You are on page 1of 65

‫معايير حقوق اإلنسان‬

‫والفرق بين القانون الدولي‬


‫لحقوق اإلنسان والقانون‬
‫الدولي اإلنساني‬
‫المحاور األساسية‪:‬‬
‫‪‬المحور األول‪ :‬نظرة س ريعة بشأ ن معايي ر‬
‫حقوق اإلنسان الدولية‪.‬‬
‫‪‬المحور الثاني‪ :‬العناصر األساسية التي تضمن‬
‫إيجاد بيئ ة حامي ة لحقوق اإلنس ان ف ي أي ّ‬
‫مجتمع أو دولة‪.‬‬
‫‪‬المحور الثال ث‪ :‬المحور الثال ث‪ :‬العالق ة بي ن‬
‫القانون الدول ي اإلنس اني والقانون الدول ي‬
‫المحور األول‪ :‬نظرة سريعة لمعايير‬
‫حقوق اإلنسان الدولية‬

‫مفهوم حقوق اإلنسان وحرياته‬


‫األساسية واقسامها‬
‫مفهوم حقوق اإلنسان‬
‫‪‬مجموع ة االحتياجات أ و المطال ب الت ي تلزم توافره ا‬
‫بالنس بة ال ى عموم االشخاص وف ي اي مجتم ع دون تميي ز‬
‫بينهم في هذا الخصوص سواء العتبارات الجنس او النوع‬
‫او اللون او العقيدة الس ياسية او االص ل الوطن ي او أل ي‬
‫اعتبار اخر"‪.‬‬
‫___________‬
‫‪ ‬النهج القائم على حقوق اإلنسان ( أصحاب الحقوق – المكلفون بالواجبات)‬
‫‪ ‬فرق بين حقوق اإلنسان‪ ،‬وقانون حقوق اإلنسان‪ ،‬والقانون الدولي لحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫‪ ‬استنتاج خصائص حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫خصائص حقوق اإلنسان‬
‫تتميز حقوق اإلنسان بالعديد من المزايا المرتبطة بطبيعة اإلنسان من‬
‫جه ة‪ ،‬وبكونه ا حقوق ا محددة م ن جه ة أخرى‪ .‬وم ن أ برز تل ك‬
‫الخصائص ما يلي‪:‬‬
‫‪‬إن حقوق اإلنسان ال تشترى وال تباع وهي ليست منحة من أحد بل‬
‫هي ملك للبشر بصفتهم بشراً‪.‬‬
‫‪‬إ ن حقوق اإلنس ان ه ي نفس ها لك ل بن ي البش ر بغ ض النظ ر ع ن‬
‫اللون‪ ،‬العرق‪ ،‬الدي ن‪ ،‬الجن س‪ ،‬الرأ ي الس ياسي أ و األص ل‬
‫االجتماعي‪...‬الخ‪ .‬فنحن جميعا ولدنا أحرارا ومتساوون في الكرامة‬
‫والحقوق‪ ،‬بهذه الحقيق ة فإ ن حقوق اإلنس ان ه ي عالمي ة م ن حي ث‬
‫المحتوى والمضمون‪.‬‬
‫‪‬إ ن حقوق اإلنس ان ه ي وحدة واحدة وغي ر قابل ة للتجزئ ة فحقوق‬
‫اإلنس ان‪ ،‬س واء كان ت مدني ة وس ياسية أ و اقتص ادية واجتماعي ة‬
‫وثقافي ة‪،‬ه ي وحدة واحدة تنطوي عل ى الحري ة واألم ن والمس توى‬
‫المعيشي الالئق‪.‬‬
‫‪‬إ ن حقوق اإلنس ان ف ي حال ة تطور مس تمر‪ ،‬وكم ا أنه ا مرتبط ة‬
‫باإلنسان بصفته إنسانا‪ ،‬فإن حاجة اإلنسان وارتفاع مستواه المادي‬
‫والروح ي ف ي حال ة تطور مس تمر يس توجب مع ه تطوي ر الحقوق‬
‫والواجبات وبذلك يصار إلى تصنيف حقوق أخرى‪.‬‬
‫أهمية حقوق اإلنسان‪-:‬‬
‫تكمن أهمية حقوق اإلنسان في كثير من القضايا والمسائل‪،‬‬
‫نذكر منها ‪-:‬‬
‫‪ ‬الفلس فة الت ي تقوم عليه ا منظوم ة حقوق اإلنس ان "يول د‬
‫جمي ع الناس أحراراً ومتس اويين ف ي الكرام ة والحقوق"‪،‬‬
‫وجدت تأص يالً دينيا ً وعقائديا ً وإيديولوجي ا لدي كاف ة‬
‫شعوب العالم‪.‬‬
‫‪‬تكم ن القيم ة األخالقي ة الس امية لمواثي ق حقوق اإلنس ان‬
‫أنها تمثل قاسما ً مشتركا ً ارتضتها األسرة الدولية‪.‬‬
‫‪‬تعت بر حقوق اإلنس ان وحدة واحدة غي ر قابل ة للتجزئ ة وه ي‬
‫ترتب ط ببعضه ا ارتباط ا وثيق ا بحي ث يس تحيل إعطاء أولوي ة‬
‫ألحد تلك الحقوق على حساب األخرى‪.‬‬
‫‪ ‬أضح ت حقوق اإلنس ان‪ ،‬مادة دس تورية ف ي العدي د م ن‬
‫دس اتير الدول الحديث ة‪ ،‬وأكث ر م ن ذل ك فان عدد م ن الدس اتير‬
‫تعتبر حاليا حقوق اإلنسان اسمي من الدستور ذاته‪.‬‬
‫‪‬توفي ر أنظم ة حماي ة دولي ة و إقليمي ة ذات طاب ع حقوق ي و‬
‫جنائي للمساءلة عن انتهاكات حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان‪:‬‬
‫‪‬ص در اإلعالن العالم ي لحقوق اإلنس ان ف ي ‪10‬كانون األول‪ /‬ديس مبر س نة ‪ 1948‬حي ث‬
‫أقرته الجمعية العامة بقرارها ‪ 217‬وافقت عليه ‪ 48‬دولة وامتنعت عن التصويت ثماني‬
‫دول منها السعودية الدولة العربية الوحيدة الممتنعة عن التصويت‪ ،‬وكان صدوره على‬
‫شك ل توص ية م ن الجمعي ة العام ة لألم م المتحدة دون أ ن يتضم ن اتفاقي ة دولي ة توقعه ا‬
‫الدول وتصدق عليها وتنفذها‪.‬‬
‫‪‬ويتأل ف اإلعالن م ن ثالثي ن مادة تض م حقوق مدني ة وس ياسية واقتص ادية واجتماعي ة‬
‫وثقافية حيث نصت المادة االولى منه على " الحرية والمساواة للجميع منذ الوالدة‪ ،‬يولد‬
‫الناس أحراراً متس اويين ف ي الكرام ة وف ي الحقوق "‪ ،‬كم ا أك د اإلعالن عل ى الح ق ف ي‬
‫الحرية والسالمة الشخصية‪ ،‬ومنع الرق‪ ،‬والقضاء على التعذيب‪ ،‬والحق في اللجوء إلى‬
‫القضاء‪ ،‬وان المته م بري ء حت ى تثب ت إدانت ه‪ ،‬وح ق التنق ل‪ ،‬وحري ة الفك ر‪ ،‬والعبادة‬
‫والرأ ي والتع بير‪ ،‬وحري ة االجتماع والحري ة النقابي ة وح ق العم ل والتعلي م واألم ن‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫وتجدر االشارة ان هناك ثم ة قيم ة قانوني ة لنص وص اإلعالن العالم ي لحقوق اإلنس ان‬
‫ال يمك ن انكاره ا‪ ،‬ورغ م ذل ك ق د اختل ف الفق ه الدول ي عل ى ذل ك وانقس م ال ى عدة‬
‫اتجاهات هي‪-:‬‬
‫‪‬االتجاه االول‪ :‬مفاده بان ه لي س لنص وصه أي ة قيم ة قانوني ة ملزم ة كون ه ص درت‬
‫بشك ل توص ية م ن الجمعي ة العام ة لألم م المتحدة والتوص ية ال ترق ى ال ى ن ص او‬
‫التزام قانوني آمر‪.‬‬
‫‪ ‬االتجاه الثان ي‪ :‬ومفاده ان له ا قيم ة س ياسية لص دور الكثي ر م ن المعاهدات الدولي ة‬
‫والتشريعات الوطنية الداخلية موائمة ومتالئمة مع نصوصه‪.‬‬
‫‪‬االتجاه الثال ث‪ :‬مفاده وحس ب م ا قال بع ض الفقهاء إ ن اإلعالن العالم ي لحقوق‬
‫اإلنسان يتمتع بقيمة قانونية ملزمة ألنه أصبح يشكل جزء من القانون الدولي ومن‬
‫المنظومة الدولية لحقوق االنسان‪.‬‬
‫العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية‪:‬‬
‫‪‬يتكون العهد‪ ،‬من ‪ 53‬مادة‪،‬‬
‫‪‬ويتكون البروتوكول االختياري الملحق بها من ‪ 14‬مادة‬
‫‪‬وق د ن ص العه د عل ى حقوق متنوع ة لإلنس ان إل ى جان ب ح ق تقري ر المص ير‬
‫للشعوب‪ ،‬وهي الحق في الحياة‪ ،‬والحق في الحرية الشخصية‪ ،‬والحق في معاملة‬
‫إنس انية لألشخاص المحرومي ن م ن حرياته م‪ ،‬والح ق ف ي حري ة االنتقال‪ ،‬ووض ع‬
‫األجن بي‪ ،‬والح ق ف ي محاكم ة عادل ة وعلني ة‪ ،‬والح ق ف ي عدم التدخ ل التعس في أ و‬
‫غي ر القانون ي ف ي خص وصيات الشخ ص‪ ،‬والح ق ف ي اعتناق أراء دون تدخ ل‪،‬‬
‫وتحريم الدعاية من اجل الحرب أو الدعوة للكراهية‪ ،‬والحق في التجمع السلمي‪،‬‬
‫والح ق ف ي المشارك ة م ع اآلخري ن ف ي االحزاب والجمعيات‪ ،‬ووض ع العائل ة‪،‬‬
‫ووضع الطفل‪ ،‬والحق في االشتراك في الحياة العامة‪ ،‬وحقوق األشخاص المنتمين‬
‫إلى أقليات دينية أو عرقية او غير ذلك‪.‬‬
‫‪‬إ ن الحقوق الواردة ف ي هذه االتفاقي ة ال يمك ن تجزئته ا أ ي يرتب ط بعضه ا‬
‫باألخر‪ ،‬بحيث ال يعني تطبيق بعضها من قبل دولة معينة إعفاءها من تطبيق‬
‫البعض األخر؛ الن التصديق على االتفاقية يعني االلتزام بالحقوق الواردة فيه‬
‫بأكمله ا كم ا أ ن عدم التص ديق لي س عذراً لعدم االلتزام بالمبادئ األس اسية أ و‬
‫األولي ة عل ى األق ل أ ي إعطاء المعاهدة قوة معنوي ة رغ م عدم التص ديق عليه ا‬
‫من قبل الدول‪.‬‬
‫‪‬وال يمكن ان ننكر دور هذا العهد في حماية حقوق اإلنسان إال أنه غير كافي‬
‫لحماي ة حقوق اإلنس ان م ن االنتهاكات الجسيمة وال ب د م ن الن ص عل ى تجري م‬
‫االنتهاكات الجسيمة الواقعة بحق حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫العهد الدولي للحقوق االقتصادية واالجتماعية والثقافية‬
‫‪‬يتأل ف العه د الدول ي الخاص بالحقوق االقتص ادية واالجتماعي ة والثقافي ة‪ ،‬م ن ‪31‬‬
‫مادة وجاء في المادة االولى منه ما جاء في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية‬
‫بح ق الشعوب ف ي تقري ر مص يرها إضاف ة إل ى حقه ا ف ي التص رف بموارده ا‬
‫الطبيعية‪.‬‬

