You are on page 1of 6

‫العدد ‪8902 - 90‬‬ ‫جمةل لوغوس خمرب الفينومينولوجيا وتطبيقاهتا ‪-‬جامعة تلمسان‪-‬‬

‫عالقة األنا واآلخر في فلسفة جون بول سارتر‬


‫حلوز جياللي مخبر الفينومينولوجيا وتطبيقاتها‬
‫جامعة تلمسان‬
‫امللخص‪:‬‬

‫أصر سارتر على ضرورة وجود الغير حين جعل األنا موجود في مقابل األنا افكر اعترافا منه بوجوده في العالم و بين األشياء في صراع دائم مع‬
‫األخر‪ ،‬في مشاركة تعد وسيطة للتواصل بين الوعي لدى األخر ووعي األنا ‪ ،‬على اعتبار أن الغير هو عنصر مكون لألنا وال غنى له عنه في وجوده ‪،‬‬
‫غير أن العالقة املوجودة بينهما هي عالقة خارجية وانفصالية ينعدم فيها التواصل ما دام يعامل بعضها كش يء و ليس كأنا أخر ‪ ،‬و هكذا يصبح‬
‫الغير جحيما بالنسبة لألنا ‪ ،‬رغم أن سارتر يعتبر وجود الغير ضروري لوجود األنا ووعيه بذاته بوصفه ذاتا حرة متعالية‪.‬‬

‫الكلمات املفتاحية‪ :‬األنا‪ ،‬اآلخر‪ ،‬الفينومينولوجيا‪ ،‬الذات املتعالية‪ ،‬الوجود‪.‬‬

‫تقديم‬

‫إن إشكالية مفهوم الشخص متعددة األبعاد ‪ ،‬بين الشخص االجتماعي والتاريخي وما إلى ذلك‪ ،‬فكل شخص‬
‫ذات واعية حرة مسؤولة‪ ،‬الشخص كائن قائم بذاته ولذاته‪ ،‬ولكنه كتفكير ليس فردا معزوال عن األخر أو باألحرى ال‬
‫يمكن اإلقرار به وبكيانه إال مع األخرين حتى تتحقق الغايات واملشاعر واملواق املشتركة واملعان املختلفة كالحزن والفرح‬
‫والعداوة والتسامح‪ ،‬فهذه املعان ال تأخذ مكانها إال داخل االرتباط الكياني باألخر أو الغير‪ ،‬فكل تلك املقومات ال يصبح‬
‫لها معنى و ال تؤدي وظائفها إال بوجود هؤالء الغير الذين يتممون العالم اإلنساني‪ ،‬ويحققون وجوده هذا املفهوم العام‬
‫الذي يأخذ أبعاده داخل هذا الكيان املتكامل الذي يعكس تلك العالقة بيني وبين غيري ‪.‬‬

‫إذن فتحقق الوجود االنساني مرهون بحضور ذوات انسانية أخرى ذوات الغير‪ ،‬فال يمكن ألي " أنا " أن تعيش‬
‫بمعزل عن أخرين حتى تتحقق ذاته والوعي بها‪ ،‬فحضور الغير مسألة أساسية وضرورة ملحة بالنسبة لألنا‪ ،‬والغير هاهنا‬
‫يكمل وعي األنا بذاتها ووعي بوجودها‪.‬‬

‫إن مسألة الغير ضاربة جذورها في تاريخ الفكر الفلسفي منذ اليونان‪ ،‬غير أن هذا املفهوم لم يتبلور باعتباره آخر‬
‫للذات‪ ،‬في حين تمت بلورة هذا املفهوم في العصر الحديث مع هيجل‬ ‫بل كل ما في األمر اعتباره كل ما ليس ومخال‬
‫خاصة الذي جعله محور جدليته‪ ،‬وجعل إدراك املاهية رهن األنا في عالقتها مع األخر ‪،‬إال أن الفلسفة املعاصرة اعطت‬
‫أبعادا أخرى لهذه االلزامية في الحضور بين األنا واألخر خاصة عند فالسفة الذات‪ ،‬والفالسفة الفرنسيين خاصة أمثال‬
‫ليفيناص ومرلوبونتي وريكير و سارتر و غيرهم‪ ،‬فما هو الغير يا ترى؟ وما عالقته باألنا؟‬

