Professional Documents
Culture Documents
لعل من نافل القول إن حديث السياسة صبغ بالكثير من الكالم التبريري األيديولوجي ،والذي يعلي من
شأن «المصلحة» ،باعتبارها نبراس السلوك السياسي .وحري بي أن أنبّه إلى االنتقال الكبير الذي طرأ في
تمثلنا للسياسة وما يحيط بها ،بين القدماء الذين مزجوا تدبير الناس بتدبير هللا للكون ،والمحدثين الذين حاولوا
الفصل والتمييز ،بل إقامة الحدود بين عالم قائم بذاته ،وهو عالم السياسة وما عداه.
أحاول في دراستي هذه ،أن أعود للضرورات العلمية والمنهجية لعملية التمايز والفصل التي تمت بين
السياسة ،باعتبارها البحث عن المصلحة ،واألخالق أو «النزعة المبدئية» في فكر وائل حالق ،خاصة
وأن الباحث كان له هم واضح ،يروم من خالله استكشاف اعوجاجات الحداثة ،وأثرها السلبي على عملية
«تثوير» الفكر اإلسالمي عامة ،والفكر اإلسالمي السياسي على وجه التخصيص.
إن سؤال العالقة بين المصلحة واألخالق ،تنظيرا وتطبيقا في الفكر السياسي اإلسالمي ،من االهتمامات
التي تفرض نفسها ،فهل من عالقة بين المحددين المذكورين في التصور للفعل والممارسة السياسية داخل
البيئات اإلسالمية؟ وكيف عالج وائل حالق هذا التفصيل على ضوء إعادة اشتغاله على الشريعة والقرآن
كمصدرين للمنتج الفكري اإلسالمي؟ وما الحاجة المعاصرة ،إلعادة التفكير في اشتراط التزام/إلزام أخالقي،
للفعل السياسي المصلحي؟
2
مقدمة:
يعد وائل حالق ،المفكر واألكاديمي الكندي الجنسية ،الفلسطيني األصل واالنتماء ،واإلسالمي الهوى
والميول الفكري ،مفكرا ما بعد حداثي* بامتياز – إذا اعتبرنا أن ما بعد الحداثة هي حركة نقد معرفي و ُِجهت
للحداثة – وناقدا للمشروع الحداثي عامة ،ونسخته األوربية على وجه التخصيص.
كما يعد مفكرنا ،واحدا من أهم األعالم الجدد والجادين للتنظير الفكري اإلسالمي المعاصر ،خاصة
باشتغاله وانشغاله المثير لالنتباه – وللجدل – على مباحث إسالمية ،كأصول الفقه والشريعة والحكم اإلسالمي
عامة ،ومبحث األخالق خاصة ،والذي ه ومناط االهتمام في ورقتي.
نبّه حالق ،لضرورة ممارسة نقد مزدوج ،األول يٌ َوجه للحداثة ونسختها األوروبية تحديدا ،نصا
وتطبيقا .والثاني -وه و ُم َتض َمن في النقد األول – فيفكك وينقد الرؤى اإلسالمية ،داخل بناها الفكرية ،تنظيرا
وتطبيقات تاريخية.
وإذ يمارس حالق هذا النوع من النقد؛ ألن له يقينا ،مفاده «أننا إذا أمعنا النظر في النقد األخالقي الداخلي
بعد الحداثة الغربية ،نجد نظائر قريبة ،بل متطابقة بدرجة كبيرة بين ذلك النقد والمعاني المستترة للدعوة
اإلسالمية الحديثة لتأسيس حكم إسالمي»1؛ أي إن مخرجات عملية التفكيك والنقد المعرفية المزدوجة هاته؛
ُشتركة) ،وخاصة في تمثل
للحداثة وللمتن الفكري اإلسالمي ،تأول إلى نتائج جد متقاربة ويمكن أن نسميها (م َ
ُكو َنة له ،نفسيا ،واجتماعيا ،وفي مقدمتها األخالق.
اإلنسان وأبعاده وخصائصه الم ِ
أحاول في هذه الدراسة ،أن أحلل منظور وائل حالق ،لمركزية األخالق في رؤيته النقدية الما بعد حداثية
اإلسالمية* ،في تقاطعها – إن و ُِجد هذا التقاطع – مع إحدى أحجار الزاوية في البناء الحداثي الغربي ،وهي
مقولة المصلحة ،باعتبارها عقلنة للفعل اإلنساني؛ فرديا كان أ وجماعيا.
ألصوغ إشكاال كالتالي :ماهي إذن أبرز أسس النقد الحالقي المزدوج للحداثة الغربية ،وللفكر السياسي
اإلسالمي؟ وكيف عالج حالق – على ضوء هذا النقد المزدوج – مبحثي األخالق والمصلحة ،باعتبارهما
وجهين – متنافرين – لنفس العملة؟ وهل يمكن الجمع بين هذين األسين في الفكر السياسي اإلسالمي ،وبأي
شكل؟
-1حالق وائل ،الدولة المستحيلة :البإسالم والسياسة ومأزق الحداثة األخالقي ،ترجمة :عمر وعثمان ،مراجعة :ثائر ديب ،المركز العربي لألبحاث
ودراسة السياسات ،الطبعة األولى ،بيروت أكتوبر ،2014ص 26
* لعل هذا التوصيف ،قد يبد وغريبا ،ولكن أعني به رأسا ،االنتماء االبيستيمولوجي واألكاديمي لحالق ،باعتباره مفكرا وناقدا ما بعد حداثي ،وفي
نفس الوقت منظرا وناقدا إسالميا.
3
أوال -نقد مزدوج للحداثة والفكر السيايس اإلسالمي ،عند وائل حالق:
ال أبغي في ورقتي هاته ،عودة للتأصيالت األولى لماهية السياسة؛ وماهية األخالق – وإن كان األمر
ذا إفادة – ولكن أروم عرضا مقتضبا لما قدمه واحد من أهم المفكرين اإلسالميين المعاصرين؛ وائل حالق،
في موضوعة ال زالت سجالية ،وهي العالقة بين الفعل السياسي والمحددات القيمية ،أ وبتعبير أكثر وضوحا
العالقة بين السياسي واألخالقي.
يرى المفكر الفلسطيني ،وائل حالق أن محاولة فهم التاريخ اإلسالمي – واألمر ينسحب كذلك على
واقعه – ال يتم سوى بدراسة وافية ،ناقدة وعلمية للمنجز الحداثي ،باعتبار أن هذا األخير يطرح نفسه كقاطرة
البدائل االجتماعية ،التي يمكن أن تدخل المجتمعات الما قبل -حداثية ،للمرحلة التي تعتبر العنوان العريض
للعالم اآلن وهي الحداثة .وتندرج هذه الممارسة الحالقية ،للنقد ،في إطار اشتغاله على عالقة العام /الحداثي،
بالخاص/الما قبل-حدثي ،ولعل من أهم المحاور التي أوالها حالق ،اهتماما واضحا ،األخالق والسياسة
وخاصة أن الحداثة أنتجت لنا ممارسة للسياسة منفلتة إلى حد كبير من كل إطار قيمي/أخالقي.
إن للحداثة ورطة ،متعددة المظاهر والجوانب ،سرعت من تأسيس حقبة معرفية كبرى ،وهي ما يعرف
ب (ما بعد-الحداثة) ،وقد كان من أهم الموضوعات التي ووجهت من كبار منظري هذه الحركة/الحقبة
المعرفية بالكثير من النقد ،مبحث األخالق .ولعل مناط عمل الورقة ،إظهار قدر ة هذا األس األخالقي ،والذي
يعد مكونا رئيسا في التنظير السياسي اإلسالمي ،على قبول اإلبحار – إن جاز الوصف – في اتجاه مغاير،
فرضته بوصلة القارب الحداثي وه واتجاه المصلحة.
بتعبير أكثر جالء ،لكل غامض ،أبغي معرفة إمكانية تأسيس تالق بين المصلحة –باعتبارها أقنوم
الحداثة وفكرها السياسي – من جهة واألخالق من الجهة المقابلة ،كحجر زاوية في معظم أدبيات الفكر
السياسي اإلسالمي.
في البداية أجدني منحازا ،وبشكل كلي ،لهذه الدعوة الحالقية التي أطلقها الرجل في مقدمة كتابه »الدولة
المستحيلة« ،الصادر سنة ،2013والتي يؤكد فيها على وجود ضرورية تاريخية و ُملِحة لـ «مراجعة
الحركات اإلسالمية لتصوراتها التاريخية والنظرية ومواقفها العملية بعد التطورات األخيرة ،وهي مراجعة
4
باتت حتمية بال أدنى ريب» ،2خاصة ما آل له التيار اإلسالمي ،بعد ما عرف بالربيع العربي ،من انحصار
وضبابية رؤية ،نتجت عن الفشل – أو اإلفشال – الذي طالها أثناء ممارستها للحكم.
