You are on page 1of 2

‫الشعور باالنا والشعور بالغير ‪ -‬جدل‪-‬‬

‫طرح المشكلة ‪ :‬مقدمة ‪:‬‬


‫من المشاكل التي ظلت تؤرق االنسان محاولة التعرف على الذات في مختلف الصفات التي تخصها ؛ بحيث اتجه‬
‫مح ور االهتم ام الى تش كيل بني ة االن اء ع بر الغ ير ال ذي بإمكان ه مس اعدته اال ان ذل ك لم يكن في ح ال من االتف اق بين‬
‫الفالسفة الذين انقسموا الى نزعتين االولى تعتقد ان مشاركة االخر اي الغير اضحت امرا ضروريا والثانية تؤكد على‬
‫وج وب ان يتش كل االن ا بمف رده ع بر الش عور وام ام ه ذا االختالف في الط رح نق ف عن د المش كلة التالي ة ‪ :‬ه ل ش عورنا‬
‫باالنا مرتبط باآلخر ام انه ال يتعدى كونه شعورا شخصيا ؟‪ .‬بتعبير اوضح هل الشعور باالنا يتوقف على الذات ام انه‬
‫ُيبنى على الغير؟‪.‬‬
‫محاولة حل المشكلة ‪:‬‬
‫الموق ف االول ‪ :‬الش عور باالن ا شخص ي ‪ :‬ي رى انص ار ه ذه االطروح ة ان االن ا يعيش م ع ذات ه ويحي ا مش ارعه بنفس ه‬
‫وبطريقة حرة اي كفرد حر ‪ ،‬وهذا االمتالك يكون بمقدوره التعامل مع الواقع بشكل منسجم ‪.‬‬
‫البرهنة ‪ :‬يق دم انص ار ه ذا الط رح جمل ة من ال براهين ليثبت وا ان الش عور شخص ي يتوق ف على االن ا وال مج ال لت دخل‬
‫الغير الذي يعتبره انصار هذا الطرح عقبة يمكن تجاوزها‪ .‬ومن بين هؤالء الفالسفة نجد الفيلسوف ديكارت الذي اكد‬
‫بان معرفة الذات متوقفة على الوعي او الشعور ذلك الن االنسان ليس كتلة من الغرائز بل هو كائن واع ألفعاله وعن‬
‫طريق الوعي يدرك انه موجود له ماض ومستقبل وان كل العالم من حوله موجود وان االنا " الذات" يتأسس كموجود‬
‫بواسطته ‪ ،‬ومن هنا ال يخرج الوعي عن ان يكون وعيا بالذات او وعيا بالموضوع ‪ ،‬وبالشعور يتحقق الكائن الواعي‬
‫كوج ود في الع الم وذل ك عن طري ق الح دس كم ا ع بر عن ذل ك براغس ون واك د ايض ا على ذل ك الفيلس وف الفرنس يمان‬
‫دوبران حيث اعتبر الشعور بالواقع ذاتي وكتب يقول ‪ " :‬قبل اي شعور بالشيء فان للذات وجود" ‪ .‬ويقول ايضا ‪" :‬‬
‫ان الش عور يس تند الى التمي يز بين ال ذات الش اعرة والموض وع المش عور ب ه" اذ الش عور مؤس س لالن ا وال ذات الواعي ة‬
‫بدورها تعرف انها موجودة عن طريق الحدس ويسمح لها ذلك بتمثيل ذاتها عقليا ويكون الحذر من وقوف االخرين‬
‫وراء االخط اء ال تي نق ع فيه ا ولقد تس اءل افالط ون ق ديما ‪ :‬حول ه ذه الحقيق ة من خالل اس طورة الكه ف ‪ ،‬ام ا سارتر‬
‫وادموند هوسرل فقد اكد من زاويتهما ان الشعور هو دائما شعور بشيء ‪ ،‬وال يمكن اال ان يكون واعيا لذاته ‪.‬‬
‫النق د والمناقشة ‪ :‬لكن من المالح ظ ان ه ذه االطروح ة تعرض ت لع دة انتق ادات منه ا ‪ :‬انه ا نظري ة ذاتي ة وغ ير‬
‫موضوعية تعتمد على المواصفات اللغوية باإلضافة الى انها ليست واحدة لدى جميع الناس بنفس الدرجة خاصة عند‬
‫االطف ال الص غار والمرض ى ‪ .‬يؤك د الفيلس وف غوس دروفان الش عور مج رد" خي ال وانت اج ألوه ام ال تع رف بني ة الفك ر‬
‫الحي ذاته ا وليس للش عور مض مون داخلي‪ ،‬فه و في ح د ذات ه ف راغ " ‪ .‬ثم ان االس تبطان اي وعي ال ذات ب ذاتها ام ر‬
‫مستحيل الن الذات واحدة وال يمكن ان تشاهد ذاتها بذاتها ‪ .‬وذلك الن الشعور هو دائما شعور بشيء ؛ والنا المعرفة‬
‫تفترض وجود العارف وموضوع المعرفة ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫نقيض القضية ‪ :‬الموقف الث اني ‪ ":‬الشعور باالنا ال يتح دد اال من خالل الغ ير" خالف ا للموق ف االول وفي س ياق عالقة‬
