You are on page 1of 13

‫خطة البحث ‪:‬‬

‫مقدمة‬

‫الفصل األول ‪ :‬المدخل االصطالحي ‪( :‬العقل‪ ،‬العقالنية)‬

‫المبحث األول ‪ :‬العقالنية كمفهوم في الفلسفة األوروبية الحديثة (النهضة و عصر األنوار)‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬العقالنية كمفهوم في الفلسفة المعاصرة (الحداثة و ما بعد الحداثة‪).‬‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬فهم العقل في التراث العربي اإلسالمي‬

‫المبحث األول ‪ :‬مفهوم العقل عند المتكلمين (طبيعته و وظيفته)‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬إشكالية العقل و النقل عند الفالسفة المسلمين‬

‫الفصل الثالث ‪ :‬العقالنية بين القديم والمعاصر‬

‫المبحث األول ‪ :‬العقالنية قديما سقراط (‪ 470-399‬ما قبل الميالد)‬

‫المبحث الثاني‪ :‬العقل في الفكر العربي المعاصر‪:‬‬

‫الفصل الرابع ‪ :‬العقالنية في الفكر النهضوي و الفكر العربي المعاصر‬

‫المبحث األول ‪ :‬مشروع العقالنية في الخطاب السلفي و الخطاب الليبرالي‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬هاجس العقالنية في الفكر المعاصر‬

‫خاتمة‬

‫قائمة المصادر والمراجع‬

‫مقدمة ‪:‬‬

‫إذا كان العقل في جوهره عالمي الهوية و الجذور‪ ،‬إنساني المالمح و اآلفاق‪ ،‬فإن العقالنية‬
‫غير ذلك‪ ،‬إذ هي تتعدد بتعدد الثقافات و األمم‪ ،‬و من ثم فإن العقالنيات العربية اليوم هي‬

‫‪1‬‬
‫حقيقة وجود يحمل في ذاته تناقضات العصر الذي يحياه‪ .‬الشيء الذي حمل الفكر العربي منذ‬
‫نهاية القرن الماضي إلى محاوالت عدة لتجاوز واقعه من خالل تجاوز التراث بإعتباره‬
‫ماضيا متخلفا غير مساير لما يحياه‪ .‬و ذلك باستلهامه مفاهيم من الفكر األوروبي ليتمكن من‬
‫التوفيق و إقامة التوازن بين واقعه و واقع مغاير له‪ ،‬انطالقا من أنهما لحظتان فكريتان‬
‫مختلفتان‪ ،‬حيث الفكر الطبيعي و التقني هو نتاج أوروبا الحديثة‪ ،‬و األفكار الروحية هي‬
‫تراثه‪ ،‬و من ثم أجريت عملية تكييف و محاولة تبيئة للفكر التقني األوروبي‪ ،‬لكي يتوافق مع‬
‫األفكار الروحانية‪ ،‬كما أجريت عملية مماثلة لألفكار الروحية لكي تقبل التقنية و أصبح‬
‫بالتالي جوهر المشكلة هي ما الذي نأخذه من اآلخر باعتباره "متقدّما" و ما الذي نتمسك به‬
‫صدمة التي حدثت بيننا و بين اآلخر قد أفضت بالضرورة إلى‬
‫في تراثنا؟‪ .‬فالشك من أن ال ّ‬
‫دخول ثقافة اآلخر على مجتمع يحوي ثقافة واحدة (أو لنقل فكرا واحدا) هي الثقافة العربية‬
‫اإلسالمية‪( ،‬التي تمثل ثقافة األمة كلها)‪ ،‬هذا الدخول الذي أدى إلى نشوء تضاد بين‬
‫"ثقافتين" ثقافة أوروبية في مقابل ثقافة عاجزة عن إنتاج فكر‪ .‬فكان من نتائج تلك (الصدمة)‬
‫دخول النزعة العقالنية إلى المجتمعات العربية اإلسالمية دون مجابهة تضمن استبدال‬
‫التوازن القديم إلى المجتمع بتوازن جديد أكثر فعالية و إنسانية‪ ،‬إذ في هذا اإلطار نعتقد بأن‬
‫ثنائية األنا‪ /‬اآلخر أصبح لها مغزى أعمق مما هو باد يعبر عن انكماش "الذات" "األنا" و‬
‫"الهوية" و تقوقعها‪ ،‬و انغالقها‪ ،‬خوفها من اآلخر‪ ...‬و ال يحدث هذا االنكماش في اعتقادنا إال‬
‫حينما تكون البنى الثقافية المعبرة عن "الذات" و "األنا" و "الهوية" عاجزة‪ ،‬أو ميتة‪.‬‬

