ،‬ومنظر الثورة‬
‫اإلجنليزية واألمريكية‪ ،‬خالف هوبز يف كون اإلنسان أانين وعدواين بطبعه‪ ،‬وأن احلالة الطبيعية البدائية‬
‫كانت خالية من احلرية والعدالة والقوانني‪ ،‬بل رأى أهنا فقط كانت حتتاج إىل قوانني واضحة وسلطة‬

‫‪15‬‬
‫حمددة‪ ،‬لذا حدث تفاهم بني أفراد اجملتمع على تنازل كل عضو منهم عن بعض حقوقه الطبيعية‪،‬‬
‫لصاحل اجلماعة‪ ،‬اليت تعني أفرادا ملهمة السلطة‪ ،‬من أجل تنفيذ القوانني واحلفاظ على امللكية ومنع‬
‫التنازع ومعاقبة املعتدين ال أكثر‪ ،‬فالسلطة وديعة سلمها األفراد هليئة معينة‪ ،‬ميكن استبداهلا مأ ‬
‫قصرت‪.‬‬
‫‪ -‬جون جاك روسو (‪0551 -0502‬م)‪ :‬فيلسوف سويسري فرنسي‪ ،‬من أبرز دعاة نظرية‬
‫العقد االجتماعي‪ ،‬واليت ضمنها كتابه " العقد االجتماعي"‪ ،‬وقد وضع أسس هاته النظرية‪ ،‬اليت‬
‫تقوم على توحيد إرادة األفراد يف هيئة مشرتكة‪ ،‬حتمي بقوهتا اجملتمعة حقوق كل فرد منها‪ ،‬مع حفظ‬
‫حريته الشخصية‪ ،‬اليت ال تضر االحتاد‪ ،‬والتساوي أمام القانون املشرتك‪ ،‬وخيضع اجلميع للسلطة‬
‫املشرتكة‪ ،‬يف حدود قدرات كل فرد ويف حدود التزام تلك السلطة بتنفيذ القانون وحتقيق العدل‪ ،‬فإذا‬
‫ما نقض امليثاق االجتماعي اسرتجع كل فرد حقوقه األوىل واسرتد حريته الطبيعية‪.‬‬

‫‪ -2‬املاركسية‪:‬‬
‫‪ ‬مفهومها‪:‬‬
‫نظرية اجتماعية تنسب إىل كارل ماركس‪ ،‬أتسست على يد الفيلسوفان األملان‪ ،‬ماركس‬
‫وصديقه فريديرك اجنلز‪ ،‬نشأت كرد فعل على ما يتعرض له العمال والفقراء من اضطهاد ومن‬
‫استغالل‪ ،‬اعتربت أن الصراع الطبقي هو جوهر التاريخ وهو حمركه الرئيسي‪ ،‬وأن اجملتمع ينقسم أساسا‬
‫إىل طبقتني‪ ،‬العمال والكادحني أو الربوليتاراي وطبقة الربجوازيني املتحكمة‪ ،‬وتبنت املاركسية فكرة‬
‫اجملتمع امل ثايل‪ ،‬الذي تلغى فيه الطبقات االجتماعية ويتساوى فيه الناس يف مجيع احلقوق‪ ،‬وتلغى فيه‬
‫امللكية اجلماعية وتتحول إىل ممتلكات عامة مشرتكة‪ ،‬ويتعاون األفراد يف التسيري‪.‬‬
‫وفسرت املاركسية الوجود تفسريا ماداي حبتا‪ ،‬ومل تعرتف ابلدين وال أبي تفسري ميتافيزيقي‪ ،‬ونفت‬
‫وجود حمرك أويل (اخلالق) لألشياء واألحداث‪ ،‬بل اعتربت أن الوجود يستمد حركيته من ذاته‪ ،‬كما‬

‫‪16‬‬
‫حاولت أن تطبق القوانني العلمية املادية على التصرفات االجتماعية‪ ،‬واعتربت الفكر جمرد انعكاس‬
‫للمادة‪ ،‬وتبنت اجلدل املادي "الدايلكيتك املادي"‪ ،‬انطالقا من تفسريها املادي للكون واعتمادها‬
‫أسلوب اجلدل واحملاججة والنقد يف فهم التغريات احلاصلة يف الطبيعة واجملتمع‪ ،‬والذي يوصل‪،‬‬
‫حسبها‪ ،‬إىل احلقيقة‪ ،‬وقد اقتبست املاركسية هذا املفهوم بدمج فلسفتني‪ ،‬جدلية هيغل‪ ،‬ومادية‬
‫فويرابخ‪.‬‬
‫‪ ‬أبرز منظري املاركسية‪:‬‬
‫‪ -‬كارل ماركس (‪0113 -0101‬م)‪ :‬فيلسوف أملاين من أصول يهودية‪ ،‬مؤسس الفلسفة‬
‫املادية اجلدلية‪ ،‬أصدر رفقة أجنلز البيان الشيوعي سنة ‪1838‬م‪ ،‬ويعترب األب الروحي للشيوعية‪،‬‬
‫له عدة مؤلفات أشهرها كتاب "رأس املال" ‪ ،‬الذي ضمنه كثري من أطروحاته عن االقتصاد السياسي‬
‫وعن الصراع الطبقي‪ ،‬ويعترب مؤسس تيار اجتماعي سيعرف ابملاركسية‪.‬‬
‫‪ -‬فريديرك اجنلز (‪ :)0115 -0121‬فيلسوف وصحفي ورجل أعمال أملاين‪ ،‬رفيق ماركس‬
‫وشريكه يف إصدار البيان الشيوعي سنة ‪1838‬م ‪ ،‬ويعترب أحد أهم منظري الشيوعية بعد ماركس‪،‬‬
‫ألف العديد من الكتب واملقاالت‪ ،‬من أشهرها "حالة الطبقة العاملة يف إجنلرتا"‪ ،‬وله أفكار‬
‫اجتماعية مهمة كلها تصب يف وعاء املاركسية‪.‬‬
‫‪ -‬فالدمري لينني (‪ :)0124 -0151‬حمام وفيلسوف وثوري روسي‪ ،‬يعترب اثلث أبرز منظر‬
‫للشيوعية‪ ،‬وهو أب الثورة الشيوعية البلشفية الروسية وأهم زعماء احلزب الشيوعي الروسي‪ ،‬ومؤسس‬
‫االحتاد السوفيايت‪ ،‬له مؤلفات عديدة أشهرها‪" :‬ما العمل"‪ " ،‬الدولة والثورة"‪.‬‬
‫‪ -3‬البنائية الوظيفية‪:‬‬
‫‪ ‬مفهومها‪:‬‬
‫وهي فلسفة اجتماعية ترى أن بنيات أي جمتمع وجدت نتيجة ضرورة وظيفية‪ ،‬ونظرت إىل‬
‫اجملتمع كبناء مستقر واثبت يتألف من جمموعة عناصر متكاملة‪ ،‬يؤدي كل منها وظيفة إجيابية يف‬
‫البناء العام‪ ،‬يف إطار من التعاون والتنسيق‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ ‬أبرز منظري البنائية الوظيفية‪:‬‬
‫‪ -‬أوغست كويت(‪0151 -0511‬م)‪ :‬فيلسوف اجتماعي فرنسي‪ ،‬وهو أب علم االجتماع‬
‫احلديث والفلسفة الوضعية‪ ،‬دعا إىل تطبيق القوانني الوضعية والعلمية على اجملتمع والظواهر‬
‫االجتماعية‪ ،‬وصنف مراحل الفكر االجتماعي إىل ثالث مراحل‪ ،‬املرحلة الالهوتية‪ ،‬واملرحلة‬
‫امليتافيزيقية‪ ،‬واملرحلة الوضعية‪ ،‬حيث االعتماد على العقل يف تفسري األحداث والظواهر‪ ،‬ووضع‬
‫نظرايت عن استقرار اجملتمع وحركيته بناء على مدى تناسق وتعاون بنيات اجملتمع وأجزائه وأفراده‪.‬‬
‫‪ -‬إمييل دوركامي (‪0105 -0151‬م)‪ :‬فيلسوف فرنسي‪ ،‬من أصول يهودية‪ ،‬وضع منهجية‬
‫علم االجتماع املعاصر‪ ،‬انتهج املنهج التفسريي االستقرائي للظواهر االجتماعية‪ ،‬وخالف كونت يف‬
‫التفسري العقلي للظواهر االجتماعية‪ ،‬وخالف سبنسر يف التفسري البيولوجي هلا‪ ،‬وابتكر نظرية‬
‫استقالل علم االجتماع عن ابقي العلوم‪ ،‬واعترب أن الظاهرة االجتماعية حتدث نتيجة قوانني‬
‫جمتمعية عامة‪ ،‬خارج إرادة الفرد‪ ،‬وتتأثر بكثري من عوامل احمليط والبيئة والزمن‪ ،‬وكان ممن اهتموا‬
‫ابلبىن والوظائف االجتماعية‪ ،‬ووضع نظرايت اجتماعية عديدة‪ ،‬وله مؤلفات عديدة يف علم‬
‫االجتماع منها "تقسيم العمل االجتماعي"‪ ،‬و"قواعد املنهاج يف علم االجتماع"‪.‬‬
‫‪ -‬هربرت سبنسر (‪0113 -0121‬م)‪ :‬فيلسوف بريطاين‪ ،‬فسر الظاهرة االجتماعية‬
‫انطالقا من علم األحياء ومن نظرية التطور لداروين‪ ،‬واعترب أن اجملتمع شأنه شأن أي كائن حي‪،‬‬
‫يبدأ متجانسا مث مييل إىل التعقيد والاليانس‪ ،‬وكل ما تطور زاد ظهور وحدات متخصصة داخله‪،‬‬
‫ألف كتاب "الرجل ضد الدولة"‪.‬‬
‫‪ -‬اتلكوت ابرسويز (‪0151 -0112‬م)‪ :‬من رواد علم االجتماع األمريكي ونظرية‬
‫البنيوية الوظيفية‪ ،‬له كتاب "النسق االجتماعي"‪ ،‬نظر إىل الفعل االجتماعي كنسق من السلوك‪،‬‬
‫ميكن يزئته إىل مكوانت خمتلفة لدراستها‪ ،‬فهناك الفاعل‪ ،‬واملوقف‪ ،‬وهناك املوجه أو الدافع‪،‬‬
‫والذي قد يكون احلاجة الغريزية أو جمموعة القيم‪.‬‬
‫‪ -4‬العوملة‪:‬‬

