Professional Documents
Culture Documents
أضع ألعزاء التالميذ بشعبة الثالثة العلوم التجريبية وشعبة ثالثة رياضيات .جميع
المقاالت الخاصة بالفصل األول والثاني والثالث أمال في ذلك أن تكون سندا قويا لهم على
اجتياز امتحان الفلسفة بامتياز.
وقد جاءت هذه المقاالت مشروحة ومفصلة .وفي الوقت ذاته محلولة بجميع الطرق" :
الجدل ،الوضع ،المقارنة"
" ال يمكن لإلنسان أن يتعلم فلسفة جديدة وطريقا ً جديدا ً في هذه الحياة دون
-دباب كريم - أن يدفع الثمن "
1
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
-1طرح اإلشكالية:
اإلنسان كائن عاقل بالفطرة ،يحمل الوعي ونشاط التفكير وهذا ما يدفعه لمحاولة الفهم وتحصيل المعرفة
ومواجهة ما يعترضه خاصة إذا وجد نفسه في بيئة يسودها الغمــوض ،وتعبر عن مشاكل مختلفة يضطر
اإلنسان للتساؤل حولها وعن كيفية مواجهتها .من هنا كان السؤال مهما كانت طبيعته هو المنطلق لطرح
مختلف القضايا المعرفية أو العلمية أو العملية.
وعلى هذا األساس تتعدد األسئلة وتتنوع .ومن أهمها األسئلة العلمية واألسئلة االنفعالية .فما الفرق بين
السؤال العملي والسؤال الفلسفي؟
-2محاولة حلها
مواطن االختالف:
ــ السؤال العلمي مجاله عالم الطبيعيات والمحسوسات ،بمعنى آخر العالم يدرس الظواهر المادية الطبيعية من
زوايا متفرقة ،كظواهر جزئية :فعالم الفلك يبحث في األجرام السماوية ،وعالم الفيزياء يدرس الضوء ،وعالم
الكيمياء يبحث في المعادن...الخ
يعتمد السؤال العلمي على المنهج التجريبي الذي يعتمد على بدوره على خطوات وهي المالحظة والفرضية
والتجربة الختبار هذه الفرضيات :ويطمئن على الحقائق التي يــصل إليها عن طريق التجريب
وحده .وهذا من أجل الوصول إلى اكتشاف العالقات الضرورية التي تتحكم في الظواهر وبالتالي قوانينها من أجل
التنبؤ بها مستقبال حيث يقول العالم الفيزيولوجي الفرنسي " كلود برنارد" ":إن التجريب هو الوسيلة الوحيدة
التي نملكها للنتطلع على طبيعة األشياء التي هي خارجة عنا".
لهذا فالسؤال العلــمي يتعلق بما هو كائن ألنه يدرس ظواهر الطبيعة التي تخضع للحواس ويعتمد على األحكام
التقريرية ،وبالتالي فنتائجه متفق عليها ألن مصدرها المنهج العلمــي وليس الذاتية التي هي مصدر االختالف
ومن أمثلة السؤال العلمي :ما هي الطاقة؟ ما هي مكونات الماء؟
ــ أما السؤال الفلسفي ،فمجاله الميتافيزيقا ،يتعلق بما وراء الطبيعة ،أي أن الفيلسوف يدرس القضايا الميتافيزيقيا
دراسة شاملة ،لهذا فهو يقوم على النظرة الشاملة للحياة والكون واإلنسان.
يعتمد السؤال الفلسفي على المنهج التأملي العقلي ،الذي يعتمد بدوره على الحجج والبراهيــن العقلية عن طريق
البحث عن العلل واألسباب األولى للموجودات .لهذا فهو ينتقل من مجال البحث الحسي إال مجال البحث عن العلل
القصوى من أجل الوصل إلى الحقيقة المطلقة وهي أقصى ما يطمح إليه الفيلسوف .وهنا يقول"
أرسطو"":الفلسفة هي البحث في الوجود بما هو موجود ".
2
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
لهذا السؤال الفلسفي يتعلق بما يجب أن يكون وبالتالي بما هو معياري ألن األخالق والمنطق وعلم الجمال
تدرس القيم عن طريق األحكام المعيارية التقيمية ،وبالتالي فنتائجه ليست متفق عليها فالفلسفة مادة خالفية
بطبيعتها بدليل ظهور مذاهب فلسفية متعددة ومن أمثلة السؤال الفلسفي :ما هي الحقيقة ؟ هل هي مطلقة أم
نسبية؟
مواطن االتفاق:
إن هذا االختالف الموجود بين السؤال الفلسفي والسؤال العلمي ال ينفي وجود نقاط يشتركان فيها ألن هناك
اتفاق بينهما:
كالهما سؤال استفهامي ،كالهما يحوي مشكلة تبحث عن حل بمعنى أنه سؤال يبحث عن جواب مثل هل
العلم كالرياضيات؟ ،باإلضافة أن كالهما يثير القلق والتوتر النفسي والفكري إزاء مشكلة معينة ،وأن كالهما
يتجاوز المعرفة العامية الساذجة ومن كل هذا نفهم أن السؤال الفلسفي والعلمي خاص باإلنسان دون غيره
ألنه الوحيد الذي يسعى إلى المعرفة.
مواطن التداخل:
أما نقاط التداخل الموجودة بين السؤال العلمي والسؤال الفلسفي فتتمثل في أن العالقة بينهما هي عالقة
تأثير وتأثر رغم االختالف بينهما ،وهذا ما أتبناه ألن السؤال الفلسفي يؤثر على السؤال العلمي فهو ينطوي
على أبعاد فلسفية نظرا ألن الفيلسوف يوجه العلم من الناحية المعرفية والمنهجية وذلك من خالل انتقاداته
وهذا ما يدفع بالعلم إلى التطور وتفادي األخطاء والنقائص في الوسائل والنتائج والسؤال العلمي يؤثر كذلك
على السؤال الفلسفي نظرا ألنه يحتوي جانب علمي بدليل ظهور المذاهب الفلسفية المعاصرة مثل الوضعية
المنطقية لقول كارل يسبيرس ":ومع ذلك فإن نشوء فلسفة ما يبقى مرتبطا بالعلوم ،أنه يفترض كل
التقدم العلمي المعاصر".
-3حل المشكلة:
مما سبق ذكره نستنتج أن السؤال الفلسفي والسؤال العلمي يختلفان من حيث المنهج والموضوع والهدف ،إال
أنهما متكامالن من حيث الوظيفة فالسؤال العلمي يوسع الفلسفة والسؤال الفلسفي يطور العلم من خالل دفعه
إلى التفكير في وسائله وهي الخطوات المنهجية كالمالحظة والفرضية والتجربة .وفي هذا الصدد يقول بيار
دوكيشي... " :لكن ال الفلسفة وال العلم قادرين كل بمفرده على الحد من قلق اإلنسان المعاصر أو اإلبقاء
بحاجاته الروحية ".
نص السؤال :أثبت بالبرهان صحة األطروحة القائلة":إن التطورات العلمية جعلت الفلسفة ال دور لها "
-1طرح المشكلة:
يسعــى اإلنسان منذ القديم للبحث عن المعرفة في جميع المجاالت فطرحها على شكل تساؤالت وفيها ما
توصل إلى حله وأدرج ضمن دائرة العلم وهو محاولة الكتشاف العالقات الثابتة بين الظواهر إلمكانية التنبؤ
بها وصياغتيها رياضيا ،ومنها ما لم يتوصل إلى حله ورغم ذلك يدور حول المعرفة وهي الفلسفة وهي
السعي المستمر للوصول إلى الحقيقة ،إال أنه شاع االعتقاد بأن للفلسفة دور في عصرنا الحالي ،غير أن
3
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
بعض الفالسفة يرفضون ذلك على اعتبار أن الفلسفة ال دور لها في هذا العصر ،فكيف يمكننا تبني هذه
األطروحة والدفاع عنها واألخذ بها والرد على خصومها؟
-2محاولة حلها:
4
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
-3حل المشكلة :ومما سبق استنتج أن األطروحة القائلة " إن التطورات العلمية جعلت الفلسفة ال دور
لها" صحيحة ومقابلة للدفاع عنها واألخذ بها والرد على مناصريها ألن الفلسفة ال تقدم لنا حلوال مادية على
المشاكل التي تواجه اإلنسان في حياته اليومية ولهذا يقول " غوبلو" ":المعرفة التي ليست معرفة علمية
ليست معرفة بل جهل".
-1طرح المشكلة
إن الموجود البشري بطبعه هو ذلك المخلوق المتسائل،ألن التساؤل لحظة وعي ،تعبر عن اهتمام
العقل بالوجود وبذاته وبكل ما يمكن أن يكون موضوع تأمل وبحث ،ولهذا نجد اإلنسان ال يكاد يكف
عن إثارة التساؤل ،وعن إثارة المشاكل ،وعلى هذا األساس كثرت المشاكل وتنوعت ،بل نجدها
أحيانا ترتبط وتتداخل في مسائل معقدة وكأنها إشكاليات ال حل لها ،وبناء على هذا االرتباط بين
المشكلة واإلشكالية نتساءل :ما طبيعة العالقة بين المشكلة واإلشكالية؟ وما الفرق بينهما؟
-2محاولة حلها:
مواطن االختالف:
ــ إن المشكلة مجال محدد يتناول قضية جزئية واحدة ،أما اإلشكالية فتتناول جملة من المسائل والقضايا
المترابطة والغير واضحة المعالم.
ــ كما أن المشكلة يمكن صياغتها في شكل سؤال مؤقت يدعوا للبحث عن حل مقنع ومبرهن عليه ،بعكس
اإلشكالية التي تطرح نفسها في شكل سؤال كلي عام يوحي بتعدد اآلراء ،وأن الحلول فيها احتمالية وغير
مؤكدة.
ــ من ناحية أخرى نجد أن المشكلة تدل على القضايا والمسائل التي يمكن حلها بالطرق العقلية أو العلمية
أو العملية ،وأما اإلشكالية فهي تدل على المعضالت ،والمغلقات التي يصعب فتحها ،فتضيق فيها الخطط
وتغيب الحلول.
ــزيادة على هذا نجد المشكلة تعبر عن انفعال يتجلى في شكل اضطراب ودهشة تحرك فضول الباحث
للوصول إلى حل (معرفة) ،أما اإلشكالية فتبرز في شكل انفعال قوي يبلغ درجة القلق واإلحراج يدل على
مأزق حقيقي ،يضع العقل والنفس وجها لوجه مع معضالت ال تحل بالوسائل المنطقية.
مواطن االتفاق:
كالهما يخص اإلنسان دون الحيوان ،ألن اإلنسان هو الكائن الوحيد الذي لديه القدرة على طرح مشكالت
وإشكاليات فلسفية في حياته اليومية ،لهذا فكالهما ينطوي على أسئلة وهي االنفعالية ألنهما يثيران القلق
النفسي والعقلي في تناولهما لمختلف القضايا الدينية واالجتماعية ،واألخالقية .وبالتالي كالهما يثير الدهشة
واإلحراج والحيرة ألنهما ينطويان على الصعوبة والتعقيد وااللتباس.
مواطن التداخل:
5
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
فالمشكلة تؤثر في اإلشكالية ألن اإلشكالية تحتاج إلى المشكلة باعتبارها قضية جزئية تساعد اإلنسان على
االقتراب من فهم اإلشكالية مثال ذلك لفهم اإلشكالية " :الفكر بين المبدأ والواقع " يجب فهم ودراسة
المشكالت الجزئية وهي :كيف ينطبق الفكر مع نفسه؟ وكيف ينطبق الفكر مع الواقع.
كما أن اإلشكالية بدورها تؤثر في المشكلة ألن المشكلة تحتاج إلى اإلشكالية التي هي المعضلة الكبرى أي
الكل فإذا كانت للمشكالت حلول جزئية فهي تحتاج إلى الحل الكلي للمعضلة الكبرى.
إال أن أصح اآلراء هو الرأي القائل بأن العالقة الموجودة بين المشكلة واإلشكالية ينطوي على جانبين :فهو
انفصال من ناحية التعريف ألن هناك تمايز بينهما واتصال من ناحية الوظيفة ألن كالهما يكمل األخر.
-3حل المشكلة:
إذن نستنتج بأن العالقة الموجودة بين المشكلة واإلشكالية هي عالقة تكامل وظيفي ألن وظيفة المشكلة تكمل
وظيفة اإلشكالية ،ووظيفة اإلشكالية تكمل وظيفة المشكلة ،لهذا ال يمكن الفصل بينهما على أساس أن العالقة
بينهما هي عالقة المجموعة بعناصرها ( الكل بأجزائه) ،فاإلشكالية هي المظلة المفتوحة التي تنطوي تحتها
مجموعة مشكالت تناسبها لهذا تسمى اإلشكالية " بمشكلة المشكالت".
