You are on page 1of 30

‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.

‬‬

‫أضع ألعزاء التالميذ بشعبة الثالثة العلوم التجريبية وشعبة ثالثة رياضيات ‪ .‬جميع‬
‫المقاالت الخاصة بالفصل األول والثاني والثالث أمال في ذلك أن تكون سندا قويا لهم على‬
‫اجتياز امتحان الفلسفة بامتياز‪.‬‬
‫وقد جاءت هذه المقاالت مشروحة ومفصلة‪ .‬وفي الوقت ذاته محلولة بجميع الطرق‪" :‬‬
‫الجدل ‪ ،‬الوضع ‪ ،‬المقارنة"‬

‫" ال يمكن لإلنسان أن يتعلم فلسفة جديدة وطريقا ً جديدا ً في هذه الحياة دون‬
‫‪ -‬دباب كريم ‪-‬‬ ‫أن يدفع الثمن "‬

‫‪1‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫السنة الدراسية‪2016-2015 :‬‬

‫نص السؤال‪ :‬ميز بين األسئلة العلمية واألسئلة االنفعالية؟‬

‫‪ -1‬طرح اإلشكالية‪:‬‬

‫اإلنسان كائن عاقل بالفطرة‪ ،‬يحمل الوعي ونشاط التفكير وهذا ما يدفعه لمحاولة الفهم وتحصيل المعرفة‬
‫ومواجهة ما يعترضه خاصة إذا وجد نفسه في بيئة يسودها الغمــوض‪ ،‬وتعبر عن مشاكل مختلفة يضطر‬
‫اإلنسان للتساؤل حولها وعن كيفية مواجهتها ‪ .‬من هنا كان السؤال مهما كانت طبيعته هو المنطلق لطرح‬
‫مختلف القضايا المعرفية أو العلمية أو العملية‪.‬‬

‫وعلى هذا األساس تتعدد األسئلة وتتنوع‪ .‬ومن أهمها األسئلة العلمية واألسئلة االنفعالية‪ .‬فما الفرق بين‬
‫السؤال العملي والسؤال الفلسفي؟‬

‫‪ -2‬محاولة حلها‬
‫مواطن االختالف‪:‬‬

‫ــ السؤال العلمي مجاله عالم الطبيعيات والمحسوسات‪ ،‬بمعنى آخر العالم يدرس الظواهر المادية الطبيعية من‬
‫زوايا متفرقة‪ ،‬كظواهر جزئية‪ :‬فعالم الفلك يبحث في األجرام السماوية‪ ،‬وعالم الفيزياء يدرس الضوء‪ ،‬وعالم‬
‫الكيمياء يبحث في المعادن‪...‬الخ‬

‫يعتمد السؤال العلمي على المنهج التجريبي الذي يعتمد على بدوره على خطوات وهي المالحظة والفرضية‬
‫والتجربة الختبار هذه الفرضيات‪ :‬ويطمئن على الحقائق التي يــصل إليها عن طريق التجريب‬

‫وحده‪ .‬وهذا من أجل الوصول إلى اكتشاف العالقات الضرورية التي تتحكم في الظواهر وبالتالي قوانينها من أجل‬
‫التنبؤ بها مستقبال حيث يقول العالم الفيزيولوجي الفرنسي " كلود برنارد" ‪ ":‬إن التجريب هو الوسيلة الوحيدة‬
‫التي نملكها للنتطلع على طبيعة األشياء التي هي خارجة عنا‪".‬‬

‫لهذا فالسؤال العلــمي يتعلق بما هو كائن ألنه يدرس ظواهر الطبيعة التي تخضع للحواس ويعتمد على األحكام‬
‫التقريرية‪ ،‬وبالتالي فنتائجه متفق عليها ألن مصدرها المنهج العلمــي وليس الذاتية التي هي مصدر االختالف‬
‫ومن أمثلة السؤال العلمي‪ :‬ما هي الطاقة؟ ما هي مكونات الماء؟‬

‫ــ أما السؤال الفلسفي‪ ،‬فمجاله الميتافيزيقا‪ ،‬يتعلق بما وراء الطبيعة‪ ،‬أي أن الفيلسوف يدرس القضايا الميتافيزيقيا‬
‫دراسة شاملة‪ ،‬لهذا فهو يقوم على النظرة الشاملة للحياة والكون واإلنسان‪.‬‬

‫يعتمد السؤال الفلسفي على المنهج التأملي العقلي ‪ ،‬الذي يعتمد بدوره على الحجج والبراهيــن العقلية عن طريق‬
‫البحث عن العلل واألسباب األولى للموجودات ‪.‬لهذا فهو ينتقل من مجال البحث الحسي إال مجال البحث عن العلل‬
‫القصوى من أجل الوصل إلى الحقيقة المطلقة وهي أقصى ما يطمح إليه الفيلسوف ‪.‬وهنا يقول"‬
‫أرسطو"‪":‬الفلسفة هي البحث في الوجود بما هو موجود "‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫لهذا السؤال الفلسفي يتعلق بما يجب أن يكون وبالتالي بما هو معياري ألن األخالق والمنطق وعلم الجمال‬
‫تدرس القيم عن طريق األحكام المعيارية التقيمية‪ ،‬وبالتالي فنتائجه ليست متفق عليها فالفلسفة مادة خالفية‬
‫بطبيعتها بدليل ظهور مذاهب فلسفية متعددة ومن أمثلة السؤال الفلسفي ‪ :‬ما هي الحقيقة ؟ هل هي مطلقة أم‬
‫نسبية؟‬

‫مواطن االتفاق‪:‬‬
‫إن هذا االختالف الموجود بين السؤال الفلسفي والسؤال العلمي ال ينفي وجود نقاط يشتركان فيها ألن هناك‬
‫اتفاق بينهما‪:‬‬

‫كالهما سؤال استفهامي‪ ،‬كالهما يحوي مشكلة تبحث عن حل بمعنى أنه سؤال يبحث عن جواب مثل هل‬
‫العلم كالرياضيات؟‪ ،‬باإلضافة أن كالهما يثير القلق والتوتر النفسي والفكري إزاء مشكلة معينة‪ ،‬وأن كالهما‬
‫يتجاوز المعرفة العامية الساذجة ومن كل هذا نفهم أن السؤال الفلسفي والعلمي خاص باإلنسان دون غيره‬
‫ألنه الوحيد الذي يسعى إلى المعرفة‪.‬‬

‫مواطن التداخل‪:‬‬
‫أما نقاط التداخل الموجودة بين السؤال العلمي والسؤال الفلسفي فتتمثل في أن العالقة بينهما هي عالقة‬
‫تأثير وتأثر رغم االختالف بينهما‪ ،‬وهذا ما أتبناه ألن السؤال الفلسفي يؤثر على السؤال العلمي فهو ينطوي‬
‫على أبعاد فلسفية نظرا ألن الفيلسوف يوجه العلم من الناحية المعرفية والمنهجية وذلك من خالل انتقاداته‬
‫وهذا ما يدفع بالعلم إلى التطور وتفادي األخطاء والنقائص في الوسائل والنتائج والسؤال العلمي يؤثر كذلك‬
‫على السؤال الفلسفي نظرا ألنه يحتوي جانب علمي بدليل ظهور المذاهب الفلسفية المعاصرة مثل الوضعية‬
‫المنطقية لقول كارل يسبيرس ‪ ":‬ومع ذلك فإن نشوء فلسفة ما يبقى مرتبطا بالعلوم‪ ،‬أنه يفترض كل‬
‫التقدم العلمي المعاصر‪".‬‬

‫‪ -3‬حل المشكلة‪:‬‬
‫مما سبق ذكره نستنتج أن السؤال الفلسفي والسؤال العلمي يختلفان من حيث المنهج والموضوع والهدف‪ ،‬إال‬
‫أنهما متكامالن من حيث الوظيفة فالسؤال العلمي يوسع الفلسفة والسؤال الفلسفي يطور العلم من خالل دفعه‬
‫إلى التفكير في وسائله وهي الخطوات المنهجية كالمالحظة والفرضية والتجربة ‪ .‬وفي هذا الصدد يقول بيار‬
‫دوكيشي‪... " :‬لكن ال الفلسفة وال العلم قادرين كل بمفرده على الحد من قلق اإلنسان المعاصر أو اإلبقاء‬
‫بحاجاته الروحية ‪".‬‬

‫نص السؤال‪ :‬أثبت بالبرهان صحة األطروحة القائلة‪":‬إن التطورات العلمية جعلت الفلسفة ال دور لها "‬

‫‪-1‬طرح المشكلة‪:‬‬
‫يسعــى اإلنسان منذ القديم للبحث عن المعرفة في جميع المجاالت فطرحها على شكل تساؤالت وفيها ما‬
‫توصل إلى حله وأدرج ضمن دائرة العلم وهو محاولة الكتشاف العالقات الثابتة بين الظواهر إلمكانية التنبؤ‬
‫بها وصياغتيها رياضيا‪ ،‬ومنها ما لم يتوصل إلى حله ورغم ذلك يدور حول المعرفة وهي الفلسفة وهي‬
‫السعي المستمر للوصول إلى الحقيقة‪ ،‬إال أنه شاع االعتقاد بأن للفلسفة دور في عصرنا الحالي‪ ،‬غير أن‬

‫‪3‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫بعض الفالسفة يرفضون ذلك على اعتبار أن الفلسفة ال دور لها في هذا العصر‪ ،‬فكيف يمكننا تبني هذه‬
‫األطروحة والدفاع عنها واألخذ بها والرد على خصومها؟‬

‫‪-2‬محاولة حلها‪:‬‬

‫عرض منطق األطروحة‪:‬‬


‫لنتمكن من إثبات هذه األطروحة واألخذ بها نتطرق إلى منطقها القائل أن الفلسفة ال دور لها ومن ممثليها "‬
‫أوجست كونت "الذي يرى أن الفلسفة تفكير ميتافيزيقي ولهذا تجاوزه العصر نظرا ألن التفكير اإلنساني مر بثالث‬
‫مراحل يسميها قانون األحوال الثالثة‪ ،‬وأولها المرحلة الالهوتية وهي تفسير ظاهرة طبيعة بظاهرة غيبية مفارقة‬
‫للطبيعة مثل سقوط المطر بسبب غضب اآللهة‪...‬الخ ثم تلتها المرحلة الميتافيزيقية وهي تفسير ظاهرة طبيعية‬
‫بظاهرة غيبية كامنة فيها مثل النبات ينمو لوجود قوة فيه تجعله ينمو‪ .‬وأخيرا المرحلة الوضعية وهي تفسير‬
‫ظاهرة طبيعية بأخرى من نفس النوع مثل ارتفاع نسبة الغلوكوز في الدم بسبب اإلصابة بالداء السكري‪ .‬ولهذا‬
‫فإن العلم يستطيع حل جميع المشاكل التي تعترض اإلنسان في حياته‪.‬‬

‫عرض خصوم األطروحة ونقدهم‪.‬‬


‫إال أن هناك من يعارض هذه األطروحة على اعتبار أن للفلسفة دور من أمثال " أرسطو" الذي دافع عن الفلسفة‬
‫ألن كل رفض للفلسفة هو تفلسف‪ .‬ألنه يعتبر أن النقد من ميزات الفلسفة ‪.‬وفي هذا الصدد يقول الدكتور‪ ".‬إمام‬
‫عبد الفتاح إمام" في كتابه مدخل إلى الفلسفة‪ ":‬غير أن هذا االنفصال بين الفلسفة والعلم الذي شاهده القرن‬
‫التاسع عشر لم طويال‪ ،‬إذ سرعان ما بدأ الجليد يذوب في القرن العشرين وبدأت الفجوة تضيق شيئا فشيئا ‪ ":‬ألن‬
‫هذا االنفصال ال يمكن إال أن يكون إجحافا لكل من الفلسفة والعلم‪ .‬فالفلسفة ضرورية للعلم نفسه‪ ،‬إنها ليست سوى‬
‫محاولة لضم مجموعة المعارف البشرية في مركب واحد وإخضاع الطرق التي استخدمت في الحصول على هذه‬
‫المعرفة للنقد والتحليل ثم محاولة التفوق على هذه المعرفة بإقامة المذاهب الفلسفية المختلفة‪ ،‬وكيف يمكن‬
‫للفالسفة أن يتسنى لهم التصدي لمثل هذه المهمة الشاقة بطريقة جدية ما لم يحيطوا بالنتائج النهائية التي توصل‬
‫إليها العلم في عصرهم‪ " .‬لكن الفلسفة ال تستطيع تقديم حلول مادية للمشاكل التي تعترض اإلنسان في هذا‬
‫العصر‪ .‬وفي هذا الصدد يقول " كلود برنارد" ‪ ":‬إن التجريب هو الوسيلة الوحيدة التي نملكها للنتطلع على‬
‫طبيعة األشياء التي هي خارجة عنا‪".‬‬

‫الدفاع عن األطروحة بحجج شخصية‪:‬‬


‫إن المرء عندما يصاب بمرض فإنه يذهب إلى الطبيب ال إلى الفيلسوف ليعالجه؟ كما أن طبقة األوزون والثقب‬
‫الموجود فيها ال يمكن أن نعالجه عن طريق الفلسفة‪ .‬بل من خالل العلم وحده نستطيع معرفة األسباب والعلل‬
‫ولهذا فالعالم يتجه إلى اكتشاف العالقات الضرورية التي تتحكم في الظواهر وبالتالي قوانينها من أجل التنبؤ بها‬
‫مستقبال‪ .‬وعلى هذا األساس فالفلسفة ليس لها قيمة في هذا العصر ألنها ال تقدم لنا الحلول للمشاكل التي تواجه‬
‫حياتنا ‪ .‬حيث نجد المفكر المصري " زكي نجيب محمود " يقول ‪ ":‬ماذا نصنع بهذه األكداس من الفلسفة‬
‫التي تضع لنا مذاهب وآراء في هذا وذاك؟ " وكذلك "دفيد هيوم " في قوله ‪ ":‬ألقوا بها في النار" وقد‬
‫سبقهم إلى ذلك "أبو حامد الغزالي " الذي اعتبر أن الفلسفة تؤدي إلى الكفر والزندقة وهذا ما ذهب إليه‬
‫الفقيه ابن الصالح قائال ‪ ":‬أما الفلسفة فإنها الشر نفسه‪ ،‬فهي أساس السفه واالنحالل ومادة الحيرة والضالل‬
‫مثال الزيغ والزندقة‪" .‬‬

‫‪4‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫‪ -3‬حل المشكلة‪ :‬ومما سبق استنتج أن األطروحة القائلة " إن التطورات العلمية جعلت الفلسفة ال دور‬
‫لها" صحيحة ومقابلة للدفاع عنها واألخذ بها والرد على مناصريها ألن الفلسفة ال تقدم لنا حلوال مادية على‬
‫المشاكل التي تواجه اإلنسان في حياته اليومية ولهذا يقول " غوبلو" ‪ ":‬المعرفة التي ليست معرفة علمية‬
‫ليست معرفة بل جهل‪".‬‬

‫نص السؤال‪ :‬قارن بين المشكلة واإلشكالية ؟‬

‫‪ -1‬طرح المشكلة‬
‫إن الموجود البشري بطبعه هو ذلك المخلوق المتسائل‪،‬ألن التساؤل لحظة وعي‪ ،‬تعبر عن اهتمام‬
‫العقل بالوجود وبذاته وبكل ما يمكن أن يكون موضوع تأمل وبحث‪ ،‬ولهذا نجد اإلنسان ال يكاد يكف‬
‫عن إثارة التساؤل‪ ،‬وعن إثارة المشاكل‪ ،‬وعلى هذا األساس كثرت المشاكل وتنوعت‪ ،‬بل نجدها‬
‫أحيانا ترتبط وتتداخل في مسائل معقدة وكأنها إشكاليات ال حل لها‪ ،‬وبناء على هذا االرتباط بين‬
‫المشكلة واإلشكالية نتساءل‪ :‬ما طبيعة العالقة بين المشكلة واإلشكالية؟ وما الفرق بينهما؟‬

‫‪ -2‬محاولة حلها‪:‬‬

‫مواطن االختالف‪:‬‬

‫ــ إن المشكلة مجال محدد يتناول قضية جزئية واحدة‪ ،‬أما اإلشكالية فتتناول جملة من المسائل والقضايا‬
‫المترابطة والغير واضحة المعالم‪.‬‬

‫ــ كما أن المشكلة يمكن صياغتها في شكل سؤال مؤقت يدعوا للبحث عن حل مقنع ومبرهن عليه‪ ،‬بعكس‬
‫اإلشكالية التي تطرح نفسها في شكل سؤال كلي عام يوحي بتعدد اآلراء‪ ،‬وأن الحلول فيها احتمالية وغير‬
‫مؤكدة‪.‬‬