‫‪‬والحقوق الواردة في ه ه ي الح ق ف ي العم ل وحقوق العام ل وحماي ة العمال‪ ،‬وح ق‬


‫تكوين النقابات‪ ،‬والضمان االجتماعي‪ ،‬وحماية النساء واألطفال‪ ،‬وحق التحرر من‬
‫الجوع وتوزي ع األغذي ة‪ ،‬وح ق التمت ع بالص حة الجس مية والعقلي ة‪ ،‬وح ق التعلي م‪،‬‬
‫وحق اإلسهام في الحياة الثقافية وحرية البحث العلمي والنشاط الخالق‪.‬‬
‫‪‬الحقوق الواردة في هذا العهد هي حقوق مترابطة أيضا وتطبيق الدولة لبعض‬
‫الحقوق الواردة فيه ال يعني إعفاءها من عدم تطبيق الحقوق األخرى‪.‬‬
‫‪‬وفي ضوء ما سبق لنا الحديث عنه في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية‬
‫والسياسية فال يمكن ان ننكر دور هذا العهد في حماية حقوق اإلنسان إال أنه‬
‫ايض ا غي ر كاف ي لحماي ة حقوق اإلنس ان م ن االنتهاكات الجس يمة وال ب د م ن‬
‫النص على تجريم االنتهاكات الجسيمة الواقعة بحق حقوق اإلنسان‬
‫المحور الثاني‬
‫عناصر األساسية التي تضمن‬
‫إيجاد بيئة حامية لحقوق اإلنسان‬
‫ي مجتمع أو دولة‬ ‫‪.‬في أ ّ‬
‫ثانيا ً‪ :‬عناص ر األس اسية الت ي تضم ن إيجاد بيئ ة حامي ة‬
‫ي مجتمع أو دولة‪ .‬‬‫لحقوق اإلنسان في أ ّ‬
‫‪‬العناصر للبيئة الحامية لحقوق اإلنسان‪ ،‬يجب أن تكون‪:‬‬
‫‪ُ ‬مترابِط ة و ُمتشابِك ة ببعضه ا البع ض وال يمك ن‬
‫وأي نقص أو غياب في أحدها من شأنه أن‬ ‫ّ‬ ‫تجزئتها‪،‬‬
‫يؤثّر على الحماية الف ّعالة لحقوق اإلنسان ككل‪.‬‬
‫‪‬وسنستعرض هنا هذه العناصر األساسية‪ ،‬لعلّها تساهم‬
‫بشكل بس ي ٍط ف ي إثارة النقاش حوله ا ومحاول ة‬
‫ٍ‬ ‫ول و‬
‫االستفادة منها وتطويرها‪:‬‬
‫‪ .1‬الحماية التشريعية وإنفاذ القانون‪:‬‬
‫‪ ‬اإلطار التشريع ي ه و األس اس القانون ي الذي يضم ن الحقوق المتس اوية‬
‫ي شكل من أشكال التمييز‪ ،‬سواء كانت حقوقا ً مدنية سياسية‬ ‫للجميع من دون أ ّ‬
‫أو إقتصادية اجتماعية وثقافية‪.‬‬
‫بشكل متس ا ٍو ه و أس اس العدال ة ف ي مجتم ع ُمتع ّدد الفئات‬ ‫ٍ‬ ‫‪‬وإنفاذ القانون‬
‫واألطياف‪.‬‬
‫‪‬يتو ّج ب عل ى ال ُمشرّعي ن ضمان الحقوق المتس اوية وعل ى الس لطات إنفاذ‬
‫نصف‪ ،‬وإذا كان ال ب ّد للقانون من أن يُميّز‪،‬‬ ‫القانون وضمان تطبيقه العادل وال ُم ِ‬
‫ستضعفة واألقل حظا ً في المجتمع‪.‬‬‫َ‬ ‫صف الفئات ال ُم‬ ‫فعليه أن يُميّز إيجابا ً لكي يُن ِ‬
‫‪ .2‬وفاء الحكومات بالتزاماتها تجاه حقوق اإلنسان‪ :‬‬
‫‪‬ل و قمن ا بعملي ة مراجع ة س ريعة لالتفاقيات الدولي ة المتعلّق ة بحقوق اإلنس ان‪ ،‬لوجدن ا أ ن‬
‫الغالبي ة العُظم ى م ن دول العال م ق د ص ّدقت أ و انض ّم ت إل ى معظ م االتفاقيات الدولي ة‬
‫األساسية التسع لحقوق اإلنسان‪ .‬‬
‫‪‬التصديق أو االنضمام إلى أية اتفاقية هو عمل طوعي من الدول‪ ،‬ولكن لألسف الشديد لم‬
‫نلم س ‪-‬لدى العدي د م ن بلدان العال م‪ -‬ترجم ة لهذه االلتزامات الطوعي ة عل ى ص عيد‬
‫الس ياسات واإلجراءات والتدابي ر الت ي م ن شأنه ا االرتقاء بحقوق اإلنس ان وتعزي ز‬
‫المساواة‪ .‬‬
‫‪‬إ ن االرتقاء بواق ع حقوق اإلنس ان يتطلّ ب م ن الحكومات الوفاء بالتزاماته ا والقيام بك ل‬
‫واجباته ا م ن أج ل ترجم ة هذه االلتزامات إل ى حقيق ة واقعة‪ .‬وهذه الترجم ة تتطلّ ب توفي ر‬
‫الموارد البشرية والمادية ووضع الخطط االستراتيجية لتحسين حال حقوق اإلنسان في ّ‬
‫أي‬
‫مجتمع‪ .‬ويجري ف ي العادة تقيي م وفاء الحكومات بالتزاماته ا م ن خالل تقيي م مدى احترام‬
‫وحماية حقوق اإلنسان ومستوى األداء في ما يتعلّق في إعمال حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫‪ .3‬قُدرات ومهارات أص حاب الحقوق للمطالب ة بحقوقه م‬
‫والمشاركة الف ّعالة في الحياة العامة‪:‬‬
‫‪‬لع ّل أهم عناصر البيئة الحامية لحقوق اإلنسان هي وجود‬
‫مجتم ع مدن ي فعّال وحيوي‪ ،‬ويعم ل ف ي بيئ ة َرحب ة م ن‬
‫الحرية من دون أية قيود‪.‬‬
‫‪‬فالمجتم ع المدن ي يلع ب دوراً محوريا ً ف ي َر ْ‬
‫ص د وتوثي ق‬
‫حال حقوق اإلنسان في الدولة وإعداد التقارير حولها‪ ،‬كما‬
‫يلعب دوراً أساسيا ً في تمكين أصحاب الحقوق عبر تنمية‬
‫مهاراته م وقدراته م وتوفي ر المس اعدة له م للمطالب ة‬
‫بحقوقهم‪ .‬‬
‫‪ .4‬وجود نظام لل ُمساءلة وإنصاف الضحايا‪:‬‬
‫‪‬يُعتبر مبدأ ال ُمساءلة من أهم مبادىء حقوق اإلنسان‪ ،‬وعلى الدولة ضمان محاسبة‬
‫المسؤولين ع ن انتهاكات حقوق اإلنس ان وضمان عدم إفالتهم من العقاب‪ ،‬ف ي بيئة‬
‫تضمن العدالة وحق الوصول إلى القضاء للجميع من دون أية استثناءات‪ .‬إن وجود‬
‫قضاء عادل ومستقل ونزيه هو ضمانة أساسية لتحقيق العدالة وإنصاف الضحايا‪،‬‬
‫وضمان عدم وجود حصانة ل ُمنتهكي حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫‪‬إن سيادة القانون وال ُمساءلة عن انتهاكات حقوق اإلنسان أمران بالغا األهمية لمنع‬
‫االنتهاكات والنزاعات والعنف وبناء السالم واستدامته وتحقيق التنمية الشاملة‪.‬‬
‫والمؤس سات‬
‫ّ‬ ‫‪‬نحن بحاجة إلى أنظمة حو َكمة تكون فيها جميع الجهات المسؤولة‬
‫والكيانات‪ ،‬العام ة أ و الخاص ة‪ ،‬خاضع ة لل ُمس اءلة بموج ب القواني ن المنشورة‬
‫بشكل متسا ٍو والتي يحتكم في إطارها إلى قضاء مستقل‪ ،‬بما يتماشى‬ ‫ٍ‬ ‫وال ُمطبّقة‬
‫مع المعايير الدولية لحقوق اإلنسان‬
‫‪ .5‬وجود آليات وطنية مستقلّة للحماية‪:‬‬
‫‪‬تع َّدد اآلليات الوطنية المستقلّة لحقوق اإلنسان عبر العالم‪ ،‬وتتع َّدد االجتهادات في‬
‫مدى اس تقاللية وحيادي ة هذه الهيئات‪ ،‬ولك ن م ن األهمي ة بمكان وجود هيئات‬
‫وطني ة لحقوق اإلنس ان كأح د أه م آليات الحماي ة الوطني ة‪ ،‬يجري إنشاؤه ا وف ق‬
‫مبادئ باريس ال ُمتعا َرف عليها حول إنشاء هكذا هيئات‪ .‬‬
‫‪‬جرت العادة أ ن تقوم الهيئات الوطني ة المس تقلّة لحقوق اإلنس ان بمتابع ة وضمان‬
‫توافر ُمتطلّبات صون حقوق اإلنسان في مختلف القوانين والتشريعات الوطنية‪،‬‬
‫وفي عمل مختلف الدوائر واألجهزة والهيئات‪ ،‬ومتابعة انتهاكات حقوق اإلنسان‪،‬‬
‫والشكاوى التي يق ّدمها المواطنون حول االنتهاكات من قِبَل السلطة التنفيذية‪ ،‬كما‬
‫تقوم الهيئات الوطني ة المس تقلة لحقوق اإلنس ان بالتوعي ة ونش ر ثقاف ة حقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬والرقابة على التشريعات والسياسات الوطنية‪ ،‬ومدى مواءمتها للمعايير‬
‫الدولية لحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫‪ .6‬العادات والتقاليد وال ُممارسات االجتماعية‪:‬‬
‫‪‬ق د تعرَّض ت حقوق إالنس ان م ن حي ث عالميّته ا وعدم قابليّته ا للتجزئ ة إل ى‬
‫التشكيك من قِبَل مختلف الثقافات واألفراد والجماعات عبر المجتمعات‪.‬‬
‫‪‬وق د شهدن ا هذه االتجاهات ال ُمقلِق ة لدى العدي د م ن الدول عندم ا يجري انتقاد‬
‫حال حقوق اإلنسان فيها‪.‬‬
‫ّ‬
‫المس بحقوق المرأة ال ُمتساوية‬ ‫‪ ‬لعب دوراً سلبيا ً تاريخيا ً وحتى يومنا هذا في‬
‫مع الرجل وخلق عوائق بنيوية لن يتأتّ ى لنا تحقيق المساواة الكاملة من دون‬
‫إزالته ا والتغلّ ب عليه ا‪ ،‬وهذا يتطلّ ب بالضرورة إدراك القضي ة أوالً وم ن ث م‬
‫وض ع الرؤ ى االس تراتيجية للتغلّ ب عليه ا ع بر التغيي ر االجتماع ي الطوي ل‬
‫األمد‪.‬‬
‫‪ .7‬الحوار المجتمع ي حول قضاي ا حقوق اإلنس ان والتع بير‬
‫عنها بحرية‪ :‬‬
‫‪‬قضايا حقوق اإلنسان يجب أال تبقى حبيسة األدراج‪ ،‬بل يجب أن تش ّك ل دائما ً‬
‫أي مجتمع‪ .‬إ ن‬ ‫مواضي ع للنقاش والحوار والتفا ُع ل م ا بي ن مختل ف مك ّونات ّ‬
‫إثارة قضايا حقوق اإلنسان وإفساح المجال للنقاش والجدل حولها من شأنه أن‬
‫يع ّم ق المعرف ة به ا ويس اهم بشك ل فعّال ف ي وض ع الحلول المناس بة للقضاي ا‬
‫الشاِئكة ويُفسح المجال لمشاركة الجميع وإبداء رأيهم من دون أية قيود‪.‬‬
‫ص ل االجتماعي والمؤسّسات‬ ‫‪ ‬وفي العادة تلعب وسائل اإلعالم ومن ّ‬
‫ص ات التوا ُ‬
‫األكاديمي ة واألدباء وال ُمثقّفون دوراً أس اسيا ً ف ي إثارة هذه القضاي ا والنقاش‬
‫حوله ا بم ا يؤ ّم ن االرتقاء بحال حقوق اإلنس ان وتعزي ز القِيَ م الديمقراطي ة‬
‫والحوار البنّاء‪.‬‬
‫‪ .8‬الشفافية والحو َكمة الرشيدة و ُمكافَحة الفساد‪ :‬‬
‫‪‬الحو َكم ة الرشيدة وحقوق اإلنس ان أمران يُع ِّزز ك ل منهم ا اآلخر‪ .‬فمبادئ حقوق‬
‫الفاعل ة الس ياسية‬
‫ِ‬ ‫اإلنس ان توفّ ر مجموع ة قِيَ م لتوجي ه عم ل الحكومات والجهات‬
‫واالجتماعية األخرى‪ .‬وهي توفّ ر أيضا ً مجموعة معايير أداء يمكن على أساسها‬
‫الفاعلة‪ .‬وعالوة على ذلك‪ ،‬فإن مبادئ حقوق اإلنسان يُهتدى‬ ‫ِ‬ ‫ُمساءلة هذه الجهات‬
‫به ا ف ي ص وغ مضمون جهود الحُك م الرشي د‪ ،‬مث ل وض ع األط ر التشريعي ة‬
‫صصات الميزانية وتدابير أخرى‪.‬‬ ‫والسياسات والبرامج و ُمخ َّ‬
‫ناحية أخرى‪ ،‬فإ ن حقوق اإلنس ان‪ ،‬م ن دون الحو َكم ة الرشيدة‪ ،‬ال يمك ن‬ ‫ٍ‬ ‫‪‬وم ن‬
‫بطريقة ُمس تدامة‪ .‬ويعتم د إعمال حقوق اإلنس ان عل ى وجود‬ ‫ٍ‬ ‫احترامه ا وحمايته ا‬
‫بيئ ة مواتي ة وتمكينية‪ .‬وتتض ّم ن هذه البيئ ة األط ر والمؤ ّس سات القانوني ة ال ُمالِئم ة‬
‫وكذلك العمليات السياسية والتنظيمية واإلدارية المسؤولة عن االستجابة لحقوق‬
‫الناس وتلبية احتياجاتهم‪.‬‬
‫المحور الثالث‬
‫العالقة بين القانون الدولي‬
‫اإلنساني والقانون الدولي‬
‫لحقوق اإلنسان‬
‫المحور الثالث‬
‫العالقة بين القانون الدولي اإلنساني والقانون الدولي‬
‫لحقوق اإلنسان‬
‫تعريف القانونين ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫أوج ه االختالف بي ن القانون الدول ي اإلنس اني‬ ‫‪.2‬‬
‫والقانون الدولي لحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫الضواب ط والخطوات العريض ة الالزم ة إلزال ة‬ ‫‪.3‬‬
‫التعارض الظاهر بين القانونين‪.‬‬
‫أوج ه االلتقاء والتشاب ه بي ن القانون الدول ي‬ ‫‪.4‬‬
‫اإلنساني والقانون الدولي لحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫يعت بر موضوع العالق ة بي ن القانون الدول ي اإلنس اني والقانون‬
‫الدولي لحقوق اإلنسان‪ ،‬من الموضوعات التي تنازعت حوله ثالث‬
‫نظريات في الفكر القانوني‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪‬النظرية االنفصالية‪ :‬التي ترى أن القانونين مختلفان ومستقالن‪،‬‬
‫‪‬النظرية التوحيدية‪ :‬التي تفيد أن القانونين متشابكان أو مندمجان‪،‬‬
‫‪‬النظري ة التكاملي ة‪ :‬الت ي يرم ي جوهره ا بأ ن القانوني ن نظامي ن‬
‫متمايزين ولكنهما متكامالن‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪‬ظل ينظر البعض من فقهاء القانون الدولي إلى هذين القانونين‬
‫لسنوات عديدة على أنهما مجاالن منفصالن تماما‪ ،‬أما البعض‬
‫اآلخ ر فيرى عل ى عك س الرأ ي األول بأنهم ا متحدان‪ ،‬عل ى أ ن‬
‫المطل ع عل ى مجم ل المؤلفات القانوني ة الحديث ة يتأك د م ن أ ن‬
‫النظرة السائدة – نسبيا ً – هي أن القانونين كليهما يكمل اآلخر‪،‬‬
‫أي متكاملين‪.‬‬
‫‪‬وأي ا كان م ن أم ر هذه النظريات واآلراء‪ ،‬فإ ن األهمي ة العلمي ة‬
‫لهذا الموضوع تتمث ل ب بيان المجال القاعدي الخاص بك ل منهم ا‬
‫وإبراز المساحة المشتركة بين القانونين‪ ،‬أي بمعنى إيجاد القوا‬
‫س م المشتركة بينهم ا‪ ،‬وكذل ك والفروق بينهم ا‪ ،‬بم ا يحافظ عل ى‬
‫‪‬وانطالق ا م ن هذه األهمي ة‪ ،‬فإ ن التس اؤل الرئي س يمك ن ف ي ‪ :‬إل ى أ ي‬
‫مدي استقر رأي الفقهاء ورجاالت القانون على وجود عالقة وطيدة‬
‫بي ن القانونيي ن م ا ق د يؤدي لتعظي م الحماي ة لإلنس ان؟ ويندرج ف ي‬
‫إطار هذه السؤال‪ ،‬عدد من التساؤالت الفرعية التي يمكن طرحها‪ ،‬و‬
‫تكمن في التالي‪:‬‬
‫‪ .1‬هل القانون الدولي اإلنساني والقانون الدولي لحقوق اإلنسان فرعان‬
‫للقانون الدولي العام مستقالن؟ أم مندمجان ؟أم متكامالن؟ أم ماذا ؟‬
‫‪ .2‬ما مدى صحة األسانيد واآلراء القانونية وشواهد الممارسة الدولية‬
‫التي تؤكد أو تنفي هذا االستقالل أو االندماج أو التكامل بينهما ؟‬
‫‪ .3‬ه ل يمك ن اعتبار القانون الدول ي اإلنس اني والقانون الدول ي لحقوق‬
‫اإلنسان جناحان لحماية اإلنسان في وقتي الحرب والسلم ؟‬
‫‪‬وبناء عل ى م ا تقدم فإ ن اإلجاب ة ع ن هذه التس اؤالت‬
‫وغيره ا س يتم ف ي إطار اختيار الفرضي ة التالي ة‪ :‬كلم ا‬
‫اتس عت وانتشرت األس انيد القانوني ة والشواه د الدولي ة‬
‫الت ي تؤك د وجود عالق ة تكاملي ة بي ن القانوني ن أدى ذل ك‬
‫إل ى مرون ة تقدي م حماي ة متكامل ة لإلنس ان ف ي زمن ي‬
‫الحرب والسلم‪.‬‬
‫تعريف القانونين‬

