You are on page 1of 274

‫جامعة وهران ‪2‬‬

‫كلية العلوم االجتماعية‬


‫اطروحة‬

‫لـــــــنيـــــل شهادة الدكتوراه‬


‫في الفلسفة الموسومة بــ‪:‬‬

‫الفكر العلمي اجلديد بني القطيعة والتواصل‬


‫غاستون باشالر وميشال سري منوذجني‬

‫من اعداد الطالب‬


‫بوغامل مجال‬
‫تشكيلة لجنة المناقشة ‪:‬‬
‫مؤسسة االنتماء‬ ‫الصفة‬ ‫الرتبة‬ ‫اسم و لقب االستاذ‬
‫جامعة وهران ‪2‬‬ ‫رئيسا‬ ‫أستاذ‬ ‫سواريت بن عمر‬
‫جامعة وهران ‪2‬‬ ‫مشرفا ومقررا‬ ‫أستاذة‬ ‫دراس شهرزاد‬
‫جامعة وهران ‪2‬‬ ‫مناقــشا‬ ‫أستاذ‬ ‫بوشيبة محـمد‬
‫جامعة الشلف‬ ‫مناقــشا‬ ‫أستاذ محاضر أ‬ ‫بلعالية دومة ميلود‬
‫المركز الجامعي تيسمسيلت‬ ‫مناقــشا‬ ‫أستاذ محاضر أ‬ ‫عيساني امحمـد‬
‫المركز الجامعي غليزان‬ ‫مناقــشا‬ ‫أستاذ محاضر أ‬ ‫تلوين مصطفى‬

‫الموسم الجامعي‬
‫‪2016/2017‬‬
‫إلى روح الفقي ــد "بن نحي‬
‫زكريا"‬
‫طيّـ ــب اهلل ث ـ ـ ــراه وتغمـ ـ ــده‬
‫برحمت ـ ـ ـ ـ ــه الواسعـ ـ ـ ــة‬
‫اإلهداء‬

‫إىل روح والدي‪ ،‬تغمده اهلل برمحته الواسعة ‪.‬‬


‫إىل روح أخي عبد القادر عليه رمحة اهلل ‪.‬‬
‫وإىل ّأمي العزيزة‪ ،‬أم ّد اهللُ يف عمرها‪C.‬‬
‫وإىل كل أف ‪CC‬راد ع ‪CC‬ائليت الكب ‪CC‬رية والص ‪CC‬غرية‪ ،‬إخ ‪CC‬وة وأخ ‪CC‬وات‬
‫زوجة وأبناء‪.‬‬
‫وأخص بالذكر‪ ،‬زوجيت الوفية‪ ،‬جلميل صربها وتعاوهنا‪.‬‬
‫إليهم مجيعا أهدي مثرة هذا العمل ‪.‬‬
‫كلمة شكر‬
‫الشكر هلل من قبل ومن بعد الذي وفقنا يف إمتام هذا العمل‪.‬‬
‫وأتقدم جبزيل الشكر وخالص االمتن‪C‬ان إىل ك‪C‬ل من س‪C‬اعدنا من ق‪C‬ريب‬
‫أو من بعيد على اجناز ه‪CC C C‬ذا العم ‪CC C C‬ل‪ ،‬ويف ت‪CC C C‬ذليل ص‪CC C C‬عوبات‪C‬ه‪ ،‬وأخص‬
‫بالذكر األس‪CC C C‬تاذة الدكتورة " دراس ش‪CC C C‬هرزاد "وال ‪C C C‬تي مل تبخل علينا‬
‫بإرش‪CC C C C C C C‬اداهتا وتوجيهاهتا القيمة اليت كانت لنا عونا يف إمتام ه‪CC C C C C C C C C C‬ذا‬
‫البحث‪ .‬فلها منا كل آيات التقدير واالحرتام‪.‬‬
‫كما ال يفوتين أن أتوجه بالش ‪CC C C‬كر إىل أعض ‪CC C C‬اء جلنة املناقشة لقب ‪CC C C‬وهلم‬
‫مناقشة هذه األطروحة ‪.‬‬
‫مقدمـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫مقدمة‬

‫إش‪CC C‬كالية القطيع‪CC C‬ة والتواص‪CC C‬ل يف الفك‪CC C‬ر العلمي ليس‪CC C‬ت قض‪CC C‬ية جدي‪CC C‬دة يف س‪CC C‬احة الفك‪CC C‬ر‬
‫الفلس ‪CC‬في واإلبس ‪CC‬تمولوجي‪ C.‬إال أن احلديث عنهم ‪CC‬ا جتدد يف الس ‪CC‬نوات‪ C‬األخ ‪CC‬رية بكيفي ‪CC‬ة ش ‪CC‬املة‬
‫وعميق‪CC‬ة تعكس التح‪CC‬والت اجلذري‪CC‬ة ال‪CC‬يت ط‪CC‬رأت على اجملاالت العلمي‪CC‬ة الدقيق‪CC‬ة مث‪CC‬ل الرياض‪CC‬يات‬
‫والبيولوجيا والفيزياء بل وانتقل احلديث عنهما إىل جماالت العلوم اإلنسانية واالجتماعية‪.‬‬
‫لق ‪CC‬د تول ‪CC‬د مفه ‪CC‬وم القطيع‪C C‬ة‪ C‬االبس ‪CC‬تمولوجية م ‪CC‬ع غاس ‪CC‬تون‪ C‬باش ‪CC‬الر‪ .‬فال أح ‪CC‬د ينك ‪CC‬ر تأثي‪C C‬ل‪C‬‬
‫ص‪CC‬احب الفك‪CC‬ر العلمي اجلدي‪CC‬د هلذا املفه‪CC‬وم‪ .C‬وال‪CC‬ذي يَعت‪CC‬رب أن املعرف‪CC‬ة العلمي‪CC‬ة دائم‪CC‬ا معرف‪CC‬ة ضد‬
‫أي أهنا ال تنشأ من تراكم معريف وإمنا تأيت على أنقاض معرفة ال علمية‪ ،‬وهي تتأس‪CC‬س تارخيي‪CC‬ا‬
‫بانفص‪CC C‬اهلا عن ماض‪CC C‬يها قب‪CC C‬ل العلمي‪ ،‬وبلغ‪CC C‬ة آلتوس‪CC C‬ري "م‪CC C‬ا قب‪CC C‬ل ت‪CC C‬اريخ علم م‪CC C‬ا ه‪CC C‬و ت‪CC C‬اريخ‬
‫ايديولوجيته"‪C.‬‬
‫وبقي مفه‪C‬وم القطيع‪C‬ة حاض‪C‬را يف الت‪C‬داول الفلس‪C‬في‪ ،‬ع‪C‬ابرا بني احلق‪C‬ول املعرفي‪C‬ة‪ ،‬ومتح‪C‬وال يف‬
‫استعماالته‪ C‬اللغوية واالشتقاقية‪ .‬بل وجعله كث‪C‬ري من العلم‪C‬اء والفالس‪CC‬فة عك‪CC‬ازا منهجي‪C‬ا يف بن‪C‬اء‬
‫نظرياهتم بكامل عدهتا املفاهيمية واملنهجية‪C.‬‬
‫ويأيت يف هذا السياق كتاب (زمن القطيعات‪ ..‬ح‪CC‬ول األص‪CC‬ول الثقافي‪CC‬ة والعلمي‪C‬ة للق‪C‬رن احلادي‬
‫والعش ‪CC‬رين) والص ‪CC‬ادر س‪CC‬نة (‪2004‬م)‪ ،‬ملؤلف ‪CC‬ه الفيزي‪CC‬ائي‪ C‬الفرنس‪CC‬ي بي‪CC‬ري ب ‪CC‬ابون‪ ،‬وال‪CC‬ذي ح‪CC‬اول‬
‫التأكي‪CC‬د في‪CC‬ه على أن م‪CC‬ا حص‪CC‬ل من‪CC‬ذ مطل‪CC‬ع الق‪CC‬رن العش‪CC‬رين من كش‪CC‬وفات وتط‪CC‬ورات متعاظم‪CC‬ة‬
‫ومذهلة يف شىت اجملاالت‪ ،‬أدى إىل ثورة فعلي‪C‬ة يف أمناط الفك‪C‬ر وأمناط احلي‪CC‬اة عموما‪ .‬وأح‪C‬دثت‬
‫هذه التطورات قطائع حقيقي‪C‬ة م‪C‬ع مف‪C‬اهيم الع‪C‬امل املتوارث‪C‬ة‪ C‬من املاض‪C‬ي‪ ،‬وأعلنت عن والدة فك‪C‬ر‬
‫علمي جدي‪CC‬د‪ ،‬وأمناط جدي‪CC‬دة لإلنت‪CC‬اج املنهجي للمعرف‪CC‬ة العلمي‪CC‬ة واكتش‪CC‬افاهتا‪ ،‬وهي تص‪CC‬لح يف‬
‫نظر بابون أن تكون مبثابة األصول الثقافية‪ C‬والعلمية للقرن احلادي والعشرين‪.‬‬
‫إن موق‪CC‬ف ب‪CC‬ابون الفيزي‪CC‬ائي‪ C‬يثمن املوق‪CC‬ف الباش‪CC‬الري‪ ،‬ه‪CC‬ذا األخ‪CC‬ري ال‪CC‬ذي انطل‪CC‬ق من تش‪CC‬خيص‬
‫أزم‪CC‬ة العقالني ‪C‬ة‪ C‬العلمي‪CC‬ة املعاص‪CC‬رة واملتول‪CC‬د عن التف‪CC‬اوت الق‪CC‬ائم بني الفلس‪CC‬فة والعلم‪ ،‬وم‪CC‬ا ت‪CC‬رتب‬
‫عنها من هوة سحيقة بني العقالنية الصورية والعقالنية التجريبية‪ ،‬وتباع‪CC‬د منهجي بني منظوم‪CC‬ة‬
‫الغايات ومنظومة الوس‪C‬ائل‪ .‬إن ه‪C‬ذا الالّ انطب‪C‬اق بني االجتاهني يق‪C‬ف وراءه التش‪C‬بث‪ C‬باملطلق‪C‬ات‬
‫وتض‪CC‬ييق جمال التأس‪CC‬يس يف عناص‪CC‬ر حمدودة ومقولب‪CC‬ة‪ C،‬واالرتك‪CC‬از على أنس‪CC‬اق مغلق‪CC‬ة واالس‪CC‬تناد‬
‫اىل قيم تقليدي‪CC‬ة ورفض التجدي‪CC‬د والتق‪CC‬دم‪ .‬وأعلن باش‪CC‬الر وبلغ‪CC‬ة ص‪CC‬رحية ال حتتم‪CC‬ل ت‪CC‬أويال عن‬
‫ه‪CC‬ذه األزم‪CC‬ة ال‪CC‬يت أص‪C‬ابت املدون‪C‬ة‪ C‬العلمي‪CC‬ة املعاص‪CC‬رة‪ ،‬وأكد على تع‪C‬ثر حماوالت اخلروج من ه‪CC‬ذه‬
‫املآزق بالتعويل على اجتاه ابستيمولوجي دون آخر أو باالحنياز إىل مذهب فك‪CC‬ري دون غ‪CC‬ريه‪.‬‬
‫ومض ‪CC‬ى حياجج ب ‪CC‬أن العقائ ‪CC‬د أو النظري ‪CC‬ات اجلدي ‪CC‬دة مل تتط ‪CC‬ور من القدمية إىل اجلدي ‪CC‬دة‪ ،‬ب ‪CC‬ل إن‬
‫اجلديد احتوى على القدمي واألجيال الفكرية يعشش أحدها ضمن اآلخر‪.‬‬
‫ومن منظ‪CC‬ور باش‪CC‬الري حنن حني ننتق‪CC‬ل من فيزي‪CC‬اء ال نيوتني‪CC‬ة إىل فيزي‪CC‬اء نيوتني ‪C‬ة‪ C‬ال نواج‪CC‬ه‬
‫التناقض‪ C‬وإمنا منر بتجربة التناقض‪ C.‬وهنا يربز الالتواصل أو القطيعة يف الت‪C‬أريخ للعلم وبوض‪C‬وح‬
‫تام حيث نالحظ وجود فرق كبري بني مواجهة التناقض‪ C‬وبني املرور بتجربة التناقض‪ .‬وساهم‬
‫يف جتس ‪CC C‬يد ه ‪CC C‬ذا البع ‪CC C‬د غ ‪CC C‬ري املعه ‪CC C‬ود األف ‪CC C‬ق اجلدي ‪CC C‬د للعلم ال ‪CC C‬ذي ارتسم م ‪CC C‬ع نظري ‪CC C‬يت النس‪CC C‬بية‪C‬‬
‫والكوانتم‪ .‬إن هذا التفك‪C‬ري غ‪C‬ري الع‪C‬ادي ال‪C‬ذي قف‪C‬ز ب‪C‬العلم ه‪C‬ذه القف‪C‬زات حيت‪C‬اج يف نظ‪C‬ر باش‪C‬الر‬
‫إىل أف‪CC‬ق فلس‪CC‬في جدي‪CC‬د مياثل ‪CC‬ه‪ .‬ولن يك ‪CC‬ون غ ‪CC‬ري فك ‪CC‬ر الفك‪CC‬ر العلمي اجلدي ‪CC‬د‪ ،‬أي فك ‪CC‬ر القطيع‪CC‬ة‬
‫والتجاوز‪.‬‬
‫ويف املقابل شهد النصف الثاين من القرن العش‪C‬رين وب‪CC‬دايات الق‪C‬رن احلادي والعش‪CC‬رين والدة‬
‫ف‪CC C‬روع علمي‪CC C‬ة جدي‪CC C‬دة على غ‪CC C‬رار الفوض‪CC C‬ى والإعالم وال‪CC C‬يت ال تق‪CC C‬ل يف أمهيته‪CC C‬ا عن الك‪CC C‬وانتم‬
‫والنس‪CC C‬بية‪ C‬حيث اعت ‪CC C‬ربت‪ C‬نظري‪CC C‬ة الفوض‪C C C‬ى‪ C‬ث ‪CC C‬الث أعظم نظري‪CC C‬ة فيزيائي‪CC C‬ة بع‪CC C‬د نظري ‪CC C‬ة النس‪CC C‬بية‪C‬‬
‫والكوانت ‪CC‬ا‪ C.‬فهي رم ‪CC‬ز للتح ‪CC‬ول الت ‪CC‬ارخيي يف العلم املعاص ‪CC‬ر‪ .‬كم ‪CC‬ا ميث ‪CC‬ل ظه ‪CC‬ور نظري ‪CC‬ة املعلوم ‪CC‬ات‬
‫إعالن‪ C‬ميالد عص‪CC‬ر جدي‪CC‬د يك‪CC‬ون‪ C‬في‪CC‬ه االنتق‪CC‬ال من جمتم‪CC‬ع ص‪CC‬ناعي إىل جمتم‪CC‬ع معلوم‪CC‬ايت‪ .‬إذ مت‬
‫وضع نظم لنقل املعلومات‬

‫وضبطها والتحكم هبا‪ .‬وبلغ مشول هذه النظرية إىل حدود أهنا تطبق ح‪CC‬ىت على الإش‪CC‬ارات ال‪CC‬يت‬
‫تبثه‪CC‬ا الش‪CC‬بكات العص‪CC‬بية‪ C‬ل‪CC‬دى الإنس‪CC‬ان واحلي‪CC‬وان‪ .‬وتعتم‪CC‬د لفهم آلي‪CC‬ة النظ‪CC‬ام املعلوم‪CC‬ايت ال‪CC‬دقيق‬
‫ال‪CC C‬ذي ينظم انتق‪CC C‬ال املعلوم‪CC C‬ات‪ ،‬مبعناه‪CC C‬ا ال‪CC C‬وراثي‪ C‬يف الكائن‪CC C‬ات‪ C‬من جي ‪CC‬ل آلخ‪CC C‬ر‪ .‬ومن نظري ‪CC‬ة‬
‫املعلوم‪CC‬ات ونظري‪CC‬ة الفوض‪CC‬ى وك‪CC‬ل املف‪CC‬اهيم املرتبط‪CC‬ة هبم ‪C‬ا كالتعقي‪CC‬د والض‪CC‬بط ال‪CC‬ذايت واالنرتوبي‪CC‬ا‬
‫باالض‪CC‬افة إىل نظري‪CC‬ة الفراكت‪CC‬ال اهلندس‪CC‬ية‪ C‬وال‪CC‬يت تقودن‪CC‬ا إىل الب‪CC‬ىن اجلزئي‪CC‬ة ال‪CC‬يت حتت‪CC‬وي على حقيق‪CC‬ة‬
‫األش ‪CC C‬كال الكامل ‪CC C‬ة والش ‪CC C‬املة‪ .‬نتج حتول يف اهتم ‪CC C‬ام العلم من املنهج اخلطي إىل منهج جدي ‪CC C‬د‬
‫دين ‪CC C‬اميكي ال خطي (‪ )Non- linear Dynamics‬وتالزم م ‪CC C‬ع ه ‪CC C‬ذا التح ‪CC C‬ول ب‪CC C‬روز‬
‫تقارب متعدد األشكال بني العلوم قاطبة دون أن تستثىن من‪C‬ه العل‪C‬وم اإلنس‪C‬انية وخاص‪C‬ة يف ظ‪C‬ل‬
‫ما يعرف بعلم التحكم اآليل أو السيربنطيقا‪.‬‬
‫ومل تكن فلس‪CC‬فة العلم املعاص‪CC‬رة مبن‪CC‬أى عن ه‪CC‬ذه التح‪CC‬والت العلمية‪ .‬ب‪CC‬ل ك‪CC‬انت دوم‪CC‬ا العق‪CC‬ل‬
‫ال‪CC‬ذي يقب‪CC‬ع خل‪CC‬ف املنج‪CC‬ز العلمي‪ .‬فق‪CC‬دوم عص‪CC‬ر املعلوم‪CC‬ات والك‪CC‬ايوس ميث‪CC‬ل بالنس‪CC‬بة‪ C‬للفيلس‪CC‬وف‬
‫الفرنس‪CC‬ي املعاص‪CC‬ر ميش‪CC‬ال س‪CC‬ري ش‪CC‬كال جدي‪CC‬دا لتمثي‪CC‬ل العلم‪ .‬وه‪CC‬و منوذج االتص‪CC‬ال أو التواص‪CC‬ل‪.‬‬
‫وهو توجه جاءت االكتشافات العلمية األخرية لت‪CC‬بني م‪CC‬دى ص‪CC‬دقيته وص‪C‬حة طرح‪CC‬ه ‪ .‬واهتم‪CC‬ام‬
‫ميش‪CC‬ال س‪CC‬ري بالتواص‪CC‬ل ق‪CC‬اده إىل الرتمجة بني مي‪CC‬ادين معرفي‪CC‬ة خمتلف‪CC‬ة‪ .‬رغب‪CC‬ة من‪CC‬ه يف رس‪CC‬م جس‪CC‬ور‬
‫التواصل بينه‪CC‬ا على غ‪CC‬رار مع‪C‬رب مشال‪-‬غ‪C‬رب حيث ي‪C‬دعو إىل م‪CC‬د جس‪CC‬ور تواص‪C‬ل وتق‪C‬ارب بني‬
‫العلوم اإلنسانية‪ C‬والعلوم الدقيقة‪.‬‬
‫ومل يع‪CC C‬د ذل‪CC C‬ك ممكن‪CC C‬ا إال بفض‪CC C‬ل اإلمكان‪CC C‬ات‪ C‬النظري‪CC C‬ة واملنهجي ‪C C‬ة‪ C‬الكب‪CC C‬رية املتاح ‪CC‬ة بفض ‪CC‬ل‬
‫التص‪CC C‬ورات‪ C‬العلمي‪CC C‬ة اجلدي‪CC C‬دة والقائم‪CC C‬ة على املنهج ال‪CC C‬ديناميكي‪ C‬الالخطي ال‪CC C‬ذي ه‪CC C‬و ج‪CC C‬وهر‬
‫ومض‪CC‬مون التف‪CC‬اعالت‪ C.‬إن الفك‪CC‬ر العلمي اجلدي‪CC‬د مبنظ‪CC‬ور ميش‪CC‬ال س‪CC‬ري ه‪CC‬و فلس‪CC‬فة للتواص‪CC‬ل بني‬
‫العلوم‪ ،‬وهو مبثابة روح علمية جديدة تعلن نفسها بديال لل‪C‬روح العلمي‪C‬ة الباش‪C‬الرية‪ C.‬إن العق‪CC‬ل‬
‫العلمي اجلديد املتجدد (‪ le nouveau nouvel esprit scientifique‬كمفهوم‬
‫ولد مع ميشال‬

‫سري يعترب إضافة جديدة لقاموس االبستمولوجيا املعاصرة‪ .‬والذي‬


‫حياول من خالله أن يؤس‪CC‬س مليالد عق‪CC‬ل علمي خبص‪CC‬ائص جدي‪CC‬دة تس‪CC‬تلهم عناص‪CC‬رها من العلم‬
‫املعاص ‪CC‬ر – املعاصر‪ ،‬وال ‪CC‬ذي يتمح ‪CC‬ور ح ‪CC‬ول اتص ‪CC‬الية املعرف ‪CC‬ة العلمي ‪CC‬ة كم ‪CC‬ا تص ‪CC‬ورها ليبن ‪CC‬تز يف‬
‫مشروعه الفلسفي‪ .‬فبالنسبة‪ C‬لسري‪ ،‬العقل العلمي اجلديد ال يفصل بني التخصصات‪ ،‬ب‪C‬ل ي‪CC‬دعو‬
‫إىل مد اجلسور فيما بينها مع ضرورة العبور والتجوال عرب مسارات وفضاءات املعرف‪CC‬ة العلمي‪CC‬ة‬
‫واإلنسانية بش‪C‬كل ع‪C‬ام‪ .‬ب‪C‬ل ويرف‪CC‬ع س‪CC‬ري س‪CC‬قف التواص‪CC‬ل أك‪C‬ثر عن‪CC‬دما ي‪CC‬دعو إىل اخ‪C‬رتاق احلدود‬
‫بني الإنتاج العلمي واإلبداع‪ C‬األديب‪.‬‬
‫ول‪CC‬ذلك ج‪CC‬اءت إش‪CC‬كالية ه‪CC‬ذا البحث يف حماول‪CC‬ة لرص‪CC‬د االختالف‪CC‬ات والتم‪CC‬ايزات املوج‪CC‬ودة بني‬
‫النم‪CC C‬وذجني (بش‪CC C‬الر‪ -‬س‪CC C‬ري) إن على املس‪CC C‬توى‪ C‬املف‪CC C‬اهيمي أو املنهجي أو املوض‪CC C‬وعي‪ .‬وميكن‬
‫صياغة إشكالية البحث كما يلي‪:‬‬
‫إشكالية‪ C‬البحث ‪:‬‬
‫إذا ك ‪CC‬ان الفك ‪CC‬ر العلمي اجلدي ‪CC‬د ه ‪CC‬و اس ‪CC‬تخالص للقيم االبس ‪CC‬تمولوجية يف العلم املعاص ‪CC‬ر فه ‪CC‬ل‬
‫يتأسس‪ C‬على القطيعة أم التواصل؟‬
‫وتستتبع هذه الإشكالية جبملة من التساؤالت اجلزئية وهي‪:‬‬
‫كيف ميكن للقطيعة االبستمولوجية‪ C‬أن تؤسس حلركة العلم التقدمية؟‬
‫هل حقا نظريات العلم املعاصر هي نتاج تواصل معريف؟‬
‫ومبا يتم‪CC C‬يز الفك‪CC C‬ر العلمي اجلدي‪CC C‬د من منظ‪CC C‬ور باش‪CC C‬الر عن الفك‪CC C‬ر العلمي اجلدي‪CC C‬د املتج ‪CC‬دد من‬
‫منظور ميشال سري؟ ‪.‬‬
‫وتنطلق هذه الدراسة من فرضية عامة كحل مؤقت لإلشكالية‪ C‬وهي ‪:‬‬
‫إن الفك ‪CC‬ر العلمي املعاص ‪CC‬ر يعكس روح ‪CC‬ا جتديدي ‪CC‬ة جتاوزي ‪CC‬ة خاص ‪CC‬ة م ‪CC‬ع بعض نظريات ‪CC‬ه ال ‪CC‬يت مل‬
‫تتأس‪CC‬س إال عن‪CC‬دما أدركت خط‪CC‬أ ماض‪CC‬ي العلم‪ .‬لكن ومن جه‪CC‬ة أخ‪CC‬رى كث‪CC‬ري من نظري‪CC‬ات ه‪CC‬ذا‬
‫الفكر نفسه‬

‫خاصة األكثر جدة زمنيا أبرزت فعال تواصليا وإن كان بصورة تفاعل ال تراكم‪.‬‬
‫ومن هذه الفرضية العامة نستطيع أن نستخلص جمموعة من الفرضيات اجلزئية هي‪:‬‬
‫‪ -‬تأس‪CC‬يس‪ C‬باش‪CC‬الر لفلس‪CC‬فة الفك‪CC‬ر العلمي اجلدي‪CC‬د على القطيع ‪C‬ة‪ C‬كفع‪CC‬ل ابس‪CC‬تمولوجي مع‪CC‬ريف ال‬
‫بد منه لقيام علم ما‪.‬‬
‫‪ -‬الفك‪CC‬ر العلمي اجلدي‪CC‬د ه‪CC‬و فك‪CC‬ر تواص‪CC‬ل وعق‪CC‬ل تفاع‪CC‬ل ‪ ،‬ف‪CC‬اقرتاب حقلني معرف‪CC‬يني يول‪CC‬د علم‪CC‬ا‬
‫جديدا‪.‬‬
‫‪ -‬هن‪CC C C‬اك اختالف‪CC C C‬ات يف حتدي‪CC C C‬د مالمح الفك‪CC C C‬ر العلمي اجلدي‪CC C C‬د إن على مس‪CC C C‬توى املفه ‪CC C‬وم أو‬
‫املوضوع‪ C‬واملنهج بني النموذج الباشالري والنموذج السريي‪.‬‬
‫خطة البحث‪:‬‬
‫قمنا بإجناز هذا البحث وفقا ملنهجية اش‪CC‬تملت على مقدم‪C‬ة وأربع‪CC‬ة فص‪C‬ول وخامتة‪ .‬تناولن‪C‬ا‬
‫يف الفصل األول الثورات العلمي‪C‬ة للق‪CC‬رن العش‪CC‬رين‪ ،‬وتعرض‪C‬نا في‪C‬ه إىل الث‪CC‬ورة العلمي‪C‬ة م‪C‬ع النس‪C‬بية‪C‬‬
‫والكوانت‪CC‬ا يف النص‪CC‬ف األول من الق‪CC‬رن العش‪CC‬رين مث التط‪CC‬ورات العلمي‪CC‬ة الالحق‪CC‬ة وظه‪CC‬ور نظري‪CC‬ة‬
‫الفوض ‪CC C‬ى واملعلوم ‪CC C‬ات‪ C‬بداي ‪CC C‬ة م ‪CC C‬ع النص ‪CC C‬ف الث ‪CC C‬اين من نفس الق ‪CC C‬رن وب ‪CC C‬دايات الق ‪CC C‬رن الواح ‪CC C‬د‬
‫والعش ‪CC C‬رين‪ .‬وك ‪CC C‬ان ه ‪CC C‬دفنا من توظي ‪CC C‬ف النظري ‪CC C‬ات العلمي ‪CC C‬ة املعاص ‪CC C‬رة يف مي ‪CC C‬ادين الرياض‪CC C‬يات‬
‫والفيزي ‪CC‬اء والعل ‪CC‬وم الطبيعي ‪CC‬ة بص ‪CC‬فة عام ‪CC‬ة ه ‪CC‬و االس ‪CC‬تفادة من تص ‪CC‬وراهتا اجلدي ‪CC‬دة ومبا حتمل ‪CC‬ه من‬
‫مف ‪CC‬اهيم وأدوات معرفي ‪CC‬ة تس ‪CC‬اعدنا يف فهم وض ‪CC‬بط الكث ‪CC‬ري من املعطي ‪CC‬ات املرتبط ‪CC‬ة حبرك ‪CC‬ة تط ‪CC‬ور‬
‫الفكر العلمي اجلديد‪.‬‬

‫أما الفصل الثاين فقد أفردناه خلصائص الفكر العلمي اجلديد عند غاستون‪ C‬باشالر وبين‪CC‬ا موقف‪C‬ه‬
‫ال‪CC‬ذي يفس‪CC‬ر حتوالت املعرف‪CC‬ة العلمي‪CC‬ة بتفج‪CC‬ر ث‪CC‬ورات وأن مس‪CC‬ار العل‪CC‬وم ه‪CC‬و حرك‪CC‬ة ديناميكي ‪C‬ة‪C‬‬
‫وتارخيه ليس تق‪CC C‬دما متص‪CC C‬ال أو تنض‪CC C‬يدا‪ C‬لطبق‪CC C‬ات تراكمي‪CC C‬ة ب‪CC C‬ل ج‪CC C‬دل بني العوائ‪CC C‬ق والقط‪CC C‬ائع‬
‫االبستيمولوجية‪.‬‬

‫أما الفصل الثالث‪ C‬فقد عرضنا فيه تصور ميشال س‪CC‬ري للعق‪CC‬ل العلمي اجلدي‪CC‬د ال‪CC‬ذي يس‪CC‬تقي قيم‪CC‬ه‬
‫االبستمولوجية‪ C‬من نظريات العلم املعاصر واليت تبىن على فعل التواصل والتفاعل‪.‬‬
‫أم‪CC‬ا الفص‪CC‬ل الث‪CC‬الث فه‪CC‬و ميث‪CC‬ل مقارن‪CC‬ة حتاول رص‪CC‬د االختالف‪CC‬ات القائم‪CC‬ة والتقارب‪CC‬ات املمكن‪CC‬ة بني‬
‫النموذجني وحماولة الوقوف على مظاهر التجديد االبستمولوجي لدى الفيلسوفني‪.‬‬
‫أما اخلامتة فكانت خالصة ألهم نتائج البحث‪.‬‬
‫منهج الدراس‪CC‬ة‪ :‬املنهج ال‪CC‬ذي رأين‪CC‬اه مناس‪CC‬با لتن‪CC‬اول ه‪CC‬ذا املوض‪CC‬وع‪ C‬ه‪CC‬و املنهج التحليلي املق‪CC‬ارن‬
‫وظفناه‪ C‬للكشف عن املوقف العلمي االبستمولوجي‪ C‬واخللفية الفلسفية إلشكالية الفكر العلمي‬
‫اجلدي‪CC‬د واخلص‪CC‬ائص‪ C‬املم‪CC‬يزة ل‪CC‬ه عن‪CC‬د كال النم‪CC‬وذجني‪ .‬أم‪CC‬ا املنهج املق‪CC‬ارن‪ C‬ك‪CC‬ان أداة للتمي‪CC‬يز بني‬
‫خصائص الفكر العلمي اجلديد يف بعده االنفصايل أو التواصلي‪.‬‬
‫وه ‪CC‬دفنا يف ذل ‪CC‬ك مع ‪CC‬ريف بالدرج ‪CC‬ة األوىل ي ‪CC‬رتجم الرغب ‪CC‬ة يف معرف ‪CC‬ة جتلي ‪CC‬ات نظري ‪CC‬ات العلم‬
‫املعاص‪CC C‬ر يف اخلط‪CC C‬اب االبس‪CC C‬تمولوجي ل‪CC C‬دى النم‪CC C‬وذجني ومن جه‪CC C‬ة أخ‪CC C‬رى م‪CC C‬دى ق‪CC C‬درة ه ‪CC‬ذا‬
‫اخلطاب على استيعاب هذه النظريات واآلثار الفلسفية املرتتبة‪ C‬عن ذلك‪.‬‬
‫أم ‪CC‬ا عن ال ‪CC‬دوافع ال ‪CC‬يت ك ‪CC‬انت وراء اختي ‪CC‬ار ه ‪CC‬ذا املوض ‪CC‬وع فهي عدي ‪CC‬دة‪ ،‬تنطل ‪CC‬ق أوال من تل ‪CC‬ك‬
‫النت‪CC‬ائج ال‪CC‬يت توص‪CC‬لنا إليه‪CC‬ا يف حبث م‪CC‬ذكرة املاجس‪CC‬تري‪ ،‬وال‪C‬تي تناولن‪CC‬ا فيه‪C‬ا إش‪CC‬كالية االتص‪CC‬ال يف‬
‫العلم عند ميشال سري‪ .‬وتشكلت لدينا قناعة أن فهم ابستمولوجيا التواصل عند ميشال س‪CC‬ري‬
‫يقتض‪CC‬ي املرور ع‪CC‬رب ابس‪CC‬تمولوجيا القطيع‪CC‬ة عن‪CC‬د باش‪CC‬الر ‪ .‬ليس ألن األول إنعك‪CC‬اس للث‪CC‬اين وإمنا‬
‫فلس‪CC‬فة ميش‪CC‬ال س‪CC‬ري التواص‪CC‬لية تتأس‪CC‬س انطالق من نق‪CC‬د ونقض لكث‪CC‬ري من املف‪CC‬اهيم الباش‪CC‬الرية‪،C‬‬
‫وكم ‪CC‬ا يق ‪CC‬ال ف ‪CC‬إن الض ‪CC‬د بالض ‪CC‬د يع ‪CC‬رف ‪ .‬خاص ‪CC‬ة وأن س ‪CC‬ري ينتمي إىل املدرس ‪CC‬ة الفرنس ‪CC‬ية وقد‬
‫عاص‪CC C C‬ر باش‪CC C C‬الر كط‪CC C C‬الب يف اجلامعة‪ ،‬وكالمها ختص ‪CC C‬ص يف العلم ال‪CC C C‬دقيق وانتهى‪ C‬هبم ‪CC C‬ا املق‪CC C‬ام‬
‫كفالسفة‪ C‬ابستمولوجيني‪ .‬فجاءت هذه الدراسة تبحث وتتقصى‪ C‬وتقارن حىت نت‪CC‬بني التق‪CC‬ارب‬
‫من التباعد والتشابه‪ C‬من االختالف‪.‬‬

‫باإلض ‪CC C C‬افة إىل أس‪CC C C C‬باب أخ‪CC C C C‬رى ذاتي‪CC C C C‬ة‪ ،‬ترتب‪CC C C C‬ط بالرغب ‪CC C C‬ة الشخص‪CC C C C‬ية يف ول ‪CC C C‬وج الدراس‪CC C C‬ات‬
‫االبس ‪CC‬تمولوجية املعاص ‪CC‬رة الرتباطه ‪CC‬ا الوثي ‪CC‬ق بنظري ‪CC‬ات العلم املعاص ‪CC‬ر وكمحاول ‪CC‬ة لرف ‪CC‬ع ره ‪CC‬ان‬
‫التحدي ملواكبة‪ C‬الثقافة العلمية املعاصرة‪.‬‬

‫إن االعتب ‪CC‬ارات الس ‪CC‬ابقة أدت بن ‪CC‬ا إىل خ ‪CC‬وض غم ‪CC‬ار ه ‪CC‬ذه احملاول ‪CC‬ة الش ‪CC‬اقة‪ .‬فهي ش ‪CC‬اقة لطبيع ‪CC‬ة‬
‫املوض ‪CC‬وع‪ C‬العلمي ال ‪CC‬دقيق واملتخص ‪C‬ص‪ C‬ال ‪CC‬ذي اش ‪CC‬تغل علي ‪CC‬ه النموذج ‪CC‬ان س ‪CC‬واء يف الرياض ‪CC‬يات أو‬
‫الفيزي‪CC C‬اء‪ ،‬وم‪CC C‬ا يفرض‪CC C‬ه من دق‪CC C‬ة وص‪CC C‬رامة لفهم نظري‪CC C‬ات علمي‪CC C‬ة ال تستس‪CC C‬لم لقارئه‪CC C‬ا بس ‪CC‬هولة‬
‫وسالسة‪.‬‬
‫ثاني‪CC‬ا قل‪CC‬ة الدراس‪CC‬ات – يف ح‪CC‬دود علمن‪CC‬ا واطالعن‪CC‬ا – باللغ‪CC‬ة العربي‪CC‬ة عن‪CC‬دما يتعل‪CC‬ق األم‪CC‬ر بفلس‪CC‬فة‬
‫ميش‪CC‬ال س‪CC‬ري‪ .‬مما دفعن‪CC‬ا خلوض غم‪CC‬ار الرتمجة م‪CC‬ع م‪CC‬ا حتمل‪CC‬ه ه‪CC‬ذه احملاول ‪C‬ة‪ C‬من حماذير وص‪CC‬عوبات‬
‫وخاص‪CC‬ة إذا أخ‪CC‬ذ بعني االعتب‪CC‬ار متيز أس‪CC‬لوب ميش‪CC‬ال س‪CC‬ري يف الكتاب‪C‬ة‪ C‬الفلس‪CC‬فية حيث يق‪CC‬ول عن‬
‫نفسه أنا أكتب بالصور ال باملفاهيم‪ .‬فأغلب نصوصه صور وتشبيهات يتداخل فيه‪CC‬ا العلم م‪CC‬ع‬
‫الفلس‪CC‬فة واألدب‪ .‬ولكن رغم ه‪CC‬ذه الص‪CC‬عوبات‪ C‬حاولن‪CC‬ا املض‪CC‬ي ق‪CC‬دما يف ه‪CC‬ذا العم‪CC‬ل مسرتش‪CC‬دين‬
‫بالتوجيه‪CC‬ات املنهجي‪CC‬ة لألس‪CC‬تاذة املش‪CC‬رفة ال‪CC‬دكتورة دراس ش‪CC‬هرزاد فله‪CC‬ا من‪CC‬ا ك‪CC‬ل آي‪CC‬ات الش‪CC‬كر‬
‫والعرفان‪.‬‬
‫واهلل املوفق‬
‫الفصل األول‪ :‬الفكر العلمي اجلديد ونظريات العلم املعاصر‬

‫املبحث األول‪ :‬اهلندسات الالأقليدية واهلندسة الفراكتالية‪C‬‬

‫املبحث الث‪CC C C‬اين‪ :‬نظري‪CC C C‬ة النس‪CC C C‬بية والكوانت‪CC C C‬ا‪ ،‬الفوض‪CC C C‬ى ونظري‪CC C C‬ة‬
‫املعلومات‬
‫متهيد‪ :‬خصصنا الفصل األول للحديث عن نظريات العلم املعاصر‪ .‬وليس ذل‪CC‬ك من قبي‪CC‬ل‬
‫الص‪CC C C‬دفة أو االعتباطية‪،C‬ب‪CC C C‬ل ألهنا ش‪CC C C‬كلت مص‪CC C C‬در دهشة وتس‪CC C C‬اؤل عمي‪CC C C‬ق ح‪CC C C‬ول التح‪CC C‬والت‬
‫والتقلبات السريعة اليت ميزت الربع األول من القرن العشرين وما تالها‪ ،‬كم‪C‬ا أهنا مثلت داف‪C‬ع‬
‫تفلسف ومنبع مادة فلسفية علمية جديدة تؤلف جمموع‪C‬ة من الدراس‪C‬ات الابس‪C‬تمولوجية‪ ،‬على‬
‫شاكلة املفاهيم‪ C‬الثورية اليت اختذها باشالر أساسا لبناء صرحه الفلسفي اجلديد‪ ،‬واليت أظه‪CC‬رت‬
‫املسحة الفلسفية اجلديدة للعلم املعاصر‪ .‬ونس‪CC‬تطيع الق‪CC‬ول بأن‪C‬ه ميث‪CC‬ل طف‪C‬رة فكري‪C‬ة وس‪C‬يكولوجية‪C‬‬
‫جذرية جعلت العقل الفلسفي اجلديد حيكم بأن‪" C‬العلم حقيقة خيلق الفلسفة" ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫املبحث األول‪ :‬اهلندسات الالإقليدية واهلندسة الفراكتالية‬
‫‪ /1‬اهلندسات الالإقليدية‬
‫متيزت الریاض ‪C C C‬یات مع إقلیدس بط‪CC C C‬ابع بره‪CC C C‬اين ومنطقي‪ ،‬حيث ك‪CC C C‬ان قوامها عملیات‬
‫جتریدیة كالتحلیل وال ‪CC‬رتكیب‪ ،‬وقواعد منطقیة هي مبثابة قضایا ینطلق منها الربه ‪CC‬ان‪ .‬وأدرج‬
‫إقلي ‪CC C‬دس أص ‪CC C‬ول ه ‪CC C‬ذا العلم يف كتاب ‪C C‬ه األص ‪CC C‬ول‪ .‬وفيه أكد على ض‪CC C‬رورة بن ‪CC C‬اء املف ‪CC C‬اه‪C‬یم على‬
‫منطلق ‪CC‬ات أولیة كمف ‪CC‬اهیم ومنطلق ‪CC‬ات ثابتة أق ‪CC‬ام علیها اهلندسة‪ .‬و « ميّز أوقلي ‪CC‬دس نفسه يف‬
‫هندسته بني ثالثة أنواع‪ C‬من املبادئ »‪ 1‬وهي ‪:‬‬
‫‪-‬البدیهیات‪ :‬وهي قضایا واض‪CC C C C C‬حة ب‪CC C C C C‬ذاهتا ال حتت‪CC C C C C‬اج إىل بره‪CC C C C C‬ان ‪،‬فهي أبسط القضایا‬
‫ومثاهلا‪:‬الكل أعظم من جزئه‪،‬الكمان املساویان لثالث متساویان‪...‬اخل‪.‬‬
‫‪-‬املسلمات‪ :‬وهي قضایا غیر واضحة ب‪C‬ذاهتا‪ ،‬یض‪C‬عها الریاضي لیقیم علیها الربه‪C‬ان‪ C،‬فهي‬
‫عب‪CC C C‬ارة عن مواض‪CC C C‬عة مفرتضة ليس إال‪ .‬ومن أش‪CC C C‬هرها املس‪CC C C‬لمة اخلامسة اليت ع‪CC C C‬رفت مبس ‪CC C‬لمة‬
‫التوازي ونصها‪ :‬من نقطة خ‪C‬ارج مس‪CC‬تقیم یمكن رسم م‪CC‬واز واحد ل‪CC‬ه‪ ،‬وهي الص‪C‬یاغة املكافئة‪C‬‬
‫(‪.)John Playfair‬‬ ‫اليت وضعها االجنلیزي‪ :‬جون بال یفر‬
‫‪-‬التع‪CC C C‬اریف‪ :‬وهي احلدود أو القضایا اليت توض‪CC C C‬حها‪ ،‬و « التعريف‪CC C C‬ات مرتبطة باألش‪CC C‬ياء‬
‫‪2‬‬
‫اخلارجية ودورها‪ ،‬إهنا ختتزل إىل وصف بسيط‪ ،‬جترييب مقارنة بتلك املوجودة يف املعاجم »‬
‫ومن أمثلتها عند إقلیدس ‪ :‬املس ‪CC C‬تق‪C‬یم جمموعة من النق ‪CC C‬اط غ ‪C C‬یر املنتهیة على اس ‪CC C‬تقامة‪C‬‬
‫واحدة‪ ،‬النقطة ما لیس له أبعاد‪.‬‬

‫حممد عابد اجلابري‪ ،‬مدخل اىل فلس‪C‬فة‪ C‬العل‪C‬وم‪ ،‬العقالنية املعاص‪C‬رة وتط‪C‬ور الفكر العلمي‪ ،‬مركز دراس‪C‬ات الوح‪C‬دة‬ ‫‪1‬‬

‫العربية‪ ،‬ط‪ 7‬بريوت‪ ،2011،‬ص ‪74‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Robert Blanché, l axiomatique, puf, paris, 1999, p 21‬‬
‫‪10‬‬
‫وانطالقا من هذه املبادئ استطاع إقلیدس أن یقیم العلم الرياضي كبناء استنتاجي‪ C‬متكامل‬
‫ویخلص ‪CC C‬ها من القواعد العملیة اليت ك ‪CC C‬انت قد ق ‪CC C‬امت علیها خاصة عند املصریین والب‪CC C‬ابلیین‬
‫القدماء‪ ،‬وبذلك ساهم يف إرس‪C‬اء ص‪CC‬ورا نیة للریاض‪C‬یات‪ .‬وغ‪CC‬دت هندسة إقلي‪CC‬دس مبثابة فيزي‪C‬اء‬
‫األش‪CC‬كال املكاني‪CC‬ة‪ ،‬أو فيزي‪CC‬اء املك‪CC‬ان‪ ،‬لإهنا ترتكز على معطي‪CC‬ات حس‪CC‬ية جتريبية‪ C‬ص‪CC‬دقها مرتبط‬
‫باألساس التجرييب من خالل احلدس اهلندسي‪.‬‬
‫‪ ‬أزمة األسس يف الرياضيات‬
‫ك ‪CC C‬انت املس ‪CC C‬لمات الإقلیدیة باعتبارها قضایا غ‪C C C‬یر واض ‪CC C‬حة تتطلب التسلیم دون بره‪CC C‬ان‬
‫مص ‪CC C‬در ش ‪CC C‬كوك‪ C‬وتس ‪CC C‬اؤل ل ‪CC C‬دى الرياض ‪CC C‬يني‪ .‬وك ‪CC C‬انت املس ‪CC C‬لمة اخلامسة حتدي ‪CC C‬دا‪ ،‬مبعثا للقلق‬
‫والشك منذ ق ‪CC C C‬رون طويل ‪CC C C‬ة‪ ،‬ألهنا ك ‪CC C C‬انت تب ‪CC C C‬دو كحقیقة یمكن الربهنة‪ C‬علیها خالفا لب ‪CC C‬اقي‬
‫األوليات‪ .‬فإذا كانت املسلمات األربع األوىل واضحة وتتفق مع احلس فان املس‪CC‬لمة اخلامسة‬
‫معق ‪CC‬دة وغ‪C C‬یر واض ‪CC‬حة‪ .‬ومع « حركة النقد لألسس الرياض ‪CC‬ية وقف علم ‪CC‬اء الرياض ‪CC‬يات على‬
‫املسلمة اخلامسة الىت كانت دائما موضع الشك والتساؤل » ‪.1‬‬
‫لقد قامت حماوالت عدیدة للربهنة على املسلمة اخلامسة‪ ،‬إال أن احملاوالت الرائدة واليت‬
‫أف‪CC‬رزت انقالب‪ C‬ج‪CC‬ذريا يف الرياض‪CC‬يات إن على مس‪CC‬توى املب‪CC‬ادئ أو املنهج ك‪CC‬انت مع الریاضي‬
‫االیط‪CC C C‬ايل ساكشیري ال‪CC C C‬ذي « اش‪CC C C‬تغل على رب‪CC C C‬اعي به زاوي‪CC C C‬تني ق‪CC C C‬ائمتني وض ‪CC C‬لعني متق‪CC C‬ابلني‬
‫متقايس ‪CC‬ني‪ .‬الرب ‪CC‬اعي هو مس ‪CC‬تطيل إذا ك ‪CC‬انت مس ‪CC‬لمة إقلي ‪CC‬دس ص ‪CC‬ادقة‪ .‬والزاويت ‪CC‬ان‪ C‬األخريت ‪CC‬ان‬
‫ق ‪CC‬ائمتني أيضا » ‪ 2‬إذ رأى ب ‪CC‬أن‪ C‬املس ‪CC‬لمة اخلامسة إلقلي ‪CC‬دس معق ‪CC‬دة وجيب أن تك ‪CC‬ون‪ C‬موض ‪CC‬وع‬
‫بره‪CC‬ان ال تسلیم‪ .‬وق‪CC‬دمت أحباثه الرياض‪CC‬ية أفك‪CC‬ارا هندس ‪C‬یة جدیدة‪ ،‬لكنها ض‪CC‬لت منس‪CC‬ية حىت‬
‫عام ‪ 1777‬حيث‬

‫ساهل بوعزة‪ ،‬علم اهلندسة بني العلماء والفالسفة‪ ،‬دار القرويني‪ ،‬ط ‪ ،1‬الدار البيضاء‪ ،2002 ،‬ص ‪77‬‬ ‫‪1‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪79‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪11‬‬
‫انتبه‪ C‬إلیها الریاضي األملاين ج‪CC C C C C‬وس‪ .‬وبین أنها تتض‪CC C C C C‬من أفك‪CC C C C C‬ارا خمتلفة عن رياض‪CC C C C‬يات‬
‫إقلیدس‪ 1‬واس ‪CC‬تمرت اجله ‪CC‬ود بعد ساكشیري للربهنة على املس ‪CC‬لمة اخلامسة مع ع ‪CC‬دة ریاض ‪C‬یین‬
‫أمثال الغرانج وداملبیر الذي اعترب مطلب إقلي‪CC‬دس « عن املوازاة مبثابة نظرية حتت‪CC‬اج إىل بره‪CC‬ان‬
‫‪2‬‬
‫»‬
‫‪ ‬ظهور اهلندسات‪ C‬الالإقلیدیة ‪:‬‬
‫بدأ احلديث عن اهلندس‪C‬ات الال إقليدية يف أعم‪CC‬ال الریاض‪C‬یین وأحباثهم‪ ،‬عن‪C‬دما أص‪C‬بح النظر إىل‬
‫ع ‪CC‬دم ض ‪CC‬رورة اهلندسة الإقلیدیة أم ‪CC‬را ممكنا‪ .‬وخاصة مع الثلث األول من الق ‪CC‬رن التاسع عشر‪.‬‬
‫فكل « األنظمة اهلندس ‪CC‬ية‪ C‬اليت ختتلف عن النظ ‪CC‬ام اهلندسي‪ C‬اإلقلي ‪CC‬دي هي عب ‪CC‬ارة عن هندسة ال‬
‫إقليدي ‪CC‬ة»‪ 3‬والبداية‪ C‬ك‪CC‬انت مع اكتش ‪C‬اف ج‪CC‬ون بولیاي‪ ‬ب ‪C‬أن مس ‪CC‬لمة الت ‪CC‬وازي الإقلیدیة لیست‬
‫عنص‪CC C‬را ض‪CC C‬روریا وأحل حملها مس‪CC C‬لمة جدیدة يف املتوازیات وذهب إىل أنه حدس‪CC C‬يا « ميكن‬
‫رسم أكثر من م‪CC‬واز ملس‪CC‬تقيم معل‪CC‬وم من نقطة معلومة »‪ 4‬نفس الفك‪CC‬رة تبل‪CC‬ورت يف ذهن الع‪CC‬امل‬
‫األملاين كارل جوس‪ .‬وال‪CC‬ذي ق‪CC‬ام « مبحاولة يف الطبيعة لقي‪CC‬اس جمم‪CC‬وع زوايا مثلث تتك‪CC‬ون‪ C‬من‬
‫رؤوس ثالثة جبال اعتقادا‪ C‬منه أنه سيحقق هندسة غري إقليدية يف الطبيعة‪ 5» C‬وأبان عن موقفه‬
‫یؤكد فيها أن النت‪CC‬ائج اليت توصل إلیها ابنه هو نفسه قد‬ ‫‪1832‬‬ ‫برس‪CC‬الة إىل بولیاي الوالد س‪CC‬نة‬
‫« توصل إىل ه ‪CC C C‬ذه النت ‪CC C C‬ائج منذ ‪ 35‬س ‪CC C C‬نة ولكن مل يقم بنش ‪CC C C‬رها»‪ 6‬وجند أن ج ‪CC C C‬اوس اعتقد‬

‫حممود فهمي زیدان‪ ،‬املنطق الرمزي‪ ،‬نشأته وتطوره‪ ،‬دار النهضة العربیة‪ ،‬بریوت ‪ ، 1979‬ص ‪108‬‬ ‫‪1‬‬

‫غاستون باشالر‪ ،‬الفكر العلمي‪ C‬اجلديد‪ ،‬تر‪ :‬عادل العوا‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراس‪CC‬ات والنشر والتوزي‪CC‬ع‪ ،‬ب‪C‬ريوت‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 1982‬ص ‪24‬‬
‫‪3‬‬
‫هانز رايشنباخ‪ :‬نشأة الفلسفة العلمية‪ C،‬ترمجة فؤاد زكرياء‪ ،‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬ط‪ 1979 ،2‬ص‪123‬‬
‫‪‬‬
‫جون بولياي‪ ) 1802-1860( ،‬ریاضي جمري‪ ،‬واحد من مؤسسي اهلندسة‪ C‬الالإقليدية‬
‫‪4‬‬
‫ساهل بوعزة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪79‬‬
‫ميىن طريف اخلويل‪ ،‬العلم االغرتاب واحلرية‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪ ،1987 ،‬ص ‪361‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪6‬‬
‫‪Jean Dieudonné : abrégé d’histoire des mathématiques, Hermann, Paris, 1996, p11‬‬

‫‪12‬‬
‫بإمكانیة حتقیق‬

‫تص‪CC‬وراته‪ C‬اهلندس ‪C‬یة اجلدیدة يف الطبیعة ل‪CC‬ذلك ق‪CC‬ام مبحاولة لقیاس جمم‪CC‬وع زوایا املثلث املك‪CC‬ون‪C‬‬
‫من رؤوس ثالث ‪C‬ة جب‪CC‬ال‪ ،‬يف هض‪CC‬بة وقميت جبلین یمكن رؤیتهما من أعلى ه‪CC‬ذه اهلض‪CC‬بة ق‪CC‬رب‬
‫مدینة ج ‪CC C C‬وتنجن‪ ،‬ووجد أن جمم ‪CC C C‬وع زوایا املثلث مل تكن مس ‪CC C C‬اویة متاما لق ‪CC C C‬ائمتین‪ ،‬بل هي‬
‫منحرفة قلیال عن مس ‪CC C‬افة اخلطأ احملتمل‪ .‬وتعترب أحباث جاوس‪ ‬منطلق الش‪CC C‬كوك‪ C‬ح‪CC C‬ول بداهة‬
‫اهلندسة الإقلیدیة واالعتقاد السائد حبدسیتها‪.‬‬
‫إذ ويف رسالته إىل "باس‪C‬یل" يف ‪ 1829‬عرب ج‪C‬وس عن قناعته يف « أن علم اهلندسة عامة‬
‫لدیها مكانة خمتلفة يف معرفتنا القبلیة من احلساب » ‪.1‬‬
‫‪ ‬األنساق اهلندسیة الالإقلیدیة‪:‬‬
‫ومن أعم ‪CC‬ال"ج‪C C‬وس" أص ‪CC‬بح جليا أن مس ‪CC‬لمة إقلیدس اخلامسة مس ‪CC‬تقلة عن بقیة املس ‪CC‬لمات‬
‫حبیث یمكن وضع مس‪CC C‬لمة أخ‪CC C‬رى تنكرها ض ‪CC‬من النسق الإقلیدي‪ .‬وهو عمل رياضي أجنزه‬
‫كل من "لوباتشفس‪CC‬كي" و"ریم‪CC‬ان" والل‪CC‬ذان أعلنا به‪CC‬ذا العمل ظه‪CC‬ور أول األنس‪CC‬اق اهلندس ‪C‬یة‬
‫الالإقلیدیة‪.‬‬
‫‪ /1‬نیقوالي ایفانوفیتش لوباتشفسكي‪ C‬لقد اهتم لوباتشفسكي‪ « C‬مبش‪CC‬كلة الت‪CC‬وازي منذ س‪CC‬نة‬
‫‪ 1815‬ولكن مل يس‪CC C‬تطع إجياد حل هلذه املش‪CC C‬كلة‪ ،‬فغري طريقة التحلي‪CC C‬ل‪،‬إذ يف س‪CC C‬نة ‪1825‬‬
‫وجهت أفك ‪CC C C C C‬اره حنو هندسة مبنية‪ C‬على نفي املت ‪CC C C C C‬وازي الوحيد »‪ 2‬وإس ‪CC C C C C‬تطاع أن جيد نظاما‬
‫‪‬‬
‫يوه‪CC C‬ان ك‪CC C‬ارل فري‪CC C‬دريش ج‪CC C‬اوس (‪ )1855-1777‬رياضي وفيزي‪CC C‬ائي أملاين‪ .‬س‪CC C‬اهم بأعم‪CC C‬ال ح‪CC C‬ول نظرية األع‪CC C‬داد واإلحص‪CC C‬اء‬
‫والتحليل الرياضي واهلندسة‪ C‬التفاضلية وعلم االستاتيكا الكهربائية وعلم الفلك والبصريات‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ibid ,p53‬‬
‫‪‬‬
‫نیق‪CC‬والي ایف‪CC‬انوفیتش لوباتشفس‪CC‬كي ( ‪ ،) 1793 C-1856‬ریاض‪C‬ي روسي من مؤلفات‪C‬ه "حبوث نظریة املتوازیات " عین أس‪CC‬تاذا‬
‫للریاضة جبامعة ق ‪CC C‬ازان ‪ ، 1816‬ومدیرا للجامعة ‪ .1827‬نشر مذكراته ح‪CC C‬ول مب‪CC C‬ادئ اهلندسة يف جامعة "ق‪CC C‬ازان" ع‪CC C‬ام ‪1829‬‬
‫‪،‬كأول‪ C‬عرض منهجي هلندسة‪ C‬الإقلیدیة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Paul Barbarin : La géométrie non euclidienne, Ed Jacques Gabay, Paris, 3 meédition, 1990, p6‬‬

‫‪13‬‬
‫هندس ‪C‬یا خيالف متاما الف ‪CC‬رض اخلامس ألقلیدس‪ .‬ففي الفصل الس ‪CC‬ابع من كت ‪CC‬اب"حبوث نظریة‬
‫املتوازیات‬

‫اف ‪CC‬رتض « أنه من نقطة خ ‪CC‬ارج مس ‪CC‬تقيم معل ‪CC‬وم ميكن رسم أك ‪CC‬ثر من م ‪CC‬واز واحد للمس ‪CC‬تقيم‬
‫األول عكس ما ق ‪CC C‬ال به إقلي ‪CC C‬دس» ‪ 1‬لقد أوص ‪CC C‬له اس ‪CC C‬تدالله الرياضي إىل نظري ‪CC C‬ات هندس ‪CC C‬ية‬
‫جدي ‪CC C C C‬دة دومنا تن ‪CC C C C‬اقض‪ ،‬مث توصل إىل جمموعة من املربهن ‪CC C C C‬ات والنت ‪CC C C C‬ائج اليت ختتلف كليا عن‬
‫هندسة إقلیدس ودون أن ي ‪CC C‬ؤدي ذلك إىل بطالن فرض‪CC C C‬ه‪ .‬وب ‪CC C‬الرغم من أننا جند ص ‪CC C‬عوبة يف‬
‫إدراكها لأهنا « مختلف‪C‬ة اختالفا كب‪CC‬ريا عن تلك اليت ألفناها وهي‪ -‬إمجاال – حتمل على بعض‬
‫احلرية يف أول األمر »‪ 2‬فإنه انتهى إىل بن ‪CC‬اء نسق هندسي جديد جبانب النسق اإلقلي ‪CC‬دي يق ‪CC‬وم‬
‫على قيم رياضية جديدة منها‪:‬‬
‫‪ -‬جمم ‪CC C‬وع زوایا املثلث أص ‪CC C‬غر دائما من زاویتین ق ‪CC C‬ائمتین‪ ،‬ویتناسب الف ‪CC C‬رق بین ذلك‬
‫اجملموع‬
‫وزاویتین قائمتین من مساحة املثلث‪.‬‬
‫‪ -‬من غري املمكن بناء شكل مشابه لشكل آخر معطى مع اختالف األبعاد‪.‬‬
‫‪ -‬عند قسمة حمیط ال‪CC C‬دائرة إىل أج‪CC C‬زاء متس‪CC C‬اویة ع‪CC C‬ددها ‪ n‬ورمسنا مماس‪CC C‬ات من نق‪CC C‬اط‬
‫التقس ‪C‬یم ش‪CC‬كلت تلك املماس‪CC‬ات وع‪CC‬ددها ‪ n‬مض‪CC‬لعا‪ ،‬إذا ما ك‪CC‬ان ش‪CC‬عاع ال‪CC‬دائرة على درجة‬
‫كافیة من الصغر‪ ،‬أما إذا كان ذلك الشعاع كبیرا نوعا ما‪ ،‬فان املماسات ال تلتقي‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪Riemann‬‬ ‫‪ /2‬برهنارد ریمان‬

‫ساهل بوعزة مرجع سابق‪ ،‬ص ‪80‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫ه‪CC C C‬نري بوانكاریه ‪ ،‬العلم والفرض‪CC C C‬یة‪ ،‬ترمجة د‪ .‬محادي بن ج‪CC C C‬اب اهلل‪ ،‬الطبعة األوىل ‪ ،‬مركز دراس ‪CC C‬ات الوح ‪CC C‬دة العربیة‪،‬ب ‪CC C‬ریوت‪C‬‬
‫‪2002‬ص ‪117‬‬
‫‪‬‬
‫ج‪CC C‬ورج فریدیریش برهنارد ریم‪CC C‬ان( ‪ ، C C) 1866-1826‬رياضي أملاين‪ ،‬ك‪CC C‬ان يف بدایته مهتما بدراسة الاله‪CC C‬وت ‪،‬مث حتول إىل‬
‫الریاض‪C C‬یات ش ‪CC‬غل كرسي الریاض‪C C‬یات يف جامعة غ ‪CC‬وتنجن ع ‪CC‬ام ‪ 1857‬بعد وف ‪CC‬اة دیرش ‪CC‬له ‪،‬كما أنتخب بع ‪CC‬دها عض ‪CC‬وا يف أكادیمیة‬
‫‪.Zeta Function.‬‬ ‫العلوم يف برلین ‪ ،‬اليت قدم هلا أهم حبوثه اجلدیدة حول األعداد األولیة اليت تقل عن عدد معین‪ ،‬ودالة زیتا‬

‫‪14‬‬
‫متثل هندسة ریم ‪CC‬ان ش ‪CC‬كلا آخرا للهندسة الال إقلیدیة‪ .‬ففي مقال‪C C‬ه املنش ‪CC‬ور س ‪CC‬نة ‪1854‬‬
‫اعترب « املك‪CC C C C‬ان احلقيقي‪ C‬ليس المتناهيا ولكنه هو ال حمدود‪ ،‬واملس ‪CC C C‬افة بني نقط‪CC C C C‬تني ميكن أن‬
‫تصل إىل هناية قص ‪CC C C C C‬وى‪ ،‬وهلذا ميكن تأس ‪CC C C C C‬يس‪ C‬هندسة مماثلة للهندسة الدائرية »‪ 1‬ومن خالل‬
‫حتقیقه لفرض ‪C C‬یة ساكشیري ح‪CC C‬ول الزاویة احلادة‪ ،‬اليت تالئم تغ ‪C C‬یر املس‪CC C‬لمات الإقلیدیة األوىل‬
‫والثان‪C‬یة واخلامسة على‬

‫النحو التايل‪:‬‬
‫‪ -‬من نقطتین یوجد مستقیم على األقل‪.‬‬
‫‪ -‬اخلط غیر حمدود‪.‬‬
‫‪ -‬أي خطین يف فضاء سیلتقیان‪.‬‬
‫ق‪CC C C C‬ام هو اآلخر ب ‪C C C C‬رد املس‪CC C C C‬لمة القائلة‪ ،‬بأنه ال یمكن أن یمر بنقطتین مفروضتین إال مس‪CC C C‬تقیم‬
‫واحد واملك‪CC‬ان‪ C‬اهلندسي ال‪CC‬ذي تص‪CC‬وره ك‪CC‬ان مغ‪CC‬ايرا متاما ملك‪CC‬ان إقلیدس ولوباشفس‪CC‬كي‪ .‬حيث‬
‫اف ‪CC‬رتض فیه وج ‪CC‬ود أحیاء خمتلفة عنا ق ‪CC‬ادر ة على ختیل مك ‪CC‬ان متع ‪CC‬دد األبع ‪CC‬اد‪ ،‬حبیث تص ‪CC‬بح‬
‫اهلندسة القائمة على ثالثة أبعاد حالة خاصة منها‪.‬‬
‫ويُبَسط لنا بوانكاري ‪C C‬ه املعىن لتق ‪CC C‬ريب الفهم‪ ،‬مبث ‪CC C‬ال عن « ع ‪CC C‬امل ال تس ‪CC C‬كنه إال كائن ‪CC C‬ات‬
‫سطيحة‬
‫ولنفرتض‪ C‬أن تلك احليوانات " الالمتناهية‪ C‬التسطيح" موجودة مجيعا‪ .‬ولنسلم ‪ -‬إض‪C‬افة ل‪C‬ذلك‬
‫ب ‪CC‬أن‪ C‬ذلك الع ‪CC‬امل بعيد مبا فيه الكفاية‪ C‬عن الع ‪CC‬وامل األخ ‪CC‬رى حبيث ال يلحقه منها ت ‪CC‬أثري وليس‬
‫علينا من حرج أن نضيف إىل تلك الكائنات‪ C‬فكرا‪ ،‬وأن نعتربها‪ C‬قادرة على صناعة اهلندسة ‪.‬‬

‫فلن تض ‪CC‬في تلك الكائن ‪CC‬ات‪ C‬يف ه ‪CC‬ذه احلالة على املك ‪CC‬ان إال بع ‪CC‬دين » ‪ 2‬إن ه ‪CC‬ذه الكائن ‪CC‬ات‪ C‬الىت‬

‫‪1‬‬
‫‪Op cit, p 13.‬‬
‫هنري بوانكاريه‪ ،‬العلم والفرضية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪118‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪15‬‬
‫نس ‪CC‬جها اخلي ‪CC‬ال الرياضي لبوانكاريه حمكومة مبس ‪CC‬توى واحد ال تس ‪CC‬تطيع اخلروج من ‪CC‬ه‪ .‬واملك ‪CC‬ان‪C‬‬
‫عندها يتحدد ببعدين فقط ‪ .‬لكن م‪C‬اذا لو أهنا مل تتخ‪C‬ذ‪ -‬مع بقائها سطیحة‪ -‬ش‪C‬كال مس‪C‬طحا‬
‫بل ش‪CC C C‬كال كرویا فأي هندسة س ‪CC C C‬تكون‪ C‬لتلك الكائن ‪CC C C‬ات‪ C‬؟ األكيد أهنا « لن تض‪CC C C‬في‪ C‬على‬
‫املك ‪CC‬ان إال بع ‪CC‬دين وأن ما س ‪CC‬يقوم‪ C‬عن ‪CC‬دها مق ‪CC‬ام اخلط املس ‪CC‬تقيم إمنا هو أقصر الس ‪CC‬بل املؤدية من‬
‫نقطة إىل أخرى من الكرة‪ ،‬وأعين به قوس دائرة كب‪CC‬رية‪ ،‬أي أن هندس‪CC‬تها س‪CC‬تكون باختص‪CC‬ار‪-‬‬
‫هندسة كروية»‪ 1‬ومن هذا املثال نستنتج خصائص اهلندسة الرميانية إذا یصبح‪:‬‬
‫‪ -‬اخلط املستقیم قوسا على كرة‪.‬‬
‫‪ -‬ویمر عدد غیر حمدود من املستقیمات بنقطتین‪.‬‬
‫‪ -‬أن تكون‪ C‬النقطتان يف طريف قطر الكرة‪ ،‬یمر منهما عدد غیر حمدود من الدوائر‪.‬‬
‫وهك‪CC‬ذا تب‪CC‬دو القضایا اهلندس ‪C‬یة عند ریم‪CC‬ان خمتلفة متاما عن قضایا إقلیدس ولوباتشفس‪CC‬كي‪ C‬معا‬
‫واجلدول‪ :‬التايل یبین بعض الفروق بینها‪.‬‬

‫نسبة حمیط‬
‫مقیاس در جة‬ ‫الدائرة إىل‬ ‫عدد املتوازیات جمموع زوایا‬ ‫نوع اهلندسة‬
‫االحنناء‬ ‫قطرها‬ ‫املثلث‬
‫< صفر‬ ‫‪< π‬٭‬ ‫< ‪180‬‬ ‫أكثر من مواز‬ ‫لوباتشفسكي‬
‫صفر‬ ‫‪π‬‬ ‫= ‪180‬‬ ‫واحد‬ ‫إقلیدس‬
‫> صفر‬ ‫‪>π‬‬ ‫> ‪180‬‬ ‫صفر‬ ‫ریمان‬

‫*اهلندسة‪ C‬الرياضية‬
‫ترتب عن ظهور اهلندسات الال إقلیدیة نتائج هامة يف مقدمتها حترر الریاضیات واهلندسة‬
‫من األشكال املكان‪C‬یة نتیجة التمییز بین اهلندسة النظریة أو اهلندسة الریاض‪C‬یة البحتة اليت یمكن‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص‪118‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪16‬‬
‫إرجاعها إىل مف ‪CC‬اهیم عقلیة جمردة‪ ،‬واهلندس ‪C C‬یة الفیزیائیة وهي اهلندسة التجریبیة ألهنا تط ‪CC‬بيق‬
‫للهندسة على الع ‪CC C‬امل‪ .‬ويف ‪CC C‬رق بينهما اينش ‪CC C‬تني « معت ‪CC C‬ربا‪ C‬أن اهلندسة الرياض ‪CC C‬ية يقينية واهلندسة‬
‫الفيزيائية‪ C‬غري يقينية‪ C‬ألهنا تتح‪CC‬دث عن الواقع »‪ 1‬وك‪CC‬ان كارن‪CC‬اب يعترب أن مص‪CC‬در اخلطأ ال‪CC‬ذي‬
‫وقع‬

‫فيه كانط هو ع‪CC‬دم التمي‪CC‬يز بني هندس‪CC‬تني خمتلف‪CC‬تني هندسة رياض‪CC‬ية وأخ‪CC‬رى فيزيائية فال وج‪CC‬ود‬
‫من وجهة نظر كانط لـ ـــ « هندسة أخ ‪CC‬رى غري اهلندسة اإلقليدي ‪CC‬ة‪ ،‬فهي اهلندسة بال ‪CC‬ذات‪ ،‬ألن‬
‫ض‪CC C C‬رورهتا مفروضة علينا بطبيعة تركيبنا ال‪CC C C‬ذهين»‪ 2‬ومل يكن ذلك التمي‪CC C C‬يز ممكنا قبل ظه‪CC C C‬ور‬
‫اهلندسات الالإقليدية‪ .‬وعلى اعتبار أنه أصبح لدینا عدة هندسات ال تس‪CC‬تند إىل ح‪CC‬دس مك‪CC‬اين‬
‫واح ‪CC C‬د‪ ،‬أي تع‪CC C‬دد املمكن ‪CC C‬ات اهلندس‪C C C‬یة أو املفرتض ‪CC C‬ة‪ ،‬فلم یعد علم اهلندسة یعىن مبدى مطابقة‬
‫النسق اهلندسي للواقع اخلارجي‪ .‬ولقد ك‪CC C‬ان ذلك حمط اهتم‪CC C‬ام العدید من الریاض ‪C C‬یین‪ ،‬حیث‬
‫ح‪CC‬اول الریاضي "كالین" تنس ‪C‬یق اهلندس‪CC‬ات املمكن‪CC‬ة‪ ،‬معتم‪CC‬دا على نظریة اجملموع‪CC‬ات‪ ،‬ف‪CC‬انتهى‬
‫إىل‬
‫‪3‬‬
‫أن عددها ال منتهي‪ C‬وأننا مل ندرس منها إال القلیل‬
‫وهك‪CC‬ذا حتول علم‪CC‬اء اهلندسة للنظر يف اخلواص اهلندس ‪C‬یة نظ‪CC‬رة جمردة بعیدا عن اتفاقها مع‬
‫الواقع أو عدم ‪CC‬ه‪ ،‬لتتح ‪CC‬ول اهلندسة إىل علم ب ‪CC‬اخلواص اهلندس ‪C C‬یة املمكنة‪ C‬عقال ال خبواص الواقع‬
‫املوج‪CC‬ود‪ .‬ویتجلى ذلك يف تع‪CC‬دد األنس‪CC‬اق اهلندس‪C‬یة غ‪C‬یر الإقلیدیة كما رأینا من خالل هندسة‬
‫وهندسة ریم ‪CC‬ان اهلندسة‬ ‫‪hyperbolique‬‬ ‫لوباتشفس‪CC C‬كي‪ C‬اليت تع ‪CC‬رف باهلندسة الزائ‪CC C‬دة املقطع‬
‫االهلیجیة (‪. )Elliptique‬‬
‫وداد احلاج حس‪CC‬ن‪ ،‬رودولف كارن‪CC‬اب هناية الوض‪CC‬عية املنطقي‪CC‬ة‪ ،‬املركز الثق‪CC‬ايف الع‪CC‬ريب‪ ،‬ال‪CC‬دار البيض‪CC‬اء‪ ،‬املغ‪CC‬رب‪ ،‬ط‬ ‫‪1‬‬

‫ص ‪139‬‬ ‫‪2001 ،1‬‬


‫حس ‪CC‬ني‪ ،‬علي‪ ،‬فلس ‪CC‬فة العلم املعاص ‪CC‬رة ومفه ‪CC‬وم‪ C‬االحتم ‪CC‬ال‪ ،‬ال ‪CC‬دار املص ‪CC‬رية الس ‪CC‬عودية للطباعة والنشر والتوزي ‪CC‬ع‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط ‪ ،2005‬ص‪119‬‬


‫حممد ثابت الفندي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪62‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪17‬‬
‫إن التصور اجلدید لطبیعة املبادئ الریاض‪C‬یة أح‪C‬دث حتوال على مس‪CC‬توى احلقیقة الریاض‪C‬یة بص‪CC‬فة‬
‫عامة وعلى اهلندسة بص‪CC‬فة خاصة‪ .‬واق‪CC‬رتن ه‪CC‬ذا التح‪CC‬ول بظه‪CC‬ور هندس‪CC‬ات الإقلیدیة‪ ،‬واليت مل‬
‫تعد تنظر للنظریات اهلندسیة على أهنا حقیقة واقعیة وعقلیة معا‪ ،‬بل حقیقة عقلیة على أساس‬
‫عدم التناقض الداخلي بین قضایا النسق اهلندسي‪ C،‬وهو یعرب عن الص‪CC‬دق املنطقي‪ C‬ال‪CC‬ذي أص‪CC‬بح‬
‫االجتاه السائد منذ ذلك الوقت‪ ،‬وختلت عن الصدق الواقعي للهندسة التطبیقیة أو التجریبیة‬

‫الفیزیائیة‪.‬‬

‫*أكسيوماتيك‪ C‬اهلندسة‬
‫أفرزت الهندسات الالإقلیدیة نتائج غريت من نظرة الریاضیین املعاصرين إىل املبادئ اليت‬
‫يؤسس ‪CC‬ون علیها بني ‪CC‬اهنم الریاض‪C C‬ی‪ .‬وأض ‪CC‬حت ه ‪CC‬ذه املب ‪CC‬ادئ جمرد مس ‪CC‬لمات أولية ال غري« إهنا‬
‫فروض ال خيامر واضعها شك يف صحتها أو عدم صحتها‪ .‬فهو يضعها خارج منطقة الص‪CC‬دق‬
‫والك‪CC‬ذب أو الص‪CC‬حة واخلط‪CC‬أ‪ ،‬إهنا بتعبري بوانكاريه‪ C‬جمرد مواض‪CC‬عات »‪ 1‬والتمییز ال‪CC‬ذي س‪CC‬اد يف‬
‫الفكر الإقليدي على اعتبار البدیهیة قضیة واض‪C‬حة ب‪C‬ذاهتا‪ ،‬تف‪C‬رض نفس‪C‬ها على العق‪C‬ل‪ ،‬يف حین‬
‫أن املس‪CC C C‬لمة ال تتصف ب‪CC C C‬ذلك‪ ،‬مل يعد ص‪CC C C‬احلا يف الریاض ‪C C C‬یات املعاص‪CC C C‬رة‪ .‬فليس هن‪CC C C‬اك قضایا‬
‫تتصف‬
‫بالبداه ‪CC‬ة‪ C،‬ففك ‪CC‬رة الكل أكرب من اجلزء‪ ،‬لا تب ‪CC‬دو صحیحة إال يف میدان اجملموع ‪CC‬ات املتناه‪C‬یة‪.‬‬
‫وكل ما يوجد مواضعات واتفاقات ليس إالّ‪.‬‬
‫إن منطق احملاكمة الرياض‪CC‬ية بعد ظه‪CC‬ور اهلندس‪CC‬ات الالإقلیدیة‪ ،‬يتأسس على ال‪CC‬دور ال‪CC‬ذي‬
‫تلعبه القض‪C‬ايا‪ C‬وليس وض‪CC‬وحها وب‪C‬داهتها‪ .C‬ومل يعد باإلمك‪CC‬ان التمي‪C‬يز بني املب‪C‬ادئ الرياض‪C‬ية على‬
‫أس‪CC C‬اس أن بعض‪CC C‬ها أص‪CC C‬دق من البعض‪ C‬اآلخ‪CC C‬ر‪ ،‬و إمنا أص‪CC C‬بحت جمرد ف‪CC C‬روض ب‪CC C‬املعىن الرياضي‬
‫للكلم ‪CC C‬ة‪ ،‬وتك‪CC C C‬ون املب‪CC C C‬ادئ مش‪CC C C‬روعة « يف نظر التفكري الرياضي احلديث إذا ك ‪CC C‬انت تس‪CC C‬مح‬

‫حممد عابد اجلابري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪79‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪18‬‬
‫بتش ‪CC C C C‬ييد علم متماسك منتج‪ ،‬ال ألهنا تنط ‪CC C C C‬وي يف ذاهتا على بداهة مطلقة»‪ 1‬وه ‪CC C C C‬ذا يش ‪CC C C‬كل‬
‫حتوال ج ‪CC‬ذریا يف الفكر الریاضي املعاص ‪CC‬ر‪ ،‬ألنه فتح أفاقا واسعا لتص ‪CC‬ور جدید لطبیعة املب ‪CC‬ادئ‬
‫واألسس اليت أص‪CC C C C‬بحت أك‪CC C C C‬ثر ص‪CC C C C‬وریة من خالل حتول الض‪CC C C C‬رورة يف الربه‪CC C C C‬ان‪ C‬الریاضي إىل‬
‫الرابطة املنطقیة داخل النسق‪ .‬وهو ما أص‪CC C‬بح یطلق علیه النظ‪CC C‬ام الفرضي االس‪CC C‬تنباطي‪ C‬الق ‪CC‬ائم‬
‫على منظومة من األولیات أو البدیهیات‪ ،‬یختارها الریاضي لتش‪C C C C C‬یید ص ‪CC C C C‬رح ریاضي معین‪.‬‬
‫وهو ما يعرف كذلك باسم‬

‫وأص‪CC C C C C‬بحت اهلندس‪CC C C C C‬ات اجلدیدة كهندسة‬ ‫االكس‪C C C C C C‬یوماتیك ‪Axiomatique‬‬


‫لوباتشفس‪CC C‬كي‪ C‬وهندسة ریم‪CC C‬ان وغیرهم ‪C C‬ا من اهلندس‪CC C‬ات الالإقلیدیة تش‪CC C‬كل أمثلة هلذا املنهج‬
‫األكسیومي اجلدید‪.‬‬
‫أوال ‪:‬الصیاغة األ كسیومیة للهندسة‪:‬‬
‫‪‬‬
‫) يعد رائد األكس‪CC C C C‬يوماتيك احلديث حيث افتتح احلركة‬ ‫(‪pash‬‬ ‫‪ /1‬م‪CC C C C‬ورتس ب‪CC C C C‬اش‬
‫االكس‪C‬یومیة ع‪CC‬ام ‪ 1882‬عن‪CC‬دما ح‪CC‬اول ص‪CC‬ياغة اهلندسة ص‪CC‬ياغة اكس‪CC‬يومية مع حتديد الش‪CC‬روط‬
‫الالزمة ل ‪CC‬ذلك‪ .‬وابت ‪CC‬دأ بربن ‪CC‬امج يعترب فيه اهلندسة علم‪C C‬ا اس ‪CC‬تنباطيا مس ‪CC‬تقلا متاما عن األش ‪CC‬كال‬
‫واملع ‪CC‬اين املألوفة لأللف ‪CC‬اظ اهلندس ‪C‬یة‪ ،‬وقصر االهتم ‪CC‬ام على العالق ‪CC‬ات اليت تق ‪CC‬وم بینها‪ .‬مث یفسر‬
‫ه ‪CC‬ذا التص ‪CC‬ور االس‪CC‬تنباطي‪ C،‬وهو أننا يف اهلندسة لن ننظر يف أش ‪CC‬كال وأعم ‪CC‬ال وإمنا يف عالق ‪CC‬ات‬
‫منطقیة أو قضایا ص‪CC C C‬وریة ورمزیة ومتتد ه‪CC C C‬ذه الص‪CC C C‬ورنة الرمزیة لتش‪CC C C‬مل املس‪CC C C‬لمات أیضا‪.‬‬
‫وانطالقا من ذلك یحدد باش شروط أي بناء علمي استنتاجي‪ C‬یتصف بالصرامة ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫وحيددها يف الشروط التالية‪:‬‬
‫‪ -‬یجب النص صراحة على احلدود األولیة( املف‪C‬اه‪C‬یم واأللف‪C‬اظ) اليت تع‪C‬تزم أن نع‪C‬رف هبا‬
‫بول موي‪ ،‬املنطق وفلسفة‪ C‬العلوم‪ ،‬تر‪ :‬فؤاد زكريا‪ ،‬دار هنضة مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬س‪ ،‬ص ‪118‬‬ ‫‪1‬‬

‫مورتس باش‪ ،‬ریاضي أملاين یعد أبو االكسیوماتیك احلدیث‬ ‫‪‬‬

‫أنظر‪،‬حممد عابد اجلابري‪ ،‬مرجع السابق‪.‬ص ‪82‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪19‬‬
‫مجیع احلدود األخرى‪.‬‬
‫‪ -‬یجب النص ص ‪CC‬راحة على القضایا األولیة اليت نع ‪CC‬تزم أن ن ‪CC‬ربهن بواس ‪CC‬طتها على مجیع‬
‫القضایا األخرى‪.‬‬
‫‪ -‬یجب أن تك‪CC‬ون العالق‪CC‬ات القائم‪C‬ة بین احلدود األولیة عالق‪CC‬ات منطقیة‪ ،‬تبقى مس‪CC‬تقلة‬
‫عن املعىن املشخص الذي یمكن إعطاؤه لتلك احلدود‪.‬‬
‫‪ -‬یجب أن تكون ه‪CC‬ذه العالق‪CC‬ات هي وح‪C‬دها اليت تت‪CC‬دخل يف الربه‪CC‬ان‪ ،‬وذلك باس‪CC‬تقالل‬
‫تام‬

‫‪1‬‬
‫عن معاين احلدود‪.‬‬
‫ویتضح لنا أن كل نظریة ریاضیة أكسیومیة تنطلق من‪:‬‬
‫* ح‪CC C C C‬دود أولیة‪ :‬أو القضایا الالمعرفة تؤكد كوس‪C C C C‬یلة وأداة لتعریف ب‪CC C C C‬اقي احلدود‪،‬‬
‫كالنقطة واملستقیم‪ ،‬املستوي‪ C‬يف اهلندسة‪ ،‬واجملموعة‪ C‬والعنصر واالنتماء يف نظریة اجملموعات‪.‬‬
‫* املس‪CC C C C C‬لمات ‪ :‬أو القضایا األولیة اليت نعتربها صحیحة ب‪CC C C C C‬التعریف‪ .‬ویعين ذلك أن‬
‫األلف ‪CC‬اظ اهلندس ‪C‬یة املألوفة‪ C‬كالنقطة واملس ‪CC‬تق‪C‬یم والس ‪CC‬طح‪ ،‬قد فق ‪CC‬دت معانیه ‪C‬ا العادیة املألوفة‪ C‬يف‬
‫الق‪CC‬وام‪C‬یس أعين أهنا فق‪CC‬دت ص‪CC‬فة كوهنا حدوسا هندس ‪C‬یة أي أش‪CC‬كاال مكانیة هلا ص‪CC‬لة باملك‪CC‬ان‪C‬‬
‫حمله‪CC C C‬ا‪ ،‬فأص‪CC C C‬بحت تلك األلف‪CC C C‬اظ واحلدود طوائف‪C‬‬ ‫‪Class‬‬ ‫وحل التص‪CC C C‬ور املنطقي " طائف‪CC C C‬ة"‬
‫خمتلف ‪CC C‬ة‪ ،‬حتكمها عالق ‪CC C‬ات‪ ،‬االنتم ‪CC C‬اء واالحت ‪CC C‬واء ‪ 2‬وأص ‪CC C‬بحت حماولة ب ‪CC C‬اش يف اكس‪CC C‬يوماتيك‬
‫اهلندسة طریق‪C C C C‬ة يف خمتلف ص‪CC C C C‬ور اهلندسة‪ .‬واجته الریاض‪C C C C‬یون املعاص‪CC C C C‬رون الذین عمل‪CC C C‬وا على‬
‫تأس‪C C C‬یس اهلندس ‪CC C‬ات على األسس الص ‪CC C‬وریة املنطقیة إىل االبتع ‪CC C‬اد عن األش ‪CC C‬كال إىل النظر يف‬
‫العالقات المنطقیة‪ ،‬ویمكن جتلية ذلك مع أكسيوماتيك هلربت ‪.‬‬

‫أنظر‪،‬حممد عابد اجلابري‪ ،‬مرجع السابق‪.‬ص ‪82‬‬ ‫‪1‬‬

‫محمد ثابت الفندي‪ .‬المرجع السابق ص ‪73‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ - 2‬صیاغة هلربت الكسیوماتیك اهلندسة‪:‬‬
‫من احملاوالت الرائ‪CC‬دة يف تأس‪C‬یس الریاض‪C‬یات على الطریقة األكس‪C‬یومیة يف میدان اهلندسة‬
‫العمل ال ‪CC‬ذي أجنزه الریاضي دفید هل ‪CC‬ربت ح ‪CC‬ول اهلندسة الإقلیدیة س ‪CC‬نة ‪.1899‬وال ‪CC‬ذي اعترب‬
‫«اهلندسة مثل علم احلس‪CC C‬اب تش‪CC C‬رتط االنتق‪CC C‬ال من ع‪CC C‬دد ص‪CC C‬غري من القض‪CC C‬ايا األولية‪ C‬البس ‪CC‬يطة‪،‬‬
‫وهي عب‪CC‬ارة عن أكس‪CC‬يومات اهلندس‪CC‬ة»‪ 1C‬وأقامها على إح‪CC‬دى وعشرین أولية‪ ،‬واعتربها كافیة‬
‫وض ‪CC‬روریة للربهنة على القضایا املعروفة يف هندسة إقلیدس بص ‪CC‬ورة دقیقة وص ‪CC‬ارمة‪ .‬وب ‪CC‬الرغم‬
‫من أن أوليات‬

‫هل ‪CC‬ربت حتتفظ مبع ‪CC‬ان هندس ‪CC‬ية كالنقطة واملس ‪CC‬توي‪ C‬مثال‪ ،‬ف ‪CC‬إن «ذلك ال مينع من اس ‪CC‬تبدال‬
‫ه ‪CC‬ذه املف ‪CC‬اهيم اهلندس ‪CC‬ية‪ C‬بكلم ‪CC‬ات أخ ‪CC‬رى‪ ،‬مثل طاولة كرس ‪CC‬ي‪ ،‬ك ‪CC‬أس ش ‪CC‬ريطة أن تقبل ه ‪CC‬ذه‬
‫‪2‬‬
‫الكلمات نفس العالقات اليت تربط تلك األوليات»‬
‫وب ‪CC C‬دأ هل ‪CC C‬ربت بالتص ‪CC C‬ريح بجمیع أولیات اهلندسة الإقلیدیة‪ ،‬وكشف له ذلك عن أولیات‬
‫ك‪CC‬انت تس‪CC‬تعمل يف ه‪CC‬ذه اهلندسة بص‪CC‬ورة ض‪CC‬منیة ودون التصریح هبا‪ .‬وبعد ذلك ق‪CC‬ام بتصن‪C‬یف‬
‫‪3‬‬
‫جمموع هذه املسلمات فصنفها إىل مخس هي‪:‬‬
‫‪ 1‬أولیات الرتابط‪ : C‬وهي اليت تقيم رابطة معینة بین املف ‪CC C‬اهیم اهلندس‪C C C‬یة الثالث ‪CC C‬ة( النقطة‬
‫املس‪CC C‬تقیم‪ ،‬املس‪CC C‬توي)‪ ،‬ومن ه‪CC C‬ذه األولیات على سبیل املث‪CC C‬ال ‪ :‬النقطت‪CC C‬ان املتمایزت‪CC C‬ان حتددان‬
‫مستقیما‪ ،‬النقط الثالث اليت تقع على مستقیم حتدد مستویا دوما ‪.‬‬
‫‪ 2-‬أولیات التوزیع‪ :‬وهي حتدد العالقة اليت نعرب علیها بكلمة (بین) واليت تس ‪CC C C C‬مح‬
‫بتوزیع النقط على املستق‪C‬یم واملستوي والفراغ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫– ‪D.Hilbert : Les principes fondamentaux de la géométrie traduction L.Laugel Gautier‬‬
‫‪Villars, Paris, 1900, p7‬‬
‫حممد عابد اجلابري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪88‬‬ ‫‪2‬‬

‫أنظر‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪88‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ 3-‬أولیة التوازي ‪ :‬ختص مسلمة إقلیدس املعروفة‪.‬‬
‫‪ 4-‬أولیة التطابق‪ :‬تتعلق بالتساوي اهلندسي‪C.‬‬
‫‪ 5-‬أولیة االتص‪CC‬ال‪ :‬وترتبط مبا یع‪CC‬رف ببدیهیة أرمخدیس القائل‪CC‬ة‪ :‬ب‪CC‬أن كل ط‪CC‬ول معطى‪،‬‬
‫إذا ض ‪CC‬رب يف ع ‪CC‬دد صحیح كب ‪C‬یر مبا فیه الكفایة‪ ،‬فانه ینتهي‪ C‬إىل جتاوز أي ط ‪CC‬ول آخر معطى‬
‫‪1‬‬
‫مهما كان كبیرا‪ ،‬فجمیع نقاط ‪ .‬هندستنا العادیة موجودة على اخلط الالارمشیدي‬
‫وانطالقا من ه ‪CC C‬ذه األولي ‪CC C‬ات یتم الربهنة‪ C‬على مجیع النظریات املعروفة يف اهلندسة الإقلیدیة‪،‬‬
‫وقد ح‪CC C C‬رص على بیان ع‪CC C C‬دم وج‪CC C C‬ود تن‪CC C C‬اقض بین أولیاهتا والربهنة‪ C‬على اس‪CC C C‬تقالهلا‪ C،‬مس‪CC C‬تعینا‬
‫باحلساب مما أعطى تأویال حسابیا لنظامه االكسیومي مربزا بذلك عدم تناقضها‪.‬‬

‫*شروط إقامة النسق األ كسومي‬


‫لقد مسحت األعم‪CC C C C C‬ال األكس ‪C C C C C‬یومیة احلدیثة بتعمیق اجلانب الص‪CC C C C C‬وري واملنطقي‪ C‬من خالل‬
‫‪2‬‬
‫الشروط املنطقیة يف اختبار املسلمات اليت أصبح یؤسس علیها االكسیوماتیك وهي ثالث‬
‫‪ -1‬االس‪CC‬تقالل‪ :‬یتعلق باملس‪CC‬لمات‪،‬وعند هل‪CC‬ربت تعترب مس‪CC‬لمة ما مس‪CC‬تقلة عن املس‪CC‬لمات‬
‫األخرى إذا كان نفیها یؤلف مع هذه املسلمات ا ألخر ى جمموعة غیر متناقضة‪C.‬‬
‫وفك‪CC‬رة االس‪CC‬تقالل فك‪CC‬رة معروفة يف اهلندس‪CC‬ات الالإقلیدیة‪ ،‬مت التوصل إلیها عند حماولة‬
‫الربهنة‪ C‬على املسلمة اخلامسة‪ ،‬حیث مت كشف استقالهلا عن بقیة املس‪CC‬لمات اخلاصة باملس‪CC‬تقیم‬
‫والس ‪CC‬طح والتط ‪CC‬ابق وغ‪C C‬یر ذلك مما یس ‪CC‬مح بربه ‪CC‬ان‪ C‬الثم ‪CC‬اين والعشرین األوىل عند إقلیدس وما‬
‫یلیها‪.‬‬

‫لكن هذه الفكرة تعرضت لبعض االعرتاض‪C‬ات‪ C،‬ألن اس‪CC‬تقالل مس‪CC‬لمة عن أخ‪C‬رى‪ ،‬یمتنع معها‬
‫هنري بوانكاریه‪ ،‬مرجع سابق‪127 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫حممد ثابت الفندي ‪،‬مرجع سابق ‪،‬ص ‪88‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪22‬‬
‫‪1‬‬
‫االستنباط‪ ،‬بسبب عدم االشرتاك أو االتصال من مسلمات كل طائفة‪.‬‬
‫‪ 2-‬عدم التن‪CC‬اقض‪ C:‬یعد ع‪CC‬دم التن‪CC‬اقض من أهم الش‪CC‬روط املنطقیة يف إقامة النسق الریاضي‬
‫االكس ‪C‬یومي ‪ ،‬ویع ‪CC‬رف هل ‪CC‬ربت ع ‪CC‬دم التن ‪CC‬اقض‪ C‬بأن ‪CC‬ه‪ :‬اس ‪CC‬تحالة اس ‪CC‬تنباط‪ C‬قض ‪C‬یة ما تن ‪CC‬اقض تلك‬
‫املس‪CC‬لمات أي تك‪CC‬ون‪ C‬نفیا كلیا أو جزئیا إلح‪CC‬دى املس‪CC‬لمات‪ .‬فهي « تتلخص يف الربهنة على‬
‫‪2‬‬
‫نظرية ما وعلى عكسها داخل بناء أكسيومي معني»‬
‫‪ 3-‬اإلش‪CC C C‬باع ‪ :‬یعين ه‪CC C C‬ذا الش‪CC C C‬رط عند هل‪CC C C‬ربت أن طائفة معینة من املس‪CC C C‬لمات تكفي‪C‬‬
‫مبفردها للقیام مبهمة اس‪CC‬تنباط قضایا أو نظریات ف‪C‬رع معین من ف‪C‬روع الریاض‪C‬يات‪.‬ويق‪CC‬ال عن‬
‫نسق ما إنه مشبع « عندما اليك‪CC‬ون يف اإلمك‪C‬ان‪ C‬إض‪C‬افة أولية مس‪CC‬تقلة جدي‪C‬دة إىل أوليات‪C‬ه‪ ،‬وإال‬
‫أدى ذلك إىل‬

‫إحداث تناقض فيه »‪.3‬‬

‫‪ /2‬الهندسة الفراكتالية‬
‫‪ /‬مفهومه ‪CC‬ا‪ :‬يف س‪CC C‬بعينيات‪ C‬الق‪CC C‬رن العش‪CC C‬رين توصل العلم‪CC C‬اء الرياض‪CC C‬يون إىل مك‪CC C‬ون‪C‬‬ ‫أ‬
‫رياضي هندسي جديد أطلق عليه هندسة الفراكتال‪ .‬وتع‪CC C C C C C C C C C C C C C‬رف ك‪CC C C C C C C C C C C C C C‬ذلك باسم هندسة‬
‫التشعبات‪C.‬‬
‫‪4‬‬
‫ومص ‪CC‬طلح الفراكت ‪CC‬ال «اش ‪CC‬تقاق من كلمة " كسر عش ‪CC‬ري" بالالتيني ‪CC‬ة‪ ،‬وهو " فراكت ‪CC‬وس"«‬
‫‪ )Benoit‬س ‪CC C‬نة‬ ‫(‪Mandelbrot‬‬
‫‪‬‬
‫اس ‪CC C‬تعمله للم ‪CC C‬رة األوىل يف الرياض ‪CC C‬يات بين ‪CC C‬وا مان ‪CC C‬ديلربوت‬
‫‪1‬‬
‫‪D.Hilbert, op cit, p 32‬‬
‫حممد عابد اجلابري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪85‬‬ ‫‪2‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪86‬‬ ‫‪3‬‬

‫ج‪CC‬اميس غلي‪CC‬ك‪ ،‬نظرية الفوض‪CC‬ى‪ ،‬علم الال متوق‪CC‬ع‪ ،‬ت ‪CC‬ر‪ :‬أمحد مغ ‪CC‬ريب‪ ،‬دار الس‪CC‬اقي‪ ،‬ط‪ ،1‬ب‪CC‬ريوت‪ ،2008 ،‬ص‬ ‫‪4‬‬

‫‪122‬‬
‫بن‪CC‬وا مان‪CC‬دلربوت (‪ C )2010 C - 1924‬ع‪CC‬امل رياض ‪C‬يات فرنسي ‪ -‬أم‪CC‬ريكي‪ .‬ولد يف بولن‪CC‬دا‪ ،‬وانتقلت‪ C‬أس‪CC‬رته اىل‬ ‫‪‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ 1974‬وهو من أطلق على تلك اهلندسة اجلدي ‪CC C‬دة اسم "فراكت ‪CC C‬ال" ول ‪CC C‬ذلك ع‪ّ C C C‬د مؤسس‪C C C‬ا‬
‫للهندسة الفراكتالية‪ .C‬ح ‪CC‬دد من ‪CC‬دلربوت هلذه اهلندسة اجلدي ‪CC‬دة جمموعة من املس ‪CC‬لمات اليت ميكن‬
‫أن ختتص هبا األش‪CC‬كال الفراكتالية‪ C‬دون غريها يف األنس‪CC‬اق اهلندس‪CC‬ية‪ .C‬وض‪Cّ C‬من ه‪CC‬ذه األفك‪CC‬ار يف‬
‫كتابه الذي أعيد تنقيحه وإصداره بعنوان " الفراكتال هندسة يف الطبيعة"‪.‬‬

‫أما عن نش ‪CC C C C‬أهتا وتطورها ف‪CC C C C C‬إن هندسة الفراكت‪CC C C C C‬ال تعترب ش ‪CC C C C‬كال جدي ‪CC C C C‬دا من أش ‪CC C C‬كال‬
‫الرياض ‪CC C C‬يات املعاص ‪CC C C‬رة اليت هتدف إىل دراسة األش ‪CC C C‬كال اهلندس ‪CC C C‬ية املؤلفة‪ C‬من ُك َس‪C C C C‬رْي يات غري‬
‫منتظمة ومعق‪CC‬دة واليت ال ميكن دراس‪CC‬تها من خالل اهلندسة اإلقليدية الكالس‪CC‬يكية‪ C.‬ف‪CC‬إذا ك‪CC‬انت‬
‫أش ‪CC C‬كال اهلندسة التقليدية تت ‪CC C‬ألف من اخلط والس ‪CC C‬طح املثلث والك ‪CC C‬رة والقم ‪CC C‬ع‪...‬وص ‪CC C‬نع منها‬
‫إقليدس هندسة دامت‬

‫ألفي عام‪ ،‬ومل يدرس كثريون سواها‪...‬ولكن تلك التجريدات التص‪C‬لح يف فهم الظ‪C‬واهر‬
‫املعق‪CC‬دة‪ C.‬ال تش‪CC‬به الغي‪CC‬وم‪ C‬الك‪CC‬رات‪ ،‬وال اجلب‪CC‬ال القم‪CC‬ع‪ ،‬وال يسري ال‪CC‬ربق يف خط مس‪CC‬تقيم‪ ،‬كما‬
‫أًلِف مان‪CC‬دلربوت الق‪CC‬ول‪ .‬إن اهلندسة اجلدي‪CC‬دة تعكس «كونا خش‪CC‬نا وليس ناعم‪CC‬ا‪ ،‬قاس‪CC‬يا وليس‬
‫كرويا‪.‬‬

‫إهنا هندسة املتقطّع واملش‪CC C C C‬وش واملشرشر واملت‪CC C C C‬داخل واملعقد وامللت‪CC C C C‬وي‪ .‬لكي يظهر فهم‬
‫جديد عن الطبيعة « ‪ 1‬إن الرياض‪CC‬يات الس‪CC‬ابقة واليت كنا نس‪CC‬تخدمها‪ ،‬ول‪CC‬زمن طويل يف دراسة‬
‫حركة الكواكب‪ C‬وبناء األهرام‪C‬ات وما إىل ذل‪C‬ك‪ ،‬ك‪C‬انت توجهها فك‪C‬رة أساس‪C‬ية وهي أن كل‬
‫ش‪CC‬يء منتظم وخيضع للخط املس‪CC‬تقيم وال‪CC‬دوائر واملثلث‪CC‬ات‪ .‬لكن الواقع أن األش‪CC‬كال يف الطبيعة‬
‫فرنسا عن‪CC C C‬دما ك‪CC C C‬ان طفال‪ ،‬وتلقى تعليمه يف فرنس‪CC C C‬ا‪ .‬وحيمل اجلنس‪CC C‬يتني الفرنس‪CC C‬ية واالمريكي‪CC C‬ة‪ .‬عمل بالعديد‪ C‬من‬
‫احلقول الرياضياتية مثل الفيزياء الرياضية والرياضيات املالية‪ ،‬ولكن أكثر ما يعرف به هو انه مؤسس علم اهلندسة‬
‫الفراكتالية حيث ابتكر جمموعة ماندلربوت‪.‬‬
‫املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪118 ، 117‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪24‬‬
‫هي خارج الرياضيات التقليدية‪.‬‬
‫ولذلك جاءت هندسة الفراكتال أو التشعبات لت‪CC‬دقق النظر يف األش‪CC‬كال املوج‪C‬ودة يف‬
‫الطبيع‪CC C‬ة‪.‬فوج‪CC C‬ود « ه‪CC C‬ذه األش‪CC C‬كال‪ ،‬مثّل حتديا لنا لدراسة تلك النم‪CC C‬اذج اليت تركها إقلي‪CC C‬دس‬
‫باعتبارها‪ C‬ليست أش ‪CC‬كاال « ‪ 1‬فهن ‪CC‬اك نظ‪CC C‬ام يف الفوضى الظاهري‪CC C‬ة‪ ،‬وميكن تط‪CC C‬بيق الرياض ‪CC‬يات‬
‫عليه‪CC‬ا‪ .‬إن التعقيد يف نظر مان‪CC‬دلربوت «يظهر كأنه استعص‪CC‬اء‪ C‬ال ي‪CC‬رام‪ ،‬إذا نظر إليه من وجهة‬
‫نظر اهلندسة اإلقليدي‪CC C C‬ة‪ .‬ورأى أن وصف ذلك التعقيد من منظ‪CC C C‬ار الفراكت‪CC C C‬ال‪ ،‬يب‪CC C C‬دو ش ‪CC C‬فافا‬
‫وبس ‪CC‬يطا‪ ،‬فكل ما يل ‪CC‬زم هو حفنة من املعلوم ‪CC‬ات «‪ 2‬ف ‪CC‬إذا ك ‪CC‬ان الش ‪CC‬كل اإلقلي ‪CC‬دي كال ‪CC‬دائرة‬
‫مثال‪ ،‬يب‪CC‬دو أك‪CC‬ثر تس‪CC‬طحاً بزي‪CC‬ادة التكب‪CC‬ري‪ ،‬وعن‪CC‬دما يص‪CC‬بح التكبري الهنائي‪C‬اً يص‪CC‬بح من املس‪CC‬تحيل‬
‫التمي ‪CC‬يز فيما إذا ك ‪CC‬ان أصل الش ‪CC‬كل دائ ‪CC‬رة أو خط مس ‪CC‬تقيم‪ ،‬ف ‪CC‬إن يف الكس ‪CC‬رييات‪ C‬تنع ‪CC‬دم ه ‪CC‬ذه‬
‫اخلاصة‪ .‬ألن زيادة تكبري الكسرييات يظهر تفاصيل أكثر وأكثر كانت غائبة سابقاً‪.‬‬

‫وظه‪CC‬رت ه‪CC‬ذه اهلندسة نتيجة لنظري‪CC‬ات حديثة يف جماالت وأف‪CC‬رع التوبول‪CC‬وجي‪ ‬ومنت بتق‪CC‬دم‬
‫علوم الكمبيوتر وأساليبه‪ C‬وتطبيقاته يف الرسوم والنمذجة ألنه يسمح بتك‪C‬رار املع‪C‬ادالت ماليني‬
‫املرات وه‪CC‬ذا م‪CC‬اال ميكن القي‪CC‬ام به ي‪CC‬دويا‪ .‬وتتم‪CC‬يز ه‪CC‬ذه الرياض‪CC‬يات بتطبيقاهتا الواس‪CC‬عة وب‪CC‬دورها‬
‫األساسي‪ C‬يف منو نظري ‪CC C C C C C C‬ات علمية ورياض ‪CC C C C C C C‬ية معاص ‪CC C C C C C C‬رة مثل نظرية الفوضى‪ ،‬ونظرية النظم‬
‫الديناميكية غري اخلطي ‪CC C C C C C C‬ة‪ .‬وهلذه الرياض ‪CC C C C C C C‬يات دور يف منو الرس ‪CC C C C C C C‬وم البيانية الكمبيوترية مثل‬
‫األشكال الفرضية‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Mandelbrot, Benoit. The Fractal Geometry of Nature. W.H. Freeman and Company,‬‬
‫‪usa,1983 p1‬‬
‫جاميس غليك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪124‬‬ ‫‪2‬‬

‫التوبولوجيا ف‪CC‬رع من أف‪CC‬رع الرياض‪CC‬يات املعاص‪CC‬رة ‪.‬أصل الكلمة يون‪CC‬اين من ‪ topos‬وتعين مك‪CC‬ان و‪ logos‬تعين‬ ‫‪‬‬

‫دراسة‪ .‬وهي دراسة اجملموعات املتغرية اليت ال تتغري طبيعة حمتوياهتا‪ .‬مما دفع بعض علماء الرياض‪CC‬يات واهلندسة إىل‬
‫تس ‪CC‬ميتها اهلندسة املطاطية‪ .‬وميكن الق ‪CC‬ول أن ه ‪CC‬ذا العلم يهتم باخلص ‪CC‬ائص الرياض ‪CC‬ية اليت ال تت ‪CC‬أثر عند التح ‪CC‬ول من‬
‫فضاء رياضي إىل آخر‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫وتبحث هندسة الفراكت ‪CC‬ال يف وصف خص ‪CC‬ائص األش ‪CC‬كال يف الطبيع ‪CC‬ة‪ ،‬ول ‪CC‬ذلك فهي‬
‫هتتم ب‪CC C‬التحقق من اخلص‪CC C‬ائص الرياض‪CC C‬ية لبعض األش‪CC C‬كال والظ‪CC C‬واهر الطبيعية‪ C‬وحماولة تفس ‪CC‬ريها‬
‫وفق ‪C‬اً خلصائص‪CC‬ها الفراكتالية‪ .C‬وت‪CC‬رك مان‪CC‬دلربوت « هلندس‪CC‬تة اجلدي‪CC‬دة حرية العمل على األمناط‬
‫غري املنتظمة اليت الحظ وجودها يف الطبيعة‪ C.‬ويف تلك اهلندسة عينها‪ ،‬بدا أن درجة الالانتظام‪C‬‬
‫تبقى‪ C‬ثابت ‪CC‬ة‪ ،‬عرب مق ‪CC‬اييس متفاوت ‪CC‬ة‪ .‬وس ‪CC‬رعان ما اس ‪CC‬تطاع إثب ‪CC‬ات تلك املقولة‪ 1 « C‬ول ‪CC‬ذلك ف ‪CC‬إن‬
‫هندسة الفراكتال تربطنا وبشكل كبري بالعامل احمليط بنا وتغريا‪C‬ت األشكال يف الطبيعة‪.C‬‬

‫خصائص هندسة الفراكتال‪:C‬‬ ‫‪‬‬


‫تتم‪CC C‬يز هندسة الفراكت‪CC C‬ال خبص‪CC C‬ائص أساس‪CC C‬ية تعطي هلا ذلك ال‪CC C‬رتكيب الفريد بني ف‪CC C‬روع‬
‫اهلندس ‪C C‬ات األخ‪CC C‬رى‪ .‬ألهنا ُتق‪CC C‬دم أش‪CC C‬كال هندس‪CC C‬ية تنتج من االس‪CC C‬تعانة‪ « C‬ب‪CC C‬الكمبيوتر لتحويل‬
‫املعلومات إىل رسوم تص‪CC‬ويرية غري تقليدي‪CC‬ة‪ ،‬أي ليست خطوطا مس‪CC‬تقيمة أو زوايا أو مربع‪CC‬ات‬
‫ودوائر وكرات ومثلثات ومضلعات إىل ما هنالك بل أشكاال معقدة حتاكي إىل درجة كبرية‬

‫وكب‪CC‬رية ج‪CC‬دا رس‪CC‬وم الطبيعة من جب‪CC‬ال وودي‪CC‬ان وتفرع‪CC‬ات أغص‪CC‬ان ش‪CC‬جر«‪ 2‬وهي تط‪CC‬بيق‬
‫لنمط هندسي معني على أحد األشكال اهلندسية‪ C‬عدة مرات‪ ،‬وأب‪CC‬رز خص‪CC‬ائص ه‪CC‬ذه األش‪CC‬كال‬
‫خاصيتان مها‪:‬‬
‫أ‪ /‬خاصية التشابه الذايت ( ‪)Self- Similarity‬‬
‫وتعين التشابه بني األج‪CC‬زاء املكونة‪ C‬للش‪CC‬كل‪ ،‬أي أن اجلزء من الكل يش‪CC‬به متام‪C‬اً ذلك الكل ف‪CC‬إذا‬
‫أض ‪CC‬فنا ج ‪CC‬زءاً متك ‪CC‬امالً‪ C‬من األج ‪CC‬زاء املتكونة للش ‪CC‬كل الف ‪CC‬راكتلي‪ ،‬مث قمنا بتكب ‪CC‬ريه ع ‪CC‬دة م ‪CC‬رات‬

‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪122‬‬ ‫‪1‬‬

‫انط‪CC‬وان بط‪CC‬رس‪ ،‬الث‪CC‬ورات العلمية يف الق‪CC‬رن العش‪CC‬رين‪ ،‬ش‪CC‬ركة املطبوع‪CC‬ات للتوزيع‪ C‬والنش‪CC‬ر‪ ،‬ط ‪ ،2‬لبن‪CC‬ان‪،1997،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص ‪115‬‬
‫‪26‬‬
‫فإننا يف‬
‫النهاية‪ C‬سنحصل على الش‪CC‬كل األص‪CC‬لي‪ ،‬فالش‪CC‬كل الكس‪CC‬وري مليء« بالتفاص‪CC‬يل املتش‪CC‬اهبة مبعىن‬
‫أن كل تفص ‪CC‬يل دقيق منها هو تك ‪CC‬رار للص ‪CC‬ورة األم مما جيعلها متش ‪CC‬اهبة ذاتيا «‪ 1‬وهي ش ‪CC‬بيهة‬
‫للش‪CC‬كل ال‪CC‬ذي هي ج‪CC‬زء منه‪ .‬وعن طريق اختيارنا ألي ج‪CC‬زء من الش‪CC‬كل وتكب‪CC‬ريه‪ C‬ع‪CC‬دة م‪CC‬رات‬
‫فإننا نصل إىل االقتن ‪CC‬اع‪ C‬بوج ‪CC‬ود خاص ‪CC‬ية التش ‪CC‬ابه ال ‪CC‬ذايت للش ‪CC‬كل‪ .‬وتوجد ثالثة أن ‪CC‬واع للتش ‪CC‬ابه‬
‫الذايت يف الفراكتاالت‪:‬‬
‫تش‪CC‬ابه ذايت متط‪CC‬ابق‪ :‬يعد أق‪CC‬وى أن‪CC‬واع‪ C‬التش‪CC‬ابه ال‪CC‬ذايت‪ ،‬إن األش‪CC‬كال « اليت وص‪CC‬فت بأهنا‬
‫وح‪CC C‬وش هندسة التك‪CC C‬رار املتغري ( الفراكت‪CC C‬ال) مثل ش‪CC C‬كل ك‪CC C‬وخ‪ ،‬بينت مفه‪CC C‬وم الش‪CC C‬به املتغري‬
‫للشيء مع نفسه‪ ،‬ألهنا بدت بالشكل نفسه« ‪ 2‬حيث تبدو الكس‪CC‬رييات‪ C‬ذاهتا على أي مقي‪CC‬اس‬
‫تكبري إن الكس ‪CC‬رييات املعرفة باس ‪CC‬تخدام أنظمة التوابع التكرارية غالب‪C C‬اً ما تك ‪CC‬ون ذات تش ‪CC‬ابه‬
‫ذايت متطابق‪.‬‬
‫‪ -‬تش‪CC C‬ابه ذايت ظ‪CC C‬اهري ‪ :‬وهو منط غري حمكم من التش‪CC C‬ابه ال‪CC C‬ذايت‪ ،‬تب‪CC C‬دو الكس‪CC C‬رييات‪C‬‬
‫متطابقة إىل حد ما (ولكن ليس متام ‪C‬اً) على مق‪CC‬اييس تكبري خمتلف‪CC‬ة‪ ،‬حتت‪CC‬وي كس‪CC‬رييات التش‪CC‬ابه‬
‫الذايت الظاهري على نسخ مصغرة من كامل الفركتال ولكن بأشكال منحلة مشوهة‪ ،‬إن‬

‫الكس ‪CC‬رييات‪ C‬املعرفة بعالق ‪CC‬ات تكرارية غالب ‪C‬اً ما تك ‪CC‬ون ذات تش ‪CC‬ابه ذايت ظ ‪CC‬اهري وليست‬
‫ذات تشابه ذايت متطابق‪.‬‬
‫‪ -‬التش ‪CC‬ابه ال ‪CC‬ذايت اإلحص ‪CC‬ائي‪ :C‬يعد من أض ‪CC‬عف أن ‪CC‬واع التش ‪CC‬ابه ال ‪CC‬ذايت‪ ،‬يب ‪CC‬دي الكس ‪CC‬ريية‬
‫قياسات رقمية أو إحصائية ثابتة على اختالف مقاييس التكبري‪.‬‬
‫ب‪ /‬خاصية البعد الفراكتلي ( ‪)Fracty Dimension‬‬
‫إذا علمنا أنه يف اهلندسة التقليدية النقطة ترسم يف البعد الص‪CC‬فري‪ ،‬أي ليس هلا بع‪CC‬د‪ ،‬وأن‬
‫املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪115‬‬ ‫‪1‬‬

‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪127‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪27‬‬
‫اخلط‪CC‬وط املس‪CC‬تقيمة هلا بعد واح‪CC‬د‪ ،‬بينما ترسم املربع‪CC‬ات واألش‪CC‬كال اهلندس‪CC‬ية املس‪CC‬توية األخ‪CC‬رى‬
‫يف بعدين‪ ،‬وكذلك نعرف أن املكعب والأسطوانة والكرة ترسم يف ثالثة أبعاد‪ ،‬فما هو البعد‬
‫الفراكتلي ؟‪.‬‬
‫إن األبع ‪CC‬اد الس ‪CC‬ابقة يف اهلندسة اإلقليدية ال تعترب مناس ‪CC‬بة مع ت ‪CC‬ركيب الش ‪CC‬كل الف ‪CC‬راكتلي‬
‫ألن البعد الف‪CC C‬راكتلي بش‪CC C‬كل ع‪CC C‬ام ليس ع‪CC C‬دد وال قيمة عددية‪ .‬ومنحىن الفراكت‪CC C‬ال يعترب أحد‬
‫األبع ‪CC C‬اد لألش ‪CC C‬ياء يف املس ‪CC C‬توى‪ C‬ال ‪CC C‬ذي له بع ‪CC C‬دين ويقع بني ‪ 2.1‬باملثل كما الس ‪CC C‬طح الف‪CC C‬راكتلي‬
‫‪ Fractly Surfaec‬له بعدين ويقع بني ‪ 3.2‬فالقيمة تعتمد على كيفية إنشاء الفراكتال ‪.‬‬
‫وميكن تص‪CC C C C C‬نيف الف‪CC C C C C‬راكتالت أو الكس‪CC C C C C‬رييات‪ C‬وباالعتم‪CC C C C C‬اد على طريقة تولي‪CC C C C C‬دها يف ثالث‬
‫جمموعات رئيسة‪ .‬هي‪:‬‬
‫‪ /1‬أنظمة الدوال املتكررة ‪ :‬وحتتوي هذه اجملموعة على قاعدة استبدال هندسي واضحة‬
‫لكل كس‪CC‬ريية‪ .‬ومن ه‪CC‬ذه األش‪CC‬كال «منحىن بي‪CC‬انو‪ ،‬ومرسة س‪CC‬ريبنس‪C-‬كي‪ ،‬ونقطة ف‪CC‬ون ك‪CC‬وخ‬
‫الثلجية وخط ك‪CC C C‬انتور وكلها أش‪CC C C‬كال ناجتة عن عملي‪CC C C‬ات حس‪CC C C‬ابية منطقية معق‪CC C C‬دة ح ‪CC C‬ريت‬
‫‪1‬‬
‫الرياضيني«‬
‫‪ /2‬كس‪CC C C C‬رييات االنفالت‪ C‬الوقيت‪ :‬وتع‪CC C C C‬رف الكس‪CC C C C‬رييات يف ه‪CC C C C‬ذه اجملموعة عرب عالقة‬
‫تكرارية‬

‫من أجل كل نقطة يف الف‪CC C C C C‬راغ (كما يف املس‪CC C C C C‬توى‪ C‬العق‪CC C C C C‬دي)‪ .‬أمثلة على ذلك جمموعة‬
‫مان‪CC C C C C‬دلربوت وجمموعة جوليا‪ ،‬وهو « االسم ال‪CC C C C C‬ذي أطلقه عليها مان‪CC C C C C‬دلربوت تيمنا بالع ‪CC C C‬امل‬
‫الرياضي الفرنسي غاس‪CC‬تون‪ C‬جولي‪CC‬ا‪ ،‬وال ‪CC‬ذي تص ‪CC‬ورها رياض‪CC‬يا يف أوائل الق‪CC‬رن العش ‪CC‬رين‪ ،‬وج ‪CC‬اا‬
‫‪2‬‬
‫ماندلربوت ليحققها اآلن تصويريا«‬
‫‪ /3‬الكسرييات العشوائية‪ :‬وتولد من خالل إج‪CC‬راءات خمت‪CC‬ارة بش‪CC‬كل عش‪CC‬وائي ب‪CC‬دالً من‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪121‬‬ ‫‪1‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪123‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪28‬‬
‫أن تكون‪ C‬حمددة‪ ،‬أمثلة على ذلك املناظر الكسريية‪ ،C‬ورحلة ليفي‪.‬‬

‫وأربكت‪ C‬ه ‪CC‬ذه النتيجة علم ‪CC‬اء الرياض ‪CC‬يات يف مطلع الق ‪CC‬رن العش ‪CC‬رين‪ ،‬حيث تلقت اجله ‪CC‬ات‬
‫العلمية والرياض‪CC C C‬ية نظرية مان‪CC C C‬دلربوت بكثري من االس‪CC C C‬تخفاف‪ ،‬واعتربوها‪ C‬جمرد أكذوبة لفقها‬
‫الكوم‪CC‬بيوتر وب‪CC‬دأت املق‪CC‬االت الناق‪CC‬دة تت‪CC‬واىل وهي تصف "بن‪CC‬وا"‪ C‬بأنه‪ C‬رياضي س‪CC‬يئ وأن هندسة‬
‫التشعبات‪ C‬جمرد هراء وكأن‪ C‬عني العلم عميق كما يقول بنوا‪. C‬‬
‫بل وحكم عليها أن ال ت ‪CC‬رى األش ‪CC‬ياء كما هي‪ .‬فالرياض ‪CC‬يون ي ‪CC‬ألفون ما عايش ‪CC‬وه خصوصا‬
‫اخلط ‪CC C C‬وط املس ‪CC C C‬تقيمة واملنحنية واليت ميكنهم عمل العديد من األش ‪CC C C‬ياء هبا حىت ج ‪CC C C‬اءت ه ‪CC C‬ذه‬
‫اهلندسة لتب ‪CC‬دد احلدس املنطقي عن اخلط ‪CC‬وط واألش ‪CC‬كال‪ .‬وهبا توصل بعض علم ‪CC‬اء الرياض ‪CC‬يات‬
‫إىل ختيل «أش‪CC‬كال أشد غرائبية من منحىن ك‪CC‬وخ‪ .‬فظهر ش‪CC‬كل باي‪CC‬انو‪ ،‬وس‪CC‬جادة س‪CC‬ريبنزكي‪،‬‬
‫وحش‪CC‬ية س‪CC‬ريبنزكي‪ .‬ولص‪CC‬نع س‪CC‬جادة‪ ،‬ميكن الب‪CC‬دأ مبرب‪CC‬ع‪ ،‬مث ق ّس‪C‬مه إىل تس‪CC‬عة أقس‪CC‬ام متس‪CC‬اوية‪،‬‬
‫مث أزال القسم ال ‪CC C‬ذي يف منتص ‪CC C‬فها‪ .‬مث ك ‪CC C‬رر العملية عينها مع كل املربع ‪CC C‬ات الثمانية املتبقي‪CC C‬ة‪،‬‬
‫ودوما مع إزالة القسم ال‪CC C C‬ذي يف الوس‪CC C C‬ط‪ ...‬مما يولد ش‪CC C C‬كال يص‪CC C C‬عب‪ C‬ختيله ألنه يثبت‪ C‬أن أي‬
‫نقطة اعتباطية تصبح نقطة متفرعة وبرتكيب‪ C‬شبيه بشوكة الطعام« ‪.1‬‬
‫إن األش ‪CC‬كال اليت وص ‪CC‬فت بأهنا وح ‪CC‬وش هندسة التك ‪CC‬رار املتغري (الفراكت ‪CC‬ال)‪ ،‬مثل ش ‪CC‬كل‬
‫كوخ‪،‬‬

‫بينت‪ C‬مفه ‪CC C‬وم الش‪CC C‬به املتغري للش ‪CC C‬يء مع نفس ‪CC C‬ه‪ ،‬ألهنا ب‪CC C‬دت بالش ‪CC C‬كل نفس ‪CC C‬ه‪ ،‬حىت مع التكبري‬
‫الع‪CC‬ايل‪ .‬وغ‪CC‬دا الش‪CC‬به املتغري تقنية‪ C‬لبن‪CC‬اء األش‪CC‬كال اهلائلة اليت تنتج من تك‪CC‬رار التح‪CC‬ول نفسه مثل‬
‫تقس‪CC‬يم املربع وح‪CC‬ذف أحد األقس‪CC‬ام‪ ،‬على مس‪CC‬تويات أص‪CC‬غر فأص‪CC‬غر‪...‬مثل االنعك‪CC‬اس‪ C‬املتك‪CC‬رر‬
‫بصورة ال هنائية لشخص يقف بني مرآتني متوازيتني ‪.‬‬

‫جاميس غليك مرجع سابق‪ ،‬ص ‪123‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪29‬‬
‫ومن خالل كتاب الفراكتال ملاندلربوت حاول أحد الباحثني األمريكيني (سكولز)‬
‫والمهتمني بشؤون اهلزات األرض‪CC‬ية البحث عن « س‪CC‬بل لالس‪CC‬تفادة من كت‪CC‬اب مان‪CC‬دلربوت عن‬
‫اهلندسة التكرارية‪ C‬املتغ ‪CC‬رية للطبيع ‪CC‬ة‪ .‬وجذبه اهتمامه باألس ‪CC‬طح إىل الكت ‪CC‬اب ال ‪CC‬ذي جعله ب ‪CC‬ؤرة‬
‫اهتمامه «‪ 1‬وخباصة ما تعلق منه باألس‪CC C‬طح ووصف اهلزات األرض‪CC C‬ية وتص‪CC C‬نيفها‪ C‬وقياس‪CC C‬اهتا‪.‬‬
‫ومثلت هندسة الفراكت‪CC C C C C‬ال نقطة التق‪CC C C C C‬اء بني علم‪CC C C C C‬اء شىت التخصص‪CC C C C C‬ات‪ ،‬والحظ ‪CC C C C‬وا أهنا قد‬
‫تس ‪CC‬اعدهم على فهم نظ ‪CC‬ام الظ ‪CC‬واهر اليت يدرس ‪CC‬وهنا‪ ،‬واليت ش ‪CC‬كلت فوضى فيما مضى‪ .‬بل أن‬
‫كت‪CC C C C‬اب هندسة الفراكت‪CC C C C‬ال "لبن‪CC C C C‬وا" ك‪CC C C C‬ان مليئا باألمثلة والتطبيق‪CC C C C‬ات النافعة يف اجملال العلمي‬
‫وبرياض‪CC C‬يات التش‪CC C‬عبات ميكن قي ‪CC C‬اس األش ‪CC C‬كال الطبيعية‪ C‬ابت ‪CC C‬دء من جف ‪CC C‬اف األهنار إىل حركة‬
‫الغي‪CC‬وم‪ C‬يف الس‪CC‬ماء وس‪CC‬اعد مفه‪CC‬وم التك‪CC‬رار املتغري العلم‪CC‬اء على درس الطريقة اليت تتق‪CC‬ارب فيها‬
‫األش‪CC‬ياء بعض‪CC‬ها من بعض‪ ،‬وأيضا س‪CC‬بل تش‪CC‬عبها وتفككها وتش‪C‬ظّيها‪ ،‬و« ب‪CC‬دا كطريقة جدي‪CC‬دة‬
‫للنظر إىل املادة وللتفكري يف أس‪CC C C C C C C C C C C‬طح املواد املعدنية اليت تظهر ش‪CC C C C C C C C C C C‬ديدة التش‪CC C C C C C C C C C C‬عب حتت‬
‫امليكروسكوب‪ ،‬وللتأمل يف الفتحات والقن‪CC‬وات‪ C‬يف الص‪CC‬خور احملتوية‪ C‬على الب‪CC‬رتول‪ ،‬وللنظر إىل‬
‫اهلزات األرضية« ‪.2‬‬

‫ويف التس ‪CC‬عينيات من الق ‪CC‬رن املاضي اس ‪CC‬تخدم الفلكي ناث ‪CC‬ان ك ‪CC‬وهني هندسة التش ‪CC‬عبات‪C‬‬
‫ليحقق اجنازا كب ‪CC‬ريا يف مي ‪CC‬دان االتص ‪CC‬االت االلكرتوني ‪CC‬ة‪ C،‬عن ‪CC‬دما ابتكر هوائيا من وحي هندسة‬
‫التش‪CC C‬عبات‪ C‬وك‪CC C‬انت النتيجة ه‪CC C‬وائي‪ C‬جيد وأص‪CC C‬غر بكثري من اهلوائي‪ C‬الع‪CC C‬ادي وزي‪CC C‬ادة عن ذلك‬
‫كان‬