‫ــ من ناحية أخرى نجد أن المشكلة تدل على القضايا والمسائل التي يمكن حلها بالطرق العقلية أو العلمية‬
‫أو العملية‪ ،‬وأما اإلشكالية فهي تدل على المعضالت‪ ،‬والمغلقات التي يصعب فتحها‪ ،‬فتضيق فيها الخطط‬
‫وتغيب الحلول‪.‬‬

‫ــزيادة على هذا نجد المشكلة تعبر عن انفعال يتجلى في شكل اضطراب ودهشة تحرك فضول الباحث‬
‫للوصول إلى حل (معرفة)‪ ،‬أما اإلشكالية فتبرز في شكل انفعال قوي يبلغ درجة القلق واإلحراج يدل على‬
‫مأزق حقيقي‪ ،‬يضع العقل والنفس وجها لوجه مع معضالت ال تحل بالوسائل المنطقية‪.‬‬

‫مواطن االتفاق‪:‬‬

‫كالهما يخص اإلنسان دون الحيوان‪ ،‬ألن اإلنسان هو الكائن الوحيد الذي لديه القدرة على طرح مشكالت‬
‫وإشكاليات فلسفية في حياته اليومية‪ ،‬لهذا فكالهما ينطوي على أسئلة وهي االنفعالية ألنهما يثيران القلق‬
‫النفسي والعقلي في تناولهما لمختلف القضايا الدينية واالجتماعية‪ ،‬واألخالقية‪ .‬وبالتالي كالهما يثير الدهشة‬
‫واإلحراج والحيرة ألنهما ينطويان على الصعوبة والتعقيد وااللتباس‪.‬‬

‫مواطن التداخل‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫فالمشكلة تؤثر في اإلشكالية ألن اإلشكالية تحتاج إلى المشكلة باعتبارها قضية جزئية تساعد اإلنسان على‬
‫االقتراب من فهم اإلشكالية مثال ذلك لفهم اإلشكالية‪ " :‬الفكر بين المبدأ والواقع " يجب فهم ودراسة‬
‫المشكالت الجزئية وهي ‪ :‬كيف ينطبق الفكر مع نفسه؟ وكيف ينطبق الفكر مع الواقع‪.‬‬

‫كما أن اإلشكالية بدورها تؤثر في المشكلة ألن المشكلة تحتاج إلى اإلشكالية التي هي المعضلة الكبرى أي‬
‫الكل فإذا كانت للمشكالت حلول جزئية فهي تحتاج إلى الحل الكلي للمعضلة الكبرى‪.‬‬

‫إال أن أصح اآلراء هو الرأي القائل بأن العالقة الموجودة بين المشكلة واإلشكالية ينطوي على جانبين‪ :‬فهو‬
‫انفصال من ناحية التعريف ألن هناك تمايز بينهما واتصال من ناحية الوظيفة ألن كالهما يكمل األخر‪.‬‬

‫‪ -3‬حل المشكلة‪:‬‬

‫إذن نستنتج بأن العالقة الموجودة بين المشكلة واإلشكالية هي عالقة تكامل وظيفي ألن وظيفة المشكلة تكمل‬
‫وظيفة اإلشكالية‪ ،‬ووظيفة اإلشكالية تكمل وظيفة المشكلة‪ ،‬لهذا ال يمكن الفصل بينهما على أساس أن العالقة‬
‫بينهما هي عالقة المجموعة بعناصرها ( الكل بأجزائه)‪ ،‬فاإلشكالية هي المظلة المفتوحة التي تنطوي تحتها‬
‫مجموعة مشكالت تناسبها لهذا تسمى اإلشكالية " بمشكلة المشكالت"‪.‬‬

‫نص السؤال‪ :‬أثبت بالبرهان صحة األطروحة القائلة "أن المنطق الصوري هو آلة تعصم الفكر من‬
‫الوقوع فـــي الخطأ "‬

‫‪ /1‬طرح المشكلة ‪:‬‬

‫منذ بدأ اإلنسان بالتساؤل عن الوجود ومظاهره كان يفكر‪ ،‬بمعــنى أنه كان يستدل ويحكم دون أن يعرف‬
‫المنطق‪ ،‬أو حتى ينتبه إلى موضوعه تماما كما كان يتكلم دون أن يعلم شيئا عن علوم اللغة من نحو‬
‫وصرف‪ ،‬التي تحكم اللغة التي يتعامل بها ‪ .‬وتشير كلمة المنطق من ناحية االشتقاق اللغوي إلى الكالم أو‬
‫النطق‪ ،‬وفي اللغة اليونانية تعني العقل أو البرهان‪ ،‬أما من الناحية االصطالحية فهو علم الفكر ‪ ،‬ولقد‬
‫كانت الفكرة الشائعة لدى بعض الفالسفة أن المنطق الصوري (األرسطي) ليس له في حياة اإلنسان‪ ،‬لكن‬
‫هناك فكرة تناقضها وهي أن المنطق الصوري له قيمة كبرى‪ ،‬لهذا ال يمكن االستغناء عنه وبالتالي نتساءل‬
‫كيف يمكن الدفاع عن هذه األطروحة؟ وهل يمكن إثباتها بحجج وبالتالي األخذ برأي مناصريها ؟‬

‫‪ /2‬محاولة حل المشكلة‬
‫ا ‪ -‬عرض منطق األطروحة‬

‫إن منطق هذه األطروحة يدور حول قيمة المنطق الصوري حيث يرى بعض الفالسفة ومن بينهم "‬
‫أرسطو " بأن المنطق له أهمية كبرى بالنسبة لإلنسان ألن موضوعه العقل من ناحية الصحة والفساد‬
‫وقد اعتمد على مسلمات ودعمها بحجج لتأكيد موقفه ‪:‬‬

‫المنطق هو العلم الذي يبحث في صحيح الفكر وفاسده‪ ،‬وهو الذي يضع القوانين التي تعصم الذهن من‬
‫الوقوع في الخطأ وفي األحكام لذلك يعرفه أرسطو بقوله ‪ ":‬المنطق علم التفكير والصحيح الذي نميز‬
‫به بين القول الصحيح والقول والفاسد‪ ".‬وحيث يقسم أرسطو المنطق إلى ثالث أقسام رئيسية وهي ‪:‬‬

‫‪ -1‬قسم التصورات والحدود الذي يبحث في األلفاظ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫‪ -2‬وقسم القضايا واألحكام الذي يبحث في األحكام والجمل ‪ -3‬وقسم االستدالالت والذي يبحث في‬
‫الحجج واألقيسة‪.‬‬

‫للمنطق وظيفتان أساسيتان‪ :‬ــ الوظيفة األولى تتمثل فـي وضع القوانين العقلية‪ ،‬كقانون عدم التناقض‪،‬‬
‫الهوية‪ ،‬والثالث المرفوع ‪ ،‬قواعد التقابل والعكس والقياس‪ ،‬والتي ينبغي على العقل أن يتبعها لكي يميز‬
‫بين صحيح الفكر من فاسده ‪ .‬وفي هذا الصدد يقول الفارابي فــي كتابه " إحصاء العلوم " ‪ " :‬فصناعة‬
‫المنطق تعطي بالجملة‪ ،‬القوانين التي من شأنها أن تقوم العقل وتسدد اإلنسان نحو طريق الصواب‪ ،‬ونحو‬
‫الحق‪ ،‬في كل ما يمكن أن يغلط فيه من المعقوالت‪ ،‬والقوانين التي تحفظه وتحوطه من الخطأ والزلل "‪.‬‬

‫ـــ أما الوظيفة الثانية فهي تتعلق بالكشف عن الخطأ في التفكير وأنواعه وأسباب ذلك ال يمكن الجمع‬
‫بين الصفة ونقيضها‪ ،‬ال وسط بين النقيضين‪ ،‬حيث يقول أرسطو ‪ ":‬من الممتنع حمل صفة وعدم حملها‬
‫على موضوع واحد في نفس وبنفس المعنى‪"...‬‬

‫ب‪ -‬عرض خصوم األطروحة ونقدهم‬

‫لهذه األطروحة خصوم وهم الفالسفة الذين يعتقدون بأن المنطق الصوري عقيم وال قيمة له‪ ،‬منهم "‬
‫بيكون" ‪ " ،‬ديكارت" ‪ " ،‬ج‪.‬س‪.‬مل"‪ ،‬ومن بين مسلماتهم ‪:‬‬

‫ـــ المنطق الصوري عقيم فهو يعتمد على القياس المنطقي‪ ،‬الذي ال يأتي بمعرفة جديدة فهــو عبارة عن‬
‫تحصيل حاصل أي أن النتيجة هي متضمنة مسبقا في إحدى المقدمات ( الكبرى أو الصغرى )‪.‬‬

‫ــ ألن المنطق الصوري يهتم بصورة الفكر ال مادته ‪.‬‬

‫ـــ باإلضافة إلى أنه منطق كيفي وليس كمي مما يؤدي إلى أخطاء ومخالفات مثل قولنا أربع طالبات‬
‫وطالب فإننا نفهم معا وليست منفصلة‪.‬‬

‫ــ إن المنطق األرسطي يعتمد على عالقة واحدة وهي عالقة التعدي ويهمل العالقات االخرى كعالقة اللزوم‬
‫والعطف والتكافؤ والوصل ‪...‬الخ وفي هذا الصدد يقول" د‪ .‬زكي نجيب محمود" ‪ ":‬فما نظرية القياس‬
‫األرسطية إال تحليل لضرب واحد من ضروب العالقات ‪ ،‬هو عالقة التعدي‪ ،‬فإذا عرفت أن العالقات كثيرة‬
‫ال تكاد تقع تحت الحصر‪ ،‬أدركت كم تنحصر قيمة القياس األرسطي في دائرة غاية الصغر والضيق "‪.‬‬

‫لكن هؤالء الفالسفة( الخصوم) تعرضوا النتقادات‪ ،‬ألن الحجج التي برروا بها اعتقادهم تنطوي هي‬
‫األخرى على عدة نقائض أهمها‪:‬‬

‫ـــ إن اهتمام المنطق الصوري بصورة الفكر دون مادة ( الواقع) ال يعني أنه غير مهم ألنه حتى ال‬
‫يتناقض الفكر مع الواقع ‪ ،‬يجب أن ال يتناقض مع نفسه أوال ‪.‬أي أن انطباق الفكر مع ذاته هو أساس‬
‫انطباقه مع العالم الخارجي‪.‬‬

‫كما أن اإلنسان ال زال يعتمد على المنطق في حياته العلمية بدليل أن الرياضيات تستخدم بعض مبادئه‬
‫خاصة مبدأ عدم التناقض والمنهج اإلستنتاجي العقلي ولهذا يقول " راسل " في كتابه مقدمة للفلسفة‬
‫الرياضية ‪ ":‬فاشتد الطابع الرياضي في المنطق واشتد الطابع المنطقي في الرياضيات ‪ ،‬مما ترتب‬
‫عليه استحالة وضع خط فاصل بينهما إذ أن الواقع أن االثنين شيئا واحدا"‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫ج الدفاع عن األطروحة بحجج شخصية‪.‬‬

‫إن المنطق الصوري هو علم قواعد االستدالل الصحيح‪ ،‬وبما أن المعرفة تحصل باالستدالل فهو السبيل‬
‫الوحيد إلى الوصول إلى هذه المعرفة وفي هذا السياق يقول الغزالي ‪ ":‬إن من ال يحيط بالمنطق فال ثقة‬
‫بعلومه أصال"‪.‬‬

‫‪ -3‬حل المشكلة‪:‬‬

‫مما سبق نستنتج أن األطروحة القائلة ‪" :‬أن المنطق الصوري هو آلة تعصم الفكر من الوقوع فـــي الخطأ‬
‫" صحيحة ألن المنطق له دور كبير في حياة اإلنسان العلمية لهذا يمكن األخذ برأي أنصاريها وتبنيها‪.‬‬

‫نص السؤال‪ :‬هل االفتراض العلمي ضروري لتأسيس مشروع الحقيقة العلمية؟‬

‫‪ -1‬طرح المشكلة‪:‬‬

‫المنطق االستقرائي التجريبي يقتضي اعتماد آليات إجرائية للبرهنة على مسائله وموضوعاته‪ ،‬فيؤسس‬
‫نفسه على واقع موضوعي ــ هو الظواهرـ ودراستها انطالقا من المالحظة‪ ،‬ثم االفتراض وانتهاء‬
‫بالتجربة‪ .‬لهذا شاع أن الدراسة العلمية هي االنطالق من الواقع والرجوع إليه‪ ،‬ومن ثمة رفض أي مبدأ‬
‫ال يراعي الواقع‪ ،‬لكن فحص الخطوات التي يقوم عليها المنهج االستقرائي يظهر وجود مبدأ الفرضية‬
‫كاحتمال عقلي يؤسس لبناء رؤية وتصور للموقف العلمي قبل التجربة وتمهيدا لها‪ ،‬فهل هذا يعني أن‬
‫االفتراض العلمي ضروري لتأسيس مشروع الحقيقة العلمية أم يمكن االستغناء عنه؟‬

‫‪ -2‬محاولة حلها‪:‬‬
‫عرض األطروحة (الموقف األول)‬

‫إن االستقراء كأسلوب منطقي يستهدف في األساس الحقيقة العلمية وفق مبادئ واليات يعتمدها لضمان‬
‫الوصول إليها والبرهنة عليها‪ ،‬ويعتبر مبدأ االفتراض العلمي من الخطوات اإلجرائية األساسية للنسق‬
‫االستقرائي في سعيه للوصول إلى الحقيقة العلمية‪ ،‬وهو عبارة عن تفسير مؤقت للظاهرة (موضوع‬
‫الدراسة)‪ ،‬يضعه الباحث إلى حين التأكد منه‪ ،‬من هنا عدّ " الفرض" خطوة تمهيدية للقانون العلمي‪ ،‬يوضع‬
‫في البداية على أساس الظن والتخمين‪ ،‬فإن أيدته التجربة انقلب إلى قانون‪ ،‬وإن كذبته‪ ،‬استبدله العالم‬
‫بغيره‪...‬وهكذا حتى يصل إلى تفسير صحيح‪.‬‬

‫ومن أشد المدافعين على هذا المبدأ العلمي العالم " كلود برنارد" حيث يقول ‪ ":‬إن الفرض هو المنطق‬
‫الضروري لكل استدالل تجريبي"‪ ،‬وقال أيضا مؤكدا أهمية االفتراض ‪":‬إن المالحظة توحي‬
‫بالفكرة‪،‬والفكرة تقود إلى التجربة وتوجهها‪ ،‬والتجربة تحكم بدورها على الفكرة " ومن هنا كان‬
‫االفتراض خطوة تمهيدية للحقيقة العلمية‪ ،‬ومشروع يطلب التحقق واإلثبات‪ ،‬ويدل من ناحية أخرى على‬
‫تصور واقع معين يتحكم في الظواهر المراد تفسيرها‪ ،‬واحتمال تفسير عقلي لها‪ ،‬أي تخيل ما ال يظهر في‬
‫الطبيعة بشكل محسوس‪ ،‬فتدفعنا إلى إجراء تجارب جديدة وابتكار وسائلها‪ ،‬وكشف حوادث جديدة ال يمكن‬
‫معرفتها دون افتراض‪ ،‬لهذا يقول كلود برنارد" ‪ ":‬الفرضية هي مبدأ كل استدالل ومصدر كل اختراع "‬
‫وقد تبنى هذا الموقف أيضا الفيلسوف " أوجست كونت" وأكد بأن االفتراض العلمي هو الذي يقود‬
‫الباحث إلى الحقيقة العلمية‪ ،‬ألن الصياغة القانونية هي نتيجة وتلخيص للخطوات العلمية للمنهج التجريبي‬

‫‪8‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫والنسق االستقرائي وبالتالي اإلثبات اليقيني لمشروع االفتراض الذي يتحول إلى حقيقة علمية‪ ،‬فيختفي‬
‫الفرض ويظهر القانون ليعبر عن عالقات ثابتة وضرورية بين الظواهر‪ ،‬تعبيرا رياضيا كميا بدليل أنه‬
‫عبارة عن معادالت رياضية يبتكرها العقل‪.‬وعلى هذا يكون مبدأ االفتراض هو الذي يعطي للمعرفة العلمية‬
‫حيوية وحضور أقوى‪ ،‬سواء أثبتت صحته فيتحول إلى قانون( حقيقة علمية)‪ ،‬أو ظهر بطالنه وفشله‪ ،‬فيساعد‬
‫بفشله توجيه ذهن الباحث البد عات جديدة وفروض أخرى‪.‬‬

‫وبهذا يمكن القول‪ ،‬أن مبدأ االفتراض العلمي هو اإلطار المنطقي لمشروع الحقيقة العلمية وسبيل البحث‬
‫عنها والوصول إليها‪.‬‬

