Professional Documents
Culture Documents
(الماهية ،المصادر)
أخذ مصطلح حقوق اإلنسان عدة تسميات قبل أن تستقر األوضاع والتوصيفات على االسم المتعارف
عليه اليوم ،فمنذ بداية القرن 18م كان يطلق عليها مصطلح "الحقوق الطبيعية" ،ثم سميت بعد ذلك بـ
"حقوق قانون الشعوب" ،وذلك نسبة إلى إقرارها من طرف القوانين الوضعية ،كما أخذت اسم "الحريات
الفردية األساسية" ،وكذا " الحقوق األساسية للفرد".
على العموم نالحظ اشتراك هذه التسميات في كلمة الحقوق أو تعويضها بكلمة الحريات؛ أي أن
الكلمتين تستخدمان كبدائل في ظل غياب تعريف اصطالحي مشترك بين المفكرين والعلماء والحقوقيين،
إذ أن اإلجماع لم يحدث حتى اآلن نظ ار لعوامل كثيرة وسياقات مختلفة ،لكن أهم ما يمكن الوقوف عنده
هنا هو ضرورة الرجوع إلى أمثلة من تاريخ الحضارات القديمة لتقصي العالقة بين ما تحمله الطروحات
الماضية والراهنة.
سجل التاريخ أن مفهوم الحرية مثال في الحضارات القديمة كاليونانية والبابلية كان مرتبطا بنقيضه
المعروف بالعبودية .وبمرور الزمن وتتطور العصور الزراعية ،وظهور ما يسمى بحيازة األراضي ،أي
الملكية الخاصة وتنامي النزعة االقتصادية ،وانقسام المجتمعات إلى طبقات متباينة؛ أعالها طبقة المالك
اإلقطاعية ،ثم طبقة العمال الذين ال يملكون ،وأدناها طبقة العبيد المملوكين .وللمحافظة على امتيازات
الطبقة اإلقطاعية المالكة والحاكمة فكل األساليب كانت مشروعة بما فيما استباحة الجشع وعدم المساواة،
والحرص على انتزاع الثروة والسلطة بالقوة طالما يمثلون الطبقة األقوى ،وعليه ساد عصر اإلقطاع القرون
الوسطى تضييق شديد على الحريات واستنزاف جهود الطبقة الكادحة الفقيرة ،وسلبها معظم حقوقها
خصوصا في ظل تواطؤ ديني مسيحي (كنسي) معها.
-2العقد االجتماعي وأهم ما نص عليه:
أثناء القرنين 17م 18 -م ،بدأ بعض المفكرين إلى الدعوة إلقامة "عقد اجتماعي" وهو نموذج جديد
للنظام االجتماعي ،بقوم على فكرة عقد يضمن للفرد حريته وأمنه واستق ارره ،عرف الحقا باسم" :العقد
االجتماعي" .ومن أهم هؤالء المفكرين الذين يحفظ التاريخ إنجازاتهم في االنتقال بالمجتمعات البشرية من
عصور الظالم إلى عصر األنوار :نجد كال من :جون لوك ،جون جاك روسو ،مونتيسكيو ،توماس
هوبز ،فولتير.
يمكن القول بأن هذا العقد االجتماعي يقوم أساسا على مبدأين أساسيين هما:
هذا اإلنجاز يعد واحدا من أهم األسباب والعوامل التي ساعدت وحفزت وألهمت كثي ار من النظريات
الفلسفية والسياسية ،التي مثلت بدورها مرحلة تمهيدية لنشوء الدساتير الحديثة ،كما اعتبرت مصد ار بار از
إللهام الثورة الفرنسية في مطالبها وشعاراتها ،ومؤش ار حاسما إلنهاء الحكم المطلق الذي بقي مسيط ار على
القارة األوروبية بدعم من الكنيسة وسطوتها ،لكن األمر لم يتعدى إلى الوصول للقارة اإلفريقية وأمريكا
الالتينية وآسيا ،إذ أن تلك المواثيق والدساتير لم تمنع بعض الدول من فرض سيطرتها وإحكام قبضتها
على البلدان الضعيفة التي اتخذتها مستعمرات لها ،مما نجم عنه توتر كبير وغضب أكبر تسبب في قيام
حربين عالميتين اللتان وضعتا العالم في مأزق رهيب من االختالالت المتوالية ،أسفرت عن حدوث انهيار
على جميع األصعدة:
-الصعيد السياسي من قبيل :تقسيمات لمناطق النفوذ ،ظهور حدود جغرافية جديدة...
