You are on page 1of 53

‫المثقف العربي والسياسي في الوطن العربي تأثير أم احتواء؟‬

‫أ‪ .‬بن يمينة السعيد‬

‫أستاذ مساعد مكلف بالدروس بقسم علم االجتماع‪ -‬جامعة محمد بوضياف‬

‫المسيلة‪.‬سنة رابعة دكتوراه ‪benyaminamsila@yahoo.fr‬‬

‫المـقــدمة‪:‬‬

‫"المثقف" قضية خالفية بين الكتّاب والمفكرين وال يوجد اتفاق بينهم على‬

‫تحديد من يمكن أن نطلق عليه "مثقفا" ومن ال يمكن اعتباره كذلك‪ ،‬واختلفوا‬

‫أيضا بين تصنيفاتهم للمثقفين‪ ،‬ولن ندخل في متاهة جدلهم التي قد ال تنتهي‪،‬‬

‫ولكن سنطرح بعض األمثلة التي من شأنها أن تساهم في إعادة التفكير عمن‬

‫يمكن أن يتم اعتباره "مثقفا" من خالل النظرة إلى "المثقفين" من حيث "تفردهم"‪.‬‬

‫فالمثقف ليس خالقا‪ ،‬فدوره يكمن في توكيد االختالف والفروقات فحيث تكون‬

‫الفرادة‪ ،‬والفرق‪ ،‬واالختالف‪ ،‬وحيث تكون الحرية الخالقة‪ ،‬تكون الثقافة‬

‫الحقيقية‪ ،‬فاالختالف طريق إلى الحرية‪ .‬وبذلك تتركز مهمة المثقف بشكل‬

‫عرفه‬
‫أساسي على إظهار األفكار المشيرة إلى الوجود أو التنوير‪ .‬والتنوير كما ّ‬
‫كانط هو‪" :‬خروج اإلنسان من حالة القصور التي يبقى هو المسؤول عن وجوده‬

‫فيها‪ .‬والقصور هو حالة العجز عن استخدام الفكر (عند اإلنسان) خارج قيادة‬

‫اآلخرين‪ .‬واإلنسان (القاصر)‪ H‬مسؤول عن قصوره ألن العلة ليست في غياب‬

‫الفكر‪ ،‬وإ نما في انعدام القدرة على اتخاذ القرار وفقدان الشجاعة على ممارسته‪،‬‬

‫دون قيادة اآلخرين‪ .‬لتكن تلك الشجاعة على استخدام فكرك بنفسك‪ :‬ذلك هو‬

‫شعار عصر التنوير"‪.‬‬

‫هنا يعتقد كانط أن المتطلب الوحيد للتنوير هو الحرية‪ ،‬فيبدو أن التنوير‬

‫فرديا ال عالقة له مباشرة بمشاريع جماعية كبرى‪ ،‬وال بأفعال تغيير وحركات‬

‫ثورة‪ .‬لكن فوكو ربط فكرة التنوير عند كانط بـ"مشروع" الحداثة أو يمكن القول‬

‫بـ"موقف" الحداثة‪ .‬وأوجز فوكو مسألة الحداثة "بسؤال الراهنية" و"أشكلة هذه‬

‫الراهنية"‪ .‬حيث يرى فوكو أن "الثورة"‪"،‬مؤشر استحضاري"‪ ،‬ألنها تبرز التأهب‪H‬‬

‫المتأصل في اإلنسان‪ ،‬وهي "مؤشر استداللي" ألنها تظهر الفاعلية الحاضرة لهذا‬

‫التأهب‪ H،‬وهي أيضا "مؤشر توقُّعي"‪ ،‬ألنه ال يمكن مستقبال نسيان التأهب الذي‬

‫برز من خاللها حتى ولو كان من الجائر مراجعة بعض من نتائج الثورة فيما‬
‫يؤمن للثورة أن تكون درسا في التنوير‪،‬‬
‫بعد‪ .‬هذا الفهم الفوكوي لقيمة "المؤشر" ّ‬

‫وللتنوير أن يكون درسا في الثورة‪.‬‬

‫‪ ‬وبذلك تقوم مقولة فوكو حول التنوير على أن التنوير لم يكن عصرا وال‬

‫حقبة‪ ،‬مثله مثل الحداثة‪ ،‬بل شكل التنوير "خروجا" أو "منفذا" أو مقولة في‬

‫االختالف‪ .‬ووضع شرطان للخروج من نفق "القصور"‪ H‬والدخول في أفق‬

‫"التنوير"‪.‬األول‪ H:‬التحرر من الشروط المؤسسية (روحيا‪ ،‬وأخالقيا‪ ،‬وسياسيا)‬

‫بحيث يتم الفصل وبحسم بين موضوعات الطاعة واالمتثال" إن وجدت‬

‫وموضوعات العقل‪ H.‬والثاني مالشاة الفرق بين ما ص ّكته "البرغماتية الكانطية"‬

‫من مصطلح حول االستعمال الخاص واالستعمال العمومي للعقل‪ H.‬وهو ما يعتقده‬

‫كانط بأن العقل يجب أن يكون حرا في استعماله العمومي بينما يجب أن يكون‬

‫خاضعا‪ H‬في استعماله الخاص‪.‬‬

‫اإلشكالية ‪:‬‬

‫شهد التاريخ العربي المعاصر عدة أنماط لعالقات‪ H‬المثقف ‪ ،‬ومن هذه‬

‫العالقات‪ H‬عالقة المثقف بالسياسة وعالقة المثقف بالمجتمع ‪ ،‬فالمثقف في التجربة‬

‫العربية المعاصرة لم تفارقه السياسة والمجتمع كمواضيع وثيقة الصلة به يؤثر‬


‫كل طرف في اآلخر ‪ ،‬فكانت السياسة والمجتمع دائمتي الحضور عند المثقف‬

‫ونالتا اهتماماً نظرياً وفعالً واقعياً ‪ ،‬فهناك هاجس كبير للمثقف بالسياسة فوفق‬

‫نظر شريحة من المثقفين إن أفضل طريق لولوج المجتمع والتأثير عليه هو‬

‫الدخول له من باب السياسة التي تعتبر أكثر الوسائل قدرة على إحداث التغييرات‬

‫بما تملكه من سلطة ‪ ،‬فالسياسة تحول الفكرة إلى سياسة تطبق على أرض الواقع‬

‫من خالل وضع االستراتيجيات واتخاذ القرارات السياسية ‪ ،‬وباعتبار أن السياسة‬

‫اهتماماً بالشأن العام الذي يصب فعلها في النهاية في المجتمع ‪ ،‬كان دخول‬

‫المثقف للسياسة عن طريقين ‪ :‬إما طريق مباشر ويأخذ أشكال عدة أهمها‬

‫الوصول لمنصب سياسي أو التحالف‪ H‬مع السياسي أو الخضوع لرغبة السياسي ‪،‬‬

‫أو طريق غير مباشر وهذا أيضاً يأخذ أشكاالً عدة منها ‪ :‬المعارضة بإجبار‬

‫السياسي على تمثل رأيه أو تنازل السياسي ليشاركه الغير في إدارة الشأن‬

‫العام ‪ ،‬وحسب تجربة المثقف لم ينجح كثيراً الطريق غير المباشر بل يمكن‬

‫القول أنه – بتطبيقه على تجارب عديدة معاصرة ‪-‬كان تجربة لم تكتمل‪ ،‬وقد‬

‫يراها البعض أنها أقرب " للفشل " منها للنجاح‪ ، H‬ومن هنا قد يكون من الصعوبة‬
‫وجود مثقف ‪ -‬على األقل في منظورنا القريب – يتجاهل أو يتغافل النظر‬

‫للمجتمع والسياسة‪.‬‬

‫مما تقدم ‪ ،‬تبرز عدة أسئلة ‪،‬منها‪  ‬ما مدى صحة ارتباط المثقف‬

‫بالسياسة ؟‪  ‬وكذلك ما مدى صحة دخول المثقف المجتمع من بوابة السياسة ؟‬

‫وهل وضع المثقف أكثر جهوده في السياسة دون المجتمع ؟ بمعنى آخر لماذا‬

‫اتجه المثقف للسياسة ولم يذهب للمجتمع ؟ وهل أصاب المثقف عندما اهتم‬

‫بالسياسة دون المجتمع ؟‬

‫المثقف والسياسي في الفكر الغربي‪:‬‬

‫عرف الفكر الغربي المعاصر تساؤالت جمة طالت العالقة المعقدة التي‬

‫تربط بين الثقافة والقوة‪ ،‬ولن نتمكن من فهم وموضعة التساؤل في سياقه الحقيقي‬

‫دون أن نمر على أهم التطورات المورفولوجية المالمسة للحساسية التفكيرية‬

‫الغربية‪ .‬ذهب الكثير من المفكرين االحتجاجيين‪ H،‬سواء من مدرسة فرانكفورت‬

‫مثل أدورنو وهابر ماس أو من نقاد العقل وتفكيكه من أمثال فوكو وديريدا‬

‫ودولوز إلى تطوير دراساتهم وبحوثهم حول الطابع األداتي الذي يكتنف العقل‬

‫الغربي‪.‬‬
‫ويكاد يجمع هؤالء على أن المفاتيح التحليلية واألدوات اإلجرائية الحصيفة التي‬

‫يمكن من خاللها مقاربة الحداثة الغربية المتسمة بالعقالنية واألنوار والفردانية ال‬

‫تخرج من الداروينية والنيتشوية والميكيافلية‪.‬إذ يمكن اعتبار الحداثة الغربية‬

‫بمثابة ردة فعل سيميترية ضد القرون الوسطى المنعوتة بالظالمية والتخلف‬

‫واالستبداد الديني‪ ،‬ولهذا السبب بدأت ترتسم في األفق قيم جديدة تحوم على‬

‫اإلنسان بعد أن كانت تدور حول الالهوت‪.‬‬

‫ولكن بعد أن جاء نيتشه وبين بأن العالم تحركه إرادة القوة وليست إرادة‬

‫الفضيلة‪ ،‬وتساير ذلك مع التفسير البيولوجي الدارويني الذي بين بأن أساس‬

‫الطبيعة هو الصراع وناموسها هو البقاء‪ H‬لألقوى‪ ،‬وبعد أن أتضح البعد الواقعي‬

‫للنظرية الميكيافلية في المجال السياسي‪..‬‬

‫بدأت تثار أسئلة ليس فقط حول العقل كما ذكرنا سابقا‪ ،‬بل حول القيم‬

‫اإلنسانية الجديدة التي استعاضها جيل األنوار في مكان القيم التيولوجية‬

‫القروسطية‪ ،‬وبعد أن تبلور خطاب استمد وعيا عميقا بالتحوالت واالنحرافات‬

‫الجديدة وصل المجتمع الغربي إلى ما يمكن أن نطلق عليه أزمة القيم‪.‬‬
‫في كنف كل هذا‪ ،‬كيف يمكن لنا أن نحدد تلك العالقة المعقدة بين المثقف‬

‫والقوة؟‬

‫تبين عدة أنماط من المثقفين في عالقتهم بالسلطة؛ وليس المقصود هنا‬

‫بالسلطة األجهزة الحكومية الفوقية فقط بل كل عالقة رمزية قائمة على الهيمنة‬

‫والنفوذ‪ .‬فإن كان المثقف الريعي معروفا بتماهيه مع السلطة فإن هناك المثقف‬

‫من يعد جذريا مناهضا لكل الحيل واألالعيب التي تستخدمها السلطة‬

‫كاستراتيجيات للهيمنة؛ ولعل أحسن مثال يطلق على هذا النمط من المثقفين جون‬

‫بول سارتر والكثير من المثقفين اإللتزاميين‪...‬‬

‫تخلخل نوعا ما هذا النوع من المثقفين بعد أن بين الفيلسوف الفرنسي‬

‫ميشيل فوكو بطريقة مجهرية األالعيب واالستراتيجيات التي تستثمرها السلطة‬

‫للبقاء؛‪ H‬خاصة بعدما بين بطريقة ذكية أن المعارضة الجذرية الراديكالية ال تنفي‬

‫وال تقضي على السلط الجاهزة بقدر ما تعيد إنتاجها من جديد‪.‬‬

‫لهذا بدأت في الفكر الغربي صيحات تنادي بنهاية المثقف الملتزم صاحب‬

‫المشاريع والمدافع عن األفكار والذاكرة‪ .‬فانقسم المثقفون إلى تراجعيين‪:‬أي الذين‬