نص السؤال :أثبت بالبرهان صحة األطروحة القائلة "أن المنطق الصوري هو آلة تعصم الفكر من
الوقوع فـــي الخطأ "
منذ بدأ اإلنسان بالتساؤل عن الوجود ومظاهره كان يفكر ،بمعــنى أنه كان يستدل ويحكم دون أن يعرف
المنطق ،أو حتى ينتبه إلى موضوعه تماما كما كان يتكلم دون أن يعلم شيئا عن علوم اللغة من نحو
وصرف ،التي تحكم اللغة التي يتعامل بها .وتشير كلمة المنطق من ناحية االشتقاق اللغوي إلى الكالم أو
النطق ،وفي اللغة اليونانية تعني العقل أو البرهان ،أما من الناحية االصطالحية فهو علم الفكر ،ولقد
كانت الفكرة الشائعة لدى بعض الفالسفة أن المنطق الصوري (األرسطي) ليس له في حياة اإلنسان ،لكن
هناك فكرة تناقضها وهي أن المنطق الصوري له قيمة كبرى ،لهذا ال يمكن االستغناء عنه وبالتالي نتساءل
كيف يمكن الدفاع عن هذه األطروحة؟ وهل يمكن إثباتها بحجج وبالتالي األخذ برأي مناصريها ؟
/2محاولة حل المشكلة
ا -عرض منطق األطروحة
إن منطق هذه األطروحة يدور حول قيمة المنطق الصوري حيث يرى بعض الفالسفة ومن بينهم "
أرسطو " بأن المنطق له أهمية كبرى بالنسبة لإلنسان ألن موضوعه العقل من ناحية الصحة والفساد
وقد اعتمد على مسلمات ودعمها بحجج لتأكيد موقفه :
المنطق هو العلم الذي يبحث في صحيح الفكر وفاسده ،وهو الذي يضع القوانين التي تعصم الذهن من
الوقوع في الخطأ وفي األحكام لذلك يعرفه أرسطو بقوله ":المنطق علم التفكير والصحيح الذي نميز
به بين القول الصحيح والقول والفاسد ".وحيث يقسم أرسطو المنطق إلى ثالث أقسام رئيسية وهي :
6
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
-2وقسم القضايا واألحكام الذي يبحث في األحكام والجمل -3وقسم االستدالالت والذي يبحث في
الحجج واألقيسة.
للمنطق وظيفتان أساسيتان :ــ الوظيفة األولى تتمثل فـي وضع القوانين العقلية ،كقانون عدم التناقض،
الهوية ،والثالث المرفوع ،قواعد التقابل والعكس والقياس ،والتي ينبغي على العقل أن يتبعها لكي يميز
بين صحيح الفكر من فاسده .وفي هذا الصدد يقول الفارابي فــي كتابه " إحصاء العلوم " " :فصناعة
المنطق تعطي بالجملة ،القوانين التي من شأنها أن تقوم العقل وتسدد اإلنسان نحو طريق الصواب ،ونحو
الحق ،في كل ما يمكن أن يغلط فيه من المعقوالت ،والقوانين التي تحفظه وتحوطه من الخطأ والزلل ".
ـــ أما الوظيفة الثانية فهي تتعلق بالكشف عن الخطأ في التفكير وأنواعه وأسباب ذلك ال يمكن الجمع
بين الصفة ونقيضها ،ال وسط بين النقيضين ،حيث يقول أرسطو ":من الممتنع حمل صفة وعدم حملها
على موضوع واحد في نفس وبنفس المعنى"...
لهذه األطروحة خصوم وهم الفالسفة الذين يعتقدون بأن المنطق الصوري عقيم وال قيمة له ،منهم "
بيكون" " ،ديكارت" " ،ج.س.مل" ،ومن بين مسلماتهم :
ـــ المنطق الصوري عقيم فهو يعتمد على القياس المنطقي ،الذي ال يأتي بمعرفة جديدة فهــو عبارة عن
تحصيل حاصل أي أن النتيجة هي متضمنة مسبقا في إحدى المقدمات ( الكبرى أو الصغرى ).
ـــ باإلضافة إلى أنه منطق كيفي وليس كمي مما يؤدي إلى أخطاء ومخالفات مثل قولنا أربع طالبات
وطالب فإننا نفهم معا وليست منفصلة.
ــ إن المنطق األرسطي يعتمد على عالقة واحدة وهي عالقة التعدي ويهمل العالقات االخرى كعالقة اللزوم
والعطف والتكافؤ والوصل ...الخ وفي هذا الصدد يقول" د .زكي نجيب محمود" ":فما نظرية القياس
األرسطية إال تحليل لضرب واحد من ضروب العالقات ،هو عالقة التعدي ،فإذا عرفت أن العالقات كثيرة
ال تكاد تقع تحت الحصر ،أدركت كم تنحصر قيمة القياس األرسطي في دائرة غاية الصغر والضيق ".
لكن هؤالء الفالسفة( الخصوم) تعرضوا النتقادات ،ألن الحجج التي برروا بها اعتقادهم تنطوي هي
األخرى على عدة نقائض أهمها:
ـــ إن اهتمام المنطق الصوري بصورة الفكر دون مادة ( الواقع) ال يعني أنه غير مهم ألنه حتى ال
يتناقض الفكر مع الواقع ،يجب أن ال يتناقض مع نفسه أوال .أي أن انطباق الفكر مع ذاته هو أساس
انطباقه مع العالم الخارجي.
كما أن اإلنسان ال زال يعتمد على المنطق في حياته العلمية بدليل أن الرياضيات تستخدم بعض مبادئه
خاصة مبدأ عدم التناقض والمنهج اإلستنتاجي العقلي ولهذا يقول " راسل " في كتابه مقدمة للفلسفة
الرياضية ":فاشتد الطابع الرياضي في المنطق واشتد الطابع المنطقي في الرياضيات ،مما ترتب
عليه استحالة وضع خط فاصل بينهما إذ أن الواقع أن االثنين شيئا واحدا".
7
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
إن المنطق الصوري هو علم قواعد االستدالل الصحيح ،وبما أن المعرفة تحصل باالستدالل فهو السبيل
الوحيد إلى الوصول إلى هذه المعرفة وفي هذا السياق يقول الغزالي ":إن من ال يحيط بالمنطق فال ثقة
بعلومه أصال".
-3حل المشكلة:
مما سبق نستنتج أن األطروحة القائلة " :أن المنطق الصوري هو آلة تعصم الفكر من الوقوع فـــي الخطأ
" صحيحة ألن المنطق له دور كبير في حياة اإلنسان العلمية لهذا يمكن األخذ برأي أنصاريها وتبنيها.
نص السؤال :هل االفتراض العلمي ضروري لتأسيس مشروع الحقيقة العلمية؟
-1طرح المشكلة:
المنطق االستقرائي التجريبي يقتضي اعتماد آليات إجرائية للبرهنة على مسائله وموضوعاته ،فيؤسس
نفسه على واقع موضوعي ــ هو الظواهرـ ودراستها انطالقا من المالحظة ،ثم االفتراض وانتهاء
بالتجربة .لهذا شاع أن الدراسة العلمية هي االنطالق من الواقع والرجوع إليه ،ومن ثمة رفض أي مبدأ
ال يراعي الواقع ،لكن فحص الخطوات التي يقوم عليها المنهج االستقرائي يظهر وجود مبدأ الفرضية
كاحتمال عقلي يؤسس لبناء رؤية وتصور للموقف العلمي قبل التجربة وتمهيدا لها ،فهل هذا يعني أن
االفتراض العلمي ضروري لتأسيس مشروع الحقيقة العلمية أم يمكن االستغناء عنه؟
-2محاولة حلها:
عرض األطروحة (الموقف األول)
إن االستقراء كأسلوب منطقي يستهدف في األساس الحقيقة العلمية وفق مبادئ واليات يعتمدها لضمان
الوصول إليها والبرهنة عليها ،ويعتبر مبدأ االفتراض العلمي من الخطوات اإلجرائية األساسية للنسق
االستقرائي في سعيه للوصول إلى الحقيقة العلمية ،وهو عبارة عن تفسير مؤقت للظاهرة (موضوع
الدراسة) ،يضعه الباحث إلى حين التأكد منه ،من هنا عدّ " الفرض" خطوة تمهيدية للقانون العلمي ،يوضع
في البداية على أساس الظن والتخمين ،فإن أيدته التجربة انقلب إلى قانون ،وإن كذبته ،استبدله العالم
بغيره...وهكذا حتى يصل إلى تفسير صحيح.
ومن أشد المدافعين على هذا المبدأ العلمي العالم " كلود برنارد" حيث يقول ":إن الفرض هو المنطق
الضروري لكل استدالل تجريبي" ،وقال أيضا مؤكدا أهمية االفتراض ":إن المالحظة توحي
بالفكرة،والفكرة تقود إلى التجربة وتوجهها ،والتجربة تحكم بدورها على الفكرة " ومن هنا كان
االفتراض خطوة تمهيدية للحقيقة العلمية ،ومشروع يطلب التحقق واإلثبات ،ويدل من ناحية أخرى على
تصور واقع معين يتحكم في الظواهر المراد تفسيرها ،واحتمال تفسير عقلي لها ،أي تخيل ما ال يظهر في
الطبيعة بشكل محسوس ،فتدفعنا إلى إجراء تجارب جديدة وابتكار وسائلها ،وكشف حوادث جديدة ال يمكن
معرفتها دون افتراض ،لهذا يقول كلود برنارد" ":الفرضية هي مبدأ كل استدالل ومصدر كل اختراع "
وقد تبنى هذا الموقف أيضا الفيلسوف " أوجست كونت" وأكد بأن االفتراض العلمي هو الذي يقود
الباحث إلى الحقيقة العلمية ،ألن الصياغة القانونية هي نتيجة وتلخيص للخطوات العلمية للمنهج التجريبي
8
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
والنسق االستقرائي وبالتالي اإلثبات اليقيني لمشروع االفتراض الذي يتحول إلى حقيقة علمية ،فيختفي
الفرض ويظهر القانون ليعبر عن عالقات ثابتة وضرورية بين الظواهر ،تعبيرا رياضيا كميا بدليل أنه
عبارة عن معادالت رياضية يبتكرها العقل.وعلى هذا يكون مبدأ االفتراض هو الذي يعطي للمعرفة العلمية
حيوية وحضور أقوى ،سواء أثبتت صحته فيتحول إلى قانون( حقيقة علمية) ،أو ظهر بطالنه وفشله ،فيساعد
بفشله توجيه ذهن الباحث البد عات جديدة وفروض أخرى.
وبهذا يمكن القول ،أن مبدأ االفتراض العلمي هو اإلطار المنطقي لمشروع الحقيقة العلمية وسبيل البحث
عنها والوصول إليها.
النقد:
إن اعتماد الباحث على عقله وخياله في تصور الحل المالئم للظاهرة يبعده عن حقيقتها ،ثم إن الفرضية
فكرة شخصية(ذاتية) ،إذ اعتمد عليها الباحث فإنها تؤدي إلى تدخل عوامل ذاتية في البحث العلمي ،تبعده
عن الحقيقة الموضوعية ،وتتصف بالشك واالحتمال.
أما بالنسبة للقانون العلمي فهو حقيقة نسبية وليس مطلقة ،ألنه يتصف بالتغير والتجديد ،فالقوانين
العلمية التي ظهرت في القرن الثامن عشر مثال ،تغيرت في القرن التاسع عشر ،لهذا قيل " العلم لغز
متجدد"
إن بعض العلماء وعلى رأسهم الفالسفة التجريبيين " جون ستيوارت مل" و" نيوتن" "،وماجندي"
يرفضون تماما مبدأ االفتراض ،ويعتبرونه تفسيرا عقليا للحوادث ال يتالءم مع العمل التجريبي في إعداد
المعرفة العلمية واعتبروه مخاطرة وقفزة في المجهول ،بحجة أن العالقات السببية تتفجر في صورتها
الكاملة من مجرد مالحظة الحوادث .لهذا قال نيوتن ":أنا ال أصطنع الفروض" ،وقال ماجنيدي لتلميذه
كلود برنارد ":أترك عباءتك وخيالك عند باب المخبر "ويؤكد " جون ستيوارت مل " رفضه الكامل لمبدأ
االفتراض من خالل الوقوف على ما تجود به المالحظة الحسية دون اللجوء إلى االفتراض ،واعتبر أن
العقل ال وظيفة له في التجريب العلمي ،ألننا ننتقل مباشرة من المالحظة إلى التجريب باصطناع بعض
الطرق االستقرائية حــتى نتأكد من وجود السببية بين ظاهرتين نحاول اكتشاف نوع العالقة بينهما( كطريقة
التالزم في الحضور ،التالزم في الغياب ،التالزم في الغياب ،طريقة البواقي..الخ) .فإذا أردنا أن نعرف مثال
":إذا كان للمعدن قابلية للتمدد بالحرارة أن نقوم بإجراء عملي تتخلله المالحظة واالنتباه لما يترتب على
التجارب من نتيجة وال نكون في حاجة إلى أي فرض ،أو استنتاج أي نتيجة مسبقة ،لهذا قال " ماجندي "
":إن الحادثة التي يالحظها الباحث مالحظة جيدة تغنيه عن سائر األفكار ( الفروض) "
النقد:
غير أن هذا الموقف تصدى له الكثير من الباحثين واعترضوا عليه بحجة أن التجريب دون فكرة مسبقة
تعتبر مجازفة ،ألن الحوادث وحدها ال تكفي لكي تؤسس علما .لهذا يقول"بوانكاري" " :فكما أن كومة
9
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
الحجارة ليست بيتا كذلك اجتماع الحوادث دون ترتيب ليس علما ".ألجل هذا يقول" أالن" ":إننا ال
نالحظ إال ما افترضناه" .وكل هذا يظهر قيمة الفكر المبدع المعبر عن دور االفتراض وضرورته في العلم.