‫النقد‪:‬‬

‫لكن هذا الموقف تعرض إلى عدة انتقادات أهمها‪:‬‬

‫إن اعتماد الباحث على عقله وخياله في تصور الحل المالئم للظاهرة يبعده عن حقيقتها‪ ،‬ثم إن الفرضية‬
‫فكرة شخصية(ذاتية)‪ ،‬إذ اعتمد عليها الباحث فإنها تؤدي إلى تدخل عوامل ذاتية في البحث العلمي‪ ،‬تبعده‬
‫عن الحقيقة الموضوعية‪ ،‬وتتصف بالشك واالحتمال‪.‬‬

‫أما بالنسبة للقانون العلمي فهو حقيقة نسبية وليس مطلقة‪ ،‬ألنه يتصف بالتغير والتجديد‪ ،‬فالقوانين‬
‫العلمية التي ظهرت في القرن الثامن عشر مثال‪ ،‬تغيرت في القرن التاسع عشر‪ ،‬لهذا قيل " العلم لغز‬
‫متجدد"‬

‫نقيض األطروحة (الموقف الثاني)‬

‫إن بعض العلماء وعلى رأسهم الفالسفة التجريبيين " جون ستيوارت مل" و" نيوتن"‪ "،‬وماجندي"‬
‫يرفضون تماما مبدأ االفتراض‪ ،‬ويعتبرونه تفسيرا عقليا للحوادث ال يتالءم مع العمل التجريبي في إعداد‬
‫المعرفة العلمية واعتبروه مخاطرة وقفزة في المجهول‪ ،‬بحجة أن العالقات السببية تتفجر في صورتها‬
‫الكاملة من مجرد مالحظة الحوادث‪ .‬لهذا قال نيوتن‪ ":‬أنا ال أصطنع الفروض"‪ ،‬وقال ماجنيدي لتلميذه‬
‫كلود برنارد ‪ ":‬أترك عباءتك وخيالك عند باب المخبر "ويؤكد " جون ستيوارت مل " رفضه الكامل لمبدأ‬
‫االفتراض من خالل الوقوف على ما تجود به المالحظة الحسية دون اللجوء إلى االفتراض‪ ،‬واعتبر أن‬
‫العقل ال وظيفة له في التجريب العلمي‪ ،‬ألننا ننتقل مباشرة من المالحظة إلى التجريب باصطناع بعض‬
‫الطرق االستقرائية حــتى نتأكد من وجود السببية بين ظاهرتين نحاول اكتشاف نوع العالقة بينهما( كطريقة‬
‫التالزم في الحضور‪ ،‬التالزم في الغياب‪ ،‬التالزم في الغياب‪ ،‬طريقة البواقي‪..‬الخ)‪ .‬فإذا أردنا أن نعرف مثال‬
‫‪ ":‬إذا كان للمعدن قابلية للتمدد بالحرارة أن نقوم بإجراء عملي تتخلله المالحظة واالنتباه لما يترتب على‬
‫التجارب من نتيجة وال نكون في حاجة إلى أي فرض‪ ،‬أو استنتاج أي نتيجة مسبقة‪ ،‬لهذا قال " ماجندي "‬
‫‪ ":‬إن الحادثة التي يالحظها الباحث مالحظة جيدة تغنيه عن سائر األفكار ( الفروض) "‬

‫النقد‪:‬‬

‫غير أن هذا الموقف تصدى له الكثير من الباحثين واعترضوا عليه بحجة أن التجريب دون فكرة مسبقة‬
‫تعتبر مجازفة‪ ،‬ألن الحوادث وحدها ال تكفي لكي تؤسس علما‪ .‬لهذا يقول"بوانكاري" ‪ " :‬فكما أن كومة‬

‫‪9‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫الحجارة ليست بيتا كذلك اجتماع الحوادث دون ترتيب ليس علما‪ ".‬ألجل هذا يقول" أالن" ‪ ":‬إننا ال‬
‫نالحظ إال ما افترضناه"‪ .‬وكل هذا يظهر قيمة الفكر المبدع المعبر عن دور االفتراض وضرورته في العلم‪.‬‬

‫التركيب‪:‬‬

‫إن هذين االتجاهين المتعارضين في النظر إلى مبدأ االفتراض العلمي بين مدافع عنه ورافض له‪ ،‬قد‬
‫تجاوزته الروح العلمية الحديثة التي تؤكد على أهمية االفتراض ودور التدخل االيجابي للعقل في التأسيس‬
‫للحقائق العلمية لكن بضبطه بشروط تنسجم مع الروح العلمية ‪ .‬لهذا يقول" كلود برنارد" ‪ ":‬إن الفرضية‬
‫هي البذرة‪ ،‬والمنهج هو التربة التي تقدم لها شروط النمو‪ ...‬وكما أنه ال ينبت في التربة إال ما يزرع‬
‫فيها‪ ،‬كذلك ال تنمو عن طريق المنهج التجريبي إال األفكار التي نخضعها له‪ ،‬فالمنهج في حد ذاته ال يلد‬
‫شيئا‪" .‬‬

‫‪ -3‬حل المشكلة‪:‬‬

‫إن االفتراض العلمي ضروري ومهم في مجال التجريب العلمي والتأسيس لمشروع الحقيقة العلمية ألنه‬
‫يمثل اإلطار المنطقي الممهد للقانون‪ ،‬فإذا اثبت االفتراض يقينا تحول إلى حقيقة علمية( قانون) كمحصلة‬
‫لخطوات النسق االستقرائي‪.‬‬

‫نص السؤال ‪ :‬هل المفاهيم الرياضية مستمدة من التجربة الحسيـــة؟‬

‫‪ /1‬طرح اإلشكالية‪:‬‬

‫بـــما أن الرياضيات هي دراسة المقادير القابلة للقياس الكمي المجرد فإن الكثير من الفالسفة يعتقدون‬
‫أنّ طابعها التجريدي يفصلها عن الواقع الحسي غير أن الفالسفة الحسيون يرون عكس ذلك‪ .‬فهل يمكن‬
‫القول أنّ المعـاني الرياضية نابعة من الحس أم من العقل؟‬

‫‪ /2‬محاولة حلها‬

‫عرض األطروحة ( الموقف األول)‬

‫يعتقد أصحاب النزعة التجريبية (الحسية)‪ ،‬وعلى رأسهم " جون لوك"‪ ،‬و" دفيد هيوم"‪ ،‬و" جزن‬
‫ستيوارت مل "‪ .‬أن المفاهيم الرياضية أصلها ومصدرها تجريبي حسي مثل كل المعارف اإلنسانية وأنها‬
‫ليست فطرية أبدا‪ ،‬ألن العقل يولد صفحة بيضاء وكل معارفه ومنها الرياضيات مكتسبة عن طريق‬
‫المالحظات والتجارب الحسيــة‪ ،‬لهذا يقــول جون ستيوارت مل‪ ":‬إن النقط‪ ،‬والخطوط والدوائر التي‬
‫يحملها كل واحد في ذهنه‪ ،‬هي مجرد نسخ من تلك التي عرفها في التجربة "‪ .‬فقد استلهم اإلنسان المستقيم‬
‫من األفق والدائرة من شكل القمر أو الشّمس والمثلث من الجبال‪ .‬وفي هذا الصدد يقول الرياضي الفرنسي‬
‫بوانكاري ‪ ":‬وإن لم يكن في الطبيعة أجسام صلبة لما وجد علم الهندسة "‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫وبالرجوع إلى تاريخ الرياضيات نكتشف أن الهندسة الكالسيكية ارتبطت باإلدراك الحسي‪ ،‬فالحساب كان‬
‫وليد الحاجة للمقايضة‪ ،‬كما أن حاجة قدماء المصرين لمسح األراضي وقياسها أدت إلى نشوء الهندسة‪.‬‬
‫وفي هذا السياق يقول الرياضي الدانمركي جورج سارطون ‪ ":‬إن الرياضيات المشخصة هي أولى العلوم‬
‫رياضية نشوءا فقد كانت في الماضي تجريبية‪ ،‬وكانت خاضعة لتأثيرات صناعية عملية‪ ،‬ثم تجردت من‬
‫هذه التأثيرات وأصبحت علما عقليا ‪" .‬‬

‫النــقد‪ :‬لكن ما قيمة التجربة في غياب عقل يوجهها ولماذا لم يستطيع الحيوان برغم قوة حواسه أن ينشأ‬
‫الرياضيات؟ إن الحواس تبقى عاجزة عن بناء المعاني الرياضية فهي ال تمدنا سوى باالنطباعات‪.‬‬

‫نقــيض األطروحة ( الموقف الثاني)‬

‫يعتقد أصحاب النزعة العقلية (المثالية ) أن الرياضيات مصدرها العقل‪ ،‬فهو الذي أبدعها وابتكرها‬
‫واستنباطها من مبادئه القبلية التي هي أساس كل معارفه‪ ،‬فالمفاهيم الرياضية نابعة من العــقل وموجودة‬
‫فيــه قبليا‪ ،‬لهذا يرى" ديكارت" بأن األعداد واألشكال الرياضية ليست سوى أفكارا فطرية مثل فكرة هللا‬
‫والكمال‪ ،‬وفكرة الالمتناهي ‪ ." l’infini‬وقد سبق ألفالطون أن ارجع المعطيات الرياضية األولية إلى‬
‫عالم المثل‪ .‬إذ يقول " إن المعطيات الرياضية توجد في عالم المثل (عالم المعقوالت)‪ ،‬فالخطوط واألشكال‬
‫واألعداد موجودة في العقل‪ ،‬وكون واحدة بالذات‪ ،‬ثابتة‪ ،‬وأزلية "‪ .‬بمـــعنى أن العمليات الرياضية‬
‫ومختلف مفاهيمها هــي صور مجردة تجــريدا كامال‪ ،‬ال عالقة لها بالواقع الحسي‪ ،‬وال ترتبط بــه نهائيا‪،‬‬
‫وهذا ما تدل عليــه الكثير من المفاهيم الرياضية‪ :‬كالعدد السالب‪ ،‬الجــذر التخيلي‪ ،‬السطح المحدب‪،‬‬
‫المنحنيات التي ال مــماس لها‪ ،‬األعداد المركبة‪ ،‬فالمكان الهندسي مثال‪ ،‬الذي يوصف بأنه فراغ مجرد‪،‬‬
‫متجانس‪ ،‬وال نهاية له‪ ،‬ال يشبه في شيء المكان الحسي‪ .‬كما أن النقطة الهندسية التي ال طول لها وال‬
‫أبعاد‪ ،‬ال تتفق مع النقطة الحسية التي تشغل دائما حيزا من المكان مهما كان ضئيال‪.‬وهذا ما يؤكد أن‬
‫الرياضيات ليست أشياء أو مشخصات‪ ،‬بل هي كائنات عقلية مجردة‪ .‬يوجدها العقل الرياضي‬
‫واصطالحاته‪ ،‬وهذا ما دلت عليه تعدد الهندسات وأنساقها المختلفة التي تؤكد أن العقل الرياضي هو الذي‬
‫يؤسسها وفق أوليات افتراضية يحكمها االنسجام المنطقي وعــليه نحكم بأن الرياضيات ذات نشأة عقلية‬
‫خالصة‪ ،‬ال نظير لها في عالم الواقع الحسي‪.‬‬

‫النقد‪:‬‬

‫لكن لو كانت المفاهيم الرياضية قبلية كما يدعي أنصار هذا الموقف لكانت واحدة لدى جميع الناس‪ ،‬ثم‬
‫إن هذا الموقف يجرد الفكر الرياضي ويبعده عن الواقع وقد أثبت علم النفس أن الطفل ال يقوى في سنواته‬
‫األولى على الفصل بين العد والمعدود فهو ال يتصور سوى األعداد البسيطة‪.‬‬

‫التركيب‪:‬‬

‫علينا أن نتفادى ذلك الجدل العقيــم الذي يفصل بين العقل والتجربة فالرياضيات ليست قوالب عقلية جاهزة‬
‫وال هي معطيا حسية كاملة وبهذا يمكننا القول أنّ الفكر الرياضي بدأ من المحسوس وصعد إلى المجرد‬
‫جرد من الواقع‬
‫شيئا فشيئا‪( ،‬فالجبر والهندسة) أصلهما المباشر حسي‪ ،‬ولكن ال معنى لهما إال إذا ّ‬
‫الحسي‪ ،‬يقول كانط‪ ":‬إن المفاهيم الخالية من الحدوس عمياء‪ ،‬والحدوس الخالية من المفاهيم جوفاء "‪.‬‬

‫‪ -3‬حل المشكلة ‪:‬‬

‫‪11‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫إن المفاهيم الرياضية من أرقى تجليات العقل‪ ،‬وهــي ترتد إلى الدقة والوضوح‪ ،‬وإلى تفاعل العقل‬
‫والتجربة‪ ،‬وهذا ما يجعلها رابطا أساسيا ينظم العالقة بين الفـــكر والواقع ومن ثمة تصــبح اللغة‬
‫الصحيحة التي نتقرب بها من الطبيعة وعليــه يمكننا أن نقول أنّ الرياضيات مستمدة من العقل والتجربة‬
‫معا‪.‬‬

‫نص السؤال‪ :‬هل تعدد المسلمات يسيء إلى اليقين الرياضي؟‬


‫‪ -1‬طرح المشكلة‬

‫لقد كانت الرياضيات الكالسيكية تعتمد أساسا على مسلمة المكان المستوي لكن ظهور الهندسة الحديثة قلب‬
‫الموازين رأسا عل عقب فتسرب الشك إلى نفوس الرياضيين ودفع بهم إلى التساؤل ‪ :‬هل في هذا التعدد‬
‫دليل خصوبة أم دليل عقم وتناقض؟ وهل الرياضيات نسبية أم مطلقة؟‬

‫‪-2‬محاولة حلها‬

‫عرض األطروحة( الموقف االول)‬

‫يرى االتجاه التقليدي ) الرياضيات اإلقليدية)‪ ،‬أن تعدد المسلمات يسيء إلى الرياضيات حيث أن هذا‬
‫التعدد يخالف البداهة وقواعد العقل‪ ،‬ويؤدي إلى التناقض ويجعل الرياضيات مجرد فلسفة يقودها الشك؛‬
‫ويفقد مطلقيتها وصالحيتها المنطقية التي ال تتحدد بزمان أو مكان معين‪ ،‬حتى أن الناظر في تعدد‬
‫الهندسات يجده أشبه بتعدد الفلسفات فهو يقضي على اليقين الرياضي‪ .‬يقول "راسل "في هذا المجال ‪":‬‬
‫إن الرياضيات بهذه الصورة أصبحت علما ال يعرف عما يبحث وهل ما يقال فيه صحيح‪ . " .‬وينطلق‬
‫اإلقليديون من تميز إقليدس بين مبادئ البرهان الرياض‪ ،‬واعتباره أن البدهية مطلقة الصدق‪ ،‬يبرهن‬
‫بها العقل ألنها قاسم مشترك بين جميع العقالء‪ ،‬أما المسلمة فهي أقل وضوحا من البديهية ‪ ،‬لكن العقل‬
‫يفترضها ويسلم بها كنظرية يبرهن بها وال يبرهن عليها‪.‬‬

‫البرهنة‪ :‬يسلم إقليدس بالمصادرة القائلة ‪ ":‬أنه من نقطة خارج مستقيم ال يمكن أن يمر سوى مواز واحد‬
‫فقط‪ ،‬بمعنى أن الخطان المتوازيان ال يلتقيان أبدا‪ .‬والمكان الحسي ذو ثالث أبعاد‪ ،‬مجموع زوايا المثلث‬
‫‪ 180‬درجة‪ .‬إن هذه األسس التي شيدها الرياضي إقليدس‪ ،‬واضحة بذاتها وفي نفس الوقت حقائق ثابة‬
‫ومطلقة لذا ال يمكن دحضها من خالل إبداع افتراضات وانساق جديدة ‪.‬ويؤكد مصداقية هذا القول الرياضي‬
‫" بوريل" بقوله ‪ ":‬إن الرياضي يعرف ما يصنع وما يبدع على أساس المالئمة واليقين‪ ،‬ووفاء تفكيره‬
‫لمنطلقاته وعدم تناقضه معها‪ ،‬وهذا ما يعني اليقين في المعاني والعالقات الرياضية" ‪.‬‬

‫الــنقد ‪ :‬لقد هيمنت رياضيات إقليدس على الفكر الرياضي ألمد طويل‪ ،‬فأعاقت تطور الرياضيات بنوع‬
‫التصور اإلقليدي للمكان مستمد من الواقع الساذج ومتأثر‬
‫ّ‬ ‫من التسلط الفكروي الشمولي المطلق لكن‬
‫باالعتقادات الوثنية التي كانت تعتبر أن األرض مسطحة يلفها الفراغ‪ ،‬ولقد كشف العلم زيف تلك اإلدعاءات‬
‫المبنية على البداهة الساذجة‪ .‬وقد قال " باشالر " ‪ ":‬إن البداهة األولى ليست حقيقة أساسية" ونظرا الرتباط‬

