You are on page 1of 2

‫الحرية فطرة في اإلنسان‬

‫الحرية غريزة فطرية ومفهوم رائع تلتقي عنده المشاعر وتتجاوب معه العواطف وتتطلع إليه النفوس‪،‬‬
‫وهي ليست شيئًا ثانويًا في حياة اإلنسان بل حاجة ملّح ة وضرورة ماّسة من ضروراته‪ .‬فبدون الحرية ال‬
‫تتحقق االرادة وعدم تحقيق االرادة يعني تكبيل اإلنسان و طمس و قمع كافة طموحاته و القائه في هوة‬
‫‪ .‬الضياع‬
‫اختلف الفقهاء والعلماء والمفكرون والباحثون والفالسفة في العالقة الكامنة بين التوحيد و الحرية والحالة‬
‫هذه ؛ فمنهم من يرى أن التوحيد هو سبيل للحرية‪ ،‬وأنه جاء ليحرر الناس ويرفع عنهم األغالل والقيود‬
‫ليخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد‪ ،‬ومنهم من يرى أن الحرية و التوحيد هما مفهومان‬
‫‪،.‬متناقضان‪ ،‬و ان الحرية ما هي اال زندقة وبدعة غربية ‪ ،‬دخيلة فاسدة ومفسدة‬
‫فما الحرية إذن؟‬
‫ما التوحيد و ما اثاره؟‬
‫ثم ما الفارق بين التصور العربي اإلسالمي والتصور الغربي األوروبي للحرية؟‬
‫و كيف يمكن للمسلم المعاصر ادراك ابعاد التوحيد؟‬

‫حرية من منظور إسالمي الحرية في اإلسالم‪ ..‬مرتكزاتها‬


‫ومعالمها‬
‫الحرية ال تعني أن يفعل اإلنسان ما يشاء ويترك ما يريد‪ ،‬فذلك ما يتفق مع طبيعة شهوته‪،‬‬
‫وال يتفق مع طبائع الوجود كما ُر ِّك ب عليه‪ ،‬ولكنها تعني أن يفعل اإلنسان ما يعتقد أنه مكلف‬
‫به‪ ،‬وما فيه الخير لصالح البشر أجمعين‪ .‬وإيمان اإلنسان بأنه مكلف هو أول خطوة في‬
‫"حريته‬
‫لحرية في اإلسالم هي مبدأ معتبر وهي حق من حقوق اإلنسان وهي سند لتكليف اإلنسان‪ ،‬فما كان‬
‫اإلنسان مكلفا إال ألنه حر وألن بامكانه أن يختار بين الخير والشر وعلى أساس حريته تلك يقع التكليف‪،‬‬
‫وحينما تزول الحرية ويقع اإلكراه فإن التكليف يرفع‪ ،‬كما نجد ان الحرية من أشرف مقاصد كلمة التوحيد‬
‫‪(.‬ال إله إال هللا )‬
‫فإن هللا عز وجل قد خلق اإلنسان حرا‪ ،‬ولم يخلقه ليكون عبدًا لغير هللا‪ ،‬بل وأعطى هللا لإلنسان كامل ‪،‬‬
‫الحرية واإلرادة واالختيار‪ ،‬وبناء على اختياره يحاسبه هللا‪ ،‬وهنا تبرز قمة الحرية في أن يكون اإلنسان‬
‫عبدا فقط هلل ويتحرر من عبودية العبيد‪ ،‬لذلك فقد كان شعار المسلمين في العهد النبوي‪ :‬لقد ابتعثنا هللا‬
‫لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد‪ ،‬ومن ضيق الدنيا إلى سعة اآلخرة‪ ،‬ومن جور األديان‬
‫‪.‬إلى عدل اإلسالم‬
‫و بهذا فاإلسالم ال ينادي بتحرر اإلنسان من كل شيء تحرًر ا مطلًق ا‪ ،‬وال بمركزية اإلنسان بل بمركزية‬
‫هللا سبحانه‪ .‬غير ان و لألسف و منذ انتهاء االستعمار العسكري على بالد المسلمين والبدء باستعمار و‬
‫اغتيال العقول‪ ، ،‬تم تسويق وتصدير الحرية إلى عالمنا اإلسالمي معلبا جاهزا من خالل السيطرة على‬
‫اإلعالم‪ ،‬والسيطرة على المناهج الدراسية‪ ،‬فتم تحريف وتشويه اإلسالم لدى أبناء األمة اإلسالمية‬
‫وتصويره على أنه هو السبب الرئيس في تخلف عالمنا اإلسالمي بسبب الشبهات التي ُأثيرت ضده‬
‫وشيطنته محليا وعالميا‪ ،‬فأخذ أعداء اإلسالم يستخدمون بعض أبناء اإلسالم‪ ،‬في تصوير اإلسالم على أنه‬
‫دين يحارب الحرية بكل صورها حتى يستطيع التحكم والسيطرة واالستبداد في الحكم وقهر الشعوب‪،‬‬
‫وهذه تهم‪ ،‬اإلسالم منها بريء‪ ،‬كبراءة الذئب من دم يوسف‪ ،‬ذلك أنه بمقتضى ديننا اإلسالمي اما الحرية‬
‫التي يريدها اإلسالم هي الحرية التي تبني الشخصية‪ ،‬وتحرس األمن‪ ،‬وتحفظ النفس والفطرة‪ ،‬وتقيم الحق‬
‫والعدل‪ ،‬وإذا تجاوز أي إنسان حدود وضوابط الحرية؛ فإنه يؤذي نفسه ومجتمعه وأمته‪ ،‬وواجب األمة‬
‫حماية الحرية؛ حتى ال تفضي إلى الهدم‪ ، .‬ففي اإلسالم نجد أن الحرّية منّظ مٌة ضمن إطار معّين حتى‬
‫تحّقق أهدافها والتي بدورها تخدم اإلنسانّية والعقيدة على حٍّد سواء‪ ،‬و من هذه المعايير نجد‪ :‬على الفرد‬
‫ان يحترم الناس وإرادتهم بغير ظلم وال عدوان ان ال يلحق الضرر بنفسه ان يلتزم بحدود ونظام‬
‫الدولة االصلية او التي يقيم بها‪ -.‬و ان يخلص العبادة هلل وحده‬

