Professional Documents
Culture Documents
طرح اإلشكالية :تعتبر الرياضيات من العلوم األولى التي انطلقت على يد
اليونانيين كعلم نظري يعتمد على الحدس في تحديد الحقائق البديهية وعلى
العقل في استنتاج حقائق جديدة انطالقا من تلك الحقائق البديهية,وعلى العقل
في استنتاج حقائق جديدة انطالقا من تلك الحقائق البديهية ,وقد عرفت المعاني
الرياضية تطورا مبكرا قبل ظهور العلم وتطورت نظرياتها قبل ظهور المنطق
الذي يرجع في األصل إليه وهذا ما أدى إلى البحث عن عوامل ظهور المفاهيم
المفاهيم الرياضية في وقت مبكر وقد اختلف الفالسفة في أصل ونشأة المعاني
الرياضية ,النزعة العقلية ترى أن المفاهيم الرياضية من ابتكار العقل دون
تجربة في حين ترى التجريبية ان المفاهيم الرياضية يكتسبها اإلنسان عن
طريق تجاربه الحسية وهذه المشكلة ال تزال قائمة الى يومنا هذا في حقيقة
االمر .و السؤال المطروح
هل المفاهيم الرياضية في نموها انبثقت عن التجربة ام من العقل؟
عرض منطوق المذهب األول؟
المفاهيم الرياضية من ابداع العقل ( أفالطون ,ديكارت ،كانط)
الحجة :يرى العقليون أن المفاهيم الرياضية نابعة من العقل وهي مفاهيم قبلية
توجد في العقل قبل الحس واكدوا بأن الرياضيات مفاهيم مجردة فهذه المعرفة
تتصف بالمطلقية والضرورة والكلية وهي مميزات خاصة موجودة في المعرفة
الرياضية وتتعدل في غيرها من العلوم التي تكتسب من التجربة فالمكان
الهندسي والخط المستقيم ومفهوم االنهائي ,واألكبر واألصغر وغيرها كلها
معاني رياضية عقلية مجردة ال تدل على نشاتها الحسية حيث يقول اينشتاين
يجب اعتبار البديهيات شكلية خالصة أي بعيدة عن كل حدس الن البديهيات من
االبداع الخالص للعقل .وبرأيهم ان الطبيعة ال تعطينا عددا خالصا وال طوال دون
عرض وال سطحا دون سمك ,المالحظة ال تكشف لنا عن مجموعة من االعداد
بل عن مجموعة من االشياء ,كما ان المكان الهندسي الذي تتصوره على شكل
معين كروي ومتوازي مستقيمات ال تشبه المكان الحسي الذي نالحظه كما ان
المستقيم كامل االستقامة ال وجود له وقوانين العالقات بين االشكال والعالقات
الداخلية لإلشكال أصلها عقلي محض حيث يرى أفالطون إن العلم القائم بالفطرة
إما المتعلم فمجرد تنكر له وال يمكن اكتسابه من الواقع المحسوس ويرى ان
الطفل كان يعيش في عالم المثل وكان عالم بسائر الحقائق ومنها المعطيات
الرياضية األولية التي هي ازلية وثابتة مثل المستقيم والدائرة والتعريف
الرياضي لكن عند مفارقته لهذا العالم نسي أفكاره فكان عليه ان يستذكرها وان
يدركها بالذهن وحده ويساند هدا الموقف ديكارت الذي يرى بان المعاني
الرياضية من اعداد واشكال هي افكار فطرية اودعها هللا فينا منذ البداية مثل
فكرة هللا وان هذه االفكار تتمتع بالبساطة والبداهة واليقين ويقول ديكارت (
سواء كنت قائما او يقضا فان 2,3اذا اجتماعها مكونا 5والمربع لن يكون له
غير اربعة اضالع فطرية ) اما كانط فانه لم يبتعد عن هذه النظرية حيث اقرت
مفهوم الزمان والمكان سابقان عن التجربة الحسيية وال يمكن للمعرفة ان تتم
ادا لم تنتظم داخل اطار الزمان والمكان فهو مفهومات مجردة وطبيعتهما االولية