ينبه مفكرنا ،في ذات اآلن ،لضرورة المساهمة النقدية الفعالة والمُب ِدعة ،لنا كمسلمين ،لواقعنا – الذي
أُن ِتج بفاعلية التاريخ – وكذلك للمن َتج الحداثي في نسخته األوربية .لهذا يعتبر حالق – ويشارك هنا طه
عبد الرحمن – أن المسلمين وعبر منتجهم الفكري الزاخر وتطبيقاته التاريخية ،ساهموا في إنتاج الحداثة؛
إذ «يمثلون اليوم نحو خمس سكان العالم وأنهم بقدر ما يعيشون في العصر الحديث ،فإنهم يعيشون أيضا
مشروع الحداثة .إنهم شأنهم شأن غيرهم ،جزء من ذلك المشروع» ،3بل لهم الحق في إبداع «الصيغة
اإلسالمية للحداثة» ،والتي «ترى أن األخالق مركزية ،وهي قيمة ال يمكن فصلها عن الدين والسياسة».4
يؤسس حالق مشروعة النقدي للحداثة األوروبية على طرح مفاده :غياب األساس األخالقي وال ِق َيمي
في التنظير الحداثي منذ عصر األنوار ،ولينسحب األمر كذلك على تطبيقاتها التاريخية ،فيقول« :وهكذا
قام صعود مشروع الحداثة بشكل كامل وعميق على إبعاد األخالق عما أسميه بالمجاالت المركزية للحياة
الحديثة المتجسدة في الدولة ،واالقتصاد الرأسمالي ،والمادية ،والتقنية ،والبيروقراطية ،والنفعية ،والمنطق
األداتي» ،5وقد نتج عن هذا الغياب/التغييب لألساس األخالقي والقيمي داخل المشروع الحداثي ،انعكاسات
جد سلبية متعددة الجوانب والمظاهر ،ولعل أهمها – وه وما يشغلني في المقال – هذا «التآكل العام المدمر
الذي يعتري المجاالت النفسية والروحية الداخلية للذات الحديثة».6
يرى حالق أن اإلسهام اإلسالمي في نقد المشر وع الحداثي األوربي ينبني أساسا على «إعادة إدخال
األخالق كآلية حاكمة للتكوين االجتماعي والذاتي» ،7حيث ُغيبت األخالق في التأسيس النظري ،والتطبيق
التاريخي للدولة الحديثة.
لقد أنتجت الحداثة منظومتها الفكرية الخاصة بها ،والتي صاغت معنى خاصا لإلنسان ،يمتح من معين
الفردانية ،والعزلة بالمعنى المباعد للجمع ،ويعلى قدر المنفعة ويجعلها ركن العالقة بين اإلنسان وأخيه –
5
إن لم نقل وعدوه حسب المتن الهوبزي – ولعل انتصار الدولة في السيطرة على مناحي المنظومة الحياتية
الحديثة ،عبر امتالك القوة والعنف والقانون وغيرها ،دليل قد يساعدني في اعتبار أن المعنى الحداثي
لإلنسان ،ه ومعنى قلق ومضطرب ،بل ومغترب عن ذاته وعن العالم.
يرى حالق ،وجوب تثوير تمثالتنا لماهية الحداثة ،وما يستتبعها ،ويتجلى هذا التثوير ،في إعادة االعتبار
للمحددات اإلسالمية للوجود ،اإلنسان ،االجتماع ،الحكم وغيرها .بتعبير أوضح ،إنها محاولة للخروج من
الثنائيات التراتبية المفروضة :حداثة/ما عداها وما قبلها ،مركز/هامش ،وصياغة عالقة جديدة؛ يكون فيها
لإلسالم ،الذي شكل هوية ووجود ومعنى المسلمين منذ 12قرنا ،شأن كبير وحضور بارز في تأسيس ما
يمكن تسميته «مشروع حداثة إسالمية» ،تنفرد أساسا عن باقي نسخ الحداثة األخرى ،وخاصة األوربية،
بكونها حداثة أخالقية.
إن النقد الحالقي للحداثة األوربية ،لم يكن استثناء ،أو شذوذا في الرؤية والتوجه ،بل كان محاولة
إسالمية منه – داخل الدوائر األكاديمية الغربية – لطرح وجهة نظر خارجة عن المركزية الغربية ،للمنتج
الحداثي األوروبي ،نقدا للمتن وكذا للتطبيقات التاريخية .كما أنه محاولة إسماع صوت غير-غربي ،فيما
يخص الم َُسلًمة التي تنظر للنسخة األوروبية من الحداثة وبما تحمله ،كحتمية تاريخية ولزوم اجتماعي،
وتُنصب التاريخ األوربي وصيا على تواريخ أخرى .ولعل أهم ما عُ ِني به الرجل ها ،ه وموضوعة األخالق،
وغيابها شبه التام – اللهم فيما ورد من تنظيرات المدرسة النقدية الما بعد حداثية – في التأصيل النظري،
وكذا في التطبيق التاريخي.
ربما الحظ الدارس للنص الحالقي ،أن فيه مبالغة في ميله للحديث عن األخالق ،ولكنه «اختيار واعي
وصائب ألن األخالق هي جوهر اإلنسان وجوهر مبحث القيم» ،وقد يعيب البعض على مفكرنا ،قصر
الحداثة على األخالق وغيابها ،خاصة وأنها «حررت اإلنسان من قيود القيم واألخالق عن طريق تعويض
األخالق بحرية العقل في اختيار السلوكيات» ،والتي انفلتت – أي السلوكيات االجتماعية لإلنسان – من كل
وازع أخالقي/قيمي وتنضبط فقط لـ «المصلحة والمنفعة واللذة».8
-8نون وئام ،سوالمية نسرين ،قضايا االستشراق عند وائل حالق «الشريعة ووعي الذات» ،مذكرة لنيل شهادة الماستر في الفلسفة التطبيقية ،غ.م،
جامعة 8اي ،1945الجزائر ،2022/2021 ،ص .47
6
«إن مسألة نقد الحداثة نمثل جزءا من وعي الذات» ،9وعي حقيقي ينطلق من عملية تمحيص وفحص
عميق ،ناقد للحداثة ،من زاوية إسالمية ،باعتبار هذه الحداثة كما أُ ِريد لها؛ على أقل تقدير ،هي منتج إنساني،
له سلبياته كما له اإليجابيات.
فما هو هذا الجديد النقدي اإلسالمي ،الم َُقدم كبديل عن مآزق الحداثة؟ وماهي أبرز مالمح هذه المقاربة
الحداثية اإلسالمية؟
لعل األصح نسبة «الحداثة اإلسالمية» للمفكر المغربي والفيلسوف اإلسالمي طه عبد الرحمن ،غير
أن وائل حالق دفع مشروعه النقدي خطوة أخرى لألمام ،لما قاطع طرحه الفكري الناقد للفكر اإلسالمي،
وخاصة جزأه السياسي ،برؤى «طه» ،خاصة في كتابه «إصالح الحداثة :األخالق واإلنسان الجديد في
فلسفة طه عبد الرحمن» الصادر سنة ،2020واشترك وبشكل صريح ،مع الفيلسوف المغربي في اعتبار
الحداثة منجزا إنسانيا ،وأن المسلمين لهم كل الحق واألهلية في تقديم رؤاهم الخاصة؛ وبدائلهم للحداثة
وداخلها ،باعتبارها مشروعا «كونيا» ،ولكون المسلمين جزءا من هذا المشروع كما صرح حالق.
ولما كان األمر كذلك؛ أي إن المسلمين هم جزء ال يتجزأ من مشروع الحداثة ،كان لهم من تم كل الحق
والمشروعية في نقدها ،ونقد مآزقها ،ومحاولة الدفع إلصالحها ،بما ال يتعارض مع محدداتهم الهوياتية
اإلسالمية ،وهوما أسميته حداثة إسالمية.
ولعل من أهم المالحظات – السجالية – التي قد تعترض هذا المفهوم «حداثة إسالمية» ،هوافتراض
تناقض إيتيمولوجي ضمني بين الحداثة من جهة ،واإلسالمي من جهة أخرى .باعتبار األولى؛ أي الحداثة،
هي صيرورة إنسان وتاريخ خاص؛ هوالتاريخ واإلنسان األوروبي ،أما الثاني؛ أي الوصف إسالمي ،فيحيل
رأسا على الدين اإلسالمي باعتباره رؤية للوجود والعالم ،وهذا فيه الكثير من الصواب للوهلة األولى ،غير
أن الربط المُقام هنا بين مصطلحين؛ متعارضين ظاهريا ،لنحت مصطلح جديد ببعد إيتيمولوجي جديد كذلك،
هو إدراك ضمني وناقد – كما أوضحت – لمآزق الحداثة األوربية التاريخية ،ومن تم ه ومحاولة اقتراح
بديل إبيستيمولوجي وتاريخي يبني على إيجابيات الحداثة – التي ال ينكرها سوى مجحف – وتجاوز ورطة
الحداثة الكبرى وخاصة السؤال األخالقي.
7
لعل من أعمق المآزق التي سقطت فيها الحداثة ،الفصل بين القانون واألخالق ،فقد عمدت النصوص
الحداثية إلى اعتبار القانون؛ س ٍنّا وتطبيقا ،قصرا على الدولة ،فاستتبع األمر َت ٍ
وار لألخالق في المشهد
المجتمعي العام ،باعتبار أن الدولة الحديثة ليست دولة أخالقية أوغير أخالقية؛ أي ليس لها كبير اهتمام
بحضور األخالق من عدمه.
َيع َت ِبر حالق أن البديل اإلسالمي لهذا الغياب – التغييب – لهذا المكون المرجعي األخالقي؛ داخل
صرح البناء الفكري للحداثة الغربية هو «إعادة الصياغة المُب ِدعة للشريعة والحكم اإلسالميين أكثر الطرق
المالئمة والبناءة إلعادة تشكيل المشروع الحديث الذي ه وبحاجة ماسة إلى إعادة البناء والتكوين على أسس
أخالقية» ،10باعتبار أن الشريعة عند حالق َمك َمن األخالق ،و ُم َتض َمنها ،مما يجعلها أساس كل تحديث
إسالمي أخالقي ،أو لنقل «حداثة إسالمية أخالقية» .ويقول في هذا السياق «تلك األخالقوية الكامنة بقوة في
الشريعة تُ ِ
فصح عن بنية مثالية تجعلها في منأى عن فوضوية الواقع االجتماعي والسياسي واضطراباته»،11
وهو رده على ذلك البراديغم الحداثي الغريب ،والذي يفصل القانوني عن األخالقي ،وبناء على هذا البراديغم
المزعوم – حسب حالق – يتم اعتبار الشريعة َمعيبة؛ ألنها تربط االثنين؛ ال بل وتدمجهما.