‫عن تلك العالقة املرتبكة بين األنا واالخر في مسيرة تطورها في ثنايا‬ ‫إن الهدف من وراء هذه األسئلة هو الكش‬
‫الفلسفة املعاصرة‪ ،‬وعلى وجه الخصوص في الفلسفة الفرنسية املعاصرة مع كل من ليفيناص مرلوبونتي وسارتر على‬

‫‪22‬‬
‫العدد ‪8902 - 90‬‬ ‫جمةل لوغوس خمرب الفينومينولوجيا وتطبيقاهتا ‪-‬جامعة تلمسان‪-‬‬

‫نظر سارتر إلى األنا في عالقتها مع الغير؟ هل من الضروري حضور الغير حتى تعي األنا وجودها‬ ‫وجه الخصوص‪ .‬فكي‬
‫وتتحقق هويتها؟ هل حضور الغير مشاركة مدعاة للسالم؟ أم أن اضطهاد الغير أمام مركزية األنا هو ما يجعل األنا تعي‬
‫أناها؟‬

‫الذات يستجلب الحديث عن األخر‪ ،‬لذلك فاالرتباط بين الغير و الذات وثيقة‪ ،‬كعالقة ضربت في اعماق التاريخ‬
‫البشري‪ ،‬فقبل سقراط كان اليونان ال يولون االهتمام باإلنسان‪ ،‬بل كان اهتمامهم يتمحور حول كل ما هو ديني‬
‫ومسرحي‪ ،‬أما االهتمام باإلنسان فقد ارتبط بسقراط انطالقا من املقولة الشهيرة (أعرف نفسك بنفسك)‪ ،‬لكن األجدر‬
‫بغيرك)‪1‬‬ ‫كان واالحرى به وقد قض ى حياته محاورا لغيره‪ ،‬أن يغير من تلك الحكمة لكي تصبح ( أعرف نفسك‬

‫ومع أفالطون تسامى االنسان أو الفرد عن طريق ما يضمره لغيره‪ ،‬سواء الحب أو الكراهية أو االنانية‪ ،‬وهذا‬
‫االضمار الذي يعكس حضور الغير دائما‪ ،‬والذي صرح به أفالطون‪ ،‬وكذا عند الرواقيين ومن بعدهم القديسين‬
‫والفالسفة واملفكرين‪ .‬ومنهم املتأخرين وصوال إلى سارتر وقبله الوجوديون كيركيغارد وجبرييل مارسيل‪ ،‬فمما ميز الفلسفة‬
‫الوجودية إلحاحها املستمر والدائم بضرورة وجود اآلخر‪ ،‬فاملفكر الذاتي على حد تعبيرهم ال يمكنه الحكم على ذاته‪ ،‬بل‬
‫على غيره ألن كل حكم معناه املقارنة فحكمك على نفسك يعني حكمك على غيرك‪.‬‬

‫لقد تطرق سارتر إلى قضية الغير على إثر االنتقادات التي قدمها لكل من هوسرل هيغل وهيدغر‪ ،‬إن مقولة‬
‫سارتر األساسية هي (املوجود ألجل ذاته) أي الوعي‪ ،‬وأول ما يميز الوعي هو الحرية‪ ،‬ويرى سارتر أن املوجود ألجل ذاته‬
‫بالخجل‪2.‬‬ ‫عن النظرة الفينومينولوجية للشعور‬ ‫يحيل نوعين من الوجود فوجود االخر يكش‬

‫عن الشعور‬ ‫يستند سارتر إلى الوعي في فلسفته ذلك املوجود لذاته باإلضافة للموجود لألخر الذي يكش‬
‫بالخجل الذي هو صورة من صور الوعي‪ ،‬فالخجل صورة ذاتية صرفة والخجل يصلني بنفس ي وأيضا أمام ش يء ما ‪ ،‬لذا‬
‫كان وجود الغير واسطة وظهوره يجعلني انظر إلى نفس ي كموضوع فأنا في حاجة إلى غيري وأنا أتعرف على نفس ي كما‬
‫يراني غيري فالوجود لذاته يرتبط بالوجود للغير فهما شكالن ال ينفصالن من الوجود‪.3‬‬

