Professional Documents
Culture Documents
اللبرالية ()1
أوال :مفهوم مصطلح الليبرالية
الليربالية مصطلح أجنيب معرب مأخوذ من ( )Liberalismيف اإلجنليزية ،وهي تعين "
التحررية" ،ويعود اشتقاقها إىل ( )Liberatyيف اإلجنليزية ومعناها احلرية (. )1
وهي مذهب فكري يركز على احلرية الفردية ،ويرى وجوب احرتام استقالل األفراد ،ويعتقد أن
الوظيفة األساسية للدولة هي محاية حريات املواطنني مثل حرية التفكري ،والتعبري ،وامللكية اخلاصة،
واحلرية الشخصية وغريها.
فالليربالية حقيقة مركبة تركيبا تاما من ثالثة أسس " احلرية الفردية العقالنية "
ـــــــ
( )1هذا اجلزء خمتصر من كتاب حقيقة اللربالية للدكتور عبدالرحيم السلمي
1
األساس الثاني :الفردية:
ارتبطت احلرية بالفردية ارتباطا وثيقا ،فأصبحت الفردية تعين استقالل الفرد وحريته.
وقد جاءت هذه الفردية مبفهومني خمتلفني:
أحدمها :الفردية مبعىن األنانية وحب الذات ،وهذا املعىن هو الذي غلب على الفكر الغريب منذ عصر
النهضة وإىل القرن العشرين ،وهذا هو االجتاه التقليدي يف األدبيات الليربالية.
والثاين :الفردية مبعىن استقالل الفرد من خالل العمل املتواصل واالعتماد على النفس ،وهو مفهوم
حديث للفردية.
2
وقد أعطت الدميقراطية كنظام سياسي مجلة من احلريات السياسية مثل :حرية الرتشيح ،
وحرية التفكري والتعبري ،وحرية االجتماع ،وحرية االحتجاج ،كما أعطت مجلة من
الضمانات املانعة من االعتداء على األفراد وحرياهتم مثل :ضمان االهتام ،وضمان التحقيق ،
وضما التنفيذ ،وضمان الدفاع".
ومع ذلك فإن الليربالية تطالب من الدول الدميقراطية مزيدًا من احلريات تطالب بالتخفف من
السلطة على األفراد ليحصل بذلك الفرد على حريته.
-2الليبرالية االقتصادية:
الليربالية االقتصادية " :مذهب اقتصادي يرى أن الدولة ال ينبغي هلا أن تتوىل وظائف صناعية
،وال وظائف جتارية ،وأهنا ال حيّق هلا التدخل يف العالقات االقتصادية اليت تقوم بني األفراد
والطبقات أو األمم .هبذا املعىن يقال غالبًا ليربالية اقتصادية".
وأبرز النظم االقتصادية الليربالية هو نظام " الرأمسالية " اليت رّتب أفكاره عامل االقتصاد
االسكتلندي آدم مسيث يف كتابه ( ثروة األمم ).
ويدخل يف احلرية اليت يطالب هبا الليرباليون حرية حركة املال والتجارة ،وحرية العمل وحرية
التعاقد ،وحرية ممارسة أي مهنة أو نشاط اقتصادي آخذًا من الشعار الشهري للثورة الفرنسية
" دعه يعمل دعه مير".
كانت أغلب البالد اإلسالمية حتت حكم الدولة العثمانية يف عصر النهضة األوروبية ،وهي
دولة قائمة على حتكيم الشريعة اإلسالمية يف اجلملة ،وكانت الدولة العثمانية هي احلامية
لبيضة اإلسالم والقائمة على نشر العلم واحرتام العلماء ،واألمر باملعروف والنهي عن املنكر،
واحلاملة لراية اجلهاد يف سبيل اهلل ،وقد فتحت أقطارا واسعة يف القارة األوروبية ،وأخضعتها
3
.لإلسالم
وقد تسللت الليربالية إىل البالد اإلسالمية من خالل أفراد تأثروا بالفكر الغريب وانبهروا
حبضارته املادية .وقد كانت بقية األمة اإلسالمية ثابتة على دينها ال حتتاج إىل األفكار والنظم
(
الغربية ،وهي معتزة بدينها واثقة بصحته ،وصالحيته للحكم والعمل يف كل زمان ومكان
)1
.