‫أعطوا للمثقف دورا ثانويا في تحريك العالم والتاريخ‪ ،‬وتفاؤليين‪ :‬أي الذين‬
‫أرادوا أن يحافظوا على الدور الكبير المنوط بالمثقف كمبدع للمفاهيم بشرط أن‬

‫يعي جيدا ويرقص مع السلطة دون أن يسقط في شراكها‪.‬‬

‫من البديهي أن المثقف ‪ -‬في أي مجتمع كان ‪ -‬يمتلك المقومات التي تؤهله‬

‫لقيادة المجتمع‪ ،‬وهذا ما تجلي منذ دعوة أفالطون ألن (يكون الفيلسوف علي‬

‫رأس السلطة السياسية وهي أول دعوة تذكرها كتب التاريخ) (عالم الفكر معن‬

‫زيادة) ص ‪- 2‬ص‪.5‬‬

‫ومن ثم الدعوة (الواقعية ألرسطو) للعمل التكاملي بين المثقف والسلطة‬

‫(نفسه) ذلك ألن المثقف يمتلك رؤى ثاقبة‪ ،‬ولديه مقدرة هائلة تؤهله للقيام‬

‫بالتحليل والتركيب إزاء أي ظاهرة‪ ،‬أو حدث‪ ،‬أو موقف‪ ،‬ولعل رؤاه تتسم علي‬

‫الغالب‪ H‬بقوة البصيرة‪ ،‬ومقاربة الموضوعية)‪ ،‬كذلك أن المثقف الذي يمضي جل‬

‫ساعات يومه وهو ينهل من بطون الكتب ‪ ،‬غير موجودة البتة عند غير المشتغل‬

‫بالثقافة‪ ،‬والجاهل بها‪ ،‬مما يمنحه آفاقاً المتناهية تدفعه لالنحياز إلي‬

‫ثقافته‪،‬ومعارفه ‪ ،‬وسعة مداركه بل وذاته مقارنة مع هذا اآلخر (وهذا ما يجعله‬

‫يتدرج شيئَاً‪ ًَH‬فشيئاً نحو حب الذات‪ H،‬ثم الشعور بالتمايز عن اآلخر‪ ،‬وربما دونيته‬

‫في مواقع وحاالت معينه) وقد يتضخم بالتالي هذا اإلحساس السيما أمام رفض‬
‫اآلخر له‪ ،‬أو االستعالء عليه بـ‪ :‬المظهر ‪ -‬المال ‪ -‬السلطة ‪ -‬الجماهيرية ‪ -‬مما‬

‫يدفعه بالتالي إلي مهاوي النرجسية‪ ،‬كرد ٍ‬


‫فعل علي هذا اإلهمال والتهميش‬

‫المسوغ‪.‬إن دراسة متأنية لسايكلوجيا اإلنسان المثقف ستؤكد ال‬


‫ّ‬ ‫واالستعالء غير‬

‫ريب أن اختالف هذا الكائن البشري عن سواه‪ ،‬إنما هو نتيجة لعوامل كثيرة‪،‬‬

‫لسنا هنا بصدد شرحها‪ ،‬ولكن‪ ،‬قد يدخل من ضمنها‪:‬‬

‫‪ - 1‬عامل التربية والنشأة‪.‬‬

‫‪ - 2‬إن عالقة الكاتب‪ H‬مع أدواته الكتابية تؤثر علي نحو واضح علي‬

‫سلوكيته حيث أن إدمان القراءة‪ H،‬أو الكتابة‪ ،‬ومتطلباتها عادة من عزلة‪ ،‬وطقوس‬

‫خاصة تؤثر علي نحو الفت علي عالقته مع المحيط وبل علي ذاته قبل كل‬

‫شيء فهو ينفر من طقوس اآلخرين راغب عنها‪ ،‬يستتفه مشاغلهم‪ ،‬وأساليب‬

‫وأنماط حياتهم‪ ،‬وتضييعهم ألوقاتهم‪ ،‬ومن هنا فهو يولد عالمه الخاص‪ ،‬عالمه‬

‫األثير وكيف ال‪ ،‬مادامت اهتماماته جد مختلفة تماماً عن اهتماماتهم ولعل هذا‬

‫التمايز كثيراً ما يجعل من الكاتب‪ ،‬ضحية عالمه‪ ،‬ضحية اهتماماته‪ ،‬ضحية ذاته‪،‬‬

‫فهو سريع الغضب‪ ،‬سريع الرضا‪ H،‬األمر الذي يجعله منكفئاً علي الذات معتكفاً‬

‫منزوياً‪.‬‬
‫‪ ‬فإضافة إلي ما سبق ذكره عن االنسالخ الطبقي‪ ،‬فإن هذا األنموذج‬

‫النيتشوي ليس شرطاً أن يكون عاما‪ً ،‬ينضوي في صفة هؤالء الذين يكتوون‬

‫بأكثر من نار‪ :‬نار األنظمة‪ ،‬الحاكمة ونار الوضع الطبقي ‪ ‬ونار قيادات أحزابهم‬

‫أيضاً‪ H،‬هذه القيادات‪ H‬التي تقع في تناقض صارخ أثناء تعاملها مع المثقف‪:‬‬

‫إنها تبدي خير تفهم لمقولة لينين في ضرورة استيعاب المثقف فتسرع إلي‬

‫احتوائه‪ ،‬واعتباره في الغالب لسان حالها‪ H،‬ومثقف المؤسسة‪ ،‬بل وأحد رموزها‬

‫الذين تتباهي بهم في السراء والضراء‪ H،‬وكثيرا ما تدفع به ‪ -‬تحت هذه الحمية ‪-‬‬

‫إلي المقدمة‪ ،‬وهذا ما هو واضح مرهون بتبعية قلم المثقف للمؤسسة‪ ،‬وفي‬

‫حاالت كثيرة للقلة المتنفذة في قيادة هذه المؤسسة‪.‬‬

‫بيد أنها سرعان ما تتراجع عن هذا الفهم وذلك إزاء تفاعل أبناء المؤسسة‬

‫بل والجماهير الشعبية مع خطاب هذا المثقف‪ ،‬وتشكيله بالتالي خطراً علي‬

‫القبضة القيادية المستبدة‪ ،‬التي تري في تألق أي اسم آخر ضمن المؤسسة‬

‫الحزبية خطرا كبيرا علي حضورها‪ ،‬ال سيما إذا كانت مجترة لماضيها الثقافي‬

‫بل عاجزة عن مواجهة الطروحات التي يطرحها المثقف ضمن مؤسسته‪ ،‬ناهيك‬

‫عن قضية خطيرة برأي هذا المؤسسة هي أنها سرعان ما تفقد صوابها فيما لو‬
‫انقلب المثقف علي ما تراه ركائز لها حتى وان كان ذلك إعادة تقويم شخصيات‬

‫ما ضمن هيكلها‪ ،‬بعد انجالء غشاوة ما عن عينيه‪ ،‬أو حتي اتخاذ مواقف‬

‫مناقضة‪ ،‬نتيجة تغير آرائه‪.‬‬

‫اإلرهاصات األولى للحديث عن المثقف العربي من خالل عالقته بالسلطة‪:‬‬

‫التنوير لم يكن عصرا وال حقبة‪ ،‬وإ نما شكل "خروجا" أو "منفذا" أو مقولة‬

‫في االختالف‪ .‬وأن دور المثقف يكمن في توكيده االختالف‪ .‬وعليه يمكننا القول‬

‫بأن وجود المثقف العربي التنويري المتفرد لم يقتصر على حقبة زمنية بعينها‬

‫وإ نما وجد في الحقب الزمنية المختلفة‪ H:‬حقبة ما قبل اإلسالم‪ ،‬والحقبة اإلسالمية‪،‬‬

‫والحقبة التنويرية الذهبية‪ ،‬وحقبة الحداثة‪ ،‬وحقبة ما‪-‬بعد الحداثة‪ ،‬وسنتناول‬

‫نموذجا لمثقف عربي على كل حقبة من تلك الحقب‪ ،‬لنثبت بذلك بأن مشروع‬

‫التنوير العربي وجد بأكثر من حقبة زمنية ولم يقتصر على حقبه بعينها حيث‬

‫وجد أينما تشكل الخروج والتفرد واالختالف‪ ،‬فاالختالف طريق الحرية‪،‬‬

‫والحرية تتكون من ثالثة أجزاء وهي خلق حركة‪ ،‬وتحكم باتجاه الحركة‪،‬‬

‫والمحافظة على نفس المثقف سليما معافى حتى بلوغ الغاية‪ ،‬والمثقف العربي إن‬

‫لم يكن قد حافظ على الجزء الثالث‪ H‬من الحرية في بعض األحيان‪ ،‬إال أنه بتفرده‬
‫وخروجه واختالفه أستطاع أن يؤسس في أكثر من مرحلة مشروع تنوير عربي‬

‫تعاقد "عقل حر" مع "استبداد مستنير" وهو ما سنبينه من خالل األمثلة التي‬
‫ُ‬ ‫قوامه‬

‫سنوردها فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬حقبة ما قبل اإلسالم المثقف "شاعرا صعلوكا"‪:‬‬

‫عنترة العبسي‪ ،‬واسمه عنترة بن عمرو بن شداد بن قراد العبسي وشداد‬

‫جده غلب على اسم أبيه‪ ،‬يمثل نموذجا للمثقف "الشاعر الصعلوك" في الحقبة ما‬

‫قبل اإلسالم‪ .‬وقد تصعلك خارجا‪ H‬على عادات القبيلة التي عيرته بلونه األسود‬

‫ولم تعترف بنسبه‪ ،‬وممزقا ألعراف القبيلة وقواعدها‪ ،‬وذلك أنه كان ابن أمة‬

‫سوداء يقال لها زبيبة وكانت العرب في الجاهلية إذا كان للرجل منهم ولد من‬

‫محتَقراً في عين والده وأعمامه‪،‬‬


‫أمة أستعبده‪ ،‬فنشأ في نجد عبداً يرعى اإلبل ُ‬

‫لكنه أنه أبى إال أن يكون الشاعر نفسه وال شيء سواه فتنبع شجاعته من داخله‬

‫ال من خارجه ولونه األسود الذي تحتقره القبيلة‪ ،‬فكان شديداً بطاشاً شجاعاً‪ ,‬كريم‬

‫يكنى بأبي المغلس لسيره إلى الغارات‪ H‬في الغلس وهو‬


‫النفس كثير الوفاء‪ ،‬وكان ّ‬

‫ظلمة الليل‪ ،‬ويلقب بعنترة الفلحاء‪H.‬‬


‫استطاع بشجاعته أن يحقق حريته التي طالما حلم بها‪ ،‬حينما أغار بعض‬

‫العبد ال يحسن‬
‫العرب على عبس وأستاقوا إبلهم فقال له أبوه‪ُ :‬ك ّر يا عنترة فقال‪ُ :‬‬

‫والصر‪ ,‬فقال له أبوه‪ُ :‬ك ّر وأنت ُحر‪ ,‬فهب عنترة‬ ‫ال َكر ّإنما يحسن ِ‬
‫الحالب‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬

‫كاإلعصار يدفعه حب الحرية إلى فعل المستحيل‪ .‬فهزم األعداء ورد اإلبل‬

‫فادعاه أبوه وألحقه بنسبه‪ .‬وبذلك نال حريته‪ ،‬وشارك عنترة في حروب داحس‬
‫ّ‬

‫والغبراء‪ ،‬حتى كان األبطال يخشون نزاله‪ .‬وأصبحت شجاعته أسطورة يرددها‬

‫العرب إلى يومنا هذا‪ .‬أحب عنترة عبلة بنت عمه مالك بن قراد العبسي‪ ،‬وكان‬

‫عمه قد وعده بها ولكنه لم يف بوعده‪ ،‬وإ نما كان يتنقل بها في قبائل العرب‬

‫ليبعدها عنه‪ .‬لقد تفرد عنترة بحبه لعبلة وكان هذا التفرد من خالل قصائده‬

‫ومعلقاته التي لم تكد تخلو من ذكر محبوبته عبلة‪ ،‬وهي سبب تلك المرارة‬

‫واللوعة اللتين ربما لم تكونا في شعره لوال حرمانه إياها‪ ،‬وأصبح الحبيب‬

‫الصادق في حبه‪ ،‬وبذلك خلد أسطورة الحب‪ H‬الصادقة إلى يومنا هذا‪.‬‬

‫إذا كان الشنفرى الشاعر الصعلوك الخارج‪ H‬عن قومه والرافض لهم‬

‫والباحث‪ H‬عن قوم آخرين غير قومه متفردا بهذا الرفض لقومه‪ ،‬فإن عنترة كان‬

‫الشاعر الصعلوك الذين رفضه قومه إال أنه أجبرهم على تقبلهم له وتفرد بكسر‬
‫عادات قومه وبهذا اإلجبار على قبوله‪ .‬وقد مثّل عنترة (المثقف) مع القبيلة‬