‫فالعالقة بين األنا واالخر ليست عالقة معرفة‪ ،‬وإنما هي عالقة وجود فال ينبغي أن أسعى لفهم وجودي ووجود‬
‫األخرين على أنها موضوعات معرفة متبادلة‪ ،‬بل ينبغي أن أتوطد في وجودي‪ ،‬وأن أقيم مشكلة األخر ابتداء من وجودي‪،‬‬
‫أما الفلسفات التي تناولت العالقة بين األنا واألخر على أنها عالقة معرفة مثلما تعرف املثالية والواقعية‪.4‬‬

‫‪1‬فؤاد اكمل – الغري يف فلسفة سارتر – دار املعارف يف مرص –دط‪.‬دت‪ .‬ص‪08‬‬
‫‪2‬حبيب الشاروين –فلسفة جان بول سارتر ‪ ،‬منشأأة املعارف اب ألسكندرية دط‪ .‬دت ص ‪.061‬‬
‫‪3‬حبيب الشاروين – فلسفة ج ب سارتر ص ‪.061‬‬

‫‪4‬‬ ‫‪j.p Sartre .l'être et le néant .Essai a l'ontologique phénoménologique .Ed .Gallimard .1943.p 275-277.‬‬

‫‪22‬‬
‫العدد ‪8902 - 90‬‬ ‫جمةل لوغوس خمرب الفينومينولوجيا وتطبيقاهتا ‪-‬جامعة تلمسان‪-‬‬

‫يصرح سارتر أن مسألة األخر تطورت وتقدمت بإسهام كل من هوسرل و هيدغر و هيجل‪ .‬فهوسرل تقوم عنده‬
‫للوعي يحيل إلى األخر باعتباره شرطا لتأسيس‬ ‫العالقة بين األنا واالخر عن طريق العالم‪( .‬ألن العالم كما ينكش‬
‫العالم)‪.،1‬وبما أن األنا هو جزء من العالم‪ ،‬فاألخر يظهر كذلك من حيث هو شرط لتأسيس األنا‪ ،‬فبالنسبة لهوسرل‬
‫العالم كما يتجلى للوعي هو عالقة داخلية بين املونادات أو الجواهر الفردانية‪ .‬واألخر ليس حاضرا في العالم كظهور عيني‬
‫أمبريقي فحسب‪ ،‬إن األخر موجود دائما هناك كطبقة من الدالالت املكونة للموضوع الذي أتفحصه‪.‬‬

‫إال ان سارتر ال يرى هذه العالقة كافية إلثبات وجود األخر وتبقى مجرد احتمال ال أكثر‪ ،‬إن الغير بطبيعته‬
‫موجود خارج العالم‪ .‬أما في فلسفة هيغل فهي تظهر في الصراع بين العبد والسيد فكل طرق سواء األنا أو األخر يسعى‬
‫لتحطيم األخر من أجل تأسيس ذاته‪.‬‬

‫أما هيدغر فقد نظر إلى املسألة نظرة أنطولوجية‪ ،‬وهو ما يميز هيدغر عن غيره فهو ال يتناول العالقة بين الذات‬
‫واألخر على أنها عالقة عقلية‪ ،‬ال بل هي عالقة وجودية‪ .‬إال أن ما يأخذه سارتر على هيدغر هو أنه لم يبدأ من الكوجيتو‪،‬‬
‫ويعتبر ذلك إخفاقا‪ ،‬وهذا إن دل فإنما يدل على أن سارتر انطلق من الكوجيتو‪ ،‬وربط اكتشاف االخر باكتشاف األنا‪،‬‬
‫فاملشكلة الحقيقية في نظر سارتر ليست في وجود األخر فوجود األخر ال يحتاج إلى برهان‪ ،‬بل املشكلة هي العالقة باألخر‪:‬‬
‫"فإذا لم يكن األخر حاضرا حضورا مباشرا أمامي‪ ،‬وإذا لم يكن وجوده مؤكدا مثل وجودي فإن أي تخمين عنه يكون‬
‫خال من أي معنى"‪" 2.‬فمن املؤكد أنني ال أخمن وجود األخر ‪ ...‬وإنما أجد االخر نفسه وأقره باعتبار إياي أي باعتباره كل‬
‫عداي‪3".‬‬ ‫من‬