‫أك‪CC C‬ثر كف‪CC C‬اءة ألن الراديو أص‪CC C‬بح يلتقط موج‪CC C‬ات أك‪CC C‬ثر وأبعد مما ك‪CC C‬ان عليه يف الس ‪CC‬ابق‪.‬‬
‫وأصبحت هوائيات التشعبات‪ C‬تستخدم يف اهلواتف‪ C‬اخللوية واألجه‪CC‬زة الالس‪CC‬لكية‪ .‬ومن االمثلة‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪130‬‬ ‫‪1‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪127‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪30‬‬
‫األخ ‪CC C C‬رى الس ‪CC C C‬تخدامات هندسة الفراكت ‪CC C C‬ال هو طب القلب‪ ،‬فقد « أظه‪CC C C‬رت البح ‪CC C‬وث عن‬
‫أمراض القلب وس‪CC‬المته األمهية احلامسة ملعرفة الطريقة اليت تنسق هبا انقباض‪CC‬ات اخلاليا العض‪CC‬لية‬
‫يف األقس‪CC C C C C C C‬ام املختلفة من القلب‪ ،‬مما يكفل ضخ ال‪CC C C C C C C‬دم ودورانه يف اجلسم «‪ 1‬حيث ك‪CC C C C C‬ان‬
‫االعتق‪CC C‬اد أن أجس‪CC C‬امنا آلة ودق‪CC C‬ات القلب منظم لل‪CC C‬وقت‪ ،‬وهي تش‪CC C‬به عمل رق ‪CC‬اس الس ‪CC‬اعة يف‬
‫إيقاعه‪.‬‬
‫إال أن الطب املعاصر مع غول‪CC C‬دبرغر أثبت أن النظرية القدمية ك‪CC C‬انت خاطئ‪CC C‬ة‪ ،‬ألن‬
‫ص‪CC‬ورة دق‪CC‬ات قلب س‪CC‬ليم بينت‪ C‬خطوطا غري منتظمة تت‪CC‬أرجح كث‪CC‬ريا ص‪CC‬عودا وهبوط‪CC‬ا‪ C،‬وك‪CC‬انت‬
‫ت‪CC‬رددات نبض‪CC‬ات القلب ش‪CC‬بيهة بسالسل اجلب‪CC‬ال اليت أوردها مان‪CC‬دلربوت يف كتابه عن هندسة‬
‫التش‪CC‬عبات‪ C.‬ووجد غول‪CC‬دبرغر أن القلب الس‪CC‬ليم يتمتع بتموج‪CC‬ات واض‪CC‬حة قد تس‪CC‬اعد يوما يف‬
‫تش‪CC C C C‬خيص أم‪CC C C C‬راض القلب يف وقت مبك‪CC C C C‬ر‪ .‬ويف جامعة أوريغ‪CC C C C‬ون‪ C‬األمريكية وجد فريق من‬
‫األطب ‪CC C C‬اء تطبيقا آخر يف جمال طب العي ‪CC C C‬ون‪ C‬ودلت االختب ‪CC C C‬ارات اليت ق ‪CC C C‬ام هبا على أن العني ال‬
‫تنظر إىل األش ‪CC‬ياء بطريقة منتظمة أو ناعم ‪CC‬ة‪ ،‬بل الرسم البي ‪CC‬اين ال ‪CC‬ذي يظه ‪CC‬ره الكوم ‪CC‬بيوتر يب ‪CC‬دو‬
‫كتشعبات هندسية دقيق‪CC‬ة‪ .‬ورأى آخ‪CC‬رون‪ ،‬أن هندسة التش‪CC‬عبات‪ C‬أو الفراكت‪CC‬ال ميكن أن تك‪CC‬ون‬
‫أداة عملية لتط‪CC‬وير بعض األم‪CC‬ور الرياض‪CC‬ية اليت تس‪CC‬اعد يف تش‪CC‬خيص م‪CC‬رض الس‪CC‬رطان يف وقت‬
‫مبك‪CC‬ر‪ .‬إذ أن املنحى التش‪CC‬عيب قد يك‪CC‬ون فع‪CC‬اال يف التمي‪CC‬يز بني عضو س‪CC‬ليم وآخر مص‪CC‬اب وب‪CC‬دأ‬
‫العلماء يف حتقيق خطوات كبرية يف هذا اجملال‪.‬‬
‫وتوصل العلماء إىل معرفة كيفية توزيع الغذاء على اخلاليا ونظام الدورة الدموية ونظام‬
‫التنفس‪ C‬والنظ ‪CC‬ام العص ‪CC‬يب‪ ،‬ويف كل م ‪CC‬رة وجد العلم ‪CC‬اء أن نظ ‪CC‬ام التش ‪CC‬عب اهلندسي‪ C‬الفراكت ‪CC‬ايل‬
‫ي‪CC‬واجههم‪ .‬ووج‪C‬دوا أن األنظمة البيولوجية تتبع قاع‪CC‬دة واح‪CC‬دة وهي التش‪CC‬عبات وه‪CC‬ذا يعين أهنا‬
‫تتبع‬

‫املرجع السابق‪134 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪31‬‬
‫قواعد رياض‪CC C C C C‬ية بس‪CC C C C C‬يطة قد تقودنا إىل معرفة كيفية عمله‪CC C C C C‬ا‪.‬ويف ع‪CC C C C C‬ام ‪ 1997‬أعلن عاملان‬
‫(وست ب ‪CC C‬رون وأنكويس ‪CC C‬ت)‪ C‬أن التش‪CC C‬عبات‪ C‬هي اليت حتكم العالقة بني الكتلة‬ ‫أمريكي ‪CC C‬ان‬
‫والطاقة عند الكائن ‪CC C C‬ات‪ C‬احلية وإلثب ‪CC C C‬ات ذلك قاما بتج ‪CC C C‬ارب ومعرفة إذا ما ك ‪CC C C‬انت تش ‪CC C‬عبات‬
‫ش‪CC‬جرة واح‪CC‬دة قد تق‪CC‬ود ملعرفة كيفية عمل غابة بأس‪CC‬رها‪ .‬و اس‪CC‬تغال « مفه‪CC‬وم هندسة التك‪CC‬رار‬
‫املتغري لفهم ال ‪CC C‬رتكيب‪ C‬الب ‪CC C‬نيوي‪ C‬لألش ‪CC C‬جار‪ ،‬اليت حتت‪CC C C‬اج إىل ش ‪CC C‬بكات متش‪CC C C‬عبة ال متناهي‪CC C‬ة‪ ،‬يف‬
‫أغص ‪CC‬اهنا وأوراقه ‪CC‬ا‪ ،‬اللتق ‪CC‬اط الطاقة من الش ‪CC‬مس وملقاومة‪ C‬ال ‪CC‬ريح ‪«1‬وأج ‪CC‬ريت التج ‪CC‬ارب بغابة‬
‫هي حممية طبيعية‪ C‬بكوستاريكا‪ C‬ملا تلعبه من دور يف تعديل املناخ على األرض‪ .‬وذلك بس‪CC‬حب‬
‫ث‪CC‬اين أكس‪CC‬يد الكرب‪CC‬ون يف اجلو‪ .‬ومبا أن مع‪CC‬دل الكرب‪CC‬ون يتزايد يف الع‪CC‬امل فكم ميكن هلذه الغابة‬
‫أن متتص منه؟‬
‫أف ‪CC‬رزت نت ‪CC‬ائج البحث أن توزيع األش ‪CC‬جار يف الغابة وحجمها يب ‪CC‬دو مطابقا حلجم وتوزيع‬
‫األغص ‪CC‬ان يف الش ‪CC‬جرة الواح ‪CC‬دة‪ .‬وإذا ك ‪CC‬ان ه ‪CC‬ذا ص ‪CC‬حيحا ف ‪CC‬إن دراسة ش ‪CC‬جرة واح ‪CC‬دة يس ‪CC‬هل‬
‫إمكانية‪ C‬التنبؤ بكمية ثاين أكسيد الكربون الذي ميكن للغابة أن متتصه من اجلو‪.‬‬
‫واملذهل أن أرق ‪CC‬ام الدراسة يف الش ‪CC‬جرة الواح ‪CC‬دة ك ‪CC‬انت متقاربة ج ‪CC‬دا مع الغابة كك ‪CC‬ل‪ .‬وه ‪CC‬ذا‬
‫جناح آخر هلذه اهلندسة ميكن اإلنسان‪ C‬املعاصر من التخفيف من ظاهرة االحتباس احلراري‪.‬‬
‫لقد متكن العلم ‪CC C‬اء وبفضل اهلندسة الفراكتالية من إخض ‪CC C‬اع الطبيعة للرياض ‪CC C‬يات وفق مفه ‪CC C‬وم‬
‫هندسي جديد ‪ .‬فما كنا نعتقد بأنه حمض فوضى طبيعية‪ C‬ثبت أنه نظ‪CC C C‬ام ش‪CC C C‬ديد الدق ‪CC C‬ة‪ ،‬ميكن‬
‫قياسه ووضع اخلرائط له باس‪CC‬تخدام هندسة التش‪CC‬عبات‪ .‬وإذا ك‪CC‬انت الرياض‪CC‬يات وس‪CC‬يلتنا لفهم‬
‫تعقي ‪CC C‬دات‪ C‬الطبيعة ف ‪CC C‬إن هندسة الفراكت ‪CC C‬ال والتش ‪CC C‬عبات هي من أعطتنا املف ‪CC C‬رادات واللغة اليت‬
‫متكننا من فهم وتفسري غ‪CC‬رائب الطبيع‪CC‬ة‪ .‬وه‪CC‬ذا ما أقنع العلم‪CC‬اء يف خمتلف التخصص‪CC‬ات ب‪CC‬أن «‬
‫هندسة التكرار املتغري إمنا متثل هندسة الطبيعة نفسها « ‪.2‬‬

‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪125‬‬ ‫‪1‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪139‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪32‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬النسبية والكوانتا‪ ،‬الفوضى ونظرية‪ C‬املعلومات‬
‫‪ /1‬نظرية النسبية‬
‫احلديث عن نظري‪CC C‬ة النس‪CC C‬بية‪ C‬يف‪CC C‬رتض اس‪CC C‬تذكارا ألهم أس‪CC C‬س الفيزياء الكالس‪CC C‬يكية‪ .‬ليس‬
‫باعتب‪CC‬ار األوىل امت‪CC‬دادا للثاني‪CC‬ة‪ ،‬ب‪CC‬ل ألن ص‪CC‬احب نظري‪CC‬ة النس‪CC‬بية‪ C‬اينش‪CC‬تني ب‪CC‬ىن تص‪CC‬وراته‪ C‬اجلدي‪CC‬دة‬
‫انطالقا من مناقشة مفاهيم نيوتن الفيزيائية‪.‬‬
‫تأسست‪ C‬الفيزياء النيوتونية أو الكالس‪CC C‬يكية‪ C‬على جمموعة من مف ‪CC C‬اهيم وف ‪CC C‬روض وق‪CC C‬وانني‬
‫أساس‪C‬ية تف‪C‬رض اإلطالق أمهه‪C‬ا‪ ،‬الزم‪C‬ان املطل‪C‬ق‪ ،‬املك‪C‬ان‪ C‬املطل‪C‬ق‪ ،‬الكتل‪C‬ة‪ ،‬األثري وق‪C‬انون اجلاذبي‪C‬ة‪.‬‬
‫وح‪CC C C‬ددها ني‪CC C C‬وتن خبص‪CC C C‬ائص أمهه‪CC C C‬ا‪ ،‬االس‪CC C C‬تقالل‪ C،‬التج‪CC C C‬انس‪ ،‬الثب‪CC C C‬ات‪ ،‬الالتن‪CC C C‬اهي واملطلقي ‪CC C‬ة‪.‬‬
‫وج‪CC‬دير بال‪CC‬ذكر أن الص‪CC‬رح الفيزي‪CC‬ائي‪ C‬عند ني‪CC‬وتن له خلفي‪CC‬ات علمية س‪CC‬ابقة عنه حيث إنه عمل‬
‫على توس ‪CC C C C‬يع ق ‪CC C C C‬وانني كبلر يف احلركة و« ب ‪CC C C C‬دأ يفكر يف وج ‪CC C C C‬ود ق ‪CC C C C‬وة جاذبة بني الش ‪CC C C‬مس‬
‫والك‪CC C‬واكب‪ C‬وك‪CC C‬انت أمامه مص‪CC C‬ادر ع‪CC C‬دة هلذه الفك‪CC C‬رة أش‪CC C‬هرها ظ‪CC C‬اهرة املغناطيس‪CC C‬ية املعروفة‬
‫والق ‪CC‬وة » ش ‪CC‬به املغناطيس ‪CC‬ية « بني الش ‪CC‬مس والك ‪CC‬واكب‪ C‬اليت اف ‪CC‬رتض كبلر وجوده ‪CC‬ا‪.‬اجلمع بني‬
‫»ال‪CC‬روح احملركة« وه‪CC‬ذه املغناطيس‪CC‬ية‪ C‬ل‪CC‬دى كبلر أس‪CC‬فر عن املدارات البيض‪CC‬اوية‪ C‬للك‪CC‬واكب‪ C.‬أما‬
‫ل ‪CC‬دى ني ‪CC‬وتن‪ ،‬فرمبا يك ‪CC‬ون‪ C‬الت ‪CC‬وازن‪ C‬بني القص ‪CC‬ور ال ‪CC‬ذايت وبني ق ‪CC‬وة اجلذب جتاه الش ‪CC‬مس هو ما‬
‫ينتج املدارات البيضاوية‪ C‬الثابتة« ‪.1‬‬
‫وعمل ني ‪CC‬وتن على دس ‪CC‬رتة ه ‪CC‬ذه الف ‪CC‬روض والق ‪CC‬وانني يف عمله املعن ‪CC‬ون‪ C‬بــ املب ‪CC‬ادئ الرياض ‪CC‬ية‬
‫للفلس‪CC C‬فة الطبيعية‪ C‬وال‪CC C‬ذي يع‪CC C‬رف ع‪CC C‬ادة باملب‪CC C‬ادئ األساس‪CC C‬ية‪ C.‬وك‪CC C‬ان ذلك س‪CC C‬نة ‪ .1686‬و«‬
‫املب‪CC C C‬ادئ األساس‪CC C C‬ية تت‪CC C C‬ألف من ثالثة كتب‪ ،‬األول يتن‪CC C C‬اول مس‪CC C C‬ائل احلركة دون احتك ‪CC C‬اك أو‬

‫ل ‪CC‬ورنس إم برينس ‪CC‬يبيه‪ ،‬الث ‪CC‬ورة العلمية مقدمة‪ C‬قص ‪CC‬رية ج ‪CC‬دا‪ ،‬ت ‪CC‬ر‪ :‬حممد عبد ال ‪CC‬رمحن إمساعيل‪ ،‬مؤسسة هن ‪CC‬داوي‬ ‫‪1‬‬

‫للتعليم والثقافة‪ ،‬مصر‪ ،‬ط ‪ ،1،2014‬ص ‪67‬‬


‫‪33‬‬
‫مقاوم‪CC‬ة‪ ،‬الث‪CC‬اين يتن‪CC‬اول الس‪CC‬وائل وأثر االحتك‪CC‬اك يف حركة األجس‪CC‬ام الص‪CC‬لبة يف الس‪CC‬وائل‪ ،‬وأهم‬
‫ه ‪CC‬ذه الكتب هو الكت ‪CC‬اب الث ‪CC‬الث وهو بعن ‪CC‬وان‪ ،‬نظ ‪CC‬ام الع ‪CC‬امل «‪ 1‬وع ‪CC‬ادة ما تنعت فيزياء ني ‪CC‬وتن‬
‫بامليكانيكا‪ C‬النيوتوني ‪CC C C‬ة‪ C،‬واليت تعين أن كل األنس ‪CC C C‬اق اليت تش‪CC C C‬كل بنية مادية بني عناص‪CC C C‬رها يف‬
‫الزم‪CC C‬ان واملك‪CC C‬ان‪ C،‬وحيكمها نظ‪CC C‬ام من العالق‪CC C‬ات ختضع لق‪CC C‬وانني ص‪CC C‬ارمة‪ .‬ونش‪CC C‬أت « فلس‪CC C‬فة‬
‫رياضية ما لبثت أن أصبحت شائعة لدى الناس يف نظ‪C‬رهتم إىل الع‪C‬امل الفيزي‪C‬ائي وغري الفيزي‪C‬ائي‪C‬‬
‫كليهما وعلى أس‪CC C C‬اس ميك‪CC C C‬انيكي‪ 2«C‬ومن أش‪CC C C‬هر قوانينها ق‪CC C C‬انوين احلرك‪CC C C‬ة‪ .‬األول هو ق ‪CC C‬انون‬
‫ينص على أن " كل جسم يس‪CC C C‬تمر يف حالة الس‪CC C C‬كون‪ ،‬أو يف حركة‬
‫القص‪CC C C‬ور ال‪CC C C‬ذايت ال‪CC C C‬ذي ّ‬
‫منتظمة على خط مس‪CC‬تقيم ما مل جيرب على تغيري حالته بت‪CC‬أثري ق‪CC‬وى تعمل فيه»‪ 3‬أي أن اجلسم‬
‫مهما ك‪CC C‬ان يس‪CC C‬تمر على سكونه أو حركته يف خ‪Cٍ C C‬ط مس‪CC C‬تقيم ما مل تط‪CC C‬رأ عليه ق‪CC C‬وة ما تغري‬
‫ينص على أ ّن «التغري يف حركة اجلسم تتناسب مع الق ‪CC C C‬وة‪C‬‬
‫حالت‪CC C C C C‬ه‪ .‬أما الق‪CC C C C C‬انون الث‪CC C C C C‬اين فهو ّ‬
‫التحريكية املؤثرة‪ C‬وباجتاه اخلط املس‪CC C C‬تقيم اليت ت‪CC C C‬ؤثر الق‪CC C C‬وة‪ C‬وفقه«‪ 4‬فت‪CC C C‬أثري ق‪CC C C‬وة أو جمموعة من‬
‫ص ‪C‬لة الق ‪CC‬وى اليت ت ‪CC‬ؤثّر على ه ‪CC‬ذا‬
‫الق ‪CC‬وى على جسم ما تق ‪CC‬وم بإكس ‪CC‬ابه تس ‪CC‬ارعاً يتناسب مع حُم ّ‬
‫اجلس ‪CC‬م‪ ،‬وكتلة القص ‪CC‬ور ال‪CC‬ذايت جلسم م‪CC‬ا‪ ،‬هو معامل التناس ‪CC‬ب‪ C.‬وب ‪CC‬ذلك ع‪CC‬ارض ني‪CC‬وتن فيزي ‪CC‬اء‬
‫أرسطو اليت تنص على أنّه ال بد من توفر القوة‪ C‬الستمرار احلركة‪.‬‬
‫وتعممت قوانني نيوتن لتفسري القوى األرضيّة‪ ،‬والكون اخلارجي‪ .‬وبوضع قوانني احلركة‬
‫واجلذب العام اعترب نيوتن أن الزمان واملكان مستقالن‪ C‬استقالالً تام‪C‬اً عن املادة واحلرك‪CC‬ة‪ ،‬وأن‬
‫الزمان املطلق هو احلقيقي‪ C‬الرياض‪C‬ي‪ ،‬وال‪C‬ذي اس‪C‬تخدمه يف وصف مع‪C‬ادالت احلركة أو تس‪C‬ارع‬
‫األجس‪CC‬ام حنو ق‪CC‬وة اجلاذبي‪CC‬ة‪ .‬وهو ال‪CC‬زمن ال‪CC‬ذي يرص‪CC‬ده مجيع املالحظني للح‪CC‬دث ذاته يف بع‪CC‬دين‬

‫جيل كريستيانس‪CC‬ن‪ ،‬اس‪CC‬حاق ني‪CC‬وتن والث‪CC‬ورة العلمي‪CC‬ة‪ ،‬ت‪CC‬ر‪ :‬م‪CC‬روان الب‪CC‬واب‪ ،‬مكتبة العبيك‪CC‬ان‪ ،‬الري‪CC‬اض‪ ،‬ط‪،1،2005‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص ‪113‬‬

‫فريد آالن وولف‪ ،‬مع القفزة الكمومية‪ ،‬تر‪ :‬أدهم السمان‪ ،‬مكتبة دار طالس‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪ ،2002 ،2‬ص ‪45‬‬ ‫‪2‬‬

‫جيل كريستيانسن‪ ،‬اسحاق نيوتن والثورة العلمية ‪،‬مرجع نفسه‪ ،‬ص ‪113‬‬ ‫‪3‬‬

‫املرجع نفسه ص ص ‪114-113‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪34‬‬
‫خمتلفني فالزمان واملكان يكونان‪ C‬حقيقة موضوعية‪ C‬واحدة بالنسبة إىل مجيع الناس‪ .‬إن إميان‬

‫ني‪CC‬وتن باملك‪CC‬ان‪ C‬والزم‪CC‬ان املطلقني يعكس قناعة نيوتونية مفادها أن الك‪CC‬ون‪ C‬ث‪CC‬ابت أو س‪CC‬اكن غري‬
‫متحرك وأن الزمان موجود حىت ومل توجد احلركة ‪.‬‬
‫لقد صارت قوانني نيوتن يف احلركة وفرضياته ح‪CC‬ول الزم‪CC‬ان واملك‪CC‬ان حمور العلم بل العلم‬
‫الفيزي ‪CC C‬ائي‪ C‬كله يف الق ‪CC C‬رنني الث ‪CC C‬امن عشر والتاسع عشر‪ ،‬حيث هيمنت على الفكر العلمي ملدة‬
‫ثالث ق‪CC C C C C C C C C‬رون كاملة إىل درجة اعتقد العلماء يف تلك الف‪CC C C C C C C C C‬رتة‪ C‬أن الفيزياء ش‪CC C C C C C C C C‬ارفت على‬
‫هنايتها‪.‬وكانت‪« C‬االفكار والنظريات العلمية اليت ظهرت خالل املدة املذكورة‪ ،‬مل تكن تقبل‪،‬‬
‫أو على األقل مل يكن ينظر إليها بعني االرتي ‪CC C‬اح والرض ‪CC C‬ى‪ ،‬إال إذا ك‪CC C‬انت مندرجة يف النظ‪CC C‬ام‬
‫العام الذي أقامه صاحب نظرية اجلاذبية»‪ 1‬مبعىن أن مجيع من‪CC‬اطق البحث الواقعة ض‪CC‬من نطاقها‬
‫قد أص ‪CC‬بحت معروفة ومل يبق هن ‪CC‬اك إال الق ‪CC‬در اليسري من املس‪CC C‬ائل وبإدراكها تكتمل الفيزياء‪.‬‬
‫لكن مع أواخر القرن التاسع عشر اصطدمت فيزياء نيوتن الكالسيكية بعدد من الصعوبات‪.C‬‬
‫حف ‪CC C‬زت العلماء يف تلك الف ‪CC C‬رتة للقي ‪CC C‬ام مبزيد من التج ‪CC C‬ارب والتحقق ‪CC C‬ات حىت تتب‪CC C‬دد‬
‫الش ‪CC‬كوك وتثبت‪ C‬أرك ‪CC‬ان ق ‪CC‬وانني ني ‪CC‬وتن الفيزيائي ‪CC‬ة‪ .‬من أهم تلك التج ‪CC‬ارب ما ق ‪CC‬ام به العاملان‪C‬‬
‫ميكلس‪CC‬ون‪ C‬وم‪CC‬وريل إلثب‪CC‬ات وج‪CC‬ود األثري وهي نقطة حتول بالغة األمهية ألنه ت‪CC‬ؤدي إىل ص‪CC‬رف‬
‫الفيزياء‪.‬‬ ‫النظر عن فرضية األثري يف‬

‫‪ ‬جتربة ميكلسون‪ -‬مورىل ومشكلة األثري‬


‫ق‪CC‬ام العاملان‪ C‬ميكلس‪CC‬ون وم‪CC‬وريل بتج‪CC‬ارب « أظه‪CC‬رت أن الض‪CC‬وء بالنس‪CC‬بة لألرض ينتشر يف‬
‫كل االجتاه‪CC C C C C C C C C‬ات بنفس الس‪CC C C C C C C C C‬رعة‪ ،‬وه‪CC C C C C C C C C‬ذه النتيجة مل تكن متوقعة بتات‪CC C C C C C C C C‬ا‪ ،‬فحىت النظرية‬
‫الكهرومغناطيس ‪CC‬ية‪ C‬يف ذلك العه ‪CC‬د‪ ،‬ك ‪CC‬انت تع ‪CC‬رض الض ‪CC‬وء كظ ‪CC‬اهرة موجية تنتشر يف وسط ال‬

‫حممد عابد اجلابري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪269‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪35‬‬
‫يُدرك وال حُي س هو األثري »‪ 1‬مبعىن أن هذه الدراسة قامت أساسا إلثبات فرض‪C‬ية وج‪C‬ود األثري‬
‫كوسط تنتشر فيه األمواج الض‪CC‬وئية واليت تنتقل عربه إىل األرض‪ .‬وتعتمد فك‪CC‬رة التجربة على‬
‫قي ‪CC‬اس الف ‪CC‬رق ىف س ‪CC‬رعة اض ‪CC‬وء بالنس ‪CC‬بة لألثري وذلك من خالل جه ‪CC‬از يسري فيه الض ‪CC‬وء مس ‪CC‬افة‬
‫معلومة مرة مع تيار األثري مث ينعكس على سطح مرآة ويع‪CC‬ود ليت‪CC‬داخل مع ش‪CC‬عاع ض‪CC‬وئى آخر‬
‫قد انعكس عن م ‪CC C C‬رآة تبعد نفس املس ‪CC C C‬افة حبيث أن الش ‪CC C C‬عاع الث ‪CC C C‬اىن يسري عمودي‪C C C C‬اً على إجتاه‬
‫األثري‪.‬‬
‫وي ‪CC‬ؤدي ذلك إىل ت ‪CC‬داخل للش ‪CC‬عاعني مما ُينتج للمش ‪CC‬اهد أه ‪CC‬داب ت ‪CC‬داخل عب ‪CC‬ارة عن‬
‫من ‪CC‬اطق مض ‪CC‬يئة‪ C‬ومن ‪CC‬اطق معتمة تتغري بتغري س ‪CC‬رعة الض ‪CC‬وء‪ .‬وب ‪CC‬إجراء حس ‪CC‬ابات بس ‪CC‬يطة جند أن‬
‫الش‪CC C‬عاع الض‪CC C‬وئى املوازى لألثري يس‪CC C‬تغرق زمن ‪C C‬ا أط‪CC C‬ولا إلكم‪CC C‬ال رحلة ال‪CC C‬ذهاب واإلي ‪CC‬اب من‬
‫الزمن الالزم للش‪C‬عاع ال‪C‬ذى يسري عموديا على األث‪C‬ري‪ .‬ه‪CC‬ذا الاختالف يتغري إذا أدي‪C‬رت الطاولة‬
‫الىت حتمل التجربة حبيث يص ‪CC‬بح الش ‪CC‬عاع املوازى لألثري عموديا والش ‪CC‬عاع ال ‪CC‬ذى ك ‪CC‬ان عموديا‬
‫يصبح موازيا لألثري‪.‬‬
‫توقع العلماء عند دوران التجربة بالنس‪C‬بة لألث‪C‬ري أن حيدث تغيريا ىف األه‪C‬داب املتكون‪C‬ة نتيج‪C‬ة‬
‫للت‪C‬داخل بني الش‪CC‬عاعني الض‪CC‬وئيني ‪ .‬لكن نتيج‪C‬ة التجرب‪C‬ة ج‪C‬اءت على غ‪C‬ري املتوق‪C‬ع‪ .‬إذ مل حيدث‬
‫تغيريا ىف مواقع أهداب التداخل‪ ،‬وتكررت التجربة مرات يف أمكنة خمتلفة وأزمنة متباينة لكن‬
‫النتيج‪CC‬ة نفس‪CC‬ها‪ ،‬أي خبالف م‪CC‬ا توقع‪CC‬ه الع‪CC‬املني من نت‪CC‬ائج التجرب‪CC‬ة يف ض‪CC‬وء امليكانيك‪C‬ا‪ C‬النيوتوني‪CC‬ة‪.‬‬
‫وأصبح حمتما القول بأن الطبيعة‪ C‬ال تسري حسب قوانني امليكانيكا‪ C‬فقط‪،‬وهذه النتيجة كافية‬
‫«ل ‪CC‬دحض التص ‪CC‬ور امليك ‪CC‬انيكي للك ‪CC‬ون مث إن اهلزمية اليت حلقت ذلك التص ‪CC‬ور أص ‪CC‬بحت كاملة‬
‫حينما انكشف الط‪CC C‬ابع اخلرايف يف األثير وظهر للعي‪CC C‬ان«‪2‬وه‪CC C‬ذه النتيجة الس‪CC C‬لبية أف‪CC C‬رزت خيبة‬
‫العلم ‪CC C‬اء ىف ص‪CC C‬حة نظري‪CC C‬اهتم الكالس ‪CC C‬يكية‪ ،C‬وإن ك‪CC C‬ان من الص‪CC C‬عب‪ C‬التخلي عن فرض‪CC C‬ية األثري‬
‫أرت‪CC C C C‬ور م‪CC C C C‬ارش‪ ،‬التفكري اجلديد يف الفيزي‪CC C C C‬اء احلديث‪CC C C C‬ة‪ ،‬ت‪CC C C C‬ر‪ :‬بلح‪CC C C‬اج علي‪ ،‬املؤسسة الوطنية للرتمجة والتحقيق‬ ‫‪1‬‬

‫والدراسات‪ ،‬تونس د‪.‬ط‪،1986 ،‬ص ‪54‬‬


‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪55‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪36‬‬
‫حيث وج ‪CC C C‬دت حماوالت يائسة لتربيرها ت ‪CC C C‬ارة ب ‪CC C C‬القول إن األثري يسري مع األرض‪ ،‬وت ‪CC C‬ارة أن‬
‫األجس‪CC‬ام تنكمش ىف اجتاه حركتها خالل األثري إىل أن ج‪CC‬اء آينش‪CC‬تني مبحاولة ش‪CC‬كلت منطلقا‬
‫لبناء أسس‬

‫جديدة للفيزياء مساها النسبية‪. C‬‬

‫‪ ‬اينشتاين‪ C‬والنسبية‬
‫س‪CC C‬لك اينش‪CC C‬تاين‪ C‬طريقا معاكسا لعلم‪CC C‬اء زمانه حيث اعترب أن ما ج ‪CC‬اءت به جتربة ميكلس ‪CC‬ون‬
‫ش‪CC C‬يئا جديدا اس‪CC C‬تثمره يف مراجعة املف‪CC C‬اهيم واألسس النظري ‪C C‬ة لفيزياء نيوتن‪ .‬واعتربها مؤش ‪CC‬را‬
‫قويا على ض‪CC‬يق ص‪CC‬الحية امليكانيكا الكالس‪CC‬يكية‪ .C‬وعرب عن ه‪CC‬ذا القص‪CC‬ور بوانكاريه يف حماض‪C‬رة‬
‫ألقاها س ‪CC C‬نة ‪ 1904‬عن ‪CC C‬دما ص ‪CC C‬رح بضرورة قي ‪CC C‬ام ميكانيكا‪ C‬جدي ‪CC C‬دة‪ ،‬ميكانيكا يتص‪CC C‬اعد فيها‬
‫القص ‪CC C‬ور مع الس ‪CC C‬رعة وتصل فيها س ‪CC C‬رعة الض ‪CC C‬وء ح ‪CC C‬دا ال ميكن جتاوزه‪ ،‬أما امليكانيكا‪ C‬املألوفة‬
‫وهي األك‪CC‬ثر بس‪CC‬اطة فقد تبقى جمرد تق‪CC‬ريب أويل‪ ،‬لأهنا س‪CC‬تكون‪ C‬ص‪CC‬حيحة بالنس‪CC‬بة لس‪CC‬رعات لا‬
‫تكون‪ C‬كبرية جدا‪.‬‬
‫ولتفسري هذه التجربة مبنظور النسبية وظف اينشتاين فرض‪CC‬ية هام‪CC‬ة تع‪CC‬رف بتح‪C‬ويالت لورن‪C‬تز‪.‬‬
‫وهي التح‪CC‬ويالت البديل‪CC‬ة لتح‪CC‬ويالت غ‪CC‬اليليو ال‪CC‬ذي ك‪CC‬ان ي ‪C‬ؤمن بوج‪CC‬ود ال‪CC‬زمن املطل‪CC‬ق والث‪CC‬ابت‬
‫الذي ال يتغري باختالف احلدث وال املرجع القصوري‪ .‬جديد لورنتز أنه ث‪CC‬ار على ع‪CC‬داد ال‪CC‬زمن‬
‫الث‪CC‬ابت‪ C‬وح‪CC‬دد مرجع ‪C‬ا جديدا بني الأط‪CC‬ر القص‪CC‬ورية‪ C‬املختلفة‪ .‬ألا وهي س‪CC‬رعة الض‪CC‬وء‪ ،‬فمن هنا‬
‫أص‪CC‬بحت س‪CC‬رعة الضوء ح‪CC‬دا لا ميكن جتاوزه‪ ،‬وهي ال‪CC‬يت س‪CC‬تكون‪ C‬النس‪CC‬بة الثابت‪CC‬ة بني مجي‪CC‬ع الأطر‬
‫القص‪CC C C‬ورية‪ .‬يف ال‪CC C C‬وقت ال‪CC C C‬ذي ك‪CC C C‬ان فيه لورن‪CC C C‬تز من أشد املعج‪CC C C‬بني بفيزياء ني‪CC C C‬وتن وما ه ‪CC C‬ذه‬
‫واالهنيار‪.‬‬ ‫التحويالت إال حماولة منه إلنقاذ هذه الفيزياء من التصدع‬
‫وانطالق‪CC C‬ا من حتويالت لورن‪CC C‬تز اق‪CC C‬رتح آينش‪CC C‬تاين « ثب‪CC C‬ات س‪CC C‬رعة الضوء‪ ،‬فالضوء ينتش‪CC C‬ر‬
‫بسرعة ثابتة يف الوسط الثابت والوسط املتحرك على السواء‪ ،‬ومهم‪CC‬ا ك‪CC‬ان اجتاه الوس‪CC‬ط ال‪CC‬ذي‬
‫‪37‬‬
‫حيمله«‪ 1‬فال شيء ث‪C‬ابت يف الوج‪C‬ود إال س‪C‬رعة الض‪C‬وء فقط‪ .‬وميث‪C‬ل ذل‪C‬ك موقف‪C‬ا جتاوزيا لنظري‪C‬ة‬
‫األثري وتعليلا للتجرب‪CC‬ة ال‪CC‬يت ق‪CC‬ام هبا العاملان (ميكلس‪CC‬ون وم‪CC‬وريل) فالض‪CC‬وء ينتش‪CC‬ر وبس‪CC‬رعة ثابتة‬
‫( ‪ 300000‬كلم‪/‬ثا) مهما كانت سرعة حركة املصدر‪.‬‬
‫انطلقت النظرية النس ‪CC‬بية‪ C‬من عالقة الس ‪CC‬رعة باألش ‪CC‬ياء األخ ‪CC‬رى‪ ،‬وب ‪CC‬ذلك س ‪CC‬جلت النس ‪CC‬بية‪C‬‬
‫اخلاصة اخلطوات األوىل لعالقة السرعة بالكتلة والزمان واملكان‪ C.‬فمع السرعة حيدث تب‪CC‬دل يف‬
‫ثالثة اجتاه ‪CC‬ات‪ :‬ت ‪CC‬زداد الكتلة‪ ،‬ينكمش ال ‪CC‬زمن‪ ،‬وتنكمش األط ‪CC‬وال‪ C.‬وق ‪CC‬ادت ه ‪CC‬ذه النت ‪CC‬ائج إىل‬
‫ثورة مفهومية واس‪CC‬عة يف العلم املعاص‪CC‬ر‪ .‬زل‪C‬زلت معها « فك‪CC‬رة النظ‪CC‬ام اجملرد الكالس‪CC‬يكية‪ C،‬اليت‬
‫تبناها‪ C‬ني‪CC‬وتن ومت التخلي عن ق‪CC‬انون مجع الس‪CC‬رعات الكالس‪CC‬يكي‪ ،‬فس‪CC‬رعة جسم يسري يف قط‪CC‬ار‬
‫متح ‪CC‬رك بالنس ‪CC‬بة لألرض مل تعد تس ‪CC‬اوي جمم ‪CC‬وع س ‪CC‬رعته بالنس ‪CC‬بة للقط ‪CC‬ار مض ‪CC‬افة إىل س ‪CC‬رعة‬
‫القط‪CC C C‬ار بالنس‪CC C C‬بة لألرض‪ ،‬ومن اس‪CC C C‬تنتاجات النظرية النس‪CC C C‬بية‪ C‬اهلندس‪CC C C‬ية‪-‬الفيزيائية‪ C‬أن أط ‪CC C‬وال‬
‫األجس‪CC‬ام تتقلص تبعا لس‪CC‬رعة حتركها»‪ 2‬مبع‪CC‬ىن‪ ،‬إذا زادت الس‪CC‬رعة مثالً لعم‪CC‬ود يبلغ طوله م‪CC‬رتا‬
‫حىت بلغت نصف س ‪CC‬رعة الض ‪CC‬وء انض ‪CC‬غط الط ‪CC‬ول إىل ح ‪CC‬وايل ‪ 86‬س ‪CC‬م‪ ،‬ف ‪CC‬إذا وصل إىل ح ‪CC‬وايل‬
‫‪ %90‬من سرعة الضوء مل يبقى من املرت إال ‪ 45‬سم‪ ،‬فإذا وصل إىل سرعة ‪ % 99‬من س‪CC‬رعة‬
‫الض‪CC‬وء انكمش املرت إىل ‪ 14‬سم فق‪CC‬ط‪ ،‬ف‪CC‬إذا وص‪CC‬لت الس‪CC‬رعة إىل س‪CC‬رعة الض‪CC‬وء أص‪CC‬بح الط‪CC‬ول‬
‫ص‪CC‬فراً وال يش‪CC‬عر هبذا الش‪CC‬يء من هو داخل العملي‪CC‬ة‪ ،‬بل يش‪CC‬عر هبا املراقب من اخلارج فق‪CC‬ط‪،‬‬
‫كما أهنا تنطبق على كل ش‪CC C C‬يء يف ه ‪CC C‬ذا الوج ‪CC C‬ود‪ ،‬فكل ما يف الك ‪CC C‬ون‪ C‬يف حركة وبس ‪CC C‬رعات‬
‫خمتلفة فاألرض تدور حول نفسها بسرعة ربع ميل يف الثانية‪ C،‬وهي ت‪CC‬دور بنفس ال‪CC‬وقت ح‪CC‬ول‬
‫الش‪CC C‬مس بس‪CC C‬رعة ‪ 5.18‬ميل يف الثانية‪ C‬والش‪CC C‬مس وكواكبها س‪CC C‬ائرة باجتاه نقطة يف اجملرة بني‬
‫جمموعة هرقل (اجلاثي) وجمموعة الل‪CC C C C‬ورا بس‪CC C C C‬رعة ‪ 12‬ميل يف الثاني‪CC C C C‬ة‪ ،‬وجمرة درب التبانة‪ C‬اليت‬
‫ننتمي إليها ت‪CC‬دور ح‪CC‬ول نفس‪CC‬ها دورة كاملة كل ربع ملي‪CC‬ار س‪CC‬نة بس‪CC‬رعة ‪ 120‬ميل يف الثاني‪CC‬ة‪C،‬‬

‫نزار دندش‪ ،‬ما هو العلم؟ رحلة التفكري العلمي‪ ،‬دار الفارايب‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،2009 ،1‬ص ‪134‬‬ ‫‪1‬‬

‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪134‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪38‬‬
‫وجمرتنا تبتعد عن أخواهتا اجملرات األخ‪CC‬رى بس‪CC‬رعة تصل إىل (‪ 40000 C - 600‬ميل يف الثاني‪CC‬ة)‪C‬‬
‫‪.‬‬

‫مل يبق ثب‪CC‬ات لش‪CC‬يء‪ ،‬فال األحج‪CC‬ام تبقى‪ C‬أحجام‪C‬اً‪ ،‬وال األبع‪CC‬اد أو الزم‪CC‬ان أو املك‪CC‬ان‪ ،‬فكل‬
‫ما يف الكون هو يف حالة‪ ،‬فالزمان الذي يتدفق مفكك األوصال يف هذا العامل الذي نعيشه‪،‬‬

‫وتياره‬
‫ال‪CC‬ذي جيري خمتلف من مك‪CC‬ان إىل آخ‪CC‬ر‪ ،‬ف‪CC‬الزمن يف مك‪CC‬ان من الك‪CC‬ون‪ C‬هو غري ال‪CC‬زمن يف مك‪CC‬ان‬
‫آخ‪CC‬ر‪ ،‬ويتبع ه‪CC‬ذا تغري كل ش‪CC‬يء من األبع‪CC‬اد واألحج‪CC‬ام واألوزان‪ C‬واحلرك‪CC‬ات‪ ،‬وكل ه‪CC‬ذا يتبع‬
‫السرعة‬
‫اليت يتمتع هبا الكوكب‪ C‬أو املكان‪ C‬الذي يتدفق فيه الزمن‪ ،‬بل هو حىت يف الكرة األرضية الي‪CC‬وم‪C‬‬
‫ليس كالغد‪ ،‬فبعد مخسة مليارات س‪C‬نة س‪C‬يكون‪ C‬ي‪C‬وم األرض ‪ 36‬س‪CC‬اعة‪ ،‬كل ه‪CC‬ذا بفعل تب‪C‬اطؤ‪C‬‬
‫حركة األرض بفعل االحتك‪CC C C‬اك‪ ،‬إذاً يبقى فهم الع‪CC C C‬امل ووض‪CC C C‬عه بش‪CC C C‬كل نسيب حسب مك ‪CC C‬ان‬
‫املراقب‪ .‬ومع النسبية‪ C‬يندمج املكان بالزم‪CC‬ان‪ ،‬ليتح‪CC‬ول مفه‪CC‬وم ال‪CC‬زمن إىل البعد الراب‪CC‬ع‪ ،‬وتتح‪CC‬ول‬
‫عالقة الزم ‪CC C C‬ان‪-‬املك‪CC C C‬ان‪ C‬إىل كينونة واح ‪CC C C‬دة‪ ،‬وتن‪C C C C‬دمج الطاقة باملادة‪ ،‬فتتح ‪CC C C‬ول كل منهما إىل‬
‫األخ ‪CC C C C‬رى وفق معادلة معين ‪CC C C C‬ة‪ .‬ومت « التخلي إىل األبد عن فك ‪CC C C C‬ريت املك ‪CC C C C‬ان املطلق والزم ‪C C C‬ان‬
‫المطلق‪ ،‬ذلك أن اينش‪CC‬تني أثبت أن عالق‪CC‬ات املك‪CC‬ان والزم‪CC‬ان وق‪CC‬وانني احلركة ال ميكن تعريفها‬
‫إال بوص‪CC C C‬فها املوقف الشخصي للم‪CC C C‬راقب ولظروفه املادية »‪ 1‬فهن‪CC C C‬اك حتول عقلي ومفه‪CC C‬ومي‪C‬‬
‫للعلم والعامل أط‪C‬اح بالنظ‪C‬ام الق‪C‬دمي‪ ،‬وش‪C‬قت الطريق إىل فهم جديد للع‪C‬امل لرسم مع‪C‬امل حض‪C‬ارة‬
‫جدي‪CC C‬دة‪ .‬ومل تكن النس‪CC C‬بية‪ C‬اخلاص ‪C C‬ة هناية املس‪CC C‬رية الفيزيائية‪ C‬ألينش‪CC C‬تاين‪ ،‬فقد أمت بن‪CC C‬اءه بنظريته‬
‫النسبية‪ C‬العامة‪.‬‬

‫روب‪CC‬رت اج‪CC‬روس وج‪CC‬ورج ستانس‪CC‬يو‪ ،‬العلم يف منظ‪CC‬روه اجلدي‪CC‬د‪ ،‬ت‪CC‬ر‪ :‬كم‪CC‬ال خاليلى‪ ،‬ع‪CC‬امل املعرف‪CC‬ة‪ ،1989 ،‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪21‬‬
‫‪39‬‬
‫‪-‬املفاهيم األساسية لنظرية النسبية العامة‬

‫ف نظري‪CC‬ة النس‪CC‬بية العام‪CC‬ة ق‪CC‬وة اجلاذبي‪CC‬ة‪ ،‬ومل يكن أينش‪CC‬تاين‪ C‬أول من ج‪CC‬اء مبث‪CC‬ل ه‪CC‬ذه النظرية‬ ‫ِ‬
‫تص ‪ُ C‬‬
‫فق‪CC‬د ص‪CC‬اغ إس‪CC‬حاق ني‪CC‬وتن من قبل قانون ‪C‬ا يص‪CC‬ف اجلاذبي‪CC‬ة‪ .‬لكن ق‪CC‬انون ني‪CC‬وتن يص‪CC‬لح لألحج‪CC‬ام‬
‫الص‪CC‬غرية حيث مُي كنن‪CC‬ا اس‪CC‬تعماله حلس‪CC‬اب س‪CC‬رعة س‪CC‬قوط جس‪CC‬م م‪CC‬ا من مب‪CC‬ىن مرتف‪CC‬ع حنو األرض‪،‬‬
‫أو‬

‫اس‪CC‬تخدامه إلرس‪CC‬ال البش‪CC‬ر إىل القم‪CC‬ر‪ .‬لكن عند املس‪CC‬افات والس‪CC‬رعات الفائق ‪C‬ة‪ C‬أو الكب‪CC‬رية ج‪CC‬داً‬
‫وم‪CC C‬ع األجس‪CC C‬ام فائق‪CC C‬ة الكتل‪CC C‬ة‪ ،‬يص‪CC C‬ري ق‪CC C‬انون ني‪CC C‬وتن غ‪CC C‬ري مناس‪CC C‬ب ألن‪CC C‬ه يفتق‪CC C‬د الدق‪CC C‬ة يف ه ‪CC‬ذا‬
‫املستوى‪C.‬‬

‫ومتثلت إض ‪CC C‬افاهتا‪ ،‬إىل ج‪CC C‬انب مراجعة مفه ‪CC C‬وم ال‪CC C‬زمن‪ ،‬مراجعة يف خ‪CC C‬واص الفض‪CC C‬اء اهلندس‪CC C‬ية‬
‫حيث اس ‪CC C C‬تطاع اينشتاين‪ « ،‬أن يربط األفك ‪CC C C‬ار الفيزيائية الرئيس ‪CC C C‬ية باملخطط الرياضي هلندسة‬
‫عامة ك‪CC C‬ان رميان طوره‪CC C‬ا‪ .‬ومبا أن خ‪CC C‬واص املك‪CC C‬ان قد تغ‪CC C‬ريت فيما يب‪CC C‬دو على حنو مط ‪CC‬رد مع‬
‫جماالت اجلاذبية فك‪CC‬ان ال بد من مقارنة اهلندسة املس‪CC‬توية‪ C‬باهلندسة على س‪CC‬طوح منحنية حيث‬
‫ينبغي‪ C‬اس‪CC C C‬تبدال اخلط املس‪CC C C‬تقيم اخلاص هبندسة إقلي‪CC C C‬دس باخلط اجليوديس‪CC C C‬ي‪ ،‬أي اخلط األقصر‬
‫مس‪CC C C C‬افة‪ ،‬وحيث يتغري املنحىن على حنو مط‪CC C C C‬رد"‪ 1‬وب‪CC C C C‬ذلك أعطت النظرية التعليل الص‪CC C C‬حيح‬
‫للع‪CC‬دد احملدود من املالحظ‪CC‬ات الفلكية املت‪CC‬وفرة‪ C‬ل‪CC‬دينا يف ال‪CC‬وقت احلاضر مما يؤكد وج‪CC‬ود عالقة‬
‫بني اهلندسة وبني توزيع املادة يف الك‪CC C C C C‬ون‪ ،‬فه‪CC C C C C‬ذه النظرية تقيم «عالقة بني اهلندسة يف ه ‪CC C C‬ذا‬
‫اجملم‪CC‬وع وبني توزيع الكتل يف الع‪CC‬امل‪ .‬ول‪CC‬ذلك ف‪CC‬إن النظرية ط‪CC‬رحت يف ص‪CC‬يغة جدي‪CC‬دة األس‪CC‬ئلة‬

‫ف‪C‬رينر ه‪C‬ايزينبريغ‪ ،‬الفيزياء والفلس‪C‬فة‪ ،‬ت‪C‬ر‪ :‬ص‪C‬الح ح‪C‬امت‪ ،‬دار احلوار للنشر والتوزي‪C‬ع‪ ،‬س‪C‬وريا‪ ،‬ط‪ ،2011 ،1‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪135‬‬
‫‪40‬‬
‫القدمية عن س ‪CC‬لوك املك ‪CC‬ان والزم ‪CC‬ان يف أعظم األبع ‪CC‬اد وأكربه ‪CC‬ا‪ .‬واس ‪CC‬تطاعت‪ C‬أن تق ‪CC‬رتح أجوبة‬
‫ك‪C‬ان يف اإلمك‪C‬ان‪ C‬التحقق منها من طريق املراقب‪C‬ة"‪ 1‬وعلى ه‪C‬ذا ف‪C‬إن هندسة " إقلي‪C‬دس" ال ميكن‬
‫تطبيقها إال على من‪CC‬اطق ص‪CC‬غرية احلجم يف الفض‪CC‬اء‪ ،‬أما على النط‪CC‬اق الواسع فرمبا ك‪CC‬ان الفض‪CC‬اء‬
‫ت‪CC‬ركيب خمتلف متاما عن ذلك ال‪CC‬ذي نلحظه مباش‪CC‬رة‪ .‬فه‪CC‬ذه النظرية تث‪CC‬وير ملفهومنا‪ C‬عن املك‪CC‬ان‪C‬‬
‫والزمان وذلك بإثبات أنه حيدث هلما اعوجاج وتشويه لثقل قوة اجلاذبية‪.‬‬
‫ومل تب‪CC‬دأ النظري‪CC‬ة النس‪CC‬بية‪ C‬العام‪CC‬ة مبالحظ‪CC‬ات وجتارب‪ ،‬وإمنا ب‪CC‬دأت مبجموع‪CC‬ة ف‪CC‬روض يف ص‪CC‬يغة‬
‫رياض‪CC‬ية‪ ،‬ميكن أن تش‪CC‬تق منه‪CC‬ا بطري‪CC‬ق غ‪CC‬ري مباش‪CC‬ر وق‪CC‬ائع تقب‪CC‬ل املالحظ‪CC‬ة بفض‪CC‬ل ب‪CC‬راهني رياض‪CC‬ية‬
‫معين‪CC‬ة‪ .‬وبالت‪C‬ايل فالنظري‪CC‬ة النس‪CC‬بية العام‪CC‬ة ترس‪CC‬م ص‪C‬ورة خيالي‪CC‬ة للك‪C‬ون ل‪CC‬ذلك نس‪C‬تطيع أن نعتربه‪CC‬ا‬
‫نظري‪CC‬ة علمي‪CC‬ة تق‪CC‬دم تص‪CC‬ورا جدي‪CC‬دا للم‪CC‬ادة‪ ،‬كم‪CC‬ا أهنا تق‪CC‬دم تفس‪CC‬ريا جدي‪CC‬دا حلرك‪CC‬ات األجس‪CC‬ام‬
‫وجاذبيتها‪ ،‬وفروضا جديدة عن نشأة الكون‪C.‬‬

‫‪ /2‬ميكانيكا الكم‬

‫ميكانيكا الكم هي جمموعة من النظري‪CC C C‬ات الفيزيائية‪ C‬اليت ظه‪CC C C‬رت يف الق‪CC C C‬رن العش‪CC C C‬رين‪،‬‬
‫وذلك لتفسري الظ ‪CC‬واهر على مس ‪CC‬توى ال ‪CC‬ذرة واجلس ‪CC‬يمات دون الذرية وقد دجمت بني اخلاص ‪CC‬ية‬
‫اجلس‪CC‬يمية واخلاص‪CC‬ية املوجية ليظهر مص‪CC‬طلح ازدواجية املوجة واجلس‪CC‬يم‪ .‬وهبذا تص‪CC‬بح ميكانيكا‪C‬‬
‫الكم مسؤولة عن التفسري الفيزيائي‪ C‬على املستوى‪ C‬ال‪CC‬ذري كما أهنا تطبق أيض‪C‬اً على امليكانيكا‬
‫الكالس‪CC C C C C‬يكية‪ C‬ولكن ال يظهر تأثريها‪ C‬على ه‪CC C C C C‬ذا املس‪CC C C C C‬توى « فقد وجد أنه من املمكن بن ‪CC C C‬اء‬
‫مشروع جديد يعرف مبيكانيكا الكم‪ ،‬أكثر مناسبة لوصف الظواهر يف املدى ال‪CC‬ذري ويك‪CC‬ون‬
‫يف بعض جوانبه أشد أناقة وأك‪CC C‬ثر قب ‪C C‬واًل من املش‪CC C‬روع التقلي‪CC C‬دي‪ .‬وترجع ه‪CC C‬ذه اإلمكانية إىل‬

‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪137‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪41‬‬
‫التغي‪CC C‬ريات‪ C‬اليت يتض‪CC C‬منها املش‪CC C‬روع اجلديد ذات خص‪CC C‬ائص عميقة وال تتع‪CC C‬ارض مع املالمح يف‬
‫املش‪CC‬روع التقلي‪CC‬دي اليت جتعله ش‪CC‬ديد اجلاذبي‪CC‬ة‪ ،‬ونتيجة ل‪CC‬ذلك ف‪CC‬إن ه‪CC‬ذه املالمح ميكن تض‪CC‬مينها‬
‫يف املشروع اجلديد »‪ 1‬لذلك ميكانيكا الكم هي تعميم للفيزياء الكالسيكية‪. C‬‬
‫وتسميتها مبيكانيك‪C‬ا الكم يع‪C‬ود إىل أمهيّ‪C‬ة الكم يف بنائه‪C‬ا وه‪C‬و المص‪C‬طلح الفيزي‪C‬ائي ال‪C‬ذي‬
‫كمي‪C‬ة من الطاق‪C‬ة ميكن تبادهلا بني اجلس‪C‬يمات‪ ،‬ويس‪C‬تخدم لإلش‪C‬ارة إىل‬
‫يس‪C‬تخدم لوص‪C‬ف أص‪C‬غر ّ‬
‫كميات الطاقة احملددة اليت تنبعث بشكل متقطع وليس بشكل مستمر‪ .‬وكثريا ما يستخدم‬

‫مصطلح فيزي‪C‬اء الكم والنظري‪C‬ة الكمي‪C‬ة كمرادف‪CC‬ات مليكانيك‪CC‬ا الكم‪ ،‬يف حني البعض اآلخر‬
‫يستخدم مصطلح ميكانيكا‪ C‬الكم لإلشارة إىل ميكانيكا الكم غري النسبية‪C.‬‬
‫أما عن ب ‪CC C‬دايات نظرية الكم فك ‪CC C‬انت مع الق ‪CC C‬رن العش ‪CC C‬رين‪ ،‬يف ت ‪CC C‬زامن مع نظرية النس‪CC C‬بية‪C‬‬
‫حيث «ك ‪CC‬ان الفيزي ‪CC‬ائيون‪ C‬مقتنعني ب ‪CC‬أن مثة نظرية جدي ‪CC‬دة تنط ‪CC‬وي يف ثنايا مس ‪CC‬لماهتا وقوانينه‪C C‬ا‬
‫اخلاصة والبد من إظهاره ‪CC‬ا‪ ،‬ولكن ما من أحد ك ‪CC‬ان يع ‪CC‬رف كيف يبين ه ‪CC‬ذه النظرية قبل ع ‪CC‬ام‬
‫‪ 1924‬أي عن‪CC C‬دما ب‪CC C‬دأ ل‪CC C‬وي دوب‪CC C‬روي ثورت‪CC C‬ه‪ ،‬ولكن املنح‪CC C‬ىى ال‪CC C‬ذي جيب أن يسري فيه املرء‬
‫لكي يتوصل إىل ه‪CC‬ذه النظرية ك‪CC‬ان قد أش‪CC‬ار إليه س‪CC‬ابقا أينش‪CC‬تاين يف ع‪CC‬ام ‪ 1909‬عن‪CC‬دما أثبت‬
‫أن لإلش‪CC C C C‬عاع احلراري داخل ج‪CC C C C‬وف (أو ف‪CC C C C‬رن) خاصة جس‪CC C C C‬يمية وأخ‪CC C C C‬رى موجية يف وقت‬
‫‪2‬‬
‫واح ‪CC C‬د‪ ،‬وأن ه‪CC C‬ذين ال ‪CC C‬وجهني حيدثان متواك ‪CC C‬بني فال ميكن ألح‪CC C‬دمها أن ينفصل عن اآلخ‪CC C‬ر»‬
‫وق ‪CC C C‬دم حل إلش ‪CC C C‬كاليات مل تس‪CC C C‬تطع الفيزي ‪CC C C‬اء الكالس ‪CC C C‬يكية‪ C‬تفس‪CC C C‬ريها‪ ،‬وميكن تلخيص ه ‪CC C‬ذه‬
‫اإلشكاليات‪ C‬فيما يلي‪:‬‬
‫‪ /1‬ع ‪CC‬دم التناسق بني التص ‪CC‬ور املوض‪CC C‬وع حينها لش ‪CC‬كل ال ‪CC‬ذرة‪ ،‬حيث ك‪CC C‬ان يتم اعتبارها‬

‫ب‪CC C‬ول دي‪CC C‬راك‪ ،‬مب‪CC C‬ادئ ميكانيكا الكم‪ ،‬ت‪CC C‬ر‪ :‬حممد أمحد العقر وعبد الش ‪CC‬ايف فهمي عب ‪CC‬ادة‪ ،‬كلم ‪CC‬ات عربية للرتمجة‬ ‫‪1‬‬

‫والنشر االمارات العربية املتحدة‪ ،‬ط‪ ،2010 ،1‬ص‪17‬‬


‫لويد م‪CC C‬تز وجيفرس‪CC C‬ون هني ويغ‪CC C‬ر‪ ،‬قصة الفيزي‪CC C‬اء‪ ،‬ت‪CC C‬ر‪ :‬ط‪CC C‬اهر ترب ‪CC‬دار ووائل األتاس ‪CC‬ي‪ ،‬دار طالس للدراس‪CC C‬ات‬ ‫‪2‬‬

‫والرتمجة والنشر ط‪ ،2‬دمشق‪ 1999 ،‬ص ‪285‬‬


‫‪42‬‬
‫كمجموعتنا الشمس‪CC C C‬ية بتمركز الن‪CC C C‬واة يف الوسط ودوران اإللكرتون‪CC C C‬ات حوهلا ألن « تش ‪CC C‬بيه‬
‫الذرات مبنظوم‪CC‬ات مشس‪C‬ية (كوكبي‪C‬ة)‪ C‬مص‪CC‬غرة‪ ،‬أو معاملتها على ه‪C‬ذا النح‪C‬و‪ ،‬فهي فك‪CC‬رة مغرية‬
‫فعال ملا فيها من داللة على وح‪CC C‬دة التص‪CC C‬ميم يف الطبيعة من الع ‪CC C‬امل الواسع إىل الع ‪CC C‬امل الص ‪CC C‬غري‬
‫جدا‪.‬‬
‫إال أن هذا التماثل والبساطة الظاهريني كانا خ‪C‬داعني»‪ 1‬حيث إنه وبإغف‪CC‬ال الش‪CC‬حنات‬
‫الكهربائية‪ C‬اليت تتح ‪CC‬ول نتيجة ال ‪CC‬دوران الس ‪CC‬ريع لإللكرتون ‪CC‬ات‪ C‬إىل طاقة كهرومغناطيس ‪CC‬ية‪ C‬تب ‪CC‬دد‬
‫طاقة اإللكرتون ‪CC‬ات مما جيعله ‪CC‬ا تص ‪CC‬طدم ب ‪CC‬النواة يف ج ‪CC‬زء من الثاني ‪C‬ة‪ C‬لنف ‪CC‬اذ طاقته ‪CC‬ا مما ي ‪CC‬ؤدي إىل‬
‫اهني‪CC‬ار ال‪CC‬ذرة‪ ،‬وه‪CC‬ذا غ‪CC‬ري واقعي ل‪CC‬ذا ج‪CC‬اءت احلاج‪CC‬ة لنظري‪CC‬ة جدي‪CC‬دة تعطي منودج‪CC‬ا آخ‪CC‬ر لتك‪CC‬وين‬
‫الذرة‪.‬‬

‫‪ /2‬تعترب النظرية الكالسيكية‪ C‬أيضاً أن ألوان الطيف الذري جيب أن تغطي مجيع األط‪CC‬وال‪C‬‬
‫املوجي‪CC‬ة بنفس الش‪CC‬دة‪ ،‬لكن الح‪CC‬ظ الفيزي‪CC‬ائيون‪ C‬أن النت‪CC‬ائج التجريبي‪CC‬ة تن‪CC‬اقض ذل‪CC‬ك بش‪CC‬دة حيث‬
‫تصدر الذرات املختلفة أطيافاً(موجات ضوئية)هلا أطوال موجية خاصة وحمددة جداً‪.‬‬

‫‪ /3‬تنش‪CC‬أ مش‪CC‬كلة أخ‪CC‬رى عن‪CC‬دما نتأم‪CC‬ل إش‪CC‬كالية اجلس‪CC‬م األس‪CC‬ود "وه‪CC‬و جس‪CC‬م ميتص كام‪CC‬ل‬
‫اإلش‪CC C‬عاع الس ‪CC‬اقط علي ‪CC‬ه ليعي‪CC C‬د إص ‪CC‬داره بالكام‪CC C‬ل م‪CC C‬رة آخ ‪CC‬رى" حيث فش ‪CC‬لت ك‪CC C‬ل احملاوالت‬
‫املستندة‪ C‬إىل الفيزياء التقليدية يف تفسري منحىن إش‪C‬عاع اجلس‪C‬م األس‪C‬ود خصوص‪C‬اً عن‪C‬د ال‪C‬رتددات‬
‫العالي ‪CC‬ة وه ‪CC‬ذا م ‪CC‬ا ع ‪CC‬رف الحق ‪C‬اً باس ‪CC‬م الكارث ‪CC‬ة ف ‪CC‬وق البنفس ‪CC‬جية وهبذا ظه ‪CC‬ر للعلم ‪CC‬اء أن ق ‪CC‬وانني‬
‫الديناميكا احلرارية أصبحت عاجزة عن تفسري هذه الظاهرة ‪.‬‬
‫وميكن الق‪CC C‬ول أن نظرية الك‪CC C‬وانتم‪ C‬هي حص‪CC C‬يلة ألفك‪CC C‬ار جمموعة من العلم‪CC C‬اء أوهلم م ‪CC‬اكس‬
‫بالنك إذ « مل يظهر إىل الوج‪CC‬ود قبل بالنك مفه‪CC‬وم أن الطاقة ت‪CC‬أيت على هيئة قطع أو كم‪CC‬ات‬

‫‪. 274‬‬ ‫املرجع السابق‪ ،‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪43‬‬
‫‪ quanta‬ب ‪CC‬دال من أن يك ‪CC‬ون‪ C‬من املمكن تناوهلا بأية مق ‪CC‬دار نش ‪CC‬اء‪ ،‬بل ومل تكن هن ‪CC‬اك أية‬
‫خربات يف التعامل مع نظم ميكانيكية‪ C‬من ش‪CC‬أهنا إث‪C‬ارة أية أس‪CC‬باب للشك يف ه‪CC‬ذا »‪ 1‬مث س‪CC‬اهم‬
‫ك‪CC‬ل واح‪CC‬د منهم بق‪CC‬در يف حماول‪CC‬ة اخلروج عن املألوف‪ C‬وص‪CC‬ياغة مب‪CC‬ادئ تأسس ‪C‬ت‪ C‬عليه‪CC‬ا نظري‪CC‬ة‬
‫من أهم النظريات العلمية يف القرن العشرين‪.‬‬

‫‪ /1‬ماكس بالنك‪ C‬ونظرية‪ C‬الكم‬

‫كانت الفكرة السائدة يف الفيزياء الكالسيكية عن انبعاث‪ C‬الطاقة ح‪CC‬ىت ‪ 1900‬أهنا تنتج‬
‫بشكل متصل من داخل الذرة‪ .‬وتفرتض أن ال‪C‬ذرات واجلزيئ‪C‬ات ميكنه‪C‬ا أن متتص أو تبعث أي‬
‫كمية من الطاقة‪ .‬إال أن الفيزيائي‪ C‬األملاين ماكس بالنك قدم تفسريا راديكاليا حول ما يعرف‬
‫بإش ‪CC‬عاع اجلسم األس ‪CC‬ود‪ .‬وق ‪CC‬رر ب ‪CC‬أن‪ C‬ال ‪CC‬ذرات ال تتح ‪CC‬رك بش ‪CC‬كل متصل بل تتح ‪CC‬رك بكمي ‪CC‬ات‬
‫حمددة فقط خالفا لالعتق‪CC C C‬اد الس‪CC C C‬ائد يف ميكانيكا ني‪CC C C‬وتن‪ .‬وص‪CC C C‬يغ التفسري يف نظرية ع‪CC C C‬رفت‬
‫بنظرية الكم واليت تنص على « وج ‪CC‬ود كمي ‪CC‬ات ص ‪CC‬غرية ج ‪CC‬دا من الطاقة غري قابلة لالنقس ‪CC‬ام‪.‬‬
‫أي أنه ال بد من إض ‪CC C C‬فاء هيكلة ذرية على اإلش ‪CC C C‬عاع‪ C‬على غ ‪CC C C‬رار املادة وب ‪CC C C‬ذلك تنتفي‪ C‬ص ‪CC C‬فة‬
‫التواصل يف إص‪CC‬دار ال‪CC‬ذرة لإلش‪CC‬عاع الض‪CC‬وئي فتشع على قف‪CC‬زات فجائية يف ش‪CC‬كل كمية طاق‪CC‬ة‪.‬‬
‫وك‪CC‬ذلك األمر بالنس‪CC‬بة لالمتص‪CC‬اص‪ C‬فهو أيضا حيصل بطريقة غري متواص‪CC‬لة من حيث إن الطاقة‬

‫فري ‪CC‬ديك ب ‪CC‬وش‪ ،‬ودايفيد ج ‪CC‬ريد‪ ،‬أساس ‪CC‬يات الفيزي ‪CC‬اء‪ ،‬ج‪ ،5‬الفيزي ‪CC‬اء احلديث ‪CC‬ة‪ ،‬ت ‪CC‬ر‪ :‬س ‪CC‬عيد اجلزي ‪CC‬ري وحممد أمني‬ ‫‪1‬‬

‫سليمان‪ ،‬الدار الدولية لالستثمارات الثقافية‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ، ،1‬د‪.‬س‪ ،‬ص ‪1005‬‬
‫‪44‬‬
‫املش ‪CC C‬عة متر فج ‪CC C‬أة من الفض ‪CC C‬اء إىل ال ‪CC C‬ذرة »‪ 1‬فالطاقة تنبعث على ش ‪CC C‬كل كمي ‪CC C‬ات أو دفع‪CC C‬ات‬
‫صغرية متتالية‪ C‬تتوقف على مقدار اهتزاز اجلسيمات اليت تنتجها‪ ،‬وانبعاث‪ C‬الطاقة يتم بكمي‪C‬ات‬
‫حمددة‪ ،‬وأطلق بالنك على ه ‪CC C C C‬ذه القطع الص ‪CC C C C‬غرية من الطاقة اسم كم ‪CC C C C‬ات ‪ quantum‬وتعين‬
‫أصغر كمية من الطاقة ميكن أن تبعثها أو متتصها املادة بصورة إشعاع كهرومغناطيسي‪C.‬‬
‫مث وضع املعادلة اليت تعطي طاقة الإش‪CC C‬عاع الكهرومغناطيس‪CC C‬ي حس‪CC C‬ب الق‪CC C‬انون‪ C‬اآليت‪:‬‬
‫(الكمية الواحدة = ثابت بالنك × تردد اجلسيم)‪.‬‬
‫وتعترب ه‪CC‬ذه النظرية نتاجا لتجربة تس‪CC‬مى جتربة اجلسم األس‪CC‬ود‪ ،‬واليت ق‪CC‬ام هبا " بالن‪CC‬ك"‬
‫عن طريق تس‪CC C‬خني جسم أس‪CC C‬ود جموف‪ .‬الحظ أثن‪CC C‬اء القي‪CC C‬ام‪ C‬هبذه العملية انبع‪CC C‬اث إش‪CC C‬عاعات‬
‫ضوئية‬

‫موج‪CC C C‬ات كهرومغناطيس‪CC C C‬ية من اجلس‪CC C C‬م‪ ،‬اف‪CC C C‬رتض أهنا نتيجة حركية إلكرتون‪CC C C‬ات ذرات‬
‫اجلسم األس ‪CC‬ود‪ .‬لكن ‪C‬ه وجد أن املنحىن الط‪CC‬اقي للموج‪CC‬ات ليس متص‪CC‬ال‪ .‬وع ‪CC‬زا ذلك إىل ك ‪CC‬ون‬
‫إلكرتون ‪CC C‬ات‪ C‬ال ‪CC C‬ذرات ال حتتل س ‪CC C‬وى مس ‪CC C‬تويات طاقية معينة‪ C‬وليس كله ‪CC C‬ا‪ .‬الش ‪CC C‬يء ال ‪CC C‬ذي مل‬
‫تستطع امليكانيك الكالسيكية‪ C‬تفسريه‪ .‬حيث كانت تفرتض أن الذرات واجلزيئ‪CC‬ات ميكنها أن‬
‫متتص أو تبعث أي كمية من الطاق ‪CC‬ة‪ .‬وب ‪CC‬ذلك اق ‪CC‬رتح بالنك تفس ‪CC‬ريا مغ ‪CC‬ايرا متاما ي ‪CC‬رى « ب ‪CC‬أن‬
‫اإلشعاع‪ C‬ينبعث‪ ،‬ال على ش‪CC‬كل تي‪CC‬ار متص‪CC‬ل‪ ،‬وإمنا على ش‪CC‬كل دفق‪CC‬ات منفص‪CC‬لة‪ ،‬ميثل كل منها‬
‫جزءا ال يتجزأ من الطاقة »‪. 2‬‬
‫فالت ‪CC‬دفقات قيم متقطعة وليست متص ‪CC‬لة كما ك ‪CC‬انت الفيزي ‪CC‬اء من قب ‪CC‬ل‪ .‬إن الع ‪CC‬امل ال ‪CC‬ذري‬
‫متقطع يف كل شيء يف املوقع‪ ،‬الطاقة‪ ،‬الشحنة‪ ،‬الدوران املغزيل‪..‬اخل‪ .‬إن امتصاص أو انبعاث‬
‫‪quantum‬‬ ‫الطاقة حسب بالنك جيب أن يتم بكمي ‪CC C C C C C‬ات حمددة فقط من الطاقة أو كم ‪CC C C C C C‬ات‬

‫أرتور مارش‪ ،‬التفكري اجلديد يف الفيزياء احلديثة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪85‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص‪CC‬الح حمم ‪CC‬ود عثم‪CC‬ان حمم ‪CC‬د‪ ،‬مش ‪CC‬كلة االتص ‪CC‬ال والالتن‪CC‬اهي بني العلم والفلس ‪CC‬فة‪ ،‬منش‪CC‬أة املع ‪CC‬ارف‪ ،‬مص‪CC‬ر‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 2000‬ص ‪222‬‬

‫‪45‬‬
‫وهي أص ‪CC C C C C C C C C C C‬غر كمية من الطاقة ميكن أن تبعثها‪ C‬أو متتص ‪CC C C C C C C C C C C‬ها املادة بص ‪CC C C C C C C C C C C‬ورة إش‪CC C C C C C C C‬عاع‬
‫كهرومغناطيسي‪ .‬وصاغ معادلة طاقة الإشعاع الكهرومغناطيسي كمايلي‪:‬‬
‫‪E = hν‬‬
‫حيث ‪ h‬ثابت بالنك‪ ν ،‬هو تردد اإلشعاع‪ C‬وتبلغ قيمة ثابت بالنك ‪:‬‬
‫‪j.s‬‬ ‫‪34 ‬‬
‫‪10  6.63‬‬
‫حيث ‪ν = c/λ‬‬
‫‪E = h c/λ‬‬ ‫وبذلك تصبح معادلة بالنك على الصورة‬
‫ومن القيم اليت أفرزهتا نظرية الكم‪ ،‬أن الطاقة جيب أن تبعث دائما على هيئة مض‪CC C C C C C C C C C C C‬اعفات‬
‫ص ‪CC‬حيحة للقيمة ‪ hν‬مبعىن أن املض ‪CC‬اعفات املس ‪CC‬موحة هي ‪ ، 2hν ، 3hν 4hν‬وهك ‪CC‬ذا‪.‬‬
‫ولكن القيمة ‪ 1.55hν‬أو القيمة ‪ 4.92hν‬غري مسموحتان‪.‬‬

‫ورغم جناح هذا التفسري إال أن بالنك مل يكن قادرا على إعط‪CC‬اء الس‪CC‬بب‪ C‬ال‪CC‬ذي جيعل الطاقة‬
‫تبعث‪ C‬على ش‪CC C C C C‬كل كم‪C C C C C C‬ات‪ .‬حيث « ك‪CC C C C C‬انت فكرته عن الكم من اجلدة حبيث مل يكن من‬
‫املس‪CC C C C C‬تطاع تكييفها داخل اهليكل التقلي‪CC C C C C‬دي للفيزياء‪ ،‬ورغم حماوالته املتتالية ملص‪CC C C C C‬احلة ه ‪CC C C‬ذه‬
‫الفك‪CC‬رة مع الق‪CC‬وانني األق‪CC‬دم لإلش‪CC‬عاع‪ ،‬إال أهنا ك‪CC‬انت تطل برأس‪CC‬ها يف كل م‪CC‬رة معلنة ج‪CC‬دارهتا‬
‫‪1‬‬
‫ب ‪CC‬التبين وهك ‪CC‬ذا عاشت فك ‪CC‬رة الكم بال اس ‪CC‬تقرار ملدة مخس س ‪CC‬نوات‪ ،‬تنتظر ال ‪CC‬دعم والتأييد‪» C‬‬
‫ورغم ال ‪CC‬رتدد واالنتظ ‪CC‬ار الل ‪CC‬ذان طبعا ظه ‪CC‬ور ه ‪CC‬ذه النظرية إال أهنا القت جناحا كب ‪CC‬ريا يف تفسري‬
‫نت ‪CC‬ائج جتريبية‪ .C‬إذ اس ‪CC‬تخدمها اينشتاين حلل مش ‪CC‬كلة أخ ‪CC‬رى ك ‪CC‬انت تواجه علم ‪CC‬اء الفيزي ‪CC‬اء يف‬
‫تلك األيام‪ ،‬وهي الظاهرة الكهروضوئية ‪.‬‬

‫‪ /2‬اينشتاين‪ C‬ونظرية‪ C‬التأثري الكهروضوئي‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪223‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪46‬‬
‫يف ع‪CC C C‬ام ‪ 1905‬اس‪CC C C‬تخدم أل‪CC C C‬ربت أينشتاين نظرية بالنك يف الكم حلل مش‪CC C C‬كلة ك ‪CC C‬انت‬
‫تواجه علماء الفيزي‪CC‬اء آن‪CC‬ذاك وهي ظ‪CC‬اهرة « األثر الكهروض‪CC‬وئي‪ ،C‬وهو انبع‪CC‬اث إلكرتونا‪C‬ت من‬
‫مع‪CC C‬ادن حتت ت‪CC C‬أثري الضوء‪ .‬فالتج‪CC C‬ارب اليت ك‪CC C‬ان لين‪CC C‬ارد أجراها بدقة فائقة أظه‪CC C‬رت أن طاقة‬
‫اإللكرتون‪C‬ات املنبعثة‪ C‬ليست وقفا على ش‪C‬دة الضوء ‪ ،‬بل هي وقف على الل‪C‬ون فق‪C‬ط‪ ،‬أو بتعبري‬
‫أدق‪ ،‬هي على تردد الضوء أو الطول املوجي للضوء ومل يكن يف اإلمكان‪ C‬تفسري ه‪C‬ذا اس‪C‬تنادا‬
‫إىل نظرية اإلش‪CC C‬عاع‪ C‬الس‪CC C‬ابقة »‪ 2‬ف ‪C C‬املفعول الكهروض‪CC C‬وئي‪ C‬هو حترير اإللكرتون‪CC C‬ات من ط ‪CC‬رف‬
‫مادة ما‪ ،‬وعادة ما تكون معدنية عندما يُس‪CC‬لط عليها ش‪CC‬عاع كهرومغنطيسي‪ C‬أو ش‪CC‬عاع ض‪CC‬وئي‬
‫عال‪ ،‬وذلك حسب كل مادة‪ .‬ويكون انبع‪CC‬اث‪ C‬اإللكرتون‪CC‬ات نتيجة امتصاص‪CC‬ها لطاقة‬‫ذو تردد ٍ‬
‫الضوء‪.‬‬

‫الحظ العلم‪CC‬اء أن اإللكرتون‪CC‬ات تتح‪CC‬رر فقط إذا ك‪CC‬ان ت‪CC‬ردد الض‪CC‬وء عاليا مبا فيه الكفاي‪CC‬ة‪C،‬‬
‫ويتجاوز قيمة حمددة تسمى العتبة‪ .‬هذه القيمة القصوى لل‪CC‬رتدد أو العتبة ختتلف من مع‪CC‬دن إىل‬
‫آخ‪C C C C‬ر‪ ،‬وترتبط مباش‪CC C C C‬رة بطاقة الربط لإللكرتون‪CC C C C‬ات‪ C‬احلرة‪ .‬ه‪CC C C C‬ذه الظ‪CC C C C‬اهرة ال ميكن أن تفسر‬
‫باالعتق‪CC‬اد ال‪CC‬ذي ك‪CC‬ان س‪CC‬ائدا حينها ح‪CC‬ول طبيعة الض‪CC‬وء‪ ،‬بكون ‪C‬ه موج‪CC‬ة‪ ،‬وإذا ما اعتربنا‪ C‬الض‪CC‬وء‬
‫موجة‪ ،‬ونزيد من كثافته نكون‪ C‬قد منحنا اإللكرتونات طاقة كافية لكي تتحرر‪ .‬لكن التجربة‬
‫تؤكد أيضا أن كثافة الض‪CC C C‬وء ليست العامل الوحيد النبع‪CC C C‬اث اإللكرتون‪CC C C‬ات كما أن انتق‪CC C C‬ال‬
‫الطاقة بني الض‪CC‬وء واإللكرتون‪CC‬ات‪ C‬ال يتم إال عند ت‪CC‬ردد معني وهو م‪CC‬أزق أوقع العلماء يف ح‪CC‬رية‬
‫‪.‬‬
‫ق‪CC‬دم انش‪CC‬تاين تفس‪CC‬رياً مقب‪CC‬والً مس‪CC‬تفيداً يف ذلك من أفك‪CC‬ار بالنك واق‪CC‬رتح « فرض‪CC‬ية جدي‪CC‬دة‬
‫اعترب فيها أن كم ‪CC C C C C C C‬ات طاقة االه ‪CC C C C C C C‬زاز مرتبطة ارتباطا وثيقا بتلك احلقيقة‪ C‬اليت تنص على أن‬
‫اإلش ‪CC‬عاع الكهرطيسي نفسه يت ‪CC‬ألف من جس ‪CC‬يمات منفص ‪CC‬لة عن بعض ‪CC‬ها البعض‪ C‬هي فوتون ‪CC‬ات‬

‫فرينر هايزينبريغ‪ ،‬الفيزياء والفلسفة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪19‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪47‬‬
‫حتمل الطاقة‬
‫وطبقا لفرض‪CC C‬ية أينش‪CC C‬تاين‪ C‬ميكن تص‪CC C‬ور اجملال الكهرطيسي كجملة من اجلس‪CC C‬يمات»‪ 1‬فحسب‬
‫مكن متاما من تفسري مجيع خاص ‪CC C‬يات ه ‪CC C‬ذه الظ ‪CC C‬اهرة‪ .‬إن‬
‫تق ‪CC C‬ديره امتص ‪CC C‬اص فوت ‪CC C‬ون واحد ُي ّ‬
‫فوتونات املصدر الض‪CC‬وئي‪ C‬متتلك طاقة مميزة حمددة ب‪CC‬رتدد الض‪CC‬وء‪ .‬فعن‪CC‬دما ميتص إلك‪CC‬رتون‪ C‬واحد‬
‫فوتونا واحدا‪ ،‬حبيث تكون طاقة هذا األخري كافية‪ ،‬فإن اإللكرتون‪ C‬يتحرر‪.‬‬
‫أما إذا ك‪CC‬انت طاقة الفوت‪CC‬ون‪ C‬غري كافية لتحرير اإللك‪CC‬رتون فإنه ال يغ‪CC‬ادر املادة‪ .‬أما الكثافة‬
‫فهي مرتبطة فقط بع ‪CC‬دد الفوتون ‪CC‬ات ال بطاقاهتا‪ .‬ومنه ف ‪CC‬إن طاقة اإللكرتون ‪CC‬ات احملررة ال ترتبط‬
‫بكثافة املص ‪CC C C‬در الض ‪CC C C‬وئي‪ C.‬وعلى ض ‪CC C C‬وء نظرية بالنك الكمومية‪ C‬أعطى اينشتاين لكل فوت ‪CC C‬ون‬
‫طاقة تعطى مبعادلة بالنك‪E = hν :‬‬
‫حيث ‪ ν‬هي تردد الضوء‪.‬‬
‫إن النت‪CC‬ائج ال‪CC‬يت توص‪CC‬ل إليه‪CC‬ا إنش‪CC‬تاين اس‪CC‬تخدم معها النت‪CC‬ائج والعالق‪CC‬ات الرياض‪CC‬ية ال‪CC‬يت توص‪CC‬ل‬
‫إليها‬

‫م ‪CC‬اكس بالن ‪CC‬ك لق ‪CC‬د « ك ‪CC‬انت تقطع ‪CC‬ات بالن ‪CC‬ك‪ ،‬حتت‪CC‬ل مكان ‪CC‬ة الص‪CC‬دارة عن ‪CC‬ده‪ .‬وق ‪CC‬د ادعى أن‬
‫س‪CC‬بب التقط‪CC‬ع يف إص‪CC‬دار احلرارة والضوء وامتصاص‪CC‬هما ال يكمن يف القط‪CC‬ع املادي‪CC‬ة امله‪CC‬تزة ال‪CC‬يت‬
‫تصدر الضوء واحلرارة بل يف طبيعة‪ C‬الطاقة الضوئية واحلرارية نفسها‪ .‬وشعر بطريقة ما‪ ،‬ورغم‬
‫م‪CC C C‬ا أحرزت‪CC C C‬ه النظري‪CC C C‬ة املوجي‪CC C C‬ة يف الضوء من جناح‪ ،‬أن الضوء ليس مص‪CC C C‬نوعا‪ C‬يف األس ‪CC C‬اس من‬
‫أمواج وهو ال يظهر كأمواج إال إذا رصد يف أثناء فرتات زمنية طويلة‪.‬‬
‫لكن إذا أمكن جتميد اللحظة وإيقاف املوجات الضوئية عن متابعة سريها ملدة كافي‪CC‬ة لَ‪CُC‬رؤي‬
‫أن هذه املوجات مصنوعة من حبيبات ض‪C‬وئية ص‪CC‬غرية »‪ 2‬فمع إنش‪C‬تاين الض‪CC‬وء هو عب‪CC‬ارة عن‬
‫سوكولوف وآخرون‪ ،‬امليكانيكا الكوانتية‪ ،‬تر‪ :‬حسن سلمان‪ ،‬دار مري‪ ،‬موسكو‪،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬س‪ ،‬ص ‪10‬‬ ‫‪1‬‬

‫فريد آالن وولف‪ ،‬مع القف‪CC‬زة الكمومي‪CC‬ة‪ ،‬ت‪CC‬ر‪:‬أدهم الس‪CC‬مان‪، ،‬طالس للدراس‪CC‬ات والنش‪CC‬ر‪ ،‬دمش‪CC‬ق‪ ،‬ط ‪2002 ،2‬‬ ‫‪2‬‬

‫ص ‪66‬‬
‫‪48‬‬
‫حبيبات طاقية تسمى فوتونات يف نظرية تسمى التأثري الكهروضوئي‪ C،‬ترى أ ّن األش‪C‬عة بش‪C‬كل‬
‫"كم‪CC‬ات" الطاق ‪CC‬ة‪ ،‬أو س ‪CC‬يل من "ح ‪CC‬زم" طاقة ص ‪CC‬غرية تت ‪CC‬واىل الواحد تلو‬
‫ع ‪CC‬ام إمنا هي س ‪CC‬يل من ّ‬
‫كم ‪ C‬اً من الطاقة مق ‪CC‬داره ‪ .hν‬وعليه ف ‪CC‬إ ّن طاقة‬
‫اآلخ ‪CC‬ر‪ ،‬ك ‪Cّ C‬ل "حزم ‪CC‬ة" من ه ‪CC‬ذه "احلزم" حيمل ّ‬
‫الفوتون الواحد هي ‪ .E= hν‬وبناءً على هذا التصور لألشعة فإ ّن ش‪ّ C‬دة الض‪C‬وء تك‪CC‬ون ع‪CC‬دد‬
‫متر خالل سم‪ ..2‬وه‪C‬ذا ما مكن ص‪C‬احب‬
‫الفوتونات املنبعثة‪ C‬من املصدر يف الثانية الواحدة واليت ّ‬
‫‪.1921‬‬ ‫نظرية النسبية‪ C‬من الظفر جبائزة نوبل للفيزياء سنة‬

‫‪ /3‬نظرية بور لذرة اهليدروجني‬

‫بع‪CC‬د جناح تفس‪CC‬ري أينشتاين للظ‪CC‬اهرة الكهروض‪CC‬وئية‪ C‬انفتح الطري‪CC‬ق أم‪CC‬ام ح‪CC‬ل مش‪CC‬كلة أخ‪CC‬رى هي‬
‫من أهم املش ‪CC‬كالت‪ C‬ال ‪CC‬يت واجهت الفيزي ‪CC‬ائني يف الق ‪CC‬رن التاس ‪CC‬ع عش ‪CC‬ر وع ‪CC‬رفت بظ ‪CC‬اهرة طي ‪CC‬ف‬
‫عن ‪CC‬دما ق‪CC‬ام الع ‪CC‬امل ال ‪CC‬دامنركي نيلز ب‪CC‬ور بتط‪CC‬وير‬ ‫‪1913‬‬ ‫االنبع ‪CC‬اث ال ‪CC‬ذري‪ .‬وتب ‪CC‬دأ القصة مع ع ‪CC‬ام‬
‫نظرية دجمت‬

‫أفك‪CC C C C C C C‬ار كل من بالنك واينش‪CC C C C C C C‬تاين‪ .‬وتعد نظريته أول نظرية وض‪CC C C C C C C‬عت لتفسري ال‪CC C C C C‬رتكيب‪C‬‬
‫االلك‪CC‬رتوين ل‪CC‬ذرة اهلي‪CC‬دروجني‪ .‬وس‪CC‬امهت يف تفسري طيف ه‪CC‬ذه ال‪CC‬ذرة‪ .‬ونظ‪CC‬را لبس‪CC‬اطة تركيبها‬
‫املكونة من بروت‪CC C C C‬ون واحد وإلك‪CC C C C‬رتون مت الب‪CC C C C‬دء بدراسة الض‪CC C C C‬وء املنبعث منها عند هتيجه‪CC C C‬ا‪.‬‬
‫واس‪CC‬تند ب‪CC‬ور يف أعماله على مب‪CC‬دأين أساس‪CC‬يني‪ :‬أح‪CC‬دمها مب‪CC‬دأ بالن‪CC‬ك يف كم الطاقة ال‪CC‬ذي يق‪CC‬رر‬
‫أن طاق‪CC C C C‬ة اإلش‪CC C C C‬عاع‪ C‬الكهرومغناطيس‪CC C C C‬ي املنبعث‪CC C C C‬ة من املادة هلا كمي‪CC C C C‬ات حمددة‪ .‬واآلخر مب‪CC C C‬دأ‬
‫أينش‪CC C‬تاين‪ C‬يف كم طاق‪CC C‬ة الفوت‪CC C‬ون‪ C‬ال‪CC C‬ذي ينص على أن الض‪CC C‬وء عب‪CC C‬ارة عن جس‪CC C‬يمات تس‪CC C‬مى‬
‫« انبع‪CC C‬اث طاق‪CC C‬ة االلك‪CC C‬رتون‪ C‬من داخ‪CC C‬ل ال‪CC C‬ذرة‪ ،‬الميكن أن يتم‬ ‫فوتون‪CC C‬ات‪ .‬مث اف‪CC C‬رتض أن‬

‫‪49‬‬
‫بطريق‪CC‬ة متص‪CC‬لة‪ ،‬وإمنا بطريقة منفص‪CC‬لة‪ ،‬قوامها املق‪CC‬دار( ه‪ ،‬د) املس‪CC‬اوي لطاقة الفوت‪CC‬ون‪ ،‬بعب‪CC‬ارة‬
‫أخ‪CC‬رى‪ ،‬ق‪CC‬رر ب ‪CC‬ور تكمية طاقة ال‪CC‬ذرة اقت‪CC‬داء ببالنك‪ C‬ال‪CC‬ذي كمم طاقة االش ‪CC‬عاع » ‪ 1‬واس ‪CC‬تنتج‬
‫من ذلك أن إلك‪CC C C‬رتون‪ C‬ال‪CC C C‬ذرة ميكنه أن يتواجد يف مس‪CC C C‬توى واحد فقط من مس‪CC C C‬تويات حمددة‬
‫(مكم‪CC C C C C‬اه) من الطاقة‪ ،‬وأن طاقة االلك‪CC C C C C‬رتون‪ C‬هي اليت حتدد مس‪CC C C C C‬توى تواج‪CC C C C C‬ده‪ .‬وال يتواجد‬
‫اإللك‪CC‬رتون‪ C‬أب‪CC‬دا بني املس‪CC‬تويات‪ C.‬وقد مسى ب‪CC‬ور ه‪CC‬ذه املس‪CC‬تويات‪ C‬باملدارات‪ ،‬حيث إن املدارات‬
‫املختلفة يف ال‪CC‬ذرة الواح‪CC‬دة تك‪C‬ون‪ C‬خمتلفة عن بعض‪CC‬ها يف طاقتها ويف قرهبا من الن‪C‬واة ويف س‪C‬عتها‬
‫من اإللكرتونات‪ .‬لذا يعترب املدار كأنه قشرة كروية ذات مسك متناهي الدقة وقطر حمدد‪.‬‬
‫وعمل ب‪C‬ور على ص‪C‬ياغة ه‪C‬ذه األفك‪C‬ار يف منوذج جديد مسي بنم‪C‬وذج ب‪C‬ور لل‪C‬ذرة « وك‪C‬ان‬
‫ال بد من قب ‪CC‬ول منوذج ال ‪CC‬ذرة ه ‪CC‬ذا ألنه ك ‪CC‬ان يفسر إح ‪CC‬دى املش ‪CC‬اهدات التجريبية اهلامة ج ‪CC‬دا‬
‫واليت مل يس‪CC‬تطع أي منوذج آخر أن يب‪CC‬ادر إىل تفس‪CC‬ريها‪ ،‬وهي طيف ذرة اهلي‪CC‬دروجني املرص‪CC‬ود‬
‫»‪ 2‬ومن أهم بنوده‪:‬‬
‫أوال‪ :‬توجد االلكرتونات يف مستويات متعددة داخل الذرة تسمى مستويات الطاقة‪.‬‬

‫ثاني ‪CC‬ا‪ :‬االلكرتون ‪CC‬ات ال تش ‪CC‬ع طاق ‪C‬ة وال متتص ‪CC‬ها م ‪CC‬ا دامت ت ‪CC‬دور يف املس ‪CC‬توى‪ C‬املوج ‪CC‬ودة في ‪CC‬ه وال‬
‫تغريه‪.‬‬
‫ثالث ‪CC‬ا‪ :‬ميكن أن ترتف ‪CC‬ع االلكرتون ‪CC‬ات‪ C‬إىل مس ‪CC‬تويات طاق ‪CC‬ه أعلى بامتص ‪CC‬اص‪ C‬كمي ‪CC‬ات ثابت ‪CC‬ة من‬
‫الطاق‪CC‬ة تس‪CC‬اوي الف‪CC‬رق بني ط‪CC‬اقيت املس‪CC‬تويني الل‪CC‬ذين س‪CC‬تنتقل بينهم‪CC‬ا وذل‪CC‬ك عن‪CC‬د تع‪CC‬ريض ال‪CC‬ذرة‬
‫لطاقه فتصبح الذرة مهيجة‪.‬‬
‫رابع‪CC‬ا‪ :‬عن‪CC‬دما يع‪CC‬ود االلك‪CC‬رتون‪ C‬م‪CC‬رة أخ‪CC‬رى إىل مس‪CC‬توى طاقة أقل من مس‪CC‬توى الطاقة املوج‪CC‬ود‬
‫فيه فانه يفقد ج ‪CC‬زءا حمددا من طاقته وينطلق على ش ‪CC‬كل ض ‪CC‬وء له ت ‪CC‬ردد معني يظهر يف ص ‪CC‬ورة‬

‫موريس دوكني‪ ،‬املادة وضد املادة‪ ،‬تر‪ :‬رمسيس شحاتة‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪ ،1998 ،1‬ص‪42 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫لويد متز وجيفرسون هني ويغر‪ ،‬قصة الفيزياء‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪274‬‬
‫‪2‬‬

‫‪50‬‬
‫طيف خطي وبذلك يعد كل خط طيفي‪ C‬مميزا النتق‪CC‬ال الك‪CC‬رتوين من مس‪CC‬توى إىل آخر أقل منه‬
‫طاقة‪.‬‬
‫ومل يسلم منوذج بور الذري من أوجه قصور تعرتيه‪ ،‬وه‪CC‬ذا ما جعل نظريته الي‪CC‬وم‪ C‬تنحصر‬
‫أمهيتها يف التفسري ال ‪CC‬ذي قدمه لطبيعة اخلط ‪CC‬وط الطيفية‪ ،C‬وجتاوزه لق ‪CC‬وانني ماكس ‪CC‬ويل يف حركة‬
‫الش‪CC‬حنات الكهربائية و« جعل ال‪CC‬ذرة تب‪CC‬دوا ال ك‪CC‬رتكيب دائب التغ‪CC‬ري‪ ،‬يتس‪CC‬رب منه اإلش‪CC‬عاع‬
‫كما يتس‪CC‬رب الغ‪CC‬از من الب‪CC‬الون املثق‪CC‬وب‪ C،‬بل ك‪CC‬رتكيب يطلق وميتص اإلش‪CC‬عاع‪ C‬على هيئة ح‪CC‬زم‬
‫عرب حلظ ‪CC C‬ات حمددة من ال ‪CC C‬زمن‪ ،‬وعلى ه ‪CC C‬ذا ف ‪CC C‬إن طاقة ال ‪CC C‬ذرة ال تتغري باس ‪CC C‬تمرار ولكنها تقفز‬
‫فج ‪CC‬أة عند تلك اللحظ ‪CC‬ات من قيمة ألخ ‪CC‬رى »‪ 1‬وب ‪CC‬ذلك ح ّققت نظرية ب ‪CC‬ور جناح‪C C‬اً ب ‪CC‬اهراً يف‬
‫ذرة اهليدروجني‪ ،‬إال أهنا أخفقت حماوالت بور يف تطبيقها على أطي‪CC‬اف العناصر‬
‫تفسري طيف ّ‬
‫‪C‬ذرات اليت حتت‪CC‬وي على إلك‪CC‬رتون‬
‫األخ‪CC‬رى رغم حماوالته املتك‪CC‬ررة‪ ،‬واقتص‪CC‬رت ص‪CC‬الحيتها إالّ لل‪ّ C‬‬
‫ذرة اهلي‪CC‬دروجني‪ ..‬وألمهية االكتش‪CC‬اف أكس‪CC‬بت ه‪CC‬ذه‬
‫ذرة اهلي‪CC‬دروجني وش‪CC‬بيهات ّ‬
‫واحد وهي ّ‬
‫‪.1922‬‬ ‫النظرية بور جائزة نوبل للفيزياء عام‬

‫‪ /4‬ثنائية املوجة واجلسيم أو مبدأ التتام‪.‬‬

‫بع‪CC‬دما اف‪CC‬رتض اينش‪CC‬تاين أن الض‪CC‬وء عب‪CC‬ارة عن جس‪CC‬يمات " أو كم‪CC‬ات " ومس ‪C‬ى ك‪CC‬ل جس‪CC‬يم "‬
‫كم " ب‪CC‬الفوتون وجنح يف تفس‪CC‬ري الظ‪CC‬اهرة الكهروض‪CC‬وئية‪ ،C‬ت‪CC‬رتب عن ذلك تن‪CC‬اقض وغم‪CC‬وض يف‬
‫طبيعة‪ C‬الضوء هل هو موجة أم جسيم؟‬

‫‪200-199‬‬ ‫جيمس جينز‪ ،‬الفيزياء والفلسفة‪ ،‬تر‪ :‬جعفر رجب‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬مصر‪( ،‬د‪.‬ط) ‪ ،1981‬ص‪.‬ص‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪51‬‬
‫دام هذا التناقض حىت عام ‪ 1924‬عندما تقدم العامل الفرنسي لويس دي ب‪C‬رويل “‪Louis‬‬

‫‪ . ”de Broglie‬بفكرته الثورية وهي « أن املعادلة اليت تربط بني الش‪CC‬كل اجلس‪CC‬يمي واملوجي‪C‬‬
‫لإلش‪CC‬عاع‪ ،‬جيب أن تطبق أيضا على اإللكرتون‪CC‬ات"‪ 1‬فهو يتس‪CC‬اءل ملاذا ال تتص‪CC‬رف اجلس‪CC‬يمات‬
‫بازدواجية مثلها مثل الفوتونات؟ وبناء على هذا التس‪CC‬اؤل وضع فرض‪CC‬يته املش‪CC‬هورة‪ C‬واليت تنص‬
‫على أن للجسيمات أيضا سلوكا موجيا وأن للجسيم طولا موجيا يعطي بالعالقة‪:‬‬

‫حيث إن‪ P :‬كمية حركة اجلس‪CC‬يمة‪ m ،‬كتلته‪ v ،‬س‪CC‬رعة اجلس‪CC‬يم‪ h ،‬ث‪CC‬ابت بالن‪CC‬ك‪.‬‬
‫واف ‪CC‬رتض اخلاص ‪CC‬ية الثنائي ‪C‬ة‪ C‬للم ‪CC‬ادة وفيه ‪CC‬ا أوض ‪CC‬ح أن للض ‪CC‬وء ص ‪CC‬فة مزدوج ‪CC‬ة فه ‪CC‬و يس ‪CC‬لك س ‪CC‬لوك‬
‫موجة حتت بعض الظروف‪ ،‬مما يتفق ونظرية هيجنز‪ ،‬وجسيم أو فوتون حتت ظروف أخرى‪،‬‬
‫مما يتف ‪CC‬ق م ‪CC‬ع نظري ‪CC‬ة اينش ‪CC‬تاين‪ C،‬أي أن اخلاص ‪CC‬ية الثنائي ‪C‬ة‪ C‬عن ‪CC‬د دي ب ‪CC‬رويل تتلخص يف أن اجلس ‪CC‬يم‬
‫واملوجة وجهان لعمل‪CC‬ة واح‪C‬دة‪ .‬إن املادة يمكن هلا أن تس‪CC‬لك س‪C‬لوكا إزدواجيا كما هو احلال‬
‫يف الضوء‪.‬‬
‫وانطالقا من ه ‪CC‬ذه الفرض ‪CC‬ية ب ‪CC‬دأت تتضح مع ‪CC‬امل ال ‪CC‬رتكيب‪ C‬ال ‪CC‬ذري أك ‪CC‬ثر ف ‪CC‬أكثر‪ .‬واملعادلة اليت‬
‫وضعها‬

‫تع ‪CC‬رف بط ‪CC‬ول موجة دي ب ‪CC‬رويل للجس ‪CC‬يم‪.‬ففي س ‪CC‬نة ‪ 1924‬ح ‪CC‬اول دي ب ‪CC‬رويل " أن يس ‪CC‬حب‬
‫الثنائية( االزدواجية ) بني وصف املوجات ووصف اجلسيمات على اجلسيمات األولية للم‪C‬ادة‬
‫أيضا‪ ،‬وخباصة على اإللكرتون‪C‬ات"‪ 2‬وس‪CC‬امهت ه‪C‬ذه الفرض‪C‬ية يف تفسري تكميم مس‪C‬تويات الطاقة‬
‫اليت أدخلها العامل بور على منوذجه لذرة اهليدروجني وكانت الأساس الذي اعتمد عليه العامل‬

‫يب‪.‬ثي‪ ،‬ماس‪C‬يوز‪ ،‬مقدمة‪ C‬يف ميكانيكا الكم‪ ،‬ت‪C‬ر‪ :‬أس‪C‬امة زيد إب‪C‬راهيم ن‪C‬اجي‪ ،‬ال‪C‬دار الدولية للنشر والتوزي‪C‬ع‪ ،‬مص‪C‬ر‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫(د‪.‬ط) (د‪.‬س) ص ‪20‬‬


‫فرينر هايزينبريغ‪ ،‬الفيزياء والفلسفة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪25‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪52‬‬
‫شرودجنر يف العام ‪ 1925‬لوضع معادلة شرودجنر‪.‬‬
‫إن األفكار اليت جاء هبا دي برويل مل تلق قبوال واسعا يف بدايتها‪ ،‬إىل غاية ع‪C‬ام ‪1927‬‬
‫حيث حترى دافيس ‪CC‬ون وج ‪CC‬ريمر عن موج ‪CC‬ات جس ‪CC‬يمات املادة اليت اقرتحها دي ب ‪CC‬رويل‪ ،‬مثلما‬
‫حترى كومتون من قبل عن جسيمات األمواج الضوئية‪ C‬اليت اقرتحها اينشت‪C‬اين ‪.‬‬
‫والفك‪CC‬رة الرئيسة للتجربة تق‪CC‬وم على دراسة ت‪CC‬داخل أم‪CC‬واج الإلكرتون‪CC‬ات املنعكسة من س‪CC‬طح‬
‫برويل‪.‬‬ ‫بلورة من النيكل‪ .‬وكانت تلك التجربة أول دليل جترييب لصدق فرضيةٌ دي‬
‫وبع ‪CC‬د التج ‪CC‬ارب الكث‪C C‬يرة التي أجريت للتأك ‪CC‬د من ص ‪CC‬حة فرض‪C C‬يةٌ األم ‪CC‬واج املادي‪C C‬ةٌ‪ ،‬ب ‪CC‬ات‬
‫إنكاره ‪CC‬ا يك ‪CC‬اد يك ‪CC‬ون مس ‪CC‬تحيال‪ .‬وتك ‪CC‬رر الس ‪CC‬ؤال من جديد ما هي الطبيع ‪CC‬ة النهائي‪C C‬ةٌ‪ C‬للم ‪CC‬ادة؟‬
‫موجات أم جسيمات؟ وبأكثر إحلاح من ذي قبل‪ .‬واجلواب الذي أفرزته التج‪CC‬ارب‪ ،‬إن املادة‬
‫والطاق‪CC‬ة وجه‪CC‬ان لعمل‪CC‬ة واح‪CC‬دة‪ ،‬يتص‪CC‬رفان حتت ظ‪CC‬روف معينٌة وكأهنم‪CC‬ا موج‪CC‬ات‪ ،‬ويف أحي‪CC‬ان‬
‫أخرى يتصرفان على أهنم‪CC‬ا س‪C‬يل من اجلس‪CC‬يمات‪ ,‬مث‪C‬ل الت‪C‬أثري الكهروض‪C‬وئي‪ C‬بالنس‪C‬بة لإلش‪CC‬عاع‪،‬‬
‫ومجيع التصادمات الذرية بالنسبة للجسيمات املادية‪.‬‬
‫وتعت ‪CC‬رب ظ ‪CC‬اهرة اإلنت ‪CC‬اج ال ‪CC‬زوجي ال ‪CC‬يت تنب ‪CC‬أ به ‪CC‬ا دي ‪CC‬راك عن ‪CC‬دما دمج نظري ‪CC‬ة النس ‪CC‬بية‪ C‬اخلاص ‪CC‬ة م ‪CC‬ع‬
‫ميكانيكا الكم دليال واضحا لصدق هذا املبدأ‪ .‬واليت تتنبأ باحنالل اإلشعاع‪ C‬الكهرومغناطيس‪C‬ي‪C‬‬
‫(الفوت ‪CC‬ون) حتت ظ ‪CC‬روف معين ‪CC‬ة إىل إلك ‪CC‬رتون‪ C‬وبوزي ‪CC‬رتون‪ ،‬وه ‪CC‬ذا الأخ ‪CC‬ري يش ‪CC‬ارك االلك ‪CC‬رتون يف‬
‫مجيع خصائصه إال أن شحنته موجبة ومن املمكن أيضا أن حيدث العكس‬

‫أي يندمج اإللكرتون مع البوزيرتون‪ ‬ليعطيان فوتونا ضوئيا‪.‬‬


‫البوزي‪CC‬رتون هو اختص‪CC‬ار لكلمة‪ُ )Positive Electron( C‬جس‪CC‬يم أويل ال ي‪CC‬دخل يف تك‪CC‬وين املادة العادي‪CC‬ة‪ ،‬يف‬ ‫‪‬‬

‫ن ‪CC‬واة ال ‪CC‬ذرة وال ‪CC‬نيوترون‪ ،‬ويعترب اجلس ‪CC‬يم املض ‪CC‬اد لإللك ‪CC‬رتون أو نقيض اإللك ‪CC‬رتون‪ .‬وهو يتط ‪CC‬ابق مع اإللك ‪CC‬رتون يف‬
‫ُ‬
‫الص‪CC‬فات واخلص‪CC‬ائص الفيزيائية كاف ‪C‬ةً‪ ،‬فيما ع‪CC‬دا الش‪CC‬حنة الكهربائي‪CC‬ة؛ إذ حيمل البوزي‪CC‬رتون ش‪CC‬حنة كهربائية موجبة‬
‫مس‪CC‬اوية لش‪CC‬حنة اإللك‪CC‬رتون‪ ،‬ولكن على عكس اإللك‪CC‬رتون ال‪CC‬ذي حيمل ش‪CC‬حنة كهربائية س‪CC‬البة‪ ،.‬يف ح‪CC‬ال اص‪CC‬طدام‬
‫البوزيرتون باإللكرتون حيدث ما يعرف بإبادة إلك‪CC‬رتون‪-‬بوزي‪CC‬رتون أي يتح‪CC‬والن يتح‪CC‬والن إىل طاقة ويظه‪CC‬ران على‬
‫هيئة موجتني كهرومغناطيسيتني هلما نفس الرتدد‬
‫‪53‬‬
‫احلل األمث ‪CC‬ل إذن هو قب ‪CC‬ول الإثن ‪CC‬ان مع ‪CC‬ا‪ ،‬وه ‪CC‬ذا م ‪CC‬ا مٌس ي بالطبيع ‪CC‬ة املثنوي‪C C‬ة‪ C‬للموج ‪CC‬ة واجلس ‪CC‬يم‪.‬‬
‫وهات‪CC‬ان‪ C‬الطبيعت‪CC‬ان متممت‪CC‬ان لبعض وليس‪CC‬تا متناقض‪CC‬تني‪ ،‬فتظه‪CC‬ر إح‪CC‬دامها يف غي‪CC‬اب األخ‪CC‬رى على‬
‫حس‪CC‬ب الظ‪CC‬روف املتاح‪CC‬ة‪ ،‬وال ميكن رؤي‪CC‬ة الإثن‪CC‬تني مع‪CC‬ا يف وقت واح‪CC‬د‪ .‬إن األم‪CC‬ر يش‪CC‬به كث‪CC‬ريٌا‬
‫قطع‪CC C‬ة النق‪CC C‬ود املعدني‪CC C‬ة‪ C،‬فال ميكنن‪CC C‬ا رؤي‪CC C‬ة ال‪CC C‬وجهني دفع‪CC C‬ة واح‪CC C‬دة‪ ،‬وكلم‪CC C‬ا رأين‪CC C‬ا ص‪CC C‬ورة أح ‪CC‬د‬
‫الوجهني بشكل أفضل ساءت رؤية الوجه اآلخر حىت خيتفي متاما‪.‬‬
‫ٌ‬

‫معادلة شرودجنر يف موجات املادة‬

‫لقد أدى اكتش ‪CC C‬اف املوج ‪CC C‬ات املص ‪CC C‬احبة للإلكرتون ‪CC C‬ات إىل أمر يف غاية األمهية‪ ،‬وهو ض‪CC C‬رورة‬
‫وج ‪CC‬ود حتديد رياضي يتٌيح لإللك ‪CC‬رتون االنتق ‪CC‬ال من م ‪CC‬دار إىل آخر‪ ،‬ويشع ف ‪CC‬ائض طاقته على‬
‫ش‪CC C‬كل فوت‪CC C‬ون ض‪CC C‬وئي‪ .‬مثلما ح‪CC C‬دث متاما مع انشتاين يف الض‪CC C‬وء عن‪CC C‬دما وضح أن املوج‪CC C‬ات‬
‫الض ‪CC‬وئية‪ C‬هي من حيٌ ‪CC‬دد كيفية انتق ‪CC‬ال الفوت ‪CC‬ون‪ C‬من مك ‪CC‬ان إىل آخ ‪CC‬ر‪ .‬فبنفس الطريقة جيب أن‬
‫حتدد موج‪CC‬ات املادة كيفية انتق‪CC‬ال اإللك‪CC‬رتون من م‪CC‬دار إىل آخر داخل ال‪CC‬ذرة‪ .‬ومن املؤكد أن‬
‫ذلك ال يتحقق بواسطة امليكانيكا الكالسيكية‪ C‬للموجات‪ .‬وك‪CC‬ان ال بد من مع‪CC‬ادالت أخ‪CC‬رى‬
‫تنس‪CC‬جم مع أفك‪CC‬ار الكم اجلدي‪CC‬دة‪ .‬ومت ذلك فعال ع‪CC‬ام ‪ 1926‬مع معادلة الفيزي‪CC‬ائي النمس‪CC‬اوي‬
‫"ارفن ش ‪CC‬رودجنر" ال ‪CC‬ذي اس ‪CC‬تطاع « أن يش ‪CC‬يد املعادلة املوجية اليت تصف الطريقة اليت تتغري هبا‬
‫املوجة املرتبطة باجلس ‪CC‬يم أو الفوت ‪CC‬ون‪ C‬من حيث الزم ‪CC‬ان واملك ‪CC‬ان‪ C.‬ه ‪CC‬ذه املعادلة اليت متثل املدخل‬
‫األساسي‪ C‬مليكانيكا‪ C‬الكم تش‪CC C C C C C C‬به من حيث األمهية إىل حد بعيد ق‪CC C C C C C C‬انون ني‪CC C C C C C C‬وتن للحركة يف‬
‫امليكانيكا‪ C‬الكالس‪CC‬يكية‪ 1» C‬وهي معادلة تفاض‪CC‬لية من الدرجة الثانية حتدد تط‪CC‬ور الدالة املوجية‬
‫عند أي حلظة من ال‪CC C C C C C C C‬زمن‪ ،‬بمعرفة الش‪CC C C C C C C C‬روط االبتدائية‪ .C‬وألمهيتها أص‪CC C C C C C C C‬بحت متثل عصب‬

‫‪119‬‬ ‫جاسم حسن العلوي‪ ،‬العامل بني العلم والفلسفة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪54‬‬
‫ميكانيكا الكم « ك‪CC C‬انت ص‪CC C‬ورة ش‪CC C‬رودنغر الذرية تب‪CC C‬دو معقولة متاما ب‪CC C‬الرغم من أهنا معق‪CC C‬دة‬
‫‪1‬‬
‫تصوره» ‪.‬‬ ‫وتعتمد على تابع رياضي موجي قلما يستطيع أحد‬

‫‪ /5‬مبدأ الالحتدد عند هيزنربغ‬

‫لقد أس‪CC‬فر البحث الفيزي‪CC‬ائي بعد ذلك عن مب‪CC‬دأ من ش‪CC‬أنه أن يغري أفكارنا متاما عن الك‪CC‬ون‪ C‬إنه‬
‫مب‪CC C‬دأ الالحتديد‪ ،‬وال‪CC C‬ذي ينٌص على أن‪CC C‬ه‪ :‬عن‪CC C‬دما توجد احلركة خيٌتفي املوضع‪ ،‬وعن‪CC C‬دما يوجد‬
‫املوضع ختتفي احلركة‪ ،‬أو ماعرف بـ ـ « مب‪CC‬دأ ه‪CC‬ايزنربغ األرتي‪CC‬ايب‪ ،‬أو مب‪CC‬دأ الالحتمي‪CC‬ة‪ .‬وهو ذو‬
‫شأن ضئيل يف دنيا احملسوسات‪ ،‬ألهنا ن‪C‬ادرا ما تأبه بالتشويش‪C‬ات النامجة عن عملي‪C‬ات الرص‪C‬د‪.‬‬
‫لكن مب‪C‬دأ االرتي‪C‬اب شئ خطري عن‪C‬دما يت‪C‬دخل يف ش‪C‬ؤون اإللكرتون‪C‬ات‪ .‬لقد ك‪C‬ان بالفعل ش‪C‬يئا‬
‫‪2‬‬
‫لقد متكن الع‪CC C‬امل‬ ‫»‬ ‫خط ‪CC C‬ريا لدرجة جعل الوج ‪CC C‬ود نفس ‪CC C‬ه‪ ،‬وج ‪CC C‬ود اإللك ‪CC C‬رتون‪ ،‬موضع شك‬
‫هيزنربغ « من أن يتنبأ باس‪CC‬تحالة قي‪CC‬اس س‪CC‬رعة اجلس‪CC‬يم وموقعه يف آن واح‪CC‬د‪ .‬نعم ميكننا قي‪CC‬اس‬
‫س ‪CC‬رعة اجلس ‪CC‬يم ( أو كمية حركت ‪CC‬ه) بالدقة اليت نري ‪CC‬دها ولكننا يف ال ‪CC‬وقت ذاته س ‪CC‬نرتكب‪ C‬خطأ‬
‫يف حتديد موقع ذلك‬

‫اجلس ‪CC‬يم »‪ 3‬وق ‪CC‬دم ص ‪CC‬ياغة للمب ‪CC‬دأ الش ‪CC‬هري وال‪C C‬ذي ينص على أنه "من املس ‪CC‬تحيل أن حندد بدقة‬
‫تامة ع ‪CC‬زم ومك ‪CC‬ان وج ‪CC‬ود اإللك ‪CC‬رتون‪ C‬يف نفس ال ‪CC‬وقت" أي كلما رص ‪CC‬دت أح ‪CC‬دمها بدقة أكرب‬
‫ك ‪CC‬ان على حس ‪CC‬اب األخر بنفس الدق ‪CC‬ة‪ .‬ف ‪C‬االقرتاب من القيمة احلقيقية‪ C‬للموقع تبعدنا عن قيمة‬
‫كمية الدفع بقدر اقرتابنا من معرفة املوقع‪ .‬وفق الصياغة‪ C‬الرياضية التالية‪C:‬‬
‫فريد آالن وولف‪ ،‬مع القفزة الكمومية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪95 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪107 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫جاسم حسن العلوي‪ ،‬العامل بني العلم والفلسفة‪ ،‬املركز الثقايف العريب‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪ ،2005 ،1‬ص ‪121‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪55‬‬
‫‪h‬‬
‫‪ x p  ( x )m ( u )‬‬
‫‪4‬‬

‫حيث أن ‪p= mu‬‬


‫متثل ‪ p‬العزم الذي هو حاصل ضرب كتلة اإللكرتون‪ m C‬يف سرعته ‪u‬‬
‫العزم‪.‬‬ ‫‪ p‬اخلطأ يف حتديد قيمة‬
‫‪ h‬ثابت بالنك‬
‫‪.‬‬ ‫‪ x‬اخلطأ يف حتديد موضع وجود اإللكرتون‪C‬‬
‫وتعين املعادلة‪ ،‬أنه إذا اس‪CC C‬تطعنا قي‪CC C‬اس ع‪CC C‬زم أو س‪CC C‬رعة اجلس‪CC C‬يم بدقة أي (أص ‪CC‬بحت قيمة ‪p‬‬
‫ص ‪CC‬غرية ج ‪CC‬دا) ف ‪CC‬إن معرفتنا مبك ‪CC‬ان وج ‪CC‬ود اإللك ‪CC‬رتون تص ‪CC‬بح أقل دقة ( أي يص ‪CC‬بح ‪ x‬قيمة‬
‫أكرب) والعكس بالعكس‪.‬‬
‫والنتيجة املرتتبة عن ه ‪CC C‬ذا املب ‪CC C‬دأ‪ ،‬أن اإللك ‪CC C‬رتون ليس كما تص ‪CC C‬وره ب ‪CC C‬ور أنه يلف يف م‪CC C‬دار‬
‫دائ ‪CC‬ري حمدد املالمح وإال لك ‪CC‬ان من املمكن أن حندد بدقة كب ‪CC‬رية مك ‪CC‬ان وج ‪CC‬وده أي موض ‪CC‬عه‬
‫(من مواص ‪CC C‬فات املدار ال ‪CC C‬ذي يش ‪CC C‬غله) وعزمه (من قيمة طاقة حركت ‪CC C‬ه) ولكن ه ‪CC C‬ذا مس‪CC C‬تحيل‬
‫حسب مبدأ‬
‫الال حتدد‪.‬وطبيعة اإللك ‪CC‬رتون‪ C‬حسب ه ‪CC‬ذا املب ‪CC‬دأ « ال تعنين ‪CC‬ا‪ C،‬فقد يك ‪CC‬ون‪ C‬اإللك ‪CC‬رتون موجة أو‬
‫جس‪CC C‬يما تبعا ملص‪CC C‬طلحاتنا الكالس‪CC C‬يكية‪ C،‬ولكنه يف ع‪CC C‬امل الكم يفقد ش‪CC C‬يئيته‪ C‬املادية ليغ‪CC C‬دو جمرد‬
‫تش ‪CC‬فري جتري ‪CC‬دي جملموعة من اإلمكان ‪CC‬ات أو النت ‪CC‬ائج احملتملة للقياس ‪CC‬ات‪ .‬بعب ‪CC‬ارة أخ ‪CC‬رى‪ ،‬مل يعد‬
‫لإللكرتون‪ C‬وجود موضوعي‪ C‬باملعىن املادي للكلمة‪ ،‬بل أصبح جمرد رمز رياضي حيمل صفة‬

‫وب ‪CC C‬ذلك مت إع ‪CC C‬ادة النظر يف معاجلة ذرة اهلي ‪CC C‬دروجني‪ ،‬انطالقا من نظرية‬ ‫‪1‬‬
‫ال ‪CC C‬واقعي‪»C‬‬ ‫االمك ‪CC C‬ان‬
‫الكم احلديثة (ميكانيكا‪ C‬الكم) حتديدا من معادلة شرودجنر‪ ،‬وتفس‪C‬ير ب‪CC‬ورن االحتم‪CC‬ايل‪ ،‬ومب‪CC‬دأ‬

‫حممود عثم‪C‬ان حمم‪C‬د(ص‪C‬الح)‪ ،‬مش‪C‬كلة‪ C‬االتص‪C‬ال والالتن‪C‬اهي بني العلم والفلس‪CC‬فة‪ ،‬منش‪C‬أة املع‪C‬ارف‪ ،‬مص‪C‬ر‪( ،‬د‪.‬ط)‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2000‬ص ‪.237‬‬
‫‪56‬‬
‫هيزن ‪CC‬ربغ االرتي‪CC‬ايب‪ .‬وباس‪CC‬تخدام ه‪CC‬ذه املف‪CC‬اهيم اجلدي‪CC‬دة حنصل على ش‪CC‬كل جديد لل‪CC‬ذرة‪ ،‬ليس‬
‫هو بنم ‪CC‬وذج ب ‪CC‬ور‪ ،‬إال أنه ال يتن ‪CC‬اقض مع التج ‪CC‬ارب‪ .‬والنتيجة‪ C‬املرص ‪CC‬ودة أن منوذج ب ‪CC‬ور م ‪CC‬زيج‬
‫بني الفيزي‪CC C C C C C C C‬اء الكالس‪CC C C C C C C C‬يكية‪ C‬والكمومي‪CC C C C C C C C‬ة‪ .‬أما مع ميكانيكا‪ C‬الكم‪ ،‬فقد مت جتاوز امليكانيكا‬
‫الكالس ‪CC C‬يكية وأص ‪CC C‬بح منوذج ب ‪CC C‬ور‪ ،‬كحالة من إح ‪CC C‬دى احلاالت الكث ‪CC C‬رية‪ C‬اليت تظهر من نت‪CC C‬ائج‬
‫نظرية الميكانيكا الكمومية‪.‬‬
‫ومع مبدأ عدم اليقني مت القضاء متاما على الصورة اآللية واحلتمية للكون‪ ،‬ورف‪CC‬ع هيزن‪CC‬ربغ‬
‫الس‪CC‬تار« عن اجلدار الرفي‪CC‬ع ال‪CC‬ذي يفص‪CC‬ل امليكانيك‪CC‬ا الكوانتي ‪C‬ة‪ C‬عن مثيلته‪CC‬ا النيوتوني‪CC‬ة‪ ،‬فم‪CC‬ا ت‪CC‬راه‬
‫امليكانيك ‪C‬ا‪ C‬النيوتوني‪CC‬ة ممكن‪CC‬ا من حيث قابليته‪CC‬ا لقي‪CC‬اس ك‪CC‬ل من املوق‪CC‬ع والس‪CC‬رعة يف ال‪CC‬وقت ذات‪CC‬ه‬
‫أصبح‬
‫مس‪CC C C C‬تحيال يف امليكانيكا‪ C‬الكوانتي‪CC C C C‬ة‪ ،‬حىت يومنا احلاضر »‪ 1‬مبعىن هن‪CC C C C‬اك حتول هائل يف مس‪CC C C‬ار‬
‫الفيزياء خصوصا‪ ،‬ويف العلوم الطبيعية عموم‪CC‬ا‪ ،‬واتسم بط‪CC‬ابع ث‪CC‬وري‪ ،‬ت‪CC‬رتب عنه زعزعة أسس‬
‫الفيزياء الكالسيكية‪ C،‬وتبديل اعتباراهتا النظرية‪ ،‬لتص‪CC‬بح ق‪CC‬ادرة على مس‪CC‬ايرة واقع علمي جديد‬
‫كل اجلدة‪.‬‬
‫وكان هلذه النتائج انعكاس مباشر على املستوى الفلسفي‪ .‬فإذا كانت هناك عالقة مباشرة‬
‫بني الراصد واملرص‪CC C C C C‬ود‪ ،‬حيث يك‪CC C C C C‬ون الراصد هو املتحكم فيما حيدث للتجربة من نت‪CC C C C‬ائج‪،‬‬
‫والواقع ال ينشأ إال عن ‪CC‬دما حنس به ونستحض ‪CC‬ره يف أذهاننا‪ ،‬فه ‪CC‬ذا حييلنا مباش ‪CC‬رة إىل مش ‪CC‬كلة‬
‫عالقة الوعي‪ C‬بالوجود‪.‬‬
‫مما أسفر عن نقاشات علمية وفلسفية ح‪C‬ادة‪ ،‬جعلت إنش‪C‬تاين يق‪C‬ول عبارته املش‪C‬هورة إن اهلل‬
‫ال‬

‫يلعب ال ‪CC‬نرد‪ ،‬تعب ‪CC‬ريا عن رفضه وامتعاضه‪ C‬من تفسري مدرسة كوبنه ‪CC‬اغن‪ C‬يف س ‪CC‬لوك اإللك ‪CC‬رتون‪C‬‬

‫جاسم حسن العلوي‪ ،‬العامل بني العلم والفلسفة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.122‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪57‬‬
‫ال ‪CC‬ذي يعترب الكمي ‪CC‬ات املتغ ‪CC‬رية‪ C‬ليست هلا قيمة حمددة قبل عملية القي ‪CC‬اس‪ ،‬فاحلالة البدئية‪ C‬عب ‪CC‬ارة‬
‫‪‬‬
‫عن ت‪CC‬راكب من ع‪CC‬دة ح‪CC‬االت‪ .‬ويق‪CC‬دم ش‪CC‬رودجنر جتربة ذهنية اش‪CC‬تهرت مبفارقة قطة ش‪CC‬رودجنر‬
‫ليعرب هو اآلخر عن انزعاجه من ه‪CC‬ذا التفس‪CC‬ري‪ .‬وفتح اكتش‪CC‬اف هيزن‪CC‬ربغ االرتي‪C‬ايب الب‪C‬اب جلدل‬
‫علمي وفلس‪CC C‬في مادته نظرية الك‪CC C‬وانتم‪ C‬اليت أحيت « الص‪CC C‬راع الفلس‪CC C‬في ح‪CC C‬ول نظرية املعرفة‬
‫وأقحمت الفيزي‪CC‬اء يف قلب البحث الفلس‪CC‬في»‪ 1‬وهو الص‪CC‬راع ال‪CC‬ذي يرجع إىل ب‪CC‬دايات النهضة‪C‬‬
‫األوربية‪C.‬‬

‫ما نس ‪CC‬تنتجه هو أن هن ‪CC‬اك بع ‪CC‬ديا ثوري‪C C‬ا حقيقي‪C C‬ا ج ‪CC‬اءت به ميكانيكا الكم‪ ،‬فص ‪CC‬ورة الفيزي ‪CC‬اء‬
‫الكالس ‪CC‬يكية‪ C‬القائمة على احلس الع ‪CC‬ام للحقيقة املوض ‪CC‬وعية‪ C،‬أي وج ‪CC‬ود الع ‪CC‬امل اخلارجي‪ ،‬بغض‬
‫النظر عن دور املراقب أو املش‪CC C C‬اهد‪ ،‬واالعتق‪CC C C‬اد بإمكانية‪ C‬التنبؤ حبركة أكرب اجملرات إىل أص‪CC C‬غر‬
‫ال‪CC C‬ذرات‪ ،‬باعتب‪CC C‬ار الك‪CC C‬ون‪ C‬آلة قائم ‪C C‬ة على الس‪CC C‬ببية واحلتمية‪ ،‬قد تزل‪CC C‬زلت باكتش‪CC C‬اف ميكانيكا‬
‫الكم‪.‬‬
‫وقصفت مفاهيم احلس العام حول احلقيقة‪ C‬املوضوعية‪ C.‬وحتول اإلنسان من جمرد ج‪CC‬زء من آلة‬
‫عمالقة إىل فاعل نشيط يف هذا الكون‪ C،‬والفضل األكرب يف ذلك يعود إىل مبدأ الال تعيني‬

‫مفارقة قطة شرودجنر‪ :‬لكي يبني شرودجنر مدى سخافة تفسري تطابق الرتاكب ال‪CC‬ذي ج‪C‬اء مع مب‪C‬دأ الال حتدد عند‬ ‫‪‬‬

‫هيزن‪CC C‬ربغ اق‪CC C‬رتح مفارقة اش‪CC C‬تهرت مبفارقة قطة ش‪CC C‬رودينجر وفحواه‪CC C‬ا‪ :‬لو نتخيل بأنه ل‪CC C‬دينا مص‪CC C‬در اش‪CC C‬عاع يق‪CC C‬وم‬
‫بارس ‪CC‬ال الك ‪CC‬رتون واحد اىل مقسم‪ C‬ش ‪CC‬عاع حبيث جيرب االلك ‪CC‬رتون إىل السري اما اىل جهة ‪ A‬أو جهة ‪ ،B‬مث ي ‪CC‬ذهب‬
‫اىل صندوق فيه مطرقة وقنينة غاز سام وقطة‪ ،‬ف‪CC‬إذا س‪CC‬ار الإلك‪CC‬رتون إىل املس‪C‬ار ‪ A‬فلن حيدث ش‪C‬ئ‪ ،‬أما اذا س‪C‬ار إىل‬
‫املس‪CC‬ار ‪ B‬فس‪CC‬يلحظه اجله‪CC‬از الكاشف ومن مث يرسل إش‪CC‬ارة لته‪CC‬وي املطرقة وتكسر قنينة الغ‪CC‬از الس‪CC‬ام ومن مث متوت‬
‫القط‪CC C‬ة‪ .‬إذن اذا س‪CC C‬ار الإلك‪CC C‬رتون اىل املس‪CC C‬ار ‪ A‬تعيش القط‪CC C‬ة‪ ،‬واذا س ‪CC‬ار إىل املس ‪CC‬ار ‪ B‬متوت القط ‪CC‬ة‪ .‬اآلن حسب‬
‫التفكري الكالس‪CC C C‬يكي جيب أن يس‪CC C C‬لك االلك‪CC C C‬رتون إما اجلهة ‪ A‬أو ‪ ،B‬إما أن متوت القطة أو تعيش‪ ،‬لكنك اآلن‬
‫أص‪CC‬بحت كم‪CC‬ومي التفكري وتع‪CC‬رف بأنه س‪CC‬يتجه إىل ‪ A‬و ‪ B‬يف نفس ال‪CC‬وقت والس‪CC‬بب هو "تط‪CC‬ابق ال‪CC‬رتاكب" وه‪CC‬ذا‬
‫يعين أن االلك‪CC‬رتون س‪CC‬يمر ب ‪ A‬و ‪ .B‬وااللك‪CC‬رتون سيض‪CC‬رب اجله‪CC‬از الكاشف ولن يض‪CC‬ربه‪ ،‬املطرقة س‪CC‬تهوي ولن‬
‫هتوي‪ ،‬الغاز السام سينطلق ولن ينطلق‪ ،‬القطة متوت وتعيش‪.‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪. 127‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪58‬‬
‫العمود الفقري مليكانيكا‪ C‬الكم‪.‬‬
‫ورغم االنتق ‪CC‬ادات‪ C‬املتالحقة هلذه النظري ‪CC‬ة‪ ،‬نظ ‪CC‬را لغرابتها وع ‪CC‬دم توافقها مع احلس الع ‪CC‬ام‪ ،‬إال‬
‫أهنا ع ‪CC C‬رفت امت ‪CC C‬دادا معاص ‪CC C‬را‪ ،‬فميكانيكا‪ C‬الكم « منتش ‪CC C‬رة إىل حد بعيد حىت يف إط ‪CC C‬ار احلي‪CC C‬اة‬
‫اليومية‪ C‬كما‬
‫تعد احملور الرئيس ‪C C C C‬ي جملاالت عدي‪CC C C C‬دة للتكنولوجيا‪ C‬املتقدم‪CC C C C‬ة‪ C،‬مبا يف ذلك أجه‪CC C C C‬زة الكم‪CC C C‬بيوتر‬
‫اإللكرتوني‪CC C‬ة‪ C.‬أيض‪CC C‬ا‪ ،‬ف‪CC C‬إن نظرية اجملال الكمي – وهي احتاد ميكانيكا الكم مع نظرية النس ‪CC‬بية‪C‬‬
‫ألينشتاين‪ -‬نظرية جوهرية لفهم فيزياء اجلسيمات »‪ 1‬واملس‪CC‬ألة‪ C‬مل تبق على مس‪CC‬توى االف‪CC‬رتاض‪C‬‬
‫بل يس‪CC C‬عى الع‪CC C‬امل ريش‪CC C‬ار فينم‪CC C‬ان وهو أول من ق‪CC C‬دم فك‪CC C‬رة احلاس‪CC C‬وب الكمى وال‪CC C‬ذى وظف‬
‫النظرية الكمومية الىت تصف اإللكرتون ‪CC‬ات على أهنا توجد ىف أك ‪CC‬ثر من حالة ىف نفس اللحظة‬
‫(‪ 00‬او‬ ‫ولكن يك‪CC‬ون بـ‬ ‫بـ( ‪ 0‬و ‪)1‬‬ ‫وأنتج نظري‪CC‬ات احلس‪CC‬اب الكمى‪ .‬حيث ال يك‪CC‬ون‪ C‬التعامل‬
‫على‬ ‫‪Bit‬‬ ‫ىف نفس اللحظة وىف نفس ال‪CC‬وقت وأص‪CC‬بح يتعامل مع ما نس‪CC‬ميه‬ ‫‪ 10‬او ‪)01‬‬ ‫او‬ ‫‪11‬‬