‫‪18‬‬
‫‪ ‬مفهوم العوملة‪:‬‬
‫هلا تعريفات عديدة منها‪ :‬انفتاح الدول والشعوب على بعضها‪ ،‬وذوابن احلدود وانتشار‬
‫املعلومة‪ ،‬وتشابه اجملتمعات واملؤسسات والطبائع االجتماعية‪ ،‬ومنها‪ :‬سهولة حركة لناس واملعلومات‬
‫والسلع بني الدول‪ ،‬ويعرفها عامل االجتماعي الربيطاين "روانلد روبرتسون" أهنا‪ :‬اياه اترخيي حنو‬
‫انكماش العامل‪ ،‬فهي أساسا مفهوم اقتصادي لكن صار هلا تبعات سياسية واجتماعية‪.‬‬
‫‪ ‬أسباب العوملة‪:‬‬
‫‪ -‬الثورة املعلوماتية‪ ،‬اليت ياوزت احلدود‪ ،‬وسهلت نقل املعلومة‪ ،‬وابلتايل نشرت األفكار واملفاهيم‪.‬‬
‫‪ -‬اهليمنة االقتصادية‪ :‬ظهور ما يسمى ابلشركات العظمى املتعددة اجلنسيات‪ ،‬والرغبة يف فتح‬
‫الدول أمام السلع واملنتجات‪.‬‬
‫‪ -‬التقارب الثقايف بني البشر‪ ،‬وهيمنة النموذج الليربايل الغريب‪.‬‬
‫‪ ‬اآلاثر االجتماعية للعوملة‪:‬‬
‫رغم أن العوملة ذات منشأ اقتصادي وهدفت أساسا إىل حتقيق مكاسب مالية‪ ،‬لكن‬
‫انعكاسها الثقايف واالجتماعي غري خاف على أحد‪ ،‬بل هناك من جيعل اجلانب الثقايف‬
‫واأليديولوجي قاطرة للظاهرة‪ ،‬حيث أدت إىل هيمنة النموذج الثقايف الغريب‪ ،‬وعموم منوذج اجتماعي‬
‫واحد عرب العامل‪ ،‬وحدوث تشابه يف التقاليد والطبائع بني البشر غري مسبوق يف التاريخ‪ ،‬وذوابن‬
‫الثقافات احمللية وانداثرها‪ ،‬وظهور هرمية جمتمعية جديدة‪ ،‬على رأسها الشركات العظمى‪ ،‬وحتول‬
‫اجملتمع إىل طبقتني‪ :‬األثرايء والفقراء‪.‬‬

‫احملاضرة ‪ :16‬الفكر السياسي الغريب يف العصور الوسطى‬


‫‪ ‬الفكر السياسي الغريب خالل العصور الوسطى‪:‬‬
‫أدى اعتناق اإلمرباطورية الرومانية للمسيحية‪ ،‬إىل انطباع احلياة العامة والسياسية بتعاليم‬
‫املسيحية‪ ،‬وقد نشأ خالل هذه الفرتة فكرا سياسيا ذو مرجعية مسيحية‪ ،‬متيز أوال‪ :‬بوجود سلطتني‪،‬‬

‫‪19‬‬
‫السلطة الزمنية أو السياسية‪ ،‬ممثلة يف اإلمرباطور وجهازه اإلداري وأتباعه من اإلقطاعيني‪ ،‬والسلطة‬
‫الدينية‪ ،‬ممثلة يف اباب الكنيسة واملنظومة الكهنوتية‪ ،‬امتثاال لقول املسيح‪ ": ":‬أعطوا ما لقيصر لقيصر‪،‬‬
‫وما هلل هلل" ‪ ،‬واثنيا مبسامهة تعاليم املسيحية يف تكريس قوة وشرعية السلطة السياسية وخضوع الناس‬
‫هلا‪.‬‬
‫لقد كانت أبرز ركائز ومرجعية الفكر السياسي يف بداايت هاته الفرتة هي تعاليم املسيحية‬
‫ورسائل املسيح‪ ،‬اليت نقلها للناس‪ ،‬مبشرين مثل بولس الرسول‪ ،‬فحلت إصحاحات اإلجنيل مثل ذلك‬
‫الذي ورد يف أحد رسائل بولس‪" :‬لتخضع كل نفس للسالطني‪ ،‬ألنه ليس سلطان إال من هللا"‪ ،‬حمل‬
‫الفلسفة اليواننية والنظرايت البشرية العقلية‪.‬‬
‫وكان ال بد أن تنشأ نتيجة هذه الثنائية يف السلطة مشكلة السلطة العليا اليت هلا األولوية‬
‫ومعضلة عالقة الدين ابلدولة‪ ،‬فكثريا ما حدث خالف يف الصالحيات بني الباابوات وبني األابطرة‬
‫الرومان‪ ،‬فكتب أسقف قرطبة هوسيوس إىل اإلمرباطور الروماين قسطنطيوس يف منتصف القرن الرابع‬
‫امليالدي قائال‪ ":‬هللا وضع يف يدك اململكة‪ ،‬وإلينا سلم أمور الكنيسة‪ ،‬ليس من حقنا أن منارس أمور‬
‫الدنيا وليس من حقك أن حترق البخور"‪ ،‬لكن السلطة السياسية فرضت نفوذها يف القرون األوىل‪،‬‬
‫ووضعت هي التشريعات السياسية‪ ،‬خاصة يف روما الشرقية‪ ،‬لكن منذ تتويج شارملان يف بداية القرن‬
‫التاسع امليالدي‪ ،‬ظهر ما يسمى ابلسمو البابوي‪ ،‬حيث من ميلك حق التتويج ميلك حق احلرمان‪،‬‬
‫فقام البااب جرجيوري السابع سنة سنة ‪ 1610‬م‪ ،‬إبصدار قرار حرمان كنسي ضد امللك األملاين‬
‫هنري الرابع‪ ،‬وفعل البااب جرجيوري التاسع نفس الشيء مع اإلمرباطور فريدريك الثاين سنة‬
‫‪1321‬م‪ ،‬وهو ا ألمر الذي دفع الناس للتفكري يف أصل السلطة‪ ،‬ويف مرجعيتها ويف صحة تدخل‬
‫الكنيسة يف الشؤون السياسية‪ ،‬وكان الصراع بني الكنيسة والدولة وسلطة اإلقطاع‪ ،‬هو أهم ميزة خالل‬
‫القرون الوسطى وهو ما طبع الفكر السياسي الذي أصدر خالهلا‪.‬‬
‫‪ ‬فلسفة القديس أوغسطني‪:‬‬