التركيب:
إن هذين االتجاهين المتعارضين في النظر إلى مبدأ االفتراض العلمي بين مدافع عنه ورافض له ،قد
تجاوزته الروح العلمية الحديثة التي تؤكد على أهمية االفتراض ودور التدخل االيجابي للعقل في التأسيس
للحقائق العلمية لكن بضبطه بشروط تنسجم مع الروح العلمية .لهذا يقول" كلود برنارد" ":إن الفرضية
هي البذرة ،والمنهج هو التربة التي تقدم لها شروط النمو ...وكما أنه ال ينبت في التربة إال ما يزرع
فيها ،كذلك ال تنمو عن طريق المنهج التجريبي إال األفكار التي نخضعها له ،فالمنهج في حد ذاته ال يلد
شيئا" .
-3حل المشكلة:
إن االفتراض العلمي ضروري ومهم في مجال التجريب العلمي والتأسيس لمشروع الحقيقة العلمية ألنه
يمثل اإلطار المنطقي الممهد للقانون ،فإذا اثبت االفتراض يقينا تحول إلى حقيقة علمية( قانون) كمحصلة
لخطوات النسق االستقرائي.
/1طرح اإلشكالية:
بـــما أن الرياضيات هي دراسة المقادير القابلة للقياس الكمي المجرد فإن الكثير من الفالسفة يعتقدون
أنّ طابعها التجريدي يفصلها عن الواقع الحسي غير أن الفالسفة الحسيون يرون عكس ذلك .فهل يمكن
القول أنّ المعـاني الرياضية نابعة من الحس أم من العقل؟
/2محاولة حلها
يعتقد أصحاب النزعة التجريبية (الحسية) ،وعلى رأسهم " جون لوك" ،و" دفيد هيوم" ،و" جزن
ستيوارت مل " .أن المفاهيم الرياضية أصلها ومصدرها تجريبي حسي مثل كل المعارف اإلنسانية وأنها
ليست فطرية أبدا ،ألن العقل يولد صفحة بيضاء وكل معارفه ومنها الرياضيات مكتسبة عن طريق
المالحظات والتجارب الحسيــة ،لهذا يقــول جون ستيوارت مل ":إن النقط ،والخطوط والدوائر التي
يحملها كل واحد في ذهنه ،هي مجرد نسخ من تلك التي عرفها في التجربة " .فقد استلهم اإلنسان المستقيم
من األفق والدائرة من شكل القمر أو الشّمس والمثلث من الجبال .وفي هذا الصدد يقول الرياضي الفرنسي
بوانكاري ":وإن لم يكن في الطبيعة أجسام صلبة لما وجد علم الهندسة ".
10
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
وبالرجوع إلى تاريخ الرياضيات نكتشف أن الهندسة الكالسيكية ارتبطت باإلدراك الحسي ،فالحساب كان
وليد الحاجة للمقايضة ،كما أن حاجة قدماء المصرين لمسح األراضي وقياسها أدت إلى نشوء الهندسة.
وفي هذا السياق يقول الرياضي الدانمركي جورج سارطون ":إن الرياضيات المشخصة هي أولى العلوم
رياضية نشوءا فقد كانت في الماضي تجريبية ،وكانت خاضعة لتأثيرات صناعية عملية ،ثم تجردت من
هذه التأثيرات وأصبحت علما عقليا " .
النــقد :لكن ما قيمة التجربة في غياب عقل يوجهها ولماذا لم يستطيع الحيوان برغم قوة حواسه أن ينشأ
الرياضيات؟ إن الحواس تبقى عاجزة عن بناء المعاني الرياضية فهي ال تمدنا سوى باالنطباعات.
يعتقد أصحاب النزعة العقلية (المثالية ) أن الرياضيات مصدرها العقل ،فهو الذي أبدعها وابتكرها
واستنباطها من مبادئه القبلية التي هي أساس كل معارفه ،فالمفاهيم الرياضية نابعة من العــقل وموجودة
فيــه قبليا ،لهذا يرى" ديكارت" بأن األعداد واألشكال الرياضية ليست سوى أفكارا فطرية مثل فكرة هللا
والكمال ،وفكرة الالمتناهي ." l’infiniوقد سبق ألفالطون أن ارجع المعطيات الرياضية األولية إلى
عالم المثل .إذ يقول " إن المعطيات الرياضية توجد في عالم المثل (عالم المعقوالت) ،فالخطوط واألشكال
واألعداد موجودة في العقل ،وكون واحدة بالذات ،ثابتة ،وأزلية " .بمـــعنى أن العمليات الرياضية
ومختلف مفاهيمها هــي صور مجردة تجــريدا كامال ،ال عالقة لها بالواقع الحسي ،وال ترتبط بــه نهائيا،
وهذا ما تدل عليــه الكثير من المفاهيم الرياضية :كالعدد السالب ،الجــذر التخيلي ،السطح المحدب،
المنحنيات التي ال مــماس لها ،األعداد المركبة ،فالمكان الهندسي مثال ،الذي يوصف بأنه فراغ مجرد،
متجانس ،وال نهاية له ،ال يشبه في شيء المكان الحسي .كما أن النقطة الهندسية التي ال طول لها وال
أبعاد ،ال تتفق مع النقطة الحسية التي تشغل دائما حيزا من المكان مهما كان ضئيال.وهذا ما يؤكد أن
الرياضيات ليست أشياء أو مشخصات ،بل هي كائنات عقلية مجردة .يوجدها العقل الرياضي
واصطالحاته ،وهذا ما دلت عليه تعدد الهندسات وأنساقها المختلفة التي تؤكد أن العقل الرياضي هو الذي
يؤسسها وفق أوليات افتراضية يحكمها االنسجام المنطقي وعــليه نحكم بأن الرياضيات ذات نشأة عقلية
خالصة ،ال نظير لها في عالم الواقع الحسي.
النقد:
لكن لو كانت المفاهيم الرياضية قبلية كما يدعي أنصار هذا الموقف لكانت واحدة لدى جميع الناس ،ثم
إن هذا الموقف يجرد الفكر الرياضي ويبعده عن الواقع وقد أثبت علم النفس أن الطفل ال يقوى في سنواته
األولى على الفصل بين العد والمعدود فهو ال يتصور سوى األعداد البسيطة.
التركيب:
علينا أن نتفادى ذلك الجدل العقيــم الذي يفصل بين العقل والتجربة فالرياضيات ليست قوالب عقلية جاهزة
وال هي معطيا حسية كاملة وبهذا يمكننا القول أنّ الفكر الرياضي بدأ من المحسوس وصعد إلى المجرد
جرد من الواقع
شيئا فشيئا( ،فالجبر والهندسة) أصلهما المباشر حسي ،ولكن ال معنى لهما إال إذا ّ
الحسي ،يقول كانط ":إن المفاهيم الخالية من الحدوس عمياء ،والحدوس الخالية من المفاهيم جوفاء ".
11
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
إن المفاهيم الرياضية من أرقى تجليات العقل ،وهــي ترتد إلى الدقة والوضوح ،وإلى تفاعل العقل
والتجربة ،وهذا ما يجعلها رابطا أساسيا ينظم العالقة بين الفـــكر والواقع ومن ثمة تصــبح اللغة
الصحيحة التي نتقرب بها من الطبيعة وعليــه يمكننا أن نقول أنّ الرياضيات مستمدة من العقل والتجربة
معا.
لقد كانت الرياضيات الكالسيكية تعتمد أساسا على مسلمة المكان المستوي لكن ظهور الهندسة الحديثة قلب
الموازين رأسا عل عقب فتسرب الشك إلى نفوس الرياضيين ودفع بهم إلى التساؤل :هل في هذا التعدد
دليل خصوبة أم دليل عقم وتناقض؟ وهل الرياضيات نسبية أم مطلقة؟
-2محاولة حلها
يرى االتجاه التقليدي ) الرياضيات اإلقليدية) ،أن تعدد المسلمات يسيء إلى الرياضيات حيث أن هذا
التعدد يخالف البداهة وقواعد العقل ،ويؤدي إلى التناقض ويجعل الرياضيات مجرد فلسفة يقودها الشك؛
ويفقد مطلقيتها وصالحيتها المنطقية التي ال تتحدد بزمان أو مكان معين ،حتى أن الناظر في تعدد
الهندسات يجده أشبه بتعدد الفلسفات فهو يقضي على اليقين الرياضي .يقول "راسل "في هذا المجال ":
إن الرياضيات بهذه الصورة أصبحت علما ال يعرف عما يبحث وهل ما يقال فيه صحيح . " .وينطلق
اإلقليديون من تميز إقليدس بين مبادئ البرهان الرياض ،واعتباره أن البدهية مطلقة الصدق ،يبرهن
بها العقل ألنها قاسم مشترك بين جميع العقالء ،أما المسلمة فهي أقل وضوحا من البديهية ،لكن العقل
يفترضها ويسلم بها كنظرية يبرهن بها وال يبرهن عليها.
البرهنة :يسلم إقليدس بالمصادرة القائلة ":أنه من نقطة خارج مستقيم ال يمكن أن يمر سوى مواز واحد
فقط ،بمعنى أن الخطان المتوازيان ال يلتقيان أبدا .والمكان الحسي ذو ثالث أبعاد ،مجموع زوايا المثلث
180درجة .إن هذه األسس التي شيدها الرياضي إقليدس ،واضحة بذاتها وفي نفس الوقت حقائق ثابة
ومطلقة لذا ال يمكن دحضها من خالل إبداع افتراضات وانساق جديدة .ويؤكد مصداقية هذا القول الرياضي
" بوريل" بقوله ":إن الرياضي يعرف ما يصنع وما يبدع على أساس المالئمة واليقين ،ووفاء تفكيره
لمنطلقاته وعدم تناقضه معها ،وهذا ما يعني اليقين في المعاني والعالقات الرياضية" .
الــنقد :لقد هيمنت رياضيات إقليدس على الفكر الرياضي ألمد طويل ،فأعاقت تطور الرياضيات بنوع
التصور اإلقليدي للمكان مستمد من الواقع الساذج ومتأثر
ّ من التسلط الفكروي الشمولي المطلق لكن
باالعتقادات الوثنية التي كانت تعتبر أن األرض مسطحة يلفها الفراغ ،ولقد كشف العلم زيف تلك اإلدعاءات
المبنية على البداهة الساذجة .وقد قال " باشالر " ":إن البداهة األولى ليست حقيقة أساسية" ونظرا الرتباط
12
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
الرياضيات الكالسيكية بالواقع في بداية نشأتها ،اعتبر أينشتاين هندسة إقليدس تجريبية نظرا لالنسجام
الكبير بين حقائقها والواقع.
يرى االتجاه المعاصر أن تعدد المسلمات مفيد للرياضيات ألنه يفتح أمامها مجاالت واسعة في الفيزياء
والميكانيكا وعلم الفلك واإلعالم اآللي باعتبارها نموذجا فريدا للمعقولية واليقين ومع التطور الذي حاصل
،بدأ الرياضيون والمناطقة يتساءلون حول البديهيات والمسلمات ،مما أدى إلى ظهور هندسات جديدة على
يد كل من ريمان ،Reimanولوباتشفسكي. Lobatchevski.
البرهنة :إن الخطان المتوازيان قد يلتقيان فالمكان كروي وغير متجانس عند( ريمان) فمن نقطة خارج
مستقيم ال يمر أي مواز ،فمجموع زوايا المثلث أكثر من 180درجة .أما الرياضي (لوباتشفسكي ) ،فيرى
أنه من نقطة خارج مستقيم يمكن رسم أكثر من مواز ،فمجموع زوايا المثلث أقل من 180درجة ألن
المكان محدب من الداخل .ولقد ثمن بوانكاري ذلك قائال " :إن تطور الرياضيات وضعنا أمام حقيقة هامة
أال وهي أن العقل لم يعد يكتفي باستخالص الحقائق من التجربة ،ولكن أصبح ينشئ المفاهيم ويعرضها
على التجربة لكي تكون مطابقة له ،وبذلك تخلص اإلنسان من المفهوم الحدسي األول للمكان .وأصبح
قادرا على إنشاء كل شيء حتى األمكنة " .ويقول " بوليغان " ":كثرة األنظمة في الهندسة دليل على أن
الرياضيات ليس فيها حقائق مطلقة " .وهذا ما يبين ّ
أن الحقيقة الرياضية نسبية ومتعددة.
النقد :الهندسة الحديثة ليست حقيقة مطلقة وتعدد المسلمات البد أن يتم بشروط عقلية منطقية وواقعية
صارمة وإال تحولت الرياضيات إال جدل ال نهاية له.
التركيب :إذا كانت هندسة ريمان خيالية في بداية ظهورها فهي اآلن ضرورية في نسبية أينشتاين .