‫‪12‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫الرياضيات الكالسيكية بالواقع في بداية نشأتها‪ ،‬اعتبر أينشتاين هندسة إقليدس تجريبية نظرا لالنسجام‬
‫الكبير بين حقائقها والواقع‪.‬‬

‫نقيض األطروحة( الموقف الثاني)‬

‫يرى االتجاه المعاصر أن تعدد المسلمات مفيد للرياضيات ألنه يفتح أمامها مجاالت واسعة في الفيزياء‬
‫والميكانيكا وعلم الفلك واإلعالم اآللي باعتبارها نموذجا فريدا للمعقولية واليقين ومع التطور الذي حاصل‬
‫‪ ،‬بدأ الرياضيون والمناطقة يتساءلون حول البديهيات والمسلمات‪ ،‬مما أدى إلى ظهور هندسات جديدة على‬
‫يد كل من ريمان ‪ ،Reiman‬ولوباتشفسكي‪. Lobatchevski.‬‬

‫البرهنة‪ :‬إن الخطان المتوازيان قد يلتقيان فالمكان كروي وغير متجانس عند( ريمان) فمن نقطة خارج‬
‫مستقيم ال يمر أي مواز‪ ،‬فمجموع زوايا المثلث أكثر من ‪180‬درجة‪ .‬أما الرياضي (لوباتشفسكي )‪ ،‬فيرى‬
‫أنه من نقطة خارج مستقيم يمكن رسم أكثر من مواز ‪ ،‬فمجموع زوايا المثلث أقل من ‪ 180‬درجة ألن‬
‫المكان محدب من الداخل‪ .‬ولقد ثمن بوانكاري ذلك قائال ‪ " :‬إن تطور الرياضيات وضعنا أمام حقيقة هامة‬
‫أال وهي أن العقل لم يعد يكتفي باستخالص الحقائق من التجربة‪ ،‬ولكن أصبح ينشئ المفاهيم ويعرضها‬
‫على التجربة لكي تكون مطابقة له‪ ،‬وبذلك تخلص اإلنسان من المفهوم الحدسي األول للمكان‪ .‬وأصبح‬
‫قادرا على إنشاء كل شيء حتى األمكنة‪ " .‬ويقول " بوليغان " ‪ ":‬كثرة األنظمة في الهندسة دليل على أن‬
‫الرياضيات ليس فيها حقائق مطلقة‪ " .‬وهذا ما يبين ّ‬
‫أن الحقيقة الرياضية نسبية ومتعددة‪.‬‬

‫النقد‪ :‬الهندسة الحديثة ليست حقيقة مطلقة وتعدد المسلمات البد أن يتم بشروط عقلية منطقية وواقعية‬
‫صارمة وإال تحولت الرياضيات إال جدل ال نهاية له‪.‬‬

‫التركيب‪ :‬إذا كانت هندسة ريمان خيالية في بداية ظهورها فهي اآلن ضرورية في نسبية أينشتاين ‪.‬‬
‫وأصبحت دراسة الفضاء تستفيد من هذه الهندسة ‪ .‬نقول إذن بأن لكل فضاء هندسته الخاصة ولكل علم‬
‫مسلماته الضرورية ‪ .‬ويكون كل نسق صحيحا حسب الصالحية المنطقية التي يحوز عليها‪ ،‬ومن هنا فإن‬
‫التصور الرياضي المعاصر يتبع منهجا فرضيا استنتاجيا يعمد على االنطالق من فرضية معينة يختارها‬
‫العالم ليبني عليها نسقه الرياضي بشرط أال تكون مناقضة للمنطلقات التي اعتمدها ‪.‬‬

‫حل المشكلة‪:‬‬

‫إن الطابع الشكلي والمنطقي هو الذي يسود في الرياضيات الحديثة حاليا؛ فلم تعد الرياضيات ذلك العلم‬
‫المطلق بل أصبحت نتائجها نسبية مبنية على عقالنية جديدة ترفض البداهة اإلقليدية التقليدية وهكذا نشأ‬
‫المنهج األكسيومي القائم على منهج فرضي استنتاجي ‪ .‬ال يتعارض مع تعدد الهندسات الذي لم يصبح‬
‫يسيء إلى اليقين الرياضي بل ما انفك ما يعززه‪.‬‬

‫نص السؤال ‪ :‬هل المقياس التجريبي معيار الزم لتحديد علمية العلم؟‬

‫‪ /1‬طرح اإلشكالية‪ :‬إن العلوم الطبيعية بصفة عامة‪ ،‬سواء كانت علوم المادة حية أو علوم المادة الجامدة‬
‫‪...‬فإنها ال تخرج على نطاق األشياء الحسية الواقعية‪ ،‬فهي تبتدئ منها وتنتهي إليها‪ ،‬ألنها تهدف إلى‬
‫معرفة الظواهر الطبيعية واكتشاف عللها التي تحكمها‪ ،‬لذلك فهي علوم قائمة كلها على مالحظة الحوادث‬
‫الطبيعية‪ ،‬واستقراء الواقع‪ ،‬واإلصغاء إليه ‪ .‬من هنا ظهر المنهج التجريبي الذي يعتمد على التجربة كمبدأ‬

‫‪13‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫للدراسة واعتبارها المقياس األساسي للعملية والحكم على قيمة العلوم‪ ،‬ولهذا نتساءل‪ :‬هل الدراسة‬
‫التجريبية مقياس ضروري لتحديد علمية العلم والحكم على قيمته العلمية؟‬

‫‪ /2‬محاولة حلها‬

‫عرض االطروحة (الموقف االول )‬

‫في الواقع إن الطريقة التجريبية كمبدأ للمعرفة وكمقياس أساسي لها لم تتضح إال بعد حدوث االنفصال‬
‫بين العلم والفلــسفة‪ ،‬واستقالل البحوث العلمية عن الدراسات الفلسفية من حيث الموضوع والمناهج على‬
‫يد رواد المنهج التجريبي الحديث فرانسيس بيكون ‪ ،‬جون ستيوارت مل‪ ،‬نيوتن وغيرهم ‪ .‬وهذا انطالقا‬
‫من دراسة الظواهر الطبيعية واالشتغال باكتشاف الواقع المحسوس وعالقاته القائمة باستخدام المقياس‬
‫التجريبي واالبتعاد عن المسائل الميتافيزيقية‪ ،‬واألحكام الذاتية باعتماد خطوات إجرائية محددة (‬
‫المالحظة‪ ،‬الفرضية ‪ ،‬التجربة) وتظهر التجربة على أنها أداة التحقق والتأكيد‪ ،‬وسلطة الجسم والفصل‬
‫في الحكم على طبيعة الدراسة ‪ ،‬وقيمة نتائجها وبالتالي تتحدد قيمة التجربة كمقياس مبدئي للعمل التجريبي‬
‫‪ ،‬وكمعيار يحدد علمية العلم والشرط الضروري الذي البد منه ‪ ،‬ألنها تحتل موقعا محوريـــا في المنهج‬
‫التجريبي‪ ،‬وتستوعب ما يسبقها من خطوات‪ ،‬وتحكم على قيمة عملها ‪ .‬زيادة على أن التجربة بموقعها‬
‫العملي‪ ،‬تسمح بتكرار الحوادث للتأكد منها ووسيلة حاسمة لقياس بعض الظواهر وتسجيل عالقاتها‪،‬‬
‫وفرصة إلحداث مركبات جديدة وإبداعية‪ ،‬والتعبير عن أكبر قدر من الموضوعية ‪ .‬كل هذا جعل من التجربة‬
‫هي مقياس العلم‪ ،‬والحكم األساسي على علمية أي بحث أو دراسة‪ ،‬وإلحاقها بركب العلوم ‪ ،‬وهذا ما أدى‬
‫إلى اتساع مفهوم التجربة‪ ،‬وتنوع مجال استعمالها نتيجة تنوع ميادين العلم وحقول المعرفة التجريبية'(‬
‫ميدان الفيزياء‪ ،‬الفلك ‪ ،‬الجيولوجيا ‪ ،‬البيولوجيا‪ ،‬علم االنسان‪...‬الخ) وكل هذا اقتضى االستخدام المرن‬
‫لمقياس التجربة‪ ،‬وجعلها تنمو وتتقولب مع طبيعة الموضوعات وخصوصياتها مع الحفاظ على الروح‬
‫التجريبية كمقياس للحكم على العلمية لهذا يقول غاستون باشالر ‪ ":‬إن عمر العلم يقاس بمدى تطور‬
‫الوسائل التجريبية المستعملة الكتسابه" ‪.‬‬

‫النقد‬

‫لكن بالرغم ما قدمته التجربة من نتائج وما أفرزته من حيوية في البحث والدراسة إال أنها ال تستطيع أن‬
‫ترتقي إلى مستوى ضمان النتائج واثبات اليقين فيها‪ ،‬ألن نتائجها تكتفي باالحتمال المرجح والتقريبي فقط‬
‫‪ ،‬لهذا يقول كلود برنارد " إن االستدالل التجريبي يبقى دائما نسبيا ومؤقتا ألنه يمثل عالقات متشبعة هو‬
‫ليس متيقنا من اإلحاطة به جميعا " ومن ناحية أخرى وهذا األهم؛ هو أن المقياس التجريبي غير متيسر‬
‫وغير ممكن في كثير من الميادين المعرفية عند اإلنسان‪ ،‬نتيجة اختالف طبيعة الموضوعات وخصائصها‬
‫التي ال تتالءم مع الروح التجريبية ومقاييسها مما يفرض وجود مقاييس أخرى لتحديد علمية العلم وقياس‬
‫قيمته‪.‬‬

‫نقيض األطروحة ( الموقف الثاني)‬

‫إن التجربة ليست هي المقياس األوحد والضروري لتأسيس العلم والبرهنة على شرط العلمية وقيمتها ‪،‬‬
‫لهذا يؤكد أصحاب النزعة العقلية أن العقل هو الذي يؤسس العلم‪ ،‬ويعبر عن القوانين‪ ،‬ويفهم الحقائق ‪،‬‬

‫‪14‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫لهذا يقول " ويوال " ‪ ":‬إن الحوادث تتقدم الى الفكر بدون رابطة إلى أن يجيء الفكر المبدع " ويقول‬
‫بونكاري ‪ ":‬نستطيع أن نسأل الطبيعة دائما‪ ،‬لكنها ال تجيب‪ ،‬بل نحن نجيب بدلها "‬

‫من هنا نجد أن دراسات مناهج العلوم تؤكد أن البرهنة على الحقائق واثبات علميتها تقبل أكثر من مقياس‪،‬‬
‫بحسب طبيعة الموضوع المدروس‪ ،‬فالقضايا الرياضية مثال والبرهنة عليها‪ ،‬تعتمد المقياس االستنتاجي‬
‫الصوري‪ ،‬وتحقق نتائج قـــمة في الدقة واليقين‪ ،‬وبالتالي إثبات العلمية وقيمة النتائج‪ ،‬بل حتى صارت‬
‫العلوم التي تعتمد المقياس التجريبي تتطلع إلى استخدام الرياضيات طمعا في تحقيق الدقة‪ ،‬واألكثر‬
‫من هذا‪ :‬أنه ال علم إال إذا عبر عن نتائجه بصيغ رياضية وتحويل الكيفيات إلى كميات‪ .‬من ناحية أخرى‬
‫نجد أن الدراسة في الظواهر االجتماعية وكذلك المجاالت االقتصادية تتخذ إلثبات حقائقها علميا‪ ،‬االستدالل‬
‫اإلحصائي‪ ،‬وما يترتب عنه من نتائج موضوعية ‪ ،‬وكل هذا يؤكد أن مقياس العلمية ليس رهين المعيار‬
‫التجريبي‪.‬‬

‫النقد‬

‫لكن تعدد مقاييس إثبات العلمية ال يعني االنتقاص من قيمة المقياس التجريبي وما يحققه من دقة وإبداع‬
‫فـــي النتائج‪ ،‬كما أن المقياس التجريبي يبقى المقياس األكثر استعماال‪ ،‬واألوسع ميدان بين مختلف العلوم‪،‬‬
‫مما يدل على فعالــية هذا المقياس ونجا عته العلمية‪.‬‬

‫التركيب‬

‫إن مقياس العلمية وتحديد قيمة العلم ونتائجه ليس واحدا في جميع ميادين الدراسة العلمية‪ ،‬ألن طبيعة‬
‫الموضوع هي التي تحدد طبيعة المقياس الذي يتالءم معه‪ ،‬ويثبت حقائقه العلمية‪ ،‬لهذا فالمقياس‬
‫التجريبي الزم وضروري كمنهج للعمل‪ ،‬ومبدأ للحكم على العلمية في العلوم والموضوعات التي تناسب‬
‫معــه‪ ،‬لكنه ليس الزم فــي ميادين أخرى ال تتفق في طبيعتها وموضوعاتها مع النموذج التجريبي ولكن‬
‫مع ذلك لها مقاييسها التي تثبت بها علميتها ‪ .‬واالختالف بين هذه المقاييس يبقى في درجة الدقة واليقين‪.‬‬

‫‪ /3‬حل المشكلة‪:‬‬

‫إن المقياس التجريبي‪ ،‬مبدأ ومعيار يتناسب مع طبيعة الظواهر الواقعية الحسية‪ ،‬برغم ما بينها من‬
‫اختالف‪ ،‬ويحدد علميتها وقيمة الدراسة فيها‪ ،‬لكنه ليس مقياس الزم وعام لكل ميادين وحقول المعرفة‬
‫اإلنسانية‪.‬‬

‫نص السؤال ‪ :‬هل تخضع الظواهر الطبيعية إلى حتمية مطلقة؟‬

‫‪ /1‬طرح اإلشكالية‪:‬‬

‫ال شك أن العلم في بحثه عن االكتمال يسعى إلى ضبط الظواهر ضبطا دقيقا‪ ،‬وهذا يستلزم اعتماده على‬
‫مبادئ صحيحة وصارمة‪ ،‬بواسطتها يرجع الظواهر إلى شروط معلومة‪ ،‬ومن أبرز ما يعتمده العلم من‬
‫مبادئ نجد مبدأ الحتمية الذي يعتبر إحدى تجليات الفكر الرياضي في الفيزياء النيوتونية‪ .‬يقول‬
‫هانزريشنباخ ‪ ":‬أما حتمية العصر الحديث فقد ظهرت نتيجة لنجاح المنهج الرياضي في الفيزياء " ؛‬

‫‪15‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫ويعني هذا المبدأ في األساس " أن نفس األسباب تؤدي إلى نفس النتائج حتما " لكن العلماء اختلفوا‬
‫حول هذا المبدأ‪ .‬فهل فعال أن كل الظواهر الطبيعية تخضع بصرامة إلى مبدأ الحتمية؟‬

‫‪ /2‬محاولة حلها‬

‫عرض االطروحة (الموقف االول )‬

‫ذهب كثير من الفالسفة إلى القول بمبدأ الحتمية كأساس للقانون العلمي بحيث إذا كان لكل شيء سبب‬
‫فإن نفس األسباب تؤدي إلى نفس النتيجة‪.‬‬

‫البرهنة بما أنّ غاية العلم األساسية تتمثل في التنبؤ بالظواهر قبل حدوثها‪ ،‬فإنّ هذا األمر يشترط‬
‫الكشف عن العالقات الثابتة بين الظواهر‪ ،‬فالعالم يستند إلى مبدأ أساسي وأصيل يتمثل في إيمانه الراسخ‬
‫بأن الظواهر الطبيعية خاضعة لمبدأ ثابت ‪ .‬فالحوادث العلمية ال تحدث عبثا بل لها شروط محددة إذا‬
‫توفرت هذه الشروط تحققت النتائج حتما ‪ .‬وفي هذا السياق يقول كلود برنارد ‪ ":‬تتحدد شروط وجود‬
‫كل ظاهرة‪ ،‬تحديدا مطلقا في جميع الكائنات سواء أكانت أجساما حية أو جامدة" وهذا يدل داللة واضحة‬
‫على أنّ العلم مشروط بهذا المبدأ‪ ،‬الذي أكده الرياضي الفرنسي بوانكاري بقوله ‪ ":‬إن العلم حتمي‪ ،‬وذلك‬
‫بالبداهة‪ ،‬وهو يضع الحتمية موضع البديهيات التي لوالها لما أمكن أن ليكون" وكذلك ‪ ":‬إن عالما ال‬
‫تسوده الحتميّة هو عالم موصد في وجه العلماء ألن العلم بطبيعته حتم ّي"‬