‫أهنا قد تك‪CC‬ون‪ C‬أك‪CC‬ثر من قيمة ىف نفس ال‪CC‬وقت وتس‪CC‬تطيع هنا تط‪CC‬بيق نظري‪CC‬ات االحتم‪CC‬ال وما إىل‬
‫وهي‬ ‫‪qubit‬‬ ‫س‪CC‬واها من النظري‪CC‬ات الىت تتعامل مع اجمله‪CC‬والت‪ C‬متع‪CC‬ددة القيم‪ ،‬فأص‪CC‬بحت تس‪CC‬مى‬
‫(‪.)Quantum Bit‬‬ ‫اختصار لـ‬
‫جند أن إخ ‪CC‬رتاع احلاس ‪CC‬وب‬ ‫‪.qubit‬‬ ‫وأما على مس ‪CC‬توى املم ‪CC‬يزات والنت ‪CC‬ائج‪ C‬الىت س ‪CC‬تحدثها الـ‬
‫الكمي إذا ما مت‪ ،‬سيكون طفرة عظيمة يف مستقبل املعرفة البشرية‪.‬‬
‫ففي الوقت الذي يقوم فيه احلاسوب العادي بعملية حسابية واحدة ميكن للحاسوب الكمي‬
‫ان يق ‪CC‬وم ماليني العملي ‪CC‬ات احلس ‪CC‬ابية يف نفس ال ‪CC‬وقت‪ .‬وتتص ‪CC‬در نظرية األك ‪CC‬وان‪ C‬املتوازية‪ C‬أو ما‬
‫يع‪CC C‬رف بنظرية "ايف‪CC C‬ريت" نس‪CC C‬بة إىل واض‪CC C‬عها الفيزي‪CC C‬ائي‪" C‬هيو ايف‪CC C‬ريت الث‪CC C‬الث" املش‪CC C‬هد لتفسر‬
‫مفارقات نظرية الكم حيث يدخل الراصد واملرصود يف وحدة واحدة غري متجزئة‪ .‬ولنا أن‬

‫روجر برونز وآخ ‪CC‬رون‪ ،‬فيزي ‪CC‬اء العقل البش ‪CC‬ري والع ‪CC‬امل من منظ ‪CC‬ورين‪ ،‬ت ‪CC‬ر‪ :‬عن ‪CC‬ان علي الش ‪CC‬هاوي‪ ،‬كلم ‪CC‬ات عربية‬ ‫‪1‬‬

‫للرتمجة والنشر اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬ط‪ ،2009 ،1‬ص ‪74‬‬


‫‪59‬‬
‫نتس‪CC C C C C C C C‬اءل وبغرابة ش‪CC C C C C C C C‬ديدة‪ ،‬كيف حيدث ذلك ؟ يتفق ايف‪CC C C C C C C C‬ريت مع كل ما تقوله مدرسة‬
‫كوبنهاغن‪ C‬إال مسألة واحدة‪ ،‬فهو يقول بأن عملية‬
‫الرصد ال ختلق حالة معينة‪ C‬وتزيل األخ ‪CC C‬رى‪ ،‬بل إن احلالتني معا تقع ‪CC C‬ا‪ .‬مبعىن آخر قد يتم نسخ‬
‫الك‪CC‬ون‪ C‬إىل ك‪CC‬ونني‪ ،‬كل واحد من ه‪CC‬ذين الك‪CC‬ونني ميثل نتيجة حمتمل‪CC‬ة‪ .‬وكل نس‪CC‬خة يف الك‪CC‬ون‬
‫ال تعي ه ‪CC C‬ذا االنش ‪CC C‬قاق‪ .‬فنحن البشر يف كل أفعالنا وتص‪CC C‬رفاتنا‪ ،‬ننشق إىل ع‪CC C‬دد ال هنائي من‬
‫األكوان‬
‫املتوازي‪CC‬ة‪ .‬كل واحد من ه‪CC‬ذه األك‪CC‬وان‪ C‬ميثل إح‪CC‬دى النت‪CC‬ائج احملتملة للرص‪CC‬د‪ .‬يب‪CC‬دوا ذلك أق‪CC‬رب‬
‫إىل اخليال منه إىل احلقيقة‪ C،‬ولكن هي نظرية الكم وجتلياهتا الغريبة‪.‬‬

‫‪ /3‬نظرية الفوضى ( الكايوس)‪C‬‬

‫كلمة فوضى يف املعجم الفلس‪CC C C C C‬في لص‪CC C C C C‬ليبا هي « اخللل ال‪CC C C C C‬ذي ينشأ عن فق‪CC C C C C‬دان الس‪CC C C C‬لطة‬
‫‪1‬‬
‫املوجه ‪CC‬ة‪...‬وهي‪ C‬ضد النظ ‪CC‬ام وال ‪CC‬رتتيب يق ‪CC‬ال ‪ :‬ق ‪CC‬وم فوض ‪CC‬ى‪ ،‬أي ليس هلم رئيس يسوس ‪CC‬هم»‬
‫ويرتبط املفه‪CC C C C C C‬وم هنا بالبعد السياسي‪ C‬خصوص‪CC C C C C C‬ا‪ ،‬وال‪CC C C C C C‬ذي يعىن بتنظيم اجملتمع وجتاوز حالة‬
‫الفوض‪CC C‬ى‪ C.‬ويف موس‪CC C‬وعة‪ C‬الالند الفوضى‪ « C‬ف‪CC C‬راغ مظلم بال ح‪CC C‬دود‪ ،‬ك‪CC C‬ان قائما قبل وج ‪CC‬ود‬
‫الع‪CC C C‬امل احلايل ‪ ...‬خليط غ‪CC C C‬امض من كل عناصر الك‪CC C C‬ون‪ C‬قبل أن تق‪CC C C‬وم ق‪CC C C‬وة ناظمة بتنظيمها‬
‫وترتيبه ‪CC C‬ا‪...‬جمم ‪CC C‬وع‪ C‬فوض ‪CC C‬وي منفلت »‪ 2‬ويس ‪CC C‬تند ه ‪CC C‬ذا التعريف إىل تص ‪CC C‬ورات قدمية ش‪CC C‬رقية‬
‫ويونانية‪ C‬يف تص‪CC‬وراهتا ملش‪CC‬كلة اخللق والوج‪CC‬ود‪.‬ومما يت‪CC‬وجب ذك‪CC‬ره أن « قبيل الث‪CC‬ورة العلمية يف‬
‫الق‪CC C‬رن الس‪CC C‬ابع عشر امليالدي‪ ،‬ك‪CC C‬ان الش‪CC C‬واش‪ C‬حيكم الع‪CC C‬امل بش‪CC C‬كل خيتلف اختالفا كب‪CC C‬ريا عن‬

‫‪168 ،167‬‬ ‫مجيل صليبا‪ ،‬املعجم الفلسفي‪ C‬ج‪ ،2‬الشركة العاملية للكتاب‪،‬ط‪ ،‬بريوت‪ ،1994 ،‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫أندريه الالن ‪CC‬د‪ ،‬موس ‪CC‬وعة الالند الفلس ‪CC‬فية‪ ،‬ج‪ ،1‬ت ‪CC‬ر‪ :‬خليل أمحد خلي ‪CC‬ل‪ ،‬منش ‪CC‬ورات عوي ‪CC‬دات‪ ،‬ب ‪CC‬ريوت‪ ،‬ط‪،2‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪،2001‬ص ‪168‬‬

‫‪60‬‬
‫الطريقة اليت يستخدمها العلماء اآلن هلذا‬

‫اللفظ »‪.1‬كما اس‪CC C C C‬تخدمت كلمة فوضى يف العربية كم‪CC C C C‬رادف لكلمة (‪ )chaos‬وعرب عنها‬
‫ك‪CC C C C‬ذلك بالش‪CC C C C‬واش أو ك‪CC C C C‬ايوس وهي «خالف كلمة ‪ cosmos‬اليونانية اليت تعين النظ‪CC C C‬ام‬
‫الكوين »‪.2‬‬
‫أما عن الداللة االص‪CC C C C‬طالحية العلمية لعلم الفوضى‪ C‬أو الك‪CC C C C‬ايوس‪ ،‬فهي تلك النظرية اليت‬
‫تس‪CC C C‬عى إىل « ص‪CC C C‬وغ مع ‪CC C‬ادالت رياض‪CC C C‬ية بس‪CC C C‬يطة لكي تش‪CC C C‬رح مظ‪CC C C‬اهر ك ‪CC C‬ربى وعنيفة مثل‬
‫الشالالت‪.‬‬
‫ورصد ظ ‪CC‬اهرة قوامها أن ح ‪CC‬دوث تغ ‪CC‬ريات بس ‪CC‬يطة يف املعطي ‪CC‬ات األولية اليت تتعامل معها تلك‬
‫املعادالت‪ ،‬تفضي إىل نت‪CC‬ائج هائلة عند احلس‪CC‬اب النه‪CC‬ائي‪ C.‬ومست نظرية الك‪CC‬اوس تلك الظ‪CC‬اهرة‬
‫"االعتم ‪CC‬اد احل ّس‪C C‬اس على املعطي ‪CC‬ات األولي ‪CC‬ة"»‪ 3‬والفوضى‪ C‬هبذا املعىن تبت ‪CC‬دئ « من احلدود اليت‬
‫يتوقف عن‪CC‬دها العلم التقلي‪CC‬دي ويعج‪CC‬ز‪ .‬فمنذ ش‪CC‬رع العلم يف حل ألغ‪CC‬از الك‪CC‬ون‪ C،‬ع‪CC‬اىن دوما من‬
‫اجلهل بش ‪CC‬أن‪ C‬ظ ‪CC‬اهرة االض ‪CC‬طراب‪ ،‬مثل تقلب ‪CC‬ات املن ‪CC‬اخ‪ ،‬وحركة أم ‪CC‬واج البح ‪CC‬ر‪ ،‬والتقلب ‪CC‬ات يف‬
‫األن‪CC C C C‬واع احلية وأع‪CC C C C‬دادها‪ ،‬والتذب‪CC C C C‬ذب يف عمل القلب وال‪CC C C C‬دماغ‪ ،‬إن اجلاذب غري املنظم من‬
‫الطبيع‪CC C C C‬ة‪ ،‬غري املنس‪CC C C C‬جم وغري املتناسق واملف‪CC C C C‬اجئ واالنقاليب‪ ،‬أعجز العلم دوما »‪ 4‬فهو ذلك‬
‫العلم الذي خيتص بدراسة القوانني اخلفية اليت حتكم البيئات العش‪CC‬وائية غري املتوقعة املنتش‪CC‬رة‪ C‬يف‬
‫« الدراسة الوص ‪CC C C C‬فية للس ‪CC C C C‬لوك الالمنتظم لألنظمة احلتمية أوالديناميكية‬ ‫الك ‪CC C C C‬ون‪ ،‬أو هو‬

‫ج‪CC C‬ون جري‪CC C‬بني‪ ،‬البس‪CC C‬اطة العميق‪CC C‬ة‪ ،‬ت‪CC C‬ر‪ :‬ص‪CC C‬بحي رجب عطا اهلل‪ ،‬اهلي ‪CC‬أة املص ‪CC‬رية العامة للكت ‪CC‬اب‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مص‪CC C‬ر‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 2013‬ص‪13‬‬
‫ميىن طريف اخلويل‪ ،‬فلسفة العلم يف القرن العشرين‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،264‬ص ‪228‬‬
‫‪2‬‬

‫جاميس غليك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪22‬‬ ‫‪3‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪16‬‬


‫‪4‬‬

‫‪61‬‬
‫الالخطي‪CC C C‬ة‪ ،‬فهو دراسة الس ‪CC C‬لوك املعقد غري املتنبأ‪ C‬به ك‪CC C C‬الطقس واألرص‪CC C C‬اد »‪ 1‬فه‪CC C C‬ذه النظرية‬
‫تؤكد على أن ما يب ‪CC‬دو فوضى هو عب ‪CC‬ارة عن نظم معق ‪CC‬دة وغري متوقعة ميكن تفس ‪CC‬ريها وإجياد‬
‫أمناط هلا عن طريق مالحظة‬

‫ب ‪CC C‬داياهتا‪ .‬والفوضى‪ C‬من ه ‪CC C‬ذا املنظ ‪CC C‬ور ليست منتش ‪CC C‬رة يف الطبيعة فقط ولكنها (أي الفوض‪CC C‬ى)‪C‬‬
‫ضرورية لتنامي‪ C‬التعقيد يف الكون‪.‬‬
‫وتعترب أعمال الرياضي وعامل األرصاد األم‪CC‬ريكي ل‪CC‬ورنز بداي‪CC‬ة فعلي‪CC‬ة لظه‪CC‬ور نظري‪CC‬ة الفوض‪C‬ى‪C.‬‬
‫وب‪CC‬الرغم من وج‪CC‬ود ارهاص‪CC‬ات س‪CC‬ابقة م‪CC‬ع الرياض‪CC‬ي بوانكاري‪CC‬ه باخلص‪CC‬وص‪ ،‬عن‪CC‬دما ح‪C‬اول ح‪CC‬ل‬
‫مش‪CC‬كلة األجس‪CC‬ام الثالث ‪C‬ة‪ C‬وال‪CC‬يت ح‪Cّ C‬ولت النظ‪CC‬ر عن التص‪CC‬ور اخلطي ال‪CC‬نيوتوين ال‪CC‬ذي ك‪CC‬ان يهم‪CC‬ل‬
‫التغريات‪ C‬الطفيفة اليت تربز بروزا غري متوقع‪.‬‬
‫ك‪CC‬ان االعتق‪CC‬اد عن‪CC‬د ل‪CC‬ورنز أن تغ‪CC‬ريا‪ C‬طفيف‪CC‬ا يف الش‪CC‬روط األولي‪CC‬ة ال ي‪CC‬ؤدي إال إىل تغ‪CC‬ريات بس‪CC‬يطة‬
‫وخفيفة يف النتائج النهائية‪ .‬لكن هذا االعتقاد بدأ يتهاوى عندما ق‪C‬ام بإدخ‪C‬ال مع‪C‬ادالت خمتلف‪C‬ة‬
‫ليح‪CC‬اكي األح‪CC‬وال اجلوية مس‪CC‬تخدما رياض‪CC‬يات بوانكاري‪CC‬ه‪ ،‬مث ي‪CC‬رى م‪CC‬اذا حيصل عن‪CC‬دما تتفاعل‬
‫هذه الظروف فيما بينها‪ .‬وملا أراد أن يتفحص جزءاً من املخطط البياين بتفاصيل أك‪CC‬ثر‪ ،‬ك‪CC‬رر‬
‫دورة احلاس‪CC C‬وب‪ ،‬إال أن النتيجة ك‪CC C‬انت ه‪CC C‬ذه املرة خمتلفة عن املرة الس‪CC C‬ابقة‪ ،‬رغم أهنا ك‪CC C‬انت‬
‫ذات البيان‪CC C‬ات‪ C‬الس‪CC C‬ابقة‪ .‬اعتقد لورن‪CC C‬تز يف البداية‪ C‬من وج‪CC C‬ود خلل يف آلية عمل اجله‪CC C‬از‪ ،‬لكنه‬
‫تأكد بعد جتارب أخ‪C‬رى أن هن‪C‬اك ظ‪C‬اهرة اس‪C‬تثنائية‪ ،‬وهي أن تغ‪C‬ريا طفيفا‪ C‬يف املدخالت ي‪C‬ؤدي‬
‫إىل حتول جذري يف املخرجات‪ .‬أي أن تغي‪CC‬ريا ص‪CC‬غريا يف املعطي‪CC‬ات األوىل ألح‪CC‬وال اجلو ميكن‬
‫أن ينتج عنه تغيرات ض‪CC C‬خمة وكب‪CC C‬رية يف أح‪CC C‬وال الطقس اجلوي‪CC C‬ة‪ .‬وعن‪CC C‬دما طبع تلك الرس‪CC C‬وم‬
‫البيانية ب‪CC‬دت على ش‪CC‬كل فراش‪C‬ة‪ ،‬فع‪CC‬رف ه‪CC‬ذا األثر ب‪C‬أثر الفراشة‪ .‬فاخلطأ احلس‪C‬ايب البس‪CC‬يط ك‪C‬ان‬
‫كلفحة ه ‪CC‬واء بس ‪CC‬يطة ولكن تلك اللفحة ميكن أن تتن ‪CC‬امى لتُح ‪CC‬دث إعص ‪CC‬اراً‪ .‬وبعب ‪CC‬ارة أخ ‪CC‬رى‬
‫اي‪CC‬ان س‪CC‬تيوارت‪ ،‬من يلعب ال‪CC‬نرد ‪ :‬الرياض‪CC‬يات اجلدي‪CC‬دة للظ‪CC‬واهر العش‪CC‬وائية‪ ،‬ت‪CC‬ر‪ :‬بس‪CC‬ام امحد املغ‪CC‬ريب‪ ،‬دار طالس‬ ‫‪1‬‬

‫للنشر سوريا‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،1994 ،‬ص ‪23‬‬

‫‪62‬‬
‫‪1‬‬
‫«االختالف‪CC‬ات الدقيقة حني االدخ‪CC‬ال قد تص‪CC‬بح وبس‪CC‬رعة اختالف‪CC‬ات س‪CC‬احقة عند االخ‪CC‬راج »‬
‫وهي املالحظة اليت ولد منها علم جدي‪CC C C C‬د‪ ،‬مسي الفوضى والش‪CC C C C‬واش‪ .‬ونشر ل‪CC C C C‬ورنز حبث‪C C C‬اً عن‬
‫مالحظاته عنونه‪" C‬بالتوقع‪CC C C C‬ات‪ :‬هل ي‪CC C C C‬ؤدي رفيف جن‪CC C C C‬احي فراشة يف الربازيل إىل ح‪CC C C‬دوث‬
‫إعصار يف تكساس؟" ومن ذلك العنوان‬

‫بقي تأثري الفراشة حاضراً إىل اليوم يف تفسريات النظرية‪.‬‬


‫وتأكدت هذه احلقيقة الحقا‪ ،‬حيث «ش‪CC‬رعت تلك الص‪CC‬ورة يف التغري ت‪C‬درجييا يف س‪C‬بعينيات‬
‫الق ‪CC C‬رن العش ‪CC C‬رين‪ ،‬عن ‪CC C‬دما مهت كوكبة من العلم ‪CC C‬اء األمريك ‪CC C‬يني واألورب ‪CC C‬يني لالهتم ‪CC C‬ام ب ‪CC C‬أمر‬
‫االض ‪CC C‬طراب وفوض ‪CC C‬اه‪ .‬وت ‪CC C‬ألفت‪ C‬تلك الكوكبة‪ C‬من علم ‪CC C‬اء الفيزي ‪CC C‬اء والرياض ‪CC C‬يات والبيولوجيا‬
‫والكيمي ‪CC C‬اء‪ ،‬س ‪CC C‬عوا لالمس‪CC C‬اك ب ‪CC C‬اخليوط اليت جتمع ظ‪CC C‬واهر الفوضى‪ C‬كلها‪ ...‬لقد أنتجت تلك‬
‫البح‪CC‬وث رؤى جدي‪CC‬دة دلت على إمك‪CC‬ان تغيري النظ‪CC‬رة إىل الع‪CC‬امل الط‪CC‬بيعي‪ ،‬مبا يف ذلك أش‪CC‬كال‬
‫‪2‬‬
‫الغي‪C‬وم‪ C‬وبروقها والش‪C‬بكات‪ C‬املتداخلة من الش‪C‬عريات‪ C‬الدموي‪C‬ة‪ ،‬وجتمع‪C‬ات النج‪C‬وم يف اجملرات»‬
‫والبداية‪ C‬ك ‪CC C‬انت باحتض ‪CC C‬ان حقل الرياض ‪CC C‬يات أعم ‪CC C‬ال ومالحظ ‪CC C‬ات ل ‪CC C‬ورنز اليت تفسر ظ ‪CC C‬اهرة‬
‫االجتاه‪CC C C‬ات غري اخلطيّة اليت تستعصي على التفسري الكمي‪ .‬مث اجتمعت العل‪CC C C‬وم والرياض ‪CC C‬يات‬
‫واحلاسب اآليل من خالل هذه النظرية للخ‪C‬روج بنت‪C‬ائج مبه‪C‬رة من خالل الوص‪C‬ول إىل أش‪C‬كال‬
‫هندس‪CC C‬ية تس‪CC C‬مى انكس‪CC C‬ارات (‪ )fractals‬تتك‪CC C‬رر وتتش‪CC C‬ابه مهما اختلفت م‪CC C‬وازين أو من ‪CC‬اظري‬
‫مالحظتها‪ ،‬ومتثل الغيوم مثاالً جيدا‬
‫لالنكس ‪CC‬ارات تفسر كث ‪CC‬ريا من األم ‪CC‬ور اليت ك ‪CC‬انت ختفى من قب ‪CC‬ل‪ .‬ومع خبراء الفوض ‪CC‬ى‪ C،‬تأكد‬
‫أن اختالف ‪CC‬ات ص ‪CC‬غرية ج‪CC‬داً يف الظ‪CC‬روف األوىل للنظم ميكن أن تتض‪CC‬خم إىل اختالف ‪CC‬ات كب ‪CC‬رية‬

‫أنطوان بطرس‪ ،‬الثورات العلمية يف القرن العشرين‪ ،‬ش‪C‬ركة املطبوع‪C‬ات للتوزيع والنش‪C‬ر‪ ،‬لبن‪C‬ان‪ ،‬ط ‪،1997 ،2‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص‪103‬‬
‫جاميس‪ ،‬غليك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪16‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪63‬‬
‫ج‪CC C C C C C C C C C C C C‬داً‪ .‬ومما ال جيب إغفاله هو أن نظرية الفوضى‪ C‬مَتُت بص‪CC C C C C C C C C C C C C‬لة لدراسة النظم الدينامية‬
‫الالخطية‪ ‬وهي نظم ذات خ ‪CC‬واص حمددة ج ‪CC‬رت دراس ‪CC‬تها من قبل علم ‪CC‬اء الرياض ‪CC‬يات ألك ‪CC‬ثر‬
‫من قرن‪.‬‬
‫وخالل الثالث‪CC‬ون‪ C‬س‪CC‬نة املاض‪CC‬ية‪ ،‬لوحظ اهتم‪CC‬ام الب‪CC‬احثني بدراسة ه‪CC‬ذه النظم يف احلق‪CC‬ول‬
‫العلمية املختلفة وعلى س‪CC‬بيل املث‪CC‬ال الفيزي‪CC‬اء‪ ،‬والكيمي‪CC‬اء‪ C،‬واالقتص‪CC‬اد‪ .‬وك‪CC‬ان االهتم‪CC‬ام مرك‪Cً C‬زا‬
‫على‬

‫ق‪CC‬درة ه‪CC‬ذه النظم يف تفسري األش‪CC‬ياء اليت تب‪CC‬دو غريب‪CC‬ة‪ ،‬وتوصف بأهنا عش‪CC‬وائية‪ C‬وضوض‪CC‬اء‪ ،‬وال‬
‫ميكن توض‪CC‬يحها بالنم‪CC‬اذج التقليدي‪CC‬ة‪ .‬وع‪CC‬رفت نظرية الفوضى‪ C‬يف اآلونة األخ‪CC‬رية انتش‪CC‬ارا على‬
‫نط‪CC C C C C C‬اق واسع يف جمال العل‪CC C C C C C‬وم الطبيعية بل وامتد تطبيقها إىل العل‪CC C C C C C‬وم االجتماعية‪ .‬وحتولت‬
‫النظرية إىل« ما يش ‪CC‬به الث ‪CC‬ورة يف العل ‪CC‬وم الطبيعية (الفيزي ‪CC‬اء خصوص ‪CC‬ا) قبل أن ينتقل تأثريها‪ C‬إىل‬
‫ك‪C C‬ل من الفكر الفلس ‪CC‬في والسياسي واالجتم ‪CC‬اعي»‪ .1‬إن ال‪C C‬رباهين واألدلة اليت ق ‪CC‬دمها علم ‪CC‬اء‬
‫الفوضى‪ C‬من خالل جتاربهم وباس ‪CC C‬تخدام احلاس ‪CC C‬وب أك ‪CC C‬دت أن ما قد يب ‪CC C‬دو اختالف‪C C C‬اً يف غاية‬
‫الص‪CC‬غر يف م‪CC‬دخالت نظ‪CC‬ام ما‪ ،‬ميكن أن يك‪CC‬ون‪ C‬له نت‪CC‬ائج ض‪CC‬خمة يف املدى البعيد على النظ‪CC‬ام‪،‬‬
‫وأن النش ‪CC C‬اط العش ‪CC C‬وائي‪ C‬الظ ‪CC C‬اهر ملنظومة الفوضى ليس عش ‪CC C‬وائياً متام‪C C C‬اً‪ ،‬ولكنه ينتج من أمناط‬
‫معق ‪CC‬دة حتت ‪CC‬اج إىل حس ‪CC‬اب زادت يف امت ‪CC‬داد فكر الفوضى‪ C‬العلمي إىل جل النش ‪CC‬اطات البحثية‬
‫والعلمية املعاص‪CC C‬رة‪ ،‬وأص‪CC C‬بح مص‪CC C‬طلح (الفوض‪CC C‬ى)‪ C‬ميثل «اختص‪CC C‬ارا حلركة متص‪CC C‬اعدة أع‪CC C‬ادت‬
‫صوغ املؤسسة العلمية عامليا‪.‬‬
‫تك‪CC‬اثرت منت‪CC‬ديات الك‪CC‬ايوس‪ C‬وجمالت‪CC‬ه‪ .‬وخصص املس‪CC‬ؤولون عن التموي‪CC‬ل‪ ،‬يف اجليش األم‪CC‬ريكي‬

‫تقع املشكالت الالخطية يف دائرة اهتمام املهندسني‪ ،‬والفيزي‪C‬ائيني‪ ،‬والرياض‪C‬يني نظ ً‪C‬را ألن معظم األنظمة الفيزيائية‬ ‫‪‬‬

‫هي أنظمة الخطية متأص ‪CC‬لة يف الطبيع ‪CC‬ة‪ .‬ويص ‪CC‬عُب حل املع ‪CC‬ادالت الالخطي ‪CC‬ة‪ ،‬كما أهنا ت ‪CC‬ؤدي إىل ح ‪CC‬دوث ظ ‪CC‬واهر‬
‫مثرية لالهتمام مثل الشواش‪.‬‬
‫سامي خشبة ‪ ،‬مصطلحات الفكر احلديث‪ ،‬ج‪ 2‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،2006 ،‬ص‪149‬‬
‫‪1‬‬

‫‪64‬‬
‫و"سي آي إي ‪CC‬ه" ووزارة الطاقة أم ‪CC‬واال متعاظمة للبح ‪CC‬وث عن نظرية الفوض ‪CC‬ى‪ C.‬ويف اجلامع ‪CC‬ات‬
‫ومراكز البحث‪ُ ،‬ش ‪C C‬غلت أع‪CC C‬داد متزاي‪CC C‬دة من الب‪CC C‬احثني يف فهم الك‪CC C‬ايوس‪ ،‬وجعلته يف املوضع‬
‫األول من اهتمامها‪ ،‬مهما كانت طبيعة اختصاصاهتا األكادميية»‪. 1‬‬
‫وما مييز نظرية الفوضى‪ C‬عبورها للح‪CC‬دود الفاص‪CC‬لة بني التخصص‪CC‬ات العلمي‪CC‬ة‪ ،‬ألهنا تبحث‬
‫يف الطبيعة الكلية للنظم‪ .‬وب ‪CC C‬ذلك اس ‪CC C‬تطاعت أن جتمع علم ‪CC C‬اء ومفك ‪CC C‬رين من حق ‪CC C‬ول علمية‬
‫متنوعة‪ C‬ك‪CC C C C‬انت تعترب فيما مضى فروعا متباع‪CC C C C‬دة‪ .‬أما امليزة الثانية‪ C‬للك‪CC C C C‬ايوس اهتمامها بع‪CC C C‬امل‬
‫األش ‪CC C C‬ياء‪ ،‬ظ ‪CC C C‬واهر احلي ‪CC C C‬اة اليومية‪ C‬العادية اليت حجبت عن جمال املمارسة الفيزيائية « ومن بني‬
‫تلك الث‪CC‬ورات الثالث تتم‪CC‬يز الك‪CC‬اوس بأهنا تتن‪CC‬اول الع‪CC‬امل املباشر ال‪CC‬ذي ن‪CC‬راه وحنس‪CC‬ه‪ ،‬وتنظر إىل‬
‫أشياء على مقاس‬

‫اإلنس ‪CC‬ان‪ C.‬وللمقارن ‪CC‬ة‪ ،‬تتعامل النس ‪CC‬بية‪ C‬مع املقي ‪CC‬اس الكبري (الك ‪CC‬ون)‪ ،‬يف ما تفكر الكمومية‪C‬‬
‫على املقي‪CC‬اس األص‪CC‬غر (ال‪CC‬ذرة ودواخله‪CC‬ا)‪.‬وأما الك‪CC‬ايوس‪ C،‬فيتأمل يف التج‪CC‬ارب اليومية‪ C‬والعادية‬
‫للبشر‪...‬‬
‫ل‪CC C‬ذا ب‪CC C‬دت نظرية الفوضى‪ C‬وكأهنا ع‪CC C‬ودة إىل ما تركته الفيزي‪CC C‬اء ط‪CC C‬ويال‪ C.‬وقد أطلت دراس‪CC C‬اهتا‬
‫األوىل برأس ‪CC C‬ها من ه ‪CC C‬وامش‪ C‬علم الفيزي ‪CC C‬اء يف الق ‪CC C‬رن العش ‪CC C‬رين»‪ . 2‬وب ‪CC C‬النظر إىل اخلص ‪CC C‬ائص‬
‫األساس ‪CC C‬ية‪ C‬لنظرية الفوضى ميكن أن حنددها يف ثالثة عناصر هامة هي‪ :‬التش ‪CC C‬عبات‪ ،‬واجلاذب‪،‬‬
‫والتنظيم الذايت‪.‬‬
‫(‪) Bifurcations‬‬ ‫‪ /1‬التشعبات‬
‫عن ‪CC‬دما تص ‪CC‬بح منظومة دينامي ‪CC‬ة‪ ،‬فوض ‪CC‬وية معق ‪CC‬دة غري مس ‪CC‬تقرة يف بيئتها بس ‪CC‬بب االض ‪CC‬طراب أو‬
‫الض ‪CC‬غط‪ ،‬ف ‪CC‬ان حالة جاذبة تق ‪CC‬ود مسارات ه ‪CC‬ذا الض ‪CC‬غط إىل نقطة معينة تس ‪CC‬مى بنقطة التح ‪CC‬ول‬

‫جاميس‪ ،‬غليك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪17‬‬ ‫‪1‬‬

‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪19‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪65‬‬
‫الط‪CC C‬وري وتتش‪CC C‬عب‪ C‬املنظومة وتُ‪CC C‬دفع إما إىل حالة من نظ‪CC C‬ام جديد عرب التنظيم ال‪CC C‬ذايت‪ ،‬أو إىل‬
‫حالة‬
‫الالنظ ‪CC C‬ام‪ .‬فاملنظومة ت ‪CC C‬دخل مرحلة التش ‪CC C‬عب‪ C‬إىل منطقة افتراض ‪CC C‬ية (جمال افتراض ‪CC C‬ي) إذ تص‪CC C‬نع‬
‫اخليارات‪ ،‬فقد ختت ‪CC C C‬ار املنظومة هنا اجلاذب األك ‪CC C C‬ثر ت ‪CC C C‬أثي‪C‬را‪ ،‬أو ميكن أن تقفز من ج‪CC C C‬اذب إىل‬
‫ج ‪CC C C C C‬اذب آخر ففي ه ‪CC C C C C‬ذه املرحلة تتخذ اخليارات املس ‪CC C C C C‬تقبلية‪ C‬للمنظوم ‪CC C C C C‬ة‪ ،‬وتس ‪CC C C C C‬مى املرحلة‬
‫(بالفوضى العميق ‪CC C‬ة) فإما أن تعيد املنظومة‪ C‬تنظيم ذاهتا يف مس ‪CC C‬توى أعلى من التعقيد أو تنحل‬
‫وتتالشى وهذه العملية تعرف حبافة الفوضى‪ .C‬وتوجد ثالثة أنواع من التشعبات‪ C‬هي‪:‬‬
‫‪ -‬هادئ‪ :‬ويكون‪ C‬التحول فيه هادئا وسلساً‪.‬‬
‫‪ -‬كارثي ‪ :‬ويكون التحول فيه حاداً والنتيجة‪ C‬مزيداً من االضطراب‪.‬‬
‫‪ -‬انفج ‪CC C‬اري‪ :‬ويك ‪CC C‬ون التح ‪CC C‬ول مفاجئ‪C C C‬اً‪ ،‬وتتحكم فيه عوامل متقطعة تقلب املنظومة‬
‫وتدفعها من نظام إىل أخر‪ .‬فنقطة التشعب‪ C‬هي النقطة اليت تظهر بالنظ‪CC‬ام يف عملية تط‪CC‬وره‪ ،‬اذ‬
‫أن كل واح ‪CC‬دة حتاول أن ت ‪CC‬ربهن أهنا نقطة حامسة تع ُقد عليها االجتاه ‪CC‬ات املس ‪CC‬تقبلية‪ C‬والنج ‪CC‬اح‬
‫احملتمل‬

‫للتطور‪.‬‬

‫‪ /2‬اجلاذب ‪)Attractor( :‬‬


‫اجلواذب هي « عب‪CC C C C C‬ارة عن جمموعة من املس‪CC C C C C‬ارات هتوي أو متيل لنقطة واح‪CC C C C C‬دة وثابتة‬
‫واجلواذب الغريبة هي تلك اليت فيها اجلواذب حساسة ج‪CC C‬دا بالش‪CC C‬رائط البدئية‪ 1» C‬وهو منوذج‬
‫للمس ‪CC C‬ار ال ‪CC C‬ذي يرمسه س ‪CC C‬لوك املنظومة عن ‪CC C‬دما نعرب عنه ختطيطي‪C C C‬اً‪ ،‬ومييل س ‪CC C‬لوك املنظوم ‪CC C‬ات‬
‫الالخطية إىل التقلص واالنقباض‪ C‬ضمن مناطق حمددة من فضاء احلالة‪ ،‬ويسمى هذا االنقب‪CC‬اض‪C‬‬
‫باجلاذب‪ .‬وهو يرتبط بنظام ذو سلوك مضطرب عشوائياً‪ .‬وهو يعمل يف جمالني مها االستقرار‬
‫جالل احلاج عب ‪CC C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C‬د‪ ،‬املع ‪CC C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C‬ادالت واألنظمة الال خطي ‪CC C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C‬ة‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪http://www.jalalalhajabed.com/nonlinear_systems.pdf‬‬
‫‪66‬‬
‫والال اس‪CC‬تقرار وض‪CC‬من ح‪CC‬دود معين‪CC‬ة‪.‬ويرتبط اجلاذب باألش‪CC‬كال اليت ص‪CC‬نعها كم‪CC‬بيوتر ل‪CC‬ورنز و‬
‫« اشتهرت تلك األشكال احللزونية باسم "جاذب ل‪C‬ورنز" وللم‪C‬رة األوىل أظه‪C‬رت الص‪C‬ور اليت‬
‫‪1‬‬
‫للك‪CC‬ايوس»‬ ‫يصنعها‪ C‬كمبيوتر لورنز‪ ،‬أن ما تعرب عنه يش‪CC‬كل أم‪CC‬را معق‪CC‬دا ألهنا تضم الغىن اهلائل‬
‫وهناك ثالثة أنواع‪ C‬من اجلواذب هي‪:‬‬
‫‪-1‬اجلاذب النقطي‪ :‬يتعلق باملنظومات اليت تصل إىل توازن مستقر‪ ،‬ويرجع ليتوقف يف نقطة‬
‫واحدة‪.‬‬
‫‪-2‬اجلاذب ال ‪CC‬دوري ‪ :‬يتعلق باملنظوم ‪CC‬ات اليت تك ‪CC‬رر ذاهتا يف تأرجح ‪CC‬ات دوري ‪CC‬ة‪ ،‬مثل بن ‪CC‬دول‬
‫الساعة ‪.‬‬

‫‪-3‬اجلاذب الغريب ‪ :‬يتعلق بالنظام العشوائي إذ يدل من امسه على أنه يطرأ على املنظومة‪C‬‬
‫عندما تدخل مرحلة حافة الفوضى‪ ،‬بشكل غري متوقع وغري قابل للتنبؤ‪ C‬به مما يوحي بأنه‬
‫غريب فضاء الطور اخلاص باملنظومة‪ .C‬ولقد برهن العامل لورنز تأثري الجاذب الغريب‬
‫املعروف باسم تأثري الفراشة‪.‬‬
‫‪ -4‬التنظيم الذايت هي قدرة النظام الفوضوي على تنظيم وٕاعادة ترتيب ذاته يف سلسلة مماثلة‬
‫النمو بالرغم من تعقيد النظام فالتنظيم الذايت عملية انتظام جملموعة من القواعد البسيطة يف‬
‫شبكة مرتابطة‪ ،‬قادر على احلصول على املعلومات اليت يولدها‬
‫تنظيما ذاتيًّا حيدث تلقائيًّا‬
‫بنفسه واستخدامها كمدخل له‪ .‬إن « التعقيد (أو حافة الشواش)‪ً C‬‬
‫يف املنظومة البعيدة‪ C‬عن التوازن »‪ 2‬ومصطلح التنظيم الذايت ذو صلة مبفهوم نظم التكيف‬
‫املعقدة‪ C،‬ألهنا متكنه من التحول والتطور أو التكيف‪ C‬للتالؤم مع البيئة‪ C‬أو التفاعل معها‪.‬‬
‫فالسلوك الدينامي‪ C‬الذي متتاز به نظم التنظيم الذايت‪ ،‬ينتج من سلوكيات متفاعلة بعضها مع‬

‫جاميس غليك‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ص ‪47 ،46‬‬ ‫‪1‬‬

‫معني رومي‪CC C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C‬ة‪ ،‬م‪CC C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C‬دخل إىل نظرية التعقيد والش‪CC C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C‬واش‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪/http://maaber.50megs.com/issue_december03‬‬
‫‪epistemology_1.htm‬‬
‫‪67‬‬
‫البعض‪ C‬اآلخر يف أجزاء النظام‪ .‬وكما أن التنظيم الذايت يشري إىل قدرة املنظومة على التكيف‪C‬‬
‫مع الظروف احمليطة هبا من أجل البقاء على قيد احلياة‪ .‬فإعادة التنظيم ينتج من تغيري يف البيئة‪C‬‬
‫اخلارجية أو من اختالف جزئي يؤدي إىل تضخم النظام‪ ،‬فإذا كان التعامل مع التغيرات‬
‫البيئية جيد‪ ،‬فإن إعادة التشكيل اجلديدة تكون متوافقة‪ C‬مع هذه التغي‪C‬يرات‪ ،‬أما الفشل يف‬
‫هذه األنظمة يكون‪ C‬بعدم القدرة على التعامل بشكل أفضل مع متغيرات البيئة‪ .C‬وهنا يلعب‬
‫اجلاذب الغريب دوًرا كبيًرا يف حتقق املسار الفعلي الذي تسلكه املنظومة‪ ،‬مما يساعدها يف‬
‫البحث عن الفرص اليت حتاول هبا استخدام مناذج دينامية داخلية لتوقع املستقبل‪.‬‬

‫(‪)complexité‬‬ ‫الفوضى‪ C‬والتعقيد‪C‬‬ ‫‪‬‬


‫مع بداية سنة ‪ 1990‬ظهرت كلمة التعقيد‪ C‬بدالً من الفوضى‪ C‬ليدل على وجود حقل جديد‬
‫يف دراسة نظرية املنظومة‪ .‬و حدد املختصون‪ C‬ثالث مسات أساسية ميتاز هبا نظام التعقيد‪C‬‬
‫هي‪:‬‬
‫أوال‪ ،‬عوامل كثرية مستقلة تتفاعل مع بعضها البعض‪C.‬‬
‫ثانيا‪ ،‬نظام تفاعلي يستطيع أن يوجه النظام تلقائياً إيل التنظيم الذايت‪.‬‬
‫وثالثا‪ ،‬التعليم من خالل التغذية العكسية‪C.‬‬
‫لذلك يذهب أحد املنظريني لنظرية الفوضى‪ ( C‬جوزيف فورد ) إىل القول " إن التطور هو‬
‫والتبددية‪،‬‬ ‫الفوضى‪ C‬مصحوبة بتغذية راجعة وإذا كان صحيحا أن الكون‪ C‬هو العشوائية‬
‫‪1‬‬
‫فإهنا عشوائية‪ C‬ذات اجتاه‪ ،‬ومن مثة فإنه يفرز تعقيدا مدهشا"‬
‫وانطالقا من هذه اخلصائص األساسية‪ C‬لنظام التعقيد‪ C‬ميكن القول على ان العديد من‬
‫العوامل‪ C‬املستقلة واملتفاعلة فيما بينها‪ ،‬وبطرائق خمتلفة تسمح للنظام التفاعل بالتوجه إىل‬
‫تنظيم ذاته تلقائياً‪ .‬كما عرف التعقيد على أنه ميزة أساسية للنظام الفوضوي الدال على أنه‬

‫‪1‬‬
‫جيمس غليك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪250‬‬

‫‪68‬‬
‫يتألف من عدد من املكونات املتفاعلة‪ ،‬وكلما ازدادت درجة التعقيد كلما أصبح سلوك‬
‫النظام قابلا للتعديل والتنبؤ‪.‬‬
‫وما خنلص إليه أن نظرية الفوضى متثل منوذجا علميا جديدا للتفكري يف املعلومات القدمية‬
‫واليت أُمهلت بسبب خروجها عن املألوف‪ ،‬وجذرت توجها يرى بأن‪ C‬اإلفراط يف تفرع‬
‫التخصصات العلمية يشكل عائقا أمام حبوث العلماء‪ ،‬فمن غري اجملدي الرتكيز على األجزاء‪،‬‬
‫مبعزل عن الصورة الكلية‪ .‬إن نظرية الكايوس أهنت األسلوب االختزايل يف التفكري العلمي‬
‫وأقنعت‪ C‬العلماء بأهنم يسامهون يف والدة علم جديد‪ ،‬سواء ختصصوا يف البيولوجيا أو‬
‫الرياضيات أو الفيزياء‪ ،‬أيا كان حقل اختصاصهم‪ ،‬فإن مهمتهم تتمثل يف فهم التعقيد‪C‬‬
‫كظاهرة يف ذاهتا ‪.‬‬
‫‪ /4‬نظرية املعلومات‬
‫تعترب نظرية املعلومات ثورة ثالثة بعد اكتشاف الكتابة والطباعة‪ .‬حيث أتاحت هذه‬
‫الثورة يف النصف الثاين من القرن العشرين وباندماج ظاهرة تفجر املعلومات وتعدد وسائل‬
‫االتصال وقنواته‪ C‬وأساليبه بتنامي النتاج الفكري مبختلف أشكاله واللغات اليت يصدر فيها‪.‬‬
‫وبفضل ختزين واسرتجاع املعلومات‪ .‬واملعلومات مبنظور هذه النظرية « جمموعة من الرسائل‬
‫املمكنة‪ C.‬مبعىن أهنا حمكومة خبيارات‪ .‬واخليارات اليت تتوقف عليها هذه اإلمكانات تعتمد‬
‫‪1‬‬
‫»‬ ‫على األرجحيات‬
‫وتكتسي‪ C‬هذه النظرية أمهية بالغة ألهنا « مكنت‪ C‬للمرة األوىل‪ ،‬من وضع تعريف رياضي‬
‫ملفهوم‪ C‬املعلومات‪ ،‬واليت هي كمية جمردة غري ملموسة‪ ،‬وبالتايل من وضع نظم لنقل‬
‫املعلومات وضبطها والتحكم هبا‪ ،‬باإلضافة إىل توفري األسس الحتساب مدى قدرة األنظمة‬
‫على بث املعلومات وخزهنا»‪ 2‬وهذا ما مكن من إعطاء ِسعة ملفهوم املعلومات وانسحابه‬

‫أنطوان بطرس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪212‬‬ ‫‪1‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪209‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪69‬‬
‫على حقول كثرية ‪.‬‬
‫ويرجع الفضل يف ظه‪CC‬ور نظرية املعلوم‪CC‬ات « إىل كت‪CC‬اب النظرية الرياض‪CC‬ية لالتص‪CC‬ال لكل‪CC‬ود‬
‫ش‪CC‬انون وواين ويفر الص‪CC‬ادر س‪CC‬نة ‪.1948‬فقد اق‪CC‬رتح ه‪CC‬ذان املهندس‪CC‬ان ص‪CC‬يغة متكن من االنتق‪CC‬ال‬
‫من القص ‪CC‬ور احلراري إىل املعلوم ‪CC‬ة‪ .‬ه ‪CC‬ذه األخ ‪CC‬رية‪ ،‬تق ‪CC‬وم على بث عالم ‪CC‬ات ورس ‪CC‬ائل وبالت ‪CC‬ايل‬
‫تبطل أو تقلص من القص ‪CC C‬ور احلراري‪ ،‬كما أن املعلومة اليت يس‪CC C‬تقبلها نظ ‪CC C‬ام مفت ‪CC C‬وح تش ‪CC C‬كل‬
‫(‪claude‬‬ ‫مقياسا لتقلص الاليقني أو االختالل»‪ 1‬ومن ه‪CC C C C C C‬ذا املنطلق يعترب كل‪CC C C C C C‬ود ش‪CC C C C C C‬انون‬
‫‪)Shannon‬ـ عامل الرياضيات مؤسس‪C‬ا لعلم املعلوم‪C‬ات احلديث‪ .‬حيث تع‪C‬رض نظريته النم‪C‬وذج‬
‫العام لنظام االتصال‪.‬‬
‫وأدرك الكيفية اليت ميكن التعبري فيها عن املعلوم‪CC‬ات بش‪CC‬كل رقمي ثن‪CC‬ائي‪ C‬وأثبت أن األدلة اليت‬
‫تنفذ تعليم‪CC C C C‬ات منطقية ميكن أن تع‪CC C C C‬اجل املعلوم‪CC C C C‬ات وك‪CC C C C‬ان حمور فكرته كيف ميكن ل‪CC C C‬دوائر‬
‫احلاس‪CC C‬وب املغلقة واملفتوحة أن تق‪CC C‬وم بعملي‪CC C‬ات منطقية مس‪CC C‬تخدمة النظ‪CC C‬ام الثن‪CC C‬ائي فما أن يتم‬
‫تحويل املعلوم‪CC‬ات إىل أرق‪CC‬ام تس‪CC‬مى األرق‪CC‬ام الثنائية‪ .) 0 .. 1 ( C‬فإنه يص‪CC‬بح باإلمك‪CC‬ان ترمجة‬
‫كل املعلومات وختزينها‬
‫واستخدامها داخل حاسوب ما‪.‬‬
‫إن هذه النظرية كانت هتدف أساسا إىل« معاجلة ظواهر مشوشة هي عبارة عن أنواع من‬
‫التشويش‪ C‬موجودة يف كل قناة لالتصال‪ ،‬واقرتاح نظرية متكن من حتسني مردودية الشبكة‬
‫اإلعالمية »‪ 2‬ويتم ذلك من خالل امتالك ما ميكن من التزويد باملعلومات واستعماهلا‬
‫وختزينها ونقلها‪ ،‬وقد احتاج شانون أن يتعرف بدقة على كمية املعلومات املطلوب إرساهلا‬
‫عرب قنوات اتصال لتحديد كفاءة القناة بدقة لذلك وجد ضرورة يف صياغة مفهوم املعلومات‬
‫بصورة كمية وهذا ما فعله يف سنة (‪ .)1949‬ويتكون‪ C‬نظام االتصاالت‪ C‬وفقاً ملا يراه شانون‬
‫بيرين‪CC‬ار‪ ،‬م‪CC‬ييج‪ ،‬الفكر االتص‪CC‬ايل من التأس‪CC‬يس إىل منعطف األلفية الثالث‪CC‬ة‪ ،‬ت‪CC‬ر‪ :‬أمحد القص‪CC‬وار‪ ،‬دار توبق‪CC‬ال للنش‪CC‬ر‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ط‪ 1.‬املغرب‪ ،2011 ،‬ص ‪18‬‬


‫املرجع‪ ،‬السابق‪ ،‬ص ‪19‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪70‬‬
‫ويرتكز املفهوم األساسي للمعلومات من وجهة نظر شانون «كل مصدر إعالمي يولد رسالة‬
‫وأن هذه الرسالة ينبغي تشفريها ليصبح باالمكان‪ C‬حتويلها إىل إشارات عرب قناة‪ .‬وخالل‬
‫عملية البث‪ C‬هذه يتولد داخل القناة اضطرابا غري مرغوب فيه يطلق عليه ضجيجأو صوت‪.‬‬
‫ويتم مترير االشارة مع الصوت أو الضجيج عرب مفكك للرموز يعيد الرسالة إىل شكلها‬
‫األصلي ويوصلها إىل وجهتها بأقل درجة ممكنة من التشويه »‪ 1‬فمكوناته الأساسية هي ‪:‬‬
‫املرسل (‪ ) émetteur‬و هو الشخص أو احلاسوب الذي يتوىل مهمة إرسال‬ ‫‪1‬‬
‫اإلشارات أو الرسائل ‪.‬‬
‫‪ -2‬املش‪CC‬فر (‪ .) Le code‬و هو اجله‪CC‬از ال‪CC‬ذي يق‪CC‬وم بتش‪CC‬فري الرس‪CC‬الة ( تغيري ش‪CC‬كلها )‬
‫لغ‪CC‬رض نقلها من خالل االتص‪CC‬ال ‪ .‬فالرس‪CC‬الة اليت يبعثها احلاس‪CC‬وب بالص‪CC‬يغة ( ‪ ) 0 . 1‬تغري‬
‫إىل الصيغة‪ C‬القياسية لغرض نقلها ‪.‬‬

‫‪ -3‬قناة اإلتصال (‪ ) le canal de communication‬و هي الوسيلة اليت تنتقل الرسالة‬


‫من خالهلا ‪ .‬فقن‪CC‬اة االتص‪CC‬ال يف اهلاتف هي األس‪CC‬الك النحاس ‪C‬ية الثنائية واحملور أو املايكرويف‪،‬‬
‫أو األقمار الالقطة ‪.‬‬
‫‪ -4‬مفسر الشفرة ( ‪ ) decoder‬هو املشفر نفسه‪ ،‬لكنه يعمل بصورة معكوسة‪ C‬فهو‬
‫يفسر الرسائل املشفرة وحيوهلا إىل صيغة مفهومة ‪.‬‬

‫‪ -5‬املس‪CC C‬تقبل (‪ . . ) récepteur‬وهو املرسل نفسه‪ ،‬ولكنه يق‪CC C‬وم مبهمة تس‪CC C‬لم الرس‪CC C‬الة أو‬
‫‪2‬‬
‫استقباهلا‪ C‬و حني يبعثها‪ C‬فإنه يتحول إىل مرسل‬
‫لقد وضع شانون األساس الرياضي لكمية املعلومات واليت عرفها على أهنا قياس‬
‫( عنصر املفاجأة ) فكلما كانت املعلومات مفاجئة كانت كميتها أكرب فكان من الطبيعي‪C‬‬

‫انطوان بطرس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪209‬‬ ‫‪1‬‬

‫أنظ‪CC‬ر‪ ،‬حممد حمم‪CC‬ود احليلة‪ ،‬تكنولوجيا التعليم بني النظرية والتط‪CC‬بيق‪ ،‬دار املس‪CC‬رية للتوزيع والنشر والطباع‪CC‬ة‪ ،‬ط‪،9‬‬ ‫‪2‬‬

‫األردن ‪ ،2014‬ص ‪.92 ،91‬‬

‫‪71‬‬
‫أن جتد نظرية املعلومات يف نظرية االحتماالت وسيلتها يف حتديد مدى‬
‫املفاجئة كمياً ‪.‬لقد بني « شانون بطريقة ال لبس فيها‪ ،‬ضرورة هذا املفهوم‪ ،‬من خالل‪،‬‬
‫ربط كمية املعلومات املرسلة إىل إحتمال الرتكيب بني لعبة العالمات اليت تتجزأ إىل وحدات‬
‫فردية أو ثنائية‪ C،‬إهنا البت »‪ 1‬و لتوضيح ما قصد شانون مبفهوم كمية املعلومات فاملثال‬
‫التقليدي هنا هو حرف (‪ )U‬الذي البد أن يتبع حرف(‪ )Q‬يف مجيع الكلمات اإلجنليزية‬
‫وبالتايل فهو ال ينطوي على أي قدر من املفاجأة‪ C‬و عليه فكمية املعلومات اليت حيملها‬
‫مساوية للصفر و الشيء نفسه بالنسبة لعالمة االستفهام‪ C‬يف هناية اجلمل اليت تبدأ بأداة‬
‫االستفهام فمن املمكن إسقاطها‪ C‬دون أي خلل يف املعىن ( مثال ‪ :‬ملاذا تفعل هذا )‪ .‬لكن‬
‫كمية املعلومات اليت تنطوي عليها صورة مساء صافية تقل عن تلك اليت لسماء تسودها‬
‫السحب والغيوم ‪.‬‬
‫التشويش‪ parasite((C‬مهما كان نوع العملية االتصالية‪ C‬ومشواها‪ ،‬أما نوع الوسيلة‬ ‫‪-6‬‬
‫املستخدمة‪ ،‬فإن هناك بعض عناصر التشويش‪ C‬اليت حيتمل أن تتداخل يف العملية االتصالية مما‬
‫يتمكن أن تؤثر جناح العملية االتصالية‪C.‬‬
‫وامتد مشول نظرية املعلومات يف استخداماهتا إىل «درجة أهنا تطبق اليوم‪ C‬على االشارات اليت‬
‫تبثها الشبكات العصبية لدى االنسان واحليوان‪ C،‬كما أهنا تعتمد لفهم آلية النظام املعلومايت‬
‫‪2‬‬
‫»‬ ‫الدقيق الذي ينظم انتقال املعلومات‪ ،‬مبعناها الوراثي‪ ،‬يف الكائنات‪ C‬من جيل آلخر‬
‫ولذلك أصبح التعامل مع املعلومات بصفتها احلقيقة الثالثة‪ C‬للكون بعد املادة والطاقة‪.‬‬
‫‪ ‬اإلعالم والسيربنيتيقا‬
‫الس ‪CC‬يربنتيك كلمة جدي ‪CC‬دة ظه ‪CC‬رت مبعناها احلايل يف س ‪CC‬نة ‪ 1948‬عن طريق الع ‪CC‬امل األم ‪CC‬ريكي‪C‬‬
‫ن ‪CC‬وربرت في ‪CC‬نر (‪ )Norbert Weiner‬يف كتابه "الس ‪CC‬يربنتيك"‪ C‬أو التحكم واالتص ‪CC‬االت يف‬
‫‪1‬‬
‫‪Daniel parrochia, philosophie des réseau, press universitaires de France 1993, p60-‬‬
‫‪61‬‬
‫انطوان بطرس‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪210‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪72‬‬
‫الك‪CC‬ائن احلي ويف اآللة "‪ .‬و« أصل ه‪CC‬ذا اللفظ يون‪CC‬اين (‪...)Kubernétiké‬ومعن‪CC‬اه فن احلكم‬
‫أو التوجيه واإلدارة »‪ 1‬وك ‪CC C‬ان يقصد هبا قي‪CC C C‬ادة الرب ‪CC C‬ان للس ‪CC C‬فينة‪ .‬واس‪CC C C‬تخدمت ه ‪CC C‬ذه الكلمة‬
‫س‪CC‬ابقاً من قبل أفالط‪CC‬ون أثن‪CC‬اء حماوراته عن فن قي‪CC‬ادة الس‪CC‬فينة ‪ .‬ومن أفالط‪CC‬ون غ‪CC‬اب اس‪CC‬تعمال‬
‫هذا املصطلح إىل غاية بدايات القرن التاسع عشر حيث وظفه العامل الفرنسي ((أندريه م‪CC‬اري‬
‫أمب‪CC‬ري)) يف كتابه (مق‪CC‬االت يف فلس‪CC‬فة العل‪CC‬وم) واعت‪CC‬ربه‪ C‬علم إدارة اجملتمع‪CC‬ات ال‪CC‬ذي يه‪CC‬يئ‪ C‬للع‪CC‬امل‬
‫فرصة االس ‪CC‬تمتاع بالع ‪CC‬امل‪ .‬ومنذ ذلك ال ‪CC‬وقت مل يت ‪CC‬داول ه ‪CC‬ذا املص ‪CC‬طلح إىل غاية نشر الع ‪CC‬امل‬
‫األم ‪CC‬ريكي (في ‪CC‬نر) لكتابه الس ‪CC‬يربنتك‪ )cybernetic( C‬بوص ‪CC‬فه علم يربط العل ‪CC‬وم مع بعض ‪CC‬ها‬
‫البعض‪ C‬داخل إط ‪CC C‬ار نظرية التحكم‪ .‬و « وصف بأنه العلم ال ‪CC C‬ذي يش ‪CC C‬رح فيه الفس ‪CC C‬يولوجيون‪C‬‬
‫‪2‬‬
‫للمهندسني كيف يبن‪CC‬ون‪ C‬اآلالت ويش‪CC‬رح فيه املهندس‪CC‬ون‪ C‬للفيزيولوج‪CC‬يني كيف تسري احلي‪CC‬اة »‬
‫ويف العصر احلايل أص ‪CC‬بح الس ‪CC‬يربنتيك نظرية فلس ‪CC‬فية وعلمية ش ‪CC‬املة اس ‪CC‬تطاعت‪ C‬أن تك ‪CC‬ون جمالا‬
‫للحوار بني الفلاسفة‬
‫وعلم ‪CC‬اء الرياض‪C C‬يات وال ‪CC‬ذرة والفيزيولوجيا‪ C‬واالقتص ‪CC‬اد واحلرب إخل … أي أهنا أص ‪CC‬بحت لغة‬
‫عصرنا‪.‬‬
‫والسيربنيتك بمفهومها احلايل هي « العلم الذي يدرس النظريات العامة للتحكم يف‬
‫النظم املختلفة سوا كانت بيولوجية أو تكنولوجية‪ ،‬ويعرف أيضا بأنه علم نقل اإلشارات أو‬
‫علم التحكم الذايت »‪ 3‬فهي احملاكاة‪ C‬املنطقية بني اإلنسان‪ C‬ووسطه للتوصل إىل هدف معني‬
‫ومرسوم ميكن من بذل جمهود أقل للحصول على نتائج أفضل‪ .‬ولذلك بدأ علم السيربنتيك‬
‫باستعاضة اإلنسان‪ C‬باآللة يف كثري من األعمال وخاصة اخلطرة واجملهدة منها واليت حتتاج إىل‬
‫قوى كبرية ‪.‬وبالعودة إىل كتاب العامل فينر عن السيربنتيك وكوهنا اجملال الكامل لنظرية‬

‫مجيل صليبا‪ ،‬املعجم الفلسفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪682‬‬ ‫‪1‬‬

‫حممد مص‪CC‬طفى‪ C‬الف‪CC‬ويل‪ ،‬الس‪CC‬يربنطيقا(لن‪CC‬وربرت في‪CC‬نر)‪ ،‬اهليئة املص‪CC‬رية العامة للكت‪CC‬اب‪ ،‬دط‪ ،‬الق‪CC‬اهرة‪ ،1994 ،‬ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪137‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪137‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪73‬‬
‫التحكم واالتصال يف اآللة ويف احليوان‪ C‬على السواء ‪ .‬نرى أن السيربني‪C‬طيقا اليت وضع أسسها‬
‫وينر ‪ .‬هي يف آن علم لألجهزة العضوية‪ C‬البشرية وغري البشريه ولد بفعل التقريب بني‬
‫‪1‬‬
‫سلوكات األجهزة العضوية البيولوجية‪ C‬واملعدات التقنية‪ ،‬وفن حلكم أو قيادة شؤون العامل»‬
‫فهي ليست سوى حمصلة لتطور اآللة واإلنسان‪ C‬عرب الزمن‪ .‬وقد سعى فينر إىل إجياد آالت‬
‫قادرة على حماكاته(أي االنسان) وأن تنوب عنه يف عمله‪.‬‬
‫وعليه ميكن القول بأن فينر استطاع اجلمع بني علوم متعددة واستطاع أن يوجد الصلة‬
‫بينها‪ .‬بل وأكد «على أمهية طرق املواضيع‪ C‬اليت جتمع بني التخصصات املختلفة املعروفة يف‬
‫وقت ما‪ ،‬مع الربط بني هذه التخصصات »‪ 2‬وخاصة املتعلقة بعلوم الوظائف وعلم النفس‬
‫واالجتماع مع علوم التحكم والقيادة وذلك بعرضه لنظريات الفيزياء احلديثة كامليكانيكا‬
‫اإلحصائية‪ C‬ونظرية السالسل الزمنية ونظرية األعالم ونظرية املفعول‪ C‬الرجعي يف امليكانيكا‬
‫باعتبار أن ذلك مطابق لروح السيربنتيك ألن «التصدي للمسائل املعقدة يوحد أهداف مجيع‬
‫االختصاصيني يف سائر اجملاالت هلذا فهم يستخدمون اللغة نفسها لكنهم يسلكون طرقا‬
‫متباينة‪ C‬تعتمد على مصطلحات خمتلفة‪...‬استجابة‪ C‬هلذه الرغبة واحلاجة امللحة لتوحيد املسائل‬
‫‪3‬‬
‫والطرق املستخدمة لتفسري العمليات املعقدة‪ C،‬فقد نشأ علم ثوري جديد هو السيربنتيك»‬
‫فهو علم مجع حتت تسمية واحدة عدة مذاهب أصبحت راسخة األساس و أثبت‪ C‬كل منها‬
‫قيمته الفعالة يف جماله اخلاص‪ .‬إن اجملال السيربنطيقي‪ C‬قد تتجه فيه « الدراسات يف بعض‬
‫فروع العلم اجتاهات متعددة مثل دراسة اجلهاز العصيب‪ .‬فهناك دراسات رياضية وأخرى‬
‫احصائية أو كهربائية أو فيسيولوجية ويف كل من هذه االجتاهات املختلفة لفروع العلم اليت‬
‫تنطبق عليها هذه احلالة جند أن كل اصطالح يف أي من هذه االجتاهات له اسم ومعىن‬

‫برينار‪ ،‬مييج‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪19‬‬ ‫‪1‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪140‬‬ ‫‪2‬‬

‫مظفر ش ‪CC‬عبان‪ ،‬ومسري ش ‪CC‬عبان‪ ،‬الس ‪CC‬يربنتيك‪ ،‬فكر مب ‪CC‬دع جيسد وح ‪CC‬دة الطبيع ‪CC‬ة‪ ،‬منش ‪CC‬ورات وزارة الثقاف ‪CC‬ة‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫دمشق‪ ،1991 ،‬ص‪ ،‬ص ‪203 ،202‬‬


‫‪74‬‬
‫خاص‪ .‬ويف نفس الوقت قد جند أن عمال مهما جيري ثالث أو أربع مرات حسب‬
‫االجتاهات اليت تتحكم يف البحث»‪. 1‬‬
‫السيربنيتي‪C‬ك وعلوم الكائن احلي‬
‫يف كتاب‪C C‬ه الس ‪CC‬يربنتيك‪ C‬ح ‪CC‬اول في ‪CC‬نر تفسري الظ ‪CC‬واهر احلياتية‪ ،‬والنفس ‪CC‬ية والنفس ‪CC‬يةاحلياتية‪ C‬اليت‬
‫الحظها يف الك‪CC C‬ائن احلي‪ ،‬و حماولة إمكانية إجياد الش‪CC C‬به بني ه‪CC C‬ذه الكائن‪CC C‬ات موض‪CC C‬وع املراقبة‬
‫واملفاهيم اليت تدور حوهلا‪ .‬ولذلك ميكن القول بأن الس‪CC‬يربنتيك يع‪CC‬اجل « الص‪CC‬يغ العامة خلواص‬
‫اجلمل املعلوماتية الطبيعية‪ C‬والص ‪CC‬نعية على حد س ‪CC‬واء‪ ،‬والعملي ‪CC‬ات اليت جتري يف داخلها ‪ .‬وتتم‬
‫‪2‬‬
‫املعاجلة هنا وفق منطلق ‪CC C‬ات كل من اجلم ‪CC C‬ل‪ ،‬التحكم‪ ،‬املعلوم ‪CC C‬ات‪ ،‬اللعب‪ ،‬األلغوريتم‪CC C‬ات »‬
‫وكمثال على ذلك يتم النظر يف ‪:‬‬
‫‪-1‬بنية‪ C‬عناصر اجلهاز العصيب يف اإلنسان وذاكرة بعض اآلالت اإللكرتونية‪ C‬احلاسبة وهي‬
‫بشكل حلقات مغلقة تكون دارات حتكم‪ .‬ومنها استنتج أن حلقات اجلهاز العصيب هي‬
‫مركز ذاكرة اإلنسان‪.‬‬
‫‪ -2‬بنية قاع البطني الرابع يف الدماغ وبنية‪ C‬آلة معدة للتعرف إىل شكل األحرف الطباعية‪ C‬أياً‬
‫كان بروزها وأي كان حجمها ومنها استنتج طريقة تكون مفهوم الشكل يف الدماغ‪.‬‬
‫‪ -3‬بعض حاالت الشفاء تتم عن طريق الصدمة الكهربائية‪ C‬وكذلك إلصالح بعض األعطال‬
‫يف اآلالت احلاس‪CC C C‬بة يتم عن طريق حتريض‪CC C C C‬ات ترسل كيفي ‪C C C‬اً واس‪CC C C‬تنتج منها وجه الش‪CC C C‬به بني‬
‫حلق‪CC‬ات اآللة احلاس‪CC‬بة وحلق‪CC‬ات ال‪CC‬دماغ‪ .‬ومن كل ذلك خلص في‪CC‬نر إىل الق‪CC‬ول أن هن‪CC‬اك مب‪CC‬دأً‬
‫واح‪CC C C C‬داً لعمل الك‪CC C C C‬ائن احلي وعمل اآلالت إذا ك‪CC C C C‬ان ه‪CC C C C‬ذا العمل هادف ‪C C C C‬اً ه‪CC C C C‬ذا املب‪CC C C‬دأ أمساه‬
‫السيربنتيك أو القيادة واالتصاالت يف الكائن احلي ويف اآللة‪.‬‬
‫ومما سبق نرى بأن السيربن‪C‬تيك هو علم اآللة اليت حتاكي الك‪CC‬ائن احلي‪ ،‬وعلم كيفية نقل‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪ ،‬ص‪141 ،140‬‬ ‫‪1‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪210‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪75‬‬
‫املعلوم‪CC C C‬ات بني أعض‪CC C C‬ائه‪ C‬الفكرية واحلس‪CC C C‬ية وحماكاهتا عند اآلالت اليت تق‪CC C C‬وم بوظ‪CC C C‬ائف ه ‪CC C‬ذه‬
‫األعض‪CC‬اء الفكرية واحلس‪CC‬ية‪ .‬فه‪CC‬ذا العلم يس‪CC‬عى إىل التق‪CC‬ريب‪ C‬بني نظ‪CC‬امني للتحكم‪ .‬ألنه ي‪CC‬درس‬
‫طريقة تفكري اإلنس‪CC‬ان ويف ال‪CC‬وقت ذاته ي‪CC‬درس مب‪CC‬ادئ بن‪CC‬اء األجه‪CC‬زة اآللي‪CC‬ة‪ .‬واهلدف من ذلك‬
‫حماولة مكننة العمل ال‪CC C‬ذهين لإلنس‪CC C‬ان بواس‪CC C‬طة ه‪CC C‬ذه األجه‪CC C‬زة‪ .‬والس‪CC C‬يربنيتية تعتمد وبش‪CC C‬كل‬
‫أساسي على نظرية الإعالم اليت وض ‪CC C C C‬عها الرياضي كل ‪CC C C C‬ود ش ‪CC C C C‬انون‪ .‬ألن «ختزين املعلوم ‪CC C C‬ات‬
‫ومعاجلة املعلوم‪CC‬ات وغريه‪CC‬ا‪ ...‬ترتبط ارتباطا وثيقا بالس‪CC‬يربنتيك‪ C‬وال ميكن إدخاهلا يف أي ف‪CC‬رع‬
‫آخر من ف ‪CC‬روع العلم »‪ 1‬إذ تعترب معاجلة املعلوم ‪CC‬ات وأجه ‪CC‬زة معاجلة املعلوم ‪CC‬ات من األدوات‬
‫األساسية‪ C‬للسيربنتيك‪C.‬‬

‫‪ ‬السيربنيتي‪C‬ك ومفهوم املفعول الرجعي‬


‫إن مفهوم املفعول‪ C‬الرجعي أو التغذية الراجعة (‪ )Feedback system‬هي عبارة عن‬
‫معلومات صادرة بناءا على معلومات سابقة أو هي ارتباط بني مدخالت وخمرجات‪ .‬إن «‬
‫استعمال جزءا من اخلرج يف نظام ما‪ -‬للتحكم بالدخل يطلق عليه التغذية العكسية‪ C‬أو‬
‫املرتدة فعندما يتصل اخلرج بالدخل حنصل على التغذية املرتدة اليت تستعمل ملراقبة أية عملية‬
‫وضبطها بالشكل الالزم واملطلوب‪ .‬بشكل آخر فإن التغذية العكسية‪ C‬هي إحدى خصائص‬
‫نظم التحكم املغلقة اليت تسمح للخرج بأن‪ C‬يقارن مع الدخل لكي يتم العمل التحكمي‬
‫املالئم »‪2‬وهي التي توعز الفرصة بني اآللة والكائن احلي‪ ،‬ألهنا تشكل عنصرا أساسيا وهاما‬
‫يف مجيع اآلالت ذاتية التحكم‪ ،‬بل ويستحيل أن جند آلة سيربنتيكية بدون تغذية راجعة‪.‬‬
‫املرجع السابق‪168 ،167 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫يف كل مجلة أو نظ ‪CC C C‬ام هن‪CC C C C‬اك مفهوم ‪CC C C‬ان خاص ‪CC C C‬ان‪ ،‬املدخالت واملخرج ‪CC C‬ات‪ .‬املدخالت متثل املواد واملعطي‪CC C C C‬ات‬ ‫‪‬‬

‫واألرق‪CC C‬ام‪...‬أخل الداخلة إىل اجلمل‪CC C‬ة‪ .‬أما املخرج‪CC C‬ات فهي املعطي‪CC C‬ات أو املواد اخلارجة من اجلمل‪CC C‬ة‪ .‬مثال م‪CC C‬دخالت‬
‫اآللة البخارية هو البخار الذي يقوم بدفع مكبس اآللة‪ .‬أما خمرجات اآللة تتمثل يف حركة املكبس‪.‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪152 ،150‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪76‬‬
‫ويتضح مفهوم املفع‪CC‬ول‪ C‬ال‪CC‬رجعي يف تقنية‪ C‬ض‪CC‬بط اآلالت عن‪CC‬دما نطبق على نظ‪CC‬ام آيل بعض‬
‫األعمال الفيزيائية احملسوبة‪ .C‬حبيث تأيت بنتيجة مطلوبة وال متكننا ش‪CC‬وائب احلس‪CC‬اب أو ش‪C‬وائب‪C‬‬
‫التحقيق ‪CC‬ات املادية من احلص ‪CC‬ول على نتيجة مقاربة نقيس الف ‪CC‬رق بني النتيجة املطلوبة والنتيجة‬
‫احلاص‪CC‬لة ومن مث حنسب التع‪CC‬ديالت‪ C‬ال‪CC‬واجب إدخاهلا على األعم‪CC‬ال الفيزيائية‪ C‬اليت طبقناها على‬
‫النظ ‪CC‬ام لنزيل ه ‪CC‬ذا الف ‪CC‬رق وحنمل النظ ‪CC‬ام على أن ي ‪CC‬ؤثر على ذات ‪CC‬ه‪ .‬ألن أي «نظ ‪CC‬ام س ‪CC‬يربنتيكي‬
‫حيتوي‬
‫على أنظمة الس‪CC‬تقبال املعلوم‪CC‬ات القادمة وتفهمها (مبعىن أن يك‪CC‬ون‪ C‬النظ‪CC‬ام املس‪CC‬تقبل ق‪CC‬ادرا على‬
‫حل ش‪CC‬فرة املس‪CC‬ائل القادم‪CC‬ة) وبعد تفهم املعلوم‪CC‬ات املرس‪CC‬لة ووض‪CC‬عها يف املك‪CC‬ان‪ C‬املناس‪CC‬ب‪ C،‬يتم‬
‫ربطها باملعلوم ‪CC‬ات الس ‪CC‬ابقة املوج ‪CC‬ودة يف النظم الس ‪CC‬يربنتيكية األخ ‪CC‬رى‪ ،‬حىت ميكن إح ‪CC‬داث رد‬
‫الفعل‬
‫املناسب واملطل‪CC C C‬وب بن‪CC C C‬اء على اإلش ‪CC C‬ارة املرس‪CC C C‬لة أساسا»‪ 1‬ونس‪CC C C‬تطيع أن نكتشف مفع‪CC C‬والت‬
‫رجعية يف مجيع تص ‪CC C C‬رفات الكائن ‪CC C C‬ات احلية احلس ‪CC C C‬ية منها والنفس ‪CC C C‬ية وميكن أن تك ‪CC C C‬ون‪« C‬حلقة‬
‫التغذية قد تكون موجبة أو سالبة»‪ 2‬وعليه ميكن التمييز بني‪:‬‬
‫‪ /1‬تغذية راجعة سلبية وهي الرد بشكل خطي (‪ ) liniear‬وهي عبارة عن استجابة آلية‬
‫ملنبه ما‪ ،‬وهدا النوع من االستجابة موجود يف اجليل األول من األنظمة السيربنيطيقية‪. C‬‬
‫‪ /2‬التغذية الراجعة اإلجيابية‪ C‬وهي الخطية (‪ ) nolinear‬مبعىن ميكن أن يكون الرد متنوعا‬
‫فهو رد ذكي يتبدل حسب إمكانات متعددة‪.‬‬
‫وأمثرت تطبيقات السيربنتيك‪ C‬إخرتاعات عدة منها ‪ :‬نظام املدفعية املضادة للطائرات خاصة‬
‫بعد احلرب العاملية الثانية‪ C‬حيث تتابعت‪ C‬الدراسات هبذا االجتاه وتطورت األسلحة بصورة مل‬
‫تشهدها من ذي قبل‪ .‬فظهرت الصواريخ املوجهة تلقائيا والطائرات املسرية ذاتيا وإىل ما‬

‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪174‬‬ ‫‪1‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪202‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪77‬‬
‫هنالك من أسلحة أوتوماتيكية ذاتية كثرية‪.‬‬
‫ويف خامتة الفصل ميكن أن نرصد النتائج التالية‪:‬‬
‫إن العلم اجلديد يف الق‪CC‬رن العش‪CC‬رين وما بع‪CC‬ده ص‪CC‬نعته ع‪CC‬دة نظري‪CC‬ات‪ :‬رياض‪CC‬يات ال إقليدية‬
‫وفراكتالي‪CC C‬ة‪ C،‬وفيزي‪CC C‬اء النس‪CC C‬بية‪ ،‬و الك‪CC C‬وانتم‪ C،‬ونظرية الفوض‪CC C‬ى‪ C،‬واالعالم‪ .‬وهي أعم‪CC C‬ال علمية‬
‫إبداعية تتخللها ط‪CC C C C C C C‬رق تفكري جدي‪CC C C C C C C‬دة وجذرية‪ ،‬حتمل رؤى جدي‪CC C C C C C C‬دة للواقع الفيزي‪CC C C C C‬ائي‪C‬‬
‫وال‪CC C‬بيولوجي‪ .‬وج‪CC C‬اء التح‪CC C‬ول يف التفكري مفاجئا وعميقا إىل درجة دفعت البعض إىل تس ‪CC‬ميته‬
‫بثورة العلم الثانية‪C.‬‬
‫إن اهلندس‪CC‬ات الال إقليدي‪CC‬ة متث‪CC‬ل جتاوزا للهندس‪CC‬ة اإلقليدي‪CC‬ة ومفاهيمه‪CC‬ا األساس‪CC‬ية‪ C‬ويف املقاب‪CC‬ل‬
‫جند أن هندس‪CC C‬ة الفراكت‪CC C‬ال هي األخ‪CC C‬رى تع‪CC C‬رب عن حتول ىف اهتم‪CC C‬ام الرياض‪CC C‬يني املت‪CC C‬أخرين من‬
‫طرائ ‪CC C‬ق احلس ‪CC C‬اب الكالس ‪CC C‬يكية يف رياض ‪CC C‬يات اجملموع ‪CC C‬ات‪ ،‬النظامي ‪CC C‬ة وامللس ‪CC C‬اء إىل رياض ‪CC C‬يات‬
‫اجملموع‪CC C‬ات غ‪CC C‬ري امللس‪CC C‬اء وغ‪CC C‬ري النظامية‪ .C‬وال‪CC C‬يت اس‪CC C‬تطاعت أن متدنا بتمثي‪CC C‬ل جدي‪CC C‬د لكث ‪CC‬ري من‬
‫الظواهر واألش‪C‬كال‪ C‬الطبيعي‪C‬ة‪ C‬املعق‪CC‬دة‪ .‬وال‪CC‬يت اعتُ‪C‬ربت‪ C‬ول‪C‬وقت طوي‪C‬ل جمرد ح‪C‬االت فردي‪CC‬ة وش‪CC‬اذة‬
‫ال تستحق أن يُنظر إليها كفئة تنطبق عليها نظرية عامة‪.‬‬
‫وإذا اس ‪CC‬تطاعت‪ C‬نظرية النس ‪CC‬بية‪ C‬والكوانتا يف الفيزي ‪CC‬اء حتطيم مب ‪CC‬دأ وج ‪CC‬ود احلقيقة‪ C‬املوض ‪CC‬وعية‬
‫الواحدة والنظ‪C‬رة املتعالية‪ C‬اليت ميكن أن متنحنا منظ‪C‬ورا مطلقا إىل كل ش‪C‬يء ‪ .‬وحل ب‪C‬دال عنها‬
‫نوع جديد يطلق عليه "احلقيقة ضمن املوق‪C‬ف" أو احلقيقة‪ C‬العالئقية‪ ،C‬باعتب‪C‬ار الب‪CC‬احث واملراقب‬
‫يف نظرية الك ‪CC‬وانتم يقف يف قلب ما يراقبه‪ ،‬ف ‪CC‬إن تط ‪CC‬ور الك ‪CC‬ون أعيد تعريفه يف ض ‪CC‬وء الفوضى‪C‬‬
‫واالعالم‪ C‬باجتاه حمدد متواصل حنو ت‪CC C‬ركيب أك‪CC C‬ثر تعقي‪CC C‬دا ‪ .‬ومت النظر إىل الظ‪CC C‬واهر الطبيعية‪ C‬يف‬
‫الك‪CC‬ون باعتبارها‪ C‬تت‪CC‬ألف من مجل الخطية وأص‪CC‬بحت اجلمل اخلطية ال تش‪CC‬كل إال ن‪CC‬زرا يس‪CC‬ريا‬
‫من تك ‪CC‬وين الع ‪CC‬امل ‪ .‬وه ‪CC‬ذا ما منح طريقة جدي ‪CC‬دة للتفكري يف املعلوم ‪CC‬ات القدمية خصوصا تلك‬
‫اليت أُمهلت بسبب خروجها عن املألوف‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫الفصـ ـ ـ ـ ـل‪ C‬الثان ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــي‬
‫الثنائية املفهومية املميزة لعمله‪ 1‬ويشري هنا إىل ثنائية االبستمولوجي‪ C‬والشعري‪.‬‬
‫مؤلفاته‬
‫عندما نتناول مؤلفات باشالر جند أنفسنا أمام ضرورة التمييز بني مرحلتني فكريتني‬
‫حامستني‪ :‬املرحلة األوىل‪ ،‬واليت ميكن أن نصفها باملوضوعية‪ C،‬تبىن فيها باش‪CC‬الر تص‪CC‬ورات ذات‬
‫نزعة علمية حيث أج ‪CC C C C C‬اب « على املكتش ‪CC C C C C‬فات العلمية اهلائلة بنشر جمموعة من الكتب بني‬
‫عام ‪ 1927‬و‪ 2» 1953‬وتركز اهتمامه هنا على املادية العقلية والبحث يف التفكري العلمي‬
‫ودراسة العل‪CC‬وم‪ ،‬وأس‪CC‬فرت ه‪CC‬ذه املرحلة عن ثالثية‪ C‬مهم‪CC‬ة‪ :‬هي"العقل العلمي اجلدي‪CC‬د"‪" ،‬فلس‪CC‬فة‬
‫الال"‪" ،‬تك ‪CC C‬وين العقل العلمي" باإلض ‪CC C‬افة إىل أعم‪CC C‬ال أخ‪CC C‬رى مثل "دراسة يف تط ‪CC C‬ور املش‪CC C‬كلة‬
‫الفيزيائية"‪" C،‬القيمة االستقرائية‪ C‬للنظرية النسبية"‪" C،‬جدلية الزمن" ‪ ...‬اخل‬
‫أما المرحلة الثانية فهي ذاتية‪ ،‬كسر فيها باشالر الصرامة العلمية ليص‪CC‬غي‪ C‬إىل ن‪CC‬داءات‬
‫ال ‪CC‬ذات والنفس ويتع ‪CC‬اطى فلس ‪CC‬فة الإب ‪CC‬داع الفين‪ .‬وعمل على تط ‪CC‬وير آلي ‪CC‬ات احلاسة الذوقية من‬
‫خالل انس ‪CC‬ياب اخلي ‪CC‬ال يف ت ‪CC‬أمالت ش ‪CC‬اردة ألعم ‪CC‬اق الظ ‪CC‬واهر الطبيعية كالن ‪CC‬ار‪ ،‬واملاء‪ ،‬واهلواء‪C،‬‬
‫واحتف مجهوره بأعمال يف فلسفة الإب‪C‬داع الفين منه‪C‬ا‪:‬مجالي‪C‬ات املك‪C‬ان‪ C،‬ش‪C‬اعرية أحالم اليقظ‪C‬ة‪،‬‬
‫هلب مشعة واستعان‪ C‬حبقل التحليل النفسي لتعميق املعرفة اجلمالية للمواد والظواهر‪.‬‬
‫ومتاش‪CC C C‬يا مع طبيعة البحث ف‪CC C C‬إن تركيزنا س‪CC C C‬يكون ح‪CC C C‬ول أعم‪CC C C‬ال باش‪CC C C‬الر الفيلس‪CC C C‬وف‬
‫االبستمولوجي‪ C‬وليس األديب الشاعر التصويري‪.‬‬
‫تب‪CC‬دأ األعم‪CC‬ال االبس‪CC‬تمولوجية‪ C‬لباش‪CC‬الر مع البح‪CC‬ثني الل‪CC‬ذين تق‪CC‬دما هبما لنيل ش‪CC‬هادة‬
‫ال ‪CC‬دكتوراه يف الفلس ‪CC‬فة‪ ،‬األول‪ :‬حبث يف املعرفة التقريبي ‪CC‬ة‪ C،‬والث ‪CC‬اين دراسة يف تط ‪CC‬ور مش ‪CC‬كل يف‬
‫الفيزي‪CC C‬اء ‪ :‬االنتش‪CC C‬ار احلراري يف اجلوام‪CC C‬د‪ .‬وك‪CC C‬ان ه‪CC C‬ذا األخري ميثل أس‪CC C‬لوبا جدي‪CC C‬دا يف دراسة‬
‫ت‪CC C C‬اريخ العل‪CC C C‬وم‪ ،‬أما يف البحث األول يبين الف‪CC C C‬رق الفاصل بني اخلط‪CC C C‬اب الفلس‪CC C C‬في واخلط‪CC C‬اب‬

‫‪1‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص‪152‬‬
‫‪2‬‬
‫باتريك هيلي‪ ،‬صور املعرفة‪ ،‬ترمجة نور الدين شيخ عبيد‪،‬املنظمة‪ C‬العربية للرتمجة‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪ ،2008 ،‬ص ‪176‬‬

‫‪80‬‬
‫العلمي فإذا كان الفيلس‪C‬وف يش‪C‬حن الكلمة " كينونة " ف‪C‬إن الع‪C‬امل يس‪C‬تعملها كمفه‪C‬وم وال‪C‬ذي‬
‫ال يكسب معن‪CC C‬اه يف العلم املعاصر إال ض‪CC C‬من ش‪CC C‬بكة من العالق‪CC C‬ات وهي الفك‪CC C‬رة اليت س‪CC C‬يمتد‬
‫توظيفها إىل جل أعماله االبستمولوجية الالحقة‪.‬‬
‫ويف ‪ 1929‬أصدر كتاب" القيمة اإلستقرائية لنظرية النسبية"‪ C‬ويقول عنه باشالر«‬
‫لقد ألفنا منذ س‪CC C C C‬نوات كتابا خاصا إلب‪CC C C C‬راز ط‪CC C C C‬ابع اجلدة اجلوهرية اليت تتم‪CC C C C‬يز هبا النظري‪CC C C‬ات‬
‫النسبانية وأكدنا باخلصوص على القيمة الاستقرائية اليت تكتسبها‪ C‬الرياضيات اجلدي‪CC‬دة‪ ،‬م‪CC‬ربزين‬
‫‪1‬‬
‫باخلص ‪CC‬وص أن احلس ‪CC‬اب التانس ‪CC‬وري ‪ le calcul tensoriel‬طريقة اكتش ‪CC‬اف حقيقية»‬
‫وقد أظهر باشالر من خالل هذا املؤلف حرصه على تتبع التطورات العلمية اجلديدة‪ .‬ولبيان‪C‬‬
‫خص‪CC C C C C C‬ائص الكمي‪CC C C C C C‬اء احلديثة يؤلف كت‪CC C C C C C‬اب " التعددية املتس‪CC C C C C C‬قة‪ C‬يف الكمي‪CC C C C C C‬اء احلديثة (‪le‬‬
‫‪ )pluralisme cohérent de la chimie moderne‬وكان يهدف من خالله‬
‫إىل ختليص الكمي ‪CC‬اء من الط ‪CC‬ابع اجلوهراين وهو التص ‪CC‬ور التقلي ‪CC‬دي ال ‪CC‬ذي عشش يف ه ‪CC‬ذا العلم‬
‫زمنا طويال‪.‬‬
‫ويس‪CC‬تمر العط‪CC‬اء الباش‪CC‬الري يف الكتابة‪ C‬بنشر جمموعة مق‪CC‬االت‪ ،‬فمن اخلص‪CC‬وبة االس‪CC‬تنباطية‪C‬‬
‫يف الفيزي ‪CC C‬اء الرياض ‪CC C‬ية إىل س ‪CC C‬يكولوجية‪ C‬العقل وبينهما النوم ‪CC C‬ان وامليكروفيزي ‪CC C‬اء‪ ،‬الفوعقالني‪CC C‬ة‪،‬‬
‫املثالية‪ C‬االس ‪CC‬تداللية‪ C،‬وكلها دراس ‪CC‬ات ابس ‪CC‬تمولوجية ح ‪CC‬اولت الكشف عن مالمح عل ‪CC‬وم الق ‪CC‬رن‬
‫العشرين ‪.‬‬
‫ويف ع‪CC‬ام ‪ 1934‬ي‪CC‬ربز باش‪CC‬الر املس‪CC‬حة الفلس‪CC‬فية اجلدي‪CC‬دة للعلم املعاصر يف كتابه‬
‫اهلام الفكر العلمي اجلديد ‪ .‬فعلوم القرن العشرين متم‪CC‬يزة يف ج‪CC‬دهتا عن عل‪CC‬وم الق‪CC‬رنني الث‪CC‬امن‬
‫عشر والتاسع عش‪CC C C‬ر‪ ،‬ل‪CC C C‬ذلك البد على الفلس‪CC C C‬فة أن تراجع ع‪CC C C‬دهتا املفاهيمية حىت تتمكن من‬
‫تعقل اجلديد العلمي املعاصر « إن إدراك الفكر املعاصر يف جدليته وبي‪CC C‬ان‪ C‬جدته اجلوهرية هبذا‬

‫‪1‬‬
‫‪G. Bachelard, Le nouvel esprit scientifique, Paris, Presses Universitaires de‬‬
‫‪France, 1960, p36.‬‬

‫‪81‬‬
‫‪1‬‬
‫الشكل‪ ،‬تلك هي الغاية الفلسفية من تأليف هذا الكتيب »‬
‫أما عن أهم املبادئ األساسية اليت احتواها‪ C‬الفكر العلمي اجلديد تتعلق بفلس‪C‬فة‬
‫العل‪CC C C‬وم الفيزيائي ‪CC C‬ة‪ C،‬وامليكانيك واهلندسة واملنط‪CC C C‬ق‪ .‬م ‪CC C‬ربزا أن التح ‪CC C‬ول ال ‪CC C‬ذي ش‪CC C C‬هدته العل‪CC C‬وم‬
‫املعاص ‪CC C‬رة حتول فك ‪CC C‬ري س ‪CC C‬يكولوجي‪ C‬قبل أن يك ‪CC C‬ون حتوال مادي ‪CC C‬ا‪ .‬مث حياول أن يثبت الط ‪CC C‬ابع‬
‫التجديدي الذي مييز الفكر يف الفيزياء املعاصرة والذي يتجلى على مستوى تفاص‪CC‬يل املع‪CC‬ارف‬
‫ويف البنية العامة هلذه املع‪CC C‬ارف « إننا س‪CC C‬نغتنم كل الف‪CC C‬رص للتأكيد من ص‪CC C‬فحة ألخ‪CC C‬رى على‬
‫الط ‪CC‬ابع التجدي ‪CC‬دي للفكر العلمي املعاص ‪CC‬ر‪ ،‬إذ غالبا ما يتضح ه ‪CC‬ذا الط ‪CC‬ابع التجدي ‪CC‬دي بش ‪CC‬كل‬
‫ك‪CC‬اف مبج‪CC‬رد أن نق‪CC‬ارن بني مث‪CC‬الني‪ :‬أح‪CC‬دمها نأخ‪CC‬ذه من فيزي‪CC‬اء الق‪CC‬رن الث‪CC‬امن العاشر أو الق‪CC‬رن‬
‫التاسع عشر واآلخر من فيزي ‪CC C‬اء الق ‪CC C‬رن العش ‪CC C‬رين‪ .‬هبذه الكيفية‪ C‬يتضح لنا أن العلم الفيزي ‪CC C‬ائي‬
‫املعاصر يكشف عن ذاته يف تفاص‪CC C C‬يل املعلوم‪CC C C‬ات أو يف البنية العامة للمعرفة على الس ‪CC C‬واء‪ ،‬يف‬
‫‪2‬‬
‫حلة جديدة ال جمال للشك فيها»‬
‫وما ي ‪CC‬رتتب‪ C‬عن ه ‪CC‬ذا الق ‪CC‬ول‪ ،‬أن العقل العلمي اجلديد يف آخر األمر« ال هو مبنهج‪ ،‬وال‬
‫بشبكة مف‪C‬اهيم‪ ،‬وليس تطبيقا جتريبيا أيض‪C‬ا‪ ،‬بل هو قبل كل ش‪C‬يء عقل الع‪C‬امِل ‪،‬فكت‪C‬اب باش‪C‬الر‬
‫حول الفكر العلمي اجلديد هو مؤلف حول سيكولوجيا‪ C‬العامل‪ ،‬أي حول البيداغوجيا‪.3» C‬‬
‫يتواصل العط ‪CC‬اء الفك ‪CC‬ري لباش ‪CC‬الر بكت ‪CC‬اب جدلية ال ‪CC‬زمن ال ‪CC‬ذي ي ‪CC‬دحض فيه فك ‪CC‬رة‬
‫الدميومة واالتص‪CC C‬ال عند برغس‪CC C‬ون‪ ،‬إال أن احلراك الفك‪CC C‬ري الق‪CC C‬وي يت‪CC C‬أت‪C‬ى مع كت‪CC C‬اب تك‪CC C‬وين‬
‫(‪)la formation de l esprit scientifique‬‬ ‫الفكر العلمي‬
‫)‪ ،‬وإذا‬ ‫(‪la psychanalyse du feu‬‬ ‫وكت ‪CC‬اب التحليل النفسي للن ‪CC‬ار‬
‫ك‪CC C‬ان الكت‪CC C‬اب األول يف االبس‪CC C‬تمولوجيا‪ C‬ف‪CC C‬إن الث‪CC C‬اين يتعلق باالب‪CC C‬داع الف‪CC C‬ين‪ ،‬مما ميثل إزدواجية‬

‫‪1‬‬
‫‪Op.cit. p16‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid, p 19‬‬
‫روي‪ ،‬أوليفي‪ ،‬العقل العلمي‪ C‬اجلدي ‪CC‬د‪ ،‬ترمجة مجال ال ‪CC‬دين ق ‪CC‬وعيش‪ ،‬اجمللس األعلى للغة العربي ‪CC‬ة‪ ،‬اجلزائ ‪CC‬ر‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 2013‬ص ‪20‬‬
‫‪82‬‬
‫االبستمولوجي‪ C‬والشعري عند باشالر يف نظر النقاد والدارسني‪.‬‬
‫واس‪CC‬تطاع باش‪CC‬الر من خالل كت‪CC‬اب تك‪CC‬وين الفكر العلمي – مس‪CC‬امهة يف التحليل‬
‫النفس‪CC C C C C‬اين للمعرفة املوض‪CC C C C C‬وعية‪ C،‬تتبع تط‪CC C C C C‬ور الفيزي‪CC C C C C‬اء والكيمي‪CC C C C C‬اء‪ C‬وإثب‪CC C C C C‬ات فك‪CC C C C C‬رة الع ‪CC C C‬ائق‬
‫االبس‪CC‬تمولوجي والع‪CC‬ائق البي‪CC‬داغوجي وق‪CC‬انون احلاالت الثالث‪ ،‬وهي مف‪CC‬اهيم باش‪CC‬الرية أص‪CC‬يلة‬
‫تض‪CC C‬اف إىل مفه‪CC C‬وم القطيعة االبس‪CC C‬تمولوجية كظ‪CC C‬اهرة تارخيي‪CC C‬ة‪ ،‬علمية وس‪CC C‬يكولوجية حامسة‪،‬‬
‫تفصل بني الفكر العلمي اجلديد والمعرفة العامة أو الفكر العلمي السابق عنه‪.‬‬
‫أما كت ‪CC‬اب "فلس ‪CC‬فة الال" أو ال ‪CC‬رفض وال ‪CC‬ذي ص ‪CC‬در ع ‪CC‬ام ‪ 1940‬ك ‪CC‬ان مبثابة حماولة‬
‫تأس‪CC C‬يس‪ C‬للفكر العلمي اجلدي‪CC C‬د‪ ،‬وهو ميثل عص‪CC C‬ارة وممارسة فلس‪CC C‬فية يف موض‪CC C‬وعات علمية أو‬
‫لنقل أنه رسم لفلسفة علمية مفتوحة مسايرة لعلوم عصرها‪ .‬وميكن القول بأن فلس‪CC‬فة ال‪CC‬رفض‬
‫أص ‪CC C C‬بحت عنوانا لإلبس ‪CC C C‬تمولوجيا الباش ‪CC C C‬الرية‪ C.‬وما تال ه ‪CC C C‬ذا الكت ‪CC C C‬اب من مؤلف ‪CC C C‬ات أخ ‪CC C‬رى‬
‫كالعقالنية‪ C‬املطبقة والنش ‪CC‬اط العقلي للفيزي ‪CC‬اء املعاص ‪CC‬رة وكت ‪CC‬اب املادية العقالني ‪CC‬ة‪ C،‬كلها ك ‪CC‬انت‬
‫ش‪CC C‬رحا وتوض‪CC C‬يحا وتعميقا ملا ورد يف كت‪CC C‬اب فلس‪CC C‬فة ال‪CC C‬رفض ‪.‬حيث أض‪CC C‬حت ه‪CC C‬ذه الفلس ‪CC‬فة‬
‫جدي‪CC C‬دة ألهنا من إف‪CC C‬رازات العل‪CC C‬وم الرياض‪CC C‬ية والفيزيائي‪CC C‬ة‪ ،‬والكيميائية أي أهنا يف حالة مراجعة‬
‫ملبادئها وتصحيح لقوانينها ومفاهيمها‪.‬‬
‫س‪CC‬بق لنا وأن أش‪CC‬رنا ب‪CC‬أن‪ C‬ميالد كت‪CC‬اب التحليل النفسي‪ C‬للن‪CC‬ار ميثل مفارقة باش‪CC‬الرية‬
‫على األقل عند نق ‪CC C C‬اده‪ ،‬مفارقة جتلت يف ازدواجية العلمي االبس ‪CC C C‬تمولوجي‪ C‬والش ‪CC C C‬عري األديب‬
‫وأمثرت ه ‪CC‬ذه املرحلة األخ ‪CC‬رية بسلس ‪CC‬لة مؤلف ‪CC‬ات يف االب ‪CC‬داع الفين وهي‪ :‬املاء واألحالم اهلواء‬
‫األرض‪.‬‬
‫إن باش ‪CC C‬الر كما ي ‪CC C‬رى االبس ‪CC C‬تمولوجي‪ C‬الفرنسي فرانس ‪CC C‬وا داغ ‪CC C‬وين ك ‪CC C‬ان عاملا‬
‫ابس‪CC‬تومولوجيا‪ C‬مع العلم‪CC‬اء وأديبا ش‪CC‬اعرا مع الش‪CC‬عراء فهل ه‪CC‬ذه نزعة اتص‪CC‬الية أفقية بني الش‪CC‬عر‬
‫والعلم؟ يف ذلك يقول باشالر يف مؤلفه التحليل النفسي‪ C‬للنار‪ « :‬حمور الشعر وحمور العلم مها‬
‫ص‪C C‬نعه هو أن جتعل الش ‪CC‬عر‬
‫قبل كل ش‪C C‬ئ حموران متعاكس ‪CC‬ان‪ C‬وكل ما تق ‪CC‬در الفلس ‪CC‬فة أن تأمل ُ‬
‫‪83‬‬
‫والعلم ُمتك‪CC‬املني‪ ،‬وأن جتمع بينهما كما جُي مع بني ض‪CC‬دين حُم كمني‪ ،‬فال بد إذا من املقابلة بني‬
‫ص‪C‬موت ال‪CC‬ذي يعتمد النف‪CC‬ور‪ /‬االع‪CC‬رتاض‬
‫الفكر الش‪CC‬عري الفي‪CC‬اض والفكر العلمي ال َس‪C‬كوت ‪ /‬ال َ‬
‫املس ‪CC C‬بق لكونه إحتياطا س ‪CC C‬ليما »‪. 1‬فنحن أم ‪CC C‬ام فيلس ‪CC C‬وف العلم ال ‪CC C‬ذي ش‪َ C C C‬كلته الرياض ‪CC C‬يات‬
‫وص‪CC C C C‬هرته التج‪CC C C C‬ارب العلمية يف الفيزياء والكيميا‪C‬ء‪ ،‬يف ذات ال‪CC C C C‬وقت يتع‪CC C C C‬اطى الفن والش‪CC C C‬عر‬
‫ويسرح به اخليال‪ ،‬دون أن خيلط بني األمرين‪ ،‬فالصورة ال تفسر حبشد من األفكار‪ ،‬والفكرة‬
‫ال تفسر بوفرة من الصور إنه التمايز الذي ال يرتتب عنه تناقض وفصل ‪.‬‬

‫‪ /2‬اإلبستمولوجيا الباشالرية ‪ ..‬أهدافها ومهامها‬


‫يعرب املش ‪CC‬روع الباش ‪CC‬الري عن املوقف الفلس ‪CC‬في اجلديد ال ‪CC‬ذي يس ‪CC‬عى إىل تأسيسه‪C‬‬
‫وحتديد أسسه وأهدافه ‪ .‬ل‪CC C‬ذلك ميكن الق‪CC C‬ول بأنه دع‪CC C‬وة جتديديه وجتاوزية للموقف الفلس ‪CC‬في‬
‫التقلي ‪CC‬دي حىت يك ‪CC‬ون متوافقا‪ C‬مع راهن العل ‪CC‬وم ويت ‪CC‬أتى ذلك بتأس ‪CC‬يس‪ « C‬فلس ‪CC‬فة علمية خمتلفة‬
‫ميكنها أن تكون ندا لفلسفة شاملة للفالسفة»‪.2‬‬
‫إن الفلسفات التقليدية كانت متأخرة عن علوم عصرها ألهنا حاولت التفكري يف‬
‫املعرفة العلمية بطريقة دومجاتية وهي ب‪CC‬ذلك متطفلة تس‪CC‬عى إىل اس‪CC‬تغالل‪ C‬نت‪CC‬ائج العلم لصاحلهاـ‬
‫فبع ‪CC‬دما ك ‪CC‬انت « الفلس ‪CC‬فة ال تلتفت إىل العلم س ‪CC‬وى لتحقيق أغراض ‪CC‬ها والتع ‪CC‬رف على هويتها‪C‬‬
‫تش‪CC‬كل مع غاس‪CC‬تون باش‪CC‬الر خطاب‪C‬ا فلس‪CC‬فيا نق‪CC‬ديا يركز على املنطق ال‪CC‬داخلي واخلاص ب‪CC‬العلوم‬
‫ويبحث عن الص‪CC‬عوبات والعوائق الذاتية و يس‪CC‬تقرئ ويس‪CC‬تنبط الش‪CC‬روط والوس‪CC‬ائط‪ C‬الض‪CC‬رورية‬
‫للتغلب عليها وفتح أروقة وجته‪CC‬يز أرض‪CC‬ية لإلب‪CC‬داع واالبتك‪CC‬ار وذلك برسم خط‪CC‬وط التب‪CC‬اين بني‬

‫باش ‪CC‬الر‪ ،‬غاس ‪CC‬تون‪ ،‬الن‪CC‬ار يف التحليل النفس ‪CC‬ي‪ ،‬ترمجة هناد خياط ‪CC‬ة‪ ،‬دار األن ‪CC‬دلس للطباعة والنشر والتوزي ‪CC‬ع‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪1‬‬

‫بريوت ‪ ،1984‬ص‪6‬‬
‫غاستون باشالر‪ ،‬فلسفة الرفض‪ ،‬ص ‪16‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪84‬‬
‫املع ‪CC‬ريف واالي ‪CC‬ديولوجي»‪ 1‬إن باش ‪CC‬الر ص ‪CC‬احب دع ‪CC‬وة ص ‪CC‬رحية لمس ‪CC‬ايرة العلم املعاصر ويش ‪CC‬رتط‬
‫ه ‪CC‬ذا املس ‪CC‬عى إب ‪CC‬رازا للقيم االبس ‪CC‬تمولوجية‪ C‬املتج ‪CC‬ددة للعلم‪ ،‬من العلم وليس من الفلس ‪CC‬فة‪ ،‬وأن‬
‫تبحث عن أثر املعارف العلمية يف بنية العقل وتطوره‪ ،‬القابل للتشكل باستمرار‪ ،‬ويتأتى ذلك‬
‫إثر القيام‪ C‬بتحليل نفسي للمعرفة املوضوعية‪ ،C‬وحيدد باشالر لفلسفة العلوم مهاما ثالثا أساس‪CC‬ية‬
‫هي‪:‬‬

‫أوال‪ :‬إبراز القيم االبستمولوجية ‪:‬‬


‫إن من واجب‪C C‬ات فلس ‪CC‬فة العل ‪CC‬وم إبراز القيم االبس ‪CC‬تمولوجية اليت يفرزها العلم‪ .‬وهي‬
‫جمموعة من القيم املتج‪CC C C C‬ددة مع تط‪CC C C C‬ور الفكر العلمي‪ .‬ولنا أن نتساءل عن ه ‪CC C C C‬ذه القيم‪ ،‬فيما‬
‫تكمن؟ وما هو مصدرها؟‪.‬‬
‫إن مص‪CC‬در القيم االبس‪CC‬تمولوجية هو جديد العلم أو النظري‪CC‬ات العلمية اجلدي‪CC‬دة‪ ،‬مبا‬
‫حتمله من قيم تثويرية وجتديدي‪CC C C C‬ة‪ .‬فعن‪CC C C C‬دما نتح‪CC C C C‬دث عن القيمة االبس‪CC C C C‬تمولوجية للهندس‪CC C C‬ات‬
‫الالإقليدية فه‪CC C C‬ذا ينعكس يف املف‪CC C C‬اهيم الرياض‪CC C C‬ية اجلدي‪CC C C‬دة لتص‪CC C C‬ور املك‪CC C C‬ان‪ ،‬ما يعين أن القيم‬
‫االبس ‪CC C‬تمولوجية‪ C‬قيمة للعلم وليس للفلس ‪CC C‬فة‪ .‬بل وال حيق للفيلس ‪CC C‬وف أن يض ‪CC C‬في‪ C‬على العمل‬
‫واإلبس‪CC‬تيمولوجي إن مل يتمكن من مس‪CC‬ايرة الكش‪CC‬وفات العلمية‬ ‫العلمي قيما من خارج‪CC‬ه‪.‬‬
‫املعاص‪CC‬رة فإنه ال يس‪CC‬تطيع فهم تط‪CC‬ور املعرفة العلمية « ال تك‪CC‬ون فلس‪CC‬فة العل‪CC‬وم ت‪CC‬دخال فلس‪CC‬فيا‬
‫يف العلم لت‪CC C‬ربير أه‪CC C‬داف خارجة عن‪CC C‬ه‪ ،‬بل تك‪CC C‬ون اس‪CC C‬تيعابا‪ C‬للقيم العلمية اجلدي‪CC C‬دة اليت يفرزها‬
‫التط‪CC‬ور العلمي»‪ 2‬ف‪CC‬القيم اليت أوكل باش‪CC‬الر مهمة إبرازها وحتدي‪CC‬دها وترتيبها لفيلس‪CC‬وف العلم‬
‫قيم تفرض ذاهتا يف مسرية العلم دون سواه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫زهري اخلويل ‪CC C C C C‬دي‪ C،‬ال ‪CC C C C C‬روح العلمي اجلديد عند غاس ‪CC C C C C‬تون باش ‪CC C C C C‬الر‪ ،‬احلوار املتم ‪CC C C C C‬دن‪-‬الع ‪CC C C C C‬دد‪4496 :‬‬
‫‪/http://www.ahewar.org‬‬
‫ط‪ ،1‬لبنان‪ ،2010 ،‬ص‪122 :‬‬ ‫علي حسني كركي‪ ،‬االبستمولوجيا يف ميدان املعرفة‪ ،‬شبكة املعارف‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪85‬‬
‫إن إجناز فيلسوف العلم ملهمة إب‪CC‬راز القيم االبس‪CC‬تمولوجية ال يت‪CC‬أتى‪ C‬من ف‪C‬راغ‪ ،‬إذ ال‬
‫بد من متثل ش‪CC C C C C C C C‬روط أساس‪CC C C C C C C C‬ية‪ ،‬أوهلا‪ :‬أن يتخذ فيلس‪CC C C C C C C C‬وف العلم موقف اليقظة من العلم‬
‫املعاص ‪CC‬ر« على فيلس ‪CC‬وف العلم ال ‪CC‬ذي يعاصر فرتتنا من ت ‪CC‬اريخ العلم أن ينتبه‪ C‬إىل مظ ‪CC‬اهر اجلدة‬
‫اخلصوص‪CC‬ية فيها ‪ .‬فهن‪CC‬اك س‪CC‬يدرك معىن القيم االبس‪CC‬تمولوجية‪ C،‬ألنه س‪CC‬يجد يف خص‪CC‬ائص العلم‬
‫املعاصر قيما ابس ‪CC‬تمولوجية‪ C‬جدي ‪CC‬دة ينبغي‪ C‬إب ‪CC‬راز دالالهتا» وحتقق ه ‪CC‬ذا الش ‪CC‬رط يتطلب االل ‪CC‬تزام‬
‫مبسألتني مها ‪:‬‬
‫املس‪CC‬ألة األوىل ‪ :‬ض‪CC‬رورة جتاوز االعتق‪CC‬اد القائل ب‪CC‬أن األويل دائما أساس‪CC‬ي‪ ،‬الوج‪CC‬ود‬
‫ىف العلم ألصول وبدايات مطلقة‪ ،‬ويتحقق ذلك ب‪CC‬البحث يف قيمة النظري‪CC‬ة‪ ،‬وليس البحث عن‬
‫أص ‪CC‬ول أو ب ‪CC‬دايات النظرية « غري أنه س ‪CC‬يكون على الفيلس ‪CC‬وف‪ ،‬إن هو أراد‪ ،‬أن يس ‪CC‬تويف كل‬
‫دروس العلم املعاص‪CC‬ر‪ ،‬أن يتخذ الطريق املع‪CC‬اكس‪ C‬هلذا املب‪CC‬دأ االبس‪CC‬تمولوجي‪ C.‬س‪CC‬يكون عليه أن‬
‫ين ‪CC‬اهض‪ C‬تارخيية التجرب ‪CC‬ة‪ ،‬بل وتارخيية م ‪CC‬اهو عقالين‪ ...‬وما أن يعي الفكر العلمي ه ‪CC‬ذه املهمة‬
‫األساس ‪CC C‬ية يف إع ‪CC C‬ادة تنظيم املع ‪CC C‬ارف‪ ،‬حىت تب ‪CC C‬دو النزعة إىل أن نس ‪CC C‬جل به املعطي ‪CC C‬ات التارخيية‬
‫األولية‪ C‬بلبلة حقيقي ‪CC‬ة‪ .‬ال ‪CC‬وعي العقالين إذن وعي جديد متام ‪CC‬ا‪.‬إنه وعي حياكم معرفته ويريد أن‬
‫يتع‪CC C C C‬اىل على اخلطيئة األص‪CC C C‬لية للنزعة التجريبية »‪ 1‬إن النظري‪CC C C C‬ات العلمية اجلدي‪CC C C‬دة حتمل قيما‬
‫جدي‪CC C C C C C‬دة ال أصل وال نظري هلا فيما س‪CC C C C C C‬بق‪ ،‬فمن اخلطأ مثال أن نبحث عن أصل اهلندس‪CC C C C‬ات‬
‫الالإقليدية يف اهلندسة الإقليدية أو أصل النظري ‪CC C C C C C C C C‬ات الفيزيائية املعاص ‪CC C C C C C C C C‬رة يف الفيزياء القدمية‬
‫أرسطية مثال أو ديكارتية بل وحىت نيوتونية‪ ،‬ألن نظريات العلم املعاصر جديدة ودون أجداد‬
‫أو أسالف‪.‬‬
‫أما املسألة الثانية‪ C:‬أن إدراك القيم اجلديدة للعلم تقتضى‪ C‬االنتباه‪ C‬إىل مظاهر التجديد‬
‫واخلصوص ‪CC‬ية‪ C‬فيه « ألنه س ‪CC‬يجد يف خص ‪CC‬ائص العلم املعاصر قيما إبس ‪CC‬تمولوجية جدي ‪CC‬دة ينبغي‬

‫‪1‬‬
‫‪BACHELARD‬‬ ‫‪.G : l‘ activité rationaliste de la physique Contemporaine p,resses‬‬
‫‪universitaires De France, paris, 1971 , p3‬‬
‫‪86‬‬
‫إب‪CC‬راز داللتها»‪ 1‬حقيقة يؤك‪CC‬دها التح‪CC‬ول والتط‪CC‬ور ال‪CC‬ذي عرفته العل‪CC‬وم املعاص‪CC‬رة‪ ،‬فعل‪CC‬وم الق‪CC‬رن‬
‫العشرين متتاز بقيم جديدة إذا ما قورنت بعلوم القرن الثامن عشر والتاسع عش‪CC‬ر‪ ،‬ل‪CC‬ذلك على‬
‫الفلس ‪CC‬فة أن تق ‪CC‬وم مبراجعة مفاهيمه ‪CC‬ا‪ ،‬تص ‪CC‬حيحا وجتدي ‪CC‬دا وابتك ‪CC‬ارا‪ C،‬لتتمكن من إدراك اجلدة‬
‫العلمية املعاص ‪CC‬رة‪ .‬يق ‪CC‬ول باش ‪CC‬الر موض ‪CC‬حا« إننا س ‪CC‬نغتنم كل الف ‪CC‬رص للتأكيد من ص ‪CC‬فحة إىل‬
‫أخرى على الطابع التجديدي للفكر العلمي املعاصر‪.‬إذ غالبا ما يتضح هذا الطابع التجديديي‬
‫بش‪CC‬كل ك‪CC‬اف مبج‪CC‬رد ما نق‪CC‬ارن بني مث‪CC‬الني‪ :‬أح‪CC‬دمها نأخ‪CC‬ذه من فيزياء الق‪CC‬رن الث‪CC‬امن عشر أو‬
‫الق‪CC C C C C‬رن التاسع عشر واآلخ‪CC C C C C‬رمن فيزياء الق‪CC C C C C‬رن العش‪CC C C C C‬رين‪ .‬هبذه الكيفية يتضح لنا أن العلم‬
‫الفيزي‪CC C C‬ائي املعاصر يكشف عن ذات‪CC C C‬ه‪ ،‬يف تفاص ‪CC C‬يل املعلوم ‪CC C‬ات أو يف البنية‪ C‬العامة للمعرفة على‬
‫فيها»‪.2‬‬ ‫السواء يف حلة جديدة ال جمال للشك‬
‫لكن ما هي القيم اجلديدة للعلم املعاصر؟‬
‫حيددها لنا باشالر بوضوح وجالء‪ ،‬منها‪ ،‬أن الواقع يف العلم املعاصر مبين وليس‬
‫معطى واقع يتصف باالص‪CC‬طناع‪ .‬إن الواقع المعطى عن طريق التجربة املباش‪C‬رة‪ C‬إعتق‪C‬اد فلس‪CC‬في‬
‫جترييب والواقع ال‪CC C C C‬ذي تؤسسه ال ‪C C C C‬ذات العارفة انطالقا من المب‪CC C C C‬ادئ القبلية الج‪CC C C C‬اهزة اعتق‪CC C C‬اد‬
‫وي ‪CC C‬رفض باش ‪CC C‬الر اعتب ‪CC C‬ار الواقع العلمي معطى من معطي ‪CC C‬ات التجربة‬ ‫فلس ‪CC C‬في مث ‪CC C‬ايل‪.‬‬
‫املباش ‪CC‬رة‪ ،C‬ألن النظرية العلمية املعاص ‪CC‬رة ال تكتفي بوصف ما هو ج ‪CC‬اهز واالقتص ‪CC‬ار يف التفكري‬
‫على ما تقدمه احلواس‪ ،‬بل تتع‪CC C‬داه للتفكري يف إمكان‪CC C‬ات أخ‪CC C‬رى للواقع ال واقعية‪ ،C‬وعلى ه‪CC C‬ذا‬
‫األساس ينتقد النزعة الوض‪C‬عية‪ C‬االختبارية فالوض‪C‬عيون‪ « C‬بط‪C‬رحهم ملب‪C‬دأ التحقق داخل إش‪C‬كالية‪C‬‬
‫اختبارية تنظر إىل املعرف ‪CC C C C‬ة‪ ،‬على أهنا استنس‪CC C C C‬اخ للواق‪CC C C C‬ع‪ ،‬وتنظر إىل قيمتها من خالل م‪CC C C‬دى‬
‫مطابقتها للواق ‪CC‬ع‪ ،‬تس ‪CC‬قط مباش ‪CC‬رة أو ال مباش ‪CC‬رة يف الفهم ال ‪CC‬ذرائعي الربغم ‪CC‬ايت للحقيقة ولقيمة‬
‫القضايا‪ C‬العلمية»‪ 3‬إن الفكر العلمي اجلديد فلس‪CC‬فة ته‪C‬دف للكشف عن الواقع وإض‪C‬فاء الص‪C‬بغة‪C‬‬
‫‪1‬‬
‫وقيدي‪ ،‬محمد‪ ،‬فلسفة المعرفة‪ .‬عند غاستون باشالر‪ ،‬مرجع سابق ص‪69‬‬
‫‪2‬‬
‫‪BACHELARD .G‬‬ ‫‪, Le nouvel esprit scientifique,puf,1966, p:17,18‬‬
‫‪3‬‬
‫سالم یافوت ‪ :‬فلسفة العلم المعاصر ومفهومها للواقع‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪ ،‬ط ‪ ،1‬لبنان‪ ،1986 ،‬ص ‪149‬‬

‫‪87‬‬
‫املوض ‪CC‬وعية علي ‪CC‬ه‪ ،‬وه ‪CC‬ذا ال يت ‪CC‬أتى إال ببن ‪CC‬اء عقالين من املف ‪CC‬اهيم املتكامل ‪CC‬ة‪ ،‬ينتظيم فيها الواقع‬
‫رياض ‪CC‬يا والواقع املباشر ليس إال دافع للتفكري العلمي وال ميكن أن يك ‪CC‬ون‪ C‬موض ‪CC‬وعا للمعرفة ‪.‬‬
‫إن دور الآلة يؤكد ه‪CC C C C‬ذه القيمة اجلدي‪CC C C C‬دة للعلم املعاص‪CC C C C‬ر« حيث مل تعد اآللة ت‪CC C C C‬دقق إدراكنا‬
‫للواقع فحسب بل أصبحت ما جيعلنا ندرك هذا الواقع ال‪CC‬ذي ال ميكن إدراكه دوهنا‪ .‬إن العلم‬
‫»‪.1‬‬ ‫املعاصر أكثر من العلم السابق قد أصبح علم ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـا آليا‬
‫وهن ‪CC‬اك‪ C‬خاص ‪CC‬ية جدي ‪CC‬دة أخ‪CC‬رى من خص ‪CC‬ائص العلم املعاصر يستخلص ‪CC‬ها باش ‪CC‬الر‪،‬‬
‫وهي ال ‪CC‬دور ال ‪CC‬ذي يلعبه الكت ‪CC‬اب يف املعرف‪C C‬ة العلمية املعاص ‪CC‬رة ‪ .‬أي أن الفكر العلمي كت ‪CC‬اب‬
‫فع ‪CC‬ال وكت ‪CC‬اب جس ‪CC‬ور وح ‪CC‬ذر يف نفس ال ‪CC‬وقت كت ‪CC‬اب يف التجربة كت ‪CC‬اب ي ‪CC‬راد طبع‪C C‬ه ‪ ،‬طبعة‬
‫جدي ‪CC C C C‬دة متفتحة تع ‪CC C C C‬اد تنظيمها ‪ .‬أي ن ‪CC C C C‬درك ال ‪CC C C C‬دور املهم ال ‪CC C C C‬ذي يلعبه الكت ‪CC C C C‬اب يف املعرفة‬
‫املوضوعية‪.‬‬
‫والقيمة األخرى هي أن النشاط العلمي أصبح مجاعيا‪ ،‬ويصفها باشالر باخلاصية‬
‫اجملتمعية‪ C‬للعلم املعاصر‪ .‬فك‪C C C C‬ل االكتش‪CC C C C‬افات العلمية املعاص‪CC C C C‬رة ناجتة عن تع‪CC C C C‬اون وتكامل بني‬
‫جهد مجع العلماء‪ ،‬كالتع‪CC‬اون بني العلم‪CC‬اء النظ‪C‬ريني‪ .‬وعالمته‪ C‬أنه ليس هن‪CC‬اك يف ال‪C‬وقت احلاضر‬
‫عملا علمي ‪C‬ا نظري ‪C‬ا يوقع باسم واحد‪ ،‬وكل إجناز تقين يتطلب اش ‪CC‬رتاك ع ‪CC‬دد كبري من التقن ‪CC‬يني‬
‫مما يفرتض وجود مدينة تقنية‪ C‬أو هكذا يريد باشالر‪ .‬كما أن التعاون يتوسع ليش‪CC‬مل النظ‪CC‬ريني‬
‫والتقن‪CC C‬يني‪ .‬إن املدينة العلمية املعاصرة تك ‪CC‬رس مب ‪CC‬دأ التكامل بني النظ ‪CC‬ري والتقين ففي «املدينة‬
‫العلمية املعاص‪CC C‬رة ال يوجد عمل نظ‪CC C‬ري منفصل عن عمل تقين ‪.‬وب‪CC C‬النظر إىل كل إجناز علمي‬
‫معاصر سنجد أنه كان نتيجة تكامل مس‪CC‬تمر بني ال‪C‬دليل النظ‪C‬ري وال‪CC‬دليل التقين »‪ .2‬إن القيم‬
‫االبس‪CC‬تمولوجية اجلدي‪CC‬دة والىت على فيلس‪CC‬وف العلم كش‪CC‬فها‪ ،‬ثالثة متكامل‪CC‬ة‪ ،‬موض‪CC‬وعية‪ C‬عقلية‬
‫وموض ‪CC C C C‬وعية تقني ‪CC C C C‬ة‪ ،‬مث موض‪CC C C C‬وعية‪ C‬جمتمعي‪CC C C C‬ة‪ .‬وهي مرتابطة فيما بينها إىل درجة أنه ال ميكن‬

‫‪1‬‬
‫محمد‪ ،‬وقيدي‪ ،‬فلسفة المعرفة‪ .‬عند غاستون باشالر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪69‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪70‬‬

‫‪88‬‬
‫جتاهل عنصر منها‪.‬‬
‫إن القي ‪CC C‬ام هبذه امله ‪CC C‬ام وعلى تلك الص ‪CC C‬ورة جيعل فيلس ‪CC C‬وف العلم يف تع ‪CC C‬ارض مع ص‪CC C‬ورة‬
‫املهمة التقليدية للفلس ‪CC‬فة‪ ،‬دون أن يوقع نفسه يف تع ‪CC‬ارض مع العلم‪ ،‬فهو يعمل على إب ‪CC‬راز أثر‬
‫القيم االبستمولوجية‪ C‬يف بنيتنا‪ C‬العارفة‪ ،‬وبذلك يسري يف نفس اجتاه العلم‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إبراز أثر تطور املعارف العلمية على بنية الفكر‪.‬‬
‫حبث باش‪CC‬الر عن األس‪CC‬باب اليت تع‪CC‬وق التفلسف الص‪CC‬حيح ومتنع‪CC‬ه‪ ،‬وح‪CC‬ددها يف‬
‫عقبة أغفلها الفالس‪CC C‬فة‪ C‬والعلم‪CC C‬اء مع ‪CC C‬ا‪ ،‬وهي مش ‪CC C‬كلة بنية وتط ‪CC C‬ور الفكر « وعندئ‪CC C‬ذ‪ ،‬فكيف‬
‫نتع‪CC C C C‬امى‪ C‬عن أنه يتعني على فلس‪CC C C C‬فة تس‪CC C C C‬عى حقيقة لتك‪CC C C C‬ون مالئمة للفكر العلمي يف تط‪CC C C‬وره‬
‫الدائب‪ C،‬أن تراعي انعكاس املعارف العلمية على البنية الفكرية؟ فهك‪C‬ذا‪ ،‬منذ بداية تأمالتنا يف‬
‫دور فلس‪CC C C C C‬فة العل‪CC C C C C‬وم وحنن نص‪CC C C C C‬طدم مبش‪CC C C C C‬كل يظهر لنا أنه مل حيسن طرحه ال العلم ‪CC C C‬اء وال‬
‫الفالس‪CC‬فة على حد س‪CC‬واء‪ .‬إنه مش‪CC‬كل بنية وتط‪CC‬ور الفكر »‪.1‬فغي‪CC‬اب الفلس‪CC‬فة العلمية احلقة من‬
‫وجهة نظر باش ‪CC‬الر يرجع إىل س ‪CC‬وء ط ‪CC‬رح مش ‪CC‬كل بنية وتط ‪CC‬ور الفكر ل ‪CC‬ذلك ين ‪CC‬اقش كال من‬
‫العامل والفيلسوف ليقدم الحقا موقفه من املسألة‪ .‬فماهي نظرة العلماء للمسألة؟‬
‫يعتقد العلم‪CC‬اء أن املعرفة ت‪CC‬بزغ من اجلهل كما ي‪CC‬بزغ الن‪CC‬ور من الظالم‪ ،‬لكن ه‪CC‬ذا‬
‫املعىن جيانب الصواب يف نظر باشالر‪ ،‬ألنه غاب عن العامل أن « اجلهل نسيج أخطاء إجيابي‪CC‬ة‪،‬‬
‫عني‪CC‬دة ومتض‪CC‬امنة‪ C،‬وهو الي‪CC‬درك ب‪CC‬أن‪ C‬للظلم‪CC‬ات الفكرية بني‪CC‬ة‪ ،‬ويف ه‪CC‬ذه احلالة ينبغي‪ C‬لكل جتربة‬
‫موض‪CC‬وعية حقة أن جتري تص‪CC‬حيحا خلطأ ذايت »‪ 2‬ويقصد ب‪CC‬ذلك أن األفك‪CC‬ار املس‪CC‬بقة متج‪CC‬ذرة‬
‫فينا وليس من السهل التخلص منها‪ ،‬ولذلك هي شكل من أشكال العوائق االبستمولوجية‪C.‬‬
‫وال ميكن« للعقل العلمي أن يتك‪CC C‬ون إال وهو حيطم العقل غري العلمي»‪ 3‬ب‪CC C‬ذلك‬

‫باش‪CC‬الر‪ ،‬غاس‪CC‬تون‪ ،‬فلس‪CC‬فة ال‪CC‬رفض‪ ،‬مبحث فلس‪C‬في‪ C‬يف العقل العلمي اجلدي‪CC‬د‪ ،‬ت‪CC‬ر‪ :‬خليل أمحد خلي‪CC‬ل‪ ،‬دار احلداث‪CC‬ة‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ط‪ 1‬بريوت‪ ،1985 ،‬ص‪8‬‬


‫‪2‬‬
‫‪G.Bachelard : La philosophie du non , op-cit, p 13‬‬
‫‪3‬‬
‫باشالر‪ ،‬غاستون‪ ،‬فلسفة الرفض‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪11‬‬