ولما يستقصي حالق ،مفهوما ذاع صيته ودرج ،في اشتغال الكثيرين ،بغية تجاوز عيوب الشريعة –
المُدعاة عنده – وهو مفهوم (اإلصالح) ،فهو يجده بذات درجة العيب ،كذلك .لكونه مفهوما منحازا ،ويتأسس
عند أصحابه على افتراض غير سليم ،وه وافتراض سُ ْقم الشريعة وضعفها ،وه وما يعترض عليه حالق،
ويستشكل عليه عند القائلين به ،باعتبار أن «نطاقا مذهال من اللغة مُشبع أيديولوجيا بحمولة مرهقة من المعاني
المرموزة ،متورط في تلك المخاتلة االصطالحية والمفاهيمية» ويعتبر أن حمولة مصطلح (إصالح) ،هي
حمولة ُم َوج َهة غير بريئة ،وغير علمية؛ ألنه «المصطلح المعياري المختار لوصف التحوالت التشريعية
التي أجريت في العالم اإلسالمي ،تحت تأثير الهيمنة األوربية المباشرة ،وغير المباشرة إذ هومصطلح
ُفصح عن موقف سياسي وأيديولوجي مفصل بعناية ،يفترض بالضرورة أن ثمة عيوبا في الشريعة وتحتاج
ي ِ
للتصحيح والتحديث» .12لست بمعرض تقديم رؤية نقدية لطروحات حالق ،فليس هذا سياقها ولعلي أفردت
لألمر دراسة منفردة ،غير أني أعتبر أن تشريح مفكرنا اإليتيمولوجي والوظيفي لمفهوم (اإلصالح) ،طغى
عليه – في ظني الخاص – الكثير من األدلجة – التي عابها هوبذاته -وطفح كالمه المثبت أعاله وغيره في
مواضع أخرى من كتابه «ما هي الشريعة؟» ،ببعد نوستالجي وأقول حالم ،ال يخاف من أن يُ َت َهم باالنزواء
-10حالق وائل ،الدولة المستحيلة ،مرجع سابق ،أنظر الهامش 15ص 23
-11حالق وائل ،ماهي الشريعة؟ ترجمة :طاهرة عامر – طارق عثمان ،مركز إنما للبحوث والدراسات ،ط .األولى ،2016بيروت ،ص 17
-12نفس المرجع ،ص ص19-18
8
المعرفي في الزوايا المظلمة والرطبة من منتجنا الحضاري اإلسالمي وخاصة جزئه التشريعي ،والذي
وجب اإلقرار – وبعيدا عن تحامل االستشراق – أنه كان هدفا وال زال لسهام نقد ،من قبل مشاريع فكرية،
إسالمية رزينة.
لهذا أعتبر أن اإلصالح ،التجديد ،النقد ،التحديث ...كلها مطالب معرفية وتاريخية ،تُ ْعلِن بدءا – ووجوبا
– عن وجود اختالالت ومآخذ بل ومآزق ،البد من الوقوف عليها مع الكثير من التدقيق والتمحيص والتشريح
العلمي ،بعيدا عن منطق األفضلية والخيرية.
فإذا كانت الدولة الحديثة هي التجسيد الواقعي/البشري للسياسة والقانون ،لكونها َت َملكتهما ،وحددت
أشكالهما وأوقاتهما ،وكذا مقوماتهما ،باعتبارها (مالكة) للفضاء العام ،فإن هذا ي َُح ِتم على المتبنين لطروحات
حداثية بديلة ،وناقدة ،وعلى رأسهم المسلمين أن ينجحوا في «تحدي التوفيق بين حقيقتين :األولى هي
الوجود الحقيقي للدولة وحضورها القوي الذي ال يمكن إنكاره ،والثانية هي الحقيقة األنطولوجية المتمثلة
في ضرورة استعادة شكل من حكم الشريعة» .13وبعبارة ال يعتريها اللُبْس ،الدولة الحديثة واقع ال يمكن النط
ُنجز للحقبة المعرفية الحداثية ،ولما كان األمر كذلك ،وجب على
عليه ،أو تجاوزه ،باعتباره أهم وأبرز م َ
المسلمين باعتبارهم يستشكلون على هذا اإلطار المعرفي ،أن يقترحوا رؤية – تقويمية /إصالحية – للدولة
تراعي أهم شروط حالق ،وهي ضرورة ورود شكل من أشكال حكم الشريعة ،وعلى رأسها البعد األخالقي.
فكيف قارب إذن حالق دعواه هذه؟ أي ،ماهي دفوعات الرجل في سعية [إلعادة إحياء الشريعة]* ،في
نظريات الحكم اإلسالمي؟ وما محل األخالق تحديدا ،من جملة المحاججات تلك الناقدة للحداثة؟
يقول حالق« :حتى بداية القرن التاسع عشر ،ولمدة اثني عشر قرنا قبل ذلك ،كان قانون اإلسالم
األخالقي ،المعروف بالشريعة ،ناجحا في التفاعل مع القانون المتعارف عليه واألعراف المحلية السائدة
وعن القوة القانونية واألخالقية العليا التي تنظم شؤون كل من الدولة والمجتمع» ،14أي أن الواقع اإلسالمي
9
وإلى حدود القرن 19م – قرن االستعمار األوروبي – كان أخالقيا ،معنى ذلك أن المحدد األخالقي كان
ي ُْؤخذ بعين االعتبار في أمور التدبير العام ،من زاوية الفعل السياسي ،الذي يسميه حالق «الحكم اإلسالمي»،
وموضوع هذا الفعل/الحكم؛ أي الجماعة المسلمة .وقد اعتبرت األخالقُ ،م َت َ
ض َم َنة في الشريعة ،مصدرا
أساسيا في تعيير الفعل/الحكم السياسي – فرديا أ وجمعيا – بل استطاعت أن تضفي «تنظيما جيدا» على
المجتمع كما وصف «جون رولز» ،مما ساعد على استمراره» ،15مما يؤكد ما ذهبت إليه في التعليق ،الذي
يرفض فيه حالق أي تلميح أ وتصريح – وخاصة االستشرافي ال ُمؤَدلَج – عن غروب شمس الشريعة ،منذ
القرن الرابع ،أ وحتى القرن الثامن الهجري.
قدم حالق العديد من الدفوعات ،يؤكد بها وفيها استمرارية األخالق ،عبر قناة الشريعة ،في عملية تأطير
الفرد والجماعة المسلمة ،وكذا السياسة اإلسالمية ،وقد اشتغل مفككا الفقه اإلسالمي ،والذي يعتبره مفكرنا،
من النماذج المعرفية اإلسالمية ،التي استوعبت الفسيفساء العرقية ،واإلثنية ،والدينية للمجتمع اإلسالمي ،بل
وشكلت «هذه التعددية المدهشة سمة جوهرية للفقه» ،وجعلتها تتفاعل جدليا مع هذه المتغيرات لتنتج «آليات
واستراتيجيات فقهية استطاعت أن تدبر هذا التنوع وتضبطه بجدارة» ،16وه وما تأتى عبر تنوع اآلراء
الفقهية ،ودخولها في حالة مُحاجة بين بعضها البعض ،وفي نفس المسألة الفقهية والتي قد تجد فيها عشرات
اآلراء ،مما يُستنتج منه أن «أصول الفقه» كانت متفاعلة وبشكل قوي مع الوقائع المجتمعية ،ولم تدخل في
حالة استاتيكية /مدرسية كما يدعي الكثير.
ويرى حالق ،أن تغليب الرأي الفقهي في مسألة ما ،عن غيرهَ ،ح َك َمه منطق «األرجح أو األصح
إبيستيمولوجيا» ،17هذا صحيح ،ولكن يجب التنبيه إلى كون الواقع والمتطلبات االجتماعية؛ كان لها التأثير
البالغ في رُ جحان رأي فقهي على رأي آخر ،وه وما أسميه «األصح اجتماعيا/أخالقيا»؛ إذ الفقه وأصوله
ومسائله ،هوالتعاطي اإلسالمي مع محددات الجماعة اإلسالمية ،ومكوناتها ،في شق العبادات والمعامالت،
وهوما سأعود له بتفصيل في الحقا.
المثال اآلخر ،الذي يُحاجج به حالق ،ويؤكد عبره حضور األخالق الدائم والمستمر في االجتماع
اإلسالمي ،هو القضاء ،والذي يعتبره مفكرنا ،تبيئة قانونية/أخالقية للشريعة والفقه ،فقد «كان القاضي
يتوسط بشكل دياليكتيكي بين المتطلبات األخالقية واالجتماعية (التي كان مشتركا فيها) من ناحية ،وبين
المتطلبات الفقهية من ناحية أخرى ،والتي كانت تعترف بفوقية كل من القانون األخالقي غير المدون
10
والروابط االجتماعية المؤسسة أخالقيا»18؛ أي إن القاضي لم يكن غريبا عن البيئة الثقافية ،والعرفية الدينية
واألخالقية ،لوسط اشتغاله ،بل العكس تماما .فقد كان على دراية تامة بها ،وبتعقيداتها ،وه وما يالحظ مثال
في عمليات التحقيق التي يقودها في النوازل المعروضة عليه ،بين المتنازعين ،إذ كان القاضي ونوابه،
يتأكدون من أطراف النزاع ،وخاصة وضعهم االعتباري في المجتمع ،ومن سمعتهم األخالقية – ربما ما
يشبه جرحا وتعديال للمتقاضين ،على منوال أهل صنعة الحديث ،-وقد كان القاضي يحكم بأحكام متباينة في
نفس النازلة ،مراعاة منه الختالف هذه المحددات المشار لها ،بين الناس عامة ،والالجئين للقضاء خاصة.
فقد يكون الشخص معروفا بالعفاف ،غير أنه أتى فعال مغايرا لذلك ،ومعروفا بالصدق واألمانة ،وصدر منه
ما قد يشذ عما عُ رف به بين الناس ،فيأخذ القاضي بعين االعتبار هذا كله في أمر جلل وه وإصدار حكم في
نازلة ما ،توخيا منه الحذر وابتغاء لمرضاة هللا.