‫وجود الغير والوجود ألجل – الغير عند سارتر‪:‬‬

‫سبق وأن رأينا ان املقولة األساسية في فلسفة سارتر هي (املوجود‪-‬ألجل –ذاته) أي الوعي فسارتر يعتمد في فلسفته‬
‫على الوعي‪ ،‬ذلك املوجود ألجل ذاته وما يميز الوعي الحرية باإلضافة إلى املوجود في ذاته‪ ،‬واملوجود لألخر‪ ،‬يرى سارتر أن‬
‫"املوجود – ألجل ذاته يحيل إلى نوعين أخرين من الوجود هما‪ :‬وجود األخر والوجود – ألجل اآلخر‪ ،‬وهذان النمطان‬
‫للوجود يضيفان معاني جديدة للحرية"‪.4‬‬

‫عن الشعور بالخجل‪ ،‬والخجل صورة من الوعي وهو ال يصدر عن تأمالت الذات لنفسها‬ ‫أما وجود األخر يكش‬
‫لنا عن التركيب الوجودي‪ ،‬ف فضال عن أنه حالة ذاتية صرفة‪ ،‬نراه يزيد على الحاالت‬ ‫أبدا‪ .‬الخجل عاطفة تكش‬
‫أنني‬ ‫الذاتية الصرفة أنه محيل إلى ش يء غيره‪ ،‬وفي نفس الوقت الذي يحقق فيه الخجل صلتي بنفس ي‪ ... ،‬اكتش‬

‫‪1‬حبيب الشاروين‪ .‬فلسفة ج ب سارتر ص ‪.061‬‬


‫‪2‬‬ ‫‪j.p Sartre .l'être et le néant .Essai a l'ontologique phénoménologique p308.‬‬
‫‪3‬‬ ‫‪j.p Sartre .l'être et le néant .Essai a l'ontologique phénoménologique p309.‬‬
‫‪4‬حبيب الشاروين‪ .‬فلسفة ج ب سارتر ص ‪.061‬‬

‫‪22‬‬
‫العدد ‪8902 - 90‬‬ ‫جمةل لوغوس خمرب الفينومينولوجيا وتطبيقاهتا ‪-‬جامعة تلمسان‪-‬‬

‫أخجل من نفس ي كما تبدو للغير‪ ،‬و ظهور الغير يحملني على النظر إلى نفس ي كموضوع إذ أنني كموضوع أبدو للغير ‪ ...‬وهو‬
‫خجل من نفس ي أمام الغير‪ ،‬و هكذا أجدني في حاجة إلى الغير ألدرك ما في وجودي من مقومات)‪.1‬‬

‫فالشعور بالخجل يكون دونما النظر إلى النفس أو تأملها أو دراستها فالخجل هو وعي بالخجل وشعور به وهو بذلك‬
‫يعد حالة ذاتية يصلنا بأنفسنا‪ ،‬لذلك كان وجود الغير واسطة وحضوره يجعلنا ننظر إلى أنفسنا كمواضيع‪ ،‬فنحن‬
‫بحاجة إلى الغير للتعرف على أنفسنا‪ ،‬ألنا نرى أنفسنا كما يرانا غيرنا‪ ،‬وانطالقا من ذلك وعلى هذا االعتبار فالوجود‬
‫لذاته مرتبط بالوجود للغير‪ ،‬فهما ال ينفصالن عن الوجود‪ ،‬فعالقة األنا باألخر عالقة وجود فمشكلة األخر تقوم انطالقا‬
‫من وجودي‪ ،‬وهذه العالقة كثيرا ما كان ينظر إليها على أنها عالقة معرفة‪ ،‬وذلك عند املثاليين والواقعيين‪" :‬إن العالقة‬
‫بين األنا واألخر ليست في االعتبار األول عالقة معرفة‪ ،‬وإنما هي عالقة وجود فال ينبغي أن أسعى لفهم وجودي ووجود‬
‫األخرين على أنها موضوعات معرفة متعادلة بل ينبغي أن أتوطد في وجودي وأن أقيم مشكلة األخر ابتداء من وجودي"‪.2‬‬