‫‪89‬‬
‫يص‪CC C C‬بح التق‪CC C C‬دم العلمي مش‪CC C C‬روطا بتح‪CC C C‬ول س‪CC C C‬يكولوجي‪ C‬ج ‪CC C‬ذري يس‪CC C C‬ميه باش‪CC C C‬الر ب ‪CC C‬الردة "‬
‫‪ "conversion‬ويش‪CC‬كل ه‪CC‬ذا التح‪CC‬ول قطيعة جذرية مع األفك‪CC‬ار املس‪CC‬بقة‪ C‬الدفين‪CC‬ة‪ ،‬بل أك‪CC‬ثر‬
‫من ذلك « تط‪CC C‬ورات الفكر العلمي املعاصر قد أح ‪CC‬دثت حتوالت حىت يف مب‪CC C‬ادئ املعرفة ذاهتا‬
‫»‪ 1‬واإلش‪CC C C C C C‬ارة هنا إىل امليكانيكا الالنيوتوني‪CC C C C C C‬ة‪ C،‬والكيمي‪CC C C C C C‬اء‪ C‬الالفوازي‪CC C C C C C‬ة‪ ،‬واالبس‪CC C C C C C‬تمولوجيا‬
‫الالديكارتية‪ C‬واملنطق الال أرس‪CC C‬طي باعتبارها عل‪CC C‬وم تأسست‪ C‬وفقا ملب‪CC C‬ادئ مغ‪CC C‬ايرة متاما للعل‪CC C‬وم‬
‫الكالس ‪CC‬يكية‪ C.‬نظ‪CC‬رة العلم ‪CC‬اء إذن ب ‪CC‬الرغم من أهنا تس ‪CC‬تأنس‪ C‬بثقافة العلم املعاصر لكنها من جهة‬
‫ثانية تقع يف براثني نظرة فلسفية كالسيكية‪ C‬متحجرة‪.‬‬
‫أما إذا تعلق األمر بالفالس ‪CC‬فة ف ‪CC‬إن النقد الباش ‪CC‬الري س ‪CC‬يزداد ق ‪CC‬وة وح ‪CC‬دة‪ .‬إن‬
‫الفيلس‪CC C C C C C‬وف مكبل بأفك‪CC C C C C C‬ار مس‪CC C C C C C‬بقة‪ ،‬ومعتق‪CC C C C C C‬دات خاطئة هي مرجعيته يف التفكري واحلكم‬
‫واالس ‪CC‬تنتاج‪ ،‬واليشك حلظة فيه ‪CC‬ا‪ ،‬بل يقيم عليها ص ‪CC‬رحا فلس ‪CC‬فيا حمكما « إن حقيقة واح ‪CC‬دة‬
‫كافية إلخراجه من الشك ومن اجله‪CC‬ل‪ ،‬ومن الالمعقولي‪CC‬ة‪ ،‬وهي كافية إلن‪CC‬ارة النفس وإهلامه‪CC‬ا‪،‬‬
‫فب‪CC‬داهتها تشع إش‪CC‬عاعات ال هناية هلا‪ .‬ه‪CC‬ذه البداهة ن‪CC‬ور فريد من نوع‪CC‬ه‪ .‬إن الفكر يعيش بداهة‬
‫واح ‪CC‬دة واليس ‪CC‬عى خللق ب ‪CC‬داهات أخ ‪CC‬رى»‪ .2‬إنه ال ‪CC‬وهم ال ‪CC‬ذي يغلف عقي ‪CC‬دة الفيلس ‪CC‬وف كما‬
‫يتص‪CC C‬وره باش‪CC C‬الر‪ ،‬إن حتليل س‪CC C‬يكولوجية الفيلس‪CC C‬وف تكشف بع ‪CC C‬دا س ‪CC C‬لبيا آخر يف تفك‪CC C‬ريه‪C،‬‬
‫ومنهجه ويف تص ‪CC C‬وره لبنية الفك ‪CC C‬ر‪ .‬يعتقد الفيلس ‪CC C‬وف أن « هوية الفكر يف األنا أفكر ش‪CC C‬ديدة‬
‫الوض‪CC‬وح لدرجة أن معرفة ه‪CC‬ذا الش‪CC‬عور الواضح هي مباش‪CC‬رة ش‪CC‬عور مبعرفة ويقني من تأس‪CC‬يس‬
‫فلس ‪CC C‬فة للمعرف ‪CC C‬ة‪ .‬فالش ‪CC C‬عور هبوية الفكر يف خمتلف معارف ‪CC C‬ه‪ ،‬هو وح ‪CC C‬ده كفيل بض ‪CC C‬مان منهج‬
‫معول اهلدم الباشالري يقع مباشرة على الكوجيتو‪ C‬ال‪CC‬ديكاريت‪،‬‬
‫هنا َ‬
‫‪3‬‬
‫»‬ ‫دائم‪ ،‬أساسي‪ ،‬وهنائي‬
‫وال ‪CC‬ذي يعتقد أن ال ‪CC‬ذات ت ‪CC‬درك ذاهتا ب ‪CC‬ذاهتا وهو اعتق ‪CC‬اد فلس ‪CC‬في تقلي ‪CC‬دي ميت ‪CC‬افيزيقي‪ C،‬ال ‪CC‬ذي‬

‫‪1‬‬
‫‪ibidem‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ibidem‬‬
‫‪3‬‬
‫‪G.Bachelard : La philosophie du non , op-cit. p14‬‬

‫‪90‬‬
‫بسط نفوذه وأصبح املنهج الدائم والنهائي‪.‬‬
‫إن الفيلس‪CC‬وف ي‪CC‬رى أنه « مهما تن‪CC‬وعت املنهجي‪CC‬ات ومهما ك‪CC‬انت حركيتها يف‬
‫خمتلف العل‪CC C C C‬وم‪ ،‬فإهنا تنسب مع ذلك إىل منهج أويل‪ ،‬منهج ع‪CC C C C‬ام يف‪CC C C C‬رتض فيه تش‪CC C C C‬كيل كل‬
‫املعرف‪CC‬ة‪ ،‬ومل‪CC‬زم مبعاجلة كل املوض‪CC‬وعات بنفس الكيفية»‪ 1‬لقد أص‪CC‬بح التص‪CC‬ور الفلس‪CC‬في مرهونا‬
‫باالعتق‪CC C C‬اد املنهجي‪ C‬ال‪CC C C‬ديكاريت ال‪CC C C‬ذي يوجه البحث لبل‪CC C C‬وغ احلقيق‪CC C C‬ة‪ C.‬إن الكش‪CC C C‬وفات العلمية‬
‫املعاص‪CC C‬رة ت‪CC C‬رفض التص‪CC C‬ور املنهجي األح‪CC C‬ادي‪ ،‬ألنه وليد وهم وخي‪CC C‬ال‪ ،‬ويغلق آف‪CC C‬اق اإلب‪CC C‬داع‬
‫املع ‪CC‬ريف‪ .‬والبد من وج ‪CC‬ود فلس ‪CC‬فة جدي ‪CC‬دة للعل ‪CC‬وم تنس ‪CC‬جم مع خص ‪CC‬ائص الفكر العلمي اجلديد‬
‫الذي قطع صلته مع الفكر العلمي فكل علم يفرز فلسفته‪.‬‬
‫ما يتك‪CC‬رس ل‪CC‬دى باش‪CC‬الر كقناع‪CC‬ة‪ ،‬أن بنية الفكر تط‪CC‬رح مش‪CC‬كلة ل‪CC‬دى الفيلس‪CC‬وف‬
‫والع‪CC‬امل معا ب‪CC‬الرغم من مظ‪CC‬اهر التب‪CC‬اين واالختالف بينهم‪CC‬ا‪ ،‬وأصل املش‪CC‬كلة‪ ،‬اعتق‪CC‬ادهم بوج‪CC‬ود‬
‫عقل مطلق وث‪CC C C‬ابت خيتزن مق‪CC C C‬والت تتم‪CC C C‬يز باملطلقية والثب‪CC C C‬ات‪ C،‬تفهم الواقع وتفس‪CC C C‬ره‪ ،‬وه‪CC C‬ذا‬
‫االعتق‪CC C‬اد إرث أرس‪CC C‬طي إقلي‪CC C‬دي ق‪CC C‬دمي‪ ،‬وجتذر مع الفالس‪CC C‬فة‪ C‬عرب العص‪CC C‬ور‪ ،‬من ديك‪CC C‬ارت إىل‬
‫كانط ومن سار على منهجهم‪.‬‬
‫ينتقل باش‪CC‬الر يف عملية نسج تص‪CC‬ور جديد لبنية الفكر وأثر تط‪CC‬ور املع‪CC‬ارف فيه ق‪CC‬ائال‬
‫« فأطروحة كأطروحتنا اليت تضع املعرفة على أهنا تط ‪CC C C C C C C C C‬ور للفك ‪CC C C C C C C C C‬ر‪ ،‬واليت تقبل‬ ‫‪:‬‬
‫التغ‪CC‬ريات‪ C‬اليت متس وح‪CC‬دة ودوام األنا أفك‪CC‬ر‪ ،‬البد وأن تقلق الفيلس‪CC‬وف‪ .‬ومع ذلك ف‪CC‬إىل ه‪CC‬ذه‬
‫النتيجة ينبغي‪ C‬لنا أن نتوصل إذا أردنا حتديد فلس‪CC C C C C‬فة املعرفة العلمية على أهنا فلس‪CC C C C C‬فة مفتوحة‬
‫وعلى أهنا وعي فكر يتأسس وهو يش ‪CC‬تغل يف اجمله ‪CC‬ول‪ ،‬وه ‪CC‬ويبحث ض ‪CC‬من الواقع عما ين ‪CC‬اقض‬
‫ويق‪CC‬ول بدقة ووض‪CC‬وح « إن الفلس‪CC‬فة الىت تس‪CC‬عى حقيقة ألن تك‪CC‬ون‪ C‬مالئمة‬ ‫‪2‬‬
‫س‪CC‬ابقة»‬ ‫مع‪CC‬ارف‬
‫للفكر العلمي الذي هو يف تطور دائب‪ ،‬يلزمها أن تراعي إنعكاس املع‪CC‬ارف العلمية على البنية‪C‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid, p 13‬‬
‫‪2‬‬
‫‪G.Bachelard : La philosophie du non , op-cit. p 13‬‬
‫‪91‬‬
‫‪1‬‬
‫الفكرية»‬

‫إن البنية‪ C‬العقلية ليست ثابتة‪ ،‬بل متطورة بفعل أثر املعارف العلمية عليها‪ ،‬وال بد‬
‫من إب‪CC C‬رزا القيم املعرفية اجلدي‪CC C‬دة اليت يفرض‪CC C‬ها تط‪CC C‬ور الفكر العلمي «على فيلس‪CC C‬وف العلم أن‬
‫ي‪CC C C C‬بني لنا يف كل مرحلة من تط‪CC C C C‬ور الفكر العلمي حالة املع‪CC C C C‬ارف العلمية م‪CC C C C‬ربزا القيم املعرفية‬
‫اجلدي ‪CC C C‬دة اليت ت ‪CC C C‬ربز مع كل مرحل ‪CC C C‬ة‪ ،‬وأن عليه أيضا أن ي ‪CC C C‬ربز لنا مع ذلك األثر ال ‪CC C C‬ذي حتدثه‬
‫املع‪CC‬ارف العلمية على بنيتنا العارفة»‪ 2‬هبذا يص‪CC‬بح إبراز األثر ال‪CC‬ذي حتدثه املع‪CC‬ارف العلمية على‬
‫بنيتنا‪ C‬العارفة العالمة‪ C‬البارزة للروح العلمية اجلديدة‪.‬‬
‫ويستخدم باشالر" ال " النفي للداللة على أطروحته اجلديدة « وقبل كل شئ‪ ،‬فال‬
‫بد من إدراك أن التجربة اجلدي‪CC C C C C C‬دة تق‪CC C C C C C‬ول ال للتجربة القدمية‪ ،‬وإال بطبيعة احلال فهي ليست‬
‫بتجربة جدي ‪CC C‬دة»‪ .3‬إن اجلديد يف العلم يق ‪CC C‬ول ال للق ‪CC C‬دمي‪ ،‬مع العلم أن "ال" ليست هنائية وإال‬
‫أص ‪CC‬بحت التجربة اجلدي ‪CC‬دة قدمية بفعل ال ‪CC‬زمن‪ ،‬وتتح ‪CC‬ول إىل حتجر وانغالق‪ C،‬وال يك ‪CC‬ون‪ C‬الفكر‬
‫العلمي اجلديد منغلق‪CC‬ا‪ ،‬بل يتج‪CC‬دد من حني آلخ‪CC‬ر‪ ،‬وال‪CC‬دليل حيص‪CC‬له باش‪CC‬الر من واقع املمارسة‬
‫العلمية املعاص‪CC C C C‬رة‪ .‬يف الفيزي‪CC C C C‬اء مثال‪ ،‬جتربة ميكلس‪CC C C C‬ون‪ C‬يف األثري مل تنجح يف منظومة ني‪CC C C‬وتن‬
‫الفيزيائي‪CC C C‬ة‪ ،‬وملا أع‪CC C C‬اد أتباعه‪ C‬التجربة يف منظومة أينش‪CC C C‬تاين‪ C‬الفيزيائية ق‪CC C C‬الوا ال ملنظومة ني‪CC C C‬وتن‬
‫وتبنت‪ C‬هندسة رميان اليت ق ‪CC‬الت ال هلندسة إقلي ‪CC‬دس اليت ك ‪CC‬انت أس ‪CC‬اس منظومة فيزي ‪CC‬اء ني ‪CC‬وتن‪،‬‬
‫جديدة‪.‬‬ ‫فالفكر العلمي اجلديد جيدل مبادئه ويعرف كذلك كيف ينشئ بداهات‬
‫وقبل أن ننهي‪ C‬ه ‪CC‬ذه املس ‪CC‬ألة‪ C،‬علينا أن نشري إىل س ‪CC‬عي بعض الفالس ‪CC‬فة يف البحث‬
‫الفلسفي لقدراتنا العارفة ‪ ،‬إال أن ما يقول به باش‪C‬الر يف أثر املع‪C‬ارف يف بنية الفكر ال ميكن‬
‫أن يوضع يف نفس الس‪CC C C C C‬ياق مع تلك ال‪CC C C C C‬دعوات مثلما جنده عند كانط يف نقد العقل اخلالص‬
‫الذي يهدف « إىل دراسة الفكر من أجل معرفة طبيعته وحدوده‪ ،‬يف حني أن باشالر الجيعل‬

‫‪1‬‬
‫‪ibidem‬‬
‫‪2‬‬
‫وقيدي‪ ،‬محمد ‪ ،‬فلسفة المعرفة عند غاستون باشالر‪ ،‬مرجع سابق ص‪73‬‬
‫‪3‬‬
‫‪G.Bachelard : La philosophie du non , op-cit. p 13‬‬
‫‪92‬‬
‫ال ننفي‪ C‬أن باش ‪CC‬الر‬ ‫‪1‬‬
‫ح ‪CC‬دوده»‬ ‫من مهمة فيلس ‪CC‬وف العلم ال البحث يف طبيعة الفكر وال بي ‪CC‬ان‬
‫يتفق مع كانط يف أن العقل ال يتعامل مع امليتافيزيقا‪ C‬إال أن فلس ‪CC C C C C‬فته ب ‪CC C C C C‬الرغم من ذلك تضل‬
‫بالنسبة إليه يف نفس جمال الفلسفات األخرى‪ ،‬ألن مفهوم الفكر يبقى ثابتا عندها ب‪CC‬الرغم من‬
‫تطور معارفه‬
‫املقارنة الثانية يف هذا املضمار تتجه حنو الفيلسوف ( برانشفيك ) الذي ينتمي إىل‬
‫س ‪CC C‬ياق ت ‪CC C‬ارخيي مش ‪CC C‬ابه لل ‪CC C‬ذي ينتمي إليه باش ‪CC C‬الر‪ ،‬حيث عاصرا معا الث ‪CC C‬ورة العلمية‪ .‬بالنس‪CC C‬بة‬
‫لربانش ‪CC‬فيك الفلس ‪CC‬فة عب ‪CC‬ارة عن « تأمل للفكر يف ذاته‪ ،‬من حيث إن الفكر حني يتأمل ت‪CC‬اريخ‬
‫العل‪CC‬وم وت‪CC‬اريخ الفلس‪CC‬فة والفكر بص‪CC‬فة عامة يتع‪CC‬رف على ذاته يف ه‪CC‬ذا البحث عرب املراحل اليت‬
‫خيطوها العلم والفلس‪CC C‬فة يف تطورهم‪C C‬ا»‪ ،2‬إن الفكر ليس معطى قبلي ‪C C‬ا بل يتم‪CC C‬يز بفاعليته كما‬
‫يتن ‪CC C C C‬اول برانش ‪CC C C C‬فيك الفكر كموض ‪CC C C C‬وع للفلس ‪CC C C C‬فة ال من حيث طبيعته‪ ،‬بل من حي نش ‪CC C C‬اطه‬
‫وفعاليت‪CC C‬ه‪ ،‬ل‪CC C‬ذلك جنده أق‪CC C‬رب إىل باش‪CC C‬الر يف ه‪CC C‬ذه املس‪CC C‬ألة‪ . C‬لكن ب‪CC C‬الرغم من ذلك ص ‪CC‬احب‬
‫‪.‬‬ ‫الروح العلمية اجلديدة تأثره بربانشفيك‪ C‬تأثر جتاوز وليس تأثر تكرار وإعادة‬
‫فب‪CC‬الرغم من أن برانش‪CC‬فيك اس‪CC‬تجاب للث‪CC‬ورة العلمية وأص‪CC‬غى إليه‪CC‬ا‪ ،‬إال أن باش‪CC‬الر‬
‫استجابته هلذه الثورة كان أبل‪C‬غ‪ ،‬وذهب بتلك االس‪C‬تجابة إىل أبعد ح‪C‬دودها‪ .‬باإلض‪C‬افة إال أن‬
‫برانش ‪CC‬فيك ك ‪CC‬ان يق ‪CC‬ول بفكر جيد ذاته يف كل مرحلة من مراحل إنتاجه العلمية والفلس ‪CC‬فية أو‬
‫غريها ‪ .‬أما باش‪CC C C C‬الر يعلن عن فكر متط‪CC C C C‬ور يف بنيته تط‪CC C C C‬ور املعرفة العلمي‪CC C C C‬ة‪ ،‬ويتط‪CC C C C‬ور بفعل‬
‫‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫النظريات اليت متثل فيها ثورة علمية واليت تفرض قيما ابستمولوجية جديدة‬
‫ويف خامتة كتاب فلسفة الال يؤكد باشالر موقفه وبلغة ساخرة «العقل مرة أخرى‬
‫‪ ،‬يلزمه أن يطيع العلم‪ ،‬اهلندس‪CC‬ة‪ ،‬والفيزي‪CC‬اء‪ ،‬وعل‪CC‬وم احلس‪CC‬اب‪ ،‬فاملذهب التقلي‪CC‬دي ال‪CC‬ذي ي‪CC‬ؤمن‬

‫‪1‬‬
‫وقيدي‪ ،‬فلسفة المعرفة‪ .‬عند باشالر‪ ،‬مرجع سابق ص‪74‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص ‪74‬‬
‫‪3‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ص ‪75 ،74‬‬

‫‪93‬‬
‫بعقل مطلق وث ‪CC‬ابت ليس إال فلس ‪CC‬فة‪ .‬إهنا فلس ‪CC‬فة بالي ‪CC‬ة‪ ،‬وبائ ‪CC‬دة»‪ 1‬تلك هي النتيجة اليت رسى‬
‫عليها باش‪CC C‬الر بعد جمادالت ونقاقاش‪CC C‬ات لألطروح‪CC C‬ات الس‪CC C‬ابقة‪ ،‬واليت ك‪CC C‬ان تص‪CC C‬ورها للعقل‬
‫س‪CC‬ببا يف غي‪CC‬اب فلس‪CC‬فة حقة للعل‪CC‬وم‪ .‬إن العقل الث‪CC‬ابت‪ C‬واملطلق ليس إال ومها فلس‪CC‬فيا قيد الفكر‬
‫البشري ولقرون عديدة مببادئ ومق‪CC‬والت املنطق األرس‪CC‬طي‪ ،‬واحلقيقة‪ C‬أن العقل اإلنس‪CC‬اين طاقة‬
‫تتشكل بتشكل معارفه والتأثري بينهما متبادل‪ .‬هبذه الصورة فقط تك‪C‬ون‪ C‬مهمة فيلس‪C‬وف العلم‬
‫مس‪CC C C‬ايرة للعلم ومتعارضة مع املهمة التقليدية للفلس‪CC C C‬فة‪ ،‬مهمة فيلس‪CC C C‬وف العلم هي إب ‪CC C‬راز أثر‬
‫القيم االبستمولوجية‪ C‬يف بنيتنا‪ C‬العارفة‪.‬‬
‫‪ -3‬التحليل النفسي‪ C‬للمعرفة املوضوعية ‪:‬‬
‫التحليل النفسي‪ C‬كمنهج مس‪CC‬تحدث ينتمي إىل الدراس‪CC‬ات اإلنس‪CC‬انية‪ C‬يف علم النفس‪ .‬وهو‬
‫« إص‪CC C C C‬طالح ح‪CC C C C‬ديث أطلقه (فروي‪CC C C C‬د) على إح‪CC C C C‬دى ط‪CC C C C‬رق البحث والعالج يف علم النفس‬
‫املرض ‪CC‬ي‪ .‬وقد انتشر ه ‪CC‬ذا االص ‪CC‬طالح يف علم النفس احلديث‪ ،‬حىت أطلق على مجيع التقني ‪CC‬ات‬
‫ويق‪CC C‬وم على فرضية‬ ‫‪2‬‬
‫الش‪CC C‬عورية»‬ ‫املس‪CC C‬تعملة يف دراسة األفع‪CC C‬ال النفس‪CC C‬ية ش‪CC C‬عورية ك‪CC C‬انت أو‬
‫عامة‪ ،‬تقول بوجود حياة نفسية ال شعورية تؤثر يف حياتنا النفسية‪ C‬الشعورية‪.‬‬
‫إن احمللل النفساني يتجه إىل اف‪C‬رتاض‪ C‬دوافع الش‪C‬عورية ت‪C‬ربر الس‪C‬لوك اإلنس‪C‬اين‪ ،‬واكتش‪C‬اف‬
‫ال‪CC C C‬دوافع يفسر أس‪CC C C‬باب الش‪CC C C‬ذوذ واملرض يف الس‪CC C C‬لوك‪ .‬لكن ما ش‪CC C C‬أن منهج التحليل النفسي‪C‬‬
‫الباشالري؟‪.‬‬ ‫ضمن سياق البحث االبستمولوجي‬
‫عالقة باش‪CC‬الر بالتحليل النفسي‪ C‬ال ميكن اختزاهلا يف اس‪CC‬تعادة بس‪CC‬يطة ألطروح‪CC‬ات‬
‫علم النفس التحليلي‪ .‬فهو مل يتقيد حرفيا مبفاهيمه كلية على أص ‪CC‬لها وحرفيته ‪CC‬ا‪ .‬بل ما متيز به‬
‫يف تعامله « مع ه‪C‬ذه النظري‪C‬ة‪ ،‬ق‪C‬راءة واس‪C‬تخداما‪ ،‬هو احلرية الواس‪C‬عة‪ C،‬اليت هبا يتن‪C‬اول ويس‪C‬تثمر‬
‫املف‪CC C‬اهيم التحليلية األساس‪CC C‬ية‪ 3»C‬إنه يعطي للمف‪CC C‬اهيم التحليلية مض‪CC C‬امني خمتلفة تس‪CC C‬تجيب أك ‪CC‬ثر‬
‫‪1‬‬
‫‪G.Bachelard : La philosophie du non , op-cit. p 134‬‬
‫‪2‬‬
‫جميل‪ ،‬صليبا‪ ،‬المعجم الفلسفي‪ ،‬ج‪ ،1‬دار الكتاب اللبناني‪ ،‬دون طبعة‪ 1982 ،‬لبنان‪ ،‬ص ‪257‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد هشام‪ ،‬تكوين مفهوم الممارسة االبس‪.‬تمولوجية عن‪..‬د باش‪.‬الر‪ ،‬إفريقي‪..‬ا الش‪..‬رق‪ ،‬دون طبع‪..‬ة‪ ،‬المغ‪.‬رب‪ ،2006 ،‬ص‬

‫‪94‬‬
‫ملوض‪CC C C‬وعات حبث‪CC C C‬ه‪ .‬مثال‪ ،‬عن‪CC C C‬دما يتح‪CC C C‬دث عن العقد يف التحليل النفسي‪ C‬للن‪CC C C‬ار‪ ،‬حتديداته ال‬
‫تتط ‪CC C C‬ابق مع التحليل النفس ‪CC C C‬ي‪ ،‬إذ جنده ي ‪CC C C‬ذكر عق ‪CC C C‬دة بروميت ‪CC C C‬وس‪ ،‬أمب ‪CC C C‬ادوقليس‪ ،‬نوف ‪CC C‬اليس‪،‬‬
‫هوفمان‪ .‬وال وجود هلذه األخرية يف منظومة التحليل النفسي يف علم النفس‪.‬‬
‫وميكن الق ‪CC‬ول أن باش ‪CC‬الر يأخذ بالفرض ‪CC‬ية العامة ح ‪CC‬ول وج ‪CC‬ود حي ‪CC‬اة نفس ‪CC‬ية ال‬
‫ش‪CC C‬عورية ت‪CC C‬ؤثر يف احلي‪CC C‬اة الش‪CC C‬عورية مبعىن« أن احلي‪CC C‬اة النفس‪CC C‬ية حتكمها يف الص‪CC C‬ميم س‪CC C‬ريورات‬
‫‪1‬‬
‫املكبوتة»‬ ‫نفسية الشعورية‪ ،‬هي جممل الرغبات( بالتمثالت املصاحبة هلا)‬
‫وملا يوظف صاحب "فلسفة الال" عبارة التحليل النفسي للمعرفة املوض‪CC‬وعية‪ C‬فهو‬
‫يقصد هبا عملية فحص وتش‪CC C C C C C‬خيص وتطهري عقلي وع‪CC C C C C C‬اطفي يق‪CC C C C C C‬وم هبا االبس‪CC C C C C C‬تمولوجي‬
‫وباس‪CC‬تمرار تس‪CC‬تهدف الفكر ك‪CC‬ذات عارفة من جهة وموض‪CC‬وع معرفتها من جهة أخ‪CC‬رى‪.‬ه‪CC‬ذا‬
‫التحديد يؤك‪CC C C C C‬ده باش‪CC C C C C‬الر ق‪CC C C C C‬ائال « بص‪CC C C C C‬دد أي مفه‪CC C C C C‬وم علمي‪ ،‬يوجد يف نظرنا خطأ جيب‬
‫تصحيحه‪ .‬فقبل أن يتعاطى‪ C‬الفكر إىل معرفة موض‪CC‬وعية‪ C‬م‪CC‬ا‪ ،‬البد من إخض‪CC‬اعه لتحليل نفس‪CC‬اين‬
‫ليس فقط على املس‪CC C C‬توى‪ C‬الع‪CC C C‬ام‪ ،‬ولكن أيض‪CC C C‬ا‪ ،‬على مس‪CC C C‬توى كل املف‪CC C C‬اهيم اخلاص‪CC C C‬ة‪ .‬ومبا أن‬
‫املفه ‪CC‬وم العلمي مل خيضع للتحليل النفس ‪CC‬اين يف كل اس ‪CC‬تعماالته إال ن ‪CC‬ادرا‪ ،‬ومبا أنه خُي شى دائما‬
‫من تس ‪CC C‬رب الع ‪CC C‬دوى من اس ‪CC C‬تعمال آلخ ‪CC C‬ر‪ ،‬فإنه يتعني علين ‪CC C‬ا‪ ،‬يف كل املف ‪CC C‬اهيم العلمي‪CC C‬ة‪ ،‬ذكر‬
‫إن املفه ‪CC‬وم العلمي قد يتض ‪CC‬من خطأ يص ‪CC‬عب الكشف عن ‪CC‬ه‪،‬‬ ‫‪2‬‬
‫نفس ‪CC‬انيا»‬ ‫املع ‪CC‬اين اليت مل حتلل‬
‫ويتمثل أحيانا يف س ‪CC‬وء فهم أو تأوي ‪CC‬ل‪ ،‬ل ‪CC‬ذلك ي ‪CC‬ربز التحليل النفس ‪CC‬اين كض ‪CC‬رورة ملحة يش ‪CC‬تغل‬
‫على الفكر كذات عارفة واملفهوم‪ C‬العلمي كموضوع معرفة له‪.‬‬
‫ويتحدث "دومينيك لوكور"عن استخدام باشالر للتحليل النفسي‪ C‬قائال‪ « :‬عندما‬
‫أتى باش‪CC‬الر إىل تفكري ت‪CC‬دخل القيم اخلاطئة اليت حيملها األف‪CC‬راد‪ -‬ال‪CC‬ذوات يف س‪CC‬ريورة املمارسة‬

‫‪209‬‬
‫‪1‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪210‬‬
‫‪2‬‬
‫‪G.Bachelard : La philosophie du non , op.cit, p25‬‬
‫‪95‬‬
‫العلمية فإنه قد أح‪CC‬ال ه‪CC‬ذه القيم اخلاطئة على الطبيعة‪ 1» C‬وبق‪CC‬راءة "لوك‪CC‬ور" أن ه‪CC‬دف التحليل‬
‫النفسي‪ C‬للمعرفة املوض‪CC C C‬وعية‪ C،‬الكشف عن القيم اإليديولوجي‪CC C C‬ة‪ ،‬اليت تقف عقبة أم‪CC C C‬ام تط‪CC C C‬ور‬
‫العلم‪ ،‬وهي قيم ال تعرب عن الطبيعة‪ C‬بل متثل اي‪CC C C C C C C C C C C C C C C‬ديولوجي معني عن الطبيعة‪ « C‬تط‪CC C C C C C C C C C‬بيع‬
‫الي ‪CC‬ديولوجيا معين ‪CC‬ة‪ C،‬وه ‪CC‬ذا ما يتمثل بوض ‪CC‬وح يف الوظيفة النظرية اليت يوكل باش ‪CC‬الر ممارس ‪CC‬تها‬
‫إىل الق ‪CC‬رن الث ‪CC‬امن عش ‪CC‬ر‪ ،‬مبعىن أن كل النص ‪CC‬وص‪ C‬اليت يس ‪CC‬تعملها باش ‪CC‬الر واليت تع ‪CC‬ود إىل الق ‪CC‬رن‬
‫الث ‪CC‬امن عش ‪CC‬ر‪ ،‬وهي كث ‪CC‬رية‪ ،‬إمنا ترسم لنا ص ‪CC‬ورة ميثولوجية حلالة طبيعية للفكر العلمي‪ ،‬حالة‬
‫أصلية وما فوق‪ -‬تارخيية‪ ،‬تظهر الصراع بني الفكر العلمي الناشئ وبني ان‪CC‬دفاع الطبيعة‪ C‬ال‪CC‬ذي‬
‫ك‪CC‬ان الي‪CC‬زال قوي‪CC‬ا‪ .‬ل‪CC‬ذلك يك‪CC‬رر باش‪CC‬الر الق‪CC‬ول ب‪CC‬أن الفكر العلمي ال ميكنه أن يتك‪CC‬ون‪ C‬إال ض‪CC‬دا‬
‫على ما يشده طبيعيا إىل الطبيعة‪ .‬وهكذا‪ ،‬يف كل هذه النصوص اليت يعتقد باشالر أنه يس‪CC‬مع‬
‫فيها ص‪CC‬وت الطبيعة نفس‪CC‬ها تتكلم نق‪CC‬رأ حنن التمثل ال‪CC‬ذي متنحه لنفس‪CC‬ها إي‪CC‬ديولوجيا معينة عن‬
‫‪2‬‬
‫الطبيعة‪»C‬‬

‫تك‪CC C C‬ون‪ C‬القيم االيديولوجية دائما من خ‪CC C C‬ارج العلم‪ ،‬تنتمي إىل بنية العالق ‪CC C‬ات‬
‫االجتماعية لكنها تتلبس بالطبيع ‪CC C‬ة‪ .‬ه ‪CC C‬ذه االخ ‪CC C‬رية إذن هي مبثابة ع ‪CC C‬امل ال ‪CC C‬دوافع والغرائز عند‬
‫فروي‪CC C‬د‪ ،‬والتحليل النفسي الباش‪CC C‬الري يس‪CC C‬تهدف « بناء مفه‪CC C‬وم الع‪CC C‬ائق لتفكري التوقف‪CC C‬ات أو‬
‫التباطئات اليت تعرفها سريورة العمل العلمي‪ ،‬وذلك بارجاعها ال إىل قصور ملك‪CC‬ات التفك‪CC‬ري‪C،‬‬
‫ولكن إجيابيا إىل ال ‪CC C C C C‬رأي احملال هو نفسه على واقع الغرائز»‪ 3‬فالع ‪CC C C C C‬ائق يقتضي حتليال نفس‪CC C C C‬يا‬
‫للمعرفة العلمية لكشف نزوعه اإلي ‪CC‬ديولوجي يف ص ‪CC‬ورة الطبيع ‪CC‬ة‪ C.‬بل إن ه ‪CC‬ذا ال ‪CC‬نزوع – مثلما‬
‫يوضحه ‪ -‬يربز يف ميدان املمارسة العلمية‪ ،‬بثوب مقوالت فلسفية ك‪CC‬اجلوهر واحلي‪CC‬اة والنفس‬
‫« واحلال‪ ،‬أن أحسن وس ‪CC C C C‬يلة لله ‪CC C C C‬روب من املناقش ‪CC C C C‬ات املوض ‪CC C C C‬وعية تتجلى يف التخفي وراء‬
‫اجلواهر‪ ،‬ويف شحن اجلواهر بشىت الس‪CC‬مات األك‪CC‬ثر دق‪CC‬ة‪ ،‬ويف اختاذها مرايا عاكسة النطباعاتنا‪C‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Dominique lecourt, Bachelard ou le jour et la nuit, Grasset, 1974, p:126‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid, p: 131‬‬
‫تكوين مفهوم الممارسة‪ .‬االبستمولوجية عند باشالر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪213‬‬ ‫حممد هشام‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪96‬‬
‫الذاتية‪ C.‬إن الصور الومهية‪ C‬اليت يشكلها الرجل الواقعي‪ C‬هبذه الكيفية‪ ،‬وهو معجب ب‪CC‬وفرة تن‪CC‬وع‬
‫دق‪CC‬ائق انطباعاته الشخص‪CC‬ية‪ ،‬ملن مجلة الص‪CC‬ور اليت من الص‪CC‬عب إزالته»‪ 1‬فباش‪CC‬الر يف‪CC‬رتض ل‪C‬دى‬
‫الباحث العلمي مكبوت‪C‬ات‪ C‬عقلية على االبس‪C‬تمولوجي‪ C‬إن يبحث يف أثرها على العمل العلمي‪.‬‬
‫كال ‪CC C C‬ذهنيات الواقعية احملكومة ب ‪CC C C‬النظرة اجلوهرانية ومل تس ‪CC C C‬تطع أن تتع ‪CC C C‬دى عقبة الفكر ماقبل‬
‫العلمي‪ .‬وأمهية ه‪CC C‬ذا التحليل أنه يكشف اجلانب الب‪CC C‬اطن للعمل العلمي ‪ ،‬وما يريده باش‪CC C‬الر‬
‫من التحليل النفسي‪ C‬للمعرفة املوض ‪CC‬وعية هو بي ‪CC‬ان الش ‪CC‬روط اخلفي ‪CC‬ة‪ ،‬والدينامية‪ C‬اليت تتش ‪CC‬كل يف‬
‫سياقها المعرفة الموضوعية ‪.‬‬
‫وخالصة املبحث أن امله‪CC C‬ام اليت يقرتحها باش‪CC C‬الر لالبس‪CC C‬تمولوجيا متثل ب‪CC C‬ديال للص‪CC C‬ورة‬
‫التقليدية اليت عه‪CC‬دها اخلط‪CC‬اب الفلس‪CC‬في ح‪CC‬ول العلم وهي مبثابة عناصر لربن‪CC‬امج متق‪CC‬دم بالنس‪CC‬بة‬
‫ملا كانت تتصوره تلك الفلسفات‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬تاريخ العلم وجدل العائق والقطيعة االبستمولوجية‬


‫يق‪CC‬دم باش‪CC‬الر تص‪CC‬ورا جدي‪CC‬دا لت‪CC‬اريخ العلم‪ ،‬يه‪CC‬دف إىل مراجعة العلم مراجعة نقدية‬
‫حتلل منعطفات التغري والتحول اليت تربز نشاط العقل العلمي وتقدمه‪ .‬لذلك ميثل هذا التصور‬
‫مش‪CC C‬روعا منهجيا أك‪CC C‬ثر منه معرفي‪CC C‬ا‪ .‬وطبق ه‪CC C‬ذا التص‪CC C‬ور يف تفك‪CC C‬ريه‪ C‬بكيفية‪ C‬عملية يف كتاباته‬
‫األوىل اليت مل يكن قد فكر بعد لذاته فيه ‪CC C‬ا‪ ،‬ولعل أب‪CC C‬رز دراسة لباش ‪CC C‬الر يف ه‪CC C‬ذا اإلط‪CC C‬ار هي‬
‫‪2‬‬
‫أطروحته التكميلية لـ "احملاولة حول االنتشار احلراري يف األجسام الصلبة‬
‫فما عالقة احلقيقة العلمية بت ‪CC‬اريخ العل ‪CC‬وم؟ ومام ‪CC‬دى ق ‪CC‬درة ه ‪CC‬ذا التص ‪CC‬ور على أن ينقلنا يف‬
‫السري الفعلي لتاريخ العلوم متجاوزا التعميمات اليت تقع فيها التصورات األخرى املغايرة؟‬

‫‪1‬‬
‫‪G.Bachelard, La Formation de l'esprit scientifique, Contribution à une psychanalyse de la‬‬
‫‪connaissance objective, Vrin, 1967, p: 148‬‬

‫هشام محمد‪ ،‬تكوين مفهوم الممارسة‪ .‬االبستمولوجية عند باشالر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪192‬‬
‫‪2‬‬

‫‪97‬‬
‫ال بد من اإلق‪CC‬رار بتلك الص ‪CC‬لة بني االبس ‪CC‬تمولوجيا وت ‪C‬اريخ العلم‪ ،‬بل هي مش ‪CC‬كلة‬
‫ابس‪CC‬تمولوجية يف حد ذاهتا تط‪C‬رح استش‪CC‬كاالت متع‪CC‬ددة من قبيل هل املف‪C‬اهيم العلمية يف تط‪C‬ور‬
‫" متصل " أم تط‪CC C C C‬ور "منفصل " ‪ .‬بل أص‪CC C C C‬بحت قض‪CC C C C‬ية القطيعة أو االس‪CC C C C‬تمراررية يف املعرفة‬
‫العلمية مسألة حيوية تفرض نفسها وأمهيتها يف أية دراسة ابستمولوجية معاصرة‪.‬‬
‫يوظف باش‪CC C‬الر مفه‪CC C‬وم الع ‪CC‬ائق االبس‪CC C‬تمولوجي ليفسر املظ‪CC C‬اهر املتعلقة‪ C‬ب ‪CC‬الركود‬
‫والنك‪CC‬وص‪ C‬ال‪CC‬ذي يطبع املعرفة العلمية يف مرحلة من مراحله‪CC‬ا‪ ،‬فهو ي‪CC‬رفض إعتب‪CC‬ار ت‪CC‬اريخ العلم‬
‫بأنه سلسلة من املشاكل يؤدي بعضها إىل بعض أو أن حاض‪CC‬رها تط‪CC‬وير وإض‪CC‬افة ملاض‪CC‬يها‪ ،‬بل‬
‫إن ه‪CC‬ذا الت‪CC‬اريخ يش‪CC‬هد تعطالت وإض‪CC‬طرابات‪ ،‬رك‪CC‬ودا ونكوص‪CC‬ا‪ ،‬كما يش‪CC‬هد ك‪CC‬ذلك ث‪CC‬ورات‬
‫وقف‪CC C‬زات كيفي‪CC C‬ة‪.‬أما القطيعة االبس‪CC C‬تمولوجية‪ C‬كمفه‪CC C‬وم أساسي ىف ابس‪CC C‬تمولوجيا باش ‪CC‬الر فإنه‬
‫يفسر مظ‪CC‬اهر الث‪CC‬ورة والتج‪CC‬اوز ىف الفكر العلمي ل‪CC‬ذلك يعرب اجلدل ىف ت‪CC‬اريخ العلم عن عوائقه‪C‬‬
‫وقطيعات‪CC C‬ه‪ .‬فباش‪CC C‬الر «يريد أن ي‪CC C‬بني ب‪CC C‬أن‪ C‬هنالك يف ت‪CC C‬اريخ العل‪CC C‬وم قف‪CC C‬زات كيفية جتعل العلم‬
‫ينتقل بفض‪CC C‬لها إىل نظري ‪CC C‬ات جدي‪CC C‬دة ال ميكن أب ‪CC C‬دا النظر إليها على أهنا جمرد اس‪CC C‬تمرار للفكر‬
‫الس‪CC‬ابق هلا ‪ ،‬وبق‪CC‬در ما حتقق ه‪CC‬ذه القف‪CC‬زات الكيفية ج‪CC‬دة مطلقة يف الفكر العلمي‪ ،‬فأهنا حتقق‬
‫قطيعة بني هذا الفكر العلمي واملعرفة العامة »‪.1‬‬
‫أ‪ /‬اﻟﻌﺎﺋق اﻻﺑﺳﺗﻣوﻟوﺟﻲ‪ :‬مفهومه وأشكاله‪:‬‬
‫إن املعرفة العلمية عند باش‪CC‬الر عملية تتم ض‪CC‬من ش‪CC‬روط نفس‪CC‬ية ت‪CC‬رتك بص‪CC‬ماهتا على طبيعة‪C‬‬
‫املعرفة ذاهتا بش‪CC C‬كل أو ب‪CC C‬آخر‪ ،‬وتتجلى ه‪CC C‬ذه الت‪CC C‬أثريات‪ C‬يف ص‪CC C‬يغة عوائق تع‪CC C‬رتض طريق ه‪CC C‬ذه‬
‫املعرفة ‪.‬‬
‫والعائق اإلبستمولوجي‪ C‬مفهوم وظفه غاستون‪ C‬باشالر ضمن املنهج الذي اقرتحه‬
‫لفهم تاريخ العلوم يف حقيقته وواقعيته « فعندما نبحث عن الش‪CC‬روط الس‪CC‬يكولوجية لتط‪CC‬ورات‬
‫‪1‬‬
‫وقيدي محمد ‪ ،‬فلسفة المعرفةعند باشالر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪130‬‬
‫يكش‪..‬ف باش‪..‬الر عن ع‪..‬ائق آخ‪..‬ر ه‪..‬و ت‪..‬وأم الع‪..‬ائق االبس‪..‬تمولوجي‪ ،‬يس‪..‬ميه بالع‪..‬ائق البي‪..‬داغوجي‪ ،‬يرتب‪..‬ط بفلس‪..‬فة التربي‪..‬ة‬
‫‪‬‬

‫ومنهجية التعليم وتوصيل المعرفة إلى الطلبة‪ ،‬وتقييم تحصيلهم‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫العلم سرعان ما نتوصل إىل االعتقاد التايل أال وهو‪ :‬أن مشكل املعرفة العلمية جيب طرحه يف‬
‫ش‪CC‬كل عوائق»‪ .1‬ل‪CC‬ذلك ص‪CC‬اغ باش‪CC‬الر مفه‪CC‬وم الع‪CC‬ائق اإلبس‪CC‬تمولوجي‪ C،‬ورصد أش‪CC‬كاله بالنس‪CC‬بة‬
‫(‪La formation de l esprit‬‬ ‫للمعرفة العلمي‪CC C C C‬ة‪ ،‬ض‪CC C C C‬من كتابه تك‪CC C C C‬وين الفكر العلمي‬
‫‪ . )scientifique‬يف فصل عنوانه " فك‪CC‬رة الع‪CC‬ائق االبس‪CC‬تمولوجي"‪ C.‬وهو مفه‪CC‬وم إج‪CC‬رائي قابل‬
‫لالس ‪CC‬تثمار حىت خ ‪CC‬ارج الفكر الباش ‪CC‬الري نفس ‪CC‬ه‪ .‬إذ طبقه ب ‪CC‬احثون يف جمال العل ‪CC‬وم اإلنس ‪CC‬انية‬
‫لرصد عوائق املعرفة العلمية فيها أو إلب ‪CC C‬راز أش‪CC C C‬كال جدي ‪CC C‬دة من العوائق‪ C‬اإلبس‪CC C C‬تمولوجية‪ C‬مل‬
‫يتحدث عنها باشالر‪ ،‬ألن املشروع الباشالري مل ميتد بالدراسة للعلوم اإلنسانية‪. C‬‬
‫فماهو العائق االبستمولوجي؟ كيف ينشأ؟ وكيف يتم جتاوزه؟‬
‫يف معجم الفلس‪CC‬فة « عاقه عن الشئ منعه وش‪CC‬غله عن‪CC‬ه‪ ،‬وعوائق ال‪CC‬دهر ش‪CC‬واغله وأحداث‪CC‬ه‪.‬‬
‫والع‪CC‬ائق م‪CC‬ايعوق الفكر أو اإلرادة من ش‪CC‬واغل داخلية أو خارجية وعوائق‪ C‬النمو هي األس‪CC‬باب‬
‫اليت متنع الكائن احلي من بلوغ الكم‪CC‬ال اخلاص بنوع‪CC‬ه‪ C،‬من ه‪CC‬ذه العوائق‪ C‬م‪CC‬اهو ط‪CC‬بيعي‪...‬ومنها‬
‫م ‪CC‬اهو اجتم ‪CC‬اعي‪...‬ومنها م ‪CC‬اهو سياس ‪CC‬ي‪...‬ومنها‪ C‬م ‪CC‬اهو نفس ‪CC‬ي»‪ 2‬فالع ‪CC‬ائق هبذا املعىن يتض ‪CC‬من‬
‫املنع والتوقف عن التق‪CC C C C C‬دم ألجل االكتم‪CC C C C C‬ال‪ ،‬مهما تع‪CC C C C C‬ددت مص‪CC C C C C‬ادره‪ ،‬داخلية ك ‪CC C C‬انت أو‬
‫خارجي ‪CC C‬ة‪ .‬والع ‪CC C‬ائق مايس ‪CC C‬بب‪ C‬ش ‪CC C‬لال لإلرادة والفك ‪CC C‬ر‪ ،‬على اعتب ‪CC C‬ار أن اإلرادة تنجز م ‪CC C‬ايقرره‬
‫التفكري‪C.‬‬
‫لكن هل املفهوم الباشالري للعائق االبستمولوجي‪ C‬يتطابق مع التعريف املعجمي؟‪.‬‬
‫يق ‪CC‬ول باش ‪CC‬الر يف التك ‪CC‬وين « إن األمر ليس ىف اعتب ‪CC‬ار عوائق خارجي ‪CC‬ة‪ ،‬مثل تعقد‬
‫الظ ‪CC‬واهر وس ‪CC‬رعة زواهلا‪ ،‬وال باهتام احلواس والفكر البش ‪CC‬ري بالض ‪CC‬عف والقص ‪CC‬ور‪ :‬ففي عملية‬
‫اكتس‪C‬اب املعرفة ذاهتا يف ص‪C‬ميمها ت‪C‬ربز‪ ،‬بن‪C‬وع من الض‪C‬رورة الوظيفي‪C‬ة‪ ،‬تب‪C‬اطؤات‪ C،‬وغش‪C‬اوات‪.‬‬
‫فس ‪CC‬نبني على ه ‪CC‬ذا املس ‪CC‬توى‪ C‬أس ‪CC‬باب الرك ‪CC‬ود‪ ،‬بل وحىت أس ‪CC‬باب التقهقر وسنكشف على ه ‪CC‬ذا‬

‫‪1‬‬
‫‪G.Bachelard, La Formation de l'esprit scientifique, op.cit.p 13‬‬
‫مجيل صليبا‪،‬املعجم الفلسفي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪39‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪99‬‬
‫املستوى‪ C‬عن األسباب املعطلة اليت نطلق عليها تسمية العوائق االبستمولوجية»‪. 1‬‬
‫وهبذا املع ‪CC‬ىن‪ ،‬يشري الع ‪CC‬ائق االبس ‪CC‬تمولوجي‪ C‬إىل تلك املظ ‪CC‬اهر املتعلقة‪ C‬ب ‪CC‬الركود والنك ‪CC‬وص‬
‫ال‪CC C C C‬ذي مييز املعرفة العلمية يف مرحلة من مراحله‪CC C C C‬ا‪ ،‬فتط‪CC C C C‬ور العل‪CC C C C‬وم وتباطؤه‪CC C C C‬ا‪ ،‬وعطالته‪CC C C‬ا‪،‬‬
‫وانبعاثها من جديد مش‪CC C C‬كل يط‪CC C C‬رح يف ص‪CC C C‬ورة عوائق تع‪CC C C‬رتض الع‪CC C C‬امل ىف اكتس‪CC C C‬اب املعرف ‪CC C‬ة‪،‬‬
‫وب‪CC‬ذلك ميكن الق‪CC‬ول إن الع‪CC‬ائق االبس‪CC‬تمولوجي مفه‪CC‬وم باش‪CC‬الري بامتي‪CC‬از فهو ال‪CC‬ذي أدرجه يف‬
‫ق ‪CC C‬اموس الفلس ‪CC C‬فة املعاص ‪CC C‬رة‪ .‬ح ‪CC C‬دد طبيعت ‪CC C‬ه‪ ،‬ومص ‪CC C‬در نش ‪CC C‬أته كما أحصىأش ‪CC C‬كاله‪ .‬إن التم‪CC C‬يز‬
‫الباش ‪CC C‬الري يف التأثيل هلذا املفه ‪CC C‬وم ب ‪CC C‬أن العوائق‪ C‬االبس‪CC C C‬تمولوجية‪ C‬مص‪CC C C‬درها ليس خارجا عن‬
‫العل‪CC C C‬وم بل نامجة عنها وألس‪CC C C‬باب طبيعية‪ C‬توجد ب‪CC C C‬داخلها‪ ،‬ف‪CC C C‬األمر اليتعلق بش‪CC C C‬روط خارجية‬
‫للمعرفة مثل تعقد الظ ‪CC C C C‬واهر‪ ،‬أو ض ‪CC C C C‬عف احلواس والفكر اإلنس ‪CC C C C‬انيني‪ ،‬بل يتعلق بفعل املعرفة‬
‫ذات ‪CC‬ه‪ .‬وب ‪CC‬ذلك تك ‪CC‬ون‪ C‬العوائق اإلبس ‪CC‬تمولوجية‪ C‬مش ‪CC‬كلة لل ‪CC‬ذات العارفة يف عالقتها مبوض ‪CC‬وعات‬
‫تفكريها‪ C.‬ويتجه البحث ضرورة إىل فحص املعرفة العلمية من داخلها ال من خارجها فالعائق‬
‫يوجد صميميا يف هذا الفكر نفسه‪.‬‬
‫وعن مص‪CC C‬در الع‪CC C‬ائق االبس‪CC C‬تمولوجي ي‪CC C‬رى باش‪CC C‬الر أنه متخف وق‪CC C‬ابع يف كل‬
‫املع ‪CC‬ارف‪ ،‬علمية وعامي ‪CC‬ة‪ ،‬فقد يولد مع املعرفة العامية ويرتسخ فيه ‪CC‬ا‪ ،‬وه ‪CC‬ذا مايس ‪CC‬مى ب ‪CC‬الرأي‬
‫واملعرفة العلمية تف ‪CC‬رز عوائقها ك ‪CC‬ذلك‪ ،‬حيث تتق ‪CC‬ادم وتص ‪CC‬بح عائقا أم ‪CC‬ام تطورها « إن معرفة‬
‫من املعارف اليت حيصل عليها مبجهود علمي تستطيع هي ذاهتا أن تضعف وتنحرف والسؤال‬
‫اجملرد الص ‪CC C C‬ريح يبلى ويتن ‪CC C C‬اقص‪ C،‬فتبقى اإلجابة احلس ‪CC C C‬ية‪ .‬ومنذئ ‪CC C C‬ذ‪ ،‬ينقلب النش ‪CC C C‬اط الفك ‪CC C‬ري‬
‫ويتوقف‪ .‬فيرتسخ ع‪CC‬ائق ابس‪CC‬تمولوجي يف املعرفة اليت مل تس‪CC‬ائل‪ ،‬وتتح‪CC‬ول الع‪CC‬ادات الذهنية‪ C‬اليت‬
‫ك ‪CC C‬انت نافعة وس ‪CC C‬ليمة‪ ،‬مع ط ‪CC C‬ول ال ‪CC C‬زمن‪ ،‬إىل ع ‪CC C‬ائق يف وجه البحث»‪ .2‬فاألفك ‪CC C‬ار بتقادمها‬
‫تتحج‪CC C C C‬ر‪ ،‬ويتوقف الفكر عن اإلب‪CC C C C‬داع‪ ،‬بل يفضل معرفته على مايناقض‪CC C C C‬ها‪ ،‬ويفضل األجوبة‬

‫غاس‪CC‬تون باش‪CC‬الر‪ ،‬تك‪CC‬وين الفكر العلمي‪ ،‬ت‪CC‬ر‪ :‬خليل أمحد خلي‪CC‬ل‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراسة والنش‪CC‬ر‪،‬ط‪ ،2‬ب‪C‬ريوت‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 1982‬ص ‪13‬‬
‫‪2‬‬
‫‪G.Bachelard, La Formation de l'esprit scientifique, op.cit.p 14‬‬

‫‪100‬‬
‫على األس‪CC‬ئلة‪ ،‬وتتغلب الغري‪CC‬زة احملافظة على الغري‪CC‬زة املكونة‪ ‬بفعل تق‪CC‬ادم ال‪CC‬زمن ويتوقف النمو‬
‫الفكري‪.‬‬
‫إن فيلس‪CC C‬وف العلم ومهما ك‪CC C‬ان ميتلك من ثقافة علمية هو جيمع بني منطني أو‬
‫ص ‪CC‬ورتني إنس ‪CC‬ان مثقف ثقافة علمية حق ‪CC‬ة‪ ،‬وإنس ‪CC‬ان ع ‪CC‬ادي حتكمه مع ‪CC‬ارف عامية ألنه س ‪CC‬جني‬
‫ثقافة س‪CC C‬اكنة مجدها االس‪CC C‬تعمال وع‪CC C‬ادات ذهنية راس‪CC C‬خة وثابت‪CC C‬ة‪ .‬ل‪CC C‬ذلك ي‪CC C‬دعونا باش ‪CC‬الر إىل‬
‫اليقظة إذا ما تعلق األمر باألفك‪CC‬ار املس‪CC‬بقة‪ C‬ألهنا تش‪CC‬كل رداء يس‪CC‬ترت من خلفه الع‪CC‬ائق « عن‪CC‬دما‬
‫يتع ‪CC C‬اطى الفكر الثقافة العلمية اليك ‪CC C‬ون‪ C‬أب ‪CC C‬دا فتي ‪CC C‬ا‪ ،‬بل يك ‪CC C‬ون قد طعن يف الس ‪CC C‬ن‪ ،‬س ‪CC C‬نه سن‬
‫أفك ‪CC C‬اره املس ‪CC C‬بقة‪ .1C‬يتضح لنا أن الع ‪CC C‬ائق االبس ‪CC C‬تمولوجي‪ C‬هو كل معرفة س ‪CC C‬ابقة‪ ،‬وكل ع ‪CC C‬ادة‬
‫فكرية‪ ،‬تشكل عقبة أمام العلم‪ ،‬يف صياغته ملشكالته‪ C‬صياغة صحيحة‪.‬‬
‫النتيجة اليت يس ‪CC C‬تقر عليها باش ‪CC C‬الر‪ ،‬أن التحليل اإلبس ‪CC C‬تمولوجي يك ‪CC C‬ون‪ C‬حتليال نفس ‪CC C‬يا‬
‫للمعرفة املوض‪CC C‬وعية‪ C،‬أي حتليل لفعل املعرفة ولل‪CC C‬ذات العارف‪CC C‬ة‪ ،‬وذلك ب‪CC C‬البحث يف الش‪CC C‬عورها‬
‫عما حيجب املوض ‪CC‬وعية‪ C،‬لك ‪CC‬ون الع ‪CC‬ائق اإلبس ‪CC‬تمولوجي‪ C‬متعلق بال ‪CC‬ذات العارفة يف تعاطيها مع‬
‫موضوع معرفتها‪.‬‬

‫‪ -‬أنواعه‪:‬‬

‫يقدم باشالر أشكاال عديدة للعائق اإلبستمولوجي‪ .‬فهو يتحدث عن ع‪CC‬ائق ال‪CC‬رأي أو‬
‫االعتق ‪CC‬اد الشخصي (‪ )opinion‬فليست املعرفة العلمية رأيا أو وجهة نظر شخص ‪CC‬ية‪ ،‬وحىت‬
‫حني يتفق الرأي مع املعرفة العلمية‪ ،‬فإنه يك‪CC‬ون‪ C‬على أسس خمتلف‪CC‬ة‪ .‬من حيث منفعتها‪ C‬وقيمتها‬
‫العملي‪CC‬ة‪ ،‬ومينع ذاته من معرفته‪CC‬ا‪ .‬وهلذا كله يك‪CC‬ون‪ C‬على املعرفة العلمية أن تتك‪CC‬ون‪ C‬ضد ال‪CC‬رأي‪،‬‬
‫أي أن تقوم هبدمه وجتاوزه من أجل تأسيس األفكار العلمية على أسس موضوعية‪C.‬‬

‫يقاب‪.. . .‬ل باش‪.. . .‬الر بين مايس‪.. . .‬ميه‪ " .‬الغري ‪.. . .‬زة المكون ‪.. . .‬ة" " ‪ "l instinct formatif‬والغري‪.. . .‬زة المحافظ ‪.. . .‬ة " ‪l instinct‬‬
‫‪‬‬

‫‪ "conservatif‬إذا كانت األولى مصدر االبداع واالبتكار للفك‪.‬ر ف‪.‬إن الثاني‪.‬ة مص‪.‬در تحج‪.‬ر وتوق‪.‬ف‪ ،‬فهي الغري‪.‬زة ال‪.‬تي‬
‫تسمح بتشكل العائق االبستمولوجي‪.‬‬
‫‪G.Bachelard, La Formation de l'esprit scientifique, op.cit.p p 14‬‬
‫‪1‬‬

‫‪101‬‬
‫ي‪C‬ذكر باش‪C‬الر أيضا التجربة األوىل كع‪C‬ائق إبس‪C‬تمولوجي‪ .‬فالتجربة األوىل التش‪C‬كل‬
‫يف نظر باش‪CC C C C‬الر معرفة موض‪CC C C C‬وعية‪ ،‬وذلك ألن ال‪CC C C C‬ذات العارفة تن‪CC C C C‬دفع يف ه‪CC C C C‬ذه التجربة حنو‬
‫موض‪CC C‬وعها بكل ما حتمله من أفك‪CC C‬ار علمي‪CC C‬ة‪ ،‬ولكن أيضا بكل ماحتمله من أفك‪CC C‬ار مس‪CC C‬بقة أو‬
‫خاطئة وغير مطابقة لموضوعية الظواهر‪.‬‬
‫املث‪CC C‬ال الث‪CC C‬الث‪ C‬للع‪CC C‬ائق اإلبس‪CC C‬تمولوجي هو التعميم املتس‪CC C‬رع والس‪CC C‬هل‪ .‬ويت‪CC C‬داخل الع‪CC C‬ائق‬
‫اإلبس ‪CC‬تمولوجي‪ C‬يف ه ‪CC‬ذه احلالة مع خط ‪CC‬وة طبيعية يف العلم هي التعميم‪ ،‬وي ‪CC‬ؤدي إىل مايس ‪CC‬ميه‬
‫باش ‪CC C C C C‬الر بالتعميم ‪CC C C C C‬ات الزائفة و «يتم عربها ازدراء التفاص ‪CC C C C C‬يل وإمهال الف ‪CC C C C C‬روق الدقيقة بني‬
‫الظ ‪CC C‬اهرات‪...‬إن احتق ‪CC C‬ارا كه‪CC C C‬ذا للتفاص ‪CC C‬يل وللدقة ين‪CC C C‬بئ‪ C‬إىل أي م‪CC C C‬دى يعيق التعميم املعرفة‬
‫العلمية»‪ 1‬إن ان‪CC‬دفاع الفكر يف بعض احلاالت حنو تعميم‪CC‬ات متس‪CC‬رعة وس‪CC‬هلة‪ ،‬يقتضي‪ C‬حتليلا‬
‫نفسيا لل‪CC‬ذات العارفة‪ ،‬يفحص فيها الش‪CC‬عور ه‪CC‬ذه ال‪CC‬ذات للكشف عن كل إغ‪CC‬راءات الس‪CC‬هولة‬
‫اليت ت ‪CC‬دفعها إىل التس ‪CC‬رع يف إص ‪CC‬دار تعميم ‪CC‬ات غري موض ‪CC‬وعية‪ C.‬ويف ه ‪CC‬ذا اإلط ‪CC‬ار ت ‪CC‬دخل أيضا‬
‫املم‪CC C‬اثالت الزائفة اليت جتعل فهم بعض الظ‪CC C‬واهر يتم يف ض‪CC C‬وء ظ‪CC C‬واهر أخ‪CC C‬رى يأخ‪CC C‬ذها العقل‬
‫على أهنا مماثلة هلا‪ ،‬مع أهنا ليست كذلك موضوعيا‪.‬‬
‫وكتاب باشالر عن تش‪C‬كل الفكر العلمي مليء باألمثلة املتنوعة‪ C‬من العل‪C‬وم الرياض‪C‬ية‬
‫والفيزيائية والكيميائية والبيولوجية للعوائق اإلبس ‪CC C C C‬تمولوجية اليت تلقي الض ‪CC C C C‬وء على حلظ ‪CC C C‬ات‬
‫امليادين‪.‬‬ ‫التعطل والنكوص‪ C‬يف تاريخ املعرفة العلمية يف تلك‬
‫أشكاله‪:‬‬
‫العائق االبستمولوجي‪ C‬متعدد األشكال‪ ،‬فمن طبيعته أن يكون‪ C‬غامضا ومتعدد األش‪CC‬كال‪،‬‬
‫ه ‪CC‬ذا ما يؤك ‪CC‬ده باش ‪CC‬الر ل ‪CC‬ذلك جلأ إىل وص ‪CC‬فه وتص ‪CC‬نيفه ض ‪CC‬من كتابه تك ‪CC‬وين الفكر العلمي‪.‬‬
‫والذي جعل كل فصل منه شرحا لنوع من أنواع‪ C‬العوائق اليت ميكن أن يتخ‪C‬ذها ض‪C‬من ت‪CC‬اريخ‬
‫ت َك ُون‪ C‬املعرفة العلمية‪.‬‬

‫علي حسني كركي‪ ،‬اإلبستمولوجيا يف ميدان املعرفة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪124‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪102‬‬
‫‪ /1‬التجربة األوىل (‪) la première expérience‬‬
‫التجربة األوىل هي املعرفة املباش‪CC C C C‬رة باألش‪CC C C C‬ياء تعتمد على معطي‪CC C C C‬ات احلواس ىف اتص‪CC C C‬اهلا‬
‫بالطبيعة وبالك‪CC‬اد تص‪CC‬نف بأهنا معرفة حدس‪CC‬ية خالية من النقد « إن أول ع‪CC‬ائق يف تك‪CC‬وين فكر‬
‫علمي‪ ،‬هو التجربة األوىل‪ ،‬التجربة اليت سبقت‪ C‬النقد ومل تتعرض له‪ ،‬ألن النقد هو بالض‪CC‬رورة‬
‫عنصر متض ‪CC C C C C C‬من يف الفكر العلمي‪ .‬ومبا أن النقد مل يلعب دوره علنا ف ‪CC C C C C C‬إن التجربة األوىل ال‬
‫ميكنها‪ ،‬بأي حال من األحوال أن تكون‪ C‬سندا يعتمد عليه»‪. 1‬‬
‫إن الواقع املباشر اليؤدي إىل معرفة علمي‪CC‬ة‪ ،‬ألن االتص‪CC‬ال املباشر باملعطي‪CC‬ات احلس‪CC‬ية‪،‬‬
‫يلغي وظيفة التفكري والنقد لدى العقل مما يفرض عليه تص‪CC‬ديقا كليا ملا تقدمه احلواس‪ ،‬لتعيش‬
‫ال ‪CC C C C‬ذات ف ‪CC C C C‬رتة األحالم والتخيالت التمثيلية مثل الك‪CC C C C‬واكب املذكرة واملؤنثة‪ C‬واملع‪CC C C C‬ادن اخلرية‬
‫واألخ ‪CC‬رى الش ‪CC‬ريرة ول ‪CC‬ذلك ف ‪CC‬إن املعرفة العلمية هي«ه ‪CC‬دم ملعارفنا اخلاطئة الس ‪CC‬ابقة الناجتة عن‬
‫جتربة أوىل‪ .‬فاملعرفة العلمية املوضوعية‪ C‬تكون ض‪CC‬دا على التجربة األوىل وجتاوزا لكل ما يع‪CC‬وق‬
‫العقلنة»‪. 2‬‬
‫ويف قراءته النقدية للفكر العلمي يف الق‪CC‬رن الث‪CC‬امن عشر يق‪CC‬دم لنا باش‪CC‬الر مث‪CC‬اال عن‬
‫الظاهرة الكهربائية حيث كانت « الكهرباء تندرج ضمن نظر طبيعي بس‪CC‬يط جيعل منها علما‬
‫مسليا سهال‪ ،‬ينش‪CC‬غل به قط‪CC‬اع معني من الن‪CC‬اس االجتم‪CC‬اعيني‪ ،‬علم هتيمن عليه جتريبية‪ C‬جوهرية‬
‫ال حبث فيها عن الق‪CC C C‬انون‪ ،‬تعتمد املالحظة املباش‪CC C C‬رة وتتجه إىل إح‪CC C C‬داث الدهشة والتس‪CC C C‬لية‪.‬‬
‫وهك‪CC C‬ذا ك ‪CC‬انت الكهرب‪CC C‬اء جتمع داخلها كل حجج اخلرافة واحلكاية‪ C‬واملله ‪CC‬اة واملأس‪CC C‬اة‪ .3» C‬إن‬
‫ع‪CC‬ائق التجربة األوىل يف ه‪C‬ذا املث‪C‬ال يتمثل يف االختبارية والواقعية الص‪CC‬رفة ىف النظر إىل الظ‪C‬اهرة‬
‫الكهربائي ‪CC C C‬ة‪ ،‬إذا ال بد من عقلنة التجرب ‪CC C C‬ة‪ ،‬وه ‪CC C C‬ذا يص ‪CC C C‬طدم بالقناع ‪CC C C‬ات األولية‪ C‬اليت جتعل من‬
‫التجربة األوىل حقيقة أوىل‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪G.bachelard, Formation de l esprit scientifique, opcit. P23‬‬
‫حممد وقيدي‪ ،‬فلسفة املعرفة عند غاستون باشالر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪112‬‬ ‫‪2‬‬

‫حممد هشام‪ ،‬تكوين مفهوم الممارسة‪ .‬االبستمولوجية عند باشالر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪197 ،‬‬
‫‪3‬‬

‫‪103‬‬
‫‪ /2‬املعرفة العامة‬
‫التعميم خاص‪CC C‬ية من خص‪CC C‬ائص املعرفة العلمية فهو يس‪CC C‬اعد يف تق‪CC C‬دم العلم‪ ،‬و يف فهم‬
‫الظ‪CC‬واهر ألنه ينقل الفكر من تب‪CC‬دد الوق‪CC‬ائع إىل وح‪CC‬دة الق‪CC‬وانني اليت تفس‪CC‬رها‪ .‬لكنه قد يتح‪CC‬ول‬
‫إىل عائق إيبستيمولوجي‪ C،‬يؤثر سلبا يف املعرفة‪.‬‬
‫ول ‪CC C‬ذلك ينظر باش ‪CC C‬الر إىل املعرفة العامة على أهنا معرفة مظللة وزائفة‪ ،‬وخاصة إذا‬
‫ك‪CC C C‬انت اس‪CC C C‬تجابة ملتعة عقلية خط‪CC C C‬رية‪ ،‬وتدعونا اليقظة الفكرية إىل جتنب كل تعميم متس‪CC C‬رع‬
‫وسهل ألنه حيجب حقيقة الظواهر « إن املعرفة اليت تنقصها‪ C‬الدق‪CC‬ة‪ ،‬أو بعب‪CC‬ارة أدق إن املعرفة‬
‫اليت مل متنح بشروطها احملددة حتديدا دقيقا ليست معرفة علمية‪ .‬املعرفة العامة هي تقريبا حتما‬
‫معرفة غامضة مبهمة »‪.1‬‬
‫ومن األمثلة املع ‪CC‬ربة عن الع ‪CC‬ائق التعميمي الق ‪CC‬ول‪ ،‬يف الف ‪CC‬راغ تس ‪CC‬قط كل األجس ‪CC‬ام‬
‫بنفس السرعة‪ .‬وبالرغم من أنه تعميم ن‪CC‬اتج عن جتارب فيزيائية لكنه قد يس‪CC‬بب تعطل التفكري‬
‫إذا ما تس ‪CC‬اهل الفكر معه وتس ‪CC‬رع ىف اعتب ‪CC‬اره‪ C‬قانونا عاما يغنيه عن حبث أعمق وأدق‪ .‬ويب ‪CC‬دوا‬
‫أن هناك عالقة مباشرة بني التعميم والنتائج النفعية اليت كانت ت‪CC‬رجى من جتارب الفكر ماقبل‬
‫العلمي خبالف العلم احلديث‪ ،‬فما مييزه املوضوعية‪ C‬وليس الشمولية‪.‬‬
‫وي‪CC‬رى باش‪CC‬الر أن التعميم ال‪CC‬ذي س‪CC‬اد الفكر الفلس‪CC‬في مع أرس‪CC‬طو وحىت بيك‪CC‬ون عمل‬
‫كك‪CC‬ابح أم‪CC‬ام املعرفة العلمي‪CC‬ة‪ ،‬ألنه غالب ‪C‬اً ما يس‪CC‬قط يف التس‪CC‬رع والتبس‪CC‬يط‪ ،‬ويس‪CC‬تجيب إلغ‪CC‬راء‬
‫الق‪CC‬وانني اجملردة اليت تُص‪CC‬بح ب‪CC‬دورها عائق‪C‬اً أم‪CC‬ام فهم الوق‪CC‬ائع املعق‪CC‬دة‪ « C‬للفلس‪CC‬فة علم خ‪CC‬اص هبا‬
‫وحدها هو علم العمومية»‪ . 2C‬وملواجهة هذه املعرفة املض‪CC‬للة ي‪CC‬دعونا باش‪CC‬الر إىل حتليل نفس‪CC‬اين‬
‫للمعرفة املوض‪CC C C C C‬وعية‪ C‬حتليل يكشف عن املتعة‪ C‬الفكرية الس‪CC C C C C‬يئة‪ C‬املتول‪CC C C C C‬دة‪ C‬عن التعميم البس ‪CC C C‬يط‬
‫وفحص كل إغراءات السهولة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪G.Bachlard, F.e.s, opcit, p. 72‬‬
‫‪2‬‬
‫غاستون باشالر‪ ،‬تكوين الفكر العلمي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‪47‬‬

‫‪104‬‬
‫‪ /3‬العائق اللغوي‪C‬‬
‫يتق‪CC‬دم الع‪CC‬ائق اللغ‪CC‬وي يف ص‪CC‬ورة اللفظ الواحد أو الكلمة الواح‪CC‬دة‪ ،‬اليت تق‪CC‬وم مق‪CC‬ام تفسري‬
‫كامل وكلمة واح‪CC C‬دة تعرب عن ع‪CC C‬دة ح‪CC C‬وادث وتص‪CC C‬بح أساسا لتفسري ش‪CC C‬امل وع‪CC C‬ام‪ .‬فالع‪CC C‬ائق‬
‫‪1‬‬
‫اللغ ‪CC‬وي أو اللفظي« حالة تش ‪CC‬كل فيها ص‪CC‬ورة واح‪CC‬دة وحىت كلمة واح‪CC‬دة‪ ،‬التفسري برمته »‬
‫إنه امت‪CC C C C‬داد غري موض‪CC C C C‬وعي للف‪CC C C C‬ظ‪ ،‬جنعله يعرب عن ظ‪CC C C C‬واهر غري تلك اليت وضع ألجله‪CC C C‬ا‪ .‬إن‬
‫الع ‪CC‬ادات اللفظية إغ ‪CC‬راءات للمم ‪CC‬اثالت الزائف ‪CC‬ة‪ .‬وامتث ‪CC‬اال لش ‪CC‬روط ال ‪CC‬روح العلمية فال بد للفكر‬
‫العلمي من جتاوزها ألن لغة العلم لغة متخصصة ال يفهمها إال املتخصصون‪.C‬‬
‫ويس‪CC‬وق باش‪CC‬الر أمثلة عدي‪CC‬دة عن الع‪CC‬ائق اللفظي لكن حس‪CC‬بنا أن نأخذ مث‪CC‬اال واح‪CC‬دا‬
‫"رومري" (‬ ‫هو لفظ اإلس ‪CC C C C‬فنجة‪ .‬وينقله من م ‪CC C C C‬ذكرات األكادميية امللكية للعل ‪CC C C C‬وم على لس ‪CC C C C‬ان‬
‫حيث إن خاص ‪CC‬ية التش ‪CC‬رب يف اإلس ‪CC‬فنجة‪ ،‬ميتد خ ‪CC‬ارج ه ‪CC‬ذا النط ‪CC‬اق ويعرب عن‬ ‫‪‬‬
‫‪)Réaumur‬‬

‫ظ‪CC C C C‬واهر أخ‪CC C C C‬رى من قبيل اهلواء ال‪CC C C C‬ذي يوجد باملاء ب‪CC C C C‬دون قابليلة للض‪CC C C C‬غط‪ .‬فكل األجس‪CC C C‬ام‬
‫إسفنجية نتيجة ملا يتميز به اإلسفنج من خاصيت التشرب والقابلية للتشكل‪.‬‬
‫وسيطرت الص‪C‬ورة اإلس‪C‬فنجية‪ C‬حىت على ص‪C‬احب الكوجيتو‪ ( C‬ديك‪C‬ارت) وع‪C‬دها‬
‫مفهوما واض‪CC C C‬حا ومتم‪CC C C‬يزا ال ينبغي التش‪CC C C‬كيك فيها « إن ثقة ديك‪CC C C‬ارت يف وض‪CC C C‬وح ص ‪CC C‬ورة‬
‫اإلس‪CC C C C‬فنجة هلو دليل ق‪CC C C C‬اطع على ذلك العجز عن إرساء الشك يف مس‪CC C C C‬توى تفاص‪CC C C C‬يل املعرفة‬
‫املوض‪CC‬وعية‪ . 2»C‬وقد يتخلى الفكر ما قبل العلمي عن اللفظ لكنه حيتفظ بوظيفت‪CC‬ه‪ C.‬وب‪CC‬دال من‬
‫اس ‪CC‬تخدام اإلس ‪CC‬فنجة يس ‪CC‬تخدم العلم ح ‪CC‬ديثا التش ‪CC‬رب كوظيفة‪ C‬لإلس ‪CC‬فنجة للتعبري عن الظ ‪CC‬واهر‬
‫اليت تتكهرب ( تتش‪CC‬رب الكهرباء ) مع‪C‬دن م‪C‬ا‪ ،‬مثال احلدي‪CC‬د‪ ،‬وه‪C‬ذه مماثلة باإلس‪C‬فنجة‪ ،‬فاحلديد‬
‫هو إسفنجة للسائل املغاطيسي‪ ،‬وهي عبارات مغلوطة لكنها توظف يف تفسري جتارب علمية‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪61‬‬
‫رنيه أنتوان دي رومير ( ‪ )1757 .-1683‬فيزيائي وطبيعي فرنسي‪ ،‬عضو األكاديمية الفرنسية للعل‪..‬وم س‪..‬نة ‪1708‬‬ ‫‪‬‬

‫بفضل مذكرة في الهندسة ‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫غاستون‪ ،‬باشالر‪ ،‬تكوين الفكر العلمي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪65‬‬

‫‪105‬‬
‫ويتح ‪CC‬دث باش‪CC‬الر بكل أسف عن ه‪CC‬ذا االس‪CC‬تغالل‪ C‬الالمش‪CC‬روع للغة يف جمال العلم ق‪CC‬ائال« إننا‬
‫نش‪CC C‬عر باحلاجة إىل االعت‪CC C‬ذار من الق‪CC C‬ارئ‪ ،‬إليرادنا ه‪CC C‬ذه الص‪CC C‬فحة الطويل‪CC C‬ة‪ ،‬املكتوبة بأس ‪CC‬لوب‬
‫رديء بيد مؤلف ش‪CC‬هري‪ ،‬لكننا وفرنا عليه ص‪CC‬فحات كث‪CC‬رية ج‪CC‬دا من نفس الط‪CC‬راز‪ ،‬يفسر فيها‬
‫"روم ‪CC‬ري" تفس ‪CC‬ريا ال متناهيا‪ C‬الظ ‪CC‬واهر بواس ‪CC‬طة املص ‪CC‬فة‪ C‬اإلس ‪CC‬فنجية‪ 1» C‬إن الفكر ما قبل العلمي‬
‫يسيء التفك‪CC C C C C‬ري‪ C،‬ألنه ال مييز بني املفه‪CC C C C C‬وم واللف‪CC C C C C‬ظ‪ ،‬ونفس اللفظ يقع توظيفه على مف ‪CC C C‬اهيم‬
‫متباين‪CC C‬ة‪ C،‬يص‪CC C‬فها‪ ،‬يش‪CC C‬رحها والتع‪CC C‬يني يك‪CC C‬ون‪ C‬نفسه لكن الش‪CC C‬رح خمتل‪CC C‬ف‪ .‬إن احلاض‪CC C‬رة العلمية‬
‫تفرض على العامل أن يتكلم لغة علمية دون سواها‪.‬‬
‫‪/4‬العائق اجلوهراين‬
‫يتح ‪CC‬دث بش ‪CC‬الر عن العقبة اجلوهرانية‪ C‬يف كت ‪CC‬اب التك ‪CC‬وين‪ ،‬ويف نفس ال ‪CC‬وقت خيصص له‬
‫فصال ك ‪CC‬امال يف كت ‪CC‬اب فلس ‪CC‬فة الال عنونه‪ C‬بــ الال‪ -‬جوهراني ‪CC‬ة‪ ،‬أم ‪CC‬ارات كيميا ال‪-‬لفوازيي ‪CC‬ة‪.‬‬
‫وه‪CC C C C‬ذا يعكس اخلط‪CC C C C‬ورة واملدى ال‪CC C C C‬ذي يش‪CC C C C‬كله الع‪CC C C C‬ائق اجلوهري كعقبة يف تأس‪CC C C C‬يس‪ C‬املعرفة‬
‫املوضوعية‪ .‬فماهو العائق اجلوهري؟ وماهي متظهراته يف املعرفة؟‪.‬‬
‫حيدد باش ‪CC‬الر الع ‪CC‬ائق اجلوهراين ق ‪CC‬ائال « الع ‪CC‬ائق اجلوهراين‪ ،‬ككل العوائق‪ C‬االبس ‪CC‬تمولوجية‪C‬‬
‫متعدد األشكال‪ ،‬إنه يتكون‪ C‬من جتميع احلدوس األكثر تش‪CC‬تتا‪ ،‬واألك‪CC‬ثر تعارض‪CC‬ا‪ .‬ومبيل ط‪CC‬بيعي‬
‫ج‪CC C‬دا يوقف التفكري ماقب‪CC C‬ل‪ -‬علمي‪ ،‬ح‪CC C‬ول موض‪CC C‬وع معني‪ ،‬كل املع‪CC C‬ارف اليت هلذا املوض ‪CC‬وع‪C‬‬
‫فيها دور دون االهتم‪CC‬ام ب‪CC‬رتاتب‪ C‬األدوار التجريبي‪CC‬ة‪ .‬فهو يوحد مباش‪CC‬رة ب‪CC‬اجلوهر كل الكيفي‪CC‬ات‬
‫املتنوعة الس ‪CC C C C C‬طحية منها والعميق ‪CC C C C C‬ة‪ ،‬الظ ‪CC C C C C‬اهرة منها واخلفية»‪ .2‬إن الفكر اجلوهراين فلس‪CC C C C‬فة‬
‫ميتافيزيقية‪ C‬عقيمة وهي تفسري رتيب خلصائص اجلوهر يعتقد أن للظاهرة خفي وجلي‪ ،‬باطن‬
‫وظ‪CC‬اهر‪ .‬وجتلي‪CC‬ات ه‪CC‬ذه العقبة يف الفكر ماقب‪CC‬ل‪-‬العلمي‪ ،‬انش‪CC‬غال علماء وفالس‪CC‬فة تلك املرحلة‬
‫بالب‪CC‬اطن أو ال‪CC‬داخل اعتق‪CC‬ادا منهم أن املعرفة الص‪CC‬حيحة تكمن يف اس‪CC‬تخراج الب‪CC‬اطن ودراس‪CC‬ته‪.‬‬

‫المصدر السابق‪ ،‬ص ‪62‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪G.Bachelard, La Formation de l'esprit scientifique, op.cit.p p‬‬ ‫‪97‬‬
‫‪106‬‬
‫ويتولد لدى هؤالء مايسميه باشالر "وهم الداخل " أو أسطورة "الذات األعمق"‪.‬‬
‫وتتمثل فك ‪CC C‬رة اجلوهر مبفه ‪CC C‬وم االحت ‪CC C‬واء‪ ،‬اجلوهر له غالف حيتويه وحيفظه ‪ .‬ومن األمثلة‬
‫اليت يق ‪CC‬دمها باش ‪CC‬الر الط ‪CC‬بيب ال ‪CC‬ذي يعتقد ب ‪CC‬أن‪ C‬الكيفية‪ " C‬احلرارة " حتفظ يف جوهرها بغالف‬
‫من الربودة مينعها من التالش‪CC‬ي‪ C،‬والك‪C‬اتب ال‪CC‬ذي يعتقد أن االبتع‪C‬اد عن س‪CC‬طح احلجر يقربنا من‬
‫ص‪CC C‬البته وش‪CC C‬فافيته‪ C.‬اجلوهر إذن مرتبط مباهو ص‪CC C‬ميمي وداخلي ويص‪CC C‬بح الغ‪CC C‬وص يف ال‪CC C‬داخل‬
‫ملعرفة جواهر األشياء ضرورة البد منها يف فلسفة الفكر ماقبل‪-‬العلمي‪.‬‬
‫(‬ ‫هن‪CC C C C C C C C C‬اك ص‪CC C C C C C C C C‬ورة أخ‪CC C C C C C C C C‬رى يتمظهر هبا اجلوهر يس‪CC C C C C C C C C‬ميها باش‪CC C C C C C C C C‬الر "التج‪CC C C C C C C‬وهر"‬
‫« الرتك ‪CC C‬يز على ج ‪CC C‬انب معني يف الظ ‪CC C‬اهرة‪ ،‬املدرك حس‪CC C‬يا‪،‬‬ ‫‪ . . .)substantialisation‬وهو‬
‫وحتويله إىل اجلوهر‪ ،‬أي إىل ماهية يف الظ‪CC‬اهرة »‪ 1‬فالظ‪CC‬اهرة املباش‪CC‬رة‪ C‬تتح‪CC‬ول إىل دليل خلاص‪CC‬ية‬
‫جوهري‪CC C‬ة‪ .‬ويص‪CC C‬فه بالتفسري املختصر واملتس‪CC C‬رع ال‪CC C‬ذي ي‪CC C‬ؤدي إىل توقف كل استقصا‪C‬ء علمي‬
‫ل‪CC‬ذلك يش‪CC‬كل عائقيا حقيقيا أم‪CC‬ام تق‪CC‬دم الفكر العلمي‪ ،‬ألهنا فاق‪CC‬دة لل‪CC‬دور النظ‪CC‬ري االس‪CC‬تداليل‬
‫الناقد لالحس‪CC‬اس‪ ،‬إذ «ال ميكن للعقل العلمي االكتف‪CC‬اء مبج‪CC‬رد ربط العناصر الوص‪CC‬فية للظ‪CC‬اهرة‬
‫مع ج ‪CC‬وهر م ‪CC‬ا‪ ،‬ب ‪CC‬دون أي جمه ‪CC‬ود ترات ‪CC‬يب‪ ،‬ب ‪CC‬دون تع ‪CC‬يني واضح مفصل للعالق ‪CC‬ات مع األش ‪CC‬ياء‬
‫األخ‪CC C C C C‬رى»‪ 2‬فمن العالم‪CC C C C C‬ات الب‪CC C C C C‬ارزة لل‪CC C C C C‬روح العلمي حتديد دقيق ومفصل للعالق‪CC C C C‬ات بني‬
‫املوضوعات‪C.‬‬
‫ومث ‪CC‬ال ذلك الص ‪CC‬ورة املباش ‪CC‬رة لبعض االجس ‪CC‬ام اخلفيفة اليت تعلق باجلسم املكه ‪CC‬رب‬
‫تتح ‪CC C C C‬ول إىل مب ‪CC C C C‬دأ ع ‪CC C C C‬ام للتفسري ب ‪CC C C C‬الرغم من أهنا ص ‪CC C C C‬ورة ناقصة لبعض االجنذابات‪ ،‬الميكن‬
‫حتديدها‪.‬‬ ‫اعتمادها يف وصف دقيق إال بعد‬

‫‪1‬‬
‫تكوين مفهوم الممارسة‪ .‬االبستمولوجية عند باشالر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪202‬‬
‫تكوين الفكر العلمي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪83‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪107‬‬
‫‪ /4‬العائق اإلحيائي البيولوجي‬
‫الع ‪CC C‬ائق اإلحي ‪CC C‬ائي‪ C‬هو ح ‪CC C‬دس عن احلي ‪CC C‬اة امتد حض ‪CC C‬وره إىل العلم الفيزي ‪CC C‬ائي وهو امت‪CC C‬داد‬
‫اعتب‪CC C C C C‬اطي‪ C‬غري مش‪CC C C C C‬روع‪ ،‬حيث متتد « مع‪CC C C C C‬ارف بيولوجية أو فيزيولوجية إىل غري مي‪CC C C C‬داهنا‪،‬‬
‫فاملع ‪CC C C C‬ادن مترض كاإلنس ‪CC C C C‬ان وختضع ل ‪CC C C C‬دورة احلي ‪CC C C C‬اة واملوت مثله »‪ 1‬مبعىن أن الأمر ال يتعلق‬
‫بدراسة احلي‪CC C‬اة يف احلقل املع‪CC C‬ريف ال‪CC C‬بيولوجي إمنا عن‪CC C‬دما ينح ‪CC‬رف ه‪CC C‬ذا العلم ليق‪CC C‬دم جوابا على‬
‫أس ‪CC‬ئلة مل تط ‪CC‬رح عليه ويضع تفس ‪CC‬ريات معينة لظ ‪CC‬واهر فيزيائية أو كيميائية« س ‪CC‬وف نبتعد عن‬
‫كل انتقاد خاص بش‪CC‬رعية ح‪C‬دس حي‪CC‬وي عن‪C‬دما يتوجه ه‪CC‬ذا احلدس إىل ظ‪CC‬واهر احلي‪C‬اة ذاهتا‪ .‬إن‬
‫املع‪CC C C‬ارف البيولوجي‪CC C C‬ة(االحيائي‪CC C C‬ة) ال تس‪CC C C‬رتعي انتباهنا إال بوص‪CC C C‬فها عقب‪CC C C‬ات أم‪CC C C‬ام موض ‪CC C‬وعية‪C‬‬
‫الفنومنولوجيا الفيزيائي ‪CC‬ة‪ ،‬وبالت ‪CC‬ايل لن هنتم ب ‪CC‬الظواهر اإلحيائية إال يف اجملاالت اليت خيطئ العلم‬
‫فيها »‪ 2‬وهي السمة الغالبة للفكر ما قبل العلمي يف الق‪C‬رن الس‪C‬ابع عشر والث‪C‬امن عشر الواقع‬
‫حتت وطأة التفسري اإلحيائي‪ ،‬الذي استخدم الظواهر البيولوجية كوسائل تفسريية بالنسبة إىل‬
‫الظواهر الطبيعية‪C.‬‬
‫ومل يس ‪CC C‬لم من ه ‪CC C‬ذا الع ‪CC C‬ائق حىت العلماء على ش ‪CC C‬اكلة الفوازيي‪CC C‬ه‪ ،‬كل ‪CC C‬ود برن‪CC C‬ار‬
‫وأوجست ك‪CC‬ونت‪ .‬ل‪CC‬ذلك ينبهنا باش‪CC‬الر إىل أن فك‪CC‬رة احلي‪CC‬اة إذا علقت بس‪CC‬ذاجة فسينشأ عنها‬
‫تقييم ‪CC‬ات ال م ‪CC‬ربر هلا يف الفيزياء‪ ،‬تضر ب ‪CC‬القيم احلقيقية للفكر العلمي‪ .‬أوغست ك ‪CC‬ونت مثال‪،‬‬
‫ك‪CC C C‬ان يعتقد أنه ال ميكن فهم مب‪CC C C‬ادئ تص‪CC C C‬نيف العل‪CC C C‬وم إذا مل يكن لنا إملام دقيق بعلم احلي ‪CC C‬اة‪،‬‬
‫ويدعو عامل الكمياء ليستخلص الدروس من علوم احلياة ‪.‬‬
‫ويظهر احلض‪CC‬ور السيء للنزعة اإلحيائية من وجهة نظر باش‪CC‬الر يف الفك‪CC‬رة الس‪CC‬ائدة‬
‫ىف الق ‪CC‬رن الث ‪CC‬امن عشر ح ‪CC‬ول تص ‪CC‬نيف الطبيعة‪ C‬إىل‪ :‬النباتي ‪CC‬ة‪ ،‬احليواني ‪CC‬ة‪ ،‬املعدنية‪ C‬ويتمتع الك ‪CC‬ائن‬
‫احلي فيها بنوع من الرفعة واهليمنة بالنظر إىل اململكة املعدنية‪ .‬ونظ‪CC‬را للس‪CC‬طوة اإلحيائية‪ C‬اعتقد‬

‫علي حسني كركي‪ ،‬االبستمولوجيا يف ميدان املعرفة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪126‬‬ ‫‪1‬‬

‫تكوين الفكر العلمي‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪119‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪108‬‬
‫الكيمي‪CC‬ائيون ب‪CC‬أن املواد احلية أك‪CC‬ثر بس‪CC‬اطة من املواد اجلام‪CC‬دة‪ ،‬ودراسة م‪CC‬اهو عض‪CC‬وي حي أهم‬
‫من دراسة غري العضوي اجلامد‪.‬‬
‫كما تعرب النزعة اإلحيائية‪ C‬عن نفس ‪CC‬ها بص ‪CC‬ورة س ‪CC‬يئة يف االعتق ‪CC‬اد بوج ‪CC‬ود مب ‪CC‬دأ ع ‪CC‬ام‬
‫للحي‪CC C C‬اة يتحكم يف منو الظ‪CC C C‬واهر الطبيعية وتطورها ويع‪CC C C‬رف بفك‪CC C C‬رة " التنبت‪ « " C‬يب ‪CC C‬دوا أن‬
‫التنبت يش‪CC‬كل موض‪CC‬وعا جيله الالوعي‪ C،‬فهو ميثل ملوض‪CC‬وعه ص‪CC‬ريورة هادئة وحتمي‪CC‬ة‪ .‬ولو أردنا‬
‫أن ن‪CC‬درس منهجيا ه‪CC‬ذه الص‪CC‬ورة املتم‪CC‬يزة للص‪CC‬ريورة‪ ،‬فإننا س‪CC‬ندرك بعمق مثال املنظ‪CC‬ور احلقيقي‪C‬‬
‫لفلس‪CC‬فة إحيائية ونباتية كما تتجلى لنا ىف فلس‪CC‬فة ش‪CC‬وبنهور»‪ 1.‬إن األخذ باملب‪CC‬دأ اإلحي‪CC‬ائي أف‪CC‬رز‬
‫أحكاما تزيد املسافة هوة عن العلم وال تقود إال إىل أطروح‪CC‬ات فلس‪CC‬فية مغري‪CC‬ة‪ ،‬ك‪CC‬القول ب‪CC‬أن‬
‫اجلنني نت‪CC C‬اج الع‪CC C‬امل كل‪CC C‬ه‪ ،‬واحلي‪CC C‬اة تنتشر يف الزم‪CC C‬ان من جيل إىل جي‪CC C‬ل‪ ،‬لتمنح احلركة والنمو‬
‫لس ‪CC‬ائر كائن ‪CC‬ات الطبيع ‪CC‬ة‪ « .‬من هنا إختذت كلمة حي ‪CC‬اة طابعها الس ‪CC‬حري الس ‪CC‬احر واكتس ‪CC‬بت‬
‫»‪.2‬‬ ‫قيمة عامة هي ىف أصل اإلحيائية‪ C‬نفسها‬
‫وحسبنا مثال آخر عن النزعة اإلحيائية‪ C‬باعتبارها ع‪CC‬ائق مع‪CC‬ريف ابس‪CC‬تمولوجي س‪CC‬يطر‬
‫على ثقافة الفكر ماقب ‪CC‬ل‪-‬العلمي‪ ،‬إهنا فك ‪CC‬رة احلي ‪CC‬اة ىف املع ‪CC‬ادن‪ ،‬فاملع ‪CC‬دن ىف ب ‪CC‬اطن األرض حييا‬
‫حي ‪CC C‬اة طبيعية‪ C‬مثله مثل اجلنني وإذا ما أخ ‪CC C‬رج من باطنها تع ‪CC C‬رض لألم ‪CC C‬راض بفقدانه الكثري من‬
‫خصائصه ه ‪CC C‬ذا التعليل ت ‪CC C‬رتتب‪ C‬عنه تقوميات أخالقية قيمية ك ‪CC C‬القول بالتوالد والتناسل املع‪CC C‬دين‬
‫شأهنا شأن الكائنات‪ C‬احلية‪ ،‬فالطبيعة حتافظ على نفس دور ال‪C‬والدة واملوت يف املع‪C‬ادن كما يف‬
‫النبات‪CC‬ات‪ C‬ويف احليوان‪CC‬ات‪ C.‬ومن مث الينبغي اس‪CC‬تخراج مع‪CC‬دن قبل أن يس‪CC‬تكمل منوه‪ ،‬حبيث « لو‬
‫تركنا منجما معرضا للتهوي‪CC C C‬ة‪ ،‬يق‪CC C C‬ول أح‪CC C C‬دهم‪ ،‬ألمكننا‪ C‬أن جند داخله مع‪CC C C‬ادن مل تكتمل بعد‬
‫وبس ‪CC‬بب أن فتحة املنجم س ‪CC‬توقف فعل الطبيع ‪CC‬ة‪ C،‬ف ‪CC‬إن ه ‪CC‬ذه املع ‪CC‬ادن س ‪CC‬تظل ناقصة ولن تكتمل‬
‫أبدا‪ ،‬وبالتايل فإن البذار املع‪C‬دين ال‪C‬ذي حيت‪C‬وي عليه ه‪C‬ذا املنجم س‪C‬يفقد قوته وفض‪C‬يلته حبيث أنه‬

‫‪1‬‬
‫‪G.Bachelard, La Formation de l'esprit scientifique, op.cit.p 153‬‬
‫‪2‬‬
‫هشام محمد‪ ،‬تكوين مفهوم الممارسة‪ .‬االبستمولوجيةعند باشالر‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪.205‬‬

‫‪109‬‬
‫س ‪CC‬يغدو عقيما»‪ .1‬باإلض ‪CC‬افة إىل تط ‪CC‬بيق مفه ‪CC‬وم املرض على أش ‪CC‬ياء الع ‪CC‬امل املادي‪ ،‬حيث ك ‪CC‬ثرة‬
‫الكتَاب الذين يعتربون‪ C‬الصدأ نقص‪C‬ا‪ ،‬وهي تقوميات ت‪CC‬ؤدي إىل تص‪C‬ورات أخالقي‪CC‬ة‪ ،‬ومن اخلطر‬
‫أن ميتد مبدأ احلياة من جمال إىل آخر خمتلف ألن ذلك ال يتوافق مع الروح العلمية‪.‬‬
‫‪ /2‬القطيعة االبستمولوجية‪:‬‬
‫إن تأس ‪CC‬يس الفكر العلمي اجلديد يتطلب ع ‪CC‬دة مفهومية‪ C‬ح ‪CC‬ددها باش ‪CC‬الر يف مفه ‪CC‬وم‬
‫القطيعة االبس‪CC‬تمولوجية‪ C‬وهي مفه‪CC‬وم باش‪CC‬الري‪ ‬بامتي‪CC‬از‪ ،‬فهو ال‪CC‬ذي أسس له يف جماله العلمي‪.‬‬
‫إن فلس‪CC‬فة العل‪CC‬وم مع ص‪CC‬احب "فلس‪CC‬فة الال" ت‪CC‬روم تأس‪CC‬يس‪ C‬ت‪CC‬اريخ جديد للعلم‪ ،‬ل‪CC‬ذلك ج‪CC‬اءت‬
‫فلس ‪CC‬فته املعرفية كإجابة عن طبيعة املعرفة املهيمنة على عل ‪CC‬وم عص ‪CC‬ره‪ .‬القطيعة االبس ‪CC‬تمولوجية‬
‫وجتاوزا للخلط‪ ‬بني مص ‪CC C C‬طلح القطيعة ىف اس ‪CC C C‬تعماله الع ‪CC C C‬ادي يف حياتنا اليومية‪ C‬وبني‪  ‬املفه ‪CC C‬وم‬
‫بداللته العلمية والفلس ‪CC‬فية نع ‪CC‬ود به إىل بداياته ومرجعيته اليت نشأ منه ‪CC‬ا‪ .‬فما هو املعىن اللغ ‪CC‬وي‬
‫وال‪CC‬داليل هلذا املفه‪CC‬وم اإلج‪CC‬رائي وكيف وظفه باش‪CC‬الر يف التعبري عن حركة العلم املعاصر على‬
‫اخلصوص؟‪.‬‬
‫يف اللغة العربية لفظ القطيعة مش‪CC‬تق من قطع يقطع قطع‪CC‬ا‪ .‬فنق‪CC‬ول « قط‪CC‬ع‪ ،‬القطع ‪:‬‬
‫إبانة بعض أجزاء اجلِرم من بعض فصال‪ .‬قطعه يقطعه قطعا وقطيعة وقطوعا‪ .‬وال َقط‪CC‬ع‪ :‬مص‪CC‬در‬
‫عت احلبل قطعا ف ‪CC C‬انقطع‪ .‬وانقطع الش ‪CC C‬يء‪ :‬ذهب وقت ‪CC C‬ه‪ ،‬ومنه ق ‪CC C‬وهلم انقطع ال ‪CC C‬ربد واحلر‪.‬‬
‫قَطَ ُ‬
‫وانقطع الكالم‪ :‬وقف فلم ِ‬
‫ميض»‪ 2‬والقطع هنا مبعىن الفصل‪،‬كفصل‪ C‬شيء عن بعضه‪.‬‬
‫أما اص ‪CC C‬طالحا القطيعة ب ‪CC C‬املعىن الباش ‪CC C‬الري هي تعبري عن الفصل الق ‪CC C‬اطع بني معرفة قدمية‬
‫ومعرفة جديدة‪ ،‬فهي"املفه‪CC‬وم‪ C‬ال‪C‬ذي يعرب يف نظر باش‪CC‬الر عن ف‪CC‬رتات االنتق‪CC‬ال الكيفي‪ C‬يف تط‪CC‬ور‬
‫العل ‪CC‬وم "‪ 3‬حيث يتم التخلي عن معرفة جارية عن ‪CC‬دما ش ‪CC‬اعت وتعممت وص ‪CC‬ارت س ‪CC‬ببا يف‬

‫‪1‬‬
‫‪G. bachelard, La formation de l esprit scientifique,op cit, p.18‬‬
‫ابن منظ ‪CC‬ور‪ ،‬لس ‪CC‬ان الع ‪CC‬رب‪ ،‬مج ‪ ،5‬ب ‪CC‬اب الق ‪CC‬اف‪ ،‬دار املع ‪CC‬ارف‪ ،‬الق ‪CC‬اهرة‪ ،‬ط‪ ،1998 ،1‬ص ص ‪،3674‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3676 ،3675‬‬
‫وقيدي‪ ،‬حممد‪ ،‬فلسفة املعرفة عند غاستون باشالر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪130‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪110‬‬
‫حتجر الفكر وتأزم العلم‪.‬‬
‫وتعكس القطيعة االبس‪CC C‬تمولوجية‪ C‬ب‪CC C‬املعىن الباش‪CC C‬الري انتق‪CC C‬اال نوعيا وطف‪CC C‬رة فكرية‬
‫س ‪CC C C C‬يكولوجية تعرب عن قطيعة فاص‪CC C C C‬لة بني منطني يف التفك ‪CC C C C‬ري‪ ،‬فكر علمي ق‪CC C C C‬دمي وفكر علمي‬
‫جدي‪CC‬د‪ .‬إن « العلم املعاصر حني ف ّس‪C‬ر الطبيعة‪ C‬الكيميائية‪ C‬لعنصر ما بواس‪CC‬طة انتظ‪CC‬ام اجلس‪CC‬يمات‬
‫الكهربائي‪CC‬ة‪ C،‬إمنا حقق قطيعة معرفية جدي‪CC‬دة»‪ 1‬والعل‪CC‬وم اجلدي‪CC‬دة ليست تط‪CC‬ويرا مباش‪CC‬را للعل‪CC‬وم‬
‫الس‪CC‬ابقة « وإلدراكنا الط‪CC‬ابع التجدي‪CC‬دي ال‪CC‬ذي يتم‪CC‬يز به الفكر املعاص‪CC‬ر‪ ،‬الفكر العلمي اجلدي‪CC‬د‪،‬‬
‫يكفينا‪ C‬أن جنري مقارنة بني مث ‪CC C‬الني‪ ،‬األول نأخ ‪CC C‬ذه من فيزياء الق ‪CC C‬رن الث ‪CC C‬امن عشر أو الق ‪CC C‬رن‬
‫التاسع عش ‪CC‬ر‪ ،‬والث ‪CC‬اين من فيزياء الق ‪CC‬رن العش ‪CC‬رين‪ .‬هبذه الكيفية س ‪CC‬نرى ب ‪CC‬أن‪ C‬الفيزياء املعاص ‪CC‬رة‬
‫متثل أمامنا بطابعها التجدي‪CC C‬دي األكيد ليس فقط يف تفاص‪CC C‬يل املعلوم‪CC C‬ات ولكن أيضا يف البنية‪C‬‬
‫العامة للمعرفة »‪ .2‬الف‪CC‬رق واضح وجلي بني عل‪CC‬وم الق‪CC‬رنني الث‪CC‬امن والتاسع عشر فهي مع‪CC‬ارف‬
‫تق‪CC C C‬ريب من الدرجة األوىل وبني علم الق‪CC C C‬رن العش‪CC C C‬رين ال‪CC C C‬ذي هو معرفة تق‪CC C C‬ريب من الدرجة‬
‫الثانية‪ C‬والف‪CC C C C‬رق ميتد إىل مس‪CC C C C‬توى البنية‪ C‬العامة للمعرفة من جه‪CC C C C‬ة‪ ،‬وإىل تفاص‪CC C C C‬يلها وجزئياهتا‬
‫كعناصر مكونة‪ C‬هلذه البنية‪C.‬‬
‫لكن كيف تتم القطيعة بني حاضر العلم وماضيه؟ وماهي مستوياهتا وأشكاهلا؟‬
‫إن حتديد ص ‪CC‬ور القطيعة وأش‪CC C‬كاهلا يف العلم ي‪CC C‬دفعنا إىل استحض‪CC C‬ار ق‪CC C‬انون احلاالت‬
‫الثالث الباش ‪CC‬الري والتحقيب‪ C‬ال ‪CC‬ذي يض ‪CC‬عه ملراحل تط ‪CC‬ور الفكر العلمي « انطالقا من توجهه‬
‫االبس ‪CC C‬تمولوجي‪ C‬العقالين اجلديل النق ‪CC C‬دي »‪ 3‬فكيف تط ‪CC C‬ور التفكري العلمي وم ‪CC C‬اهي حلظ ‪CC C‬ات‬

‫غاستون باشالر‪ ،‬فلسفة الرفض‪ ،‬مصدر‪ C‬سابق‪ ،‬ص ‪65‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪Le nouvel esprit scintifique, op.cit. p.p 17,18‬‬
‫معرفة تق‪CC C‬ريب من الدرجة األوىل ومعرفة تق‪CC C‬ريب من الدرجة الثانية مفه‪CC C‬وم‪ C‬يوظفه باش‪CC C‬الر للتمي‪CC C‬يز بني ن‪CC C‬وعي‬ ‫‪‬‬

‫املعرفة األوىل معرفة الفكر ماقبل العلمي‪ C‬واليت امت ‪CC‬دت إىل الفكر العلمي بتطويرها وتع ‪CC‬ديلها‪ ،‬أما الثانية فهي ن ‪CC‬وع‬
‫جديد من املعرفة مل يظهر إال مع مرحلة الفكر العلمي‪ C‬اجلديد‪.‬‬
‫بناصر البعزايت‪ ،‬خصوبة املفاهيم يف بناء املعرفة‪ ،‬دراسات ابستمولوجية‪ ،‬منشورات دار االميان‪ ،‬الرباط‪ ،‬املغ‪C‬رب‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫ط‪ 2007 1‬ص ‪90‬‬


‫‪111‬‬
‫صريورته الكربى؟‬
‫يقسم باش‪CC‬الر حلظ‪CC‬ات الص‪CC‬ريورة يف الفكر العلمي إىل ثالث مراحل ك‪CC‬ربى« فقد برجمنا‬
‫حتت اسم قانون احلاالت الثالث للعقل ما قبل العلمي‪ ،‬التطور الثالثي‪ C‬الذي ينطلق من العقل‬
‫ما قبل العلمي إىل العقل العلمي‪ ،‬مث يصل إىل العقل العلمي اجلديد»‪. 1‬‬
‫املرحلة األوىل هي مرحلة ما قبل الفكر العلمي‪ ،‬وحتَقب زمنيا من الق‪CC C C C‬دم حىت هناية‬
‫الق ‪CC‬رن الـسابع عشر وبداية الق ‪CC‬رن الـثامن عش ‪CC‬ر‪ .‬ون ‪CC‬وع املعرفة ال ‪CC‬ذي س ‪CC‬اد ه ‪CC‬ذه املرحلة كما‬
‫يص‪CC C‬فها باش‪CC C‬الر معرفة زائفة ينبغي للفكر العلمي احلق أن يتأسس ض‪CC C‬دها ألن « الفكر ماقبل‬
‫‪2‬‬
‫»‬ ‫العلمي يريد دائما أن يكون املنتوج الطبيعي‪ C‬أثرى من املنتوج املصطنع‬
‫والثانية‪ : C‬مرحلة الفكر العلمي‪ ،‬وي ‪CC C‬ؤرخ هلا زمنيا من الق ‪CC C‬رن الـثامن عشر إىل غاية بداية‬
‫الق ‪CC C‬رن الـعشرين‪ .‬وس ‪CC C‬ادت فيها معرفة عقالنية‪ C‬كالس ‪CC C‬يكية موض ‪CC C‬وعها فحص وتش ‪CC C‬خيص‬
‫للمعطى الطبيعي‪ C‬لكشف قوانني الظواهر وعالقاهتا الثابتة‪. C‬‬
‫أما الثالثة فهي مرحلة الفكر العلمي اجلديد‪ ،‬واليت ب ‪CC C‬دأت مع ظه ‪CC C‬ور نظرية النس ‪CC C‬بية أي‬
‫بداية من سنة ‪ .1905‬واليت أحدثت انقالبا‪ C‬ثوريا يف مفاهيم العلم الكالسيكي‪.‬‬
‫إن كل حلظة من هذه اللحظات الثالث سادها منط خ‪CC‬اص من ال‪CC‬وعي‪ .C‬ففي اللحظة‬
‫األوىل س‪CC‬اد الفكر ال‪CC‬واقعي‪ C‬مبا يعنيه‪ C‬من التص‪CC‬اق‪ C‬بالظ‪CC‬اهرة وح‪CC‬رص على نقلها والتع‪CC‬اطي‪ C‬معها‬
‫من خالل دوافع احلاجة واملنفعة‪ C‬املباش‪CC‬رة‪ .C‬أما اللحظة الثانية س‪CC‬اد ال‪CC‬وعي ال‪CC‬واقعي‪ C/‬التجري‪CC‬دي‪،‬‬
‫حيث متت املزاوجة بني املقاربة الواقعية للظ ‪CC‬واهر والفكر التجري ‪CC‬دي‪ ،‬فك ‪CC‬ان التجريد يف ه ‪CC‬ذه‬
‫اللحظة العلمية مش ‪CC C‬دودا ومرتك ‪CC C‬زا على املعطى‪ C‬ال ‪CC C‬واقعي‪ ،‬ومل يكن متح ‪CC C‬ررا من ‪CC C‬ه‪ ،‬بل مرهتنا‬
‫لقي‪CC C‬وده وش‪CC C‬روطه‪ ،‬واق‪CC C‬رتنت ه‪CC C‬ذه املرحلة بنش‪CC C‬أة‪ C‬العلم الكالس‪CC C‬يكي ال‪CC C‬ذي يعت‪CC C‬ربه‪ C‬باش ‪CC‬الر «‬
‫امتدادا للحس املشرتك وللعقل املشرتك‪ C،‬ك‪CC‬ان يوضح اآلراء العام‪CC‬ة‪ ،‬وي‪CC‬دقق التج‪CC‬ارب‪ ،‬ويؤكد‬

‫فلسفة‪ C‬الرفض‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪57‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪Formation de l ésprit scientifique, op.cit, p31‬‬
‫‪112‬‬
‫املع ‪CC C‬ارف البس ‪CC C‬يطة »‪ 1‬مبعىن العلم الكالس ‪CC C‬يكي معرفة منقحة ومهذبة ص ‪CC C‬اغها الع ‪CC C‬امل يف‬
‫ق ‪CC‬وانني علميةباالس ‪CC‬تناد إىل العقالنية‪ C‬الكالس ‪CC‬يكية‪ C‬احلتمي ‪CC‬ة‪ ،‬ول ‪CC‬ذلك يص ‪CC‬نف باش ‪CC‬الر مرحلة‬
‫الفكر ماقبل العلميومرحلةالفكر العلميكمعرفة تق‪CC C C C C C C C‬ريب منالدرجة األوىل علىاعتب‪CC C C C C C‬ار أن‬
‫معرفة الفكر العلميتص ‪CC‬حيح وتنقيح ملعرفة الفكر ما قبل العلمي‪ .‬إنموض ‪CC‬وع علم الق ‪CC‬رن‬
‫التاسع عشر ( مرحلةالفكر العلمي) ينحصر يف فحص وتش ‪CC C C C‬خيصالظ ‪CC C C C‬واهر والوق ‪CC C C‬ائع‬
‫كمعطى ط ‪CC‬بيعي والكشفعنعالقاهتا الثابتة‪ C‬باالس ‪CC‬تناد إىل مب ‪CC‬دأ احلتمي ‪CC‬ة‪ ،‬وحماولة « تق ‪CC‬نني‬
‫البحثالعلميوإقامة حواجز أمامه ال جيوز ختطيها‪ ،‬حاص‪CC‬رة جمال املعرفة البش‪CC‬رية يف‬
‫الظ‪CC‬واهر والعالق‪CC‬اتاليت تق‪CC‬وم بينها » ‪2‬وك‪CC‬ذا حتقيق للفرض‪CC‬يات األوىل وفقا ملراحل املنهج‬
‫االس ‪CC‬تقرائي ( مالحظ ‪CC‬ة‪ ،‬فرض ‪CC‬ية جتريب)‪ .‬وك ‪CC‬انت املف ‪CC‬اهيم العلمية والفلس ‪CC‬فية حمددة حتدي ‪CC‬دا‬
‫ثابتا على أس ‪CC‬اس أهنا جتسد مع ‪CC‬ارف ق ‪CC‬ارة ثابتة كالكتلة والزم ‪CC‬ان واملك ‪CC‬ان‪ C.‬وهي مف ‪CC‬اهيم ال‬
‫تتغري‪ ،‬م‪CC C C C‬ادامت‪ C‬أسس‪CC C C C‬ها القائمة عليها من قبيل الب‪CC C C C‬ديهي املتم‪CC C C C‬رد عن النقد والشك‪ .‬وميكن‬
‫الق‪CC C C C‬ول مع باش‪CC C C C‬الر أن علم الق‪CC C C C‬رن التاسع عشر ك‪CC C C C‬ان يقع حتت جتريبية‪ C‬باكوني‪CC C C C‬ة‪ C،‬وعقالنية‪C‬‬
‫كالس ‪CC‬يكية‪( C‬وض‪CC‬عية ونقدي ‪CC‬ة)‪ ،‬وهي اجتاه‪CC‬ات تك ‪CC‬رس نظ‪CC‬رة أحادية إىل األش‪CC‬ياء وتقيد الفكر‬
‫املب ‪CC‬دع واخلي ‪CC‬ال اخلالق‪ .‬ل ‪CC‬ذلك يعترب ه ‪CC‬ذا العلم تط ‪CC‬ويرا وامت ‪CC‬دادا للمعرفة العامة م ‪CC‬ادام أنه‬
‫يوضحها ويدققها‪ .‬إن معرفة التقريب‪ C‬األوىل تشهد أوجها مع علم الق‪CC‬رن التاسع عشر اليت ال‬
‫زالت حتكم الفيلس‪CC C C‬وف التقلي‪CC C C‬دى املعاصر ال‪CC C C‬ذي يتجاهل الث‪CC C C‬ورة العلمية املعاص‪CC C C‬رة‪ ،‬حتج ‪CC C‬را‬
‫وكسال‪.‬‬
‫أما اللحظة الثالثة‪ C‬فهي حلظة ال‪CC‬وعي‪ C‬التجري‪CC‬دي اليت يب‪CC‬دع فيها العقل العلمي اجلديد‬
‫مفاهيمه ونظرياته على حنو يقطع مع التجربة املباشرة‪ C،‬وينشئ بناءاته‪ C‬النظرية يف اس‪CC‬تقالل‪ C‬عن‬
‫ض ‪CC‬غط احلاجة والنزعة النفعية‪ « C‬س ‪CC‬يعود العقل إىل وظيفته‪ C‬التحويلي ‪CC‬ة‪ ،‬وس ‪CC‬يفيد‪ ،‬يف حتول ‪CC‬ه‪ ،‬من‬

‫‪1‬‬
‫‪La philosophie du non, op.cit, p: 143‬‬
‫حممدعابد اجلابري‪ ،‬مدخل إىل فلسفة العلوم‪ C،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪276‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪113‬‬
‫كل التح‪CC C C C‬والت‪ ،‬فهو س‪CC C C C‬يدرك أن العلم املعاصر وهو ي‪CC C C C‬دعوه إىل فكر جدي‪CC C C C‬د‪ ،‬إمنا يكس‪CC C C‬به‬
‫منوذجا متثيليا جديدا‪ ،‬إذا يكسبه عاملا جديدا »‪1‬وهبذا هو ميثل معرفة مغايرة للمعرفة الس‪CC‬ابقة‪،‬‬
‫إهنا معرفة التق ‪CC‬ريب‪ C‬الثاني ‪CC‬ة‪ .‬وهي طف ‪CC‬رة نوعية تتج ‪CC‬اوز مب ‪CC‬ادئ العلم الكالس ‪CC‬يكي‪ C‬إىل مب ‪CC‬ادئ‬
‫ولذلك يربز مفه‪CC‬وم القطيعة االبس‪CC‬تمولوجية‪ C‬كش‪CC‬كل آخر من أش‪CC‬كال‬ ‫كلها جدة‪.‬‬
‫التج‪CC C C C‬اوز وكفعل يعرب عن حالة االنتق‪CC C C C‬ال الكيفي‪ C‬من املرحلة الس‪CC C C C‬ابقة إىل املرحلة اجلدي‪CC C C‬دة‪.‬‬
‫فالكتلة كمفه ‪CC C‬وم يف الفلس ‪CC C‬فة الواقعية والفلس ‪CC C‬فة التجريبي ‪CC C‬ة‪ ،‬هي معرفة تق ‪CC C‬ريب من الدرجة‬
‫األوىل ( فكر ماقبل علمي)‪ ،‬ومع الفلس‪CC C C‬فة العقالنية‪ C‬يف امليكانيك العقلية النيوتني‪CC C C‬ة‪ C،‬هي أيضا‬
‫(الفكر العلمي)‪ ،‬باعتب‪CC‬ار أهنا تص‪CC‬حيح وتط‪CC‬وير للمعرفة‬ ‫معرفة تق‪CC‬ريب من الدرجة األوىل‬
‫الس‪CC C C C C C C C‬ابقة‪ .‬أما الكتلة يف الفكر العلمي اجلديد مل تعد معرفة تق‪CC C C C C C C C‬ريب من الدرجة األوىل بل‬
‫غ‪CC C C‬دت معرفة تق‪CC C C‬ريب من الدرجة الثاني‪CC C C‬ة‪ ،‬حيث « ج‪CC C C‬اءت حقبة مع عصر النس‪CC C C‬بية‪ ،‬حيث‬
‫س‪CC‬تنفتح العقالنية املغلقة جوهريا يف تص‪CC‬ورات ني‪CC‬وتن وكان‪CC‬ط‪ ،‬ول‪CC‬نر كيف مت ه‪CC‬ذا االنفت‪CC‬اح يف‬
‫ش‪CC C C C‬أن مفه‪CC C C C‬وم الكتلة ال‪CC C C C‬ذي يس‪CC C C C‬رتعي‪ C‬حاليا انتباهنا‪ 2» C‬فهي حمكومة بعقالنية‪ C‬جدي‪CC C C‬دة هي‬
‫عقالنية‪ C‬النظرية النسبية‪ C‬مع اينشتاين‪ ،‬والنظرية الكمومية مع ديراك‪ ،‬واملوجية‪ C‬مع دوبروي‪.‬‬
‫ويف مث‪CC C C C‬ال الكتلة ميكننا أن نقف على البعد التجدي‪CC C C C‬دي ىف الفكر العلمي‪ .‬حيث ك‪CC C C‬ان‬
‫التعبري النيوتين للكتلة بالصيغة الرمزية التالية‪C:‬‬
‫‪.) )y‬‬ ‫‪ FY‬أي الكتلة( ‪ )m‬تساوي القوة ( ‪ )f‬على التسارع‬ ‫‪=m‬‬

‫الكتلة هنا تعرب عن صفة ثابتة‪ ،‬وموجبة جلسم متحرك‪ ،‬فهي كتلة مادة حمسوسة‪.‬‬
‫لكن مع النظرية النس ‪CC‬بية القيم ختتلف حيث « تق ‪CC‬دم الربه ‪CC‬ان على أن كتلة متح ‪CC‬رك تتبع‬
‫سرعته»‪ 3‬أي أن الكتلة مرتبطة بالسرعة ( سرعة اجلسم املتحرك)‪ ،‬وبسرعة الضوء كذلك(‪3‬‬
‫‪ 00000‬كلم‪/‬ث ‪CC C‬ا)‪ ،‬وبكتلة املتح ‪CC C‬رك يف حالة وقوف ‪CC C‬ه‪ .‬وعرب عنها اينش ‪CC C‬تاين‪ C‬بالص ‪CC C‬يغة‪ C‬الرمزية‬
‫غاستون باشالر‪ ،‬فلسفة الرفض‪ ،‬مصدر‪ C‬سابق‪ ،‬ص ‪132‬‬ ‫‪1‬‬

‫فلسفة‪ C‬الرفض‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪31‬‬ ‫‪2‬‬

‫الفكر العلمي اجلديد‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪50‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪114‬‬
‫التالية‪C:‬‬
‫‪m‬‬ ‫‪0‬‬

‫‪:) )v‬‬ ‫الكتلة يف حالة وق ‪CC‬وف‪،‬‬ ‫‪:))m0‬‬ ‫حيث أن (‪ . :)m‬متثل الكتل ‪CC‬ة‪،‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪v2‬‬ ‫‪=m‬‬
‫‪c2‬‬

‫س‪CC‬رعة الضوء ‪ .‬وميكننا « أن نضع الق‪CC‬انون بالكلم‪CC‬ات التالي‪CC‬ة‪ C:‬إذا ما‬ ‫‪:))c‬‬ ‫س‪CC‬رعة املتح‪CC‬رك‬
‫حترك جسم بالنس ‪CC‬بة ملش ‪CC‬اهد‪ ،‬ف ‪CC‬إن كتلة اجلسم س ‪CC‬تزداد ويعتمد مق ‪CC‬دار الزي ‪CC‬ادة على الس ‪CC‬رعة‬
‫النس‪CC C‬بية بني املش‪CC C‬اهد واجلسم »‪ .1‬يتضح لنا من ص‪CC C‬يغة اينش‪CC C‬تاين‪ C‬أن الكتلة تتغري بتغري س‪CC C‬رعة‬
‫املتح‪CC C‬رك‪ ،‬وهي ليست ثابتة دائم‪CC C‬ا‪ .‬ف ‪CC‬إذا انع‪CC C‬دمت س‪CC C‬رعة املتح‪CC C‬رك ك‪CC C‬انت الكتلة ثابت ‪CC‬ة‪ ،‬وإذا‬
‫ق‪CC C‬اربت س‪CC C‬رعته س‪CC C‬رعة الضوء ص‪CC C‬ارت تق‪CC C‬رتب من الالهناي‪CC C‬ة‪ ،‬وه‪CC C‬ذا م‪CC C‬اال ي‪CC C‬درك إال يف جمال‬
‫الظ‪CC‬واهر املتناهية‪ C‬يف الص‪CC‬غر (امليكروفيزياء) تص‪CC‬ور خيتلف متاما مع ما يعتق‪CC‬ده‪ C‬ني‪CC‬وتن « إذا ج‪CC‬از‬
‫القول فالكتلة‪...‬من املمتنع تعريفها بالطريقة البسيطة اليت كان جيريها ديناميك نيوتن‪ .‬وهن‪CC‬اك‬
‫ت‪CC C C‬ركيب مفه ‪CC C‬ومي‪ C‬آخ ‪CC C‬ر‪ :‬يف الفيزي ‪CC C‬اء النس‪CC C C‬يب‪ ،‬مل تعد الكتلة خمتلفة عن الطاقة»‪ 2‬أي مل تعد‬
‫الكتلة تنفصل عن الطاقة فحاصل ض ‪CC‬رب الكتلة يف مربع س ‪CC‬رعة الض ‪CC‬وء يس ‪CC‬اوي طاقته وه ‪CC‬ذا‬
‫ماعرب عنه اينشتاين‪ C‬يف قانون النسبية‪ C‬اخلاصة‪.‬‬
‫ول‪CC‬ذلك يعترب باش‪CC‬الر مفه‪CC‬وم الكتلة يف منظومة ني‪CC‬وتن معرفة تق‪CC‬ريب من الدرجة‬
‫األوىل‪ ،‬يف حني مفهومها يف منظومة اينش‪CC C C C C C C C C C C‬تاين معرفة تق‪CC C C C C C C C C C C‬ريب من الدرجة الثانية‪ « C‬لقد‬
‫اكتش‪CC C‬فت النظرية النس ‪CC‬بية‪ C‬أن الكتلة اليت وض ‪CC‬عت ب‪CC C‬التعريف ( مس‪CC C‬بقا) على أهنا مس ‪CC‬تقلة عن‬
‫الس ‪CC C‬رعة‪ ،‬على أهنا مطلقة يف ال ‪CC C‬زمن واملك ‪CC C‬ان‪ C،‬على أهنا قاع ‪CC C‬دة ص ‪CC C‬حيحة ملنظومة وح ‪CC C‬دات‬
‫مطلق ‪CC‬ة‪ ،‬وظيفة معق ‪CC‬دة للس ‪CC‬رعة‪ .‬فكتلة موض ‪CC‬وع ما إذن تابعة لتح ‪CC‬رك ه ‪CC‬ذا املوض ‪CC‬وع‪ C.‬وعبثا‬
‫نظن أننا نسس‪CC‬تطيع تعريف كتلة س‪CC‬اكنة ميلكها ه‪CC‬ذا املوض‪CC‬وع‪ C‬وح‪CC‬ده‪ .‬إن الس‪CC‬كون‪ C‬املطلق ال‬
‫معىن ل‪CC‬ه‪ ،‬وأيض‪CC‬ا‪ ،‬فال معىن ملفه‪CC‬وم‪ C‬كتلة مطلق‪CC‬ة‪ .‬إذ يس‪CC‬تحيل اإلفالت من النس‪CC‬بانية وذلك جتاه‬

‫عبد الرحيم بدر‪ ،‬الكون األحدب‪ ،‬قصة النسبية‪ ،‬مؤسسة مصري للتوزيع‪ C،‬مصر‪ ،‬ط‪،1986 ،1‬ص ‪111‬‬ ‫‪1‬‬

‫فلسفة‪ C‬الرفض‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪32‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪115‬‬
‫الكتلة وجتاه تعريف ‪CC‬ات الزمك ‪CC‬ان على الس ‪CC‬واء»‪ .1‬هبذا املفه ‪CC‬وم‪ C‬تص ‪CC‬بح فيزياء النس ‪CC‬بية‪ C‬متج ‪CC‬اوزة‬
‫لفيزياء نيوتن اليت ال متثل إال حالة خاصة بالنسبة إليها‪.‬‬
‫إن فكر نظرية النسبية‪ C‬ميثل عهد فكر علمي جديد‪َ ،‬غرّي املفاهيم األساس‪CC‬ية للعلم‪ .‬إذ‬
‫ض ‪CC‬اعف العقل من اعرتاض ‪CC‬اته‪ C‬على املف ‪CC‬اهيم الس ‪CC‬ابقة‪ ،‬وأسس ملف ‪CC‬اهيم وأفك ‪CC‬ار جدي ‪CC‬دة واح ‪CC‬دة‬
‫منها كافية لتمثيل ق ‪CC C‬رن بأكمله كما يؤكد على ذلك باش ‪CC C‬الر‪ .‬وش ‪CC C‬هدت العل ‪CC C‬وم الرياض ‪CC C‬ية‬
‫والفيزيائية والكيميائية قف ‪CC‬زة إبس ‪CC‬تمولوجية أح ‪CC‬دثت حتوال من الفكر العلمي إىل الفكر العلمي‬
‫اجلدي‪CC C C C C C‬د‪ ،‬ومن عقالنية كالس‪CC C C C C C‬يكية‪ C‬نيوتوني‪CC C C C C C‬ة‪ C-‬كانطية إىل عقالنية‪ C‬حديثة أمساها باش ‪CC C C C‬الر‬
‫بالفوعقالنية‪ «C‬مل نعد نش‪CC‬تغل يف العل‪CC‬وم األوىل‪ ،‬إننا نش‪CC‬تغل يف العلم املعاص‪CC‬ر‪ ،‬العلم هنا ينتظر‬
‫الع ‪CC‬امِل ب ‪CC‬دون ش ‪CC‬ك‪ ،‬الع ‪CC‬امِل هو ال ‪CC‬ذي يص ‪CC‬نع العلم‪ ،‬ولكن العلم أيضا هو ال ‪CC‬ذي يص ‪CC‬نع الع ‪CC‬امِل ‪،‬‬
‫»‪.2‬‬ ‫العِلم هو الذي يريب العامِل‬

‫إن الواقع العلمي مع علوم الق‪C‬رن العش‪C‬رين‪ ،‬واقع معقد وليس بس‪C‬يطا‪ ،‬وه‪C‬ذا إثب‪C‬ات‬
‫ملعقوليته واقع التمثيل املعقلن‪ ،‬ال ‪CC C‬ذي حتكمه عالق ‪CC C‬ات االرتي ‪CC C‬اب هليزن ‪CC C‬ربغ وهك ‪CC C‬ذا يص‪CC C‬بح «‬
‫العلم الط‪CC C C‬بيعي‪ C‬املعاصر بن‪CC C C‬اء عقالين إنه يزيل الال معقولية من م‪CC C C‬واد بنائ‪CC C C‬ه‪ .‬وال بد أن حتمي‬
‫الظاهرة املتحققة يف مواجهة كل اضطراب ال عقالين»‪. 3‬‬
‫إن الفكر العلمي اجلدي ‪CC‬د‪ ،‬كمص ‪CC‬طلح يوظفه باش ‪CC‬الر ي ‪CC‬دل على مظ ‪CC‬اهر التفكري‬
‫اجلديدة والنظري‪C‬ات اليت ت‪C‬رتبت عن الث‪CC‬ورة العلمية املعاص‪CC‬رة‪ ،‬واليت متيزت جبدة جعلت العلماء‬
‫‪1‬‬
‫‪La philosophie du non, p: 31‬‬
‫ال َف‪CC‬وق‪-‬عقالنية "‪ ،"le surrationalisme‬تس ‪CC‬مية يطلقها باش ‪CC‬الر على العقالني ‪CC‬تني اجلدي ‪CC‬دتني‪ ،‬العقالنية التامة‬ ‫‪‬‬