وال ننسى هنا ال َمقصد الديني األسمى للقضاء ،وهو تحقيق العدل ،وإعطاء الناس حقوقها ،ولن يتأتى
هذا سوى ب(تليين) فعل التقاضي ،وجعله َك ِيسا ،لبلوغ مقصده ذاك .أضف أن المتقاضين كانوا يترافعون
بأنفسهم ،باعتبار المعرفة القانونية لم تكن تقنية كما ه والحال اآلن ،مما يجعل القاضي يلمس – في ظني
الخاص _ تلك النوازع الذاتية والموضوعية – وخاصة القيمية منها – لهؤالء وإلتيانهم هذا الفعل أ وذاك،
وخاصة مدى الصدق في القول ،وما تنطوي عليه سريرة المتقاضين .وه واألمر الذي ال يمكن أن نتخيل
حضوره في الشكل الحديث للتقاضي ،والذي غلب عليه البعد التقني/األداتي/البيروقراطي.
لقد كانت المحكمة جزءا أصيال من بنية المجتمع اإلسالمي الما قبل حديث ،وهذا يعني أنها كانت
تنبض بنبضه ،وتنشغل بانشغاالته ،ومن هذا المنطلق حرص القضاة حرصا شديدا على الحساسية القيمية
واألخالقية «فالقيم المشتركة مثل الشرف والنزاهة والعار والفضائل االجتماعية-الدينية قد عرفت طريقها
إلى ساحة القضاء» .19ولعل من أبرز مظاهر ذلك حرص مؤسسة القضاء الدائم على رأب الصدع ،وتقديم
الصلح وحل النزاعات عن طريق التفاوض ،وهوما كان مقبوال كذلك عند المتقاضين أنفسهم .وبعبارة
أخرى ،خاطبت المؤسسة القضائية اإلسالمية الناس ،بنفس خطابهم ،وأبانت عن حرصها الشديد على صون
قيمهم وتغليبها في فعل التقاضي ،وفي إعطاء الناس حقوقهم ،فقد «كان المجتمع المسلم التقليدي منغمسا في
منظومة القيم التشريعية –القانونية التي أرستها الشريعة ،بقدر ما كانت المحكمة بدورها منغمسة في القضاء
األخالقي للمجتمع» ،لقد كان المجتمع اإلسالمي يعيش حقا الشريعة وأخالقها؛ ويتمثلها في تفاصيل حياته،
ولعل «من هم السمات البارزة لهذا المجتمع أنه كان يعايش اآلداب واألخالق التشريعية التي شكلت األسس
11
الدينية والعرفية للممارسة االجتماعية» ،20لقد كان مجتمعا ذ وعرض بشري وجوهر ديني/سماوي ،إن
وظفنا مفاهيم علم الكالم.
من النماذج التي يسوقها حالق؛ في محاججته عن فكرته حول مركزية األخالق في التاريخ واالجتماع
اإلسالميين ،مسألة مكانة المرأة ،وخاصة في ظل االدعاء عند بعض الطروحات االستشرافية ،أن التاريخ
اإلسالمي لم يكشف لنا عن مظاهر تشريف المرأة المسلمة ممارسة وواقعا ،يساوق فيها المتن الديني على
األقل .بل على العكس تماما وجدنا – كما يدعي هؤالء – أن المرأة عانت وضعية دونية في مجتمع الرجل
المسلم.
بعد نقاش مطول خاضه حالق ،يدافع فيه وبقوة ،عما يعتبره ه والمكانة الفضلى للنساء ،واقعا ،في عملية
التقاضي ،طرح مثاال خاصا وه والطالق ،وأفاد أن هذه العملية كانت تخضع ألمرين ،األول :حق شرعي
للزوج ،ويأتيه متى شاء ،والثاني :تأطير واقعي لهذا الحق الشرعي ،لدرجة أدت لقلة قضايا الطالق في
سجالت المحاكم – خالل العهد العثماني مثال – وبالمقابل كثرة قضايا الخلع ،لكون قرار الخروج من المؤسسة
الزواجية في هذه الحالة يعود للمرأة ،فيقول« :والحال ،أن قلة شيوع الطالق مقارنة بالخلع يوضح – في
هذا السياق – ثالث سمات مهمة للمقاربة اإلسالمية إلنهاء الزواج :األولى :في الوقت الذي كان فيه الطالق
امتيازا حصريا للزوج ،فقد كان ثمة (ثمن) .عليه أن يدفعه في مقابل هذا االمتياز» ،وقد نتج عن هذا الواقع
الكابح لهذا االمتياز الديني للرجل ،نقصان كبير في قضايا الطالق ،من زاوية «الروادع المالية الضخمة»
هذا صحيح ،وكذلك ،لقوة «الروادع الشرعية واألخالقية التي رسختها القيم الفقهية واالجتماعية».21
كما أن حالق نبه لما كان للطالق من أهمية كبرى في تحسين الوضعية المالية واالستقالل االقتصادي
للمرأة من جهة ،وفي المقابل تأزيمه عند الرجل ،لكون الطالق إن وقع «قد يكون بمثابة نقل للملكية في اتجاه
واحد ،من الزوج للزوجة» ،األمر الذي يصب في مصلحة الزوجات المطلقات ويمكنهن مثال من «شراء
نصيب أزواجهن في منزل الزوجية» ،22وهوما أدى لعزوف األزواج وترددهم الكبير في تفعيل هذا الخيار،
الصعب أخالقيا وقيميا ،والمكلف ماديا.
أكتفي بما سقت من نماذج ،لدفوعات حالق ،وأعتبرها قد أوفت الغرض منها ،للتأكيد أن المجتمع
اإلسالمي القديم كان يتأطر بالشريعة فكريا ودينيا ،ويعيشها ممارسة وواقعا ،وأن الوضع كان يؤشر عن
12
ارتباط عضوي/بنيوي بين القانون واألخالق ،بين المؤسسات القانونية والحساسيات األخالقية والقيمية
الفاعلة في المجتمع ،وكذا بين أهل الحل والعقد الشرعيين وعموم المسلمين.
إن وددت أن أقدم لهذا المبحث ،فال بد من طرح السؤال التالي :إن كان المسلمون قد حكموا أنفسهم
بالشريعة – وعاشوا بها – على مدار اثني عشر قرنا من تاريخهم قبل االستعمار أو صدمة الحداثة ،وإن
كانت هذه األخيرة قد بنت نموذجها لإلنسان والمجتمع على (تحييد) األخالق ،فماهي أهمية هذا األساس
القيمي واألخالقي في البديل اإلسالمي؟
وقد أدى هذا الوضع التراتبي ،لتأسيس براديغمات ،فاعلة أيديولوجيا ،تعتبر أن ال شكل وال معنى للوجود
واالجتماع البشريين ،سوى ذاك الحداثي الغربي ،وأن ال تاريخ ومعرفة مبنية عنه ،سوى ذاك المستمد من
األطر المرجعية الحداثية الغربية ،مما أنتج نطاقا مركزيا أوربيا/غربيا ه والعُمدة ،ونطاقات غير أوربية /
غير غربية ،ال تعد وأن تكون مؤثثا للمشهد الحضاري على أحسن تقدير.
وكما أن لكل فعل ،رد يماثله في الدرجة ويخالفه في المنطلقات ،فقد أنتج في البيئة اإلسالمية رد فعل
أيديولوجي في شق كبير منه ،تمظهر في دعوات للعودة للذات والتأسيس لالنغالق الهوياتي اإلسالمي ،كما
قدمته بعض من التنظيرات المحسوبة على الفكر السياسي اإلسالمي ،خالل ما عرف ببدايات عصر النهضة
اإلسالمي ،مع العلم أن جزءا من المكون الحركي للفكر السياسي اإلسالمي «هي ظاهرة حداثية» ،أي
«ظاهرة لم تكن ممكنة بغير الحداثة ،وأنها رد فعل على الحداثة ،بقدر ما هي منتوجها».24
13
فإن كان األمر ،كما وصفه حالق ،تطلعات أخالقية وثقافية إسالمية ال تجد نفسها ومطلوبها ،في النسخة
الحداثية الغربية المفروضة عليها ،فما الحال المقترح لتجاوز هذا المأزق الكبير؟
ينطلق حالق من فكرة أساس ،وه ومركزية األخالق اإلسالمية .فإن كان كا المكون األخالقي كان
من عُ َم ِد االجتماع اإلسالمي ،قبل االستعمار ،فيجب أن يبقى كذلك ،باعتبار األخالق والمعطيات القيمية
هي النطاق المركزي في الرؤية اإلسالمية ،وه وما دعمه مفكرنا بحجج معرفية متنوعة .ولما كان حالق،
كما بينت سالفا ،يرفض الفصل االستشرافي بين القانون واألخالق ،ويعتبر أن عكس هذا االدعاء هو الذي
و ُِجد في البيئة اإلسالمية ،نظرا لكون الشريعة ليست فقط مدونة قانونية باردة ،وبدون روح ،بل هي نظام
أخالقي قائم بذاته ،إذ األخالق في المقاربة اإلسالمية غالبة على القانون ،ومؤطرة له – مقاصديا .فإنه يذهب
لضرورة استعادة الشريعة وجعلها حاكما فيما يمكن أن يكون عليه ،هذا التمثل اإلسالمي-الحداثي الجديد،
سواء للفرد المسلم وللجماعة كذلك .وهو ما أواله أهمية واضحة لما فكك ما أسميه بـ «فلسفة العبادات»
في اإلسالم ،باعتبارها تتجاوز البعد الطقوسي-الحركي الروتيني ،إلى إدراك أعمق لماهية اإلنسان المسلم
الطيع للخالق الكلي القدرة ،في النطق بالشهادتين ،إذ «شهادة أن (ال إله إال
وخاصة أبعاده القيمية ،كاإلذعان ِ
هللا) هي راية االستسالم إلى النظام األعلى ،وكل ما يمثله» ،25ومن ثم فهي انتماء ضمني لنظام وجودي/
قيمي.
