Professional Documents
Culture Documents
أصر سارتر على ضرورة وجود الغير حين جعل األنا موجود في مقابل األنا افكر اعترافا منه بوجوده في العالم و بين األشياء في صراع دائم مع
األخر ،في مشاركة تعد وسيطة للتواصل بين الوعي لدى األخر ووعي األنا ،على اعتبار أن الغير هو عنصر مكون لألنا وال غنى له عنه في وجوده ،
غير أن العالقة املوجودة بينهما هي عالقة خارجية وانفصالية ينعدم فيها التواصل ما دام يعامل بعضها كش يء و ليس كأنا أخر ،و هكذا يصبح
الغير جحيما بالنسبة لألنا ،رغم أن سارتر يعتبر وجود الغير ضروري لوجود األنا ووعيه بذاته بوصفه ذاتا حرة متعالية.
تقديم
إن إشكالية مفهوم الشخص متعددة األبعاد ،بين الشخص االجتماعي والتاريخي وما إلى ذلك ،فكل شخص
ذات واعية حرة مسؤولة ،الشخص كائن قائم بذاته ولذاته ،ولكنه كتفكير ليس فردا معزوال عن األخر أو باألحرى ال
يمكن اإلقرار به وبكيانه إال مع األخرين حتى تتحقق الغايات واملشاعر واملواق املشتركة واملعان املختلفة كالحزن والفرح
والعداوة والتسامح ،فهذه املعان ال تأخذ مكانها إال داخل االرتباط الكياني باألخر أو الغير ،فكل تلك املقومات ال يصبح
لها معنى و ال تؤدي وظائفها إال بوجود هؤالء الغير الذين يتممون العالم اإلنساني ،ويحققون وجوده هذا املفهوم العام
الذي يأخذ أبعاده داخل هذا الكيان املتكامل الذي يعكس تلك العالقة بيني وبين غيري .
إذن فتحقق الوجود االنساني مرهون بحضور ذوات انسانية أخرى ذوات الغير ،فال يمكن ألي " أنا " أن تعيش
بمعزل عن أخرين حتى تتحقق ذاته والوعي بها ،فحضور الغير مسألة أساسية وضرورة ملحة بالنسبة لألنا ،والغير هاهنا
يكمل وعي األنا بذاتها ووعي بوجودها.
إن مسألة الغير ضاربة جذورها في تاريخ الفكر الفلسفي منذ اليونان ،غير أن هذا املفهوم لم يتبلور باعتباره آخر
للذات ،في حين تمت بلورة هذا املفهوم في العصر الحديث مع هيجل بل كل ما في األمر اعتباره كل ما ليس ومخال
خاصة الذي جعله محور جدليته ،وجعل إدراك املاهية رهن األنا في عالقتها مع األخر ،إال أن الفلسفة املعاصرة اعطت
أبعادا أخرى لهذه االلزامية في الحضور بين األنا واألخر خاصة عند فالسفة الذات ،والفالسفة الفرنسيين خاصة أمثال
ليفيناص ومرلوبونتي وريكير و سارتر و غيرهم ،فما هو الغير يا ترى؟ وما عالقته باألنا؟
عن تلك العالقة املرتبكة بين األنا واالخر في مسيرة تطورها في ثنايا إن الهدف من وراء هذه األسئلة هو الكش
الفلسفة املعاصرة ،وعلى وجه الخصوص في الفلسفة الفرنسية املعاصرة مع كل من ليفيناص مرلوبونتي وسارتر على
22
العدد 8902 - 90 جمةل لوغوس خمرب الفينومينولوجيا وتطبيقاهتا -جامعة تلمسان-
نظر سارتر إلى األنا في عالقتها مع الغير؟ هل من الضروري حضور الغير حتى تعي األنا وجودها وجه الخصوص .فكي
وتتحقق هويتها؟ هل حضور الغير مشاركة مدعاة للسالم؟ أم أن اضطهاد الغير أمام مركزية األنا هو ما يجعل األنا تعي
أناها؟
الذات يستجلب الحديث عن األخر ،لذلك فاالرتباط بين الغير و الذات وثيقة ،كعالقة ضربت في اعماق التاريخ
البشري ،فقبل سقراط كان اليونان ال يولون االهتمام باإلنسان ،بل كان اهتمامهم يتمحور حول كل ما هو ديني
ومسرحي ،أما االهتمام باإلنسان فقد ارتبط بسقراط انطالقا من املقولة الشهيرة (أعرف نفسك بنفسك) ،لكن األجدر
بغيرك)1 كان واالحرى به وقد قض ى حياته محاورا لغيره ،أن يغير من تلك الحكمة لكي تصبح ( أعرف نفسك
ومع أفالطون تسامى االنسان أو الفرد عن طريق ما يضمره لغيره ،سواء الحب أو الكراهية أو االنانية ،وهذا
االضمار الذي يعكس حضور الغير دائما ،والذي صرح به أفالطون ،وكذا عند الرواقيين ومن بعدهم القديسين
والفالسفة واملفكرين .ومنهم املتأخرين وصوال إلى سارتر وقبله الوجوديون كيركيغارد وجبرييل مارسيل ،فمما ميز الفلسفة
الوجودية إلحاحها املستمر والدائم بضرورة وجود اآلخر ،فاملفكر الذاتي على حد تعبيرهم ال يمكنه الحكم على ذاته ،بل
على غيره ألن كل حكم معناه املقارنة فحكمك على نفسك يعني حكمك على غيرك.
