Professional Documents
Culture Documents
تمهيد:
يهتم علم االجتماع بدراسة املجتمع ،وما يسود فيه من ظواهر اجتماعية مختلفة ،دراسته تعتمد على أسس البحث
العلميُ ،ب غية التوصل إلى قواعد وقوانين عامة ،والتالي فموضوع هذا العلم ،هو املجتمع اإلنساني ،وما تطرحه الجماعات
اإلنسانية ،من ظواهر ومسائل اجتماعية ،هي مجال الدراسات االجتماعية.
ويرى ابن خلدون أَّن حاجة اإلنسان ،للغذاء والكساء واملأوى ،والدفاع عن النفس ،هي التي تدفعه إلى االنتظام ،في
ًال
مجتم ع إنس اني ،ف الفرد ال يس تطيع أن يس د حاجت ه للغ ذاء بمف رده ،ألَّن ذل ك يتطلب أعم ا كث يرة ،ال يمكن ه أن يق وم به ا
بمفرده ،فالبد من تعاونه مع غيره ،يعني هذا أن الفرد يعيش في جماعات منذ والدته ،منها الجماعات القرابية ،واملتمثلة في
األسرة -كنواة أولية قرابية -يجد نفسه ينتمي إليها ،ومنها الجماعات األخرى التي يلتحق بها كالجيرة واألصدقاء وغيرها من
الروابط االجتماعية ،لهذا ترتبط ظاهرة القرابة كمادة أنثروبولوجية ،مع عوامل التوالد البيولوجي بعالقة معقدة ،قوامها
االس تمرارية واالنقط اع ،فهي ليس ت فق ط عب ارة عن مج رد رواب ط طبيعي ة ،ب ل يمكن أن تط رح من ع دة زواي ا :عاطفي ة،
معيارية ،رمزية.....الخ.
إن أهم ما يمكن أن يخلص إليه الباحث وهو يدرس الفكر االجتماعي لفالسفة اليونان هو حقيقة أن أرسطو قد
اس تطاع أك ثر من غ يره أن ي درس أهم املس ائل ال تي درس ها علم االجتم اع فيم ا بع د غ ير أن ذل ك لم يتم بش كل مس تقل ب ل
باعتبار هذه املوضوعات مدخال لنظرية الدولة.
-1-2الفارابي والتفكير ذي النزعة الفلسفية في القضايا االجتماعية لدى الفالسفة املسلمين:
في ظل االنفتاح اإلسالمي على مختلف الحضارات خاصة الفلسفة اليونانية ،برزت في الساحة الفكرية اإلسالمية
أس ماء المع ة اس تطاعت أن تق دم تص ورات للقض ية االجتماعي ة وإن لم تس تطع أن تتخلص من تأثره ا ال بين بالفلس فة.
ولعل أهم األسماء التي ال ينبغي ألي دارس لتاريخ لعلم االجتماع أن يتجاهله الفيلسوف الفارابي .فمن هو الفارابي هذا؟
وأين يمكن أن نس تقي آراءه االجتماعي ة؟ وم ا عالق ة ه ذه اآلراء بالفلس فة اليوناني ة؟ وإلى أي ح د اس تطاع أن ينجح في
التوفيق بين الوحي واآلراء الفلسفية؟
ولد أبو نصر محمد الفارابي سنة 259هـ 862 /م في والية فاراب في تركستان التي تعلم فيها اللغة التركية والعربية
والفارسية ،وانتقل إلى بغداد حيث اشتغل باملنطق والفلسفة والعلوم واالجتماع؛ وأقام في بالط سيف الدولة في حلب قبل
أن ينتقل إلى دمشق حيث وافته املنية هناك سنة 339هـ950 /م .وقد لقب الفارابي باملعلم الثاني من شدة تأثره بأرسطو
كما أن آخرين لقبوه بمعلم العرب واملسلمين.
ض من الف ارابي معظم أفكاره االجتماعي ة في ع دة كتب أبرزه ا كتابي ه "السياس ة املدني ة" و"آراء أه ل املدين ة
الفاضلة" .ويتكون كتاب السياسة املدنية من قسمين أساسيين :األول فلسفي يتناول مراتب املوجودات الروحية واملادية،
والث اني يتن اول قض ايا االجتم اع السياس ية واالجتماعي ة .أم ا كت اب "أه ل املدين ة الفاض لة" فينقس م ه و اآلخ ر إلى قس مين
أساس يين :األول ي درس األس اس الفلس في واملث الي وال ديني للمدين ة الفاض لة أو املجتم ع املث الي ال ذي ح دد الف ارابي ص فاته
األساسية وطبيعته وطريقة الوصول إليه؛ أما القسم الثاني من الكتاب فيتناول موضوع الحاجة إلى االجتماع البشري.
إن تحليل هذه املؤلفات يقود الباحث إلى نتيجة أساسية هي أن الفارابي لم ينتج تصورات اجتماعية خاصة به ،بل
إن كل ما قام يمكن أن يوصف بأنه محاولة إلنشاء مدينة فاضلة على غرار مدينة أفالطون الذي تأثر به هو وأرسطو كما
أنه حاول التوفيق بين هذين الرجلين فيما بينهما ،وفي ما بين الفلسفة االجتماعية اليونانية عموما وبين اآلراء اإلسالمية،
فجانبه الصواب في كثير من محاوالته هاته.
