You are on page 1of 4

‫املحاضرة الثالثة‪:‬‬

‫الحضارة الصينية‬
‫عرفت الصين بفلسفتها املتمثلة في تعارض واتحاد العاملين األساسيين في الكون أي عنصري الذكورة واألنوثة " اليانغ‬
‫والين" وذلك منذ القرن الثاني عشر قبل امليالد‪ ،‬كما عرفت بظهور املعلم كونفوشيوس "كونغ ـ فوـ دزه ‪ 551‬ـ ‪ 477‬ق‪.‬م"‬
‫الذي قدم عدة إسهامات في املجال السياس ي وتنظيم السلطة التي يجب أن تتحقق باالقتناع والقبول واحترام ممارسيها‪،‬‬
‫والحاكم في هذه الحالة يجب أن يدعم بثالثة عناصر أساسية وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬االقتصاد‬
‫‪ -2‬الجيش‬
‫‪ -3‬ثقة الشعب‬
‫والرقابة ضرورية على السلطة لتفادى اإلنزالقات واالنحرافات وقام كونفوشيوس بعدة إصالحات في الدولة واملجتمع‬
‫حتى سمي باملصلح أو باملعلم الكبير‪ ،‬ولهذا سنخصص له حيزا وافرا من الدراسة‪.‬‬
‫باملقابل النظام الصيني هو أساس الحرية والسيطرة على الذات التي توافق معرفة العالم‪ ،‬وهي في الحقيقة حكمة‬
‫وطمأنينة في الحياة‪ ،‬وتعطى هذه الحكمة ملن عرف كيف يهذب نفسه ويتحرر بواسطة أمور تقليدية قديمة‪.‬‬
‫ويمثل الين والينغ وهما الغريمان املتضامنان اختالف األجناس واتحادها أي أساس النظام االجتماعي ومن تم النظام‬
‫العام‪ ،‬فهما يعبران في الوقت ذاته عن تضاد وحدتين وعن كل يكونه نصفان وهما ال يتعارضان إال ليتمم أحدهما اآلخر‬
‫ويكونا وحدة مستقلة ‪.‬وهذه الوحدة هي الطاو ـ الطريق ـ أو االتجاه وهو مبدأ نظام ذي فعالية عظمى وقوة تنظيمية وال‬
‫تحتكر املدرسة الطاوية هذه النظرية بل هي ملك التفكير العام‪.‬‬
‫الحضارة الصينية أيام التشاو‪:‬‬
‫املجتمع ‪:‬ينقسم إلى طبقتين كبيرتين‪ ،‬طبقة الفالحين السفلى وطبقة النبالء العليا وهم األشراف بالوراثة‪ ،‬ثم تشعبت‬
‫هذين الطبقين‪ ،‬بحيث نجد من أدنى مرتبة العبيد والفالحين ثم العمال الصناعيين والتجار‪ ،‬فاألدباء واملوظفين والوزراء‬
‫واملوظفين الكبار فالنبالء واألمراء وعلى رأس الهرم اإلمبراطور ‪.‬وامللك هو في نفس الوقت أمير األمراء والنبيل األول وابن‬
‫السماء الذي أوكلت له حكم الشعب واإلبقاء على نظام العالم الطبيعي‪.‬‬
‫الجهاز اإلداري ‪:‬يوجد على قمة الهرم امللك‪ ،‬ويأتي بعده الوزير األول الذي ال يقل عنه أهمية خاصة إذا كان امللك ضعيف‬
‫اإلرادة ثم يلي الوزراء الثالثة األكثر أهمية وهم ‪ :‬وزير الزراعة والحرب واألشغال العامة‪ ،‬ثم يلي وزراء آخرون يهتمون‬
‫بأمور امللك الخاصة وبالقضاء‪...‬‬