وأصبحت دراسة الفضاء تستفيد من هذه الهندسة .نقول إذن بأن لكل فضاء هندسته الخاصة ولكل علم
مسلماته الضرورية .ويكون كل نسق صحيحا حسب الصالحية المنطقية التي يحوز عليها ،ومن هنا فإن
التصور الرياضي المعاصر يتبع منهجا فرضيا استنتاجيا يعمد على االنطالق من فرضية معينة يختارها
العالم ليبني عليها نسقه الرياضي بشرط أال تكون مناقضة للمنطلقات التي اعتمدها .
حل المشكلة:
إن الطابع الشكلي والمنطقي هو الذي يسود في الرياضيات الحديثة حاليا؛ فلم تعد الرياضيات ذلك العلم
المطلق بل أصبحت نتائجها نسبية مبنية على عقالنية جديدة ترفض البداهة اإلقليدية التقليدية وهكذا نشأ
المنهج األكسيومي القائم على منهج فرضي استنتاجي .ال يتعارض مع تعدد الهندسات الذي لم يصبح
يسيء إلى اليقين الرياضي بل ما انفك ما يعززه.
نص السؤال :هل المقياس التجريبي معيار الزم لتحديد علمية العلم؟
/1طرح اإلشكالية :إن العلوم الطبيعية بصفة عامة ،سواء كانت علوم المادة حية أو علوم المادة الجامدة
...فإنها ال تخرج على نطاق األشياء الحسية الواقعية ،فهي تبتدئ منها وتنتهي إليها ،ألنها تهدف إلى
معرفة الظواهر الطبيعية واكتشاف عللها التي تحكمها ،لذلك فهي علوم قائمة كلها على مالحظة الحوادث
الطبيعية ،واستقراء الواقع ،واإلصغاء إليه .من هنا ظهر المنهج التجريبي الذي يعتمد على التجربة كمبدأ
13
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
للدراسة واعتبارها المقياس األساسي للعملية والحكم على قيمة العلوم ،ولهذا نتساءل :هل الدراسة
التجريبية مقياس ضروري لتحديد علمية العلم والحكم على قيمته العلمية؟
/2محاولة حلها
في الواقع إن الطريقة التجريبية كمبدأ للمعرفة وكمقياس أساسي لها لم تتضح إال بعد حدوث االنفصال
بين العلم والفلــسفة ،واستقالل البحوث العلمية عن الدراسات الفلسفية من حيث الموضوع والمناهج على
يد رواد المنهج التجريبي الحديث فرانسيس بيكون ،جون ستيوارت مل ،نيوتن وغيرهم .وهذا انطالقا
من دراسة الظواهر الطبيعية واالشتغال باكتشاف الواقع المحسوس وعالقاته القائمة باستخدام المقياس
التجريبي واالبتعاد عن المسائل الميتافيزيقية ،واألحكام الذاتية باعتماد خطوات إجرائية محددة (
المالحظة ،الفرضية ،التجربة) وتظهر التجربة على أنها أداة التحقق والتأكيد ،وسلطة الجسم والفصل
في الحكم على طبيعة الدراسة ،وقيمة نتائجها وبالتالي تتحدد قيمة التجربة كمقياس مبدئي للعمل التجريبي
،وكمعيار يحدد علمية العلم والشرط الضروري الذي البد منه ،ألنها تحتل موقعا محوريـــا في المنهج
التجريبي ،وتستوعب ما يسبقها من خطوات ،وتحكم على قيمة عملها .زيادة على أن التجربة بموقعها
العملي ،تسمح بتكرار الحوادث للتأكد منها ووسيلة حاسمة لقياس بعض الظواهر وتسجيل عالقاتها،
وفرصة إلحداث مركبات جديدة وإبداعية ،والتعبير عن أكبر قدر من الموضوعية .كل هذا جعل من التجربة
هي مقياس العلم ،والحكم األساسي على علمية أي بحث أو دراسة ،وإلحاقها بركب العلوم ،وهذا ما أدى
إلى اتساع مفهوم التجربة ،وتنوع مجال استعمالها نتيجة تنوع ميادين العلم وحقول المعرفة التجريبية'(
ميدان الفيزياء ،الفلك ،الجيولوجيا ،البيولوجيا ،علم االنسان...الخ) وكل هذا اقتضى االستخدام المرن
لمقياس التجربة ،وجعلها تنمو وتتقولب مع طبيعة الموضوعات وخصوصياتها مع الحفاظ على الروح
التجريبية كمقياس للحكم على العلمية لهذا يقول غاستون باشالر ":إن عمر العلم يقاس بمدى تطور
الوسائل التجريبية المستعملة الكتسابه" .
النقد
لكن بالرغم ما قدمته التجربة من نتائج وما أفرزته من حيوية في البحث والدراسة إال أنها ال تستطيع أن
ترتقي إلى مستوى ضمان النتائج واثبات اليقين فيها ،ألن نتائجها تكتفي باالحتمال المرجح والتقريبي فقط
،لهذا يقول كلود برنارد " إن االستدالل التجريبي يبقى دائما نسبيا ومؤقتا ألنه يمثل عالقات متشبعة هو
ليس متيقنا من اإلحاطة به جميعا " ومن ناحية أخرى وهذا األهم؛ هو أن المقياس التجريبي غير متيسر
وغير ممكن في كثير من الميادين المعرفية عند اإلنسان ،نتيجة اختالف طبيعة الموضوعات وخصائصها
التي ال تتالءم مع الروح التجريبية ومقاييسها مما يفرض وجود مقاييس أخرى لتحديد علمية العلم وقياس
قيمته.
إن التجربة ليست هي المقياس األوحد والضروري لتأسيس العلم والبرهنة على شرط العلمية وقيمتها ،
لهذا يؤكد أصحاب النزعة العقلية أن العقل هو الذي يؤسس العلم ،ويعبر عن القوانين ،ويفهم الحقائق ،
14
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
لهذا يقول " ويوال " ":إن الحوادث تتقدم الى الفكر بدون رابطة إلى أن يجيء الفكر المبدع " ويقول
بونكاري ":نستطيع أن نسأل الطبيعة دائما ،لكنها ال تجيب ،بل نحن نجيب بدلها "
من هنا نجد أن دراسات مناهج العلوم تؤكد أن البرهنة على الحقائق واثبات علميتها تقبل أكثر من مقياس،
بحسب طبيعة الموضوع المدروس ،فالقضايا الرياضية مثال والبرهنة عليها ،تعتمد المقياس االستنتاجي
الصوري ،وتحقق نتائج قـــمة في الدقة واليقين ،وبالتالي إثبات العلمية وقيمة النتائج ،بل حتى صارت
العلوم التي تعتمد المقياس التجريبي تتطلع إلى استخدام الرياضيات طمعا في تحقيق الدقة ،واألكثر
من هذا :أنه ال علم إال إذا عبر عن نتائجه بصيغ رياضية وتحويل الكيفيات إلى كميات .من ناحية أخرى
نجد أن الدراسة في الظواهر االجتماعية وكذلك المجاالت االقتصادية تتخذ إلثبات حقائقها علميا ،االستدالل
اإلحصائي ،وما يترتب عنه من نتائج موضوعية ،وكل هذا يؤكد أن مقياس العلمية ليس رهين المعيار
التجريبي.
النقد
لكن تعدد مقاييس إثبات العلمية ال يعني االنتقاص من قيمة المقياس التجريبي وما يحققه من دقة وإبداع
فـــي النتائج ،كما أن المقياس التجريبي يبقى المقياس األكثر استعماال ،واألوسع ميدان بين مختلف العلوم،
مما يدل على فعالــية هذا المقياس ونجا عته العلمية.
التركيب
إن مقياس العلمية وتحديد قيمة العلم ونتائجه ليس واحدا في جميع ميادين الدراسة العلمية ،ألن طبيعة
الموضوع هي التي تحدد طبيعة المقياس الذي يتالءم معه ،ويثبت حقائقه العلمية ،لهذا فالمقياس
التجريبي الزم وضروري كمنهج للعمل ،ومبدأ للحكم على العلمية في العلوم والموضوعات التي تناسب
معــه ،لكنه ليس الزم فــي ميادين أخرى ال تتفق في طبيعتها وموضوعاتها مع النموذج التجريبي ولكن
مع ذلك لها مقاييسها التي تثبت بها علميتها .واالختالف بين هذه المقاييس يبقى في درجة الدقة واليقين.
/3حل المشكلة:
إن المقياس التجريبي ،مبدأ ومعيار يتناسب مع طبيعة الظواهر الواقعية الحسية ،برغم ما بينها من
اختالف ،ويحدد علميتها وقيمة الدراسة فيها ،لكنه ليس مقياس الزم وعام لكل ميادين وحقول المعرفة
اإلنسانية.
/1طرح اإلشكالية:
ال شك أن العلم في بحثه عن االكتمال يسعى إلى ضبط الظواهر ضبطا دقيقا ،وهذا يستلزم اعتماده على
مبادئ صحيحة وصارمة ،بواسطتها يرجع الظواهر إلى شروط معلومة ،ومن أبرز ما يعتمده العلم من
مبادئ نجد مبدأ الحتمية الذي يعتبر إحدى تجليات الفكر الرياضي في الفيزياء النيوتونية .يقول
هانزريشنباخ ":أما حتمية العصر الحديث فقد ظهرت نتيجة لنجاح المنهج الرياضي في الفيزياء " ؛
15
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
ويعني هذا المبدأ في األساس " أن نفس األسباب تؤدي إلى نفس النتائج حتما " لكن العلماء اختلفوا
حول هذا المبدأ .فهل فعال أن كل الظواهر الطبيعية تخضع بصرامة إلى مبدأ الحتمية؟
/2محاولة حلها
ذهب كثير من الفالسفة إلى القول بمبدأ الحتمية كأساس للقانون العلمي بحيث إذا كان لكل شيء سبب
فإن نفس األسباب تؤدي إلى نفس النتيجة.
البرهنة بما أنّ غاية العلم األساسية تتمثل في التنبؤ بالظواهر قبل حدوثها ،فإنّ هذا األمر يشترط
الكشف عن العالقات الثابتة بين الظواهر ،فالعالم يستند إلى مبدأ أساسي وأصيل يتمثل في إيمانه الراسخ
بأن الظواهر الطبيعية خاضعة لمبدأ ثابت .فالحوادث العلمية ال تحدث عبثا بل لها شروط محددة إذا
توفرت هذه الشروط تحققت النتائج حتما .وفي هذا السياق يقول كلود برنارد ":تتحدد شروط وجود
كل ظاهرة ،تحديدا مطلقا في جميع الكائنات سواء أكانت أجساما حية أو جامدة" وهذا يدل داللة واضحة
على أنّ العلم مشروط بهذا المبدأ ،الذي أكده الرياضي الفرنسي بوانكاري بقوله ":إن العلم حتمي ،وذلك
بالبداهة ،وهو يضع الحتمية موضع البديهيات التي لوالها لما أمكن أن ليكون" وكذلك ":إن عالما ال
تسوده الحتميّة هو عالم موصد في وجه العلماء ألن العلم بطبيعته حتم ّي"
ومن هذا المنطلق يمكن أن نتصور نظاما آليا للكون وهذا ما أكده البالس بقوله ":يجب علينا أن نعتبر
الحالة الراهنة للكون نتيجة لحالته السابقة وسببا في حالته التي بعد ذلك مباشرة ،ولو استطاع ذكاء ما
أن يعلم في لحظة جميع القوى التي تحرك الطبيعة ،الستطاع أن يعبر بصيغة واحدة عن حركات أكبر
األجسام ،أخف الذرات وزنا فال يرتاب في شيء ،ويكون المستقبل والحاضر ماثلين أمام عينينه " ومن
هنا فالكون آلة كبرى والحالة الراهنة نتيجة للسابقة ،وسبب التي تأتي من بعد مباشرة مثل تبخر المياه
هي نتيجة الرتفاع درجة حرارة الجو وسبب لسقوط المطر .ولقد عبر أولمو عن مبدأ الحتمية أحسن
تمثيال عندما قال ":إن الحتمية هي التحديد الدقيق للمستقبل بواسطة الحاضر تحديدا يستوجب التّنبؤ
الكامل"
النقد إنّ وجود نظام صارم للكون ال يعني بالضرورة أن الحوادث العلمية تخضع إلى آلية عمياء و إالّ
كيف نفسر عجز العلماء عن التنبؤ بكثير من الحوادث الطبيعية التي ال تزال مستعصية على العلم؟ ثم
إن باشالر يبيّن في كتابه " النشاط العقالني للفيزياء المعاصرة " حدود الحتمية قائال ":وبالجملة ،فإن
كل حتمية جزئية وخاصة وجهورية ،هي تدرك من وجهة نظر مخصوصة ،وضمن سلم من المقادير يتم
اختياره ،وفي حدود تضبط بشكل صريح أو ضمني ،مقابل ذلك فإن كل ما ندرسه بعناية علمية محدد وواقع
تحت تأثير حتمية محددة .فمبدأ الالّتعين ذاته ،مبدأ هيزنبرغ يخضع لتقنين محدد وهو يمثل قطاعا
خصوصيا من قطاعات الحتمية له تعابير وقوانين جبرية صارمة"
على عكس الفيزياء الكالسيكية فإن الفيزياء المعاصرة تعترض على مبدأ الحتمية المطلقة إذ ثبت علميا
أن التجارب والمالحظات تكون تقريبية خاصة في الفيزياء المجهرية حيث أن حركة الجسيم ال تتأثر نظرا
لرهافتها بأدوات القياس وبأخطاء المالحظة .وهنا يقول هيزنبرغ ":كلما تم التدقيق في موقع الجسيم
16
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
كلما غيّرت هذه الدقة كمية حركته ،وبالنتيجة سرعته ،وكلما تم التدقيق في قياس كمية حركته كلما التبس
موقعه .لذلك تصعب معرفة موقعه وسرعته في زمن الحق" .إنّ هذه االكتشافات التي قام بها الباحثون
في الميكروفيزياء قد غيرت المفاهيم خاصة مع نظرية النسبية إلنشتاين حيث أصبح العلم نسبي فلجأ
العلماء إلى مبدأ الالتعين ( الالحتمية) يقول هيزنبرغ ":يمكن إبراز الخالف بين الفيزياء المعاصرة
والفيزياء الكالسيكية من خالل عالقات االرتياب "
النقد :لكن مشكلة الالحتمية تتعلق بمدى تطور أدوات المالحظة والقياس وهذا أمر يمكن للتطور
العلمي أن يتجاوزه ؛ لهذا فالتحديد الرياضي للعالقات بين الظواهر يمكن أن يحل المسألة إلى حين،
وبالتالي ال يمكن إنكار الحتمية بشكل مطلق ألن ذلك يبعد العلم عن غايته المتمثلة في التنبؤ.