لقد تطرق سارتر إلى قضية الغير على إثر االنتقادات التي قدمها لكل من هوسرل هيغل وهيدغر ،إن مقولة
سارتر األساسية هي (املوجود ألجل ذاته) أي الوعي ،وأول ما يميز الوعي هو الحرية ،ويرى سارتر أن املوجود ألجل ذاته
بالخجل2. عن النظرة الفينومينولوجية للشعور يحيل نوعين من الوجود فوجود االخر يكش
عن الشعور يستند سارتر إلى الوعي في فلسفته ذلك املوجود لذاته باإلضافة للموجود لألخر الذي يكش
بالخجل الذي هو صورة من صور الوعي ،فالخجل صورة ذاتية صرفة والخجل يصلني بنفس ي وأيضا أمام ش يء ما ،لذا
كان وجود الغير واسطة وظهوره يجعلني انظر إلى نفس ي كموضوع فأنا في حاجة إلى غيري وأنا أتعرف على نفس ي كما
يراني غيري فالوجود لذاته يرتبط بالوجود للغير فهما شكالن ال ينفصالن من الوجود.3
فالعالقة بين األنا واالخر ليست عالقة معرفة ،وإنما هي عالقة وجود فال ينبغي أن أسعى لفهم وجودي ووجود
األخرين على أنها موضوعات معرفة متبادلة ،بل ينبغي أن أتوطد في وجودي ،وأن أقيم مشكلة األخر ابتداء من وجودي،
أما الفلسفات التي تناولت العالقة بين األنا واألخر على أنها عالقة معرفة مثلما تعرف املثالية والواقعية.4
1فؤاد اكمل – الغري يف فلسفة سارتر – دار املعارف يف مرص –دط.دت .ص08
2حبيب الشاروين –فلسفة جان بول سارتر ،منشأأة املعارف اب ألسكندرية دط .دت ص .061
3حبيب الشاروين – فلسفة ج ب سارتر ص .061
4 j.p Sartre .l'être et le néant .Essai a l'ontologique phénoménologique .Ed .Gallimard .1943.p 275-277.
22
العدد 8902 - 90 جمةل لوغوس خمرب الفينومينولوجيا وتطبيقاهتا -جامعة تلمسان-
يصرح سارتر أن مسألة األخر تطورت وتقدمت بإسهام كل من هوسرل و هيدغر و هيجل .فهوسرل تقوم عنده
للوعي يحيل إلى األخر باعتباره شرطا لتأسيس العالقة بين األنا واالخر عن طريق العالم( .ألن العالم كما ينكش
العالم).،1وبما أن األنا هو جزء من العالم ،فاألخر يظهر كذلك من حيث هو شرط لتأسيس األنا ،فبالنسبة لهوسرل
العالم كما يتجلى للوعي هو عالقة داخلية بين املونادات أو الجواهر الفردانية .واألخر ليس حاضرا في العالم كظهور عيني
أمبريقي فحسب ،إن األخر موجود دائما هناك كطبقة من الدالالت املكونة للموضوع الذي أتفحصه.
إال ان سارتر ال يرى هذه العالقة كافية إلثبات وجود األخر وتبقى مجرد احتمال ال أكثر ،إن الغير بطبيعته
موجود خارج العالم .أما في فلسفة هيغل فهي تظهر في الصراع بين العبد والسيد فكل طرق سواء األنا أو األخر يسعى
لتحطيم األخر من أجل تأسيس ذاته.