‫(السلطة) مشروعا ناجحا‪ H،‬فرغم كونه ينتمي إلى طبقة العبيد إال أنه تفرد عن‬

‫تلك الطبقة بأن حارب سلطة قبيلته من أجل الحصول على الحرية التي حلم بها‬

‫دوما وحارب من أجل تحقيقها‪ ،‬فاستطاع أن يكسر حاجزا تقليديا سائدا بالقبيلة‬

‫بأن أجبر والده على إلحاقه بنسبه رغم أنه ابنا ألمة‪ ،‬لم تكن تسمح عادات القبيلة‬

‫(الظالمة) يوما بإلحاق أبناء األمات باألشراف‪ ،‬وهو ما يعبر عن الصراع‬

‫الطبقي الذي ثار عليه عنترة وتفرد خالله عن غيره بما قام به‪ ،‬هذا الصراع‬

‫الطبقي هو ذاته العامل االجتماعي وهو أحد العوامل الثالثة التي أشار إليها‬

‫يوسف خليف في تفسيره لظاهرة الصعلكة في العصر قبل الجاهلي‪ ،‬فتفسير‬

‫ظاهرة الصعلكة كانت بسبب ثالثة عوامل العامل البيئي والعامل االقتصادي‬

‫والعامل االجتماعي‪.‬‬

‫‪ -2‬الحقبة اإلسالمية ‪:‬‬

‫الحسين بن علي هو نموذج للمثقف التراجيدي االنتحاري في الحقبة‬

‫اإلسالمية الذي يموت من أجل الفكرة من أجل المواجهة‪ .‬كان يحمل السلم‬

‫بالعرض ولم يحافظ على الحرية بجزئها األخير‪ .‬المثقفون من وجهة نظر‬
‫جوليان بندا عصبة صغيرة من الملوك الفالسفة يجب "أن يتحلوا بالموهبة‬

‫االستثنائية وبالحس األخالقي الفذ‪ ،‬وان يشكلوا ضمير البشرية" ‪ ،‬وفي كتابه‬

‫(خيانة المثقفين) تعرض إلى المثقف التراجيدي االنتحاري الذي لم يستطع أن‬

‫يحافظ على نفسه‪ ،‬فخيانة المثقفين بالنسبة إليه ليس تزويرهم لمواقفهم وإ نما عدم‬

‫محافظتهم على أنفسهم وبذلك تتم خسارتهم‪.‬‬

‫الحسين تربى في بيت النبوة وشهد سنة ‪35‬هـ مبايعة والده علي بن أبي‬

‫طالب بالخالفة ثم خروجه معه إلى الكوفة‪ ،‬وشهد معه موقعة الجمل وصفين‪.‬‬

‫وكانت الحركات الثورية التي أخذت تنشأ منذ السنة األربعين للهجرة‪ ،‬السنة التي‬

‫قتل فيها علي(رضي اهلل عنه)‪ ،‬أرضا خصبة لنشوء كثير من عناصر التحول‪،‬‬

‫وبدأت هذه الحركات‪ H‬في شكل معارضة للحكم األموي‪ .‬وبعد استشهاد والده أقام‬

‫بالكوفة عند أخيه الحسن ورغم أنه لم يعجبه تنازل أخيه الحسن عن الخالفة‬

‫لمعاوية بن أبي سفيان وكان رأيه بالقتال‪ ،‬إال أنه أطاع أخاه وبايع معاوية‪،‬‬

‫ورجع معه إلى المدينة وأقام معه إلى أن مات معاوية سنة ‪60‬هـ‪ .‬لما تولى يزيد‬

‫بن معاوية الخالفة‪ ،‬بعث إليه الوليد بن عتبة ليأخذ البيعة‪ ،‬فامتنع الحسين عن‬

‫البيعة وخرج إلى مكة وأقام فيها‪ .‬وقد تمثلت معارضة الحسين في ثالثة مبادئ‬
‫األول يقوم على أن أهل البيت أولى بالخالفة‪ ،‬والثاني يقوم على أن أصحاب‪H‬‬

‫الخالفة من آل أمية يدعون ما ليس لهم ويسيرون في الناس بالجور والعدوان‪.‬‬

‫والثالث أن من لم يغير الجور بالقول والفعل يكون هو نفسه بمنزلة الجائر‪ H.‬ثم‬

‫أتته كتب أهل الكوفة في العراق تبايعه على الخالفة وتدعوه إلى الخروج إليهم‪.‬‬

‫كانت معركة كربالء غير متكافئة‪ ،‬فقد كان جيش األمويين يزيد بـ (‪)30‬‬

‫ألف عن أنصار الحسين بن علي‪ ،‬لذا فهي مذبحة في وضح النهار‪ .‬إال أنه ثار‬

‫من أجل إصالح الوضع واإلطاحة بحكم يزيد‪ ،‬وبموته نستطيع القول إن اإلسالم‬

‫تجزأ إلى سنة وشيعة ‪.‬‬


‫ّ‬

‫رغم أن الحسين بن علي لم يحافظ على الحرية بجزئها الثالث أي لم يحافظ‬

‫التفرد بعد موته‪ ،‬كونه‬


‫على حياته‪ ،‬إال أنه كان المثقف الذي استطاع أن يحقق ّ‬

‫أستطاع أن يلحق به أتباعا مخلصين له إلى يومنا هذا‪ ،‬حيث أن اإلسالم لم يتجزأ‬

‫إلى سنة وشيعة إال بعد موته‪ ،‬فالمذهب الشيعي قائم على أفكاره‪ ،‬حيث يرى به‬

‫أتباعه مثال المثقف المخلص لفكرته التي ضحى بروحه من أجلها ولم يتنازل‬

‫عنها‪ ،‬وبذلك فهو كان المثقف الذي تحدى السلطة المتمثلة في يزيد والدولة‬
‫األموية وثار عليها فلم تتقبل هذه السلطة هذه الثورة ضدها فما كان منها إال أن‬

‫قتلته‪.‬‬

‫‪ -3‬الحقبة التنويرية الذهبية المثقف قديسا "صوفيا"‪:‬‬

‫تجاوز المثقف الصوفي كل المرجعيات (النص القرآني) فالصوفيون يرون‬

‫ما وراء السياج موصول بالذات اآللهية‪ ،‬وتنطلق التجربة الصوفية من أن‬

‫الوجود باطن وظاهر وأن الوجود الحقيقي هو الباطن‪ ،‬واستلزمت فهم القرآن‬

‫فهما جديدا يغاير الفهم التقليدي‪ ،‬ورافقها اتهام التجربة الصوفية بأنها خروج‬

‫على الشريعة‪ ،‬والواقع بأن التجربة الصوفية لم تعتمد‪ ،‬في الوصول إلى الحقيقة‪،‬‬

‫المنطق أو العقل‪ H،‬ولم تعتمد كذلك‪ ،‬الشريعة‪ ،‬وإ نما اعتمدت ما اصطلحت على‬

‫تسميته بالذوق‪ .‬وليس في الذوق حدود‪ ،‬وهو يتجاوز األمر والنهي‪ ،‬ألنه هو‬

‫البداية المستمرة التي تمحو كل أمر أو نهي‪ .‬وحين يكون بين الحقيقة والشريعة‪،‬‬

‫أو ينشأ بينهما تناقض‪ ،‬فإن الشريعة هي التي يجب أن تؤول بمقتضى الحقيقة ‪.‬‬

‫وغاية التجربة الصوفية معرفة اهلل‪ ،‬ومعنى هذه التجربة هو أن يصبح‬

‫الصوفي هو اهلل‪ ،‬أو يصبح األنا هو األنت‪ .‬وبذلك نقلت الصوفية تجربة الوجد‬

‫والمعرفة من إطار العقل والنقل إلى إطار القلب‪ H.‬والصوفية تمثل حركة فدائية‬
‫حيث أن لدى الصوفي جاهزية عالية من أجل الموت في سبيل قضيته وفكرته‪،‬‬

‫فالصوفي يعد نفسه للذبح‪ ،‬حيث يعتبر نفسه حمال جديدا هلل كما كان المسيح‬

‫وإ سماعيل واسحق عليهم السالم يعتبرون أنفسهم حمالنا هلل‪.‬‬

‫‪ ‬وقد مرت الحركة الصوفية بما يعرف بقرن المحنة‪ ،‬فمثّل الحالج صاحب‪H‬‬

‫قولته المشهورة "أنا الحق"حالة مميزة في هذا القرن ولم تستطع روحه المتمردة‬

‫الثائرة الصمت بعد أن أهلَّ ْ‬


‫ت عليها إشراقات المأل األعلى‪ .‬واعتمدت رؤية‬

‫الحالج‪ H‬الصوفية مبدأ الحلول واالتحاد وهو مبدأ أخذه الحالج من المؤثرات‬

‫الهندية التي تلقاها‪ H‬أثناء حياته‪ ،‬وبحسب هذا المبدأ فإن "اإلنسان يفقد غيريته‪،‬‬

‫وفي نهاية مطاف المجاهدة الصوفية ليفنى في اإلله ويصبح متحدا فيه" ‪.‬‬

‫وتميز الحالج بمشروعه التنويري بمأساته التي كانت األعلى في محن‬

‫المتصوفة الذين خرجوا على السلطة بأشكالها المختلفة‪ .‬وتقدم كتب التراث‬

‫صورا تفصيلية الشتهار أمر الحالج ومقتله في خالفة المقتدر باهلل‪ ،‬بعد ما نسب‬

‫إليه من ادعاء الربوبة أو النبوة‪ .‬لقد ظهر الحالج في فترة قلقة للنظام العباسي‬

‫الذي كان يتعرض لثورة القرامطة ويمعن في الجور فازداد ثورة على السائد‬

‫ودعوة للحب اإللهي الذي يصل بالمرء إلى التوحيد الحق‪ ،‬فكثر أتباعه‪ ،‬فخشي‬
‫أهل السلطة دعوته لهذا تمت مالحقته وسجنه وقتله مصلوبا‪ ،‬وهذا القتل صار‬

‫رمزا للعذاب الذي يلقاه الثائر في سبيل مبادئه ‪.‬‬

‫اتصل الحالج بحركة الزنج والقرامطة وكلتاهما تحارب الدولة العباسية وما‬

‫تمثله من ظلم وعدوان‪ ،‬فسلوك الحالج ومنهجه الفكري وروحه الثورية ودعوته‬

‫إلى اإلصالح السياسي واالجتماعي كان مشابها لنهج القرامطة وروحهم الثورية‬

‫واندفاعهم إلى تغيير النظم االجتماعية والسياسية‪ . .‬الحالج تحرك إلقامة دولة‬

‫الحق وكان يغامر في إقامة الدولة المشاعية التي أقامها أصحابه القرامطة في‬

‫شرقي العربيا وسواد الكوفة وكان يريدها كبيرة تشمل ديار اإلسالم ‪.‬لقد أحيا‬

‫الحالج‪ H‬في قلوب كثير بفضل حميته المليئة بالمفارقات الرغبة باإلصالح‬

‫األخالقي الشامل للجماعة اإلسالمية في شخص رئيسها وأشخاص أرادها على‬

‫السواء ‪.‬‬

‫قضية الحالج‪ H‬ليست قضية فكر وتصوف معرفي بل هي حدث سياسي‪-‬‬

‫اجتماعي لكنه قتل بسيف الشريعة‪ .‬لما وقع دمه على األرض كتب بدمه اهلل‬

‫إشارة إلى توحيده‪ ،‬في حين أنه لم يكتب بدم الحسين بن علي ذلك ألن الحسين‬
‫بن علي لم يحتج إلى تبرئة مثل الحالج‪ ،‬كونه الحفيد المباشر للنبي وكون‬

