You are on page 1of 4

‫الحرية والمسؤولية‬

‫طرح المشكلة‬
‫القضية المطروحة للبحث تتعلق بالحرية والمسؤولية‪ ،‬وهي قضية مركبة ال يمكن تجزئتها‪،‬‬
‫بمعنى انه ال يمكننا طرح قضية الحرية بمفردها بمعزل عن المسؤولية‪ ،‬وكذلك العكس صحيح‪،‬‬
‫فالمسؤولية مشروطة بالحرية وال معنى لها في غيابها‪،‬أي أنها تثبت بثبوت شرطها وترفع‬
‫برفعه‪ ،‬وكذلك الحرية تستوجب قيام المسؤولية‪.‬إنهما إذن متالزمان في الوجود ولئيمكن الفصل‬
‫بينهما‪ .‬أن المشكلة في الحقيقة مزدوجة تدعونا تارة إلى االنطالق من الحرية كشرط‬
‫لتأسيس المسؤولية وتارة أخرى إلى اعتبار هذه المسؤولية شرطا يبرر ويستوجب وجود‬
‫الحرية‬

‫صياغة المشكلة‬
‫أيهما يعتبر المبدأ الحرية أم المسؤولية؟ أو بصيغة أخرى أيهما يعتبر شرطا لآلخر أم مشروطا‬
‫به؟‬
‫الجزء األول(( الحرية مبدأ وشرط للمسؤولية))‬
‫طرح يقول بان الحرية هي المبدأ وهي الشرط‪ ،‬وان الحديث عن المسؤولية ال يستقيم إال‬
‫بوجود الحرية‪ ،‬ويترتب عن هذا الطرح انه يجب البحث أوال في الحرية والنتائج التي يخلص إليها‬
‫البحث هي التي تحدد ثبوت المسؤولية أو عدم ثبوتها‪ ،‬يمثل هذا الطرح مناصرو الحرية ونفاتها‬
‫وأصحاب الكسب والتوسط وكذلك دعاة التحرر‬
‫‪.1‬أنصار الحرية‬
‫• اليوناني أفالطون‪ :‬حرية االختيار مبدأ مطلق ال يفارق اإلنسان وهو مبدأ أزلي يتخطى حدود‬
‫الزمان والمكان‪ ،‬وقد عبر أفالطون عن هذا المبدأ في صورة أسطورة ملخصها أن األموات‬
‫يطالبون بان يختاروا بمحض حريتهم مصيرا جديدا لتقمصهم القادم وبعد اختيارهم يشربون من‬
‫نهر النسيان ثم يعودون إلى األرض وق نسوا بأنهم هم الذين اختاروا مصيرهم ويأخذون في‬
‫اتهام القضاء والقدر في حين أن هللا بريء‪.‬‬
‫• المعتزلة في الفكر اإلسالمي‪ :‬ما يدل عندهم على إن اإلنسان يمارس أفعاله بإرادته‬
‫الحرة هو شعوره بها أنها تصدر منه ويتضح ذلك في قولهم(( اإلنسان يحس من نفسه وقوع‬
‫الفعل على حسب الدواعي والصوارف‪ ،‬فإذا أراد الحركة تحرك وإذا أراد السكون سكن‪.)).‬كما‬
‫أن وجود التكليف الشرعي والجزاء الذي يتبعه دليل آخر على حرية إرادة العبد ودليل على عدل‬
‫هللا‪.‬‬
‫• الفرنسي ديكارت‪ :‬الحرية مثبتة بشهادة الشعور وحده من غير حاجة إلى أدلة وذلك من‬
‫خالل قوله(( إن حرية إرادتنا يمكن أن نتعرف إليها بدون أدلة وذلك بالتجربة وحدها التي لدينا‬
‫عنها‪ .‬لكن ديكارت يميز بين حرية االختيار الحقيقي وحرية الالمباالة‪ ،‬فاألولى تتم باالختيار بين‬
‫عدة بدائل استنادا إلى مبررات ذاتية‪ ،‬أما الثانية ففيها يستوي الضدان((اإلثبات والنفي)) بال‬
‫رجحان‪.‬‬
‫• الفرنسي برغسون‪ :‬يصف الحرية بقوله((إنها معطى مباشر للشعور‪ ،)).‬كما أن شعورنا‬
‫بالحرية متغير باستمرار بحيث ال يمكن أن تتكرر حالتان متشابهتان إطالقا‪ ،‬وهذا يعني أن‬
‫الحياة النفسية ال تخضع إلى قانون الحتمية‪ ،‬كما أن الفعل الحر يصدر عن النفس بأجمعها‪،‬‬
‫وليس عن قوة تضغط عليه أو عن دافع يتغلب على غيره‪ ،‬وذلك من خالل قوله(( إن الفعل الحر‬
‫ليس فعال ناتجا عن التروي والتبصر‪ ،‬انه ذلك الفعل الذي يتفجر من أعماق النفس‪.)) .‬‬
‫• الفرنسي جون بول سارتر‪ :‬ال فرق بين وجود اإلنسان وحريته‪ ،‬فهو محكوم عليه باالختيار‬
‫والمسؤولية وفي ذلك يقول(( إن اإلنسان ال يوجد أوال ليكون بعد ذلك حرا‪ ،‬وإنما ليس ثمة فرق‬
‫‪1‬‬
‫بين وجود اإلنسان ووجوده حرا‪ )).‬وقال أيضا(( انه كائن أوال ثم يصير بعد ذلك هذا أو ذاك‪.)) .‬‬
‫استنتاج‪ :‬ينتج عن هذه المواقف الكالسيكية جميعها إن اإلنسان حر حرية مطلقة ومن ثمة‬
‫فهو مسؤول ويتحمل عواقب اختياراته‪.‬‬