‫و عليه لم تكتسب العقالنية شرعيتها كـمـفهوم على الـمـسـتوى الـفـلـسـفي و السياسي‪ ..‬في‬
‫الفكر العربي‪ ،‬و لم تكن امتداد أو استمرار للفكر العربي‪ ،‬و إنما هي إحدى المسبقيات‬
‫المعرفية التي فرضت نفسها في ثنايا الفكر العربي‪ ،‬بعد التعرف على مصادر الفلسفة و‬
‫النهضة األوروبية و عصر األنوار أو لنقل بعد الصدمة تحديدا‪ .‬تعرف الفكر العربي على‬
‫العقالنية كان إثر لقائه بالغرب‪ ،‬هذا التعرف الذي كان و ال يزال بتميز بالحذر بكثير من المد‬
‫و الجزر‪ .‬ألن ما يبرر عدم وجود العقالنية كممارسة قائمة على اإليمان بقدرة العقل و على‬

‫‪2‬‬
‫تفسير المعقول و الالمعقول‪...‬إال أن الفكر ال يزال عاجزا عن المواجهة الالعقالنية السائدة‪،‬‬
‫و عن تأسيس تنظير عميق لسيرورة مقترحة لعقلنة الواقع‪ ،‬أو على األقل لعقلنة جوانب من‬
‫الممارسة الواقعية‪ ..‬فهو ال يزال يعاني صدمة التحوالت الكبرى التي تقع أمام عينيه بدون أن‬
‫يساهم فيها مباشرة‪ ،‬كما ال يزال يأخد منها مواقف تحددها مرجعية ماضوية تقليدية عوض‬
‫أن تكون مرجعية ذات معقولية واضحة مبنية على االستبدال و التجريب‪...‬في حين الرجوع‬
‫إلى معقولية التفكير يفيد تحرر الفكر من المرجعية الماضوية الضيقة‪ ،‬فالعقل هو مفتاح‬
‫الحداثة و المعقولية هي سبيل التحديث‪ ،‬لذا نجد الفكر العربي تميز بثالث مستويات من‬
‫العقالنية‪:‬‬

‫المستوى األول ‪ :‬تواجد ال عقالنية متخلفة و سابقة زمنيا تمثلت في الموروث القديم الذي كان‬
‫سائدا من رؤى سحرية و واقع متصف في معظمه بالالمعقول‪.‬‬

‫المستوى الثاني ‪:‬حضور عقالنية (فوقية) كونها مكتسبة عن اآلخر أي انفعالية اتجاه آليات‬
‫الحضارة الحديثة‪ ،‬و ذلك ما مثله الفكر النهضوي في القرنين األخيرين‪.‬‬

‫المستوى الثالث ‪:‬هناك عقالنية تأسيسية من خالل استيعاب المناهج المعاصرة و الطروحات‬
‫المختلفة التي و أن اتفقت على منطلق "النهوض" فإنها تختلف في الرؤية و التعامل في‬
‫كرس الكثير من المثقفين العرب جهدهم و‬
‫تحقيق هذا النهوض فمن هذا المستوى األخير َ‬
‫محاوالتهم للبرهنة على ضعف األسس المنطقية لهذا الجانب أو ذاك من الثقافة العربية‬
‫اإلسالميةالتقليدية‪ ،‬أو قوة هذه األسس في هذا الميدان أو ذاك من الفكر العربي اإلسالمي‪ ...‬و‬
‫الحقيقة أنهم كانوا هنا و هناك من خالل طرح إشكالياتهم و مقاربات تحليالتهم‪..‬يص َبون في‬
‫محاولة اإلجابة عن التساؤالت التالية‪:‬‬