-1-3ابن خلدون ونشأة علم العمران البشري:
ُك
عالم اجتماع مبدع وفيلسوف ومؤرخ وأديب تبت له فيما بعد شهرة لم يسبقه إليها في ميدانه أحد اسمه عبد
الرحمن محمد بن خلدون املشهور بابن خلدون .وقد ولد عبد الرحمن هذا بتونس سنة عام 732هـ 1332 /م من أسرة
يمنية من حضرموت وتولى مناصب سياسية هامة أعالها الوزارة؛ كما جنت عليه ذات السياسة حتى سجن بسببها وهو ما
جعله يسأم العمل السياسي ويعتزله لسبع سنين أمضى أربعا منها في قلعة سالمة حيث كتب مقدمته املشهورة ب "مقدمة
ابن خل دون" ال تي هي في األص ل بمثاب ة تمهي د لكتاب ه في الت اريخ املوس وم" :كت اب الع بر ودي وان املبت دأ والخ بر "...املش هور بـ
"تاريخ ابن خلدون" .وبعد ذلك رحل إلى القاهرة حيث توفي فيها سنة 808هـ 1406 /م.
"اشتهر ابن خلدون بدراساته االجتماعية العلمية التي عرض من خاللها حقيقة املجتمع اإلنساني وطبيعة اإلنسان
وعالقاتها بتكوين الجماعة والنظام االجتماعي .ودرس العالقة املتفاعلة بين الفرد واملجتمع بعد أن قارن مقارنة علمية بين
الكائن االجتماعي والكائن الحيواني من ناحية البناء والوظائف والتكامل بين األجزاء والنمو والتطور.
يعد ابن خلدون أول من نادى بضرورة إنشاء علم العمران البشري "وهذا العمران يعني لديه االجتماع اإلنساني
وظاهراته" .ولقد كان دقيقا عند تعريفه ملوضوع هذا العلم املستحدث الصنعة ،الغريب النزعة والغزير الفائدة حيث قال:
"وهذا علم مستقل بنفسه .فإنه ذو موضوع ،وهو العمران البشري واالجتماع البشري؛ وذو مسائل ،وهي بيان ما يلحقه
من العوارض واألحوال لذاته واحدة بعد أخرى" .وكان قد أشار إلى أن حقيقة التاريخ الذي هو املدخل لدراسة العمران
هي أنه "خبر عن االجتماع الذي هو عمران العالم ،وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من األحوال مثل التوحش والتأنس
والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض ،وما ينشأ عن ذلك من امللك والدول ومراتبها ،وما ينتحله البشر
بأعمالهم ومساعيهم من الكسب واملعاش والعلوم والصنائع ،وأثر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من األحوال".
أما أغراض علم العمران فهي تنقسم إلى "أغراض مباشرة نظرية وتتلخص في ضرورة الكشف عن طبيعة الظواهر
االجتماعي ة ووظائفه ا والوق وف على الق وانين ال تي تخض ع له ا؛ وأغ راض عملي ة غ ير مباش رة تتح دد في االنتف اع بحق ائق
االجتماع وقوانينه في تعليل األحداث".
أما الدافع الرئيس الذي حذا بابن خلدون لتأسيس هذا العلم فهو ما الحظه من كون املؤرخين يقعون في أخطاء
جس يمة لع دة أس باب أهمه ا التعص ب وع دم تحكيم العق ل واملنط ق وع دم قي اس الغ ائب على الش اهد والجه ل ب القوانين
والنواميس التي يسير عليها الكون والقوانين االجتماعية التي يسير عليها العمران البشري.
ويمكن القول في جميع األحوال إن ابن خلدون كان أول من حدد بوضوح وطبق بعض املبادئ الرئيسية التي ينبغي
أن يرتكز عليها علم االجتماع ،ومنها:
-إن الظواهر االجتماعية تخضع لقوانين قد ال تكون من الثبات كما هي القوانين التي تحكم الظواهر الطبيعية غير
أنه من شأن استيعاب عالم االجتماع لهذه القوانين أن يمكنه من فهم اتجاه األحداث من حوله.
-إن تلك القوانين تفعل فعلها في الجماعات وال تتأثر كثيرا باألفراد واألحداث املنعزلة.
-إن اكتشاف تلك القوانين ال يمكن أن يتم إال بعد جمع عدد ضخم من الوقائع والحقائق ومالحظة ما يقترن بها أو
يليها من وقائع إن منظومة القوانين االجتماعية قابلة للتعميم لكن بشكل نسبي.
-إن املجتمعات ليست ساكنة بطبيعتها بل هي خاضعة للتغير والتطور .والعامل األساس الذي ينوه به ابن خلدون
في ح دوث ه ذا التغ ير ه و الّت م اس واالتص ال بين الش عوب والطبق ات املختلف ة باإلض افة إلى العصبية والتن اقض والس لطة
السياسية (الناس على دين ملوكهم
-إن هذه القوانين االجتماعية سوسيولوجية في طابعها وليست نابعة من دوافع بيولوجية أو من عوامل بدنية.
أما املنهج الخلدوني في دراسة الظاهرات والوقائع االجتماعية فيمكن إجماله في:
املالحظة الحسية القائمة على الدراسة التاريخية للظاهرات (جمع املعلومات األولية من بطون التاريخ.
االستنباط العقلي للقوانين التي تحكم هذه الظاهرات.