‫‪20‬‬
‫يعد فكر القديس أوغسطني هو البداية الفعلية للفكر الفلسفي املسيحي‪ ،‬رغم أنه مل يكن بعيدا‬
‫عن أتثري تعاليم املسيحية‪ ،‬وقد قامت فلسفته السياسية اليت ضمنها كتابه "مدينة هللا"‪ ،‬على املزج‬
‫بني املسيحية والفلسفة اليواننية العقالنية‪ ،‬ودافع عن مكانة ودور املسيحية وأمهية احلياة الروحية يف‬
‫الدولة‪ ،‬فالدولة يف رأيه تقوم على االرتباط ابهلل وابلفضيلة ويف نفس الوقت تقوم على العدل وحتقيق‬
‫مصاحل الناس‪ ،‬فأوجد بذلك العالقة بني الدين والدولة‪.‬‬

‫‪ ‬فلسفة طوما األكويين‪:‬‬


‫جاء يف هناية القرون الوسطى‪ ،‬وأتثر ابلفلسفة اإلسالمية واليواننية كثريا‪ ،‬تقوم فلسفته السياسية‬
‫على ضرورة السلطة السياسية حأ تنتظم حياة الناس ويتحقق اخلري‪ ،‬ورغم أن مرجعية تلك السلطة‬
‫وأصلها هو إرادة هللا‪ ،‬لكنها تنفذ ابختيار بشري‪ ،‬فاعترب بذلك عدم تعارض احلق اإلهلي مع احلق‬
‫الشعيب‪ ،‬كما اعترب أن أفضل أشكل احلكومات والسلط‪ ،‬تلك اليت تقوم على شكل خمتلط‪ ،‬جيمع‬
‫بني سلطة الفرد أو امللك‪ ،‬ويعينه عدد من الرؤساء املختارين من الشعب على أساس الفضيلة‪ ،‬يف‬
‫مزج بني امللكية احلكيمة والدميقراطية‪ ،‬على هنج أرسطو‪ ،‬وقد ضمن أفكاره عدد من مؤلفاته مثل‪:‬‬
‫"يف امللكية"‪.‬‬

‫احملاضرة ‪ :15‬الفكر السياسي الغريب من هناية القرون الوسطى وحىت الثورة الفريسية‬
‫‪ -0‬الفكر السياسي األوريب يف عصر النهضة‪:‬‬
‫‪ ‬أسس الفكر السياسي يف عصر النهضة‪:‬‬
‫متيزت فرتة ما بعد القرون الوسطى‪ ،‬ببداية حتلل النظم السياسية السائدة‪ ،‬القائمة على دولة‬
‫اإلمرباطورية والكنيسة واإلقطاع‪ ،‬ومتيز الفكر السياسي يف عصر النهضة مبجموعة خصائص ومميزات‬
‫وأسس جعلته يعترب ثورة على تراث القرون الوسطى‪:‬‬
‫‪ -‬االنفتاح على تراث احلضارة اليواننية‪ ،‬وياوز قيود املسيحية اليت طبعت القرون الوسطى‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ -‬إعالء قيمة الفن واألدب واجلمال‪.‬‬
‫‪ -‬إعالء قيمة احلرية‪.‬‬
‫‪ -‬إعالء قيمة العقل‪ ،‬وتبين التفسريات العقالنية‪.‬‬
‫‪ -‬ارتفاع مكانة العلوم الوضعية‪ ،‬وتوظيف مناهجها ونظرايهتا‪.‬‬
‫‪ -‬األنسنة‪ ،‬وصعود الفلسفة اليت تعلي من قيمة اإلنسان‪.‬‬
‫‪ -‬الفردانية‪ ،‬تنامي النزعة الشخصية‪.‬‬
‫‪ -‬ظهور فكرة الدولة القومية أو الدولة ‪ -‬األمة‪ ،‬مكان الدولة الدينية‪.‬‬
‫‪ -‬ظهور فكرة الدولة املركزية‪ ،‬اليت تفرض سلطتها اإلدارية يف جزء منها‪.‬‬
‫‪ -‬تراجع منط اإلقطاع الفالحي‪ ،‬وصعود الرأمسالية التجارية‪.‬‬
‫‪ -‬التأثر أبفكار اإلصالح الديين‪ ،‬والصراعات املذهبية‪.‬‬
‫‪ ‬أبرز منظري الفكر السياسي يف عصر النهضة‪:‬‬
‫‪ -‬مكيافيلي‪ :‬يعد أول وأبرز منظري الفكر السياسي يف عصر النهضة‪ ،‬ويعترب كتابه "األمري"‪،‬‬
‫منوذجا مهما عن الفكر السياسي‪ ،‬خلص فيه عقيدته السياسية‪ ،‬ووضع تصورا متكامال للدولة‬
‫الوضعية املركزية‪ ،‬وأبرز فيه أفضل طرق احلكم واستقرار الدولة‪ ،‬وبسط نفوذها‪ ،‬وحتقيق والء رعاايها‪،‬‬
‫عرب السياسة الربغماتية والواقعية حأ لو خلت من الفضيلة واخلري‪.‬‬
‫‪ -‬جان بودان (‪0516 -0531‬م)‪ :‬مفكر وسياسي وقانوين فرنسي‪ ،‬طرح فكرة سيادة‬
‫الدولة‪ ،‬واليت متيزها عن ابقي التجمعات‪ ،‬وهي استقالل السلطة العليا وقراراهتا عن أي إرادة أو جهة‬
‫داخلية وخارجية‪ ،‬وخضوع املواطنني هلا‪ ،‬وتكون مطلقة وشاملة ودائمة وال ترجع ألي جهة لتفسري‬
‫تصرفاهتا أو يف إنشاء قوانينها‪ ،‬ورغم أنه استبعد احلق اإلهلي يف نشوء الدولة‪ ،‬لكنه مل يعرتف ابلعقد‬
‫االجتماعي‪ ،‬وأرجع أصل الدولة إىل غلبة جمموعة أو عصبية ضد البقية‪ ،‬واليت خيرج منها امللك أو‬
‫احلاكم‪ ،‬يف اقتباس لكالم ابن خلدون‪ ،‬وهو بذلك يساند نظرية احلاكم الوحيد املستبد‪ ،‬لكنه يعترب‬
‫ذلك ضرورة لتجنب الفوضى والصراع‪ ،‬وللحفاظ على استقرار الدولة‪ ،‬وقد رأى البعض أنه قد أتثر‬