‫عن ما مدى حضور العقل و العقالنية في الفكر العربي قديما أو حديثا؟ و عن مكانة العقالنية‬
‫و أنواعها‪ ،‬و داللتها في أنواع الخطاب العربي و التساؤل بالتالي عن مستقبل نمط التفكير‬
‫العربي‪ ،‬و عن مدى إمكانية تطوير "عقل عربي" مبدع‪ ،‬منتج؟ بل و أيضا عن إمكانية‬
‫تأسيس عقالنية عربية إستشرافية مجابهة لزخم التحوالت التي تشهدها الساحة الفكرية‬
‫العالمية خاصة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ضمن هذه التساؤالت و غيرها‪ ...‬يندرج هذا العمل كمقاربة تأسيسية ذات طابع استقصائي‬
‫لعقالنيات الفكر العربي‪ ،‬غايتنا في ذلك استقراء مدى تواجدها‪ ،‬و كيفيات طرحها‪ ،‬و بالتالي‬
‫الكشف عن إمكانية تأسيسها من خالل االتجاهات و النماذج الفكرية العربية التي تبنتها سواء‬
‫كهاجس أو طموح أو محاولة تكريس‪ ..‬لذا كان اختيارنا "للجابري" كمفكر عربي معاصر إال‬
‫ألنه من جهة يمثل في اعتقادي نموذج تطبيقي لالشكالية‪ ،‬و من جهة أخرى يحمل مشروعا‬
‫ثقافيا يعيد وعينا بالتاريخ من خالل رسم حدود عقلنا العربي بنظام العالقة التي تحكمه من‬
‫خالل جينالوجيا العقل‪ ،‬فنموذجنا إذن‪ ،‬يحمل على عاتقه مهمة النقد العلمي لبنية "العقل‬
‫العربي"‪ ،‬بهدف ارساء قاعدة نظرية نقدية ينطلق منها لتغيير بنية التفكير و الثقافة العربيين‬
‫في العصر الحديث بما ينسجم و مقتضيات التقدم في العصر الحديث‪ ..‬و بالتالي تحقيق تنمية‬
‫في الفكر العربي المعاصر قائمة على الطرح العقالني لكل قضايا الفكر‪.‬‬

‫لذا جاء هذا البحث وفق تصورنا لمشروع الخطة التي اعتمدناها بالشكل التالي و المؤلفة من‬
‫أربعة فصول‪ ،‬كل فصل بمبحثين‪.‬‬

‫الفصل األول ‪ :‬المدخل االصطالحي ‪( :‬العقل‪ ،‬العقالنية)‬

‫المبحث األول ‪ :‬العقالنية كمفهوم في الفلسفة األوروبية الحديثة (النهضة و عصر األنوار)‬

‫في نظرية المعرفة (االيبستمولوجيا)‪ ،‬العقالنية (أو العقلية) تطلق علي اي فكر يحتكم الي‬
‫االستنتاج (أو المنطق) كمصدر للمعرفة أو للتفسير‪ .‬بمعني ادق‪ ،‬المنهج (أو النظرية) الذي‬
‫يتخذ من العقل واالستنباط معيارا للحقيقة بدال من المعايير الحسية‪ .‬هنالك مواقف مختلفة من‬
‫العقالنية‪ ،‬منها المعتدل الذي يري ان االستنتاج له األفضلية علي الطرق األخري الكتساب‬
‫‪1‬‬
‫المعرفة‪ ،‬ومنها األكثر تشددا الذي يتخذ من االستنتاج المصدر الوحيد للمعرفة‪.‬‬

‫لقد كانت محاولتنا من خالل المدخل االصطالحي أوال‪ ،‬محاولة لضبط مفهوم العقالنية‬
‫كمفهوم و نظام قائم على االستدالل (العقل) في مقابل (تضاد) أنظمة قائمة على المثالية أو‬
‫‪ - 1‬أبو حمدان ( محمد ) ‪ ،‬الفالسفة والفكر األسالمي ‪ ( ،‬طرق الفكر ) ‪ ،‬الشركة العالمية للكتاب ‪ ،‬دار الكتاب اللبناني ‪،‬‬
‫بيروت ‪ ،‬لبنان ‪ .1985 ،‬ص ‪99‬‬
‫‪4‬‬
‫الحسيّة‪ ،‬كما أنها تضاد للعفوية القائمة على الدوافع الالعقالنية كمصدر لكل فعل إنساني‪ ،‬و‬
‫بالتالي حاولنا أيضا استجالء مفهومها كرؤية للعالم مبنية على االتفاق الكلي بين ما هو عقلي‬
‫(التناسق) و واقع الكون‪ .‬تبعا لهذا السياق االصطالحي و المفهومي حاولنا في المبحث‬
‫التركيز على تاريخية مفهوم العقالنية من خالل نشأتها و تطورها كاتجاه في الفكر األوروبي‬
‫الحديث (النهضة و عصر األنوار) هذا االتجاه الذي ظهر في القرن السادس عشر و ما بعده‪،‬‬
‫و الحامل ألولية العقل‪ ،‬منطلقا في عدة معان متكاملة و متفاوتة‪ ،‬مقصيا بذلك من الواقع كل‬
‫ما ليس عقليا أو ذو طابع عقلي (أي خارج عن دائرة التفسير العقلي) و بشيء من التركيز‬
‫أيضا حاولنا إبراز الشروط التي أنتجت االتجاه و المفهوم‪ ..‬كالتطور الصناعي‪ ،‬و‬
‫االكتشافات العلمية المعرفية و الجغرافية‪ ..‬التي كان لها دور ضاغط باتجاه عقلنة كل جوانب‬
‫الحياة استجابة لمطلب الكم و النوع في التراكم الصناعي‪ ،‬معتمدين في ذلك على نذمجة‬
‫لممثلي هذا االتجاه على المستوى الفكري و الفلسفي "كديكارت"‪ ،‬و "كانط"‪..‬آخذين بعين‬
‫االعتبار اختالف نمط العقالنية داخل هذا االتجاه‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬العقالنية كمفهوم في الفلسفة المعاصرة (الحداثة و ما بعد الحداثة)‬