‫ومن هذا المنطلق يمكن أن نتصور نظاما آليا للكون وهذا ما أكده البالس بقوله ‪ ":‬يجب علينا أن نعتبر‬
‫الحالة الراهنة للكون نتيجة لحالته السابقة وسببا في حالته التي بعد ذلك مباشرة‪ ،‬ولو استطاع ذكاء ما‬
‫أن يعلم في لحظة جميع القوى التي تحرك الطبيعة ‪ ،‬الستطاع أن يعبر بصيغة واحدة عن حركات أكبر‬
‫األجسام‪ ،‬أخف الذرات وزنا فال يرتاب في شيء‪ ،‬ويكون المستقبل والحاضر ماثلين أمام عينينه " ومن‬
‫هنا فالكون آلة كبرى والحالة الراهنة نتيجة للسابقة‪ ،‬وسبب التي تأتي من بعد مباشرة مثل تبخر المياه‬
‫هي نتيجة الرتفاع درجة حرارة الجو وسبب لسقوط المطر ‪ .‬ولقد عبر أولمو عن مبدأ الحتمية أحسن‬
‫تمثيال عندما قال ‪ ":‬إن الحتمية هي التحديد الدقيق للمستقبل بواسطة الحاضر تحديدا يستوجب التّنبؤ‬
‫الكامل"‬
‫النقد إنّ وجود نظام صارم للكون ال يعني بالضرورة أن الحوادث العلمية تخضع إلى آلية عمياء و إالّ‬
‫كيف نفسر عجز العلماء عن التنبؤ بكثير من الحوادث الطبيعية التي ال تزال مستعصية على العلم؟ ثم‬
‫إن باشالر يبيّن في كتابه " النشاط العقالني للفيزياء المعاصرة " حدود الحتمية قائال ‪ ":‬وبالجملة‪ ،‬فإن‬
‫كل حتمية جزئية وخاصة وجهورية‪ ،‬هي تدرك من وجهة نظر مخصوصة‪ ،‬وضمن سلم من المقادير يتم‬
‫اختياره‪ ،‬وفي حدود تضبط بشكل صريح أو ضمني‪ ،‬مقابل ذلك فإن كل ما ندرسه بعناية علمية محدد وواقع‬
‫تحت تأثير حتمية محددة‪ .‬فمبدأ الالّتعين ذاته ‪ ،‬مبدأ هيزنبرغ يخضع لتقنين محدد وهو يمثل قطاعا‬
‫خصوصيا من قطاعات الحتمية له تعابير وقوانين جبرية صارمة"‬

‫‪ -2‬نقيض االطروحة ( الموقف الثاني)‬

‫على عكس الفيزياء الكالسيكية فإن الفيزياء المعاصرة تعترض على مبدأ الحتمية المطلقة إذ ثبت علميا‬
‫أن التجارب والمالحظات تكون تقريبية خاصة في الفيزياء المجهرية حيث أن حركة الجسيم ال تتأثر نظرا‬
‫لرهافتها بأدوات القياس وبأخطاء المالحظة‪ .‬وهنا يقول هيزنبرغ ‪ ":‬كلما تم التدقيق في موقع الجسيم‬

‫‪16‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫كلما غيّرت هذه الدقة كمية حركته‪ ،‬وبالنتيجة سرعته‪ ،‬وكلما تم التدقيق في قياس كمية حركته كلما التبس‬
‫موقعه ‪ .‬لذلك تصعب معرفة موقعه وسرعته في زمن الحق" ‪ .‬إنّ هذه االكتشافات التي قام بها الباحثون‬
‫في الميكروفيزياء قد غيرت المفاهيم خاصة مع نظرية النسبية إلنشتاين حيث أصبح العلم نسبي فلجأ‬
‫العلماء إلى مبدأ الالتعين ( الالحتمية) يقول هيزنبرغ ‪ ":‬يمكن إبراز الخالف بين الفيزياء المعاصرة‬
‫والفيزياء الكالسيكية من خالل عالقات االرتياب "‬

‫النقد ‪ :‬لكن مشكلة الالحتمية تتعلق بمدى تطور أدوات المالحظة والقياس وهذا أمر يمكن للتطور‬
‫العلمي أن يتجاوزه ؛ لهذا فالتحديد الرياضي للعالقات بين الظواهر يمكن أن يحل المسألة إلى حين‪،‬‬
‫وبالتالي ال يمكن إنكار الحتمية بشكل مطلق ألن ذلك يبعد العلم عن غايته المتمثلة في التنبؤ‪.‬‬

‫التركيب‪ :‬تجاوز ا هذا المأزق االبستيمولوجي‪ ،‬حاول العلماء الجمع بين المبدأين ( الحتمية والالحتمية)‪،‬‬
‫مثلما فعل لويس دو بروغلي ‪ DE BROGLIE‬عندما اعتمد مبدأ حساب االحتمال‪ ،‬بحيث أن مبدأ‬
‫الحتمية فــــي حد ذاته أصبح نسبيا‪ ،‬ولكنه قاعدة أساسية‪ .‬يقول ال نجفان ‪ " :LANGEVIN‬إن‬
‫نظريات الذرة في الفيزياء الحديثة ال تهدم مبدأ الحتمية‪ ،‬وإنما تهدم فكرة القوانين الصارمة‪ ،‬أي تهدم‬
‫المذهب التقليدي "‬

‫‪ -3‬حل المشكلة‬

‫ختاما يمكن القول أن لكل مجال مبادئه ولكل علم قواعده وبناء عليه تصبح الحتمية أساسية في الفيزياء‬
‫والالحتمية ضرورية في الميكروفيزياء ( المجهرية) والماكروفيزياء الكونية ‪.‬‬

‫نص السؤال‪ :‬إن الظاهرة الحية ظاهرة قابلة للدراسة التجريبية" دافع بالبرهان صحة هذه األطروحة‬

‫‪ / 1‬طرح اإلشكالية‪:‬‬

‫إن الثورة العلمية الحديثة‪ ،‬وما حققته تطبيقات المنهج التجريبي من نجاحات واكتشافات فـــي ميدان‬
‫العلوم الجامدة‪ ،‬جعلت مختلف العلوم تنحو هذا الطريق وتحاول اعتماد التجربة كمقياس للحكم على‬
‫علمية الدراسة وقيمة البحث‪ ،‬ومن بين هذه العلوم‪ ،‬علوم المادة الحية‪ ،‬لكن ما ظهر عن هذه المادة‬
‫الحية وشاع عنها‪ ،‬أنها ظاهرة معقدة‪ ،‬ومتشابكة وال تتالءم مـــع الدراسة التجريبية‪ ،‬مــما دفع بالكثير‬
‫للحكم بصعوبة واستحالة دراستها تجريبيا لعدم قابليتها لذلك‪.‬لكن ظهر اتجاه علمي آخر عارض بشدة هذا‬
‫الموقف‪ ،‬وقام رواده ببحوث جريئة‪ ،‬أثبتت قابلية الظاهرة الحيــة للدراسة التجريبية‪ ،‬وخض‬

‫وعها للمنهج التجريبي كأساس لفهمها والتعبير عنها‪ .‬فكيف يمكن الدفاع عن هذه األطروحة التي تعتقد‬
‫بقابلية الظاهرة الحية للدراسة التجريبية؟ وكيف يمكن إثبات مشروعيتها؟‬

‫‪ /2‬محاولة حلها‬

‫عرض منطق األطروحة‬

‫يعتقد أنصار هذه األطروحة أن الظاهرة الحية يمكن دراستها بطريقة علمية تجريبية‪ ،‬تقوم على معــرفة‬
‫الشروط واألسباب التي أوجدتها وجعلتها تؤدي وظيفتها‪ ،‬وبالتالي قابليتها وخضوعها للمقياس‬
‫التجريبي‪ ،‬ويعتبر العالم والفيلسوف " كلود برنارد " من أشد المدافعين والمؤسسين لمنهج الدراسة‬

‫‪17‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫التجريبية فــي الظواهر الحية‪ ،‬وقد أنبني هذا االتجاه علـــى عدة مسلمات‪ :‬إذ البد من التسليم كبـــديهية‬
‫تجريبية أن لكل ظاهرة شروط وجودها المحددة تحديدا مطلقا‪ ،‬سواء تعلق األمر باألجسام الجامدة أو‬
‫بالكائنات الحية‪ ،‬وأنها ال تشذ عن هذه الشروط‪ ،‬وبالتالي ال يمكن لتأثير الحياة أن يغير في القضية شيئا‪،‬‬
‫ولو قلنا بغير هذا لصارت الظاهرة الحية تسير وفق قوة عمياء‪ ،‬وهذا مستحيل فــــي الكون‪.‬‬

‫وبناء على هذا يؤكد " كلود برنارد" و " فرانسوا جاكوب " أنه ال فرق بين الظاهرة الجامدة والظاهرة‬
‫الحية إال في درجة التعقيد‪ ،‬ألن كل الدالئل التجريبية تفيد بوجود قوانين تحكم الظواهر الحية مثلما هو‬
‫الحال في القوانين التي تحكم الظواهر الجامدة‪ ،‬لهذا يقول " كلود برنارد " ‪ ":‬ال بد لعلم البيولوجيا أن‬
‫يأخذ من العلوم الفيزيائية الكيميائية المنهج التجريبي‪ ،‬ولكن مع االحتفاظ بحوادثه الخاصة وقوانينه "‪.‬‬
‫ويفهم من هذا أن العالم البيولوجي يستعير وسائل التحليل وطرائق االستقصاء من العلوم الجامدة ويستفيد‬
‫منه فـــي دراسة الظواهر الحية مع الحفاظ على خصوصياتها‪ ،‬ومن هنا استطاع " كلود برنارد " أن‬
‫يقلب حيوانات ذات دم حار‬

‫إلى حيوانات ذات دم بارد حتى يستقصي خصائص عناصرها الداخلية‪.‬‬

‫ويضيف أصحاب هذا االتجاه أن الظاهرة الحية ما هي في الحقيقة إال آلة حية تنحل إلى مركبات طبيعية‪،‬‬
‫وبالتالي فهي تخضع لتفسير ميكانيكي‪ ،‬مثل باقي الظواهر الجامدة‪.‬‬

‫عرض منطق خصوم األطروحة ونقدهم‬

‫غير أن خصوم هذه األطروحة يعتقدون أن الظاهرة الحية يصعب إخضاعها ودراستها دراسة تجريبية‪،‬‬
‫ألنها ظاهرة معقدة ومتشابكة‪ ،‬وتتصف بالتكامل واالنسجام بين أعضائها‪ ،‬وليست مجـــرد نتاج تفاعل‬
‫كيميائي فيزيائي‪ ،‬كما هو في الظواهر الجامدة‪ .‬لهذا يقول ‪ " :‬كوفي " إن سائر أجزاء الجسم مرتبطة‬
‫فيما بينها‪ ،‬فهي ال تستطيع الحركة إال بقدر ما تتحرك كلها معا‪ ،‬والرغبة في فصل جزء عن الكتلة معناها‬
‫نقله الى نظام الذوات الميتة‪ " ...‬كما أن المالحظة غير ممكنة في البيولوجيا ألن الكائن الحي ال يستقر‬
‫على معين‪ ،‬وفوق هذا يصعب التجريب عليها وبنائها مخبريا‪ ،‬من كل هذه العوائق حكم هؤالء بأن الدراسة‬
‫التجريبية في الظواهر الحية غير ممكنة ومستحيلة‪.‬‬

‫ــ غير أن هذا الموقف هو نوع من االستسالم للعوائق والصعوبات وهروبا من مواجهتها‪ .‬ويعـد هذا‬
‫قصور في الباحث ووسائله‪ ،‬وليس في الظاهرة وما تتمتيز به‪.‬‬

‫ومن ناحية أخرى فإن الصعوبات وطبيعة الظاهرة الحية‪ ،‬لم توقف البحث العلمـــي فيها‪ ،‬بل على العكــس‬
‫دفعت العلماء وشجعتهم على بناء طرق جديدة لدراستها‪ ،‬وإبداع وتطوير مختلف الوسائل والتقنيات‬
‫التجريبية التي تتالءم مع طبيعتها وتمكن من دراساتها تجريبيا‪ ،‬وهذا ما يدفعنا لتدعيم األطروحة بحجج‬
‫شخصية تؤكد صحتها ‪:‬‬

‫دعم منطق األطروحة بحجج شخصية‬

‫فلقد أثبت " كلود برنارد " في تجاربه المختلفة أن الظاهرة الحية تخضع لمبدأ الحتمية واالطراد‪ ،‬الذي‬
‫تخضع له المادة الجامدة‪ ،‬وبالتالي يمكن دراستها بنفس المنهج‪ ،‬وتفسيرها سببيا ‪ ،‬وصياغة قوانين‬
‫لظواهرها وهذا ما وضحه بالتفصيل في تجربته حول بول األرانب‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫كما أكد " با ستور " في تجاربه حول الجراثيم أن لها أسبابها وشروطها التي توجدها‪ ،‬وبذلك كذب تلك‬
‫المزاعم التي كانت تدعي أن الجراثيم تنشأ بطريقة عفوية‪ .‬إضافة إلى أن الدراسات المعاصرة أثبتت أن‬
‫التفسير العلمي واحد بالنسبة للمادة الجامدة أو الحية‪ ،‬فآلية العمل الذي يقوم به القلب مثال في الدورة‬
‫الدموية هو نفس العمل الذي تقوم به المضخة االصطناعية مع بعض التحفظ ‪.‬‬

‫‪ /3‬حل المشكلة‬

‫وعليه نخلص إلى أن الظاهرة الحية قابلة للدراسة التجريبية إذ تمكنا من معرفة طبيعتها وخصائصها‬
‫التي تميزها‪ ،‬وما يظهر من عوائق في ميدان البحث‪ ،‬فهذا ال يعود إلى الظاهرة‪ ،‬بل يرد إلى ذاتية الباحث‬
‫وقصور وسائل البحث‪ ،‬ومن ثمة نحكم بصحة هذه األطروحة ومشروعية الدفاع عنها وتبنيها‪.‬‬

‫هل يمكن التجريب في علم النفس؟‬


‫‪-1‬طرح المشكلة ‪:‬‬

‫إن نجاح المنهج التجريبي في الطبيعيات أصبح قدوة لسائر المباحث التي تريد أن تتصف بالعلمية‪ ،‬ومن‬
‫جملتها نجد ما هو خاص بالظواهر اإلنسانية النفسية وعلى هذا األساس تساءل المفكرون حول حقيقة البحث‬
‫في علم النفس‪ :‬فهل يمكن دراسة الظاهرة النفسية دراسة علمية؟‬

‫‪ -2‬محاولة حلها‪:‬‬

‫عرض األطروحة( الموقف األول)‬

‫ترى النزعة الكالسيكية أنه ال يمكن إخضاع الظاهرة النفسية إلى العلمية وذلك نظرا لطبيعة هذه الظواهر‪.‬‬

‫الحجج‪ :‬الظاهرة النفسية تتميز بالتغير والتعقيد والتشابك فمثال المشاعر متداخلة مع بعضها البعض‬
‫واإلنسان ينتقل فــي انفعاالته من القلق إلى السكون ومن الفرح إلى الغضب ومن التفاؤل إلى التشاؤم في‬
‫لحظات هذا االنتقاء لوقائع نفسيّة محدّدة يت ّم على أساسها تفسير ك ّل النّشاط النّفسي لدى اإلنسان‪ ،‬وهو‬
‫ما يجعل " كانغيالم" يصف هذا العلم وكأنه " فلسفة تعوزها ال ّدقّة"‪ ،‬يعني لم تحقق بعد علميتها‪ ،‬ثــم‬
‫إن الظواهر النفسية كيفية ال يمكن قياسها كميا فالعواطف واألهواء والمشاعر ال يمكن حسابها عدديا‪،‬‬
‫ألنها ظواهر معنوية ومن هنا ال يمكن مالحظتها ألنها غير مرئية وشديدة التحول‪ .‬ولفهم الظواهر النفسية‬
‫نحتاج إلى المنطق العاطفي ال إلى منطق العقل وبالتالي فإن منهج التعاطف هو السبيل إلى فهم الظواهر‬
‫التي ال تقبل التفسير العلمي‪ .‬لهذا يقول الفيلسوف األلماني "دلتاي "‪ " :‬إن الظواهر الروحية قابلة للفهم‬
‫وليست قابلة للتفسير" وربما السبب األساسي يتمثل في صعوبة تحقيق الموضوعية العلمية ألن الباحث‬
‫وموضوع البحث هو اإلنسان‪ .‬وال تفلت الحوادث النفسية من مبدأ الحتمية إذ يصعب أن نتنبأ بسلوك اإلنسان‪.‬‬
‫فأي معنى يبقى للمنهج العلمي إذا عجزنا عن تطبيق خطواته األساسية المتمثلة في المالحظة‪ ،‬الفرضية‪،‬‬
‫التجربة؟‬

‫‪19‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫النقد ‪ :‬إن هذه العوائق االبستمولوجية إنما ترجع إلى طبيعة الموضوع وبالتالي يمكن تكييف المنهج العلمي‬
‫بما يوافق خصائص الظاهرة النفسية‪.‬‬