التركيب :تجاوز ا هذا المأزق االبستيمولوجي ،حاول العلماء الجمع بين المبدأين ( الحتمية والالحتمية)،
مثلما فعل لويس دو بروغلي DE BROGLIEعندما اعتمد مبدأ حساب االحتمال ،بحيث أن مبدأ
الحتمية فــــي حد ذاته أصبح نسبيا ،ولكنه قاعدة أساسية .يقول ال نجفان " :LANGEVINإن
نظريات الذرة في الفيزياء الحديثة ال تهدم مبدأ الحتمية ،وإنما تهدم فكرة القوانين الصارمة ،أي تهدم
المذهب التقليدي "
-3حل المشكلة
ختاما يمكن القول أن لكل مجال مبادئه ولكل علم قواعده وبناء عليه تصبح الحتمية أساسية في الفيزياء
والالحتمية ضرورية في الميكروفيزياء ( المجهرية) والماكروفيزياء الكونية .
نص السؤال :إن الظاهرة الحية ظاهرة قابلة للدراسة التجريبية" دافع بالبرهان صحة هذه األطروحة
/ 1طرح اإلشكالية:
إن الثورة العلمية الحديثة ،وما حققته تطبيقات المنهج التجريبي من نجاحات واكتشافات فـــي ميدان
العلوم الجامدة ،جعلت مختلف العلوم تنحو هذا الطريق وتحاول اعتماد التجربة كمقياس للحكم على
علمية الدراسة وقيمة البحث ،ومن بين هذه العلوم ،علوم المادة الحية ،لكن ما ظهر عن هذه المادة
الحية وشاع عنها ،أنها ظاهرة معقدة ،ومتشابكة وال تتالءم مـــع الدراسة التجريبية ،مــما دفع بالكثير
للحكم بصعوبة واستحالة دراستها تجريبيا لعدم قابليتها لذلك.لكن ظهر اتجاه علمي آخر عارض بشدة هذا
الموقف ،وقام رواده ببحوث جريئة ،أثبتت قابلية الظاهرة الحيــة للدراسة التجريبية ،وخض
وعها للمنهج التجريبي كأساس لفهمها والتعبير عنها .فكيف يمكن الدفاع عن هذه األطروحة التي تعتقد
بقابلية الظاهرة الحية للدراسة التجريبية؟ وكيف يمكن إثبات مشروعيتها؟
/2محاولة حلها
يعتقد أنصار هذه األطروحة أن الظاهرة الحية يمكن دراستها بطريقة علمية تجريبية ،تقوم على معــرفة
الشروط واألسباب التي أوجدتها وجعلتها تؤدي وظيفتها ،وبالتالي قابليتها وخضوعها للمقياس
التجريبي ،ويعتبر العالم والفيلسوف " كلود برنارد " من أشد المدافعين والمؤسسين لمنهج الدراسة
17
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
التجريبية فــي الظواهر الحية ،وقد أنبني هذا االتجاه علـــى عدة مسلمات :إذ البد من التسليم كبـــديهية
تجريبية أن لكل ظاهرة شروط وجودها المحددة تحديدا مطلقا ،سواء تعلق األمر باألجسام الجامدة أو
بالكائنات الحية ،وأنها ال تشذ عن هذه الشروط ،وبالتالي ال يمكن لتأثير الحياة أن يغير في القضية شيئا،
ولو قلنا بغير هذا لصارت الظاهرة الحية تسير وفق قوة عمياء ،وهذا مستحيل فــــي الكون.
وبناء على هذا يؤكد " كلود برنارد" و " فرانسوا جاكوب " أنه ال فرق بين الظاهرة الجامدة والظاهرة
الحية إال في درجة التعقيد ،ألن كل الدالئل التجريبية تفيد بوجود قوانين تحكم الظواهر الحية مثلما هو
الحال في القوانين التي تحكم الظواهر الجامدة ،لهذا يقول " كلود برنارد " ":ال بد لعلم البيولوجيا أن
يأخذ من العلوم الفيزيائية الكيميائية المنهج التجريبي ،ولكن مع االحتفاظ بحوادثه الخاصة وقوانينه ".
ويفهم من هذا أن العالم البيولوجي يستعير وسائل التحليل وطرائق االستقصاء من العلوم الجامدة ويستفيد
منه فـــي دراسة الظواهر الحية مع الحفاظ على خصوصياتها ،ومن هنا استطاع " كلود برنارد " أن
يقلب حيوانات ذات دم حار
ويضيف أصحاب هذا االتجاه أن الظاهرة الحية ما هي في الحقيقة إال آلة حية تنحل إلى مركبات طبيعية،
وبالتالي فهي تخضع لتفسير ميكانيكي ،مثل باقي الظواهر الجامدة.
غير أن خصوم هذه األطروحة يعتقدون أن الظاهرة الحية يصعب إخضاعها ودراستها دراسة تجريبية،
ألنها ظاهرة معقدة ومتشابكة ،وتتصف بالتكامل واالنسجام بين أعضائها ،وليست مجـــرد نتاج تفاعل
كيميائي فيزيائي ،كما هو في الظواهر الجامدة .لهذا يقول " :كوفي " إن سائر أجزاء الجسم مرتبطة
فيما بينها ،فهي ال تستطيع الحركة إال بقدر ما تتحرك كلها معا ،والرغبة في فصل جزء عن الكتلة معناها
نقله الى نظام الذوات الميتة " ...كما أن المالحظة غير ممكنة في البيولوجيا ألن الكائن الحي ال يستقر
على معين ،وفوق هذا يصعب التجريب عليها وبنائها مخبريا ،من كل هذه العوائق حكم هؤالء بأن الدراسة
التجريبية في الظواهر الحية غير ممكنة ومستحيلة.
ــ غير أن هذا الموقف هو نوع من االستسالم للعوائق والصعوبات وهروبا من مواجهتها .ويعـد هذا
قصور في الباحث ووسائله ،وليس في الظاهرة وما تتمتيز به.
ومن ناحية أخرى فإن الصعوبات وطبيعة الظاهرة الحية ،لم توقف البحث العلمـــي فيها ،بل على العكــس
دفعت العلماء وشجعتهم على بناء طرق جديدة لدراستها ،وإبداع وتطوير مختلف الوسائل والتقنيات
التجريبية التي تتالءم مع طبيعتها وتمكن من دراساتها تجريبيا ،وهذا ما يدفعنا لتدعيم األطروحة بحجج
شخصية تؤكد صحتها :
فلقد أثبت " كلود برنارد " في تجاربه المختلفة أن الظاهرة الحية تخضع لمبدأ الحتمية واالطراد ،الذي
تخضع له المادة الجامدة ،وبالتالي يمكن دراستها بنفس المنهج ،وتفسيرها سببيا ،وصياغة قوانين
لظواهرها وهذا ما وضحه بالتفصيل في تجربته حول بول األرانب.
18
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
كما أكد " با ستور " في تجاربه حول الجراثيم أن لها أسبابها وشروطها التي توجدها ،وبذلك كذب تلك
المزاعم التي كانت تدعي أن الجراثيم تنشأ بطريقة عفوية .إضافة إلى أن الدراسات المعاصرة أثبتت أن
التفسير العلمي واحد بالنسبة للمادة الجامدة أو الحية ،فآلية العمل الذي يقوم به القلب مثال في الدورة
الدموية هو نفس العمل الذي تقوم به المضخة االصطناعية مع بعض التحفظ .
/3حل المشكلة
وعليه نخلص إلى أن الظاهرة الحية قابلة للدراسة التجريبية إذ تمكنا من معرفة طبيعتها وخصائصها
التي تميزها ،وما يظهر من عوائق في ميدان البحث ،فهذا ال يعود إلى الظاهرة ،بل يرد إلى ذاتية الباحث
وقصور وسائل البحث ،ومن ثمة نحكم بصحة هذه األطروحة ومشروعية الدفاع عنها وتبنيها.
إن نجاح المنهج التجريبي في الطبيعيات أصبح قدوة لسائر المباحث التي تريد أن تتصف بالعلمية ،ومن
جملتها نجد ما هو خاص بالظواهر اإلنسانية النفسية وعلى هذا األساس تساءل المفكرون حول حقيقة البحث
في علم النفس :فهل يمكن دراسة الظاهرة النفسية دراسة علمية؟
-2محاولة حلها:
ترى النزعة الكالسيكية أنه ال يمكن إخضاع الظاهرة النفسية إلى العلمية وذلك نظرا لطبيعة هذه الظواهر.
الحجج :الظاهرة النفسية تتميز بالتغير والتعقيد والتشابك فمثال المشاعر متداخلة مع بعضها البعض
واإلنسان ينتقل فــي انفعاالته من القلق إلى السكون ومن الفرح إلى الغضب ومن التفاؤل إلى التشاؤم في
لحظات هذا االنتقاء لوقائع نفسيّة محدّدة يت ّم على أساسها تفسير ك ّل النّشاط النّفسي لدى اإلنسان ،وهو
ما يجعل " كانغيالم" يصف هذا العلم وكأنه " فلسفة تعوزها ال ّدقّة" ،يعني لم تحقق بعد علميتها ،ثــم
إن الظواهر النفسية كيفية ال يمكن قياسها كميا فالعواطف واألهواء والمشاعر ال يمكن حسابها عدديا،
ألنها ظواهر معنوية ومن هنا ال يمكن مالحظتها ألنها غير مرئية وشديدة التحول .ولفهم الظواهر النفسية
نحتاج إلى المنطق العاطفي ال إلى منطق العقل وبالتالي فإن منهج التعاطف هو السبيل إلى فهم الظواهر
التي ال تقبل التفسير العلمي .لهذا يقول الفيلسوف األلماني "دلتاي " " :إن الظواهر الروحية قابلة للفهم
وليست قابلة للتفسير" وربما السبب األساسي يتمثل في صعوبة تحقيق الموضوعية العلمية ألن الباحث
وموضوع البحث هو اإلنسان .وال تفلت الحوادث النفسية من مبدأ الحتمية إذ يصعب أن نتنبأ بسلوك اإلنسان.
فأي معنى يبقى للمنهج العلمي إذا عجزنا عن تطبيق خطواته األساسية المتمثلة في المالحظة ،الفرضية،
التجربة؟
19
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
النقد :إن هذه العوائق االبستمولوجية إنما ترجع إلى طبيعة الموضوع وبالتالي يمكن تكييف المنهج العلمي
بما يوافق خصائص الظاهرة النفسية.
يمكن دراسة الظاهرة النفسية دراسة علمية فالنفس ليست خرافة ميتافيزيقية بل ظاهرة حيوية لها أسبابها
ونتائجها وأثارها.
الحجج :وهذا ما تؤكده النزعة الحديثة التي تصر على إمكانية مالحظة السلوك وقياسه وهذا ما حاول فعله
العالم " بافلوف "Pavlovبواسطة المنعكس الشرطي حيث أثبت أن السلوك ينحل إلى سلسلة من المنبهات
التي تصاحبها ردود أفعال آلية مما يتيح التنبؤ بالسلوك وفق( مبدأ الحتمية) ،وبالتالي صياغة القوانين ،إن
النظرية السلوكية بينت إمكانية مالحظة السلوك من الخارج (احمرار الوجه واصفراره ،االرتعاش) ،هذه
كلها دالئل على أحوال نفسية.