الصعيد االجتماعي من خالل تمزق النسيج المجتمعي ،حالة الفقر والمرض وانتشار المجاعات -
والوفيات الهائلة في تلك الدول.
-الصعيد االقتصادي في صورة اقتصاد محطم ،احتراق األراضي الزراعية ،جفاف ،فقر متنامي.
وكعملية لملمة ما عثت فيه الحربان العالميتان فقد سعت منظمة األمم المتحدة إلى معالجة هذه
الكارثة على المستوى األممي؛ ترجمها ما يسمى بـ "اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان" الذي صدر في
10ديسمبر .1948ومن أهم ما ركز عليه هذا اإلعالن :مسألة الحريات الفردية :من قبيل حرية
الفكر ،حرية التعبير ،حرية اإلعالم ،حرية العقيدة /المعتقد .باعتبارها حقوقا حيوية ال تجوز مصادرتها
أو التحكم فيها.
بعد البلدان أخذت هذه الحقوق /البنود بعين االعتبار وشرعت في تنفيذها ،فيما بقيت بلدان
أخرى...
تم الوصول إلى تعريف حقوق اإلنسان عبر الكثير من اإلسهامات ،ألنه ال يوجد تعريف وحيد
جامع لها ،بل هناك العديد منها ،والتي تختلف بعضها عن بعض حسب معايير المجتمعات التي
وضعت في ضوئها وتنوع ثقافاتها .وفي ما يلي بعض تلك التعريفات:
-تعريف رينيه كاسان (وهو أحد واضعي اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان) :حقوق اإلنسان هي
فرع خاص من الفروع االجتماعية يختص بدراسة العالقات بين الناس استنادا غلى كرامة
اإلنسان وتحديد الحقوق والرخص الضرورية الزدهار شخصية كل كائن إنساني.
-تعريف األمم المتحدة لحقوق اإلنسان :هي ضمانات قانونية عالمية لحماية األفراد والجماعات
من إجراءات الحكومات التي تمس بالحريات األساسية والكرامة اإلنسانية ،ويلزم قانون حقوق
اإلنسان الحكومات ببعض اإلجراءات ويمنعها من القيام بأخرى.
-تعريف إيف ماديو :هي دراسة الحقوق الشخصية المعرف بها وطنيا ودوليا والتي في ظل
حضارة معينة تضمن الجمع بين الكرامة اإلنسانية وحمايتها من جهة ،والمحافظة على النظام
العام من جهة أخرى.
-محمد عبد الملك متوكل يعطيها تعريفا شامال وواسعا ينص على أنها :مجموعة الحقوق
والمطالب الواجب الوفاء بها لكل البشر على قدم المساواة دونما تمييز بينهم.
-يعرفها رضوان زيادة بأنها :الحقوق الطبيعية التي تكفل للكائن البشري والمرتبطة بطبيعته كحقه
في الحياة والمساواة وغير ذلك من الحقوق المتعلقة بذات الطبيعة البشرية التي ذكرتها المواثيق
واإلعالنات العالمية.
يعد المصدر الديني سواء كان (دينا سماويا أو شخصية مقدسة) مصد ار رسميا ورئيسيا ومباش ار لحقوق
اإلنسان في الكثير من الدول خاصة التي تؤمن بتعاليم مقدسة تجعلها تحضا بقوة ومصداقية كبيرة؛
فتعاليم الديانة المسيحية مثال ركزت على الك ارمة اإلنسانية وإشاعة التسامح والمساواة بين جميع الناس،
فيما تركز تعاليم الدين اإلسالمي على القواعد والضمانات التي تحمي كرامة اإلنسان ،لذلك يمثل النص
القرآني أوال والسنة النبوية ثانيا المصدر الذي تستمد منه الدول اإلسالمية قوانينها التشريعية ودساتيرها
الوطنية مع اختالف يميز بين الدول الدينية التي تعتبر النص القرآني والسني كمصدر دستوري وتشريعي
ّ
مباشر مثل المملكة العربية السعودية ،في حين يعتبر مصد ار رسميا ورئيسيا ولكنه غير مباشر في الدول
التي تستند على دستور وضعي مستوحى من القرآن والسنة مثل الدولة الجزائرية.