‫النظام القضائي ‪:‬تتراوح العقوبات ما بين أحكام املوت ووشم الوجه مرورا بقطع األعضاء التناسلية واألرجل وجدع‬
‫األنف‪ ،‬وامللك ال يتعاطى القضاء بصورة شخصية إال متى عوقبت الجريمة باملوت‪ ،‬ويمكن استبدال العقوبة بدفع مقابل‬
‫ذلك من النحاس‪...‬‬
‫التقسيم اإلداري ‪:‬تنقسم اململكة إلى مقاطعات على رأس كل مقاطعة قائد كبير‪ ،‬وتنقسم املقاطعات بدورها إلى‬
‫محافظات فنواح ومدن وقرى وعلى رأس كل هذه موظف تقل رتبته حسب التدريج وينتمي كلهم إلى طبقة األشراف‬
‫‪1‬‬
‫والنبالء املحليين‪.‬‬
‫الجيش ‪:‬على كل أسرة أن تقدم محاربا‪ ،‬ويقسم الجيش إلى فيالق والفيلق إلى كتائب والكتيبة إلى فرق‪..‬‬
‫رجال الكهنوت ‪:‬الفئة األولى من النبالء ومهامهم رفيعة‪ ،‬والفئة الثانية تشمل رجال ونساء تنتمي إلى طبقة اجتماعية‬
‫ضعيفة‪ ،‬لذا كانوا محتقرين يتعاطون السحر والشعوذة وهم كمن مسهم الشيطان ‪.‬‬
‫الفلسفــة‪:‬‬
‫كونفوشيوس‪ 551 :‬ـ ‪ 479‬ق م‪ :‬فيلسوف إنساني‬
‫يعتبر كونفوشيوس ‪،‬كونغ – كيو‪ 551‬ـ ‪ 479‬ق‪.‬م ويعرف كذلك باسم كونغ تسو أو كونغ فوتسو‪ ،‬الذي عاصر‬
‫الوتسو‪ ،‬وكان مخالف له في الفكر‪ ،‬من أهم فالسفة الصين على اإلطالق ‪.‬أما اسم كونفوشيوس فقد أطلق عليه في‬
‫القرن ‪ 16‬من قبل اليسوعيين‪ ،‬توفى والده وعمره ثالث سنوات‪ ،‬تعلم الفنون ودرس الحساب والتاريخ الكالسيكي‪ ،‬و كان‬
‫تعليمه شفهيا ‪ ،‬مثل سقراط فيما بعد‪ ،‬ويعتمد على السؤال‪ ،‬وقد بدأ ممارسة التعليم بعد وفاة والدته‪ ،‬تقلد منصب‬
‫وزير العدل أو وزير أول حسب بعض الروايا‪،‬ت لكنه رفض البقاء في املنصب عند اكتشافه محاولة رشوة الحاكم‪ ،‬فعاد‬
‫إلى مسقط رأسه وعمره ‪ 68‬عاما‪.‬‬
‫إنتاجه العلمي والفكري‪:‬‬
‫له خمسة مؤلفات حملت مجمل أفكاره قام بجمعها أتباعه الذين فاق عددهم ‪ 300‬تلميذ عند وفاته‪ ،‬من بينهم ‪72‬‬
‫اعترف لهم بأنهم استوعبوا أفكاره‪ ،‬وهم من قام بتسجيل أفكاره في كتاب ضخم عرف ب ـ "املحاورات أو األحاديث"‪ ،‬أما‬
‫كتبه فهي‪:‬‬
‫‪ -1‬الكتاب األول‪: -‬التحويل ‪ -‬تضمن املراسم وآداب املجاملة التي هي في رأيه أساس تكوين األخالق واستقرار النظام‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫‪ -2‬الكتاب الثاني ‪:‬التغيرات أو التحويليات ‪-‬شرح وعلق على كتاب التغيرات الذي يعتبر أول اآلثار الفلسفية البارزة في‬
‫الصين ويعود إلى القرن الـ ‪ 12‬ق‪.‬م‪ ،‬حيث ذكر في هذا املرجع ‪،‬التغيرات‪ ،‬جميع الحقائق الكونية التي تعارض اتحاد‬