‫األمويين هم المتهمين بمعاداة اإلسالم ‪.‬‬

‫بعد صلب الحالج ُختِ َم قَ َد ُره‪ ،‬وأصبح شاهد التاريخ على معاناة األحرار‬

‫وكيد االستبداد‪ ،‬وكان نموذج المثقف القديس االنتحاري الذي تحدث عنه جوليان‬

‫بندا‪ .‬ورغم عدم محافظته على الحرية بجزئها الثالث‪ ،‬إال أنه شكل مشروعا‬

‫تنويريا ناجحا في تعاقد المثقف مع السلطة‪ ،‬فرغم أن سلطة الخليفة المقتدر قامت‬

‫بصلبه إال أن الحالج كان متفردا بمحنته التي فاقت غيرها من محن المتصوفين‪،‬‬

‫وتفرد بثباته على مبدئه واستطاع أن يثبت عند كثير من المسلمين المتفاوتين في‬

‫النزعة الصوفية أنه ال بد من التألم من أجل الخالص‪ ،‬وأن الصليب فداء‬

‫وقداسة‪ .‬حيث كانت منحى حياة الحالج كله ومناظر محاكمته كلها تجعل منه‬

‫يشبه المسيح ظاهريا ‪.‬‬

‫رغم أن طوق النجاة بدا أمامه في وجه واحد‪ ،‬وهو أن يرجع عن موقفه‬

‫الفكري‪ ،‬وأن يبصم على اختيار السلطان‪ ،‬إال أنه اختار طوق نجاة آخر‪ ،‬يعتصم‬

‫فيه بصدقه مع نفسه ويرحل به إلى مجد الخلود‪.‬‬

‫‪ -4‬حقبة الحداثة‪:‬‬
‫سيد قطب هو نموذج المثقف اإلسالمي األصولي الذي يفسر ثقافته بناء‬

‫على نص ديني‪ ،‬انتسب سيد قطب في بداية حياته لحزب الوفد‪ ،‬وهو حزب‬

‫علماني وكان في بداية حياته مجرد أديب ومهووسا بشخصية العقاد وأفكاره‪،‬‬

‫وكان قطب يدعو في كثير من أفكاره للحداثة‪ ،‬إال أن سيد قطب بعد العام ‪1964‬‬

‫كتب في مجلة المجتمع دعا فيها إلى تأسيس حزب إسالمي يبدأ من عند ما انتهى‬

‫اآلخرون من السابقين‪ ،‬ودعا لنبذ األفكار الغربية جميعها وكان هذا إعالن‬

‫ضمني من سيد قطب بالبراءة من أفكاره السابقة‪ ،‬وكانت تلك الفترة مرحلة‬

‫تحول في حياة سيد قطب من كاتب مؤيد للحداثة وداعي لها إلى كاتب أصولي‬

‫ملتزم بالنص الديني‪.‬‬

‫بدأت محنته باعتقاله ‪ -‬بعد حادث المنشية في عام ‪( 1954‬اتهم بمحاولة‬

‫اغتيال الرئيس المصري جمال عبد الناصر)‪- H‬وحكم عليه بالسجن ‪ 15‬سنة ذاق‬

‫ألوانا من التعذيب والتنكيل الشديدين‪ ،‬ومع ذلك أخرج كتبا منها "هذا‬
‫خاللها ً‬

‫الدين" و"المستقبل لهذا الدين"‪ ،‬كما أكمل تفسيره "في ظالل القرآن" الذي أصبح‬

‫تدرسه حركة األخوان المسلمين لتالميذها المستجدين في‬


‫بعد موته منهجا ّ‬

‫موسوعيا يكتب في مجاالت عديدة إال أن‬


‫ً‬ ‫الحلقات الدينية‪ .‬وكان سيد قطب‬
‫الجانب‪ H‬االجتماعي استأثر بنصيب األسد من جملة كتاباته‪ ،‬وشغلته المسألة‬

‫إسالميا تفرضه المسئولية اإلسالمية‬


‫ً‬ ‫واجبا‬
‫ً‬ ‫االجتماعية حتى أصبحت في نظره‬

‫واإلنسانية‪ ،‬وهذا يفسر قلة إنتاجه في القصة التي لم يكثر فيها بسبب انشغاله‬

‫بالدراسات النقدية ومن بعدها بالدراسات والبحوث اإلسالمية‪ .‬وقد كتب سيد‬

‫قطب عن المجتمع الجاهلي والمجتمع اإلسالمي‪ ،‬حيث تكاد تكون معظم اآلراء‬

‫الواردة في كتاب سيد قطب "معالم في الطريق" ترتد إلى محورين اثنين أو إلى‬

‫زوج مفهومي‪ ،‬عنهما تكونت كل األفكار التي يضمها الكتاب‪ :‬اإلسالم‪ /‬الجاهلية‬

‫(أو المجتمع اإلسالمي‪ /‬المجتمع الجاهلي)‪ H.‬والجاهلية‪ ،‬عند سيد قطب هي سمة‬

‫العصر الذي نعيش فيه اليوم وحيث يكون األمر على هذا النحو‪ ،‬فإن الدعوة‬

‫اإلسالمية ال تعني شيئاً آخر سوى إعالن القطيعة واالنفصال مع (مجتمع‬

‫الجاهلية)‪ H،‬تمهيداً إللغائه إلغاء فعلياً عن طريق إزالته‪ ،‬متى أمكن استجماع‬

‫األسباب الكافية لذلك‪ .‬وألجل ذلك ال بد من صالبة في الموقف ومن صرامة في‬

‫معاداة هذا المجتمع ‪.‬‬


‫أفرج عن قطب بعفو صحي في مايو ‪ 1964‬وأوشكت المحنة على االنتهاء‬

‫إال أنه قبض عليه مرة أخرى بتاريخ ‪ ،9/8/1965‬وحكم عليه وعلى ‪ 7‬آخرين‬

‫باإلعدام‪ ،‬ونفذ فيه الحكم في فجر االثنين ‪. 29/8/1966‬‬

‫ويعتبر سيد قطب مشروعا تنويريا ناجحا‪ H،‬رغم أنه مثل نموذج المثقف‬

‫األصولي الملتزم بالنص الديني حيث بقي ملتزما حتى آخر أيامه بأفكاره كونه‬

‫مثقفا أصوليا ملتزما بالنص الديني‪ ،‬بعد أن تخلى عن جميع أفكاره السابقة التي‬

‫كانت أكثر انفتاحا‪ H‬وتحرراً داعيا لنبذها‪ ،‬كما أنه تفرد ألنه يعتبر مؤسس الفكر‬

‫الثوري اإلسالمي‪ ،‬في السابق كانت األفكار الجديدة في اإلسالم ينبثق عنها‬

‫مذاهب جديدة بمسميات مختلفة‪ ،‬أما في العصر الحديث أصبحت‪ H‬األفكار الجديدة‬

‫ينبثق عنها حزبا إسالميا سياسيا يرادف المذهبية‪ ،‬ومثال ذلك الحركة السلفية‬

‫حين دخلت لها أفكار أكثر راديكالية في تفسير النص الديني تحولت من الحركة‬

‫السلفية إلى جماعة السلفية الجهادية التي ينبثق عنها اليوم أنصار القاعدة أو‬

‫تنظيم القاعدة ككل‪ .‬كما أنه تفرد ألنه صمد على موقفه بقوله الحق ضد السلطة‬

‫ومات في سبيل األفكار التي دعا إليها‪ .‬وترك كتبه العلمية التي اعتبرت إرثا من‬
‫تدرس وتعتبر منهجا ألكبر الحركات اإلسالمية‬
‫بعده ال زالت بعض كتبه ّ‬

‫السياسية على اإلطالق وهي حركة اإلخوان المسلمين‪.‬‬

‫‪ -5‬حقبة ما بعد الحداثة (المثقف المنفي)‪:‬‬

‫البروفيسور جوزيف مسعد أستاذ الفكر العربي في قسم دراسات الثقافات‪H‬‬

‫واللغات الشرق أوسطية واآلسيوية في جامعة كولومبيا األمريكية يمثل نوع‬

‫المثقف المنفي باعتباره الجئا فلسطينيا كان نفيه إجباريا‪ H،‬وكذلك يمثل المثقف‬

‫النقدي الذي واجه السلطة بقول الحق في وجه السلطة وفي استعداده لتحمل‬

‫عواقب هذا الموقف بالحقيقة المرة‪ ،‬كما يقول إدوارد سعيد في كتابه (صور‬

‫المثقف)‪ H،‬لم يكف مسعد عن ممارسة دوره وال يكتفي بمزاولة مهنته األكاديمية‬

‫كباحث وأستاذ محاضر‪ ،‬بل يوظف معارفه في إبداء الرأي في الشأن العام‬

‫واتخاذ المواقف السياسية الجريئة والمكلفة‪ .‬فتميز بتصريحاته ومواقفه السياسية‬

‫التي تثير حنقا كبيرا عليه فالحنق الذي يثيره جوزيف مسعد كأكاديمي عميق‬

‫الذكاء وغزير اإلنتاج في األوساط الصهيونية مفهوم‪ ،‬ليس فقط ألنه من مدرسة‬

‫يدرس بها بل أيضاً لجرأته وعدم مساومته‪،‬‬


‫إدوارد سعيد ومن نفس الجامعة التي ّ‬

‫وأيضاً لطرحه مفهوماً جديداً في النظرة إلى يهود العالم والتفريق بينهم وبين‬
‫إسرائيل‪ ،‬األمر الذي أثار عليه غضباً لم يتوقف وشنت ضده حملة صهيونية‬

‫منظمة‪ ،‬فبالنسبة إلى مسعد تمثل الصهيونية أسوأ حاالت الالسامية المضادة‬

‫لليهود كبشر وجنس‪.‬‬

‫وانتقاده لوحشية إسرائيل وعنصريتها ال يخضع رأيه العلمي الحر‬

‫للحسابات‪ H‬والضغوطات المفروضة من خارج الحرم األكاديمي التي يعرفها‬

‫وعبر عنها في مقابلة على تلفزيون الجزيرة بقوله‪" :‬أي رأي معارض إلسرائيل‬

‫قمع تماما أي أستاذ يتكلم بآراء معارضة إلسرائيل أو حتى معارضة‬


‫يجب أن ُي َ‬

‫طرد من‬
‫وي َ‬
‫غير ُ‬
‫لسياسات الواليات المتحدة يجب أن يوقف عن عمله يجب أن ُي َ‬

‫الجامعة"‪ .‬فاللوبي الصهيوني ينفق ماليين الدوالرات على تشويه واصطياد كل‬

‫شاردة وواردة لها عالقة بدراسات الشرق األوسط في تلك الجامعات‪ H،‬ويريد من‬

‫مراكز البحث والدراسات األكاديمية المختصة في المنطقة أن تتبنى وجهة النظر‬

‫اإلسرائيلية الليكودية‪ ،‬وإ ال فإن مصيرها التكميم أو اإلغالق‪.‬‬

‫رغم أن موقف المثقف الناقد للسلطة ليس جديدا إال أن مسعد تميز بدعواته‬

‫الجريئة وطرحه الجديد ضد السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية حيث‬

‫يرى أن منظمة التحرير الفلسطينية قد حولت نفسها إلى سلطة فلسطينية وتوقفت‬
‫عن تمثيل فلسطيني الشتات‪ ،‬حدث هذا في مدريد وأوسلو‪ ،‬ومن هنا يدعو مسعد‬