‫‪22‬‬
‫ابلصراع املذهيب يف أورواب هذه الفرتة‪ ،‬وله مؤلفني مهمني يف الفكر السياسي‪" :‬منهج لتيسري التاريخ"‬
‫و"اجلمهورية"‪.‬‬
‫‪ -‬توماس مور (‪0535-0451‬م)‪ :‬احملامي والفيلسوف اإلجنليزي الذي أعاد طرح نظرية‬
‫املدينة الفاضلة‪ ،‬يف كتابه "يوتوبيا"‪ ،‬واليت اعتربت تصورا ألفضل أشكال احلكم‪ ،‬واليت تقوم على‬
‫املساواة واالنتخاب احلر‪ ،‬وعلى امللكية اجلماعية لوسائل اإلنتاج وللثروة‪ ،‬وعلى تدخل الدولة لتنظيم‬
‫كل شؤون احلياة‪ ،‬مع مراعاة األخالق والفضيلة‪ ،‬وهي نوع من إرهاصات الشيوعية واالشرتاكية غري‬
‫امللحدة‪.‬‬
‫‪ -‬ماراتن لوثر (‪ :)0546 -0413‬الراهب األملاين وأحد رموز حركة اإلصالح الديين واملذهب‬
‫الربوتسانيت‪ ،‬رغم ثورته على النظام الديين القائم‪ ،‬وعلى تغول الكنيسة‪ ،‬لكنه أصل الحرتام السلطة‬
‫الزمنية‪ ،‬واخلضوع للنظام السياسي القائم‪ ،‬كما يرد يف رسالته‪" :‬حبث حول السلطة الزمنية وحدود‬
‫طاعة الواجبة هلا" سنة ‪1132‬م‪ ،‬الذي برر فيه حأ استخدام السيف من قبل السلطة حلفظ النظام‬
‫والقانون‪.‬‬
‫‪ -‬حنا كالفن (‪0555-0511‬م)‪ :‬أحد رموز حركة اإلصالح الديين‪ ،‬وصاحب نظرية سياسية‬
‫طرحها يف كتابه "مؤسسة الدين املسيحي"‪ ،‬دعت إىل اجلمع بني النظام املدين‪ ،‬القائم على القوانني‬
‫الوضعية وعلى النظام التيوقراطي‪ ،‬ذو املرجعية الدينية‪ ،‬واقرتح منوذجا للملكية الدستورية‪ ،‬حيث ميكن‬
‫أن توجد جمالس منتخبة تساعد وتصحح مسار امللك ذو السلطة املطلقة‪.‬‬
‫‪ -0‬الفكر السياسي الغريب يف عصر التنوير وحىت الثورة الفريسية‪:‬‬
‫عصر التنوير هو الفرتة اليت أعقبت عصر النهضة األوربية‪ ،‬وميتد من هناية القرن السادس عشر‬
‫وحأ الثورة الفرنسية‪ ،‬وقد متيزت فلسفة هذا العصر‪ ،‬ابالعتماد على املنهاج العلمي‪ ،‬وبتوظيف‬
‫القوانني العلمية‪ ،‬ومبادئ الرايضيات والفيزايء وعلوم الطبيعة يف تفسري الظواهر وبناء األفكار‪ ،‬واستمر‬
‫السعي خلف البحث أن أفضل النظم السياسية‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ -‬توماس هوبز (‪0651 -0511‬م)‪ :‬من فالسفة العقد االجتماعي‪ ،‬حيث الدولة تنشأ على‬
‫تعاقد أفراد الشعب وتفويض سلطتهم إىل هيئة حاكمة‪ ،‬ورغم أتثره ابملنهج العلمي ومبادئ عصر‬
‫التنوير العقلية والتجريبية‪ ،‬لكنه احناز للسلطة املطلقة‪ ،‬متأثرا حبالة اخلوف اليت الزمته من واقع بالده‬
‫إجنلرتا أثناء فرتة الثورات والفوضى اليت أملت هبا‪ ،‬فاعترب يف كتابه الذي احتوى جممل أفكاره السياسية‬
‫"اللفيااثن""‪ ،‬أن حقوق األفراد تزول مبجرد تنازهلم للسلطة املشرتكة‪ ،‬اليت يصبح من حقها ابسم‬
‫اجلميع تطبيق القوانني اليت تضعها وحتقيق السالم‪ ،‬ولو حبد السيف ‪ ،‬وال حقوق لألفراد إال ما تقره‬
‫هذه السلطة‪.‬‬
‫‪ -‬جون لوك (‪ :)0514 -0632‬أحد أهم فالسفة العقد االجتماعي‪ ،‬قام فكره السياسي‬
‫الذي عرب عنه مؤلفه‪":‬رسالتان يف احلكم"‪ ،‬على التوازن بني حقوق السلطة واألرستقراطية والشعب‪،‬‬
‫واعتبار الشعب منشأ السلطة‪ ،‬حيث يتعاقد األفراد على التنازل عن حقوقهم لسلطة مركزية‪ ،‬تقيم‬
‫العدل وحتمي الثروات‪ ،‬لكن ال يعين هذا إلغاء احلقوق واحلرايت الفردية‪ ،‬بل الدولة جمرد منظم‬
‫ومنسق وحامي‪ ،‬ومن حق الشعب الثورة عليها إذا أخلت بدورها واخرتقت احلقوق الفردية‪ ،‬وهلذا‬
‫اعترب جون لوك أبو الليربالية احلديثة‪.‬‬
‫‪ -‬جون جاك روسو(‪0551 -0502‬م)‪ :‬يعد رأس فالسفة العقد االجتماعي‪ ،‬وهو من وضع‬
‫أسس نظرية العقد االجتماعي يف مؤلفه الذي حيمل نفس االسم‪ ،‬حيث الشعب هو املرجعية‬
‫الوحيدة للسلطة‪ ،‬اليت تنشأ ابتفاق وشراكة مجاعية بني األفراد‪ ،‬على التنازل عن بعض خصوصياهتم‬
‫للسلطة املركزية اليت ترعى احلقوق وحتفظ األمن‪ ،‬ويتم سحب ذلك التفويض فورا إذا ما أخلت تلك‬
‫السلطة حبدود العقد املربم‪ ،‬واعترب هذا الفكر هو األرضية اليت مهدت لقيام اجلمهورايت احلديثة‪.‬‬
‫‪ -‬مويتسكيو (‪0555 -0611‬م)‪ :‬فيلسوف وأديب ورجل قانون فرنسي‪ ،‬أهم مؤلفاته‪" :‬روح‬
‫القوانني"‪ ،‬والذي ضمنه معامل فكره السياسي‪ ،‬ويعترب أبو نظرية‪ :‬الفصل بني السلطات‪ ،‬وأحد اآلابء‬
‫الروحيني لليربالية والنظام اجلمهوري‪ ،‬الذي هو أفضل نظام لضمان حرية اإلنسان املقدسة‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪ -‬فولتري (‪0551-0614‬م)‪ :‬كاتب وفيلسوف فرنسي‪ ،‬من أعالم احلركة الرومنسية‪ ،‬من‬
‫دعاة امللكية املعتدلة واالستبداد املنري‪.‬‬
‫‪ -‬دفيد هيوم (‪0556 -0500‬م)‪ :‬فيلسوف ومؤرخ اسكتلندي‪ ،‬مل تكن له أعمال سياسية‬
‫مستقلة‪ ،‬لكن له آراء يف الدولة واحلكومة‪ ،‬يف بعض املؤلفات‪ ،‬مثل ‪":‬مقاال أخالقية وسياسية"‪.‬‬

‫احملاضرة ‪ :01‬الفكر السياسي اإلسالمي‬


‫‪ -0‬منطلقات السياسة اإلسالمية‪:‬‬
‫كانت الدولة املركزية بدعة جديدة مل يعرفها العرب يف اترخيهم‪ ،‬وجاءت كإحدى يليات‬
‫ونتائج إرساء معامل الرسالة اإلسالمية‪ ،‬حني دخل سكان اجلزيرة يف اإلسالم‪ ،‬وابيعت القبائل حممد‬
‫عليه الصالة والسالم كقائد‪ ،‬ونزلت عند الشريعة اليت جاء وهبا وشروط اإلتباع‪ ،‬ومنها الطاعة له يف‬
‫املنشط واملكره وأتدية احلقوق املالية واملعنوية إليه‪.‬‬
‫وقد أنشأ حممد عليه الصالة دولة حقيقية عاصمتها املدينة‪ ،‬وأقام نظاما سياسيا متكامل‬
‫األركان‪ ،‬له قيادته املركزية واحمللية‪ ،‬وله قوانينه وله جيشه‪ ،‬وله سلطته القضائية‪ ،‬وقد خضع هذا النظام‬
‫عرب الزمن للتحوير والتغيري وأتثر بكثري من النماذج‪ ،‬لكن بقيت شرعيته ومرجعيته اإلسالمية دوما‬
‫حاضرة‪ ،‬وقد ولدت عن التطبيقات العملية للسياسة اإلسالمية‪ ،‬فلسفة سياسية نظرية عظيمة‪ ،‬ملعت‬
‫فيها الكثري من األمساء‪ ،‬واليت أنتجت ترااث علميا عظيما‪.‬‬
‫وقد ارتكز املسلمون يف إنشاء نظامهم السياسي على جمموعة أسس ومرجعيات‪:‬‬
‫‪ ‬تعاليم الوحي‪ :‬الذي حظ يف غري مكان على وحدة املسلمني‪ ،‬وعلى وجود والة األمر‪ ،‬وعلى‬
‫طاعتهم‪.‬‬
‫‪ ‬سنة الرسول عليه الصالة والسالم‪ :‬حيث أنه قام بنفسه بتكوين حكومة دولة‪ ،‬مبجرد وصوله إىل‬
‫املدينة‪ ،‬ووضع هلا دستورا متثل يف صحيفة املدينة‪ ،‬وبعد فتح مكة وانتصار اإلسالم‪ ،‬جعل لتلك‬
‫الدولة عماال وسفراء‪ ،‬وقضاة وقادو جيوش‪ ،‬كما أن هناك الكثري من الشواهد يف ما نقل عنه‬