‫واملعق‪CC C‬دة ( ‪ )rationalisme complet et complexe‬واليت أسست نظرية النس ‪CC‬بية‪ ،‬والثاني ‪CC‬ة‪ ،‬العقالنية اجلدلية‬
‫االس ‪CC C C C‬تداللية ( ( ‪ rationalisme dialictique discursif‬اليت حكمت النظرية الكمومي ‪CC C C‬ة‪ ،‬ول ‪CC C C‬تزامن ه ‪CC C C C‬اتني‬
‫العقالن‪CC C‬تني‪ ،‬وت‪CC C‬داخلهما يف العل‪CC C‬وم املعاص‪CC C‬رة‪ ،‬مجع باش‪CC C‬الر بينهما حتت مس‪CC C‬مى الف‪CC C‬وق‪ -‬عقالني‪CC C‬ة‪ .‬فهي عقالنية‬
‫معاص ‪CC‬رة تتج ‪CC‬اوز العقالنية التقليدية من حيث املوض ‪CC‬وع واملن ‪CC‬اهج‪ .‬وج ‪CC‬ات ه ‪CC‬ذه التس ‪CC‬مية على غ ‪CC‬رار ما ج ‪CC‬رى يف‬
‫األدب حيث جاءت ما فوق الواقعية ( (‪le surréalisme‬وترمجت يف األدب العريب السريالية ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪G, bachelard, l engagement rationaliste,p.u.f, 1972.Etudes, Ed Vrin, 1970 , p:44‬‬
‫غاستون باشالر‪ ،‬فلسفة الرفض‪ ،‬مصدر‪ C‬سابق‪ ،‬ص ‪10‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪116‬‬
‫أنفسهم يف حرية‪ ،‬وجتلت مظاهرها‪ ،‬يف نظرية النس‪C‬بية‪ ،‬والنظرية الكمومي‪C‬ة‪ ،‬والنظرية املوجي‪C‬ة‪،‬‬
‫كل ذلك بفضل تط ‪CC‬ور الرياض ‪CC‬يات وما أفرزته من نت ‪CC‬ائج دفعت العلماء إىل مراجعة املق ‪CC‬والت‬
‫التقليدية يف العلم وتتجلى ه‪CC‬ذه« الص‪CC‬فة اجملددة على وجه ك‪CC‬اف جملرد تق‪CC‬ريب مث‪CC‬الني نس‪CC‬تقي‬
‫أح‪CC C C C‬دمها من فيزي‪CC C C C‬اء الق‪CC C C C‬رن الث‪CC C C C‬امن عشر أو الق‪CC C C C‬رن التاسع عشر واآلخر من فيزي‪CC C C C‬اء الق‪CC C C‬رن‬
‫العش‪CC‬رين‪ .‬وس‪CC‬نرى على ه‪CC‬ذا املن‪CC‬وال‪ ،‬أن علم الفيزي‪C‬اء املعاصر يظهر الي‪C‬وم‪ C‬متحليا جبدة حقيقية‬
‫من حيث تفاص‪CC C C‬يل املعرفة وبنيتها‪ C‬العامة على ق‪CC C C‬در س‪CC C C‬وأء»‪ .1‬وك‪CC C C‬انت القطيعة اليت أع ‪CC C‬ادت‬
‫النظر يف املفاهيم األساسية‪ C‬وأعادت بناء العلوم على صرح جديد‪.‬‬
‫وانطالقا من ق‪CC‬انون احلاالت الثالث لباش‪CC‬الر‪ ،‬إذا ك‪CC‬انت اهلندسة اإلقليدي‪CC‬ة‪ ،‬والفيزياء‬
‫النيوتونية‪ C‬والكمياء الفوازي‪CC‬ة‪ C،‬واملنطق األرس‪CC‬طي‪ ،‬فك‪CC‬را علميا حتكمه عقالنية كالس‪CC‬يكية‪ C،‬ف‪CC‬إن‬
‫اهلندسة الالإقليدي ‪CC‬ة‪ ،‬والفيزياء الال نيوتوني ‪CC‬ة‪ ،‬والكيميا‪C‬ء الال فوازي ‪CC‬ة‪ ،‬واملنطق الالأرس ‪CC‬طي‪ ،‬فكر‬
‫علمي جديد حتكمه الفوعقالني ‪CC C‬ة‪ .‬عقالنية‪ C‬النس ‪CC C‬بية‪ C،‬والكوانت ‪CC C‬ا‪ C،‬و امليكانيكا املوجي ‪CC C‬ة‪ .‬وم‪CC C‬يزة‬
‫العل‪CC‬وم اجلدي‪CC‬دة أهنا أمشل من العل‪CC‬وم الس‪CC‬ابقة باعتبارها‪ C‬تنط‪CC‬وي على العل‪CC‬وم القدمية كح‪CC‬االت‬
‫خاصة‪ .‬وميكننا الق‪C‬ول إن القطيعة بني الفكر العلمي والفكر العلمي اجلديد هلا مظ‪C‬اهر ثالثة «‬
‫القطيعة االبس‪CC C C C C C C‬تمولوجية‪ C‬تعين أوال قي‪CC C C C C C C‬ام فكر علمي أك‪CC C C C C C C‬ثر مشوال‪ ،‬وهي تعين ثانيا مراجعة‬
‫للمف ‪CC‬اهيم األساس ‪CC‬ية‪ C‬للعلم الس ‪CC‬ابق عليه ‪CC‬ا‪ ،‬وتعين أخ ‪CC‬ريا قي ‪CC‬ام فكر علمي أك ‪CC‬ثر تفتحا»‪ 2‬فهي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬قي‪CC C C C‬ام فكر علمي أك‪CC C C C‬ثر مشوال وتك‪CC C C C‬ون عند تأس‪CC C C C‬يس نظرية أو ف‪CC C C C‬رض علمي جدي‪CC C C‬د‪،‬‬
‫فيحت ‪CC C C C C‬وي الفكر اجلديد الفكر الس ‪CC C C C C‬ابق عنه والقطيعة‪ C‬وهبذا املعىن ال تعين االنفص ‪CC C C C C‬ال الت‪CC C C C‬ام‬
‫والنه ‪CC‬ائي‪ ،‬بني العلم اجلديد والعلم الق ‪CC‬دمي بل يك ‪CC‬ون‪ C‬التج ‪CC‬اوز واالحت ‪CC‬واء ‪ .‬واألمثلة على ذلك‬
‫عدي‪CC C C C C‬دة منه‪CC C C C C‬ا‪ :‬اهلندسة الالإقليدية اليت تعرب عن فكر هندسي أك‪CC C C C C‬ثر مشوال يف مقابل اهلندسة‬
‫اإلقليدية وإذا ك‪CC C C C C C C C C C C‬ان من املمكن فهم اهلندسة اإلقليدية إنطالقا من اهلندسة الال إقليدية ألهنا‬
‫غاس ‪CC‬تون باش ‪CC‬الر‪ ،‬الفكر العلمي‪ C‬اجلدي ‪CC‬د‪ ،‬ت ‪CC‬ر‪ :‬ع ‪CC‬ادا الع ‪CC‬وا‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراس ‪CC‬ات والنشر والتوزي ‪CC‬ع‪ ،‬ط‪،2‬‬ ‫‪1‬‬

‫بريوت ‪ ،1983‬ص ‪20‬‬


‫فلسفة املعرفة عند غاستون باشالر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪136‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪117‬‬
‫متثل حالة خاصة ض‪CC C C‬من الفكر اهلندسي‪ C‬ف‪CC C C‬إن العكس‪ C‬غري ص‪CC C C‬حيح‪ ،‬ألن األنس‪CC C C‬اق اهلندس ‪CC C‬ية‪C‬‬
‫املعاص‪CC C C‬رة متج ‪CC C C‬اوزة هلا‪ ،‬واألمر نفسه ينطبق على مث ‪CC C C‬ال الكتلة يف الفيزياء وال‪CC C C‬ذي س‪CC C C‬بق لنا‬
‫احلديث عن‪CC‬ه‪ .‬ومع نظرية النس‪CC‬بية الينش‪CC‬تاين حتدد الكتلة بالنس‪CC‬بة إىل س‪CC‬رعة املتح‪CC‬رك وس‪CC‬رعة‬
‫الضوء‪ ،‬والكتلة يف حالة وقوف خبالف منظومة نيوتن الفيزيائية‪ C‬اليت حتدد الكتلة يف تآلف مع‬
‫الق ‪CC‬وة والتس ‪CC‬ارع‪ ،‬وهي مف ‪CC‬اهيم متماس ‪CC‬كة‪ .‬إن اينش ‪CC‬تاين مل ينطلق من فيزياء ني ‪CC‬وتن للكشف‬
‫عن ص ‪CC C‬يغته اجلدي ‪CC C‬دة‪ ،‬مع أن ص ‪CC C‬يغة كتلة ني ‪CC C‬وتن ميكن أن تس ‪CC C‬تنتج من ص ‪CC C‬يغة كتلة اينش‪CC C‬تاين‪C‬‬
‫باعتبارها‪ C‬حالة خاصة لكن العكس غري ص‪CC C C C C‬حيح‪ .‬وهنا ت‪CC C C C C‬ربز مظ‪CC C C C C‬اهر اجلدة واملراجعة اليت‬
‫جاءت مع الفكر العلمي اجلديد‪ ،‬وهي ص‪C‬ورة ص‪C‬رحية للقطيعة االبس‪C‬تمولوجية‪ C‬يف العلم‪ ،‬واليت‬
‫تعين أن اجلديد أمشل من الق‪CC‬دمي « ف‪CC‬النفي يلزمه أن يبقى‪ C‬يف اتص‪CC‬ال بالتش‪CC‬كيلة األوىل‪ ،‬وبالت‪CC‬ايل‬
‫يلزمه أن ميّكن من تعميم ج ‪CC C‬ديل‪ ،‬فه ‪CC C‬ذا التعميم بالــ "ال" يلزمه أن حيوي ما ينفي ‪CC C‬ه‪ C.‬يف الواقع‬
‫كل التق‪CC‬دم ال‪CC‬ذي أح‪CC‬رزه الفكر العلمي منذ ق‪CC‬رن ن‪CC‬اجم عن ه‪CC‬ذا الن‪CC‬وع‪ C‬من التعميم‪CC‬ات اجلدلية‬
‫تنفيه»‪.1‬‬ ‫اليت احتضنت‪ C‬ما‬

‫‪1‬‬
‫‪La philosophie du non, opcit, p: 137‬‬
‫‪118‬‬
‫ثاني ‪CC C C‬ا‪ :‬القطيعة مبعىن مراجعة مف ‪CC C C‬اهيم العلم الكالس ‪CC C C‬يكي‪ C‬الىت ك‪CC C C‬انت تب ‪CC C C‬دوا مب‪CC C C‬ادئ أولي ‪CC C‬ة‪.‬‬
‫كاملراجعة الىت ق‪CC C‬امت هبا الرياض‪CC C‬يات املعاص‪CC C‬رة ملفه‪CC C‬وم‪ C‬املك‪CC C‬ان واخلط‪ ،‬ال‪CC C‬ذي مل يعد مس ‪CC‬تويا‬
‫بأبع ‪CC‬اد ثالثة وه‪CC‬ذه «األش ‪CC‬كال األولية ج‪CC‬دا لالأوقليدي‪CC‬ة‪ ،‬ت ‪CC‬تيح لنا س‪CC‬لفا أن نس ‪CC‬تخلص الفك‪CC‬رة‬
‫الفلسفيةالعامة للحرية الرياض‪CC‬ية اجلدي‪CC‬دة»‪ 1‬واألمر نفسه ح‪C‬دث يف الفيزي‪C‬اء‪ ،‬فمع النس‪C‬بية‪ C‬حتول‬
‫املفهوم‪ C‬النيوتين للزمان المطلق إىل نسبية زمكانية ‪.‬‬
‫ثالث‪CC‬ا‪ :‬القطيعة تعين انتق‪CC‬اال إىل فكر علمي أك‪CC‬ثر تفتح‪CC‬ا‪ ،‬نظرية الكوانتا مثال‪ ،‬أعلنت قي‪CC‬ام‬
‫فكر علمي متفتح‪ ،‬يقبل باحلتمية واالحتم‪CC C‬ال مع‪CC C‬ا‪ ،‬فلكل منها جماله اخلاص‪ ،‬خبالف العقالنية‬
‫الكالسيكية‪ C‬اليت حصرت األمر يف جمال حتمي فقط ‪.‬‬
‫ويرتبط مفهوم القطيعة اإلبستمولوجية‪ C‬عند غاستون‪ C‬باشالر بتصوره‪ C‬لت‪C‬اريخ العل‪C‬وم‪،‬‬
‫فهو يط ‪CC C‬رح «تفس ‪CC C‬ريا غري ارتق ‪CC C‬ائي لبي ‪CC C‬ان تط ‪CC C‬ور العلم حيث إن التط ‪CC C‬ورات الس ‪CC C‬ابقة ال تفسر‬
‫بالض‪CC C C C‬رورة احلالة الراهنة‪ C‬للعلم »‪ 2‬أي أن ماضي العلم ال يفسر حاض‪CC C C C‬ره‪ ،‬وهو يع‪CC C C C‬ارض هبذا‬
‫ط ‪CC C‬رح النظرية االس‪CC C‬تمرارية لت ‪CC C‬اريخ العلم‪ .‬وارتبط ك‪CC C‬ذلك –مفه ‪CC C‬وم القطيع‪CC C‬ة‪ C-‬ب‪CC C‬الطفرة الىت‬
‫أحدثتها التطورات العلمية املعاص‪CC‬رة « االنقالب‪CC‬ات العلمية اليت ش‪CC‬هدها الثلث األول من الق‪CC‬رن‬
‫العش‪CC C‬رين دفعت بباش‪CC C‬الر إىل اإلحس‪CC C‬اس بض‪CC C‬رورة تش‪CC C‬كيل منهجية جدي‪CC C‬دة تتج‪CC C‬اوز كت‪CC C‬اب‬
‫ديك ‪CC C C C C‬ارت الش ‪CC C C C C‬هري مق ‪CC C C C C‬ال يف املنهج »‪ 3‬ولإب ‪CC C C C C‬راز ه ‪CC C C C C‬ذه التح ‪CC C C C C‬والت اهلائلة ت ‪CC C C C C‬أيت القطيعة‬
‫االبس‪CC C C‬تمولوجية كمفه‪CC C C‬وم إج ‪CC C‬رائي خيلخل بنية التفكري العلمي املعاصر ويؤسس لت ‪CC C‬اريخ فكر‬
‫أن مفه‪CC C‬وم القطيعة االبس‪CC C‬تمولوجية يتج ‪CC‬ادل مع‬ ‫علمي جديد‪ .‬ومما تنبغي‪ C‬اإلش‪CC C‬ارة إليه‬
‫مفهوم العائق االبستمولوجي‪ C‬على وزن ( عائق‪ -‬قطيعة) ف‪CC‬إذا ك‪CC‬انت العوائق‪ C‬س‪CC‬ببا يف نك‪CC‬وص‪C‬‬
‫املعرفة العلمية ومجودها ف ‪CC C C C‬إن القطيعة هي الفعل الابس ‪CC C C C‬تيمولوجي ال ‪CC C C C‬ذي يتم به جتاوز ه ‪CC C C‬ذه‬

‫الفكر العلمي اجلديد‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪26‬‬ ‫‪1‬‬

‫ج‪CC‬ون ليش‪CC‬ته‪ ،‬مخس‪CC‬ون مفك‪CC‬را أساس‪CC‬يا معاص‪CC‬را من البنيوية إىل ما بعد احلداث‪CC‬ة‪ ،‬ت‪CC‬ر‪ :‬ف‪CC‬اتن البس‪CC‬تاين‪ ،‬املنظمة العربية‬ ‫‪2‬‬

‫للرتمجة بريوت ط‪ ،2008 ،1‬ص ‪.23‬‬


‫هاشم صاحل‪ ،‬خماضات احلداثة التنويرية‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪ ،2008 ،‬ص ‪62‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪110‬‬
‫املرص‪CC C‬ود أن اجلديد يف العلم ال يك‪CC C‬ون من الت‪CC C‬اريخ الس‪CC C‬ابق له يف جمال‪CC C‬ه‪ ،‬ألن ت‪CC C‬اريخ العلم هو‬
‫ت‪CC C C C‬اريخ أخط‪CC C C C‬اء العل‪CC C C C‬وم « ففي رأينا هن‪CC C C C‬اك بالنس‪CC C C C‬بة إىل أي مفه‪CC C C C‬وم علمي خطأ يت‪CC C C‬وجب‬
‫تصويبه‪. 1»C‬‬
‫وحيدد باش ‪CC‬الر للقطيعة االبس ‪CC‬تمولوجية ص ‪CC‬فة التج ‪CC‬دد‪ ،‬مبعىن أهنا فعل متج ‪CC‬دد باس ‪CC‬تمرار‬
‫وال وج‪CC C C C‬ود لقطيعة ابس‪CC C C C‬تمولوجية‪ C‬حامسة وهنائي‪CC C C C‬ة‪ .‬إذ لكل ف‪CC C C C‬رتة من ت‪CC C C C‬اريخ املعرفة العلمية‬
‫عوائقه‪CC C‬ا‪ ،‬وعن‪CC C‬دما حتدث قطيعة ابس‪CC C‬تمولوجية داخل الفكر العلمي ف‪CC C‬إن ذلك يس‪CC C‬مح بقي ‪CC‬ام‬
‫فمثال عند االنتقال من فيزياء نيوتن إىل فيزياء النس‪CC‬بية‪ ،‬ه‪CC‬ذا ال‬ ‫‪.‬‬ ‫فكر علمي جديد‪.‬‬
‫يكون‪ C‬مانعا هنائيا لظهور عوائق ابستمولوجية‪ C‬جدي‪CC‬دة داخل الفكر العلمي اجلديد ذات‪CC‬ه‪ ،‬وه‪CC‬ذا‬
‫ما يعنية‪ C‬باش ‪CC C C C C‬الر ب‪C C C C C C‬أن ت ‪CC C C C C‬اريخ العل ‪CC C C C C‬وم ج‪CC C C C C‬دل بني العوائق االبس ‪CC C C C C‬تمولوجية‪ C‬والقطيع‪CC C C C‬ات‬
‫االبس‪CC‬تمولوجية « ول‪C‬ذلك ك‪CC‬ان العلم وت‪CC‬اريخ العلم ال ينفص‪C‬الن‪ ،‬باعتب‪CC‬ار أن العلم حماولة دائبة‬
‫للكشف عن احلقيق ‪CC C C‬ة‪ ،‬وأن ت ‪CC C C‬اريخ العلم هو ت ‪CC C C‬اريخ أخطاء العلم »‪ 2‬حيث أدت التط ‪CC C‬ورات‬
‫الكربى إىل اكتشافات علمية أفرزت مراجعة لمف‪C‬اهيم ومب‪C‬ادئ ك‪C‬انت تؤخذ على أهنا ث‪C‬وابت‬
‫عقلية مثل مفاهيم املكان‪ ،C‬الزمان‪ ،‬السرعة‪ ،‬طبيعة املادة واحلتمية‪ ،‬بل ومفهوم العقل ذاته‪.‬‬
‫وإذا كان مفهوم القطع والالتواصل عند باشالر يتلخص يف أن األفكار العلمية هي‬
‫قف ‪CC‬زات نوعية وليست انتق ‪CC‬االً ميكانيكيًا‪ C‬من مس‪CC‬توى إىل آخر عرب الف‪CC‬رتات‪ C‬الزمنية املتالحق‪CC‬ة‪C،‬‬
‫ف ‪CC‬إن ذلك ال يعين رفض الق ‪CC‬دمي دائم ‪CC‬ا‪ ،‬بل هو ك ‪CC‬ذلك االنطالق من العلم اجلديد ذي العقلية‬
‫وانفتاحا يف تفسري األفك‪CC‬ار العلمية القدمية « إن القطيعة االبس‪CC‬تمولوجية‪ C‬تعين أن‬
‫ً‬ ‫األكثر مرونة‬
‫االنطالق يكون‪ C‬من النظريات العلمية املعاصرة ألهنا أمشل لكي نفهم العلم السابق الذي يب‪CC‬دو‬
‫يف ه‪CC C‬ذه احلالة بعضا من العلم اجلديد »‪ 3‬فمثالً ميكانيكا‪ C‬ني‪CC C‬وتن ليست خاطئة إذا ما فُ ِّس ‪C C‬رت‬
‫قوانينها يف نسق املاكروفيزياء‪ ،‬لكن الفيزي ‪CC‬اء الكوانتية‪ C‬جتاوزهتا‪ ،‬واحتوهتا ألهنا معرفة جدي ‪CC‬دة‬
‫فلسفة‪ C‬الرفض‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪26‬‬ ‫‪1‬‬

‫اجلابري‪ ،‬حممد عابد‪ ،‬مدخل إىل فلسفة‪ C‬العلوم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪37‬‬ ‫‪2‬‬

‫حممد وقيدي‪ ،‬فلسفة املعرفة عند غاستون باشالر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪137‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪112‬‬
‫انفتاحا ومرونة‪.‬‬
‫ً‬ ‫تُفسر يف نسق امليكروفيزياء ويف مناذج أكثر‬
‫وهذا التمييز يدفعنا إىل الق‪CC‬ول ب‪CC‬أن القطيعة االبس‪C‬تمولوجية‪ C‬ب‪C‬املفهوم‪ C‬الباش‪C‬الري تتم‬
‫على مس‪CC C C‬تويني‪ :‬قطيعة بني املعرفة العامية واملعرفة العلمي‪CC C C‬ة‪ ،‬وأخ‪CC C C‬رى تتم داخل الفكر العلمي‬
‫ذاته أي بني األنساق والنظريات العلمية أو بني الفكر العلمي اجلديد والفكر العلمي‪.‬‬
‫أوال ‪ :‬القطيعة االبستمولوجية بني املعرفة العلمية واملعرفة العامة‪.‬‬
‫تتخذ القطيعة يف املس ‪CC‬توى‪ C‬األول ش ‪CC‬كل « االنفص ‪CC‬ال الت ‪CC‬ام بني العلم كعلم وبني كل‬
‫مس‪CC‬بقات الفكر الطبيعي‪CC‬ة‪ .‬ويتق‪C‬دم ه‪CC‬ذا االنفص‪CC‬ال ‪ ))rupture‬على أنه احلد الفاصل بني ن‪CC‬وعني‬
‫من املعرفة املعرفة العامة املش ‪CC C‬رتكة واملعرفة العلمي ‪CC C‬ة‪ ،‬إنفص ‪CC C‬ال يعت ‪CC C‬ربه‪ C‬باش ‪CC C‬الر مبثابة مص ‪CC C‬ادرة‬
‫أساس ‪CC‬ية بالنس ‪CC‬بة للتفكري االبس ‪CC‬تمولوجي »‪ 1‬ويعترب ه ‪CC‬ذا املوقف ك ‪C‬رد فعل نق ‪CC‬دي ضد النظرية‬
‫االس‪C‬تمرارية يف العلم كما س‪C‬طّرها مايرس‪C‬ون على اخلص‪C‬وص‪ C،‬وال‪C‬ذي يش‪C‬دد « على أن هن‪C‬اك‬
‫اس ‪CC‬تمرارا من التفكري الع ‪CC‬امي إىل التفكري العلمي‪ ،‬واس ‪CC‬تمرارا بني العقل العلمي اجلديد والعقل‬
‫السابق »‪ 2‬فتاريخ العلوم يف نظر دعاة االستمرارية هو جزء اليتج‪CC‬زأ من الت‪CC‬اريخ الع‪CC‬ام‪ ،‬ووفقا‬
‫هلذا املنط‪CC C C‬ق‪ ،‬العل‪CC C C‬وم املعاص‪CC C C‬رة هلا أص‪CC C C‬ول قدمية انبثقت منها ولو بص‪CC C C‬فة بطيئة مبعىن أن للعلم‬
‫أص‪CC‬وال وأس‪CC‬الف‪ .‬إال أن ه‪CC‬ذا الموقف يرفضه باش‪CC‬الر رفضا قاطعا ألنه ال يتط‪CC‬ابق يف نظ ‪C‬ره‬
‫مع واقع العلم املعاصر« لقد كان يب‪CC‬دوا لنا بوض‪CC‬وح ك‪C‬ان ي‪C‬زداد باس‪C‬تمرار كلما كنا نتق‪CC‬دم يف‬
‫دراس‪CC C C C‬تنا ب‪CC C C C‬أن الفكر العلمي املعاصر ال ميكن أن يوضع ىف اتص‪CC C C C‬ال مباشر مع احلس الس‪CC C C‬ليم‬
‫البس ‪CC C‬يط(‪ )...‬وحنن نعتقد ب‪CC C‬أن‪ C‬التق‪CC C‬دم العلمي يفصح دوما عن انفص ‪CC C‬ال‪ ،‬بل عن انفص‪CC C‬االت‪C‬‬
‫دائمة متج‪CC‬ددة بني املعرفة املش‪CC‬رتكة‪ C‬واملعرفة العلمي‪CC‬ة‪ ،‬وذلك مبج‪CC‬رد ما ننظر إىل علم متط‪CC‬ور‪،‬‬
‫علم حيم‪CC‬ل‪ ،‬بفعل ه‪CC‬ذه االنفص‪CC‬االت‪ C‬ذاهتا عالمة احلداثة »‪ 3‬فال ميكن أن تتش‪CC‬كل معرفة علمية‬
‫حقيقية من احلس املش ‪CC‬رتك‪ C‬ألنه بني ما قبل ‪C‬ه وما بعده قطيعة هنائي ‪CC‬ة‪ .‬ومث ‪CC‬ال ذل ‪CC‬ك‪ ،‬القطيعة يف‬
‫تكوين مفهوم‪ C‬املمارسة االبستمولوجية عند باشالر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪215‬‬ ‫‪1‬‬

‫علي حسني كركي‪ ،‬اإلبستمولوجيا يف ميدان املعرفة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪127‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪G.bahelard. Le matérialisme rationnel, op cit, p. 207‬‬
‫‪113‬‬
‫علم الفلك واليت ح ‪CC‬دثت بني كومسوس كوبرنيك وكومسوس أرس ‪CC‬طو وبطليم ‪CC‬وس‪ ،‬وك ‪CC‬انت‬
‫القطيعة انفص‪CC C C‬ال‪C‬ا تام ‪C C C‬ا‪ .‬ألن فلك كوبرنيك معرفة علمية أما تص‪CC C C‬ورات أرس‪CC C C‬طو وبطليم ‪CC C‬وس‬
‫الفلكية فهي ليس‪C C C C C‬ت علم‪C C C C C‬ا‪ ،‬على اعتب‪CC C C C C‬ار أن العلم مبفهومه احلديث مل يظهر إال مع الق ‪CC C C‬رن‬
‫الس ‪CC C C C C‬ابع عشر‪ .‬إن باش ‪CC C C C C‬الر يضع هنا « تق ‪CC C C C C‬ابال يف املعرفة بني معرفة عامة ومعرفة علمي‪CC C C C‬ة‪،‬‬
‫تتعارض‪CC C‬ان من حيث خصائص‪CC C‬هما األساس‪CC C‬ية‪ C‬حيث تش‪CC C‬وب األوىل أع‪CC C‬راض الص‪CC C‬ور واملي‪CC C‬ول‪C‬‬
‫العقيدية‪ C‬واألحك‪CC C C C C C C‬ام املس‪CC C C C C C C‬بقة واإلس‪CC C C C C C C‬قاطات‪ C‬الذاتية بينما تتجه الثانية حنو التجريد املنطقي‬
‫والرياضي والعقالين»‪ 1‬وانطالقا من ذلك يس‪CC‬تخلص درسا ابس‪CC‬تمولوجيا م‪CC‬ؤاداه أن بني ه‪CC‬ذين‬
‫النمطني من التفكري قطيعة إبستمولوجية شاملة متتد من املنهج إىل التصورات واملفاهيم‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬القطيعة بني الفكر العلمي والفكر العلمي اجلديد‬


‫أما‪ ‬املس‪CC‬توى‪ C‬الث‪CC‬اين للقطيعة فيك‪CC‬ون بني فرض‪CC‬يتني علميي‪CC‬تني أو‪ ‬بني نس‪CC‬قني علم‪CC‬يني‪  .‬وهي‬
‫قطيعة ال تصل إىل‪ ‬حد االنفص ‪CC C C‬ال الت ‪CC C C‬ام والكلي‪ .‬ألن الفرض ‪CC C C‬ية العلمية‪  ‬اجلدي ‪CC C C‬دة‪  ‬ت ‪CC C‬دحض‬
‫وتفند‪  ‬الفرضية العلمية الس‪C‬ابقة عنه‪C‬ا‪ ،‬وتث‪C‬ور‪ ‬قيم جدي‪C‬دة‪  ‬على القيم الس‪C‬ابقة وتتح‪C‬ول مبوجبه‬
‫املعرفة القدمية إىل حالة تتكامل مع املعرفة اجلدي‪CC‬دة رغم نفي األخ‪CC‬رية هلا « فاملعرفة اجلدي‪CC‬دة مل‬
‫ت ‪CC‬أت إض ‪CC‬افة معرفية تراكمية إىل املعرفة القدمية‪ ،‬بل بقطيعة معرفية ح ‪CC‬ولت الق ‪CC‬دمي ال ‪CC‬ذي ك ‪CC‬ان‬
‫ويص‪CC C C C C C‬بح العلم اجلديد يتض‪CC C C C C C‬من العلم‬ ‫‪2‬‬
‫»‬ ‫عاما إىل حالة خاصة تتكامل مع احلالة اجلدي‪CC C C C C C‬دة‬
‫السابق عنه ألنه أوسع وأمشل‪  ‬ولذلك ميكن وصفها بأهنا قطيعة احتواء وتضمن‪.‬‬
‫‪    ‬ففي الرياض‪CC C C C C C C C‬يات مثال‪ ،‬بني اهلندسة اإلقليدية واهلندسة الالإقليدية قطيعة تض ‪CC C C C C‬من‬
‫واحت‪CC C C C C‬واء ألن « اهلندسة االقليدية ج‪CC C C C C‬زء من اهلندسة الال اقليدية ‪ .‬فقبل اهلندسة الال اقليدية‬
‫ك‪CC C‬ان الفكر العلمي أم‪CC C‬ام نسق واح‪CC C‬د‪ ،‬ومع مص‪CC C‬ادرات رميان ولوباتشوفس‪CC C‬كي أص‪CC C‬بح العقل‬

‫بناصر البعزايت‪ ،‬خصوبة املفاهيم يف بناء املعرفة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪93‬‬ ‫‪1‬‬

‫كرمي موسى‪ ،‬فلسفة‪ C‬العلم من العقالنية إىل الال عقالنية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪203‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪114‬‬
‫البشري أمام ثالثة أنس‪CC‬اق‪ ،‬أم‪C‬ام ثالثة أمكن‪C‬ة‪ C،‬وهو انتق‪C‬ال من فكر إىل فكر آخر أوسع وأمشل‬
‫»‪ 1‬وعليه أص‪CC C C‬بحت‪  ‬هندسة إقلي‪CC C C‬دس ج‪CC C C‬زء من‪  ‬هندسة رميان ولوبانشوفس‪CC C C‬كي‪ .C‬درس آخر‬
‫لقطيعة االحتواء االبستمولوجية‪ C‬يظهر مع العالقة‪  ‬بني ميكانيكا‪ C‬نيوتن من جهة‪  ‬وميكانيكا‪ C‬‬
‫بالنك وهيزن ‪CC C C‬ربغ ودي ‪CC C C‬راك‪  ‬من جه ‪CC C C‬ة‪ ،‬ألن‪  ‬كل‪  ‬ميكانيكا‪ C‬هنا هي‪  ‬علم ‪ ،‬والعلم اجلديد‪ ‬‬
‫يتض ‪CC‬من العلم‪  ‬الس ‪CC‬ابق لكن مع‪ ‬إع ‪CC‬ادة الس ‪CC‬بك‪ .‬تلك هي‪  ‬تص ‪CC‬نيفات باش ‪CC‬الر‪  ‬ملفه ‪CC‬وم القطيعة‬
‫االبس‪CC‬تمولوجية‪  C‬مبظهريها‪  ‬األول والث‪CC‬اين‪ ،‬وذلك بعد عملية‪  ‬اس‪CC‬قرائية لت‪CC‬اريخ العل‪CC‬وم‪  ‬احلديثة‬
‫واملعاصرة‪.‬‬
‫‪ /3‬جدل املعرفة يف الفكر العلمي اجلديد‬
‫إن الفكر العلمي اجلديد فلس‪CC C C C C‬فة مفتوح‪CC C C C C‬ة‪ ،‬تق‪CC C C C C‬وم على جتديل خمتلف أط‪CC C C C C‬راف النظرية‬
‫العلمية ومفاهيمها إذ « يت‪CC C C C C C‬وجب احلذر دائما من مفه‪CC C C C C C‬وم مل نتمكن بعد من جعله مفهوما‬
‫ج‪CC C C C‬دليا »‪ .2‬ومفه‪CC C C C‬وم‪ C‬اجلدل املع‪CC C C C‬ريف يف فلس‪CC C C C‬فة الفكر العلمي اجلديد‪ ،‬يختلف عن املفه‪CC C C‬وم‪C‬‬
‫التقلي ‪CC‬دي للج ‪CC‬دل ال ‪CC‬ذي ع ‪CC‬ربت عنه الفلس ‪CC‬فات التقليدي ‪CC‬ة‪ ،‬وذلك لتميّ ‪C‬ز اجلدل العلمي املعاصر‬
‫عن أمناط اجلدل الفلسفي« إن فلس‪CC C C C C C C C C C C C‬فة الال ال عالقة هلا أصال جبدلية قبلية مس ‪CC C C C C C C C C C‬بقة »‪.3‬‬
‫فاجلدليات الفلس‪CC‬فية كجدلية هيغل مثال‪ ،‬بن‪CC‬اء ت‪CC‬أملي قبلي جمرد‪ ،‬أو بن‪CC‬اء تركييب مغلق له نقطة‬
‫حمددة ينتهي‪ C‬إليها‪ .‬فهو يق‪CC C C C C‬وم على أطروح‪CC C C C C‬ات ثالث‪ ،‬األطروحة الثانية تن‪CC C C C C‬اقض األطروحة‬
‫األوىل‪ ،‬واألطروحة الثالثة‪ C‬تؤلف بينهما عن‪CC C C‬دما يبلغ التن‪CC C C‬اقض م‪CC C C‬داه‪ .‬وعليه ال ميكن تأس ‪CC C‬يس‬
‫عالقة بني ج ‪CC C‬دل العل ‪CC C‬وم الفيزيائية‪ C‬املعاص ‪CC C‬رة واجلدل اهليغلي ال ‪CC C‬ذي ال يعرب عن الواقع ال ‪CC C‬ذي‬
‫ي‪CC C C‬دعي متثيله « إن جدلية النفي‪ C‬ه‪CC C C‬ذه اليت تتكامل فيها املتناقض‪CC C C‬ات مش‪CC C C‬تقة من املس ‪CC C‬رية‪ C‬اليت‬
‫ينهجها العقل يف معرفة الطبيع‪CC C C‬ة‪ ،‬وال‪CC C C‬ذي تَوصل إىل أن املف‪CC C C‬اهيم الفيزيائية‪ C‬األص‪CC C C‬لية يف ع ‪CC C‬امل‬

‫س‪CC‬اهل‪ ،‬ب‪CC‬وعزة‪ ،‬علم اهلندسة بني العلم‪CC‬اء والفالس‪CC‬فة من مرحلة التأس‪CC‬يس إىل ما بعد األزم‪CC‬ة‪ ،‬دار الق‪CC‬رويني‪ ،‬ال‪CC‬دار‬ ‫‪1‬‬

‫البيضاء املغرب‪ ،‬ط‪ ،2002 ،1‬ص ‪81‬‬


‫فلسفة‪ C‬الرفض‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪152 ،151‬‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪La philosophie du non, op cit p 126‬‬
‫‪115‬‬
‫الطبيعة‪ C‬تتن‪CC C C‬اقض‪ C‬وتتكام‪CC C C‬ل‪ ،‬وال تنص‪CC C C‬هر يف توليف أرقى كما ذهب إىل ذلك اجلدل اهليغيلي‬
‫‪1‬‬
‫الذي وصفه باشالر بالقبلي اجلامد »‬

‫فاجلدل الباش ‪CC‬الري « يس ‪CC‬تمده من ال ‪CC‬دروس اليت ميكن أن نتلقاها حني نك ‪CC‬ون على يقظة‬
‫فلس ‪CC C‬فة إزاء معطي‪CC C C‬ات الفكر العلمي املعاصر »‪ 2‬وهو يتح ‪CC C‬رك على إيق ‪CC C‬اع ع‪CC C C‬ائق‪ -‬قطيع ‪CC C‬ة‪،‬‬
‫ول‪CC‬ذلك ميكن ‪C‬ه أن يتوقف نتيجة اع‪CC‬رتاض‪ C‬ع‪CC‬ائق‪ ،‬وميكن له أن يص‪CC‬حح طريقه انطالًقا من الّنظر‬
‫إىل الوراء‪.‬‬
‫ويثمن باش‪CC‬الر منظ‪CC‬ور بيالوبزبس‪CC‬كي‪ )Bialobzebski ( ‬للج‪CC‬دل ففي نظ‪CC‬ره « جدلية‬
‫العلم املعاصر تتم‪CC C C C‬يز بوض‪CC C C C‬وح عن اجلدليات الفلس‪CC C C C‬فية ألهنا ليست بناءا قبليا وألهنا تعرب عن‬
‫املس‪CC‬ار ال‪CC‬ذي س‪CC‬لكه الفكر يف معرفته للطبيع‪CC‬ة‪ .‬يف الفيزياء‪ ،‬املفهوم‪CC‬ان املتح‪CC‬دان ليسا متناقضني‬
‫كما هو احلال عند هيغ‪CC C C C C C C C C C C C C‬ل‪ ،‬بل األطروحة ونفيها متك‪CC C C C C C C C C C C C C‬امالن‪ 3» C‬إن األطروحة ونفيها‬
‫متك‪CC C C C C C‬امالن‪ C‬يف ه‪CC C C C C C‬ذا اجلدل‪ ،‬ألن نفي األطروحة ليس نقضا هلا‪ .‬مبعىن أن اجلدل يف العلم هو‬
‫التكامل‪ ،‬وهو درس مستخلص من الفيزياء املعاصرة ‪.‬‬
‫إن القطيعة االبس‪CC C‬تمولوجية‪ C‬كفعل مع‪CC C‬ريف تنسج خيوطها بتبين جدلية علمية « ونعتقد‬
‫من جانبنا أن اجلدلية ص‪CC C C C‬ارت من اآلن فص‪CC C C C‬اعدا مترينا روحيا ال مفر منه »‪ 4‬فاجلدلية العلمية‬
‫هي اليت مكنت‪ C‬الع‪CC‬امل من جتس‪CC‬يد فعل القطيعة االبس‪CC‬تمولوجية‪ .‬وفلس‪CC‬فة ال‪CC‬رفض غ‪CC‬دت فلس‪CC‬فة‬
‫جتديلية مفتوحة حبكم تبنيها اجلدلية احلركي ‪CC‬ة‪ .‬والنتيجة اليت يقررها باش ‪CC‬الر أن االنتق ‪CC‬ال ال ‪CC‬ذي‬
‫كرمي موسى‪ ،‬فلسفة‪ C‬العلم من العقالنية إىل الال عقالنية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪204‬‬ ‫‪1‬‬

‫حممد‪ ،‬وقيدي‪ ،‬فلسفة املعرفة عند غاستون باشالر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪147‬‬ ‫‪2‬‬

‫بيالبزبس ‪CC C‬كي ‪ ،Czeslaw Bialobrzeski) ، (1878-1953‬فيزي‪CC C‬ائي بول ‪CC C‬وين‪ ،‬اش‪CC C‬تغل مبخرب الفيزياء‬ ‫‪‬‬

‫بب‪CC C‬اريس‪ ،‬ت‪CC C‬رأس اهليئة الدولية للفيزي‪CC C‬ائيني س‪CC C‬نة ‪ .1938‬عضو األكادميية البولونية للعل‪CC C‬وم‪.‬من مؤلفات‪CC C‬ه‪ :‬ميكانيكا‬
‫الكوانتا‪ ،‬الديناميكا احلرارية النجوم‪ ،‬النظريات اجلديدة يف الفيزيا الذي ألفه مبعية نيلز بور وآخرون‬
‫‪3‬‬
‫‪La philosophie du non, Op.cit. p: 126‬‬
‫فلسفة‪ C‬الرفض‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.117‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪116‬‬
‫ح‪CC C C C C‬دث من العقالنية الكالس‪CC C C C C‬يكية‪ ،‬عقالنية‪ C‬الفكر العلمي‪ ،‬إىل العقالنية‪ C‬املعاص‪CC C C C C‬رة‪ ،‬عقالنية‪C‬‬
‫الفكر العلمي اجلديد متت باجلدلية العلمية املفتوحة‪ C‬وليس باجلدل الفلس‪CC C C C C C‬في القبلي املغل ‪CC C C C‬ق‪.‬‬
‫ل‪CC C‬ذلك تبقى‪ C‬اجلدلية العلمية هي الص‪CC C‬فة اجملددة للمعرفة‪ .‬ويس‪CC C‬عى باش‪CC C‬الر كي « يس‪CC C‬تفيد من‬
‫ه ‪CC C‬ذا ال ‪CC C‬درس للتح ‪CC C‬دث عن ع ‪CC C‬دد من أن ‪CC C‬واع‪ C‬اجلدل يف الفكر العلمي املعاصر ‪ :‬التكامل بني‬
‫االجتاه العقالين واالجتاه‪ C‬التجري ‪CC C C C C C‬يب‪ ،‬التكامل بني القبلي والبع‪CC C C C C C C‬دي‪ ،‬التكامل بني احملس‪CC C C C C‬وس‬
‫واجملرد‪ ،‬التكامل بني الع‪CC‬امل الرياضي والع‪CC‬امل التجرييب »‪ 1‬ألنه يض‪CC‬في منط ‪C‬ا كيفي ‪C‬ا على الّتط‪CC‬ور‬
‫ال‪CC C C C C C‬ذي تعرفه النظرية العلمية اليت حتافظ على قابليتها ملس‪CC C C C C C‬ايرة الواقع املتغري حبيويتها‪ C‬وحتققها‬
‫والعقل يقود املخطط العام للفكر العلمي‪.‬‬
‫ويصف باش‪CC‬الر اجلدل العلمي بأنه تعميم ( التعميم اجلديل) وهو مص‪CC‬طلح يس‪CC‬تخدمه‬
‫للتعبري عن فلس‪CC C C C‬فة "الال" ويعين به احتض‪CC C C C‬ان اجلديد للق‪CC C C C‬دمي ويضم إليه ما ينفيه‪ « C‬إن جدلية‬
‫النفي‪ C‬ل ‪CC‬دى باش ‪CC‬الر جوهرها رفض الق ‪CC‬دمي واالنفص ‪CC‬ال عن ‪CC‬ه‪ ،‬ولكنها ت ‪CC‬رمي إىل التعميم وليس‬
‫إىل التخطي الت‪CC C C C‬ام عن كل م‪CC C C C‬اهو ق‪CC C C C‬دمي »‪ 2‬ومث‪CC C C C‬ال ذلك أن اهلندسة الال إقليدية احتض‪CC C C‬نت‪C‬‬
‫اهلندسة اإلقليدية والكيمياء الال‪-‬لفوازيه ض ‪CC C‬مت إليها الكيمياء الكالس‪CC C‬يكية‪ C،‬وامليكانيك الال‬
‫نيوتونية احتضنت امليكانيك‪ C‬النيوتونية‪ C.‬وما يثبت هذه اخلصوصية يف الفيزياء مثال‪ ،‬إذا أعطينا‬
‫لث‪CC‬ابت بالنك "‪ "h‬القيمة ص‪CC‬فر(‪ )0‬في ص‪CC‬يغ امليكانيك املوجية فسنحصل على ص‪CC‬يغ امليكانيك‪C‬‬
‫الكالس‪CC C‬يكية جمددا‪ .‬األمر نفسه ينطبق على املنطق الال أرس‪CC C‬طي‪ ،‬إذ يكفي‪ C‬أن حنذف مس‪CC C‬لمة‬
‫هيزنربغ لنجد أنفسنا أمام منطق ثن‪CC‬ائي القيم‪CC‬ة‪ .‬ويف فضاء فيزي‪C‬ائي كالس‪CC‬يكي‪ C‬ك‪C‬ذلك « ميكن‬
‫أن ن‪CC C C‬درك بس ‪CC C‬هولة االحنالل ال‪CC C C‬ذي يق ‪CC C‬ود املنطق الثالثي القيم إىل املنطق األرس ‪CC C‬طي الثن ‪CC C‬ائي‪C‬‬
‫القيم‪CC‬ة‪ .‬فيكفي ح‪CC‬ذف مص‪CC‬ادرة ه‪CC‬ايزنربغ لكي نقع جمددا يف الفيزياء الكالس‪CC‬يكية‪ C‬ويف املنطق‬
‫األرسطوطاليس ‪CC C‬ي‪ C،‬ويكفي رياض ‪CC C‬يا اعتب ‪CC C‬ار ثابتة بالنك (‪ )h‬بأهنا ثابتة عادمة حىت منحو كل‬

‫حممد وقيدي‪ ،‬فلسفة املعرفة عند غاستون باشالر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪149‬‬ ‫‪1‬‬

‫كرمي موسى‪ ،‬فلسفة‪ C‬العلم من العقالنية إىل الال عقالنية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪201‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪117‬‬
‫البناء الرياضي من املواجهة الثاني ‪CC C C C‬ة‪ ،‬وكل علم ج ‪CC C C C‬واهر امليكروفيزيا‪C‬ء‪ .‬وهبذه الطريقة نع ‪CC C C‬اود‬
‫الفيزياء واملنطق الع ‪CC C‬اديني»‪ 1‬ويت ‪CC C‬بني لنا أن التعميم اجلديل ب ‪CC C‬املفهوم الباش ‪CC C‬الري‪ ،‬هو التوس‪CC C‬يع‬
‫واالمت‪CC‬داد‪ ،‬الش‪CC‬مول واالحت‪CC‬وا‪C‬ء‪ ،‬وانتق‪CC‬ال من معرفة تق‪CC‬ريب درجة أوىل إىل معرفة تق‪CC‬ريب من‬
‫الدرجة الثاني ‪CC‬ة‪ .‬ل ‪CC‬ذلك هو يعرب عن مظ ‪CC‬اهر التجدي ‪CC‬د‪ ،‬اليت ص ‪CC‬احبت الفكر العلمي اجلديد يف‬
‫العلوم الرياضية واملنطقية‪ C‬والفيزيائية‪C-‬الكيميائية‪C.‬‬
‫كما تتم‪CC C‬يز التعميم‪CC C‬ات اجلدلية مبجاالهتا املختلفة ( منط‪CC C‬ق‪ ،‬رياض‪CC C‬يات‪ ،‬فيزياء وكيمياء)‬
‫ألهنا مس‪CC C‬تقلة يف نش‪CC C‬أهتا‪ ،‬ولكن ه‪CC C‬ذا ال مينع من احتادها ثالثا ثالثا كما ي‪CC C‬رى باش‪CC C‬الر‪ .‬فمثال‬
‫ميكانيك‪ C‬ني ‪CC C C‬وتن تأسست على منطق أرس ‪CC C C‬طي‪ ،‬وفضاء هندسي إقلي ‪CC C C‬دي‪ ،‬يف حني امليكانيك‪C‬‬
‫الال نيوتونية تبنت‪ C‬منطق ال أرس‪CC C C C C C C C C‬طي وهندسة ال إقليدي‪CC C C C C C C C C‬ة‪ .‬مبعىن التعميم اجلديل ينتقل من‬
‫املس ‪CC‬توى‪ C‬األول املتمثل يف التوس ‪CC‬يع واالحت ‪CC‬وا‪C‬ء‪ ،‬إىل املس ‪CC‬توى الث ‪CC‬اين وهو التنس ‪CC‬يق بني جماالت‬
‫ثالثة خمتلفة مس ‪CC C C C‬تقلة يف البدء عن بعض ‪CC C C C‬ها‪ ،‬فال بد من ال ‪CC C C C‬دخول « كليا يف منظومة ثالثية‬
‫جدي ‪CC C C‬دة‪ ،‬والبد من جتميع نظ ‪CC C C‬ام ثالثي‪ C‬ح ‪CC C C‬ول كل جدلي ‪CC C C‬ة‪ ،‬مهما يكن اجملال املض‪CC C C‬طرب يف‬
‫بدايت ‪CC‬ه‪ ،‬عندئذ س ‪CC‬يعود العقل إىل وظيفته‪ C‬التحويلي ‪CC‬ة‪ ،‬وس ‪CC‬يفيد‪ ،‬يف حتول ‪CC‬ه‪ ،‬من كل التح ‪CC‬والت‪.‬‬
‫فهو س‪CC‬يدرك العلم املعاصر وهو ي‪CC‬دعوه إىل فكر جديد إمنا يكس‪CC‬به منوذجا متثيليا جدي‪CC‬دا‪ ،‬إذن‬
‫يكس‪CC‬به عاملا جدي‪CC‬دا »‪ 2‬فهو ينسق بني املنطق وامليكانيك واهلندس‪CC‬ة‪ .‬وينشأ‪ C‬مبا أمساه باش‪CC‬الر "‬
‫اليت تعرب عن انتقال من إمكان‪ C‬واحد إىل أكثر‬ ‫" ‪"les système ternaires‬‬ ‫األنساق الثالثية‪C‬‬
‫من إمكان‪ .C‬إن الروح العلمية اجلديدة تفرض علينا‪ ،‬أن نعيش الواقع اجلديد ال‪CC‬ذي أف‪CC‬رزه العلم‬
‫املعاصر ويت ‪CC‬وجب على الفيلس ‪CC‬وف أن يس ‪CC‬توعب ال ‪CC‬درس جي ‪CC‬دا « ان ه ‪CC‬ذا االتس ‪CC‬اق ينبغي‪ C‬أن‬
‫يعيشه الفيلس‪CC C C C C C‬وف يف مقامه املناس‪CC C C C C C‬ب‪ C،‬إنه ال جيري بص‪CC C C C C C‬فة آلية وال يتحقق بس‪CC C C C C C‬هولة‪ ،‬إن‬
‫الفيلسوف الذي يريد أن يتعلم الف‪C‬وق‪ C-‬عقالنية ال ينبغي‪ C‬له أن يس‪C‬تقر دفعة واح‪C‬دة يف الف‪CC‬وق‬

‫غاستون باشالر‪ ،‬فلسفة الرفض‪ ،‬مصدر‪ C‬سابق‪ ،‬ص ‪142‬‬ ‫‪1‬‬

‫املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪137‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪118‬‬
‫– عقالنية‪ : C‬فيلزمه أن جيرب انفتاح ‪CC C C C C C C C‬ات العقالنية‪ C‬الواح ‪CC C C C C C C C‬دة تلو األخ ‪CC C C C C C C C‬رى ويبحث عن‬
‫فبديهية واح‪CC‬دة جم ّدلة تكفي إلجب‪CC‬ار الطبيعة‪ C‬كلها‬ ‫الب‪CC‬ديهيات‪ C‬اليت جي ّدهلا واح‪CC‬دة واح‪CC‬دة ‪.‬‬
‫على الكشف عن أسرارها»‪. 1‬‬
‫وي‪CC‬رى باش‪CC‬الر أن الفكر العلمي اجلديد حل حمل الفكر العلمي‪ ،‬والفوعقالنية‪ C‬حمل‬
‫العقالنية الكالس‪CC C‬يكية‪ C،‬وت‪CC C‬رتب عن ذلك ظه‪CC C‬ور أنس‪CC C‬اق ثالثية جدي‪CC C‬دة منه‪CC C‬ا‪ ،‬نسق مجع بني‬
‫هندسة رميان وميكانيك‪ C‬آينش‪CC C C C C C‬تاين واملنطق الال أرس‪CC C C C C C‬طي‪ ،‬ونسق آخر مجع بني رياض‪CC C C C‬يات‬
‫ش‪CC‬رودجنر وفيزياء هيزن‪CC‬ربغ ومنطق فيف‪CC‬ريي‪ .‬ويت‪CC‬بني لنا أن الفكر العلمي اجلديد فلس‪CC‬فة نش‪CC‬اط‬
‫موضوعاته‪.‬‬ ‫وعمل دائم‪ ،‬لذا جيب على الفيلسوف أن يعانيها مثلما يفعل العامل مع‬
‫لكن ما هي أهم اجلدليات اليت ق‪CC‬امت داخل النظرية العلمي‪CC‬ة؟ وكيف حققت التكامل‬
‫رغم تناقضها الظاهري؟‬
‫‪ ‬جتديل مسلمة معينة للتأليف بني نظريتني متعارضتني‬

‫يتح‪C‬دث باش‪C‬الر عن أحباث ديت‪C‬وش ح‪C‬ول الفيزياء النظرية ونظرية بوانك‪C‬اري يف املالئم‪C‬ة‪.‬‬
‫فيع ‪CC‬رض لنظرية ديت ‪CC‬وش ق ‪CC‬ائال « إذا أنش ‪CC‬أنا نظري ‪CC‬تني فيزي ‪CC‬ائيتني‪ ،‬فبإمكاننا إنشاء نظرية واح ‪CC‬دة‬
‫تض‪CC C‬مهما أو توحد بينهما»‪ .2‬وبالنس ‪CC C‬بة إىل" ديت ‪CC C‬وش" هنا النظري ‪CC C‬ات متج ‪CC C‬اورة لكنها ليست‬
‫متطابق ‪CC C C C C C‬ة‪ ،‬فهي تظهر للوهلة األوىل متعارضة وبعد ذلك تتماسك وتتناسق أو تتوح ‪CC C C C‬د‪ .‬أما‬
‫بوانك‪CC‬اري فإنه ي‪CC‬ربهن على القاع‪CC‬دة التالي‪CC‬ة‪ « C:‬إذا تض‪CC‬منت ظ‪CC‬اهرة ما تفس‪CC‬ريا ميكانيكيا تام‪CC‬ا‪،‬‬
‫فإهنا تتض‪CC C C C C‬من ع‪CC C C C C‬ددا ال هنائيا من التفس‪CC C C C C‬ريات اليت ختربنا هي أيضا عن كل اخلص‪CC C C C C‬ائص‪ C‬اليت‬
‫تكشف عنها التجربة»‪ 3‬إن برهنة بوانك‪CC‬اري‪ C‬تنشئ قاموسا يس‪CC‬مح لنا باالنتق‪CC‬ال من عب‪CC‬ارة إىل‬
‫أخرى‪ ،‬ونستطيع أن خنتار التفسري امليكانيكي‪ C‬الذي يبدوا لنا مالئما‪.‬‬
‫ويس‪CC‬تنتج باش ‪CC‬الر من املث ‪CC‬الني الس‪CC‬ابقني‪ :‬أن كلتا العب‪CC‬ارتني تتعلق باملعرفة وطريقة التعبري‬
‫‪1‬‬
‫‪La philosophie du non, Op.cit. p: 138‬‬
‫‪2‬‬
‫‪La philosophie du non, Op.cit p: 130‬‬
‫فلسفة‪ C‬الرفض‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪160 ،159‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪119‬‬
‫عنه‪CC‬ا‪ .‬وإذا ك‪CC‬ان بوانك‪CC‬اري‪ C‬يعترب موض‪CC‬وع املعرفة واح‪CC‬دا وثابتا ال يتح‪CC‬رك وال يتغ‪CC‬ري‪ ،‬ب‪CC‬الرغم‬
‫من تع‪CC C‬دد كيفي ‪CC‬ات التعبري عن ‪CC‬ه‪ ،‬وه‪CC C‬ذا يعي‪CC C‬دنا القهق ‪CC‬رى إىل مرحلة الفكر العلمي‪ ،‬ف ‪CC‬إن األمر‬
‫خيتلف مع "ديت‪CC C‬وش" إن موض‪CC C‬وع املعرفة أش‪CC C‬ياء والش‪CC C‬يء يتع‪CC C‬دد‪ ،‬والعل‪CC C‬وم املعاص‪CC C‬رة تريد أن‬
‫تع ‪CC‬رف الظ ‪CC‬واهر ال األش ‪CC‬ياء‪ ،‬فهي ليست ش ‪CC‬يئية على اإلطالق وال بد للمنطق أن يتح ‪CC‬ول وال‬
‫يبقى‪ C‬أسري الش‪CC C C C C‬يئية وعليه أن ي‪CC C C C C‬دمج األش‪CC C C C C‬ياء يف حركة الظ‪CC C C C C‬اهرة‪ ،‬أي تعقل املوض ‪CC C C‬وعات‬
‫متحركة‪.‬‬
‫ولذلك يبحث ديدوش يف شروط التماسك املنطقي بني النظري‪C‬ات املختلفة اليت تعرب‬
‫عن وج‪CC C C C‬ود تعددية عقلية وإمكان‪CC C C C‬ات‪ C‬خمتلف‪CC C C C‬ة‪ .‬ومع ذلك يؤكد على إمكانية حتقيق ربط بني‬
‫نظري ‪CC C C‬تني تب ‪CC C C‬دوان‪ C‬ص ‪CC C C‬حيحتني منطقيا يف ذاهتم ‪CC C C‬ا‪ ،‬مع أهنما متعارض ‪CC C C‬تان فيما بينهما لكن مع‬
‫تع ‪CC C‬ديل مس ‪CC C‬لمة حيسن إختياره ‪CC C‬ا‪ .‬ويس ‪CC C‬تخلص باش ‪CC C‬الر ق ‪CC C‬ائال‪ « :‬وبني ه ‪CC C‬ذا وذاك‪ ،‬ننتقل من‬
‫فلسفة كما لو إىل فلس‪CC‬فة الال‪ ،‬إننا ننتقل من ابس‪CC‬تمولوجيا اس‪CC‬تنتاجية حتليلية إىل ابس‪CC‬تمولوجيا‬
‫»‪.1‬‬ ‫استقرائية تركيبية‬
‫إن املقارنة الباش‪CC C‬الرية أس‪CC C‬فرت عن تبنيه لقاع‪CC C‬دة ديت‪CC C‬وش ب‪CC C‬الرغم من أهنا مزعجة‬
‫للفالسفة ويصفها باخليار املعق‪CC‬ول‪ ،‬ألهنا تعرب عن جتارب الفكر العلمي اجلديد‪ .‬وينطلق هبا يف‬
‫فضاء فلس‪CC C‬فة "الال" ويتخلى عن قاع‪CC C‬دة بوانك‪CC C‬اري‪ ،‬ألهنا من وحي العلم الكالس‪CC C‬يكي وتعرب‬
‫عن جتارب الفكر العلمي يف فيزياء نيوتن‪.‬‬
‫إن نظرية ديتوش تدعونا إىل مراجعة نظرتنا عن بنية العقل ومقوالته‪ C‬فمع « مصادرة‬
‫ديت‪CC‬وش النظرية يتك‪Cّ C‬ون ض‪CC‬مان روحي خمتلف متام‪CC‬ا‪ .‬فالنظري‪CC‬ات هنا غري مرتاكب‪CC‬ة‪ C،‬بل متواجهة‬
‫فهي للوهلة األوىل متعاكسة ومتناس‪CC‬قة من ج‪CC‬راء نش‪CC‬اط فلس‪CC‬فة ال‪CC‬رفض»‪ 2‬فهن‪CC‬اك واقع علمي‬
‫جديد ال ميكن جتاهل‪CC C‬ه‪ ،‬إنه ع‪CC C‬امل امليكروفيزياء حيث تعجز الفيزياء الكالس‪CC C‬يكية عن اإلجابة‬
‫على املش‪C‬كالت‪ C‬اجلدي‪C‬دة املطروح‪C‬ة‪ .‬ولنأخذ على س‪CC‬بيل املث‪CC‬ال النظري‪C‬تني اجلس‪C‬يمية واملوجية‪ C‬يف‬

‫‪1‬‬
‫‪La philosophie du non, Op.cit .p, 131‬‬
‫فلسفة‪ C‬الرفض‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪160‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪120‬‬
‫الضوء‪ ،‬حيث هتدف الفيزياء الرياض‪CC C C‬ية املعاص‪CC C C‬رة وفقا لفلس‪CC C C‬فة الال إىل مالمحة النظري ‪CC C‬تني يف‬
‫تطبيقاهتا الدقيق ‪CC C C C C C C‬ة‪ .‬لكن التوحيد بينها ال يتم إال إذا غرينا طرائق االس ‪CC C C C C C C‬تدالل اليت كنا‬
‫نس‪CC C C C‬تدل هبا « لكي حتصل املعرفة على كل فعاليته‪CC C C C‬ا‪ ،‬يتحتم اآلن على الفكر أن يتح‪CC C C‬ول يف‬
‫جذوره ليس‪CC‬تطيع التمثل يف براعمه »‪ 1‬فوح‪C‬دة حي‪CC‬اة الفكر تقتضي حتوال يف حي‪CC‬اة الفكر وه‪CC‬ذا‬
‫كله ال يكتسب‪ C‬إال يف فضاء البحث العلمي‪.‬‬
‫وللت ‪CC‬دليل على بنية وتط ‪CC‬ور الفكر يعتمد باش ‪CC‬الر على فك ‪CC‬رة ديت ‪CC‬وش ح ‪CC‬ول تط ‪CC‬ور‬
‫احلساب وفحواها أنه إذا تطور احلساب مستقبال‪ C،‬وتبني تناقض‪CC‬ه‪ ،‬ينبغي‪ C‬أن نك‪ّ C‬ذب العقل حملو‬
‫التن ‪CC‬اقض وحنتفظ باحلس ‪CC‬اب ونتائج ‪CC‬ه‪ ،‬رغم التن ‪CC‬اقض‪ C‬ال ‪CC‬ذي يب ‪CC‬دوا علي ‪CC‬ه‪ .‬وهي فك ‪CC‬رة جريئة ال‬
‫يتقبلها عقل العلم الكالسيكي‪ ،‬لكنها من صميم العقل العلمي اجلديد‪ .‬وهبذه الفكرة اجلديدة‬
‫ط ‪CC‬رحت مش ‪CC‬كلة تأس ‪CC‬يس الال‪ -‬حس ‪CC‬اب (حس ‪CC‬اب أمشل يضم إليه املذهب الق ‪CC‬دمي ) ال ‪CC‬ذي هو‬
‫امت‪CC C‬داد ج ‪CC‬ديل لفك ‪CC‬رة الع ‪CC‬دد « إن احلس‪CC C‬اب مل يتأسس‪ C‬على العقل فم ‪CC‬ذهب العقل هو ال ‪CC‬ذي‬
‫ض‪C C‬ل‪ ،‬فقبل أن أُحسن الع ‪ّ C C‬د‪ ،‬مل أكن‬ ‫ض‪C C‬ل وأ ّ‬‫تأسس على احلس ‪CC‬اب البس ‪CC‬يط فتحجر وحج ‪CC‬ر‪ّ ،‬‬
‫أع ‪CC‬رف إطالقا م ‪CC‬اهو العق ‪CC‬ل‪ .‬فعلى العم ‪CC‬وم‪ ،‬جيب على العقل أن خيضع لش ‪CC‬روط املعرف ‪CC‬ة‪ ،‬جيب‬
‫عليه أن ينشئ يف ذاته بنية موازية لبنية املعرفة »‪ 2‬واملعىن املس‪CC C C C C‬تفاد هنا أن فك‪CC C C C C‬رة الش‪CC C C C‬مولية‬
‫احلاض ‪CC C‬نة‪ ،‬والتعميم اجلديل وفك ‪CC C‬رة القطيعة قيم س ‪CC C‬يطرت على باش ‪CC C‬الر وجعلته يقتنع مبا قدمه‬
‫ديتوش‪.‬‬
‫وكخالصة هلذا الفصل ميكن الق‪CC C C C C C‬ول أن الفكر العلمي اجلديد عند غاس‪CC C C C C C‬تون‪ C‬باش ‪CC C C C‬الر‬
‫يتأسس‪ C‬على خصائص مبتكرة هي ‪ - :‬أساسه الفلسفة املتحاورة واجلهويات العلمية‪.‬‬
‫‪ -‬عقالنية‪ C‬تطبيقية وجدلية منفتحة بني الرياضيات والفيزياء‪.‬‬
‫‪ -‬العقل ليس بنية ثابتة ومطلقة بل هو مثرة للتطور العلمي‪.‬‬
‫‪ -‬ال يوجد منهج ش ‪CC C C‬امل للمعرفة وإمنا يتم خلقه بطريقة جزئية من داخل العمل العلمي‬
‫ذاته‪.‬‬
‫‪ -‬االبستيمولوجيا هي دراسة نقدية لتكون املفاهيم العلمية‪ ،‬وحبث يف العمل العلمي من‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid, p: 133‬‬
‫‪2‬‬
‫‪La philosophie du non, Op.cit .p, 133‬‬
‫‪121‬‬
‫داخله أي التخلص من العوائق وتثمني املكاسب من القطائع والثورات‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬إبستمولوجيا التواصل يف الفكر العلمي اجلديد‬


‫املبحث األول ‪ :‬االبستمولوجيا السريية‪ ..‬مهامها وأهدافها‬
‫املبحث الثانـي ‪ :‬خصائص العقل العلمي اجلديد عند ميشال سري‬

‫‪122‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬االبستمولوجيا‪ C‬السريية‪ ..‬مهامها وأهدافها‪C‬‬
‫‪ /1‬فلسفة ميشال سري وعوامل نشأهتا‬
‫ح ‪CC‬ري بن ‪CC‬ا قب ‪CC‬ل أن نلج يف املش ‪CC‬روع االبس ‪CC‬تمولوجي الس ‪CC‬ريي أن نس ‪CC‬تهل احلديث ح ‪CC‬ول‬
‫الفيلسوف ذاته‪ ،‬هدفنا من ذلك رصد للمقدمات العلمية والفلسفية اليت شكلت فلسفته‪.‬‬
‫ميش‪C C‬ال س ‪CC‬ري‪ ،‬فيلس ‪CC‬وف وم ‪CC‬ؤرخ عل ‪CC‬وم فرنس ‪CC‬ي‪ ،‬ول ‪CC‬د ع ‪CC‬ام ‪ 1930‬يف مدين ‪CC‬ة آجن‬
‫بفرنس ‪CC‬ا التح ‪CC‬ق بكلي ‪CC‬ة البحري ‪CC‬ة مث دخ ‪CC‬ل كلي ‪CC‬ة الرتبي ‪CC‬ة أو دار املعلمني العلي ‪CC‬ا ( ش ‪CC‬ارع أومل) ‪،‬‬
‫وحصل منها على شهادة التأهيل يف الفلسفة عام ‪ .1955‬قدم أطروحة حول فلسفة اليبن‪CC‬تز‬
‫درس م‪CC‬ع ميش‪CC‬ال فوك‪CC‬و يف س‪CC‬تينيات الق‪CC‬رن‬
‫ن‪CC‬ال هبا درج‪CC‬ة ال‪CC‬دكتوراه ىف الفلس‪CC‬فة (‪َ . )1968‬‬
‫املاض ‪CC‬ي مث ش ‪CC‬غل الحق ‪CC‬ا كرس ‪CC‬ي أس ‪CC‬تاذ ت ‪CC‬اريخ العلم يف جامع ‪CC‬ة الس ‪CC‬وربون ‪ ،‬كم ‪CC‬ا حص ‪CC‬ل على‬
‫لقب األس ‪CC‬تاذية من جامع ‪CC‬ة س ‪CC‬تانفورد األمريكي‪C C‬ة‪ C‬من ‪CC‬ذ ع ‪CC‬ام ‪ .1984‬ومت انتخاب ‪CC‬ه لألكادميي ‪CC‬ة‬
‫الفرنسية عام ‪.1990‬‬
‫مؤلفات‪CC‬ه عدي‪CC‬دة فه‪CC‬و مل يتوق‪CC‬ف عن الكتاب‪CC‬ة بعد‪ .‬ومؤلفات‪CC‬ه‪ ،‬تغطي مجي‪CC‬ع ج‪CC‬وانب املعرف‪CC‬ة‪،‬‬
‫الدقيق‪CC‬ة واإلنس‪CC‬انية‪ C.‬وباإلض‪CC‬افة إىل مؤلفات‪CC‬ه الفلس‪CC‬فية‪ ،‬ل‪CC‬ه ك‪CC‬ذلك كتاب‪CC‬ات أدبي‪CC‬ة‪ ،‬وش‪CC‬ارك يف‬
‫إخراج قاموس العلوم ( ‪ ) Le Trésor‬مع مؤرخ العلوم‪ ،‬نائلة فاروقي‪ .‬والقاموس حيت‪CC‬وي‬
‫على ‪ 850‬مق‪CC‬االت عن العل‪CC‬وم الدقيق‪CC‬ة ‪ .‬وكتب أيض‪CC‬ا مق‪CC‬االت عن أوغس‪CC‬ت ك‪CC‬ونت‪ ،‬إمي‪CC‬ل‬
‫زوال ‪ ،‬وج ‪CC‬ول ف ‪CC‬رين ه ‪CC‬ريجي‪ .‬ويعت ‪CC‬رب ميش ‪CC‬ال س ‪CC‬ري فيلس ‪CC‬وف ص ‪CC‬عب املراس‪ ،‬فه ‪CC‬و ص ‪CC‬احب‬
‫اختصاص « علمي يف األصل مث أص‪C‬بحت فيلس‪CC‬وفا فيم‪C‬ا بع‪CC‬د ‪...‬تكوي‪C‬ين علمي وأديب يف نفس‬
‫الوقت »‪ 1‬ولذلك أعماله تستدعي‬

‫ميشيل سري وآخرون‪ ،‬مسارات فلسفية‪ ،‬تر‪ :‬حممد ميالد‪ ،‬دار احلوار للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬سوريا‪ ،2004 ،‬ص ‪138‬‬
‫‪1‬‬

‫‪123‬‬
‫جهدا ومشقة من قارئها ‪ .‬إنه يتجول ع‪CC‬رب الزم‪CC‬ان واملك‪CC‬ان‪ C،‬ويس‪C‬افر بني العل‪C‬وم واآلداب‪،‬‬
‫« الرياض‪CC‬يات والفيزي‪CC‬اء والبيولوجي‪CC‬ا والت‪CC‬اريخ واللغ‪CC‬ات ( الالتيني‪CC‬ة واليوناني‪CC‬ة) وعلم‬ ‫من‬
‫االجتم‪CC‬اع واألخالق والعل‪CC‬وم اإلنس‪CC‬انية‪ C‬وت‪CC‬اريخ األدي‪CC‬ان »‪ 1‬وانعكس‪CC‬ت ه‪CC‬ذه ال‪CC‬روح املوس‪CC‬وعية‬
‫على أس ‪CC‬لوبه يف الكتاب‪C C‬ة‪ ،‬فلغته رمزي ‪CC‬ة‪ ،‬وش ‪CC‬اعرية‪ .‬ورمبا يع ‪CC‬د ذل ‪CC‬ك من األس ‪CC‬باب ال ‪CC‬يت جعلت‬
‫الكث ‪CC C‬ري من كتب س ‪CC C‬ري غ ‪CC C‬ري مرتمجة إىل اللغ ‪CC C‬ة العربي ‪CC C‬ة ع ‪CC C‬دا كت ‪CC C‬ابني اث ‪CC C‬نني رغم غ ‪CC C‬زارة إنتاجه‬
‫الفلس‪CC‬في واألديب‪ .‬ويعت‪CC‬رب س‪CC‬ري حمبا وم‪CC‬دافعا كب‪CC‬ريا عن اللغ‪CC‬ة الفرنس‪CC‬ية‪ ،‬ومن طرائف‪CC‬ه أن‪CC‬ه دعى‬
‫الفرنسيني إىل مقاطعة‪ C‬االنتاج السينمائي‪ C‬الناطق باإلجنليزية نص‪C‬رة للفرنس‪CC‬ية‪ .‬كم‪C‬ا يعتق‪C‬د بأمهي‪CC‬ة‬
‫دور الفالس‪CC‬فة‪ C‬يف معاجلة املش‪CC‬اكل االجتماعي‪CC‬ة األساس‪CC‬ية‪ C،‬إذ ك‪CC‬ان ل‪CC‬ه إس‪CC‬هام يف حتلي‪CC‬ل أس‪CC‬باب‬
‫األزم‪CC C‬ة االقتص‪CC C‬ادية واملالي‪C C‬ة‪ C‬العاملي‪C C‬ة‪ C‬األخ‪CC C‬رية بكت‪CC C‬اب زمن احملنة‪ .‬وخبالف كث‪CC C‬ري من جمايليه‪،‬‬
‫حيم ‪CC‬ل س ‪CC‬ري نزعة تفاؤلي ‪CC‬ة مبس ‪CC‬تقبل االنس ‪CC‬ان والع ‪CC‬امل املعاص ‪CC‬ر‪ .‬فهو يعتق ‪CC‬د أن العلم ق ‪CC‬د أدى إىل‬
‫تغي‪CC‬ريات إجيابي‪CC‬ة وأن عاملن‪CC‬ا الي‪CC‬وم ه‪CC‬و أق‪CC‬ل ص‪CC‬عوبة وش‪CC‬قاء من ال‪CC‬ذي عايش‪CC‬ه أج‪CC‬دادنا‪ .‬وه‪CC‬ذا ال‬
‫يعين مطلقا عدم توخي الحذر من استخدامات العلم والتكنولوجيا‪ C‬فهو يدعو إيل حتكم آخر‬
‫يتحكم يف حتكمنا يف الطبيعة‪ ،‬وأغلب تدخالته الراهنة تصب يف هذا امليدان‪ C‬باخلصوص‪C.‬‬
‫واجلانب اآلخر من شبابه الذي كان له تأثري قوي يف مساره الفكري ه‪CC‬و زمن وذاك‪CC‬رة‬
‫احلرب‪ ،‬لق ‪CC‬د ول ‪CC‬د يف زمن احلروب والص ‪CC‬راعات‪ C‬الدامي ‪CC‬ة مثلم ‪CC‬ا يص ‪CC‬فها‪ .‬وك ‪CC‬ان ش ‪CC‬اهدا على‬
‫آث‪CC‬ار احلرب األهلي‪CC‬ة اإلس‪CC‬بانية‪ C،‬ومآس ‪C‬ي معس‪CC‬كرات االعتق‪CC‬ال إب‪CC‬ان احلرب العاملي‪CC‬ة الثاني‪CC‬ة‪ C،‬وم‪CC‬ا‬
‫خلفت‪CC‬ه من من قت‪CC‬ل ودم‪CC‬ار « لق‪CC‬د عش‪CC‬ت طفول‪CC‬يت يف أج‪CC‬واء احلرب‪ ،‬ب‪CC‬دءا من ح‪CC‬رب اس‪CC‬بانيا‪C‬‬
‫ع ‪CC C‬ام ‪ ،1936‬وب ‪CC C‬دايات احلرب العاملي‪C C C‬ة‪ C‬الثاني ‪CC C‬ة ‪ ،1939‬وعاص ‪CC C‬رت العن ‪CC C‬ف االقص ‪CC C‬ي ال‪CC C‬ذي‬
‫اختتمت به هذه احلرب فظائعها بالقائها‬

‫قنابل نووي‪C‬ة علي هريوش‪CC‬يما وجنازاكي‪ ،‬حيث اآلف القتلي واجلرحي‪ .‬وهن‪CC‬ا ب‪CC‬دأ تفك‪CC‬ريي‬

‫‪1‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪140‬‬

‫‪124‬‬
‫يف أزم‪CC‬ة العلم‪ ،‬ال‪CC‬ذي انتج مث‪CC‬ل ه‪CC‬ذه القناب‪CC‬ل‪ ،‬وعالقت‪CC‬ه ب‪CC‬اجملتمع‪ ،‬ودوره يف العن‪CC‬ف الس‪CC‬ائد بني‬
‫‪1‬‬
‫‪1947‬‬ ‫درس ميش ‪CC‬يل س ‪CC‬ري يف املدرس ‪CC‬ة البحري ‪CC‬ة بفرنس ‪CC‬ا من‬ ‫الش ‪CC‬عوب »‬
‫‪ ،1958‬حيث غ‪CC‬ري مس‪CC‬اره‬ ‫ح‪CC‬ىت ‪ ،1949‬مث عم‪CC‬ل كض‪CC‬ابط يف البحري‪CC‬ة الفرنس‪CC‬ية ح‪CC‬ىت س‪CC‬نة‬
‫امله ‪CC‬ين واألك ‪CC‬ادميي‪ ،‬ليواص ‪CC‬ل دراس ‪CC‬ة الفلس ‪CC‬فة يف جامع ‪CC‬ة ‪ ،‬ال ‪CC‬يت ت ‪CC‬وجت مبناقش ‪CC‬ة رس ‪CC‬الة‬
‫الدكتوراه‪ C‬يف الفلسفة حول فلسفة اليبنتز عنواهنا ( فلسفة اليبنتز ومناذجه‪CC‬ا الرياض‪CC‬ية‬
‫)‪ ،‬وام ‪CC‬تزج التك‪CC‬وين العلمي م‪CC‬ع الدراس ‪CC‬ة الفلس ‪CC‬فية وال‪CC‬ذي يلقي بظالل ‪CC‬ه على االهتم ‪CC‬ام واملي‪CC‬ل‬
‫األكادميي للفيلسوف‪ ،‬ليتحول بصورة طبيعي‪C‬ة‪ C‬حنو ت‪C‬اريخ العل‪C‬وم ض‪C‬من الدراس‪C‬ات الفلس‪C‬فية‬
‫وكان من األوائل الذين دافعوا عن تدريس تاريخ العلوم باجلامعات الفرنسية ‪.‬‬
‫يعت ‪CC‬رب ح ‪CC‬دث هريوش ‪CC‬يما‪ ،‬بالنس ‪CC‬بة مليش ‪CC‬يل س ‪CC‬ري‪ ،‬أهم ح ‪CC‬دث يف ت ‪CC‬اريخ العلم يف الق ‪CC‬رن‬
‫العش ‪CC‬رين ألن املش ‪CC‬كلة األخالقي‪C C‬ة ك ‪CC‬انت ق ‪CC‬د بلغت ذروهتا م ‪CC‬ع إق ‪CC‬دام جمموع ‪CC‬ة من الفيزي ‪CC‬ائيني‬
‫الع‪CC C C‬املني يف مش‪CC C C‬روع "منه‪CC C C‬اتن" على إنت‪CC C C‬اج القنبل‪CC C C‬ة الذري‪CC C C‬ة وتفجريه‪CC C C‬ا باملدينتني الياب ‪CC C‬انيتني‬
‫(هريوش ‪CC‬يما وناغ ‪CC‬ازاكي)‪ C،‬وخل ‪CC‬ق ه ‪CC‬ذا الفع ‪CC‬ل الت ‪CC‬دمريي أزم ‪CC‬ة ض ‪CC‬مري ألقت بظالهلا على جي ‪CC‬ل‬
‫كامل من العلماء على حد تعبري سري‪.‬‬
‫إن احلديث عن رواف‪CC C‬د فلس‪CC C‬فة ميش‪CC C‬يل س‪CC C‬ري‪ ،‬يقودن‪CC C‬ا إىل اإلش‪CC C‬ارة حلدث ه‪CC C‬ام يف ت ‪CC‬اريخ‬
‫العلم‪ ،‬وهو ال‪CC‬ديناميكا احلراري‪CC‬ة وم‪CC‬ا تاله‪CC‬ا من جتاوز النظ‪CC‬ام املغل‪CC‬ق و « ه‪CC‬و يف نظ‪CC‬ر س‪CC‬ري مبثاب‪CC‬ة‬
‫تزوي ‪CC‬د االخ ‪CC‬رتاع ب ‪CC‬الوقود »‪ . 2‬ال ‪CC‬ديناميكا احلراري ‪CC‬ة أو الرتموديناميك ‪CC‬ا‪ ،‬علم ي ‪CC‬درس انتق ‪CC‬االت‪C‬‬
‫الطاقة من شكل إىل آخر واآلث‪CC‬ار الطاقي‪C‬ة ال‪C‬يت تراف‪C‬ق خمتل‪CC‬ف العملي‪C‬ات الفيزيائي‪C‬ة‪ C‬أو الكيميائي‪CC‬ة‬
‫وعالقة هذه اآلثار بشروط سري العمليات‪ ،‬مث إمكانية واجتاه و حدود اجلريان التلقائي ‪.3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪http://www.revue-projet.com/articles/2003-2-interview‬‬
‫ليش‪CC‬ته ج‪CC‬ون‪ ،‬مخس‪CC‬ون مفك‪CC‬را أساس‪CC‬يا معاص‪CC‬را‪ ،‬من البنيوي‪CC‬ة إىل م‪CC‬ا بع‪CC‬د احلداث‪CC‬ة‪ ،‬ترمجة ف‪CC‬اتن البس‪CC‬تاين‪ ،‬املنظم‪CC‬ة‬ ‫‪2‬‬

‫العربية للرتمجة‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪ ،2008 ،‬ص ‪178‬‬


‫أنظر ف ‪ .‬كريييف‪ ،‬الكيمياء الفيزيائية ‪ ،‬تر ‪ :‬عيسى مسوح‪ ،‬دار مري للطباعة و النشر‪ ،‬موسكو‪ ،‬بدون طبعة‬ ‫‪3‬‬

‫‪125‬‬
‫هن‪CC‬اك ثالث ق‪CC‬وانني أساس‪CC‬ية يف علم ال‪CC‬ديناميكا احلراري‪CC‬ة‪ ،‬األول منه‪CC‬ا ينص على حف‪CC‬ظ‬
‫الطاق‪CC C‬ة فكمي‪CC C‬ة الطاق‪CC C‬ة يف الع‪CC C‬امل تبقى ثابت‪CC C‬ة‪ ،‬والق‪CC C‬انون‪ C‬الث‪CC C‬اين منه‪CC C‬ا‪ ،‬وال‪CC C‬ذي يس‪CC C‬مى بق‪CC C‬انون‬
‫ال‪CC‬ديناميكا احلراري‪CC‬ة الث‪CC‬اين (‪ )Le second principe de la Thermodynamique‬ويع‪CC‬رف‬
‫كذلك باألنثروبيا يرمز له باحلرف (‪ )s‬وينص على أن عشوائية النظام املع‪C‬زول تتج‪C‬ه لالزدي‪C‬اد‬
‫م‪CC‬ع تق‪CC‬دم ال‪CC‬زمن‪ .‬إن االنثروبي‪CC‬ا ‪ ‬يف الع‪CC‬امل متي‪CC‬ل حنو احلد األقصى‪ .‬واالنثروبي ‪C‬ا‪ C‬هي أيض‪CC‬ا املي‪CC‬ل‬
‫حنو الفوضى يف النظام‪ .‬أما القانون‪ C‬الثالث فهو خيتص بتعريف احلرارة املطلقة ‪ .‬بالنس‪CC‬بة لسري‪،‬‬
‫من األمهية مبكان الفرق بني الفكرة امليكانيكية‪ C‬البسيطة للطاقة وتلك ال‪CC‬يت جندها يف ال‪CC‬ديناميكا‬
‫احلراري‪CC‬ة‪ ،‬يف منوذج ني‪CC‬وتن امليك‪CC‬انيكي حيث ليس هن‪CC‬اك طاق‪CC‬ة يفق‪CC‬دها النظ‪CC‬ام من حيث املب‪CC‬دأ‪،‬‬
‫وال توج‪CC‬د نت‪CC‬ائج حتدث بالص‪CC‬دفة‪ ،‬لكن باالس‪CC‬تناد إىل الق‪CC‬انون الث‪CC‬اين يف ال‪CC‬ديناميكا احلراري‪CC‬ة »‬
‫احلركة أحادية االجتاه للقذيفة تتحول باستمرار إىل حرارة‪ ،‬بسبب مقاومة اهلواء االحتكاكية‪C،‬‬
‫أي إىل حرك‪CC‬ات عش‪CC‬وائية فوض‪CC‬وية جلزيئ‪CC‬ات اهلواء والقذيفة «‪ 1‬إن ه‪CC‬ذا الق‪CC‬انون‪ C‬يش‪CC‬ري إىل أن‬
‫العمليات التلقائية تسري حنو التحلل والتفكك‪ C،‬ويسري من النظام إىل الفوضى ‪ -‬ألن جزءا من‬
‫الطاق‪CC‬ة يتح‪CC‬ول إىل ش‪CC‬كل ال ميكن االس‪CC‬تفادة منه ‪ -‬ومن التعقي‪CC‬د إىل البس‪CC‬اطة‪ ،C‬لوج‪CC‬ود عملي‪CC‬ة‬
‫حتل‪CC C‬ل‪ ،‬وال نقص‪CC C‬د العملي‪CC C‬ات ال‪CC C‬يت يت‪CC C‬دخل فيه‪CC C‬ا ال‪CC C‬ذكاء واإلرادة الواعية‪ ،‬فمثال ‪ :‬املاء جيري‬
‫تلقائي ‪CC‬ا‪  ‬من األعلى إىل األس ‪CC‬فل ‪ -‬أي باجتاه ق ‪CC‬وة اجلاذبي ‪CC‬ة يف األرض ‪ -‬وال حيدث العكس‪،‬‬
‫ولكننا‪ C‬نستطيع باستخدام مضخة دف‪C‬ع املاء إىل أعلى أن حندث ذلك‪ ،‬لكن هن‪C‬ا مل تع‪C‬د العملي‪CC‬ة‬
‫تلقائي‪CC‬ة‪ ،‬ب‪CC‬ل عملي‪CC‬ة تَ‪C‬دخل فيه‪CC‬ا ال‪CC‬ذكاء اإلنس‪CC‬اين واإلرادة اإلنس‪CC‬انية‪ .‬ه‪CC‬ذه الفوض‪CC‬ى أو الالنظ‪CC‬ام‬
‫ب ‪CC‬دأت توض ‪CC‬ع قي ‪CC‬د الدراس ‪CC‬ة يف نظري ‪CC‬ة الفوضى (‪ )chaos theory‬حيث » تبت ‪CC‬دئ نظري ‪CC‬ة‬
‫الفوض‪C‬ى‪ ( C‬ك‪CC‬ايوس) من احلدود ال‪CC‬يت يتوق‪CC‬ف عن‪CC‬دها العلم التقلي‪CC‬دي ويعج‪CC‬ز‪ ،‬فمن‪CC‬ذ ش‪CC‬رع العلم‬
‫يف ح‪CC‬ل ألغ‪CC‬از الك‪CC‬ون‪ C،‬ع‪CC‬اىن دوم‪CC‬ا من اجله‪CC‬ل بش‪CC‬أن‪ C‬ظ‪CC‬اهرة االض‪CC‬طراب‪ ،‬مث‪CC‬ل تقلب‪CC‬ات املن‪CC‬اخ ‪،‬‬
‫‪‬‬
‫االنرتويب هو مقي‪C‬اس ط‪C‬اقي يتم حس‪C‬ابه بع‪C‬د حتول نظ‪C‬ام معني من حال‪C‬ة بدائي‪C‬ة اىل حال‪C‬ة هنائي‪C‬ة ملعرف‪C‬ة ه‪C‬ل ك‪C‬ان هن‪C‬اك فق‪C‬دان للطاق‪C‬ة أو‬
‫كسبها عند هذا التحول ‪ ،‬و هذا ما يعرب كذالك عن مفهوم الرتتيب ومفهوم الفوضى ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ليشتة ‪ ،‬جون املرجع السابق ص‪179‬‬

‫‪126‬‬
‫وحرك ‪CC‬ة أم ‪CC‬واج البح ‪CC‬ر والتقلب ‪CC‬ات يف األن ‪CC‬واع‪ C‬احلي ‪CC‬ة وأع ‪CC‬دادها‪ ،‬والتذب ‪CC‬ذب يف أعم ‪CC‬ال القلب‬
‫والدماغ ‪ .‬إن‬

‫اجلانب غ‪CC‬ري املنظم من الطبيع‪CC‬ة‪ ،‬غ‪CC‬ري املنس‪CC‬جم وغ‪CC‬ري املتناس‪CC‬ق واملف‪CC‬اجئ واالنقاليب أعج‪CC‬ز‬
‫العلم دوما «‪ 1‬فثم ‪CC‬ة أح ‪CC‬داث كث ‪CC‬رية وخمتلفة يف الطبيع ‪CC‬ة ُت َع‪Cُّ C‬د مث ‪CC‬االً للحرك ‪CC‬ة الفوض ‪CC‬وية منه ‪CC‬ا‬
‫تش‪Cُّ C‬كل الغي‪CC‬وم وحركاهتا‪ ،‬وتبخ‪CC‬ر احمليط‪CC‬ات‪ ،‬وانفج‪CC‬ار ال‪CC‬رباكني‪ ،‬وتش‪CC‬كل الس‪CC‬واحل واجلب‪CC‬ال‪،‬‬
‫ومنو األش ‪CC C‬جار‪ ،‬وتقلُّب املن ‪CC C‬اخ‪ ،‬وال ‪CC C‬دوامات النهري ‪CC C‬ة‪ ،‬وت ‪CC C‬وزع اإللكرتون ‪CC C‬ات احلرة يف املواد‬
‫الص‪CC C‬لبة‪ ،‬وانطالق غ‪CC C‬از م‪CC C‬ا‪ ،‬وانتش‪CC C‬ار حري‪CC C‬ق أو وب‪CC C‬اء‪ .‬وميت‪CC C‬د األم‪CC C‬ر إىل الظ‪CC C‬واهر االجتماعي ‪CC‬ة‬
‫واالقتص‪CC‬ادية والعالق‪CC‬ات‪ C‬البش‪CC‬رية والطبيعي‪CC‬ة‪ .‬غ‪CC‬ري أن علم الفوضى أو الك‪CC‬اوس يتجه إىل حماولة‬
‫دراس‪CC‬ة ه‪CC‬ذه الظ‪CC‬واهر‪ ،‬واس‪CC‬تخالص ق‪CC‬وانني هلذه الفوض‪CC‬ى احملددة لتس‪CC‬اعد على فهمه‪CC‬ا بش‪CC‬كل‬
‫أفضل‪ ،‬و» ب ‪CC‬دت نظري ‪CC‬ة الفوض ‪CC‬ى وكأهنا تس ‪CC‬تطيع أن تص ‪CC‬وغ ق ‪CC‬وانني مش ‪CC‬رتكة ترب ‪CC‬ط أن ‪CC‬واع‪C‬‬
‫الظ‪CC‬واهر املرتبط‪CC‬ة بعض‪CC‬ها ببعض «‪ .2‬وهك‪CC‬ذا جند أن نظري‪CC‬ة الك‪CC‬اوس تع‪CC‬رب عن احلدود الفاص‪CC‬لة‬
‫بني االختصاص‪CC‬ات العلمي‪CC‬ة فهي نظري‪CC‬ة عن الطبيع‪CC‬ة الكلي‪CC‬ة للنظم اس‪CC‬تطاعت أن جتم‪CC‬ع مفك‪CC‬رين‬
‫من حق‪CC‬ول علمي‪CC‬ة اعت‪CC‬ربت‪ C‬متباع‪CC‬دة‪ C‬من قب‪CC‬ل‪ ،‬ف‪CC‬إذا ك‪CC‬ان العلم يت‪CC‬وزع إىل اختصاص‪CC‬ات تتف‪CC‬رع‬
‫منه ‪CC‬ا اختصاص ‪CC‬ات أخ ‪CC‬رى ف ‪CC‬إن نظري ‪CC‬ة الك ‪CC‬اوس غ ‪CC‬ريت تل ‪CC‬ك الص ‪CC‬ورة ج ‪CC‬ذريا‪ ،‬حيث س ‪CC‬ارت‬
‫ب‪CC‬العلم يف االجتاه املع‪CC‬اكس‪ C‬وبأس‪CC‬لوب حيق‪CC‬ق التكام‪CC‬ل بني التخصص‪CC‬ات اجملزأة‪ ،‬لق‪CC‬د س‪CC‬عت ه‪CC‬ذه‬
‫النظري‪CC‬ة (الك‪CC‬اوس) إىل »ص‪CC‬وغ مع‪CC‬ادالت رياض‪CC‬ية بس‪CC‬يطة لكي تش‪CC‬رح مظ‪CC‬اهر ك‪CC‬ربى وعنيف ‪C‬ة‪C‬‬
‫مثل الشالالت‪ ،‬ورصدت ظ‪C‬اهرة قوامه‪C‬ا أن ح‪C‬دوث تغ‪C‬ريات‪ C‬بس‪CC‬يطة يف املعطي‪C‬ات األولي‪CC‬ة ال‪C‬يت‬
‫تتعام ‪CC‬ل معه ‪CC‬ا تل ‪CC‬ك املع ‪CC‬ادالت تفض ‪CC‬ي إىل نت ‪CC‬ائج هائل ‪CC‬ة عن ‪CC‬د احلس ‪CC‬اب النه ‪CC‬ائي‪ C‬ومست نظري ‪CC‬ة‬
‫الكاوس تلك الظاهرة‪ ،‬االعتم‪CC‬اد احلس‪CC‬اس على املعطي‪CC‬ات األولي‪C‬ة‪ C،‬وس‪CC‬رعان م‪C‬ا اش‪CC‬تهرت باس‪CC‬م‬

‫‪1‬‬
‫ج‪..‬ايمس غلي‪..‬ك ‪ ،‬نظري‪..‬ة الفوض‪..‬ى ‪ ،‬علم الالمتوق‪..‬ع ‪ ،‬ت‪..‬ع ‪ :‬أحم‪..‬د مغ‪..‬ربي ‪ ،‬الطبع‪..‬ة العربي‪..‬ة ‪ ،‬دار الس‪..‬اقي باالش‪..‬تراك مع مرك‪..‬ز‬
‫البابطين للترجمة ‪ ،‬ط ‪ 2008 ، 1‬ص‪16‬‬
‫‪2‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص‪18‬‬

‫‪127‬‬
‫الفراشة «‪ 1‬وميكن الق‪CC‬ول بلغ‪CC‬ة توم‪CC‬اس ك‪CC‬ون الثوري‪CC‬ة أن نظري‪CC‬ة الفوض‪CC‬ى متث‪CC‬ل‬ ‫أث‪CC‬ر جن‪CC‬اح‬
‫براديغم‪CC‬ا جدي‪CC‬دا‪ ،‬ف‪CC‬إذا ك‪CC‬انت نظري‪CC‬ة النس‪CC‬بية‪ C‬تب‪CC‬دد فك‪CC‬رة الزم‪CC‬ان واملك‪CC‬ان املطلقني عن‪CC‬د ني‪CC‬وتن‪،‬‬
‫وأط‪CC‬احت فيزي‪CC‬اء الكم بالقياس‪CC‬ات الدقيق‪CC‬ة واملض‪CC‬بوطة‪ C‬هلا ف‪CC‬إن نظري‪CC‬ة الفوض‪CC‬ى ب‪CC‬ددت إمك‪CC‬ان‪C‬‬
‫التوقع احلتمي واحملكم‪ .‬ما‬

‫خنلص إليه أن نظري ‪CC C‬ة الفوض‪C C C‬ى‪ C‬كامت ‪CC C‬داد لق ‪CC C‬انون األنثروبي‪C C C‬ا‪ C‬يف ال ‪CC C‬ديناميكا احلراري‪CC C‬ة متنح‬
‫طريق‪CC‬ة جدي‪CC‬دة للتفك‪CC‬ري يف املعلوم‪CC‬ات القدمية‪ ،‬خصوص‪CC‬ا تل‪CC‬ك ال‪CC‬يت أُمهلت بس‪CC‬بب خروجه‪CC‬ا عن‬
‫املألوف‪ C،‬وانتشر إحساس ب‪C‬أن‪ C‬اإلف‪C‬راط يف تفري‪C‬ع التخصص‪CC‬ات علمي‪CC‬ا يش‪C‬كل عائق‪C‬ا أم‪CC‬ام حبوث‬
‫العلم ‪CC C‬اء‪ ،‬فمن العبث‪ C‬يف رأيهم الرتك ‪CC C‬يز على األج ‪CC C‬زاء‪ ،‬مبع ‪CC C‬زل عن الص ‪CC C‬ورة الكلي ‪CC C‬ة‪ ،‬فنظري ‪CC C‬ة‬
‫الك‪CC C‬اوس أهنت األس‪CC C‬لوب االخ‪CC C‬تزايل يف التفك‪CC C‬ري العلمي وأقنعت‪ C‬ك‪CC C‬ل أولئ‪CC C‬ك العلم‪CC C‬اء ب‪CC C‬أهنم‬
‫يس‪CC‬امهون يف والدة علم جدي‪CC‬د‪ ،‬س‪CC‬واء ختصص‪CC‬وا‪ C‬يف البيولوجي‪CC‬ا أو الرياض‪CC‬يات أو الفيزي‪CC‬اء‪ ،‬أي‪CC‬ا‬
‫ك‪CC C‬ان حق‪CC C‬ل اختصاص‪CC C‬هم‪ ،‬ف‪CC C‬إن مهمتهم تتمث‪CC C‬ل يف فهم التعقي‪CC C‬د كظ‪CC C‬اهرة يف ذاهتا ‪ 2.‬الفك‪CC C‬رة‬
‫التقطه ‪CC‬ا‪ ،‬ميش ‪CC‬يل س ‪CC‬ري‪ ،‬لتك ‪CC‬ون‪ C‬برهان ‪CC‬ا علمي ‪CC‬ا وس ‪CC‬ندا يؤك ‪CC‬د مس ‪CC‬ار التواص ‪C‬ل‪ C‬بني التخصص ‪CC‬ات‬
‫العلمية واملعارف بصفة عامة واليت هي حمور فلسفة سري االتصالية ‪.‬‬

‫ومن الرواف‪CC‬د الفلس‪CC‬فية ال‪CC‬يت ش‪CC‬كلت فلس‪CC‬فة س‪CC‬ري العلمي‪CC‬ة ت‪CC‬أثره بالفيلس‪CC‬وف ليبنتز وفكرت‪CC‬ه‬
‫حول إتصالية املعرفة‪ ،‬فأول كتاب مليشيل سري كان حول " فلسفة ليبنتز ومناذجها الرياض‪CC‬ية "‬
‫وه‪CC‬و يف األص‪CC‬ل أطروح‪CC‬ة تق‪CC‬دم هبا لني‪CC‬ل ال‪CC‬دكتوراه يف الفلس‪CC‬فة‪ .‬والس‪CC‬ؤال ال‪CC‬ذي نطرح‪CC‬ه هن‪CC‬ا م‪CC‬ا‬
‫ال ‪CC‬ذي دفع ‪CC‬ه إيل اختي ‪CC‬ار ه ‪CC‬ذا الفيلس ‪CC‬وف بال ‪CC‬ذات ؟‪ .‬يق ‪CC‬ول ميش ‪CC‬يل سري» وص ‪CC‬ادف أن وقعت‬
‫على اليبن‪CC‬تز أب الرياض‪CC‬يات والفيزي‪CC‬اء املعاص‪CC‬رة وك‪CC‬ذلك فك‪CC‬رة التواص‪CC‬ل‪ .‬إن‪CC‬ه فيلس‪CC‬وف أك‪CC‬ثر‬

‫‪1‬‬
‫المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪22‬‬

‫‪ -‬أنظر جاميس غليك ‪ ،‬نظرية الفوضى ‪ ،‬علم الالمتوقع ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ص ‪361 ،360 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪128‬‬
‫حداثة بالنسبة لنا من الكثري من الفالسفة احلاليني «‪ .1‬إذا فكرة التواص‪CC‬ل بني العل‪CC‬وم هلا امت‪CC‬داد‬
‫فلس ‪CC‬في‪ ،‬وجيد ميش ‪CC‬يل س ‪CC‬ري ض ‪CC‬الته م ‪CC‬ع اليبن ‪CC‬تز‪ ،‬وال ‪CC‬ذي ي ‪CC‬رى أن لك ‪CC‬ل العل ‪CC‬وم أص ‪CC‬والً جوهري ‪CC‬ة‬
‫مشرتكة‪ ،‬وعندما يتمكن اإلنس‪CC‬ان من تش‪CC‬كيل عالم‪CC‬ات ت‪CC‬دل على ه‪CC‬ذه األص‪CC‬ول يك‪CC‬ون‪ C‬ب‪CC‬ذلك‬
‫قد أمت موسوعة العلوم‪ .‬واستعان ليبنتز بالرياض‪C‬يات واجلرب‪ ،‬ونفس الش‪C‬يء بالنس‪CC‬بة مليش‪C‬يل س‪C‬ري‬
‫الذي رأى يف بورباكي منوذج‪CC‬ا رياض‪C‬يا جي‪C‬دا كش‪CC‬ف ل‪C‬ه عن دور العالم‪C‬ات يف املنهج العلمي‪.‬‬
‫و أكد يف حبوثه الرياضية‪ -‬أي ليبنتز‪ -‬على أن‬

‫احلساب العاملي‪ C‬لالستدالل العقلي ميكن أن يكون‪ C‬اخرتاع‪C‬اً مفي‪CC‬داً يف حتقي‪CC‬ق منهج آيل يتم‬
‫في‪CC‬ه ح‪CC‬ل ك‪CC‬ل املش‪CC‬كالت ال‪CC‬يت يع‪CC‬رب عنه‪CC‬ا باللغ‪CC‬ة العاملي‪CC‬ة‪ ،‬ون‪CC‬ادى بإنش‪CC‬اء لغ‪CC‬ة علمي‪CC‬ة عاملي‪C‬ة‪ C‬ميكن‬
‫بواس‪CC C‬طتها‪ C‬متثي‪CC C‬ل كاف‪CC C‬ة التص‪CC C‬ورات‪ C‬العلمي‪CC C‬ة‪ ،‬وذل‪CC C‬ك من خالل التواف ‪C C‬ق‪ C‬والت‪CC C‬أليف بني الرم ‪CC‬وز‬
‫العقلي ‪CC‬ة ‪ .‬فبعدما رأى أن لغ ‪CC‬ة العلم أخ ‪CC‬ذت تتململ بتع ‪CC‬دد اللغ ‪CC‬ات‪ ،‬فك ‪CC‬ر يف مجع "أل ‪CC‬ف ب ‪CC‬اء"‬
‫الفكر " إذ ال بد أن تكون اللغة العاملية أداة املوسوعة‪ C‬ومفتاح كل العلوم «‪. 2‬‬
‫هناك مسألة أخرى تشغل حيزا هاما يف نشأة وتكوين فلسفة ميشال سري وهي البنيوية‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫لكن ملاذا تعت‪CC‬رب البنية‪C‬‬ ‫إذ يق‪CC‬ول « كنت يف تل‪CC‬ك الف‪CC‬رتة‪ 55/56 C‬مش‪CC‬دودا إىل مفه‪CC‬وم البنية‪«C‬‬
‫واملنهج الب ‪CC C‬نيوي من املف ‪CC C‬اهيم األساس ‪CC C‬ية‪ C‬يف فلسفتة ؟ وإذا ك ‪CC C‬انت البنيوي ‪CC C‬ة‪ ،‬بنيوي ‪CC C‬ات وليس‬
‫بنيوي ‪C‬ة‪ C‬واح‪CC‬دة‪ ،‬فمن البنيوي ‪C‬ة‪ C‬اللس‪CC‬انية م‪CC‬ع دي سوس ‪C‬ير‪ ،‬إىل بنيوي‪CC‬ة نفس‪CC‬ية م‪CC‬ع ج‪CC‬اك الك‪CC‬ان‪ ،‬مث‬
‫بنيوية‪ C‬أنرتوبولوجية‪ C‬م‪C‬ع كل‪C‬ود ليفي ش‪C‬رتاوس‪ ،‬وبنيوي‪C‬ة‪ C‬فلس‪C‬فية م‪C‬ع ج‪C‬ان بياجي‪C‬ه وميش‪C‬يل فوك‪C‬و‬
‫وج‪CC‬اك دري‪CC‬دا ول‪CC‬وي ألتوس‪CC‬ري‪ .‬ف‪CC‬أي بنيوي‪CC‬ة ينتهج الفيلس‪CC‬وف ميش‪CC‬ال س‪CC‬ري ؟‪ .‬ليس ه‪CC‬دفنا هن‪CC‬ا‬
‫اخلوض يف البنيوي ‪CC‬ة واجتهاهتا بق ‪CC‬در م ‪CC‬ا يقتص ‪CC‬ر احلديث على النم ‪CC‬وذج الب ‪CC‬نيوي ال ‪CC‬ذي سيش ‪CC‬كل‬

‫حوارات فلسفية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪141‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪Louis Couturat La logique de Leibniz : d'après des documents inédits Felix alcan,‬‬
‫‪éditur, paris, 1901,P 134.‬‬
‫حوارات فلسفية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪141‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪129‬‬
‫ركيزة مهة يف املنهج الفلسفي عند م‪.‬سري‪.‬‬
‫البنيوية يف الفلس‪CC‬فة الس‪CC‬ريية هلا مرتك‪CC‬ز علمي وإبس‪CC‬تيمولوجي‪ .C‬فالبنيوي‪CC‬ة ال‪CC‬يت يس‪CC‬تند إليه‪CC‬ا‬
‫م‪.‬سري هي بنيوية رياضية أي مستمدة من علم الرياضيات‪ .‬وملا كان «متأثر جبماع‪CC‬ة بورب‪CC‬اكي‬
‫لعلماء الرياضيات أكثر من تأثره بدي سوس‪C‬ري فإن‪C‬ه جيد يف التحلي‪C‬ل الب‪CC‬نيوي وس‪CC‬يلة للس‪C‬فر بني‬
‫مي ‪CC‬ادين خمتلف ‪CC‬ة‪ ،‬فالتحلي ‪CC‬ل الب ‪CC‬نيوي‪ C‬ي ‪CC‬ؤدي حتم ‪CC‬ا اىل املقارن ‪CC‬ة وهلذا الس ‪CC‬بب يُ ٌكن س ‪CC‬ري احرتام ‪CC‬ا‬
‫عظيم ‪CC C‬ا لعم‪CC C‬ل ج‪CC C‬ورج دوميزي ‪CC C‬ل ألن‪CC C‬ه اس‪CC C‬تطاع ان ي‪CC C‬ربهن من خالل مقارن ‪CC C‬ة جمموع‪CC C‬ات من‬
‫العالقات‪ ،‬بأن األساطري‬

‫اهلن‪CC‬دو‪ -‬أوروبي‪CC‬ة متتل‪CC‬ك البني ‪CC‬ة نفس‪CC‬ها‪ ،‬ب‪CC‬الرغم من تن‪CC‬وع احملتوي‪CC‬ات»‪.1‬إن طبيع‪CC‬ة البني ‪C‬ة‪ C‬يف‬
‫ه‪CC‬ذا الس‪CC‬ياق عقلي‪CC‬ة رياض‪CC‬ية‪ ،‬إي باعتباره‪CC‬ا عناص‪CC‬ر جمردة بينه‪CC‬ا عالق‪CC‬ات متبادل‪CC‬ة ل‪CC‬ذلك ك‪CC‬انت‬
‫ميزهتا الك‪CC C‬ربى الش‪CC C‬كلية‪ .‬والبنيوي‪C C‬ة‪ C‬كم‪CC C‬ا يف الرياض‪CC C‬يات تتع‪CC C‬ارض م‪CC C‬ع جتزئ‪CC C‬ة الفص‪CC C‬ول غ‪CC C‬ري‬
‫املتجانسة وتحاول إجياد الوحدة بواسطة التش‪CC‬اكالت‪ .‬حيث ت‪CC‬دمج بني مواض‪CC‬يع رياض‪CC‬ية ع‪CC‬دة‬
‫كانت يف املاضي‪ C‬وح‪C‬دات مس‪C‬تقلة‪ ،‬فجعلت منه‪C‬ا كال متماس‪CC‬كا ‪ .‬ومما تنبغي‪ C‬االش‪C‬ارة إلي‪C‬ه أن‬
‫مصطلح البنية استقر استعماله يف جمال الرياضيات مع « أواخر الثالثينات من ه‪CC‬ذا الق‪CC‬رن‪ ،‬أم‪CC‬ا‬
‫مفهومها‪ ،‬فقد أخذ أهل اجلرب وأهل اهلندسة يتداولونه منذ هناي‪CC‬ة الق‪CC‬رن املاضي وك‪CC‬انوا يع‪CC‬ربون‪C‬‬
‫"النس ‪CC‬ق"‪ .‬ويب ‪CC‬دو أن أول تعري ‪CC‬ف رياض ‪CC‬ي ملص ‪CC‬طلح " البني ‪CC‬ة "‬ ‫عن ه ‪CC‬ذا املدلول بلف ‪CC‬ظ‬
‫ج‪CC‬اء عن‪CC‬د "بورب‪CC‬اكي" ال‪CC‬ذي ه‪CC‬و اس‪CC‬م مس‪CC‬تعار جلماع‪CC‬ة من الرياض‪CC‬يني الفرنس‪CC‬يني املرم‪CC‬وقني يف‬
‫كتاهبم املشرتك‪ :‬أص‪C‬ول الرياض‪C‬يات‪ I:‬نظري‪C‬ة اجملموع‪C‬ات املنش‪C‬ور س‪C‬نة ‪ C.2«1939‬ومت حتدي‪C‬د‬
‫مفهوم البنية‪ C‬انطالقا من جمموع خصائص‪C‬ها وهي البن‪C‬اء والعالق‪C‬ات وال‪C‬رتتيب‪ C.‬فليس‪C‬ت البني‪C‬ة «‬

‫جون ليشته‪ ،‬مخس‪C‬ون مفك‪C‬را أساس‪C‬يا معاص‪C‬را من البنيوي‪C‬ة إىل م‪C‬ا بع‪C‬د احلداث‪C‬ة‪ ،‬ترمجة ف‪C‬اتن البس‪C‬تاين‪ ،‬مراجع‪C‬ة حمم‪C‬د‬ ‫‪1‬‬

‫بدوي‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ط‪2008 ، 1‬‬


‫ط‪CC‬ه عب‪CC‬د الرمحان‪ ،‬اللس‪CC‬ان وامليزان‪ ،‬أو التك‪CC‬وثر العقلي‪ ،‬املرك‪CC‬ز االثق‪CC‬ايف الع‪CC‬ريب‪ ،‬ط‪ 1‬ال‪CC‬دار البيض‪CC‬اء‪ ،1998 ،‬ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪175‬‬
‫‪130‬‬
‫عناص‪CC‬ر متفرق‪CC‬ة يق‪CC‬ع النظ‪CC‬ر يف خصائص‪CC‬ها واح‪CC‬دا واح‪CC‬دا‪ ،‬وال هي عناص‪CC‬ر متكدس‪CC‬ة تؤخ‪CC‬ذ أخ‪CC‬ذ‬
‫الك‪CC‬ل املص‪CC‬مت ال‪CC‬ذي اليتج‪CC‬زأ وال يتف‪CC‬رع‪ ،‬وإمنا هي عناص‪CC‬ر مبني ‪C‬ة‪ C‬بن‪CC‬اءا‪ ،‬إذ تنتظم يف ارتباطه‪CC‬ا‬
‫خترجها من وصف االنعزال كم‪C‬ا خترج اجملموع‪CC‬ة ال‪C‬يت ت‪CC‬دخل فيه‪CC‬ا عن وص‪CC‬ف اجلم‪CC‬ود‪ ،‬وتتخ‪C‬ذ‬
‫ه ‪CC‬ذه االرتباط ‪CC‬ات ص‪CC‬ورتني اثن ‪CC‬تني‪ :‬إح ‪CC‬دامها " العالق‪CC‬ات" والثاني ‪CC‬ة " العملي ‪CC‬ات«‪ 1‬إن البنية هبذا‬
‫املعىن ال تت ‪CC‬ألف من عناص ‪CC‬ر خارجي ‪CC‬ة تراكمي ‪CC‬ة مس ‪CC‬تقلة عن الك ‪CC‬ل ب ‪CC‬ل هي تتك ‪CC‬ون‪ C‬من عناص ‪CC‬ر‬
‫خاضعة لقوانني النسق‪ ،‬واملهم يف النسق ليس العنصر أو الكل بل العالقات كارتباطات جتم‪CC‬ع‬
‫بني األف‪CC‬راد مث‪CC‬ىن أو ثالث‪ ،‬أو أرب‪CC‬ع‪...‬أخل‪ .‬أم‪CC‬ا العملي‪CC‬ات فهي ك‪CC‬ذلك ارتباط‪CC‬ات جتع‪CC‬ل األف‪CC‬راد‬
‫يتولد بعضها من بعض‪.‬‬
‫أما اخلاصية الرتتيبية تش‪C‬ري إىل أن جمموع‪C‬ة « من األف‪C‬راد املرتبط‪C‬ة فيم‪C‬ا بينه‪C‬ا بواس‪C‬طة عالق‪C‬ات‬
‫وعملي‪CC‬ات ‪ ...‬هي أيض‪CC‬ا جمموع‪CC‬ة مرتب‪CC‬ة ترتيبا «‪ 2‬ف‪C‬إذا ح‪CC‬دد الرياض‪CC‬يون للبني‪CC‬ة أرب‪CC‬ع جمموع‪CC‬ات‬
‫هي جمموع ‪CC‬ة األف ‪CC‬راد أو اجملموع ‪CC‬ة اجملالي ‪CC‬ة‪ ،‬وجمموع ‪CC‬ة العملي ‪CC‬ات أو ال ‪CC‬دوال والتواب ‪CC‬ع‪ ،‬وجمموع ‪CC‬ة‬
‫العالق‪CC‬ات‪ ،‬مث جمموع‪CC‬ة األف‪CC‬راد املتم‪CC‬يزة‪ ،‬فإن‪CC‬ه ال ب‪CC‬د من ترتيبه‪CC‬ا يف البني‪CC‬ة ح‪CC‬ىت نت‪CC‬بني وظيف‪CC‬ة ك‪CC‬ل‬
‫منها‪.‬‬
‫ويرك‪CC‬ز الرياض‪CC‬يون على التص‪CC‬نيف التش‪CC‬اهبي كخاص‪CC‬ية للبني‪CC‬ة فهي « تقتض‪CC‬ي أيض‪CC‬ا حتدي‪CC‬د‬
‫الصنف التش‪C‬اهبي ال‪C‬ذي ختتص ب‪C‬ه‪ ،‬فق‪C‬د منيز يف البني‪C‬ة‪ C‬بني ج‪C‬انبني إث‪C‬نني‪ ،‬نس‪C‬مي أح‪C‬دمها اجلانب‬
‫الع‪C‬املي ونس‪C‬مي الث‪C‬اين اجلانب املعم‪C‬ويل «‪ 3‬ورياض‪C‬يا تك‪C‬ون‪ C‬البنيت‪C‬ان‪ C‬متش‪C‬اهبتان ص‪C‬نفا م‪C‬ىت ك‪C‬ان‬
‫هلم‪CC C C C C‬ا نفس اجلانب الع‪CC C C C C‬املي ونفس اجلانب املعم‪CC C C C C‬ويل‪ .‬واحلديث عن البني‪C C C C C‬ة‪ C‬يف الرياض ‪CC C C‬يات‬
‫يس ‪CC‬تدعى استحض ‪CC‬ار مفهوم ‪CC‬ا آخ ‪CC‬را وه ‪CC‬و التن ‪CC‬وع الب ‪CC‬نيوي‪ ،‬مبع ‪CC‬ىن أن الب ‪CC‬ين متنوع ‪CC‬ة وخمتلف ‪CC‬ة‪،‬‬
‫ولذلك قامت مجاعة بورباكي الرياضية بوض‪C‬ع نظري‪C‬ة يف الب‪C‬ىن الرياض‪C‬ية تعم‪C‬ل على التمي‪CC‬يز بني‬
‫أنواعه‪CC‬ا املختلفة و أق‪CC‬دمت على ع‪CC‬زل « البني‪CC‬ات‪ C‬األساس‪CC‬ية‪ C‬لك‪CC‬ل الف‪CC‬روع الرياض‪CC‬ية‪ .‬فتوص‪CC‬لت‬
‫املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.176‬‬ ‫‪1‬‬

‫املرجع السابق ص ‪.176‬‬ ‫‪2‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪178‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪131‬‬
‫إىل تش ‪CC‬ييد ثالت بني ‪CC‬ات أص ‪CC‬لية‪ :‬بني ‪CC‬ة جربي ‪CC‬ة‪ ،‬وبني ‪CC‬ة ت ‪CC‬رتيب‪ ،‬وبني ‪CC‬ة توبولوجي ‪CC‬ة وهي تل ‪CC‬ك ال ‪CC‬يت‬
‫اعتم‪CC‬دت عليه‪CC‬ا املدرس‪CC‬ة البنيوي‪C‬ة‪ C‬للرياض‪CC‬يات «‪ 1‬وتس‪CC‬مي ه‪CC‬ذه اجلماع‪CC‬ة تل‪CC‬ك البني‪CC‬ات‪ C‬بأمه‪CC‬ات‬
‫البىن أو البنيات األم‪.‬‬
‫ويعلن ميش‪CC‬ال سري ص‪CC‬راحة بأن‪CC‬ه هنل من مجاع‪CC‬ة البورب‪CC‬اكيني يف الرياض‪CC‬يات على مس‪CC‬توى‬
‫املنهج خصوص‪CC‬ا « إذاك‪CC‬ان ل‪CC‬دينا حمت‪CC‬وى ثق‪CC‬ايف معني‪ ،‬س‪CC‬واء ك‪CC‬ان اهلل أو طاول‪CC‬ة أو مغس‪CC‬لة ف‪CC‬إن‬
‫التحليل يكون‪ C‬بنيويا ( وبنيويا وفقط ) عندما جيعل هذا احملتوى‪ C‬يبدوا وكأنه‪ C‬منوذج »‪ .2‬فغاية‬
‫النم ‪CC‬اذج هي الكش ‪CC‬ف عن البني‪C C‬ة‪ C‬وابرازه ‪CC‬ا‪ .‬وحتق ‪CC‬ق البنيوي‪C C‬ة‪ C‬مس ‪CC‬ألتني يف غاي ‪CC‬ة األمهي‪C C‬ة‪ C‬بالنس ‪CC‬بة‪C‬‬
‫مليشال سري‪ ،‬األوىل‬
‫هي « البحث عن املتش‪CC‬ابه‪ C‬داخ‪CC‬ل املختل‪CC‬ف واملتن‪CC‬وع‪ ،‬ففي مي‪CC‬دان األس‪CC‬اطري مثال‪ ،‬يقتض‪CC‬ي‬
‫البحث أن ن ‪CC‬ربهن على أن األس ‪CC‬اطري ال ‪CC‬يت ال تتش ‪CC‬ابه‪ ،‬أو ال ‪CC‬يت يك ‪CC‬ون فيه ‪CC‬ا التش ‪CC‬ابه عرض ‪CC‬يا‪ ،‬أي‬
‫تل‪CC‬ك األس‪CC‬اطري ال‪CC‬يت تظه‪CC‬ر اختالف‪CC‬ا وتنوع‪CC‬ا‪ ،‬ميكن إرجاعه‪CC‬ا إىل بني‪CC‬ة واح‪CC‬دة وثابت‪CC‬ة‪ ،‬وذل‪CC‬ك بع‪CC‬د‬
‫إج ‪CC‬راء سلس ‪CC‬لة من االس ‪CC‬تدالالت والتح ‪CC‬ويالت‪ C‬لعناص ‪CC‬ر تل ‪CC‬ك األس ‪CC‬اطري «‪ 3‬وه ‪CC‬ذا م ‪CC‬ا ق ‪CC‬ام ب ‪CC‬ه‬
‫دوميزي‪CC‬ل وأث‪CC‬ىن علي‪CC‬ه ميش‪CC‬ال س‪CC‬ري كم‪CC‬ا س‪CC‬بق االش‪CC‬ارة إىل ذل‪CC‬ك من قب‪CC‬ل‪.‬أم‪CC‬ا املس‪CC‬ألة‪ C‬الثاني‪CC‬ة فهي‬
‫املقارنة ألجل البحث عن الث‪CC‬ابت‪ C.‬إن املقارن‪CC‬ة يف املنهج الب‪CC‬نيوي غايته‪CC‬ا « البحث عن الث‪CC‬ابت‪،‬‬
‫ما دامت قاعدة التحويل والتبديل تتكفل بالتغريات اليت تط‪CC‬رأ على العناص‪CC‬ر‪ ،‬ل‪CC‬ذا وجب الق‪CC‬ول‬
‫بقاعدة املقارنة‪ ،‬كي نكشف عن الثابت‪ C‬ضمن فوارق مصطنعة «‪.4‬‬
‫وباعتبار مجاعة البورباكيني الرياضية مصدرا يستلهم منه ميشال سري‪ ،‬سواء تعلق األمر‬
‫ب ‪CC‬املنهج أو النت ‪CC‬ائج فما هي أه ‪CC‬داف ه ‪CC‬ذه ه ‪CC‬ذه اجلماعة الرياض ‪CC‬ية ؟ بورب ‪CC‬اكي اس ‪CC‬م إغ ‪CC‬ريقي‬

‫جان بياجيه‪ ،‬االبستمولوجيا التكوينية‪ ،‬تر‪ :‬السيد نفادي‪ ،‬دار التكوين‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪ ،2004 ،‬ص ‪37‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪Michel Serres, la communication, minuit,paris,1991 p 32‬‬
‫الزواوي‪ ،‬بغورة‪ ،‬البنيوية منهج أم حمتوى؟‪ ،‬عامل الفك‪C‬ر‪ ،‬الع‪C‬دد‪ ،4‬اجمللد‪ ،30‬أبري‪C‬ل‪-‬يوني‪C‬و‪ ،‬اجمللس الوط‪C‬ين للثقاف‪C‬ة‬ ‫‪3‬‬

‫والعلوم‪ C‬والفنون‪ ،‬الكويت‪ .2002 ،‬ص‪54‬‬


‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪55‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪132‬‬
‫اس‪CC‬تعارته مجاع‪CC‬ة من الرياض‪CC‬يني الش‪CC‬باب للتس‪CC‬رت وراءه‪ ،‬ويتك‪CC‬ون‪ C‬ه‪CC‬ذا الفري‪CC‬ق من خ‪CC‬رجيي كلي‪CC‬ة‬
‫املعلمني العلي‪CC‬ا يف ب‪CC‬اريس ويتك‪CC‬ون ه‪CC‬ذا الفري‪CC‬ق من ح‪CC‬وايل عش‪CC‬رين عض‪CC‬وا‪ C‬جلهم فرنس‪CC‬يني‪ ،‬وال‬
‫تتج‪CC‬اوز أعم‪CC‬ارهم مخس‪CC‬ني س‪CC‬نة حيث يس‪CC‬تقيل ك‪CC‬ل عض‪CC‬و من اجلماع‪CC‬ة إذا جتاوز ه‪CC‬ذا السن‪.‬مث‬
‫يتج ‪CC‬دد أعض ‪CC‬اء الفري ‪CC‬ق باالنتخ ‪CC‬اب وس ‪CC‬ر ذل ‪CC‬ك اعتق ‪CC‬ادهم أن ‪CC‬ه قلم ‪CC‬ا جند نظري ‪CC‬ة رياض ‪CC‬ية مجيل ‪CC‬ة‬
‫يكتش ‪CC‬فها ص ‪CC‬احبها وه ‪CC‬و يف س ‪CC‬ن الس ‪CC‬تني‪ .‬ومن أب ‪CC‬رز البورب ‪CC‬اكيني جند ج ‪CC‬ون دال ‪CC‬زرت‪ ،‬ج ‪CC‬ون‬
‫دي ‪CC‬ودوين‪ ،‬أن ‪CC‬دري ف ‪CC‬اي‪ ،‬كل ‪CC‬ود ش ‪CC‬وفاليي‪ ،‬وآخ ‪CC‬رون‪ .‬وك ‪CC‬ان ه ‪CC‬دف الفري ‪CC‬ق ه ‪CC‬و إع ‪CC‬ادة كتاب ‪CC‬ة‬
‫الرياض‪CC‬يات على أس‪CC‬س ص‪CC‬لبة بع‪CC‬دما ك‪CC‬ثر التخص‪CC‬ص وتش‪CC‬عبت‪ C‬مس‪CC‬الك العل‪CC‬وم الرياض‪CC‬ية « لق‪CC‬د‬
‫ك ‪CC‬انت للرياض ‪CC‬يني الفرنس ‪CC‬يني من جيلي مناس ‪CC‬بات‪ ،‬خالل أوىل احتكاكاتن ‪CC‬ا باخلارج‪ ،‬جعلتن ‪CC‬ا‬
‫ن‪C‬درك كم كن‪C‬ا جنه‪C‬ل التط‪C‬ورات اخلص‪C‬بة ال‪C‬يت ج‪C‬ددت آن‪C‬ذاك اجلرب والتبولوجي‪C‬ا‪ C‬والتحلي‪C‬ل ال‪C‬دايل‬
‫‪1‬‬
‫يف أملانيا وبولندا وروسيا‪ ،‬وكنا نتمىن أن تستعيد الرياضيات الفرنسية عامليتها‪ C‬التليدة »‬
‫وك ‪CC‬ان ه ‪CC‬دف اجلماعة الربهن ‪CC‬ة على وح ‪CC‬دة الرياض ‪CC‬يات ب ‪CC‬إبراز اهلياك ‪CC‬ل األساس ‪CC‬ية ال ‪CC‬يت‬
‫تش ‪CC C‬رتك فيه ‪CC C‬ا خمتل ‪CC C‬ف فروعه ‪CC C‬ا‪ ،‬حيث أق ‪CC C‬دم بورب ‪CC C‬اكي على ع ‪CC C‬رض خمتل ‪CC C‬ف املف ‪CC C‬اهيم بأخ ‪CC C‬ذ‬
‫الرياض ‪CC‬يات من منطلقه ‪CC‬ا يف ت ‪CC‬رتيب منطقي‪ ،‬وك ‪CC‬انت طريق ‪CC‬ة العم ‪CC‬ل تق ‪CC‬وم على تكلي ‪CC‬ف ك ‪CC‬ل‬
‫عض‪CC‬و من أعض‪CC‬اء الفري‪CC‬ق بإجياد األرض‪CC‬ية املناس‪CC‬بة لنظري‪CC‬ة أو ع‪CC‬دة نظري‪CC‬ات رياض‪CC‬ية‪ ،‬وجيتمع‪CC‬ون‬
‫لتب‪CC‬ادل وجه‪CC‬ات النظ‪CC‬ر يف املس‪CC‬ائل ال‪CC‬يت حتت‪CC‬اج إىل النق‪CC‬اش ومن الثم‪CC‬ار ال‪CC‬يت أفرزه‪CC‬ا ه‪CC‬ذا العم‪CC‬ل‬
‫اجلم ‪CC‬اعي‪ ،‬إص ‪CC‬دار سلس ‪CC‬لة من الكتب‪ C‬بعن ‪CC‬وان‪ C‬أص ‪CC‬ول الرياض ‪CC‬يات مثلم ‪CC‬ا وضع إقلي ‪CC‬دس كتاب ‪CC‬ه‬
‫الشهري يف اهلندسة بعنوان أصول إقليدس‪ 2.‬وهبذا العمل استطاع فريق بورباكي إعادة ع‪CC‬رض‬
‫الرياض ‪CC C‬يات بأخ ‪CC C‬ذها من نقط ‪CC C‬ة انطالقها املنطقي‪C C C‬ة‪ C‬وليس التارخيي ‪CC C‬ة‪ ،‬وإع ‪CC C‬ادة بنائه ‪CC C‬ا مبواد بن‪CC C‬اء‬
‫أج‪CC‬ريت عليه‪CC‬ا ك‪CC‬ل التج‪CC‬ارب والتحالي‪CC‬ل ال‪CC‬يت تض‪CC‬من ص‪CC‬الحيتها‪ .‬وب‪C‬الرغم من االنتق‪CC‬ادات‪ C‬ال‪CC‬يت‬

‫‪1‬‬
‫نقال عن مقال ‪Dieudonné J. : OEuvres mathématiques, tome 1, Hermann, Paris, 1981 :‬‬
‫‪ .‬نيكوال بورباكي وهشاشة الرياضيات ‪،‬أبو بكر خالد سعد اهلل ‪ ،‬املدرسة‪ C‬العليا لألساتذة‪ ،‬قسم الرياضيات‪ ،‬القبة ‪ ،‬اجلزائر‬
‫أنظ‪C‬ر‪ ،‬أب‪CC‬وبكر خال‪CC‬د س‪CC‬عد اهلل‪ ،‬بورب‪CC‬اكي وهشاش‪CC‬ة الرياض‪CC‬يات‪ ،‬املدرس‪CC‬ة العلي‪CC‬ا لألس‪CC‬اتذة‪ ،‬قس‪CC‬م الرياض‪C‬يات‪ ،‬القب‪CC‬ة‬ ‫‪2‬‬

‫اجلزائر‬
‫‪133‬‬
‫وجهت للفريق إلفراطه يف النظرة التجريدية مما يصعب الرياضيات على دارسيها‪ .‬فإن س‪CC‬ري ال‬
‫خيفي ت ‪CC‬أثره الش ‪CC‬ديد هبذا العم ‪CC‬ل الرياض ‪CC‬ي وأراد أن جيد ل ‪CC‬ه م ‪CC‬ثيال ليس بني ف ‪CC‬روع الرياض ‪CC‬ات‬
‫وفقط وإمنا بني خمتلف فروع املعرفة العلمية واإلنسانية‪C‬‬