‫فلسطينيي الشتات إلى إجراء انتخابات‪ H‬حرة في الشتات من أجل انتخاب قيادة‬

‫جديدة ذات صفة تمثيلية قادرة على التفاوض مع إسرائيل والمجتمع الدولي نيابة‬

‫عن فلسطينيي الشتات‪ .‬كما يدعو مسعد فلسطينيي الشتات من التحرر من القيادة‬

‫التي نصبت على فلسطينيي الضفة وغزة‪ ،‬وأن يتملصوا من "عملية سالم" ال‬

‫تخاطب إال السكان األصليين من فلسطينيي الضفة وغزة‪ .‬فليس أمام الالجئين‬

‫وفلسطينيي الشتات ما يربحونه من مثل تلك القيادة وهذه العملية‪ ،‬بل كل ما‬

‫سيجنونه هو الخسارة المطلقة ‪.‬‬

‫لقد مثل جوزيف مسعد مشروعا تنويرا ناجحا‪ H‬في تعاقده مع السلطة فوقف‬

‫موقف الناقد من السلطة الوطنية الفلسطينية‪ ،‬وكذلك موقفا ناقدا لسلطة االحتالل‬

‫اإلسرائيلية‪ ،‬ورغم الهجمة التي تشن ضده من الجماعات الصهيونية‪ ،‬وما‬

‫يمارس ضده من تهديدات بالطرد من الجامعة التي يعمل بها‪ ،‬إال أنه ثبت على‬

‫موقفه ولم يتراجع عنه‪ .‬ولم يمنعه تواجده في الواليات المتحدة المعروفة‬

‫بتعاطفها مع الحكومة اإلسرائيلية والشعب اإلسرائيلي بأن يقول مقولة المثقف‬


‫وقولة الحق في وجه السلطة‪ ،‬مستعدا بتحمل مخاطر ما يمكن أن تنتج عنه‬

‫مقولته‪.‬‬

‫المثقف والمجتمع حاجات متبادلة‪:‬‬

‫تتسم العالقة بين المثقف والمجتمع بأنها من النوع الجدلي بمعنى أن كالً‬

‫منهما يؤثر في اآلخر‪ ،‬فليست العالقة بين المجتمع والمثقف عالقة عامل مستقل‬

‫وعامل تابع كما هي في علم الرياضيات‪ ،‬ولتوضيح ذلك ‪ ،‬باعتبار أن المثقف‬

‫نتاج مجتمعه ألنه فرد في مجتمع ‪ ،‬فالمثقف يتأثر بما يحمل المجتمع من قيم‬

‫سلبية أو إيجابية ويما ويوجد فيه من تعقيدات ‪ ،‬المثقف وليد تأثيرات المجتمع ‪،‬‬

‫فال يمكن للمثقف العيش أو التفكير مع افتراض انعدام تأثير األوضاع االجتماعية‬

‫واالقتصادية والسياسية في مجتمعه عليه ‪ ،‬فمن الصعوبة تصور نشوء مثقف من‬

‫فراغ بل هو نتاج ظروف معينة تمر وتؤثر عليه بقوة ‪ ،‬فالمثقف مشدود للواقع‬

‫الذي يحيط به ‪ ،‬إال إذا أراد المثقف االنعزال بوعي منه لذلك أو من دون وعي‬

‫بذلك ‪ ،‬ومن هنا تتكون مواقف وأفكار ورؤى المثقف ‪ ،‬فمثالً مطالبة عدد من‬

‫المثقفين العرب بالديمقراطية كان نتيجة لوجود حاالت القمع واالستبداد تمارس‬

‫في المجتمع من قبل أفراد أو جهات ضد غيرهم ‪ ،‬أو مطالبة بعض المثقفين‬
‫العرب بالعدالة االجتماعية كان نتيجة وجود تفاوت طبقي كبير في المجتمع‬

‫وهناك من يستفيد أو يتسلط على أموال وأحوال المجتمع ويهيمن عليها دون ترك‬

‫المجال‪ H‬لغيره العيش بكرامة‪.‬‬

‫ليس بالضرورة أن يكون تأثير المجتمع على المثقف بتحديد اتجاهات‪H‬‬

‫المثقف التي يلزم على المثقف سلوكها ‪ ،‬فقد يمارس المجتمع على المثقف دوراً‬

‫سلبياً بممارسة الرقابة السلبية عليه‪ ،‬التي قد تكون أحياناً أقسى من رقابة السياسة‬

‫‪ ،‬ومن هنا قد تبدأ مشاكل المثقف مع المجتمع ومن ثم يتواجه معه ‪ ،‬وتأخذ هذه‬

‫عدة مسارات منها ‪:‬‬

‫‪  .1‬أن " ينسلخ " المثقف عن مجتمعه‪ ،‬ولكن هل بمقدور المثقف االنسالخ‬

‫فعالً عن المجتمع ؟! وبالتالي ال يرى في المجتمع إال كل شر ‪ ،‬صحيح أن‬

‫الموقف الجذري قد يكون فيه بعض الحق في نظرته للقضايا‪ ، H‬ولكنه قد يكون‬

‫أحياناً متطرفاً في وجهة نظره وال يقبل إال بوجهة النظر الحدية ‪ ،‬واإلشكالية‬

‫التي تواجه أصحاب النظرات الحدية عدم قدرتهم على القيام بأي دور أو تأثير ‪،‬‬

‫وعدم قبولهم للمختلفين في أوقات كثيرة ‪ ،‬ودائمي التذمر من اآلخرين والمجتمع‬


‫والظروف ‪ ،‬و عادة ما يبادلهم المجتمع عدم القبول أو ال يحاول االقتراب منهم‬

‫بل أحياناً يمارس المجتمع ضغطاً على من يتصل بهم‪.‬‬

‫‪   .2‬أن يعيش حالة عزلة ‪ ،‬وإ ن كانت هذه الحالة أقل من الحالة السابقة إال‬

‫أنها قد تكون مقدمة لها أحياناً ‪ ،‬ولهذه العزلة درجات كثيرة أقصاها‪ H‬حالة‬

‫االنسالخ ‪ ،‬ويعيش المثقف العزلة فيكون بدون أي تأثير على المجتمع أيضاً كلما‬

‫زادت عزلته عن المجتمع ‪ ،‬والتي قد تصل أن ينسى المجتمع هذا المثقف‪ ،‬أو أن‬

‫يهاجر المثقف بعيداً عن مجتمعه عند عدم قدرته على العيش أو التكيف مع‬

‫الواقع المعاش بسبب ذلك ‪.‬‬

‫‪  .3‬أن يرفض المثقف الحالتين السابقتين ويبقى مصرَاً‪ ًَH‬على ممارسة دوره‬

‫الناقد ‪ ،‬وهذا النوع يبقى على صدقه مع نفسه بغض النظر عن نوعية أفكاره ‪،‬‬

‫فإما يلتزم بهذا الدور وهذا قد يأخذ مسارين يرفض المجتمع أفكار هذا المثقف أو‬

‫ال يسمع له فتكون للمثقف ردة فعل سلبية‪ ،‬أي يبادل المجتمع عدم االهتمام بما‬

‫يقوله المجتمع عنه ‪ ،‬مع البقاء على ممارسة هذا النوع من النقد للمجتمع مؤمناً‬

‫أن له رسالة عليه السعي لتحقيقها ‪ ،‬وكذلك مع بقاء لومه للمجتمع لعدم االستفادة‬

‫منه كمثقف يحمل الفكر والتنوير ‪ ،‬أو يحاول المثقف أن يكون إيجابياً مع‬
‫المجتمع بصورة أخرى ‪ ،‬بأن يتواصل معه ويحاول إقناع المجتمع بأفكاره ورؤاه‬

‫‪ ،‬صحيح يبقى هناك نوع من عدم قيام المجتمع بالتفهم أو عدم األخذ بما يقوله‬

‫المثقف في هذه الصورة‪ ،‬ولكن هذا المثقف ينظر لذاته باعتبارها جزءاً من‬

‫المجتمع ويقع على كاهله واجب مواجهة األخطاء االجتماعية بالتفاعل اإليجابي‬

‫ليحرك مياه المجتمع الراكدة فيبقى على اتصال بالمجتمع ألن ذلك قدره كمثقف‪.‬‬

‫إال أن الجدير ذكره هنا ‪ ،‬أن المثقف قد يدعي أنه يمارس نقداً للمجتمع ‪،‬‬

‫ويمارس دوراً " إعالمياً " لنفسه بأنه ال يتأثر بما يحتوي المجتمع من سلبيات ‪،‬‬

‫ففي أحياناً يمارس المثقف دوراً إعالمياً لذاته ال يقل عن وظيفة وزارة اإلعالم‬

‫والمؤسسات التابعة لها في الدول العربية لدعم توجهات النظام الحاكم فيها ‪،‬‬

‫فيدعي المثقف أنه يقف موقفاً نقدياً من سلبيات المجتمع ‪ ،‬لكن واقعياً ال يمتلك‬

‫هذا المثقف القدرة على تجاوز هذه السلبيات ‪ ،‬فمثالً في المجتمعات العربية نجد‬

‫أن المثقف ينتقد العائلية ‪ /‬القبلية ‪ /‬العشائرية ‪ /‬الطائفية ولكن قد تمارس عليه‬

‫ضغوطاً من مجتمعه فيتماهى معها ‪ ،‬أو أنه يرى أن مصلحته تتطلب هذا‬

‫التماهي ‪ ،‬أو إن ينتقد المثقف أحدها بينما يتماهى مع غيرها ‪ ،‬وأحياناً يقع‬

‫المثقف في فخ " عدم الصدق مع النفس " فكالمه ينبئ أنه ضد المحسوبيات‬
‫والوساطات والرشاوى ولكنه يمارسها واقعاً ‪ ،‬بل أحياناً ال يستطيع االستغناء‬

‫عنها وال سيما إن كان من أصحاب‪ H‬العالقات في المجتمع وأصحاب‪ H‬المصالح‬

‫التي ال يستطيع االستغناء عنها ‪ ،‬بل قد تكون حياته العملية قائمة عليها ‪،‬‬

‫وبالتالي ال يمكن لمثقفين يتمثلون هذه الصورة تحريك مياه المجتمع الراكدة‬

‫بهدف القضاء‪ H‬على جراثيم أو ُممرضات تستغل هذا الركود كي تنشر‪.‬‬

‫ولكن السؤال الذي يتبادر للذهن هنا ‪ ،‬هل يمكن أن تصل حالة مواجهة بين‬

‫المثقف والمجتمع أكثر مما هي عليها اآلن كما في بعض نماذج المثقفين ؟ أي‬

‫هل يستطيع المثقف مواجهة المجتمع بصورة أكثر جرأة وموضوعية بأن يكون‬

‫مغضوباً عليه ؟؟؟ بمعنى هل يمكن أن تصل الحالة بالمجتمع التنكر للثقافة‬

‫وللمثقف وال يرى للثقافة وال للمثقف أي قيمة أم يحدث العكس ؟‪.‬‬

‫يمكن وصف المجتمعات العربية بأنها مجتمعات تحمل نزعة محافظة‬

‫تتمسك بتقاليدها وموروثها وقيمها ودينها ‪ ،‬على سبيل المثال التراث الذي يأخذ‬

‫منحى مهماً في حياة المجتمعات العربية ‪ ،‬والذي بحاجة في نفس الوقت لتجديد‬

‫النظرة له ‪ ،‬فما لم يقم المثقف بتجديد نظرته لتراثه فال يمكنه القيام بدوره في‬
‫المجتمع ‪ ،‬يقول المنصف الوناس في عالقة المثقف بالتراث " وقد تكون عالقة‬