-1-4أوجست كونت وعودة النهج العلمي لعلم االجتماع:
بع د وف اة ابن خل دون ،تع ثر التع اطي م ع موض وعات علم االجتم اع بش كل مس تقل .فق د ع اد تن اول القض ايا
االجتماعي ة إلى أحض ان الفلس فة وظ ل ه ذا الوض ع إلى حين مجيء الع الم الفرنسي أوجس ت كونت حيث ع اد على يدي ه من
جديد املنهج العلمي لعلم االجتماع.
ويرجع كثير من الباحثين تأسيس علم االجتماع إلى أوجست كونت نظرا لكونه أول من نحت مصطلح sociologie
ولغياب ما يؤكد تأثر هذا الرجل بابن خلدون من الناحية املعرفية؛ غير أن الحقيقة التي ال يمكن تجاوزها تتجلى في أن ابن
خلدون كان الس باق تاريخيا إلى تحديد موض وع العلم واملنهج األنسب لذلك ،وهذا ما جعل بعض املفكرين يرجع تجاهل
الغرب البن خلدون عند التأريخ لعلم االجتماع إلى النرجسية الغربية التي ال تعير أي اهتمام ملا ليس غربي املنشأ وحجتهم في
ذلك التجاوز املتعمد إلسهام الفلسفات الشرقية القديمة السابقة للحضارة اليونانية عن التأريخ لكل العلوم.
ولد أوكست كونت ( )1857 -1798بمدينة موبيلييه الفرنسية لوالدين كاثوليكيين،
لق د كانت رغب ة كونت في إص الح املجتم ع الفرنسي املتس م باالض طراب في ذل ك ال وقت دافع ا دع اه إلى إنش اء علم
االجتم اع" .فق د الح ظ الفوضى ال تي تض رب أطن اب مجتمع ه ،وملا ح اول أن يتع رف عن أس باب تل ك الفوضى وج دها في
الفوضى الفكري ة ،ف الفكر عن ده أس اس كل ص ال ح أو فس اد في املجتم ع ،ورأى أن من أس باب تل ك الفوضى أن الب احثين
يسلكون منهجين مختلفين في تفسيرهم لكل من الظواهر االجتماعية والظواهر الطبيعية ،فهم يسلكون منهجا علميا وضعيا
للتعرف على حقائق الطبيعة ،والكشف عن قوانينها وعالقاتها ،بينما ال يسلكون املنهج نفسه في الظواهر االجتماعية .وقد
وجد كونت أنه ال فائدة في عالج الفكر الفاسد ،والقضاء على الفوضى الفكرية إال إذا خضعت الظواهر االجتماعية للمنهج
العلمي املتبع في الظواهر الطبيعية .ويعتقد كونت أنه لفهم ظواهر املجتمع ال بد من توفر شرطين أساسيين هما:
-أن ت درس ه ذه الظ اهرات بعي دا عن األه واء واملص ادفات أي وف ق ق وانين تس ير عليه ا.
-أن يستطيع األفراد التعرف على هذه القوانين لكي يفهموا الظواهر وفق ما ترسمه قوانينها من حدود وأوضاع.
وهو ما لن يتم ما لم يقم علماء االجتماع بكشف هذه القوانين.
وينقسم دراسة علم االجتماع عند كونت إلى قسمين أساسيين هما:
-القس م األول اس مه ال ديناميك االجتم اعي؛ حيث يش كل "التق دم" الفك رة املركزي ة .ويختص بدراس ة ق وانين الحرك ة
االجتماعي ة ،والس ير اآللي للمجتمع ات والكش ف عن م دى التق دم ال تي تحقق ه اإلنس انية في تطوره ا.
-القس م الث اني اس مه االس تاتيك االجتم اعي وه و يع نى بدراس ة املجتمع ات في حال ة اس تقرارها وباعتباره ا ثابت ة في ف ترة
معينة من تاريخها.
وعموما فإن كونت الوضعي التوجه يرى أن الفرد والعائلة والدولة تشكل العناصر األساسية للمجتمع مع إعطاءه
أهمي ة خاص ة لألس رة؛ كم ا يؤك د على أن ال قيم ة للف رد إال بوج وده وتعاون ه م ع آخ رين وأن املجتم ع وح دة حي ة وم ركب
معقد أهم مظاهره التعاون والتضامن.
-1-5كارل ماركس :علم املجتمع والدراسة املوضوعية للعالقات االجتماعية:
يع د األملاني كارل م اركس من أش هر علم اء االجتم اع ال ذين اس تطاعوا أن يس اهموا بق وة في تح ول ه ذا العلم من
دراسة أدبية وفلسفية غير دقيقة إلى دراسة علمية موضوعية واضحة املعالم واألسلوب واملنهجية واألهداف؛ فبالرغم من
م رور م ا يق رب من ق رن من الزم ان على وفات ه الزال فك ره يش غل ح يزا كب يرا من اهتم ام املفك رين والب احثين في أك ثر من
مجال وال يخلو مؤلف واحد عن نظرية علم االجتماع إال وقف على ما كتب.
إن التص ور السوس يولوجي املاركسي يق وم ،إذن ،على مقول ة أساس ية مفاده ا أن املجتم ع موج ود واقعي يتوق ف
كيان ه على أس لوب اإلنت اج وطبيعت ه ال تي تس م املجتم ع بطابعه ا وأن ال وج ود لإلنس ان إال ض من مجتم ع وال مع نى ل ه إال
بالعم ل؛ وه ذا م ا يجع ل مفه وم الطبق ة االجتماعي ة مفهوم ا أساس يا ومقول ة تحليلي ة مركزي ة لدي ه .وتتح دد ه ذه الطبق ة
االجتماعي ة عن طري ق امللكي ة وعن طري ق ق وى اإلنت اج والتقس يم االجتم اعي كم ا تتح دد ب األجر وال ربح والريع ومعرف ة
الطبقات بتناقض مصالحها .وعموما يمكن تلخيص أهم اإلسهامات املاركسية في تطور علم االجتماع في النقاط التالية:
-التفس ير املادي البحت لقض ايا املجتم ع حيث يعتق د ب أن املجتم ع يستند على قاع دة اقتص ادية بحت ة.
