‫ثالثا‪ /‬الفكر االجتماعي يف الصني القدمية‪:‬‬

‫أسهم الصينيون بقسط عظيم يف الفكر االجتماعي‪ ،‬ومن أهم الكونفوشيوسيون واملاوتسويون والطاويون‬
‫وأصحاب مدارس دينية ذات إسهامات كبرية يف الفكر االجتماعي‪.‬‬
‫وقد عين الفكر االجتماعي الصيين بالتربية عناية فائقة‪ ،‬وعرف املدارس العامة واخلاصة‪ ،‬وطالب النبالء‬
‫بااللتحاق باملدارس العليا‪ ،‬وكانت االمتحانات صارمة ونزيهة‪ ،‬والتوظيف يتم على أساس الكفاءة املثبتة‬
‫باالمتحان الزنيه‪ ،‬وكانت املدرسة الصينية معنية بالفنون العقلية الستة ذات القيمة يف ذلك الزمان‪ ،‬وهي‬
‫الشعائر الدينية‪ ،‬واملوسيقى‪ ،‬والرماية‪ ،‬وقيادة العربات العسكرية والرياضيات‪ ،‬والكتابة‪ ،‬كما كان للمعبد دور‬
‫هام يف التنشئة االجتماعية‪.‬‬
‫الكونفوشيوسية‪:‬‬
‫كونفوشيوس (‪ 44-555‬ق‪.‬م) أعظم املفكرين الصينيني‪ ،‬ولقد يعترب نيب الصني عند بعضهم‪ ،‬وقد أكسبته‬
‫أسفاره الكثرية وفكره النافذ خربة عظيمة وحكمة‪ ،‬وحسبه فإن األخالق هي األساس األول الذي جيب أن‬
‫تقوم عليه العالقات االجتماعية‪ ،‬فالتنشئة والتربية عليهما جيعل الناس يف غري ما حاجة للقضاة واملصلحني‪.‬‬
‫كان كونفوشيوس مصلحا دينيا وسادت ديانته التوحيدية الصني قرابة اخلمسة والعشرين قرنا ومازالت‪.‬‬
‫واحلاكم يف الكونفوشيوسية مفوض من اهلل على األرض‪ ،‬وطاعته واجبة طاملا احترم هو ذلك التفويض‬
‫االهلي‪ ،‬وإال فمن واجب األفراد أن يثورو ضده‪ ،‬وقد صاغ كونفوشيوس يف كتبه اخلمسة قواعد األخالق‪ ،‬وهي‬
‫ذات قيمة كبرية جدا بالنسبة لعلم االجتماع الوصفي الصيين‪.‬‬
‫وكان كونفوشيوس قد أمن بوجود جاذبية طبيعية بني الناس على حنو ما نرى من عالقات أفراد األسرة‬
‫الواحدة‪ ،‬وذلك ما ميكن أن يشمل اجلنس البشري كله‪ ،‬وحسبه فإن اإلسم يتكون من فهم املركز الصحيح ألي‬
‫مجاعة من الناس يف الكيان االجتماعي‪ ،‬ومن معرفة ما هلم من حقوق وما عليهم من واجبات فإذا أحسن املرء‬
‫أداء دوره‪ ،‬قوى ذلك من مركزه الثابت‪.‬‬
‫الطاوية‪:‬‬
‫يقوم هذا املذهب على وجوب طلب الطاو‪ ،‬أي الوسط بينا املكونني االثنني للعامل ومها "ألني" أي األنثى‪،‬‬
‫و"اليانج" أي الذكر‪.‬‬
‫وترى الطاوية بأن الطبيعة البشرية ليست حسنة‪ ،‬وال هي بالسيئة أصال‪ ،‬وبالتايل فإن االستقامة ليست إال‬
‫عادة تكتسب بتكرار السلوك احلسن‪ ،‬وفيها دعوة للتأمل وفحص النفس‪ ،‬وجوه فكرها االجتماعي‪ ،‬أن الكون يف‬
‫حالة تغري وتعديل مستمرين داخل جمال القوة اليت كوهنا "ألني" و"اليانج" ولكن دومنا صراع بينهما‪ ،‬ألهنما‬
‫متوازيان ومتعادالن كقطيب مغناطيس واحد‪ ،‬ومها يف حال توازن ميكن إقالقه ملدة زمنية حمدودة‪ ،‬والفضيلة‬
‫يف الطاو‪ ،‬أي يف سلوك الطريق الوسط‪.‬‬
‫املاوتسوية‪:‬‬
‫وهي العقيدة الصينية الثالثة عاصرت الكونفوشيوسية‪ ،‬وقبلت مببدأ اجلاذبية فيها‪ ،‬ولكنها أنكرت التدرج يف‬
‫اجلاذبية على أساس القرابة ظن فاحلب جيب أن يعم اجلنس البشري كله‪ ،‬وقد آمنت بوجود اهلل‪ ،‬فالدنيا‬
‫حمكومة عندها بإرادة مدركة واعية لكائن أعلى‪ ،‬واعتربت حب اإلنسانية كلها واجبا دينيا‪ ،‬ودعت إىل‬
‫التقشف‪ ،‬وأن طلب اإلنسان يطلب اللذة عن طريق خدمة البشرية‪.‬‬