‫‪‬لق د جاء بيان بع ض التعاري ف الفقهي ة لك ل م ن‬


‫القانوني ن ف ي ص دارة م ا س وف نتكل م عن ه باعتباره‬
‫مدخال ضروريا ً في إيضاح مدى االختالف بينهما من‬
‫حيث التعريف والطبيعة من ناحية أولى‪ ،‬أما من ناحية‬
‫ثانية لالستفادة من تعريفيهما لإلجابة عن تساؤل مهم‬
‫مؤداه ه ل تكون القواع د الدولي ة العرفي ة والمكتوب ة‬
‫لكل من القانونين فرعين مستقلين من فروع القانون‬
‫الدولي؟ وذلك عبر ما يلي ‪:‬‬
‫تعريف القانون الدولي اإلنساني‪-:‬‬

‫يعرف األس تاذ الدكتور عام ر الزمال ى القانون الدول ي اإلنس اني بأن ة " فرع م ن‬
‫فروع القانون الدول ي العام تهدف قواعده العرفي ة والمكتوب ة إل ى حماي ة‬
‫األشخاص المتضرري ن ف ي حال ة نزاع مس لح بم ا أنج ر ع ن ذل ك النزاع م ن‬
‫آالم‪ ،‬كم ا تهدف إل ى حماي ة األموال (األعيان) الت ي له ا عالق ة مباشرة‬
‫بالعمليات العسكرية " ‪.‬‬
‫أما األستاذ جان بكتيه فيعرفه كما يلي بأنه " فرع مهم من فروع القانون الدولي‬
‫العام يدي ن بوجوده إلحس اس باإلنس انية‪ ،‬ويرك ز عل ى حماي ة األموال الت ي‬
‫ليس لها عالقة مباشرة بالعمليات العسكرية‪."...‬‬
‫تعريف القانون الدولي لحقوق اإلنسان‪:‬‬