أما هيدغر فقد نظر إلى املسألة نظرة أنطولوجية ،وهو ما يميز هيدغر عن غيره فهو ال يتناول العالقة بين الذات
واألخر على أنها عالقة عقلية ،ال بل هي عالقة وجودية .إال أن ما يأخذه سارتر على هيدغر هو أنه لم يبدأ من الكوجيتو،
ويعتبر ذلك إخفاقا ،وهذا إن دل فإنما يدل على أن سارتر انطلق من الكوجيتو ،وربط اكتشاف االخر باكتشاف األنا،
فاملشكلة الحقيقية في نظر سارتر ليست في وجود األخر فوجود األخر ال يحتاج إلى برهان ،بل املشكلة هي العالقة باألخر:
"فإذا لم يكن األخر حاضرا حضورا مباشرا أمامي ،وإذا لم يكن وجوده مؤكدا مثل وجودي فإن أي تخمين عنه يكون
خال من أي معنى"" 2.فمن املؤكد أنني ال أخمن وجود األخر ...وإنما أجد االخر نفسه وأقره باعتبار إياي أي باعتباره كل
عداي3". من
سبق وأن رأينا ان املقولة األساسية في فلسفة سارتر هي (املوجود-ألجل –ذاته) أي الوعي فسارتر يعتمد في فلسفته
على الوعي ،ذلك املوجود ألجل ذاته وما يميز الوعي الحرية باإلضافة إلى املوجود في ذاته ،واملوجود لألخر ،يرى سارتر أن
"املوجود – ألجل ذاته يحيل إلى نوعين أخرين من الوجود هما :وجود األخر والوجود – ألجل اآلخر ،وهذان النمطان
للوجود يضيفان معاني جديدة للحرية".4
عن الشعور بالخجل ،والخجل صورة من الوعي وهو ال يصدر عن تأمالت الذات لنفسها أما وجود األخر يكش
لنا عن التركيب الوجودي ،ف فضال عن أنه حالة ذاتية صرفة ،نراه يزيد على الحاالت أبدا .الخجل عاطفة تكش
أنني الذاتية الصرفة أنه محيل إلى ش يء غيره ،وفي نفس الوقت الذي يحقق فيه الخجل صلتي بنفس ي ... ،اكتش
22
العدد 8902 - 90 جمةل لوغوس خمرب الفينومينولوجيا وتطبيقاهتا -جامعة تلمسان-
أخجل من نفس ي كما تبدو للغير ،و ظهور الغير يحملني على النظر إلى نفس ي كموضوع إذ أنني كموضوع أبدو للغير ...وهو
خجل من نفس ي أمام الغير ،و هكذا أجدني في حاجة إلى الغير ألدرك ما في وجودي من مقومات).1
فالشعور بالخجل يكون دونما النظر إلى النفس أو تأملها أو دراستها فالخجل هو وعي بالخجل وشعور به وهو بذلك
يعد حالة ذاتية يصلنا بأنفسنا ،لذلك كان وجود الغير واسطة وحضوره يجعلنا ننظر إلى أنفسنا كمواضيع ،فنحن
بحاجة إلى الغير للتعرف على أنفسنا ،ألنا نرى أنفسنا كما يرانا غيرنا ،وانطالقا من ذلك وعلى هذا االعتبار فالوجود
لذاته مرتبط بالوجود للغير ،فهما ال ينفصالن عن الوجود ،فعالقة األنا باألخر عالقة وجود فمشكلة األخر تقوم انطالقا
من وجودي ،وهذه العالقة كثيرا ما كان ينظر إليها على أنها عالقة معرفة ،وذلك عند املثاليين والواقعيين" :إن العالقة
بين األنا واألخر ليست في االعتبار األول عالقة معرفة ،وإنما هي عالقة وجود فال ينبغي أن أسعى لفهم وجودي ووجود
األخرين على أنها موضوعات معرفة متعادلة بل ينبغي أن أتوطد في وجودي وأن أقيم مشكلة األخر ابتداء من وجودي".2
فالفلسفات التي زعمت أن تلك العالقة هي عالقة معرفة قد فشلت في تعيين حقيقة تلك العالقة ،وأبقت على
الفرد في وحدته األنطولوجية بحيث اقتصروا على تحديد وتعيين الوجود الجسدي للغير ،واملثالية أرادت أن تجسد
الواقع داخل الفكر ،والفكر ال طاقة له ألن يصلني بالعالم الخارجي لذلك و كما سبق وأن تطرقنا آخذ سارتر هيدغر
وأقر وأصر على وجوب البدء من الكوجيتو الديكارتي إذ يقول سارتر ":فالعالقة األساسية بين وجودي ووجود الغير إذا