ومن محددات عمق هذه الفلسفة العباداتية اإلسالمية ،أسبقية النية في كل فعل ،لكونها ذاك اإلقرار
الروحي على توجيه العبادة خالصة هلل ،وه والدخول في حالة التركيز وال َتفرُ د في آدائها ،بدون التأثر
بالشواغل األخرى ،ولهذا «يعتبر توافر النية في األعمال العبادية المتكررة ضمانا لعدم القيام بالفعل كأداء
جسدي آلي يفتقر إلى المحتوى ،كفعل يُغرس في العقل والروح وفي الملكات العقلية والشعورية لدى كل
أداء ،كأنه يؤدى كل مرة ألول مرة» .26إن حضور النية في العمل العبادي ضمان اإلبقاء على معناها
وتحققه ،فالنية في الصالة بلوغ معنى االرتباط بالخالق ،وفي الزكاة هي تأكيد لصواب فلسفة الجسد الواحد
في الحديث الشريف؛ ألنه معنى األخوة اإلسالمية ،وغيرها من المعاني العميقة والقوية ،والتي هي عُ َمد
فلسفة أخالقية قائمة بذاتها في الممارسة العباداتية للمسلم.
تطرق حالق ،وهو يقدم لرؤيته الحداثية/األخالقية البديلة ،للفلسفة األخالقية القرآنية ،واعتبر أن جوهر
التعاطي القرآني مع األخالق؛ ومقصده األسمى ،هوإتيان الخير ودفع الشر .ونبه مفكرنا ،إلى حفز القرءان
14
الدائم الناس على فعل الخير ،لكونه غاية هللا في خلقه ،بل إن «الكرم والقدرة اإللهيين صمما منظومة الخلق
وإعادة الخلق والموت بكاملها – أي سلسلة القوانين التي تحكم عمل الكون – خصيصا ن أجل هدف وحيد،
وه وحفز الناس على عمل الخير» ،27ويتجلى التطبيق العملي ،أ وإمكانيته – على أقل تقدير – في التركيز
القرآني الدائم على عمل الصالحات ،والذي ه والقناة القرآنية إلتيان هذا الخير ودفع الشر.
إن النص القرآني مليء بآيات ،توجه عمل المسلم الموحد والمؤمن ،للصالح منه ،وتحثه عليه ،ابتغاء
رضى هللا والفوز الدنيوي؛ كما األخروي .كما جاء في سورة النمل ،مثال ،من قوله تعالى« :من عمل صالحا
من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون» ،28وقول هللا
جل وعلى ،كذلك« :وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا» ،29وغيرهما
من المواضع القرآنية الكثيرة .ونجد أن القرآن الكريم ،وازن ،وجعل من شروط ائتمان شر الظلم وهضم
الحقوق ،اجتناب العمل الطالح وتعويضه بأعمال فيها مصلحة للذات المسلمة المؤمنة بداية ،وللناس ،ذات
قيمة وحمولة أخالقية رفيعة ،مصداقا لقول هللا عز وجل ،في سورة فصلت« :من عمل عمال صالحا فلنفسه
ومن أساء فعليها وما ربك بظالم للعبيد».30
إن هذه الفلسفة القرآنية ،الحاثة على جلب المصلحة بالعمل الصالح الخير ،ودفع المفسدة ،أساس نظري
معرفي/وجودي ،يؤطر سلوك المسلم ،ويؤثر فيه .إنها تمثل منظومة تربوية قرآنية متماسكة ،تجعل من القيم
واألخالق نبراس السلوك اليومي للمسلم ،بغية تحصينه من أفعال السوء ،بتذكير دائم ومتكرر بضرورة دفع
الشر بفعل الخير.
وقد ارتبطت الفلسفة األخالقية القرآنية ،وكذا الشريعة ،بمنظومة لها أهميتها كذلك ،وهي الجزاء والعقاب.
فكان من المالحظات/االتهامات التي وجهت لها ،ال ِغلظة في العقاب وأحكامه ،مما ال يتسق ،كما تزعم هذه
االتهامات ،مع مقصد العدل والرحمة الربانيين .وهنا نجد مفكرنا ،يجادل هذه المزاعم ،ويتحفظ على قياس
العقوبة اإللهية بعقوبة الدولة ،ويعتبر األمرين متمايزين ،لكون العقوبة اإللهية إن ُغلِظت؛ ففي حق الظلم
والظالمين« ،ذلك أن هللا ،بالنسبة إلى من يستحقون العقاب ،جبار وشديد العقاب بدرجة وبصورة ال يمكن
للعقل البشري تخيلهما» ،ويقل حجم العقوبة وشكلها ،وربما آلت لرحمة وتوبة من هللا ،إن كان الفعل من أناس
ليسوا ذوي الدور االجتماعي البارز والمكانة المُتص ِدرة ،فيكون إثمهم في حق أنفسهم والناس وهللا ،أقل مما
15
هو عليه ،فعل غيرهم من ذوي الحظوة « .أما بالنسبة إلى صغار اآلثمة واألكبر من ذلك قليال ،فهوغفور
رحيم .والتوبة تنفع .».ومن عدل هللا ،أن جعل تقييم أفعال العباد ،ي َُس َبق فيه العمل الصالح والحسنات ،على
العمل الطالح والسيئات ،وتُستبدل الثانية باألولى «فهي ال تغفر كثيرا من الذنوب فحسب ،بل يًثاب العمل
الصالح يكون له تأثير مقابل للسوء في الحساب النهائي» ،بل ويتجاوز العمل الصالح وحسناته في هذه
الحالة ،العمل السيء وذنوبه ألن «الثواب مضاعف» .31يقول هللا تعالى في سورة آل عمران« :وأما الذين
آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم» ،32إن هذه اآلية وغيرها ،تُظهر بل وتؤكد هذا التمييز اإليجابي
الرباني للثواب على العقاب ،بوصفه من أهم أشكال ِحلم هللا بعباده؛ وعدالته بينهم ،ويؤكد هذا بما ليس فيه
مجال للسجال ،أن فلسفة القرآن في الحث على إتيان الخير وعمل الصالحات ،هو «بالتعريف (قربى) من
هللا في الدنيا واآلخرة».33
إن فلسفة األخالق القرآنية ،وما يساوقها من ثنائية ،ثواب وعقاب ،مقصدها ه وإقامة العدل بين الناس،
والخير ،نقيض قيمي للطرح البراغماتي/األداتي ،الذي يرى أن األعمال الخيرة هي
ِ عبر تغليب الصالح
األعمال النافعة والمصلحية ،وما عداه من أفعال ال تجلب المصالح وتجلب الضرر فهي غير أخالقية* .قد
كان النقاش الفلسفي األخالقي حول إشكالية ،األخالق في ذاتها ،أم األخالق لوظيفتها ،يصب في هذا التحول
الكبير الذي تم ،من األخالق المتعالية ذات المصدر اإللهي ،إلى أخالق وضعية يُرسمها اإلنسان ويضفي
عليها طابع النسبية؛ أي المرور من األخالق المطلقة في ذاتها ،لألخالق النسبية لوظيفتها.
لقد أكد الدين اإلسالمي أن األخالق والقيم معطى فطري طبيعيُ ،م َت َ
ضمن في اإلنسان ،ولم يقم سوى
باستنهاض هذه المعطيات ،وتكثيفها ،خاصة بقرنها بالقربى من هللا ،وبمصلحة الناس ،وتحقيق العدل كمقصد
أسمى وغاية أكبر .وهي كذلك ضرورة يقتضيها العيش واالجتماع البشريين ،فالناس ليسوا جمادات ،أو
حيوانات ،أو روبوتات ،تُ َطبق فقط ،دون َت َمثُل ما تطبقه ،وتقييمه ،بل وتقويمه كذلك .ولهذا كانت األخالق
باعتبارها استعدادات فطرية لدى البشر ،يقتضيها العيش المشترك ،مفروضة من هللا؛ إلعطائها القوة الداللية
الالئقة بها ،والالزمة لها .وباعتبار هذه القوة الداللية للقيم ،وه وما يكون بتذكر وتأكيد إلهي ،فاألخالق
الوضعية المتمحورة حول اإلنسان ،فاشلة عند وائل حالق ،لكونها خاضعة لموضوعها؛ أي إن األخالق
الوضعية في الطروحات الحداثية وغيرها ،تجعل موضوعها والذي هو اإلنسان ،فاعال ،في عالقته بها،
بل ومسيطرا ،عبر تقليص أو تمديد لمجال الحضور األخالقي ،وربطه بالمنفعة ،بل ودفع األخالق لنطاق
16
ثانوي ،مقابل هيمنة العقل ذي النطاق المركزي .وهذا ما يمنع األخالق/القيم الوضعية ،من كبح جموح
العقل ،ومن تم كبح جموح اإلنسان.
إن مركزة األخالق ،ودفعها للنطاق المركزي مرة أخرى ،لن يتم حسب حالق سوى ،بالخروج من
المغاالة في محورة اإلنسان والعقل ،واالبتعاد عن سطوة التيار النفعي ،الذي أقام صرحا تعبديا لقيم المتعة،
والسعادة الطارئة ،والمصلحة الفردية الضيقة.