وحديثا مع تطور علم النفس أصبحت حقيقة ال يمكن إنكارها ،فالتحليل النفسي قائم على ضوابط علمية،
ولقد حاول علماء النفس قياس القدرات العقلية كالذكاء مثلما فعل سيمون وبينيه( .)Simon et Binet
النقد :إن تعدد المناهج في علم النفس يطرح إشكاال ابستيمولوجيا ّ دقيقا فهذه التيّارات المختلفة والمدارس
المتعدّدة في دراسة الظواهر النفسية عند اإلنسان تؤدي إلى تشتت هذا العلم وإلى غياب وحدة تأليفية
للموضوع وللمنهج .م ّما يفقده الموضوعيّة الضرورية ولع ّل " كانغيالم "KANGELHEIMال يبتعد
كثيرا عن" أوجست كونت " الذي يعتبر " علم النفس تكريسا لجملة من األفكار الالهوتية والميتافيزيقية،
لذلك ال يمكن لهذا البحث أن يشكل علما قائما بذاته".
التركيب :الظواهر النفسية متعددة متشابكة منها ما يخضع للفهم ،ومنها ما يخضع للتفسير .ولكن عموما فإن
علم النفس حول الظاهرة النفسية من أغوارها الميتافيزيقية إلى أرض الواقع العلمي.
حل المشكلة :لقد حقق علم النفس تطورات هامة غير أن طبيعة الظواهر تحتم التفكير في بناء منهج علمي
خاص يتماشى مع حقيقة الظواهر السيكولوجية.
الشك أن المنهج التجريبي في الطبيعيات حقق نتائج باهرة تتسم بموضوعية راقية ،هذا ما دفع بالعلماء إلى
التفكير في إمكانية تطبيقه لدراسة الظواهر التاريخية برغم العوائق االبستمولوجية .فإلى أي مدى يمكن
اعتبار التاريخ علم يتميز بالموضوعية؟
-2محاولة حلها:
يرى االتجاه الكالسيكي المعارض لعلمية التاريخ ،أن الظواهر التاريخية ال يمكن أن تتصف بالموضوعية
وال بالعلمية نظرا لطبيعة حوادثها.
20
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
و يبررون موقفهم بكون " اإلنسان هو الباحث وموضوع البحث في نفس الوقت " فالمؤرخ جزء من
الحوادث التي يدرسها تؤثر فيه الضغوط النفسية واالجتماعية والسياسية واالقتصادية .يقول" ديدرو "
": Diderotهناك نوعان من التاريخ ،التاريخ الرسمي الذي يلقن في المدارس ،والتاريخ الفعلي الذي تحجبه
السياسة" .كما يصعب تطبيق الحتمية والتنبؤ ألن التاريخ يسير وفق غائية يصعب على العالم أن يحددّها،
ألن التاريخ ماض وأي افتراض يبقى مجرد فلسفة ،إذ ال يمكن ومنهجيا تبقى المالحظة المباشرة مستحيلة ّ
ي معنى لعلم يعجز عن ضبط سر ضبط قوانينه ،فأ ّ
التحقق منه تجريبيا مادام ظاهرة معنوية ماضية وهذا يع ّ
ظواهره؟
النقد :لقد بالغ أنصار هذا الموقف في النظر إلى التاريخ وكأنه ظاهرة مادية متجاهلين خصوصيته .ومهما
كان أال يمكن أن يتحلى المؤرخ بالنزاهة؟
نقيض األطروحة ( الموقف الثاني) :يرى االتجاه المعاصر المتشبع بالروح العلمية ،أن الظواهر التاريخية
يمكن أن تتصف بالموضوعية وبالعلمية وفق خصوصياتها .فاإلنسان الباحث كائن عاقل يمكن أن يتصف
بالوعي والمعقولية والنزاهة واالعتدال الفكروي ،وهذه وسائل ممكنة ،خاصة إذا تم ضبط منهج منظم
يصنف وين قد ويحلل ويركب الحوادث بصورة واقعية اعتمادا على االستقراء العلمي واالستنباط ،ويمكن
االستعانة بالعلوم الفيزيائية والكيميائية والرياضية حيث يقول العالم " فرانسوا جاكوب " في هذا السياق ":
على العالم الفيزيولوجي أن يحاول دراسة الظواهر التي تجري داخل العضوية الحية باالعتماد على مناهج
الفيزياء والكيمياء ،وعلى البيولوجيا ،كما يقول" كلود برنارد" " :أن تأخذ المنهج التجريبي من العلوم
الفيزيائية الكيميائية ،لكن مع االحتفاظ بظواهرها النوعية وقوانينها الخاصة " ويقول " بول موي" " :
والواقع أن من الممكن أن يكون اإلنسان موضوعا لعلم وضعــي ،ألنه يمكن أن يخضع لمالحظات منهجية،
وألن سلوكه ولو كان فرديا ينم عن اطرادات منتظمة وعن صور إجمالية تشهد بوجود طبيعة بشرية يمكن
تعميمها ،وألن سلوكه ليس فرديا فحسب بل هو اجتماعي أيضا ،ومن ثمة يمكن تحديده موضوعيا على نحو
ما ينبئنا علم االجتماع .وأخيرا ألن الحرية إذا كانت مضادة لعبودية األهواء من الوجهة األخالقية ،والقدر
المحتوم من الوجهة الميتافيزيقية ،فإنها ال تتنافى مطلقا مع الحتمية التي تحاول علوم اإلنسان الكشف عنها
"
ولقد استطاع عبد الرحمن ابن خلدون أن يضع أسس النقد التاريخي حيث يقول ":إن النفس إذا كانت على
حال من االعتدال في قبول الخبر ،أعطته حقه في التمحيص والنظر".
النقد :إن التسليم بعلمية الدراسات التاريخية ال يعني أنها بلغت منتهى الموضوعية فالتاريخ يكتبه األقوياء
والمنتصرون حسب وجهات نظرهم وإيديولوجياتهم.
التركيب :مسالة التاريخ مسألة علمية تختلف في موضوعها ومنهجها وطبيعتها عن علوم الطبيعة وتبقى
مسألة الموضوعية مرهونة باجتهاد الباحث وانضباطه العلمي.
حل المشكلة :إن تحقيق الموضوعية في التاريخ أمر ممكنا مادام الباحث متمسكا بأصول البحث العلمي
الموضوعي وأخذا بعين االعتبار طبيعة الحوادث التاريخية.
يقول جان بول سارتر ":إن اآلخر ليس شرطا لوجودي فقط ،بل هو أيضا شرطا للمعرفة التي أكونها عن نفسي "
-دافع عن صحة هذه األطروحة .
21
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
طرح المشكلة :من الشائع عند البعض أن معرفة الذات تتم عن طريق الوعي و أنه بإمكان اإلنسان إثبات
ذاته بنفسه بعيدا عن مجتمعه و منعزال ،في حين يعتقد البعض اآلخر بأنه ال يمكن لإلنسان معرفة ذاته إال
عن طريق التواصل مع غيره وذلك بالتأثر والتأثير ونحن بصدد الدفاع عن هذه األطروحة .فكيف يمكننا
أن ندافع عن هذه األطروحة؟ .وما هي الحجج والبراهين التي تأكد وتدعم هذا الطرح ؟ .بعبارة أخرى كيف
نعتبر وجود الغير شرطا ضروريا لمعرفة الذات؟.
محاولة حلها
أ-عرض منطق األطروحة :يرى جان بول سارتر أن الشعور هو دائما شعور بشيء وال يمكنه إال أن يكون
واعيا لذاته فالتواصل مع الغير يمكننا عن طريق الوعي بالمماثلة واإلحساس المشترك والنظر من أن يؤسس
المعرفة بالذات فقد ذهب سارتر إلى اعتبار اآلخر مقوما أساسيا ،مكونا لالنا والوعي به والنقطة األساسية
عنده تتمثل في الصلة التي بين الذات والغير .يقول" :وجود اآلخر شرط لوجودي ،وشرط لمعرفة نفسي
وعلى ذلك يصبح اكتشافي لدواخلي اكتشافا لآلخر " .والغير هو اإلنسان وليس شيئا وهو حقيقة مطلقة
موجودة ،تنكشف وتتجلى كما تظهر وهذا اإلنسان ليس شيئا ،بل هو كائن تنتظم حوله األشياء التي في العالم
وقد أخذ سارتر بالفكرة التي انطلق منها ديكارت "أنا أفكر إذن أنا موجود "وبعد أن حددها تحديدا يتجاوز
الفردية الخالصة أضحت عنده" حقيقة مطلقة يندفع إليها الوجدان ليعي نفسه ويعي بالتالي وجوده" بل ويعي
اآلخرين .ف"أنا أفكر ال تجعلني أعي نفسي ،ولكنها تجعلني أعي نفسي مواجها اآلخرين وتجعل اآلخر
حقيقة أكيدة لي ووعي له ال يقل قوة عن وعيي لنفسي" وما دام أن هناك كونية لإلنسان نابعة من اختياره
الحر لنفسه ،ومن فهمه لمشروعه وليست معطاة له ومادام أنها تتكون وتتطور ،فهي تمكنني من فهم كل
رجل من أية حقبة تاريخية كانت .فكل إنسان يحيا مشروعه ويعشه ،وانه يستطيع بخياله أن يذهب إلى
حدود مشروع األخر ويحياه إذن هناك كونية شاملة في كل مشروع ،بمعنى كل مشروع يمكن أن يفهمه كل
إنسان وباتصالنا مع الغير عن طريق التعاطف والمحبة فإن سارتر يرى بأنه رغبة من أجل امتالك الغير
ب- كفرد حر ،بينما ال نمتلك في الحقيقة ،سوى األشياء.
عرض منطق الخصوم ونقده:لألطروحة السابقة خصوم حيث يروا بأن المعرفة ذاتية داخل دائرة نفسي
دون دخل للغير فالذين نشعر بأنهم أمثالنا نجد أن لكل واحد منهم ذاتية من الصعوبة إمكان النفوذ فيها والجهود
من أجل أن نفهم الغير ،تبقى في أكثر األحيان غير مجدية ،عندما يتعلق األمر بوضع شخصي ولكن نالحظ
أن القيم األخالقية في أساسها مثل الحب والصداقة واإليثار والتسامح ....الخ فالقيم في الواقع هي عالقة مع
الغير تتضمن الميل نحوه والشوق إلى معايشته واالتصاف بالطيبة والخير اتجاهه -فبعضنا يتعلق ببعض
وذلك بصورة مستديمة فأنا تابع لمن هو أنا غيري فعندما يخف ارتباطنا بشخصنا ،نتمكن تدريجيا من
اإلدراك إلى أي درجة يكون اآلخر شبيهنا وهذا ما ينمي فينا روح المسؤولية من هنا أنا ال اعرف نفسي وما
هي صفاتي إال من خالل تدخل الغير فخطاب اآلخر ضروري بالنسبة لي ومعنى هذا ،أني دائما وبالضرورة
احتاج إلى غيري من اجل أن اعرف ذاتي قال ماكس شيلر":معروف أن التجربة األولى لالنا هي تجربة
تلفيقية غامضة أي أنا الطفل مازال في حالة الالقسمة وكأنه ملفوف من طرف المحيط وكأن اإلنسان يعيش
بدءا و أساسا في أحضان اآلخرين ال في ذاته نفسها إنه يعيش في الجماعة أكثر مما يعيش في فرد ذاته "
بها. ويعترف الذات يثبت والوجود الوجود ي ثبت فالغير
ج -الدفاع عن األطروحة بالحجج الشخصية :ويمكننا أن ندافع عن األطروحة بحجج جديدة فعلى الرغم من
أن الشعور هو مملكة حميمية ال تخترق إال من طرف صاحبها ،فباإلمكان تحقيق التواصل مع الغير دون
تنافر وتباعد عن طريق الوعي بالمماثلة واإلحساس المشترك و عن طريق اللغة والنظر وذلك من خالل
22
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
التأثير ألن الشعور ال ينطوي على نفسه ،هو يقلع "خارج ذاته" بحثا عن التغير الذاتي وتغير العالم فالشعور
هو الذي به أعلم أنني موجود ،وان الغير موجود وان العالم موجود وفي هذا السياق
يرى "براغسون" أن اللغة بوضعها الحالي ،غير صالحة لوصف معطيات الشعور مباشرة وصفا حيا فهي
تصور الشيء بما ليس هو ،ألنها أداة تحليل فاآلخر" الغير" يُعتبر مقوما أساسيا مكونا لألنا والوعي به .
يقول مارسيل ":إن الكائن الحي يقابل محيطه بخلفية توجه إجراءاته ،وتلهم طريقته في تفكيك المشهد في
كل مرحلة من مراحل حياته إنه يستجيب لخلفيات رغباته ،ويتغير مدلول نفس المشهد لدى الحيوان و الطفل
بحسب أن يكون جائعا أو عطشان أو متعبا" .فالشعور ال ينير إذن كامل المجال المادي للفعل إنارة متساوية
،ألنه يستجيب هو نفسه للتنظيم العام للسلوك فهو بهذا ال يمنحنا واقعا مستقال عنا ،كما نظن عادة ،بل على
العكس من ذلك في هذا العالم طابع وجودنا فالشعور الفوري ليس متفرجا ،وإنما فاعل ونزوعي .