‫أم‪CC‬ا عن إنتاج‪CC‬ه الفك‪CC‬ري والفلس‪CC‬في فيمكن الق‪CC‬ول أن مس‪CC‬رية ميش‪CC‬يل س‪CC‬ري الفلس‪CC‬فية ق‪CC‬د‬
‫بدأت بكتابه‪ C‬االول "فلسفة اليبن‪C‬تز ومناذجه‪C‬ا الرياض‪C‬ية"' يف ج‪C‬زأين' وك‪C‬ان أول مق‪C‬ال فلس‪C‬في‬
‫ل‪CC‬ه عن مفه‪CC‬وم ش‪CC‬بكة التواصل ع‪CC‬ام ‪ ،1961‬مث واص‪CC‬ل االهتم‪CC‬ام بقض‪CC‬ية‪ C‬التواصل ع‪CC‬رب كتب‪CC‬ه عن‬
‫هرمس وهو إله التواصل عن‪CC‬د االغري‪CC‬ق يف مخس‪CC‬ة أج‪C‬زاء «كنت أق‪CC‬ول ل ـــ ألتوس‪C‬ري‪ C:‬إن إل‪CC‬ه الع‪C‬امل‬
‫احلديث ليس بروميت‪C‬ه إل‪C‬ه االنت‪C‬اج ب‪C‬ل ه‪C‬رمس إل‪C‬ه التواص‪C‬ل‪ 1» C‬وص‪C‬در علي ف‪C‬رتات متقطع‪C‬ة من‪C‬ذ‬
‫ع ‪CC‬ام ‪ 1969‬وح ‪CC‬يت ‪ 1980‬كم ‪CC‬ا أص ‪CC‬در "أوجس ‪CC‬ت ك ‪CC‬ونت ودروس يف الفلس ‪CC‬فة الوض ‪CC‬عية"‪C‬‬
‫و"الطفيلي"ال‪CC‬ذي ت‪CC‬رك في‪CC‬ه العل‪CC‬وم الص‪CC‬لبة متجه‪CC‬ا إىل العل‪CC‬وم اإلنس‪CC‬انية‪ .‬وروم‪CC‬ا كت‪CC‬اب األص‪CC‬ول‬
‫واحلواس اخلمس‪ ،‬ومب‪CC‬ادئ ت‪CC‬اريخ العل‪CC‬وم" و"العق‪CC‬د الط‪CC‬بيعي" ال‪CC‬ذي ت‪CC‬رجم ايل أك‪CC‬ثر من عش‪CC‬ر‬
‫لغات ليس بينها اللغة العربية‪ ،‬وإيضاحات‪ ،‬وأصول اهلندسة الذي ترجم إىل العربية وأسطورة‬
‫املالئكة‪ ،‬وأطلس والكنز قاموس العلوم باالشرتاك مع نائلة ف‪CC‬اروقي وحنو انس‪CC‬انية مث زمن احملن‪C‬ة‪C‬‬
‫ال‪CC‬ذي ص‪CC‬در س‪CC‬نة ‪ 2009‬ال‪CC‬ذي حيل‪CC‬ل في‪CC‬ه االزم‪CC‬ة املالي‪CC‬ة العاملي‪CC‬ة األخ‪CC‬رية‪ ،‬وآخ‪CC‬ر م‪CC‬ا ص‪CC‬در ل‪CC‬ه‬
‫كتيب‪ C‬حيمل اسم اإلصبع الصغرية‪ .‬يتطرق فيه إىل اإلصبع الصغرية وهو اإلنسان اجلديد ال‪CC‬ذي‬
‫نشأ يف ظل تطور التكنولوجيا احلديثة‪.‬‬
‫فبعدما عاشت االنسانية‪ C‬ثورة االنتق‪CC‬ال من الش‪C‬فوي ايل املكت‪C‬وب‪ C،‬مث من املكت‪CC‬وب ايل‬
‫املطب‪CC‬وع‪ C‬ه‪CC‬ا هي ث‪CC‬ورة ثالث‪CC‬ة‪ ،‬ث‪CC‬ورة التكنولوجي‪CC‬ا احلديث‪CC‬ة وال‪CC‬يت ت‪CC‬زامنت م‪CC‬ع حتوالت سياس‪CC‬ية‪،‬‬
‫واجتماعي ‪CC‬ة ومعرفي ‪CC‬ة ش ‪CC‬كلت مراح ‪CC‬ل أزم ‪CC‬ة من وجه ‪CC‬ة نظ ‪CC‬ر س ‪CC‬ري‪ .‬وم ‪CC‬ع املرحل ‪CC‬ة اجلدي ‪CC‬دة نش ‪CC‬أ‬
‫إنس‪CC‬ان جدي‪CC‬د‪ :‬يس‪CC‬ميه ميش‪CC‬ال س‪CC‬ري " اإلص‪CC‬بع الص‪CC‬غرية " وهي إش‪CC‬ارة ايل الطريق‪CC‬ة ال‪CC‬يت ترس‪CC‬ل‬

‫حوارات فلسفية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪142‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪134‬‬
‫الرس ‪CC‬ائل بواس ‪CC‬طة األص ‪CC‬ابع‪ .‬إن األص ‪CC‬بع الص ‪CC‬غرية س ‪CC‬تجد نفس ‪CC‬ها أم ‪CC‬ام واجب إع ‪CC‬ادة اكتش ‪CC‬اف‬
‫طريق ‪CC‬ة الوج ‪CC‬ود واملعرف ‪CC‬ة وتب ‪CC‬دأ عه ‪CC‬دا جدي ‪CC‬داً سيش ‪CC‬هد انتص ‪CC‬ار التع ‪CC‬دد اجمله ‪CC‬ول‪ ،‬عن ‪CC‬د النخب ‪CC‬ة‬
‫املس‪CC‬رية‪ ،‬احملددة س‪CC‬لفاً‪ ،‬وتش‪CC‬هد املعرف‪CC‬ة املتس‪CC‬ائلة ح‪CC‬ول النظري‪CC‬ات املدرس‪CC‬ة‪ ،‬واجملتم‪CC‬ع غ‪CC‬ري املادي‬
‫املرتبط حبرية‪ ،‬مبجتمع الفرجة ذي املعىن الواحد‪ .‬والكتاب يقرتح علي االصبع الصغرية‪ C‬تعاوناً‬
‫م ‪CC‬ا بني األجي ‪CC‬ال « من دون أن نالح ‪CC‬ظ حنن أي ش ‪CC‬يء‪ ،‬فق ‪CC‬د ُولِ ‪CC‬د اإلنس ‪CC‬ان اجلدي ‪CC‬د‪ ،‬اإلنس ‪CC‬ان‪C‬‬
‫ال ‪CC‬ذي يفص ‪CC‬لنا عن س ‪CC‬نوات الس ‪CC‬بعينات‪ C.‬ه ‪CC‬و أو هي‪ ،‬مل يع ‪CC‬د ل ‪CC‬ديهما اجلس ‪CC‬م نفس ‪CC‬ه‪ ،‬والعم ‪CC‬ر‬
‫املتوقَّع نفس‪CC‬ه‪ ،‬ومل يع‪CC‬ودا يعيش‪CC‬ان يف املك‪CC‬ان نفس‪CC‬ه‪ ،‬وال يتواص‪CC‬الن بالطريق‪CC‬ة نفس‪CC‬ها‪ ،‬وال يري‪CC‬ان‬
‫‪1‬‬
‫العامل نفسه‪ ،‬وال يعيشان‪ C‬يف الطبيعة نفسها وال يسكنان‪ C‬الفضاء نفسه »‬

‫‪ /2‬االبستمولوجيا‪ C‬املعاصرة‪...‬مهامها وأهدافها‪.‬‬


‫تن ‪CC‬درج االبس ‪CC‬تمولوجيا‪ C‬الس ‪CC‬ريية ض ‪CC‬من نط ‪CC‬اق احملاوالت التجديدي ‪CC‬ة لإلبس ‪CC‬تمولوجيا‬
‫التقليدية‪.‬ملثما سعى جان بياجيه يف االبستمولوجيا التكوينية عن‪C‬دما ح‪C‬اول « أن حيدث حتوال‬
‫يف مسار هذا امليدان‪ C‬بنقله من الفلسفة إىل العلم‪ ،‬مثل بقية العلوم االنس‪C‬انية األخ‪C‬رى ال‪CC‬يت س‪CC‬بق‬
‫هلا أن اس‪CC C‬تقلت عن التأم‪CC C‬ل الفلس‪CC C‬في وش‪CC C‬كلت علوم‪CC C‬ا قائم‪CC C‬ة ب‪CC C‬ذاهتا هلا موض‪CC C‬وعاهتا اخلاص‪CC C‬ة‬
‫ومناهجها النوعية‪ 2» C‬فاهلدف املعلن السعي إىل علميتها وجعله‪C‬ا متماش‪C‬ية م‪C‬ع العل‪C‬وم املعاص‪C‬رة‬
‫ومستقلة عن التأمل الفلسفي‪ .‬لكن كيف يتحقق ذلك؟‬
‫ك ‪CC‬انت الدراس ‪CC‬ة االبس ‪CC‬تمولوجية س ‪CC‬ابقا متث ‪CC‬ل دراس ‪CC‬ة متهيدي ‪CC‬ة لنظري ‪CC‬ة املعرف ‪CC‬ة داخ ‪CC‬ل جمال‬
‫الفلس ‪CC‬فة‪.‬وغالب ‪C‬ا‪ C‬م ‪CC‬ا ش ‪CC‬كلت ج ‪CC‬زءا من االنس ‪CC‬اق الفلس ‪CC‬فية الك ‪CC‬ربى‪.‬ويق ‪CC‬دم لن ‪CC‬ا بياجي ‪CC‬ه تص ‪CC‬نيفا‬
‫ميشال سار‪ ،‬اإلصبع الصغرية‪ ،‬تر‪ :‬عبد الرمحان بوعلي‪ ،‬وزارة الثقافة والفن‪C‬ون وال‪CC‬رتاث‪ ،‬قط‪CC‬ر‪ ،‬د‪.‬ط ‪ 2014‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪14 ،13‬‬
‫حممد‪ ،‬وقيدي‪ ،‬االبستمولوجيا التكوينية عند جان بياجيه‪ ،‬افريقيا الشرق‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬املغرب‪ ،2007 ،‬ص‪65‬‬
‫‪2‬‬

‫‪135‬‬
‫للتيارات اليت عرفها تاريخ العلم والفلس‪CC‬فة وهي « ثالث‪C‬ة أن‪CC‬واع‪ :‬االبس‪C‬تمولوجيات‪ C‬امليتافيزيقي‪CC‬ة‬
‫أو مابعد العلمية واالبستمولوجيات‪ C‬املوازية للعلم‪ ،‬مث االبستمولوجيات العلمية »‪. 1‬‬
‫م‪CC‬ا عن‪CC‬اه بياجي‪CC‬ه باالبس‪CC‬تمولوجيا امليتافيزيقي‪CC‬ة نظري‪CC‬ات املعرف‪CC‬ة ال‪CC‬يت « إذ تنطل‪CC‬ق من تفك‪CC‬ري‬
‫يف العل‪CC‬وم متي‪CC‬ل إىل أن جتع‪CC‬ل ه‪CC‬ذا التفك‪CC‬ري يتس‪CC‬ع لكي يص‪CC‬بح نظري‪CC‬ة عام‪CC‬ة يف املعرف‪CC‬ة » ‪ 2‬وتعت‪CC‬رب‬
‫الص ‪CC‬يغة‪ C‬األوىل للتفك ‪CC‬ري يف العلم‪ ،‬إذ حتم ‪CC‬ل يف ثناياه ‪CC‬ا نظري ‪CC‬ات ميتافيزيقي ‪CC‬ة حول ‪CC‬ه‪ .‬وميث ‪CC‬ل ه ‪CC‬ذا‬
‫التوجه ديدن الكثري من املذاهب‪ C‬اليت عرفها ت‪CC‬اريخ الفك‪CC‬ر الفلس‪CC‬في قدميه وحديث‪CC‬ه‪.‬وعلى س‪CC‬بيل‬
‫الذكر ال احلصر « ما فعله كانط‪ ،‬مثال‪ ،‬يف كتابه األساسي نقد العقل اخلالص »‪.3‬‬
‫أم‪CC‬ا االبس‪CC‬تمولوجيا املوازي‪C‬ة‪ C‬للعلم وإن ك‪CC‬انت تش‪CC‬كل منوذج‪CC‬ا مغ‪CC‬ايرا من التفك‪CC‬ري الفلس‪CC‬في‬
‫يف العلم‪ ،‬إال أهنا مل تنفص‪CC‬ل عن س‪CC‬ابقاهتا يف غاياهتا الفلس‪CC‬فية وامليتافيزيقي‪CC‬ة‪.‬ألهنا تفك‪CC‬ر يف العلم‬
‫من أجل وضع حدود له يف مقابل معرف‪C‬ة أخ‪C‬رى موازي‪C‬ة ل‪C‬ه‪ .‬فهي « ال تق‪C‬وم أب‪C‬دا على أس‪C‬اس‬
‫التفك‪CC‬ري يف ش‪CC‬روط التفك‪CC‬ري العلمي هبدف الوص‪CC‬ول إىل نظري‪CC‬ة عام‪CC‬ة يف املعرف‪CC‬ة‪ ،‬ب‪CC‬ل إهنا جتته‪CC‬د‬
‫انطالقا من نقد يضع حدودا للعلم لكي تؤسس خارج ح‪CC‬دود العلم ص‪CC‬ورة أخ‪CC‬رى من املعرف‪CC‬ة‬
‫املختلف ‪CC‬ة عن ‪CC‬ه »‪ 4‬ان نق ‪CC‬د العلم يس ‪CC‬تهدف إب ‪CC‬راز ح ‪CC‬دوده وقص ‪CC‬ور حقائق ‪CC‬ه ومناهج ‪CC‬ه مث حماول ‪CC‬ة‬
‫إثب‪CC C‬ات معرف‪CC C‬ة أخ‪CC C‬رى أمسى من‪CC C‬ه وأق‪CC C‬در على بل‪CC C‬وغ احلقيق‪CC C‬ة املطلق‪CC C‬ة‪ .‬وأفض‪CC C‬ل من مث‪CC C‬ل ه‪CC C‬ذه‬
‫االبستمولوجيا‪ C‬االجتاه الروحاين خصوصا مع رافسون‪ ،‬الشولييه‪ C،‬بوترو‪ ،‬وبرغسون‪.‬‬
‫أم ‪CC‬ا الش ‪CC‬كل الث ‪CC‬الث متثل ‪CC‬ه االبس ‪CC‬تمولوجيا العلمي ‪CC‬ة وهي أك ‪CC‬ثر متيزا عن س ‪CC‬ابقاهتا فهي ال‬
‫تتناول املعرف‪CC‬ة بص‪CC‬فة عام‪C‬ة ب‪C‬ل تقتص‪CC‬ر على املعرف‪C‬ة العلمي‪C‬ة حص‪C‬را « إهنا االبس‪C‬تمولوجيات‪ C‬ال‪C‬يت‬
‫حتصر هدفها اخلاص يف تفس‪CC‬ري املعرف‪CC‬ة العلمي‪C‬ة‪ ،‬وال هتدف أب‪C‬دا إىل دراس‪C‬ة املعرف‪C‬ة بص‪C‬فة عام‪CC‬ة‪،‬‬
‫إم‪CC‬ا ألهنا تعت‪CC‬رب أن املعرف‪CC‬ة العلمي‪CC‬ة هي املعرف‪CC‬ة املمكن‪CC‬ة الوحي‪CC‬دة‪ ،‬أو ألهنا جتع‪CC‬ل من اختصاص‪CC‬ها‬

‫ص‪65‬‬ ‫املرجع نفسه‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪Piaget, jean, logique et connaissance scientifique, édition Gallimard, 1967, p15‬‬
‫‪3‬‬
‫محمد وقيدي‪ ،‬االبستمولوجيا التكوينية عند جان بياجيه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪72‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Piaget, jean, logique et connaissance scientifique, op cit, p 26‬‬

‫‪136‬‬
‫تأوي‪CC C‬ل ه‪CC C‬ذه املعرف‪CC C‬ة يف ذاهتا » ‪ 1‬وتنبث‪CC C‬ق ه‪CC C‬ذه االبس‪CC C‬تمولوجيا‪ C‬من التفك‪CC C‬ري يف العلم باعتب‪CC C‬اره‪C‬‬
‫متط‪CC‬ورا وليس ثابت‪CC‬ا وهنائي‪CC‬ا‪ .‬ول‪CC‬ذلك ارتبطت باملمارس‪CC‬ة العلمي‪CC‬ة‪ ،‬وميكن تص‪CC‬نيفها يف اجتاه‪CC‬ات‬
‫ثالثة « فقد صدرت أوال عن حماولة وضع مبادئ للعلوم وهو ما قامت به الفلسفة الوضعية‪.‬‬
‫كم‪CC‬ا ص‪CC‬درت ثاني‪CC‬ا عن البحث ض‪CC‬من تط‪CC‬ور املعرف‪CC‬ة العلمي‪CC‬ة عن معطي‪CC‬ات ح‪CC‬ول تط‪CC‬ور‬
‫املعرف ‪CC‬ة العام ‪CC‬ة مل جيدها الفالس ‪CC‬فة خ ‪CC‬ارج املعرف ‪CC‬ة العلمي ‪CC‬ة‪ ،‬وه ‪CC‬ذا م ‪CC‬ا ك ‪CC‬ان ميثل ‪CC‬ه برانش ‪CC‬فيك‪ ،‬مث‬
‫التفكري الذي مارسه كثري من العلماء يف وسائل علمهم ومناهجهم‪ ،‬وه‪CC‬و م‪CC‬ا مل يكن يه‪CC‬دف‬
‫باألس‪CC‬اس إىل تأس‪CC‬يس‪ C‬فلس‪CC‬فة ح‪CC‬ول العلم‪ ،‬ب‪CC‬ل ك‪CC‬ان هدف‪CC‬ه جتاوز األزم‪CC‬ات ال‪CC‬يت عرفه‪CC‬ا العلم يف‬
‫تطوره »‪ 2‬ففي نطاق هذا االجتاه تبلور موقف ابستمولوجي يؤك‪CC‬د أمهي‪CC‬ة النق‪CC‬د الفلس‪CC‬في للعلم‬
‫وانص ‪C‬ب‪ C‬تفك ‪CC‬ريه ح ‪CC‬ول مس ‪CC‬تقبل العلم ومن داخ ‪CC‬ل تط ‪CC‬ور العل ‪CC‬وم ويع ‪CC‬د غاس ‪CC‬تون باش ‪CC‬الر أب ‪CC‬رز‬
‫ممثليه‪.‬‬
‫لكن ميشال سري يريد لالبستمولوجيا أن تتم خارج الفلس‪CC‬فة ومن دوهنا‪ ،‬وذل‪CC‬ك بفض‪CC‬ل‬
‫تش ‪CC‬كل ن ‪CC‬وع جدي ‪CC‬د من االبس ‪CC‬تمولوجيا احملايث ‪CC‬ة للعلم يس ‪CC‬ميها االبس ‪CC‬تمولوجيا املوجب ‪CC‬ة‪ .‬وال ‪CC‬يت‬
‫تريد أن تنفرط من عقد التبعية‪ C‬للتأمل الفلسفي كي تص‪CC‬ري علم‪CC‬ا ل‪CC‬ه موض‪CC‬وعه اخلاص ومناهج‪CC‬ه‬
‫النوعية‪.‬‬

‫لق ‪CC‬د اس ‪CC‬تورد العلم املعاص ‪CC‬ر إش ‪CC‬كاليات االبس ‪CC‬تمولوجيا الكالس ‪CC‬يكية‪ C،‬لكن ‪CC‬ه خلّص ‪CC‬ها من‬
‫صفتها اإلنعكاسية‪ C،‬إذ جعلها تقنية حبتة‪ ،‬ومصورنة « إن املشكالت بقيت‪ C‬هي نفسها لكنها‬

‫أص ‪CC‬بحت تقني ‪CC‬ة ومص ‪CC‬ورنة ومطه ‪CC‬رة من نس ‪CC‬مة انعكاس ‪CC‬يتها »‪ 3‬إن خط ‪CC‬أ االبس ‪CC‬تمولوجيا‬
‫‪1‬‬
‫‪Ibid, p 41‬‬
‫حممد وقيدي‪ ،‬االبستمولوجيا التكوينية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪78‬‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪:serres michel, la communication, minuit, paris, p 75‬‬

‫‪137‬‬
‫الكالس ‪CC‬يكية ه ‪CC‬و جتاوزه ‪CC‬ا وظيف ‪CC‬ة الوص ‪CC‬ف إىل فع ‪CC‬ل احلكم واملعياري ‪CC‬ة وه ‪CC‬ذا م ‪CC‬ا جعله ‪CC‬ا تش ‪CC‬يخ‬
‫وتص ‪CC C‬بح كالس ‪CC C‬يكية‪ C،‬إن الفيلس ‪CC C‬وف يبقى دائم ‪CC C‬ا كالس ‪CC C‬يكيا ب ‪CC C‬النظر إىل العل ‪CC C‬وم املعاص‪CC C‬رة ‪-‬‬
‫املعاص‪CC‬رة‪ ‬إذ يتعني‪ -‬حبس‪CC‬ب س‪CC‬ري ‪ -‬على اخلط‪CC‬اب االبس‪CC‬تمولوجي التقلي‪CC‬دي االحتف‪CC‬اظ مبهمت‪CC‬ه‬
‫كخط‪CC C C‬اب ح‪CC C C‬ول العلم لكن م‪CC C C‬ع ض‪CC C C‬رورة جتدي‪CC C C‬د موض‪CC C C‬وعه وه‪CC C C‬و مطابق‪CC C C‬ة االبس‪CC C C‬تمولوجيا‪C‬‬
‫ملوضوعها املتجدد‪.‬‬
‫ويتخ‪CC‬ذ ميش‪CC‬ال س‪CC‬ري من العل‪CC‬وم الرياض‪CC‬ية مث‪CC‬اال لتوض‪CC‬يح أبع‪CC‬اد ه‪CC‬ذا املش‪CC‬روع وتبي‪CC‬ان كيفي‪CC‬ة‬
‫انبث ‪CC‬اق‪ C‬االبس ‪CC‬تمولوجيا من داخ ‪CC‬ل املمارس ‪CC‬ة العلمي ‪CC‬ة‪ .‬حيث أن العلم ‪CC‬اء املش ‪CC‬تغلون ب ‪CC‬العلم هم‬
‫أنفس ‪CC C‬هم س ‪CC C‬امهوا يف تط ‪CC C‬وير عل‪CC C‬ومهم ومي ‪CC C‬ادين ختصص‪CC C‬هم‪ .‬ويتس ‪CC C‬اءل س ‪CC C‬ري إمكاني ‪CC C‬ة امت ‪CC C‬داد‬
‫االبس ‪CC C‬تمولوجيا‪ C‬التقليدي‪C C C‬ة‪ C‬إىل الرياض ‪CC C‬يات املعاص ‪CC C‬رة‪ .‬وفع ‪CC C‬ل االمت ‪CC C‬داد يتواف ‪CC C‬ق متام ‪CC C‬ا م‪CC C‬ع فع‪CC C‬ل‬
‫االس‪CC‬ترياد كمفه‪CC‬وم مرك‪CC‬زي يف فلس‪CC‬فة س‪CC‬ري التواص‪CC‬لية‪.‬حيث‪ C‬ان الرياض‪CC‬يات املعاص‪CC‬رة تس‪CC‬تورد‬
‫مش‪CC‬كالت االبس‪CC‬تمولوجيا التقليدي‪CC‬ة وه‪CC‬ذه االخ‪CC‬رية تف‪CC‬رغ من حمتواه‪CC‬ا ومن إش‪CC‬كالياهتا األص‪CC‬لية‬
‫اليت تتمحور حول الذات العارفة‪.‬‬
‫ويتح ‪CC‬ول احلوار داخ ‪CC‬ل العلم الرياض ‪CC‬ي بني النظري ‪CC‬ات الرياض ‪CC‬ية‪ ،‬أو ح ‪CC‬وار بني رياض ‪CC‬يني‬
‫ق ‪CC‬دامى وج ‪CC‬دد من جه ‪CC‬ة ومناطق ‪CC‬ة معاص ‪CC‬رين من جه ‪CC‬ة ثاني ‪CC‬ة‪ .‬أم ‪CC‬ا االبس ‪CC‬تمولوجيا فهي خ ‪CC‬ارج‬
‫الدائرة حتافظ على بنيتها‪ C‬التقليدية « إذن ليس هناك تطور فعلي‪ ،‬واكتشاف حقيقي غ‪CC‬ري ه‪CC‬ذه‬
‫املش ‪CC‬اجرات املتواص ‪CC‬لة بني ق ‪CC‬دماء ومعاص ‪CC‬رين وال ‪CC‬يت تنفي‪ C‬بعم ‪CC‬ق إتص ‪CC‬الية الرتاكم ‪CC‬ات الص ‪CC‬غرية‬
‫ملتوالي‪CC‬ة جزئي‪CC‬ة من النت‪CC‬ائج املس‪CC‬تنبطة هك‪CC‬ذا فإنن‪CC‬ا نقلب النظ‪CC‬ام ونعي‪CC‬د رس‪CC‬م وج‪CC‬ه م‪CC‬ا‪ ،‬إنن‪CC‬ا نتكلم‬
‫لغ‪CC‬ة جدي‪CC‬دة‪ ،‬ففيم‪CC‬ا يتعل‪CC‬ق بن‪CC‬ا يستحس‪CC‬ن أن نض‪CC‬ع قاموس‪CC‬ا مقارن‪CC‬ا مييز بني اللهج‪CC‬ة الكالس‪CC‬يكية‪C‬‬
‫واللغة املعاصرة »‪.1‬‬
‫إن الق ‪CC C‬اموس‪ C‬ال ‪CC C‬ذي يقرتح ‪CC C‬ه س ‪CC C‬ري ه ‪CC C‬و أداة للمقارن ‪CC C‬ة والتمي ‪CC C‬يز بني مف ‪CC C‬اهيم العلم‬

‫وصف ينسبه ميشيل سري للعلوم‪ C‬املعاصرة وللتطورات املتالحقة والسريعة اليت تشهدها‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫‪1‬‬
‫‪s.michel, la communication, op citp: 72‬‬

‫‪138‬‬
‫الكالس‪CC‬يكي‪ C‬ومف‪CC‬اهيم العلم املعاص‪CC‬ر ألن املعرف‪CC‬ة تتط‪CC‬ور وتتق‪CC‬دم حنو األحس‪CC‬ن‪ .‬وعن‪CC‬دما يوظ‪CC‬ف‬
‫س‪CC C‬ري عب‪CC C‬ارة هلج‪CC C‬ة لوص‪CC C‬ف لغ‪CC C‬ة العلم الكالس‪CC C‬يكي‪ C‬يف مقاب‪CC C‬ل لغ‪CC C‬ة العلم املعاص‪CC C‬ر تأكي‪CC C‬د هلذه‬
‫احلقيق‪CC‬ة‪ .‬ويف ك‪CC‬ل حلظ‪CC‬ة إع‪CC‬ادة بن‪CC‬اء النس‪CC‬ق يص‪CC‬بح الرياض‪CC‬يون‪ C‬ابس‪CC‬تمولوجيني ملع‪CC‬رفتهم اخلاص‪CC‬ة‬
‫وهنا تربز حمايثة االبستمولوجيا للعلم‪.‬‬
‫إن الرياض‪C‬يات املعاص‪C‬رة حتاول أن تتأس‪C‬س‪ C‬كابس‪CC‬تمولوجيا علمي‪CC‬ة أو موجب‪CC‬ة‪ ،‬ول‪CC‬ذلك هي‬
‫تتكلم عن نفس‪CC‬ها‪ ،‬وفق‪CC‬ا خلصائص‪CC‬ا متيزه‪CC‬ا‪ .‬إهنا ابس‪CC‬تمولوجيا ناش‪CC‬ئة عن طبيع‪C‬ة‪ C‬املوض‪CC‬وع ال‪CC‬ذي‬
‫تتح‪CC‬دث عن‪CC‬ه مبع‪CC‬ىن أهنا داخلي‪CC‬ة‪ ،‬تتأس‪CC‬س من داخ‪CC‬ل العلم ذات‪CC‬ه‪ ،‬وليس من خارج‪CC‬ه‪ ،‬وتس‪CC‬تعمل‬
‫لغته نفسها‪ ،‬أي علم العلم « فإن علم العلم يعين نسخا هلذا على نفسه‪ ،‬ألنه شبه انعكاسي‪C،‬‬
‫وليس اف‪CC‬رتاق خط‪CC‬اب عن موض‪CC‬وعه إن‪CC‬ه إعالء داخلي وانعكاس‪CC‬ية جهوي‪CC‬ة »‪ 1‬وهي معمم‪CC‬ة‬
‫ألهنا متت ‪CC‬د حنو املوض ‪CC‬وع واملنهج‪ ،‬تتم ‪CC‬يز يف كوهنا ابس ‪CC‬تمولوجيا ص ‪CC‬ارمة حيث تس ‪CC‬تمد دقته ‪CC‬ا‬
‫وصرامتها من الرياضيات كعلم‪ ،‬وكل علم يتحدث عن نفسه بأكثر ما ميكن من الصرامة‪.‬‬

‫وميكن القول أهنا رياض‪C‬يات الرياض‪CC‬يات‪ ،‬حيث تنعكس الرياض‪C‬يات على نفس‪CC‬ها « إن‬
‫املهمة الوصفية التقليدية لالبستمولوجيا الكالسيكية‪ C‬قد امتصها‪ C‬هذا الوصف الصارم »‪ 2‬فبع‪CC‬د‬
‫أن تعمم هذه االبستمولوجيا يف الرياض‪CC‬يات تس‪CC‬ند إليه‪CC‬ا مجي‪CC‬ع مه‪CC‬ام االبس‪CC‬تمولوجيا‪ C‬التقليدي‪CC‬ة ‪.‬‬
‫وألهنا تس ‪CC‬اعد على انفت ‪CC‬اح العلم وتقدم ‪CC‬ه حبل مش ‪CC‬كالته وجتاوز أزمات ‪CC‬ه وإع ‪CC‬ادة بنائ ‪CC‬ه‪ ،‬يص ‪CC‬فها‬
‫سري بأهنا إبستمولوجيا موجبة‪.‬‬
‫وهبذا ختلت االبستمولوجيا وبال رجعة عن املهمة املعيارية والنقدية‪ C‬اليت ميزت اخلطاب‬
‫االبستمولوجي‪ C‬اجتاه العلوم والذي تتمثل أساسا يف املش‪C‬كل الفلس‪C‬في للحقيق‪C‬ة وبن‪C‬اء نظري‪C‬ة يف‬
‫املعرف ‪CC C‬ة والس ‪CC C‬عي حنو أي تأوي ‪CC C‬ل ميت‪CC C‬افيزيقي خ‪CC C‬ارج ح‪CC C‬دود العلم‪ .‬ان مهم ‪CC C‬ة االبس‪CC C‬تمولوجيا‪C‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ibid, 65‬‬
‫‪:p‬‬
‫‪:ibid, p‬‬ ‫‪61‬‬
‫‪2‬‬

‫‪139‬‬
‫املوجبة ال تعدو أن تكون‪ C‬مهمة وصفية « وهكذا فإن‪C‬ه من اجلوهري أن تص‪CC‬بح فلس‪C‬فة العل‪C‬وم‪،‬‬
‫فلسفة تاريخ‬
‫العل ‪CC C‬وم‪ ،‬أو تأرخيه ‪CC C‬ا للعل ‪CC C‬وم‪ ،‬أو أيض ‪CC C‬ا ت ‪CC C‬اريخ فلس ‪CC C‬فة العل ‪CC C‬وم‪ ،‬إن من اجلوهري أن تص‪CC C‬ب يف‬
‫التارخيانية‪ 1»C‬ف‪CC C‬إذا ح‪CC C‬افظت فلس‪CC C‬فة العل‪CC C‬وم على خطاهبا كف‪CC C‬رع من ف‪CC C‬روع الفلس‪CC C‬فة فال ب‪CC C‬د‬
‫لالبستمولوجيا أن تؤسس بوصفها علما‪.‬‬
‫وال ينكر ميش‪CC‬ال س‪C‬ري تعددي‪CC‬ة اجلهوي‪CC‬ات العلمي‪CC‬ة ب‪CC‬ل يق‪C‬ر ب‪CC‬التبعثر واالختالف‪ .‬وه‪C‬و األم‪C‬ر‬
‫الذي يشرعن التساؤل حول طبيعة‪ C‬اخلطاب االبستمولوجي فهل يتعدد بتعددها؟‬
‫يري‪CC‬د س‪CC‬ري أن جيع‪CC‬ل من ك‪CC‬ل جهوي‪CC‬ة علمي‪CC‬ة إبس‪CC‬تمولوجيا منعكس‪CC‬ة على جماهلا اخلاص‪.‬‬
‫أي تنكفئ على نفس‪CC‬ها وه‪CC‬ذا ال يتع‪CC‬ارض م‪CC‬ع ض‪CC‬رورة انفتاحه‪CC‬ا التواص‪CC‬لي‪ .‬فهي منغلق‪CC‬ة داخ‪CC‬ل‬
‫جماهلا اخلاص‪ ،‬ومنفتح‪CC‬ة على ب‪CC‬اقي العل‪CC‬وم‪ ،‬واالنفت‪CC‬اح يك‪CC‬ون تواص‪CC‬ال أو تف‪CC‬اعال ع‪CC‬رب فع‪CC‬ل النق‪CC‬ل‬
‫والتص‪CC‬دير « إهنا إذن إبس‪CC‬تمولوجيا جهوي‪CC‬ة م‪CC‬رتني‪ :‬لنفس‪CC‬ها حس‪CC‬ب النس‪CC‬خ واالنغالق‪ ،‬وللعلم‬
‫على العموم انطالقا من نفسها وداخل لغته‪C‬ا اخلاص‪CC‬ة حس‪CC‬ب الرتاب‪CC‬ط واالنفت‪CC‬اح »‪ 2‬فلك‪C‬ل علم‬
‫جمال ‪CC‬ه اخلاص وحقيقت ‪CC‬ه املس ‪CC‬تقلة وبالت ‪CC‬ايل ميتل ‪CC‬ك خطاب ‪CC‬ا يعكس عالقات ‪CC‬ه الداخلي ‪CC‬ة ويف ال ‪CC‬وقت‪C‬‬
‫نفسه ينفتح على باقي اجلهويات العلمية‪ .‬فكل علم هو علم العلوم‪.‬‬
‫أما موضوع االبستمولوجيا‪ C‬املوجبة‪ C‬بالنسبة‪ C‬إلي‪CC‬ه ه‪CC‬و جمه‪CC‬ول العلم « إن‪CC‬ين أتب‪CC‬ىن كأطروح‪CC‬ة‬
‫أن موض‪CC‬وع االبس‪CC‬تمولوجيا ه‪CC‬و جمه‪CC‬ول العلم رمبا أك‪CC‬ثر من العلم نفس‪CC‬ه إذا ك‪CC‬انت على األق‪CC‬ل‬
‫ت‪CC‬رفض أن تبقى نس‪CC‬خة خالص‪CC‬ة لالبس‪CC‬تمولوجيا اجلهوي‪CC‬ة‪ ،‬ال‪CC‬يت – كم‪CC‬ا س‪CC‬نرى – ميارس‪CC‬ها ك‪CC‬ل‬
‫علم من‪CC‬ذ اآلن على نفسه»‪ 3‬إن موس‪CC‬وعة املعرف‪CC‬ة كم‪CC‬ا يتص‪CC‬ورها س‪CC‬ري تتض‪CC‬من يف مجي‪CC‬ع نقاطه‪CC‬ا‬

‫‪:op cit, p‬‬ ‫‪62‬‬


‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪Serres Michel . l interference, les editions de minuit, collection critique, paris, 1992, p : 11‬‬

‫‪:ibid, p 23‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪140‬‬
‫على جمه‪CC C‬ول م‪CC C‬ا تغطي‪CC C‬ه املعرف‪CC C‬ة‪ ،‬فه‪CC C‬و ال معرف‪CC C‬ة داخ‪CC C‬ل املعرف‪CC C‬ة‪ ،‬وب‪CC C‬ذلك نق‪CC C‬ول أن موض‪CC C‬وع‬
‫االبس ‪CC‬تمولوجيا البحث يف جمه ‪CC‬ول العلم باعتب ‪CC‬اره‪ C‬علم ‪CC‬ا داخ ‪CC‬ل االنس ‪CC‬يكلوبيديا‪ C.‬وتف ‪CC‬رض ه ‪CC‬ذه‬
‫األخرية – االنسيكلوبيديا – على االبس‪C‬تمولوجي أن جيول ويتح‪C‬رك وس‪C‬ط املع‪C‬ارف‪ ،‬وجتعل‪C‬ه‬
‫يف وض ‪CC‬ع ال متمرك ‪CC‬ز وغ ‪CC‬ري ث ‪CC‬ابت‪ ،‬هن ‪CC‬ا – هن ‪CC‬اك ويف ك ‪CC‬ل مك ‪CC‬ان وه ‪CC‬و وض ‪CC‬ع تفرض ‪CC‬ها طبيع ‪CC‬ة‬
‫العل‪CC‬وم املعاص‪CC‬رة‪ ،‬وانعك‪CC‬اس‪ C‬ك‪CC‬ل علم على نفس‪CC‬ه وانفتاح‪CC‬ه على العل‪CC‬وم األخ‪CC‬رى ع‪CC‬رب عملي‪CC‬ات‬
‫النقل والتحوي‪C‬ل والتفاع‪C‬ل‪ .‬ويب‪C‬دو أن الرؤي‪C‬ة الس‪C‬ريية تري‪C‬د تأس‪C‬يس‪ C‬حقيق‪C‬ة علمي‪C‬ة ض‪C‬من نط‪C‬اق‬
‫املوس ‪CC‬وعية‪ C‬ال ‪CC‬يت تتج ‪CC‬اوز النظ ‪CC‬رة التخصص ‪CC‬ية املفرط ‪CC‬ة ع ‪CC‬رب فع ‪CC‬ل التواص ‪CC‬ل بني املع ‪CC‬ارف « هن ‪CC‬اك‬
‫بالطبع ابستمولوجيا جهوية‪ ،‬ولكن االبستمولوجيا النس‪CC‬بية‪ C‬وح‪CC‬دها ختلص إىل إطالقي‪CC‬ة احلقيق‪C‬ة‪C‬‬
‫‪1‬‬
‫العلمية بشكل عام‪ ،‬حقيقة مابني – مرجعية يف كل موضع »‬
‫إن العلم يريد توليفا بني حقيقتني‪ ،‬حقيقة جهوية‪ ،‬مرجعيتها جهويتها ونس‪CC‬قها ال‪CC‬داخلي‪،‬‬
‫وحقيقة شاملة مستقلة عن كل مرجعية خارج األنسيكلوبيديا‪.‬‬
‫إن م ‪CC C‬ا بقي لالبس ‪CC C‬تمولوجيا املعاص ‪CC C‬رة من مه ‪CC C‬ام ه ‪CC C‬و البحث يف اجلهوي ‪CC C‬ات العلمي ‪CC C‬ة‪ ،‬يف‬
‫ت ‪CC‬داخلها وتأم ‪CC‬ل تفاعله ‪CC‬ا‪ ،‬حيث تتمكن من قي ‪CC‬اس ه ‪CC‬ذه اجلهوي ‪CC‬ات ووض ‪CC‬ع احلدود‪ ،‬ووص ‪CC‬ف‬
‫عمليات التب‪CC‬ادل داخ‪CC‬ل املوس‪C‬وعة علم‪C‬ا أن االبس‪C‬تمولوجيا هن‪CC‬ا تتص‪CC‬ف خبص‪C‬ائص العلم من دق‪CC‬ة‬
‫وصرامة وتعميم ‪ .‬ويف هذا كله‪ ،‬االبستمولوجي‪ C‬تائه بال وضع‪ ،‬يرفض الثبات واملرجعية‪.‬‬
‫إذاك‪CC‬انت ه‪CC‬ذه مه‪CC‬ام االبس‪CC‬تمولوجيا املوجب‪CC‬ة أو العلمي‪CC‬ة كم‪CC‬ا نظّ‪C‬ر هلا س‪CC‬ري‪ ،‬فم‪CC‬ا ه‪CC‬و وض‪CC‬ع‬
‫فلس‪CC C C C‬فة العل‪CC C C C‬وم؟ إن فلس‪CC C C C‬فة العل‪CC C C C‬وم تتح‪CC C C C‬ول إىل إبس‪CC C C C‬تمولوجيا عامة«إن عليه‪CC C C C‬ا أن تك‪CC C C‬ون‬
‫إبس‪CC C‬تمولوجيا عام‪CC C‬ة لالبس‪CC C‬تمولوجيات املوجب‪CC C‬ة اجلهوي‪CC C‬ة‪ ،‬ه‪CC C‬ذه هي مهم‪CC C‬ة الفلس‪CC C‬فة املعاص ‪CC‬رة‬
‫للعل‪CC‬وم »‪ 2‬فلس‪CC‬فة العل‪CC‬وم إذن متث‪CC‬ل دور إبس‪CC‬تمولوجيا عام‪CC‬ة وش‪CC‬املة‪ ،‬وظيفته‪CC‬ا أهنا تؤل‪CC‬ف بني‬
‫نتائج االبستمولوجيات املوجبة وتراقب انتقال املش‪C‬كالت من علم آلخ‪C‬ر حبس‪C‬ب م‪C‬ا تقدم‪C‬ه هلا‬
‫‪:op cit, p 157‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪serres, la communication, op cit, 76‬‬
‫‪.p: m‬‬
‫‪141‬‬
‫االبس ‪CC‬تمولوجيات‪ C‬املوجب ‪CC‬ة‪ C،‬ف ‪CC‬إذا ك ‪CC‬انت االبس ‪CC‬تمولوجيا املوجب ‪CC‬ة خطاب ‪CC‬ا دقيق ‪CC‬ا وص ‪CC‬ارما ح ‪CC‬ول‬
‫العلم ف‪CC‬إن فلس‪CC‬فة العل‪CC‬وم هي خط‪CC‬اب ح‪CC‬ول خط‪CC‬اب االبس‪CC‬تمولوجيا وليس من وظيف ‪C‬ة‪ C‬فلس‪CC‬فة‬
‫العلوم أن تتح‪C‬دث عن العلم مباش‪C‬رة من داخل‪C‬ه أو يف كليت‪C‬ه‪ .‬وهبذا املع‪C‬ىن تص‪C‬بح فلس‪C‬فة العل‪C‬وم‬
‫مبثابة ابستمولوجيا خارجية‪ ،‬تتحدث عن العلم من خارج‪C‬ه‪ ،‬يتوس‪C‬ط بينه‪C‬ا وبني العلم خط‪C‬اب‬
‫ابستمولوجي‪ C‬داخلي علمي وصارم‪.‬‬
‫نص‪CC‬ل م‪CC‬ع ميش‪CC‬ال س‪CC‬ري إىل نتيج‪CC‬ة مفاده‪CC‬ا أن االبس‪CC‬تمولوجيا‪ C‬حتولت من خط‪CC‬اب خ‪CC‬ارجي‬
‫ح ‪CC C‬ول العلم إىل خط ‪CC C‬اب يتم داخ ‪CC C‬ل العلم‪ ،‬فالعلم‪CC C‬اء أنفس ‪CC C‬هم هم أق ‪CC C‬در على معاجلة القض‪CC C‬ايا‬
‫النظري‪CC‬ة واملنهجي‪CC‬ة املتعلق‪CC‬ة بتخصص‪CC‬اهتم‪ .‬خاص‪CC‬ة م‪CC‬ع التط‪CC‬ورات العلمي‪CC‬ة وم‪CC‬ا نتج عنه‪CC‬ا من دق‪CC‬ة‬
‫وتعقد األحباث العلمية اليت ب‪C‬دأت تنفلت من قبض‪CC‬ة الفيلس‪CC‬وف ش‪CC‬يئا فش‪C‬يئا فأم‪C‬ام « التط‪C‬ورات‬
‫العلمي ‪CC‬ة ال ‪CC‬يت عرفته ‪CC‬ا العل ‪CC‬وم املختلف ‪CC‬ة من ‪CC‬ذ هناي ‪CC‬ة الق ‪CC‬رن املاض ‪CC‬ي‪ ،‬وخالل الق ‪CC‬رن العش ‪CC‬رين ذات ‪CC‬ه‪،‬‬
‫أص‪CC‬بح العلم‪CC‬اء أنفس‪CC‬هم هم ال‪CC‬ذين يقوم‪CC‬ون‪ C‬بتحلي‪CC‬ل م‪CC‬ا يط‪CC‬رح عليهم من مش‪CC‬كالت يف س‪CC‬ريورة‬
‫عملهم »‪ .1‬وتتح ‪CC C C‬ول فلس ‪CC C C‬فة العل ‪CC C C‬وم إىل ابس ‪CC C C‬تمولوجيا عام ‪CC C C‬ة راص ‪CC C C‬دة جملم ‪CC C C‬ل التواص ‪CC C‬الت‪C‬‬
‫واالنتقاالت املمكنة بني مشكالت االبستمولوجيات اخلاصة أو املوجبة‪.‬‬

‫املبحث الثاين ‪ :‬خصائص العقل العلمي اجلديد عند ميشال سري‬


‫مـــدخـــــل ‪:‬‬
‫ش‪CC‬رع ميش‪CC‬ال سري يف تأس‪CC‬يس‪ C‬وحتدي‪CC‬د مع‪CC‬امل مش‪CC‬روعه اإلبس‪CC‬تمولوجي املوس‪CC‬وم بـــ‬
‫)‪ ‬وال ‪CC‬ذي‬ ‫‪le nouveau nouvel esprit scientifique‬‬ ‫"العق ‪CC‬ل العلمي اجلدي ‪CC‬د املتج ‪CC‬دد"(‬

‫حممد‪ C‬وقيدي‪ ،‬االبستمولوجيا التكوينية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪83‬‬ ‫‪1‬‬

‫أورد يوس‪CC‬ف تيبس ترمجة هلذا املفه‪C‬وم بص‪CC‬يغة‪ :‬العق‪C‬ل العلمي‪ C‬اجلدي‪C‬د‪ -‬اجلديد يف دراس‪C‬ة نش‪CC‬رهتا جمل‪CC‬ة ع‪C‬امل الفك‪C‬ر‬ ‫‪‬‬

‫بعن‪C‬وان ‪ ،‬ت‪C‬اريخ وفلس‪C‬فة العل‪C‬وم عن‪C‬د ميش‪C‬يل س‪C‬ري‪ ،‬وذل‪C‬ك متي‪C‬يزا ل‪C‬ه عن العق‪C‬ل العلمي اجلدي‪C‬د عن‪C‬د باش‪C‬الر‪ ،‬وترمجه‪C‬ا‬
‫عمر مهيبل إىل الفكر العلمي‪ C‬اجلديد‪ ،‬يف مقال بعنوان مبحث النسقوية نشر مبجلة دراس‪C‬ات فلس‪C‬فية‪ C‬الص‪C‬ادرة عن‬
‫معه‪CC‬د الفلس‪CC‬فة جبامع‪CC‬ة اجلزائر‪ .‬وفض‪CC‬لنا اس‪CC‬تخدام العق‪CC‬ل العلمي‪ C‬اجلدي‪CC‬د املتج‪CC‬دد إلب‪CC‬راز ال‪CC‬روح التجديدي‪CC‬ة ال‪CC‬ىت أراد‬
‫ميشال سري أن يصبغها على مشروعه االبستمولوجي‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫يق‪CC‬وم على فلس‪CC‬فة للتواص‪CC‬ل ال القطيع‪CC‬ة‪ ،‬بالس‪CC‬عي لإقام‪CC‬ة جس‪C‬ور للتواص‪CC‬ل بني العل‪CC‬وم واملع‪CC‬ارف‬
‫على اختالفها‪ ،‬فك ‪CC‬ل العل ‪CC‬وم مهم ‪CC‬ا ك ‪CC‬ان نوعه ‪CC‬ا أو ش ‪CC‬كلها ال ب ‪CC‬د أن جتد نقاط ‪CC‬ا للتالمس م ‪CC‬ع‬
‫العل‪C‬وم األخ‪C‬رى يف ص‪C‬ورة تراب‪C‬ط ش‪C‬بكي ض‪C‬من فض‪C‬اء مع‪C‬ريف يس‪C‬ميه ميش‪C‬ال س‪C‬ري أنس‪C‬يكلوبيديا‬
‫العل ‪CC‬وم أو موس ‪CC‬وعة‪ C‬املع ‪CC‬ارف‪ .‬فبك ‪CC‬ورة املش ‪CC‬روع االبس ‪CC‬تمولوجي عن ‪CC‬د س ‪CC‬ري وال ‪CC‬ذي ض ‪CC‬منه يف‬
‫مخاسية ه‪C‬رمس بص‪CC‬ورة أخص‪ ،‬يه‪CC‬دف إىل الكش‪C‬ف عن كيفي‪CC‬ة وط‪C‬ابع التقاطع‪C‬ات‪ C‬بني املي‪C‬ادين‬
‫واجلهوي ‪CC‬ات العلمية‪ .‬ان فلس ‪CC‬فة التواصل الس ‪CC‬ريية تتح ‪CC‬دث عن التفاع ‪CC‬ل والت ‪CC‬داخل بني العل ‪CC‬وم‬
‫واجلهوي ‪CC‬ات أو التفاع ‪CC‬ل بني النظري ‪CC‬ات مث التفاع ‪CC‬ل والتواص ‪C‬ل‪ C‬بني املواض ‪CC‬يع‪ C‬وال ‪CC‬ذوات العارف ‪CC‬ة‪،‬‬
‫وهذا ما سنتطرق إليه يف هذا الفصل ‪.‬‬

‫التواصل بني املواضيع ( العالقة موضوع‪-‬موضوع)‬


‫يرتب‪CC C‬ط ه‪CC C‬ذا الش‪CC C‬كل من التواص‪CC C‬ل باملوض‪CC C‬وع العلمي وهنا يق‪CC C‬رتح ميش‪CC C‬يل س‪CC C‬ري اجلس‪CC C‬م‬
‫الص‪CC C C C‬لب‪ ‬كموض‪CC C C C‬وع مميز للعلم املعاص‪CC C C C‬ر ومن‪CC C C C‬ه يتح‪CC C C C‬ول العق‪CC C C C‬ل العلمي اجلدي‪CC C C C‬د المتج‪CC C C‬دد‬
‫( ‪ C) le nouveau nouvel esprit scientifique‬إىل عقل اجلسم الصلب لكن‬
‫ملاذا اجلسم الصلب حتديدا؟ وماذا كانت تدرس العلوم من ذي قبل؟‬

‫‪‬‬
‫كل األجسام تتكون من المادة ‪ ،‬و هي على ثالث حاالت فيزيائية ‪ :‬الحال‪.‬ة الص‪.‬لبة ‪ ،‬الحال‪.‬ة الس‪.‬ائلة و الحال‪.‬ة الغازي‪.‬ة ‪ ،‬تك‪.‬ون‬
‫جزيئات الجسم الصلب متالصقة أكثر لبعضها عنها في المائع ( غاز أو سائل ) ‪ ،‬و قوى الجذب بين جزيئات الص‪..‬لب تك‪..‬ون من‬
‫الكبر بحيث يظل محتفظا بشكله وهذه ليست الحالة بالنسبة إلى المائع حيث أن قوى التجاذب أصغر بين جزيئاته فعندما يتغ‪..‬ير‪.‬‬
‫شكل جامد ما بتأثير‪ .‬القوى الخارجية‪ ،‬فإن االجهادات المماسية بين الجزيئ‪.‬ات المتقارب‪.‬ة تح‪.‬اول أن تعي‪.‬د الجس‪.‬م إلى ش‪.‬كله األص‪.‬لى‬
‫وبالنس‪.‬بة للم‪.‬ائع ف‪.‬إن ه‪.‬ذه االجه‪.‬ادات المماس‪.‬ية تعتم‪.‬د على س‪.‬رعة ح‪.‬دوث التغي‪.‬ير‪ .‬وتتالش‪.‬ى عن‪.‬دما تص‪.‬ل ه‪.‬ذه الس‪.‬رعة إلى الص‪.‬فر‪.‬‬
‫وعندما تتوقف الحركة ‪ ،‬تختفى االجهادات المماسية وال يحاول المائع استعادة شكله األصلى ‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫لتوضيح هذه املسألة‪ C‬ينطلق ميش‪CC‬ال س‪CC‬ري وكعادته من منوذج للتحليل‪ ،‬ويق‪CC‬ع االختي‪CC‬ار هن‪CC‬ا‬
‫على الفيزياء‪ .‬وال يعين ذلك بأي ح‪C‬ال من األح‪C‬وال أن‪C‬ه جيع‪C‬ل من الفيزي‪C‬اء علم‪C‬ا ملكي‪C‬ا‪ ،‬يتق‪C‬دم‬
‫العلوم األخرى يف األمهية واملكانة‪C.‬‬
‫فه‪CC C‬و ينك‪CC C‬ر فك‪CC C‬رة املرجعي‪CC C‬ة واألس‪CC C‬اس األول إنك‪CC C‬ارا تام‪CC C‬ا ويعت‪CC C‬ربه خلال الزم الفك‪CC C‬ر‬
‫الفلس‪CC‬في ل‪C‬ردح طوي‪C‬ل من ال‪C‬زمن وه‪CC‬ذا م‪CC‬ا « ي‪CC‬دل على ع‪C‬دم تفض‪CC‬يله لعلم على آخ‪C‬ر أو إعط‪C‬اء‬
‫متييزا معينا‪ ،‬كما يفعل غاستون باشالر‪ ،‬الذي جعل الفيزياء النظرية علم‪CC‬ا ملكيا»‪ 1‬فمش‪CC‬روعه‬
‫الفلس ‪CC‬في يتن ‪CC‬اقض م ‪CC‬ع ه ‪CC‬ذا االعتق ‪CC‬اد ب ‪CC‬ل هو يعم ‪CC‬ل على ه ‪CC‬دم فك ‪CC‬رة العلم امللكي‪ C،‬وال يفض ‪CC‬ل‬
‫علم‪CC C‬ا على آخ‪CC C‬ر‪ .‬ويتجلى ه‪CC C‬ذا املس‪CC C‬لك عن‪CC C‬د س‪CC C‬ري من تتب‪CC C‬ع خمتل‪CC C‬ف حتليالت‪CC C‬ه للعق‪CC C‬ل العلمي‬
‫التجديدي‪.‬‬
‫فمثال عن‪CC‬دما يتح‪CC‬دث عن اجلهوي ‪CC‬ات العلمي ‪CC‬ة خيت ‪CC‬ار النم ‪CC‬وذج الرياض‪CC‬ي ويف موض ‪CC‬ع آخ‪CC‬را‬
‫يك‪CC‬ون النم‪CC‬وذج فلكيا أو كيميائيا‪.‬أم‪CC‬ا اختي‪CC‬اره للموض‪CC‬وع الفيزي‪CC‬ائي‪ C‬فه‪CC‬و يرجع باألس‪CC‬اس إىل‬
‫أن الفيزي ‪CC‬اء متث ‪CC‬ل ع ‪CC‬امل االتص ‪CC‬الية‪ ،‬وتت ‪CC‬وفر على خص ‪CC‬ائص العل ‪CC‬وم املعاص ‪CC‬رة كالنق ‪CC‬ل واالس ‪CC‬ترياد‬
‫والتص ‪CC‬دير كمف ‪CC‬اهيم حموري ‪CC‬ة لعملي ‪CC‬ة التواص ‪CC‬ل‪ .‬إن اجلس ‪CC‬م الص ‪CC‬لب أص ‪CC‬بح موض ‪CC‬وعا للفيزي ‪CC‬اء‬
‫املعاصرة املتزامنة‪ C‬مع نظريات االعالم‪ C‬والفوضى خالفا ملا كان عليه االعتقاد الباشالري ال‪CC‬ذي‬
‫حصره يف السوائل والغازات بتأثري من فيزياء النسبية‪ C‬والكوانتا‪ C‬خصوصا‪.‬‬
‫إن اجلس ‪CC C‬م الص ‪CC C‬لب هو الش ‪CC C‬يء املوض ‪CC C‬وعي‪ C‬ال ‪CC C‬ذي تتمث ‪CC C‬ل مفاهيم ‪CC C‬ه النظري ‪CC C‬ة يف مف‪CC C‬اهيم‬
‫البن ‪CC‬اءات‪ C‬والنم ‪CC‬اذج واهلندس ‪CC‬ات املعماري ‪CC‬ة « م ‪CC‬ا ال ‪CC‬ذي يوج ‪CC‬د موض ‪CC‬وعيا يف ه ‪CC‬ذا الع ‪CC‬امل ال ‪CC‬ذي‬
‫وصفته منذ قليل بسرعة‪ ،‬يف هذا العامل ذي االتصالية ال‪CC‬يت ت‪CC‬ؤمن ب‪CC‬التوافق‪ ،‬ميت‪CC‬د ه‪CC‬ذا إىل عل‪CC‬وم‬
‫احلي ‪CC‬اة واالنس ‪CC‬ان‪ C‬؟ م ‪CC‬ا املواض ‪CC‬يع التجريبي ‪CC‬ة يف ه ‪CC‬ذا الش ‪CC‬كل؟ م ‪CC‬ا املواض ‪CC‬يع‪ C‬املنتخب‪C C‬ة‪ C‬يف عملي ‪CC‬ة‬
‫التجرب ‪CC‬ة ال ‪CC‬يت جيعله ‪CC‬ا ه ‪CC‬ذا اجملم ‪CC‬ع ممكن ‪CC‬ة ؟ م ‪CC‬ا ال ‪CC‬ذي جيع ‪CC‬ل ه ‪CC‬ذا الع ‪CC‬امل موض ‪CC‬وعيا ؟ »‪ 2‬إن ه ‪CC‬ذا‬

‫يوسف‪ ،‬تيبس‪ ،‬التص‪.. .‬ورات العلمية للع‪.. .‬الم‪ :‬قض‪.. .‬ايا واتجاه‪.. .‬ات في فلس‪.. .‬فة العلم المعاص‪.. .‬رة‪ ،‬ابن الن‪.. .‬ديم للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪1‬‬

‫الجزائر‪ 2014 ،‬ص‪364‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Serres Michel . l interference, les editions de minuit, collection critique, paris, 1992, p:‬‬
‫‪144‬‬
‫ي‪CC‬رتكز ح‪CC‬ول االنتش‪CC‬ار‬ ‫االختي‪CC‬ار يع‪CC‬رب عن حتول ه‪CC‬ام يف العلم املعاص‪CC‬ر فلم يع‪CC‬د األم‪CC‬ر‬
‫كموض‪C‬يع لل اختب‪CC‬ار العلمي‪،‬والس‪CC‬بب‪ C‬يف ه‪CC‬ذا االنتق‪CC‬الأهنا ك‪CC‬انت‬
‫واملوج‪CC‬ات والغ‪CC‬ازات والس‪CC‬وائل‪ C‬ا‬
‫األش‪CC‬ياء دائم‪CC‬ا‬
‫من الأجس‪CC‬ام ال ص‪CC‬لبة أو األش‪CC‬ياء ب‪CC‬ل ك‪CC‬انت‬ ‫تنظ‪CC‬ر إىل الع‪CC‬امل باعتب‪CC‬اره‪ C‬خاليا‬
‫ولفك‪CC‬ر الال‬ ‫خ‪CC‬ارج دائ‪CC‬رة االهتم‪CC‬ام‪ ،‬وبالت‪CC‬ايل ه‪CC‬ذا االختي‪CC‬ار تص‪CC‬حيح ملس‪CC‬ار العلم املعاصر‬
‫اتصال « يف ع‪C‬امل الالإتص‪CC‬الية‪ C،‬و بن‪C‬اء النم‪C‬اذج والفك‪CC‬ر الب‪C‬نيوي‪ C،‬م‪C‬اذا ميكن أن يوج‪CC‬د –‬
‫ه ‪CC‬و بالض ‪CC‬بط – اجلس ‪CC‬م الص ‪CC‬لب‪ ،‬إنن ‪CC‬ا نع ‪CC‬ود إىل األش ‪CC‬ياء ذاهتا‪ ،‬إن عقلن ‪CC‬ا ه ‪CC‬و عق ‪CC‬ل الص ‪CC‬البة‪،‬‬
‫وأخريا حيل زمن األشياء » ‪.1‬‬
‫فهي دع‪CC C‬وة سريية ص‪CC C‬رحية للع‪CC C‬ودة اىل االش‪CC C‬ياء ذاهتا أي اجلس‪CC C‬م الص‪CC C‬لب كموض ‪CC‬وع‬
‫علمي‪ .‬لكن ملاذا اجلس ‪CC‬م الص ‪CC‬لب موض ‪CC‬وعا للعل ‪CC‬وم املعاص ‪CC‬رة ؟ وه ‪CC‬ل مع ‪CC‬ىن ذل ‪CC‬ك أن الس ‪CC‬وائل‬
‫والغ‪CC C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C‬ازات واملوج‪CC C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C‬ات التش‪CC C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C‬كل موض‪CC C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C‬وعا للعلم؟‪.‬‬
‫املس‪CC‬ألة‪ C‬ترتب‪CC‬ط خبص‪CC‬ائص املوض‪CC‬وع ذات‪CC‬ه‪ ،‬اي اجلس‪CC‬م الص‪CC‬لب‪ .‬فه‪CC‬و وإن ك‪CC‬ان متغ‪CC‬ريا يف ش‪CC‬كله‬
‫فإن‪CC‬ه قلي‪CC‬ل التغ‪CC‬ري خبالف الس‪CC‬وائل‪ C‬ال‪CC‬يت يتغ‪CC‬ري ش‪CC‬كلها باس‪CC‬تمرار وبص‪CC‬فة ال هنائي‪CC‬ة‪ ،‬ألهنا أجس‪CC‬ام‬
‫مائعة ف ‪C C C C C C‬اﻟﻔرق بني اﻤﻟﺎدة اﻟﺼﻠﺒﺔ واﻟﺴﺎئل يع‪CC C C C C C‬ود إﻰﻟ ﻗوى اﻟﺘرابط بني الذرات‪ ،‬ﻓﻔﻲ اﻤﻟواد‬
‫اﻟﺼﻠﺒﺔ تك‪CC‬ون‪ C‬ﻗوى اﻟترابط مس‪CC‬تقرة واﻟﺒﻨﻴﺔ اﻟﺒﻠورية ﻗوية ﻲﻓ حني أن اﻟﺴوائل روابطه‪CC‬ا تتص‪CC‬دع‬
‫بسهوﻟﺔ مما يستدﻋﻲ إﻋﺎدة تشكيلها من جديد وهكذا‪ .‬أي أن وجود املادة يف إح‪CC‬دى حاالهتا‬
‫( غازية‪ ،‬سائلة‪ ،‬صلبة) راجع إىل طبيع‪C‬ة وح‪C‬دود الت‪C‬أثريات املتبادل‪C‬ة بني ذراهتا وجزئياهتا‪ .‬ومن‬
‫مث تعترب األجسام الصلبة مواضيع لالنتشار واالحتفاظ يف نفس الوقت‪ ،‬إهنا تت‪CC‬وافر على ذاك‪CC‬رة‬
‫كخ ّ‪C‬زان للمعلوم‪CC‬ات‪ ،‬هلا ش‪CC‬كل خ‪CC‬اص وحتاف‪CC‬ظ على ش‪CC‬كلها‪ ،‬يف حني مواض‪CC‬يع الس‪CC‬وائل تفق‪CC‬د‬
‫َ‪C‬‬
‫املعلومات اليت تطبع عليها‪ ،‬أي ليس هلا تاريخ ‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ibid,‬‬ ‫‪p‬‬ ‫‪:‬‬ ‫‪72‬‬

‫‪145‬‬
‫بعد حتديده ملوضوع العلم املعاصر يباشر سري درسه االبستمولوجي منتقدا للفلسفات‬
‫السابقة واليت مل تعن باملوضوع كمعطى يف العلم املعاصر ب‪CC‬ل أك‪CC‬ثر من ذل‪CC‬ك جعلت املوض‪CC‬وع‬
‫العلمي خارج الدائرة‪ ،‬يف تأسيسها ألط‪C‬راف املعرف‪C‬ة‪ .‬فهي إم‪CC‬ا تؤس‪CC‬س لعالق‪CC‬ة ذات – ذات أو‬
‫ذات– موض ‪CC C‬وع لكن اجلديد ال ‪CC C‬يت أكدت ‪CC C‬ه الدراس ‪CC C‬ات العلمي ‪CC C‬ة املعاص ‪CC C‬رة ويؤس ‪CC C‬س له سري‬
‫ابس ‪CC‬تمولوجيا العالق ‪CC‬ة بني املواض ‪CC‬يع فاحلديث بني املواض ‪CC‬يع‪ C‬واألدوات أم ‪CC‬ا ال ‪CC‬ذات فإن ‪CC‬ه خترج‬
‫مبدئيا من الدائرة لتضطلع مبهام منهجية وهي قراءة االعالم أو حديث املواضيع « الش‪CC‬يء ه‪CC‬و‬
‫جتري ‪CC C‬يب ألن ‪CC C‬ه يوج ‪CC C‬د كمحتفظ وكمر ِس‪C C C‬ل لالعالم‪ ،‬ألن ‪CC C‬ين أوج ‪CC C‬د كق ‪CC C‬ارئ‪ ،‬ومتل ‪CC C‬ق وحمتف‪CC C‬ظ‬
‫ب‪CC‬اإلعالم‪ C‬نفس‪CC‬ه أو املماث‪CC‬ل له »‪ 1‬دور ال‪CC‬ذات العارف‪CC‬ة يكمن يف كوهنا ذاك‪CC‬رة لتخ‪CC‬زين االعالم‪C،‬‬
‫إهنا منبع للطاقة واالعالم‪.‬‬
‫إن العالقة ( موضوع ‪ -‬موض‪C‬وع ) تزح‪C‬زح ال‪C‬ذات كمركز وص‪C‬انع للمعرف‪C‬ة لتتح‪C‬ول إىل‬
‫راص‪CC‬د يتلقى االعالم‪ C.‬ل‪CC‬ذلك يوظ‪CC‬ف سري مب‪CC‬دأ االيب‪CC‬وخي‪ ‬أو التعلي‪CC‬ق للتعب‪CC‬ري عن ه‪CC‬ذه العالق‪CC‬ة‪،‬‬
‫لكن ليس باملعىن الفينومينولوجي عند هوسرل أي ما يعرف بالوض‪C‬ع بني األق‪C‬واس ال‪C‬ذي يض‪C‬ع‬
‫الع‪CC‬امل خ‪CC‬ارج ال‪CC‬دائرة أو « وض‪CC‬ع الوج‪CC‬ود بني أق‪CC‬واس أي البحث يف املاهي‪CC‬ات بغض النظ‪CC‬ر عن‬
‫وجوده‪CC‬ا واالمتن‪CC‬اع‪ – C‬مؤقتً‪CC‬ا عن أحك‪CC‬ام وج‪CC‬ود‪ ،‬املتعلق ‪C‬ة‪ C‬باملاهي‪CC‬ات‪ C‬ح‪CC‬ىت لوك‪CC‬ان الوج‪CC‬ود بينً‪CC‬ا‬
‫جدا مثل وجود األنا »‪ 2‬إمنا ال‪CC‬ذات العارف‪CC‬ة هي ال‪CC‬يت تك‪CC‬ون خ‪CC‬ارج ال‪CC‬دائرة وال ت‪CC‬دخل ال‪CC‬دائرة‬
‫ً‬
‫إال بع‪CC C‬د أن ت‪CC C‬دخل يف الش‪CC C‬بكة التواص‪CC C‬لية‪ C‬ال‪CC C‬يت رمستها عالق‪CC C‬ة موض‪CC C‬وع – موض‪CC C‬وع ‪ « .‬هن‪CC C‬ا‬
‫العالق ‪CC C‬ة موض ‪CC C‬وع – موض ‪CC C‬وع أساس ‪CC C‬ية‪ ،‬وال ‪CC C‬ذات خ ‪CC C‬ارج ال ‪CC C‬دائرة‪ ،‬على عكس اإليبوخي ‪CC C‬ة‬
‫الفينومينولوجية اليت جتعل العامل خارج الدائرة »‪. 3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪p 98‬‬
‫‪,op cit‬‬
‫‪‬‬
‫اإلبوخية كلمة يونانية معناها التوقف عن إصدار الحكم أو إرجائه ‪ ،‬و يطلق عليها هوسرل وضع اآلراء والمعتق‪..‬دات واألحك‪..‬ام‬
‫بين قوسين وهي نقطة البداية في منهجه الفلسفي‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫عبد الرحمان بدوي ‪ ،‬مدخل جديد إلى الفلسفة‪ ،‬وكالة المطبوعات‪ ،‬ط‪ ،1‬الكويت‪ ،1975 .‬ص‪132 :‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Serres Michel . l interference, op cit, p: 98‬‬
‫‪146‬‬
‫لقد نظر الفالسفة‪ C‬سابقا إىل العالقة‪ C‬من جهة واحدة فإما أن العالقة ذات – موضوع‬
‫‪ ،‬أو موضوع – ذات‪ ،‬وهي نفسها العالقة‪ C‬ذات – ذات يف نظر ميشال سري ألن كال منهما‬

‫يض‪CC‬ع املوض‪CC‬وع خ‪CC‬ارج ال‪CC‬دائرة‪ ،‬إن النزع‪CC‬ة املثالي‪CC‬ة أو الواقعي‪CC‬ة أو االختباري‪CC‬ة كله‪CC‬ا ودون‬
‫اس‪CC‬تناء تقص ‪C‬ي‪ C‬املوض‪CC‬وع من التجرب‪CC‬ة أم‪CC‬ا احلال‪CC‬ة الس‪CC‬ريية فإهنا ت‪CC‬ربز لن‪CC‬ا التواص‪CC‬ل والح‪CC‬وار ال‪CC‬ذي‬
‫جيري بني املواض‪CC‬يع واألش‪CC‬ياء يف الطبيعة‪ .‬إن الع‪CC‬ودة إىل األش‪CC‬ياء تع‪CC‬ين « نس‪CC‬يان الرياض‪CC‬يات‬
‫الكالس ‪CC C‬يكية‪ C،‬وأفقه ‪CC C‬ا ال ‪CC C‬وظيفي‪ C‬للع ‪CC C‬ودة إيل اجملموع ‪CC C‬ات م ‪CC C‬ع تس ‪CC C‬ليح ه ‪CC C‬ذه األخ ‪CC C‬رية ببني ‪CC C‬ات‬
‫أكس ‪CC‬يومية حمددة‪ ،‬وإعط ‪CC‬اء املنط ‪CC‬ق وظيف ‪C‬ة‪ C‬ابس ‪CC‬تيمولوجية‪ C،‬مث إدراك أن الرياض ‪CC‬يات تس ‪CC‬عى إىل‬
‫تك‪CC‬وين ق‪CC‬اموس وبن‪CC‬اء مناذج تش‪CC‬كل يف زمن معني هندس‪CC‬ة الظ‪CC‬واهر الذري‪CC‬ة النووي‪CC‬ة‪ ،‬واجلس‪CC‬يمية‬
‫والكيميائي ‪CC‬ة اجلوي ‪CC‬ة وعلم البلوري ‪CC‬ات مث تعطي للنظري ‪CC‬ة الفيزيائي‪C C‬ة‪ C‬وظيف ‪CC‬ة إبس ‪CC‬تمولوجية‪ ،‬ح ‪CC‬ىت‬
‫تتمكن من التفكري يف شروط التجربة بدقة‪ ،‬فتتمكن يف األخ‪CC‬ري من رس‪CC‬م دوائ‪CC‬ر التواص‪CC‬ل ال‪CC‬يت‬
‫على طوهلا يتم نق‪C‬ل اإلعالم‪.1» C‬إن الرياض‪C‬يات املعاص‪C‬رة ختتل‪C‬ف يف توجهاهتا عن الرياض‪C‬يات‬
‫الكالسيكية‪ C‬فإذا كانت هذه األخرية ذات توجه أنطولوجي يشتغل بالكائن‪CC‬ات املقداري‪CC‬ة ل‪CC‬ذاهتا‬
‫ف‪CC C‬إن املعاص‪CC C‬رة اس‪CC C‬تبدلت‪ C‬ب‪CC C‬ذلك توجه‪CC C‬ا بنيوي‪CC C‬ا يهتم بالعالق‪CC C‬ات ال‪CC C‬يت تتم بني ه‪CC C‬ذه الكائن ‪CC‬ات‬
‫املقداري‪CC‬ة‪ .‬ويتضح من ذلك أن أف‪CC‬ق ه‪CC‬ذه العالق‪CC‬ة أف‪CC‬ق علمي معاص‪CC‬ر ميت‪CC‬د إىل نظري‪CC‬ة اجملموع‪CC‬ات‬
‫والتبولوجي ‪CC‬ا يف الرياض ‪CC‬يات واهلندس ‪CC‬ة بتفرعاهتا الذري ‪CC‬ة النووي ‪CC‬ة‪ C،‬اجلس ‪CC‬يمية‪ ،‬الكيميائي ‪CC‬ة‪ ،‬وعلم‬
‫البلوريات‪ ‬وكأهنا نظرة تأليفية‪ C‬للعلوم املعاصرة تعكس فعل التواصل فيما بينها‪.‬‬
‫النق‪CC‬د الس‪CC‬ريي يتخذ من جترب‪CC‬ة ديك‪CC‬ارت على قطع‪CC‬ة الش‪CC‬مع منوذجا للتحليل هبدف‬
‫إح ‪CC‬داث مقارن ‪CC‬ة م ‪CC‬ع جترب ‪CC‬ة العق ‪CC‬ل العلمي جديد المتج ‪CC‬دد‪ .‬إن جترب ‪CC‬ة ص ‪CC‬احب الكوجيت ‪C‬و‪ C‬على‬

‫‪1‬‬
‫تاريخ و فلسفة العلوم عند ميشيل سير ‪ ،‬مرجع سابق‬
‫‪‬‬
‫علم البل ‪.. .‬ورات يختص بدراسة البل ‪.. .‬ورات من حيث ش ‪.. .‬كلها الظ ‪.. .‬اهري أو الخ ‪.. .‬ارجي وتركيبها والتع ‪.. .‬رف عليها وعلى الص ‪.. .‬خور‬
‫والمع‪..‬ادن ال‪..‬تي تحويها‪ ..‬ويس‪..‬تخدم علم البل‪..‬ورات اآلن باس‪..‬تمرار وب‪..‬اطراد مس‪..‬تمر‪ .‬في حل كث‪..‬ير من المش‪..‬اكل الكيميائية والفيزيائية‬
‫وفي الدراسات البيولوجية‬

‫‪147‬‬
‫قطعة الشمع حتدث عنه‪C‬ا يف مناقش‪C‬اته ملعرفتن‪C‬ا بوج‪C‬ود املوض‪C‬وعات اخلارجي‪C‬ة (الع‪C‬امل الفيزي‪C‬ائي)‬
‫وتتلخص يف تق‪CC C‬ريب القطع‪CC C‬ة من الن‪CC C‬ار« س‪CC C‬تجد أن م‪CC C‬ا يبقى من طعمه‪CC C‬ا ي‪CC C‬ذهب‪ ،‬وتتالش ‪C C‬ى‪C‬‬
‫الرائحة‪ ،‬ويتغري لوهنا‪ ،‬ويضيع شكلها‪ ،‬ويزيد حجمها‪ ،‬وتص‪CC‬بح س‪CC‬ائال‪ ،‬وتس‪C‬خن‪ ،‬ومهم‪C‬ا ننق‪CC‬ر‬
‫عليه‪CC‬ا فلن ينبعث منه‪CC‬ا ص‪CC‬وت‪ .‬ال ش‪CC‬يء يبقى من ك‪CC‬ل م‪CC‬ا الحظن‪CC‬اه عن طري‪CC‬ق احلواس‪ .‬وم‪CC‬ع‬
‫ذل‪CC‬ك ف‪CC‬إن الش‪CC‬معة نفس‪CC‬ها تبقى‪ .‬فم‪CC‬ا ال‪CC‬ذي يبقى منه‪CC‬ا بدق‪CC‬ة؟ م‪CC‬ا يبقى‪ C‬ه‪CC‬و ش‪CC‬يء ممت‪CC‬د‪ ،‬م‪CC‬رن‪،‬‬
‫ومتحرك‪ .‬ما يبقى‪ C‬هو‬

‫شيء ال نعرفه عن طريق احلواس‪ ،‬بل عن طريق العقل وح‪C‬ده »‪ 1‬يعت‪C‬رب س‪C‬ري جتربة الش‪C‬مع‬
‫الديكارتية‪ ،C‬حتتف‪CC C C‬ظ بتارخيها‪ ،‬فهي تتلقى االعالم‪ C‬ال‪CC C C‬ذي يتغ‪CC C C‬ري بطريق‪CC C C‬ة غ‪CC C C‬ري مرئي‪CC C C‬ة‪ ،‬غ ‪CC C‬ري أن‬
‫ديك‪CC‬ارت –حبس‪CC‬ب س‪CC‬ري‪ -‬مل حياول ق‪CC‬راءة ه‪CC‬ذا اإلعالم‪ ،‬ألن ‪C‬ه جعل دائ‪CC‬رة الفهم أو العقل هي‬
‫الالمتغ ‪CC‬ري الوحي ‪CC‬د ال ‪CC‬ذي ميكن اس ‪CC‬تيعابه‪ C،‬وي‪C C‬رفض التجرب ‪CC‬ة‪ .‬ول ‪CC‬ذلك ي‪C C‬دخل يف منط وج ‪CC‬ودي‬
‫يرتب‪CC‬ط بال‪CC‬ذات أم‪CC‬ا الع‪CC‬امل املوض‪CC‬وعي في‪CC‬ه يرج‪CC‬ع إىل الفك‪CC‬ر ومن مث يؤك‪CC‬د ديك‪CC‬ارت على « أن‬
‫اخلص‪CC C‬ائص‪ C‬العادي‪CC C‬ة احملسوس‪CC C‬ة للش‪CC C‬معة ال ختربن‪CC C‬ا بش‪CC C‬يء عن طبيعته ‪C C‬ا‪ C‬اجلوهري‪CC C‬ة‪ ،‬ويتض‪CC C‬ح أن‬
‫اخلصيص‪C‬ة‪ C‬اجلوهري‪CC‬ة الوحي‪CC‬دة للش‪CC‬معة هي امت‪CC‬دادها ‪ :‬إهنا ببس‪CC‬اطة ش‪CC‬يء ممت‪CC‬د ل‪CC‬ه ط‪CC‬ول وع‪CC‬رض‬
‫وعم ‪CC‬ق وه ‪CC‬و قاب ‪CC‬ل أن يتخ ‪CC‬ذ ع ‪CC‬ددا غ ‪CC‬ري حمدود من األش ‪CC‬كال اهلندس ‪CC‬ية ولكن ذل ‪CC‬ك ليس ش ‪CC‬يئا‬
‫ندركه باحلواس أو التخيل ‪ ...‬ومن مث نعلم أن األجسام ال يتم إدراكها بدقة بواس‪CC‬طة احلواس‬
‫أو ملكة التخيل بل بالعقل وحده»‪.2‬‬

‫إن املعرفة العقلية اخلالص‪CC‬ة هي ن‪CC‬ور الطبيع‪CC‬ة‪ ،‬والق‪C‬درة الفطري‪C‬ة ال‪C‬يت غرس‪CC‬ها اهلل فين‪C‬ا‪ ،‬وينتج‬
‫عن املنط‪CC‬ق ال‪CC‬ديكاريت أن اإلدراك‪CC‬ات الواض‪CC‬حة ال عالق‪CC‬ة هلا بإدراك‪CC‬ات احلواس‪ ،‬ب‪CC‬ل هي ن‪CC‬وع‬

‫‪1‬‬
‫وليم كيلي رايت‪ ،‬تاريخ الفلسفة احلديثة‪ ،‬تر‪:‬حممود سيد أمحد‪ ،‬التنوير للطباعة والنشر‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪ ،2010 ،1‬ص ‪101،102‬‬
‫‪2‬‬
‫جورج كوتنغهام ‪ ،‬العقالنية فلسفة متجددة ‪ ،‬ترمجة حممد منقذ اهلامشي ‪ ،‬مركز اإلمناء احلضاري ‪ ،‬حلب‪ ،‬سوريا‪ ،‬ط‪ ،1997 ،1‬ص ‪51‬‬

‫‪148‬‬
‫من اإلدراكات العقلية اليت نتمتع هبا حني نتأمل قضايا الرياضيات البديهي‪C‬ة‪ C‬واألولي‪CC‬ة‪ C،‬فخ‪CC‬واص‬
‫الشمعة اليت ندركها بوضوح إمنا هي خواص رياضية هندسية‪ ،‬فالشمعة شيء قابل للتم‪CC‬دد يف‬
‫ثالثة أبعاد‪ ،‬وتكتسي هذه النقطة أمهية كبرية لفهم الفيزي‪CC‬اء الديكارتي‪CC‬ة « فالربن‪CC‬امج ال‪CC‬ديكاريت‬
‫للعل‪CC‬وم الفيزيائي‪CC‬ة‪ C،‬ه‪CC‬و اإلخض‪CC‬اع للرياض‪CC‬يات‪ ،‬أي جعله‪CC‬ا رياض‪CC‬ية‪ ،‬ويق‪CC‬رتح ديك‪CC‬ارت التخلص‬
‫النظ‪CC‬امي من اخلص‪C‬ائص‪ C‬احملسوس‪CC‬ة لص‪CC‬احل اخلص‪CC‬ائص القابل‪C‬ة للقي‪C‬اس ال‪C‬دقيق يف التفك‪C‬ري الرياض‪C‬ي‬
‫» ‪.1‬‬
‫إن ه ‪CC‬ذا التحلي ‪CC‬ل حييل ميش ‪C‬ال س‪CC‬ري إىل اعتب ‪CC‬ار التجرب ‪CC‬ة الديكارتي ‪C‬ة‪ C‬حال ‪CC‬ة هندس ‪CC‬ية أو‬
‫احلالة الذاتية – الذاتية‪ ،‬اليت تقص‪C‬ي‪ C‬املوض‪C‬وع‪ C‬من جمال اهتمامها‪ ،‬وميت‪C‬د احلكم ليش‪C‬مل التجرب‪CC‬ة‬
‫املوض‪CC‬وعية والتكنولوجي‪CC‬ة الفيزيائي‪CC‬ة‪ C،‬فاملوض‪CC‬وع ولك‪CC‬ثرة حتوالت‪CC‬ه وتغريات‪C‬ه‪ C‬ال يوجد‪ .‬واملتح‪CC‬ول‬
‫وكثري التغري ليس جديرا بالثقة‪ ،‬أما الثبات والال تغ‪CC‬ري فيوج‪C‬د يف الفك‪CC‬ر‪ .‬وك‪CC‬ل م‪C‬ا يوج‪CC‬د ش‪C‬يء‬
‫ما يفكر‪،‬‬

‫يفك ‪CC‬ر يف االمت ‪CC‬داد‪ ،‬وبالنس ‪CC‬بة ل ‪CC‬ديكارت ختتزل العالق ‪CC‬ة يف أن ‪CC‬ا واهلندس ‪CC‬ة كم ‪CC‬ا أفهم ‪CC‬ا‪ ،‬أي‬
‫اهلندسة والذاتية‪ C،‬ومع الكوجيتو ال‪CC‬ديكاريت حتول الس‪C‬ؤال ح‪CC‬ول ش‪CC‬روط التجرب‪CC‬ة وإمكاناهتا يف‬
‫ال‪CC‬ذات‪ ،‬واملنج‪CC‬ز األساس‪C‬ي‪ C‬هلذه الفلس‪CC‬فة ه‪C‬و إع‪C‬ادة املعرف‪C‬ة لإلنس‪C‬ان‪ C‬بوص‪CC‬فه منتج‪C‬ا هلا‪ .‬واملعرف‪C‬ة‬
‫حتصلها على ثقة العقل‪ .‬باعتباره‪ C‬مصدرا للمعرفة‪.‬‬
‫تكتسب‪ C‬قيمتها من خالل ّ‬
‫مث ميت ‪CC C‬د مع ‪CC C‬ول النق ‪CC C‬د الس ‪CC C‬ريي إىل حال ‪CC C‬ة ثانية يس ‪CC C‬ميها‪ ،‬احلال ‪CC C‬ة الباش ‪CC C‬الرية‪ C،‬ووحموره‪CC C‬ا‬
‫الموض ‪CC C‬وعي وال‪C C C‬ذايت أو احلال ‪CC C‬ة الفيزيائي ‪CC C‬ة‪ ،‬وهي فيزيائي ‪CC C‬ة ألن باش ‪CC C‬الر يس ‪CC C‬تقي مفاهيمه‪CC C‬ا من‬
‫نظريات الفيزياء املعاصرة على وجه اخلص‪C‬وص‪ ،‬حيث تش‪C‬هد الفيزي‪C‬اء فيها ح‪C‬وارا ال هنائي‪C‬ا بني‬
‫العقالين واملادي‪ ،‬النظري والتط‪CC‬بيقي‪ .‬إن بن‪CC‬اء املعرف‪CC‬ة العلمي‪CC‬ة املعاص‪CC‬رة يف نظ‪CC‬ر باش‪CC‬الر يتم يف‬
‫إطار حوار متكامل بني العقل والتجربة‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫املرجع السابق‪ ،‬ص‪53‬‬

‫‪149‬‬
‫فالعق‪CC‬ل يف العلم املعاص‪CC‬ر مش‪CC‬روط بطبيع‪CC‬ة املوض ‪CC‬وعات ال ‪CC‬يت يري ‪CC‬د معرفته‪CC‬ا‪ ،‬ليس عقال‬
‫منغلق ‪CC‬ا وثابت ‪CC‬ا ب ‪CC‬ل منفتح ‪CC‬ا على الواق ‪CC‬ع ال ‪CC‬ذي يتناول ‪CC‬ه‪ .‬من هن ‪CC‬ا أخ ‪CC‬ذت ه ‪CC‬ذه الفلس ‪CC‬فة مس ‪CC‬مى‬
‫العقالنية املطبقة‪ .‬اليت تتم داخل وعي غري معزول عن الواقع‪ .‬علم‪CC‬ا أن ه‪CC‬ذا الواق‪CC‬ع نفس‪CC‬ه واق‪CC‬ع‬
‫متح‪CC‬ول ومب‪CC‬ين بن‪CC‬اءا نظري‪CC‬ا وعقلي‪CC‬ا‪ .‬إن م‪CC‬ا ك‪CC‬ان ي‪CC‬رمي إلي‪CC‬ه غاس‪CC‬تون باش‪CC‬الر ه‪CC‬و حماول‪CC‬ة إقام‪CC‬ة‬
‫فلس‪C‬فة تتالءم وطبيع‪C‬ة‪ C‬العلم املعاصر فلس‪CC‬فة ذات ط‪C‬رفني‪ ،‬عقالين وواقعي‪ C‬يف ال‪CC‬وقت ذات‪CC‬ه « إذا‬
‫ج ‪CC‬از لن ‪CC‬ا أن ن ‪CC‬رتجم إىل اللغ ‪CC‬ة الفلس ‪CC‬فية تل ‪CC‬ك احلرك ‪CC‬ة املزدوج ‪CC‬ة ال ‪CC‬يت تغ ‪CC‬دي الفك ‪CC‬ر العلمي‪ ،‬يف‬
‫الوقت الراهن‪ ،‬قلنا إهنا حركة تت‪C‬أرجح لزوم‪C‬ا بني م‪CC‬ا ه‪C‬و قبلي وم‪CC‬ا بع‪C‬دي‪ ،‬حرك‪C‬ة ترتب‪CC‬ط فيه‪CC‬ا‬
‫النزعة التجريبية بالنزعة العقالنية‪ ،‬يف الفكر العلمي ارتباطا غريبا‪،‬ال يقل قوة عن ارتب‪CC‬اط الل‪CC‬ذة‬
‫ب‪CC‬األمل‪ .‬والواق‪CC‬ع أن ك‪CC‬ل واح‪CC‬دة منهم‪CC‬ا تع‪CC‬زز األخ‪CC‬رى وتربره‪CC‬ا‪ :‬إن النزع‪CC‬ة التجريبي‪CC‬ة يف حاج‪CC‬ة‬
‫إىل أن تتعق‪C‬ل‪ ،‬والنزع‪C‬ة العقالني‪C‬ة‪ C‬يف حاج‪CC‬ة إىل أن تطب‪CC‬ق»‪ 1‬وإذا ك‪CC‬ان املش‪CC‬روع االبس‪C‬تمولوجي‪C‬‬
‫الباش‪CC C C‬الري يرتك‪CC C C‬ز باألس‪CC C C‬اس على بن‪CC C C‬اء فلس‪CC C C‬فة ذات حمورين عقالين وواقعي لكن يف نفس‬
‫ال‪CC‬وقت يق‪CC‬ول ب‪CC‬أن فلس‪CC‬فته عقالني ‪C‬ة‪ C‬بص‪CC‬فة أساس‪CC‬ية‪ C‬إن‪CC‬ه االجتاه ال‪CC‬ذي ي‪CC‬ذهب من العقالني ‪C‬ة‪ C‬إىل‬
‫التجربة‪.‬‬
‫وه ‪CC‬ذا ال يع ‪CC‬ين أن فلس ‪CC‬فته عقالني‪C C‬ة‪ C‬ديكارتي ‪CC‬ة‪ ،‬وإال كي ‪CC‬ف يؤس ‪CC‬س إلبس ‪CC‬تمولوجيا ال‬
‫ديكارتية « ومن اجللي أن (الديكارتية) اإلبس‪CC‬تيمولوجيا املعاص‪CC‬رة ال حتملن‪C‬ا على جتاه‪C‬ل أمهي‪CC‬ة‬
‫الفكر‬

‫(ال‪CC C C C C C C C C C‬ديكاريت)‪ ،‬كم‪CC C C C C C C C C C‬ا أن (الالأوقليدي‪CC C C C C C C C C C‬ة) ال ميكن أن جتعلن‪CC C C C C C C C C C‬ا نتجاه‪CC C C C C C C C C‬ل تنظيم‬
‫الفك ‪CC‬ر(الالأوقلي ‪CC‬دي)‪.‬ولكن من ال ‪CC‬واجب على ه ‪CC‬ذه األمثل ‪CC‬ة التنظيمي ‪C‬ة‪ C‬املختلف ‪CC‬ة أن ت ‪CC‬وحي إلينا‬
‫بتنظيم أعم يشمل الفكر املتعطش‪ C‬للكلية »‪ 2‬الفلسفة الديكارتية‪ C‬وباألخص يف مس‪CC‬ألة‪  ‬احلدس‬
‫‪1‬‬
‫حممد‪ C‬عابد اجلابري‪ ،‬مدخل إىل فلسفة العلوم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪468‬‬
‫‪2‬‬
‫غاستون باشالر‪،‬الفكر العلمي اجلديد‪،‬ترمجة الدكتورعادل العوا‪،‬مراجعة الدكتور عبد اهلل عبد الدائم ‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراس‪C‬ات‬
‫و النشر‬
‫‪150‬‬
‫الفك ‪CC‬ري ‪-‬والكوجيت ‪CC‬و‪ C-‬فك ‪CC‬رة حمروم ‪CC‬ة من فرض ‪CC‬يتها املكون‪C C‬ة‪ C‬أو املنتج ‪CC‬ة لوج ‪CC‬ود مقول ‪CC‬ة ‪،‬أن ‪CC‬ا‬
‫أفك‪CC‬ر‪ ،‬ال‪CC‬ذي ال يتعلم في‪CC‬ه اإلنس‪CC‬ان ش‪CC‬يئا ب‪CC‬ل ومل يع‪CC‬د ميث‪CC‬ل في‪CC‬ه ش‪CC‬يئا نظ‪CC‬را حلرمان‪CC‬ه من فرض‪CC‬ياته‬
‫املسبقة‪ C‬املكونة‪ C‬واملوجهة ‪.‬‬
‫لكن ه‪CC C‬ل حقيق‪CC C‬ة باش‪CC C‬الر متج‪CC C‬اوز لعقالني ‪C C‬ة‪ C‬ديك‪CC C‬ارت من وجه‪CC C‬ة نظ‪CC C‬ر ميش‪CC C‬يل س‪CC C‬ري ؟‬
‫ما يوجد بالنسبة للحالة الباش‪CC‬الرية ش‪CC‬يء م‪CC‬ا ينتش‪C‬ر يف مواض‪C‬يع ب‪CC‬دون ذاك‪C‬رة‪ ،‬يوج‪C‬د ظ‪C‬واهر‬
‫انتشارية يف عامل ال تارخيي « إن هناك من دون شك بنية خفية للمواض‪CC‬يع‪ ،‬و لكن ال يتوص‪CC‬ل‬
‫إليه ‪CC‬ا إال ع‪CC‬رب العالق‪CC‬ة‪ ،‬ال ‪CC‬يت هي بالض ‪CC‬بط انتش‪CC‬ار‪ ،‬إن الفيزي‪CC‬اء كلي‪CC‬ة تص ‪CC‬بح فزي‪CC‬اء املنتش‪CC‬ر‪ :‬علم‬
‫البصريات الكهرباء املغناطيسية الكهرباء الالسلكية‪ ،‬الديناميكا احلرارية‪ ،‬علم اإلشعاعية‪ C،‬علم‬
‫األصوات »‪ 1‬إهتمام باش‪CC‬الر ترك‪C‬ز على ظ‪C‬اهرة االنتش‪C‬ار‪ ،‬وأس‪CC‬ئلة فيزي‪CC‬اءه األساس‪CC‬ية‪ ،‬م‪C‬ا ال‪CC‬ذي‬
‫ينتشر ؟ كيف ينتشر ؟ و يف أي شيء ينتشر ؟‬
‫االنتشار هو ما يوجد بالنسبة له‪ ،‬أما املوضوع املدروس فيأيت يف الدرجة الثانية‪ C،‬يتبني‬
‫إذا ‪ -‬و ال ‪CC‬رأي هن ‪CC‬ا مليش ‪CC‬يل س ‪CC‬ري ‪ -‬أن باش ‪CC‬الر ه ‪CC‬و اآلخ ‪CC‬ر مل يلتح ‪CC‬ق بالش ‪CC‬يء ذات ‪CC‬ه أو اجلس ‪CC‬م‬
‫الص ‪CC‬لب‪ ،‬فك ‪CC‬ل م ‪CC‬ا يوج ‪CC‬د بالنس ‪CC‬بة إلي ‪CC‬ه الظ ‪CC‬واهر االنتش ‪CC‬ارية ل ‪CC‬ذلك يفض ‪CC‬ل املواد الس ‪CC‬ائلة ألهنا‬
‫متسح تارخيها وتفقده وال تتوافر على ذاكرة ‪.‬‬
‫أما احلالة السريية فهي تتميز عن سابقاهتا الديكارتية الباشالرية‪ ،‬فإذا كانت اهلندسة‬
‫واحلرك‪CC‬ة م‪CC‬ا متيز احلال‪CC‬ة الديكارتي‪CC‬ة والس‪CC‬وائل‪ C‬وظ‪CC‬واهر االنتش‪CC‬ار م‪CC‬ا مييز احلال‪CC‬ة الباش‪CC‬الرية‪ C،‬ف‪CC‬إن‬
‫العالقة موض‪C‬وع – موض‪C‬وع هي م‪C‬ا مييز احلال‪C‬ة الس‪C‬ريية‪ ،‬هن‪C‬اك إتص‪C‬ال أو تواص‪C‬ل ينق‪C‬ل االعالم‬
‫من‬

‫موض‪CC‬وع آلخ‪CC‬ر‪ ،‬وينقش‪CC‬ه على األجس‪CC‬ام الص‪CC‬لبة لتحتف‪CC‬ظ ب‪CC‬ه ه‪CC‬ذه األخ‪CC‬رية يع‪CC‬رب عنه‪CC‬ا س‪CC‬ري‬
‫والتوزيع‪-‬بريوت ‪ ، -‬ط‪ ،1982 ، 2‬ص‪144‬‬
‫‪1‬‬
‫‪Serres Michel . l interference, op‬‬
‫‪cit, p87‬‬

‫‪151‬‬
‫« ثالث حاالت ‪ :‬حركات انتشار تواصل‪ ،‬ثالث حاالت ‪ :‬أش‪C‬كال أجس‪C‬ام ص‪C‬لبة‪ ،‬إن احلال‪C‬ة‬
‫‪1‬‬
‫الثالثة‪ : C‬جسم صلب‪ ،‬تواصل أو إعالم ميكن أن يقال عنها كذلك بنية – تطبيق»‬
‫إن اجلس‪CC‬م الص‪CC‬لب يتق‪CC‬دم كموض‪CC‬وع يتص‪CC‬ف خباص‪CC‬ية االحتف‪CC‬اظ وذي أولوي‪CC‬ة يف العلم‬
‫املعاص‪CC‬ر‪ .‬ول‪CC‬ذلك ي‪CC‬ويل سري اهتمام‪CC‬ا باجلس‪CC‬م الص‪CC‬لب والتواص‪CC‬ل ال‪CC‬ذي يتم بني ه‪CC‬ذه املواض‪CC‬يع‪.‬‬
‫ومتي‪CC C‬يزا هلا عن احلاالت الس‪CC C‬ابقة يص‪CC C‬فها بحال‪CC C‬ة املوض‪CC C‬وعي‪ C-‬املوض‪CC C‬وعي‪ ،‬حال‪CC C‬ة حتاول ق ‪CC‬راءة‬
‫حديث املواضيع‪ C‬وإعادة تكوين هذا احلديث املوضوعي‪ ،‬إذا ما يوجد ه‪CC‬و اإلعالم‪ C‬ال‪CC‬ذي ميكن‬
‫أن يثبت يف اجلس ‪CC‬م الص ‪CC‬لب و خباص ‪CC‬ة يف ذاكرت ‪CC‬ه و يق ‪CC‬ول يف ذلك « بطريق ‪CC‬ة م ‪CC‬ا‪ ،‬إهنا املرة‬
‫األوىل يف الت ‪CC‬اريخ ال ‪CC‬يت ميكن فيه ‪CC‬ا أن نعني موض ‪CC‬وعا يط ‪CC‬رد الش ‪CC‬يطان االختب ‪CC‬اري»‪ 2‬والش ‪CC‬يطان‬
‫هن‪CC C‬ا ه‪CC C‬و ك‪CC C‬ل م‪CC C‬ا يعي‪CC C‬ق عملي‪CC C‬ة التواص‪CC C‬ل املع‪CC C‬ريف ( اإلرس‪CC C‬الية والض‪CC C‬جيج ) وع‪CC C‬ده ديك ‪CC‬ارت‬
‫( الص ‪CC C C‬حيح و اخلاطئ ) ومع باش ‪CC C C‬الر ش ‪CC C C‬يطان التحلي ‪CC C C‬ل النفسي‪C‬‬ ‫كش ‪CC C C‬يطان للمعرف ‪CC C C‬ة‬
‫( الشعور والالشعور )‪.‬‬
‫إن إهتم ‪CC‬ام العل ‪CC‬وم املعاص ‪CC‬رة باجلس ‪CC‬م الص ‪CC‬لب كموض ‪CC‬وع‪ ،‬موض ‪CC‬وعي م ‪CC‬ع ب ‪CC‬روز هندس ‪CC‬ة‬
‫الفراكت ‪CC‬ال وفيزي ‪CC‬اء الفوض ‪CC‬ى واملعلوم ‪CC‬ات يظه ‪CC‬ر هتافت العالق ‪CC‬ة بني ال ‪CC‬ذات واملوض ‪CC‬وع‪ C‬أو بني‬
‫املوضوع‪ C‬والذات ويرسم لعالقة جديدة طرافاها موضوع – موضوع ‪.‬‬
‫فمن " شك جذري يف األسلوب الديكاريت‪ ،‬القائم على الكل والال شئ‪ ،‬إىل اجلدال‬
‫الباش ‪CC‬الري الق ‪CC‬ائم على النفي‪ C‬الش ‪CC‬امل ملا قب ‪CC‬ل الت ‪CC‬اريخ‪ ،‬والنفي اجلزئي للت ‪CC‬اريخ ال ‪CC‬رتاجعي‪ C،‬إىل‬
‫االس‪CC‬تيعاب الش‪CC‬امل للفك‪CC‬ر التجري‪CC‬يب كص‪CC‬راع ض‪CC‬د تش‪CC‬ويش الض‪CC‬جيج م‪CC‬ع ميش‪CC‬ال س‪CC‬ري"‪ 3‬إن‬
‫جدي‪CC‬د العالق‪CC‬ة الس‪CC‬ريية كموض‪CC‬وع – موض‪CC‬وع‪ ،‬خترج ال‪CC‬ذات من ال‪CC‬دائرة واحلديث يك‪CC‬ون‪ C‬بني‬
‫املواض ‪CC‬يع واألدوات‪ ،‬ل ‪CC‬ذلك ي ‪CC‬دعونا ‪-‬س ‪CC‬ري‪ -‬إىل إجياد حتلي ‪CC‬ل للموض ‪CC‬وع التق ‪CC‬ين فمثال عن ‪CC‬دما‬

‫‪1‬‬
‫‪ibid p 91‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Op cit, p‬‬
‫‪95‬‬
‫‪3‬‬
‫يوسف‪ ،‬تيبس‪ ،‬التصورات العلمية‪ C‬للعامل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪374‬‬

‫‪152‬‬
‫نق ‪CC‬ول إن الس ‪CC‬دود تنتج الكهرب ‪CC‬اء فإنن ‪CC‬ا نقص‪C C‬ي‪ C‬العنص ‪CC‬ر القبلي وهي ال ‪CC‬ذات‪ ،‬ال ‪CC‬يت تتح ‪CC‬ول إيل‬
‫شيء ما يعلم خيتزن اإلعالم‪ C‬ويتلقاه‪ ،‬فهي ذاكرة لتخزين اإلعالم‪ C‬وقطب للحوار بني املواضيع‬
‫وال ‪CC‬ذوات « إن الش ‪CC‬يء ه ‪CC‬و جتري ‪CC‬يب ألن ‪CC‬ه يوج ‪CC‬د كمحتف ‪CC‬ظ وكمرس ‪CC‬ل لإلعالم‪ C‬وألن ‪CC‬ين أوج ‪CC‬د‬
‫كقارىء‪ ،‬ومتلق وحمتفظ باإلعالم نفسه أو املماثل له » ‪. 1‬‬
‫إن احلالة الديكارتية‪ C‬و الباشالرية من وجه‪C‬ة نظ‪C‬ر ميش‪C‬يل س‪C‬ري تض‪C‬عان‪ C‬املوض‪C‬وع خ‪C‬ارج‬
‫الدائرة لكن العالق‪C‬ة الس‪C‬ريية موض‪C‬وع – موض‪C‬وع تض‪C‬ع ال‪C‬ذات خ‪C‬ارج ال‪C‬دائرة ه‪C‬ذا التعلي‪C‬ق أو‬
‫الوض ‪CC‬ع خ ‪CC‬ارج ال ‪CC‬دائرة ه ‪CC‬و م ‪CC‬ا يص ‪CC‬فه س ‪CC‬ري ب ‪CC‬اإليبوخي وال ‪CC‬يت تع ‪CC‬ين التوق ‪CC‬ف والتوقيف‪ C‬فال ‪CC‬ذات‬
‫تتوق‪CC C‬ف عن احلكم لت‪CC C‬رتك اجملال للمواض‪CC C‬يع تتواص‪CC C‬ل وتتب‪CC C‬ادل فيم‪CC C‬ا بينه‪CC C‬ا االعالم ودوره ‪CC‬ا أن‬
‫تص ‪CC‬غي لتتلقى االعالم‪ .‬أم ‪CC‬ا املواض ‪CC‬يع فيت ‪CC‬ذكر بعض ‪CC‬ها البعض و ينقش بعض ‪CC‬ها البعض‪ C‬لتتب ‪CC‬ادل‬
‫اإلعالم‪ C‬فيما بينها‪.‬‬

‫ولكن ه‪CC C‬ل اإلعالم املتب‪CC C‬ادل بني املواض‪CC C‬يع يقتص‪CC C‬ر على ن‪CC C‬وع منه‪CC C‬ا أم ميت‪CC C‬د إىل املواض‪CC C‬يع‬
‫العلمي‪CC C‬ة على العم‪CC C‬وم؟ ج‪CC C‬واب ميش‪CC C‬ال س‪CC C‬ري أهنا تش‪CC C‬مل ك‪CC C‬ل املوج‪CC C‬ودات‪ ،‬اجلم‪CC C‬اد‪ ،‬النب‪CC C‬ات‬
‫واحليوان فحىت العضوية‪ C‬فيها شبكة من احلفظ والتخ‪CC‬زين النق‪C‬ل والتواص‪CC‬ل‪ ،‬ف‪C‬النواة مثال‪ ،‬تق‪CC‬وم‬
‫بتخ‪CC‬زين املعلوم‪CC‬ات املهم‪CC‬ة النقس‪CC‬ام اخللي‪CC‬ة وه‪CC‬ذا م‪CC‬ا بينت ‪C‬ه الكيمي‪CC‬اء احليوي‪CC‬ة يف حتليله‪CC‬ا للعناص‪CC‬ر‬
‫الدقيق‪C‬ة يف اخللي‪C‬ة كاحلامض الري‪C‬يب الن‪C‬ووي (‪ « C)A.D.N‬يوج‪C‬د يف اجله‪C‬از العض‪C‬وي ش‪C‬يء م‪C‬ا‬
‫ك ‪CC‬احلروف‪ ،‬ش ‪CC‬يء م ‪CC‬ا كالق ‪CC‬اموس‪ ،‬ش ‪CC‬يء ما كش ‪CC‬بكة النق ‪CC‬ل‪ ،‬إن فك ‪CC‬رة الرتمجة ال تتوق ‪CC‬ف عن‬
‫العودة » ‪ 2‬فكل املوجودات متثل ركيزة لإلعالم الذي تتلقاه وحتتفظ به و ترجعه ‪.‬ونضع هن‪CC‬ا‬
‫خطاط‪CC‬ة تلخيصية أورده‪CC‬ا س‪CC‬ري يف كت‪CC‬اب التفاع‪CC‬ل‪ ،‬يف مع‪CC‬رض حديث‪CC‬ه عن التفاع‪C‬ل‪ C‬املوض‪CC‬وعي‪،‬‬
‫للعالق ‪CC C C C‬ات ذات – ذات ذات ‪ -‬موض ‪CC C C C‬وع‪ ،‬موض ‪CC C C C‬وع – ذات‪ ،‬مث العالق ‪CC C C C‬ة موض ‪CC C C‬وع –‬

‫‪1‬‬
‫‪ibid p 98‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Serres Michel . l interference, op cit, p 105‬‬

‫‪153‬‬
‫موضوع‪ ،‬اليت يطرحها ميشيل سري كبديل للعالقات السابقة ‪.‬‬

‫الواقعية ( أرسطو )‬
‫ذات‬ ‫موضوع‬
‫أفالطون ( أنا – اآلخر‪ ،‬مذهب الفطرة ملينون)‬ ‫االختبارية‬
‫ديك‪CC C C C C‬ارت ( أن‪CC C C C C‬ا – أن‪CC C C C C‬ا‪ ،‬م‪CC C C C C‬ذهب الفطري ‪CC C C‬ة)‬ ‫ذات‬ ‫ل‪CC C C C C‬وك‪ ،‬كون‪CC C C C C‬دياك)‬
‫املثالية‬
‫‪1‬‬
‫خطاطة (‪)1‬‬

‫ذات‬ ‫موضوع‬
‫العالقة موضوع ‪-‬موضوع‬
‫موضوع‬ ‫ذات‬

‫‪2‬‬
‫اخلطاطة (‪)2‬‬

‫ومن خالل هذه اخلطاطة يتبني لنا‪:‬‬


‫‪/1‬بالنس ‪CC C‬بة إىل اخلطاط ‪CC C‬ة األوىل‪ ،‬الث ‪CC C‬ابت‪ C‬والالمتغ ‪CC C‬ري في العالق ‪CC C‬ة ذات ‪-‬موض ‪CC C‬وع أو‬
‫موض ‪CC‬وع ‪ -‬ذات ه ‪CC‬و العق ‪CC‬ل أو الفهم‪ ،‬ل‪CC‬ذلك هي ت‪CC‬ؤول إىل العالق ‪CC‬ة ذات‪ -‬ذات‪ ،‬واملوض‪CC‬وع‪C‬‬
‫هنا مقصى متاما‪ ،‬وهذا ديدن النزعات املثالية‪ ،‬الواقعية‪ C‬واالختبارية ‪.‬‬
‫‪ /2‬أما بالنس‪CC‬بة للخطاط‪CC‬ة الثاني‪C‬ة‪ C‬فإن احلال‪CC‬ة الس‪CC‬ريية تك‪CC‬رس تواص‪CC‬ال بني األش‪CC‬ياء‪ ،‬ح‪CC‬وار‬
‫‪1‬‬
‫‪ibid, p:‬‬
‫‪108‬‬
‫‪2‬‬
‫‪l interference, op cit, p: 109‬‬

‫‪154‬‬
‫الهنائي بني املواضيع‪ .‬ويش‪C‬كل ه‪C‬ذا احلوار النس‪C‬يج الت‪C‬ارخيي لألح‪C‬داث والق‪C‬وانني ال‪C‬يت تع‪C‬د األن‪C‬ا‬
‫العارفة شاذة يف وسطها فهي قطيعة داخل االتصالية‪ ،‬مع التأكيد على أن الذات العارف‪CC‬ة تش‪CC‬ري‬
‫إىل النحن أو الذات اإلنس‪CC‬انية ‪.‬واللحظ‪CC‬ة الال متغ‪CC‬رية‪ C‬ف‪CC‬ري احلال‪CC‬ة الس‪CC‬ريية هي « إن املورفي‪CC‬ه هي‬
‫على العم‪CC‬وم اجملموع ‪C‬ة‪ C‬املثالي ‪C‬ة‪ C‬للمورفيه‪CC‬ات الفردي ‪CC‬ة املرس ‪CC‬لة واملنقول ‪CC‬ة واملتلق ‪CC‬اة واحملتف ‪CC‬ظ هبا من‬
‫موض‪CC‬وع إىل آخ‪CC‬ر»‪ 1‬يع‪CC‬ين ذل‪CC‬ك أن املورفيه‪ C‬العام‪CC‬ة تتش‪CC‬كل من جمموع‪CC‬ة املورفيه‪CC‬ات الفردي‪CC‬ة‬
‫ال ‪CC‬يت ختض ‪CC‬ع لفع ‪CC‬ل النق ‪CC‬ل وتطب ‪CC‬ع على س ‪CC‬طح املواض ‪CC‬يع‪ ،‬فتمث ‪CC‬ل ه ‪CC‬ذه األخ ‪CC‬رية قن ‪CC‬اة من ش ‪CC‬بكة‬
‫التواصل واإلعالم‪ C،‬كما حتمل بصمات التجارب فتصبح ب‪CC‬ذلك قطب‪CC‬ا يف ه‪CC‬ذه الش‪CC‬بكة‪ C‬ويص‪CC‬بح‬
‫العلم بذلك هو علم املورفولوجيا من الرياضيات إىل التاريخ ‪.‬‬

‫‪ ‬التواصل بني النظريات‪.‬‬


‫املقصود بالنظريات تلك الفروع املعرفية املتعددة دقيقة وإنسانية‪ C‬واليت تشكل‬
‫عالقاهتا شبكة تواصلية جعل سري مهمته أن يكون رسوال أو وسيطا فيما بينها‪ ،‬كما كان‬
‫هرمس‪ ‬رسوال لآلهلة لكن قبل احلديث عن العالقة بني العلوم‪ ،‬نتساءل مع سري عن‬
‫العالقة بني العلم والفلسفة كحقلني معرفيني متباينني‪ ،‬موضوعا ومنهجا هل هي عالقة‬
‫نزاع وشجار أم تبادل وحوار ؟ ما دور الفلسفة يف العلم واملعاصر منه على الخصوص ؟‪.‬‬
‫من وجهة نظر سري هناك عالقة ضرورية بني الفلسفة والعلم «إذ يف احلالة العكسية‪C‬‬
‫لن تكون سوى فلسفة جاهلة وتارخيية»‪ 2‬لكن مع ضرورة الفصل واالستقاللية بني موضوع‬

‫‪1‬‬
‫‪ibid p‬‬
‫‪110‬‬
‫‪‬‬
‫المورفولوجي‪CC‬ا علم‪ C‬دراس‪CC‬ة الش‪CC‬كل والبنية ( حيواني‪CC‬ة‪ ،‬نباتي‪CC‬ة‪ ،‬ص‪CC‬خرية‪ ،‬لغوي‪CC‬ة) ويس‪CC‬تخدمه ميش‪CC‬يل س‪CC‬ري ليع‪CC‬رب ب‪CC‬ه عن ك‪CC‬ل م‪CC‬ا ه‪CC‬و‬
‫مكتوب عن موضوع العلم‪ ،‬مع اإلشارة إىل إمكان وجود جمموعة‪ C‬من املورفيهات يف موضوع واحد ‪.‬‬
‫هرمس رسول اآلهلة عند اليونان‪ ،‬منه استوحى ميشيل سري عنوانا لسلسلة كتبه يف التواصل بني العلوم‪C‬‬ ‫‪‬‬

‫يوسف تيبس‪ ،‬تاريخ وفلسفة‪ C‬العلم عند ميشيل سري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪164‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪155‬‬
‫كليهما‪ .‬فال جيب أن تكون الفلسفة ناقلة ومتطفلة ألهنا بذلك تشوش على العلم‪ ،‬فليس‬
‫هناك فلسفة داخل العلم بل « الفلسفة تفكر مع العلوم‪ ،‬ولكن خارجها‪ ،‬إن الفلسفة تفكر‬
‫فيما مل تفكر فيه العلوم أو فيما نسيته العلوم أو فيما مل تقدر على التفكري فيه ‪ ،‬أو مهشته‪،‬‬
‫أو فيما منعت‪ C‬التفكري فيه أو فيما مل تفكر فيه العلوم بعد‪ ،‬و أخريا فيما غطته و أخفته‬
‫العلوم»‪.1‬‬

‫الفلسفة إذا‪ ،‬مدعوة ألن تساهم جبانب العلم لكن مع احملافظة على هويتها‪C‬‬
‫وخصوصيتها‪ ،‬يف كتابه األصل‪ ،‬يقول سري ‪ « :‬إن الفلسفة ليس هلا الواجب‪ C‬ألن تفكر‬
‫فيما تفكر فيه العلوم وبالطريقة نفسها اليت تفكر فيها إن بإمكاهنا أن تفعل ذلك باختيار‪،‬‬
‫ولكن عليها أن تعلم بوضوح أهنا بذلك عبد وتقليد‪ ،‬متطفلة وناقلة‪ ،‬هناك من يفضل هذا‬
‫وهناك‪ C‬من يرفض ذلك ‪ ...‬إن الفلسفة ليس من واجبها االمتيازي أن تفرتق عن العلم ميكنها‬
‫أن تكون كذلك حسب اختيارها‪ ،‬ولكن جيب أن تعلم بوضوح أهنا إذن‪ ،‬جاهلة مؤرخة‪،‬‬
‫منغلقة يف مؤسساهتا اخلاصة‪ ،‬هناك‪ C‬من يفضل هذه املهمة التارخيية و هناك من حيزن هلا »‪.2‬‬
‫إن املوقف السريي يرفض أن تصري الفلسفة علما ويف ذلك رفض صريح للفلسفات‬
‫العلموية‪ ،‬كالوضعية املنطقية اليت اختذت منطق العلم سبيال يف بناء أطروحاهتا‪ ،‬يف مقابل تيار‬
‫املثالية‪ C‬الذي ظل حمافظا على تعايل نزعته املاورائية اليت تلخص أصل الوجود يف الفكر‪ .‬ورمبا‬
‫كان جململ التطورات واالكتشافات العلمية املتالحقة يف مجيع ميادين العلم وتعزيز مواقعه‬
‫وهيمنته‪ C‬على مجيع املعارف األخرى أثر بالغ أدى اىل تعميق االختالفات بني أنصار العلم –‬
‫باملعىن الضيق‪ -‬وأنصار العلوم األخرى املختلفة‪ ،‬وقد انعكست‪ C‬هذه االختالفات على العالقة‬
‫القائمة بني الفلسفة والعلم واليت شهدت أشكاال للصراع الذي مت فيه احلسم اإلبستمي‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪164 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪serres michel, Genèse, Grasset‬‬
‫‪Paris,1982,p:169‬‬

‫‪156‬‬
‫باالنفصال بني الفلسفة والعلم يف كثري من االحيان ‪ .‬فمثال‪ ،‬يذهب "كرناب" كأحد رواد‬
‫الوضعية‪ C‬املنطقية مبينا بدقة علمية صارمة مفهوم الفلسفة العلمية كنظرية للمعرفة‪ ،‬خالية من‬
‫كل انطولوجيا ومن كل سيكولوجيا‪ ،‬هذه النظرية اجلديدة للمعرفة تقوم على حتليل منطقي‬
‫للغة العلم على أسس حنوية‪ ،‬ويف حدود هذا املعىن يقيم كارناب‪ ،‬تفرقة علمية بني القضايا‪C‬‬
‫اليت هلا معىن وهي القضايا اليت ميكن التحقق منها مخربيا والقضايا‪ C‬امليتافيزيقية‪ C‬اخلالية من‬
‫املعىن ويطلق عليها (أشباه‪ -‬القضايا) الهنا ال ختضع للنظام النحوي املنطقي‪ ،C‬وان هذا الفصل‬
‫الذي يقيمه كارناب‪ ،‬بني القضايا العلمية والقضايا‪ C‬امليتافيزيقية‪( C‬أشباه‪ -‬القضايا)‪ ،‬سيدفع به‬
‫اىل إحداث قطيعة جذرية بني امليتافيزيقا وفلسفة العلم مما سيدفع حبلقة فيينا‪ ‬إىل اعتبار‪« C‬‬
‫امليتافيزيقا ال تنطوي على نظريات‪ ،‬كما أهنا ال تشمل على قضايا علمية »‪.1‬‬
‫ولذلك يؤكد آير على ضرورة إبعاد كل تفكري ميتافيزيقي وفلسفة تأملية وننظر إىل‬
‫الفلسفة من وجهة علمية‪ .‬فمن واجب الفيلسوف أن خيترب مدى صحة فرضياته العلمية‬
‫ويربرها ويبني املقاييس‪ C‬اليت يستعملها لكي يؤكد حقيقة اخلطأ أو الصواب‪ C‬ألي فرض‪.‬‬
‫و تفضيل الفروض العلمية على الفروض امليتافيزيقية يرجع إىل أن األوىل جتريبية وأكثر‬
‫دقة ‪ .‬كما ال جيب على الفلسفة أن تكون متأخرة عن التطورات احلاصلة يف العلم‪ ،‬ولعل‬
‫هذا ما كان يرمي إليه الفيلسوف الفرنسي "غاستون باشالر" يف حماولة إقامة نظرة فلسفية‬
‫صحيحة‪ ،‬تتالءم وتتماشى‪ C‬مع العلم املعاصر‪ ،‬وهي حماولة إزالة اهلوة اليت تفصل الفلسفات‬

‫اس‪CC‬م أطلق‪CC‬ه بلوم‪CC‬ربج وفاجيل ع‪CC‬ام ‪1931‬م على األفك‪CC‬ار الفلس‪CC‬فية‪ C‬الص‪CC‬ادرة عن اجلماع‪CC‬ة ال‪CC‬يت أطلقت على نفس‪CC‬ها‬ ‫‪‬‬

‫(مجاعة فينا)‪ .‬وقد أنشأت هذه اجلماعة يف أوائل العشرينات من الق‪CC‬رن العش‪C‬رين حلق‪C‬ةً للمناقش‪CC‬ة غ‪C‬ري رمسية جبامع‪CC‬ة‬
‫فين‪C‬ا‪ ،‬يتزعمه‪C‬ا م‪C‬وريس ش‪C‬ليك(‪1882‬م ـ ‪1936‬م) أس‪C‬تاذ كرس‪C‬ي العل‪C‬وم‪ C‬االس‪C‬تقرائية يف ه‪C‬ذه اجلامع‪C‬ة‪ .‬من أعض‪C‬اء‬
‫ه‪CC‬ذه اجلماع‪CC‬ة الب‪CC‬ارزين رودل‪CC‬ف كارن‪CC‬اب‪ ،‬وفردري‪CC‬ك فايزم‪CC‬ان‪ ،‬وك‪CC‬ارل ب‪CC‬وبر‪ ،‬فيليب فران‪CC‬ك أم‪CC‬ا س‪CC‬بب لق‪CC‬اء ه‪CC‬ذه‬
‫اجلماع‪CC‬ة يف حلق‪CC‬ة معرفي‪CC‬ة مش‪CC‬رتكة‪ ،‬فيع‪CC‬ود اىل توح‪CC‬دها يف االهتم‪CC‬ام ب‪CC‬املنهج كم‪CC‬دخل أساس‪CC‬ي‪ ،‬والس‪CC‬عي لتأس‪CC‬يس‬
‫الفلس ‪CC‬فة العلمي‪CC‬ة أو التنظ‪CC‬ري للفلس ‪CC‬فة علمي ‪C‬اً من خالل ممارس‪CC‬ة التحلي ‪CC‬ل املنطقي‪ ،‬فض ‪C‬الً عن الس‪CC‬عي لتوحي‪CC‬د العل‪CC‬وم‪C‬‬
‫مجيعا ‪.‬‬
‫زكريا إبراهيم‪ ،‬دراسات يف الفلسفة املعاصرة‪ ،‬مكتبة مصر‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬س‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬ص ‪274‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪157‬‬
‫املعاصرة عن العلم املعاصر هلا‪ .‬يف حني يرى سري أن باشالر متأخر عن علوم العصر ونظرياته‬
‫املتجددة‪.‬‬
‫لقد أصبح احلديث عن العلم ومن مث االبستمولوجيا‪ ،‬يف الفلسفة املعاصرة‪ ،‬ضرورة ‪،‬‬
‫ألنه يربز ارتباط الفيلسوف بالعلم كممثل للسلطة املعرفية يف العصر احلاضر ‪ .‬وعند احلديث‬
‫عن عالقة الفلسفة بالعلم يبزر لنا ميشيل سري دور الفلسفة ليس فقط يف تطور العلم بل‬
‫كذلك يف تأسسيه ‪.‬‬
‫ويف هذا السياق يتخذ من الرياضيات منوذجا للتحليل‪ ،‬واليت تتصف – من وجهة‬
‫نظره– بخاصية التجريد والصرامة‪ ،‬الدقة والعمومية‪ C‬والصورنة‪ ،‬إن احملاورات األفالطونية‪C‬‬
‫كامتداد فلسفي سابق للعلم كانت تسعى حنو التجريد‪ ،‬يف حماولة لإزالة عنصر التشويش‬
‫والذي يسميه ميشيل سري الثالث املرفوع أو الشيطان أو الضجيج‪ ،‬باعتباره‪ C‬عائق املعرفة‬
‫والتواصل ‪.‬‬
‫إن م نهج احلوار األفالطوين يشرك احملاور يف مهمة التوليد وطرد الشيطان لنجاح‬
‫التواصل‪ .‬ويتبني لنا أن املنهج اجلديل للحوار كمنبع للتجريد يأخذ منابعه‪ C‬من اجلهويات‬
‫نفسها اليت يأخذ منها املنهج الرياضي « إن كال املنهجني يستقي فعله من جمال واحد‪ ،‬إن‬
‫جماهلما هو األسطورة وحركتهما هي اجلدال‪ ،‬أما هدفهما فهو إزاحة الضجيج كعنصر‬
‫يشوش على التواصل ويكدر صفاء التجريد»‪ . 1‬فمادامت الرياضيات أساسها جتريد‬
‫وصورنة وهي صفات ناجتة عن حركة احلوار األفالطوين فإن الرياضيات نشأت من داخل‬
‫هذا احلوار « إن املعجزة اإلغريقية‪ ،‬املتعلقة‪ C‬بالرياضيات‪ ،‬جيب أن تولد يف الزمان نفسه‪،‬‬
‫الزمان التارخيي‪ ،‬الزمان املنطقي والزمان الفكري‪ ،‬مع فلسفة احلوار ومن خالل احلوار»‪. 2‬‬
‫فقط علينا أن نستدرك القول بأن املعجزة اإلغريقية ال متثل أصل الرياضيات‬
‫تاريخ و فلسفة العلوم عند ميشيل سري ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪159‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪serres michel, la communication, p‬‬
‫‪45‬‬

‫‪158‬‬
‫ومصدرها‪ ،‬نقول ذلك ألن سري يتميز مبوقفه يف هذه املسألة‪ C‬وخالفا ملواقف املركزية املعرفية‬
‫الغربية اليت ترجع أصل العلوم ونشأهتا إىل االغريق‪ .‬فظهور العقالنية اليونانية‪ C‬يف نظر‬
‫هؤالء املنظرين يؤرخ النطالق العقالنية‪ C‬الغربية‪ ،‬خارج إطار املسامهات اليت بلورهتا‬
‫احلضارات القدمية وهناك منوذج واحد للمعرفة والعقل‪ ،‬هو النموذج الغريب وما عداه صور‬
‫وأشباه‪ . C‬وعند معاينة‬
‫تطور الفكر والعقالنية‪ C‬عرب التاريخ يتم هتميش الدور احلضاري اإلسالمي‪ C،‬أو ينظر إليه‬
‫أحيانا كرتمجة حمرفة ومشوهة للعقالنية‪ C‬اليونانية‪ C‬املنظور إليها كأصل أول للعقل‪ ،‬وللعقل‬
‫الغريب بالذات‪ .‬فمعجزة اليونان عند "سري" متثلت يف بداية جهوية علمية خاصة باهلندسة و‬
‫ِسبقهم جتلى يف أهنم أوجدوا خطابا واخرتعوا لوجوسا ((‪logos‬خاصا بتحليالهتم‪ ،‬إهنا متثل‬
‫نقطة االنطالق لتاريخ نوع من الرياضيات أما أصل الرياضيات فيوجد يف كل حلظات تطور‬
‫وثورة هذا العلم « لنعد إىل هذه املعجزة االغريقية‪ ،‬اليت مل تعد بالفعل سوى كالم انفلت‬
‫من رينان يف حلظة حبور ‪ ...‬إن األشكال اهلندسية‪ ( C‬املربع‪ ،‬املثلث‪ ،‬الدائرة ) اليت تعرف منذ‬
‫اآلن أن الكمال يف القياس ليس شرطا ضروريا لتارخييتها الرياضية إن هذه اإلشكالية‪ C‬كانت‬
‫معروفة ومطبقة قبل طاليس بكثري‪ ،‬كما تشهد على ذلك وفرة الفنون‪ C‬التزيينية وتكنولوجيا‪C‬‬
‫صناعة اخلزف صناعة السالل‪ ،‬واملذاري‪ ،‬والنقل والبناء املتعلقة باحلضارات السابقة من مصر‬
‫إىل السومريني ‪ ...‬ولكن ما هو يقيين بالنسبة هو أن اإلغريقيني قد بدأوا يف احلديث حوهلا‬
‫ويأخذوهنا كمواضيع خلطاباهتم»‪.1‬‬
‫يريد سري للفلسفة إذا أن تنفتح على العلم‪ ،‬فلم تعد مهمتها التأمل يف اجلوهر واملاهية‬
‫وال أن تتحصن داخل أنساق فلسفية تأملية ومرجعيات ثابتة‪ ،‬فمن واجب الفلسفة « أن‬
‫حتقق ثورة فلكية »‪ .2‬إن وظيفة‪ C‬الفلسفة األساسية‪ C‬أن تتساءل حول التحويل والنقل‬
‫‪1‬‬
‫‪op cit, p.‬‬
‫‪106‬‬
‫‪2‬‬
‫‪serres.m, genese, paris, 1982 , p:‬‬