‫‪‬يعرف األس تاذ الدكتور عم ر س عد هللا هذا القانون بأن ه "فرع م ن فروع‬
‫القانون الدولي العام تهدف قواعده العرفية والمكتوبة إلى حماية الحقوق‬
‫المتأص لة ف ي طبيع ة األفراد والجماعات واألقليات والشعوب والت ي ال‬
‫يتسنى بغيرها العيش عيش البشر«‪.‬‬
‫‪‬أم ا األس تاذ نزار أيوب فعنده القانون الدول ي لحقوق اإلنس ان ه و "أح د‬
‫فروع القانون الدول ي المعاص ر الذي يكف ل حماي ة الحقوق األس اسية‬
‫لألفراد والجماعات م ن انتهاكات م ن قب ل الحكومات الوطني ة‪ ،‬ويس اهم‬
‫في تطوير وتعزيز هذه الحقوق والحريات«‬
‫‪‬أم ا األس تاذ الدكتور محم د نور فرحات فيتمث ل عنده هذا القانون ف ي‬
‫"مجموع ة القواع د والمبادئ المنص وص عليه ا ف ي عدد م ن اإلعالنات‬
‫والمعاهدات الدولي ة‪ ،‬والت ي تؤم ن حقوق وحريات األفراد والشعوب ف ي‬
‫‪‬مالحظات المسلم بها‪:‬‬
‫‪ .1‬أ ن القانون الدول ي لحقوق اإلنس ان ال يختل ف ع ن غيره م ن القواني ن‬
‫الدولي ة‪ ،‬فه و كم ا يبدو فرع م ن فروع القانون الدول ي العام ألن ه يخض ع‬
‫من حيث الشكل على األقل للقواعد التي تحكم بصفة عامة مجمل فروع‬
‫القانون الدولي‪،‬‬
‫‪ .2‬وأن ه يهدف م ن خالل قواعده العرفي ة والمكتوب ة إل ى حماي ة حقوق‬
‫اإلنس ان والبش ر جميع ا ف ي ك ل األوقات‪ ،‬وإ ن كان ت قواعده المكتوب ة‬
‫تبرز بشكل أساسي على المستوى الدولي بما يسمى بالشرعية الدولية‬
‫لحقوق اإلنس ان الت ي تتأل ف م ن مواثي ق رئيس ية ل ه‪ ،‬أهمه ا اإلعالن‬
‫العالم ي لحقوق اإلنس ان لعام ‪ ،1948‬والعهدي ن الدوليي ن للحقوق المدني ة‬
‫والس ياسية واالجتماعي ة والثقافي ة واالقتص ادية لعام ‪ ،1966‬إل ى جان ب‬
‫عدد ليس قليل من االتفاقيات الدولية واإلقليمية األخرى لحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫أوجه االختالف بين القانون الدولي اإلنساني والقانون الدولي لحقوق اإلنسان‪:‬‬

‫‪‬مع محاولة الكثير من شراح القانون الدولي تقديم طريقة يمكن من‬
‫خالله ا التقري ب بي ن فرع ي القانون الدول ي أعاله‪ ،‬قص د تعظي م‬
‫الحماي ة لألفراد الذي ن يتضررون م ن النزاعات المس لحة الدولي ة‬
‫وغي ر الدولي ة‪ ،‬وم ن هؤالء الشراح البروفيس ور "كالي ن"‪ ،‬إال أ ن‬
‫المالحظ على هذه الطريقة (أو المنهج) بأنها ال تخلو من مشكالت‬
‫فكري ة وعملي ة‪ ،‬ألن ه م ن الناحي ة الفكري ة والعملي ة هناك اختالفات‬
‫بارزة بي ن القانوني ن‪ ،‬يمك ن قراءته ا م ن خالل بع ض اآلراء‬
‫واألس انيد القانوني ة والشواه د الدولي ة الت ي تؤك د أوج ه االختالفات‬
‫على النحو التالي ‪:‬‬
‫أ‪ .‬من حيث تباين مفهوميهما‪:‬‬

‫‪‬س بق وأ ن ذكرن ا هذا التباي ن بنوع م ن التفص يل ف ي النقط ة األول ى م ن هذا‬


‫المقال‪ ،‬والذي دل ل عل ى أ ن كال م ن القانوني ن يكونان فرعي ن مس تقلين للقانون‬
‫الدول ي م ن حي ث المفهوم‪ ،‬أم ا م ن حي ث الشك ل فان لكال منهم ا مواثي ق دولي ة‬
‫تنظمهما وتعكس ذاتيتهما‪.‬‬
‫‪‬ويكتم ل تباي ن المفهومي ن إذا علمن ا أ ن القانون الدول ي اإلنس اني يقوم عل ى‬
‫التخفي ف م ن معاناة اإلنس ان أثناء النزاعات المس لحة‪ ،‬إ ذ يجم ع مفهوم ه بي ن‬
‫فكرتين مختلفتين في طبيعتهما‪ ،‬فاألولى قانونية والثانية أخالقية‪ ،‬أما القانون‬
‫الدول ي لحقوق اإلنس ان فه و تع بير ع ن التزامات قانوني ة دولي ة باحترام حقوق‬
‫وحرية األفراد والشعوب وتمكينها من العيش في رفاهية‪.‬‬
‫‪‬وم ع هذا االختالف البارز ف ي مفهوم كال م ن القانوني ن‪ ،‬فإ ن البع ض م ن كتاب‬
‫القانون الدول ي‪ ،‬ومنه م الفقي ه جان بكتي ه والدكتور محم د طلع ت الغنيم ي ال‬
‫يميزان بي ن مضمون ومفهوم هذي ن القانوني ن‪ ،‬حي ث عرف ا القانون الدول ي‬
‫اإلنساني بأنه "مجموعة من القواعد الدولية التي تضمن حرية شخص اإلنسان‬
‫ورفاهيته"‪،‬‬
‫‪ ‬إال أن هذا التعريف الذي اعتبره الدكتور عمر سعد هللا خلط بين مفهوم كال من‬
‫القانوني ن‪ ،‬ال يمن ع بأ ن التعري ف أعاله – مح ل الخالف‪ -‬يص لح باعتباره تعريف ا‬
‫بالمعنى الواسع للقانون الدولي اإلنساني‪ ،‬وهذا عائد اللتقاء هذين المفهومين من‬
‫حيث الهدف وبعض المبادئ المشتركة بينهما‪ ،‬فضال عن ذلك فإن من خالل هذا‬
‫التعريف قد نستطيع به سد بعض الفجوات في حالة النزاع المسلح الداخلي وذلك‬
‫بإيجاد ضوابط تحدد الحد األدنى من المعاملة اإلنسانية ‪.‬‬
‫ب‪ .‬االختالف من حيث نطاق التطبيق‪:‬‬
‫‪ ‬عل ى الرغ م م ن م ا يرى المثاليون بأ ن الس لم ه و األص ل ف ي العالقات الدولي ة‪ ،‬والحرب ه ي‬
‫االستثناء‪ ،‬إال أن القراءات اإلحصائية تدل على عكس ذلك‪ ،‬حيث تبين أنه خالل ‪ 185‬جيال من‬
‫األجيال لم ينعم بالسلم المؤقت من بينهما إال عشرة أجيال فقط‪ ،‬ومهما يكن من أمر هذا االختالف‬
‫ف ي تحدي د حال ة األص ل أ و االس تثناء ف ي العالقات الدولي ة‪ ،‬فإ ن الواق ع القانون ي يدل عل ى وجود‬
‫اختالف جوهري من الناحية القانونية بين مجال تطبيق كال من القانونين‪.‬‬
‫‪ ‬فالقانون الدول ي اإلنس اني ينطب ق م ن حي ث الزمان عن د بداي ة النزاعات المس لحة‪ ،‬أم ا م ن حي ث‬
‫النطاق المادي فانه ينطبق على كل حالة تأخذ وصف النزاع المسلح كان دوليا أو غير دوليا‪ ،‬أما‬
‫من حيث النطاق الشخصي فإنه يمنح حماية لفئتين وهما ضحايا النزاعات المسلحة من جرحى‬
‫وموتى وأسرى‪ ،‬والمدنيين‪،‬‬
‫‪ ‬بينم ا ينطب ق القانون الدول ي لحقوق اإلنس ان ف ي زم ن الس لم أس اسا‪ ،‬أ ي عل ى األوضاع الطبيعي ة‬
‫للدول ويوقف العمل ببعض أحكامه في الظروف االستثنائية للدول‪ ،‬وذلك بمقتضى المادة الرابعة‬
‫من العهد الدولي لحقوق المدنية والسياسية‪ ،‬هذه المادة التي لم تحدد ضمن فقراتها "حالة الحرب"‬
‫كحالة استثنائية‪.‬‬
‫‪‬وعلي ه يبق ى الس ؤال مطروح ه ل يعت بر دخول الدول ة ف ي حال ة نزاع مس لح‬
‫دول ي أ و داخل ي م ن قبي ل الحاالت االس تثنائية (الطوارئ العام ة) الت ي تجي ز‬
‫للدولة التحلل من التزاماتها الدولية الحامية لحقوق اإلنسان؟‬
‫‪‬كم ا يرى أغلبي ة الفقهاء أ ن إجاب ة هذا الس ؤال تكون باإليجاب‪ ،‬وذل ك ألن ه‬
‫يس تفاد م ن مراجع ة األعمال التحضيري ة للمادة الرابع ة م ن العه د الدول ي‬
‫للحقوق المدنية والسياسية بأنها كانت تضم حالة الحرب كحالة استثنائية‪ ،‬ومع‬
‫هذا فيج ب التأك د عل ى مبدأ عدم جواز التحل ل ف ي الظروف االس تثنائية م ن‬
‫االلتزام باحترام حقوق اإلنس ان األس اسية غي ر القابل ة للتقيي د‪ ،‬إضاف ة إل ى‬
‫احترام الحد األدنى من المعاملة اإلنسانية المرسخ في المادة الثالثة المشتركة‬
‫بين اتفاقيات جنيف األربعة لعام ‪ ،1949‬والتي تطبق حين تصل درجة القالقل‬
‫الداخلية إلى حد وصفها بالنزاعات المسلحة غير الدولية ‪.‬‬
‫ج‪ .‬االختالف من حيث بعض الحقوق المحمية‪:‬‬
‫‪ ‬يتمثل االختالف القائم بين القانونين في هذه النقطة بكثير من األمور‪ ،‬والتي سنبرز‬
‫أهمها بما يلي‪:‬‬
‫‪ - ‬الحق في الحياة‪:‬‬
‫‪‬هناك اختالف بارز للوهلة األولى بين القانونين فيما يتعلق بالحق ف ي الحياة‪ ،‬ففي‬
‫القانون الدول ي لحقوق اإلنس ان يعت بر الح ق ف ي الحياة حق ا غي ر قابال لالنتقاص‬
‫ويحتل مكان الصدارة في منظومة حقوق اإلنسان‪ ،‬ولكن هذا القول ال يمنع بأن هذا‬
‫الح ق لي س مطلق ا حي ث أن ه يخض ع للح ق ف ي اس تخدام القوة القاتل ة ف ي اإلعدامات‬
‫القانوني ة أ و ف ي حال ة الدفاع ع ن النف س‪ ،‬أم ا القانون الدول ي اإلنس اني يعترف بح ق‬
‫المقاتلي ن ف ي إطالق النار وإيقاع القت ل بي ن المقاتلي ن اآلخري ن لدى رؤيته م ودون‬
‫إنذار مسبق‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -‬الحقوق المتصلة بالمحاكمة واالعتقال‪:‬‬
‫يكم ن االختالف بي ن القانوني ن هن ا م ن حي ث المعيار المعتاد‪ ،‬فف ي القانون الدول ي‬
‫لحقوق اإلنس ان ال يحوز الحرمان م ن الحري ة إال بع د محاكم ة عادل ة كعقوب ة عل ى‬
‫عمل إجرامي‪ ،‬أي يحظى الحق في المحاكمة العادلة بالحماية‪،‬‬
‫أم ا القانون الدولي اإلنساني فإنه يحمي الحق ف ي احتجاز المحاربي ن دون محاكمتهم‬
‫باعتباره م أس رى حرب‪ ،‬وكذل ك يعط ي دول ة االحتالل س لطة اعتقال المدنيي ن‬
‫ومحاكمته م ع بر محكم ة الب د أ ن تتواف ر عل ى شروط معين ة م ن أهمه ا أ ن تكون هذه‬
‫المحكم ة عس كرية وغي ر س ياسية‪ ،‬وإ ن كان يس تفاد م ن المادة الثالث ة المشترك ة بي ن‬
‫اتفاقيات جني ف األربع ة وال بروتوكول اإلضاف ي الثان ي ح ق محاكم ة وعقاب م ن‬
‫يشتركون ف ي نزاع مس لح داخل ي بشرط مراعاة المعايي ر الدني ا الضروري ة م ن أج ل‬
‫محاكمة عادلة‪.‬‬
‫‪ - ‬الحق في حرية التحرك‪:‬‬
‫يضم ن القانون الدول ي لحقوق اإلنس ان الح ق ف ي حري ة التحرك‪ ،‬رهن ا بالقيود‬
‫المعتادة بالنس بة لألم ن القوم ي والنظام العام‪ ،‬وإمكاني ة االنتقاص منه ا أثناء‬
‫حاالت الطوارئ‪ ،‬أم ا القانون الدول ي اإلنس اني فيحتوي حظ ر ص ريح يفي د من ع‬
‫تشريد المدنيين أثناء النزاعات المسلحة لغير أسباب الضرورة الحربية‪ ،‬كما أن‬
‫هناك حظرا صريحا على بعض أشكال اإلجالء بالقوة المسلحة حيث يعتبر ذلك‬
‫جريمة من جرائم الحرب وجريمة ضد اإلنسانية‪.‬‬
‫إ ن كان ت الموضوعات الت ي تثي ر الجدل ف ي نقط ة االختالف م ن حي ث بع ض‬
‫الحقوق المحمي ة كثيرة‪ ،‬إال أنن ا نكتف ي برص د هذا القدر م ن االختالف بي ن‬
‫القانوني ن م ن زاوي ة الحقوق المحمي ة‪ ،‬عل ى أنن ا س وف ننوه لبعضه ا اآلخ ر ف ي‬
‫سطور أخرى من هذه المحاضرة‪.‬‬
‫د‪ .‬االختالف من حيث المخاطب بأحكامها‪:‬‬