ولكن وجدت عوامل أضعفت ثقة األمة بدينها ،وهيئت اجملتمع اإلسالمي لتقبل الليربالية
وعدم مقاومتها ،وهذه العوامل هي :االحنراف العقدي ،واالستبداد السياسي ،واجلمود
والتقليد ،وهي ليست أسبابا مباشرة يف وجود الليربالية ،ولكن هذه العوامل أوجدت أرضية
.متقبلة ،ومناخا مناسبا للرضى بالليربالية ،والسكوت عليها
وال شك أن السبب املباشر لدخول الليربالية يف العامل اإلسالمي هو " االستعمار وأذنابه "
من دعاة التغريب ،واملنبهرين باحلضارة الغربية ،ولكن دخوهلا مل يكن له أن يتم لوال وجود
.عوامل معينة ساعدت على عدم الوقوف اجلاد يف وجه هذه األفكار اإلحلادية
وجيمع هذه العوامل " االحنراف " ،وقد مت هذا االحنراف على يد الفرق الضالة كاملرجئة
والصوفية ودعاة املذهبية ،فهذه االحنرافات ساعدت على وجود الفكر الليربايل عندما قدم مع
االستعمار وقد استغل املستعمرون هذه االحنرافات أبشع استغالل ،ووظفوها يف خدمة
.أهدافهم
وملا احتلت بالد املسلمني فرضت الليربالية عليها يف النظام السياسي واالقتصادي ،وملا رأى
االحتالل عدم تقبل املسلمني ألي أمر غري مرتبط باإلسالم جاء بفكرة " تطوير اإلسالم
".وحتديثه " ،ومن هذه الفكرة خرج " مشروع اإلسالم الليربايل
:تيارات الليبرالية
جاءت الليربالية إىل البالد اإلسالمية من خالل االستعمار املباشر وإعادة تركيب البالد
املستعمرة على أسس ليربالية تتوافق مع مصاحل احملتل ،وقد كان للمستغربني تأثري كبري يف
.توسيع نطاق الليربالية واملطالبة هبا
ومل تكن هناك حاجة ذاتية للفكر الليربايل يف البالد اإلسالمية ،وما يوجد من خلل يف األمة
اإلسالمية يف جمال احلريات ميكن عالجه بااللتزام احلقيقي باإلسالم ،وهو الكفيل بتحقيق
4
احلرية والعدل يف حياهتا وهذا يؤكد أن الدعوة لليربالية ذات مصدر خارجي أجنيب دعمته
.جمموعة معجبة بالغرب منهزمة أمام حضارته املادية
وقد كانت البداية يف الدعوة إىل الليربالية تعتمد على الدعوة العامة للحرية واتباع الغرب يف
.هنضته اجلديدة للوصول إىل مستواه احلضاري املادي
:وهذه البداية متت على يد تيارين مها
وإذا نظرنا إىل واقعنا املعاصر فإننا جند الوضع قد تغري ،حيث تعرف العامل اإلسالمي على
الليربالية بشكل أكرب ،وهلذا نشأت تيارات متعددة لليربالية نذكر يف هذا املقام أبرز هذه
:التيارات على النحو التايل
ـ تيار اللبرالية اإلسالمية 1 )3(:
وهذا التيار يسعى للتوفيق بني الليربالية واإلسالم ونفي التعارض بينهما ،وقد نشأ هذا التيار
أول األمر يف " احلركة اإلصالحية " على يد حممد عبده وتالميذه ،مث بعد ذلك يف " مدرسة
التجديد " اليت بدأت منذ الستينات امليالدية ،وبعد أحداث 11أيلول أصبح هذا الفكر أكثر
بروزا من ذي قبل ،وقد اعتنت الدول الغربية به لالستفادة منه يف تسويق مشاريعها يف البالد
.اإلسالمية
5
وليست رؤية هذا التيار واحدة ،ولكن إطارها العام هو التوفيق بني اإلسالم واحلداثة الغربية،
واإلصالح الديين مبا يتناسب مع هذه احلداثة ،وهلذا اختلفت رؤيتهم بناء على معرفتهم
.باحلداثة الغربية وتطورها املستمر
2ـ تيار الليبرالية القومية :
وقد نشأ هذا التيار يف وقت مبكر ،وقد كان من رواده نصارى العرب ،وقد استمرت
القومية منذ نشأهتا ليربالية إىل اخلمسينات مث بدأت مرحلة جديدة ،وكانت البداية عن طريق
االنقالبات العسكرية يف الوطن العريب ،وقد كانت هذه الفرتة وما بعدها تشهد مدا يساريا
قويا ،فتبنت احلكومات العسكرية النظرية االشرتاكية حبجة االستقالل عن اإلمربيالية الغربية،
فأممت الكثري من وسائل اإلنتاج ،و يف هذه املرحلة قطعت احلكومات العسكرية الصلة
بالليربالية قطعا باتا.