ومنه نستنتج أن األطروحة القائلة" أن اآلخر ليس شرطا لوجودي فقط بل هو أيضا شرطا للمعرفة التي
أكونها عن نفسي "صحيحة في صيغها الفلسفي ونسقها ويمكن أن نتبناها وأن نأخذ برأي أنصارها وال يمكن
رفضها أو دحضها بأي شكل من األشكال لكون أنها سليمة في مبادئها و منطلقاتها فشعور اإلنسان بذاته
متوقف على معرفة اآلخرين فهي ضرورية لتثبت الذات وتُأكد خصوصيتها.
طرح المشكلة:إذا كانت الحرية بحسب جميل صليبا" هي الحد األقصى الستقالل اإلرادة العالمة بذاتها
المدركة لغايتها أي أن يتصرف اإلنسان حسب ما يمليه عليه عقله ،بينما الحتمية تعني إذا تكررت نفس
األسباب مع توفر نفس الشروط أدت إلى نفس النتائج ،فلقد اتخذ أنصار النزعة الوضعية من هذا المبدأ حجة
ينفون بها الحرية عن اإلنسان ،في حين يعتبر بعض المفكرين من أنصار الطرح الواقعي بان الحتمية هي
شرط ضروري لوجود الحرية هذا الجدل الفكري يدفعنا إلى التساؤل :هل عالقة الحرية بالحتمية هي عالقة
تعارض أم عالقة تكامل ؟
الموقف األول " :ال توجد حرية في ظل وجود الحتمية" يرى أنصار النزعة الوضعية "العلمية" بان
وجود الحتمية يكون عائقا لوجود الحرية ،فالعالقة بين الحرية والحتمية هي في الحقيقة عالقة تعارض
وهذا يعني أن كل أفعال اإلنسان وتصرفاته مقيدة بأسباب وشروط أي مجموعة من الحتميات وبالتالي فهو
غير حر .
الحجة والبرهان "الحجج والبراهين ".مختلف الحتميات التي تتحكم في نشاط اإلنسان منها الحتمية الطبيعية:
إذ الطبيعة تخضع لنظام عام شامل وثابت ومادام اإلنسان جزء من الطبيعة فهو يخضع لقوانينها ،فالطبيعة
هي التي دفعت اإلنسان إلى العمل مثل :الحرارة والبرودة واألمطار والجفاف ويعتقد العلمانيون أن اإلنسان
عبارة عن تركيبات كيميائية وفيزيائية يخضع لقوانين الطبيعة بطريقة آلية مثله مثل الظواهر الجامدة "الجزء
يخضع لنظام الكل ".
23
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
الحتمية الفيزيولوجية :اإلنسان يسعى من اجل تحقيق دوافعه الفطرية البيولوجية للحفاظ على بقائه واستمراره
مثل دوافع الجوع والتكاثر .فالدوافع البيولوجية الحيوية هي التي تتحكم في سلوك اإلنسان العلمية والنفسية
.يرى فرويد أن أفعال اإلنسان الواعية وغير الواعية أساسها دوافع الشعورية ؛ فأفعال اإلنسان مقيدة
بمكونات الالشعور .أما المدرسة السلوكية فتفسر جميع نشاطات اإلنسان على أنها مجرد أفعال منعكسة
شرطية أي مجرد ردود أفعال عضوية على منبهات .
الحتمية االجتماعية :يرى علماء االجتماع وعلى رأسهم دوركايم "بان القواعد والقوانين االجتماعية تتصف
بالقهر واإللزام فهي تجبر الفرد على إتباعها بالقوة والدليل على ذلك وجود العقوبات .
النقد :المناقشة :لكن هذه المواقف تهمل دور العقل واإلرادة وال تميز بين اإلنسان والحيوان .فلو سلمنا بان
الحتميات ال يمكن التغلب عليها لما استطعنا أن نصل بالعلم إلى ما وصلنا إليه ثم أن هللا كرم اإلنسان وحقيقة
تكريمه تتمثل في العقل بطرق مشروعة يراعي فيها القوانين األخالقية والدينية مثل :التغلب على دافع الجوع
بالصوم وتجاوز دافع حب البقاء بالجهاد في سبيل هللا والوطن .
التحرر من الحتمية النفسية :ويتم ذلك من خالل التحكم في الميول والعواطف واألهواء والرغبات
وإخضاعها لسيطرة اإلرادة والعقل.
نقيض القضية :موقف أنصار التحرر :يرى أنصار هذا الموقف أن الحتمية شرط ضروري لوجود الحرية
فالعالقة بين الحتمية والحرية هي عالقة تكامل :فوعي اإلنسان بمختلف قوانين الحتمية هو مصدر تحرره
،وان التحرر ال يعني إلغاء القوانين وإنما معرفتها للبحث عن الوسائل المناسبة للسيطرة عليها ،ويتم التحرر
بالسيطرة على مختلف العوائق التي تتمثل في التحرر من الحتمية الطبيعية :وهذا التحرر يتم بمعرفة قوانين
الطبيعة ومقاومتها لمختلف العوائق بفضل العلم والتقنية مثل التغلب على الحرائق والحرارة والبرودة وتفادي
مخاطر الزالزل لذلك يقول بيكون ":إننا نخضع للطبيعة لكي نُخضعها " ويقول ماركس":إن الحرية تتحقق
بالتغلب على العوائق الطبيعية بالعلم والتقنية " ويؤكد انجلز :بان الحرية تتمثل في السيطرة على أنفسنا
وعلى العالم الخارجي من حولنا .
التحرر من الحتمية االجتماعية :بإمكان الفرد التحكم في القوانين والقواعد التي تنظم الحياة االجتماعية
فيستبدل القوانين البالية بقوانين جديدة تحقق التطور والدليل على ذلك ثورات األنبياء والمصلحين والعلماء
كما دلت دراسات علم النفس على أن الفرد ال يكتفي بالتقليد بل يقوم بالمعارضة ومقاومة القوانين التي ال
تناسبه ويستبدلها بغيرها .
التحرر من موقف المادية التاريخية ":كارل ماركس "يربط ماركس الحرية بنوع النظام االقتصادي وشكل
الملكية فالملكية الفردية لوسائل اإلنتاج وعالقته في النظامين اإلقطاعي والرأسمالي أدت إلى االستغالل
والطبقية ولكي يتحقق التحرر ال بد من الوعي والقيام بالثورة وتغيير نظام الملكية من ملكية فردية إلى ملكية
جماعية أي تغيير النظام االقتصادي من نظام رأسمالي إلى نظام اشتراكي .
التحرر من الحتمية البيولوجية :بما أن اإلنسان كائن عاقل فهو يملك قدرة التحكم في دوافعه البيولوجية
وتحقيقها
النقد :والمناقشة :لكن على الرغم من محاولة اإلنسان االنفالت من القيود عن طريق العلم ال يستطيع التخلص
منها كليا وال مطلقا .ومع ذلك فهو صاحب القرارات وكائن المسؤوليات .
24
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
التركيب :وعموما يمكننا أن نقول أن الحرية هي تجسيد إلرادة اإلنسان في الواقع ،لذلك يؤكد بوانكاريه
":أن العالقة بين الحرية والحتمية هي التكامل .ومنه فالحتمية ليست عائق بل تعد شرطا لوجود الحرية .
الخاتمة :وفي األخير نستنتج بأن الحتمية ليست عائقا في وجه الحرية بل هما في الحقيقة يشترطان فإن غابت
الحتمية انتفت بالضرورة الحرية ،والعكس صحيح .
نص السؤال :هل تتعارض الحرية مع المسؤولية ؟ هل يصح االعتقاد بان الحرية شرطا للمسؤولية ،
أم أن هذه المسؤولية تتنافى مع الحرية ؟
طرح المشكلة :من المتعارف عليه أن كل شخص يعبر عن نفسه بلفظ أنا ،وهذا التعريف يحمل وعيا
بمعالمها الداخلية أي :شعور هذه الذات بما تحمله من رغبات وميول إلى الظهور في شكل سلوك يسمى
سلوكا حرا .إذ تُعرف الحرية بأنها قضية ميتافيزيقية ألنها شعور للفرد بقدرته على االختيار بين عدة
ممكنات وبقدرته على االستقاللية في قراراته وسلوكياته ،في حين تُعرف المسؤولية بأنها إلحاق االقتضاء
بصاحبه من حيث هو صاحب الفعل .وعليه يمكننا أن نتساءل :اذا كانت المسؤولية تأخذ طابع اإللزام
وااللتزام والحرية تحرر من كل إلزام .فهل هذا يسمح لنا أن نعتبر أن المسؤولية تتنافى والحرية ؟ أم أن
هذا التعارض بينهما غير حقيقي ال يُحدث تنافرا بينهما وبالتالي ال يمنع توحدهما ؟
األطروحة األولى :المسؤولية تتنافى والحرية وتتعارض معها :يرى أنصار المدرسة االجتماعية بزعامة
دوركايم وفيري باإلضافة إلى أنصار المدرسة النفسية بزعامة فرويد أن المسؤولية تتنافى مع الحرية حيث
يعتمد هؤالء على مسلمات منها أن اإلنسان ابن بيئته وهو خاضع لحتمية اجتماعية تفرض عليه أن يتحمل
المسؤولية ،كما يتعرض الطفل إلى عملية كبت لرغباته الداخلية ويصبح سلوكه عبارة عن ردود أفعال ال
واعية ضبط الحجة :يعتقد دوركايم أن المجتمع هو الذي يحدد نمط سلوكياتنا ،ألننا نولد ضعفاء ونجد
المجتمع منظم تنظيما صارما في قوانينه ونظمه وأعرافه التي تُنقل إلينا عن طريق األسرة بالتربية والتلقين
،وعندما نبلغ سن الرشد يكون سلوكنا مجرد اجترارا لما تلقيناه من قيم في السابق حيث نعتقد أننا نأتي
بسلوكياتنا من خالل أنفسنا .لكن في الحقيقة تعبر عن ما يرغب فيه المجتمع أي الخروج عن القيم االجتماعية
يحمل الفرد مسؤوليته ومنه فالمسؤولية االجتماعية تجعلنا جزءا من المجتمع تعاقبنا معنويا بالعرف وماديا
بالقانون فالمسؤولية هنا إذن معناها تتنافى والحرية .كما أن سيغموند فرويد يقسم الجهاز النفسي إلى :الهو:
أين توجد الرغبات الدفينة والميوالت األنا :وهي الذات الواعية التي تشعر بعالمها الداخلي إذ أن كل فرد
يشير إلى نفسه بلفظ أنا .األنا األعلى :وهي القيم األخالقية والمعايير االجتماعية والمعتقدات وكل ما يؤمن
به المجتمع .تسقط الرغبة الذاتية من الهو إلى األنا في نفس الوقت تتلقى األنا من األنا األعلى قيم اجتماعية
.إذا حدث تعارض بينهما يحدث الصراع داخل األنا وينتهي بحكم األنا األعلى أي المجتمع ،فتعمل األنا
على نقل الرغبة الذاتية إلى الالشعور حيث تكبت مما يعني أن المسؤولية االجتماعية تتنافى والحرية الفردية
.
النقد :والمناقشة :لكن نالحظ أن دوركايم اعتبر خروج الفرد عن القوانين االجتماعية يعرضه للعقاب ألنه
يتحمل مسؤولية هذا الخروج ،وهذا يؤكد الحرية وال ينفيها بآي شكل من األشكال الن الخروج عن القوانين
هو االختيار واالختيار هو الحرية بعينها .كما أن المجتمع ال يُملي على الفرد القوانين كما لو كانت دستورا
25
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
ثابتا ،فهناك بعض األفراد تحرروا من ضغط المجتمع وأبدعوا ،فالمصلحين والعلماء انتهجوا الطريق
الفردي وخير دليل على ذلك نيوتن .
نقيض األطروحة :المسؤولية تشترط الحرية وتتوحد معها :يرى أنصار المدرسة العقلية بزعامة افالطون
والمعتزلة في الفكر االسالمي وكذا المدرسة الوجودية بزعامة سارتر وكانط أن المسؤولية تشترط الحرية
وتتوحد معها معتمدين على جملة من المسلمات منها :انه ال يكون اإلنسان مسئوال إال إذا كان حرا وإذا
سقطت الحرية سقطت عنه المسؤولية ،ثم انه إذا كانت الحرية حقا طبيعيا يُولد مع اإلنسان فهو يُولد أيضا
مسئوال .
ضبط الحجة :يقول سارتر" :إن اإلنسان ال يوجد أوال ثم يكون حرا بل هو الكائن الوحيد الذي يولد حرا
ولذلك يضطر إلى االختيار وأثناء عملية االختيار يكون قد حدد مسؤوليته" .