‫المثقف بالتراث عالقة واهمة مبنية على االنخداع بالسراب ‪.‬‬

‫المثقف في المجتمعات العربية بحاجة للتحلي بعدد من الصفات الشخصية‬

‫ليتمكن من السير في طريق يحقق له طموحاته ‪ ،‬كأن " يكون ذا نفس طويل " ‪،‬‬

‫صابراً ‪ ،‬ال تثبطه الظروف االجتماعية الصعبة أو عدم استجابة لمجتمع له ‪،‬‬

‫بمجرد أن تحدث أزمات ينسحب ألنه ال يستطيع تحملها ‪ ،‬مع التنويه على ‪ ،‬أن‬

‫أمام المثقف في المجتمعات العربية ما يدعو للتشاؤم رغم الممانعة والمقاومة‬

‫الذي يبديها البعض لمثل هذه األوضاع ‪ ،‬ولكن هذا قدر من يحمل الوعي‬

‫والمعرفة أن يتحلى الصفات‪ H‬المذكورة‪.‬‬

‫إن حديث مثقفينا اليوم عن " دور المثقف " ‪ ،‬و" رسالته " حديث يخلط عادة‬

‫يدعون القيام بها ‪ ،‬وبين‬


‫بين الدور الذي يزعمونه ألنفسهم والرسالة التي ّ‬

‫وضعيتهم الحقيقية في الواقع الفعلي‪ .‬وحصيلة هذا الخلط هو وعي شقي لديهم‬

‫يدعونه ‪ ،‬ومكانتهم الحقيقية التي هي دون‬


‫نتيجة للتناقض الحاصل بين ما ّ‬

‫طموحاتهم ‪ ،‬والصورة التي يرون فيها أنفسهم ‪.‬‬

‫المثقف والسلطة السياسية ‪:‬‬


‫هناك مجاالت متعددة لتناول عالقات المثقف المتعددة بالسلطة أو بالسياسة‬

‫أو بأنظمة الحكم ‪ ،‬ولكن ما سيتم التركيز عليه هنا هو السلطة السياسية‬

‫الحاكمة ‪ ،‬فقد تكون السلطة أوسع من السلطة السياسية حيث السلطة االجتماعية‬

‫والسلطة الدينية والسلطة اإلعالمية ‪ ،‬وقد تكون السياسة أوسع من السياسة‬

‫السلطوية حيث السياسة الديمقراطية ‪ ،‬وكذلك قد تكون السياسة أوسع من السياسة‬

‫النظرية حيث السياسة العملية ‪ ،‬و يمكن أن يأخذ حديث السلطة السياسية عدة‬

‫أنحاء منها ‪ :‬األول وهو سلطة أنظمة الحكم والثاني " سلطة " األحزاب السياسية‬

‫والثالث " سلطة " المعارضة السياسية ‪ ،‬وبينما تكون أثر األولى على كافة‬

‫الشعب بصورة مباشرة تكون أثر " السلطتين " الثانية والثالثة على أتباعها‬

‫بصورة مباشرة وواضحة وقد يكون لها " سلطة " على اآلخرين من خارج‬

‫أتباعها ‪ ،‬وألن األحزاب السياسية والمعارضة السياسية ذات أثر أضعف في‬

‫الحياة السياسية مقارنة بسلطة أنظمة الحكم وهذا ما أثبته الواقع‪.‬‬

‫ونظراً لكون السياسة من الناحية العملية هي االهتمام بالشأن العام ‪ ،‬والشأن‬

‫العام للمجتمعات العربية يتمثل في مسائل عدة أهمها إدارة مؤسسات الدولة‬

‫بمفهومها الحديث والتحديث السياسي واالجتماعي واالقتصادي والتعليمي‬


‫والثقافي ‪ ،‬وجدنا أن المثقف يهتم بهذه القضايا‪ H‬بصورة وثيقة ولم يكن بمعزل‬

‫عنها ‪ ،‬وهذا ما جعل المثقف يكون في صلب المسألة السياسية‪.‬‬

‫ولكن قبل الدخول في مناقشة هذه المسألة هناك حاجة لتوضيح نقاط عدة ‪:‬‬

‫‪    ‬األولى‪ -‬ليس بالضرورة أن يكون السياسي هو من يكون في السلطة ‪،‬‬

‫فقد يكون السياسي ٍ‬


‫منتم لحزب أو تنظيم سياسي آخر أو معارض ونحو ذلك‬

‫ويمارس السياسة ‪ ،‬فالسياسة تتعلق بمسائل الدولة بصورة أشمل من أنها تتعلق‬

‫بمسائل السلطة الحاكمة ‪ ،‬ولتبسيط ذلك ‪ ،‬نجد بوضوح أن هناك من يوصفون‬

‫بالسياسيين وهم ليسوا داخل السلطة الحاكمة كالمعارضين ‪ ،‬أو أنهم من المحللين‬

‫السياسيين الذين ال يمارسون السياسة ‪ ،‬وما تؤكد عليه هذه الدراسة أن المراد‬

‫من السياسي هنا هو الذي في السلطة الحاكمة أو الذي ينتمي إليها أو يتبعها ‪،‬‬

‫وقد يكون هناك تعرض للسياسي الذي قد يكون معارضاً أو حزبياً ‪ ،‬إذا حدث أن‬

‫هناك انطباقاً في الفعل بين السياسي خارج السلطة والسياسي داخل السلطة أو‬

‫ألي حاجة ضرورية أخرى‪.‬‬

‫‪    ‬الثانية ‪ -‬هناك حالتان أساسيتان لكيفية النظر لعالقة السلطة – المثقف ‪،‬‬

‫األولى هي نظرة مثالية ‪ ،‬وهي تفترض أن تكون هناك عالقة طبيعية ال تخلو‬
‫من الصراع وكل طرف بحاجة لآلخر ‪ ،‬وأن المفروض أن يتعايشا ويتعاونا‬

‫لتحقيق الصالح العام بما فيه صالح الطرفين ‪ ،‬والثانية نظرة واقعية ‪ ،‬وهي ترى‬

‫أن ما هو واقع هو عدم وجود توافق بين المثقف وبين السلطة باعتبار تكوين‬

‫كليهما ‪ ،‬واألحداث تشهد أن كثيراً من المثقفين في جانب مخالف لجانب‪ H‬السلطة‪.‬‬

‫‪    ‬الثالثة ‪ -‬في كون المثقف في السلطة ‪ ،‬الخصوصية األساسية التي تميز‬

‫مثقف السلطة أي سلطة كانت هي عدم ممارسة النقد بصورة واسعة تجاه السلطة‬

‫التي ينتمي إليها أو يبرر ممارستها ‪ ،‬وإ ن وجدت فعادة ما تكون داخل أروقة‬

‫السلطة ذاتها ال تخرج عنها ‪ ،‬فهو بمجرد أن يكون مع السلطة كحال مؤيدي‬

‫السلطة وليس ضرورياً أن يكون موظفاً فيها فهو يقوم بالدور التبريري ألفعال‬

‫وتوجهات هذه السلطة ‪.‬‬

‫ومن هنا نرى أن مثقف السلطة يفقد مضمون المثقف ألنه يفقد مقوماً مهماً‬

‫من مقومات المثقف وهو النقد حيث يوصف بأنه موظف للسلطة ‪ ،‬وقد يتعدد‬

‫توجه مثقف السلطة السياسية فقد يكون دينياً أي ذو مرجعية دينية أو يكون‬

‫علمانياً ذا مرجعية علمانية فكالهما سواء في الموقف من السلطة من حيثية أنهما‬

‫يؤديان وظيفة مهمة واحدة وهي التبرير ‪ ،‬ففي مثال النموذج األول هناك الفقهاء‬
‫والمفتون ومن ُيشغلون المناصب الدينية في الدولة كاإلفتاء أو في مؤسسات‬

‫األوقاف أو اإلرشاد الديني أو في األقسام األكاديمية الدينية في الجامعات‪ ، H‬وفي‬

‫مثال النموذج الثاني اإلعالميون والمثقفون واألكاديميون والباحثون العلمانيون‬

‫عندما يشتغلون في داخل السلطة سواء كان عملهم إعالمياً كما في وزارات‬

‫اإلعالم والصحف والمجالت التابعة لها ‪ ،‬أو ثقافياً كما في وزارات الثقافة ‪ ،‬أو‬

‫أكاديمياً أو بحثياً سواء في الجامعات أو المكتبات العامة أو مراكز البحوث‬

‫التابعة للدولة ‪ ،‬وهذا ال يعني أن كل من يشتغل في وظائف النموذج الثاني يكون‬

‫فقط علمانياً بل قد يكون دينياً ‪.‬‬

‫‪ ‬المهم أن ما يجمع بين هؤالء هو افتقاد النقد الموجه للسلطة السياسية‬

‫تحديداً ‪ ،‬وهذا يعني أن المثقف يفتقد المصداقية واالستقاللية في الرأي ‪ ،‬إال أنه‬

‫يلزم التدارك هنا ‪ ،‬حيث أن من يشتغل في مناصب وبصورة أكثر تحديداً في‬

‫وظائف الدولة وال يمارس دوراً تبريرياً لما تقوم به السلطة يعتبر خارج عن هذا‬

‫التصنيف ‪ ،‬بخصوص المثقفين نالحظ أن بلقزيز يساوي بين المثقفين العاملين‬

‫لدى الدولة التسلطية ‪ ،‬وبين المثقفين السلطويين الذين يشاركون في السيطرة‬


‫على الدولة والمجتمع‪ .‬وبحسب إطالعي ‪ ،‬أغلب الكتّاب العرب ال يوافقون‬

‫بلقزيز على رأيه بهذا الخصوص‪.‬‬

‫هذا يقودنا إلى توضيح ما ذكرناه سابقاً عن تبعية المثقفين معيشياً أو‬

‫رب عملهم شبه‬


‫اقتصادياً للدولة ‪ ،‬بعدما أصبحت هذه في نظامها الكلياني ّ‬

‫الوحيد‪ .‬فمجاالت عمل هؤالء – كعاملين ذهنيين – يكاد ينحصر في وسائل‬

‫اإلعالم والثقافة وفي المدارس والمعاهد والجامعات ‪ ،‬وفي بيروقراطية الدولة‬

‫اإلدارية واالقتصادية ‪ ،‬حيث الدولة هي المالكة ‪ ،‬والسلطة السياسية هي اآلمرة‬

‫الناهية ‪ ،‬وإ ذا لم يهاجر المثقف أو كان ال يقدر على إقامة مشروع اقتصادي‬

‫خاص ‪ ،‬فإنه سيضطر على األرجح ألن يعمل لدى الدولة بشروطها االقتصادية‬

‫والسياسية ‪ ،‬أو يبقى عاطالً عن العمل‪ .‬غير أن عمل المثقف لدى الدولة ال يفي‬

‫عندئذ بالضرورة أنه مؤيد للسلطة‪ .‬فال نستطيع أن نحكم على المثقفين الموظفين‬

‫سلفاً ‪ ،‬وإ ن كان اإلغراء أحيانَاً‪ ًَH‬قوياً ‪ ،‬والضغط أقوى‪ ،‬واالنزالق كثير‬

‫االحتماالت‪H.‬‬

‫ما نستطيع أن نحكم به هو أن المثقف لم يعد في ربع القرن األخير يجد‬

‫لدى الدولة التسلطية األمان االقتصادي ‪ ،‬وال األمان السياسي والثقافي ‪ ،‬الذي‬
‫يحتاجه كمثقف مستقل أو نقدي ‪ ،‬سواء كان يعمل لديها في أحد المجاالت الثقافية‬

‫أو يمارس نشاطاً ثقافياً باالرتباط مع عمله الوظيفي أو إلى جانب العمل الوظيفي‬

‫باالستقالل عنه " ‪.‬‬

‫ففي الواقع العربي من الصعوبة خروج المثقف عن سيطرة السلطة‬

‫السياسية الحاكمة التي استحوذت على المجتمع بعد أن استحوذت على الدولة‬

‫التي بدورها تغولت في المجتمع وأضعفت أي مؤسسات اجتماعية فيه ‪ ،‬بمعنى‬

‫أن المساحات‪ H‬التي يستطيع المثقف االستقالل داخلها من دون أن يكون هناك‬

‫تأثير للسلطة السياسية على هذه المساحات‪ H‬قليلة جداً ‪ ،‬فمثالً هناك قلة من‬

‫المطبوعات والمؤسسات غير الرسمية التي ال تستطيع منافسة المطبوعات‬

‫والمؤسسات الحكومية ‪ ،‬كذلك تستطيع السلطة بسهولة مضايقة مؤسسات‬

‫المجتمع المدني – إن وجدت ‪ -‬التي قد يمارس المثقف من خاللها بعض‬

‫نشاطاته وأدواره ‪ ،‬وواقعَاً‪ ًَH‬استطاع المثقف االستفادة من ذلك ‪ ،‬ولكن في الوقت‬

‫ذاته فإن هذه القنوات الفضائية أتاحت لغيره االستفادة من ذلك ‪ ،‬فحتى من‬

‫يعملون في أجهزة استخبارات‪ H‬الدولة الذين ليس هدفهم حفظ الدولة بمكوناتها بل‬

‫همهم حفظ أمن النظام الحاكم يظهرون في هذه القنوات ويقومون بالتشكيك بما‬
‫يقوله المثقف وغير المثقف الذين ال يتفقون مع السلطة السياسية الحاكمة وترسيخ‬