-التأكي د على أن البن اء الف وقي للمجتم ع من قيم وإي ديولوجيا ودين وغيره ا يرتك ز على القاع دة التحتي ة للمجتم ع وهي
قاعدة مادية تتجسد باملعطيات االقتصادية واالجتماعية.
-دراسة الطبقات االجتماعية والتأكيد على أن االنتماء للطبق ة يتوقف على العوامل االقتصادية ومدى الوعي
بالتناقض بين مصالح الطبقات املختلفة.
-الص راع بين الطبق ات ه و العام ل الحاس م في التغ ير االجتم اعي وله ذا يؤك د على أن الت اريخ اإلنس اني م ا ه و إال
تعبير عن تاريخ الصراعات الطبقية.
-1-6إميل دوركايم؛الدراسة األكاديمية لعلم االجتماع الفرنسي على النهج الوضعي الكونتي:
إذا كان كونت ق د اش تهر بأن ه املؤس س لعلم االجتم اع على األق ل في األوس اط العلمي ة الغربي ة ،ف إن كتاب ات الكاتب
الفرنسي إمي ل دوركايم ت ركت أث را أهم وأبقي على علم االجتم اع الح ديث من مؤلف ات أس تاذه كونت ،ول د إمي ل دوركايم (
)1917 -1858في مدينة أبينال بمقاطعة اللورين في الجنوب الشرقي من فرنسا من أسرة متوسطة الحال .درس في املدارس
ُق
الفرنسية وبعد تخرج ه منها ِب ل في مدرس ة املعلمين العليا حيث تخص ص في التربي ة والتعليم؛ وبع د إكماله الدراسة منها
س افر إلى أملاني ا حيث درس هن اك االقتص اد والفلكل ور واألنتروبولوجي ا الحض ارية .وعلى ال رغم من أن دوركايم اس تعان
بجوانب من أعمال كونت ،إال أنه كان يعتقد أن كثيرا من أراء أسالفه تتسم بالنزعة التأملية والغموض ،وأن كونت لم يفلح
في تحقيق البرنامج الذي وضعه إلقامة علم االجتماع على أسس علمية.
لقد كان تأثر دوركايم بأستاذه أوجست كونت تأثرا كبيرا من حيث الفلسفة الوضعية التي انطلقا منها جميعا كما
من حيث املنهج ويتبدى هذا بوضوح في تأكيده على أنه علينا دراسة الحياة االجتماعية بروح موضوعية مثلما يفعل العلماء
عن د دراس تهم للع الم الط بيعي كم ا يتضح في مماثلت ه بين الحي اة االجتماعي ة والحي اة العض وية في إط ار وظيفي .وكان املب دأ
الذي وضعه لعلم االجتماع" :فلندرس الحقائق والوقائع االجتماعية باعتبارها أشياء".
لقد آمن دوركايم من بين ما آمن به بأهمية الوعي الجمعي .وقد أكد ،في مخالفة تامة ملا أورده ماركس ،أن الواقع
املادي املجتمعي ت ابع لل وعي الجمعي وليس العكس أي أن وج ود قيم مش تركة بين أف راد املجتم ع ه و العام ل األساسي ال ذي
يح دد الواق ع االجتم اعي له ذا املجتم ع .ولذلك ت راه منزعجا من التط ورات املتسارعة ال تي م يزت املجتمع ات الح ديث كونه ا
"يمكن أن تسبب في اضطراب أساليب الحياة التقليدية وفي القيم واملعتقدات الدينية وأنماط الحياة اليومية دون أن تطرح
بدال منها قيما جديدة واضحة .وربط دوركايم بين هذه األوضاع التفكيكية وبين ظهور حالة الضياع ،وهي اإلحساس بانعدام
الحياة والقنوط الناجم عن الحياة االجتماعية الحديثة".
ويقوم املنهج السوسيولوجي لدوركايم الذي يؤكد على أهمية تشجيع ما أطلق عليه الفروع الخاصة لعلم االجتماع
على الدعوة ملحاكاة علوم الطبيعة في دراسة الظاهرات االجتماعية كأشياء وذلك عن طريق املالحظة واملقارنة والتفسير
ال وظيفي للظ اهرات االجتماعي ة .أم ا وظيف ة علم االجتم اع عن ده فتتح دد باألس اس في الكش ف عن الق وانين ال تي تحكم
الظ اهرات االجتماعي ة به دف عالج املش كالت االجتماعي ة وص وال لتحقي ق التض امن االجتم اعي املطل وب وتقس م العم ل
ال وظيفي الفع ال وه ذا مم ا يؤك د النزع ة النفعي ة املتجه ة ص وب ت دعيم األوض اع القائم ة في نظ رة دوركايم لعلم االجتم اع
ووظائفه.