موقف المعتزلة اإلنسان يولد حرا ويملك القدرة على التمييز بين الخير والشر وعليه ،فإذا اختار الشر فهو
مسئول عن اختياره .قول كانط ":إذا كان يجب عليك فأنت تستطيع " فاالستطاعة تعني القدرة على االختيار
بين القيام بالفعل والتخلي عنه ،مما يعني أن الواجب األخالقي الذي مصدره الضمير يجعلنا مسئولين عن
اختياراتنا .أما أفالطون فقد أكد من خالل أسطورته التي تتحدث عن الجندي "آر" الذي مات في ساحة
الشرف إذ يعود إلى الحياة من جديد ويروي األشياء التي تمكن من رأيتها في الجحيم ،حيث أن األموات
يطالبون بأن يختاروا بمحض إرادتهم تقمصهم القادم وبعد أن يختاروا يشربوا من نهر النسيان " ليثه"ثم
يعودون إلى األرض حيث قد نسوا بأنهم هم الذين اختاروا مصيرهم ويأخذون باتهام القضاء والقدر في حين
إن هللا بريء.
النقد والمناقشة :من المالحظ أن هؤالء يتكلمون عن حرية إنسانية مسبقة ،إذ في الواقع اإلنساني نجد
اإلنساني بمختلف ثقافاته يواجه مجموعة من الحتميات والعوائق المختلفة لكن قد يتغلب عليها .مما يعني
أن المسؤولية ليست مرتبطة بالحرية ،فإذا كان اإلنسان حرا فحريته محدودة مما يسقط عليه أحيانا المسؤولية
رغم ممارسته لحريته .ثم يمكننا أن نتساءل :أليس األفعال هلل خلقا وللعبد كسبا ووقوعا ؟ فإذا كان هذا
المخلوق ال ُملزم بالتكليف مسئول عن كل ما يصدر عنه .فكيف نفسر المشيئة اإللهية التي سبقت مشيئته؟.
وما معنى قوله تعالى ":وما تشاءون إال أن يشاء هللا رب العالمين" .؟.ممن المالحظ ان هؤالء يتكلمون
عن حرية
التركيب :تغليب موقف على آخر :إذا كان اإلنسان بطبيعته حرا وفي المقابل هناك حتميات نفسية فيزيولوجية
فيزيائية اجتماعية ،فان الحرية قائمة على اإلرادة أي أن اإلنسان يملك بالفطرة القدرة على مقاومة الحتميات
ومواجهة الصعاب ،فإذا استسلم ولم يقاوم فهذا خطأ وال يلغي عليه المسؤولية بل تبقى قائمة .فالطالب الذي
يعلم انه متوجه إلى االمتحان دون أن يسلح نفسه باالجتهاد ويستسلم لحتمية حب الراحة ،فإن ذلك ال يلغي
عليه مسؤوليته في الفشل.
الخاتمة :وعموما نستنتج أن الفعل اإلرادي يمر بمراحل هي :شعور الفرد برغبته ،المداولة الذهنية ،
اتخاذ القرار ،وهو ما يسمى تثبيت النية أو القصد إلى الفعل الذي يعتبر شرطا من شروط المسؤولية أما عن
شروط المسؤولية فمنها الوعي " المعرفة" ،العقل " التمييز" ،الحرية مما يعني أن الفرد ال يكون مسئوال
إال إذا كان سلوكه حرا ومنه فالحرية تشترط المسؤولية في القصد إلى الفعل والمسؤولية تشترط الحرية فهما
يتوحدان رغم أن الحرية تشير إلى عدم التقيد بينما المسؤولية تشير إلى التقيد .وخير ما نختم به ما جاء في
26
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
الحديث القدسي ":عبدي أنت تريد وأنا أريد فما يكون إال ما أريد ،إن أطعتني فيم أريد أعطيتك ما تريد
وان عصيتني فيم أريد كتبت لك الشقاء فيم تريد " .
يرى أنصار الفكر الفلسفي السياسي المعاصر بضرورة تقييد التسامح إذ ال وجود لمطلقية التسامح ،ولعل
هذه المسلمة هي من فتحت الباب أمام الالند .حيث يرى بأن التسامح المطلق يؤدي إلى الفوضى ثم إن كل
تسامح مطلق من شأنه أن يؤدي إلى مفاسد مطلقة يقول السياسي اميل برودو (:ال أحب سماع كلمة التسامح
،بل يجب الحديث عن شيء اسمه االحترام والمحبة .أما هذه الكلمة معناها اإلساءة للناس والبشرية ) .كما
أكد نتشه :أن األخالق والقانون ما هما إال مبرران للضعفاء ،أما الفيلسوف انجلز فقد اعتبر التسامح مبرر
وضعه األغنياء من أجل السيطرة على الفقراء ،ونفهم من هذا أننا إذا اعتبرنا أن التسامح قيمة أخالقية فهو
نسبي تتحكم فيه شروط منها الحوار :وقبول آراء اآلخر دون إلغائه يقول الالند (:كلمة التسامح تتضمن
مفهوم اللياقة والشفقة والالمباالة إذ هي دعوى إلى االزدراء والتعالي والطغيان) وهذه المعاني كلها مجتمعة
تدعو إلى تقييد التسامح وعدم إطالقه .وكدليل من الواقع نجد العولمة اليوم تمارس نوع من االستعمار
وتفرضه بموجب مفهوم التسامح ،كما يضاف إلى هذا بعض طرق العنف المسلطة من طرف السلطة على
األشخاص سواء تعلق األمر بالجانب السياسي أو االقتصادي أو الفكري ،وهذا النوع قد يتساهل معه البعض
بدعوى التسامح .
النقد والمناقشة :نالحظ أن التسامح فضيلة إنسانية وشجاعة وعفة وطموح ،كما هو دعوة كل األديان
والفلسفات القديمة والحديثة في اغلبها .لكن إذا ما نحن جعلنا قيدا للتسامح فإننا نقتل هذا التسامح وإال كيف
نفسر تسامح مشروط يحمل في معناه تسامح ؟ .ثم إننا ال ننفي دور هذا األخير في نشر األمن والسلم خاصة
إذا علمنا أن البشرية أنهكتها ويالت الحروب وأرهقتها الصراعات السياسوية وال سبيل للخالص من ذلك
إال وفق مبدأ التسامح .وبهذا نبطل ادعاء هنري ألفريد كسنجر "باحث سياسي أمريكي وسياسي ألماني
النشأة " والقائل ( :في السياسة ال توجد صداقة دائمة وال عداوة دائمة وإنما توجد المصالح فقط ).
نقيض القضية :الموقف الثاني :يرى أنصار هذا الموقف بوجوب اطالقية مبدأ التسامح واعتباره مطلب
إنساني ال يخضع ألي قيد ،حيث مثلت هذه األطروحة قديما مختلف الديانات السماوية والفلسفة اليونانية
خاصة مع سقراط وأفالطون ثم برز هذا المفهوم بشكل الفت لالنتباه في فلسفة عصر التنوير ،والذي بدت
معالمه في هذا المجال مع كانط ورسل من خالل دعوتهما إلى مشروع السالم العالمي الدائم .وخاصة ما
27
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
تجسد من فكر لدى كانط في كتابه ":مشروع السالم الدائم" .ثم ميثاق هيئة األمم المتحدة وإعالنها مبدأ
حقوق اإلنسان ،وإيجاد اليوم العالمي للتسامح المصادف لـــالسادس عشر من شهر نوفمبر من كل سنة ثم
دعوة الفيلسوف والسياسي روجي غارودي إلى الحوار بين مختلف الحضارات والديانات ،كما تم االتفاق
على تدعيم الديمقراطية وسيادة القانون ونبذ الديماغوجية ،ثم إن مفهوم التسامح ال يعني التنازل أو التخاذل
أو الجبن بل هو فضيلة من شأنها أن تجعل السالم أمرا ممكنا بدل الحرب والعنف .إذ ال وجود للتطور
االقتصادي في ظل الخراب والدمار ،حتى أن المجتمع ال يقوى على الرقي في ظل الصراع والتكالب
الجماعي ،وابرز دليل على ذلك قوله تعالى (:وال تستوي الحسنة وال السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذ الذي
بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) .ثم إن التسامح ليس مفهوما خرافيا طوباويا بل واقع إنساني يقف ضد
التعصب ألنه يحمل معنى الخير ،وفي الواقع نجد فكرة التسامح الالمشروط قد تطرق إليها جملة من الفالسفة
والمصلحين والساسة منهم الفيلسوف سبينوزا في كتابه ":رسالة الالهوت" ثم تلتها دعوة جون لوك
وجونستوارت مل ومن قبل هؤالء المصلح مارتن لوثر ومن بعد أن حطت الحرب العالمية الثانية أوزارها
دعي كال من كانط ورسل إلى السالم العالمي الدائم يقول كانط (:الدولة وسيلة تخدم األفراد وليست غاية) .
أما رسل فقد أكد بأن األحقاد التي توارثتها الشعوب سببها األطماع في السلطة .
النقد والمناقشة :لكن إذا أطلقنا العنان لمفهوم التسامح سيغدو هذا التسامح قضية صعبة المنال ،ذلك الن
الشخص المتسامح قد يقع ضحية الالتسامح والسترجاع حقوقه الضائعة يجب أن يكون غير متسامح .وإال
كيف نفسر قوله تعالى ( :ولكم في القصاص حياة يا أولي األلباب )؟.هذا ويالحظ أن دعاة الديمقراطية هم
أنفسهم من يشن الحرب ويمارس العنف بمختلف أنواعه .
التركيب :وعموما نخلص إلى أن جميع الديانات والفلسفات تلتقي حول فكرة واحدة مفادها التوصل إلى نوع
إنساني الغالب فيه حب اإلنسان والسمو إلى فكرة اإلنسان الكوني ،ولعل هذا ما جعل الحوار يقوم على
المساواة وليس التفاضل ،إذ ليس من السهل الحديث عن التسامح ونحن ال ندرك مفهوم الالتسامح .فهذا
اإلسالم أعطى لنا أفضل صورة للبشرية بعنوان التسامح تجسدت في مبدأ الشورى .
الخاتمة :وأخيرا وللفصل في سؤالنا نستنتج أن االختالف أمر طبيعي موجود في الحياة كما هو أسلوب من
أساليب التفكير التي يجب أن تقوم على احترام اآلخر وعدم نفيه ،وهذا قول أمير المؤمنين أبي حفص عمر
ابن الخطاب رضي هللا عنه (:رأيي صحيح يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب) .من هذا نخلص
إلى القول بأن التسامح في مواطنه أمر ضروري كالعفو عند المقدرة ما لم يؤدي إلى االستكانة والتنازل عن
الحق ،كما قد يكون هذا التسامح مطية للتنازالت والذل .مما يجعل اآلخر يعتقد منا الضعف ليدعي هو
القوة .
28
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
فهرس الموضوعات
الصفح التر
الدرس ة
الموضوع تيب
السؤال بين المشكلة واإلشكالية. 02 ميز بين األسئلة العلمية واألسئلة االنفعالية؟ 01
المشكلة واإلشكالية أثبت بالبرهان صحة األطروحة القائلة":إن التطورات 03 02
العلمية جعلت الفلسفة ال دور لها "
المشكلة واإلشكالية 05 03قارن بين المشكلة واإلشكالية؟
انطباق الفكر مع نفسه أثبت بالبرهان صحة األطروحة القائلة"أن المنطق الصوري 06 04
المنطق الصوري-
هو آلة تعصم الفكر من الوقوع فـــي الخطأ "
29
إعداد األستاذ:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم.
انطباق الفكر مع الواقع هل االفتراض العلمي ضروري لتأسيس مشروع الحقيقة 08 05
-االستقراء-
العلمية؟
الرياضيات والمطلقية 01أصل 10 06هل المفاهيم الرياضية مستمدة من التجربة الحسيـــة؟
الرياضيات.
-02الرياضيات واليقين 12 07هل تعدد المسلمات يسيء إلى اليقين الرياض؟
والعلوم في العلوم التجريبية 13 08هل المقياس التجريبي معيار الزم لتحديد علمية العلم؟
البيولوجيية
01
02إشكالية الحتمية والالحتمية. 15 09هل تخضع الظواهر الطبيعية إلى حتمية مطلقة؟
-03التجريب في البيولوجيا 10إن الظاهرة الحية ظاهرة قابلة للدراسة التجريبية" دافع 16
بالبرهان صحة هذه األطروحة
العلوم اإلنسانية والعلوم المعيارية 19 11هل يمكن التجريب في علم النفس؟
1علم النفس كنموذج -
-
-2علم التاريخ كنموذج 20 هل يمكن دراسة الحادثة التاريخية دراسة علمية
12موضوعية؟
الحياة بين التنافر والتجاذب 13يقول جان بول سارتر":إن اآلخر ليس شرطا لوجودي فقط 22
-1الشعورباألنا ،بل هو أيضا شرطا للمعرفة التي أكونها عن نفسي "
والشعور بالغير دافع عن صحة هذه األطروحة .
ـــ هل الحتمية عائقا للحرية أم شرطا لممارستها ؟
-2الحرية والسؤولية
أ /المقال األول . -نص السؤال :هل تتعارض الحرية مع المسؤولية ؟ 23 14
هل يصح االعتقاد بان الحرية شرطا للمسؤولية ،أم
ب /المقال الثاني. 25 أن هذه المسؤولية تتنافى مع الحرية ؟ 15
هل ينبغي للتسامح أن يكون مطلقا في جميع الحاالت؟
30