‫نقيض األطروحة( الموقف الثاني )‬

‫يمكن دراسة الظاهرة النفسية دراسة علمية فالنفس ليست خرافة ميتافيزيقية بل ظاهرة حيوية لها أسبابها‬
‫ونتائجها وأثارها‪.‬‬

‫الحجج‪ :‬وهذا ما تؤكده النزعة الحديثة التي تصر على إمكانية مالحظة السلوك وقياسه وهذا ما حاول فعله‬
‫العالم " بافلوف ‪ "Pavlov‬بواسطة المنعكس الشرطي حيث أثبت أن السلوك ينحل إلى سلسلة من المنبهات‬
‫التي تصاحبها ردود أفعال آلية مما يتيح التنبؤ بالسلوك وفق( مبدأ الحتمية) ‪ ،‬وبالتالي صياغة القوانين‪ ،‬إن‬
‫النظرية السلوكية بينت إمكانية مالحظة السلوك من الخارج (احمرار الوجه واصفراره‪ ،‬االرتعاش) ‪،‬هذه‬
‫كلها دالئل على أحوال نفسية‪.‬‬

‫وحديثا مع تطور علم النفس أصبحت حقيقة ال يمكن إنكارها‪ ،‬فالتحليل النفسي قائم على ضوابط علمية‪،‬‬
‫ولقد حاول علماء النفس قياس القدرات العقلية كالذكاء مثلما فعل سيمون وبينيه( ‪.)Simon et Binet‬‬

‫النقد‪ :‬إن تعدد المناهج في علم النفس يطرح إشكاال ابستيمولوجيا ّ دقيقا فهذه التيّارات المختلفة والمدارس‬
‫المتعدّدة في دراسة الظواهر النفسية عند اإلنسان تؤدي إلى تشتت هذا العلم وإلى غياب وحدة تأليفية‬
‫للموضوع وللمنهج‪ .‬م ّما يفقده الموضوعيّة الضرورية ولع ّل " كانغيالم ‪ "KANGELHEIM‬ال يبتعد‬
‫كثيرا عن" أوجست كونت " الذي يعتبر " علم النفس تكريسا لجملة من األفكار الالهوتية والميتافيزيقية‪،‬‬
‫لذلك ال يمكن لهذا البحث أن يشكل علما قائما بذاته"‪.‬‬

‫التركيب‪ :‬الظواهر النفسية متعددة متشابكة منها ما يخضع للفهم‪ ،‬ومنها ما يخضع للتفسير‪ .‬ولكن عموما فإن‬
‫علم النفس حول الظاهرة النفسية من أغوارها الميتافيزيقية إلى أرض الواقع العلمي‪.‬‬

‫حل المشكلة‪ :‬لقد حقق علم النفس تطورات هامة غير أن طبيعة الظواهر تحتم التفكير في بناء منهج علمي‬
‫خاص يتماشى مع حقيقة الظواهر السيكولوجية‪.‬‬

‫هل يمكن دراسة الحادثة التاريخية دراسة علمية موضوعية؟‬

‫‪-1‬طرح المشكلة ‪:‬‬

‫الشك أن المنهج التجريبي في الطبيعيات حقق نتائج باهرة تتسم بموضوعية راقية‪ ،‬هذا ما دفع بالعلماء إلى‬
‫التفكير في إمكانية تطبيقه لدراسة الظواهر التاريخية برغم العوائق االبستمولوجية ‪ .‬فإلى أي مدى يمكن‬
‫اعتبار التاريخ علم يتميز بالموضوعية؟‬

‫‪ -2‬محاولة حلها‪:‬‬

‫عرض األطروحة( الموقف األول)‬

‫يرى االتجاه الكالسيكي المعارض لعلمية التاريخ‪ ،‬أن الظواهر التاريخية ال يمكن أن تتصف بالموضوعية‬
‫وال بالعلمية نظرا لطبيعة حوادثها‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫و يبررون موقفهم بكون " اإلنسان هو الباحث وموضوع البحث في نفس الوقت " فالمؤرخ جزء من‬
‫الحوادث التي يدرسها تؤثر فيه الضغوط النفسية واالجتماعية والسياسية واالقتصادية ‪ .‬يقول" ديدرو "‬
‫‪ ": Diderot‬هناك نوعان من التاريخ‪ ،‬التاريخ الرسمي الذي يلقن في المدارس‪ ،‬والتاريخ الفعلي الذي تحجبه‬
‫السياسة"‪ .‬كما يصعب تطبيق الحتمية والتنبؤ ألن التاريخ يسير وفق غائية يصعب على العالم أن يحددّها‪،‬‬
‫ألن التاريخ ماض وأي افتراض يبقى مجرد فلسفة‪ ،‬إذ ال يمكن‬ ‫ومنهجيا تبقى المالحظة المباشرة مستحيلة ّ‬
‫ي معنى لعلم يعجز عن ضبط‬ ‫سر ضبط قوانينه‪ ،‬فأ ّ‬
‫التحقق منه تجريبيا مادام ظاهرة معنوية ماضية وهذا يع ّ‬
‫ظواهره؟‬

‫النقد‪ :‬لقد بالغ أنصار هذا الموقف في النظر إلى التاريخ وكأنه ظاهرة مادية متجاهلين خصوصيته‪ .‬ومهما‬
‫كان أال يمكن أن يتحلى المؤرخ بالنزاهة؟‬

‫نقيض األطروحة ( الموقف الثاني)‪ :‬يرى االتجاه المعاصر المتشبع بالروح العلمية‪ ،‬أن الظواهر التاريخية‬
‫يمكن أن تتصف بالموضوعية وبالعلمية وفق خصوصياتها‪ .‬فاإلنسان الباحث كائن عاقل يمكن أن يتصف‬
‫بالوعي والمعقولية والنزاهة واالعتدال الفكروي‪ ،‬وهذه وسائل ممكنة‪ ،‬خاصة إذا تم ضبط منهج منظم‬
‫يصنف وين قد ويحلل ويركب الحوادث بصورة واقعية اعتمادا على االستقراء العلمي واالستنباط ‪ ،‬ويمكن‬
‫االستعانة بالعلوم الفيزيائية والكيميائية والرياضية حيث يقول العالم " فرانسوا جاكوب " في هذا السياق ‪":‬‬
‫على العالم الفيزيولوجي أن يحاول دراسة الظواهر التي تجري داخل العضوية الحية باالعتماد على مناهج‬
‫الفيزياء والكيمياء‪ ،‬وعلى البيولوجيا‪ ،‬كما يقول" كلود برنارد"‪ " :‬أن تأخذ المنهج التجريبي من العلوم‬
‫الفيزيائية الكيميائية‪ ،‬لكن مع االحتفاظ بظواهرها النوعية وقوانينها الخاصة " ويقول " بول موي" ‪" :‬‬
‫والواقع أن من الممكن أن يكون اإلنسان موضوعا لعلم وضعــي‪ ،‬ألنه يمكن أن يخضع لمالحظات منهجية‪،‬‬
‫وألن سلوكه ولو كان فرديا ينم عن اطرادات منتظمة وعن صور إجمالية تشهد بوجود طبيعة بشرية يمكن‬
‫تعميمها‪ ،‬وألن سلوكه ليس فرديا فحسب بل هو اجتماعي أيضا‪ ،‬ومن ثمة يمكن تحديده موضوعيا على نحو‬
‫ما ينبئنا علم االجتماع‪ .‬وأخيرا ألن الحرية إذا كانت مضادة لعبودية األهواء من الوجهة األخالقية‪ ،‬والقدر‬
‫المحتوم من الوجهة الميتافيزيقية‪ ،‬فإنها ال تتنافى مطلقا مع الحتمية التي تحاول علوم اإلنسان الكشف عنها‬
‫"‬

‫ولقد استطاع عبد الرحمن ابن خلدون أن يضع أسس النقد التاريخي حيث يقول ‪ ":‬إن النفس إذا كانت على‬
‫حال من االعتدال في قبول الخبر‪ ،‬أعطته حقه في التمحيص والنظر‪".‬‬

‫النقد‪ :‬إن التسليم بعلمية الدراسات التاريخية ال يعني أنها بلغت منتهى الموضوعية فالتاريخ يكتبه األقوياء‬
‫والمنتصرون حسب وجهات نظرهم وإيديولوجياتهم‪.‬‬

‫التركيب‪ :‬مسالة التاريخ مسألة علمية تختلف في موضوعها ومنهجها وطبيعتها عن علوم الطبيعة وتبقى‬
‫مسألة الموضوعية مرهونة باجتهاد الباحث وانضباطه العلمي‪.‬‬

‫حل المشكلة‪ :‬إن تحقيق الموضوعية في التاريخ أمر ممكنا مادام الباحث متمسكا بأصول البحث العلمي‬
‫الموضوعي وأخذا بعين االعتبار طبيعة الحوادث التاريخية‪.‬‬
‫يقول جان بول سارتر‪ ":‬إن اآلخر ليس شرطا لوجودي فقط ‪ ،‬بل هو أيضا شرطا للمعرفة التي أكونها عن نفسي "‬
‫‪ -‬دافع عن صحة هذه األطروحة ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫طرح المشكلة ‪ :‬من الشائع عند البعض أن معرفة الذات تتم عن طريق الوعي و أنه بإمكان اإلنسان إثبات‬
‫ذاته بنفسه بعيدا عن مجتمعه و منعزال ‪،‬في حين يعتقد البعض اآلخر بأنه ال يمكن لإلنسان معرفة ذاته إال‬
‫عن طريق التواصل مع غيره وذلك بالتأثر والتأثير ونحن بصدد الدفاع عن هذه األطروحة ‪ .‬فكيف يمكننا‬
‫أن ندافع عن هذه األطروحة؟‪ .‬وما هي الحجج والبراهين التي تأكد وتدعم هذا الطرح ؟‪ .‬بعبارة أخرى كيف‬
‫نعتبر وجود الغير شرطا ضروريا لمعرفة الذات؟‪.‬‬

‫محاولة حلها‬

‫أ‪-‬عرض منطق األطروحة‪ :‬يرى جان بول سارتر أن الشعور هو دائما شعور بشيء وال يمكنه إال أن يكون‬
‫واعيا لذاته فالتواصل مع الغير يمكننا عن طريق الوعي بالمماثلة واإلحساس المشترك والنظر من أن يؤسس‬
‫المعرفة بالذات فقد ذهب سارتر إلى اعتبار اآلخر مقوما أساسيا ‪ ،‬مكونا لالنا والوعي به والنقطة األساسية‬
‫عنده تتمثل في الصلة التي بين الذات والغير‪ .‬يقول‪" :‬وجود اآلخر شرط لوجودي‪ ،‬وشرط لمعرفة نفسي‬
‫وعلى ذلك يصبح اكتشافي لدواخلي اكتشافا لآلخر "‪ .‬والغير هو اإلنسان وليس شيئا وهو حقيقة مطلقة‬
‫موجودة ‪ ،‬تنكشف وتتجلى كما تظهر وهذا اإلنسان ليس شيئا ‪،‬بل هو كائن تنتظم حوله األشياء التي في العالم‬
‫وقد أخذ سارتر بالفكرة التي انطلق منها ديكارت "أنا أفكر إذن أنا موجود "وبعد أن حددها تحديدا يتجاوز‬
‫الفردية الخالصة أضحت عنده" حقيقة مطلقة يندفع إليها الوجدان ليعي نفسه ويعي بالتالي وجوده" بل ويعي‬
‫اآلخرين ‪ .‬ف"أنا أفكر ال تجعلني أعي نفسي ‪ ،‬ولكنها تجعلني أعي نفسي مواجها اآلخرين وتجعل اآلخر‬
‫حقيقة أكيدة لي ووعي له ال يقل قوة عن وعيي لنفسي" وما دام أن هناك كونية لإلنسان نابعة من اختياره‬
‫الحر لنفسه‪ ،‬ومن فهمه لمشروعه وليست معطاة له ومادام أنها تتكون وتتطور‪ ،‬فهي تمكنني من فهم كل‬
‫رجل من أية حقبة تاريخية كانت ‪ .‬فكل إنسان يحيا مشروعه ويعشه ‪ ،‬وانه يستطيع بخياله أن يذهب إلى‬
‫حدود مشروع األخر ويحياه إذن هناك كونية شاملة في كل مشروع‪ ،‬بمعنى كل مشروع يمكن أن يفهمه كل‬
‫إنسان وباتصالنا مع الغير عن طريق التعاطف والمحبة فإن سارتر يرى بأنه رغبة من أجل امتالك الغير‬
‫ب‪-‬‬ ‫كفرد حر ‪ ،‬بينما ال نمتلك في الحقيقة ‪ ،‬سوى األشياء‪.‬‬
‫عرض منطق الخصوم ونقده‪:‬لألطروحة السابقة خصوم حيث يروا بأن المعرفة ذاتية داخل دائرة نفسي‬
‫دون دخل للغير فالذين نشعر بأنهم أمثالنا نجد أن لكل واحد منهم ذاتية من الصعوبة إمكان النفوذ فيها والجهود‬
‫من أجل أن نفهم الغير‪ ،‬تبقى في أكثر األحيان غير مجدية ‪ ،‬عندما يتعلق األمر بوضع شخصي ولكن نالحظ‬
‫أن القيم األخالقية في أساسها مثل الحب والصداقة واإليثار والتسامح ‪ ....‬الخ فالقيم في الواقع هي عالقة مع‬
‫الغير تتضمن الميل نحوه والشوق إلى معايشته واالتصاف بالطيبة والخير اتجاهه‪ -‬فبعضنا يتعلق ببعض‬
‫وذلك بصورة مستديمة فأنا تابع لمن هو أنا غيري فعندما يخف ارتباطنا بشخصنا‪ ،‬نتمكن تدريجيا من‬
‫اإلدراك إلى أي درجة يكون اآلخر شبيهنا وهذا ما ينمي فينا روح المسؤولية من هنا أنا ال اعرف نفسي وما‬
‫هي صفاتي إال من خالل تدخل الغير فخطاب اآلخر ضروري بالنسبة لي ومعنى هذا ‪،‬أني دائما وبالضرورة‬
‫احتاج إلى غيري من اجل أن اعرف ذاتي قال ماكس شيلر‪":‬معروف أن التجربة األولى لالنا هي تجربة‬
‫تلفيقية غامضة أي أنا الطفل مازال في حالة الالقسمة وكأنه ملفوف من طرف المحيط وكأن اإلنسان يعيش‬
‫بدءا و أساسا في أحضان اآلخرين ال في ذاته نفسها إنه يعيش في الجماعة أكثر مما يعيش في فرد ذاته "‬
‫بها‪.‬‬ ‫ويعترف‬ ‫الذات‬ ‫يثبت‬ ‫والوجود‬ ‫الوجود‬ ‫ي ثبت‬ ‫فالغير‬
‫ج‪ -‬الدفاع عن األطروحة بالحجج الشخصية‪ :‬ويمكننا أن ندافع عن األطروحة بحجج جديدة فعلى الرغم من‬
‫أن الشعور هو مملكة حميمية ال تخترق إال من طرف صاحبها ‪،‬فباإلمكان تحقيق التواصل مع الغير دون‬
‫تنافر وتباعد عن طريق الوعي بالمماثلة واإلحساس المشترك و عن طريق اللغة والنظر وذلك من خالل‬

‫‪22‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫التأثير ألن الشعور ال ينطوي على نفسه ‪ ،‬هو يقلع "خارج ذاته" بحثا عن التغير الذاتي وتغير العالم فالشعور‬
‫هو الذي به أعلم أنني موجود ‪ ،‬وان الغير موجود وان العالم موجود وفي هذا السياق‬

‫يرى "براغسون" أن اللغة بوضعها الحالي ‪،‬غير صالحة لوصف معطيات الشعور مباشرة وصفا حيا فهي‬
‫تصور الشيء بما ليس هو‪ ،‬ألنها أداة تحليل فاآلخر" الغير" يُعتبر مقوما أساسيا مكونا لألنا والوعي به ‪.‬‬
‫يقول مارسيل ‪ ":‬إن الكائن الحي يقابل محيطه بخلفية توجه إجراءاته ‪ ،‬وتلهم طريقته في تفكيك المشهد في‬
‫كل مرحلة من مراحل حياته إنه يستجيب لخلفيات رغباته ‪،‬ويتغير مدلول نفس المشهد لدى الحيوان و الطفل‬
‫بحسب أن يكون جائعا أو عطشان أو متعبا"‪ .‬فالشعور ال ينير إذن كامل المجال المادي للفعل إنارة متساوية‬
‫‪،‬ألنه يستجيب هو نفسه للتنظيم العام للسلوك فهو بهذا ال يمنحنا واقعا مستقال عنا ‪،‬كما نظن عادة ‪،‬بل على‬
‫العكس من ذلك في هذا العالم طابع وجودنا فالشعور الفوري ليس متفرجا ‪ ،‬وإنما فاعل ونزوعي ‪.‬‬