-1-7ماركس فيبر :علم االجتماع ونظرية املعنى في تفسير الفعل االجتماعي:
إذا كان علم االجتماعي الفرنسي مرتبطا بأوجست كونت وإميل دوركايم باعتبار األول هو املؤسس وألن الثاني يعد
أول من درس العلم أكاديميا وتوسع فيه ،فإن ماكس فيبر ،وإن لم يحترف علم االجتماع إال سنتين قبل وفاته ،قد استطاع
أن يطبع علم االجتماع خاصة في أملانيا رغم ذلك التباين والتناقض في آراءه الذي ال يسع أي باحث إال أن يستحضره بمجرد
أن يذكر اسم الرجل عنده.
ويع رف في بر علم االجتم اع على أن ه علم يك رس جه وده للوص ول إلى فهم تفس يري للفع ل االجتم اعي وأس بابه
ومص احباته" .فه و يعتق د أن على علم االجتم اع أن يرك ز على الفع ل االجتم اعي ال على البني ة االجتماعي ة" .ويع رف الفع ل
االجتم اعي بأن ه ذل ك "املع نى ال ذاتي ال ذي يخلع ه األف راد على س لوكم س واء كان ه ذا املع نى واضحا أو كامن ا موارب ا .ويع د
الفعل اجتماعيا بالقدر الذي يضعه فيه الفاعل سلوك اآلخرين في حسبانه توجها وتصرفا".
إن هذا التصور ملوضوع العلم ومضمونه جعل ماكس فيبر يعتقد ،على عكس ما ذهب إليه ماركس ،أن الدوافع
واألفكار البشرية هي التي تقف وراء التغير االجتماعي ،وأن بمقدور القيم واملعتقدات أن تساهم في التحوالت االجتماعية
وبوس ع الف رد أن يتص رف بحري ة ويرس م مص يره في املس تقبل .كم ا أن ه خ الف كل م اركس ودوركايم في قولهم ا أن للب نى
االجتماعي ة وج ودا مس تقال عن األف راد وإنم ا تش كل ه ذه الب نى بفع ل تفاع ل تب ادلي معق د بين األفع ال.
لقد كان فيبر ممن تأثروا باألفكار املاركسية؛ لكن هذا التأثر لم يمنعه من توجيه انتقادات لهذا الفكر خاصة فيما يتعلق
بتلك الطروحات املادية التي تبناها ماركس عند تحليله للتفاعل بين قوى املجتمع .فقد رفض املفهوم املادي للتاريخ واعتبر
أن للصراع الطبقي أهمية أقل مما رآه ماركس مؤكدا في كتابه "األخالق البروتستانتية وروح الرأسمالية" على أن "العوامل
الدينية والروحية هي التي تؤثر في األنشطة االقتصادية من حيث تحديد مساراتها اإلنتاجية ورسم أهدافها وخططها" وليس
العكس.
يالحظ الفرد في حياته اليومية أن وسائل اإلعالم املختلفة تطالعه بأنباء معينة بعض منها ما يتعلق بكوارث طبيعيه
وأخ رى تتعل ق بص راع ومش كالت تحت اج إلى حل ول وقس م آخ ر يتح دث عن قض ايا العم ل وإض رابات العم ال وقس م ث الث
يتعرض التجاهات مشجعي كرة القدم وكيف تغيرت وأصبحت أكثر عدوانيه كذلك تتناول وسائل اإلعالم قضايا اجتماعية
كارتفاع معدالت الطالق والجريمة وانحراف األحداث وغيرها من القضايا االجتماعية.
مثل هذه األحداث إذا صح أن نطلق عليها هذه التسمية هي أحداث عامه تحدث في الحياة اليومية في أي مجتمع من
املجتمعات ،ولكن أحيانا يتساءل البعض ملاذا أصبح اآلن مشجعو كرة القدم أكثر عنفا عما كانوا عليه في املاضي وملاذا يجد
بعض األزواج أن الحي اة الزوجي ة أص بحت ال تط اق فعن دما نس أل أنفس نا ه ذه النوعي ة من األس ئلة فإنن ا نس أل س ؤاال
اجتماعيا ،بمعنى أننا معنيون أو مهتمون بالطريقة التي يسلك أو يتصرف بها األفراد في املجتمع وتأثير ذلك السلوك على
أنفسهم وعلى املجتمع.
إذن ي درس علم االجتم اع س لوك األف راد بالطريق ة العلمي ة الدقيق ة ،وعلم اء االجتم اع يدرس ون األس اليب ال تي
ينتظم بها املجتمع ،فهم على سبيل املثال يختبرون أو يفحصون الحقائق املتعلقة بالجريمة والسلوك أالنحرافي ويحاولون
التوصل إلى أسبابها كذلك يبحثون في الكيفية التي تطور بها النسق األسري وتأثير الطالق على أفراد اآلسرة وتأثير مراكز
القوى على وسائل اإلعالم وأنواع املهن املتوفرة في املجتمع ومعايير اختيار املهنة وكيف يزداد أو ينمو السكان واملشكالت
الناجم ة عن ارتف اع الكثافة السكانية ونوعي ة املدارس التي تنشأ ووظائفها وكيفية اس تجابة الطالب له ا من حيث اإلقبال
عليها والتسرب منها والنجاح وغيرها من األمور املجتمعية فعلم االجتماع يبين لنا الدرجة التي تؤثر البيئة التي نعيش فيها
على مظاهر سلوكنا في حياتنا اليومية.