‫‪25‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم من سنة نقلية‪ ،‬أثبتت وجود أركان تلك الدولة‪ ،‬ودعت لطاعة والهتا ما‬
‫التزموا ابحلق‪.‬‬
‫‪ ‬املصلحة العامة وما يقتضيه العقل‪ :‬حيث ذهب كثري من فقهاء اإلسالم إىل وجوب اخلالفة‬
‫والدولة مبقتضى العقل‪ ،‬وما تفرضه مصلحة العامة واخلاصة من وجود سلطة لتنظم حياة الناس‬
‫ومتنع اخلصومات وتؤدي احلقوق‪.‬‬
‫‪ -2‬فلسفة احلكم يف اإلسالم‪:‬‬
‫قامت فلسفة السياسة اإلسالمية على جمموعة أسس وأركان ومقاصد‪ ،‬وهنا جيب التفريق بني‬
‫أحكام اإلسالم ال نظرية وبني فلسفته اجملردة‪ ،‬وبني التطبيقات والنماذج اإلسالمية اليت عرفها التاريخ‬
‫اإلسالمي‪:‬‬
‫‪ ‬وجوب وجود اخلالفة أو اإلمامة أو الدولة‪ :‬رغم اخلالف على مرجع الوجوب الشرعي والعقلي‪،‬‬
‫وعلى شكل الدولة‪ ،‬لكن اتفق بني اجلميع على وجوب قيام الدولة‪ ،‬اليت تسوس أمور املسلمني‪.‬‬
‫‪ ‬مقصد وجود الدولة‪ :‬هو حلفظ الدين وسياسة الدنيا‪ ،‬أي لتطبيق أحكام الشريعة‪ ،‬اليت جزء مهم‬
‫منها مثل ركن الزكاة ومثل احلدود‪ ،‬ال يطبق إال يف وجود إمام املسلمني‪ ،‬وحلفظ مصاحل الناس‬
‫الدنيوية‪ ،‬من تطبيق للقوانني وحفظ للحقوق وحتقيق العدل‪.‬‬
‫‪ ‬مرجعية الدولة الشريعة اإلسالمية‪ :‬أي احلكم مبا أنزل هللا‪ ،‬من قرآن وسنة نبوية‪ ،‬رجوعا إىل ما‬
‫نص عليه القرآن الكرمي‪" :‬ومن مل حيكم مبا أنزل هللا فأولئك هم الكافرون" و"فال وربك ال‬
‫يؤمنون حأ حيكموك فيما شجر بينهم مث ال جيدوا يف أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا‬
‫تسليما"‪.‬‬
‫‪ ‬الشورى هي ركيزة الدولة وعماد احلكم‪ :‬امتثاال ألمر هللا " وأمرهم شورى بينهم"‪ ،‬ولكثري من‬
‫وصااي الرسول عليه الصالة والسالم‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫‪ ‬الرضا بني احلاكم واحملكوم‪ :‬حيث تشددت أحكام اإلسالم يف رفض إمامة املغتصب املرفوض‬
‫من مجهور األمة‪ ،‬كما تثبته كثري من الشواهد‪ ،‬مثل حديث‪" :‬ثالثة ال تقبل صالهتم‪ ،‬رجل أم‬
‫قوم وهم له كارهون"‪ ،‬وإمامة األمة حممولة على إمامة صالة‪.‬‬
‫‪ ‬طريقة اختيار احلاكم أو اإلمام‪ :‬اختلف فيها‪ ،‬بني النموذج النبوي والراشد‪ ،‬الذي قام على‬
‫االختيار احلر‪ ،‬بني خنبة األمة‪ ،‬وهم من اصطلح عليهم فيما بعد أبهل احلل والعقد‪ ،‬وبني‬
‫التوريث الذي اقتبسته التجارب السياسية الالحقة‪ ،‬أتثرا ابلنماذج الفارسية والرومانية‪.‬‬
‫‪ ‬البيعة شرط لصحة تويل اإلمام أو احلاكم‪ :‬واختلف بني بيعة أهل احلل والعقد‪ ،‬وبيعة العامة‪،‬‬
‫لكن هناك اتفاق على وجوب أخذ البيعة‪ ،‬وقبول األمة ابحلاكم‪.‬‬
‫‪ ‬عدالة احلاكم وعلمه وورعه وكفاءته‪ ،‬شروط ملزمة‪ ،‬لتويل منصب اإلمامة الكربى‪.‬‬
‫‪ ‬احلاكم جيمع السلطة الدينية والزمنية‪ ،‬بوصفه أمريا للمؤمنني‪.‬‬
‫‪ ‬أولوية درء الفتنة على تطبيق العدل‪.‬‬
‫‪ -3‬أبرز أعالم الفكر السياسي يف التاريخ اإلسالمي‪:‬‬
‫لقد انقسم مفكرو اإلسالم السياسيني بني تيار فقهي واقعي‪ ،‬انطلق من الواقع السياسي وبىن فكره‬
‫على ما أفرزه التدافع السياسي اإلسالمي التارخيي‪ ،‬وبني تيار فلسفي مثايل‪ ،‬انطلق من النموذج‬
‫املنشود ال النموذج املطبق‪:‬‬
‫‪ ‬املاوردي (‪451 -364‬هف‪0151 -155 /‬م)‪ :‬فقيه شافعي كبري وقاضي قضاة‬
‫وسياسي يف أواخر عهد الدولة العباسية‪ ،‬كانت له مؤلفات فقهية عظيمة‪ ،‬ترك مصنفات سياسية‬
‫غاية يف األمهية‪ ،‬أشهرها‪ :‬األحكام السلطانية‪ ،‬الذي يعترب موسوعة سياسية‪ ،‬احتوت أهم أركان‬
‫وأسس ومظاهر الفلسفة السياسية‪ ،‬لدى املسلمني‪ ،‬ال حسب املثالية النظرية‪ ،‬لكن حسب ما‬
‫جسده واقع تعامل املسلمني السياسي‪.‬‬
‫‪ ‬الفرايب‪ :‬رائد الفلسفة اإلسالمية والفكر السياسي ا إلسالمي‪ ،‬قام مذهبه السياسي على التوفيق‬
‫بني تعاليم اإلسالم والفلسفة اليواننية‪ ،‬فهو مذهب فكري علمي جمرد‪ ،‬أتثر أبفكار أفالطون‪ ،‬وخلف‬

‫‪27‬‬
‫العديد من املصنفات السياسية مثل‪":‬آراء أهل املدينة الفاضلة"‪ ،‬و"حتصيل السعادة"‪ ،‬والسياسات‬
‫املدنية"‪ ،‬احتوت على الكثري من التصورات عن النظم السياسة املنشودة‪ ،‬وعلى هيكل الدولة‬
‫السياسي املثايل‪ ،‬وكثري من النظرايت ا لسياسية غري املسبوقة إسالميا‪ ،‬مثل نظرية احلاكم الفيلسوف‪،‬‬
‫واجمللس الرائسي‪.‬‬
‫‪ ‬ابن سينا‪ :‬الطبيب والفيلسوف اإلسالمي املشهور‪ ،‬له اجتهادات ونظرايت تصنف ضمن الفكر‬
‫السياسي‪ ،‬مثلما جاء يف الفصل اخلامس من املقالة العاشرة من الكتاب األول من مصنفه الشفاء‪،‬‬
‫حتت عنوان‪" :‬فصل يف اخلليفة واإلمام ووجوب طاعتها‪ ،‬واإلشارة إىل السياسات واملعامالت‬
‫واألخالق"‪.‬‬
‫‪ ‬ابن رشد‪ :‬فيلسوف إسالمي عظيم‪ ،‬له مؤلفات كثرية مهمة‪ ،‬مزج بني التأثر ابلفقه اإلسالمي‬
‫الذي تشرب به يف وسطه العائلي العلمي ابألندلس‪ ،‬وابلعقالنية اليواننية وآراء فالسفتها العظام‬
‫خاصة أرسطو وأفالطون‪ ،‬وله آراء سياسية مهمة يف مصنفه‪" :‬تلخيص السياسة"‪ ،‬عن السلطة‬
‫والدستور األفضل لسياسة املدن وحكم الشعب‪ ،‬يتمحور فكره حول نظرية املدينة الفاضلة‪.‬‬
‫‪ ‬ابن خلدون‪ :‬سيأيت احلديث عنه يف احملاضرة القادمة‪.‬‬