‫مناقشة مواقف مناصري الحرية‬


‫• إن القول بوجود حرية مطلقة في غياب كل إكراه داخلي أو خارجي هو موقف ميتافيزيقي‬
‫مجرد ال وجود له في حياتنا الواقعية‪ ،‬فأرادتنا ال يمكنها أن تقول للشيء كن فيكون‪ ،‬أنها ال‬
‫تستطيع أن تنفلت خارج الحتميات وتتحدى قوانين الطبيعة والنفس‪.‬‬
‫• كما أن الشعور بالحرية قد يكون مصدر خداع ووهم كما يصفه الفيلسوف سبينوزا فهو شعور‬
‫أشبه ما يكون بحجر رمي به من الفضاء وفي ذلك يقول((لو كان يتوفر على شيء من الشعور‬
‫لظن في أثناء رميه وسقوطه نحو األرض انه يقرر مسار قذفته ويختار المكان والوقت الذي‬
‫يسقط به))‪.‬‬
‫• كما نأخذ على الفيلسوف برغسون قوله بحرية الفرد المنعزل عن اآلخرين‪.‬‬
‫• كما نسجل على الفرنسي سارتر حذفه لكل تمييز بين أفعالنا الحرة منها وغير الحرة ما‬
‫دامت الحرية تطابق وجود اإلنسان‪،‬كما انه ينفي الحرية من حيث أراد أن يثبتها ألنه يعتبر إن‬
‫اإلنسان محكوم عليه باالختيار‪.‬‬
‫‪.2‬نفاة الحرية‬
‫• الحتمية الفيزيائية‪ :‬اإلنسان مثله مثل جميع المخلوقات ال يعدو أن يكون جسما يخضع‬
‫لقانون الجاذبية ويتأثر بالعوامل الطبيعية من حرارة وبرودة‪..‬الخ‬
‫• الحتمية الفيزيولوجية‪ :‬وتتمثل في تأثير المعطيات الوراثية وتأثير الغدد الصماء والجملة‬
‫العصبية وهي التي تحدد الجنس والخصائص الجسمية‪.‬‬
‫• الحتمية النفسية‪ :‬وتتمثل في تأثير الجانب الالشعوري وتوجيهه للسلوك وهذا ما بينته‬
‫نتائج التحليل النفسي عن النمساوي سيغموند فرويد‪.‬‬
‫• الحتمية االجتماعية‪ :‬يؤكد علماء االجتماع أن التصورات واألفكار واألفعال الصادرة عن الفرد‬
‫راجعة إلى تأثير المكتسبات االجتماعية من عادات وقيم وأخالق التي تشكل في مجموعها‬
‫الضمير الجمعي‪.‬‬
‫• الحتمية الميتافيزيقية‪ :‬وتتمثل في جبرية القضاء والقدر‪ ،‬قال بها الجهمية حيث ذهبوا إلى‬
‫أن أفعال اإلنسان ليست اختيارية إنما يخلقها هللا فينا على حسب ما يخلق في سائر‬
‫الجمادات‪ ،‬واألفعال تنسب إلينا مجازا كما تنسب إلى الجمادات‪ ،‬فكما يقال أثمرت الشجرة‬
‫وجرى الماء وتحرك الحجر وطلعت الشمس أو غربت كذلك يقال سافر فالن او نجح فالن‪....‬الخ‪.‬‬
‫‪.3‬أنصار التوسط بين الجبر واالختيار‬
‫• موقف االشاعرة‪ :‬يرى األشعري أن األفعال الصادرة عن اإلنسان مشاركة بين اإلنسان‬
‫وخالقه‪ ،‬فاإلنسان يريد الفعل وهللا يخلقه‪.‬‬
‫‪.4‬أنصار التحرر‬
‫• الرواقيون‪ :‬اإلنسان يعيش عالمين عالم داخلي قوامه الحرية أي انه حر أمام ذاته وعالم‬
‫خراجي قوامه الضرورة‪ ،‬أي ليس حرا أمام العالم الخارجي ألنه ال يستطيع أن يؤثر في األشياء‬
‫الخارجية‪ .‬وإذا كان الرواقيون قد حاولوا التوفيق بين الضرورة والحرية فأن الضرورة تبقى هي‬
‫األصل في كل األشياء‪ ،‬أما الحرية فأنها تكتسب من خالل موافقة اإلنسان لقوانين الكون‬
‫ومحاولة فهمها ال معارضتها‪.‬‬
‫‪.‬األلماني كارل ماركس وصديقه فريدريك انجلز‪ :‬يتمثل التحرر من خالل معرفة اإلنسان‬
‫‪2‬‬
‫لمختلف القوانين الحتمية واستغالل نتائجها من الناحية التطبيقية‪ ،‬وفي هذا السياق قال‬
‫ماركس((الحرية وعي بالضرورة))وقال انجلز((فاإلنسان لم يكن يتميز عن الحيوان الن سيطرته‬
‫على نفسه وعلى الطبيعة لم تكن بعد قد تحققت وبالتالي فان حظه من الحرية لم يكن يزيد‬
‫عن حظ الحيوان منها‪ ،‬لكن المؤكد أن كل خطوة خطاها في سبيل الحضارة لم تكن سوى‬
‫مرحلة من مراحل تحرره‪.)) .‬‬
‫• الشخصانية‪ :‬باعتبارها فلسفة عمل وتحرر بقول رائدها ايمانويل موني((إن الحرية ال‬
‫تكتسب بمضادة الطبيعة إنما تكتسب باالنتصار عليها وبها‪.)) .‬‬