‫حاولنا في هذا المبحث االنتقال من عصر األنوار و ما شهده من ثورات في مختلف‬


‫المجاالت كونه مثل نقطة تحول كبرى في النظام المعرفي الغربي‪..‬إلى ما أصبحت عليه‬
‫العقالنية كمفهوم تداولي في الفلسفة المعاصرة‪ ،‬و بالذات في الفكر ما بعد التنوير أو ما بعد‬
‫الحداثة أي فكر التساؤالت أو التحوالت الكبرى من خالل وضع العقل – العقالنية محل‬
‫سؤال‪ ،‬عبر إعادة النظر في هذا الالمعقول الذي أقصاه عصر التنوير‪..‬و عبر تكسير صنم‬
‫العقالنية الذي انتهجته الحضارة الحديثة كمنهج و مذهب‪ .‬و العودة إلى اكتشاف مصادر‬
‫السري‪ ،‬و الالمرئي في ساحة الفكر‬
‫َ‬ ‫العقل الالمعقولة‪ ..‬مما يفسر اهتمام الغربي بالمقدّس‪ ،‬و‬
‫اليوم‪ .‬فاعتمدنا هنا على تيارات مختلفة في هذا المجال من خالل وقوفنا على مواقف‬
‫مفكرين‪" ،‬كفرويد"‪" ،‬باشالر"‪" ،‬ليفي ستروس"‪" ،‬فوكو" بوصفهم معبرين عن هذا الفكر‬
‫الما بعد حداثة في الفكر الغربي‪.1‬‬

‫‪ - 1‬ابن أبي صبيعة ‪ ،‬عيون األنباء في طبقات األطباء ‪ ،‬دار الثقافة ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ج ‪،2‬د ت ‪ ،‬ص ‪70‬‬
‫‪5‬‬
‫الفصل الثاني ‪ :‬فهم العقل في التراث العربي اإلسالمي‬

‫المبحث األول ‪ :‬مفهوم العقل عند المتكلمين (طبيعته و وظيفته)‪.‬‬

‫من خالل المدخل اإلشكالي للفصل الذي حاولنا فيه تقصي اصطالح العقل لغة و معنى و‬
‫تقصي داللته خاصة في القرآن الكريم باعتباره مرجعية نصية ال محيد عنها في الفكر‬
‫عرفوه و فهموه‪ ،‬و من ثم‬
‫العربي قديما أو حديثا‪ ،‬تتبعنا مفهوم العقل عند الكالميين كيف َ‬
‫كيف ّ‬
‫وظفوه في مختلف القضايا التي تجادلوا حولها‪ ..‬مركزين في ذلك على مسألة استخدامه‬
‫إما كقدرة إلهية لعقلنة النص الديني‪ ،‬و إما كقدرة برهانية للدفاع عن العقائد‪ ،‬و قد اتخدنا في‬
‫هذا المبحث فرقة المعتزلة كتيار بارز ضمن الفرق الكالمية حرصا منا مع ما يتماشى و‬
‫منطق البحث الذي اعتمدنا‪ ،‬مع اإلشارة إلى أن هذا المبحث كان مختصرا و مكثفا إلى أبعد‬
‫الحدود حتى ال يكون على حساب إشكالية البحث‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬إشكالية العقل و النقل عند الفالسفة المسلمين‬

‫لقد أفردت هذا المبحث للنظر في اشكالية العقل و النقل من أجل الوقوف على البواكير و‬
‫اإلرهاصات األولى لبعض أنماط التفكير العقالني من خالل اضطرار الفالسفة المسلمين من‬
‫اتخاذ موقف اتجاه مسألة التوفيق بين الدين و الفلسفة‪ ،‬و طبعا حضور العقل في هذه األخيرة‬
‫كقدرة على تأويل النص و تكييفه بما يتوافق و الشريعة كان من أهداف بحثنا إبراز إمكانية‬
‫العقل و حدوده عند هؤالء الفالسفة‪،‬و من ثم إبراز تلك الجهود العقالنية التي طبعت‬
‫تفكيرهم‪ ..‬كما جاء اقتصارنا على "ابن رشد" و "ابن خلدون" كوقفات لهذا المبحث لسببين‪:‬‬