فعلى سبيل املث ال دعن ا نفك ر ل و أن شخص ا م ا ول د في قط ر نج د أن ه ذا الشخص ق د تعلم من والدي ه ومدرس يه
كيف يتعلم اللغة العربية ويرتدي املالبس العربية املميزة لهذا املجتمع ويأكل بطريقة معينة ويفكر في الحصول على وظيفة
أو مهن ة قريب ة من وظيف ة وال ده أو أص دقائه أو محيط ه االجتم اعي ويلعب ك رة الق دم ويس تمع إلى املوس يقى واألغ اني التي
تنتش ر في املجتم ع الع ربي وتم يزه وب الطبع يكون مس لما ملتزم ا بقواع د ال دين اإلس المي أي ان ه شخص ينتمي إلى املجتم ع
القطري بخصائصه الثقافية واالجتماعية وهو بذلك يختلف عن شخص آخر ولد في مجتمع آخر كاليابان مثال.
وعلى ه ذا األس اس ال يمكن للف رد أن يكون كائن ا اجتماعي ا م ا لم يكن يعيش في مجتم ع أو وس ط اجتم اعي وعلى
اتص ال مس تمر ببقي ة أف راد املجتم ع بحيث ين دمج في محيطهم ويتفاع ل معهم بص ورة إيجابي ة فنحن نتعلم تقب ل تقالي د
املجتم ع بحيث يندمج في محيطهم ويتفاع ل معهم بصورة ايجابي ة .فنحن نتعلم تقبل تقاليد املجتمع وعاداته ونتصرف من
خالل مع اييره وقيم ه ،وه ذه األم ور يتعلمه ا كل ف رد من خالل م ا يطل ق علي ه علم اء االجتم اع وس ائل أو قن وات الض بط
االجتماعي والتي تتضمن األسرة التي ترشد وتدرب الطفل في سنوات عمره األولى على أساليب السلوك املقبولة في مجتمعه
وفي مختلف املواقف االجتماعية كما انها تعتبر مصدرا أساسيا للشعور باألمن والحنان والحب.
علم االجتماع هو الدراسة العلمية ملظاهر أو جوانب الحياة االجتماعية للفرد فهو كم من املعرفة تكون من خالل
تراكم استخدام املنهج العلمي في دراسة أبنية ومكونات الحياة االجتماعية أي انه تنظيم وترتيب للتفاعل البشري وبمعنى
آخر فان علماء االجتماع يدرسون سلوك األفراد في محتواه الجمعي.
ويمكننا أن نشير إلى التعريفات املختلفة لعلم االجتماع والتي سنالحظ أنها ال تختلف في املحتوى والداللة وإنما في
ترتيب املوضوعات حسب اهتمام عالم االجتماع فيعرف:
أليكس أنكل ز علم االجتم اع :بأن ه العلم ال ذي ي درس بن اء ووظيف ة النظم االجتماعي ة أي نظم الفع ل ال تي تتص ف
بالثبات النسبي والتي يشترك فيها مجموعه من الناس سواء كانت صغيره أو كبيره
أما سوركين فيرى أن علم االجتماع هو ذلك :املفهوم الذي يشير إلى جميع املعلومات الخاصة بالتشابه بين مختلف
الجماعات اإلنسانية
كم ا عرف ه أيض ا ب أن علم االجتم اع ه و دراس ة الخص ائص العام ة املش تركة بين جمي ع أن واع املظ اهر االجتماعي ة
والعالقة بين هذه األنواع وكذلك العالقة بين الظواهر االجتماعية والغير اجتماعيه
أما رايت ميلز :فعرفه بان العلم الذي يدرس البناء االجتماعي للمجتمع والعالقات املتبادلة بين أجزائه وما يطرأ
على ذلك من تغير
ويرى جونسون بأنه العلم الذي يدرس الجماعة من حيث نماذج تنظيمها الداخلي والعمليات التي تميل إلى استمرار
أو تغيير هذه الصورة التنظيمية للعالقات االجتماعية
في حين أن م اكيفر ي رى ان ه العلم ال ذي ي درس العالق ات االجتماعي ة وإذا نظرن ا إلى ه ذه التعريف ات وعش رات
التعريفات األخرى سنجد أنها تختلف باختالف معرفيها ومدارسهم اال أنها تتناول قضايا أساسية نوجزها في انه احد العلوم
اإلنسانية الذي يدرس املجتمع وظواهره وبناءه يبحث العالقات بين األفراد والجماعات بصوره علميه تحليليه انه يحاول
املقارنة بين الظواهر والحقائق االجتماعية حتى يتمكن من أن يقيس أشكال التغير في املجتمع مع التركيز على ثقافته
-2-2الظاهرة االجتماعية:
يع د ع الم االجتم اع الفرنسي إمي ل دوركايم أك ثر العلم اء اهتمام ا بدراس ة الظ اهرة االجتماعي ة بن اء على أس س
منهجي ة مح دده وتمث ل ه ذا االهتم ام في مؤلف ه الش هير قواع د املنهج في علم االجتم اع فق د ع رف دوركايم الظ اهرة
االجتماعي ة بأنه ا ض رب من الس لوك والتفك ير والش عور املوج ود خ ارج الف رد وذل ك بحكم م ا زودت ب ه من ق وه وإل زام
تفرض نفسها على الفرد واملالحظ أن هذه الحقائق االجتماعية وان كانت قهرية إال أن الفرد ال يشعر بقهرها أو إلزامها
طاملا أن ان ه تم االتف اق عليه ا داخ ل املجتم ع فمثال ينش أ الطف ل على اح ترام الكب ار وط اعتهم ومن ثم ف ان عملي ة التنش ئة
االجتماعية هذه تجعل كثيرا من أنماط سلوك الطفل والعادات والتقاليد ملزمه دون أن يشعر بها اإلنسان فهو يطبع عليها
بصفتها االجتماعية ولذلك فان دوركايم حدد خصائص الظاهرة االجتماعية في الجوانب اآلتية تتميز الظاهرة االجتماعية
بصفة العموميه بمعنى انها تنشر في املجتمع وربما في مختلف املجتمعات البشرية وتتكرر في مظاهر حياة أفراد الجماعات
وق د تمكن علم االجتم اع من أن يتخذ له منهجا تخضع له الظواهر في دراس تها فكان املنهج التاريخي الذي بدأ به
علم االجتم اع في أول ظه وره وبفض ل ه ذا املنهج الت اريخي أمكن الوص ول إلى طائف ة من الق وانين االجتماعي ة وبع دد ذل ك
اس تعان علم اء االجتم اع ب املنهج التجري بي واملنهج اإلحص ائي واملنهج املق ارن وغيره ا من املن اهج في دراس تهم للظ واهر
االجتماعية وهنا حقق علم االجتماع الشرط الثالث لخصائص العلم.