‫فالفلسفات التي زعمت أن تلك العالقة هي عالقة معرفة قد فشلت في تعيين حقيقة تلك العالقة‪ ،‬وأبقت على‬
‫الفرد في وحدته األنطولوجية بحيث اقتصروا على تحديد وتعيين الوجود الجسدي للغير‪ ،‬واملثالية أرادت أن تجسد‬
‫الواقع داخل الفكر‪ ،‬والفكر ال طاقة له ألن يصلني بالعالم الخارجي لذلك و كما سبق وأن تطرقنا آخذ سارتر هيدغر‬
‫وأقر وأصر على وجوب البدء من الكوجيتو الديكارتي إذ يقول سارتر ‪ ":‬فالعالقة األساسية بين وجودي ووجود الغير إذا‬
‫اقتصرت إلى جسمي بجسمي الغير‪ ،‬فستكون مجرد عالقة خارجية ‪ ...‬وتنبغي على أن أدرك أوال الغير على أنه ما من أجله‬
‫أنا أوجد كموضوع"‪.3‬‬

‫فالغير في نظره ليس أداة تجربتي فهو الذي أراه وهو أيضا يراني ويجعلني موضوعا فهو ليس ظاهرة تحيل تجربتي أنا‬
‫الخاصة كما أنه ليس تصورا منظما‪ ،‬فقد عرف سارتر الغير بقوله‪ ":‬اآلخر هو األنا التي ليست أنا"‪ .4‬ويضي ‪ ":‬اآلخر ليس‬
‫أنا‪ ،‬وأنا لست هو‪ ،‬إن عبارة (ليس) تدل على العدم‪ ،‬من حيث هو عنصر معطى يفصل بين اآلخر وبيني‪ ...‬وهذا العدم ال‬
‫يستمر أصله مني وال من اآلخر‪...‬إنه غياب أصلي لكل عالقة"‪.5‬‬

‫على إثر ذلك يمكننا أن نجزم أن املشكلة ليست مشكلة وجود اآلخر‪ ،‬ال بل املشكلة الحقيقية هي عالقتي باآلخر‪،‬‬
‫فوجود اآلخر أمر محسوم ال يشوبه ش يء‪ ،‬أمر قائم مسلم به ليس بحاجة لبرهان‪" .‬إن املشكلة الحقيقية ليست هي‬
‫مشكلة وجود اآلخر إنما هي مشكلة عالقتي باآلخر‪ ،‬أما وجود اآلخر حاضرا حضورا مباشرا أمامي‪ ،‬وإذا لم يكن وجوده‬
‫مؤكدا مثل وجودي فإن أي تخمين عنه يكون خاليا من أي معنى‪ ...‬فمن املؤكد أنني ال أخمن وجود األخر ‪...‬إنما أجد‬

‫‪1‬فؤاد اكمل – الغري يف فلسفة سارتر ص ‪.00‬‬


‫‪2‬حبيب الشاروين‪ .‬فلسفة ج ب سارتر ص ‪061‬‬
‫‪3‬جان بول سارتر‪ ،‬الوجود والعدم‪ ،‬حبث يف ا ألنطولوجية الظاهراتية‪ ،‬ترمجة عبد الرمحن بدوي‪ .‬منشورات دار الآداب بريوت الطبعة ا ألوىل‪ ،0066 ،‬ص‪.188‬‬
‫‪4‬جان بول سارتر‪ .‬الوجود و العدم ‪ .‬حبث يف ا ألنطولوجية الظاهراتية ص ‪.188‬‬
‫‪ 5‬حبيب الشاروين‪ .‬فلسفة ج ب سارتر ص ‪.066‬‬

‫‪22‬‬
‫العدد ‪8902 - 90‬‬ ‫جمةل لوغوس خمرب الفينومينولوجيا وتطبيقاهتا ‪-‬جامعة تلمسان‪-‬‬