‫‪‬إذا كان المخاط ب أس اسا بأحكام القانون الدول ي اإلنس اني ه م العس كريون‬
‫والس ياسيون الذي ن له م دور فعال ف ي إدارة العمليات العس كرية والحربي ة أي ا‬
‫كان موقعهم أو انتمائهم للدول أو المنظمات الدولية أو متمردين داخل الدولة‬
‫أو الثوار في األقاليم المحتلة‪ ،‬فإن المخاطب في األصل بأحكام وقواعد القانون‬
‫الدول ي لحقوق اإلنس ان الدول ة ممثل ة ف ي س لطاتها أ و أجهزته ا المعني ة بإدارة‬
‫شئون ك ل م ن ه و داخ ل إقلي م الدول ة‪ ،‬أ ي "س كان اإلقلي م" بالمفهوم الدس توري‬
‫للمصطلح ‪.‬‬
‫و‪ .‬االختالف من حيث آليات مراقبة التنفيذ‪:‬‬
‫‪ ‬يت م مراقب ة إعمال أحكام القانون الدول ي اإلنس اني‪ ،‬ع بر آليات دولي ة خاص ة تملكه ا المنظمات والهيئات‬
‫الحكومية الدولية وغير الحكومية قصد حماية األشخاص المتضررين من العمليات العسكرية‪ ،‬وما قد‬
‫ينجم عنها من احتالل حربي‪ ،‬وأهم هذه المنظمات هي اللجنة الدولية للصليب األحمر هذه التي ارتبط‬
‫اس مها كحارس أمي ن للقانون الدولي اإلنس اني منذ إرهاصاته األولى‪ ،‬فهي التي تأخ ذ عل ى عاتقه ا أداء‬
‫المهام ذات الصفة اإلنسانية‪ ،‬وذلك بحكم التجربة الغنية التي اكتسبتها طوال فترة عملها‪ ،‬هذا إضافة إلى‬
‫الدور الهام الذي لعبته – كمنظمة غير حكومية إنسانية محايدة تتمتع بمركز قانوني دولي جعل منها‬
‫أشب ه بالمنظمات الحكومي ة الدولي ة‪ -‬بالتدخ ل بالنزاعات المس لحة م ن خالل وض ع اإلجراءات الت ي‬
‫تس اهم ف ي تفعي ل الحماي ة للمعنيي ن به ا‪ ،‬وم ن خالل دوره ا الميدان ي بإرس ال وتوزي ع مواد اإلغاث ة‬
‫والطواقم التي تقوم بها‪.‬‬
‫‪ ‬وإلى جانب اللجنة الدولية للصليب األحمر‪ ،‬هناك آليات خاصة أخرى تنفرد بمراقبة التطبيق كـ "الدولة‬
‫الحامي ة" أ و بالتحقي ق باالنتهاكات الجس يمة للقانون الدول ي اإلنس اني هذه المهم ة الت ي أوكله ا واضع و‬
‫البروتوكول اإلضافي األول‪ ،‬وعبر المادة ‪ 90‬منه "للجنة الدولية لتقصي الحقائق"‪ ،‬وكما ينظر الكثير‬
‫م ن شراح القانون الدول ي اإلنس اني بنوع م ن التفاؤ ل لدورا محتمال وك بير للمحكم ة الجنائي ة الدولي ة‬
‫الدائم ة بع د دخول نظام روم ا حي ز النفاذ ف ي عام ‪ ،2001‬مم ا نس تنتج من ه أ ن طبيع ة هذه اآلليات تكون‬
‫جزء منها وقائية‪ ،‬وفي الجزء األخرى تكون ذا طبيعة قمعية أو ردعية‪.‬‬
‫‪‬أما في القانون الدولي لحقوق اإلنسان فقد حرص المجتمع الدولي على إقرار وسائل‬
‫وآليات دولي ة لحماي ة حقوق اإلنس ان‪ ،‬وذل ك إل ى جان ب وس ائل الحماي ة الداخلي ة‬
‫المقررة بموجب القانون الوطني للدول ‪ -‬والتي غالبا ما اتس مت بالقصور‪ -‬وعليه‬
‫فق د ضمن ت االتفاقيات الدولي ة واإلقليمي ة آليات لمراقب ة مدى احترام الدول المختلف ة‬
‫لاللتزامات التي تفرضها االتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق اإلنسان‪ ،‬فوفقا لما نص‬
‫علي ه ميثاق األم م المتحدة ف ي المادتي ن ‪ 2/62‬و‪ 68‬بأ ن يلع ب المجل س االقتص ادي‬
‫واالجتماعي التابع لألمم المتحدة ومختلف هيئاته الفرعية دورا مهم في مجال حقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬وفي سبيل القيام بالمهام الموكلة إليه شكل المجلس المذكور أعاله كال من‬
‫اللجان التالي ة‪ :‬لجنة حقوق اإلنس ان واللجنة الخاصة بوضع المرأة واللجنة الفرعية‬
‫لمن ع التميي ز وحماي ة األقليات‪ ،‬هذه اللجان الت ي تتول ى بص فة عام ة دراس ة التقاري ر‬
‫الدوري ة المرس لة إليه ا م ن الدول ة‪ ،‬إضاف ة إل ى دراس ة الشكاوى وق د اكتس بت هذه‬
‫اآلليات في عالمنا اليوم فعالية كبرى حيث أصبح احترام حقوق اإلنسان أمرا يشبه‬
‫لحد بعيد الشرط الجوهري واألساسي لقبول الدولة في المحيط الدولي‪.‬‬
‫‪‬ويبقى لنا أن نذكر قبل االنتقال لدراسة النقطة الثالثة من هذه المحاضرة‪ ،‬أن‬
‫هناك وحس ب إطالعن ا المحدود نج د أ ن هناك شاه د دولي ا واح د ال يرب ط بي ن‬
‫القانونين من الناحية العملية‪ ،‬ويتمثل في "أحدث دليل مرجعي للقانون الدولي‬
‫اإلنساني" هذا الذي ال يشير مطلقا إلى القانون الدولي لحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫‪‬ولك ن م ع إقرار ك ل المؤلفات القانوني ة بوجود هذه االختالفات الظاهرة بي ن‬
‫القانوني ن‪ ،‬إال أ ن هناك جزء م ن هذه المؤلفات اس تطاعت أ ن تقدم ضواب ط‬
‫وخطوات عريض ة تمهيدي ة تس اعد عل ى ضب ط وترس يخ العالق ة التكاملي ة بي ن‬
‫القانونين‪ ،‬وعليه يبقى السؤال مطروح كيف يكون ذلك؟ وهذا ما سنعرفه في‬
‫المحور التالي ‪:‬‬
‫الضوابط والخطوات العريضة الالزمة إلزالة التعارض الظاهر بين القانونين‪:‬‬