يتصفان بالضرورة وهي صفة ال نجدها في القضايا الرياضية القائمة على فكرة
الزمان والمكان
النقد :ال يمكن نفي العقل في نشاة هذه المفاهيم الرياضية لكن االراء التي قدمها
اصحاب النظرية العقلية ليست لعا دليل في الواقع بل هي مجرد افتراضات ال
يؤيدها الواقع وحتى تاريخ نشاة العلم ادا افترضنا ان المفاهيم الرياضية قبلية
لما دعت الحاجة لتعلم االطفال اياها؟
فالطفل يكتسب المعاني الرياضية بفضل القدرة على التجربة التي تتولد فيه شيئا
فشيئا ,مهما يتفكرون هده المعاني هده المعاني الرياضية مجردة فانه ال يمكن
ان تكون مستقلة عن المعطيات الحسية واال كيف يمكننا ان نفسر التجاه
التطبيقي للهندسة او الحساب لدى شعوب الحضارات القديمة ؟ كما ان قايلية
الرياضيات للتطبيق والواقع من خالل الهندسة المعمارية ومن خالل التكنلوجيا
والعلوم التجريبية دليل على ان الواقع يساهم في نشاتها
منطوق المذهب الثاني :المعاني الرياضية مستمدة من التجربة (جون لوك ,
دافيد هيوم ,جون سمل)
الحجة :يرى التجريبيون ان معارفنا وخاصة منها الرياضية ترد الى العالم
الواقعي الحسي فهو المصدر اليقيني للمعرفة وان كل معرفة عقلية هي صدى
الدراكاتنا الحسية عن هدا الواقع وعلى هدا االساس تصبح التجربة المصدر
اليقيني لكل افكارنا ومعارفنا وان التجربة هي التي تمد العقل بهده االفكار
والمعاني الن العقل يولد صفحة بيضاء حيث يقولون ( ال يوجد شيئ في الدهن
ما لم يوجد من قبل في التجربة ) ويقولون ايضا ( ان القضايا الرياضية التي
هي من افكار مركبة ليست سوى مدركات بسيطة هي عبارة عن تعميمات
مصدرها التجربة بصورة اخرى هي نتيجة تامل وانه عند تحليلها ترتد الى
مصدرها الحسي الدي هو صورة من صور التجربة الحسية الخارجية ) ويرى
جون ستوارت ميل ان المعاني الرياضية كانت نسخ جزيئة الشياء المعطاة من
التجربة الموضوعية ويقول ( ان النقط والخطوط والدوائر التي يحملها كل واحد
في دهنه هي مجرد نسخ من النقط والخطوط والدوائر التي عرفتها التجربة)
وهكدا يعتبر جون ستوارت ميل وغيره من الوضعيين المعاصرين ان الرياضيات
هي علم المالحظة ويرى جون لوك ان المعاني الفطرية ال وجود اها في النفس
الن االطفال والتوحشين والبلهاء ال يعرفونها فكل المعاني واردة في االحساس
فمن يولد فاقدا لحاسة فيما يقول دافيد هيوم ال يمكنه ان يعرف ما كان يترتب
على انطباعات تلك الحاسة المفقودة عن افكار ويرى كوندياك ان االحساس هو
المتبع الدي تنبثق منه جميع قوى النفس والمعاني الرياضية في راي التجريبين
منبثقة من الواقع ودات طبيعة حسية والشواهد على دلك كثيرة قد اثبت علماء
النفس ان المفاهيم الرياضية في تعليمها الطفال تعتمد على التشخيص من خالل
تجسيد هده المفاهيم باشكال ووسائل يدركها الطفل فيتصورها العدد كما لو كان
كيفية او صفة للشيئ المعدود اما من الناحية التاريخية فقد بين تاريخ العلوم ان
العلوم ان الرياضيات المشخصة ظهرت قبل الرياضيات المحضة ويطلعنا عن
المراحل التي قطعتها الرياضيات حيث تدل نشاتها كانت مرتبطة بالواقع
وتطورت من الشكل الحسي البسيط الى الشكل التجريدي المعقد.