اقتصرت إلى جسمي بجسمي الغير ،فستكون مجرد عالقة خارجية ...وتنبغي على أن أدرك أوال الغير على أنه ما من أجله
أنا أوجد كموضوع".3
فالغير في نظره ليس أداة تجربتي فهو الذي أراه وهو أيضا يراني ويجعلني موضوعا فهو ليس ظاهرة تحيل تجربتي أنا
الخاصة كما أنه ليس تصورا منظما ،فقد عرف سارتر الغير بقوله ":اآلخر هو األنا التي ليست أنا" .4ويضي ":اآلخر ليس
أنا ،وأنا لست هو ،إن عبارة (ليس) تدل على العدم ،من حيث هو عنصر معطى يفصل بين اآلخر وبيني ...وهذا العدم ال
يستمر أصله مني وال من اآلخر...إنه غياب أصلي لكل عالقة".5
على إثر ذلك يمكننا أن نجزم أن املشكلة ليست مشكلة وجود اآلخر ،ال بل املشكلة الحقيقية هي عالقتي باآلخر،
فوجود اآلخر أمر محسوم ال يشوبه ش يء ،أمر قائم مسلم به ليس بحاجة لبرهان" .إن املشكلة الحقيقية ليست هي
مشكلة وجود اآلخر إنما هي مشكلة عالقتي باآلخر ،أما وجود اآلخر حاضرا حضورا مباشرا أمامي ،وإذا لم يكن وجوده
مؤكدا مثل وجودي فإن أي تخمين عنه يكون خاليا من أي معنى ...فمن املؤكد أنني ال أخمن وجود األخر ...إنما أجد
22
العدد 8902 - 90 جمةل لوغوس خمرب الفينومينولوجيا وتطبيقاهتا -جامعة تلمسان-
اآلخر نفسه و أقره باعتباره ليس إياي ،أي باعتباره كل من عداي...إن وجود اآلخر له طبيعة واقعية ال يمكن إنقاصها،
إننا نلتقى باآلخر ولسنا نؤسس اآلخر ،و هذا ما يؤكد أن املشكلة هي مشكلة عالقتي باآلخر وليس مجرد وجود اآلخر".
يمكن فهم ماهية عالقة األنا باآلخر؟ وعليه كي
إن وجود اآلخر ليس أنا طبعا ،ومنه يترتب عن ذلك ضرورة الوجود املؤكد لآلخر كوجودي أنا ،فالعالقة بين اآلخر
واألنا ،إذن هي عالقة التقاء ال عالقة تأسيس ،فاملشكل الحقيقي لدى سارتر ال يكمن في وجود الغير بقدر ما يطرح
مشكلة عالقة الغير داخل إطار الرهان املتعلق بالحرية .وسبق سارتر لذلك كل من ليفيناص وريكور في تطرقهم للعالقة
التي تربط األنية والغيرية وطبيعة هذه العالقة.
لقد تحدث كل من غابرييل مارسيل ،وجان فير ،وليفيناص عن العالقة األولية األخالقية لآلخر غير الذات على
الذات نفسها ويبقى يالقي دخول اآلخر املفاجئ كاسرا حاجزا العينة تواطؤ هذه الحركة من التالش ي التي بفضلها تصبح
الذات متهيئة لتقبل اآلخر غير الذات ،ألنه ال يجب أال تكون نتيجة "أزمة" الهوية الذاتية استبدال احترام الذات بكراهية
الذات.1
لقد قدم ليفيناص إيتيقا ترتبط مباشرة بالعالقة مع الغير ،اإليتيقا بمعنى املسؤولية الشاملة على الغير ،اإليتيقا
على خالف األنطولوجيا املعاصرة التي تختزل األخر وتخضعه ملقوالت الوجود ،فالشعور باملسؤولية وحاجة الغير إلى هو
الإليتيقا2 ذاته
لقد اقترح ليفيناص إيتيقا تأسس لخير مشدود إلى الحق ،وقام بتوضيح العالقة مع االخر ،فحضور األخر بالنسبة
بقدر ما يعبر عن "عالقة قبول وفي هذا القبول تكمن انسانية االنسان "3فشرط له ال يدعو بالضرورة للصراع والعن
إقامة االيتيقا حضور االخر فينومينولوجيا ترفض من خاللها العن ،ويدخل االخر في عالقة مع الالنهائي واملطلق
وتستبعد كل قصدية للهيمنة على الغير .قصدية تحفظ مركزية األنا أمام الغير ،على خالف سارتر يقول ليفيناص
بعالقة املجاورة والتي تعني التقرب من الغير والشعور به وملسه وكذا اإلحساس به خالفا ملا يعطي في الظاهر ومن عملية
املعرفة.