يعتبر حالق ،أن الوعي بالذات المسلمة – وعيا فوكويا – شرط أساسي في بناء األخالق اإلسالمية،
أخالق الشريعة اإلسالمية تحديدا ،والتي تنظم عيش الناس وتكفل سعادتهم وراحتهم في الدنيا ،وتحافظ على
حقوقهم ،كما تراعي حاجتهم وضعفهم ،وتحثهم وتدفعهم على بذل الجهد والطاقة فيما ينفع الدين والدنيا،
وهوما أوضحته سابقا فيما أسميته بفلسفة العبادات ومنظومتها .ويقترح حالق ،هذه األخالق اإلسالمية،
كجمع معرفي بين الحداثة واألخالق ،والشريعة ،ما يؤهلها لتكون بديال معتبرا لدعوات إصالح الحداثة
الغربية.
يطرح حالق ،في نص مطول ،في كتابه «الدولة المستحيلة» ،شروط تأسيس النظام األخالقي وتحققه
كامال ،من خالل:
-5قاعدة أخالقية ،تنبني عليها القواعد القانونية العملية ،مثل المساواة ونظام العدالة االجتماعية القائم
في القرءان ،لخدمة المجتمع.
17
َ -8ت َم ًث ًل معنى آخر لمفهوم المواطن ،يرتكز على العالقات األخالقية المتبادلة بين أفراد المجتمع
األخالقي النموذجي.
34
-9اعتبار االهتمام بالنفس وتربيتها ،امتدادا للكون األخالقي.
إنها خريطة طريق ،لما يمكن أن يكون عليه الحكم اإلسالمي ،أ والبديل اإلسالمي للحداثة ،في تمثل
حالق ،والذي يتأسس و ًي َع َرف بقاعدته األخالقية اإلسالمية الواضحة ،ويلتزم بتجاوز كل مآزق الحداثة،
وعلى رأسها ،ورطة األخالق والقيم .وانطالقا من هذا ،يمكن تكثيف شروط الوصفة الحالقية ،لبديله ،في:
أوال :ضرورة تجاوز الفرد الالأخالقي الحداثي ،لإلنسان األخالقي ماهية وفاعلية ،ثانيا :سلطة تدبر الفضاء
ؤطر أخالقيا ،وأخيرا :قواعد قانونية منضبطة للقيم والفضائل ،لتأطير العقل وكبح جموحه. وت َ العامً ،ت َ
راقب ً
على ضوء ما رأيناه سابقا ،من إقرار ترابط بنيوي بين األخالق والمصلحة ،تغليبا للثانية على األولى
في التمثالت الحداثية ،ولألولى على الثانية في الطروحات اإلسالمية الكالسيكية .ما ه وجديد وائل حالق،
وكيف وازن بين المكونين البنيويين في االجتماع اإلنساني؟ وماذا يعني حالق بالمصلحة ،في ظل سيطرة
براديغم حداثي لها؟
اعتمدت الحداثة الغربية ،على مصفوفة براديغمات ،تحكمها ،وتتخذها مفاتيح لفهم الوجود واالجتماع
اإلنسانيين ،وما يتفرع عنه ،في قضايا السياسة واالقتصاد والفن واألخالق وغيرها .وقد أوضحت سابقا في
هذه الدراسة* ،أن حالق ،انطلق من ضرورة فهم؛ ونقد للحداثة ،ال محيد عنها ،في سبيل فهم؛ ونقد رزين
للتصورات اإلسالمية ،واالنطالق بعد ذلك في التأسيس لبديل لنا.
وقد اعتبرت المصلحة ،أ ومذهب اللذة ،hédonismأ والمنفعة ،utilitarianismالشكل األخالقي
للمذهب التجريبي الوضعي ،في مرحلة التأسيس الحداثي .وبوصف أكثر دقة ،منحى مقلنة األخالق ،وإضفاء
المسحة الفردانية عليها.
18
حاولت الطروحات المقرة لبراديغم المصلحة/المنفعة ،أن تتماهى مع تعريف جون ستيوارت ميل ،في
كون «نظرية المنفعة لم يقصد منها شيئا ما مقابال للذة ،بل قصد اللذة عينها مع غياب األلم» ،35وقد ًن ِسجت
صر منظومة أخالقية على مقاس هذا البراديغم المؤسس ،تجعل كل خير ه ونافع ضرورة ،والعكس ،بل ً
اخت ِ
في زيادة اللذة ،وما ه وشر؛ هوغير نافع في إنقاص األلم لزوماً ،لت َعمد المنفعة/المصلحة/اللذة «كمبدأ أعظم
سعادة كأساس لألخالق».36
تأسس البراديغم ،هذا صحيح ،ونسج منظومة أخالقية حوله ،انضبط لها الفرد والجماعة الحداثيين،
لردح طويل من الزمن ،إلى أن عرفت الحداثة مشاكل وأزمات ،استلزمت وقفة نقدية .وه وما عمد (آالن
تورين) ،على سبيل الذكر ،إليضاحه ،في كتابه الذائع الصيت «نقد الحداثة» .فقد اعتبر أن عملية النقد-
التفكيك للحداثة «ال تؤدي إلى رفضها ولكن ( )...يًفصل بين عناصرها ويحلل ويقيم كل عنصر منها بدال
من أن نظل حبيسي الكل أو الالشيء» ،37ويندرج هذا الموقف في إطار محاوالت إصالح الحداثة ،ككل
تقبل جزئياته هذا التقويم واإلصالح ،بعدما طالها من اتهامات ،كان من أبرزها ،اعتبارها «كحركة للتدمير
الخالق».38
وقد أوضح تورين ،نقال عن طروحات المدرسة النقدية لفرانكفورت ،أن االنتقال التاريخي من العقل
الموضوعي ،إلى العقل األداتي؛ أي انتصار النزعة العقالنية األداتية ،برز في طغيان التقنية والتكنيك،
و«خدمة حاجات المستهلك أو الديكتاتور التي ال تخضع للعقل» .39ويمكن أن ندرج هنا ،كذلك بعض مالمح
ًلزمة للجماعة ،ومقبولة عندها ،بمقدار ما هي نافعة،
النقد الفوكوي ،لألخالق الجمعية ،والتي يمكن اعتبارها م ِ
والعكس صحيح ،فمثال :طاعة القوانين والقواعد القيمية العامة للمجتمع الحداثي ،وااللتزام بها ،قائمة ،لكونها
نافعة؛ ذات مصلحة عند الفرد والجماعة الحداثيين .ويتم إضفاء شرعية على هذه المسلمات البراديغمية،
بحضور سً لَط عديدة ،منها العلم مثال ،حتى يصير السلوك البشري المعتبر نافعا ،ه وذاك المراعي لقول
العلم ،أ والقانون ،أ والدولة ،وغيرها من وسائل الضغط األيديولوجي .فيعتبر مثال ،هذا السلوك في األكل ،أ
رعنوالحديث ،أ والصحة النفسية ،أ والعالقات االجتماعية ،أ والموقف من القضايا العالمية ،مقبوال ،إن ًش ِ
بورقة علمية داعمة ،أ وقانون ،أو حملة إعالمية ،وربما بعد مضي وقت صار العكس تماما ،ومرة أخرى
-35ميل جون ستيوارت ،النفعية ،ترجمة :سعاد شاهرلي حرار ،مراجعة :هيثم غالب الناهي ،المنظمة العربية للترجمة ،الطبعة األولى ،بيروت ،تموز
(يوليو) ،2012ص 35
-36نفس المرجع ،ص 37
-37تورين آالن ،نقد الحداثة ،ترجمة :أنور مغيث ،المجلس األعلى للثقافة ،1997 ،ص 130
-38نفس المراجع ،نفس الصفحة.
-39نفس المرجع ،ص 131
19
بحضور ،لنفس قنوات الضغط وفاعليتها .وأستحضر هنا ما رافق اإلعالن عن «الحجر الصحي» ،زمن
تفشي وباء «كورونا» ،في العديد من الدول الغربية ،من نقاش بدأ بسؤال تقييد الحرية الفردية ،من عدمه،
وهل يجب النط عليها في لحظات االستثناء؟ ليقول العلماء ،ويؤيدهم الساسة ،قولهم ويعتبرون أن النافع،
الذي فيه مصلحة للفرد والجماعة ه وما كان من تقييد للحريات .فكان بذلك للعلم ،والقانون ،والدولة ،سلطا
فرضتها ،فيما اعتبرته هي نافعا ،وذا مصلحة ،واألمثلة كثيرة في هذا الصدد.
ينتقد تورين ما أسماه «القوى األساسية» ،الفاعلة والمسيطرة على المجتمع الحداثي ،وهي «الجنس
واالستهالك السلعي والمؤسسة اإلنتاجية واألمة» ،ويعتبر أن هذه القوى ،أنتجت «الالمجتمع» حسب
توصيفه ،بسبب «تفكك الحداثة الكالسيكية» .40وقد تم هذا التفكك في األصول النظرية ،أو الجذور ،التي
قامت عليها الحداثة ،فمثال :ال يمكن النظر للفردية باعتبارها تحريرا للذات الحداثية ،هذه التي صارت
موضوع المؤسسة اإلنتاجية ،بل صارت قوة لها كما يقول ماركس ،وهي كذلك مجال صراع ضار للثقافة
االستهالكية ،ويمكن القول أن الفردانية والفرد ،أصبحا موضوعا لالستهالك كذلك ،بحضور األمة تارة،
وغيابها تارة أخرى ،في معرض التحول إلى المواطن الكوني.
أورد تورين ،ملمحا مهما للصراع الفكري الكبير ،الذي خاضه «إميل دوركهايم» ضد «المفهوم النفعي
للعقد االجتماعي» ،وطور لمفهومه عن «اإلنسان المزدوج» ،41هذا الذي في يقف مرتبكا ،بين التمثالت
القيمية – األطر النظرية – والرغبة ،بل اعتبر دوركهايم أنه ًن ِجح في تغليب الطرف الثاني ،ليتم اإلعالن
عن والدة إنسان الرغبة ،الذي ال يمكن إال تعريفه وتوصيفه ،بكونه (أنا اللذة أ والرغبة النفعية) .وقد نبه
تورين ،إلى محاولة دوركهايم مجابهة «النفعيين ،بدولة قوية قادرة على فرض احترام االتفاقات الضرورية
بين مصلحة المجتمع ورغبات الفرد» ،42غير أن محاولة احترام التوازنات هاته ،سرعان ما تختل ،إذ
مصلحة المجتمع الحداثي ،تبنى بأنا اللذة الفردية كما أسميته ،وفي تفاعل جدلي ،فالمجتمع الحداثي يعرف
نفسه – ضرورة – أنه حامي الرغبات الفردية ،يطلق عنانها أ ويقيدها ،ال لسبب سوى لكونها ركنه الركين.