‫خاتمة‪ ":‬التأكيد على مشروعية األطروحة"‬

‫ومنه نستنتج أن األطروحة القائلة" أن اآلخر ليس شرطا لوجودي فقط بل هو أيضا شرطا للمعرفة التي‬
‫أكونها عن نفسي "صحيحة في صيغها الفلسفي ونسقها ويمكن أن نتبناها وأن نأخذ برأي أنصارها وال يمكن‬
‫رفضها أو دحضها بأي شكل من األشكال لكون أنها سليمة في مبادئها و منطلقاتها فشعور اإلنسان بذاته‬
‫متوقف على معرفة اآلخرين فهي ضرورية لتثبت الذات وتُأكد خصوصيتها‪.‬‬

‫نص السؤال‪ :‬هل الحتمية عائقا للحرية أم شرطا لممارستها ؟‬

‫طرح المشكلة‪:‬إذا كانت الحرية بحسب جميل صليبا" هي الحد األقصى الستقالل اإلرادة العالمة بذاتها‬
‫المدركة لغايتها أي أن يتصرف اإلنسان حسب ما يمليه عليه عقله ‪،‬بينما الحتمية تعني إذا تكررت نفس‬
‫األسباب مع توفر نفس الشروط أدت إلى نفس النتائج ‪ ،‬فلقد اتخذ أنصار النزعة الوضعية من هذا المبدأ حجة‬
‫ينفون بها الحرية عن اإلنسان ‪ ،‬في حين يعتبر بعض المفكرين من أنصار الطرح الواقعي بان الحتمية هي‬
‫شرط ضروري لوجود الحرية هذا الجدل الفكري يدفعنا إلى التساؤل ‪ :‬هل عالقة الحرية بالحتمية هي عالقة‬
‫تعارض أم عالقة تكامل ؟‬

‫محاولة حل المشكلة ‪:‬‬

‫الموقف األول ‪ " :‬ال توجد حرية في ظل وجود الحتمية" يرى أنصار النزعة الوضعية "العلمية" بان‬
‫وجود الحتمية يكون عائقا لوجود الحرية ‪ ،‬فالعالقة بين الحرية والحتمية هي في الحقيقة عالقة تعارض‬
‫وهذا يعني أن كل أفعال اإلنسان وتصرفاته مقيدة بأسباب وشروط أي مجموعة من الحتميات وبالتالي فهو‬
‫غير حر ‪.‬‬

‫الحجة والبرهان "الحجج والبراهين "‪.‬مختلف الحتميات التي تتحكم في نشاط اإلنسان منها الحتمية الطبيعية‪:‬‬
‫إذ الطبيعة تخضع لنظام عام شامل وثابت ومادام اإلنسان جزء من الطبيعة فهو يخضع لقوانينها ‪،‬فالطبيعة‬
‫هي التي دفعت اإلنسان إلى العمل مثل ‪:‬الحرارة والبرودة واألمطار والجفاف ويعتقد العلمانيون أن اإلنسان‬
‫عبارة عن تركيبات كيميائية وفيزيائية يخضع لقوانين الطبيعة بطريقة آلية مثله مثل الظواهر الجامدة "الجزء‬
‫يخضع لنظام الكل "‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫الحتمية الفيزيولوجية ‪:‬اإلنسان يسعى من اجل تحقيق دوافعه الفطرية البيولوجية للحفاظ على بقائه واستمراره‬
‫مثل دوافع الجوع والتكاثر ‪.‬فالدوافع البيولوجية الحيوية هي التي تتحكم في سلوك اإلنسان العلمية والنفسية‬
‫‪ .‬يرى فرويد أن أفعال اإلنسان الواعية وغير الواعية أساسها دوافع الشعورية ؛ فأفعال اإلنسان مقيدة‬
‫بمكونات الالشعور ‪.‬أما المدرسة السلوكية فتفسر جميع نشاطات اإلنسان على أنها مجرد أفعال منعكسة‬
‫شرطية أي مجرد ردود أفعال عضوية على منبهات ‪.‬‬

‫الحتمية االجتماعية ‪ :‬يرى علماء االجتماع وعلى رأسهم دوركايم "بان القواعد والقوانين االجتماعية تتصف‬
‫بالقهر واإللزام فهي تجبر الفرد على إتباعها بالقوة والدليل على ذلك وجود العقوبات ‪.‬‬

‫النقد ‪:‬المناقشة ‪ :‬لكن هذه المواقف تهمل دور العقل واإلرادة وال تميز بين اإلنسان والحيوان ‪ .‬فلو سلمنا بان‬
‫الحتميات ال يمكن التغلب عليها لما استطعنا أن نصل بالعلم إلى ما وصلنا إليه ثم أن هللا كرم اإلنسان وحقيقة‬
‫تكريمه تتمثل في العقل بطرق مشروعة يراعي فيها القوانين األخالقية والدينية مثل ‪:‬التغلب على دافع الجوع‬
‫بالصوم وتجاوز دافع حب البقاء بالجهاد في سبيل هللا والوطن ‪.‬‬

‫التحرر من الحتمية النفسية‪ :‬ويتم ذلك من خالل التحكم في الميول والعواطف واألهواء والرغبات‬
‫وإخضاعها لسيطرة اإلرادة والعقل‪.‬‬

‫نقيض القضية ‪ :‬موقف أنصار التحرر‪ :‬يرى أنصار هذا الموقف أن الحتمية شرط ضروري لوجود الحرية‬
‫فالعالقة بين الحتمية والحرية هي عالقة تكامل ‪:‬فوعي اإلنسان بمختلف قوانين الحتمية هو مصدر تحرره‬
‫‪،‬وان التحرر ال يعني إلغاء القوانين وإنما معرفتها للبحث عن الوسائل المناسبة للسيطرة عليها ‪ ،‬ويتم التحرر‬
‫بالسيطرة على مختلف العوائق التي تتمثل في التحرر من الحتمية الطبيعية ‪ :‬وهذا التحرر يتم بمعرفة قوانين‬
‫الطبيعة ومقاومتها لمختلف العوائق بفضل العلم والتقنية مثل التغلب على الحرائق والحرارة والبرودة وتفادي‬
‫مخاطر الزالزل لذلك يقول بيكون‪ ":‬إننا نخضع للطبيعة لكي نُخضعها " ويقول ماركس‪":‬إن الحرية تتحقق‬
‫بالتغلب على العوائق الطبيعية بالعلم والتقنية " ويؤكد انجلز ‪ :‬بان الحرية تتمثل في السيطرة على أنفسنا‬
‫وعلى العالم الخارجي من حولنا ‪.‬‬

‫التحرر من الحتمية االجتماعية‪ :‬بإمكان الفرد التحكم في القوانين والقواعد التي تنظم الحياة االجتماعية‬
‫فيستبدل القوانين البالية بقوانين جديدة تحقق التطور والدليل على ذلك ثورات األنبياء والمصلحين والعلماء‬
‫كما دلت دراسات علم النفس على أن الفرد ال يكتفي بالتقليد بل يقوم بالمعارضة ومقاومة القوانين التي ال‬
‫تناسبه ويستبدلها بغيرها ‪.‬‬

‫التحرر من موقف المادية التاريخية ‪ ":‬كارل ماركس "يربط ماركس الحرية بنوع النظام االقتصادي وشكل‬
‫الملكية فالملكية الفردية لوسائل اإلنتاج وعالقته في النظامين اإلقطاعي والرأسمالي أدت إلى االستغالل‬
‫والطبقية ولكي يتحقق التحرر ال بد من الوعي والقيام بالثورة وتغيير نظام الملكية من ملكية فردية إلى ملكية‬
‫جماعية أي تغيير النظام االقتصادي من نظام رأسمالي إلى نظام اشتراكي ‪.‬‬

‫التحرر من الحتمية البيولوجية ‪ :‬بما أن اإلنسان كائن عاقل فهو يملك قدرة التحكم في دوافعه البيولوجية‬
‫وتحقيقها‬

‫النقد‪ :‬والمناقشة ‪:‬لكن على الرغم من محاولة اإلنسان االنفالت من القيود عن طريق العلم ال يستطيع التخلص‬
‫منها كليا وال مطلقا ‪ .‬ومع ذلك فهو صاحب القرارات وكائن المسؤوليات ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫التركيب ‪ :‬وعموما يمكننا أن نقول أن الحرية هي تجسيد إلرادة اإلنسان في الواقع ‪ ،‬لذلك يؤكد بوانكاريه‬
‫‪":‬أن العالقة بين الحرية والحتمية هي التكامل ‪ .‬ومنه فالحتمية ليست عائق بل تعد شرطا لوجود الحرية ‪.‬‬

‫الخاتمة ‪:‬وفي األخير نستنتج بأن الحتمية ليست عائقا في وجه الحرية بل هما في الحقيقة يشترطان فإن غابت‬
‫الحتمية انتفت بالضرورة الحرية ‪ ،‬والعكس صحيح ‪.‬‬

‫نص السؤال‪ :‬هل تتعارض الحرية مع المسؤولية ؟ هل يصح االعتقاد بان الحرية شرطا للمسؤولية ‪،‬‬
‫أم أن هذه المسؤولية تتنافى مع الحرية ؟‬
‫طرح المشكلة‪ :‬من المتعارف عليه أن كل شخص يعبر عن نفسه بلفظ أنا ‪ ،‬وهذا التعريف يحمل وعيا‬
‫بمعالمها الداخلية أي‪ :‬شعور هذه الذات بما تحمله من رغبات وميول إلى الظهور في شكل سلوك يسمى‬
‫سلوكا حرا ‪ .‬إذ تُعرف الحرية بأنها قضية ميتافيزيقية ألنها شعور للفرد بقدرته على االختيار بين عدة‬
‫ممكنات وبقدرته على االستقاللية في قراراته وسلوكياته ‪ ،‬في حين تُعرف المسؤولية بأنها إلحاق االقتضاء‬
‫بصاحبه من حيث هو صاحب الفعل ‪ .‬وعليه يمكننا أن نتساءل ‪ :‬اذا كانت المسؤولية تأخذ طابع اإللزام‬
‫وااللتزام والحرية تحرر من كل إلزام ‪ .‬فهل هذا يسمح لنا أن نعتبر أن المسؤولية تتنافى والحرية ؟ أم أن‬
‫هذا التعارض بينهما غير حقيقي ال يُحدث تنافرا بينهما وبالتالي ال يمنع توحدهما ؟‬

‫‪ -02‬محاولة حل المشكلة ‪:‬‬

‫األطروحة األولى‪ :‬المسؤولية تتنافى والحرية وتتعارض معها‪ :‬يرى أنصار المدرسة االجتماعية بزعامة‬
‫دوركايم وفيري باإلضافة إلى أنصار المدرسة النفسية بزعامة فرويد أن المسؤولية تتنافى مع الحرية حيث‬
‫يعتمد هؤالء على مسلمات منها أن اإلنسان ابن بيئته وهو خاضع لحتمية اجتماعية تفرض عليه أن يتحمل‬
‫المسؤولية ‪ ،‬كما يتعرض الطفل إلى عملية كبت لرغباته الداخلية ويصبح سلوكه عبارة عن ردود أفعال ال‬
‫واعية ضبط الحجة‪ :‬يعتقد دوركايم أن المجتمع هو الذي يحدد نمط سلوكياتنا‪ ،‬ألننا نولد ضعفاء ونجد‬
‫المجتمع منظم تنظيما صارما في قوانينه ونظمه وأعرافه التي تُنقل إلينا عن طريق األسرة بالتربية والتلقين‬
‫‪ ،‬وعندما نبلغ سن الرشد يكون سلوكنا مجرد اجترارا لما تلقيناه من قيم في السابق حيث نعتقد أننا نأتي‬
‫بسلوكياتنا من خالل أنفسنا‪ .‬لكن في الحقيقة تعبر عن ما يرغب فيه المجتمع أي الخروج عن القيم االجتماعية‬
‫يحمل الفرد مسؤوليته ومنه فالمسؤولية االجتماعية تجعلنا جزءا من المجتمع تعاقبنا معنويا بالعرف وماديا‬
‫بالقانون فالمسؤولية هنا إذن معناها تتنافى والحرية ‪.‬كما أن سيغموند فرويد يقسم الجهاز النفسي إلى ‪ :‬الهو‪:‬‬
‫أين توجد الرغبات الدفينة والميوالت األنا‪ :‬وهي الذات الواعية التي تشعر بعالمها الداخلي إذ أن كل فرد‬
‫يشير إلى نفسه بلفظ أنا ‪.‬األنا األعلى‪ :‬وهي القيم األخالقية والمعايير االجتماعية والمعتقدات وكل ما يؤمن‬
‫به المجتمع ‪ .‬تسقط الرغبة الذاتية من الهو إلى األنا في نفس الوقت تتلقى األنا من األنا األعلى قيم اجتماعية‬
‫‪ .‬إذا حدث تعارض بينهما يحدث الصراع داخل األنا وينتهي بحكم األنا األعلى أي المجتمع ‪،‬فتعمل األنا‬
‫على نقل الرغبة الذاتية إلى الالشعور حيث تكبت مما يعني أن المسؤولية االجتماعية تتنافى والحرية الفردية‬
‫‪.‬‬

‫النقد‪ :‬والمناقشة ‪:‬لكن نالحظ أن دوركايم اعتبر خروج الفرد عن القوانين االجتماعية يعرضه للعقاب ألنه‬
‫يتحمل مسؤولية هذا الخروج ‪ ،‬وهذا يؤكد الحرية وال ينفيها بآي شكل من األشكال الن الخروج عن القوانين‬
‫هو االختيار واالختيار هو الحرية بعينها‪ .‬كما أن المجتمع ال يُملي على الفرد القوانين كما لو كانت دستورا‬

‫‪25‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫ثابتا‪ ،‬فهناك بعض األفراد تحرروا من ضغط المجتمع وأبدعوا ‪ ،‬فالمصلحين والعلماء انتهجوا الطريق‬
‫الفردي وخير دليل على ذلك نيوتن ‪.‬‬

‫نقيض األطروحة ‪ :‬المسؤولية تشترط الحرية وتتوحد معها ‪ :‬يرى أنصار المدرسة العقلية بزعامة افالطون‬
‫والمعتزلة في الفكر االسالمي وكذا المدرسة الوجودية بزعامة سارتر وكانط أن المسؤولية تشترط الحرية‬
‫وتتوحد معها معتمدين على جملة من المسلمات منها ‪ :‬انه ال يكون اإلنسان مسئوال إال إذا كان حرا وإذا‬
‫سقطت الحرية سقطت عنه المسؤولية ‪ ،‬ثم انه إذا كانت الحرية حقا طبيعيا يُولد مع اإلنسان فهو يُولد أيضا‬
‫مسئوال ‪.‬‬

‫ضبط الحجة ‪ :‬يقول سارتر‪" :‬إن اإلنسان ال يوجد أوال ثم يكون حرا بل هو الكائن الوحيد الذي يولد حرا‬
‫ولذلك يضطر إلى االختيار وأثناء عملية االختيار يكون قد حدد مسؤوليته" ‪.‬‬

‫موقف المعتزلة اإلنسان يولد حرا ويملك القدرة على التمييز بين الخير والشر وعليه ‪ ،‬فإذا اختار الشر فهو‬
‫مسئول عن اختياره ‪ .‬قول كانط ‪ ":‬إذا كان يجب عليك فأنت تستطيع " فاالستطاعة تعني القدرة على االختيار‬
‫بين القيام بالفعل والتخلي عنه ‪ ،‬مما يعني أن الواجب األخالقي الذي مصدره الضمير يجعلنا مسئولين عن‬
‫اختياراتنا ‪ .‬أما أفالطون فقد أكد من خالل أسطورته التي تتحدث عن الجندي "آر" الذي مات في ساحة‬
‫الشرف إذ يعود إلى الحياة من جديد ويروي األشياء التي تمكن من رأيتها في الجحيم ‪ ،‬حيث أن األموات‬
‫يطالبون بأن يختاروا بمحض إرادتهم تقمصهم القادم وبعد أن يختاروا يشربوا من نهر النسيان " ليثه"ثم‬
‫يعودون إلى األرض حيث قد نسوا بأنهم هم الذين اختاروا مصيرهم ويأخذون باتهام القضاء والقدر في حين‬
‫إن هللا بريء‪.‬‬