6
آثار وأخطار الفكر الليبرالي على المسلمين (:)1
أوال :اآلثار العقدية:
1ـ التشكيك يف العقيدة الصحيحة وزعزعة الثقة هبا ,مبختلف األسباب والطرق امللتوية
اخلبيثة ,مما يؤدي عياذا باهلل إىل انصراف الناس وعزوفهم عنها.
2ـ القطيعة التامة مع مصادر التلقي واالستدالل عند املسلمني والتزهيد ,بل التشويه املتعمد
للرتاث اإلسالمي عقيدة وشريعة.
3ـ هدم حاجز الوالء والرباء وإلغاء الفارق العقدي والشرعي والسلوكي بني املسلمني
والكفار أو إضعافه .
4ـ االرمتاء يف أحضان األعداء وتقليدهم ,وتقبل الغزو الفكري حبجة صحة هذه األديان
وأن ما عندهم ال خيالف صراحة ما عندنا.
5ـ نشر ثقافة تقبل اآلخر ولو كان ملحدا ,وضياع ما أمساه العلماء حبفظ الضرورات
اخلمس وعلى رأسها (حفظ الدين).
ثانيًا :اآلثار التربوية واألخالقية واالجتماعية:
1ـ إفساد املرأة املسلمة ,وجعلها دمية يتالعب هبا املنحرفون سلوكيا وأخالقيا.
2ـ طمس معامل األخالق اإلسالمية ,وذلك عن طريق االحنالل والتفسخ األخالقي ,فلقد
فتح هذا الفكر الباب على مصراعيه لدعاة التغريب حبيث لو طبقت اجملتمعات كل ما يرونه
ويؤصلونه ألصبحت جمتمعات منحلة ال تعرف معروفا وال تنكر منكرا.
3ـ إماتة وإضعاف جانب االحتساب واألمر باملعروف والنهي عن املنكر.
ثالثًا :اآلثار السياسية:
1ـ إقصاء الشريعة عن احلكم وعزهلا عن احلياة ,وحصرها يف نطاق املسجد والعبادات
الشخصية ,وهو ما يعرف بـ (العلمانية) أو الالدينية فالدعوة الليربالية يف حقيقتها هي
العلمانية ,وإن وجد فاصل بينهم فهو رقيق جدا وكأهنما وجهان لعملة واحدة وامسان
()2
ملسمى واحد.
ـــــ
7
( )1انظر :موسوعة املذاهب الفكرية املعاصرة جملموعة من الباحثني .
:الفرق بين اللبرالية والعلمانية
العلمانية تعين فصل الدين واملعتقدات الدينية ليس عن السياسة فقط بل و عن احلياة عمومًا،
وعدم اإلميان باملعتقدات الدينية و تفسري الكون و احلقائق الكونية بناءًا على حقائق علمية
.ثابتة بصورة دنيوية حبتة بعيدًا عن الدين
أما الليربالية فتعـين احلريـة و التحـرر أي إعطـاء الفـرد حـق احلريـة الكاملـة يف احليـاة وهي وجـه
من وجوه العلمانية .
وكــذلك فــإن العلمانيــة مبعناهــا الضــيق ليســت إال جــزءًا من معــىن اللرباليــة فهي تفصــل الــدين فقــط
عن الدول ــة وه ــذا ال يكفي لض ــمان حري ــة وحق ــوق األف ــراد بينم ــا تفص ــل اللربالي ــة مجي ــع املعتق ــدات
الشمولية عن الدولة سواء كانت دينية أو غري دينية .
أمــا املعــىن األمشل للعلمانيــة املتمثــل بفصــل الــدين عن احليــاة واالهتمــام هبا على حســاب الــدين فهــو
واحد من اخليارات اليت تتيحها اللربالية ألفرادها كما تتيح هلم أيضا االهتمام بالدين على حساب
احلياة إذا رغبوا ذلك بشرط عدم إرغام األفراد على أي رأي معني بشأن الدين أو غريه .
8