وينبهنا آالن تورين ،لجزئية مفصلية في نقده ،لما يطرح سؤاال بالغ األهمية« ،كيف يمكن للفرد في
هذه الظروف أن يفلت من قوانين مصلحته التي هي في نفس الوقت قوانين المنفعة االجتماعية؟»43؛ أي نعم
معرفة الكيفية والطريقة أساسية ،غير أني أسجل مالحظة – ربما هي هامشية – غير أنها ذات أثر عندي
20
في ما يأتي من جواب تورين ،فقبل توصيف كيفية االنفالت هاته ،البد من معرفة مدى تشابه مصلحة الفرد،
بمصلحة الجماعة؟ والقوانين الفاعلة في هذا الطرف ،وفي ذاك؟ .وال أخفي أن سؤال تورين ،حكمته مسلمة،
ال يمكن الركون لها ،وهي مسلمة اعتبار أن ما يحكم وجود الفرد في الحداثة ،يحكم كذلك وجود الجماعة،
وإن كان ماكس فيبر يذهب لكون الدولة الحداثية ،قد استولت على الركح في المشهد الحداثي ،عبر احتكارها
لكل مناحي الوجود اإلنساني فرديا كان ،أ وجمعيا ،وكذا من خالل ادعاء التمثيل الحصري إلرادة الفرد
والجماعة .لتظهر فعاليات المجتمع الحداثي ،في حضور الدولة بحد ذاتها.
وعودة لسؤال تورين ،فقد كشف النقاب عن حتمية ،يخضع لها الفرد – الذي حً ِرر في نصوص الحداثة
على أقل تقدير من كل سلطة -هي المصلحة والمنفعة ،التي يتشابه فيها ما ه وفردي بالجمعي .ويعتبر تورين
في جوابه ،أن ما يمكن أن ينتشل الفرد من طغيان اللذة-النفعية ،ه وعودة جمالية-إيتيقية ،يعاود بها هذا الفرد
التعرف لذاته وللوجود .غير أن عائقا يعترض مسار االنتشال الوجودي هذا ،وه ونزعة األنانية الطاغية في
المجتمعات الحداثية ،والتي يعد إنسان أ وأنا اللذة النفعية ،مياهها الجوفية.
فكيف عالج حالق ،والذي سار في دروب وأزقة النقد األكاديمي الغربي للحداثة ،هذه المعطيات؟ وما
المعنى الذي أعطاه للحداثة ،في بديله الحداثي اإلسالمي األخالقي؟
لن أقف طويال عند تعريف المصلحة ،لغة واصطالحا ،عند العلماء المسلمين ،كأبي حامد الغزالي،
أم نجم الدين الطوفي ،أ وأبي إسحاق الشاطبي ،وغيرهم .غير أن المصلحة لغة ،ترادف ألفاظا ،كالنفع،
والحسن ،والخير ،والصواب.44
أما اصطالحا ،فبالرغم من االختالف الذي قد يالحظ نتيجة التشعيبات عند األصوليين ،فيمكن توحيد
المصطلح شرعا من حيث ه وحفظ أصول الدين ،عبر «جلب منفعة أ ودفع مضرة» ،كما يقر اإلمام الغزالي،
في المستصفى ،وأسس «قيام حياة اإلنسان ،وتمام عيشه» ،سواء أكانت معنوية أ ومادية ،حسب ما ذهب له
اإلمام الشاطبي ،والعز بن عبد السالم ،الذي يعتبر أن «المصلحة لذة أ وسببها ،أ وفرحة أ وسببها» وغيرهم
-44راجع مادة «صلح» ،ابن منظور ،محمد بن مكرم ،لسان العرب ،دار إحياء التراث العربي ،ط .الثالثة ،ج ،7.بيروت ،1999 ،ص ص384 :
و385
21
كثير ،من علماء األصول .45ويمكن إرجاع المصطلح لركنين أساسين :األول -حفظ حقوق هللا ،بحفظ تشريعه
ودينه ،والثاني :حفظ حقوق العباد.
أصدر وائل حالق سنة ،2001كتابه «السلطة المذهبية :التقليد والتجديد في الفقه اإلسالمي» ،قام فيه
بما أسماه «حفرا تاريخيا» في الشريعة ،أبرز فيه معنى وأشكال التقليد والثبات ،الذين طغيا عليها ،ومساحات
التغيير والتجديد فيها كذلك .وقد نبه مفكرنا ،إلى ركن أساس في مقاربته ،وه وأن االجتهاد والتقليد ،وجب
إخضاعهما لفهم تاريخي ،وفق آليات تتعلق ببعد مصلحي للجماعة المسلمة .ونبه أنه على عكس علماء الكالم
والفالسفة ،وغيرهم ،فالفقهاء «كانوا مكبلين بثقافتهم الشرعية» ،من جهة ،و«مقيدين بحقيقة البنية التحتية
االجتماعية والثقافية على األرض» .46لقد كانت المصلحة واحتياجات المجتمع ،حاضرة وبقوة في اشتغال
الفقهاء ،خاصة ،والشريعة اإلسالمية عامة ،ولم يكونوا منفصلين عنها * ،بل ومارست تأثيرا واضحا وبينا
خاصة لما نتصفح كتب الفتاوى.
يقر حالق ،وهو يناقش مراحل التأسيس الفقهي للشريعة ،بممارسة الفقهاء للتأويل؛ وفقا لمحددات
المنهج جهة ،والموضوع المًشت َغل عليه من جهة ثانية ،والفاعلية االجتماعية من جهة ثالثة .وانطالقا من هذه
المرتكزات الثالثة :النص ،المنهج ،والمجتمع ،فقد أن ِتجت المذاهب الفقهية ،باعتبارها كينونة آراء مجموعة،
وفي نفس الوقت ،أن ِتجت اآلراء المختلف عليها ،ما أسماه حالق «التعددية االجتهادية» ،التي ظلت عصرا
معرفيا أساسا في البنية الكلية للشريعة .وتشه على استمراريتها ،حقيقة عدم إمكانية كبح التعددية ،كنتاج
للتنوع في التفكير الشرعي ،ولخضوعها لـ «منعطفات التاريخ اإلسالمي» ،وقد الحظ حالق األثر السلبي
للقرن اتسع عشر ،أدى لـ «اجتثاث جذور» ،47هذه التعددية الفقهية.
وأطرح هنا سؤاال :أي رأي فقهي نعتمد؟ وما معايير ذلك؟
الجواب على هذا االستشكال ،يفتح باب الحديث عن المصلحة من وراء تبني رأي فقهي بعينه ،وهي
مصلحة رُ ِبطت بحفظ المذهب هذا صحيح ،وكذلك بالسلطة السياسية ،خاصة «عالقة الفقه بالسياسة في
-45أنظر :الغزالي ،أب وحامد ،المستصفى في أصول افقه ،تحقيق :محمد بن عبد السالم الشافعي ،دار الكتب العلمية ،ط .األولى ،ج ،1 .بيروت،
،1993ص ،174 :وانظر :ابن عبد السالم ،أب ومحمد بن عز الدين بن عبد العزيز ،القواعد الصغرى ،تحقيق :إياد خالد الطباع ،دار الفكر المعاصر،
ط .األولى ،دمشق1416 ،ه ،ص .32 :وانظر :الشاطبي ،ـاب وإسحاق ،الموافقات ،تحقيق :عبد هللا دراز ،دار المعرفة ،ج ،2 .بيروت ،د.ت ،ص25 :
-46حالق ،وائل ،السلطة المذهبية :التقليد والتجديد في الفقه اإلسالمي ،ترجمة :عباس عباس ،مراجعة :د .فهد بن عبد الرحمن الحمودي ،دار المدار
اإلسالمي ،ط .الثانية ،بيروت ،2018 ،ص21 :
* راجع عرضي حول أهمية الفقيه ،والقاضي ،والمفتي ،في المجتمع اإلسالمي ،في الجزء الثاني من هذه الدراسة.
-47نفس المرجع ،ص 185
22
الحضارة اإلسالمية» ،والصراع الخفي بين «نزوات رجال السياسة ورغبتهم في توظيف الدين لصالحهم م
ناحية ورغبة الفقهاء والعلماء في ترويض الساسة وكبح تسلطهم خدمة للشرع من ناحية أخرى».48
وقد نحت محاوالت الفقهاء ،في اتجاه استحضار المصلحة المجتمعية ،أثناء استنباط كل رأي فقهي،
خاصة عبر القياس ،من خالل التنبيه لجدوى ربط نازلة ال حكم فيها ،بأخرى ذات حكم أصلي؛ وتشترك مع
األولى ،بالمصلحة القائمة في مسار القياس هذا .ولهذا أً ِكدت «العلة الناجمة عن مراعاة المصلحة العامة»،
والتي ًتقدَم على «أخرى أكدتها اعتبارات أخرى».49
لما يناقش حالق قاعدة التصحيح في الفقه ،يؤكد ورود الفاعلية االجتماعية في الحم ،وفي رً جحان رأي
على ما عاه في نازلة ما ،في حالة تعد األحكام واآلراء ،فيقول« :وقد يقوم التصحيح أيضا على اعتبارات
األعراف المألوفة (العادة)» ،ويعتبر أن الدوافع االجتماعية ،وخاصة المصلحة ،قد تحدد مسار الرأي
الشرعي (الفتوى) مثال ،تكوينا – أي أثناء استنباطه -وبنية معرفيةً ،ت َدعَ م بأدلة ،في ترجيح األصح من
الصحيح .ويزيد فكرة التأثير االجتماعي/المصلحي ،وضوحا ،ودور في تشكل الرأي الشرعي ورجحانه،
لما يسوق كالما البن عابدين في «شرح المنظومة» حيث يقول :ليس كل رأي صحيح حتى يفتى به؛ ألن
الصحيح في نفسه ال يفتى به لكون غيره أوفق؛ لتغير الزمان وللضرورة ونح وذلك» .50ما دام األمر فيه
مراعاة لتبدل الزمان وللضرورة ،فإن ضرورة مراعاة المصلحة ،شرط أساسي في إصدار الرأي الشرعي.