أما مرلوبونتي فقد وجد في مسألة البينذاتية حقال أنطولوجيا ملسألة االخر طرح من خالله سؤال الجسد في العالم،
وعالقته بجسد االخر ،على اعتبار أن االنسان ذات متجسدة في العالم ،األنا الجسدي في عالقة اجتماع باألخر بعيدا
عن سلطة الكوجيتو على أن تظهر األنا كذات متجسدة في وجود مشترك في العالم رغبة في الوجود مع االخر .
1بول ريكور .اذلات عيهنا كأخر .ترمجة جورج زينايت .املنظمة العربية للرتمجة .بريوت لبنان .ط 0نومفرب 8991ص 110
2 Rodolphe Calvin .François Sebbah .le vocabulaire de Levinas .ellipses.2002.p23
3 E. Levinas .le temps et l'autre. broché octobre 2004 .paris . p13
22
العدد 8902 - 90 جمةل لوغوس خمرب الفينومينولوجيا وتطبيقاهتا -جامعة تلمسان-
أما وجود األخر عند سارتر ليس وجودا انطولوجيا بل وجود واقعيا ،فاألنا تجد األخر أمامها كواقعة قائمة ،و خبرة
األنا باألخر تأخذ صورة األنا املدركة أي أنا أخرى تنظر إليها ،هذه النظرة تجعل األنا موضوعا لألخر ،شيئا ماديا ينظر
إليه من قبل أنا أخرى وعندئذ تنتفي الحرية املطلقة لألنا نظرا لوجود أخر يقيدها وينظر إليها على أنها موضوع.
فظهور األخر يحول العالم (عالم األنا) إلى صراع حيث يذهب إلى أن هذه العالقة يدخل فيها الجسد ،بحيث يصبح
مسيطرا عليه ،وهو ما يعكس عالقة السيد والعبد عند هيغل ،لكن يتجنب وبذكاء استخدام املصطلحات الهيغيلية
ألنها ستجعل " الوجود والعدم" إعادة صياغة (لفينومينولوجية الروح).
ومن هذا االعتبار تأخذ العالقة بين األنا واألخر شكلين أساسيين فإما أن تنكر األنا حرية وسيطرة وسيادة األخر على
نفسه ،ويتحول بذلك إلى ش يء يعتمد كليا على األخر ،أو االقرار بحرية األخر على اعتبار أنها أساس حريته .فاألولى تؤدي
إلى السادية أو التلذذ بتعذيب األخر والسيطرة عليه ،والثانية مفادها املازوخية .وهي التلذذ بسيطرة األخر على األنا
والرضوخ له والخضوع التام ،لذلك تبقى العالقة بين األنا واألخر تتراوح بين السادي واملازوخي في حركة دائرية وبالتالي
تصبح عالقة األنا باألخر عالقة دائرية ال عالقة جدلية كما أقرها هيغل.
هذا االستحداث الجديد لسارتر يعكس التحول الفينومينولوجي ملنهجه في الوجود والعدم ،من فينومينولوجية
أنطولوجية ،إلى علم نفس فينومينولوجي ،وهو النزوع الجديد الذي تجنبه هوسرل نفسه ،إذ ينجذب التحليل
الفينومينولوجي عند سارتر إلى علم النفس في تحليالته لعالقة األنا باآلخر.
أبدا مع كل من ليفيناص ومرلوبونتي في قضية ضرورة حضور الغير ،وفي إلى ذلك فان سارتر ال ولم يختل ض
كون الغير إثبات لوجود االنا ،على اعتبار أنا الغير أنا أخر ،وال يمكن أن نقول بوجود أنا إن لم نقر بوجود آنات أخرى.
كما أنه يتفق مع مرلوبونتي في قضية االشتراك الجسدي بين األنا واالخر في عالقات مختلفة ،لكن ما لم يتفق معهم هو
على العكس من ليفيناص. قوله بالحضور السلبي لألخر فسارتر ينظر لألخر على أنه سر الحروب والعن
22