يوضح سوروكين هذه القضية حين يؤكد على أن التفاعل االجتماعي بين الناس يحدث في كل املجاالت االجتماعية
س واء كانت اقتص ادية أو سياس ية أو ديني ة أو قانوني ة وعلم االجتم اع ي درس م ا ه و ع ام ومش ترك في كل ه ذه املج االت
ووضحها على النح و األتي :املج ال االقتص ادي ،املج ال السياسي ،املج ال ال ديني واملج ال الق انوني ،بمع نى أن علم االجتم اع
ي درس الظ واهر االقتص ادية أو السياس ية أو القانوني ة أو الديني ة ال من حيث كونه ا سياس ية أو اقتص ادية أو ديني ة أو
قانونية ولكن من حيث كونها ظواهر اجتماعية.
وخالصة القول أن علم االجتماع علم حديث النشأة يهتم بدراسة النظم والعالقات والظواهر االجتماعية واألفكار
االجتماعية دراسة علمية تحليلية يمكن من خاللها فهم طبيعة املجتمع والتنبؤ بظواهره من اجل الوصول إلى القوانين التي
تحكمه فهو العلم الذي يدرس الجوانب التالية:
-ي درس علم االجتم اع النظم االجتماعية املختلف ة وعالقته ا ببعض في درس النظ ام االقتص ادي والنظ ام السياسي والنظام
األسري والنظام الديني والنظام التربوي فعلم االجتماع يعتبر املجتمع كال يتألف من مجموعة من النظم التي تؤسس كيانه
ويبني عليها الوجود املجتمعي.
-يدرس علم االجتماع أيضا العالقات االجتماعية املتبادلة بين النظم فأوجست كونت يركز على نسق األفكار وماكس فيبر
يركز على نس ق القيم في حين أن كارل م اركس يرك ز على نظام اإلنتاج ال ذي يش كل البناء التح تي من املجتم ع الذي ي ترتب
عليه جميع التغيرات في البناء العلوي املتمثل في األفكار والنظم واألنساق االجتماعية
-يهتم علم االجتماع بدراسة األفكار االجتماعية للتعرف على جميع أشكال العالقات التي تدخل في تشكيل البناء االجتماعي.
نقصد بالعلوم االجتماعية مجموعة املعارف التي تراكمت وتكونت من خالل استخدام املنهج العلمي الذي يتناول
أش كال ومحت وى التفاع ل واملش اركة بين أف راد املجتم ع فص فة التفاع ل واملش اركة من الخص ائص ال تي تض في على حي اة
الجماعة الصفة االجتماعية.
فجمي ع األف راد اجتم اعيون وح تى يس تمر وج ود الف رد الب د ل ه من التفاع ل م ع ب اقي أف راد املجتم ع في البيئ ة
االجتماعي ة وال تي تختل ف بالض رورة عن البيئ ة الفيزيقي ة ال تي ال تظه ر أثاره ا واضحة على األف راد ل ذلك يك رس العلم اء
االجتم اعيون دراس اتهم على اح د مظ اهر البيئ ة االجتماعي ة للتع رف على آثاره ا على أف راد املجتم ع فمثال علم اء السياس ة
يعنون بدراسة التفاعل بين األفراد الذي يؤدي إلى خلق النظام في املجتمع باستخدام املنهج العلمي في حين أن االقتصاديين
يجمعون املعلومات عما يحدث في مجاالت اإلنتاج وتوزيع السلع بين األفراد أما علماء االنتروبولوجيا الثقافية فهم يبحثون
في العالقة بين سلوك األفراد والجوانب االقتصادية والسياسية والدينية في تجمع معين وأيضا يعقدون مقارنات بين سلوك
األفراد وعالقاتهم في املجتمعات املختلفة.