‫استنتاج ينتج عن هذه المواقف إن اإلنسان فاقد للحرية ومن ثمة فهو غير مسؤول عن أفعاله‬
‫أي ال يتحمل نتائج ما يصدر عنه من تصرفات‪.‬‬
‫مناقشة آراء نفاة الحرية وأصحاب التوسط ودعاة التحرر‬
‫• إن اإلقرار بالحتمية ال يعني تكبيل إرادة اإلنسان ورفع المسؤولية عنه‪ ،‬فهناك فرق بين عالم‬
‫األشياء وعالم اإلنسان‪ ،‬فاألول يستجيب آليا لنظام الطبيعة والثاني يستجيب له وهو كله وعي‬
‫وأكثر من ذلك يستطيع أن يسخر لنفسه قوانين الطبيعة حسب إرادته بعد معرفتها والتحكم‬
‫فيها‪ ،‬فالحتمية ال تتنافى مع الحرية إن هي أخذت في هذا السياق على أنها تحرر‪.‬‬
‫• كما إن القول مع الجهمية إن ادعاء الحرية يتعارض شرعا مع مسألة اإليمان بالقضاء والقدر‪،‬‬
‫قول يناقض التكليف الشرعي وما يتبعه من جزاء‪ ،‬كما انه قول يدعو إلى التواكل واالستسالم‬
‫واإلفالت من الواجب والمسؤولية‬
‫استنتاج من خالل ما سبق بيانه حول استعراض الحتميات ومناقشتها لنا أن نتساءل كيف‬
‫تقوم المسؤولية والشرط الذي يؤسسها لم يتأكد‪ ،‬إذ ليس من المعقول الحديث عن شيء‬
‫يتوقف ثبوته أو نفيه على أمر مجهول‪ ،‬ومع ذلك تبقى المسؤولية‪-‬كما سنرى‪-‬في منطوق‬
‫الطرح الثاني قائمة يتحملها اإلنسان بوصفه إنسانا‪.‬‬
‫الجزء الثاني((المسؤولية مبدأ وشرط للحرية))‬
‫طرح يرى أن المسؤولية قضية سابقة لطرح قضية الحرية‪ ،‬بمعنى أن اإلنسان يجب أن يكون‬
‫مسؤوال أوال ليكون بعد ذلك حران يمثل هذا الطرح رجال الدين وفالسفة األخالق‪ ،‬ودليلهم في‬
‫ذلك أن التكليف سواء كان شرعيا أو أخالقيا يسبق الحرية ويبررها بغض النظر عن العوامل‬
‫التي تحيط بالمكلف‪.‬‬
‫• المعتزلة في الفكر اإلسالمي‪ :‬التكليف الشرعي الصادر من هللا والذي يخاطب عقل اإلنسان‬
‫وأفعل وال تفعل إنما هو تحميل اإلنسان للمسؤولية أمام أوامر هللا ونواهيه باعتباره حرا وأال كان‬
‫التكليف سفها وباطال‪ ،‬إذ ال يصح عقال أن تقول لمن ليس حرا افعل وال تفعل‪.‬وهللا سبحانه‬
‫وتعالى يقول((ال يكلف هللا نفسا إال وسعها‪)) .‬‬
‫• األلماني ايمانويل كانط‪ :‬الواجب األخالقي يتضمن الحرية وذلك في قوله((إذا كان يجب‬
‫عليك فأنت تستطيع)) والواجب الخلقي ألزام داخلي مصدره الضمير الخلقي الذي يعاقب على‬
‫الفعل السيئ باألسف والندم والحسرة‪ ،‬كما انه يثيب على الفعل الحسن بالرضى والقبول‪.‬‬
‫• مالرانش‪ :‬حيث يرى أن المسؤولية مرتبطة اشد االرتباط بالقانون األخالقي نفسه وهو على‬
‫حد تعبيره الذي ال يجوز انتهاكه ونقضه ال من طرف العقول وال من طرف اإلله نفسه‪ ،‬وفي هذا‬