‫احملاضرة ‪ :11‬يظرية الدولة والسلطة عند ابن خلدون‬


‫‪ -0‬الفكر السياسي اخللدوين‪:‬‬
‫ينطلق ابن خلدون يف تدوين فكره السياسي من ركيزتني اثنتني‪ ،‬ممارسته السياسية اليت خربها‬
‫يف بالط دول املغرب اإلسالمي اليت عاصرها‪ ،‬ومن ثقافته التارخيية اهلائلة والواسعة‪ ،‬اليت مجعها مبطالعة‬
‫صنوف املؤلفات السابقة‪ ،‬يف التاريخ والفلسفة وخمتلف العلوم‪ ،‬فيقوم فكره السياسي على جانب‬
‫واقعي فقهي‪ ،‬استقرأ فيه الواقع السياسي اإلسالمي ومناذجه السياسية القائمة واملرجعيات الدينية‬
‫والفلسفية اليت قامت عليها‪ ،‬وجانب نظري فلسفي عقلي علمي‪ ،‬يستند فيه إىل قدرته الشخصية يف‬
‫حتليل وتفسري الظواهر‪ ،‬وتفكيك حيثياهتا وتوضيح عللها وتوقع مآالهتا‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫فجاء فكر ابن خلدون السياسي يف شق منه أتصيل ملا هو موجود من أشكال السلطة املتعارف‬
‫عليها يف الدول اإلسالمية حأ ذلك الوقت أي نظرة استقرائية اترخيية‪ ،‬ويف جزء منه نظرايت عامة‬
‫مبنية على العقل والتفكري والتحليل‪ ،‬تصلح لكل زمان ومكان‪ ،‬وتقوم على شروط ومنهج علمي‬
‫وعلى االستنباط‪ ،‬فهي تنظري علمي‪.‬‬
‫‪ -2‬يظرية ابن خلدون يف يشأة وأصل الدولة والسلطة‪:‬‬
‫يعترب ابن خلدون أحد رواد نظرية ضرورة االجتماع البشري‪ ،‬و"أن اإلنسان مدين بطبعه"‪ ،‬وألن‬
‫هذا االجتماع ال يستقيم إال بوجود وازع أو حاكم يرجعون إليه للفصل يف التخاصم والتنازع‪ ،‬فوجود‬
‫السلطة أيضا ضرورة الستقامة احلياة‪ ،‬واقتضاها وجود االجتماع نفسه‪ ،‬أما القوانني فمرجعها إما ديين‬
‫وإهلي‪ ،‬أو عقلي يضعه الناس حلفظ مصاحلهم‪.‬‬
‫ويعترب ابن خلدون أن التجمعات البدوية هي أصل اجملتمع والعمران والدولة‪ ،‬حيث كان الناس‬
‫يتجمعون على ما حيفظ بقائهم مثل الزراعة أو الرعي‪ ،‬ومقصده يف ذلك أوىل التجمعات البشرية‬
‫املتوحشة اليت كانت على الفطرة‪ ،‬وال تتوفر سوى على األدوات الضرورية للحياة‪ ،‬وبعد مرور الزمن‪،‬‬
‫تطورت عوائدهم‪ ،‬وياوزوا عن الضروري إىل الكمايل‪ ،‬فظهرت البيوت واملدن واألمصار وكثرت‬
‫األقوات واملالبس واألواين‪ ،‬وظهرت التجارة والصناعة‪.‬‬
‫ويرجع ابن خلدون أصل السلطة والدولة إىل عنصر (العصبية)‪ ،‬وهو مفهوم جوهري يف اجملتمع‬
‫والدولة عنده‪ ،‬يعرفه أبنه‪ :‬تكتل ينشأ داخل أي يمع‪ ،‬عبارة عن التحام ابلنسب أو ابحللف والوالء‪،‬‬
‫يلتف حول رئيس أو زعيم أو كبري‪ ،‬تتشكل مبوجبه نزعة للمناصرة والنعرة‪ ،‬وله أصناف‪ ،‬فهناك‬
‫العصبية القريبة األشد االلتحاما‪ ،‬ملن جيمعهم النسب الواحد والدم الواحد‪ ،‬وهناك العصبية العامة‪،‬‬
‫يمع العصائب اخلاصة واألنساب البعيدة‪.‬‬
‫والعصبية يف رأي ابن خلدون هي من منشأ السلطة‪ ،‬حيث يقوم تدافع بني العصبيات داخل‬
‫أي جمتمع‪ ،‬والعصبية الغالبة هي اليت ترأس التجمع‪ ،‬ويذعن البقية هلا‪ ،‬ويكون الرئيس هو صلب‬
‫وقلب العصبية املتفوقة‪ ،‬ويرى ابن خلدون أن العصبية إذا سادت يف مكان واستقر هلا األمر‪ ،‬تتجاوز‬

‫‪29‬‬
‫إىل إخضاع عصبيات أخرى عددية‪ ،‬حأ يتوسع سلطاهنا وتنشأ جراء ذلك دولة‪ ،‬ويقوم امللك‪،‬‬
‫وامللك مرتبة أكثر من الرائسة يف رأي ابن خلدون‪ ،‬فهي قائمة على اإلتباع‪ ،‬وامللك قائم على التغلب‬
‫واحلكم والقهر‪.‬‬
‫‪ -3‬يظرايت ابن خلدون يف مظاهر ولوازم السلطة‪:‬‬
‫وقد فصل ابن خلدون يف كل ما يتعلق بشكل السلطة واجلهاز اإلداري للدولة‪ ،‬وأصناف‬
‫احلكم‪ ،‬وطريقة تعيني احلكام‪ ،‬وشروط تويل اإلمارة وخمتلف ألقاب موظفي الدولة يف الدول‬
‫واحلضارات املختلفة‪ ،‬ولوازم منصب احلاكم‪ ،‬والشارات واملظاهر والشكليات اليت ترافقه‪ ،‬وشرح العديد‬
‫من املفاهيم مثل‪ :‬اخلالفة واإلمامة وامللك‪ ،‬ووالية العهد والبيعة والبابوية والوزارة وديوان اجلباية والشرطة‬
‫والسكة‪.‬‬
‫‪ -4‬يظرايت ابن خلدون يف التدافع بني االدول‪:‬‬
‫خلف ابن خلدون العديد من النظرايت اليت تفسر ظواهر التدافع بني الدول وقيام‬
‫احلروب وغلبة أمة على أمة‪ ،‬ومن تلك النظرايت‪" :‬أن األمم الوحشية أقدر على التغلب على‬
‫سواها"‪" ،‬أن الدولة العامة االستيالء العظيمة امللك‪ ،‬أصلها إما نبوة أو دعوة حق"‪ ،‬ويقصد هنا أن‬
‫اإلمرباطورايت العظيمة تقوم عل ى إيديولوجيا أو فلسفة حقانية عادلة‪" ،‬الدولة املستجدة تستويل على‬
‫الدولة املستقرة ابملطاولة ال ابملناجزة"‪ ،‬أي أن الدولة احلديثة أقدر على االنتصار على الدولة القدمية‪،‬‬
‫لكن ابلصرب واملثابرة‪ ،‬وليس ابحلروب‪" ،‬أن املغلوب مولع بتقليد الغالب"‪ " ،‬أن األمة املغلوبة التابعة‬
‫يسرع إليها الفناء"‪.‬‬
‫‪ -5‬يظرايت ابن خلدون يف االقتصاد السياسي‪:‬‬
‫سبق ابن خلدون املفكرين والفالسفة‪ ،‬يف طرح نظرايت عظيمة تتعلق بتأثري السياسة‬
‫والسلطة يف االقتصاد ويف نشاط اإلنسان املعيشي‪ ،‬وأصل للمنتجات احلضارية اليت تفرزها الدول‬
‫والتجمعات اإلنسانية‪ ،‬ومن ذلك‪" :‬أن املدن العظيمة واهلياكل املرتفعة يشيدها امللك الكثري"‪ ،‬وقصده‬
‫أن املنجزات احلضارية العظيمة‪ ،‬ختلفها احلضارات الكبرية‪ ،‬و"التجارة من السلطان مضرة ابلرعااي‬