‫باعتبارهما شكال منعرجا معرفيا بارزا من خالل إعادتهما النظر في مسار الثقافة العربية‬
‫اإلسالمية‪.‬‬

‫كونهما مثال "للجابري" (موضوع بحثنا) مرجعية تنويرية في مسار العقل العربي‪ ،‬الشيء‬
‫الذي جعله يدمجهما ضمن مشروعه النقدي كحل تجاوزي للقراءة و للتعامل مع التراث‪.1‬‬

‫‪ - 1‬ابن سينا ‪ ،‬النجاة ‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن عميرة ‪ ،‬دار الجيل ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ج‪، 2‬د ت‪ .‬ص ‪102‬‬
‫‪6‬‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬العقالنية بين القديم والمعاصر‬

‫المبحث األول ‪ :‬العقالنية قديما سقراط (‪ 470-399‬ما قبل الميالد)‬

‫اعتقد سقراط بأن على البشر أن يفهموا أنفسهم أوال قبل أن يفهموا العالم‪ ،‬و أن التفكير‬
‫العقالني هو الطريق الوحيد لتحقيق ذلك‪.‬‬

‫علينا أن نتطرق إلى فهم اإلغريق للعالم‪ ,‬لكي نعي ما قصد سقراط‪ .‬المرء بالنسبة لهم‪ ,‬يتكون‬
‫من جزئين‪ ,‬الجسد و الروح‪ .‬الروح لها جزئان أساسيان‪ ,‬الجزء الالعقالني‪ ,‬وهو الخاص‬
‫بالمشاعر والرغبات‪ ,‬والجزء العقالني وهو النفس‪.‬‬

‫وهم يرون أن في تجاربنا اليومية‪ ,‬الروح الالعقالنية تنجذب إلى الجسد برغباته وتندمج‬
‫الروح الالعقالنية معه‪ ,‬فيصبح إدراكنا للعالم محدود بما تؤتينا به حواسنا الجسدية‪ .‬الروح‬
‫العقالنية هي أبعد من ادراكنا ولكن يمكن التواصل معها بالصور‪ ,‬األحالم وخالفه‪.‬‬

‫مهمة الفيلسوف إذا‪ ,‬كما يرى سقراط‪ ,‬هي إصالح‪ ,‬وفي نهاية المطاف استئصال الروح‬
‫الالعقالنية‪ ,‬وبالتالي الحاجة إلى اإلصالح األخالقي‪ ,‬وبعدها تفعيل الروح العقالنية كي يكون‬
‫إنسان مكتمل يظهر الجوهر الروحاني االسمي وهو ما زال في جسده‪.‬‬

‫العقالنية الحقيقية‪ ,‬بالنسبة لسقراط‪ ,‬هي ليست فقط عملية تفكير‪ ,‬وإنما تغيير في الوعي‬
‫والطبيعة النوعية للمرء‪ .‬الروح العقالنية تنظر إلى العالم بنظرة روحانية‪ ,‬ترى األشكال‬
‫األفالطونية‪ ,‬أو جوهر األشياء‪ .‬معرفة العالم تحتاج إلى أن يعرف المرء روحه أوال‪ ,‬وبالتالي‬
‫' يفهموا أنفسهم أوال‪'.1‬‬

‫‪ - 1‬باشالر ( غاستون )‪ ،‬العقالنية التطبيقية ‪ ،‬ترجمة ‪ ،‬بسام الهاشم ‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات النشر والتوزيع ‪ ،‬بيروت‬
‫‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط‪ .1984، 1‬ص ‪125‬‬
‫‪7‬‬
‫سقراط لم ينشر أو يكتب أي من أفكاره‪ ,‬ولكنه كان دائما في مناقشات مع اآلخرين‪ .‬عادة كان‬
‫يبدأ بطرح سؤال بالغي‪ ,‬يوحي بأنه قابل لإلجابة‪ .‬بعد االطالع على اإلجابات من اآلخرين‪,‬‬
‫يستمر في طرح األسئلة حتى تحل كل نقاط الخالف أو حتى يقر اآلخرين على عدم القدرة‬
‫على إجابة السؤال‪ .‬سقراط لم يدعي أنه يعرف اإلجابة‪ ,‬ولكن هذا لم يمنع قدرته على تناول‬
‫المشكالت بشكل عقالني‪ .‬كان هدفه أن في النهاية طريقتنا الفكرية لفهم العالم معيبة و وجب‬
‫تجاوز ذلك للحصول على معرفة حقيقية لحقيقة األشياء‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬العقل في الفكر العربي المعاصر‪:‬‬