االنسان بدا العد باصابعه ثم استخدم الحصى لو كانت االرقام الهيروغليفية تشير
الى كائنات طبيعية واالرقام الرومانية تشبه اصابع اليد واالرقام العربية تشير
الى عدد الزوايا ونشا علم الهندسة عند اليونانيين عن طريق مسح االراضي
الزراعية ونشاة الهندسة في الحضارات الشرقية عند قدماء المصريين (بالد
النيل )كدلك في مسح االراضي وتقديرمساحات الحقول بعد انقطاع مياه (النيل
وانسحابها منها وكانوا يرسمون االشكال يكتفون بتحويل الشكل الى عدد من
المربعات التي كانوا يرسمون مساحتها ويالحظ دلك في هندسة المعمارية
وقصور ملوكهم ان المفاهيم الرياضية مستوحاة من الواقع النه هناك تشابه بين
اإلشكال الهندسية واالشكال الطبيعية فاإلنسان يصل الى فكرة الدائرة من خالل
مالحظة قرص الشمس او القمر او حدقة العين وقد يكون االنسان قد جرد
الخطوط المستقيمة من حرثة الطيور اومن مسيرة السهم كما ان مجموعة مع
االشياء توحي بالعدد وهدا مايدل على ان المعاني الرياضية نشات من خالل
تعامل االنسان مع االشياء التي تحيط به وتتصل بعملية وحاجاته اليومية يقول
جورج سارطون لم يدرك العقل مفاهيم الرياضيات في األصل اال من جهة ما هي
ملتبسة باللواحق المادية.
النقد :ان النظرية التجريبية تمنح ثقة الدراك الحسي وتجعله اساس المعرفة
وتتخد من العقل مراة تنعكس عليها صورة االشياء الخاوية وبدون هده الصور
ال يمكنه ان يصف شيئا بالصدق او الكدب رغم اننا نعرف ان كثيرا من االشياء
تبدوا لنا على الشكل مخالف لما هو عليه في الواقع حيث اننا نرى االن
يقول(ارى شكال احكم عليه انه مكعب رغم انني الرى سوى 6أضلع و 3اوجه
في حين ان المكعب يتكون من 6اوجه و 12ضلعا فال يمكننا ان نتاكد من صحة
االشياء اال من خالل فحصها بالعقل ) واصدر حكمها عليها كما ان هده االدلة
التي قدمها التجريبيون رغم صحتها اال انها كانت حافزللعقل على تجريد
المفاهيم الرياضية المجردة كما ان الحواس معرضة للخطا وهناك الكثير من
المفاهيم الرياضية ليس لها وجود واقعي كالجدر والعدد السالب والماالنهاية
والشر ال يمكننا ان ندرك العالقة الموجودة بين االشياء كفكرتي الزمان والمكان
والعلبة وحتى اللغة التى نتحدث بها
التركيب :ان هدا الرأي يرى بانه ال وجود لعلم المثل للمعاني الرياضية في
غياب العالم الخارجي وال وجود الشياء المحسوسة في غياب الوعي االنساني
وبمعزل عن ملكة تجريدية والدي دافع عن هدا الموقف جان بياجي الدي يرى
ان الرياضيات عبارة عن نشاط انشائي ونبائي يقوم به العقل ويعطي التجربة
صورتها ومن خالل دلك يتصور كل هدا في حد ذاته ويقول ان المعرفة ليست
معطا نهائيا جاهدا .وان التجربة ضرورية لعملية التشكيل والتجريد في هدا
يقول احد الفالسفة( في كل بناء تجريدي راسب حدسي يستحيل محوه وازالته
وليست هناك معرفة تجريبية خالصة وال معرفة عقلية خالصة بل كل ما هناك ان
احد الجانبيين العقلي والتجريبي قد يطغى على االخرى دون ان يلغيه تماما)
وهدا يعني ان هناك تالزم وترابط وظيفي بين العقل والتجربة و المنطق يلزمها
القول بالمصدر الثنائي للمفاهيم الرياضية وهذا ما اكده بوانكاري في قوله ( لو
لم يكن في الطبيعية اجسام صلبة لم وجد علم الهندسة ولكن الطبيعية بدون عقل
مسلط عليها ال معنى لها.
حل اإلشكالية :نستنتج مما سبق ان الرياضيات ليست تجريبية محضة وليست
عقلية محضة انطالقا من تاريخ العلوم ومن علم النفس الحديث نجد ان المفاهيم
الرياضية جاء في االصل من التجربة الحسية لكن العقل ال يكتفي بها في
صورتها االولية بل جردها من المحسوس مما كان سببا في تطورها حتى
اصبحت في عصرنا هدا علم عقليا صرفيا يتضمن يقينية بغض النظر عن
التجربة الحسية ان المعاني الرياضية ابتدأت تجريبية وتطورت بفصل العقل
اإلنساني إلى مفاهيم عقلية وما زالت تتقدم باستمرار ,فالمرحلة التجريبية تمثل
حب الرياضيات بينما المرحلة العقلية نضجها.