‫‪30‬‬
‫مفسدة للجباية"‪ ،‬وقصده أن مزامحة السلطة للمواطنني يف التجارة وتكسب احلاكم وحاشيته‪ ،‬يؤدي‬
‫إىل فساد االقتصاد وركوده‪ ،‬و"النقص يف العطاء من السلطان نقص يف اجلباية"‪ ،‬أي أن إحجام‬
‫السلطة عن ضخ األموال يف االقتصاد‪ ،‬يؤدي إىل ركوده‪ ،‬وهذه النظرية هي عماد نظرية كينزي‬
‫املعاصرة يف تسيري االقتصاد‪.‬‬
‫‪ -6‬يظرايت ابن خلدون يف عمر الدولة وشروط قوهتا وعوامل ضعفها‪:‬‬
‫ويعترب هذا اجلانب هو األهم يف الفكر السياسي اخللدوين‪ ،‬حيث خلد الرجل امسه مبجموعة‬
‫نظرايت علمية‪ ،‬عن أحوال الدول وأطوارها وأسباب قوهتا وعوامل ضعفها‪ ،‬أثبتت التاريخ والعلم‬
‫صحتها وعبقريتها‪ ،‬فإليه تنسب نظرية "أن الدولة هلا أعمار طبيعية كما لألشخاص"‪ ،‬ونظرية" أن‬
‫للدولة أطوارا متر هبا"‪ ،‬حيث أن كل دولة وحضارة متر بثالثة أطوار‪ ،‬طور النهوض والتأسيس‪ ،‬يكون‬
‫بداية على عهد جيل البداوة واخلشونة والكفاح‪ ،‬مث أييت اجليل الثاين الذي يستفيد من الرخاء والقوة‬
‫اليت بناها اجليل األول‪ ،‬فيكون أقل قوة‪ ،‬لكن الدولة تستمر يف عهده لوجود بعض مقومات البقاء‪ ،‬مث‬
‫أييت الطور الثالث مع اجليل األخري‪ ،‬الذي ينغمس يف اللذات والرفاهية الكبرية اليت نتجت عن عظم‬
‫الدولة وقوة حضارهتا فتقدم الدولة على اهلرم وتضعف تسقط‪ ،‬وهناك نظرية" أن العصبية تنتج القوة‬
‫والق وة تنتج امللك‪ ،‬وامللك ينتج الرفاهية‪ ،‬والرفاهية تسقط الدولة"‪ ،‬وهناك نظرية‪" :‬الظلم مؤذن خبراب‬
‫العمران"‪ ،‬وهناك نظرايت أخرى كثرية كلها تؤصل لنهوض الدول واألحوال اليت تطرأ عليها‪ ،‬والعوامل‬
‫اليت تؤدي لسقوطها‪.‬‬

‫احملاضرة ‪ :01‬الفكر السياسي املعاصر‪ :‬الليربالية‪ ،‬اإلشرتاكية‪ ،‬الدميقراطية‬


‫‪ -0‬الليربالية‪:‬‬
‫‪ ‬مفهومها‪ :‬هي نزعة اجتماعية وسياسية واقتصادية‪ ،‬تقوم على ركيزيت أساسيتني‪ :‬الفردانية واحلرية‪،‬‬
‫وقد تطورت هذه الفلسفة الفكرية انطالقا من عصر التنوير‪ ،‬ونشأت شيئا فشيئا معتمدة على‬
‫أفكار فالسفة مثل جون لوك وجان جاك روسو ودافيد هيوم وآدم مسيث وجون ستيوارت‪،‬‬

‫‪31‬‬
‫وصقلت عرب الزمن‪ ،‬وتقوم فلسفتها السياسية‪ ،‬على وجوب احلد من صالحيات السلطة‬
‫السياسية‪ ،‬ومنعها من التدخل يف احلياة الشخصية والعالقات االجتماعية أو حأ يف االقتصاد‬
‫والدين‪ ،‬وقصر وجودها على تنظيم احلياة ومحاية حقوق وحرايت األفراد‪ ،‬فيه بذلك تدعو إىل حرية‬
‫املعتقد وحرية التعبري وحرية التملك وحرية اإلنتاج واملنافسة واالغتناء‪.‬‬
‫‪ ‬مبادئ الليربالية‪ :‬تقوم الليربالية على جمموعة أسس ومبادئ‪:‬‬
‫‪ -‬املساواة بني البشر‪ :‬فتلغي الطبقات واالمتيازات‪.‬‬
‫‪ -‬احلرية‪ :‬وتشمل احلرية الفكرية واالجتماعية والسياسية واالقتصادية‪.‬‬
‫‪ -‬الفردايية‪ :‬حيث حرية الفرد وحقوقه الشخصية مقدمة على اجملتمع‪ ،‬وال يتدخل اجملتمع يف الفرد‬
‫إال عندما يضر به‪.‬‬
‫‪ -‬حياد السلطة‪ :‬وعدم تدخلها يف حتديد أي منط اجتماعي أو فكري أو اقتصادي أو فين‪.‬‬
‫‪ -‬عدم وجود مرجعية للدولة‪ :‬ال دينية وال أيديولوجية وال عرقية‪ ،‬ومرجعها الوحيد هو الشعب‪.‬‬
‫‪ -‬النفعية‪ :‬كأساس لألخالق والتصرفات‪ ،‬فاألفعال تكون صوااب بقدر ما تنتج من سعادة‪،‬‬
‫والعكس صحيح‪ ،‬والرغبة يف حتقيق أكرب قدر من السعادة هي دافع الفرد وسبب وجود الدولة‪.‬‬
‫‪ ‬أبرز منظري الليربالية‪:‬‬
‫توجد جذور لليربالية يف الفلسفة اإلغريقية القدمية‪ ،‬لكنها ظهرت فعليا يف عصر التنوير‪،‬‬
‫وتطورت خالل القرنني الثامن والتاسع عشر‪ ،‬وساهم فيها الكثري من الفالسفة‪ ،‬بعضهم سبق ذكرهم‬
‫مثل‪ :‬توماس هوبز وجون لوك وجان جاك روسو ومنتسكيو ودفيد هيوم وآخرين سيأيت ذكرهم‪.‬‬
‫‪ -‬أدمويد بريك (‪0515 -0525‬م)‪ :‬سياسي أيرلندي‪ ،‬وليربايل واألب الروحي للتيار احملافظ‬
‫املعاصر‪ ،‬ورغم مناصرته لتوازن السلطات والحرتام الدستور وللحرية الشخصية‪ ،‬لكنه كان ينتصر‬
‫للتقاليد والعرف وللدين والنظم التقليدية القائمة‪ ،‬ويصنف كعدو للثورة الفرنسية‪ ،‬مل سببته من‬
‫فوضى واستبداد ابسم احلرية‪ ،‬وأهم مصنف سياسي له هو‪" :‬أتمالت يف الثورة الفرنسية"‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫‪ -‬جون مل ستيوارت (‪0153 -0116‬م)‪ :‬فيلسوف واقتصادي إجنليزي‪ ،‬من رواد املذهب‬
‫النفعي‪ ،‬ويعترب من أهم منظري الليربالية‪ ،‬حيث له نظرايت حول احلرية الشخصية وحول السلطة‬
‫وكثري من قضااي اجملتمع مثل العبودية واالستعمار واالستبداد والدميقراطية والربملان والتمثيل واملساواة‬
‫وحقوق النساء واالشرتاكية‪ ،‬له مؤلفات كثرية يف الفلسفة واالقتصاد والسياسة‪.‬‬
‫‪ -‬ألكسي دي توكفيل (‪0151 -0115‬م)‪ :‬مؤرخ ومنظر سياسي فرنسي‪ ،‬ليربايل كالسيكي‬
‫من أنصار احلكم الربملاين‪ ،‬ومعارضي الدميقراطية املفتوحة‪ ،‬من أشهر أعماله‪" :‬يف الدميقراطية‬
‫األمريكية"‪.‬‬
‫‪ -‬آدم مسيث (‪0511 -0523‬م)‪ :‬فيلسوف ورجل اقتصاد اسكتلندي‪ ،‬يعترب مؤسس‬
‫الليربالية االقتصادية وأب االقتصاد احلديث‪ ،‬حيث دعا إىل حرية املبادرة لشخصية ونزع القيود‬
‫أمام الفرد ليعمل وينتج ويتملك ويغتين‪ ،‬من أشهر أعماله "ثروة األمم"‪.‬‬
‫‪ -2‬االشرتاكية‪:‬‬
‫‪ ‬مفهوم االشرتاكية‪:‬‬
‫هي فلسفة سياسية‪ ،‬ظهرت يف بداية القرن التاسع عشر كرد فعل على انتشار الرأمسالية والثورة‬
‫الصناعية‪ ،‬تقوم على امللكية اجلماعية لوسائل اإلنتاج‪ ،‬وإشراف الدولة على شؤون احلياة وعلى‬
‫االقتصاد‪ ،‬واستهدفت القضاء على كل أشكال االستغالل والتفاوت الطبقي‪ ،‬وحتقيق العدالة‬
‫االجتماعية وحترير البشر من العمل لدى اآلخرين‪ ،‬بل جعل اجملتمع حكرا على العمال والفالحني‪،‬‬
‫حيث تنبثق السلطة منهم بشكل مجاعي‪.‬‬
‫‪ ‬جذور االشرتاكية عرب التاريخ‪:‬‬
‫ظهرت بواكري االشرتاكية يف العصور القدمية يف فكر أفالطون عندما دعا إىل اشرتاك الناس‬
‫يف بعض املمتلكات واملرافق درءا للنزاع‪ ،‬ويف فكر مزدك بن موبذان الفارسي مؤسس املزدكية يف‬
‫بداية القرن السادس امليالدي‪ ،‬اليت دعت إىل اشرتاك الناس يف األموال واملنافع‪ ،‬كما كانت هناك‬