‫‪159‬‬
‫كمفاهيم خاصة بشبكة التواصل بني اجلهويات العلمية وبذلك تصبح الفلسفة خطابا‬
‫إبستمولوجيا حول العلم لكن من داخل العلم « إن الفلسفة ال ميكنها إال أن تنزل إىل العلم‬
‫حيث تنتظرها ‪ ،‬كما رأينا االبستمولوجيا »‪. 1‬‬
‫معىن ذلك أن تقارب الفلسفة مع العلم حيدث تقاطعا مضمونه اإلبستومولوجيا‬
‫وكل حقل معريف هو فلسفة تنعكس على جهويتها اخلاصة وفعلها اخلاص‪ ،‬مث على العلم‬
‫عموما ‪ .‬إن عقم الفلسفة وعدم مسايرهتا للركب املعريف‪ ،‬وتأخرها عن أدائها لدورها‬
‫الطالئعي‪ C‬يف الوقت الراهن‪ ،‬هو ما دعا سري إىل جتديد دور الفلسفة « إذا كنا مل نعد نتمكن‬
‫من رؤية حقل علمي‬
‫ما إال كفلسفة الربيق‪ ،‬فإن هذا يؤدي بالبداهة إىل أنه ال يوجد‪ ،‬على األقل يف اللحظة‬
‫الراهنة‪ C‬فلسفة جتعل من هذا الربيق املرايا املتعددة لتأمل وحيد‪ ،‬وأنه ال يوجد‪ ،‬على األقل يف‬
‫اللحظة الراهنة فلسفة هلذا العامل من أجل عاملنا‪ ،‬مما أدى إىل أننا نسكن أسوأ من العصور‬
‫‪2‬‬
‫األوىل‪ ،‬عاملا غري مسكون‪ ،‬ومن مث فإن الفلسفة تعتذر عن مهمتها »‬
‫نستخلص أن وظيفة العلم هي التفكري وإنتاج خطاب يتصف بالصرامة والدقة‪ ،‬أما‬
‫وظيفة‪ C‬الفلسفة هي حماولة حترير العلم من سجنه املؤسسايت الذي يقتل قوة االبداع‬
‫واالكتشاف العلمي بتبنيه لفكر دون مرجعية وملفاهيم‪ C‬الفوضى‪ C‬والتعدد والالنظام «‬
‫ليتحطم النظام بضربة مطرقة »‪ 3‬تتجلى النزعة البنيوية يف فلسفة ميشيل سري بكل وضوح‪،‬‬
‫و اليت تقوم على أساس أن التقدم ال يعين تراكماً تدرجيياً ملكتسبات‪ C‬يضاف اجلديد منها إىل‬

‫‪169‬‬
‫‪1‬‬
‫‪serres .m , la communication, op cit, p p : 69,70‬‬

‫‪2‬‬
‫‪serres. m, l interference, op cit, p:47‬‬

‫‪3‬‬
‫‪serres, michel, la distribution . paris,minuit, 1977, p:‬‬
‫‪97‬‬

‫‪160‬‬
‫القدمي إضافة خارجية وإمنا يقوم على أساس أن األفكار اجلديدة هي جمرد توسيع ألفكار‬
‫سبق ظهورها من قبل فالعقل اإلنساين ال يسري بطريقة جيولوجية‪ ،‬أي انه ال يضيف طبقة‪C‬‬
‫من املعرفة فوق طبقة أخرى وإمنا يسري بطريقة عضوية‪ ،‬يعيد فيها مَت ثُّل القدمي بطريقة أصعب‬
‫وأعقد‪ ،‬وحيتفظ فيها ببنائه القدمي وان كان يدرك خالل تطوره أن ذلك البناء الذي كان يعد‬
‫صحيحاً صحة مطلقة يف وقت مضى ال ميثل إال جانباً من احلقيقة‪ C‬هو ذلك اجلانب الذي‬
‫كان عقلنا يستطيع بلوغه يف ذلك الوقت‪.‬‬
‫بناء على ذلك ميكن القول أن كل تقدم يظل حمتفظاً بالنواة‪ C‬املركزية‪ ،‬وأن طريق‬
‫املستقبل مير باملاضي وأ ن طريق الوصول إىل الغد يتم من خالل مراجعة ما كان مت باألمس‪.‬‬
‫فالبذور القدمية موجودة دائماً‪ ،‬وكل ما يفعله اإلنسان‪ C‬انه ينميها دائماً‪ ،‬والعلوم يف نظر سري‪،‬‬
‫تتطور وتتقدم حنو األحسن أي تزداد دقة وضبطا‪.‬‬
‫إن احلديث عن التواصل بني العلوم و النظريات‪ ،‬والذي يأخذ معاين متعدد عند سري‪،‬‬
‫التفاعل الرتمجة‪ ،‬النقل‪ ،‬االسترياد‪ ،‬يقودنا إىل احلديث عن اجلهويات العلمية وما يتأسس‬
‫بينها‬
‫من تداخل وتبادل ليس فقط بني حقل علمي وآخر بل وحىت داخل احلقل الواحد‬
‫كالبيولوجيا والرياضيات والفيزياء يوجد تواصل وتفاعل « منذ وجود علوم تتوزع جيدا‬
‫وتنفصل بعناية‪ C،‬كيف تريدون أن نتخيل العالقة بني التاريخ العام وتاريخ التخصصات إنه‬
‫اليوجد عالقة بني احلقول اخلاصة للمعرفة »‪ 1‬ويقصد باجلهويات العلمية تلك الفروع‬
‫العلمية اجلزئية القدمية والناشئة‪ C‬اليت تلغي املفهوم‪ C‬العام للعلم‪.‬‬
‫أي فكرة العلم بألف التعريف مثلما كان يرى العلماء والفالسفة يف العصور‬
‫الكالسيكية‪ .C‬فالعلم يف نظرهم وحدة كلية ألن الذات العارفة هي األخرى واحدة‪ ،‬فوحدة‬
‫املعرفة من وحدة الذات العارفة ويف ذلك يرى ديكارت كممثل بارز هلذه الوجهة من‬

‫‪1‬‬
‫‪op cit, p 18‬‬

‫‪161‬‬
‫النظر إن كل العلوم ليست شيئا آخر غري احلكمة اإلنسانية‪ ،‬اليت تظل دائما واحدة‬
‫ودائما هي نفسها‪ ،‬مهما كانت املواضيع‪ C‬اليت تطبق عليها واليت تتلقى تغيريا من هذه املواضيع‬
‫أكثر مما يتلقاه ضوء الشمس من تنوع األشياء اليت يضيئها ‪ .‬أ ّكد ديكارت و ذلك منذ‬
‫املؤسسة على وحدة الفكر‬
‫األول املتمثّل يف " قواعد لقيادة الفكر " على وحدة املعرفة ّ‬
‫مؤلّفه ّ‬
‫اإلنساين‪.‬‬
‫الشاملة وهو العلم الكوين بالنّظام‬
‫الرياضيّات ّ‬
‫فكل العلوم هي تابعة لعلم ّأول هو ّ‬
‫ّ‬
‫وبالقياس وتعكس التّسمية األوىل لكتاب مقالة يف الطّريقة " أمهّية مسلّمة وحدة املعرفة يف‬
‫الفلسفة الديكارتيّة‪.‬‬
‫مو بطبيعتنا إىل‬
‫الس ّ‬
‫فالعنوان‪ C‬األصلي للكتاب هو‪ " :‬مشروع علم شامل قادر على ّ‬
‫أعلى درجات الكمال "‪ .‬كتاب " مبادئ الفلسفة " يش ّدد هو اآلخر‪ ،‬على الرّت ابط‬
‫والتّماسك الوثيق بني خمتلف فروع املعرفة الفلسفيّة اليّت متثّل حينئذ شجرة جذورها‬
‫امليتافيزيقا‪ ،‬جذعها الفيزياء وفروعها بقيّة العلوم األخرى اليّت ميكن إرجاعها إىل ثالث‬
‫أساسيّة ‪ :‬الطّب و امليكانيكا واألخالق‪ .‬لكن التعدد والكثرة‪ C‬يف العلوم أبطلت هذا االعتقاد‪.‬‬
‫ومن وحي فكرة تعدد العلوم‪ ،‬وضع أوغست كونت تصنيفا‪ C‬وترتيبا هرميا للعلوم‬
‫خلصها يف ستة علوم تبدأ بالرياضيات وتنتهي إىل السوسيولوجيا حيث الميكن تقليص أي‬
‫‪‬‬
‫علم إىل آخر‬
‫لكن تطور العلوم املعاصرة أفرز تعددية ختصصية‪ C‬مفرطة‪ ،‬حيت داخل العلم الواحد‬
‫تأسست‪ C‬فروع خمتلفة‪ ،‬وكل علم يتضمن علوما جزئية وتكرس االنقسام التخصصي‪ C‬داخل‬

‫‪‬‬
‫كتب كونت اساس‪C‬يات مذهب‪C‬ة الوض‪C‬عى يف مؤل‪C‬ف "دراس‪C‬ات ىف الفلس‪C‬فة الوض‪C‬عية" وأب‪C‬دى في‪C‬ه نوع‪C‬ا من التعص‪C‬ب هلذا العلم اجلدي‪C‬د‬
‫فوضعه على رأس سلسله‪ C‬من العلوم من ناحية االمهية والتعقيد‪ ،‬قسم العلوم حسب درجة التعقيد واحلداث‪C‬ة واالمهي‪C‬ة ودرج‪C‬ة العم‪C‬وم ‪:‬‬
‫علم‪ C‬الرياض‪CC‬يات ‪،‬علم‪ C‬الفل‪CC‬ك‪ ،‬علم الطبيع‪CC‬ه‪ ،‬علم‪ C‬الكيمي‪CC‬اء‪ ،‬علم احلي‪CC‬اة وعلم االجتم‪CC‬اع‪ ،‬واقتص‪CC‬ر ىف ه‪CC‬ذا التص‪CC‬نيف على ما إص‪CC‬طلح‬
‫عليه‪" C‬العل ‪CC‬وم االساس ‪CC‬ية‪ C‬النظرية" ال ‪CC‬ىت تس ‪CC‬تهدف التوص ‪CC‬ل اىل الق ‪CC‬وانني الوض ‪CC‬عية ال ‪CC‬ىت حتكم الظ ‪CC‬واهر‪ ،‬وتس ‪CC‬ري ه ‪CC‬ذة السلس ‪CC‬له‪ C‬من االعم‬
‫واالبسط اىل االخص واملركب ومن اشدها جتريدا حنو أقلها جتريدا ‪.‬ويعتمد كل علم على ما بعده وىف هذا االط‪C‬ار ت‪C‬ربز قيم‪C‬ة وأمهي‪C‬ة‬
‫وصعوبة علم‪ C‬االجتماع من حيث هو اعقد العلوم ومن حيث اعتماده على كافة العلوم السابقه‪.‬‬
‫‪162‬‬
‫كل علم على حدة وأصبح فكر الوضعية كما يرى بعض الدارسني يمثل مرحلة الطفولة يف‬
‫العلم‪ .‬لقد بدأ كل علم خيرج عن وحدته اخلاصة « فتكونت‪ C‬علوم جديدة إنطالقا من هذا‬
‫التحرر وانطالقا من تظافر واجتماع علمني أو أكثر كازدواج الرياضيات والفيزياء يف‬
‫الفيزياء الرياضية‪ ،‬وازدواج البيولوجيا‪ C‬بالكيمياء يف الكيمياء احليوية‪ ،‬إىل غريها من العلوم‬
‫اليت مل تكتف هبذا الرتابط‪ C‬بل إهنا كوّنت جماهلا وموضوعها اخلاص »‪.1‬‬
‫لقد تعددت العلوم وتفرعت يف العصر احلاضر‪ ،‬وبصورة مدهشة لذلك يدعونا سري‬
‫إىل فلسفة للفوضى (‪ )chaos‬والتبعثر والتعددية كمفاهيم مفتوحة‪ .‬لكن إذا كان سري يؤمن‬
‫بفكرة االتصال بني اجلهويات العلمية فكيف يتم هذا االتصال ؟ إن االتصال بني اجلهويات‬
‫العلمية أو تفاعل التخصصات العلمية تتم انطالقا من فعل النقل أي نقل املفاهيم واملناهج‪C‬‬
‫من جمال معريف إىل جمل معريف آخر إن فعل النقل هو تلخيص لعملييت التصدير واالسترياد‬
‫اليت تتم بني اجلهويات فيما بينها‪ ،‬فبني الفروع والتخصصات العلمية عالقات منهجية‬
‫ومفهومية‪ C‬تؤسس لفعل النقل والرتمجة واالتصال كما يصفها سري « فال يوجد علم متفرد‬
‫من دون عالقات مع باقي العلوم سواء عرب عملية النقل أو التبادل‪ ،‬أو عرب االزدواج‬
‫واالجتماع بعلوم أخرى‪ ،‬مما يسمح باحلديث عن وحدة علمية أو انسيكلوبيديا‪ C‬كما‬
‫‪2‬‬
‫يفضل أن يسميها م‪.‬سري »‬
‫إن املفاهيم اليت اليت حتدد عالقات العلوم هي إسترياد و تصدير نقل و حتويل و تبادل‬
‫للمفاهيم واملناهج‪ C‬ويسمي م‪.‬سري هذه العالقات وخواصها باملكان‪ C‬المتعايل (‬
‫‪ )TRANSCENDANTAL‬مبجال العلم‪ ،‬ليصبح كل جمال علمي جهوية من هذا املكان‪C‬‬
‫« مهما يكن يف هذه الغائية‪ ،‬فإن التبادل هو قاعدة‪ ،‬وإن مل تكن شاملة ‪ :‬استرياد وتصدير‬
‫تعلن يف نظري هناية عصر املتخصصني‪ ،‬إن اجملتمع العلمي هو منذ اآلن متعدد اللغات‪ ،‬فكلما‬

‫ص‪170‬‬ ‫تاريخ وفلسفة‪ C‬العلوم عند ميشيل سري‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص‪171‬‬


‫‪2‬‬

‫‪163‬‬
‫اجتهنا حنو البيداغوجي واإلبالغ‪ C،‬سرنا حنو االختصاص‪ :‬اإلطار السوسيوسياسي‪ ،‬املكان‪C‬‬
‫اإليكولوجي وكلما اجتهنا حنو االخرتاع إلتقينا بالتبادل والرتمجة »‪ 1‬فال وجود‬
‫لـ"البيولوجيا"‪ C‬بألف التعريف مثال بل هناك‪ C‬علوم بيولوجية قطاعية تتواصل معرفيا بني‬
‫جهوياهتا الداخلية‪ ،‬حيث أن نظام املعارف ووضعها ليس نظاما أو وضعا هرميا من األعلى‬
‫إىل األدىن‪ ،‬بل هو حسب تشبيه ميشيل سري أشبه بشبكة‪ C‬طرقية يصبح فيها تدفق املعارف‬
‫متموجا يف عدة اجتاهات‪.‬‬
‫إن تاريخ العلوم ليس أحاديا‪ ،‬وليس خطيا يف توجهات معارفه بل هو‪« :‬شبكة‬
‫تتدفق منها عدة طرق متعددة ومعقدة‪ ،‬وتتشابك فيها عدة تبادالت‪ ،‬وتتقاطع فيها عدة‬
‫‪2‬‬
‫متفصالت‪ ،‬كقمم ومنعطفات‪ ،‬إهنا تشعب لطريقني أو أكثر »‬
‫هلذا إذا ما تساءلنا عن شبكة متوج العلوم البيولوجية‪ C‬وتقاطعها ومنعطفاهتا أمكن‬
‫القول إهنا التوجهات األساسية‪ C‬التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬شبكة التوجه الفيزيو كيميائي (‪ ،)Physico-chimique‬واليت يوجهها اليوم‬
‫الربادجيم السائد يف البيولوجية اجلزيئية ‪ ))La biologie-moléculaire‬وخاصة كل األحباث‬
‫(‬ ‫اليت جتري داخل نواة اخللية ابتداء‪ C‬من احلامض النووي ‪ ))AcideNucleique‬إىل بنية‬
‫‪ )A.D.N‬إىل األساسي الربوتيين واألنزميي‪.‬‬
‫ب ‪-‬ـ شبكة التوجه الفيزيولوجي‪ C‬اجلديد (‪ )La tendance Néo-physiologique‬واليت‬
‫ترى أن املشكالت الرئيسية الكربى داخل العلوم البيولوجية‪ C‬املعاصرة لن حتلها "بيولوجيا‬
‫اجلزيئات اجلينية"‬

‫‪1‬‬
‫‪M.Serres, l interference, minuit, Paris,1992, p:‬‬
‫‪27‬‬
‫‪2‬‬
‫‪M.Serres, Préface, Eléments d’histoire des sciences, collectif, sous la direction‬‬

‫‪de Serres, Ed.Bordas culture, Paris, 1989, p5‬‬

‫‪164‬‬
‫بتوجه ينصب على حماولة املعادلة اجلينية‪ C‬وحدها‪ ،‬ذلك أن هناك معادالت أخرى ال‬
‫نعرف عنها الشيء الكثري‪ ،‬وعلى اخلصوص‪" C‬أشكال منو اجلنني" (‪)Mophrogénèse‬‬
‫والوظائف‪ C‬الفيزيولوجية الكربى للكائن احلي وخاصة فيزيولوجية األعضاء وكيفية منوها‪ ،‬أو‬
‫فيزيولوجية املخ ووظائفه‪ C‬األساسية‪.‬‬
‫ج ‪ -‬شبكة التوجه النسقي‪ C‬البيئي‪ )Ecosystème( C‬واليت تندرج اليوم ضمن جمال العلوم‬
‫البيولوجية‪ ،C‬وتطرح يف توجهها الرئيسي معضلة العالقة بني الكائنات احلية‪ ،‬يف تعدد أنواعها‪،‬‬
‫ويف اختالف أجناسها‪ ،‬مع بيئتها وحميطها‪ ،‬حيث أن البيئة‪ C‬كمحيط طبيعي‪ C‬تشكل نسقا يف‬
‫عالقته مع‬
‫احمليط الكوكيب (‪ )Biosphère‬باعتبار أن الكائنات احلية تستقي أنواع‪ C‬طاقاهتا من‬
‫داخل هذا الوسط أو احمليط‪.‬‬
‫د ‪ -‬شبكة التوجه البيو‪C-‬تقين (‪ )Biotechnologies‬حيث أن هذه العلوم ومنها‪،‬‬
‫اهلندسة الوراثية‪ C‬فرضت وضعا معرفيا جديدا على العلوم البيولوجية‪ ،‬اليت مل تعد جمرد علوم‬
‫نظرية حبتة‪ ،‬بل دخلت جمال الصناعة التقنية‪ ،C‬لتغطي جماالت تطبيقية واسعة‪ ،‬تبتدأ بالقطاعات‬
‫الصيدلية‪/‬الطبيةوالقطاعات‪ C‬الفالحية‪ C،‬والقطاعات الصناعية الكربى وغريها‪.‬‬
‫وهناك‪ C‬مثال آخر هلذا التداخل هو علم اخللية «فقد كان من الواضح آنذاك أن هذا‬
‫اجملال الوليد ما هو إال فرع جديد من علم الشكل الوصفي‪ C‬خاصة أن ازدهار دراسته مت عن‬
‫‪1‬‬
‫طريق الفحص باجملهر اإللكرتوين ‪ ...‬ولكن بعد استحداث علم بيولوجيا اخللية »‬
‫فاملقصود بالعلوم البيولوجية‪ C‬إذن‪ ،‬هو هذه الشبكة الواسعة‪ C‬من التموجات الالهنائية‪ ،‬واليت‬
‫تتحدد كنظام تناهجي تلتقي وتتداخل فيه‪ ،‬وبينه طرق معقدة هي خالصة سلسلة من‬
‫التحوالت النظرية اليت حيدثها بني الفينة‪ C‬واألخرى هذا العلم أو ذاك‪ ،‬فيكون‪ C‬هو الربادجيم‬
‫أرنست ماير‪ ،‬هذا هو علم البيولوجيا‪ ،‬تر‪ :‬عفيفي حممود عفيفي‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،277:‬الكويت‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2002‬‬
‫ص ‪137 - 136‬‬
‫‪165‬‬
‫السائد داخل شبكة التوجه‬
‫العلمي‪.‬‬
‫إن احلديث عن االتصال والتفاعل بني النظريات يقود "ميشيل سري" إيل احلديث عن‬
‫احلدود بني العلوم ونظام ترتيبها‪ ،‬ويف ذلك يرى سري أن روابط التفاعل وعالقات التداخل‬
‫بني اجلهويات العلمية تؤكد خطأ وهتافت الرتتيب اهلرمي للعلوم كما نسجه أوغست كونت‬
‫املوجه ب معيار التعقيد املتزايد والتعميم التنازيل‪ ،‬فرتبها من األدىن إىل األعلى من حيث درجة‬
‫جتريدها وتعقيدها‪ C.‬وجعل كل علم يؤسس ملا بعده وفقا للرتتيب اهلرمي التايل‪:‬‬
‫فأول وأوىل العلوم هي الرياضيات‪ ،‬إهنا مبثابة ركيزة العلوم وعمودها الفقري ولغتها‪.‬‬
‫ويلي يف الرتتيب‪ C‬علم الفلك ألنه يقوم على احلسابات الرياضية‪ ،‬مث الفيزياء وهي يف األساس‬
‫حاصل علمي الفلك والرياضيات‪ ،‬وتتبعها‪ C‬الكيمياء ألهنا تستند إىل معطيات الفيزياء وما‬
‫قبله‪ .‬أما ذروة ما سبق من عناصر طبيعية‪ C‬وفيزيائية وكيميائية‪ C‬علم البيولوجيا‪ C،‬وذروة‬
‫السلسلة قاطبة وما بلغته من مباحث ونتائج‪ ،‬هي السوسيولوجيا‪ ،‬ويف تعبري كونت "الفيزياء‬
‫االجتماعية" « إن النظام العقالين للمعارف‪ ،‬كما ظهر بواسطة الفلسفة الوضعية‪ ،‬يأخذ‬
‫شكل عالقة اعتماد و سلطة ‪ ...‬وبقدر ما حيتل علم من العلوم وضعا متدنيا و بعيدا يف‬
‫السلسلة‪ ،‬بقدر ما الظواهر اليت يدرسها هي خاصة معقدة صعبة وتنتمي هكذا إىل دراسة‬
‫الظواهر األكثر عمومية‪ ،‬األكثر بساطة واألكثر جتريدا واليت متاثل العلوم اليت تسبقها يف‬
‫التصنيف»‪. 1‬‬
‫يتبني لنا ان التبعية‪ C‬املوجودة بني حلقات سلسلة العلوم غري قابلة للعكس واالرتداد‪،‬‬
‫ووضع النظام اهلرمي للعلوم يأيت من النظر إليها بصفتها سلسلة متصلة‪ ،‬تتجه حنو غاية معينة‬
‫‪ .‬لكن هذه الفكرة ال تلقى قبوال يف العلوم املعاصرة اليت أصبحت أكثر بساطة من العلوم‬

‫بيار ماشريي‪ ،‬كونت الفلسفة والعلوم‪ ،‬تر‪:‬سامي أدهم‪ ،‬املؤسس‪C‬ة اجلامعي‪C‬ة للدراس‪C‬ات والنش‪C‬ر والتوزي‪C‬ع‪ ،‬ب‪C‬ريوت‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ط‪ 1،1994‬ص ‪102‬‬

‫‪166‬‬
‫املاضية كما يؤكد ذلك باشالر ‪ ،‬حيث ميكننا القيام بفعل تراجعى يف تاريخ العلم ‪.‬‬
‫إن العلم املعاصر يهدم التصنيف الوضعي للعلم ‪ ،‬الذي أسسه كونت على أسس يقينية‬
‫ووثوقية‪ C،‬فالعلوم اليت كان ينظر إليها باعتبارها كبرية تفرعت إىل علوم جزئية ونشأت فيما‬
‫بينها عالقات وكسرت احلدود املرسومة هلا بل نشأت علوم جديدة من ترابطها وتكاملها‬
‫كالسربنطيقا اليت نشأت من تظافر جمموعة من العلوم و أدت إىل نشأت علم آخر‬
‫جديد يسمى االعالميات‪. C‬‬
‫إن فكرة تصنيف أو ترتيب‪ C‬العلوم تؤدي بنا يف نظر سري إىل خلق علم تصنيفي‪ C‬يكون‬
‫علم العلوم أو العلم امللكي‪ ،‬لكن إجياد مثل هذا العلم املصنف‪ C‬يطرح إحراجا إذ سيكون‪C‬‬
‫علما ومن مث يكون‪ C‬من الالزم تصنيفه‪ C‬مع بقي العلوم اليت يصنفها‪ ،‬مما يتطلب بدوره علما‬
‫آخر يصنفه‪ C،‬فنقع يف دور ليس له هناية‪ ،‬يقول سري « إن من يتكلم عن النظام هو داخل‬
‫النظام أو أن حديثه سيء التكوين إما أن علم العلوم هو واحد منها‪ ،‬مضافا إليها مقسما‪،‬‬
‫وإما ليس علما إنه سياسة»‪. 1‬‬
‫األمر نفسه يسري على إميانويل كانط‪ ،‬حيث يرى سري أن التناقض املوجود عند‬
‫كونت يف تصنيف العلوم‪ ،‬يوجد عند كانط يف قوله بوجود علم خاص يسميه نقد العقل‬
‫« النقدية‪ C‬تزعم نفس الوضع ‪ ،‬يوجد علم خاص يسمى نقد العقل اخلالص»‪. 2‬‬ ‫اخلالص‬
‫ف بحث كانط يف مصادر املعرفة البشرية‪ ،‬يهدف إىل حتديد قدرات الذهن البشري يف‬
‫املعرفة فهو « يبدأ باملعرفة اليقينية بصورة مطلقة اليت ميتلكها االنسان يف الرياضيات‪ ،‬و‬
‫ولذلك يبين كانط نظرية جديدة للذهن البشري يعتقد أهنا تكفي لتفسري إجنازاته‬ ‫الفيزياء‬

‫‪1‬‬
‫‪M.Serres, l interference, op cit, p.‬‬
‫‪20‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid, p:‬‬
‫‪21‬‬

‫‪167‬‬
‫»‪ 3‬إذا سري ينفي وجود أي علم ملكي ميكن االرتكاز عليه و الرجوع إليه كمرجعية‬
‫أساسية‪ ،‬وما يرتتب عن ذلك من ترتيب هرمي للعلوم « لن يكون هناك علم ملكي أو‬
‫نظرية النظريات‪ ،‬اليت بالرجوع إليها تتمكن املعرفة يف مشوليتها املتحركة من رسم شجرهتا‬
‫كملكة و كعلم »‪. 4‬‬
‫إن العلم امللكي أو علم العلوم يرتتب عنه أن يكون‪ C‬التقاطع‪ C‬بني العلوم فارغا وهذا‬
‫غري صحيح يف نظر سري‪ ،‬ألن تقاطع العلوم تنشأ عنها علوما جديدة كما متارس العلوم فيما‬
‫بينها تصديرا‬
‫واستريادا للمناهج واملفاهيم‪ ،‬فنجد الكيمياء مثال استوردت منهجها من الفيزياء‪.‬‬
‫وبذلك يصبح احلديث عن علم أكرب وأقدر من علم آخر حديث بال معىن من وجهة نظر‬
‫سري‪ ،‬فالعلوم كلها تتقارب وتتفاعل مع بعضها داخل املوسوعة العلمية اليت تسري حنو الوحدة‬
‫‪.‬‬
‫إن كل علم هو علم العلوم ألنه مفتوح على باقي العلوم ويتعامل معها من خالل‬
‫ويف نفس الوقت كل علم يدير نوعا مستقال من احلقيقة‬ ‫فعل النقل والتصدير واالسترياد‬
‫داخل نسقه أو نظامه اخلاص هكذا تصبح كل جهوية علمية فلسفة عامة من جهة انفتاحها‬
‫على باقي اجلهويات العلمية وفلسفة خاصة أو انعكاسية من جهة ممارستها و متارينها‬
‫اخلاصة ‪.‬‬
‫وهذا ما يؤسس إلبستمولوجيا داخلية أو موجبة كما سبقت‪ C‬اإلشارة إىل ذلك من‬
‫قبل ‪.‬وتكون‪ C‬مرتبطة بطبيعة املوضوع الذي تنسج خطاهبا حوله ويعتربها‪ C‬موجبة ألهنا‬
‫تتمكن من حل مشكالت العلم وجتاوز أزماته خبالف االبستمولوجيا‪ C‬السالبة اليت تنتقل من‬
‫لغة تقنية وعلمية إىل لغة عامة وفلسفية‪ ،‬مما جيعلها غري دقيقة وخائنة وتعمل على انغالق‪C‬‬
‫‪260‬‬ ‫وليم كلي رايت ‪ ،‬تاريخ الفلسفة‪ C‬احلديثة ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫‪Ibid, p:‬‬
‫‪20‬‬

‫‪168‬‬
‫العلم وتوقفه‪.‬‬
‫إن هدف ميشيل سري من وراء ذلك كله « جعل كل جهوية علمية يف العلم‬
‫املعاصر إبستمولوجيا منعكسة‪ C‬على جماهلا اخلاص‪ ،‬و بذلك تكون منغلقة من جهة ومنفتحة‬
‫من جهة أخرى » ‪ 1‬فهي منغلقة على جماهلا التخصصي‪ C،‬تنعكس عليه دراسة ونقدا‪،‬‬
‫ومنفتحة على باقي العلوم األخرى من خالل فعل النقل واالسترياد والتصدير ويف ذلك‬
‫يقول سري‪ « :‬إهنا إذن ابستمولوجيا جهوية مرتني ‪ :‬لنفسها حسب النسخ واالنغالق وللعلم‬
‫على العموم انطالقا من نفسها وداخل لغتها اخلاصة حسب الرتابط واالنفتاح »‪ 2‬إال أن‬
‫االبستمولوجيا‪ C‬الشاملة اليت أشار إليها سري تعين فقط إمكانية انفتاحها على بقية العلوم‬
‫انطالقا من العالقات اليت تتم‬
‫بينها‪ ،‬فال جمال للحديث عن االبستمولوجيا العامة مادامت كل جهوية علمية تنعكس‬
‫على نفسها ‪.‬‬
‫ما نستنتجه مع سري أن التفاعل فعل ينتشر عرب كل االجتاهات يف العالقة بني العلوم‬
‫وهذا ما قاده « إىل الرتمجة بني ميادين متغايرة و متنافرة على ما يبدوا ‪ ،‬يف حماولة إلنشاء‬
‫ممرات ‪ /‬معابر ( مثال ممر الشمال – الغرب ) بينها » ‪ 3‬إن مفهوم النقل والتحويل‪ ،‬التصدير‬
‫واالسترياد مفاهيم تلغي وتنفي فكرة املرجعية اليت اعتمدها الفالسفة كمعيار لتصنيف‪C‬‬
‫العلوم ‪.‬‬
‫وهنا يضعنا ميشيل سري أمام مفهوم آخر كإطار لتفاعل العلوم و التقائها إهنا موسوعة‬
‫العلوم أو اإلنسكلوبيديا‪ .‬فهل ميكن تأسيس‪ C‬املوسوعة العلمية يف ظل التشظي املعريف‬
‫املعاصر؟‬

‫ص‪207‬‬ ‫تاريخ و فلسفة العلوم عند ميشيل سري ‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪l interference, op cit,‬‬
‫‪p:11‬‬
‫مخسون مفكرا أساسيا من البنيوية إىل مابعد احلداثة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪182‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪169‬‬
‫منوذج الشبكة وأنسكلوبيديا املعرفة‬
‫يوظ‪CC‬ف ميش‪CC‬ال س‪CC‬ري الش‪CC‬بكة كمفه‪CC‬وم مرك‪CC‬زي وج‪CC‬وهري داخ‪CC‬ل منظومت‪CC‬ة الفلس‪CC‬فية‪،‬‬
‫وك‪CC‬ان ذل‪CC‬ك من‪CC‬ذ بداي‪CC‬ة مس‪CC‬ريته الفلس‪CC‬فية والفكري‪CC‬ة‪ ،‬إال أن ه‪CC‬ذا املفه‪CC‬وم إزداد انتش‪CC‬ارا‪ C‬وعمق‪CC‬ا‬
‫ومشوال عن ‪CC‬ده م ‪CC‬ع هناي ‪CC‬ة الثمانين ‪CC‬ات‪ .‬ورمبا اق ‪CC‬رتن ذل ‪CC‬ك ب ‪CC‬الطفرة العلمي ‪CC‬ة والتكنولوجي ‪CC‬ة يف ه ‪CC‬ذا‬
‫ويعت ‪CC‬رب داني ‪CC‬ال باروش ‪CC‬يا ص ‪CC‬احب كت ‪CC‬اب فلس ‪CC‬فة الش ‪CC‬بكات ال ‪CC‬ذي‬ ‫اجملال‪.‬‬
‫ص ‪CC‬در س ‪CC‬نة ‪ 1993‬من أب ‪CC‬رز املفك ‪CC‬رين املعاص ‪CC‬رين ال ‪CC‬ذي تن ‪CC‬اول التط ‪CC‬ور الت ‪CC‬ارخيي للنم ‪CC‬وذج‬
‫الش‪CC‬بكي‪ C‬يف خمتل‪CC‬ف مي‪CC‬ادين العل‪CC‬وم واملع‪CC‬ارف من العل‪CC‬وم الدقيق‪CC‬ة( رياض‪CC‬ية‪ ،‬جتريبي‪CC‬ة ) إىل العل‪CC‬وم‬
‫اإلنس ‪CC‬انية‪ C‬واآلداب والفلس ‪CC‬فة‪ .‬ويف مقدم ‪CC‬ة كتاب ‪CC‬ه يض ‪CC‬بط باروش ‪CC‬يا‪ ،‬مفه ‪CC‬وم الش ‪CC‬بكة‪ C‬إش ‪CC‬تقاقيا‪C‬‬
‫وال ‪CC‬يت « ت ‪CC‬أيت من الفرنس ‪CC‬ية القدمية " ‪ " réseuil‬والالتيني ‪C‬ة‪ "rétiolus " C‬وهي من كلم ‪CC‬ة "‬
‫‪ " réts‬أو " "‪ " filet‬مبع‪CC‬ىن ت‪CC‬داخل خي‪CC‬وط الغ‪CC‬زل يف قطع‪CC‬ة القم‪CC‬اش أو القطن‪ .‬مث تط‪CC‬ور ه‪CC‬ذا‬
‫املفه‪CC‬وم وتع‪CC‬ددت إس‪CC‬تعماالته منه‪CC‬ا ‪ :‬الش‪CC‬بكة تش‪CC‬ري إىل جمموع‪CC‬ة اخلط‪CC‬وط املتداخل‪CC‬ة‪ ،‬والش‪CC‬بكة‪C‬‬
‫ك‪CC‬ذلك مبثاب‪CC‬ة عق‪CC‬دة ( ‪ )noeud‬وال‪CC‬يت متث‪CC‬ل ك‪CC‬ل تق‪CC‬اطع ه‪CC‬ذه اخلط‪CC‬وط»‪ 1‬ويف مع‪CC‬ىن آخ‪CC‬ر تش‪CC‬ري‬
‫الشبكة‪ C‬إىل اخلطوط اليت هي مبثابة طرق عبور تنتقل عربها العناصر حي‪CC‬ة ك‪CC‬انت أو مادي‪CC‬ة‪ ،‬إهنا‬
‫متث‪CC‬ل منب‪CC‬ع الطاق‪CC‬ة واملعلوم‪CC‬ات‪ C.‬إن ه‪CC‬ذه التع‪CC‬اريف على تع‪CC‬ددها فهي ال خترج عن س‪CC‬ياق يؤك‪CC‬د‬
‫أن مفهوم الشبكة يتضمن خطوطا وعقد‪.‬‬
‫أم‪CC‬ا الفك‪CC‬ر الش‪CC‬بكي‪ C‬بالنس‪CC‬بة إىل س‪CC‬ري ف‪CC‬إن يب‪CC‬دأ م‪CC‬ع أطروحت‪CC‬ه ح‪CC‬ول فك‪CC‬رة النم‪CC‬اذج‬
‫الرياض ‪CC‬ية عن ‪CC‬د ليبن ‪CC‬تز‪ ،‬ألن فن ال ‪CC‬رتكيب‪ C‬أو الت ‪CC‬أليف كمفه ‪CC‬وم مرك‪CC‬زي عن ‪CC‬د ليبن ‪CC‬تز ه ‪CC‬و تفك ‪CC‬ري‬
‫ش ‪CC‬بكي بامتي ‪CC‬از‪ ،‬وه ‪CC‬و من طبيع ‪CC‬ة ص ‪CC‬ورية ش‪CC‬كالنية‪ ،‬ورياض‪CC‬ية‪ ،‬مما يس‪CC‬مح لن ‪CC‬ا باالس‪CC‬تنتاج أهنا‬
‫تنب ‪CC C‬ع من تفك ‪CC C‬ري نظ‪CC C‬ري وجمرد إىل ح‪CC C‬د بعي ‪CC C‬د‪ .‬ويعطي س ‪CC C‬ري اعتب ‪CC C‬ارا لنم ‪CC C‬وذج الش‪CC C‬بكة‪ C‬ألن‪CC C‬ه‬
‫النم‪CC C‬وذج األق‪CC C‬در على اس‪CC C‬تيعاب أنظم‪CC C‬ة العل‪CC C‬وم وأنس‪CC C‬اقها يف تع‪CC C‬ددها واختالفه‪CC C‬ا‪ .‬ويق ‪CC‬ول يف‬
‫‪1‬‬
‫‪Daniel parrochia, philosophie des réseaux, presse universitaire de France, 1993, p 5‬‬

‫‪170‬‬
‫وصفها « لنتخيل‪ ،‬رمسا يف مكان متثيلي‪ ،‬خمطط ش‪C‬بكي‪ C،‬يتش‪C‬كل مؤقت‪C‬ا ( ألهنا متث‪C‬ل حال‪CC‬ة أي‬
‫ك ‪CC‬انت‪ ،‬يف وض ‪CC‬ع متح ‪CC‬رك)‪ ،‬ع ‪CC‬دد من النق ‪CC‬ط ( قمم ) مرتابط ‪CC‬ة فيم ‪CC‬ا بينه ‪CC‬ا بواس ‪CC‬طة ع ‪CC‬دد من‬
‫املعابر( طرق)‪ .‬كل نقطة متثل إما فرضية‪ ،‬أو متثل عنصرا يعرف فعال جمموع‪CC‬ة جتريبي‪CC‬ة حمددة‬
‫‪.‬كل معرب ميثل رابط أو عالقة بني فرضيتني أو أكثر‪ ،‬أو سيل من التعريفات بني عنص‪CC‬رين أو‬
‫أك ‪CC‬ثر هلذه احلال ‪CC‬ة التجريبية »‪ 1‬هبذا الوص ‪CC‬ف ميكن الق ‪CC‬ول أن م ‪CC‬ا مييز الش ‪CC‬بكة‪ ،‬تع ‪CC‬دد جهاهتا‪،‬‬
‫فهي تعددي‪CC‬ة‪ ،‬وك‪CC‬ل جه‪CC‬ة فيه‪CC‬ا تش‪CC‬كل عق‪CC‬دة أو قم‪CC‬ة كنقط‪CC‬ة لالتص‪CC‬ال تس‪CC‬تقبل قن‪CC‬وات متع‪CC‬ددة‬
‫ورسائل ومواضيع خمتلفة‪ ،‬مث تعيد بدورها توزيع هذه التعددي‪CC‬ة فهي مبثاب‪CC‬ة خ‪CC‬ط ناق‪CC‬ل‪ ،‬أو غ‪CC‬ري‬
‫ناق ‪CC‬ل‪ ،‬متقاطع‪C C‬ة‪ C‬ومتداخل ‪CC‬ة كلي ‪CC‬ا أو جزئي ‪CC‬ا يف جمموع ‪CC‬ة القمم األخ ‪CC‬رى‪ .‬باإلض ‪CC‬افة إىل مرونته ‪CC‬ا‬
‫العقالنية‪ ،‬ألهنا تسمح بتعدد األنظمة والتنقل ذهابا وإيابا‪.‬‬
‫لق ‪CC C‬د س ‪CC C‬بق وأن أش ‪CC C‬رنا‪ ،‬ب ‪CC C‬أن س ‪CC C‬ري يس ‪CC C‬لك الطريق ‪CC C‬ة البنيوي ‪C C‬ة‪ C‬الرياض ‪CC C‬ية كم ‪CC C‬ا نظّ ‪CC C‬ر هلا‬
‫البورباكيون‪ ،‬فهل هذا يتعارض مع مسلك النموذج الشبكي؟ إن النم‪CC‬وذجني م‪CC‬ع ميش‪CC‬يل س‪CC‬ري‬
‫يتك ‪CC‬امالن أثناء التحلي ‪CC‬ل وه ‪CC‬ذا ال يع ‪CC‬ين أهنم ‪CC‬ا يتطابق ‪CC‬ان‪ .‬ف ‪CC‬إذا ك ‪CC‬ان منوذج البني‪C C‬ة‪ C‬خطي ‪CC‬ا‪ ،‬ف ‪CC‬إن‬
‫النم‪CC‬وذج الش‪CC‬بكي‪ C‬تع‪CC‬ددي ال خطي يس‪CC‬مح مبرون‪CC‬ة عقلي‪CC‬ة أك‪CC‬رب للعالق‪CC‬ات واالنتق‪CC‬االت‪ C،‬ذهاب‪CC‬ا‬
‫ورجوع ‪CC‬ا وع ‪CC‬ودة من جدي ‪CC‬د‪ .‬وه ‪CC‬ذا م ‪CC‬ا ك ‪CC‬انت متثل ‪CC‬ه أنظم ‪CC‬ة ليبن ‪CC‬تز الفلس ‪CC‬فية حيث نس ‪CC‬تطيع أن‬
‫ننتقل من أي عقدة ( ‪ ) nœud‬وتتبع خط ناقل لنصل إىل اجملموع‪.‬‬
‫ويتحدد منوذج الشبكة‪ C‬عند ميشيل سري خبصائص ميكن تلخيصها يف ‪:‬‬
‫أوال نظامه ‪CC‬ا اللوح ‪CC‬ة ال ‪CC‬يت هتم ‪CC‬ل أي ت ‪CC‬رتيب أو تص ‪CC‬نيف للعل ‪CC‬وم‪ .‬لكن م ‪CC‬ع مراع ‪CC‬اة لوح ‪CC‬ة‬
‫معين ‪CC‬ة ترس ‪CC‬م جمموع ‪CC‬ة من املراح ‪CC‬ل تش ‪CC‬به مفه ‪CC‬وم االبس ‪CC‬تيمي عن ‪CC‬د فوك ‪CC‬و‪ .‬فهي تتم ‪CC‬يز برتابطاهتا‬
‫املتعددة‪ ،‬بتعدد قممها وعقدها‪.‬‬
‫ثاني‪CC C‬ا‪ :‬أهنا تق‪CC C‬دم للفك‪CC C‬ر طرق‪CC C‬ا جدي‪CC C‬دة للتفك‪CC C‬ري الس‪CC C‬بيب وفق‪CC C‬ا ملب‪CC C‬دأ التغذي‪CC C‬ة الراجع‪CC C‬ة أو‬

‫‪1‬‬
‫‪M.serres, la communiation, op‬‬
‫‪cit, p: 11‬‬

‫‪171‬‬
‫املرتدة‪.‬الذي ظهر يف السيربناطيقا لكنه امتد لباقي احلقول املعرفية‪.‬‬
‫ثالث‪CC‬ا أهنا « بني‪CC‬ة فلس‪CC‬فية جمردة »‪1‬حيث نعطي لعناص‪CC‬رها ( قمم ومع‪CC‬ابر) أي حمت‪CC‬وى حمدد‬
‫جمرد أو جترييب حىت تتحول اىل طريقة للتحويل بالفعل‪ .‬ويتكرس منوذج التفك‪CC‬ري الش‪CC‬بكي عن‪CC‬د‬
‫سري بصورة أكثر وضوحا مع صدور اجلزئني الثاين والثالث‪ C‬يف سلس‪C‬لة ه‪C‬رمس ومها‪ :‬التفاع‪C‬ل‬
‫(‪ ) interference‬والرتمجة ( ‪ ) la traduction‬حيث يربز وبش‪C‬كل جلي ت‪CC‬أثري نظري‪C‬ة‬
‫اإلعالم‪ C‬خصوصا باإلضافة إىل تأثره بالفلسفة الليبنيزية « هذه هي الفلسفة الطبيعي‪CC‬ة‪ C،‬طبعت‪C‬‬
‫بنظرية اإلعالم‪ ،‬الىت البد منها »‪ .2‬واليت يواصل فيها حتديد العق‪CC‬د كنقط‪CC‬ة اتص‪CC‬ال تلتقي ع‪CC‬دة‬
‫قن‪CC‬وات ورس‪CC‬ائل مث تعي‪CC‬د توزي‪CC‬ع ه‪CC‬ذه التع‪CC‬دديات‪ .‬ويتخ‪CC‬ذ مث‪CC‬اال تش‪CC‬بيهيا يف ذل‪CC‬ك فيم‪CC‬ا يس‪CC‬ميه بـ‬
‫"مب ‪CC‬ادل الطري ‪CC‬ق" (‪ C C) léchangeur routier‬ال ‪CC‬ذي يس ‪CC‬تقبل ويعي ‪CC‬د التوزي ‪CC‬ع‪ ،‬فمن ‪CC‬ه‬
‫‪3‬‬
‫نستطيع أن ننشئ خمطط شبكي‪.‬إن « العلم املعاصر يف كليته‪ ،‬نظرية يف التواصل»‬
‫ومن التحدي‪CC‬دات ال‪CC‬يت يض‪CC‬عها س‪CC‬ري‪ ،‬تص‪CC‬نيفه للش‪CC‬بكات يف ثالث رئيس‪CC‬ية‪ ،‬عام‪CC‬ة ومطلق‪CC‬ة‪،‬‬
‫وهي شبكة املعرفة‪ ،‬شبكة العامل‪ ،‬مث شبكة املدينة اإلنسانية « هذه التقنيات‪ C‬الس‪CC‬ائدة تعممت‬
‫على ثالث شبكات أساسية‪ ،‬عامة ومطلقة‪ :‬املعرفة‪ ،‬الع‪CC‬امل‪ ،‬املدين‪CC‬ة اإلنس‪CC‬انية»‪ 4‬إهنا األش‪CC‬كال‬

‫‪‬‬
‫مفه ‪CC‬وم أساس ‪CC‬ي يف عملي‪C C‬ة‪ C‬االتص ‪CC‬ال‪ .‬تتداول ‪CC‬ه ف ‪CC‬روع علمي ‪CC‬ة ومعرفي ‪CC‬ة متع ‪CC‬ددة‪ ،‬كالفيزي ‪CC‬اء‪ ،‬الكيمي ‪CC‬اء‪ ،‬اجليولوجي ‪CC‬ا‪ ،‬واهلندس ‪CC‬ة‪ C،‬عل ‪CC‬وم‬
‫االتص‪CC‬ال‪ ،‬والرتبي ‪C‬ة‪ C‬وعلم النفس‪ ...‬اخل‪ .‬ويس ‪CC‬تخدم لوص‪CC‬ف الت ‪CC‬أثري املتب‪CC‬ادل بني ن ‪CC‬وعني أو أك ‪CC‬ثر من األح ‪CC‬داث حيث يس ‪CC‬تطيع ح ‪CC‬دث‬
‫معني مثل ‪ :‬استجابة املتعلم أن يبعث نشاطاً الحقاً مثل ( تقومي االستجابة ) ‪ .‬وهذا األخري يؤثر بدوره بطريقة راجعة‬
‫يف االس‪CC‬تجابة الس‪CC‬ابقة‪ ،‬فيعي‪CC‬د توجيهه‪CC‬ا وض‪CC‬بطها إذا ح‪CC‬ادت عن اهلدف‪ .‬أطل‪CC‬ق علي‪CC‬ه ال‪CC‬بيولوجي الفرنس‪CC‬ي "التي‪CC‬ل"‬
‫"سر االنتظام العام"‪ ،‬ويعتربه آخرون "املبدأ العام يف السربنتيك والطبيعة احلية"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪p: 20 l‬‬
‫‪interference‬‬
‫‪2‬‬
‫‪La traduction, minuit, paris, 1989, p: 71‬‬
‫‪,M.serres‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Op cit, p: 41‬‬

‫‪4‬‬
‫‪l interference, op cit, p:‬‬
‫‪159‬‬

‫‪172‬‬
‫األساسية‪ C‬للمعرفة عرب تاريخ العلوم‪ ،‬وهي قراءة متصلة للعامل ‪.‬‬
‫إن موس ‪CC‬وعة املعرف ‪CC‬ة أو االنس ‪CC‬يكلوبيديا متث ‪CC‬ل مش ‪CC‬روعا علمي ‪CC‬ا يس ‪CC‬عى "ميش ‪CC‬يل س ‪CC‬ري" إىل‬
‫حتقيق ‪CC‬ه‪ .‬وم ‪CC‬ا تبني ‪CC‬ه للفك ‪CC‬ر الش ‪CC‬بكي‪ C‬إال حتقيق ‪CC‬ا هلذا الغ ‪CC‬رض ال ‪CC‬ذي يس ‪CC‬تهدف جمم ‪CC‬وع املع ‪CC‬ارف‬
‫العلمي ‪CC‬ة‪ .‬فاملوس ‪CC‬وعة ب ‪CC‬املنظور الس ‪CC‬ريي تتض ‪CC‬من جمم ‪CC‬وع العل ‪CC‬وم ال ‪CC‬يت ترتاب ‪CC‬ط فيم ‪CC‬ا بينه ‪CC‬ا تف ‪CC‬اعال‬
‫وتب‪CC‬ادال‪ ،‬إس‪CC‬تريادا وتص‪CC‬ديرا للمن‪CC‬اهج واملف‪CC‬اهيم واملص‪CC‬طلحات فهي عالق‪CC‬ات ع‪CC‬ابرة للجهوي‪CC‬ات‬
‫تتج ‪CC‬اوز الثنائي ‪CC‬ات‪ C‬الفلس ‪CC‬فية ك ‪CC‬اجملرد واحملس ‪CC‬وس العقالين وال ‪CC‬واقعي‪...‬اخل ‪ .‬وك ‪CC‬ل شيء يص ‪CC‬بح‬
‫نس‪CC‬بيا داخ‪CC‬ل ه‪CC‬ذه املوس‪CC‬وعة‪ C.‬فاخلاص مثال ه‪CC‬و ش‪CC‬امل يف ال‪CC‬وقت‪ C‬ذات‪CC‬ه‪ ،‬ألن أي جهوي‪CC‬ة علمي‪CC‬ة‪،‬‬
‫تعكس حقيقته‪CC C‬ا اخلاص‪CC C‬ة وتعكس‪ C‬يف ال‪CC C‬وقت نفس‪CC C‬ه حقيق‪CC C‬ة ب‪CC C‬اقي اجلهوي‪CC C‬ات العلمي‪CC C‬ة داخ‪CC C‬ل‬
‫املوسوعة ألهنا متفاعلة معها ع‪CC‬رب عملي‪CC‬ات النق‪CC‬ل والتحوي‪CC‬ل والتب‪CC‬ادل‪ .‬ي‪CC‬رتتب عن ذل‪CC‬ك ان ك‪CC‬ل‬
‫جهوية ال ميكن ان تكون‪ C‬جمردة متام‪C‬ا أو جتريبي‪C‬ة‪ C‬كلي‪C‬ا ألن بني العنص‪C‬رين ت‪C‬داخال فالرياض‪C‬يات‪،‬‬
‫قم‪C‬ة العل‪C‬وم التجريدي‪C‬ة تش‪C‬تمل على عناص‪C‬ر جتريبي‪C‬ة يف حالته‪C‬ا الراهن‪C‬ة‪ .‬االنس‪C‬يكلوبيديا إذن هي‬
‫إط‪CC‬ار واس‪CC‬ع ومعق‪CC‬د للعالق‪CC‬ات والتف‪CC‬اعالت‪ C‬املتواص‪CC‬لة بني العل‪CC‬وم‪ ،‬إهنا « بعب‪CC‬ارة دقيق‪CC‬ة‪ ،‬انض‪CC‬مام‬
‫العل‪CC C‬وم حتت مساا معرف‪CC C‬ة معين‪CC C‬ة تتس‪CC C‬م بص‪CC C‬يغة أو بط‪CC C‬ابع ع‪CC C‬ام خيرتق مجي‪CC C‬ع جماالهتا»‪ 1‬ل‪CC C‬ذلك‬
‫يسميها ميشيل سري ندوة املعىن ‪ .) ) conférence du sens‬وهي تتجاوز كل مركزية‬
‫وثب‪CC‬ات كمرجعي‪CC‬ة للعلم‪.‬فه‪CC‬و حياول« أن يه‪CC‬دم ك‪CC‬ل مرجعي‪CC‬ة وك‪CC‬ل نقط‪CC‬ة ارتك‪CC‬از ثابت‪CC‬ة يس‪CC‬تند‬
‫إليه‪CC‬ا الفك‪CC‬ر أو العلم»‪ 2‬إن املوس‪CC‬وعة‪ C‬العلمي‪CC‬ة كنظ‪CC‬ام ش‪CC‬بكي تتن‪CC‬اقض متام‪CC‬ا م‪CC‬ع فك‪CC‬رة املرجعي‪CC‬ة‬
‫كنقط‪CC‬ة ثابت‪CC‬ة وال‪CC‬يت س‪CC‬بقت اإلش‪CC‬ارة إلي‪CC‬ه من قب‪CC‬ل‪ .‬ومن جتلي‪CC‬ات املرجعي‪CC‬ة الثابت‪CC‬ة يف ه‪CC‬ذا الت‪CC‬اريخ‬
‫العلمي والفلس‪CC‬في فك‪CC‬رة العلم امللكي أو علم العل‪CC‬وم ف‪CC‬أغلب التص‪CC‬نيفات العلمي‪CC‬ة ك‪CC‬انت تنطل‪CC‬ق‬
‫منها‪ .‬مع كونت مثال‪ ،‬يف بنائه اهلرمي للعلم‪ ،‬وقبله ديكارت والش‪C‬واهد‪ C‬كث‪C‬رية يف ت‪C‬اريخ العلم‬
‫والفلسفة‪ .‬لذلك يعمل س‪C‬ري على إقصاء ه‪C‬ذه الفك‪C‬رة وإظه‪C‬ار هتافته‪C‬ا‪ ،‬ألهنا تتن‪C‬ايف وواق‪C‬ع العلم‬

‫‪355‬‬ ‫يوسف‪ ،‬تيبس‪ ،‬التصورات العلمية للعامل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫املرجع السابق‪355 ،‬‬


‫‪2‬‬

‫‪173‬‬
‫املعاصر‪ .‬أما املوسوعة‪ C‬العلمي‪C‬ة ال‪C‬يت يس‪CC‬عى س‪CC‬ري لرس‪C‬م معامله‪CC‬ا هي مس‪CC‬تقلة‪ ،‬تنفي‪ C‬ك‪CC‬ل مرجعي‪CC‬ة‪،‬‬
‫تتميز بالتعدد والتعددية وتنفتح على كل املرجعيات املعرفية املمكنة دون استثنا‪C‬ء‪.‬ونس‪C‬تطيع أن‬
‫حندد هلا وص‪CC‬فا م‪CC‬ع س‪CC‬ري بأهنا تفك‪CC‬ري ال مرك‪CC‬زي وال م‪CC‬رجعي‪ ،‬عالقاهتا متع‪CC‬ددة هن‪CC‬ا‪-‬هن‪CC‬اك يف‬
‫كل مكان‪ ،‬فك‪C‬ل علم ميث‪C‬ل مرجعي‪C‬ة لنفس‪C‬ه ولغ‪C‬ريه ولب‪C‬اقي العل‪C‬وم ‪ .‬إن نقط‪C‬ة الثب‪C‬ات واالرتك‪C‬از‬
‫والبداية‪ C‬ال جتد هلا موطأ قدم داخل فضاء األنسيكوبيديا‪ C‬املنشودة‪.‬‬
‫ويستطرد ميشيل سري يف حتديد خصائص املوسوعة العلمية‪ ،‬املتميزة برتابطاهتا‬
‫وتفاعالهتا‪ ،‬فينبهنا إىل ضرورة التمييز بني موسوعة تراكمية جتمع علوما بطريقة إحصائية‬
‫تراكمية‪ ،‬وبني موسوعة كإطار للتفاعل بني اجلهويات العلمية‪ ،‬ويعتربها سري مبثابة لوحة‬
‫تلخيصية أو حصيلة للعلوم أساسها فلسفة للتواصل متمردة على الثبات وكل مرجعية‪ .‬ومتثل‬
‫أفعال التقاطع‪ C‬بني احلهويات العلمية من خالل عمليات التصدير واالسترياد تأسيسا واجتاها‬
‫حنو املوسوعة العلمية « إن تعددية املعارف مدهشة‪ ،‬ولكن مشكل األنسيكلوبيديا بدأ يرسم‬
‫نفسه »‪ .1‬واليت تتسم بالالنظام يف نسقها الداخلي يقول سري « إن الرتاكم يرافق مولد‬
‫املوسوعة اجلديدة ‪ ،‬إن سعادة العلوم هي ال نظام »‪ 2‬إن لوحة العلوم تتصف بكوهنا عامة‬
‫وموسوعية‪ ،‬تتطابق مع صورة العلوم يف العصر احلاضر فاملعارف سيل متوحد‪ ،‬وهنر واحد‬
‫وليست جمموعة من اجلداول املتفرقة والقول بأن‪ C‬علما ما مستقل عن غريه هو نفي له‪ .‬لكن‬
‫سري ال يقصد بفكرة املوسوعية وحدة العلوم وتطابقها واليت ظهرت عند السابقني من‬
‫الفالسفة‪ C‬والعلماء ألن هناك تعددية وتبعثر بني املعارف والعلوم‪ ،‬إن االنسيكلوبيديا تتضمن‬
‫جمموعة من العلوم اليت تتفرع إىل ختصصات وفروع جتمع بينها ترابطات وتفاعالت‪.‬‬

‫‪ ‬التفاعل بني الذوات‬


‫‪1‬‬
‫‪l interference, op cit p‬‬
‫‪25‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid, p:‬‬
‫‪28‬‬

‫‪174‬‬
‫احلديث عن العالق‪CC‬ات داخ ‪CC‬ل املوس‪CC‬وعة العلمي‪CC‬ة ال‪CC‬يت تتش ‪CC‬كل وفق ‪CC‬ا لنم ‪CC‬ط ش‪CC‬بكي‪ C‬تفض ‪C‬ي‪ C‬إىل‬
‫التس‪CC C‬اؤل عن وض‪CC C‬ع الع‪CC C‬امل واملفك‪CC C‬ر داخ‪CC C‬ل ه‪CC C‬ذه الش‪CC C‬بكة‪ ،‬ون‪CC C‬وع العالق‪CC C‬ات ال‪CC C‬يت تس‪CC C‬ود بني‬
‫املفكرين والعلماء‪ .‬ووضعهم داخ‪C‬ل الش‪CC‬بكة االعالمي‪CC‬ة والتواص‪CC‬لية‪ .‬فكي‪CC‬ف تك‪CC‬ون العالق‪CC‬ة بني‬
‫الذوات العارف؟‪.‬‬
‫يعت ‪CC‬رب التفاع ‪CC‬ل بني ال ‪CC‬ذوات العارف ‪CC‬ة خاص ‪CC‬ية أخ ‪CC‬رى من خص ‪CC‬ائص العق ‪CC‬ل العلمي اجلدي ‪CC‬د‬
‫املتج ‪CC‬دد عن ‪CC‬د ميش ‪CC‬ال س ‪CC‬ري‪ .‬وتتمث ‪CC‬ل يف تل ‪CC‬ك العالق ‪CC‬ات ال ‪CC‬ىت تنش ‪CC‬أ بني العلم ‪CC‬اء واملفك ‪CC‬رين‪ .‬إن‬
‫الع‪CC‬امل أو املفك‪CC‬ر يوج‪CC‬د يف حال‪CC‬ة تفاع‪CC‬ل «كلي الوج‪CC‬ود‪ ،‬مبع‪CC‬ىن م‪CC‬ا إن‪CC‬ين متح‪CC‬رك جبمي‪CC‬ع الط‪CC‬رق‬
‫املتخيل ‪CC‬ة أو املس ‪CC‬توعبة‪ ،‬إن ‪CC‬ين موض ‪CC‬ع عدي ‪CC‬د من التب ‪CC‬ادالت أو التوقيف ‪CC‬ات‪ . 1» C‬ويتح ‪CC‬ول ش ‪CC‬كل‬
‫العالق‪CC‬ة من قاع‪CC‬دة ( اهلن‪CC‬ا ‪ -‬اآلن) كتعب‪CC‬ري عن مركزي‪CC‬ة وثب‪CC‬ات املعرف‪CC‬ة إىل قاع‪CC‬دة ( هن‪CC‬ا‪ -‬هن‪CC‬اك‬
‫– يف كل مكان)‪ C‬وميثل هذا التحول نسف ملشكلة املرجعية والنقطة الثابثة ال‪CC‬يت الزمت الفك‪CC‬ر‬
‫الفلس ‪CC‬في ع ‪CC‬رب ت ‪CC‬اريخ طوي ‪CC‬ل‪ ،‬من ديك ‪CC‬ارت إىل كان ‪CC‬ط وليبن ‪CC‬تز وغ ‪CC‬ريهم من فالس ‪CC‬فة وعلم ‪CC‬اء‬
‫العص‪CC‬ر احلديث‪ .‬فاحلديث عن التفاع‪CC‬ل ال‪CC‬ذوايت يس‪CC‬تلزم م‪CC‬ع ميش‪CC‬ال س‪CC‬ري ض‪CC‬رورة إقص‪CC‬اء فك‪CC‬رة‬
‫املرجعية يف املعرفة‪ .‬فالطبيعة الالمرجعية للش‪C‬بكة تف‪C‬رض علي‪C‬ه أن يلغي ه‪C‬ذه الفك‪C‬رة ألن الع‪C‬الِم‬
‫داخ ‪CC‬ل الش ‪CC‬بكة االعالمي ‪C‬ة‪ C‬ب ‪CC‬دون مرجعية‪ .‬فه ‪CC‬و ي ‪CC‬رفض أن يك ‪CC‬ون للع ‪CC‬امل أو املفك ‪CC‬ر وض ‪CC‬عا ثابت ‪CC‬ا‬
‫داخ ‪CC‬ل الش ‪CC‬بكة أو لنق ‪CC‬ل إنه من دون وضع مبع ‪CC‬ىن يتح ‪CC‬رك وينتق ‪CC‬ل‪ ،‬ج ‪CC‬وال‪ ،‬إن ‪CC‬ه هن ‪CC‬ا وهن ‪CC‬اك‬
‫يفضل حال‪CC‬ة الض‪CC‬ياع يف الش‪CC‬بكة ح‪C‬ىت ي‪C‬دركها كم‪C‬ا هي « إن املفك‪C‬ر يس‪CC‬ري وينس‪CC‬ج س‪CC‬ريه إن‪CC‬ه‬
‫غري م‪C‬رجعي يف س‪C‬كون‪ C‬ويف حرك‪CC‬ة‪ ،‬نس‪C‬يب ومطل‪C‬ق ‪ :‬نس‪C‬يب يف عالقت‪C‬ه بالش‪CC‬بكات ال‪CC‬يت يوقفه‪C‬ا‪،‬‬
‫و يفهم تل ‪CC‬ك ال ‪CC‬يت يكوهنا‪ ،‬يعي ويعيش ع ‪CC‬امل التف ‪CC‬اعالت»‪ 2C‬فه ‪CC‬و ال ي ‪CC‬دري اجتاهه‪ .‬واذا ك ‪CC‬ان‬
‫مفهوم املرجعي‪C‬ة يش‪C‬ري إىل اهلن‪C‬ا – اآلن‪ ،‬ف‪C‬إن الش‪C‬بكة‪ C‬حتيلن‪C‬ا إىل أش‪C‬كال أخ‪C‬ري من العالق‪C‬ات‬
‫اهلن‪CC‬ا – هن‪CC‬اك‪ ،‬اهلو نفس‪CC‬ه – اآلخ‪CC‬ر « إن الش‪CC‬بكة‪ C‬عموم‪CC‬ا متنحن‪CC‬ا ش‪CC‬كال ميث‪CC‬ل لعب‪CC‬ة مش‪CC‬روعة‬
‫‪1‬‬
‫‪Serres michel, lacommunication, op cit, p 69‬‬
‫‪2‬‬
‫‪p :135 , op cit, l‬‬
‫‪interference‬‬

‫‪175‬‬
‫للرتمجة‪ ،‬وه ‪CC‬ذا ليس غريب ‪CC‬ا إذا علمن ‪CC‬ا أن العق ‪CC‬ل العلمي (اجلديد) اجلدي ‪CC‬د ص ‪CC‬وري البني‪C C‬ة‪ C‬ونق ‪CC‬ل‬
‫لإلعالم‪ C،‬ول‪CC C‬ذلك فبإمكان ‪C C‬ه‪ C‬أن يلتمس – انطالق‪CC C‬ا من ه‪CC C‬ذين املفه‪CC C‬ومني األخ‪CC C‬ريين – جمم ‪CC‬وع‬
‫األحك‪CC‬ام التوقيفي‪CC‬ة أو املوقف‪CC‬ة‪ C،‬حس‪CC‬ب املفه‪CC‬وم األح‪CC‬ادي للرتمجة ال‪CC‬ذي ميث‪CC‬ل ش‪CC‬كال بنيوي‪CC‬ا لك‪CC‬ل‬
‫نقل عموما »‪ . 1‬أص ‪CC‬بح جلي ‪CC‬ا أن ميش ‪CC‬يل س ‪CC‬ري ينظ ‪CC‬ر إيل الع ‪CC‬امل ببعدي ‪CC‬ه النظ ‪CC‬ري والتط ‪CC‬بيقي من‬
‫خالل مفه‪CC C C‬وم الرتمجة والتفاع‪CC C C‬ل املتع‪CC C C‬دد‪ ،‬وب‪CC C C‬ذلك تنخ‪CC C C‬رط ال‪CC C C‬ذات العارف‪CC C C‬ة الهائم‪CC C C‬ة يف فعل‬
‫للتواصل ع‪CC‬رب ش‪CC‬بكات النظري‪CC‬ات والع‪CC‬وامل‪ .‬ومتت‪CC‬د ه‪CC‬ذه العالق‪CC‬ة الش‪CC‬بكية‪ C‬إىل ك‪CC‬ل مي‪CC‬ادين املعرف‪CC‬ة‬
‫دون إقص ‪CC‬اء ول ‪CC‬ذلك نق ‪CC‬د العق ‪CC‬ل عن ‪CC‬د س ‪CC‬ري جيب أن ميتد ع ‪CC‬رب مص ‪CC‬فاة العل ‪CC‬وم وت ‪CC‬اريخ األدي ‪CC‬ان‬
‫واألساطري يف آن واحد ‪.‬‬
‫ويقدم لنا سري مثاال عن أفعال التفاع‪C‬ل والتب‪CC‬ادل من اللس‪CC‬انيات باس‪CC‬تعمال الض‪C‬مائر ‪ :‬أن‪C‬ا‬
‫– أنت – ه‪CC‬و – هي إىل غ‪CC‬ري ذل‪CC‬ك من الض‪CC‬مائر ال‪CC‬يت تعت‪CC‬رب موض‪CC‬وعا للتب‪CC‬ادل ألهنا مس‪CC‬تخدمة‬
‫من طرف مجيع الناس أما الالمتغري يف هذا التغري هو " النحن " فالذات الوحيدة املوج‪CC‬ودة يف‬
‫الذات االنسانية هي التفاعل بني الذوات ‪.‬‬
‫إن الع‪CC‬امل أو املفك‪CC‬ر منغمس يف املك‪CC‬ان املتع‪CC‬ايل للتواص‪CC‬ل « إنن‪CC‬ا نفك‪CC‬ر إذن ع‪CC‬رب التوقي‪CC‬ف‪،‬‬
‫إنين أفكر عرب التوقيف ومن خالل اإلق‪C‬رار االتف‪C‬اقي للتفاع‪C‬ل ال‪C‬ذوايت من أن‪C‬ا (‪ )...‬إن‪C‬ين موق‪C‬ف‬
‫للنحن‪ ،‬إن ال‪CC‬وعي‪ C‬ه‪CC‬و املعرف‪CC‬ة ال‪CC‬يت تك‪CC‬ون ذاهتا هي مجاع‪CC‬ة النحن‪ ،‬إن التواص‪CC‬ل خيل‪CC‬ق االنس‪CC‬ان‪C‬‬
‫وبإمك‪CC‬ان االنس‪CC‬ان أن يقلص‪CC‬ه وليس إقص‪CC‬اءه من دون أن يقص‪C‬ي‪ C‬نفس‪CC‬ه»‪ 2‬يع‪CC‬ين ذل‪CC‬ك أن املفك‪CC‬ر‬
‫يص ‪CC‬بح عق ‪CC‬دة من التلقي‪ C‬واإلرس ‪CC‬ال والتب ‪CC‬ادل داخ‪CC‬ل الش‪CC‬بكة‪ C.‬ه‪CC‬ذه الش‪CC‬بكة ال ‪CC‬يت يقرتحه‪CC‬ا س‪CC‬ري‬
‫كمنهج ج ‪CC‬دويل حتاول أن تتواف ‪CC‬ق م ‪CC‬ع طبيع ‪C‬ة‪ C‬العل ‪CC‬وم املعاص ‪CC‬رة وتارخيه ‪CC‬ا فهي تتج ‪CC‬اوز املن ‪CC‬اهج‬
‫اخلطي ‪CC‬ة ال ‪CC‬يت ك ‪CC‬انت س ‪CC‬ائدة من قب ‪CC‬ل حيث ك ‪CC‬انت حتدد مس ‪CC‬ار العلم يف اجتاه أح ‪CC‬ادي‪ ،‬وح ‪CC‬ىت‬
‫املنهج اجلديل خطي ألن‪CC C C‬ه ينحص‪CC C C‬ر يف حتمي‪CC C C‬ة النفي‪ C‬والتج‪CC C C‬اوز‪.‬إن املنهج اجلدويل عن ‪CC C‬د س ‪CC C‬ري‬
‫تاريخ و فلسفة العلوم عند ميشيل سري ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪177‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪Serres Michel . l interferene, op cit,‬‬
‫‪p:155‬‬

‫‪176‬‬
‫يسمح بالتعددية وتعدد الرتابطات كما أن العملية فيه تك‪C‬ون عكس‪C‬ية‪ C‬ألن الت‪C‬أثري متب‪C‬ادل يأخ‪C‬ذ‬
‫صورة تفاعل‪ ،‬حيت أن‪CC‬ه « يش‪C‬به عالق‪C‬ات القمم يف الش‪CC‬بكة بعالق‪CC‬ات البي‪CC‬ادق يف الش‪C‬طرنج »‪.3‬‬
‫إن االبستيمولوجي‪ C‬ومعه املفكر أو الفيلسوف ختلى وبصورة هنائي‪C‬ة عن فك‪C‬رة املرجعي‪C‬ة فهم ال‬
‫خيضعون‪ C‬ألي مرجعية ما‪ ،‬بل أصبحوا من دون وضع إهنم هنا – هناك ويف كل مكان‪.‬‬
‫وكنتيجة هلذا الفصل نسجل‪:‬‬
‫‪ -‬تتح‪CC‬ول االبس‪CC‬تمولوجيا‪ C‬م‪CC‬ع س‪CC‬ري من خط‪CC‬اب ع‪CC‬ام و ش‪CC‬امل ح‪CC‬ول العل‪CC‬وم‪ ،‬إيل خط‪CC‬اب‬
‫خاص أو ما يسميه باالبستومولوجيا‪ C‬املوجبة أو الداخلية‪ ،‬حيث ترتك مهمتها لك‪CC‬ل علم على‬
‫حدى‪ ،‬فكل جهوية علمية متثل ابستيمولوجيا‪ C‬جملاهلا اخلاص‪.‬‬
‫‪ -‬يتب‪CC C‬ىن فلس‪CC C‬فة للتفاع‪CC C‬ل ت‪CC C‬دعو إىل التواص‪CC C‬ل والنق‪CC C‬ل بني خمتل‪CC C‬ف التخصص‪CC C‬ات املعرفي‪CC C‬ة‬
‫والبحث عن نقاط التقاطعات و االتصال بني ميادين املعرفة املختلفة‪.‬‬
‫‪ -‬إن خاص ‪CC‬ية التفاع ‪CC‬ل بن العل ‪CC‬وم تتط ‪CC‬ور إىل تفاع ‪CC‬ل بني ال ‪CC‬ذوات العارف ‪CC‬ة ‪ ،‬أو م ‪CC‬ا يس ‪CC‬ميه‬
‫س‪CC‬ري النحن إن‪CC‬ه تفاع‪CC‬ل داخ‪CC‬ل الش‪CC‬بكة اإلعالمي‪CC‬ة و التواص‪CC‬لية و ي‪CC‬رتتب‪ C‬عن ذل‪CC‬ك ه‪CC‬دم وجتاوز‬
‫لفكرة املرجعية و النقطة الثابتة‪. C‬‬
‫‪-‬ال ‪CC‬دعوة‪ C‬إىل تأس ‪CC‬يس‪ C‬موس ‪CC‬وعة علمي ‪CC‬ة أو أنس ‪CC‬يكلوبيديا‪ C‬تتج ‪CC‬اوز التص ‪CC‬نيف الكالس ‪CC‬يكي‪C‬‬
‫للعلوم‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫يوسف تيبس‪ ،‬التصورات العلمية للعامل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪386‬‬

‫‪177‬‬
‫الفص ـ ـ ـ ـ ـ ـــل الراب ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــع‪:‬ج ‪CC‬دل القطيع ‪CC‬ة والتواص ‪CC‬ل يف الفك ‪CC‬ر العلمي‬
‫اجلديد‬

‫املبحث األول‪ :‬تاريخ العلم بني القطيعة والتواصل‬

‫‪178‬‬
‫املبحث الثاين‪ :‬العقالنية املعاصرة وجدل الذات واملوضوع‬

‫متهي ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــد ‪:‬‬


‫حناول يف هذا الفصل أن نقيم حوارا ونعقد مقارنات بني األسس واملفاهيم اليت‬
‫يق‪CC‬وم عليه‪CC‬ا العق‪CC‬ل العلمي اجلدي‪CC‬د عن‪CC‬د باش‪CC‬الر واألس‪CC‬س واملف‪CC‬اهيم التجديدي‪CC‬ة ال‪CC‬يت رمسها‬
‫ميش‪C‬ال س‪CC‬ري للعق‪C‬ل العلمي اجلدي‪C‬د املتج‪CC‬دد ‪ .‬إنن‪C‬ا نالح‪C‬ظ مب‪C‬دئيا ارتب‪C‬اط ه‪C‬ذا العق‪C‬ل ب‪C‬العلم‬
‫أو لنق‪CC C‬ل األس‪CC C‬اس العلمي لفلس‪CC C‬فة كليهما‪ .‬فباش‪CC C‬الر أراد يقظ‪CC C‬ة فلس‪CC C‬فية على وق ‪CC‬ع ث ‪CC‬ورة‬
‫النس‪CC‬بية والكوانت‪CC‬ا‪ C،‬وم‪CC‬ا ت‪CC‬رتب عنهم‪CC‬ا من خلخل‪CC‬ة لألنس‪CC‬اق الفيزيائي‪CC‬ة الكالس‪CC‬يكية‪ .C‬ودع ‪C‬ا‬
‫ص‪C‬راحة إىل ردم اهلوة‪ C‬بني تق‪CC‬دم العلم املعاص‪CC‬ر وت‪CC‬أخر الفلس‪CC‬فة‪ .‬وال يش‪CC‬ذ ميش‪C‬ال س‪CC‬ري عن‬
‫ه ‪CC‬ذه القاع ‪CC‬دة فه ‪CC‬و ينس ‪CC‬ج خي ‪CC‬وط مش ‪CC‬روعه الفلس ‪CC‬في بدعام ‪CC‬ة نظري ‪CC‬ة اإلعالم والفوض‪C C‬ى‪C‬‬
‫والسيربنطيقا‪ C،‬اليت أعطت للعلم املعاصر وفلسفته بع‪C‬دا اتص‪C‬اليا‪ C‬أك‪C‬ثر من أي وقت مض‪C‬ى‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫لكن ويف املقاب‪CC C‬ل نرص‪CC C‬د اختالف‪CC C‬ا عميق‪CC C‬ا على مس‪CC C‬توى املنهج والنت‪CC C‬ائج‪ .‬وال‪CC C‬يت تتلخص‬
‫أساس‪CC‬ا يف عق‪CC‬ل علمي يتأس‪CC‬س على فلس‪CC‬فة للنفي والقطيع‪CC‬ة واآلخ‪CC‬ر ي‪CC‬روم فلس‪CC‬فة للتواص‪CC‬ل‬
‫والتفاعل‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫املبحث األول‪ :‬تاريخ العلم بني القطيعة والتواصل‬
‫ق‪CC‬ام باش‪CC‬الر بتفس‪CC‬ري مس‪CC‬ار العلم باعتب‪CC‬اره حرك‪CC‬ة ديناميكي‪CC‬ة وتارخيية ال تراكمي‪C‬ة تس‪CC‬لك‬
‫بطريقة منفص ‪C C‬لة ‪ .‬وهي ج‪CC C‬دل بني العوائ ‪C C‬ق‪ C‬والقط‪CC C‬ائع االبس‪CC C‬تيمولوجية‪ C‬تع‪CC C‬رتف بنقدي‪CC C‬ة العلم‬
‫وإتي ‪CC‬ان‪ C‬ال ‪CC‬ذات العارف ‪CC‬ة للخط ‪CC‬أ وتفتح العق ‪CC‬ل العلمي على إب ‪CC‬داعات الفك ‪CC‬ر والتخي ‪CC‬ل وانتص ‪CC‬ار‬
‫االرتي‪CC C‬اب على الوثوقية‪ C‬وهي فلس‪CC C‬فة « مطابق‪CC C‬ة لنت‪CC C‬ائج العلم وقوانين‪CC C‬ه وآخ‪CC C‬ر اكتش‪CC C‬افاته‪ .‬إهنا‬
‫مض‪CC C‬ادة للفلس ‪CC‬فة الروحاني‪CC C‬ة مث للفلسفةالوض‪CC C‬عية املتطرف‪CC C‬ة الل‪CC C‬تني كانت ‪CC‬ا تعت ‪CC‬ربان فلس ‪CC‬فتني غ ‪CC‬ري‬
‫مط‪CC‬ابقتني لوض‪CC‬عية العلم احلديث »‪ 1‬وهلذا ج‪CC‬اءت العقالني ‪C‬ة‪ C‬الباش‪CC‬الرية‪ C‬تطبيقي‪CC‬ة بامتي‪CC‬از‪ ،‬على‬
‫األق‪CC‬ل من وجه‪CC‬ة نظ‪CC‬ر ص‪CC‬احبها ألهنا تتأس‪CC‬س على عالق‪CC‬ة جدلي‪CC‬ة منفتحة بني ال‪CC‬ذات واملوض‪CC‬وع‪C‬‬
‫وبني الرياض ‪CC‬يات والفيزي ‪CC‬اء وجيع ‪CC‬ل من الفيزي ‪CC‬اء منوذج ‪CC‬ا يف ج ‪CC‬ل دراس ‪CC‬اته‪ ،‬فمواض ‪CC‬يع االنتش ‪CC‬ار‬
‫اجملال األفضل لتطبيقاته‪.C‬‬
‫إن ه‪CC‬ذه الفك‪CC‬رة مبا حتمل‪C‬ه من محول‪C‬ة إديولوجي‪CC‬ة اجتاه عل‪CC‬وم أخ‪C‬رى‪ ،‬مرفوض‪CC‬ة قطع‪C‬ا من‬
‫ط ‪CC C‬رف ميش ‪CC C‬ال سري‪ .‬ف ‪CC C‬الفكر العلمي اجلدي ‪CC C‬د املتج ‪CC C‬دد خيرتق احلدود ويؤس ‪CC C‬س لش ‪CC C‬بكة من‬
‫التواص‪CC‬ل واحلوار بني ك‪CC‬ل العل‪CC‬وم واملع‪CC‬ارف دون إق‪CC‬رار لرتاتبي ‪C‬ة‪ C‬علمي‪CC‬ة ي‪CC‬رتبع فيه‪CC‬ا العلم امللكي‬
‫الص ‪CC‬دارة‪ ،‬ألن العلم املعاص ‪CC‬ر يؤك ‪CC‬د روح التق ‪CC‬ارب والت ‪CC‬داخل بني العل ‪CC‬وم يف عالق ‪CC‬ة انعكاس ‪CC‬ية‬
‫ومتعدي ‪CC‬ة ض ‪CC‬من فض ‪CC‬اء ش ‪CC‬بكي‪ .‬لق ‪CC‬د ك ‪CC‬ان ليبن ‪CC‬تز آخ ‪CC‬ر فيلس ‪CC‬وف وع ‪CC‬امل س ‪CC‬عى جلم ‪CC‬ع ش ‪CC‬تات‬
‫املع ‪CC‬ارف املوزع ‪CC‬ة بنزعت ‪CC‬ه املوس ‪CC‬وعية‪ ،‬ول ‪CC‬ذلك ال خيفي س ‪CC‬ري إعجاب ‪CC‬ه هبذا الفيلس ‪CC‬وف‪ ،‬لكن م ‪CC‬ع‬
‫التق‪CC‬دم العلمي املتس‪CC‬ارع واالنفج‪C‬ار التخصص‪CC‬ي « ومن أج‪C‬ل ت‪C‬دارك أخط‪C‬ار ه‪C‬ذا التفتت بوج‪CC‬ه‬
‫الدق‪CC‬ة‪ ،‬ازداد ش‪CC‬عور التطل‪CC‬ع إىل ن‪CC‬وع من التوحي‪CC‬د‪ ،‬غ‪CC‬ري أن‪CC‬ه توحي‪CC‬د خيتل‪CC‬ف عم‪CC‬ا تص‪CC‬وره ك‪CC‬ونت‬
‫بإقام‪CC‬ة مجل‪CC‬ة املختصني بالعمومي‪CC‬ات العلمي‪CC‬ة‪ :‬ذل‪CC‬ك أن الوض‪CC‬عية تب‪CC‬دو الي‪CC‬وم – هبذا االعتب‪CC‬ار‪–C‬‬
‫وك‪CC‬ذلك فيم‪CC‬ا يتص‪CC‬ل بتص‪CC‬ورها احلواجز النهائي‪CC‬ة‪ ،‬مرحل‪CC‬ة طفولي‪CC‬ة العلم‪ ،‬كم‪CC‬ا يق‪CC‬ول لك‪CC‬زوفيتش‬

‫هاشم صاحل‪ ،‬خماضات احلداثة التنويرية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪73‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪178‬‬
‫والتقارب أو مبثابة عقد شبكية منابع للس‪C‬يالن والتب‪C‬ادل للمف‪C‬اهيم « النق‪C‬ل جيدد التكنولوجي‪C‬ا‪C،‬‬
‫الفن السياسة بل وحىت الدين‪ ،‬ال شئ ينفك عن تأثريه »‪.1‬‬
‫إن خطأ باشالر يف نظر سري أنه جيعل التقاطع بني العلوم فارغ‪CC‬ا‪ ،‬إنطالق‪C‬ا من مب‪C‬دأ جهوي‪CC‬ة‬
‫االبس ‪CC‬تمولوجيا « إن اإلبس ‪CC‬تمولوجيا‪ C‬ب ‪CC‬ذاهتا تغ ‪CC‬دو متخصص ‪CC‬ة‪ .‬أي حتليال لقض ‪CC‬ايا وإش ‪CC‬كاالت‬
‫علم معني بعين‪CC‬ه‪ C.‬ب‪CC‬ل وق‪CC‬د تك‪CC‬ون جمرد حتلي‪CC‬ل نظري‪CC‬ة علمي‪CC‬ة واح‪CC‬دة يف تش‪CC‬عباهتا وتطوراهتا‪ .‬ه‪CC‬ذا‬
‫املستوى‪ C‬من التحلي‪CC‬ل ه‪C‬و ال‪C‬ذي ن‪CC‬دعوه هن‪C‬ا باالبس‪C‬تمولوجيا اجلهوي‪CC‬ة‪ ،‬حيث تك‪CC‬ون اجله‪C‬ة علم‪C‬ا‬
‫من العل‪CC‬وم املعاص‪CC‬رة »‪ 2‬وتع‪CC‬رب ه‪CC‬ذه املس‪CC‬ألة‪ C‬عن قض‪CC‬ية خالف جوهري‪CC‬ة بني النم‪CC‬وذجني ل‪CC‬ذلك‬
‫تتطلب منا مزيدا من التحليل واملقارنة‪.‬‬
‫‪ /1‬من العقالنية اإلقليمية إىل التواصل بني اجلهويات العلمية‬
‫يف كتاب‪CC‬ه " العقالني‪CC‬ة التطبيقي‪CC‬ة " يتح‪CC‬دث باش‪CC‬الر عن املعرف‪CC‬ة العلمي‪CC‬ة كجهوي‪CC‬ات للتنظيم‬
‫العقالين أو ما يصطلح عليه بالعقالنية‪ C‬الإقليمية «عقالنيات إقليمية هي على أكرب قدر ممكن‬
‫من التنظيم‪ ،‬ومعاص ‪CC C‬رة إلقام ‪CC C‬ة العالق ‪CC C‬ات بني ظ ‪CC C‬واهر خاض ‪CC C‬عة ألن ‪CC C‬واع حمددة جي‪CC C‬دا من‬
‫التج‪CC C‬ارب»‪ 3‬وهبذا نس‪CC C‬تنتج أن االبس‪CC C‬تمولوجيا الباش‪CC C‬الرية جهوي‪CC C‬ة تفص‪CC C‬ل بني التخصص‪CC C‬ات‬
‫العلمية‪ ،‬ويك‪CC‬ون‪ C‬التعام‪CC‬ل م‪CC‬ع ك‪CC‬ل علم بش‪CC‬كل مس‪CC‬تقل عن العل‪CC‬وم األخ‪CC‬رى‪ ،‬وال ميكن احلديث‬
‫عن العلم كوح‪CC‬دة متش‪CC‬ابكة‪ C‬أو كلي‪CC‬ة مشولية ألن « البحث عن وح‪C‬دة العل‪CC‬وم ه‪CC‬و س‪CC‬راب‪ :‬فم‪CC‬ا‬
‫هو موجود هو تنوع منتج‪ ،‬إذ إن املناطقي‪C‬ة‪ C‬تق‪CC‬اوم مث‪C‬ل ه‪C‬ذا اهلدف يف توحي‪C‬د املعرفة »‪4‬ونفهم‬
‫من ه‪CC‬ذا ال‪CC‬نزوع حنو االس‪CC‬تقاللية والتجزيئي‪CC‬ة ث‪CC‬ورة على نظري‪CC‬ة املعرف‪CC‬ة التقليدي‪CC‬ة ببنياهتا املوروث‪C‬ة‪C‬‬
‫واحملكومة بنظرة ٌكليانية للمعرفة واحلقيقة‪C.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪François Dagognet, philosophie du transfert, presses de l'imprimerie chirat édition‬‬
‫‪michalon, france, 2006. P 87‬‬
‫حممد‪ ،‬وقيدي‪ ،‬حنو ابس‪C‬تمولوجيا جهوي‪C‬ة‪ ،‬جمل‪C‬ة الثقاف‪C‬ة املغربي‪C‬ة الع‪C‬دد ‪ ،06‬دار املناه‪C‬ل للطباع‪C‬ة والنش‪C‬ر‪،1992 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫املغرب ص‪5‬‬
‫غاستون باشالر العقالنية التطبيقية‪ ،‬مصدر‪ C‬سابق‪ ،‬ص ‪236‬‬ ‫‪3‬‬

‫باتريك هيلي‪ ،‬صور املعرفة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪186‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪180‬‬
‫فق‪CC‬د ش‪CC‬به ديك‪CC‬ارت مثال‪ ،‬الفلس‪CC‬فة بالش‪CC‬جرة جع‪CC‬ل من امليتافيزيق ‪C‬ا‪ C‬ج‪CC‬ذورا هلا‪ ،‬والعلم‬
‫الط‪CC C‬بيعي ج‪CC C‬ذعها أم‪CC C‬ا أغص‪CC C‬اهنا ال‪CC C‬يت تتف‪CC C‬رع من ه‪CC C‬ذا اجلذع فهي ثالث‪CC C‬ة عل‪CC C‬وم ك‪CC C‬ربى‪ :‬الطب‬
‫وامليكانيكا واألخالق‪ ،‬ولكوهنا تقتضي‪ C‬معرفة كامل‪C‬ة عن العل‪C‬وم األخ‪C‬رى ومتث‪C‬ل آخ‪C‬ر درج‪C‬ات‬
‫املعرفة اليت تعطي لنا مثار هذه الشجرة جعلها يف آخر ال‪C‬رتتيب‪ .‬مث اق‪C‬رتح منهج‪C‬ا ش‪C‬امال جلمي‪C‬ع‬
‫العلوم رأى أن يستقيه‪ C‬من الرياضيات إلعجاب‪CC‬ه هبا‪ ،‬فهي متث‪CC‬ل الوض‪CC‬وح واليقني ويف حججه‪CC‬ا‬
‫يقني وبداهة‪.‬‬
‫يرفض باشالر مثل هذه النزعات الوثوقية‪ ،‬ل‪C‬ذلك تنب‪C‬أ أن ه‪C‬ذه ال‪C‬دعوة لكلم‪C‬ة املعرف‪C‬ة‬
‫املوضوعية تالقي امتعاضاً واعرتاضا من قبل التقليد الفلسفي للعقالنية‪ C‬املولع‪CC‬ة بالوح‪CC‬دة الكلي‪CC‬ة‪.‬‬
‫إن املسلك اجلهوي التخصصي للعلم املعاصر له م‪CC‬ا ي‪CC‬ربره يف نظ‪C‬ر باش‪CC‬الر‪ ،‬فه‪CC‬و ال يفي‪CC‬د علمي‪C‬اً‬
‫فحسب‪ ،‬أي فهم املعرف ‪CC‬ة العلمي ‪CC‬ة املعاص ‪CC‬رة‪ ،‬ب ‪CC‬ل فلس ‪CC‬فياً أيض‪C C‬اً‪ ،‬ألن االبس ‪CC‬تمولوجيا‪ C‬املعاص ‪CC‬رة‬
‫تس ‪CC C‬عى إىل إجياد األس ‪CC C‬س اخلاص ‪CC C‬ة بك ‪CC C‬ل علم مث ‪CC C‬ل انش ‪CC C‬غال علم ‪CC C‬اء الرياض ‪CC C‬يات داخ ‪CC C‬ل إقليم‬
‫الرياض‪CC‬يات مبس‪CC‬ألة األس‪CC‬س‪ .‬ل‪CC‬ذا ف‪CC‬إن مهم‪CC‬ة االبس‪CC‬تمولوجيا اجلهوي‪CC‬ة‪ ،‬تتمث‪CC‬ل يف وض‪CC‬ع األس‪CC‬س‬
‫لكل علم خاص‬
‫مثل الفيزياء والكيمياء‪...‬أخل « فما أن ينظر إىل العلم عن ش‪C‬يء من الق‪C‬رب‪ ،‬ح‪C‬ىت ت‪C‬زداد‬
‫وظائفه الفلسفية »‪ 1‬ونقف مع باشالر على أن مس‪CC‬ألة وض‪CC‬ع الأس‪CC‬اس من قب‪CC‬ل عقالني‪CC‬ة إقليمي‪CC‬ة‬
‫لعلم خاص تصبح مسألة فلسفية حمددة ‪.‬‬
‫يتح‪C‬ول التخصص إذا رم‪C‬زا للثقاف‪C‬ة العلمي‪C‬ة وأب‪C‬رز خص‪C‬ائص الفك‪C‬ر العلمي اجلديد‪ .‬ب‪C‬ل‬
‫م‪C‬يزة الفك‪C‬ر ح‪C‬ىت يف مرحلت‪C‬ه الش‪C‬مولية‪ ،‬ومراجع‪C‬ة ابس‪C‬تيمولوجية عميق‪C‬ة حنو ماض‪C‬ي املعرف‪C‬ة ال‪C‬يت‬
‫ك ‪CC C‬انت حبيس ‪CC C‬ة لألفك ‪CC C‬ار العامة‪ .‬ويؤك ‪CC C‬د على « االع ‪CC C‬رتاف‪ C‬بتع ‪CC C‬دد العقالني ‪CC C‬ات وبتأس ‪CC C‬يس‪C‬‬
‫عقالني ‪CC‬ات جهوي ‪CC‬ة‪ ،‬مبع ‪CC‬ىن حتدي ‪CC‬د األس ‪CC‬س لقط ‪CC‬اع خمص ‪CC‬وص‪ C‬من املعرفة»‪ 2‬فاالختص ‪CC‬اص جيدد‬

‫غاستون باشالرـ مصدر‪ C‬سابق‪ ،‬ص ‪240‬‬ ‫‪1‬‬

‫جورج كانغيالم‪ ،‬دراسات يف تاريخ العلوم وفلسفتها‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪303‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪181‬‬
‫العمومية‪ C‬وحيضر لتجديلها‪ ،‬ويعطي هلا شرعية حمددة بالتحقيقات املفص‪C‬لة‪ .‬التخص‪CC‬ص إذن ه‪C‬و‬
‫مقاربة إبستيمولوجية ضرورية يف الفكر العلمي املعاصر من وجهة نظر باشالرية‪.‬‬
‫إال أن التوجه التخصصي‪ C‬يف العلم دون النظر يف العالقات املمكنة‪ ،‬طرح يتعارض‬
‫مع راهينية‪ C‬العلوم املعاص‪CC‬رة يف نظ‪C‬ر ميش‪CC‬ال س‪C‬ري ألن « النقل ال يع‪C‬رف ح‪C‬دودا عن‪C‬د أي نقط‪C‬ة‬
‫ويتج‪CC C‬ه أيض‪CC C‬ا ب‪CC C‬دوره بني اجلم‪CC C‬ع والنقل»‪ 1‬لق‪CC C‬د أدت احلدود النظري‪CC C‬ة واملوض‪CC C‬وعية‪ C‬واللغوي‪CC C‬ة‬
‫لتخص‪CC‬ص م‪CC‬ا إىل عزل‪CC‬ه عن التخصص‪CC‬ات ال‪CC‬يت تت‪C‬داخل وتتق‪CC‬اطع مع‪C‬ه بش‪C‬كل ط‪C‬بيعي وج‪C‬وهري‪،‬‬
‫« يوج ‪CC‬د ك ‪CC‬ذلك ح ‪CC‬االت إجتم ‪CC‬اع التخصص ‪CC‬ات‪ ،‬ال ‪CC‬يت تع ‪CC‬رب ح ‪CC‬دود التخصص ‪CC‬ات‬ ‫حيث‬
‫القائم ‪CC‬ة‪ .‬جمم ‪CC‬وع املع ‪CC‬ارف ال ‪CC‬يت تش ‪CC‬كل ختصص ‪CC‬ا مل تكن أب ‪CC‬دا بن ‪CC‬اء مكتمال‪ ،‬ال يتب ‪CC‬دل‪ ،‬فع ‪CC‬اال‬
‫دائم‪CC‬ا‪ ،‬إن‪CC‬ه من الض‪CC‬روري أن تت‪CC‬أثر بالس‪CC‬ياق ال‪CC‬ذي تتح‪CC‬رك فيه» ‪ .‬إن روح التخص‪CC‬ص أف‪CC‬رزت‬
‫‪2‬‬

‫مبالغة غري مربرة يف تقسيم بعض امليادين إىل ختصص‪CC‬ات جدي‪C‬دة مس‪C‬تقلة‪ .‬كم‪CC‬ا أن تط‪CC‬ور العلم‬
‫والتكنولوجيا قد أدى إىل ظهور فروع علمية جديدة‪ .‬وكلما ظهر فرع علمي جديد س‪CC‬رعان‬
‫م ‪CC‬ا يتح ‪CC‬ول إىل ختص ‪CC‬ص جدي ‪CC‬د‪ .‬والرؤي ‪CC‬ة الس ‪CC‬ريية تتج ‪CC‬اوز ه ‪CC‬ذا الط ‪CC‬رح التجزي ‪C‬ئي ال ‪CC‬ذي جيزئ‬
‫العل ‪CC‬وم إىل ختصص ‪CC‬ات متباع ‪CC‬دة ال تل ‪CC‬تئم فيم ‪CC‬ا بينه ‪CC‬ا‪ ،‬ب ‪CC‬ل ال ميكن النظ ‪CC‬ر للعل ‪CC‬وم إال من خالل‬
‫اتص ‪CC C C‬االت وتف ‪CC C C‬اعالت‪ C‬قائم ‪CC C C‬ة‪ ،‬وحتويالت مفهومية ونظري ‪CC C C‬ة ومنهجية متش ‪CC C C‬ابكة‪ C‬ومتفاعل ‪CC C‬ة‪،‬‬
‫وتب‪CC C‬ادالت تأخ‪CC C‬ذ ش‪CC C‬كل اس‪CC C‬ترياد وتص‪CC C‬دير‪ ،‬ترمجة وتوزي‪CC C‬ع‪ ،‬ال‪CC C‬يت أفرزهتا التط‪CC C‬ورات املذهل‪CC C‬ة‬
‫واملتس‪CC C‬ارعة‪ C‬للعل‪CC C‬وم املعاص‪CC C‬رة و « هن‪CC C‬اك أمثلة وثيق‪CC C‬ة الص‪CC C‬لة باملوض‪CC C‬وع عن ت‪CC C‬داخل ب‪CC C‬رامج‬
‫األحباث‪ ،‬االختصاصات الفرعية‪ C‬وما بعد الفرعية هلذا الن‪C‬وع ميكن رؤيته‪C‬ا يف معظم التط‪C‬ورات‬
‫احلديثة يف حقل التكنولوجيا‪ C‬النانوية‪...‬تقع البىن اليت يتم تقص‪CC‬يها يف ه‪CC‬ذا الس‪CC‬ياق ض‪CC‬من نط‪CC‬اق‬
‫ثالث ‪CC C C‬ة اختصاص ‪CC C C‬ات خمتلف ‪CC C C‬ة من العل ‪CC C C‬وم الطبيعي ‪CC C C‬ة‪ C،‬حيث يعم ‪CC C C‬ل الفيزي ‪CC C C‬ائيون‪ C‬والكيمي ‪CC C‬ائيون‬
‫والبيولوجيون‪ C‬معا لفهم وإنتاج تقع أبعادها يف جمال النانومرت»‪. 3‬‬

‫‪1‬‬
‫‪François Dagognet, op cit, p 101‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Joao caraca, science et communication, presses universitaires de France, 1999, p49‬‬
‫جهاد ملحم‪ ،‬الفيزياء وقضايا العصر‪ ،‬دار احلوار للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬سوريا‪ ،2012 ،‬ص ‪290‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪182‬‬
‫إن عصر املعلوماتية فرض ضرورة االهتمام بتكامل املعرفة‪ ،‬والتأكيد على أمهية تن‪CC‬اول‬
‫املعرف‪CC‬ة ىف س‪C‬ياق جدي‪CC‬د وذل‪CC‬ك بإح‪C‬داث التكام‪CC‬ل بني التخصص‪C‬ات وه‪CC‬و م‪CC‬ا أطل‪C‬ق علي‪CC‬ه م‪C‬دخل‬
‫التخصص‪CC‬ات أو الدراس‪CC‬ات البينية‪ )interdisciplinaire( C‬وال‪CC‬ذى تبل‪CC‬ورت مالحمه م‪CC‬ع‬
‫عش‪CC‬رينيات الق‪CC‬رن املاض‪CC‬ي‪ ،‬مث اس‪CC‬تخدم بش‪CC‬كل موس‪CC‬ع ىف األزمن‪CC‬ة الالحق‪CC‬ة‪ .‬وأع‪CC‬دت ىف ض‪CC‬وئه‬
‫ب‪CC‬رامج ومق‪CC‬ررات تك‪CC‬املت فيه‪CC‬ا ف‪CC‬روع املعرف‪CC‬ة املختلف‪CC‬ة كامليكانيك ‪C‬ا‪ C‬احليوي‪CC‬ة‪ ،‬والعل‪CC‬وم الص‪CC‬حية‬
‫والطب الرياضي‪ .‬وميكن أن نورد مع إ‪.‬موران‪ ،‬أن مدرسة احلولي‪CC‬ات بينت« أن تعاون‪C‬اً وثيق‪C‬اً‬
‫بني ك‪CC‬ل عل‪CC‬وم اإلنس‪CC‬ان‪( C‬ال‪CC‬دميوغرافيا‪ ،‬االقتص‪CC‬اديات‪ ،‬علم االجتم‪CC‬اع‪ ،‬إخل) وبني الت‪CC‬اريخ و َّس‪C‬ع‬
‫املنظور التارخيي الكالسي‪ C‬وأغناه بشكل ملحوظ»‪ 1‬ومت تعريف التخصص‪CC‬ات البيني‪C‬ة‪ C‬بأهنا ن‪CC‬وع‬
‫من التخصص‪CC‬ات الناجتة عن ح‪CC‬دوث تفاع‪CC‬ل بني ختص‪CC‬ص أو أك‪CC‬ثر‪ ،‬م‪CC‬رتبطني أو غ‪CC‬ري م‪CC‬رتبطني‪،‬‬
‫أو أهنا‬
‫العل‪CC‬وم والدراس‪CC‬ات ال‪CC‬يت تبحث يف إدراك العالق‪CC‬ات بني ف‪CC‬روع العلم واملعرف‪CC‬ة على أس‪CC‬اس‬
‫مبدأ وحدة املعرفة وتكاملها‪ ،‬للوصول إىل مفاهيم مشرتكة بني خمتلف العلوم والتخصصات‪.‬‬
‫إن تق‪CC‬دم العل‪CC‬وم وتنوعه ‪C‬ا‪ C‬وتش‪CC‬عبها أب‪CC‬ان عن احلاج‪CC‬ة أك‪CC‬ثر من أي وقت مض‪CC‬ى لفلس‪CC‬فة‬
‫جتم‪CC‬ع ش‪CC‬تات العل‪CC‬وم وف‪CC‬ق رؤي‪CC‬ة موس‪CC‬وعية‪ C.‬ف‪CC‬إذا ك‪CC‬انت االبس‪CC‬تمولوجيا العلمي‪CC‬ة أو املوجب‪CC‬ة يف‬
‫مرحل‪CC C‬ة أوىل تنكفئ‪ C‬على ذاهتا يف عالق‪CC C‬ة انعكاس‪CC C‬ية وبلغ‪CC C‬ة ص‪CC C‬ارمة ودقيق‪CC C‬ة لتنظيم موض ‪CC‬وعها‬
‫العلمي مفاهيميا ومنهجيا‪ ،‬فإهنا سرعان م‪C‬ا تنفتح على اجلهوي‪C‬ات أو التخصص‪C‬ات األخ‪C‬رى يف‬
‫عالقة تبادلي‪C‬ة أخ‪C‬ذا وعط‪C‬اء للمف‪C‬اهيم واملص‪C‬طلحات واملن‪C‬اهج‪ .‬فال ب‪C‬د من تتب‪C‬ع ترح‪C‬ال املف‪C‬اهيم‬
‫العلمي‪CC C‬ة من علم آلخ‪CC C‬ر ويف ف‪CC C‬رتات تارخيي‪CC C‬ة خمتلفة‪ ،‬ألن جغرافي‪CC C‬ة العلم ليس‪CC C‬ت ج‪CC C‬زرا منعزل ‪CC‬ة‬
‫بعض‪CC C C‬ها عن بعض فالس‪CC C C‬يربنطيقا « كاجتاه علمي جدي‪CC C C‬د ص‪CC C C‬اغه الع‪CC C C‬امل األم‪CC C C‬ريكي الرياض ‪CC C‬ي‬
‫"ن ‪CC‬وربرت في ‪CC‬نر" ج ‪CC‬اء نتيج ‪CC‬ة دراس ‪CC‬ة عميق ‪CC‬ة للتش ‪CC‬ابه بني عملي ‪CC‬ات التحكم يف األنظم ‪CC‬ة التقني ‪C‬ة‪C‬‬

‫‪1‬‬
‫‪27/09/2016‬‬ ‫أندري ‪CC C C‬ه بورغي ‪CC C C‬نيون‪ ،‬من تعدُّدي ‪CC C C‬ة املن‪CC C C‬اهج إىل العرب مناهجية‪ ،www.maaber.org ،‬ي ‪CC C‬وم‬
‫صباحا‪.‬‬
‫‪183‬‬
‫والبيولوجي ‪CC C‬ة وللتق ‪CC C‬دم الش ‪CC C‬امل يف الف ‪CC C‬روع املناس ‪CC C‬بة من الرياض ‪CC C‬يات واملنط ‪CC C‬ق واإللكرتوني‪CC C‬ات‬
‫والفيزيولوجيا‪. 1» C‬‬
‫إن ارهتان العلم يف حيز ختصصي ضيق ال حيقق بعده التواصلي وهو حكم علي‪CC‬ه ب‪CC‬النفي‬
‫والعدمي‪CC C‬ة‪.‬أم‪CC C‬ا الفهم الس‪CC C‬ليم فإن‪CC C‬ه حياول حتلي‪CC C‬ل الرتابط‪CC C‬ات املفهومي‪CC C‬ة بني العل‪CC C‬وم نفس ‪CC‬ها‪ .‬إن‬
‫االطار الذي تتواصل في‪CC‬ه ومن خالل‪CC‬ه التخصص‪CC‬ات العلمي‪CC‬ة يس‪CC‬ميه ميش‪CC‬يل سري األنس‪CC‬يكلوبيديا‬
‫أو موس‪CC‬وعة العل‪CC‬وم‪ ،‬فال علم يوج‪CC‬د مس‪CC‬تقال بذات‪CC‬ه‪ ،‬ب‪CC‬ل ه‪CC‬و يف عالق‪CC‬ات متع‪CC‬ددة ومتنوع‪CC‬ة م‪CC‬ع‬
‫باقي العلوم داخل هذه املوسوعة اليت حتتضن لعبة معق‪CC‬دة يس‪CC‬ميها لعب‪CC‬ة التفاعل حيث « ميكن‬
‫لك ‪CC‬ل عم‪CC‬ال دول املعرف ‪CC‬ة أن يتالق ‪CC‬وا‪ .‬ليس من أج ‪CC‬ل االس ‪CC‬تمتاع هبوي‪CC‬ة كاذبة ولكن من أج‪CC‬ل‬
‫حتويل حقول جد مضطربة وج‪C‬د متباع‪C‬دة‪ C‬عن بعض‪C‬ها البعض وتلقيحه‪CC‬ا عن طري‪CC‬ق النق‪C‬ل‪ ،‬لق‪C‬د‬
‫رفضنا‬
‫فيما أعتقد‪ ،‬هذه التفاعالت‪ .‬وه‪CC‬ذا خط‪CC‬أ فض‪C‬يع يف املنطق »‪ .2‬لكن ه‪CC‬ل مع‪CC‬ىن ذل‪CC‬ك أن‬
‫س‪C‬ري حييلن‪C‬ا إىل االعتق‪C‬اد الكالس‪CC‬يكي لوح‪C‬دة املعرف‪C‬ة ومشولية احلقيق‪C‬ة؟ ال ب‪C‬د من اإلق‪C‬رار مب‪C‬دئيا‬
‫أن الفكر املوسوعي‪ C‬سابق لزمن سري الفلس‪CC‬في‪ ،‬إال أن‪CC‬ه متيز يف طرح‪CC‬ه عن التص‪CC‬ورات الفلس‪CC‬فية‬
‫السابقة‪ .‬ولنا أن نتساءل ما هي عناصر التجديد يف موسوعة املعرفة عند ميشيل سري؟‬
‫إن موس ‪CC‬وعة العل ‪CC‬وم أو االنس ‪CC‬يكلوبيديا معرف ‪CC‬ة بال مرجعي ‪CC‬ة‪ ،‬حيث ي ‪CC‬رفض س ‪CC‬ري ك ‪CC‬ل‬
‫مرجعي ‪CC‬ة أو نقط ‪CC‬ة ثابت ‪CC‬ة يس ‪CC‬تند إليه ‪CC‬ا العلم أو الع ‪CC‬امل‪ .‬ألن ك ‪CC‬ل علم حيي ‪CC‬ل على ع ‪CC‬دد آخ ‪CC‬ر من‬
‫العلوم يف إطار تفاعل تعددي ض‪C‬من الش‪C‬بكة‪ « C‬إن الش‪C‬بكة‪ C‬هبذا الش‪CC‬كل‪ ،‬تتك‪CC‬ون‪ C‬موض‪CC‬عيا‪ ،‬إهنا‬
‫ال تعرف تغطي‪CC‬ة وجتمي‪CC‬د العل‪C‬وم يف جمموعها»‪ .3‬وبالت‪CC‬ايل ينتفي‪ C‬كلي‪CC‬ا االعتق‪C‬اد ب‪CC‬أن علم‪C‬ا م‪C‬ا ه‪C‬و‬
‫مرج‪CC‬ع للعل‪CC‬وم األخ‪CC‬رى‪ .‬وه‪CC‬ذا حييلن‪CC‬ا إىل فك‪CC‬رة تص‪CC‬نيف‪ C‬العل‪CC‬وم والعلم امللكي‪ C‬ال‪CC‬ذي ي‪CC‬رتبع ه‪CC‬رم‬

‫مىن حممد عبد املعطي حممد‪ ،‬يف الفلسفة‪ C‬واحلاسوب" دراسة يف نتائج علم السيربنطيقا" دار كلمة للنشر والتوزيع‬ ‫‪1‬‬

‫احلضري للطباعة‪ ،‬ط‪ ،1‬مصر ‪ ،2012‬ص ‪09‬‬


‫ميشال سري‪ ،‬فلسفة العلم يف القرن احلادي والعشرين‪ ،‬ترمجة وتقدمي يوسف تيبس‪.www.anfasse.org ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪Serres michel, l interfèrence, p 44‬‬
‫‪184‬‬
‫ترتيبه ‪CC‬ا‪ ،‬مثلم ‪CC‬ا جنده عن أوغس ‪CC‬ت ك ‪CC‬ونت ال ‪CC‬ذي ي ‪CC‬رى أن ‪CC‬ه من املمكن أن ن‪CC‬رتب العل ‪CC‬وم ترتيب ‪CC‬ا‬
‫هرمي ‪CC‬ا يف النظ ‪CC‬ام اآليت‪ :‬الرياض ‪CC‬يات‪ ،‬الفل ‪CC‬ك‪ ،‬الفيزياء‪ ،‬البيولوجي ‪CC‬ا‪ ،‬وعلم االجتم ‪CC‬اع‪ ...‬وذل ‪CC‬ك‬
‫هو النظام الذي ظهر فيه كل علم من الناحية التارخيية‪ ،‬والذي بلغ فيه أيضا املرحلة الوضعية‪.‬‬
‫إن كل علم هو من الناحية املنطقية أكثر بساطة وأقل تعقيدا‪ C‬من العلوم اليت تليه‪.‬‬
‫إن هذا املوقف يشتمل على ضعف ابستومولوجي‪ C‬وتارخيي يف نظر سري و« حيق لنا أن‬
‫نتس ‪CC‬اءل هن ‪CC‬ا فيم ‪CC‬ا إذا ك ‪CC‬ان ه ‪CC‬ذا ال ‪CC‬رتتيب‪ C‬الص ‪CC‬ارم احلايل لالختصاص ‪CC‬ات ميكن أن يس ‪CC‬تمر ملدة‬
‫طويل ‪CC‬ة‪ .‬م ‪CC‬ع ازده ‪CC‬ار املهم ‪CC‬ات ال ‪CC‬يت ك ‪CC‬انت تغ ‪CC‬ذي التوج ‪CC‬ه حنو تكام ‪CC‬ل الف ‪CC‬روع‪ .‬ب ‪CC‬دأت تته ‪CC‬دم‬
‫احلدود بني االختصاص ‪CC C C‬ات املختلف ‪CC C C‬ة‪ .‬إهنم‪ ،‬أي االختصاص ‪CC C C‬يون‪ ،‬خيس ‪CC C C‬رون ت ‪CC C C‬درجييا أمهيتهم‬
‫الس‪CC‬ابقة إزاء هب‪CC‬وط الس‪CC‬تارة اخللفي‪CC‬ة للنظ‪CC‬ام التقلي‪CC‬دي للعل‪CC‬وم »‪ 1‬ألن‪CC‬ه نزع‪CC‬ة اختزالي‪CC‬ة وتبس‪CC‬يطية‬
‫جدا‪ ،‬ترد العلم الالح‪C‬ق إىل العلم الس‪C‬ابق يف عالق‪C‬ة ال تراجعي‪C‬ة‪ .‬أي أن العكس اليص‪C‬ح‪ .‬وه‪C‬ذا‬
‫يلغي اخلاص ‪CC‬ية التفاعلي‪C C‬ة‪ C‬للعلم ‪ .‬وبع ‪CC‬د أن أوش ‪CC‬ك العلم احلديث على أن يفق ‪CC‬د بوص ‪CC‬لته‪ ،‬ف ‪CC‬إن‬
‫فلس‪CC C C‬فة العلم املعاص‪CC C C‬رة اض‪CC C C‬طلعت ب‪CC C C‬دور ه‪CC C C‬ام وأساس‪CC C C‬ي يف توجي‪CC C C‬ه العل‪CC C C‬وم واخلروج هبا من‬
‫اإلشكاالت‪ C‬واملآزق اليت واجهتها‪.‬‬
‫إن النزعة التخصصية‪ C‬يف العلم غالب‪C‬ا م‪C‬ا ك‪C‬انت تتض‪C‬ايف م‪C‬ع االجتاه حنو االختزالي‪C‬ة أو‬
‫ما يعرف كذلك بالردية‪ .‬اليت اتسع نطاقها من العلوم الفيزيائية إىل الطبيعة واحلياة وصوال إىل‬
‫الفلس‪CC‬فة‪ .‬وهي تنط‪CC‬وي على فك‪CC‬رة مفاده‪CC‬ا أن بعض احلق‪CC‬ائق أق‪CC‬ل أساس‪CC‬ية من األخ‪CC‬رى وميكن‬
‫إحلاقه‪CC‬ا هبا‪ .‬وليس ذل‪CC‬ك على س‪CC‬بيل التفاع‪CC‬ل والت‪CC‬داخل وإمنا اإلرج‪CC‬اع واالخ‪CC‬تزال مثلم‪CC‬ا يعتق‪CC‬د‬
‫الفيزيائيون بإمكانية‪ C‬إرج‪C‬اع الكيمي‪CC‬اء إىل الفيزي‪CC‬اء‪ .‬ونفس احلكم يس‪C‬ري يف ب‪CC‬اقي التخصص‪CC‬ات‬
‫إذ يرى االختزاليون « أن علم النفس ميكن اختزاله حتت مظلة البيولوجيا‪ C‬وضمن الكيمي‪CC‬اء‪...‬‬
‫أي أن س‪CC‬هم التفس‪CC‬ري يتج‪CC‬ه دوم‪CC‬ا حنو أعم‪CC‬ق مس‪CC‬تويات احلقيق‪CC‬ة‪ ،‬إىل أن يت‪CC‬اح يف النهاي‪CC‬ة تفس‪CC‬ري‬

‫جهاد ملحم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪291‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪185‬‬
‫كل شي بلغة املكونات‪ C‬األساسية‪ C‬للمادة »‪.1‬‬
‫إن االختزالي‪CC‬ة هبذا املع‪CC‬ىن تتح‪CC‬ول إىل عقب‪C‬ة ابس‪CC‬تمولوجية بلغ‪C‬ة باش‪CC‬الر‪ ،‬لكن املفارق‪C‬ة أن‪C‬ه‬
‫وق‪CC C‬ع ض‪CC C‬حية هلا عن‪CC C‬دما حص‪CC C‬ر اس‪CC C‬قاطاته‪ C‬االبس‪CC C‬تمولوجية‪ C‬يف تتب‪CC C‬ع مع‪CC C‬ادالت ميكانيك‪CC C‬ا الكم‬
‫وق‪CC C‬وانني النس‪CC C‬بية‪ ،‬غ‪CC C‬افال عن حق‪CC C‬ول علمي‪CC C‬ة أخ ‪CC‬رى غ‪CC C‬ري فيزياء اجلس‪CC C‬يمات على غ‪CC C‬رار عل ‪CC‬وم‬
‫املاكروفيزي ‪CC‬ا ول ‪CC‬ذلك يعت ‪CC‬رب علم ‪CC‬اء املادة الكثيف‪C C‬ة‪ C‬أن « مطالب ‪CC‬ة فيزي ‪CC‬ائيي‪ C‬اجلس ‪CC‬يمات العنص ‪CC‬رية‬
‫باتباع خطاهم وتس‪C‬خري األرص‪C‬دة املالي‪C‬ة لبح‪C‬وثهم فق‪C‬ط‪( ،‬وعلى س‪C‬بيل املث‪C‬ال البح‪C‬وث يف جمال‬
‫املص‪CC‬ادمات) إمنا هي مبالغ‪CC‬ة ش‪CC‬ديدة يف أمهي‪CC‬ة حبوثهم‪ ،‬وه‪CC‬و ن‪CC‬وع من الواحدي‪CC‬ة يف الرؤية»‪ 2‬إن‬
‫ع ‪CC‬دم االنفت ‪CC‬اح على العل ‪CC‬وم األخ ‪CC‬رى ومواكب‪C C‬ة‪ C‬تطوراهتا دف ‪CC‬ع ميش ‪CC‬ال س ‪CC‬ري ألن يص ‪CC‬ف العق ‪CC‬ل‬
‫العلمي الباش‪CC‬الري بالق‪CC‬دمي «أعتق‪CC‬د‪ ،‬من وجه‪CC‬ة نظ‪CC‬ري‪ ،‬أن ه‪CC‬ذا العق‪CC‬ل العلمي اجلدي‪CC‬د موض‪CC‬ة‬
‫تل‪CC‬ك احلقب‪CC‬ة‪ ،‬وض‪CC‬ع مت‪CC‬أخرا ج‪CC‬دا عن العل‪CC‬وم‪ :‬عن الرياض‪CC‬يات‪ ،‬ألن‪CC‬ه ب‪CC‬دال من احلديث عن اجلرب‬
‫والتبولوجي‪CC‬ا ونظري‪CC‬ة اجملموع‪CC‬ات ك‪CC‬انت مرجعيت‪CC‬ه اهلندس‪CC‬ة الال إقليدي‪CC‬ة‪ ،‬ليس ه‪CC‬ذا ه‪CC‬و اجلدي‪CC‬د‪.‬‬
‫عن الفيزياء‪ ،‬نفس الش ‪CC C‬ئ‪ ،‬ألن ‪CC C‬ه مل يق ‪CC C‬ل كلم ‪CC C‬ة يف نظري ‪CC C‬ة املعلوم ‪CC C‬ات‪ ،‬ومل يس ‪CC C‬مع ض ‪CC C‬جيجا‬
‫هريوش‪CC‬يما‪ :‬ونفس الش‪CC‬ئ عن املنط‪C‬ق وهك‪C‬ذا‪ ،‬إن النم‪C‬وذج ال‪CC‬ذي يقدم‪C‬ه ح‪CC‬ول العل‪CC‬وم ال ميكن‬
‫‪3‬‬
‫أن مير إىل عيناي كمعاصرة‪ ،‬إن هذا العقل العلمي اجلديد يبدو يل قدميا جدا »‬
‫لق‪CC‬د ج‪CC‬اءت الك‪CC‬اوس أو الفوض‪CC‬ى كمفه‪CC‬وم علمي جدي‪CC‬د وكقرين‪CC‬ة ض‪CC‬د الفك‪CC‬ر‬
‫الاخ ‪CC‬تزايل والإقص ‪CC‬ائي‪ .‬فالنظ ‪CC‬ام والفوض ‪CC‬ى واالبتالع مف ‪CC‬اهيم ت ‪CC‬دخل يف ص ‪CC‬لب تش ‪CC‬كل احلي ‪CC‬اة‪،‬‬
‫واليت ال ميكن تفسريها بعناصرها اجلزئية وإمنا ب‪CC‬الرجوع إىل البني‪C‬ة‪ C‬الكلي‪CC‬ة ‪ .‬وأظه‪CC‬ر ه‪CC‬ذا التوج‪CC‬ه‬
‫العلمي اجلدي‪CC C C‬د التن‪CC C C‬اقض احلاص‪CC C C‬ل بني منهجي‪CC C C‬ة علمي‪CC C C‬ة تع‪CC C C‬زل اجلم‪CC C C‬ل الفيزيائي‪CC C C‬ة عن حميطه‪CC C‬ا‬
‫وخصوص‪CC‬ية كوني‪CC‬ة متداخل‪CC‬ة أو مركب‪CC‬ة ومعق‪CC‬دة بلغ‪CC‬ة إدغ‪CC‬ار م‪CC‬وران‪ .‬يض‪CC‬اف إىل ذل‪CC‬ك احنص‪CC‬ار‬

‫عماد فوزي الش‪C‬عييب‪ ،‬اإلختزالي‪C‬ة من إبس‪C‬تمولوجيا الواح‪C‬د إىل نظري‪C‬ة ك‪C‬ل ش‪C‬ئ ‪ ،‬جمل‪C‬ة جامع‪C‬ة دمش‪C‬ق‪ ،‬اجملل‪C‬د ‪،22‬‬ ‫‪1‬‬

‫العدد (‪251 ،250 ،2006 ،)4+3‬‬


‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪252‬‬
‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪Serres, Michel, ECLAIRCISSEMENTS. Entretiens avec Bruno Latour editions francois‬‬
‫‪bourin, paris, 1992, p23‬‬
‫‪186‬‬
‫البحث الباش ‪CC‬الري يف أف ‪CC‬ق علمي ختصص ‪CC‬ي ض ‪CC‬يق مل يتج ‪CC‬اوزه‪ .‬لق ‪CC‬د تتب ‪CC‬ع تط ‪CC‬ور الرياض ‪CC‬يات‬
‫والفيزياء بصفة خاصة دون أن يفرد اهتماما للعلوم اإلنسانية واليت جعلها ميشال سري خاصية‬
‫من خص ‪CC‬ائص الفك ‪CC‬ر العلمي اجلدي ‪CC‬د املتج ‪CC‬دد‪ .‬فكت ‪CC‬اب العب ‪CC‬ور مشال غ ‪CC‬رب م ‪CC‬ا ه ‪CC‬و إال خريط ‪CC‬ة‬
‫طريق يف رسم هذا التصور‬

‫التف ‪CC‬اعلي بني العل ‪CC‬وم احلق ‪CC‬ة والعل ‪CC‬وم اإلنس ‪CC‬انية‪ « C‬أن ‪CC‬ا أحبث عن العب ‪CC‬ور بني العل ‪CC‬وم الدقيق ‪CC‬ة‬
‫والعلوم اإلنسانية‪. 1» C‬‬
‫إن ه‪CC‬ذا املوق‪CC‬ف من املعرف‪CC‬ة والعلم املعاص‪CC‬ر ليس بدع‪CC‬ة س‪CC‬ريية‪ ،‬ب‪CC‬ل أن مواطن‪C‬ه‪ C‬وأح‪CC‬د‬
‫جمايلي‪CC‬ه الفيلس‪CC‬وف وع‪CC‬امل االجتم‪CC‬اع إدغ‪CC‬ار م‪CC‬وران يق‪CC‬دم ك‪CC‬ذلك رؤي‪CC‬ة ش‪CC‬املة ومتع‪CC‬ددة الف‪CC‬روع‬
‫كإسهام نظري وفلسفي ضمن مشروع معريف ض‪C‬خم أمثر س‪C‬تة كتب عنوان‪CC‬ه اجلامع " املنهج"‬
‫و« تش ‪CC‬كل األج ‪CC‬زاء األربع ‪CC‬ة من كت ‪CC‬اب "املنهج " االق ‪CC‬رتاح ال ‪CC‬ذي أع ‪CC‬ده م ‪CC‬وران بش ‪CC‬كل ص ‪CC‬ارم‬
‫لعلم م‪CC C‬ركب للتواصل» أي أن‪CC C‬ه مش‪CC C‬روع موس‪CC C‬وعي يري‪CC C‬د م‪CC C‬وران من خالل‪CC C‬ه التحلي‪CC C‬ق ع‪CC C‬رب‬
‫‪2‬‬

‫التخصصات املعرفية‪ ،‬هبدف فهم الع‪C‬امل ورس‪C‬م وجه‪C‬ة آمن‪CC‬ة لإلنس‪C‬انية مثلم‪CC‬ا يق‪CC‬ول‪ .‬وك‪CC‬ان حبق‬
‫عقال موس ‪CC‬وعيا ميتل ‪CC‬ك ج ‪CC‬رأة القف ‪CC‬ز بني التخصص ‪CC‬ات وإرس ‪CC‬اء اجلس ‪CC‬ور بينه ‪CC‬ا‪ .‬وتعل ‪CC‬ق األم ‪CC‬ر‬
‫خاص‪CC C‬ة بـ ـ ـ ـ ـ ـ « محل هم إض‪CC C‬اءة عل‪CC C‬وم الطبيع‪CC C‬ة بواس‪CC C‬طة عل‪CC C‬وم اإلنس‪CC C‬ان‪ ( C‬أو ب‪CC C‬األحرى عل‪CC C‬وم‬
‫اإلنس‪CC‬اين) والعكس ص‪CC‬حيح »‪ . 3‬لكن كي‪CC‬ف ميكن أن يك‪CC‬ون‪ C‬التواص‪CC‬ل واالتص‪CC‬ال بني العل‪CC‬وم‬
‫الدقيقة والعلوم االنسانية؟ إن على مستوى املناهج‪ ،‬أو على مستوى املفاهيم واملصطلحات؟‬
‫الواق ‪CC C‬ع أن هن ‪CC C‬اك خالف واس ‪CC C‬ع ج‪CC C‬دا ح ‪CC C‬ول طبيع ‪CC C‬ة املنهج يف العل ‪CC C‬وم اإلنس‪CC C‬انية‪« C‬ان‬
‫اجلداالت اليت يعرفها ميدان علوم االنسان‪ C،‬واليت هي بالتأكي‪CC‬د عالم‪CC‬ات ص‪C‬حة‪ ،‬رغم مظهره‪CC‬ا‬
‫املتن‪CC‬وع‪ C،‬ك‪C‬انت نوع‪C‬ا من إع‪CC‬ادة التس‪C‬اؤل ح‪C‬ول الب‪CC‬ديهيات املكتس‪CC‬بة أو التقليدي‪CC‬ة‪ ،‬أي نوع‪CC‬ا من‬
‫‪1‬‬
‫‪Serres michel. Le passage du nord-ouest. Les editions de minuit. Paris 1980. P 15‬‬
‫‪66‬‬ ‫برينار مييج‪ ،‬الفكر االتصايل من التأسيس إىل منعطف األلفية الثالثة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‬ ‫‪2‬‬

‫املرجع نفسه ص ‪66‬‬


‫‪3‬‬

‫‪187‬‬
‫الث ‪CC‬ورة الدائم ‪CC‬ة يف جمال الفكر»‪ 1‬وهلذا ميكن الق ‪CC‬ول أهنا نش ‪CC‬أت نش ‪CC‬أة غ ‪CC‬ري مكتمل ‪CC‬ة‪ ،‬فهي وٕان‬
‫اس‪CC‬تطاعت حتدي‪CC‬د موض‪CC‬وعها وحص‪C‬ره‪ ،‬فإهنا مل تس‪CC‬تطع خل‪C‬ق منهج يالءم طبيع‪CC‬ة موض‪CC‬وعها ب‪C‬ل‬
‫و «أرادت أن‬

‫حترز تقدما مياثل ما أحرزته العلوم الطبيعي‪CC‬ة باس‪CC‬تخدامها ملن‪CC‬اهج الدق‪CC‬ة والض‪CC‬بط الرياض‪CC‬يني‬
‫وباعتمادها على املالحظة والتجربة»‪. 2‬‬
‫إن الفرق بني العلوم االجتماعية والطبيعية‪ C‬من وجهة نظر دلتاي يبدأ أوال مع املوضوع‪C‬‬
‫« إن الفارق بني العلوم االجتماعية والطبيعية‪ C‬يكمن عنده يف أن مادة العلوم االجتماعي‪CC‬ة وهي‬
‫العقول البشرية مادة معطاة‪ ،‬وليس‪CC‬ت مش‪CC‬تقة من أي ش‪CC‬يء خارجه‪CC‬ا مث‪CC‬ل م‪CC‬ادة العل‪CC‬وم الطبيعي‪CC‬ة‬
‫اليت هي مشتقة من الطبيعة‪ ...‬إن اإلدراك الفين واإلنساين مها غاية العل‪CC‬وم االجتماعي‪CC‬ة‪ ،‬وميكن‬
‫الوص ‪CC‬ول إليهم ‪CC‬ا من خالل التحدي ‪CC‬د ال ‪CC‬دقيق للقيم واملع ‪CC‬اين ال ‪CC‬يت ندرس ‪CC‬ها يف عق ‪CC‬ول الف ‪CC‬اعلني‬
‫االجتم ‪CC C‬اعيني وليس من خالل من ‪CC C‬اهج العل ‪CC C‬وم الطبيعية» وألج ‪CC C‬ل التفرق ‪CC C‬ة بني من ‪CC C‬اهج العل‪CC C‬وم‬
‫‪3‬‬