‫المعنى يقول((إن الذي يريد من هللا أن ال يعاقب الجور أو إدمان الخمر ال يحب هللا‪)) .‬‬
‫استنتاج‪ :‬ما يؤكد وجود الحرية المسؤولية وما يؤكد وجود المسؤولية هو العقوبة المرتبطة‬
‫بالقانون األخالقي‪.‬‬
‫مناقشة منطوق الطرح الثاني‬
‫• إن المسؤولية البشرية ال يمكن أن تكون كاملة‪ ،‬الن حرية اإلنسان نسبية فقد يرتكب أخطاء‬
‫في حق الغير من غير قصد منه‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫• كما أن دعاة المسؤولية جعلوا من القصاص مرتبط بغايات أخالقية فقط‪ ،‬فمعاقبة المجرم‬
‫يحقق في نظرهم شعوره بالذنب والندم عليه وفي ذلك تطهير وتأديب له وجعله عبرة لغيره‪،‬‬
‫لكنها تجاهلت األساس االجتماعي الذي يجب أن تبنى عليه العقوبة والمتمثل في حماية‬
‫المجتمع ووقايته من الخطر‪ ،‬والنظر في أسباب الجريمة وما يجب اتخاذه من إجراءات الدفاع‬
‫االجتماعي أما بمعاقبة المجرم أو إصالحه أو معالجته حيث اخذ الدور التربوي يحتل الصدارة‬
‫في العقوبات‬
‫استنتاج‪ :‬ليس من السهل تقرير مدى مسؤولية اإلنسان أمام نتائج أفعاله‪ ،‬الن ذلك مرتبط‬
‫بإقامة الدليل على مدى حرية اإلنسان ومدى قدرته على التمييز بين الخير والشر وما عقده‬
‫من نية قبل إقدامه على الفعل‪.‬‬
‫الجزء الثالث ‪°°‬التغليب‪°°‬‬
‫• يعرف اإلنسان بخاصية المسؤولية أكثر منه بخاصية الحرية‪ ،‬فالمسؤولية تنصب على‬
‫اإلنسان أوال بدون التساؤل عن شروطها‪ ،‬فعندما يكلفك أستاذك القيام بواجب مدرسي ال‬
‫يسألك هل أنت حر أم ال‪ ،‬انه يفترض وجودها مسبقا‪ ،‬كما تظهر المسؤولية عند اعتذارنا عن‬
‫أخطاء ارتكبتاها في حق الغير من دون أن نقصد إلى فعل ذلك‪.‬‬
‫• كما أن ما يهم القاضي بالدرجة األولى هو معرفة من قام بالفعل وما الذي ترتب عن الفعل‬
‫من نتائج أكثر من اهتمامه بدوافع الفعل‪ ،‬رغم اخذ القاضي بها بعين االعتبار كظروف مخففة‪.‬‬
‫• وما يؤكد مسؤولية اإلنسان إن هللا جعله خليفته في األرض ومنحه عقال يميز به بين الخير‬
‫والشر وإرادة يوجهها كيفما يريد وذلك جلي في قوله تعالى في سورة االحزاب‪((72‬أنا عرضنا‬
‫األمانة على السماوات واألرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقنا منها وحملها اإلنسان‪ ،‬انه‬
‫كان ظلوما جهوال‪.)).‬‬
‫الخاتمة((حل المشكلة))‪ :‬إن موضوع المسؤولية والحرية يرتبط اشد االرتباط بجوهر اإلنسان‪،‬‬
‫فكما أننا نقول في مجال الفلسفة أن اإلنسان حيوان عاقل مهما كانت حدوده الزمكانية‪ ،‬ومهما‬
‫كانت ظروفه وسنه وجنسه‪ ،‬نقول أيضا انه كائن مسؤول بقطع النظر عن وضعه وأحواله وسنه‬
‫وجنس‬
‫منقول للفائدة‪..‬‬

‫‪4‬‬

You might also like