‫‪33‬‬
‫بعض مالحمها يف اإلسالم‪ ،‬حني دعت تعاليمه إىل العدالة االجتماعية وإىل اشرتاك الناس يف املرافق‬
‫العامة‪ ،‬كما جاء يف حديث‪" :‬الناس شركاء يف ثالث؛ املاء والنار والكأل"‪.‬‬
‫وقد ظهرت إرهاصات االشرتاكية احلديثة يف أفكار توماس مور‪ ،‬حني دعا إىل بناء املدينة‬
‫املثالية اليت تقوم على امللكية اجلماعية لوسائل اإلنتاج والثروة وعلى تدخل الدولة لتنظيم شؤون‬
‫احلياة‪ ،‬مث تبلورت معاملها على يد فالسفة القرن التاسع عشر‪ ،‬مثل سان سيمون وشارل فورييه‬
‫وماركس وأجنلز‪.‬‬
‫‪ ‬مدارس اإلشرتاكية‪:‬‬
‫تنقسم االشرتاكية من حيث املنظرين واألفكار واألسس إىل جمموعة مدارس‪:‬‬
‫‪ -‬االشرتاكية الطوابوية‪ :‬أو املثالية‪ ،‬ترتكز على النزعة اإلنسانية واألخالقية يف مواجهة الرأمسالية‪،‬‬
‫دعت إىل تعاون كل طبقات اجملتمع لتحقيق العدالة االجتماعية واملساواة والقضاء على النظام‬
‫الطبقي واختفاء النبالء‪ ،‬وتوفري التعليم الشامل والعمل التعاوين وإحالل الرفاهية والسعادة‪ ،‬وهذا‬
‫كله بطرق سلمية بعيدا عن العنف الثوري‪ ،‬ومن أبرز رموز هذه املدرسة‪ :‬هنري كلود سان سيمون‬
‫(‪1831-1106‬م) وشارل فورييه (‪1821 -1113‬م) يف فرنسا‪ ،‬وروبرت أوين‬
‫(‪ )1818 -1111‬ووليم كودين (‪1820-1110‬م) يف إجنلرتا‪ ،‬ولودفيغ فويرابخ‬
‫(‪1813 -1863‬م) يف أملانيا‪.‬‬
‫‪ -‬املدرسة العلمية‪ :‬حياول منظروها أن يبنوا أفكارهم على منطلقات علمية‪ ،‬يف نقد الرأمسالية‪،‬‬
‫وعلى ما ميسى ابلدايلكتيك التارخيي‪ ،‬ويتطرفون يف رفض الرأمسالية‪ ،‬وتبين العنف الثوري‪ ،‬من أجل‬
‫إحالل اجملتمع االشرتاكي‪ ،‬الذي تنعدم فيه الطبقات وتسيطر فيه الدولة بشكل كامل‪ ،‬والذي‬
‫يصل يف النهاية إىل الشيوعية املطلقة‪ ،‬حيث تلغى الدولة‪ ،‬ومن أبرز منظريه كارل ماركس وفريديرك‬
‫إجنلز‪.‬‬
‫‪ -3‬الدميقراطية‪:‬‬
‫‪ ‬مفهوم الدميقراطية‪:‬‬

‫‪34‬‬
‫عرفها كثري من املفكرين بكوهنا اإلدارة أو السلطة اليت يتفق عليها الشعب‪ ،‬واليت هتدف إىل‬
‫اإلشراف على تنظيمه وحفظ مصاحله وعالقاته وحتقق اخلري العام‪ ،‬فهي انبثاق السلطة من أغلبية‬
‫الشعب‪ ،‬عرب اختيار حر وعادل‪ ،‬ينتج عنه اصطفاء خنبة متثل الشعب وحتكم ابمسه‪.‬‬
‫‪ ‬أسس الدميقراطية‪:‬‬
‫‪ -‬االيتخاابت‪ :‬احلرة العادلة املمثلة‪ ،‬واليت يصل عربها ممثلو الشعب إىل أجهزة احلكم‪.‬‬
‫‪ -‬احلرايت املديية‪ :‬حرية التعبري والصحافة والتجمع واملعارضة وتشكيل أحزاب سياسية‪.‬‬
‫‪ -‬فصل السلطات واستقالل القضاء‪ :‬مبا حيقق التوازن‪ ،‬ويضمن عدم تغول أي سلطة‪ ،‬ويضمن‬
‫أن يصل كل مواطن حلقه‪ ،‬أو يعاقب على جرمه‪.‬‬
‫‪ -‬سيادة القايون‪ :‬واليت يعل مجيع املواطنني سواسية‪ ،‬وتنزع احلصانة عن أي شخص أو طرف أو‬
‫مؤسسة‪.‬‬
‫‪ -‬تكافؤ الفرص‪ :‬أمام اجلميع يف السياسة واالقتصاد وكل اجملاالت‪.‬‬
‫‪ ‬أشكال وأصناف الدميقراطية‪:‬‬
‫‪ -‬الدميقراطية املباشرة‪ :‬وهي مشاركة مجيع أفراد الشعب يف اختاذ القرارات السياسية‪.‬‬
‫‪ -‬الدميقراطية التمثيلية‪ :‬وهي نيابة خنبة من اجملتمع يف متثيل مجوع الشعب يف ممارسة السياسة‪.‬‬
‫‪ -‬الدميقراطية االجتماعية‪ :‬وهي مرادف لالشرتاكية‪ ،‬وترتكز على العدالة االجتماعية‪.‬‬
‫‪ ‬أيواع النظم الدميقراطية‪:‬‬
‫‪ -‬الدميقراطية الرائسية‪ :‬حيث خيتار الرئيس والربملان بشكل منفصل‪ ،‬وتتوزع الصالحيات بني‬
‫الرئيس وبني الربملان‪ ،‬وللرئيس احلق يف اختيار اجلهاز التنفيذي‪ ،‬وللربملان احلق يف التشريع واختيار‬
‫املراقبة‪.‬‬
‫‪ -‬الدميقراطية الربملايية‪ :‬ينتخب الشعب أساسا ممثليه يف الربملان‪ ،‬ومنه ينبثق اجلهاز التنفيذي‪،‬‬
‫ويوجد يف النظم امللكية الدستورية أو اجلمهورايت الربملانية‪.‬‬
‫‪ ‬اتريخ الدميقراطية‪:‬‬

‫‪35‬‬
‫وجدت الدميقراطية فكرا وتطبيقا يف كثري من النماذج السياسية منذ احلضارات القدمية‪،‬‬
‫وحتديدا منذ عهد اإلغريق حيث وجدت تقاليد دميقراطية ولو غري انضجة‪ ،‬عرب مشاركة املواطنني‬
‫املتمتعني حبقوق املواطنة يف مناقشة شؤون السلطة‪ ،‬ومن خالل مناقشة الكثري من الفالسفة حلقوق‬
‫الشعب وأشكال السلطة‪ ،‬مثل أفالطون يف "اجلمهورية"‪.‬‬
‫وظهرت مالمح دميقراطية تقوم على متثيل النخبة للمجتمع يف عهد اخلالفة الراشدة يف اجملتمع‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وظهرت مناذج مشوهة من الدميقراطية يف املدن اإليطالية يف مستهل عصر النهضة‪،‬‬
‫وخالل بعض التجمعات الفالحية البسيطة عرب مناطق العامل‪ ،‬وحأ وسط بعض األخوايت املسيحية‬
‫أو الدينية األخرى‪ ،‬لكن الدميقراطية بشكلها احلديث ظهرت بعد أتثري أفكار فالسفة عصر التنوير‬
‫عن العقد االجتماعي واملساواة وفصل السلطات‪ ،‬فظهرت امللكية الدستورية يف بريطانية بعد الثورة‬
‫اجمليدة سنة ‪1088‬م‪ ،‬مث جاءت الثورة الفرنسية سنة ‪1181‬م‪ ،‬لتكون أكرب مؤثر يف ميالد‬
‫الدميقراطية احلديثة‪ ،‬ومبوازاهتا قامت الثورة األمريكية‪ ،‬لتعلن والدة مجهورية الوالايت املتحدة‬
‫األمريكية‪ ،‬أحد أبرز مناذج ويليات الدميقراطية‪.‬‬

‫‪36‬‬

You might also like