‫‪‬من منطلق الحاجة الماسة للتكامل بين القانونين‪ ،‬كان البد من العمل على إزالة أي‬
‫تعارض ظاهر بينهم ا‪ ،‬م ع المحافظ ة على اس تقاللية كال منهم ا باعتبار هم ا فرعين‬
‫مس تقلين للقانون الدول ي العام‪ ،‬وبناء عل ى هذا المنط ق قدم األس تاذين توم هادن و‬
‫كولين هارفي طريقة جذابة إلزالة هذا التعارض‪ ،‬سوف نعمل على إعادة صياغتها‬
‫على الوجه التالي‪:‬‬
‫‪‬أ‪ .‬السلسلة المتصلة بدءا من الوضع الطبيعي للدول إلى النزاع المسلح الكامل‪:‬‬
‫لق د انطل ق األس تاذين توم هادن و كولي ن هارف ي م ن أ ن س ر تحقي ق دم ج ناج ح (أ و‬
‫تقريب) لكال من فرعي القانون الدولي‪ ،‬يكمن باالعتراف بالنتائج القانونية للتحرك‬
‫عل ى امتداد الس لسلة الواقعي ة المتص لة بدء ا م ن الوض ع الط بيعي لحياة الدول إل ى‬
‫النزاع المسلح‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬فتنطب ق القواع د العادي ة للقانون الدول ي لحقوق اإلنس ان بوضوح عل ى األوضاع‬
‫الطبيعي ة للدول‪ ،‬هذه القواع د الت ي يتمت ع به ا المجموع األك بر م ن س كان الدول‬
‫بحقوقه م م ع مراعاة إعالن حال ة الطوارئ‪ ،‬هذه الت ي إذا أعلن ت تتخل ى الدول ة ع ن‬
‫بعض ما التزمت به بشرط أن يتناسب هذا التخلي مع درجة التهديد الموجهة لدولة‪،‬‬
‫وعندما يزداد حجم هذه القالقل و االضطرابات والتوترات الداخلية التي تشكل نوعا‬
‫م ن أعمال العن ف‪ ،‬ويتحول هذا العن ف ف ي أغل ب الحاالت إل ى نزاع مس لح داخل ي‬
‫تطبق عليه أحكام المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف األربعة لعام ‪ 1949‬التي‬
‫تفرض التزامات أس اسية تتشاب ه إل ى ح د بعي د م ع الحقوق غي ر القابل ة لالنتقاص‬
‫المعروف ة ف ي االتفاقيات األس اسية لحقوق اإلنس ان‪ ،‬فإذا م ا تص اعد النزاع الداخل ي‬
‫المسلح بحيث وصل إلى وضع تسيطر فيه قوات نظامية (أو يأخذ وصفها) من كال‬
‫الطرفي ن عل ى قس م م ن األراض ي الوطني ة‪ ،‬تطب ق آنذاك األحكام الواردة ف ي‬
‫ال بروتوكول اإلضاف ي الثان ي لعام ‪ 1977‬الملح ق باتفاقيات جني ف األربع ة لعام‬
‫‪.1949‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬بالموازاة مع اإلقرار بضرورة تطبيق القانون الدولي اإلنساني على النزاعات‬
‫المس لحة غي ر الدولي ة‪ ،‬فإ ن هناك إقرار بتط بيق كاف ة أحكام وقواع د القانون‬
‫الدول ي اإلنس اني عل ى النزاعات المس لحة الدولي ة وحروب التحري ر الوطن ي‪،‬‬
‫م ن خالل تط بيق اتفاقيات جني ف األربع ة لعام ‪ 1949‬وال بروتوكول اإلضاف ي‬
‫األول لعام ‪ 1977‬الملحق بها‪.‬‬
‫‪‬وهن ا نس تطيع تص ور مدى تط بيق كال م ن القانوني ن بدء ا م ن الحال ة الطبيعي ة‬
‫لمجتمع الدولة مرورا بدرجة القالقل انتهاء إلى النزاع المسلح‪ ،‬مما يدل على‬
‫وجود عالق ة تكاملي ة بي ن القانوني ن نزي د م ن توضي ح جوانبه ا المتعددة فيم ا‬
‫سيأتي شرحه من فقرات‪.‬‬
‫ب‪ .‬محظورات مطلقة‪:‬‬