‫إن اللغة العربية غنية جدا بالمفردات التي تعني العقل ‪ ،‬فقد تعني الحجر ‪ ،‬والحلم ‪ ،‬والنهى ‪،‬‬
‫والقلب واللب والعلم والفؤاد وغيرها ‪ ....‬فقد وردت هذه العبارات ـ رغم أنها مترادفة ـ لكن‬
‫لكل واحدة منها مرادفة للعقل من زاوية معينة ‪ ،‬وما يالحظ أن اللغة العربية تناولته سواء‬
‫على لسان شعراء الجاهلية ‪ ،‬أو أثناء الدعوة اإلسالمية ‪ ،‬كما وردت هذه العبارات في القرآن‬
‫الكريم‪.‬‬

‫تحدث القرآن بإسهاب عن العقل ومشتقاته ومرادفاته ‪ ،‬حيث نجد موزعة كالتالي‪:‬‬

‫‪1‬ـ العقل ومشتقاته ظهر في ‪ 49‬آية قرآنية‪.‬‬

‫‪2‬ـ مصطلح الفؤاد استعمل في ‪ 16‬آية‪.‬‬

‫‪3‬ـ أما عبارة الفكر فقد وردت في ‪ 18‬آية‪.‬‬

‫‪4‬ـ التدبر فقد استعملت في ‪ 8‬آيات‪.‬‬

‫‪5‬ـ الفطر التي تعني التدبر و التفكر فقد وردت في ‪ 45‬آية‪.‬‬

‫‪6‬ـ األلباب وما في معناه وردت في ‪ 30‬آية‪.‬‬

‫‪7‬ـ النهى وردت في ‪ 1‬آية واحدة‪.‬‬

‫‪8‬ـ الفقه ومشتقاته ورد في ‪ 20‬آية‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪9‬ـ الحكم وحكمه ومشتقاتهما وردت في ‪ 30‬آية‬

‫كما تناول األدب والشعر العقل أما على لسان الشعراء في الجاهلية أو في العهد اإلسالمي ‪،‬‬
‫فقد‬

‫ورد مصطلح العقل عند األعشى الذي تغزل فقال‪:‬‬

‫تصابيت أو بانت بعقلك زينب وقد جعل الود الذي كان يذهب ويقصد بقوله هذا أن المحب‬
‫فقد السيطرة على عقله من شدة حبه ‪ ،‬وهذا يعني أن الوجدان يكون قد تغلب على القوة العاقلة‬
‫‪ ،‬لذلك يقول أحد الشراح ‪ <<:‬فجاءت بمعنى القوة العاقلة التي فارقت ‪1‬صاحبها بسبب‬
‫العشق>>‬

‫أما حسان ابن ثابت فقد استعمله بهدف دعوي‪ ،‬حيث ينسب له الضالل والبعد عن الحق في‬

‫قوله ‪ :‬ترحل عن قوم فضلت عقولهم وحل على قوم بنور مجدد‪.‬‬

‫بينما استعمل بعض الشعراء مفردات أخرى تعني العقل منها « اللب » ‪ ،‬وقد استعملها كعب‬

‫بن مالك في ديوانه بقوله‪ :‬حكما يراها المجرمون بزعمهم مرحا ويفهمها أولو األلباب أما‬
‫مفردة النهى فقد وردت عند بعض الشعراء ‪ .‬فقد استعملها األعشى في قوله‪ :‬تعالوا فإن‬
‫العلم عند ذوي النهى من الناس كالبلقاء باد حجولها‪.‬‬

‫كما استعمل العرب مفردة الحلم ‪ ،‬ويتجلى هذا في قول الشاعر علي ابن هشام‪ :‬لعمرك إن‬
‫الحليم زين ألهله وما الحلم إال عادة وتحلم‪.‬‬

‫إذا لم يكن صمت الفتى من بالدة وعي فإن الصمت أهدى وأسلم‪.1‬‬

‫واستعمل حمزة بن عبد المطلب مفردة الفؤاد مكان العقل ليثبت أنه محل اإليمان حيث قال‬

‫حمدت هللا حين هدى فؤادي إلى اإلسالم والدين الحنيف من خالل ما تقدم نالحظ أن‬
‫المفردات والمصطلحات التي وردت في معنى العقل مختلفة في دقة معانيها وفهمها وشرحها‬