‫العاملين األساسيين في الكون أي عنصري الذكورة واألنوثة " الينغ والين"‪.‬‬
‫‪ -3‬الكتاب الثالث ‪:‬تكلم فيه عن الحياة البشرية ومبادئ األخالق الفاضلة‪.‬‬
‫‪ -4‬الكتاب الرابع ‪:‬حوليات الربيع والخريف‪ ،‬حيث سجل فيه أهم أحداث موطنه ‪.‬‬
‫‪ -5‬الكتاب الخامس ‪:‬هو عبارة عن سجل لتاريخ الصين وجامعا ألهم األحداث التي عرفتها الصين ‪.‬كما تذكر بعض‬
‫املراجع أن لكونفوشيوس كتب كالسيكية وهي املقوالت‪ ،‬والحوارات واملذهب واستعمال الوسط وكتاب منشيوس‪..‬؟‬
‫أفكاره الفلسفية‪:‬‬
‫لعب كونفوشيوس أعظم األدوار في الحياة الصينية العقلية‪ ،‬يسعى في تعاليمه لإلبقاء على التقاليد مسندا إلى كتب‬
‫العصور القديمة وإلى طقوس وسياسة العهد املنقرض‪ ،‬لذا فإن تعاليمه الروحية هي موجهة أساسا إلى الطبقة االرستقراطية‬
‫ويهدف إلى حسن القيادة وحكم الشعب استنادا إلى الدرس وترويض النفس الروحي‪ ،‬هذا الترويض الذي ال يعود بالنفع على‬
‫صاحبه بل عكس ذلك على اآلخرين‪ ،‬فيسود بذلك التفاهم الذي هو الدعامة الكبرى للنظام العام‪ ،‬والوسائل الكفيلة‬
‫‪2‬‬
‫بالوصول إلى هذه الغاية هي إتباع الطقوس التي كانت سائدة في عهد التنظيم الديني‪ ،‬حيث تساعد الفرد ليصبح إنسانا أسمى‬
‫وذلك لخير املجموعة ولخير الشعب بكامله‪.‬‬
‫هذا يقودنا إلى أن كونفوشيوس أعطى أهمية بالغة لإلنسان‪ ،‬حيث يقول أن معرفة اإلنسان هي أكثر أهمية من معرفة‬
‫الطبيعة ومنه نستخلص مبادئ الخير والسعادة ‪ ،‬عكس ما كان يرى الوتسو‪ ،‬أي أن كونفوشيوس من خالل هذا يعتبر‬
‫من الفالسفة اإلنسانيين بينما الوتسو من الطبيعيين ‪ ،‬وسيتطور هذا املفهوم خالل الحضارة اإلغريقية‪ ،‬وما نقصده هنا‬
‫هو أن جذور الفكرة بدأت من الشرق " الصين" وهو ما ذكرناه في املقدمة ‪.‬باملقابل يرى كونفوشيوس أن هناك شيئا‬
‫يجعل من اإلنسان إنسانا وهو‪:‬‬
‫‪-‬الجين ‪ JEN:‬وهي جملة الصفات الحميدة التي تميز اإلنسان السوي املستقيم‪ ،‬إنها الفضيلة أو اإلحسان أو الرجولة‬
‫أو األخالق أو الحب أو الخير اإلنساني أو طيبة القلب ‪...‬هي كلها جوهر اإلنسانية‪ ،‬وهناك مبادئ أخرى تفسر هذه‬
‫الحركة وهي ‪:‬‬
‫‪-‬مبدأ لي ‪ LI:‬وهي قواعد اللياقة وآداب املجتمع املعترف بها من خالل املمارسات عبر العصور "العادات والتقاليد‬
‫واألعراف"‪ ،‬فمن يحوز ـ لي ـ يعيش ومن يفقدها يموت و النظام يستتب بالعادات األخالقية‪ ،‬و ـ لي ـ هو قواعد السلوك‪،‬‬