‫رابعا‪ /‬الفكر االجتماعي يف اهلند القدمية‪:‬‬

‫لقد تأثر الفكر االجتماعي يف اهلند القدمية بواقعها الطبقي االجتماعي‪ ،‬وتعدد أدياهنا‪ ،‬فقد عرفت اهلند‬
‫الطبقية بصورة واضحة‪ ،‬فالطبقات فيها متمايزة جدا وال جيوز االرتقاء من واحدو ألخرى‪ ،‬كما ال جيوز‬
‫التزاوج بني أبناء الطبقات اهلندية‪ ،‬فكان لكل طبقة فكرها االجتماعي املتأثر هبذه الطبقة‪ ،‬أو تلك وهذه‬
‫الطبقات كانت وما زالت على النحو التايل‪:‬‬

‫‪9‬‬
‫‪-5‬طبقة الربامهيني‪ :‬أو الكهنة وهي أرقى الطبقات ومنها املعلمون واملشرعون‪ ،‬فيكون فكرها منوذجا حلال‬
‫الفكر اهلندي ألنه األرقى طبقيا وتعليميا‪.‬‬
‫‪-2‬طبقة الكشتاريا‪ :‬وهي طبقة حماربة‪.‬‬
‫‪-3‬طبقة الغايز‪ :‬وهي طبقة الصناع‪.‬‬
‫‪-4‬طبقة املنبوذين‪ :‬وهم العبيد‪.‬‬
‫ويف الطبقات الثالث األخرية تتنوع األديان اهلندية على حنو يصعب حصره‪ ،‬فباإلضافة إلة الربامهة هناك‬
‫أصحاب الروحانيات وغريهم‪ ،‬مما سنشرح بعض أمرهم الحقا‪ ،‬مث إن الفكر االجتماعي اهلندي متأثر منذ‬
‫القدمي بعبدة الكواكب‪ ،‬وبالفكر الفيثاغورثي اليوناين‪ ،‬وهلذا تأثرياته يف الفكر االجتماعي اهلندي القدمي‪.‬‬
‫الربامهية‪:‬‬
‫منسوبة إىل رجل من اهلند يدعى "براهم"‪ ،‬يعتمد فكره االجتماعي على نفي النبوات أصال بسبب أن ذلك‬
‫حسبه مستحيل عقال‪ ،‬وذلك على أساس القسمة الثنائية‪ ،‬فما أتى النيب به إما معقول فيكتفي العقل التام‬
‫بإدراكه والوصول إليه‪ ،‬وإما غري معقول فال يكون مقبوال‪ ،‬والناس ال يتعبدون إال مبا تدل عليه عقوهلم‪ ،‬وما‬
‫دامت العقول تقر بأن للعامل صانعا عاملا قادرا حكيما وأنه أنعم على البشر نعما تستوجب الشكر‪ ،‬فنعرفه‬
‫بعقولنا ونشكره بآالئه علينا‪ ،‬ونتحمل عقابه إذا استوجبناه‪ ،‬دومنا حاجة إىل وساطة بشرية‪ ...‬وغري ذلك‬
‫مما جتد تفصيله لدى الشهرستاين‪.‬‬
‫وتنقسم الربامهية إىل أصناف متفرقة منها‪ :‬البددة‪ ،‬وأصحاب الفكر واهلم‪ ،‬ومنهم القائلون بالتناسخ‪.‬‬
‫أ)البدديون‪ :‬نسبة إىل "البد" وهو عند اهلنود شخص يف هذا العامل ال يولد‪ ،‬وال ينكح‪ ،‬وال يطعم‪ ،‬وال يشرب‪،‬‬
‫وال يهرم‪ ،‬وال ميوت‪ ،‬وأول بد ظهر يف العامل إمسه "شاكمني" وتعين السيد الشريف‪ ،‬وقد سبق اهلجرة‬
‫اإلسالمية خبمسة أالف سنة‪.‬‬
‫وبعد رتبة البد تأيت مرتبة "البوديسعية"‪ ،‬وهي تدعو إىل االمتناع إىل خصال مذمومة مثل‪ :‬القتل‪ ،‬الزنا‪،‬‬
‫الكذب‪ ،‬الشتم‪ ،‬اجلحود جلزاء اآلخرة‪ ...،‬كما أهنا تطلب التحلي خصال حممودة‪ :‬الكرم‪ ،‬التعفف‪ ،‬العلم‪،‬‬
‫األدب‪ ،‬حسن املعاملة‪...،‬‬
‫ب)أصحاب الفكرة والوهم‪ :‬وهم أعلم بالنجوم وأحكامها املنسوبة إليهم‪ ،‬وينشئون األحكام عن خصائص‬
‫الكواكب دون طبائعها‪ ،‬على خالف الروم الذين حيكمون من الطبائع‪ ،‬واهلند يفعلوم األمر ذاته يف الطب‪،‬‬
‫فيعتربون خواص األدوية دون طبائعها‪ ،‬والروم ختالفهم يف ذلك‪.‬‬
‫وأصحاب الفكرة يعظمون الفكر ألنه بالنسبة هلم املتوسط بني احملسوس واملعقول‪ ،‬وجيتهدون يف صرف الوهم‬
‫والفكر عن احملسوسات بالرياضات البليغة‪ ،‬ألن جترد الفكر عن احملسوسات يؤدي إىل جتلي ما وراءها‪.‬‬
‫ج)أصحاب التناسخ‪ :‬التناسخ موجود لدى كل ملة من امللل‪ ،‬ولكن مفهوم التناسخ خمتلف حبسب اختالف األمم‪،‬‬
‫وأما تناسخية اهلند فقائمة على اخلرافة‪.‬‬

‫‪10‬‬