‫‪ - 1‬باشالر ( غاستون )‪ ،‬الفكر العلمي الجديد ‪ ،‬ترجمة ‪ ،‬عادل العوا ‪ ،‬موفم للنشر ‪،‬الجزائر ‪ ، 1990 ،‬ص ‪140‬‬
‫‪9‬‬
‫‪ ،‬ولكن هناك من اعتقد أنها كلها ترد لتعني العقل ‪ ،‬وأن اإلختالفات بينها هي اختالفات طفيفة‬
‫ال تكاد تذكر‪.‬‬

‫أما فلسفيا فقد أجمع أغلب علماء اللغة العربية ومعهم بعض فالسفة اللغة أن « عقل » هي‬
‫مصدر الفعل « عقل » وبالتالي وبما أن المصدر يدل في الغالب على حدث ما مجردا من‬
‫الزمان والمكان ‪ ،‬والذي يعني أنه اسم ال وجود لذات له في الخارج ‪ ،‬فالحدث هو األمر‬
‫الذي يقوم به الفاعل ‪ .‬لذلك يقول الدكتور زكي نجيب ‪ «:‬فأظنهم جميعا (يقصد المفكرين‬
‫الذين اختلفوا في تعريف العقل وتحديده في عصرنا الراهن ـ على األقل ـ متفقون على ابعاد‬
‫معنى اليجوز أبدا أن ينصرف إليه مفكر واحد ‪ ،‬وهو المعنى الذي يتصور أن ثمة في عالم‬
‫الكائنات كائنا مستقال بذاته قائما برأسه اسمه « عقل » كما يشير هماليا مثال إلى جبل معين‬
‫معلوم ‪ ،‬فلتتعدد التعريفات كما يريد أصحابها على أنها تلتقي كلها في نقطة واحدة هي أن‬
‫‪1‬‬
‫العقل اسم ‪.‬‬

‫الفصل الرابع ‪ :‬العقالنية في الفكر النهضوي و الفكر العربي المعاصر‬

‫المبحث األول ‪ :‬مشروع العقالنية في الخطاب السلفي و الخطاب الليبرالي‬

‫في هذا المبحث ركزنا بصفة أكثر على المنطلقات و المفاهيم الموظفة داخل الخطاب‬
‫النهضوي بتياريه الرئيسيين (السلفي‪ ،‬الليبرالي) كونهما اتسما بمواقف و طروحات بديلة‬
‫لتجربة النهضة الغربية عموما و لمواجهتهما للوضع العربي بكل ما يحمل خصوصا‪ .‬مما‬
‫جعلنا في هذه المحاولة نبرز إشكالية الثنائية (الألنا‪/‬اآلخر) و التي ترددت في الخطابين‪،‬‬
‫مركزين على الخطاب الليبرالي الحامل لمشروع العقلنة‪ ،‬التقدم‪ ..‬و إذن الكيفية التي تصورها‬
‫بعض الرواد و نظروا لها من خالل محاوالتهم في إبراز الشروط الضرورية لتجاور‬
‫اإلنحطاط‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬هاجس العقالنية في الفكر المعاصر‬

‫‪ - 1‬الباهي (حسان) ‪ ،‬اللغة والمنطق ( بحث في المفارقات)‪ ،‬المركز الثقافي العربي ‪ ،‬دار األمان للنشر ‪ ،‬الرباط ‪ ،‬المغرب ‪،‬‬
‫ط‪ .2000 ، 1‬ص ‪67‬‬
‫‪10‬‬
‫في هذا المبحث حاولنا الوقوف عند أهم التيارات الفكرية التي أجمعت على أن أهم شروط‬
‫تحقيق النهضة هو العمل على تحديث أو تجديد النظر إلى مسألة التراث‪ ..‬فكان اختيارنا‬
‫لبعض رواد هذه التيارات على اعتبار اهتمامهم بقضايا التراث شكل منعطفا على مستوى‬
‫الفكر العربي المعاصر من خالل تشخيصهم ألزمته و من ثم نقد بناه المنتجة له‪ ..‬و على‬
‫اعتبار أن معظم كتابتهم طبعت بمفاهيم ذات طابع "استنساخي" تارة "و "منحوتة" تارة‬
‫أخرى‪ ..‬رغم توجهاتهم التي اختلفت من حيث المنهج و الموقف و الرؤية اتجاه التراث‪ ،‬إال‬
‫أننا حولنا تصنيف هذه التوجيهات على أساس المنطلق الفكري الذي طبع توجهاتهم‪ ،‬غايتنا‬
‫في ذلك الوقوف على إشكالياتهم و طبيعة منهجهم‪ ،‬و من ثم محاولة تقييم حلولهم‪ ..‬بما‬
‫يتماشي و ما رسمناه لهذا البحث‪.1‬‬