‫النقد والمناقشة‪ :‬من المالحظ أن هؤالء يتكلمون عن حرية إنسانية مسبقة ‪ ،‬إذ في الواقع اإلنساني نجد‬
‫اإلنساني بمختلف ثقافاته يواجه مجموعة من الحتميات والعوائق المختلفة لكن قد يتغلب عليها ‪ .‬مما يعني‬
‫أن المسؤولية ليست مرتبطة بالحرية ‪ ،‬فإذا كان اإلنسان حرا فحريته محدودة مما يسقط عليه أحيانا المسؤولية‬
‫رغم ممارسته لحريته ‪.‬ثم يمكننا أن نتساءل ‪ :‬أليس األفعال هلل خلقا وللعبد كسبا ووقوعا ؟ فإذا كان هذا‬
‫المخلوق ال ُملزم بالتكليف مسئول عن كل ما يصدر عنه ‪ .‬فكيف نفسر المشيئة اإللهية التي سبقت مشيئته؟‪.‬‬
‫وما معنى قوله تعالى ‪ ":‬وما تشاءون إال أن يشاء هللا رب العالمين" ‪.‬؟‪.‬ممن المالحظ ان هؤالء يتكلمون‬
‫عن حرية‬

‫التركيب ‪ :‬تغليب موقف على آخر‪ :‬إذا كان اإلنسان بطبيعته حرا وفي المقابل هناك حتميات نفسية فيزيولوجية‬
‫فيزيائية اجتماعية‪ ،‬فان الحرية قائمة على اإلرادة أي أن اإلنسان يملك بالفطرة القدرة على مقاومة الحتميات‬
‫ومواجهة الصعاب‪ ،‬فإذا استسلم ولم يقاوم فهذا خطأ وال يلغي عليه المسؤولية بل تبقى قائمة ‪ .‬فالطالب الذي‬
‫يعلم انه متوجه إلى االمتحان دون أن يسلح نفسه باالجتهاد ويستسلم لحتمية حب الراحة ‪ ،‬فإن ذلك ال يلغي‬
‫عليه مسؤوليته في الفشل‪.‬‬

‫الخاتمة ‪:‬وعموما نستنتج أن الفعل اإلرادي يمر بمراحل هي ‪ :‬شعور الفرد برغبته ‪ ،‬المداولة الذهنية ‪،‬‬
‫اتخاذ القرار ‪،‬وهو ما يسمى تثبيت النية أو القصد إلى الفعل الذي يعتبر شرطا من شروط المسؤولية أما عن‬
‫شروط المسؤولية فمنها الوعي " المعرفة" ‪ ،‬العقل " التمييز" ‪ ،‬الحرية مما يعني أن الفرد ال يكون مسئوال‬
‫إال إذا كان سلوكه حرا ومنه فالحرية تشترط المسؤولية في القصد إلى الفعل والمسؤولية تشترط الحرية فهما‬
‫يتوحدان رغم أن الحرية تشير إلى عدم التقيد بينما المسؤولية تشير إلى التقيد ‪ .‬وخير ما نختم به ما جاء في‬

‫‪26‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫الحديث القدسي‪ ":‬عبدي أنت تريد وأنا أريد فما يكون إال ما أريد ‪ ،‬إن أطعتني فيم أريد أعطيتك ما تريد‬
‫وان عصيتني فيم أريد كتبت لك الشقاء فيم تريد " ‪.‬‬

‫نص السؤال‪ :‬هل ينبغي للتسامح أن يكون مطلقا في جميع الحاالت ؟‬


‫طرح المشكلة ‪:‬ال نختلف إذا قلنا أن العالم عرف جملة من التوترات واألحداث على اختالف مشاربها وهو‬
‫ما أدى بنا إلى ما يعرف بظاهرة العنف والالتسامح بدعوى األنانية وحب البقاء وسياسة االنتفاء أي نفي‬
‫اآلخر واثبات الذات ‪ ،‬أضف إلى ذلك ما هو حاصل في العالم من صراعات مذهبية وعرقية وطائفية مفتعلة‬
‫‪ ،‬هذه األشياء بالذات أدت إلى ما يعرف بالعنف سواء ماديا أو معنويا ‪ ،‬مما عجل بضرورة المساهمة في‬
‫بناء صرح جديد يحمل مفهوما عنوانه التسامح ‪ ،‬وهذا ما افرز إلى وجود صراع تيارين احدهما يرى‬
‫بضرورة التسامح دون شروط واألخر يرى بضرورة القيود لهذا التسامح ‪ .‬ولعل هذا ما أدى إلى التساؤل‬
‫التالي ‪ :‬هل التسامح المطلق مدعاة إلى الفوضى وضعف في الشخصية ؟ أم أن من شروط التسامح أن يكون‬
‫بال قيود بدعوى انه واجب تفرضه جملة األخالق ؟‬

‫محاولة حل المشكلة ‪:‬‬

‫يرى أنصار الفكر الفلسفي السياسي المعاصر بضرورة تقييد التسامح إذ ال وجود لمطلقية التسامح ‪ ،‬ولعل‬
‫هذه المسلمة هي من فتحت الباب أمام الالند ‪ .‬حيث يرى بأن التسامح المطلق يؤدي إلى الفوضى ثم إن كل‬
‫تسامح مطلق من شأنه أن يؤدي إلى مفاسد مطلقة يقول السياسي اميل برودو‪ (:‬ال أحب سماع كلمة التسامح‬
‫‪ ،‬بل يجب الحديث عن شيء اسمه االحترام والمحبة ‪ .‬أما هذه الكلمة معناها اإلساءة للناس والبشرية )‪ .‬كما‬
‫أكد نتشه ‪ :‬أن األخالق والقانون ما هما إال مبرران للضعفاء ‪ ،‬أما الفيلسوف انجلز فقد اعتبر التسامح مبرر‬
‫وضعه األغنياء من أجل السيطرة على الفقراء ‪ ،‬ونفهم من هذا أننا إذا اعتبرنا أن التسامح قيمة أخالقية فهو‬
‫نسبي تتحكم فيه شروط منها الحوار ‪ :‬وقبول آراء اآلخر دون إلغائه يقول الالند‪ (:‬كلمة التسامح تتضمن‬
‫مفهوم اللياقة والشفقة والالمباالة إذ هي دعوى إلى االزدراء والتعالي والطغيان) وهذه المعاني كلها مجتمعة‬
‫تدعو إلى تقييد التسامح وعدم إطالقه ‪ .‬وكدليل من الواقع نجد العولمة اليوم تمارس نوع من االستعمار‬
‫وتفرضه بموجب مفهوم التسامح ‪ ،‬كما يضاف إلى هذا بعض طرق العنف المسلطة من طرف السلطة على‬
‫األشخاص سواء تعلق األمر بالجانب السياسي أو االقتصادي أو الفكري ‪ ،‬وهذا النوع قد يتساهل معه البعض‬
‫بدعوى التسامح ‪.‬‬

‫النقد والمناقشة ‪ :‬نالحظ أن التسامح فضيلة إنسانية وشجاعة وعفة وطموح ‪ ،‬كما هو دعوة كل األديان‬
‫والفلسفات القديمة والحديثة في اغلبها ‪ .‬لكن إذا ما نحن جعلنا قيدا للتسامح فإننا نقتل هذا التسامح وإال كيف‬
‫نفسر تسامح مشروط يحمل في معناه تسامح ؟‪ .‬ثم إننا ال ننفي دور هذا األخير في نشر األمن والسلم خاصة‬
‫إذا علمنا أن البشرية أنهكتها ويالت الحروب وأرهقتها الصراعات السياسوية وال سبيل للخالص من ذلك‬
‫إال وفق مبدأ التسامح ‪ .‬وبهذا نبطل ادعاء هنري ألفريد كسنجر "باحث سياسي أمريكي وسياسي ألماني‬
‫النشأة " والقائل ‪ ( :‬في السياسة ال توجد صداقة دائمة وال عداوة دائمة وإنما توجد المصالح فقط )‪.‬‬

‫نقيض القضية ‪ :‬الموقف الثاني ‪ :‬يرى أنصار هذا الموقف بوجوب اطالقية مبدأ التسامح واعتباره مطلب‬
‫إنساني ال يخضع ألي قيد ‪ ،‬حيث مثلت هذه األطروحة قديما مختلف الديانات السماوية والفلسفة اليونانية‬
‫خاصة مع سقراط وأفالطون ثم برز هذا المفهوم بشكل الفت لالنتباه في فلسفة عصر التنوير ‪ ،‬والذي بدت‬
‫معالمه في هذا المجال مع كانط ورسل من خالل دعوتهما إلى مشروع السالم العالمي الدائم ‪ .‬وخاصة ما‬

‫‪27‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫تجسد من فكر لدى كانط في كتابه ‪ ":‬مشروع السالم الدائم" ‪ .‬ثم ميثاق هيئة األمم المتحدة وإعالنها مبدأ‬
‫حقوق اإلنسان ‪ ،‬وإيجاد اليوم العالمي للتسامح المصادف لـــالسادس عشر من شهر نوفمبر من كل سنة ثم‬
‫دعوة الفيلسوف والسياسي روجي غارودي إلى الحوار بين مختلف الحضارات والديانات ‪ ،‬كما تم االتفاق‬
‫على تدعيم الديمقراطية وسيادة القانون ونبذ الديماغوجية ‪ ،‬ثم إن مفهوم التسامح ال يعني التنازل أو التخاذل‬
‫أو الجبن بل هو فضيلة من شأنها أن تجعل السالم أمرا ممكنا بدل الحرب والعنف ‪ .‬إذ ال وجود للتطور‬
‫االقتصادي في ظل الخراب والدمار ‪ ،‬حتى أن المجتمع ال يقوى على الرقي في ظل الصراع والتكالب‬
‫الجماعي‪ ،‬وابرز دليل على ذلك قوله تعالى ‪ (:‬وال تستوي الحسنة وال السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذ الذي‬
‫بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم )‪ .‬ثم إن التسامح ليس مفهوما خرافيا طوباويا بل واقع إنساني يقف ضد‬
‫التعصب ألنه يحمل معنى الخير‪ ،‬وفي الواقع نجد فكرة التسامح الالمشروط قد تطرق إليها جملة من الفالسفة‬
‫والمصلحين والساسة منهم الفيلسوف سبينوزا في كتابه ‪ ":‬رسالة الالهوت" ثم تلتها دعوة جون لوك‬
‫وجونستوارت مل ومن قبل هؤالء المصلح مارتن لوثر ومن بعد أن حطت الحرب العالمية الثانية أوزارها‬
‫دعي كال من كانط ورسل إلى السالم العالمي الدائم يقول كانط ‪ (:‬الدولة وسيلة تخدم األفراد وليست غاية) ‪.‬‬
‫أما رسل فقد أكد بأن األحقاد التي توارثتها الشعوب سببها األطماع في السلطة ‪.‬‬

‫النقد والمناقشة ‪ :‬لكن إذا أطلقنا العنان لمفهوم التسامح سيغدو هذا التسامح قضية صعبة المنال ‪ ،‬ذلك الن‬
‫الشخص المتسامح قد يقع ضحية الالتسامح والسترجاع حقوقه الضائعة يجب أن يكون غير متسامح ‪ .‬وإال‬
‫كيف نفسر قوله تعالى ‪ ( :‬ولكم في القصاص حياة يا أولي األلباب )؟‪.‬هذا ويالحظ أن دعاة الديمقراطية هم‬
‫أنفسهم من يشن الحرب ويمارس العنف بمختلف أنواعه ‪.‬‬

‫التركيب ‪ :‬وعموما نخلص إلى أن جميع الديانات والفلسفات تلتقي حول فكرة واحدة مفادها التوصل إلى نوع‬
‫إنساني الغالب فيه حب اإلنسان والسمو إلى فكرة اإلنسان الكوني ‪ ،‬ولعل هذا ما جعل الحوار يقوم على‬
‫المساواة وليس التفاضل ‪ ،‬إذ ليس من السهل الحديث عن التسامح ونحن ال ندرك مفهوم الالتسامح ‪ .‬فهذا‬
‫اإلسالم أعطى لنا أفضل صورة للبشرية بعنوان التسامح تجسدت في مبدأ الشورى ‪.‬‬

‫الخاتمة ‪ :‬وأخيرا وللفصل في سؤالنا نستنتج أن االختالف أمر طبيعي موجود في الحياة كما هو أسلوب من‬
‫أساليب التفكير التي يجب أن تقوم على احترام اآلخر وعدم نفيه ‪ ،‬وهذا قول أمير المؤمنين أبي حفص عمر‬
‫ابن الخطاب رضي هللا عنه ‪(:‬رأيي صحيح يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب) ‪ .‬من هذا نخلص‬
‫إلى القول بأن التسامح في مواطنه أمر ضروري كالعفو عند المقدرة ما لم يؤدي إلى االستكانة والتنازل عن‬
‫الحق ‪ ،‬كما قد يكون هذا التسامح مطية للتنازالت والذل ‪ .‬مما يجعل اآلخر يعتقد منا الضعف ليدعي هو‬
‫القوة ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫فهرس الموضوعات‬
‫الصفح‬ ‫التر‬
‫الدرس‬ ‫ة‬
‫الموضوع‬ ‫تيب‬
‫السؤال بين المشكلة واإلشكالية‪.‬‬ ‫‪02‬‬ ‫ميز بين األسئلة العلمية واألسئلة االنفعالية؟‬ ‫‪01‬‬
‫المشكلة واإلشكالية‬ ‫أثبت بالبرهان صحة األطروحة القائلة‪":‬إن التطورات ‪03‬‬ ‫‪02‬‬
‫العلمية جعلت الفلسفة ال دور لها "‬
‫المشكلة واإلشكالية‬ ‫‪05‬‬ ‫‪ 03‬قارن بين المشكلة واإلشكالية؟‬

‫انطباق الفكر مع نفسه‬ ‫أثبت بالبرهان صحة األطروحة القائلة"أن المنطق الصوري ‪06‬‬ ‫‪04‬‬
‫المنطق الصوري‪-‬‬
‫هو آلة تعصم الفكر من الوقوع فـــي الخطأ "‬

‫‪29‬‬
‫إعداد األستاذ‪:‬ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ دباب كريم‪.‬‬

‫انطباق الفكر مع الواقع‬ ‫هل االفتراض العلمي ضروري لتأسيس مشروع الحقيقة ‪08‬‬ ‫‪05‬‬
‫‪ -‬االستقراء‪-‬‬
‫العلمية؟‬
‫الرياضيات والمطلقية ‪ 01‬أصل‬ ‫‪10‬‬ ‫‪ 06‬هل المفاهيم الرياضية مستمدة من التجربة الحسيـــة؟‬
‫الرياضيات‪.‬‬
‫‪-02‬الرياضيات واليقين‬ ‫‪12‬‬ ‫‪ 07‬هل تعدد المسلمات يسيء إلى اليقين الرياض؟‬
‫والعلوم‬ ‫في العلوم التجريبية‬ ‫‪13‬‬ ‫‪ 08‬هل المقياس التجريبي معيار الزم لتحديد علمية العلم؟‬
‫البيولوجيية‬
‫‪01‬‬
‫‪ 02‬إشكالية الحتمية والالحتمية‪.‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪ 09‬هل تخضع الظواهر الطبيعية إلى حتمية مطلقة؟‬
‫‪ -03‬التجريب في البيولوجيا‬ ‫‪ 10‬إن الظاهرة الحية ظاهرة قابلة للدراسة التجريبية" دافع ‪16‬‬
‫بالبرهان صحة هذه األطروحة‬
‫العلوم اإلنسانية والعلوم المعيارية‬ ‫‪19‬‬ ‫‪ 11‬هل يمكن التجريب في علم النفس؟‬
‫‪ 1‬علم النفس كنموذج‬ ‫‪-‬‬
‫‪-‬‬
‫‪ -2‬علم التاريخ كنموذج‬ ‫‪20‬‬ ‫هل يمكن دراسة الحادثة التاريخية دراسة علمية‬
‫‪ 12‬موضوعية؟‬

‫الحياة بين التنافر والتجاذب‬ ‫‪ 13‬يقول جان بول سارتر‪":‬إن اآلخر ليس شرطا لوجودي فقط ‪22‬‬
‫‪ -1‬الشعورباألنا‬ ‫‪ ،‬بل هو أيضا شرطا للمعرفة التي أكونها عن نفسي "‬
‫والشعور بالغير‬ ‫دافع عن صحة هذه األطروحة ‪.‬‬
‫ـــ هل الحتمية عائقا للحرية أم شرطا لممارستها ؟‬
‫‪ -2‬الحرية والسؤولية‬
‫أ ‪ /‬المقال األول ‪.‬‬ ‫‪ -‬نص السؤال‪ :‬هل تتعارض الحرية مع المسؤولية ؟ ‪23‬‬ ‫‪14‬‬
‫هل يصح االعتقاد بان الحرية شرطا للمسؤولية ‪ ،‬أم‬
‫ب‪ /‬المقال الثاني‪.‬‬ ‫‪25‬‬ ‫أن هذه المسؤولية تتنافى مع الحرية ؟‬ ‫‪15‬‬
‫هل ينبغي للتسامح أن يكون مطلقا في جميع الحاالت؟‬

‫‪ -3‬العنف والتسامح‬ ‫‪27‬‬ ‫‪16‬‬

‫‪30‬‬

You might also like