‫الش عور ب الغير ي رى انص ار ه ذا الموق ف ان االخ ر ش رطا ض روريا لوج ود ال وعي بال ذات ؛ اذ االن ا ال يك ون ان ا اال‬
‫بوج ود الغ ير يؤك د الفيلس وف االلم اني هيج ل ان وج ود االخ ر ض روريا لوج ود ال وعي ‪ ،‬اذ وج ود الغ ير ليس مج رد‬
‫وجود جائز فعن طريق المقابل لي اتعرف على اناي ‪ ،‬وهذا االنا الذي هو اناي ليس له معنى ‪ ،‬اال ألنه ليس االخر‪.‬‬
‫اذ ك ل معرف ة ل ذاتها تتطلب االع تراف من قب ل االخ ر ويتجس د ه ذا اك ثر في جدليت ه المش هورة جدلي ة الس يد والعب د ‪.‬‬
‫واالصدق من ذلك ان الناس خلقوا من اجل التعارف وليس بعيدا عن الصواب القول بان وعي الذات ال يصبح قابال‬
‫للمعرف ة اال بفع ل وجود االخ ر والتواص ل مع ه في ج و من التن افس وال بروز ومن هن ا يمكن التواص ل م ع الغ ير‪ ،‬وهو‬
‫اتصال تمثله العالقة التي تربط االنا باألخر ‪ ،‬وهذه العالقة هي عالقة تناقض يحصل عنها وعي الذات ووعي االخر‬
‫وهو وعي يتكون من خالل االخر في اطار من الصراع والمخاطرة ‪ ،‬ومن هذه الجدلية يظهر االنا واالخر في صورة‬
‫موضوعين مستقلين ‪ ،‬يقفان وجها لوجه ‪ ،‬وان وعييهما يتحددان من خالل ان كال منهما يثبت ذاته لنفسه ‪ ،‬كما يثبتها‬
‫لآلخر بواسطة الصراع من اجل الحياة او الموت ‪ .‬وفي هذا وباركلي على فكرة المقارنة ‪ ،‬اذ بالفكر نتمكن من عزل‬
‫الكائنات من اجل التفكير والنظر فيها منفصلة الواحدة عن االخرة ‪ .‬اذ برغم التشابه واالشتراك اال انها اشياء خارجة‬
‫عن الشعور‪.‬‬
‫النقد ‪ :‬والمناقشة ‪ :‬لكن اذا كان الشعور باالنا حتما البد له ان يمر بالغير ‪ .‬فكيف تحصل معرفته ؟‪ .‬ثم كيف تحصل‬
‫معرف ة الغ ير ونحن نجه ل ال ذات ؟‪ .‬ثم ليس من الصواب ان نعت بر االخ ر في هذه الحال ة شرا البد من ه م ا دام الصاع‬
‫اساس هذه المعرفة ؟‪ .‬لكن ما يمكن ان نالحظه ان الصراع ليس مفهوما اخالقيا في العالقات بين الناس ‪ ،‬وخاصة اذا‬
‫تح ول الى عن ف ف الواقع يثبت ان ه مهم ا بلغت درج ة االختالف والتب اين في تع دد المواق ف ال ي برر وج ود التن احر‬
‫والصراع من اجل التدمير‪ ،‬فهذا ال ينطبق على من خلقوا من اجل التعارف والتعاون والتشاور بل يصبح قانونا للغاب‬
‫دافعه الغرائز والشهوات ‪.‬‬
‫التركيب‬
‫وعموم ا نس تنتج ان التواص ل الحقيقي ال يمكن ان يوج د على ص عيد الص لف واالعج اب بال ذات وانم ا في العم ل‬
‫واالنتاج المشترك الجماعي ‪ ،‬فبه يرفع الستار عن كل ماكنا نعتقد انه هو الذات الفردية او الجماعية ‪ .‬وبالتأمل ‪ ،‬يدرك‬
‫الكل بانه واحد متميز من الجنس البشري ‪،‬نشارك معا في صنع الثقافة ‪ ،‬وفي اثناء ذلك‪ ،‬نكتشف االسس الروحية التي‬
‫تقوم عليها الحياة الجماعية ‪ .‬وباإلنتاج الذي ننجزه معا‪ ،‬ينشا االتصال كعالمة عن التواصل االصيل ‪ :‬تعاون الجميع‬
‫في مواجه ة الحي اة ‪ ،‬في ال بيت وفي المدرس ة وفيم ا تخلف ه الك وارث وص وارف ال دهر والماس ي ‪.‬‬
‫الخاتمة ‪:‬‬
‫ان شعور االنسان بذاته متوقف على معرفة االخرين باعتبارهم كائنات تستحق المعاشرة واالحترام والتزكية ؛‬
‫ومغايرت ه لهم ‪ ،‬ان ك انت ض رورية لتث بيت ال ذات وتأكي د خصوص ياتها ‪ ،‬ال تكتم ل وال تزده ر اال بوج ود االخ رين‬
‫والعمل معهم في ظل التعاضد والمحبة ومنه يمكننا ان نختم هذا المقال بالعبارة التالية ‪:‬ان الشعور باالنا يكون جماعيا‬
‫كما انه يرتبط باالنا انفراديا ومهما يكن فالتواصل الحقيقي بين االنا واالخر يكون عن طريق االنتاج المشترك‬
‫‪2‬‬

You might also like