‫خاتمة ‪:‬‬

‫تفسر العقالنية في كثير من األحيان على أنها تقابل التجريبية‪ ،‬ولكن بنظرة أكثر عمومية‪،‬‬
‫واإلثنين ليسوا متنافيين‪ .‬هنالك العديد من الفالسفة الذين يمكن تصنيفهم بالعقالنيين‬
‫والتجريبيين‪.‬‬

‫يجادل بعض من مؤيدي العقالنية بأنه إذا بدأنا من قواعد أساسية كمسلمات الهندسة‪ ،‬فإنه من‬
‫الممكن استنتاج كل المعرفة التي يمكن معرفتها‪ .‬الفيلسوفان سبينوزا وليبنتز كانا أبرز من‬

‫‪ - 1‬بدوي ( عبد الرحمن ) ‪ ،‬أمانويل كانط ‪ ،‬وكالة المطبوعات الجامعية ‪ ،‬الكويت ‪ ،‬ط‪ ، 1977. ، 1‬ص ‪33‬‬
‫‪11‬‬
‫تمسك بهذا الفكر‪ ،‬و محاولتهما لفهم المشاكل المعرفية والميتافيزيقية التي أثارها ديكارت‬
‫أدت إلى تنمية النهج األساسي للعقالنية‪.‬‬

‫سبينوزا وليبنتز قاال من حيث المبدأ كل المعرفة بما فيها المعرفة العلمية يمكن الحصول‬
‫عليها من االستنتاج وحده‪ ،‬ولكن الحظا أن ذلك غير ممكن من حيث التطبيق للبشر ما عدا‬
‫مواضيع معينة كالرياضيات‪ .‬ولكن ليبنتز أقر بأن "كلنا تجريبيين في ثالث أرباع أفعالنا"‪.‬‬

‫قائمة المصادر والمراجع ‪:‬‬

‫أبو حمدان ( محمد ) ‪ ،‬الفالسفة والفكر األسالمي ‪ ( ،‬طرق الفكر ) ‪ ،‬الشركة العالمية‬
‫للكتاب ‪ ،‬دار الكتاب اللبناني ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪.1985 ،‬‬

‫·أبو ريان ( محمد علي ) ‪ ،‬تايخ الفكر الفلسفي ( الفلسفة اليونانية ) ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪،‬‬

‫بيروت ‪ ،‬لبنان ‪.1976 ،‬‬


‫· أرسطو ‪ ،‬المقالة السادسة ‪ ،‬ضمن ‪ ،‬ابن رشد ‪ ،‬تفسير ما بعد الطبيعة ‪ ،‬ج‪. 2‬‬
‫كريسون (أندريه) ‪ ،‬تيارات الفكر الفلسفي ( من القرون الوسطى حتى العصر الحديث )‬
‫‪،‬ترجمة ‪ ،‬نهاد رضا ‪ ،‬منشورات البحر األبيض المتوسط ‪ ،‬بيروت باريس ‪ ،‬منشورات‬
‫عويدات ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬باريس ‪ ،‬ط‪.1982، 2‬‬

‫‪12‬‬
‫·ابن أبي صبيعة ‪ ،‬عيون األنباء في طبقات األطباء ‪ ،‬دار الثقافة ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ج ‪،2‬د‬
‫ت‪،‬‬

‫·ابن سينا ‪ ،‬النجاة ‪ ،‬تحقيق عبد الرحمن عميرة ‪ ،‬دار الجيل ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ج‪، 2‬د ت‪.‬‬

‫·باشالر ( غاستون )‪ ،‬العقالنية التطبيقية ‪ ،‬ترجمة ‪ ،‬بسام الهاشم ‪ ،‬المؤسسة الجامعية‬

‫للدراسات النشر والتوزيع ‪ ،‬بيروت ‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ط‪.1984، 1‬‬

‫·باشالر ( غاستون )‪ ،‬الفكر العلمي الجديد ‪ ،‬ترجمة ‪ ،‬عادل العوا ‪ ،‬موفم للنشر ‪،‬‬

‫الجزائر ‪1990 ،‬‬

‫·الباهي (حسان) ‪ ،‬اللغة والمنطق ( بحث في المفارقات)‪ ،‬المركز الثقافي العربي ‪ ،‬دار‬

‫األمان للنشر ‪ ،‬الرباط ‪ ،‬المغرب ‪ ،‬ط‪.2000 ، 1‬‬

‫·بدوي ( عبد الرحمن ) ‪ ،‬أمانويل كانط ‪ ،‬وكالة المطبوعات الجامعية ‪ ،‬الكويت ‪ ،‬ط‪، 1‬‬
‫‪1977.‬‬

‫‪13‬‬

You might also like