‫‪ ‬كم ا نعل م أ ن هناك عدد محدد م ن الحقوق أ و المحظورات المطلق ة الت ي تنطب ق عل ى ك ل‬
‫الظروف‪ ،‬وآي ا كان ت حدة األزم ة أ و النزاع‪ ،‬وتكتس ب هذه الحقوق – الت ي يشار إليه ا عل ى أنه ا‬
‫حقوق غي ر قابل ة لالنتقاص‪ -‬ص فتها المطلق ة ف ي القانون الدول ي لحقوق اإلنس ان‪ ،‬ولم ا كان‬
‫القانون الدولي اإلنساني ال يتضمن أي حكم بشأن االنتقاص‪ ،‬فإن الحقوق و المحظورات تصح‬
‫عام ة م ن الناحي ة الفعلي ة ع ن طري ق إدراجه ا الص ريح ف ي اتفاقيات القانون الدول ي اإلنس اني‪،‬‬
‫وأوضح مثال على ذلك هو حظر التعذيب وحظر المعاملة غير اإلنسانية أو المهينة أو العقاب‪،‬‬
‫فهي حقوق غير قابلة لالنتقاص في أي الظروف كانت سلم أو حرب‪.‬‬
‫‪ ‬وفي هذا الصدد هناك مجال لمزيد من التنسيق بين القانونين بصياغة هذه المحظورات المطلقة‪،‬‬
‫فيمك ن للقانون الدول ي لحقوق اإلنس ان االعتماد عل ى ص ياغات أكث ر ص رامة وتحدي د مث ل تل ك‬
‫التي جاءت ف ي قائم ة المحظورات بالمادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف‪ ،‬أما ف ي القانون‬
‫الدول ي اإلنس اني فيكون المطل ب الرئيس ي ه و الن ص بص راحة ووضوح عل ى أ ن هذه الحقوق‬
‫والمحظورات المطلق ة تنطب ق عل ى جمي ع األشخاص وف ي جمي ع الظروف‪ ،‬ولي س عل ى مجرد‬
‫األشخاص المتمتعي ن بالحماي ة ف ي ظ ل المعايي ر المعقدة الت ي تحدد األشخاص المحميي ن‪ ،‬وف ي‬
‫ظل حقيقة صعوبة التمييز بين األشخاص المحميين واألشخاص غير المحميين ‪ ،‬نظرا لصعوبة‬
‫التي تكتنف التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين‪.‬‬
‫ج‪ .‬الحق في الحياة‪:‬‬
‫‪ ‬رغ م وجود معايي ر متعارض ة بي ن القانوني ن ف ي حمايتهم ا للح ق ف ي الحياة‪ ،‬إال أ ن هذا األم ر‬
‫يمكن معه إيجاد بدايات للتوفيق بين هذه المعايير في ضوء النقاط التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬لقد ذكرنا س ابقا حقيقة مؤداها أن الحق في الحياة ليس حقا مطلقا ف ي القانون الدولي لحقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬حيث أنه يخضع للحق في استخدام القوة القاتلة في اإلعدامات القانونية أو الدفاع عن‬
‫النف س‪ ،‬مم ا يقرب هذا المعيار م ع معيار اعتراف القانون الدول ي اإلنس اني بح ق المقات ل قت ل‬
‫المقاتل اآلخر‪.‬‬
‫‪ .2‬ما قد يساعد أيضا من تضييق الهوة بين المعايير المتعارضة بين القانونين في هذه النقطة‪،‬‬
‫االفتراض الوارد في القانون الدولي لحقوق اإلنسان بأن الحرب ال يمكن في األصل أن تكون‬
‫مشروع ة‪ ،‬وبي ن قبول القانون الدول ي اإلنس اني الحرب أ و النزاع المس لح كحقيق ة موضوعي ة‬
‫يجب معالجتها بصرف النظر عن أسبابها‪ ،‬مما يترتب عليه اعتماد المحاربين عند ممارستهم‬
‫للقتل على معايير التهديد المباشر لحياتهم وليس على معيار النزاع بحد ذاته‪.‬‬
‫‪ .3‬ما قد يساعد على إعادة صياغة مدمجة بين هذه المعايير المختلفة اعتبار المسئولين عن بدء‬
‫المعارك أو تخطيطها في أي الجانبين المتصارعين قد تصرفوا بصورة تخرق معايير حقوق‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫د‪ .‬الحقوق السياسية‪:‬‬
‫‪‬إذا كانت مجمل الحقوق السياسية المنصوص عليها في القانون الدولي لحقوق‬
‫اإلنس ان مث ل حري ة التع بير‪ ،‬وحري ة تكوي ن األحزاب‪ ،‬وممارس ة االنتخابات‬
‫الديموقراطي ة‪ ،‬ه ي حقوق قابل ة لالنتقاص م ن قب ل الدول ف ي ظروف معين ة‪،‬‬
‫فلي س هناك أ ي نص ا قانوني ا ف ي اتفاقيات جني ف يمن ع الحكومات أ و دول ة‬
‫االحتالل من تقيد حقوق سياسية من هذا النوع‪ ،‬وهذا األمر يشير أنه لن تكون‬
‫هناك صعوبة في وضع مجموعة متناسقة من المعايير إعادة صياغة القانونين‬
‫في هذا المحال بصورة شبه مدمجة‪ ،‬عبر تطوير وتحديد وتوحيد المعيار الذي‬
‫تقيم من خالل االنتقاصات في زمني الحرب والسلم‪.‬‬
‫ه‪ .‬التحرك الحر واإلجباري‪:‬‬
‫‪ ‬مع اختالف النظرة في القانونين كما سبق وذكرنا في موضوع الحق في حرية التحرك‪ ،‬إال أنه ال‬
‫يوجد هناك مشكلة كبرى في ضم هذه المعايير المختلفة معا في صياغة مدمجة استنادا إلى المبادئ‬
‫المتماثلة في القانونين‪ ،‬وذلك بـ‪:‬‬
‫‪ .1‬ضرورة توافر القانونين على نصا قانونيا يقضي بإقرار عام بالحق في حرية التحرك‪ ،‬الذي ال‬
‫يجوز الحد منه‪ ،‬إال على أسس محددة‪ ،‬ومع توافر ضمانات قانونية مناسبة‪.‬‬
‫‪ .2‬ضرورة تواف ر القانوني ن عل ى نص ا قانوني ا محك م الص ياغة يحظ ر بموجب ه التحرك اإلجباري أ و‬
‫نق ل الس كان‪ ،‬الله م إال ف ي أضي ق الظروف‪ ،‬وبشرط أ ن يكون هذا التحرك اإلجباري أ و النق ل أ و‬
‫جالء السكان من أجل توفير حماية مادية أفضل ألرواح المدنيين‪ ،‬مع النص صراحة على حق‬
‫هؤالء في العودة بمجرد سماح الظروف بذلك‪.‬‬
‫‪ .3‬وأفضل السبل عالوة على ما ذكر أعاله‪ ،‬لتحقيق صياغة قانونية محكمة هو التقليل من إسراف‬
‫اتفاقيات جني ف م ن الن ص عل ى الضرورة الحربي ة كتحف ظ يس مح ب ه للقوات المتحارب ة والمحتل ة‬
‫الخروج ع ن هذه القواع د اإلنس انية‪ ،‬ويكون ذل ك بتحدي د قانون ي دقي ق لمفهوم الضرورة الحربي ة‬
‫الملحة التي تكون دائما الذريعة لعمليات إجالء السكان‪.‬‬
‫أوج ه االلتقاء والتشاب ه بي ن القانون الدول ي اإلنس اني والقانون الدول ي لحقوق‬
‫ان‪:‬‬ ‫اإلنس‬
‫‪‬بعد العرض السابق ألوجه الخالف بين القانونين‪ ،‬فإن وجودها ال يعني عدم وجود نقاط‬
‫التقاء أو قواسم مشتركة بينهما‪ ،‬هذه األخيرة التي من شأنها تقوية الضوابط والخطوات‬
‫العريضة الالزمة إلزالة أي تعارض ظاهر بين القانونين من ناحية‪ ،‬ومن ناحية أخرى‬
‫ترس يخ النس بية الثقافي ة ف ي مواجه ة الطاب ع المطل ق المزعوم لكال م ن القانون الدول ي‬
‫اإلنساني والقانون الدولي لحقوق اإلنسان‪ ،‬وعليه تتمثل القواسم المشتركة بين القانونين‬
‫في كثير من المجاالت‪ ،‬نتكلم عن أهمها تبعا‪:‬‬
‫‪ ‬أ‪ .‬االلتقاء من حيث المصدر لكال منهما‪:‬‬
‫‪‬كم ا يرى األس تاذ الدكتور الفقي ه جان س ‪ .‬بكتي ه أ ن كال م ن القانون الدول ي اإلنس اني‬
‫والقانون الدول ي لحقوق اإلنس ان‪ ،‬ق د نبع ا م ن مص در واح د‪ ،‬فق د نشئ ا م ن الحاج ة إل ى‬
‫حماية الفرد ممن يريدون سحقه‪ ،‬وعليه أدى هذا المفهوم أو المصدر الواحد إلى جهدين‬
‫متميزي ن وهم ا‪ :‬الح د م ن شرور الحرب‪ ،‬فكان القانون الدول ي اإلنس اني‪ ،‬والدفاع ع ن‬
‫اإلنس ان وحقوق ه ض د العم ل التعس في‪ ،‬فكان القانون الدول ي لحقوق اإلنس ان‪ ،‬بع د أ ن‬
‫تطور هذان المجهدين على مر العصور في خطين متوازيين ومتكاملين‬
‫ب‪ .‬االلتقاء من حيث بعض المبادئ المشتركة في كال منهما‪:‬‬
‫‪ ‬مما ال شك فيه أن القانون الدولي لحقوق اإلنسان ينطوي على قدر أكبر من المبادئ العامة لحماية اإلنسان‪،‬‬
‫بينما تتسم مبادئ القانون الدولي اإلنساني بطابع استثنائي خاص‪ ،‬ألن هذا األخير يدخل حيز النفاذ عند البدء‬
‫في النزاع المسلح‪ ،‬إال أن هذا القول ال يمنع من وجود مبادئ مشتركة بين كال منهما وتتمثل فيما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬حصانة وحماية الذات البشرية‪.‬‬
‫‪ .2‬منع التعذيب بشتى أنواعه‪.‬‬
‫‪ .3‬احترام الشخصية القانونية لضحايا الحرب‪.‬‬
‫‪ .4‬احترام الشرف والحقوق العائلية والمعتقد والتقاليد‪.‬‬
‫‪ .5‬حماية وضمان الملكية الفردية‪.‬‬
‫‪ .6‬عدم التمييز بصورة مطلقة‪ ،‬فالخدمات الطبية تقدم للجميع دون فرق إال ما تفرضه األوضاع الصحية‪.‬‬
‫‪ .7‬ضمان وتوفير األمان والطمأنينة‪.‬‬
‫‪ .8‬حظر األعمال االنتقامية والعقوبات الجماعية واحتجاز الرهائن‪.‬‬
‫‪ .9‬مراعاة الضمانات القضائية على مستوى اإلجراءات قبل التحقيق وبعده وعند المحاكمة‪ ،‬وبمناسبة تنفيذ‬
‫األحكام‪.‬‬
‫‪ .10‬ترسيخ الحماية الخاصة لكال من األطفال والنساء‪.‬‬
‫ج‪ .‬االلتقاء من حيث الهدف والرسالة لكال منهما‪:‬‬
‫‪ ‬إذ من المسلم به تماما أن كال من القانونان يهدفان إلى تحقيق غرض وهدف مشترك‪ ،‬وهو في‬
‫التحليل النهائي حماية اإلنسان واحترام كرامته‪ ،‬وحماية الشعوب‪ ،‬مع أن القانونين يستوحيان‬
‫أفكارهم ا م ن واقعتي ن ماديتي ن مختلفتي ن وهم ا الحرب والس لم‪ ،‬لهذا ال يح ل القانون الدول ي‬
‫اإلنساني محل قانون حقوق اإلنسان في حالة النزاعات المسلحة‪ ،‬وال يتوقف تطبيق كال منهما‬
‫ف ي هذه الحاالت‪ ،‬وهذا م ا تأكدت ج ل المنظمات اإلنس انية ومنه ا منظم ة العف و الدولي ة تؤك د‬
‫تطبيق كال القانونين على األقاليم المحتلة من أجل حماية المدنيين فيها‪ ،‬وعلى هذا األساس يتفق‬
‫كال من القانونين على األقاليم المحتلة من أجل حماية المدنيين فيها‪ ،‬وعلى هذا األساس يتفق‬
‫كال م ن القانوني ن عل ى رس الة واحدة أال وه ي تأمي ن حدا أدن ى م ن الضمانات القانوني ة‬
‫واإلنسانية لجميع البشر في وقت السلم ووقت الحرب على حد سواء‪.‬‬
‫‪ ‬ويؤك د هذا المعن ى الدكتور أب و الخي ر أحم د عطي ة بأن ه إذا كان القانون الدول ي اإلنس اني ه و‬
‫عبارة ع ن مجموع ه القواع د القانوني ة العرفي ة والمكتوب ة الت ي تهدف إل ى حماي ة اإلنس ان ف ي‬
‫زمن النزاعات المسلحة‪ ،‬وكان القانون الدولي لحقوق اإلنسان مجموعه القواعد القانونية التي‬
‫تس تهدف حماي ة حقوق اإلنس ان ف ي زم ن الس لم‪ ،‬فان ه يترت ب عل ى ذل ك تراب ط هذي ن الفرعي ن‬
‫ترابط ا قوي ا وعميق ا‪ ،‬ألنهم ا يشتركان مع ا ف ي االهتمام بص فه أس اسية بحماي ة الفرد االنس اني‬
‫وبالمحافظة على حياته وحرياته‪.‬‬
‫د‪ .‬االلتقاء من حيث تمتع قواعد هما بالصبغة الدولية‬
‫‪‬يلتقي القانون الدولي اإلنساني مع القانون الدولي لحقوق اإلنسان بتمتع قواعد‬
‫هم ا بالص بغة الدولي ة‪ ،‬ويرج ع هذا لواق ع قانون ي دول ي ص حيح يعط ي لكال‬
‫منهما وثائق دولية تعكس الذاتية الخاصة لكال منهما‪ ،‬هذا الوثائق الدولية التي‬
‫انته ى المجتم ع الدول ي إل ى مناس بة س نها‪ ،‬وذل ك رغب ة من ه ف ي إفراز هذي ن‬
‫القانوني ن بإعتبارهم ا فرعيي ن مس تقلين م ن فروع القانون الدول ي العام‪،‬‬
‫ومتكاملين في آن واحد‪.‬‬
‫ه‪ .‬االلتقاء من حيث تمتع قواعدهما بالطبيعة اآلمرة‪:‬‬