‫اآلخر نفسه و أقره باعتباره ليس إياي‪ ،‬أي باعتباره كل من عداي‪...‬إن وجود اآلخر له طبيعة واقعية ال يمكن إنقاصها‪،‬‬
‫إننا نلتقى باآلخر ولسنا نؤسس اآلخر‪ ،‬و هذا ما يؤكد أن املشكلة هي مشكلة عالقتي باآلخر وليس مجرد وجود اآلخر"‪.‬‬
‫يمكن فهم ماهية عالقة األنا باآلخر؟‬ ‫وعليه كي‬

‫عالقة األنا باآلخر بين الالتقا والتأسيس‪:‬‬

‫إن وجود اآلخر ليس أنا طبعا‪ ،‬ومنه يترتب عن ذلك ضرورة الوجود املؤكد لآلخر كوجودي أنا‪ ،‬فالعالقة بين اآلخر‬
‫واألنا‪ ،‬إذن هي عالقة التقاء ال عالقة تأسيس‪ ،‬فاملشكل الحقيقي لدى سارتر ال يكمن في وجود الغير بقدر ما يطرح‬
‫مشكلة عالقة الغير داخل إطار الرهان املتعلق بالحرية‪ .‬وسبق سارتر لذلك كل من ليفيناص وريكور في تطرقهم للعالقة‬
‫التي تربط األنية والغيرية وطبيعة هذه العالقة‪.‬‬

‫لقد تحدث كل من غابرييل مارسيل‪ ،‬وجان فير‪ ،‬وليفيناص عن العالقة األولية األخالقية لآلخر غير الذات على‬
‫الذات نفسها ويبقى يالقي دخول اآلخر املفاجئ كاسرا حاجزا العينة تواطؤ هذه الحركة من التالش ي التي بفضلها تصبح‬
‫الذات متهيئة لتقبل اآلخر غير الذات‪ ،‬ألنه ال يجب أال تكون نتيجة "أزمة" الهوية الذاتية استبدال احترام الذات بكراهية‬
‫الذات‪.1‬‬

‫لقد قدم ليفيناص إيتيقا ترتبط مباشرة بالعالقة مع الغير‪ ،‬اإليتيقا بمعنى املسؤولية الشاملة على الغير‪ ،‬اإليتيقا‬
‫على خالف األنطولوجيا املعاصرة التي تختزل األخر وتخضعه ملقوالت الوجود‪ ،‬فالشعور باملسؤولية وحاجة الغير إلى هو‬
‫الإليتيقا‪2‬‬ ‫ذاته‬

‫لقد اقترح ليفيناص إيتيقا تأسس لخير مشدود إلى الحق‪ ،‬وقام بتوضيح العالقة مع االخر ‪ ،‬فحضور األخر بالنسبة‬
‫بقدر ما يعبر عن "عالقة قبول وفي هذا القبول تكمن انسانية االنسان‪ "3‬فشرط‬ ‫له ال يدعو بالضرورة للصراع والعن‬
‫إقامة االيتيقا حضور االخر فينومينولوجيا ترفض من خاللها العن ‪ ،‬ويدخل االخر في عالقة مع الالنهائي واملطلق‬
‫وتستبعد كل قصدية للهيمنة على الغير‪ .‬قصدية تحفظ مركزية األنا أمام الغير‪ ،‬على خالف سارتر يقول ليفيناص‬
‫بعالقة املجاورة والتي تعني التقرب من الغير والشعور به وملسه وكذا اإلحساس به خالفا ملا يعطي في الظاهر ومن عملية‬
‫املعرفة‪.‬‬

‫أما مرلوبونتي فقد وجد في مسألة البينذاتية حقال أنطولوجيا ملسألة االخر طرح من خالله سؤال الجسد في العالم‪،‬‬
‫وعالقته بجسد االخر‪ ،‬على اعتبار أن االنسان ذات متجسدة في العالم‪ ،‬األنا الجسدي في عالقة اجتماع باألخر بعيدا‬
‫عن سلطة الكوجيتو على أن تظهر األنا كذات متجسدة في وجود مشترك في العالم رغبة في الوجود مع االخر ‪.‬‬