يختم حالق ،كتابه «تاريخ النظريات الفقهية في اإلسالم» ،بفصل سادس ،بعنوان «تحديات الحداثة
نح وأصول نظرية جديدة مؤصلة للفقه» ،أورد فيه رؤيته إلمكانية [ تثوير] ،أصول الفقه ،ومالئمتها مع
معطيات الحداثة ،ونبه لذلك المأزق الذي عرفه المجتمع اإلسالمي باإلبقاء على الحضور التقليدي للشريعة،
قبل الحداثة .وكنتيجة فقد عمدت طروحات فكرية ،لمحاولة إيجاد حل ،إما عبر نقل اآللة القانونية الغربية
تارة ،أ وبتجاوز الضيق المذهبي؛ بإتاحة المجال لالختيار في األحكام بين المذاهب ،للجواب على الحاجات
الحديثة ،والتي رأى مفكرنا «أن سن المزيد من القوانين على أساس قضايا مختلطة يمكن أن يؤدي إلى
مشاكل في تماسك االجتهاد» .51وقد أورد تقسيما ثنائيا لهاته المحاوالت ،فيه فئة النفعيين كما أسماهم،
والذي رأوا ضرورة لتغليب المصلحة في عملية تبيئة جديدة للشريعة «فإطار عملهم اقتصر على مفاهيم
-48حالق ،وائل ،نشأة الفقه اإلسالمي وتطوره ،ترجمة :رياض الميالي :مراجعة :د .فهد عبد الرحمن الحمودي ،دار المدار اإلسالمي ،ط .األولى،
بيروت ،2007 ،ص19 :
-49حلق ،وائل ،السلطة المذهبية ،مرجع سابق ،ص 194
-50نفس الرجع ،ص 205
-51حاق ،وائل ،تاريخ النظريات الفقهية في اإلسالم :مقدمة في أصول الفقه السني ،ترجمة :أ.د .أحمد موصللي ،مراجعة :د .فهد عبد الرحمن
الحمودي ،دار المدار اإلسالمي ،ط .األولى ،بيوت ،يوني و ،2007ص 274
23
الفائدة والحاجة والعوز» ،52وفئة المتحررين ،والذين مارسوا بحثا غريبا في خلد مخالفيهم ،إال أنهم رفضوا
حسب حالق ،تغيير تراتبية الشريعة والمفاهيم الوضعية« ،أن تخضع لهذه المفاهيم وتستبدلها بأفكار منظمة
لتحليل نصي/سياقي حيث يتم التركيز على القانون اإلنساني» .53ويؤكد حال على ضرورة انضباط الشريعة
اإلسالمية ،لضوابط ،منها :أوال) عالقة المكونات االجتماعية باألحكام التشريعية ،ثانيا) تأثير حركة التشريح
على فكر ومحاوالت اإلصالح.
خامتة ،ورأي:
حاولت في هذه الدراسة ،أن أحلل بعضا مما طرحه وائل حالق فيما يخص موضوعتي األخالق
والمصلحة .وأظهرت أن األكاديمي الفلسطيني ،وفقا لرؤيته الناقدة المزدوجة ،جعل من المكون األخالقي
قاعدة أساسا ،للبديل اإلسالمي الحداثي .كما اتضح عبر تفاصيل الدراسة ،أن الشكل الذي يقترحه حالق لهذا
المكون األخالقي ،ه والشريعة ،وينطلق في ذلك من قاعدة االرتباط البنيوي بين البعد القانوني للشريعة،
بالبعد القيمي األخالقي .ونقد حالق نقدا كبيرا التطبيقات التاريخية للحداثة ،لما دفعت األخالق للنطاق
الهامشي وأبقت على العقل والعلم واإلنسان في النطاق المركزي ،مما نتج عنه جموح كبير الحظناه في
أزمات الحداثة العميقة .وللخروج من هذه المعضلة يقترح حالق ،كبح جماح العقل واإلنسان ،عبر التأطير
األخالقي الصارم.
من ناحية أخرى ،أوضحت ،اإلشكاالت البراديغمية للحداثة ،وخاصة التأسيس لألخالق النسبية ،ذات
النزعة الفردانية ،وقد نبهت الطروحات النقدية ،لما آل له األمر من طغيان غاية اللذة والمنفعة.
ثم انتقلت ،للتركيز على أهمية المصلحة في عملية االستدالل الشرعي ،عند العلماء المسلمين القدماء،
وطغيانه في تنظيرات مفكري النهضة اإلسالمية بتياراتها األيديولوجية المتنوعة ،والتشديد أن المصالح
السياسية ،االقتصادية ،االجتماعية ،وغيرها ،وجب مراعاتها في عملية التأصيل التجديدي للفقه والشريعة.
ألقول ،إن التعويل على محددات التقويم النفسي ،والذي أظهرته من خالل نقاش ما أسميته «فلسفة
العبادات» ،بالغ األهمية في عودة األخالق للمجال العام .فالمالحظ ،أن القانون عجز عن التقليل من نوازع
الشر ،وهوما بشرت به الحداثة ،والقائلون بها في المجتمعات اإلسالمية .وفي نفس الوقت ،فتعويل التيار
اإلسالمي على استدعاء إرث أخالقي ،والذي يفرض لزوما مجتمعا أخالقيا ،يشوبه الكثير من الخلل ،خاصة
24
لما طغت النسخة الغربية من الحداثة .كما أن التعويل على «طهرانية» الخطاب األخالقي اإلسالمي ،يجعله
ضعيفا في مجابهة سؤال المنفعة ،اللذة ،والمصلحة ،والتي هي نوازع الوجود اإلنساني.
25
املصادر واملراجع املعتمدة
-القرآن الكريم ،برواية ورش.
* -المصادر:
-ابن منظور ،محمد بن مكرم ،لسان العرب ،دار إحياء التراث العربي ،ط .الثالثة ،ج ،7.بيروت1999 ،
-ابن عبد السالم ،أبو محمد بن عز الدين بن عبد العزيز ،القواعد الصغرى ،تحقيق :إياد خالد الطباع ،دار الفكر
المعاصر ،ط .األولى ،دمشق1416 ،هـ.
-الشاطبي ،أبو إسحاق ،الموافقات ،تحقيق :عبد هللا دراز ،دار المعرفة ،ج ،2 .بيروت ،د.ت.
-الغزالي ،أبو حامد ،المستصفى في أصول افقه ،تحقيق :محمد بن عبد السالم الشافعي ،دار الكتب العلمية ،ط .األولى،
ج ،1 .بيروت1993 ،
* -المراجع:
-تورين آالن ،نقد الحداثة ،ترجمة :أنور مغيث ،المجلس األعلى للثقافة1997 ،
-حالق ،وائل:
تاريخ النظريات الفقهية في اإلسالم :مقدمة في أصول الفقه السني ،ترجمة :أ .د .أحمد موصللي ،مراجعة :د .فهد عبد
الرحمن الحمودي ،دار المدار اإلسالمي ،ط .األولى ،بيوت ،يونيو 2007
الدولة المستحيلة :اإلسالم والسياسة ومأزق الحداثة األخالقي ،ترجمة :عمرو عثمان ،مراجعة :ثائر ديب ،المركز
العربي لألبحاث ودراسة السياسات ،الطبعة األولى ،بيروت أكتوبر 2014
السلطة المذهبية :التقليد والتجديد في الفقه اإلسالمي ،ترجمة :عباس عباس ،مراجعة :د .فهد بن عبد الرحمن الحمودي،
دار المدار اإلسالمي ،ط .الثانية ،بيروت2018 ،
ماهي الشريعة؟ ترجمة :طاهرة عامر – طارق عثمان ،مركز إنما للبحوث والدراسات ،ط .األولى ،بيروت2016 ،
نشأة الفقه اإلسالمي وتطوره ،ترجمة :رياض الميالي :مراجعة :د .فهد عبد الرحمن الحمودي ،دار المدار اإلسالمي،
ط .األولى ،بيروت2007 ،
-ميل ،جون ستيوارت ،النفعية ،ترجمة :سعاد شاهرلي حرار ،مراجعة :هيثم غالب الناهي ،المنظمة العربية للترجمة،
الطبعة األولى ،بيروت ،تموز (يوليو) 2012
* -دراسات:
-عفان محمد ،هل تعد الحركات اإلسالمية السياسية حركات متعلمنة؟ دراسات ،مركز نهوض للدراسات والبحوث،
2022
26
* -رسائل جامعية:
-نون وئام ،سوالمية نسرين ،قضايا االستشراق عند وائل حالق «الشريعة ووعي الذات» ،مذكرة لنيل شهادة الماستر
في الفلسفة التطبيقية ،غ .منشورة ،جامعة 8اي ،1945الجزائر2022/2021 ،
* -حوارات:
-حوار مع المفكر وائل حالق ،إصالح الحداثة :األخالق واإلنسان الجديد في فلسفة طه عبد الرحمن ،حوار :عثمان
أمكور ،مركز نهوض للدراسات واألبحاث2021 ،
27
All rights reserved © 2023 2023 © ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