‫‪ ‬من المؤكد قانونا وفقها أن بعض القواعد القانونية المكتوبة لهذين القانونين تتمتع بطابع‬
‫األم ر ولي س بطاب ع التقري ر‪ ،‬هذا الطاب ع اآلم ر الذي ال يجوز الخروج عن ه أ و االتفاق‬
‫عل ى عكس ه‪ ،‬هذه الص فة الت ي أكدت ف ي المادة ‪ 60‬م ن اتفاقي ة فيين ا لقانون المعاهدات‪،‬‬
‫حي ث منح ت الص فة اآلمرة لك ل القواع د المتعلق ة بحماي ة الفرد اإلنس اني الت ي وردت ف ي‬
‫االتفاقيات ذات الطابع اإلنساني‪ ،‬هذا إلى جانب اتسام بعض من قواعد كال من القانونين‬
‫بالطاب ع العرف ي الدول ي الملزم‪ ،‬الحتوائهم ا عل ى قواع د عرفي ة –بتواف ر ركنيه ا‪ -‬جرت‬
‫الدول على تطبيقها حتى خارج نطاق أية رابطة تعاقدية‪.‬‬
‫‪‬فق د ع برت ع ن هذا االتجاه محكم ة العدل الدولي ة ف ي تاري خ ‪ 08‬يولي و ‪ 1991‬ع بر رأيه ا‬
‫االس تشاري بشأ ن مشروعي ة التهدي د باألس لحة النووي ة أ و اس تخدامها الفعل ي حال‬
‫اضطالعه ا برخص ة الدفاع الشرع ي الفردي أ و الجماع ي‪ ،‬حي ث أكدت المحكم ة عل ى‬
‫طاب ع العرف ي التفاقي ة الهاي الرابع ة لعام ‪ 1907‬والالئح ة الملحق ة به ا واتفاقيات جني ف‬
‫األربعة لعام ‪1949‬وكذلك اتفاقية منع اإلبادة الجماعية لعام ‪.1948‬‬
‫و‪ .‬االلتقاء م ن حي ث جهود هيئ ة األم م المتحدة وأجهزته ا ف ي تطوي ر‬
‫وتطبيق كال منهما‬
‫‪ ‬إذ من المعلوم تماما أن منظمة األمم المتحدة ممثلة ببعض أجهزتها تعتبر بمثابة الحارس األمين‬
‫القائم بتطوير ومراقبة تط بيق القانون الدول ي لحقوق اإلنسان ع بر اآلليات الدولية التي تمتلكها‬
‫هذه المنظمة‪ ،‬وذلك على أساس بديهي يتمثل في أن أغلب االتفاقيات الدولية لهذا القانون قد تم‬
‫ص ياغتها تح ت ظ ل ورعاي ة األم م المتحدة‪ ،‬أ و عل ى أق ل تقدي ر ت م إقراره ا م ن الجمعي ة العام ة‬
‫لألمم المتحدة‪.‬‬
‫‪ ‬أال أن ه ومن ذ عام ‪ 1968‬تاري خ انعقاد مؤتم ر األم م المتحدة الدول ي األول لحقوق اإلنس ان ف ي‬
‫طهران‪ ،‬هذا المؤتم ر الذي شك ل نقط ة تحول عل ى طري ق مشارك ة األم م المتحدة ف ي الجهود‬
‫الرامية لتطوير وإنماء القانون الدولي اإلنساني‪ ،‬وجسد هذا التحول في توصيات المؤتمر األول‬
‫وخاصة تلك التوصية التي عبر فيها المؤتمر وباإلجماع عن تفهمه لنظرية النزاع المسلح‪ ،‬بينما‬
‫طل ب م ن الجمعي ة العام ة أ ن تدعوا أمينه ا العام للقيام بع د التشاور م ع اللجن ة الدولي ة للص ليب‬
‫األحمر‪ ،‬باسترعاء انتباه جميع الدول األعضاء في المنظمة إلى قواعد القانون الدولي اإلنساني‪،‬‬
‫وحث المؤتمر أيضا جميع الدول إلى ضرورة التصديق على االتفاقيات الدولية للقانون الدولي‬
‫اإلنساني‪.‬‬
‫‪‬واس تجابة لدعوة المؤتم ر الدول ي لحقوق اإلنس ان‪ ،‬ولرغب ة اللجن ة الدولي ة للص ليب‬
‫األحم ر‪ ،‬أص درت الجمعي ة العام ة ف ي ‪ 19‬ديس مبر ‪ 1968‬توص ية تح ت رق م ‪2444‬‬
‫(‪ )23‬التي أكدت فيها ما جاء في توصية المؤتمر الدولي لحقوق اإلنسان في طهران‪.‬‬
‫‪‬وعل ى إث ر هذه التوص ية قدم الس كرتير العام ف ي الدورة الخامس ة والعشري ن لعام‬
‫‪ ،1969‬أول تقري ر ع ن حقوق اإلنس ان ف ي أوقات النزاعات المس لحة‪ ،‬إل ى الجمعي ة‬
‫العامة‪ ،‬هذه التي تمثل رد فعلها على هذا التقرير بأن طلبت من األمين العام أن يتابع‬
‫الموضوع‪ ،‬وأ ن يول ي عناي ة خاص ة لحماي ة حقوق المدنيي ن والمقاتلي ن ف ي نضال‬
‫الشعوب من أجل التحرير من السيطرة االستعمارية األجنبية واالحتالل في سبيل نيل‬
‫‪.‬‬
‫حقها في تقرير المصير‬
‫‪‬وق د دعم ت األم م المتحدة القانون الدول ي اإلنس اني بعدد م ن االتفاقيات واإلعالنات‬
‫الدولي ة‪ ،‬والقرارات الص ادرة ع ن الجمعي ة العام ة ومجل س األم ن‪ ،‬س واء بمناس بة‬
‫نزاعات مس لحة قائم ة أ و تحس با لوقوع نزاعات مس لحة ف ي المس تقبل‪ ،‬وم ن أه م‬
‫االتفاقيات‪ ،‬اتفاقية منع جريم ة اإلبادة الجماعية والمعاقبة عليها التي أقرتها الجمعية‬
‫العامة عام ‪.1948‬‬
‫‪ ‬إضافة إلى مجموعة من المعاهدات الدولية التي تحظر استعمال األسلحة النووية‬
‫والكيماوية و البكتويولوجية‪ ،‬وتقيد استعمال أسلحة تقليدية معينة‪ ،‬إضافة إلى اعتماد‬
‫الجمعية العامة اتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد اإلنسانية‪.‬‬
‫‪‬وف ي خطوة غي ر مس بوقة ق د تدخ ل مجل س األم ن النزاعات المس لحة غي ر الدولي ة‪،‬‬
‫من خالل قراره رقم ‪ 808‬الصادر في ‪22‬فبراير ‪ 1993‬الذي اعتبر فيه الوضع في‬
‫يوغوس الفيا س ابقا يشك ل تهدي د الس لم واألم ن الدوليي ن‪ ،‬وتأس يسا علي ه ت م إنشاء‬
‫محكمة جنائية دولية خاصة بيوغوسالفيا سابقا لمعاقبة مقترفي االنتهاكات الجسيمة‬
‫للقانون الدولي اإلنساني‪.‬‬
‫‪ ‬وكذل ك الشأ ن تدخ ل مجل س األم ن ع بر قراره رق م ‪ 995‬الص ادر ف ي ‪ 08‬نوفم بر‬
‫‪ 1994‬والقاضي بإنشاء محكمة جنائية دولية خاصة برواندا‪،‬مما يؤكد لنا المشاركة‬
‫الفعال ة ألجهزة األم م المتحدة ف ي معاقب ة الخارجي ن ع ن أحكام القانون الدول ي‬
‫اإلنساني رغم ما قيل عن تطاول مجلس األمن في هذا الشأن عن اختصاصه‪.‬‬
‫ي‪ .‬رصد لبعض الشواهد الدولية التي تؤكد العالقة بين القانونين‪:‬‬

‫‪‬كثيرة هي الجهات الدولية التي أفرز عملها في عدت مناسبات شواهد قانونية وواقعية‬
‫ذات طابع دولي تؤكد بصورة واضحة ومستقرة الصلة المتكاملة بين القانونين‪ ،‬وفيما‬
‫يلي نرصد بعضها‪:‬‬
‫‪ - ‬اعتبرت لجنة تقصي الحقائق التابعة لألمم المتحدة في السلفادور حكم اإلعدام الذي‬
‫نفذه الجي ش الس لفادورى ف ي ممرض ة ألق ي القب ض عليه ا بع د الهجوم عل ى مس تشفى‬
‫لجبهة الفارابوندومارتي للتحرير الوطني‪ ،‬يمثل خرقا صارخا لكال من القانون الدولي‬
‫اإلنساني والقانون الدولي لحقوق اإلنسان‪،‬ففي القول المتقدم شاهدا على صالبة الصلة‬
‫بين القانون رقم ما قيل من بعض الباحثين بأنه خلط بين القانونين ‪.‬‬
‫‪ - ‬أما المناسبة الثانية تمثلت في عقد معهد حقوق اإلنسان بلبنان مؤتمرا دوليا بالفترة‬
‫‪ 2‬و ‪ 3‬ديسمبر ‪ 1999‬بعنوان " القانون الدولي اإلنساني وحقوق اإلنسان‪ :‬نحو مقاربة‬
‫متجددة"‪ ،‬هذا المؤتمر الذي أجمعت المناقشات فيه على وثوق العالقة بين القانونين‪.‬‬
‫‪ -‬وكان ت المناس بة الثالث ة ف ي س ان ريم و س نة ‪ 1994‬ف ي اجتماع المائدة المس تديرة‬
‫التاسع عشر بشأن المشكالت الراهنة للقانون الدولي اإلنساني‪ ،‬حيث نصت الفقرة‬
‫‪ 24‬م ن اس تنتاجات المؤتم ر عل ى "‪..‬إن الجهود الرامي ة إل ى من ع الحرب ل ن تكل ل‬
‫بالنجاح إال إذا س اد االحترام الكام ل والتنفي ذ الفعل ي للقانون الدول ي لحقوق‬
‫اإلنسان‪ ،‬والقانون الدولي اإلنساني والقانون الدولي لالجئين‪."..‬‬
‫‪ - ‬والمناسبة األخيرة هي صدور تقرير عام عن "منظمة مراقبة حقوق اإلنسان "‬
‫عن عالقة القانون الدولي اإلنساني بقانون حقوق اإلنسان بتاريخ ‪ 16‬أكتوبر ‪2001‬‬
‫في نيويورك‪ ،‬وخلص هذا التقرير أنه ال يجوز للحكومات المشاركة في الحملة ضد‬
‫اإلرهاب الدولي استخدام طرق ووسائل غير محددة في خوض أي حرب‪ ،‬انطالقا‬
‫من قواعد القانون الدولي اإلنساني (قانون الهاي) والقانون الدولي لحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫‪‬هذه المناس بات أعاله تؤك د بص ورة ال تقب ل الش ك العالق ة التكاملي ة القوي ة بي ن‬
‫القانوني ن‪ ،‬ولك ن ف ي األخي ر يبق ى الس ؤال المطروح‪ :‬م ا ه ي اآلثار المترتب ة عل ى‬
‫االعتراف أ و التأكي د عل ى وجود عالق ة تكاملي ة بي ن القانوني ن؟ تتمث ل اآلثار‬
‫القانونية( الموضوعية منها واإلجرائية) فيما يلي باختصار‪:‬‬
‫‪  ‬إيجاد أرض خصبة لزراعة النسبية الثقافية ونموها في مواجهة الطابع المطلق لكال من القانونين‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫مرونة تقديم حماية متكاملة لإلنسان في زمني الحرب والسلم‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫إيجاد أساس مشترك بين القانونين يحدد ويسهل عملية انطباق كال منهما بصفة تكاملية‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫س د أوج ه القص ور الت ي تقترن ببع ض القواع د الس ارية ف ي القانون الدول ي اإلنس اني‪ ،‬وخص وصا‬ ‫‪.4‬‬
‫المادة الثالثة المشتركة في اتفاقيات جنيف‪ ،‬التي تطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية‪ ،‬بتحديد‬
‫معايير الحد األدنى للمعاملة اإلنسانية بصورة دقيقة أبانها‪.‬‬
‫توسيع القانون الدولي اإلنساني للحقوق غير القابلة لالنتقاص في النزاعات المسلحة‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫توسيع من مجال فرض المسؤولية الدولية عن انتهاكات حقوق اإلنسان زمن النزاعات المسلحة‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫إزال ة التعارض بي ن القانوني ن م ن حي ث التط بيق يس هل عم ل م ن يقومون عل ى حف ظ الس الم وم ن‬ ‫‪.7‬‬
‫يفرضون ه وم ن يرص دون حقوق اإلنس ان عل ى الطبيع ة‪ ،‬ألنه م س وف يعتمدون عل ى مجموع ة‬
‫متناسقة من قواعد القانونين‪.‬‬
‫تسهيل عملية اإلغاثة اإلنسانية والطبية وكل العمليات الدولية السلمية التي ترسم بناء على مفهوم‬ ‫‪.8‬‬
‫الحق في المس اعدة اإلنس انية‪ ،‬م ع االحتفاظ بطابع التقاليد المميزة للجنة الدولية للصليب األحم ر‪،‬‬
‫والمنظمات اإلنسانية األخرى‪.‬‬
‫‪‬يمكن القول بأن العالقة بين القانون الدولي اإلنس اني والقانون الدولي لحقوق‬
‫اإلنسان من حيث الجوهر عالقة تكاملية مما يثبت صحة النظرية التكاملية في‬
‫هذا الشأن‪ ،‬باعتبار القانونين مرتبطين على نحو وثيق وإن كانا منفصلين على‬
‫قدم المساواة‪.‬‬
‫‪‬ويؤدي هذا القول إل ى حماي ة متزايدة لإلنس ان ف ي ك ل الظروف‪ ،‬ولك ن إلتمام‬
‫هذا األم ر يتطل ب جلوس خ براء كال م ن القانوني ن حول مائدة واحدة لدراس ة‬
‫السبل الممكنة لترقية هذه العالقة‪ ،‬في ظل حقيقة مؤداها تزايد عدد النزاعات‬
‫المسلحة في عالمنا اليوم وما قد ينجر عنها من آالم عظام للبشرية جمعاء‪.‬‬

You might also like