وهن اك بعض العلم اء االجتم اعيين ال ذين يهتم ون ب الظواهر االجتماعي ة الفري دة في املجتمع ات من خالل املالحظ ة
وتسجيل املعلومات وتفسير أنماط التفاعل املختلفة واملؤرخون يدرسون على سبيل املثال األسباب املؤدية إلى الثورات مثل
الثورة الفرنسية والخصائص املتفردة لهذه الثورة ولكن مجال علم االجتماع يختلف عن مجال التاريخ فهو ال يركز على
تفرد األحداث التي يقوم بها األفراد لكن يهتم بأوجه التشابه في األبنية االجتماعية وتكرار ظهور أنماط الفعل االجتماعي
وستتناول العالقة بين علم االجتماع وبعض العلوم االجتماعية على النحو التالي:
تظهر العالقة بين علم االجتماع وعلم السياسة من خالل اهتمام بعض علماء السياسة بتحليل الظواهر السياسية
في ضوء العالقات االجتماعية السائدة في املجتمع واستخدام أولئك العلماء مفاهيم املجتمع املدني والبناء االجتماعي والنسق
االجتماعي كأدوات تصويرية يمكن من خاللها تفسير وتحليل الحياة السياسية وظواهرها املختلفة.
فيتن اول علم السياس ة قض ايا التنظيم الحكومي على مختل ف املس تويات القومي ة واالقليمي ة واملحلي ة كم ا يق وم
بمقارنة األنظمة املختلفة والقانون الدستوري والعمليات التشريعية ودور السلطة التنفيذية والعالقات الدولية والسياسية
أما علماء االجتماع فإنهم يدرسون النظام السياسي باعتباره نظاما قائما بذاته من جهة وأيضا يدرسون العالقات املتبادلة
بين النظام السياسي وغيره من النظم واألنساق االجتماعية وتأثير كل منها على األخر من جهة ثانيه.
فع الم االجتم اع يتن اول قض ايا علم السياس ة من منظ ور اجتم اعي فه و يهتم بالس لوك االنتخ ابي واالتجاه ات
السياسية واالنتماء لألحزاب والتنظيمات السياسية وعمليات اتخاذ القرار وغيرها.
إن االنثروبولوجي ا تع ني علم اإلنس ان أم ا االنثروبولوجي ا االجتماعي ة ف تركز على دراس ة الج انب االجتم اعي لحي اة
ذلك اإلنسان فاالنثروبولوجي يحرص على دراسة الجوانب املختلفة للحياة االجتماعية من خالل تساندها الوظيفي فعندما
يدرس االنثروبولوجي إحدى القبائل مثال فاه يقوم بمالحظة مساكن القبيلة واألدوات املستخدمة في الحياة اليومية بما فيها
أنواع األسلحة املستخدمة ويدرس أيضا نظام العائلة والقرابة والنظام االقتصادي واملعتقدات والطقوس الدينية واللغة
والسحر وأنماط ووسائل الضبط االجتماعي وغيرها أي انه يدرس ثقافة القبيلة بصفة عامة إضافة الى دراسة الجماعات
التي تتكون منها القبيلة واملراكز واألدوار فيه وغيرها من جوانب البناء االجتماعي.
ومن ثم ف ان الف رق بين علم االجتم اع واالنثروبولوجي ا االجتماعي ة كان ممثال في ط رق جم ع البيان ات فالدراس ات
االنثروبولوجية التقليدية اعتمدت على املالحظة باملشاركة بالدرجة األولى وعلى اإلخباريين وعلى الطريقة الجينولوجية في
تسجيل حي اة األف راد أم ا الدراس ات السوس يولوجية فاعتم دت على وس ائل أخ رى في جم ع البيان ات أك ثر تح ديثا ودق ة
كاالستبيان واملقابلة والبيانات اإلحصائية في دراسة تلك املجتمعات.
يع د علم النفس االجتم اعي من ف روع علم النفس ذات ص لة وثيق ة بعلم االجتم اع ألن ه يرك ز على عالق ة الف رد
باآلخرين وقد اهتم العالم الفرنسي جبرييل تارد بإثبات أن املحاكاة هي العملية االجتماعية األساسية أما اميل دوركايم فقد
اهتم بصياغة نظريه الضمير الجمعي وهو في نظره حقيقة تنتج عن اتحاد الضمائر الفردية ولكنها تمتاز بصفات ال توجد في
العناصر املكونة لها.
كما يتناول علم النفس االجتماعي تأثير العوام ل االجتماعية على تكوين الشخصية وتركز على الدراسات املقارنة
لتكوين الشخص ية وبنائه ا في املجتمع ات املختلف ة كم ا يس عى علم اء النفس االجتم اعي إلى اكتش اف أث ار التربي ة واملحي ط
األسري في تشكيل الدوافع واالتجاهات.
يعتبر التاريخ تسجيال ألحداث املاضي الحافل باألنواع املختلفة للنشاط اإلنساني وحتى يتمكن عالم االجتماع من
التعرف على الحقائق واألحداث االجتماعية وتطورها عبر الزمان وانتقالها من مجتمع إلى آخر باختالف الحقب الزمنية البد
ل ه من الرج وع إلى الت اريخ لي دعم إغراض ه من السجالت التاريخي ة املتنوع ة واملداخل التاريخي ة املختلف ة فعلم االجتم اع
يس تفيد من البيان ات والوق ائع التاريخي ة في كش فه عن العالق ات القائم ة بين األح داث ال تي وقعت في املاضي وال تي دونه ا
ورصد لها علماء التاريخ في فترة زمنية معينة بهدف الوصول إلى تفسير وتعميم للحوادث املتشابهة أو املتكررة فهنا يمكن
للع الم االجتم اعي الرج وع إلى الت اريخ ملعرف ة أص ل الظ واهر االجتماعي ة والنظم االجتماعي ة وتطوره ا وتغيره ا البن ائي
والوظيفي عبر الزمان واملكان.