‫ما تراه هذه ‪ ،‬بل استطاع نفس الحاكم أو الرئيس الظهور بنفسه وتوجيه ما يريد‬

‫قوله وفعله عبر هذه القنوات‪.‬‬

‫يذهب عبد الرحمن منيف بعيداً في عالقة المثقف بالسياسي ‪ ،‬فهو يرى أن‬

‫السياسي قد ال يعاقب فقط المثقف بل يعاقب الثقافة " قد ال تظهر الشروخ‬

‫واضحة أو حادة في فترات معينة ‪ ،‬خاصة في أزمنة الرخاء والصعود ‪ ،‬ما دام‬

‫السياسي قادراً على تسخير الثقافة لخدمة عمله اليومي ‪ ،‬وما دام المثقف متقبالً‬

‫القيام بمهمة اإلفتاء والتبرير والتسويغ ‪ ،‬إضافة إلى بروزه أيضاً من خالل‬

‫المنظمة السياسية‪.‬‬

‫أما إذا مارس المثقف حقه الديمقراطي بالنقد واالختالف ‪ ،‬أو لم يقم بالدور‬

‫الموكل إليه ‪ ،‬فعندئذ ال بد أن يقع الخالف بين الطرفين ‪ ،‬وغالباً ما يلجأ السياسي‬

‫ليس إلى معاقبة المثقف وحده بل ومعاقبة الثقافة أيضاً ‪ ،‬معتبراً إياها ترفاً أو‬

‫خياالً ‪ ،‬ألنها تعيق العمل السياسي وتخلق له الصعوبات ‪ ،‬ويركز بالمقابل على‬

‫ما يعتبره عملياً ‪ ،‬أي اإلعالم ‪ ،‬م ِ‬


‫بعدَاً‪ ًَH‬الثقافة أو مهمشا دورها‪.‬‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬وفي سياق عمل المثقف في أجهزة وإ دارات الدولة ‪ ،‬يرى برهان غليون‬

‫أنه تتنازع المثقف مواقف أربعة رئيسية أحدها االلتحاق بالسلطة وقد سار عدد‬

‫كبير من المثقفين في هذا الطريق ولكن لعوامل ال تتعلق بالجبن واالنتهازية "‬

‫موقف االلتحاق بالسلطة من منظور خدمتها والعمل تحت إشرافها‪ .‬وفي هذه‬

‫الحالة بتحول المثقف إلى موظف أو خبير فني يقدم خبرته للسياسي البيروقراطي‬

‫‪ ،‬لكن ليس له أي دور في إنضاج القرار أو المشاركة فيه ‪ ،‬إن على مستوى‬

‫الرأي العام أو على مستوى األحزاب أو الدولة‪ .‬وقد سار قسم كبير من المثقفين‬

‫في هذا الطريق ألنه الوحيد الذي يضمن للكتلة األساسية البقاء والحد األدنى من‬

‫الرفاه المادي ‪ ،‬وربما الحماية الذاتية‪ .‬وما حصل في المجتمعات العربية ال‬

‫يختلف عما كان يمكن أن يحصل في كل المجتمعات‪ H.‬فال يتعلق هذا االلتحاق‬

‫بالجبن أو باالنتهازية وال يرتبط بمسألة أخالقية‪ .‬إنه موضوع اجتماعي سياسي‬

‫ألنه يتعلق بظاهرة جماعية خارجة عن إرادة الفرد وقدراته الذاتية ‪.‬‬

‫المثقف العربي المعاصر إشكاالت ذاتية أم خارجية؟‬


‫رغم االختالفات الجوهرية المتواجدة بين السياق الثقافي الغربي و السياق‬

‫الثقافي العربي‪ ،‬فإن المتطلع على الخطاب العربي المعاصر سيجد من ينادي‬

‫بنهاية المثقف بطريقة اختزالية يعمها الكثير من الغموض واإلبهام‪.‬‬

‫ويمكن أن نعتبر المفكر اللبناني علي حرب من المنادين إلى ذلك في كتابه‬

‫"أوهام النخبة"‪ .‬إذ يرى بأن نموذج المفكر والمثقف صاحب المشاريع وصل إلى‬

‫أفوله وال بد من اقتراح مفهوم جديد للمثقف يرتكز على المستجدات الحديثة التي‬

‫جاء بها المجتمع أو ما يسمى كذلك بالمجتمع اإللكتروني‪.‬‬

‫وجدت أفكار على حرب صدى عند بعض الكتاب الشباب خاصة الباحث‪H‬‬

‫الجزائري القاطن في فرنسا محمد شوقي الزين‪.‬لخص هذا الباحث أفكاره حول‬

‫المثقف في كتاب‪" :‬غيريات وهويات" المكتوب باللغة الفرنسية‪ ،‬وهي أفكار‬

‫تقترب كثيرا من أفكار المفكر علي حرب فقط استبدل الباحث‪ H‬مصطلح النهاية‬

‫بالتناهي‪ .‬فالتناهي حسب رأيه يجعل المثقف وقافا عند حدوده وطاقاته‪ ،‬ويخول‬

‫له أن يكون مختصا ال يحشر أنفه في كل شيء‪.‬‬

‫حسب إدوارد‪ ،‬يعد االختصاص حيلة من حيل السلطة ما دام المثقف يبقى‬

‫قابعا في مجاالته؛ إذ يتسنى للسلطة بهذا التوزيع التحكم في زمام األمور بطريقة‬
‫شاملة‪ ،‬واألخطر بكثير أن تكون من العواقب الوخيمة لهذا االختصاص سقوط‬

‫المثقف في العقل الذري‪ ،‬فال يفسر األشياء والعالم من منظور شمولي؛ بل يصبح‬

‫هكذا تفسيره بعيدا كل البعد عن الواقعية والتأثير‪.‬‬

‫لهذا يدعو إدوارد صراحة المثقف أن يكون هاويا؛ أي أن يحشر أنفه في‬

‫كل األشياء كي يقلق ويخربط أالعيب السلط‪ ،‬ليس المقصود من كون المثقف‬

‫هاويا ومتطفال تعالما ما‪ ،‬بل المقصود من ذلك تسجيل حضور‪ ،‬ألن الحضور‬

‫في حد ذاته سلطة ترفضه كل سلطة جاهزة‪.‬‬

‫في بحث له بعنوان "ارث النهضة وأزمة الراهن"‪ ،‬يتساءل المفكر المغربي‬

‫عبد اهلل العروي في إطار بحثه عن أزمة الراهن‪ :‬هل عرف أي قطر عربي في‬

‫أي فترة من تاريخه حالة تسبيق المجتمع على الدولة؟ لنقل معه حالة توظف فيها‬

‫قدرات الدولة لتأسيس المجتمع على شكل يؤهله لالستغناء الحقا وبالتدريج عن‬

‫كثير من صالحيات الدولة؟ (انظر مقدمات ليبرالية‪ ،‬المركز الثقافي العربي ‪،‬‬

‫‪.)2000‬‬

‫‪ ‬بالطبع الجواب عن تساؤل العروي هو ال‪ ،‬فالمجتمع العربي منذ فترة‬

‫بعيدة‪ ،‬حتى قبل أخطبوط الدولة التسلطية التي أكلت األخضر واليابس وأزهقت‬
‫أرواح البالد والعباد والتي يستفيض خلدون النقيب في رسم صورتها البشعة‬

‫والكريهة‪ ،‬لم يعرف تلك الحالة‪ ،‬وكل ما يملكه‪ ،‬لنقل‪ ،‬كل رصيده في العقود‬

‫المنصرمة من القرن العشرين‪ ،‬هو حالة من الحراك الثقافي واالجتماعي الذي‬

‫بلغ ذروته في الحرب األهلية العربية التي انتهت بانتصار السلطة‪/‬الغول على‬

‫المجتمع وتجييره لحسابها‪ ،‬بحيث أصبح المجتمع العربي شاهد زور لصالح‬

‫الدولة التسلطية وتمسرحها المشوه على خشبات الحداثة والديموقراطية‪ ،‬حيث‬

‫أدخل االثنان من الخرم الضيق لدولة شرق المتوسط حيث كان على الحداثة أن‬

‫تحل كحليف لها‪ .‬وعلى مدى العقود الثالثة الماضية من قرننا المنصرم‪ ،‬كان‬

‫جل ما تطمح إليه النخب المثقفة الجديدة كما يسميها هشام شرابي والتي بنيت‬

‫عليها آمال عراض في تحديث المجتمع العربي بكيفية شاملة ومسترسلة كما‬

‫كتب العروي ذات مرة‪ ،‬هو عقدا اجتماعيا بصيغة مجازية‪ ،‬على أمل أن يكون‬

‫شريعة للمتعاقدين‪.‬‬

‫وجاءت أولى البواكير مع بداية عقد الثمانينيات من قرننا المنصرم‪ ،‬عندما‬

‫دعا سعد الدين إبراهيم الذي قضى عقوبة في السجن مدتها سبع سنوات‪ ،‬إلى‬

‫تجسير الفجوة بين المثقف واألمير‪ .‬كانت الدعوة إلى تجسير الفجوة اقل بكثير‬
‫من مستوى العقد االجتماعي الذي تطمح إليه األمة‪ .‬ولكنها كانت دعوة إلى‬

‫المصالحة بين المفكر وصناع القرار‪ H.‬دعوة تجد طريقها إما على جسر ذهبي‬

‫يلتقي عليه المثقف واألمير أو فضي أو خشبي‪ ،‬وعلى األغلب خشبي يزحف‬

‫عليه المثقف وهو مطأطئ الرأس باتجاه األمير داعيا له بالسالمة وطول البقاء‪.‬‬

‫وطوبى للسائرين على جسر خشبي‪.‬‬

‫كانت الدعوة الى تجسير الفجوة بين المثقف واألمير‪ ،‬أو إلى عقد اجتماعي‬

‫يمهد إلى المصالحة‪ ،‬قد تزامنت مع التحول على صعيد الخطاب العربي‬

‫المعاصر‪ H،‬وأقصد التحول من الثورة غلى النهضة‪ ،‬وقاد الحقا إلى تراجع‬

‫المثقف العربي الثوري الذي تشكل بتأثير خارجي والذي بنى عليه العروي آماال‬

‫كبيرة في عقلنة الماضي والحاضر بكيفية شاملة ومسترسلة‪ .‬فكثر الحديث عن‬

‫أزمة المثقف وأوهام النخبة ونهاية الداعية وتراجع دور المثقف‪/‬النبي‪ H...‬الخ‪.‬‬

‫‪ ‬وفي سياق هذا التحول قام بعض المفكرون العرب بإعادة اعتبار للمثقف‬

‫المبدئي الذي يقول كلمة الحق في وجه السلطة كما يرى ادوارد سعيد في "صور‬

‫المثقف" والذي يتمتع بصورة شخصية مستقلة‪ ،‬محبة لالستكشاف والتحري‪،‬‬

‫وذات نزعة نقدية اجتماعية تشتغل باسم حقوق الروح كما يقول محمد أركون‪،‬‬
‫والتي ينتظر منها المجتمع العربي مهام محسوسة الن الحال العربية ال تحتمل‬

‫التأجيل‪ H،‬وهذا ما يدعو إليه حليم بركات في كتابه (المجتمع العربي في القرن‬

‫العشرين‪ .)2001،‬كانت إعادة االعتبار للمثقف تصدر عن رؤية ودور للمثقف‬

‫الفدائي كما يسميه قسطنطين زريق أو المثقف المبدع كما يسميه حليم بركات‪.‬‬

‫لنقل عن دور كبير للمثقف في المشروع النهضوي الجديد الذي راح يبشر به‬

‫ناصيف نصار وحسن حنفي وهشام شرابي والذي هو بالضرورة مشروع‬

‫سياسي يرمي إلى إصالح الدولة وتحديث المجتمع العربي وتحرير المرأة ويلقي‬

‫بكاهله على عاتق المثقف‪.‬‬

‫كان إصالح الدولة يعني بالنسبة للمثقف االرتقاء بالدولة من دولة العصبية‬

‫إلى الدولة الحديثة‪ ،‬دولة جميع المواطنين‪ .‬وهذا يعني أن تكون الدولة في خدمة‬

‫أهداف المجتمع وليس العكس‪ .‬وكان يعني هذا أن المثقف سوف يرتطم بصخرة‬

‫السلطة وامتيازاتها التي ال تعد وال تحصى‪ .‬وهذا ما حصل بالفعل‪ ،‬فعلى طول‬

‫المسافة التاريخية الممتدة من ستينيات القرن المنصرم إلى بداية القرن الحالي‪،‬‬

‫كانت "أزمة المثقفين" شاهدا باستمرار على أن السلطة العربية ال تقبل المشاركة‬

‫في صنع القرار وال في الحياة السياسية‪ ،‬وان الديموقراطية المرفوعة كشعار ال‬
‫تزيد عن كونها لعبة بهدف خداع الجماهير‪ H،‬وان الوطن ال يزيد عن كونه ملكية‬