‫الحرية من منظور المجتمع الغربي‬


‫نقيضا لهذه المعاني الراقية للحرية السبق ذكرها ‪ ،‬نجد أن الغرب وأقصد بذلك مفكري الغرب‪ ،‬يدعون‬
‫إلى الحرية المطلقة التي تسبب الفوضى والدمار للعالم أجمع‪ ،‬ومما ينادي به بعض فالسفة الغرب وعلى‬
‫رأسهم الملحد البريطاني الشهير بيرتنل باس‪4‬ل‪( :‬أن الحرية تعني أن تحقق ما تريد مهما كان) وألن هذا‬
‫المفهوم للحرية سيجلب الدمار لإلنسانية تم تخفيفه إلى (الحرية أن تفعل ما تشاء دون أن تضر باآلخرين‬
‫وال تخالف القانون)‪ .‬ولو رجعنا إلى أصل كلمة الحرية لوجدنا أن أصلها يعود إلى العصور الوسطى‬
‫وبالتحديد إلى الثورة الفرنسية في العام ‪1789‬م حيث ثار الشعب الفرنسي على الكنيسة والسلطة‬
‫الدكتاتورية آنذاك‪ ،‬وطالبوا بالحرية المطلقة لإلنسان بعد سنوات الظلم واالضطهاد التي عايشتها الشعوب‬
‫في الغرب وبالذات في فرنسا‪ ،‬وكانت المطالبة بفصل الدين عن الدولة‪ ،‬وظهرت فكرة اإللحاد كردة فعل‬
‫الضطهاد الكنيسة ورجال الدين‪ ،‬فظهرت نظرية الحق الطبيعي أي أن الطبيعة هي التي تعطي الحقوق‬
‫بمعنى اخر إنكار وجود هللا‬
‫وتقول هذه النظرية‪( :‬إن الطبيعة وهبت حقوقا للناس وال يجوز ألحد التحكم فيها )أي بمفهوم آخر‪،‬‬
‫‪،‬حرية مطلقة تلك الحرية التي تدني اإلنسانية إلى مستويات أدنى من مستوى الحيوان‬
‫وإن ما نراه اليوم من الدعوة إلى الحرية الجنسية المطلقة واالعتراف بالشواذ بحجة الحرية‪ ،‬لهو خير‬
‫دليل وبرهان على فساد هذه الحرية المزعومة‪ ،‬وإن التناقض في تعاملهم مع قيمة ومفهوم الحرية بات‬
‫واضحا للعيان‪ ،‬فالحرية بالنسبة للغرب متاحة ما دامت تنافي الدين واألخالق وتنادي للفجور والمعصية‪،‬‬
‫أّما أن ينكر أحد هذه المعاصي‪ ،‬فهذا الشخص يتهم بالعنصرية واإلرهاب وال تحق له حرية الدعوة أو‬
‫األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬و األمثلة عن هده الحاالت ال تعد و ال تحصى ففي فرنسا التي‬
‫تّد عي أنها معقل الحرية! نعم فرنسا نفسها التي سمحت بنشر الرسومات المسيئة للرسول‪ ،‬عليه الصالة‬
‫والسالم‪ ،‬وفرنسا نفسها التي تدعم الشواذ وتعطيهم كافة الحقوق المدنية‪ ،‬وفرنسا نفسها معقل اإللحاد‬
‫وإنكار وجود هللا‪ ،‬هي نفسها التي قامت ب حظر ارتداء العباءة اإلسالمية في المدارس‬

You might also like