‫‪ 1‬بول ريكور ‪ .‬اذلات عيهنا كأخر‪ .‬ترمجة جورج زينايت‪ .‬املنظمة العربية للرتمجة‪ .‬بريوت لبنان‪ .‬ط ‪ 0‬نومفرب ‪ 8991‬ص ‪110‬‬
‫‪2‬‬ ‫‪Rodolphe Calvin .François Sebbah .le vocabulaire de Levinas .ellipses.2002.p23‬‬
‫‪3 E. Levinas .le temps et l'autre. broché octobre 2004 .paris . p13‬‬

‫‪22‬‬
‫العدد ‪8902 - 90‬‬ ‫جمةل لوغوس خمرب الفينومينولوجيا وتطبيقاهتا ‪-‬جامعة تلمسان‪-‬‬

‫أما وجود األخر عند سارتر ليس وجودا انطولوجيا بل وجود واقعيا‪ ،‬فاألنا تجد األخر أمامها كواقعة قائمة‪ ،‬و خبرة‬
‫األنا باألخر تأخذ صورة األنا املدركة أي أنا أخرى تنظر إليها‪ ،‬هذه النظرة تجعل األنا موضوعا لألخر‪ ،‬شيئا ماديا ينظر‬
‫إليه من قبل أنا أخرى وعندئذ تنتفي الحرية املطلقة لألنا نظرا لوجود أخر يقيدها وينظر إليها على أنها موضوع‪.‬‬

‫فظهور األخر يحول العالم (عالم األنا) إلى صراع حيث يذهب إلى أن هذه العالقة يدخل فيها الجسد‪ ،‬بحيث يصبح‬
‫مسيطرا عليه‪ ،‬وهو ما يعكس عالقة السيد والعبد عند هيغل‪ ،‬لكن يتجنب وبذكاء استخدام املصطلحات الهيغيلية‬
‫ألنها ستجعل " الوجود والعدم" إعادة صياغة (لفينومينولوجية الروح)‪.‬‬

‫ومن هذا االعتبار تأخذ العالقة بين األنا واألخر شكلين أساسيين فإما أن تنكر األنا حرية وسيطرة وسيادة األخر على‬
‫نفسه‪ ،‬ويتحول بذلك إلى ش يء يعتمد كليا على األخر‪ ،‬أو االقرار بحرية األخر على اعتبار أنها أساس حريته‪ .‬فاألولى تؤدي‬
‫إلى السادية أو التلذذ بتعذيب األخر والسيطرة عليه‪ ،‬والثانية مفادها املازوخية‪ .‬وهي التلذذ بسيطرة األخر على األنا‬
‫والرضوخ له والخضوع التام‪ ،‬لذلك تبقى العالقة بين األنا واألخر تتراوح بين السادي واملازوخي في حركة دائرية وبالتالي‬
‫تصبح عالقة األنا باألخر عالقة دائرية ال عالقة جدلية كما أقرها هيغل‪.‬‬

‫هذا االستحداث الجديد لسارتر يعكس التحول الفينومينولوجي ملنهجه في الوجود والعدم‪ ،‬من فينومينولوجية‬
‫أنطولوجية‪ ،‬إلى علم نفس فينومينولوجي‪ ،‬وهو النزوع الجديد الذي تجنبه هوسرل نفسه‪ ،‬إذ ينجذب التحليل‬
‫الفينومينولوجي عند سارتر إلى علم النفس في تحليالته لعالقة األنا باآلخر‪.‬‬

‫أبدا مع كل من ليفيناص ومرلوبونتي في قضية ضرورة حضور الغير‪ ،‬وفي‬ ‫إلى ذلك فان سارتر ال ولم يختل‬ ‫ض‬
‫كون الغير إثبات لوجود االنا‪ ،‬على اعتبار أنا الغير أنا أخر‪ ،‬وال يمكن أن نقول بوجود أنا إن لم نقر بوجود آنات أخرى‪.‬‬
‫كما أنه يتفق مع مرلوبونتي في قضية االشتراك الجسدي بين األنا واالخر في عالقات مختلفة‪ ،‬لكن ما لم يتفق معهم هو‬
‫على العكس من ليفيناص‪.‬‬ ‫قوله بالحضور السلبي لألخر فسارتر ينظر لألخر على أنه سر الحروب والعن‬

‫‪22‬‬

You might also like