‫عقارية للمؤسسة العسكرية والضباط األحرار‪ ،‬كما يعلق أنور عبد الملك في‬

‫كتابه "مصر مجتمع جديد يبنيه العسكريون"(‪.)1964‬‬

‫‪ ‬وفي كل األحوال كان مشروع إصالح الدولة وتحديث المجتمع العربي‬

‫ينتهي إلى أنفاق مسدودة تفضي إلى الباحة الخلفية للسجن باعتباره العالمة‬

‫الفارقة لدولة شرق المتوسط على حد تعبير الروائي عبد الرحمن منيف‪ ،‬التي‬

‫قامت باختراق المجتمع العربي وتجييره لصالحها‪ H‬والحؤول دون كل عملية تغيير‬

‫من شأنها أن تمس امتيازات السلطة العربية التي عاهدت نفسها على الثبات ضد‬

‫كل عملية تغيير؟‬

‫خـــاتمـــــة‪:‬ـ‬

‫‪ ‬شهد التاريخ العربي المعاصر عدة أنماط لعالقات‪ H‬المثقف ‪ ،‬منها خمسة‬

‫مهمة ‪ ،‬وهي عالقته بالمجتمع وعالقته بالسلطة وأكثرها في صورتها السياسية‬

‫وعالقته بالغرب وعالقته بالدين وعالقته بذاته ‪ ،‬وتختلف اتجاهات‪ H‬هذه العالقات‬

‫من حيث أنها تارة تكون " إيجابية " وأخرى" سلبية " ‪ ،‬ففي عالقة المثقف‬

‫بمجتمعه ‪ ،‬تارة يعمل من أجل تطور المجتمع وتقدمه ويعتبر نفسه جزءاً من هذا‬
‫المجتمع ‪ ،‬وال يمكنه االنفصال عنه لحظة ‪ ،‬وأخرى ال يهتم بالمجتمع أو يرى أن‬

‫المجتمع ال يمكنه التقدم لمعوقات اجتماعية ذاتية ‪ ،‬أو قد يالقي ما ال يحبذه من‬

‫المجتمع فيتخذ خيار العزلة ‪ ،‬فيترك االهتمام بالمجتمع ويصب كل اهتمامه بنفسه‬

‫‪ ،‬وفي عالقته بالسلطة السياسية ‪ ،‬تارة يكون موظفاً لدى السلطة سواء أكان‬

‫يعمل في الجانب اإلعالمي لها أو الجانب‪ " H‬االستشاري " أو في أحيان أقل‬

‫الوصول لمنصب رفيع في نظام الحكم ‪ ،‬وأخرى يعمل خارج السلطة السياسية ‪،‬‬

‫وقد يكون معارضاً وقد تصل حالة المعارضة قيام السلطة باغتياله في أسوء‬

‫الحاالت‪. H‬‬

‫‪ ‬وفي عالقة المثقف بالغرب ‪ ،‬تارة يكون داعية للغرب وثقافته أو بصورة‬

‫نادرة جداً يعمل ضمن حكومات دول غربية توصف عالقة هذه الدول‬

‫بالمجتمعات‪ H‬العربية باستعمار أو هيمنة واستغالل ‪ ،‬وأخرى ُيحرض هذا المثقف‬

‫شعوب هذه المجتمعات التي يعيش فيها ضد الغرب وضد أنظمة الحكم أو‬

‫اإلدارات الغربية أو في أحيان ضد مثقفي ومفكري الغرب ‪ ،‬وفي عالقته بالدين‬

‫تجده إما مع الدين وأحياناً يصل في مواقفه مدافع عن السلطات الدينية وما‬

‫ٍ‬
‫منضو تحتها ‪ ،‬وتارة أخرى يقف موقفاً معادياً للدين ولكل‬ ‫تسيطر عليه أو‬
‫تجليات المسألة الدينية في المجتمع ‪ ،‬وفي عالقة المثقف بذاته ‪ ،‬تارة يعلي من‬

‫شان المثقف والدور الذي يقوم به والدور الموكل له ‪ ،‬وأخرى يحاول قتل هذا‬

‫المثقف بقتل دوره والحكم على هذا الدور باإلعدام‪ ..‬وال حاجة للتأكيد من أن‬

‫عرض نماذج العالقات‪ H‬السابقة للمثقف ليس على أساس أنها القاعدة بل هو‬

‫تصوير للحدين المتضادين لموقف المثقف من ذلك ‪ ،‬وأن الحاالت الكثيرة‬

‫والطبيعية تقع بين هذين الحدين المتضادين‪.‬‬

‫قائمة المراجع‪:‬‬

‫‪   .1‬اداورد سعيد‪ ،‬صور المثقف‪ ،‬ترجمة غسان غصن ومراجعة منى‬

‫أنيس‪ ،‬دار النهار للنشر ‪،‬بيروت‪ 1994،‬ص‪.21‬‬

‫‪   .2‬أدونيس‪ ،‬الثابت والمتحول‪ :‬بحث في أصول اإلبداع واإلمتاع عند‬

‫العرب‪ -‬تأصيل األصول‪ ،‬دار السابقي‪ ،‬بيروت‪ ،2002 ،‬ص ص ‪.108-97‬‬

‫‪   .3‬محمد أحمد محمود‪ ،‬من تاريخ المعارضة والتجاوز في اإلسالم‪،‬‬

‫مواقف‪ ،‬عدد ‪ ،67‬ربيع ‪ ،1992‬ص‪.129‬‬


‫‪   .4‬خالد الكركي‪ ،‬قراءة في الثقافة والسلطة واإلعالم‪ ،‬المؤسسة العربية‬

‫للدراسات والنشر‪،‬بيروت‪ ،2001،‬ص ‪.59‬‬

‫‪   .5‬سامي مكارم‪ ،‬الحالج في ما وراء المعنى والخط واللون‪ ،‬دار رياض‬

‫الريس‪ ،‬لندن‪ ،1989 ،‬ص‪.26-20‬‬

‫‪  .6‬هادي العلوي‪ ،‬مدارات صوفية‪ ،‬تراث الثورة المشاعية في الشرق‪،‬‬

‫مركز األبحاث والدراسات االشتراكية في العالم العربي‪ ،‬بيروت‪ ،1997 ،‬ص‬

‫‪.128-127‬‬

‫‪          .7‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬شخصيات قلقة في اإلسالم ‪ ،‬دار ابن سينا‪،‬‬

‫القاهرة‪ ،1995 H،‬ص‪.145‬‬

‫‪     .8‬سعيد بن سعيد العلوي‪ ،‬المسألة السياسية في فكر الحركات‬

‫اإلسالمية المعاصرة‪ ،‬الموسوعة اإلسالمية‪،‬‬


‫‪http://www.balagh.com/mosoa/fekr/y9056k2n.htm‬‬

‫‪     .9‬سيد قطب األديب والمصلح االجتماعي‪ ،‬الشاهد للدراسات السياسية‬

‫واالستراتيجية‪ ،‬بدون تاريخ‬


‫‪http://ashahed2000.tripod.com/personal/11.html‬‬
‫‪   .10‬خالد الحروب‪ ،‬ما الذي يفعله اللوبي الصهيوني ضد الحركات‬

‫األكاديمية في الجامعات األمريكية؟‪ ،‬الشبكة اإلسالمية‪،11/5/2005 ،‬‬

‫‪?http://www.islamweb.net/ver2/archive/readArt.php‬‬

‫‪   .11‬جوزيف مسعد‪ ،‬الدولة الثنائية القومية وإ عادة توحيد الشعب‬

‫الفلسطيني‪ ،‬اآلداب‪ ،7/8/2002 ،‬ص‪.8‬‬


‫‪http://www.adabmag.com/topics/palestine/9josephmassad.pdf‬‬

‫‪   .12‬هل الدولة الديمقراطية العلمانية هي الحل؟‪ H،‬مجلة سواسية‪ ،‬العدد‬

‫‪http://www.cihrs.org/periodicals/Sawasiah/A_45- ،45-45‬‬
‫‪46/Sawasiah_A_45-46_16-17.htm‬‬

‫‪      .13‬أكرم اليوسف‪ ،‬دور الحكاية في حياة سعد اهلل ونوس وموته‪،‬‬

‫مسرحيون‪http://www.masraheon.com/191.htm ،16/2/2004 ،‬‬

‫‪      .14‬أمنية طلعت‪ ،‬سعداهلل ونوس‪..‬المحكوم باألمل حتى آخر لحظات‬

‫حياته‪ ،‬البيان الثقافي‪ H،‬العدد ‪.11/3/2001 ،61‬‬


‫‪   .15‬حسن عطية‪ ،‬الوعي التاريخي ومعادلة المثقف‪ -‬السلطة في أعمال‬

‫ونوس أنية الوقائع‪ ،‬مجلة فصول‪ ،‬المجلد السادس عشر‪ ،‬العدد األول‪ ،‬الهيئة‬

‫المصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬صيف ‪.1997‬‬

‫‪   .16‬خالد بن مبارك الوهيبي‪ ،‬مصادرة الفكر‪..‬الصراعـ التاريخي بين‬

‫المثقف والسلطة‪ ،‬بالغ‪( ،‬بدون تاريخ)‪،‬‬


‫‪http://www.balagh.com/islam/550v5cbz.htm‬‬

‫‪      .17‬خالد محي الدين البرادعي‪ ،‬خصوصية المسرح العربي‪،‬‬

‫منشورات اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪.1987 ،‬‬

‫‪   .18‬د‪ .‬الرشيد بو شعير‪ ،‬التراث الشعبي الفلكور‪ ،‬الملتقى‪ H،‬بتصرف عن‬

‫كتاب دراسات في المسرح العربي المعاصر‪ ،‬دار األهالي‪ -‬ط‪،1997 ،1‬‬


‫‪http://www.multaka.8k.com/multaka/turath.htm‬‬

‫‪   .19‬رياض عصمت‪ ،‬التجارب المسرحية الجديدة في المسرح السوري‬

‫الحديث‪ H،‬مجلة األقالم‪ ،‬عدد خاص من المسرح العربي المعاصر‪ H،‬العدد ‪ ،6‬بغداد‬

‫‪.1980‬‬
‫‪      .20‬سعد اهلل ونوس‪ ،‬بيانات لمسرح عربي‪ ،‬دار الفكر الجديد‪ ،‬بيروت‬

‫‪.1988‬‬

‫‪      .21‬سعد اهلل ونوس‪ ،‬الملك هو الملك‪ ،‬دار األدب‪ ،‬ط ‪.2002 ،5‬‬

‫‪      .22‬د‪ .‬صفاء خلوصي‪ ،‬دراسات في األدب المقارن والمذاهب األدبية‪،‬‬

‫مطبعة الرابطة‪ -‬بغداد‪.1958 ،‬‬

‫‪      .23‬عبد اهلل العروي‪ ،‬مفهوم األيدولوجيا‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬ط‬

‫‪.1984 ،3‬‬

‫‪      .24‬عبد الرحمن بن زيدان‪ ،‬قضايا التنظير للمسرح العربي من‬

‫البداية إلى االمتداد‪ ،‬منشورات اتحاد الكتاب العرب‪ H،‬دمشق‪.1992 ،‬‬

‫‪   .25‬د‪ .‬فاضل خليل‪ ،‬سعد اهلل ونوس الملك هو الملك أنموذجا‪ ،‬المسرح‬

‫دوت كوم‪( ،‬التاريخ غير متوفر)‪http://www.al- ،‬‬


‫?‪masrah.com/arabic/modules.php‬‬
‫‪name=News&file=article&sid=834‬‬
‫‪   .26‬فيصل دراج‪ ،‬كنافي وونوس‪ :‬بابان إلى المدينة الفاضلة‪H،‬‬

‫‪ ،25/7/2002‬شبكة سوريانا‪،‬‬
‫?‪http://www.souriana.com/modules/news/print.php‬‬
‫‪storyid=474‬‬

‫‪   .27‬نديم معال‪ ،‬يوم من زماننا لسعد اهلل ونوس شهادة على الراهن‪،‬‬

‫نزوة‪ ،‬بدون تاريخ‪،‬‬


‫‪http://www.nizwa.com/volume11/p101_105.html‬‬

‫السنة الخامسة‪ :‬العدد ‪ :36‬شتاء ‪-  2008‬‬

You might also like