‫والشعب ال يقاد باملعرفة بل باألخالق ‪.‬‬
‫‪.-‬مبدأ هسياو ‪ HSIAO :‬وتعني والء األبناء واالحترام األخوي الذين هما جذور اإلنسانية‪.‬‬
‫‪-‬مبدأ يي ‪ YI:‬ويعني االستقامة أو الطريق الصحيح للتصرف واالستعداد األخالقي للقيام بالسلوك السوي والقدرة على إدراك‬
‫ما هو صحيح في آن واحد‪.‬‬
‫أشكال الحكم والحكم املفضل عنده‪:‬‬
‫يفضل الحكم القائم على الفضيلة والخير‪ ،‬بدل التركيز على نظام الحكم القائم عن طريق القانون الذي أساسه سلطة‬
‫الحكام القائمة على فرض الخضوع للقوانين عن طريق القوة والقهر ‪.‬والقلب هو مصدر الخير وهو أساس بناء الدولة‬
‫والحكومة‪ ،‬والقلب الحي ال يكون إال عن طريق املعرفة‪ ،‬ومن تم فإن العالقة بين املعرفة والقلب عالقة متالزمة وذات تأثير‬
‫متبادل ‪.‬و"القلب النشط يدفع إلى البحث عن املعرفة‪ ،‬واملعرفة تدفع إلى النشاط عن طريق اإلرادة املخلصة"‪ ،‬هذا يعني‬
‫أن دراسة الدولة أو الحكومة عنده ال تتم إال من خالل دراسة األفراد‪ ،‬فإذا صلح الفرد صلحت الحكومة والعكس‪ ،‬ومنه‬
‫جاءت مقولته املشهورة "املعرفة األساسية هي ‪ :‬معرفة الناس من وماذا يكون"؟‬
‫وظيفة الحكومة‪:‬‬
‫✓ إصدار القوانين‬
‫✓ جمع الضرائب‬
‫✓ بناء املدارس واملعابد‬
‫✓ تنظيم العمل واإلنتاج‬
‫أي توفير الوسائل املادية من أجل ازدهار املجتمع وليس تقويم طبيعته الداخلية التي هي مهمة التعليم‪ ،‬وأفضل شكل من‬
‫أشكال الحكم الذي يحقق هذه املهام هو الحكم املحلي الذي يعتمد على املواطنين واالستعانة باألطر املوجودة باعتبارهم أداة‬
‫‪3‬‬
‫الحكم وليس املوظفين الذين يحتاج إليهم الحاكم في ظل الحكم املركزي‪.‬‬
‫في األخير نصل إلى القول بأن رؤية كونفوشيوس لإلنسان والحياة قائمة على اعتبار أن اإلنسان هو مصدر كل فكر‬
‫وكل حركة في الواقع‪ ،‬واملعرفة هي منطلق اإلنسان لرؤية األشياء عن طريق القلب‪ ،‬فإذا صلح هذا القلب صلحت األسرة‬
‫واملجتمع واستقامت شؤونه بما في ذلك السياسية‪.‬‬
‫ويرى من جهة أخرى أن سن القوانين من طرف الحاكم ليس لها تأثير على سلوك املواطنين‪ ،‬بينما يمكن للمعلمين‬
‫والفالسفة تغيير اإلنسان عن طريق تعليمه ودفعه إلى تنقية نفسه‪ ،‬ومنه تبدو أولوية املعرفة عنده لتشكيل املجتمع‬
‫السياس ي‪.‬‬
‫وفي النهاية نضيف سبب رفضه لوظيفة حكومية بقوله ‪ ":‬أن تكون ابنا جيدا وأخا جيدا فذلك يساوي املشاركة في‬
‫الحكومة‪ ،‬أال ترون كم هي الحاجة عديمة ملمارسة الوظيفة الحكومية"؟‬

‫‪4‬‬

You might also like