‫الطبيعية‪ C‬واإلنسانية‪ C‬وظف دلتاي الفهم يف مقابل التفس‪CC‬ري‪ .‬والتع‪CC‬ارض بني الفهم والتفس‪CC‬ري‪ ،‬ه‪CC‬و‬
‫نفس‪CC C‬ه التع‪CC C‬ارض بني منهج العل‪CC C‬وم الطبيعي‪CC C‬ة ومنهج العل‪CC C‬وم اإلنس‪CC C‬انية‪ .C‬ف‪CC C‬إذا ك‪CC C‬ان منهج عل ‪CC‬وم‬
‫الطبيعة‪ C‬قوامه التفس‪CC C C‬ري‪ ،‬ف ‪CC C C‬إن منهج عل ‪CC C C‬وم اإلنس ‪CC C C‬ان أساسه الفهم « إن الكلمة األساس ‪CC C‬ية يف‬
‫التأوي‪CC‬ل أو الدراس‪CC‬ات اإلنس‪CC‬انية‪ C‬هي الفهم والفهم كلم‪CC‬ة متم‪CC‬يزة من التعلي‪CC‬ل ال‪CC‬ذي يق‪CC‬وم علي‪CC‬ه‬
‫العلم ال ‪CC‬دقيق‪ .‬الفهم معول ‪CC‬ه على الرب ‪CC‬ط بني اجلانب ال ‪CC‬داخلي واجلانب اخلارجي‪.‬العلم يعل ‪CC‬ل‪،‬‬

‫ج‪CC‬ان دوفي‪CC‬نيو وآخ‪CC‬رون‪ ،‬إش‪CC‬كاليات الفك‪CC‬ر املعاص‪CC‬ر‪ ،‬ت‪CC‬ر‪ :‬حمم‪CC‬د س‪CC‬بيال‪ ،‬منش‪CC‬ورات ال‪CC‬زمن‪ ،‬ط‪ ،1‬ال‪CC‬دار البيض‪CC‬اء‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫املغرب ‪ ،2009‬ص ‪136‬‬


‫عبد الوهاب جعفر‪ ،‬خط‪C‬اب الفلس‪C‬فة املعاص‪C‬رة‪ ،‬أداؤه وإش‪C‬كالياته‪ ،‬دار الوف‪C‬اا ل‪C‬دنيا الطباع‪C‬ة والنش‪C‬ر‪ ،‬مصر‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 2003‬ص‪113‬‬
‫نص‪CC‬ر حام‪CC‬د أب‪CC‬و زي‪CC‬د‪" :‬إش‪CC‬كاليات الق‪CC‬راءة وآلي‪CC‬ات التأوي‪CC‬ل"‪ ،‬املرك‪CC‬ز الثق‪CC‬ايف الع‪CC‬ريب‪ ،‬ال‪CC‬دار البيض‪CC‬اء‪ ،‬د‪.‬ط‪2001 ،‬‬
‫‪3‬‬

‫ص‪24 :‬‬

‫‪188‬‬
‫والدراس‪CC‬ات اإلنس‪CC‬انية تتفهم احلي‪CC‬اة أو التجرب‪CC‬ة »‪ 1‬إن الفهم ي‪CC‬رفض تش‪CC‬بيه الظ‪CC‬اهرة اإلنس‪CC‬انية‬
‫بالظ ‪CC‬اهرة الطبيعي ‪CC‬ة‪ ،‬فاإلنس ‪CC‬ان فردي ‪CC‬ة ذات خصوص ‪CC‬يات‪ ،‬وال ميكن تفس ‪CC‬ريها‪ C‬من اخلارج‪ ،‬وٕامنا‬
‫جيب دراستها من داخلها والعمل على تأويلها وفهمها‪ ،‬والفهم عملية فردية وذاتية‪ C‬ليس إال‪.‬‬
‫إن الف‪CC‬روق واالختالف‪CC‬ات بني الظ‪CC‬اهرتني الطبيعي‪CC‬ة واإلنس‪CC‬انية‪ ،‬عدي‪CC‬دة وال ختفى على‬
‫كل دارس متأمل‪ .‬ومنها على سبيل الذكر ال احلصر‪ ،‬أنه يسهل حتديد العل‪CC‬ل ال‪CC‬يت تك‪CC‬ون وراء‬
‫نش‪CC‬وء الظ‪CC‬واهر الطبيعي‪CC‬ة يف حني يص‪CC‬عب‪ C‬حتدي‪CC‬د وحص‪CC‬ر ك‪CC‬ل أس‪CC‬باب الظ‪CC‬اهرة اإلنس‪CC‬انية‪ ،‬ألهنا‬
‫تتع‪CC‬دد وتتش‪CC‬ابك‪ .‬إن « الب‪CC‬احث يظ‪CC‬ل علي الس‪CC‬طح فه‪CC‬و ينش‪CC‬غل باملالح‪CC‬ظ واملرئي وال يتمكن‬
‫من التوغل يف األعماق يف حماولة للكشف عن اخلصائص الثابتة‪ C‬للطبيعة اإلنسانية‪ C‬ومن مث ت‪CC‬أيت‬
‫نتائج ‪CC‬ه قاص ‪CC‬رة وعرج ‪CC‬اء »‪ . 2‬فالظ ‪CC‬اهرة الطبيعي ‪C‬ة‪ C‬يغيب عنها املك ‪CC‬ون الشخص ‪CC‬ي أو الثق ‪CC‬ايف أو‬
‫ال‪CC‬رتاثي‪ C،‬فهي بال شخص‪CC‬ية وال ثقاف‪CC‬ة وال ت‪CC‬راث‪ ،‬وجمردة من ال‪CC‬وعي‪ C‬وال‪CC‬ذاكرة واإلرادة‪ .‬إال أن‬
‫بنية الظ ‪CC‬اهرة اإلنس ‪CC‬انية‪ ،‬تعترب ه ‪CC‬ذه املكون ‪CC‬ات‪ C‬الشخص ‪CC‬ية والثقافي ‪C‬ة‪ C‬والرتاثي ‪CC‬ة مكونا أساسيا من‬
‫مكوناهتا‪.‬‬
‫باالض‪CC‬افة إىل ذل‪CC‬ك تع‪CC‬دد ه‪CC‬ذه الثقاف‪CC‬ات‪ ،‬وتع‪CC‬دد الشخص‪CC‬يات اإلنس‪CC‬انية‪ ،‬وه‪CC‬ذا مع‬
‫حض‪CC‬ور ال‪CC‬وعي‪ C‬واإلرادة احلرة والش‪CC‬عور وال‪CC‬ذاكرة‪ ...‬يف الظ‪CC‬اهرة اإلنس‪CC‬انية ول‪CC‬ذلك « يظه‪CC‬ر‬
‫أن من الوهم والسذاجة‪ -‬رغم مزاعم العقالن‪C‬يني‪ C-‬أن يعتق‪C‬د بإمكاني‪C‬ة‪ C‬تعميم املنهج العلمي يف‬
‫مجي ‪CC‬ع اجملاالت ب ‪CC‬زعم قدرت ‪CC‬ه على ح ‪CC‬ل مجي ‪CC‬ع املش ‪CC‬كالت العاجل ‪CC‬ة واآلجلة »‪ .3‬مث إن دراس ‪CC‬ة‬
‫الظواهر الطبيعية‪ C‬تقود إىل ص‪C‬ياغة ق‪C‬وانني عام‪C‬ة ميكن التحقق من ص‪C‬حتها ب‪C‬الرجوع إىل الواقع‪،‬‬
‫أم‪CC‬ا « ع‪CC‬دم خض‪CC‬وع الظ‪CC‬واهر اإلنس‪CC‬انية للقي‪CC‬اس وع‪CC‬دم قابليته‪CC‬ا ل‪CC‬ذلك‪ ،‬مين‪CC‬ع من تط‪CC‬بيق املن‪CC‬اهج‪C‬‬
‫الكمية يف العلوم اليت تدرس هذه الظواهر‪..‬فالصياغة الرياضية للقوانني هي املعي‪CC‬ار ال‪CC‬ذي جيع‪CC‬ل‬

‫‪ ،2000 ،1‬ص‪65 :‬‬ ‫مصطفى‪ C‬ناصف‪" :‬نظرية التأويل"‪ ،‬النادي األديب الثقايف‪ ،‬جدة‪ ،‬ط‬ ‫‪1‬‬

‫عبد الوهاب جعفر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪113‬‬ ‫‪2‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪79‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪189‬‬
‫الق‪CC C C‬وانني احملص‪CC C C‬لة يف أي علم تتم‪CC C C‬يز بالدقة »‪ 1‬لكن دراس‪CC C C‬ة الظ‪CC C C‬واهر اإلنس‪CC C C‬انية توص ‪CC C‬لنا إىل‬
‫تعميمات تقريبية‪ ،‬تتمرد على قاعدة التعميم إن حاولنا تطبيقها على مواقف إنسانية‪ C‬مغايرة‪.‬‬
‫كما ختتل‪CC‬ف وق‪CC‬ائع العل‪CC‬وم الطبيعي‪C‬ة‪ C‬عن وق‪CC‬ائع العل‪CC‬وم اإلنس‪CC‬انية‪ C‬يف ك‪CC‬ون األوىل أح‪CC‬داث‬
‫طبيعية أم‪C‬ا الثاني‪C‬ة إنس‪C‬انية‪ C‬وشخص‪C‬ية‪ ،‬تتب‪C‬اين من ف‪C‬رد إىل آخر‪ .‬ألهنا مرتبطة باملش‪C‬اعر واألفك‪C‬ار‬
‫والنيات‪ .C‬ولع‪CC‬ل ه‪CC‬ذه الف‪CC‬روق‪ ،‬وغريه‪CC‬ا هي ال‪CC‬يت دفعت املهتمني مبن‪CC‬اهج العل‪CC‬وم إىل التأكي‪C‬د‪ C‬على‬
‫أن « تش‪CC‬ييد الدراس‪CC‬ات اإلنس‪CC‬انية‪ C‬على غرار العل‪CC‬وم الطبيعي ‪C‬ة‪ C‬حبيث تك‪CC‬ون منوذج‪CC‬ا متش‪CC‬اهبا هلا‬
‫متام ‪CC C‬ا‪ ،‬ه ‪CC C‬و ض ‪CC C‬الل عقلي‪ ،‬وعقم علمي‪ ،‬وخط ‪CC C‬ر أخالقي‪ :‬ه ‪CC C‬و ض ‪CC C‬الل عقلي ألن ‪CC C‬ه يتجاه ‪CC C‬ل‬
‫العملي‪CC‬ات املعرفية املألوف ‪C‬ة‪ C‬وعقم علمي ألن‪CC‬ه ال ينتج املعرف‪CC‬ة ال‪CC‬يت حنتاجه‪CC‬ا وخط‪CC‬ر أخالقي ألن‪CC‬ه‬
‫يقبل تصور اإلنسان‪ C‬على أن‪C‬ه ش‪C‬يء آخ‪C‬ر يف ع‪C‬امل م‪C‬ادي ط‪C‬بيعي»‪ 2.‬فال ميكن الق‪C‬ول إن العل‪C‬وم‬
‫اإلنس‪CC‬انية تس‪CC‬تطيع أن تص‪CC‬ل إىل ق‪CC‬وانني مماثلة لق‪CC‬وانني العل‪CC‬وم الطبيعي‪C‬ة‪ C‬ألن « االعرتاض‪CC‬ات‪ C‬ال‪CC‬يت‬
‫ك‪CC‬انت تق‪CC‬وم وتتج‪CC‬دد ض‪CC‬دا على العل‪CC‬وم االنس‪CC‬انية‪ C‬ق‪CC‬د ك‪CC‬ان مص‪CC‬درها ه‪CC‬ذا النم‪CC‬وذج املنهجي‪.‬‬
‫فح‪CC‬ىت االجتاه‪CC‬ات الفلس‪CC‬فية املثالي‪C‬ة‪ C‬ك‪CC‬انت تلج‪CC‬أ إىل اعتب‪CC‬ار العل‪CC‬وم الفيزيائي‪CC‬ة منوذج‪CC‬ا منهجي‪CC‬ا من‬
‫أج‪CC‬ل أن تق‪CC‬اس العل‪CC‬وم اإلنس‪CC‬انية وتع‪CC‬رتض بن‪CC‬اء على ذل‪CC‬ك على إمك‪CC‬ان قي‪CC‬ام ه‪CC‬ذه العل‪CC‬وم كعل‪CC‬وم‬
‫»‪.3‬‬
‫مث ه‪CC‬ل حيق لن‪CC‬ا احلديث عن تواص‪CC‬ل من‪CC‬اهج الدراس‪CC‬ات األدبي‪CC‬ة م‪CC‬ع من‪CC‬اهج العل‪CC‬وم‬
‫الطبيعية؟ وهل ميكن معاجلة العمل األديب‪ ،‬والفين عموما‪ ،‬معاجلة طبيعية‪ C‬وعلمي‪CC‬ة؟ و ه‪CC‬ل ميكن‬
‫للحقول األدبية أن تساهم يف نشأة املعارف العلمية ؟‪.‬‬
‫إنن‪CC‬ا نتس‪CC‬اءل عن ذل‪CC‬ك ألن ميش‪C‬ال سري يص‪CC‬ف نفس‪CC‬ه بأن‪CC‬ه رحال‪CC‬ة يس‪CC‬افر بني الفن‪CC‬ون‪C‬‬
‫واآلداب والعل ‪CC‬وم وأعمال ‪CC‬ه ام ‪CC‬تزجت بني الفلس ‪CC‬فة والعلم والش ‪CC‬عر وقراءت ‪CC‬ه جلول ف ‪CC‬رين و إمي ‪CC‬ل‬
‫محمد وقيدي‪" :‬العلوم اإلنسانية واإليديولوجيا‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،2011 ،3‬ص‪127:‬‬ ‫‪1‬‬

‫أنظ‪CC‬ر الفلس‪CC‬فة املادي‪CC‬ة وتفكي‪CC‬ك اإلنس‪CC‬ان‪ ،‬عب‪CC‬د الوه‪CC‬اب املس‪CC‬ريي‪ ،‬دار الفك‪CC‬ر املعاص‪CC‬ر للطباع‪CC‬ة والنش‪CC‬ر والتوزي‪CC‬ع‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫دمشق‪ ،‬ط‪ 2002 1‬ص‪. 65 ،64 ،63 ،62 :‬‬


‫محمد وقيدي‪ ،‬فلسفة‪ C‬املعرفة عند باشالر‪ ،‬مرجع سابق ص‪101 :‬‬
‫‪3‬‬

‫‪190‬‬
‫زوال ولوحات تورنر تؤكد ذلك‪.‬‬
‫إن تطور العلوم الطبيعية‪ C‬دفع ببعض نق‪C‬اد األدب إىل ال‪C‬دعوة إلقامة النق‪C‬د األديب على‬
‫أس‪CC‬س وق‪CC‬وانني متاث‪CC‬ل ق‪CC‬وانني العل‪CC‬وم الطبيعي‪CC‬ة يف دقته‪CC‬ا وصرامتها‪ ،‬فتج‪CC‬اوز الناق‪CC‬د األديب ح‪CC‬دود‬
‫األدب ليماث‪CC‬ل ع‪C‬امل الطبيعة‪ .C‬وص‪C‬ار البحث األدبي حبث‪CC‬ا طبيعيا‪ .C‬يك‪C‬ون‪ C‬في‪C‬ه التعام‪C‬ل مع الظ‪C‬اهرة‬
‫من‬ ‫‪‬‬
‫‪)) Saint Boeuf‬‬ ‫األدبي‪CC‬ة تعام‪CC‬ل ع‪CC‬امل الطبيع‪C‬ة‪ C‬م‪CC‬ع الظ‪CC‬اهرة الطبيعي‪CC‬ة‪ .‬وك‪CC‬ان س‪CC‬انت ب‪CC‬وف‬
‫أوائ‪CC‬ل من ن‪CC‬ادوا إىل « إىل دراس‪CC‬ة األدب‪CC‬اء دراس‪CC‬ة علمي‪CC‬ة تق‪CC‬وم على حبوث تفص‪CC‬يلية‪ C‬لعالق‪CC‬اهتم‬
‫بأوط‪CC‬اهنم وأممهم وعص‪CC‬ورهم‪...‬وإذا مت كش‪CC‬ف ذل‪CC‬ك كل‪CC‬ه يف األديب أمكن للم‪CC‬ؤرخ األديب أن‬
‫مييز في‪CC C‬ه بني الف‪CC C‬ردي ال‪CC C‬ذايت واجلم‪CC C‬اعي املش‪CC C‬رتك‪ C‬بين‪CC C‬ه وبني من على ش‪CC C‬اكلته من أدب‪CC C‬اء بيئت‪CC C‬ه‬
‫وعص‪CC‬ره‪ ،‬حبيث ينحى عن‪C‬ه ك‪C‬ل م‪CC‬ا يتص‪C‬ل بفرديت‪C‬ه وذاتيت‪CC‬ه‪ ،‬ح‪C‬ىت يوض‪C‬ع يف مكان‪C‬ه الص‪CC‬حيح من‬
‫األس‪CC‬رة األدبي‪CC‬ة اخلاص‪CC‬ة يف أمت‪CC‬ه‪ ،‬وح‪CC‬ىت يوص‪CC‬ل علمي‪CC‬ا بين‪CC‬ه وبني فص‪CC‬يلته األدبي‪CC‬ة وم‪CC‬ا األدب‪CC‬اء يف‬
‫(‪Bru‬‬
‫‪‬‬
‫رأيه إال فص‪C‬ائل كفص‪C‬ائل النب‪C‬ات واحلي‪CC‬وان‪ .. C‬يف العل‪C‬وم الطبيعية‪ 1» C‬وس‪CC‬ار برونتيري‬
‫‪ ) netière‬يف نفس املسار عندما « حاول أن يطبق ما كتبه دارون عن علم األحياء يف كتابه‬
‫" أصل األنواع"‪ C‬وما رمسه في‪CC‬ه من نظري‪CC‬ة التط‪CC‬ور أو نظري‪CC‬ة النش‪C‬وء واالرتق‪CC‬اء‪ ،‬حماوال أن جيس‪C‬د‬
‫هذه النظرية يف األدب وأنواعه » وهو ال خيتل‪CC‬ف يف ذل‪CC‬ك عن فع‪CC‬ل سبنس‪CC‬ر عن‪CC‬دما استنس‪CC‬خها‬
‫‪2‬‬

‫يف االجتم ‪CC‬اع واألخالق‪ .‬وجتلى أثره ‪CC‬ا يف مؤلف ‪CC‬ه تط ‪CC‬ور األن ‪CC‬واع األدبي ‪CC‬ة‪ .‬حيث وص ‪CC‬فها بأهنا‬
‫تتط ‪CC‬ور وتنم ‪CC‬و وتتك ‪CC‬اثر متدرج ‪CC‬ة زمني ‪CC‬ا من البس ‪CC‬يط إىل املركب ح ‪CC‬ىت تنض ‪CC‬ج وتتالش‪C C‬ى‪ C‬كم ‪CC‬ا‬
‫تتالشى‪ C‬فصائل احليوانات‪C.‬‬

‫ك‪CC‬اتب وناق‪CC‬د فرنس‪CC‬ي (‪ ،)1869-1804‬كتب العدي‪CC‬د من الدراس‪CC‬ات ال‪CC‬يت ك‪CC‬ان هلا ت‪CC‬أثري مهم يف ت‪CC‬اريخ النق‪CC‬د‬ ‫‪‬‬

‫األديب‪ ،‬عرف نقده بالنقد البناء‪ ،‬وكان مبنيًا على التاريخ الطبيعي للفكر‪C‬‬
‫‪1‬‬
‫شوقى ضيف ‪ :‬البحث االدىب طبيعته‪-‬مناهجه‪-‬أصوله‪-‬مص‪CC‬ادره‪ ،‬دار املع‪CC‬ارف‪ ،‬الق‪CC‬اهرة‪ ،‬ط‪ ،1992 C،7‬ص‪:‬‬
‫‪86‬‬
‫ناقد فرنسي (‪)1906 ،1849‬ختصص بكتابة تاريخ األدب وتاريخ النقد‬ ‫‪‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪94‬‬


‫‪2‬‬

‫‪191‬‬
‫وخياصم بعض النقاد ه‪C‬ذا ال‪C‬نزوع انطالق‪C‬ا من التمي‪C‬يز بني العلم واألدب من زاوي‪C‬ة اللغ‪C‬ة‬
‫املستخدمة يف كل منهما‪ .‬إذ مقارنة بسيطة بني اللغة العلمية واللغة األدبية تكشف عن فجوة‬
‫واس‪CC‬عة تفص‪CC‬ل بينهما‪ .‬فاللغ‪CC‬ة األدبي‪CC‬ة لغة اجملاز واالس‪CC‬تعارة‪ C،‬وهلا جانبها اإلش‪CC‬اري‪ .‬ب‪CC‬ل إن‬
‫أما اللغة العلمية‪ ،‬فهي لغة حمايدة وموضوعية ‪.‬‬
‫وبني االجتاه املتش‪CC‬دد يف ال‪CC‬رفض واالجتاه املوغ‪CC‬ل يف التقلي‪CC‬د واحملاك‪CC‬اة حياول ميش‪CC‬ال‬
‫س‪CC C‬ري أن يق‪CC C‬دم رؤي‪CC C‬ة جدي‪CC C‬دة ال جتع‪CC C‬ل من األدب والش‪CC C‬عر دراس‪CC C‬ة علمي‪CC C‬ة وال من العلم أدب‪CC C‬ا‬
‫وشعرا‪ .‬وإمنا هي تشتغل علي بعد التواصل ‪.‬‬
‫ويعتق ‪CC‬د سري« اعتق ‪CC‬ادا راس ‪CC‬خا أن بق ‪CC‬اء العلم وحيويت ‪CC‬ه بال ‪CC‬ذات يعتم ‪CC‬دان على درج ‪CC‬ة‬
‫انفتاح ‪CC‬ه على اآلخ ‪CC‬ر الش ‪CC‬عري بالنس ‪CC‬بة إلي ‪CC‬ه‪ ،‬ف ‪CC‬العلم يس ‪CC‬تمر يف املس ‪CC‬ري فق ‪CC‬ط إذا تلقى إم ‪CC‬دادا و"‬
‫تغذي‪CC‬ة يف الوري‪CC‬د" من مص‪CC‬در م‪CC‬ا‪ ،‬من ش‪CC‬يء معج‪CC‬ز وال ميكن التنب‪CC‬ؤ ب‪CC‬ه‪.‬إن النبض الش‪CC‬عري ه‪CC‬و‬
‫دم احلياة بالنسبة إىل العلم الطبيعي وليس نقمة عليه أو خصما رهيبا‪ .‬الشعر هو السبيل ال‪CC‬ذي‬
‫يس‪CC‬لكه املس‪CC‬افر املنفتح ملا ه‪CC‬و غ‪CC‬ري متوق‪CC‬ع واملس‪CC‬تعد على ال‪CC‬دوام إلقام‪CC‬ة رواب‪CC‬ط غ‪CC‬ري متوقع‪CC‬ة بني‬
‫األماكن واألشياء »‪ 1‬فالشعر مصدر إهلام وإبداع‪ ،‬وهو اعتقاد فلسفي جند له ج‪CC‬ذورا قدمية‬
‫م ‪CC‬ع أرس ‪CC‬طو عن ‪CC‬دما خ ‪CC‬الف أس ‪CC‬تاذه أفالط ‪CC‬ون ال ‪CC‬ذي ك ‪CC‬ان يعتق ‪CC‬د أن الش ‪CC‬عر مفسدة للم ‪CC‬واطن‬
‫الصاحل ألنه ينمي عاطفة اخلوف والشفقة‪ .‬لكن أرس‪C‬طو خالفه واعت‪C‬ربه أداة لإع‪C‬ادة بن‪C‬اء الواق‪C‬ع‬
‫والتنبؤ به‪.‬‬
‫ويق‪CC‬دم لن‪CC‬ا فيلس‪CC‬وف التواص‪CC‬ل ش‪C‬واهد كث‪CC‬رية من ت‪C‬اريخ العلم ليؤك‪CC‬د وجاه‪C‬ة رؤيت‪CC‬ه‪ .‬إذ يع‪ّ C‬د‬
‫تيت ‪CC‬وس لوكري ‪CC‬تيوس كواح ‪CC‬داً من كب ‪CC‬ار الش ‪CC‬عراء والفالس ‪CC‬فة الروم ‪CC‬ان وص ‪CC‬احب س ‪CC‬بق يف توق ‪CC‬ع‬
‫إط‪CC‬ار الفيزي‪CC‬اء احلديث‪CC‬ة وذل‪CC‬ك من خالل قص‪CC‬يدته املطول‪CC‬ة " يف طبيع‪CC‬ة األش‪CC‬ياء"‪ .‬إن « كت‪CC‬اب‬
‫طبيعة‪ C‬األشياء قد اعترب تقليديا قطعة ش‪C‬عرية تك‪C‬اد ال متت بص‪C‬لة إىل العلم احلديث‪ .‬ولكن س‪C‬ري‬
‫حياجج ق ‪CC C C‬ائال‪ :‬إن ‪CC C C‬ه من الواض ‪CC C C‬ح أن االض ‪CC C C‬طراب بك ‪CC C C‬ل أنواع‪C C C C‬ه‪ C‬أساس ‪CC C C‬ي بالنس ‪CC C C‬بة إىل نظ ‪CC C‬ام‬

‫ص‪185:‬‬ ‫جون ليشته‪ ،‬مخسون مفكرا أساسيا معاصرا‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪192‬‬
‫لوكريتيوس‪.‬‬
‫إن فك ‪CC C‬رة ال ـــ " كلين ‪CC C‬امن" (‪ )clinamen‬أي تغي‪CC C‬ريات المتناهي‪C C C‬ة‪ C‬يف مس ‪CC C‬ار اجلس‪CC C‬م أو‬
‫الش ‪CC‬يء‪ -‬ال ‪CC‬يت يطرحه ‪CC‬ا لوك ‪CC‬رتيوس تس ‪CC‬تبق نظري ‪CC‬ة األنثروبي ‪CC‬ا‪ ،‬أو الال ت ‪CC‬رتيب‪ ،‬ال ‪CC‬يت ظه ‪CC‬رت يف‬
‫الفيزياء احلديثة » ففي ثنايا قصيدة شعرية قدمية عششت أفكار علمية أثبتها العلم احلديث «‬ ‫‪1‬‬

‫فيزي ‪CC‬اء لوكري ‪CC‬تيوس تس ‪CC‬تجيب لك ‪CC‬ل مق ‪CC‬اييس الفيزي ‪CC‬اء‪ .‬على األق ‪CC‬ل تل ‪CC‬ك ال ‪CC‬يت فكرن ‪CC‬ا فيه ‪CC‬ا من ‪CC‬ذ‬
‫العص‪CC‬ر الكالس‪CC‬يكي‪ .‬إهنا تتن‪CC‬اول النم‪CC‬اذج‪ ،‬الب‪CC‬ىن‪ ،‬خالص‪CC‬ية‪ ،‬ترييض‪CC‬ها للمك‪CC‬ان‪ ،‬دقيق‪CC‬ة‪ ،‬وفائه‪CC‬ا‬
‫لألش‪CC‬ياء يف ذاهتا ميحص يف التجربة »‪ 2‬إن ه‪CC‬ذا الكت‪CC‬اب‪ C‬اش‪CC‬تمل قص‪CC‬يدة ش‪CC‬عرية‪ ،‬لكنه‪CC‬ا تنبض‬
‫علم ‪CC‬ا‪ .‬ح‪CC‬ىت إن س ‪CC‬ري يق ‪CC‬ر بإمكاني ‪CC‬ة اس ‪CC‬تخراج ن ‪CC‬وع من الرياض ‪CC‬يات من ه ‪CC‬ذا الكت ‪CC‬اب‪ C‬الش ‪CC‬عري‬
‫الذي ينتمي إىل القرن األخري قبل امليالد‪.‬‬
‫وإذا عدنا إىل باشالر لوجدنا إنتاجا شعريا وأدبيا باإلضافة إىل إنتاجه االبستمولوجي‪.‬‬
‫حيث أغ‪CC‬ىن مس‪CC‬اره بمؤلف‪CC‬ات يف الإب‪CC‬داع الف‪CC‬ين من قبي‪CC‬ل التحلي‪CC‬ل النفس‪CC‬ي للن‪CC‬ار‪ ،‬املاء واألحالم‬
‫مجالي ‪CC C‬ات املك ‪CC C‬ان‪ ،‬ش ‪CC C‬اعرية أحالم اليقظـة‪ .‬فباش ‪CC C‬الر كم ‪CC C‬ا يق ‪CC C‬ول االبس ‪CC C‬تمولوجي الفرنس ‪CC C‬ي‬
‫فرانس ‪CC‬وا داغ ‪CC‬وين ك ‪CC‬ان عاملا ابس ‪CC‬تومولوجيا‪ C‬م ‪CC‬ع العلم ‪CC‬اء وأديب ‪CC‬ا ش ‪CC‬اعرا م ‪CC‬ع الش ‪CC‬عراء فهل ميكن‬
‫اعتب‪CC‬ار هذا التوجه نزع‪CC‬ة اتص‪CC‬الية أفقي‪CC‬ة بني الش‪CC‬عر والعلم‪ ،‬مثلم‪CC‬ا أراده ميش‪CC‬ال س‪CC‬ري ؟ يف ذل‪CC‬ك‬
‫يق‪CC‬ول باش‪CC‬الر يف مؤلف‪CC‬ه التحلي‪CC‬ل النفس‪CC‬ي للن‪CC‬ار‪ « :‬حمور الش‪CC‬عر وحمور العلم مها قب‪CC‬ل ك‪CC‬ل ش ‪C‬ئ‬
‫حموران متعاكس‪CC‬ان‪ C‬يف مب‪CC‬دأ األم‪CC‬ر‪ ،‬وال‪CC‬ذي تطمح الفلس‪CC‬فة إلي‪CC‬ه ه‪CC‬و أن جتع‪CC‬ل من الش‪CC‬عر والعلم‬
‫مكمال أح‪CC‬دمها لآلخ‪CC‬ر‪ ،‬وأن توح‪CC‬د بينهم‪CC‬ا باعتبارمها نقيض‪CC‬ني ت‪CC‬امني »‪ 3‬فنحن أم‪CC‬ام فيلس‪CC‬وف‬
‫العلم ال‪CC C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C‬ذي ش‪َ C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C‬كلته الرياض‪CC C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C‬يات‬

‫ص‪185 :‬‬ ‫املرجع السابق‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪Serres, michel. La naissance de la physique dans le tete de lucrèce, fleuves et‬‬
‫‪turbulences, Collection Critique, ed.minuit. paris. 1977.p 167.‬‬
‫ط ‪،1‬‬ ‫باش‪CC‬الر‪ ،‬غاس‪CC‬تون‪ ،‬الن‪CC‬ار يف التحلي‪CC‬ل النفس‪CC‬ي ‪ ،‬ترمجة هناد خياط‪CC‬ة‪ ،‬دار األن‪CC‬دلس للطباع‪CC‬ة والنش‪CC‬ر والتوزي‪CC‬ع‪C،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،1984‬بريوت لبنان‪ ،‬ص ‪6‬‬

‫‪193‬‬
‫وص ‪CC C‬هرته التج ‪CC C‬ارب العلمي ‪CC C‬ة يف الفيزياء والكيميا‪C‬ء‪ ،‬يف ذات ال ‪CC C‬وقت يتع ‪CC C‬اطى‪ C‬الأدب والش ‪CC C‬عر‬
‫وعـد التخي ‪CC‬ل الش ‪CC‬عري ذا أمهي ‪CC‬ة فلس ‪CC‬فية كب ‪CC‬رية‪ .‬وال أدل على ذل ‪CC‬ك‬
‫ويس ‪CC‬رح ب ‪CC‬ه اخلي ‪CC‬ال‪ ،‬ب ‪CC‬ل َ‬
‫« نص ‪CC‬وص الش ‪CC‬عراء واالستش ‪CC‬هاد بأنس ‪CC‬قتهم‪ ،‬وك ‪CC‬ان ص ‪CC‬ديقا كب ‪CC‬ريا هلم وقارئ ‪CC‬ا‬ ‫توظيفه‪C‬‬
‫جي ‪CC‬دا وم ‪CC‬دمنا ملت ‪CC‬وهنم »‪ 1‬وكتاب ‪CC‬ه األخ ‪CC‬ري (ش ‪CC‬اعرية أحالم اليقظ ‪CC‬ة) تض ‪CC‬من دع ‪CC‬وة ص ‪CC‬رحية إىل‬
‫التخلص من مجيع القيود اليت حت ّد من تذوقنا للشعر واإلبداع عموم‪C‬اً ولكن دون أن خيل‪CC‬ط بني‬
‫األم‪CC‬رين‪ .‬ويف ذل‪CC‬ك اختل‪CC‬ف س‪CC‬ري عن باش‪CC‬الر فشخص‪CC‬ية ه‪CC‬رمس ال‪CC‬يت يتقمص‪CC‬ها ميش‪CC‬ال سري‬
‫كاس ‪CC‬رة لك ‪CC‬ل احلدود « الوس ‪CC‬طاء ه ‪CC‬رمس‪ ،‬املالئك ‪CC‬ة‪ C،‬أن ‪CC‬ا‪ ،‬باعتبارن ‪CC‬ا وس ‪CC‬طاء بني العل ‪CC‬وم‪ ،‬وبني‬
‫العلوم واآلداب‪ ،‬فنحن مظطرون للتحليق حول هذه املعامل »‪.2‬‬
‫إن اخ‪CC‬رتاق احلدود بني العل‪CC‬وم الدقيق‪CC‬ة والعل‪CC‬وم اإلنس‪CC‬انية‪ C‬امت‪CC‬د أث‪CC‬ره وفتح اآلف‪CC‬اق لتفك‪CC‬ري‬
‫فلس‪CC‬في ح‪CC‬ول م‪CC‬آل العلم وآث‪CC‬اره على اإلنس‪CC‬ان‪ C‬والطبيع‪CC‬ة ‪ .‬أو م‪CC‬ا يع‪CC‬رف ب‪CC‬التفكري اإليكولوج‪CC‬ىي‬
‫أو أخالق البيئ‪CC C‬ة‪ C.‬إن العب‪CC C‬ور حنو العل‪CC C‬وم اإلنس‪CC C‬انية‪ C‬ج‪CC C‬اء « ليس‪CC C‬تكمل حتلي‪CC C‬ل األزم‪CC C‬ة البيئي‪CC C‬ة‪C،‬‬
‫فيتجلى يف نشوء حبوث وفروع معرفية جديدة تت‪C‬داخل‪ ،‬يف إطاره‪C‬ا العل‪C‬وم اإلنس‪C‬انية‪ C‬واملف‪C‬اهيم‬
‫االيكولوجي ‪CC C‬ة فنش ‪CC C‬أ مثال علم النفس البي ‪CC C‬ئي واالقتص ‪CC C‬اد البي ‪CC C‬ئي‪ C‬والت ‪CC C‬اريخ البي ‪CC C‬ئي والدراس‪CC C‬ات‬
‫الالهوتية اإليكولوجية والنقد اإليكولوجي‪ C‬وغريها »‪.3‬‬
‫فاألخالقي‪CC‬ات البيئي‪CC‬ة هي املس‪CC‬لك ال‪CC‬ذي جعل‪CC‬ه ميش‪CC‬ال س‪CC‬ري مطلب‪CC‬ا ض‪CC‬روريا يف مس‪CC‬رية‬
‫العلم املعاص‪CC‬ر‪ .‬ويف ه‪CC‬ذا الس‪CC‬ياق أع‪CC‬اب على باش‪CC‬الر إمهال‪CC‬ه هلذا املطلب ب‪CC‬الرغم من أن‪CC‬ه عاص‪CC‬ر‬
‫ح‪CC C‬ربني كوني‪CC C‬تني م‪CC C‬دمرتني «ال نس‪CC C‬تطيع ىف تل‪CC C‬ك احلقب‪CC C‬ة العم‪CC C‬ل يف الفيزي‪CC C‬اء والص‪CC C‬مت عن‬
‫الضجيج الكوين‬
‫هلريوش ‪CC‬يما‪ .‬ىف حني االبس ‪CC‬تمولوجيون التقلي ‪CC‬ديون‪ C‬مل يط ‪CC‬رح األس ‪CC‬ئلة ح ‪CC‬ول العالق ‪CC‬ة بني العلم‬
‫سعيد بوخليط‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪185‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪S.michel, ECLAIRCISSEMENTS, op cit, p 100‬‬
‫مايكل زميرمان‪ ،‬الفلسفة البيئية من حقوق احليوان إىل اإليكولوجيا اجلذرية ‪ ،‬تر‪ :‬معني شفيق رومية‪ ،‬سلسلة عامل‬ ‫‪3‬‬

‫املعرفة ج‪ ،1‬المجلس الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ، ،2006 ،‬ص ‪9‬‬

‫‪194‬‬
‫والعن ‪CC‬ف" ونس ‪CC‬تطيع الق ‪CC‬ول أن األخالقي ‪CC‬ات البيئي‪C C‬ة‪ C‬تتح ‪CC‬ول م ‪CC‬ع س ‪CC‬ري من أهم مسات الفك ‪CC‬ر‬ ‫‪1‬‬

‫العلمي والفلس‪CC C‬في املعاص‪CC C‬ر هبدف مواجه‪CC C‬ة التح‪CC C‬ديات اجلدي‪CC C‬دة املرتبط‪CC C‬ة ب‪CC C‬التطور الس‪CC C‬ريع‬
‫واملتزاي ‪CC‬د للتكنولوجي ‪CC‬ات‪ C‬ال ‪CC‬يت هتدد اإلنس ‪CC‬ان‪ ،‬والبيئ ‪CC‬ة‪ C،‬والتن ‪CC‬وع‪ C‬ال ‪CC‬بيولوجي‪ C،‬وك ‪CC‬وكب األرض‬
‫بأس‪CC C C‬ره « إن الواق‪CC C C‬ع ال‪CC C C‬ذي تدرس‪CC C C‬ه االيكولوجي‪CC C C‬ا … يش‪CC C C‬مل العالق‪CC C C‬ات املتبادل‪CC C C‬ة بني ثالثة‬
‫مس‪CC‬تويات متداخل‪CC‬ة‪:‬املس‪CC‬توى املادي (العناص‪CC‬ر املادي‪CC‬ة يف الطبيع‪CC‬ة) واملس‪CC‬توى احلي ( الكائن‪CC‬ات‬
‫احلي‪CC‬ة) ومس‪CC‬توى الإنس‪CC‬ان ال‪CC‬ذي انبث‪CC‬ق ب‪CC‬التوازي م‪CC‬ع م‪CC‬ا يس‪CC‬مى عص‪CC‬ر اإلنس‪CC‬ان‪ ... C‬وارتباط‪CC‬ا م‪CC‬ع‬
‫تعقيد الواق‪CC‬ع االيكول‪CC‬وجي‪ C‬م‪CC‬ر التفك‪C‬ري يف األزم‪CC‬ة البيئي‪C‬ة‪ C،‬س‪C‬عيا يف س‪CC‬بيل فهمه‪CC‬ا ودرء لعواقبه‪CC‬ا‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫بثالث مراحل‪ ،‬اخضرار العلوم واخضرار الدراسات اإلنسانية‪ ،‬واخضرار الفلسفة »‬
‫ول ‪CC C‬ذلك ي ‪CC C‬راقب س ‪CC C‬ري ش ‪CC C‬ىت مفاص ‪CC C‬ل احلي ‪CC C‬اة ال ‪CC C‬يت نعيش ‪CC C‬ها‪ .‬يرص ‪CC C‬د املالحظ ‪CC C‬ات وي‪CC C‬دون‬
‫اإلحص ‪CC C C‬ائيات والبيان ‪CC C C‬ات‪ C‬يف االقتص‪CC C C‬اد والسياس‪CC C C‬ة والبيئ‪CC C C‬ة والتعليم والعالق ‪CC C C‬ات االجتماعي‪CC C C‬ة‬
‫واألخالق واجلم‪CC‬ال وغ‪CC‬ري ذلك‪ .‬ويف مثانيني‪CC‬ات الق‪CC‬رن املاض‪CC‬ي مت االع‪CC‬رتاف على نط‪CC‬اق واس‪CC‬ع‪،‬‬
‫بت ‪CC‬دهور البيئ ‪CC‬ة نتيج ‪CC‬ة للت ‪CC‬أثري الس ‪CC‬ليب لألنش ‪CC‬طة البش ‪CC‬رية على تن ‪CC‬وع الكائن ‪CC‬ات احلي ‪CC‬ة‪.‬فجاءالبع ‪CC‬د‬
‫األخالقي لإلش‪CC‬كاليات البيئي‪CC‬ة يُع‪CC‬ىن بطريق‪CC‬ة التعام‪CC‬ل م‪CC‬ع ه‪CC‬ذه التح‪CC‬ديات إنطالق‪CC‬ا « من جمموع‪CC‬ة‬
‫من القواع‪CC‬د األخالقي‪CC‬ة العملي‪CC‬ة اجملالي‪CC‬ة‪ ،‬ال‪CC‬يت تس‪CC‬عى لتنظيم املمارس‪CC‬ة داخ‪CC‬ل خمتل‪CC‬ف مي‪CC‬ادين العلم‬
‫والتكنولوجي‪CC C‬ا وم‪CC C‬ا يرتب‪CC C‬ط هبا من أنش‪CC C‬طة اجتماعي‪CC C‬ة واقتص‪CC C‬ادية ومهني‪CC C‬ة‪ C،‬كم‪CC C‬ا حتاول أن حتل‬
‫املشاكل األخالقية اليت تطرحها تل‪CC‬ك املي‪CC‬ادين‪ ،‬ال انطالق‪CC‬ا من مع‪CC‬ايري أخالقي‪CC‬ة ج‪CC‬اهزة ومطلق‪CC‬ة‪،‬‬
‫ب‪CC C‬ل اعتم‪CC C‬ادا على م‪CC C‬ا يتم التوص‪CC C‬ل إلي‪CC C‬ه بواس‪CC C‬طة الت‪CC C‬داول والتواف‪CC C‬ق‪ C،‬وعلى املعاجلة األخالقي‪CC C‬ة‬
‫للحاالت اخلاصة واملعقدة أو املستعصية» ‪  ‬مبعىن هي فلسفة جديدة تتص‪CC‬ور اإلنس‪CC‬ان يف إط‪CC‬ار‬
‫‪3‬‬

‫وض‪CC C‬ع اجتم‪CC C‬اعي وثق‪CC C‬ايف وبي‪CC C‬ئي مت‪CC C‬أزم‪ ،‬وحتاول أن تق‪CC C‬دم رؤي‪CC C‬ة جدي‪CC C‬دة لإلنس‪CC C‬ان يف عالقت ‪CC‬ه‬
‫مبحيطه البيئي‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪S.michel, ECLAIRCISSEMENTS, op cit, p30‬‬
‫مايكل زميرمان‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪10‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪www.alihyaa.ma‬‬ ‫عمر بوفتاس‪ ،‬األخالقيات التطبيقية ومسألة القيم‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪195‬‬
‫لقد كتب ميش‪C‬ال س‪C‬ري العق‪C‬د الط‪C‬بيعي‪ ،C‬وه‪C‬و املؤل‪C‬ف ال‪C‬ذي أخ‪C‬ذ في‪C‬ه على عاتق‪C‬ه مهم‪C‬ة حتلي‪C‬ل‬
‫اجلوانب‪ C‬الفلسفية لألزم‪C‬ة البيئي‪CC‬ة‪ ،‬وط‪C‬رح يف ه‪CC‬ذا الس‪CC‬ياق س‪C‬ؤاال مركزي‪C‬ا ه‪CC‬و‪ :‬م‪CC‬ا م‪C‬دى حاجتن‪CC‬ا‬
‫– حنن البشر إىل فهم جديد لعالقتنا مع العامل الطبيعي‪ C‬يف عصر التدهور البيئي‪ C‬الذي نعيش‪CC‬ه؟‬
‫واملالحظ أن أهم تي‪CC‬ارات الفلس‪CC‬فة البيئي ‪C‬ة‪ C‬ترك‪CC‬زت خصوص‪CC‬ا يف الع‪CC‬امل األجنلوساكس‪CC‬وين ال‪CC‬ذي‬
‫يعت ‪CC‬رب رائ ‪CC‬دا يف ه ‪CC‬ذا املي ‪CC‬دان عكس املدرس ‪CC‬ة الفرنس ‪CC‬ية ال ‪CC‬يت مل ت ‪CC‬ول اهتمام ‪CC‬ا للموض ‪CC‬وع إال يف‬
‫السنوات‪ C‬األخرية حتت تأثري "السبق األجنلوساكسوين"‪ ،‬ورفع لوائها‪ C‬الفيلسوف ميشال سري‪.‬‬
‫وتعود كلمة بيئة (‪ )Ecologie‬إىل الكلمة «اليونانية (‪(  )Oikes‬منزل األسرة)‬
‫ونق ‪CC‬ل داللته ‪CC‬ا إىل ك ‪CC‬وكب األرض باعتب ‪CC‬اره منزلن ‪CC‬ا حنن البش ‪CC‬ر وك ‪CC‬ان املص ‪CC‬طلح يش ‪CC‬ري إىل ه ‪CC‬ذا‬
‫املي‪CC C‬دان‪ C‬اجلدي‪CC C‬د من البحث ال‪CC C‬بيولوجي‪ C‬ال‪CC C‬ذي يتن‪CC C‬اول العالق‪CC C‬ات ال‪CC C‬يت ترب‪CC C‬ط عناص‪CC C‬ر ك ‪CC‬وكب‬
‫األرض»‪ 1‬فاملص‪CC C‬در االش‪CC C‬تقاقي يون‪CC C‬اين وقص‪CC C‬د ب‪CC C‬ه اليون‪CC C‬انيون‪ C‬ال‪CC C‬بيت أو املنزل‪ ،‬لكن يف س ‪CC‬نة‬
‫‪1866‬م سيقوم عامل اإلحياء‪ C‬األملاين إرنست هيكل (‪  )Ernest Haeckel‬برتمجة علم‬
‫البيئ ‪CC C‬ة إىل إيكولوجي‪C C C‬ا‪ C‬بع ‪CC C‬د دجمه للكلم ‪CC C‬تني اإلغريقي ‪CC C‬تني‪ )Oikes(   ‬ال ‪CC C‬يت تع ‪CC C‬ين املس‪CC C‬كن و (‬
‫‪ )Logos‬ال‪CC C‬يت تع‪CC C‬ين علم ومن هن‪CC C‬ا فعلم البيئ‪CC C‬ة ه‪CC C‬و العلم ال‪CC C‬ذي يبحث يف الكائن‪CC C‬ات احلي ‪CC‬ة‬
‫وعالقتها‪ C‬باحمليط الذي تعيش فيه مثل املناخ واهلواء واملوقع اجلغرايف ‪ .‬وإذا ك‪C‬انت أص‪C‬ل كلم‪C‬ة‬
‫بيئة تعين املنزل فإهنا تطرح مفارقة عند اإلنسان املعاصر وهو غياب الوعي‪ C‬باملخاطر ال‪CC‬يت هتدد‬
‫البيئة‪ C‬اخلارجية‪ .‬ومن هنا ارتسم السؤال الفلسفي ألخالق البيئة‪C.‬‬
‫إن فهم أص‪CC C‬ول األزم‪CC C‬ة البيئي ‪C C‬ة‪ C‬الراهن‪CC C‬ة مير ع‪CC C‬رب الع‪CC C‬ودة اىل اللحظ‪CC C‬ة الفلس‪CC C‬فية التأسيس‪CC C‬ية‬
‫للعصور احلديثة مع ديكارت‪ ،‬والذي خط شعار السيطرة على الطبيعة حبثا عن سيادة إنس‪CC‬انية‬
‫يف الك ‪CC‬ون اعتق ‪CC‬ادا من ‪CC‬ه أن ك ‪CC‬ل ممارس ‪CC‬ة نظري ‪CC‬ة أو عملي ‪CC‬ة تنس ‪CC‬جم م ‪CC‬ع حرك ‪CC‬ة الك ‪CC‬ون ونظامه‪.‬‬
‫وبت ‪CC‬أثري من التط ‪CC‬ور التكنول ‪CC‬وجي ازده ‪CC‬رت احلض ‪CC‬ارة الغربية وظه ‪CC‬رت املدن الك ‪CC‬ربى الص ‪CC‬ناعية‬
‫كبيئة‪ C‬جديدة مضادة للبيئة الطبيعي‪C‬ة‪ .‬وت‪CC‬رتب عن ذل‪CC‬ك خط‪C‬ر يته‪C‬دد اإلنس‪CC‬ان املعاص‪CC‬ر يف حميطه‬

‫مايكل زميرمان‪ ،‬مرجع سابق ص ‪9‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪196‬‬
‫‪ ،‬وهو ما عرب عنه إدغ‪C‬ار م‪C‬وران‪ C)Morin  Edgar( ‬بـــقوله ـ " إن اهليمن‪C‬ة اجلاحمة للتقني‪C‬ة‪ C‬على‬
‫الطبيعة‪ C‬تق ‪CC‬ود اإلنس ‪CC‬انية حنو االنتح ‪CC‬ار‪  " C‬إن اإلنتح ‪CC‬ار أخ ‪CC‬ذ أبش ‪CC‬ع ص ‪CC‬وره يف أك ‪CC‬ثر من مث ‪CC‬ال‬
‫‪1‬‬

‫كحادثة تشرنوبل النووية‪ C‬حيث تويف العديد من األشخاص متأثرين باإلشعاع النووي‪  ‬وقبلها‬
‫التفج‪CC C‬ريات النووي ‪C C‬ة‪ C‬يف هريوش‪CC C‬يما ورق‪CC C‬ان اجلزائري‪CC C‬ة‪ .‬وبينت اإلحص‪CC C‬ائيات اإليكولوجي‪CC C‬ة أن‬
‫مع‪CC‬دل انق‪CC‬راض احليوان‪CC‬ات‪ C‬ق‪CC‬د ارتف‪CC‬ع أربع‪CC‬ون‪ C‬م‪C‬رة عم‪CC‬ا ك‪CC‬ان علي‪CC‬ه األم‪CC‬ر من قب‪CC‬ل وي‪CC‬رتاءى لن‪CC‬ا «‬
‫أن موض‪CC‬ع ترك‪CC‬يز االيكولوجي‪CC‬ا ه‪CC‬و العالق‪CC‬ات‪ ،‬ومن خالل ه‪CC‬ذا املنظ‪CC‬ور ت‪CC‬رى أن األزم‪CC‬ة البيئي‪CC‬ة‬
‫تعرب خلل ( اظطراب‪/‬تص‪C‬دع‪/‬خترب‪/‬دم‪CC‬ار) يف العالق‪CC‬ات الداخلي‪C‬ة للنط‪CC‬اق االيكول‪C‬وجي »‪ 2‬إن‬
‫منظري الايكولوجي‪CC C C‬ا يؤك‪CC C C‬دون على ض‪CC C C‬رورة اإلس‪CC C C‬راع يف إع‪CC C C‬ادة بن‪CC C C‬اء العالقة بني اإلنس ‪CC C‬ان‬
‫ومحيط ‪C‬ه ويك‪CC‬ون‪ C‬ذل‪CC‬ك عرب خماطبة ال‪CC‬وعي اإلنس‪CC‬اين ورفض الذهني ‪C‬ة‪ C‬الفرداني‪CC‬ة املتمرك‪CC‬زة ح‪CC‬ول‬
‫الذات (‪. )égocentrique‬‬
‫ومتت‪CC‬د احملاول‪CC‬ة إىل إحي‪CC‬اء ال‪CC‬وعي‪ C‬اإلنس‪CC‬اين ورسم أخالق جدي‪CC‬دة يش‪CC‬رتك فيه‪CC‬ا اجلمي‪CC‬ع‬
‫ميكنها أن تتج‪CC‬اوز تناقض‪C‬ات االنتم‪C‬اءات اإليديولوجية‪ C‬واملذهبي‪CC‬ة‪ .‬وص‪CC‬وال إىل إدراك أن مص‪C‬ري‬
‫الف‪CC‬رد يف الع‪CC‬امل مير بالض‪CC‬رورة ع‪CC‬رب قبول‪CC‬ه االرتب‪CC‬اط‪  ‬بالطبيع‪CC‬ة يف كليتها‪ .‬ل‪CC‬ذلك يعت‪CC‬رب الكث‪CC‬ري من‬
‫ِّ‬
‫املفكرين البيئيني أننا على مفرتق حاسم يف فهمن‪CC‬ا الت‪CC‬ارخيي للطبيع‪CC‬ة‪ .‬وح‪CC‬ىت جنت‪CC‬از عص‪CC‬ر الت‪CC‬أزم‬
‫البيئي ال بد أن هنجر التصورات‪ِ C‬‬
‫املفتق‪CC‬رة عن الطبيع‪C‬ة‪ C‬املوروث‪CC‬ة عن الفلس‪CC‬فة الغربي‪C‬ة‪ ،‬ال‪CC‬يت متتل‪CC‬ك‬
‫نظ‪CC‬رة « ال تنس‪CC‬جم م‪CC‬ع أخالق بيئية‪ ،‬فالطبيع‪CC‬ة وف ًق‪CC‬ا هلا تُع‪Cُّ C‬د ملكي‪CC‬ة حص‪CC‬رية لإلنس‪CC‬ان وننتق‪CC‬ل‬
‫إىل صياغة أغىن وأكثر إرواءً من الوجهة الروحية‪ ،‬للعامَل الطبيعي وملكانتنا‪ C‬فيه » ‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫(‪L’écologie‬‬ ‫إن أب ‪CC C‬رز قض ‪CC C‬ايا الفلس ‪CC C‬فة البيئي‪C C C‬ة‪ C‬ه ‪CC C‬و مفه ‪CC C‬وم اإليكولوجي ‪CC C‬ا العميقة‬

‫فيلسوف وعامل اجتماع فرنسي معاصر‪ ،‬له مشروع ابس‪C‬تمولوجي يع‪C‬رف بابس‪C‬تمولوجيا التعقيد واليت تق‪C‬دم لنا‬ ‫إدغار موران‪،)1921(،‬‬ ‫‪‬‬

‫إطاراً عقالنياً لدراسة تنوع كبري من الظاهرات‪.‬‬


‫‪1‬‬
‫ادغار موران‪ ،‬تربية املستقبل‪ ،‬تر‪ ،‬عزيز لزرق ومنري احلجوجي‪ ،‬دار توبقال‪ ،‬املغرب‪ ،‬ط‪ 2002 ،1‬ص‪64‬‬
‫مايكل زميرمان‪ ،‬مرجع سابق ص ‪10‬‬ ‫‪2‬‬

‫املرجع السابق‪ ،‬ص‪43‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪197‬‬
‫عن‪CC‬دما‬ ‫‪1973‬‬ ‫‪ ،)profonde‬وهي حرك‪CC‬ة بيئي‪CC‬ة أطلقه‪CC‬ا الفيلس‪CC‬وف ال‪CC‬نروجيي "آرين ن‪CC‬ايس" ع‪CC‬ام‬
‫ت مص‪CC C‬طلح "اإليكولوجي‪CC C‬ا العميق‪CC C‬ة" وس‪CC C‬اعد على إعطائ‪CC C‬ه أسا ًس ‪C C‬ا نظريًّا‪ .‬وتص‪CC C‬ف نفس ‪CC‬ها‬
‫حَنَ َ‬
‫بـ"العم‪CC C‬ق"؛ ألهنا تط‪CC C‬رح أس‪CC C‬ئلة أعم‪CC C‬ق عن مكان‪CC C‬ة احلي‪CC C‬اة اإلنس‪CC C‬انية‪ C.‬وهي تق‪CC C‬وم على مب ‪CC‬دأين‬
‫تبصر علمي يف ترابط منظومات احلياة كاف‪CC‬ة على األرض‪ ،‬إىل ج‪CC‬انب‬
‫أساسيني ‪ :‬أحدمها‪ :‬هو ُّ‬
‫فك ‪CC C‬رة أن املركزي ‪CC C‬ة البش ‪CC C‬رية ‪ ‬طريق ‪CC C‬ة غ ‪CC C‬ري موفَّق ‪CC C‬ة يف رؤي ‪CC C‬ة األش ‪CC C‬ياء‪ .‬ويق ‪CC C‬ول اإليكولوجي‪CC C‬ون‪C‬‬
‫‪C‬جاما م‪CC‬ع حقيق‪CC‬ة‬
‫‪C‬ف أك‪CC‬ثر انس‪ً C‬‬
‫العميق‪CC‬ون ب‪CC‬أن موق ًف‪CC‬ا إيكومركزيًّا ‪ écocentrique‬ه‪CC‬و موق‪ٌ C‬‬
‫متام‪CC‬ا يف الك ‪CC‬ون‪ C‬ي ‪CC‬رون‬
‫طبيع‪C C‬ة‪ C‬احلي ‪CC‬اة على األرض‪ .‬إهنم‪ ،‬ب ‪CC‬دالً من اعتب ‪CC‬ار البش ‪CC‬ر كش ‪CC‬يء فري ‪CC‬د ً‬
‫البش‪CC‬ر كخي‪CC‬وط ال تتج‪CC‬زأ من نس‪CC‬يج احلي‪CC‬اة‪ .‬واملك‪Cِّ C‬ون الث‪CC‬اين للايكولوجي‪CC‬ا العميق‪CC‬ة ه‪CC‬و م‪CC‬ا يس‪CC‬ميه‬
‫"آرين نايس" حاجة اإلنسان‪ C‬إىل التحقُّق الذايت‪ .‬فبدالً من التماهي مع أنانيَّاتنا‪ ،‬ينبغي‪ C‬علينا أن‬
‫نتعلَّم التماهي‪ C‬مع الشجر واحليوان‪ C‬والنبات‪ ،‬ومع النطاق اإليكول‪C‬وجي كك‪C‬ل‪ .‬وه‪C‬ذا من ش‪C‬أنه‬
‫انسجاما مع ما خيربنا العلم بأنه ضروري من أج‪CC‬ل احلي‪CC‬اة على األرض‪:‬‬
‫ً‬ ‫أن جيعل سلوكنا أكثر‬
‫تضر باألرض‪.‬‬
‫أي أننا ينبغي‪ C‬أن منتنع عن فعل أشياء ُّ‬
‫إن مسألة املنهج يف الفكر العلمي اجلديد تش‪C‬غل ح‪C‬يزا هام‪C‬ا وتط‪C‬رح إش‪C‬كاال فلس‪C‬فيا‬
‫بني النم ‪CC‬وذجني‪ .‬وهي األخ ‪CC‬رى مس ‪CC‬ألة خالفي ‪CC‬ة بامتي ‪CC‬از ت ‪CC‬وجت بنحت مص ‪CC‬طلحي جدي ‪CC‬د من‬
‫ل‪CC C‬دن ميش ‪CC‬ال س ‪CC‬ري‪ ،‬وه‪CC C‬و " لوغان ‪CC‬اليز" أو التحلي ‪CC‬ل املتع‪CC C‬دد األداء يف مقاب‪CC C‬ل التحلي‪CC C‬ل النفس‪C C‬ي‪C‬‬
‫للمعرفة املوضوعية ‪.‬‬

‫التحلي‪CC C C‬ل النفس‪CC C C‬ي للمعرف‪CC C C‬ة املوض ‪CC C‬وعية ( (‪psychanalyse‬‬ ‫من‬ ‫‪/2‬‬

‫للمعرفة( ‪. )loganalyse‬‬ ‫إىل التحليل الشامل‬


‫يس‪CC‬تخدم باش ‪CC‬الر التحلي ‪CC‬ل النفس ‪C‬ي‪ C‬للمعرف‪CC‬ة املوض ‪CC‬وعية‪ C‬كدراس ‪CC‬ة نقدي ‪CC‬ة لتكوٌن املف ‪CC‬اهيم‬
‫العلمي‪CC‬ة وط‪CC‬رق اش‪CC‬تغاهلا‪ C‬وحبث يف العم‪CC‬ل العلمي من داخل‪CC‬ه قص‪CC‬د التخلص من العوائ‪C‬ق‪ C‬الثقافي‪CC‬ة‬

‫‪198‬‬
‫والتغلب‪ C‬على املشكالت واستش‪CC‬راف اآلف‪CC‬اق املنطقي‪CC‬ة وتثمني املكاس‪CC‬ب من القط‪CC‬ائع والث‪CC‬ورات‪C‬‬
‫حيث ال ختفى« االس‪CC C C C‬تعارات الباش‪CC C C C‬الرية من التحلي‪CC C C C‬ل النفس‪CC C C C‬ي‪ ،‬وهي اس‪CC C C C‬تعارات حمدودة‪،‬‬
‫حمددة‪ ،‬تص‪CC‬رف فيه‪CC‬ا ص‪CC‬احبنا حبري‪CC‬ة كاملة »‪ 1‬ول‪CC‬ذلك اس‪CC‬تخدم مف‪CC‬اهيم ه‪CC‬ذا العلم كاإلس‪CC‬قاط‬
‫والكبت والعق ‪CC‬دة والتس ‪CC‬امي‪ C‬يف قراءت ‪CC‬ه ألخط ‪CC‬اء ت ‪CC‬اريخ العلم وك ‪CC‬ان أدات ‪CC‬ه ك ‪CC‬ذلك يف حتلي ‪CC‬ل‬
‫املنظوم ‪CC‬ة املعرفي ‪CC‬ة املتمح ‪CC‬ورة ح ‪CC‬ول الن ‪CC‬ار‪ .‬إذ حيي ‪CC‬ل دائم ‪CC‬ا يف كتابات ‪CC‬ه على املش ‪CC‬تغلني بالتحلي ‪CC‬ل‬
‫النفس‪C C‬ي‪ C‬كفروي ‪CC‬د ران ‪CC‬ك‪ ،‬ألين ‪CC‬دي‪ .‬إال أن اس ‪CC‬تثماره للتحلي ‪CC‬ل الي ‪CC‬ونغي‪ C‬ك ‪CC‬ان أكرب‪ .‬خاص ‪CC‬ة يف‬
‫أعمال‪CC C C C C‬ه ال‪CC C C C C‬يت أعقبت كت‪CC C C C C‬اب الن‪CC C C C C‬ار‪ ،‬حيث وظ‪CC C C C C‬ف منهجي‪CC C C C C‬ا مف‪CC C C C C‬اهيم ‪:‬الالوعي‪ C‬اجلمعي‬
‫األنيموس‪،‬األنيما والنموذج األصلي‪.‬‬
‫إن توظف باشالر التحليل النفسي‪ C‬للمعرفة العلمية هو حماولة لسرب ومعرف‪C‬ة التباطئ‪C‬ات‪C‬‬
‫اليت تعرفها سريورة العمل العلمي‪ .‬واليت ال ترتبط بعجز ملكات التفكري بقدر ارتباطها اجيابي‪CC‬ا‬
‫ب‪CC‬الرأي احملال ه‪CC‬و نفس‪CC‬ه على واق‪CC‬ع الغرائ‪CC‬ز ال‪CC‬يت جيب حتليله‪CC‬ا نفس‪CC‬يا‪ .‬فهي تتق‪CC‬دم يف املمارس‪CC‬ة‬
‫العلمي‪CC C‬ة مقنع‪CC C‬ة ومتخفي‪CC C‬ة يف مق‪CC C‬والت فلس‪CC C‬فية « فك‪CC C‬ل املق‪CC C‬والت‪ C‬الك‪CC C‬ربى لفلس‪CC C‬فة الفالس ‪CC‬فة‬
‫تتع ‪CC C C‬اقب‪ C‬في ‪CC C C‬ه كرتمجات‪ ،‬مطه ‪CC C C‬رة يف جترده ‪CC C C‬ا لغرائ ‪CC C C‬ز أولية بس ‪CC C C‬يطة‪ :‬الواق ‪CC C C‬ع‪ ،‬اجلوهر احلي ‪CC C‬اة‬
‫النفس‪...‬فهي‪ ،‬يف تعاقبها عرب فص‪C‬ول الكت‪CC‬اب‪ ،‬هتي‪C‬أ وتس‪C‬اعد وت ّ‪C‬ؤمن إنس‪C‬الل موج‪C‬ودات اللي‪CC‬ل‬
‫يف النهار املضي‪ C‬للعمل العلمي»‪.2‬إن العلماء هلم فلسفة أخ‪CC‬ري غ‪CC‬ري العلمي‪CC‬ة‪ ،‬فلس‪CC‬فة الفالس‪CC‬فة‪C،‬‬
‫ويص‪CC‬فها لوك‪CC‬ور بالليلي‪CC‬ة ألهنا تن‪CC‬دس يف ال‪CC‬وعي كرواس‪CC‬ب غ‪CC‬ري معلن‪CC‬ة لكنه‪CC‬ا تع‪CC‬رتض س‪CC‬ريورة‬
‫املمارسة العلمية‪.‬‬
‫لكن ميشال سري ينتقد منهج التحليل النفسي للمعرفة املوضوعية اليت أورده‪CC‬ا باش‪CC‬الر يف‬
‫كتاب تكوين الفكر العلمي « فبواس‪C‬طة ث‪C‬ين كلم‪C‬ة حتلي‪CC‬ل نفس‪C‬ي‪ ،‬ف‪C‬إن ك‪C‬ل املوروث األخالقي‬
‫ه‪CC‬و ال‪CC‬ذي سيتس‪CC‬ارع إىل ال‪CC‬ربوز‪ .‬ولنقله‪CC‬ا بكيفي ‪C‬ة‪ C‬واض‪CC‬حة ومباش‪CC‬رة‪ :‬ليس هن‪CC‬اك كلم‪CC‬ة واح‪CC‬دة‬

‫حممد هشام‪ ،‬تكوين مفهوم‪ C‬املمارسة االبستمولوجية عند باشالر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪211‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪D.lecourt, Bachelard, le jour et la nuit, op.cit, p;126‬‬

‫‪199‬‬
‫من التحلي‪CC‬ل النفس ‪C‬ي‪ C‬يف "التك‪CC‬وين"‪ ،‬فاللغ‪CC‬ة ال‪CC‬يت يس‪CC‬تعملها‪ ،‬عن‪CC‬دما نص‪CC‬غي إليه‪CC‬ا بأمان‪CC‬ة‪ ،‬حتم‪CC‬ل‬
‫وتفي ‪CC‬د تص ‪CC‬ورا أخالقي ‪CC‬ا‪ .‬أم ‪CC‬ا حتلي ‪CC‬ل املض ‪CC‬مون‪ C،‬فإن ‪CC‬ه مفحم‪ :‬ذل ‪CC‬ك أن الكت ‪CC‬اب ه ‪CC‬و عب ‪CC‬ارة عن‬
‫"مط‪CC C‬ول يف اإلص‪CC C‬الح"‪ ،‬إص‪CC C‬الح الفك‪CC C‬ر والقلب والنفس واجلس‪CC C‬م واجملال اجلامعي‪ C...‬تك ‪CC‬وين‬
‫‪1‬‬
‫الفكر العلمي‪ ،‬أخشى أال يعين هذا يف احلقيقة إصالحا للنفس املشتاقة إىل الص‪CC‬فا والتطهري »‬
‫ميث‪CC‬ل ه‪CC‬ذا النص نق‪CC‬دا الذع‪CC‬ا للتحلي‪CC‬ل النفس‪CC‬ي كم‪CC‬ا طبق‪CC‬ه باش‪CC‬الر للكش‪CC‬ف عن عوائ‪CC‬ق املعرف‪CC‬ة‬
‫العلمية‪ ،‬بل هو مستفز على ح‪C‬د ق‪C‬ول داني‪C‬ال باروش‪C‬يا كي‪C‬ف ال و"س‪C‬ري" يعت‪C‬ربه‪ C‬تطه‪C‬ريا أخالقي‪C‬ا‬
‫وليس حتليال نفسيا فهذا األخري ال وجود له إال ذكرا باالسم ليس إال‪.‬‬
‫إن مش ‪CC‬روع التحلي ‪CC‬ل النفس ‪C‬ي‪ C‬للمعرف ‪CC‬ة العلمي ‪CC‬ة ال يع ‪CC‬دو أن يك ‪CC‬ون‪ « C‬مهم ‪CC‬ة مص ‪CC‬لح‬
‫أخالقي يعلن حرب‪CC‬ا ش‪CC‬املة على ال‪CC‬ذنوب اجلوهرية للمعرف‪CC‬ة‪ ،‬أو املعرف‪CC‬ة املذنب ‪C‬ة‪ C‬من أج‪CC‬ل املعرف‪CC‬ة‬
‫املطه‪CC‬رة‪ ،‬من أج‪CC‬ل إص‪CC‬الح كام‪CC‬ل وج‪CC‬ذري للفك‪CC‬ر ال‪CC‬ذي يري‪CC‬د أن يع‪CC‬رف‪ ،‬وي‪CC‬رى ميش‪CC‬ال س‪CC‬ري‬
‫بأن‪CC‬ه إذا ك‪CC‬انت ه‪CC‬ذه هي مهمة التك‪CC‬وين فال من‪CC‬اص من أن يتض‪CC‬من الكت‪CC‬اب الئح‪CC‬ة باس‪CC‬م ه‪CC‬ذه‬
‫‪2‬‬
‫الذنوب كما هو الشأن يف التقليد الكنسي بني التائب وبني الذي يسمع إعرتافاته »‬
‫والخيفي س‪CC‬ري هتكم‪CC‬ه من ه‪CC‬ذه الوظيف‪CC‬ة ال‪CC‬يت ال تعكس مها ابس‪CC‬تمولوجيا بق‪CC‬در م‪CC‬ا تعكس‬
‫مها أخالقيا ال ينفصل عن أهداف الفلسفة األكثر تقليدية‪.‬‬
‫إن املعرف ‪CC‬ة املطه ‪CC‬رة أو غ ‪CC‬ري املذنب ‪C‬ة‪ C‬هي وهم ألن ك ‪CC‬ل « معرف ‪CC‬ة ب ‪CC‬دون وهم‪ ،‬هي وهم‬
‫خالص » هنا يكمن وجه االختالف بني سري وباشالر‪ .‬فه‪CC‬ذا األخ‪CC‬ري مييز يف ت‪CC‬اريخ العلم بني‬ ‫‪3‬‬

‫ت‪CC C‬اريخ مقص‪CC C‬ى وآخ‪CC C‬ر منتقى وأن املنتقى ه‪CC C‬و العلم املوض‪CC C‬وعى ‪ .‬لكن س‪CC C‬ري يعت‪CC C‬رب أن الت ‪CC‬اريخ‬
‫امللغي ميثل رواسبا ثقافية وتارخيية ميكن بعثها وتنشيطها‪ .‬وعليه فإن التحليل النفسي‪ C‬ال يص‪CC‬لح‬
‫كمنهج إقصائي لتحليل ه‪C‬ذه الرواس‪C‬ب‪ C‬الثقافي‪C‬ة‪ C،‬والب‪C‬ديل ال‪C‬ذي يقرتح‪C‬ه ميش‪C‬ال س‪C‬ري ه‪C‬و منهج‬

‫‪1‬‬
‫‪L‬‬ ‫‪interférence,‬‬ ‫‪op,cit,‬‬ ‫‪p:‬‬ ‫‪211‬‬

‫ص ‪211‬‬ ‫حممد هشام‪ ،‬تكوين مفهوم املمارسة االبستمولوجية عند باشالر‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪la tradution, op, cit, p:259‬‬

‫‪200‬‬
‫التحليل الشامل أو متعدد األداء‪ .‬ويصطلح علي‪C‬ه س‪C‬ري باس‪CC‬م ‪ " "loganalyse‬وال‪C‬ذي انبث‪CC‬ق‬
‫عن «أطروحت‪C‬ه يف ال‪C‬دكتوراه‪ C،‬وتط‪C‬ور يف أطروحت‪C‬ه التكميلي‪C‬ة‪ ،‬إن‪C‬ه لوغان‪C‬اليز‪ ،‬نق‪C‬د املع‪C‬ارف من‬
‫وجهة نظر فلسفية‪ ،‬ونقد الفلسفة من خالل العلوم‪ .‬ونتائج ه‪C‬ذا العم‪C‬ل ق‪CC‬ادت س‪CC‬ري ليس فق‪CC‬ط‬
‫‪1‬‬
‫يف اجملال املتع‪CC‬ايل لألس‪CC‬يكلوبيديا‪ C،‬ولكن ك‪CC‬ذلك يف اجملال بني‪ -‬ذوايت وبني املواض‪CC‬يع ك‪CC‬ذلك»‬
‫فمن خالله نستطيع أن حنلل النظام املنطقي داخل هذه الرواسب‪.‬هذه‪ C‬املهمة يباشرها سري من‬
‫خالل حتليل‪CC‬ه لألس‪CC‬اطري واخلراف‪CC‬ات‪.‬مث‪CC‬ل ألع‪CC‬اب ال‪CC‬ذئاب‪ ،‬احلمام‪CC‬ة والطفل‪CC‬ة‪ .‬وميت‪CC‬د ه‪CC‬ذا التحلي‪CC‬ل‬
‫إىل ك‪CC‬ل حق‪CC‬ول املعرف‪CC‬ة يف تع‪CC‬ددها وثرائه‪CC‬ا‪ ،‬نظري‪CC‬ة ك‪CC‬انت أو تطبيقي‪CC‬ة‪ C،‬فمن العلم إىل الفلس‪CC‬فة‬
‫والسياس‪C C‬ة‪ C‬واألدب والت ‪CC‬اريخ‪ .‬وق ‪CC‬د طبق ‪CC‬ه ك ‪CC‬ذلك يف تقص ‪CC‬يه ملفه ‪CC‬وم‪ C‬النقط ‪CC‬ة الثابت‪C C‬ة‪ C‬يف العص ‪CC‬ر‬
‫الكالسيكي‪C.‬‬
‫ف‪CC C‬إذا ك‪CC C‬ان منهج التحلي‪CC C‬ل النفس‪CC C‬ي للمعرف‪CC C‬ة املوض‪CC C‬وعية م‪CC C‬ع باش‪CC C‬الر يبحث يف العقب ‪CC‬ات‪C‬‬
‫والعوائ‪CC C‬ق ف‪CC C‬إن منهج لوغان‪CC C‬اليز أو املتع‪CC C‬دد األداء م‪CC C‬ع س‪CC C‬ري يبحث يف العالق‪CC C‬ات والتف ‪CC‬اعالت‪C‬‬
‫القائم‪CC‬ة واملمكن‪CC‬ة و« تبع‪CC‬ا للعق‪C‬ل اجلدي‪C‬د الباش‪CC‬الري‪ ،‬يف علم االنتش‪CC‬ار‪ ،‬وك‪C‬ان املش‪C‬روع حتلي‪C‬ل‬
‫نفس ‪CC‬ي للمعرف ‪CC‬ة املوض ‪CC‬وعية‪ C،‬املش ‪CC‬روع الس ‪CC‬ريي ي ‪CC‬رمي من جهت ‪CC‬ه‪ ،‬إىل فهم ألع ‪CC‬اب التفاع ‪CC‬ل بني‬
‫املواض ‪CC C‬يع واملواض ‪CC C‬يع ومن املتع ‪CC C‬ايل إىل اآلخ ‪CC C‬ر ‪ .‬من أين ت ‪CC C‬أيت قدرت ‪CC C‬ه ىف العالق ‪CC C‬ة‪ ،‬والتوق‪CC C‬ع أو‬
‫التفك ‪CC‬ري يف أش ‪CC‬كال الت ‪CC‬أثري هلذه العل ‪CC‬وم‪ ،‬ووظ ‪CC‬ف م ‪CC‬ا يس ‪CC‬ميه لوغان ‪CC‬اليز‪ .‬ليس فق ‪CC‬ط علم نفس‬
‫العق‪CC C‬ل العلمي‪ ،‬ولكن وبص‪CC C‬راحة ك‪CC C‬ل أن‪CC C‬واع اخلط‪CC C‬اب »‪ .2‬إن ض‪CC C‬رورة البحث عن مفاص ‪CC‬ل‬
‫االلتق‪CC C C C‬اء والتق‪CC C C C‬اطع‪ C‬بني النظري‪CC C C C‬ات وال‪CC C C C‬ذوات يقتضي أن يك‪CC C C C‬ون‪ C‬التحلي‪CC C C C‬ل ش‪CC C C C‬املا للمعرف‪CC C C‬ة‬
‫‪ ""loganalyse‬مبا فيها املضامني الثقافية وكل املعارف االنسانية اليت تشكلت عرب التاريخ‬
‫فاحلاض‪CC C‬ر ال ينفص‪CC C‬ل عن املاض ‪C C‬ي‪ C‬والغ‪CC C‬د مير ع‪CC C‬رب احلاض‪CC C‬ر ‪ .‬وكم‪CC C‬ا أش‪CC C‬رنا إىل ذل‪CC C‬ك من قب ‪CC‬ل‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Pierre-Marc Gendron, LE VOYAGE EXTRAORDINAIRE. LA‬‬
‫‪METHODE ET LE DISCOURS DE MICHEL SERRES, Mémoire‬‬
‫‪présenté à la Faculté des études supérieures de l'Université Laval, QUÉBEC,‬‬
‫‪p 248‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Op cit, p: 235‬‬
‫‪201‬‬
‫فقصيدة لوكتوريوس مثال‪ ،‬قصيدة ش‪C‬عرية من املاض‪C‬ي لكنه‪C‬ا تض‪C‬منت مب‪C‬ادئ الفيزي‪C‬اء احلديث‪C‬ة‬
‫ومنهج لوغاناليز مكننا‪ C‬من إدراك ذلك وفقا للمنظور السريي‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬العقالنية العلمية وجدل الذات واملوضوع‬


‫يعت‪CC C C‬رب أس‪CC C C‬اس العقالني‪C C C C‬ة‪ C‬العلمية إش‪CC C C‬كالية فلس‪CC C C‬فية بامتي‪CC C C‬از‪ .‬وأغلب الس ‪CC C‬جاالت‬
‫االبستمولوجية‪ C‬مل خترج عن نطاق دور العقل والواقع يف بناء النظرية العلمية‪ .‬فما ه‪CC‬و أس‪CC‬اس‬
‫العقالني ‪CC‬ة العلمية ل‪CC‬دى ك ‪CC‬ل من باش ‪CC‬الر وميش ‪CC‬ال سري ؟ وإذا ك ‪CC‬ان الط‪CC‬رح الس ‪CC‬ريي يف املس ‪CC‬ألة‬
‫ميثل جتاوزا للعقالنية التطبيقة‪ C‬الباش‪C‬الرية‪ C‬فم‪CC‬اهي عناص‪CC‬ر التجدي‪C‬د فيه‪CC‬ا؟ وكي‪C‬ف تتح‪C‬ول ال‪CC‬ذات‬
‫مع ميشال سري من مصدر للمعرفة إىل قارئة لإلعالم؟‬
‫إن السؤال الابستيمولوجي التقليدي الذي درجت الفلسفات على طرحه ه‪CC‬و‪ :‬ه‪CC‬ل العلم‬
‫معطى أم مبني ؟ وأمثر ه ‪CC‬ذا الس ‪CC‬ؤال ه ‪CC‬وة وتباعدا بني العقالني ‪CC‬ة الص ‪CC‬ورية‪ C‬والعقالني ‪CC‬ة التجريبية‬
‫واليت ش ‪CC‬كلت أزم ‪CC‬ة العقالني ‪C‬ة‪ C‬العلمي ‪CC‬ة املعاص ‪CC‬رة‪ .‬إن تن ‪CC‬اول ه ‪CC‬ذه املس ‪CC‬ألة‪ C‬يتطلب من ‪CC‬ا أن نرج ‪CC‬ع‬
‫قليال إىل ال‪CC‬وراء يف حماول‪CC‬ة لرس‪CC‬م ص‪CC‬ورة ختطيطي‪CC‬ة للفلس‪CC‬فة املثالي‪CC‬ة والواقعي‪C‬ة‪ C‬يف حماول‪CC‬ة لالق‪CC‬رتاب‬
‫من املن‪CC‬اخ الفك‪CC‬ري والفلس‪CC‬في ال‪CC‬ذي ك‪CC‬ان ي‪CC‬ؤطر العلم والفلس‪CC‬فة يف س‪CC‬ياق مش‪CC‬كلة املعرف‪CC‬ة يف‬
‫‪202‬‬
‫مرحلة ما قبل العقالنية الباشالرية‪C.‬‬
‫‪ ‬مشكلة املعرفة بني الذات واملوضوع‬

‫‪ /1‬الفلسفة املث ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــالية‬


‫املثالي ‪CC‬ة يف أص ‪CC‬لها اللغ ‪CC‬وي الع ‪CC‬ريب تع ‪CC‬ود إىل كلم ‪CC‬ة مث ‪CC‬ل " مث ‪CC‬ل ‪ :‬مث ‪CC‬ل ‪ :‬كلم ‪CC‬ة تس ‪CC‬وية‪.‬‬
‫يق‪C‬ال ‪ :‬ه‪C‬ذا مثل‪C‬ه ومثل‪C‬ه كم‪C‬ا يق‪C‬ال ش‪C‬بهه وش‪C‬بهه مبعىن ص‪C‬ار أفضل‪ ...‬واملث‪C‬ل ‪ :‬الش‪C‬به ‪ .‬يق‪C‬ال ‪:‬‬
‫مث ‪CC‬ل ومث ‪CC‬ل وش ‪CC‬به وش ‪CC‬به مبع ‪CC‬ىن واحد "‪ 1‬ويق ‪CC‬ال‪ :‬أمث ‪CC‬ل ب ‪CC‬ين فالن أي أدن ‪CC‬اهم إىل اخلري وأق ‪CC‬رهبم‬
‫إليه‪.‬‬

‫وهي م ‪CC‬أخوذة من املث ‪CC‬ال‪ .‬أم ‪CC‬ا يف "اللغ ‪CC‬ات االوربي ‪CC‬ة مش ‪CC‬تقة من كلمة (‪Idee, idea‬‬
‫وهذه الصفة‪ C‬تستخدم مبعن‪C‬يني خمتلفني متام‪C‬ا‪ :‬األول يق‪C‬ال مث‪C‬ايل ‪ idéal‬على ك‪C‬ل‬ ‫‪)idée‬‬
‫م‪CC‬ا ينتس‪C‬ب‪ C‬إىل الفك‪CC‬رة ‪ ،‬وبالت‪CC‬ايل يوج‪CC‬د يف العق‪CC‬ل مبا ه‪CC‬و فك‪CC‬رة ‪ ...‬والث‪CC‬اين مبع‪CC‬ىن كام‪CC‬ل ‪ ،‬ت‪CC‬ام‬
‫فاملثال هو ما حيقق كمال النوع الذي ين‪C‬درج في‪C‬ه ويع‪C‬رب عن‪C‬ه‪ ،‬يف حال‪CC‬ة االمسية‪ ،‬بــ املث‪CC‬ل األعلى‬
‫ومنع ‪CC‬ا هلذا اخلل ‪CC‬ط اق ‪CC‬رتح البعض اس ‪CC‬تعمال ‪ idéel‬للمعىن االول‪ ،‬وقصر ‪ idéal‬على املع ‪CC‬ىن‬
‫‪2‬‬
‫الثاين "‬
‫ف‪CC‬املعىن اللغ‪CC‬وي للمثالي‪CC‬ة ي‪CC‬دور ح‪CC‬ول الس‪CC‬مو حنو املث‪CC‬ل العلي‪CC‬ا كم‪CC‬ا ي‪CC‬دل على مع‪CC‬ىن الفكر‪،‬‬
‫مع ضرورة التمييز بني املعىن األول والثاين‪.‬‬
‫أما املثالية‪ C‬اصطالحا تع‪C‬رف بأهنا ‪ :‬املذهب‪ C‬القائ‪C‬ل ب‪C‬أن حقيق‪C‬ة الك‪C‬ون أفك‪C‬ار وص‪C‬ور‬
‫عقلية وأن العقل هو مصدر املعرفة « إن املثاليني ينسبون‪ C‬إىل العقل أو إىل الروح والفكر قيمة‬
‫رفيع‪CC‬ة‪...‬فالبن‪CC‬اء املذهيب ي‪CC‬نزع‪ ،‬من األس‪CC‬اس‪ ،‬إىل تس‪CC‬ويغها‪...‬إن اإلحس‪CC‬اس بقيم‪CC‬ة الفك‪CC‬ر يوج‪CC‬ه‬
‫كل الفلسفة املثالية ويرغمه‪CC‬ا على أن تع‪C‬زو هلذه القيم‪C‬ة الفكري‪C‬ة مكان‪CC‬ة مميزة يف املخط‪C‬ط ال‪C‬ذي‬
‫بن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪18‬‬ ‫‪1‬‬

‫عبد الرمحان بدوي‪ ،‬موسوعة الفلسفة ج‪ ،2‬املؤسسة العربية للدراسات والنشر ‪ .‬ط‪ .1984 .1‬ص‪439‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪203‬‬
‫ترمسه للواقع واحلقيقة‪ 1» C‬إن احلقيقة‪ C‬النهائية للعامل عند املثاليني يعرب عنه‪CC‬ا بلغ‪CC‬ة الفك‪CC‬رة ‪ .‬وهبذا‬
‫املعىن املثالية تقابل الواقعية‪C.‬‬
‫إن النزع‪CC C‬ة املثالي‪C C‬ة‪ C‬تتع‪CC C‬دد اجتاهاهتا إال أهنا تنض‪CC C‬وي حتت قواس‪CC C‬م مش‪CC C‬رتكة جتمعه‪CC C‬ا «‬
‫الفلس ‪CC‬فات املثالي ‪CC‬ة وتل ‪CC‬ك ال ‪CC‬يت انطبعت‪ C‬أش ‪CC‬د انطب ‪CC‬اع باملثالي ‪CC‬ة‪ ،‬إمنا تش ‪CC‬كل وح ‪CC‬دة كافي ‪CC‬ة لكي‬
‫حتتف ‪CC‬ظ اللغ ‪CC‬ة باالس ‪CC‬م املش ‪CC‬رتك‪ C‬ال ‪CC‬ذي كن ‪CC‬ا ق ‪CC‬د واص ‪CC‬لنا إطالق ‪CC‬ه عليه ‪CC‬ا‪ .‬وهي وح ‪CC‬دة مركبة من‬
‫جانب آخر‪ ،‬ألنَّا ال جند يف كل الفلس‪CC‬فات األطروح‪CC‬ات نفس‪CC‬ها احملددة واملوقوف‪CC‬ة‪ .‬ومع ذل‪CC‬ك‬
‫تناقلت أفكارا مهمة ك‪C‬انت تعي م‪C‬داها ت‪C‬ارة وعي‪C‬ا زائ‪C‬دا‪ ،‬وتعي‪C‬ه ت‪C‬ارة وعيً‪C‬ا ناقص‪C‬ا‪ ،‬وك‪C‬انت ق‪C‬د‬
‫تعرض‪CC‬ت لكث‪CC‬ري من التقلب‪CC‬ات‪...‬ولكنه‪CC‬ا ت‪CC‬ردد الص‪CC‬وت األساس‪CC‬ي ذاته »‪ 2‬وينطل‪CC‬ق ه‪CC‬ذا الص‪CC‬وت‬
‫من االعتقاد يف ثنائي‪C‬ة اإلنس‪C‬ان بأن‪CC‬ه مك‪C‬ون من عق‪CC‬ل وم‪CC‬ادة‪ .‬وازدواجي‪CC‬ة الع‪CC‬امل‪ ،‬حس‪C‬ي‪ ،‬وع‪C‬امل‬
‫األفك‪CC‬ار‪.‬وأن احلقيق‪CC‬ة ترتب‪CC‬ط بع‪CC‬امل الفك‪CC‬ر دون س‪CC‬واه « ه‪CC‬اكم التم‪CC‬ايزات ال‪CC‬يت تب‪CC‬دو أهنا األعظم‬
‫يف ت ‪CC C‬اريخ الفلس ‪CC C‬فة املأثورة‪ :‬التمي ‪CC C‬يز بني احلواس واإلدراك العقلي‪ ،‬الفطري ‪CC C‬ة‪ ،‬االق ‪CC C‬رار حبقيق ‪C C‬ة‪C‬‬
‫الش ‪CC‬كل‪ ،‬ويف الفلس ‪CC‬فة احلديث ‪CC‬ة ال ‪CC‬يت تعم ‪CC‬ق على حنو أفض ‪CC‬ل من الفلس ‪CC‬فة القدمية‪ ،‬فك ‪CC‬رة ال ‪CC‬ذات‬
‫الفاكرة‪ ،‬ومتال الفكر بالوعي »‪.3‬‬
‫وأم‪CC‬ا عن ظه‪CC‬ور الفلس‪CC‬فة املثالي‪CC‬ة نس‪CC‬تطيع الق‪CC‬ول أن نواهتا تب‪CC‬دأ مع أفالط‪CC‬ون ال‪CC‬ذي يعد‬
‫رائدا قدميا هلا‪ .‬حيث ميكن أن نقف على أرائه املثالية يف كت‪CC‬اب اجلمهورية والق‪CC‬وانني‪ .‬واعتق‪CC‬د‬
‫أفالط ‪CC‬ون‪ C‬بوج ‪CC‬ود ع ‪CC‬املني‪ ،‬الع ‪CC‬امل احلقيقي وه ‪CC‬و ع ‪CC‬امل املثل واألفك ‪CC‬ار العام ‪CC‬ة احلقيقي‪C C‬ة‪ C‬وال ‪CC‬يت هلا‬
‫وجوده‪CC‬ا املس‪CC‬تقل ال تتب‪CC‬دل وال تتغ‪CC‬ري والع‪CC‬امل ال‪CC‬واقعي‪ C‬وه‪CC‬و ضل للع‪CC‬امل احلقيقي‪ C‬ول‪CC‬ذلك فه‪CC‬و ال‬
‫ميثل احلقيقة النهائية‪ .C‬لكن املثالية مل تبق يف مس‪CC‬توى التنظ‪CC‬ري األفالط‪CC‬وين ب‪CC‬ل تعرض‪CC‬ت لتط‪CC‬ورات‬
‫متالحقة افرزت مذاهبا مثالية متعددة نذكر منها‪:‬‬

‫اندريه الالند‪ ،‬موسوعة الالند الفلسفية‪،‬اجملل‪CC‬د األول‪ ،‬تع‪C‬ريب خلي‪CC‬ل أمحد خلي‪C‬ل‪ ،‬منش‪CC‬ورات عوي‪CC‬دات‪ ،‬ب‪C‬ريوت ‪-‬‬ ‫‪1‬‬

‫باريس ط‪ 2001 ،2‬ص ‪1104‬‬


‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪1106‬‬ ‫‪2‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪1106‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪204‬‬
‫أ‪ -‬املثالية الذاتية‪ C‬والالمادية ‪ :‬وظهرت هذه الفلس‪C‬فة يف العص‪C‬ور احلديث‪C‬ة مع أواخ‪C‬ر الق‪C‬رن‬
‫السابع عشر بريادة ج‪CC‬ورج ب‪C‬ار كلي حيث أنك‪C‬ر املادة متذرعا باس‪CC‬تحالة إدراك األش‪CC‬ياء املادية‬
‫«ف‪CC‬أي ش‪CC‬يء موج‪CC‬ود إم‪CC‬ا أن ي‪CC‬درك‪ ،‬أو يك‪CC‬ون فك‪CC‬رة‪ ،‬يك‪CC‬ون‪ C‬ذهن‪CC‬ا ي‪CC‬درك أفك‪CC‬ارا‪ .‬فليس هن‪CC‬اك‬
‫ش‪CC‬يئ يوجد يف الواق‪CC‬ع كم‪CC‬ادة »‪ 1‬وتع‪CC‬ددت التس‪CC‬ميات ال‪CC‬يت وص‪CC‬ف هبا ه‪CC‬ذا املذهب‪ ،‬كاملثالي‪CC‬ة‬
‫الذاتية‪ C‬ومذهب الذهن‪.‬‬
‫ب‪ -‬املثالية‪ C‬النقدية‪ :‬وهو مذهب الفيلسوف األملاين كانط الذي حاول إثب‪CC‬ات « إن ك‪CC‬ل‬
‫املوضوعات‪ C‬ال بد أن تتطابق مع تك‪CC‬وين أذهانن‪C‬ا ح‪C‬ىت ميكن معرفته‪CC‬ا‪...‬ألن‪C‬ه ذهب إىل أن‪C‬ه ح‪C‬ىت‬
‫ق‪CC‬وانني الرياض‪CC‬يات والفيزي‪CC‬اء ت‪CC‬دين مبص‪CC‬درها وص‪CC‬حتها إىل بني‪C‬ة‪ C‬ال‪CC‬ذهن البش‪CC‬ري‪ .‬فأذهانن‪CC‬ا مبع‪CC‬ىن‬
‫ما– اليت كان كانط حريصا على تفسريها‪ -‬تصنع العامل الفيزيائي‪ C‬ال‪CC‬ذي نعيش فيه »‪ 2‬وميكن‬
‫القول إن املثالي‪C‬ة‪ C‬الكانتي‪CC‬ة متيزت بص‪C‬فتني‪ ،‬أوال اهتمامها بوض‪CC‬ع ح‪C‬دود للعق‪C‬ل حبيث ال يتع‪CC‬داها‬
‫إال يف ح ‪CC‬دود التجرب ‪CC‬ة املمكن ‪CC‬ة‪ C.‬وثاني ‪CC‬ا‪ ،‬وض ‪CC‬عت ش ‪CC‬روطا عقلي ‪CC‬ة جتع ‪CC‬ل ه ‪CC‬ذه التجرب ‪CC‬ة ممكنة‪.‬‬
‫ووجه االختالف بني كانط والفالسفة اآلخرون اعتقاده ب‪CC‬أن للعق‪CC‬ل ناحي‪CC‬ة باطني‪C‬ة‪ C‬موج‪CC‬ودة يف‬
‫املادية احلسية وأن العامل احلسي ال يستطيع الوقوف عليه‪CC‬ا وح‪C‬ده فه‪C‬و حباج‪CC‬ة دائم‪CC‬ة إىل املعرف‪C‬ة‬
‫العقلية‪.‬‬
‫ج‪ -‬املثالية املوضوعية ‪:‬‬
‫وتعرف كذلك باملثالية‪ C‬املطلق‪C‬ة ظه‪C‬رت مع الفيلس‪C‬وف الأملاين هيجل‪ .‬وج‪C‬اءت ك‪C‬رد فع‪C‬ل‬
‫مقاب‪C‬ل املثالي‪C‬ة الذاتية‪ .C‬ومنطلقها اإلميان بوج‪C‬ود عق‪C‬ل مطل‪C‬ق يف الطبيعة‪ « C‬ان الواق‪C‬ع النه‪C‬ائي‪ ،‬أو‬
‫الك ‪CC‬ون‪ ،‬ه ‪CC‬و روح مطل ‪CC‬ق‪ ،‬أو روح متر خالل مراح ‪CC‬ل من التط ‪CC‬ور يف الزم ‪CC‬ان‪ ،‬وتص ‪CC‬بح واعي ‪CC‬ة‬
‫بنفسها يف العقل البش‪CC‬ري‪ ،‬م‪C‬ع أن ه‪C‬ذا املطل‪C‬ق ال زم‪CC‬اين‪ ،‬وأزيل‪ ،‬ويش‪C‬مل ك‪C‬ل ش‪CC‬يء‪ ،‬ومكتم‪CC‬ل‬
‫بذاته »‪ 3‬فاملطلق هو الوجود الواقعي‪ C‬كله وال وجود لحقيقة خارج العقل اإلنساين‪.‬‬
‫وليم كلي رايت‪ ،‬مرجع سابق ص ‪187‬‬ ‫‪1‬‬

‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪253‬‬ ‫‪2‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪311‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪205‬‬
‫د‪ /‬املثالي ‪C‬ة‪ C‬اجلدي ‪CC‬دة ‪ :‬من أب ‪CC‬رز أعالمه ‪CC‬ا يف اوروبا الفيلس ‪CC‬وف الفرنس ‪CC‬ي لي ‪CC‬ون برنش ‪CC‬فيك‬
‫وتعترب هذه املثالية‪ C‬جديدة بالنظر إىل املثالية‪ C‬املطلقة أو اجلدلية اهليجلية‬ ‫‪Léon Brunschwig‬‬

‫وم ‪CC‬ا مييزه ‪CC‬ا أهنا « تنش ‪CC‬د يف ت ‪CC‬اريخ الفك ‪CC‬ر البش ‪CC‬ري نفس ‪CC‬ه مث ‪CC‬ل ه ‪CC‬ذا الط ‪CC‬ابع العقلي الس ‪CC‬رمدي‪.‬‬
‫ومعىن‬
‫ه‪CC C‬ذا أن مثالي‪CC C‬ة برنش‪CC C‬فيك تق‪CC C‬وم على أس‪CC C‬اس من دراس‪CC C‬ة العلم‪ ،‬والعلم الرياض‪CC C‬ي بص ‪CC‬فة‬
‫خاصة »‪ 1‬إن اهلدف ال‪CC‬ذي تنش‪CC‬ده ه‪CC‬ذه املثالي‪CC‬ة ه‪CC‬و الفهم الص‪CC‬حيح لل‪CC‬وعي البش‪CC‬ري يف تط‪CC‬وره‬
‫الزمين ولذلك وص‪C‬فها الفيلس‪C‬وف ل‪C‬وي الفيل ‪ L.Lavelle‬بالعقالني‪C‬ة‪ C‬العلمية‪  .‬وتض‪C‬افر يف‬
‫تكوين هذا التوجه املثايل مشارب فلسفية عديدة من أفالطون‪ C‬إىل سبينوزا‪ C‬وصوال عن‪CC‬د كان‪C‬ط‬
‫باإلض‪CC C‬افة إىل تتبع‪CC C‬ه لت‪CC C‬اريخ العل‪CC C‬وم والفلس‪CC C‬فة‪ .‬وأب‪CC C‬رز م‪CC C‬ا متيز ب‪CC C‬ه برنش‪CC C‬فيك رؤيت‪CC C‬ه احلركي‪CC C‬ة‬
‫والدينامية‪ C‬للعقل فهو ليس « حقيقة متحجرة جامدة‪ ،‬بل قد جعل منه‪-‬على طريقة س‪CC‬بينوزا‪C-‬‬
‫حقيقة مرنة‪ ،‬حركية دينامية‪ .‬وهذا هو السبب‪ C‬يف أن البعض قد وجد يف مثاليته‪ C‬نزعة عقالني ‪C‬ة‪C‬‬
‫متفتحة»‪ 2‬إن اعتب ‪CC C‬ار العق ‪CC C‬ل متط ‪CC C‬ورا وليس مكتمال‪ ،‬متحرك ‪CC C‬ا وليس س ‪CC C‬اكنا‪ ،‬هي م‪CC C‬اجعلت‬
‫باش‪CC‬الر يش‪CC‬يد بربنش‪CC‬فيك يف ه‪CC‬ذه املس‪CC‬ألة‪ C‬باخلص‪CC‬وص‪ C‬ب‪CC‬الرغم من اخالف‪CC‬ه اجلذري مع‪CC‬ه لتط‪CC‬ور‬
‫املعرفة‪.‬‬
‫الفلسفة الواقعية‪) Realism (C‬‬
‫ووقَ‪Cَ C‬ع الش‪CC‬يءُ من‬ ‫ووقُوع ‪C‬اً‪ :‬س ‪َ C‬ق َط‪َ ،‬‬ ‫يف اللغ‪CC‬ة « وقع‪ :‬وقَ‪CC‬ع على الش‪CC‬يء ومن‪CC‬ه َي َق‪Cُ C‬ع َوقْع ‪C‬اً ُ‬
‫‪3‬‬
‫ووقَ ‪Cَ C‬ع املط‪Cُ C C‬ر ب ‪CC‬األَرض»‬
‫ت من ك ‪CC‬ذا وعن ك ‪CC‬ذا َوقْع ‪C C‬اً‪َ ،‬‬ ‫وو َق ْع ُ‬
‫ي‪CC C‬دي ك ‪CC‬ذلك‪ ،‬وأ َْو َق َع ‪CC‬ه غ ‪CC‬ريُه َ‬
‫« املنس‪CC C C C‬وب‪ C‬إىل الواق‪CC C C C‬ع‪ ،‬ويرادف‪CC C C C‬ه الوج‪CC C C C‬ودي‪ ،‬واحلقيقي ‪ réel‬والفعلي‬ ‫وال‪CC C C C‬واقعي هو‬
‫‪ actuel‬ويقابل‪C‬ه اخلي‪C‬ايل وال‪C‬ومهي‪،‬تق‪C‬ول‪ C‬الرج‪C‬ل ال‪C‬واقعي‪ C،‬أي الرج‪C‬ل ال‪C‬ذي ي‪C‬رى األش‪C‬ياء كم‪C‬ا‬

‫زكريا ابراهيم‪ ،‬دراسات يف الفلسفة‪ C‬املعاصرة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪80‬‬ ‫‪1‬‬

‫املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪81‬‬


‫‪2‬‬

‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪261‬‬


‫‪3‬‬

‫‪206‬‬
‫‪1‬‬
‫هي يف الواق‪CC C C‬ع‪ ،‬ويتخ‪CC C C‬ذ إزائه‪CC C C‬ا م‪CC C C‬ا يناس‪CC C C‬بها من الت‪CC C C‬دابري دون الت‪CC C C‬أث‪C‬ر باألوه‪CC C C‬ام واألحالم »‬
‫« تض‪CC‬اد املثالية ‪ idéalisme‬فعن الس‪CC‬ؤال‪ :‬م‪CC‬ا ه‪CC‬و‬ ‫والواقعية باعتباره‪CC‬ا م‪CC‬ذهبا فلس‪CC‬فيا‬
‫املوجود؟‪ ...‬جتيب الواقعية‪ C:‬املوجود شئ‬
‫إم‪CC‬ا روحي ( ألن‪CC‬ه توج‪CC‬د واقعي‪CC‬ة روحي‪CC‬ة ) أو م‪CC‬ادي »‪ 2‬إن الفلس‪CC‬فة الواقعي‪CC‬ة هي األخ‪CC‬رى‬
‫تتأس ‪C C‬س‪ C‬يف مقابل الفلس‪CC C‬فة املثالية وهي تتأس ‪C C‬س‪ C‬على اعتق‪CC C‬اد مف‪CC C‬اده أن مص‪CC C‬در ك‪CC C‬ل احلق ‪CC‬ائق‬
‫الواق‪CC C‬ع أو ه‪CC C‬ذا الع‪CC C‬امل‪ .‬فال احلدس وال اإلهلام ه‪CC C‬و مص‪CC C‬در احلقيق‪CC C‬ة وإمنا ع‪CC C‬امل التجرب ‪CC‬ة واخلربة‬
‫اليومية‪ ..C‬ويبدأ التأريخ الفلس‪CC‬في هلا مع أرس‪C‬طو فه‪CC‬و يعت‪CC‬رب أب‪C‬ا للواقعي‪C‬ة ألن‪CC‬ه حوَّل مس‪CC‬ار الفك‪C‬ر‬
‫اليوناين من عامل املثل إىل التفكري يف الواقع‪.‬‬
‫وأب‪CC‬رز م‪CC‬ا مييز املذهب ال‪CC‬واقعي‪ C‬ه‪CC‬و االعتق‪CC‬اد يف حقيق‪CC‬ة املادة‪ .‬فاحلقيق‪CC‬ة موج‪CC‬ودة يف ه‪CC‬ذا الع‪CC‬امل‬
‫(ع ‪CC‬امل االش ‪CC‬ياء الفيزيقي ‪CC‬ة)‪ C‬ووجوده ‪CC‬ا حقيقي واقعي‪ ،C‬مل يص ‪CC‬نعه‪ C‬أو خيلق ‪CC‬ه اإلنس ‪CC‬ان‪ ،‬ومل يس ‪CC‬بقه‬
‫وج ‪CC‬ود وأفك ‪CC‬ار مس ‪CC‬بقة‪ .‬وب ‪CC‬الرغم من ه ‪CC‬ذه االعتق ‪CC‬ادات‪ C‬املتف ‪CC‬ق عليه ‪CC‬ا عن ‪CC‬د الواقع ‪CC‬يني‪ .‬إال أن‬
‫الفلسفة الواقعية‪ C‬خضعت لتطور فكري وتارخيي ‪.‬‬
‫الواقعية الكالسيكية‪classical Realism( ) C‬‬ ‫‪-1‬‬

‫وتع‪CC C‬رف أحيان‪CC C‬ا باس‪CC C‬م الواقعي‪CC C‬ة اإلنس‪CC C‬انية‪ C،‬وتنس‪CC C‬ب ع‪CC C‬ادة إىل أرس‪CC C‬طو باعتب‪CC C‬اره‪ C‬واقعي‬
‫النظ‪CC‬رة‪ ،‬جتري‪CC‬يب النزع‪CC‬ة‪ ،‬ويعتق‪CC‬د ال‪CC‬واقعي الكالس‪CC‬يكي أن الع‪CC‬امل اخلارجي موج‪CC‬ود بالفع‪CC‬ل ح‪CC‬ىت‬
‫وإن ك‪CC‬ان بعي‪CC‬دا عن تن‪CC‬اول إدراكن‪CC‬ا‪ ،‬كم‪CC‬ا ت‪CC‬ؤمن الواقعي‪CC‬ة الكاليس‪CC‬يكية‪ C‬مبدركات احلس وتث‪CC‬ق‬
‫هبا ثق‪CC‬ة ال ح‪CC‬دود هلا‪ .‬واعتربت واقعية س‪CC‬اذجة ألهنا متث‪CC‬ل « مرحل‪CC‬ة س‪CC‬ابقة على مرحل‪CC‬ة التفك‪CC‬ري‬
‫العلمي والفلسفي وال خيضع للتفكري النقدي‪ ،‬ويثق يف مدركات احلس ثقة ال ح‪C‬د هلا‪ ،‬م‪C‬ع أن‬
‫‪3‬‬
‫جتربتنا يف كل يوم تزعزع ثقتنا يف صحة أحكامها»‬

‫بريوت‪ ،1994،‬ص ‪552‬‬


‫مجيل صليبا‪ ،‬املعجم الفلسفي ج‪ ،2‬الشركة العاملية للكتاب‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫عبد الرمحان بدوي‪ ،‬موسوعة الفلسفة ج‪ ،2‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪624‬‬


‫‪2‬‬

‫توفيق الطويل‪ ،‬أسس الفلسفة‪ C،‬مكتبة النهضة املصرية‪ ،‬ط ‪ ،3‬مصر ‪ ،1958‬ص ‪.252‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪207‬‬
‫وب‪CC C‬ذلك هي تعكس موق‪CC C‬ف اإلنس‪CC C‬ان‪ C‬االعتي‪CC C‬ادي « املوق‪CC C‬ف التلق‪CC C‬ائي لالنس‪CC C‬ان‪ ،‬ال ‪CC‬ذي‬
‫‪1‬‬
‫يدرك األشياء ويعتقد أهنا موجودة كما يدركها »‬
‫‪ -‬الواقعية النقدية‬

‫الواقعي ‪CC‬ة النقدي ‪CC‬ة هي املذهب املع ‪CC‬ريف ال ‪CC‬ذي اس ‪CC‬تند على العل ‪CC‬وم الطبيعي ‪CC‬ة‪ C.‬وت ‪CC‬رى أن احلس‬
‫ي‪CC‬درك حق‪CC‬ائق األش‪CC‬ياء‪ ،‬وه‪CC‬ذه احلق‪CC‬ائق يتم فحص‪CC‬ها يف ض‪CC‬وء ق‪CC‬وانني العل‪CC‬وم الطبيعي‪CC‬ة‪ ،‬فاملادة يف‬
‫نظ‪CC‬ر ه‪CC‬ذه العل‪CC‬وم ش‪CC‬يء حقيقي ل‪CC‬ه وج‪CC‬ود عي‪CC‬ين خ‪CC‬ارجي‪ ،‬إال أن الص‪CC‬ور ال‪CC‬يت ت‪CC‬دركها احلواس‬
‫ليس‪CC C‬ت إال من عم‪CC C‬ل ال‪CC C‬ذهن‪ .‬إن الواقعي ‪C C‬ة‪ C‬النقدي‪CC C‬ة ت‪CC C‬رفض التس‪CC C‬ليم ب‪CC C‬الوجود احلقيقي لع‪CC C‬امل‬
‫املدركات احلس‪CC C‬ية بغ‪CC C‬ري فحص واختب‪CC C‬ار نق‪CC C‬دي‪ ،‬أهنا حتاول أن تثبت‪ C‬احلقيق‪C C‬ة‪ C‬مبناقش‪CC C‬ة احلجج‬
‫املضادة وإبطاهلا حىت يتسق منطق الواقعية‪ C‬مع النت‪CC‬ائج ال‪CC‬يت ينتهي إليه‪CC‬ا نق‪CC‬د املعرف‪CC‬ة‪ ،‬وتنتهي‪ C‬من‬
‫مناقشتها إىل قرار املعرفة إقرارا قاطعا‪.‬‬
‫‪ -‬ج‪-‬الواقعية‪ C‬اجلديدة‬

‫تعت‪CC‬رب املقال‪CC‬ة ش‪CC‬هرية ال‪CC‬يت كتبه‪CC‬ا ج‪CC‬ورج م‪CC‬ور "دحض املثالي‪CC‬ة"‪ C‬باإلض‪CC‬افة إىل كتاب‪CC‬ات رسل‬
‫املمهد الذي فتح الطريق لظهور الواقعية‪ C‬اجلديدة‪.‬والىت ح‪C‬اول م‪CC‬ور أن ي‪CC‬ربهن فيها على بطالن‬
‫املذهب‪ C‬املثايل‪ .‬فقد « بدأت احلركة الواقعية‪ C‬اجلديدة يف اجنلرتا مبك‪C‬را يف الق‪C‬رن احلايل علي ي‪C‬د‬
‫جوورج مور وبرتران‪C‬د رس‪C‬ل وآخ‪C‬رين»‪ 2‬وك‪C‬ان اهتم‪C‬ام ه‪C‬ذا التي‪C‬ار الفلس‪C‬في منص‪C‬با على حتلي‪C‬ل‬
‫العالقة اليت تربط بني الذات العارفة وموضوعها‪ .‬ويف ذلك رفضت التسليم مبا رأته الواقعية‬
‫التقليدي‪CC‬ة من وج‪CC‬ود وس‪CC‬يط بني الش‪CC‬يء املدرك وال‪CC‬ذات العارف‪CC‬ة‪ .‬ويتص‪CC‬در نق‪CC‬د املعرف‪CC‬ة يف‬
‫هذا املذهب المكانة األوىل مقارنة باملباحث الفلسفية األخرى‪ .‬وكان اهتمامها بالعلم شديدا‬
‫إذ اس‪C‬تفادت يف مس‪C‬ائل أساس‪CC‬ية من العل‪CC‬وم الرياض‪C‬ية‪ ،‬والفيزيائي‪CC‬ة وبدرج‪CC‬ة أق‪C‬ل من عل‪C‬وم احلي‪C‬اة‬
‫وعلم النفس‪ .‬ونتيج ‪CC‬ة اهتمامه ‪CC‬ا ب ‪CC‬العلم أص ‪CC‬بحت هتدف إىل معرف ‪CC‬ة األج ‪CC‬زاء أك ‪CC‬ثر من الك ‪CC‬ل‬
‫ص ‪.624‬‬ ‫عبد الرمحان بدوي‪ ،‬موسوعة الفلسفة ج‪ ،2‬مرجع سابق‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫وليم كلي رايت مرجع سابق ص ‪552‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪208‬‬
‫والقيام‪ C‬بأعمال تفصيلية دقيقة أكثر مما هتتم باآلراء الشاملة ل‪CC‬ذلك حص‪CC‬رت نش‪CC‬اطها يف معاجلة‬
‫املشاكل الفلسفية اخلاصة وأظهرت عداء للنزعات املذهبية الشاملة‪.‬‬
‫ومن خصائصها كذلك االهتم‪CC‬ام باملس‪CC‬ائل النظري‪CC‬ة اخلالص‪CC‬ة فمعظم دراس‪CC‬اهتم ح‪CC‬ول‬
‫مس‪CC C‬ائل املنط‪CC C‬ق ونظري‪CC C‬ة املعرف‪CC C‬ة والفيزياء‪ .‬والواقعي‪CC C‬ة اجلدي‪CC C‬دة بص‪CC C‬فة عام‪CC C‬ة نقدي‪CC C‬ة ال تأملي‪CC C‬ة‬
‫وموقفها من امليتافيزيقي‪CC‬ا متش‪CC‬كك ب‪CC‬ل ع‪CC‬دائي وهي ال تب‪CC‬دي اهتمام‪C‬اً بش‪CC‬يء جياوز التجربة ألن‬
‫املعرف‪CC C‬ة اإلنس‪CC C‬انية كلها يف نظ‪CC C‬رهم تعت‪CC C‬رب ولي‪CC C‬دة التجرب‪CC C‬ة وأن التجرب‪CC C‬ة ال يكمن أن خترج عن‬
‫قالبها احلسي‪.‬‬
‫‪ -4‬الواقعية النقدية املعاصرة‬
‫فري ‪CC‬ق آخ ‪CC‬ر من ال ‪CC‬واقعني اجتم ‪CC‬ع بنفس ال ‪CC‬روح ال ‪CC‬يت اجتم ‪CC‬ع هبا الواقعي ‪CC‬ون‪ C‬اجلدد‪ .‬ووجد«‬
‫تعب‪CC C‬ريا عن‪CC C‬ه يف جمل‪CC C‬د مش‪CC C‬رتك عنوان‪CC C‬ه‪ ،‬مق‪CC C‬االت يف املذهب‪ C‬ال‪CC C‬واقعي‪ C‬النق‪CC C‬دي‪ ،‬دراس‪CC C‬ة تعاوني‪CC C‬ة‬
‫ملش‪CC‬كالت املعرف‪CC‬ة ظه‪CC‬ر ع‪CC‬ام ‪ 1»1920‬ومن بني من ش‪CC‬اركوا يف ه‪CC‬ذا العم‪CC‬ل ج‪CC‬ورج س‪CC‬نتيانا‪C‬‬
‫ودي ‪CC C‬راك‪ ،‬ومما وص ‪CC C‬فت به ه ‪CC C‬ذه اجلماع ‪CC C‬ة نفس ‪CC C‬ها بأهنا نقدي ‪CC C‬ة مبعىن أهنا أك ‪CC C‬ثر دق ‪CC C‬ة يف عملي‪CC C‬ة‬
‫التحليل‪ ،‬ويف نظ‪CC C‬رهم ه‪CC C‬ذا م‪CC C‬ا ك‪CC C‬انت تفتق‪CC C‬ده الواقعي ‪C C‬ة‪ C‬اجلدي‪CC C‬دة أي روح النق‪CC C‬د والتمحيص‬
‫والتحليل‪ .‬وتنطلق هذه الفلسفة من رفض موقف الواقعية‪ C‬اجلديدة يف ضم العارف واملعروف‬
‫يف مسط واح‪CC‬د ‪.‬باإلض‪CC‬افة إىل رفض‪CC‬هم الق‪CC‬ول بوج‪CC‬ود ف‪CC‬ارق بني ظ‪CC‬اهر الش ‪C‬يء وحقيقت‪CC‬ه أو ما‬
‫يبدو من الشيء والشيء ذاته وعلى هذا فليس مثة شيء يقوم وراء الطبيعة‪ C‬أو فوقها أو يك‪CC‬ون‪C‬‬
‫مفارقا هلا ‪ .‬وهذا ما متيزت به الواقعية النقدية املعاصرة ‪ .‬تشكل هذا االجتاه‪ C‬من سبعة فالسفة‬
‫أمريك‪CC‬ان هم " دي‪CC‬ورنت دري‪CC‬ك" و "أرث‪CC‬ر لفج‪CC‬وي " و "جيمس ب‪CC‬رات" و "أرث‪CC‬ر روج‪CC‬ز"‬
‫وجورج س‪CC‬نتيانا" و"س‪CC‬رتونج" تع‪CC‬اونوا على البحث املش‪CC‬رتك وخصوص‪CC‬ا يف الف‪CC‬رتة الواقع‪C‬ة‪ C‬بني‬
‫وش‪CC‬رحوا مبادئها يف كت‪CC‬اب مجاعي عنوان‪C‬ه "مق‪CC‬االت الواقعي‪C‬ة‪ C‬النقدي‪CC‬ة‬ ‫‪C.1920-1916‬‬

‫فردريك كوبلس ‪CC‬تون‪ ،‬ت ‪CC‬اريخ الفلس ‪CC‬فة‪ C‬احلديثة من بنت ‪CC‬ام إىل رس ‪CC‬ل‪ ،‬ت ‪CC‬ر‪ .‬حمم ‪CC‬ود س ‪CC‬يد أمحد‪ ،‬مج ‪ 8‬املركز الق ‪CC‬ومي‬ ‫‪1‬‬

‫للرتمجة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪ ،2009 ،1‬ص‪563‬‬


‫‪209‬‬
‫– دراسة تعاونية‪ C‬ملشكلة املعرفة" « اتفقوا‪ C‬فيها مع الواقعيني اجلدد على أن موضوعات العامل‬
‫اخلارجي حقيقي‪CC‬ة‪ ،‬وتوج‪CC‬د مس‪CC‬تقلة عن وعين‪CC‬ا‪ ،‬لكنهم رفض‪CC‬وا تط‪CC‬بيق املذهب‪ C‬ال‪CC‬واقعي بطريق‪CC‬ة‬
‫الواقعيني املتطرفني الشاملة مثل على الذكريات‪ ،‬واخلياالت‪ ،‬واألوهام‪.1» C‬‬
‫ومحل ل ‪CC‬واء ه ‪CC‬ذه الفلس ‪CC‬فة الحق ‪CC‬ا فالس ‪CC‬فة معاص ‪CC‬رون أب ‪CC‬رزهم ألكس ‪CC‬ندر ص ‪CC‬مويل‬
‫وظه ‪CC‬رت يف فلس ‪CC‬فته «ش ‪CC‬ىت مالمح الواقعي ‪C‬ة‪ C‬ال ‪CC‬يت اتس ‪CC‬م هبا الفك ‪CC‬ر األجنل ‪CC‬و‪-‬ساكس ‪CC‬وين يف تل ‪CC‬ك‬
‫احلقب‪CC‬ة‪ ،‬أال وهي االقتن‪CC‬اع‪ C‬بإمك‪CC‬ان حتلي‪CC‬ل اخلربة إىل عناص‪CC‬ر تقب‪CC‬ل اإلدراك املباش‪CC‬ر‪ ،‬واإلميان ب‪CC‬أن‬
‫الفعل الذهين أمر خمتلف عن املوضوع املع‪CC‬روف‪ ،‬واملي‪CC‬ل إىل تفس‪CC‬ري الطبيع‪CC‬ة بطريق‪CC‬ة خمالف‪CC‬ة ألي‬
‫نزعة روحية‪...‬خصوصا يف تأكيده لدور العلوم الطبيعية‪ C‬يف الفلسفة»‪. 2‬‬
‫ومن خالل تتب ‪CC‬ع الس ‪CC‬ياق الت ‪CC‬ارخيي للم ‪CC‬ذهبني املث ‪CC‬ايل وال ‪CC‬واقعي نت ‪CC‬بني ذل ‪CC‬ك الس ‪CC‬جال‬
‫والص ‪CC‬راع الفك ‪CC‬ري ال ‪CC‬ذي عم ‪CC‬ر ط ‪CC‬ويال بني النزع ‪CC‬تني‪ .‬فالنزع ‪CC‬ة العقالني‪C C‬ة‪ C‬تت ‪CC‬وزع إىل اجتاه ‪CC‬ات‬
‫فلس‪CC‬فية عدي‪CC‬دة (العقالني‪C‬ة‪ C‬املوض‪CC‬وعية‪ C،‬العقالني‪C‬ة‪ C‬املطلق‪CC‬ة‪ ،‬العقالني‪C‬ة‪ C‬الذاتي‪CC‬ة‪...،‬إخل)‪ C،‬إال أن ه‪CC‬ذه‬
‫الاجتاه ‪CC‬ات كلها تتفق من جه ‪CC‬ة إعط ‪CC‬اء األولوي ‪CC‬ة للعق ‪CC‬ل وأحكام ‪CC‬ه‪ ،‬ويف اعتب ‪CC‬اره‪ C‬عقال كوني ‪C‬اً‬
‫واح‪CC‬داً‪ .‬إال أن تط‪CC‬ور العل‪CC‬وم املعاص‪CC‬رة فتح اجملال أم‪CC‬ام مقارب‪CC‬ة جدي‪CC‬دة للعق‪CC‬ل ودوره يف املعرفة‪،‬‬
‫وس ‪CC‬يقود إىل تأس ‪CC‬يس عقالني ‪C‬ة‪ C‬معاص ‪CC‬رة جدي ‪CC‬دة‪ ،‬تق ‪CC‬دم نفس ‪CC‬ها كب ‪CC‬ديل للعقالني ‪C‬ة‪ C‬الكالس ‪CC‬يكية‪.‬‬
‫تُراجع أسسها ومنطلقاهتا‬
‫وترك‪CC‬ز بالتحدي‪CC‬د على دور العق‪CC‬ل وميكانيزم‪CC‬ات اش‪CC‬تغاله يف إنت‪CC‬اج املعرف‪CC‬ة العلمي‪CC‬ة وهي‬
‫ما نسميه بالعقالنية العلمية‪.‬‬
‫‪ ‬العقالنية التطبيقية والعقالنية االعالمية‬

‫يع‪C‬د باش‪C‬الر واح‪C‬دا من أقط‪C‬اب العقالني‪C‬ة‪ C‬املعاص‪C‬رة وه‪C‬و حيدد ه‪C‬ذه العقالنية‪ « C‬ب‪C‬ذكر‬
‫خصائص‪CC C‬ها وبالت‪CC C‬ايل ال خيرج عن التعري ‪CC‬ف الابيس ‪CC‬تيمي العلمي مبع ‪CC‬دا التعريف ‪CC‬ات األخ ‪CC‬رى‪،‬‬
‫وليم كلي رايت‪ ،‬تاريخ الفلسفة‪ C‬احلديثة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪553‬‬ ‫‪1‬‬

‫زكريا ابراهيم‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪142‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪210‬‬
‫حيث أب‪CC‬رز خص‪CC‬ائص عقالنيت‪C‬ه‪ C‬االبيس‪CC‬تيمية‪ C‬أين نالحظ تط‪CC‬ابق ك‪CC‬ل خاص‪CC‬ية م‪CC‬ع التس‪CC‬مية ال‪CC‬يت‬
‫مساها هبا‪ ...‬إن أك‪CC C C C C C‬ثر األمساء ت‪CC C C C C C‬داوال واس‪CC C C C C C‬تعماال هي العقالني‪CC C C C C C‬ة املطبقة ‪Rationalité‬‬
‫‪1‬‬
‫إن العقالني‪CC C‬ة املطبقة‪ C‬تتأس ‪C C‬س‪ C‬على االع‪CC C‬رتاف ب‪CC C‬دور العق‪CC C‬ل والواقع يف بن‪CC C‬اء‬ ‫‪»appliqué‬‬
‫النظرية العلمية املعاصرة‪.‬‬
‫ولق ‪CC‬د انتهى‪ C‬باش ‪CC‬الر إىل ه ‪CC‬ذا املوق ‪CC‬ف من خالل س ‪CC‬جاله م ‪CC‬ع فلس ‪CC‬فات عص ‪CC‬ره من‬
‫روحانية ووضعية حول مفه‪C‬وم العق‪C‬ل ومفه‪C‬وم‪ C‬الواق‪C‬ع يف ظ‪C‬ل إف‪C‬رازات الث‪C‬ورة العلمي‪C‬ة املعاص‪C‬رة‬
‫يف ميدان الرياضيات والفيزياء‪ .‬حيث اهتمت الفلسفات الفرنسية مبا فيه‪C‬ا الفلس‪C‬فات العلمي‪C‬ة‪،‬‬
‫ب ‪CC‬العلم املعاص ‪CC‬ر‪ ،‬رغب ‪CC‬ة منه ‪CC‬ا إلجياد س ‪CC‬ند علمي ألطروحاهتا الفلس ‪CC‬فية «إن النس ‪CC‬ق أو املذهب‬
‫الفلس ‪CC‬في ال يبحث يف القض ‪CC‬ايا العلمي ‪CC‬ة‪ ،‬إال عم ‪CC‬ا يؤك ‪CC‬د غايات ‪CC‬ه الفلس ‪CC‬فية وي ‪CC‬دعمها‪ .‬ل ‪CC‬ذا فه ‪CC‬و‬
‫وكم ‪CC C‬ا س ‪CC C‬بق لن ‪CC C‬ا وأن بين ‪CC C‬ا يف ه‪CC C‬ذه‬ ‫‪2‬‬
‫بطبيعت ‪CC C‬ه مغل ‪CC C‬ق‪ ،‬أما التفك ‪CC C‬ري العلمي فيتم ‪CC C‬يز بتفتحه »‬
‫الدراس ‪CC‬ة ن ‪CC‬الت فلس ‪CC‬فة مريس ‪CC‬ون‪ C‬قس ‪CC‬طا واف ‪CC‬را من الس ‪CC‬جال الباش ‪CC‬الري ب ‪CC‬الرغم من أن نش ‪CC‬اطها‬
‫الفكري انصب « على فحص‬

‫اهلندس ‪CC‬ات الال إقليدي ‪CC‬ة والفيزي ‪CC‬اء الكوانطية »‪ 3‬فهي تتخ ‪CC‬ذ من ه ‪CC‬ذه النظري ‪CC‬ات حجاج ‪CC‬ا‬
‫علمي‪CC C‬ا لت‪CC C‬ربير أطروح‪CC C‬ات فلس‪CC C‬فية ليس إال‪ .‬إن الفلس‪CC C‬فات التقليدي‪CC C‬ة يف نظ‪CC C‬ر"باش‪CC C‬الر" ق‪CC C‬د‬
‫اس‪CC C‬تنفذت‪ C‬ذاهتا ملا جتاهلت الث‪CC C‬ورات‪ C‬العلمي‪CC C‬ة املعاص‪CC C‬رة وتأثريه‪CC C‬ا يف القيم املعرفي‪CC C‬ة ويف الفك‪CC C‬ر‬
‫نفسه «أما الفلسفتان‪ C‬القصويان‪ C،‬املثالنية‪ C‬والوقعانية‪ ،‬فال قوة هلما إال يف وثوقيتهم‪CC‬ا‪ C،‬فالوقعاني‪C‬ة‪C‬‬
‫‪4‬‬
‫هنائي ‪CC‬ة واملثالني ‪CC‬ة مبس ‪CC‬رتة‪ .‬وليس ‪CC‬ت ألي ‪CC‬ة منهم ‪CC‬ا تل ‪CC‬ك احلالي ‪CC‬ة ال ‪CC‬يت يط ‪CC‬الب هبا الفك ‪CC‬ر العلمي»‬

‫‪1‬‬
‫علي بوقلي ‪CC‬ع‪ ،‬العقالنية املعاص ‪CC‬رة عن‪CC‬د روب‪CC‬ري بالنش‪CC‬ي ( وتطبيقه ‪CC‬ا على املنط ‪CC‬ق )‪ ،‬أطروحة مقدمة‪ C‬لنيل دكت‪CC‬وراه‬
‫الدولة يف الفلسفة‪ ،C‬كلية العلوم االجتماعية واالنسانية‪ ،‬جامعة منتوري قسنطينة‪ 2005/2006 ،‬ص ‪45‬‬
‫سامل يافوت‪ ،‬العقالنية املعاصرة بني النقد واحلقيقة‪ ،‬دار الطليعة للطباعة والنشر‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،1989 ،2‬ص‪19‬‬ ‫‪2‬‬

‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪06‬‬ ‫‪3‬‬

‫باشالر غاستون‪ ،‬العقالنية التطبيقية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪38‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪211‬‬
‫ول‪CC‬ذلك دع‪CC‬ا إىل ض‪CC‬رورة قي‪CC‬ام إبس‪CC‬تيمولوجيا جدي‪CC‬دة بإمكاهنا مواكب‪CC‬ة التط‪CC‬ورات املتالحق ‪C‬ة‪ C‬يف‬
‫الفكر العلمي‪ ،‬كما تستطيع التوفيق بني التجرييب والعقلي‪.‬‬
‫إن الفك‪CC‬ر العلمي املعاص‪C‬ر ال يفص‪CC‬ل بني التجريبي‪C‬ة والعقالنية « إن ه‪CC‬ذين الن‪C‬وعني‬
‫امليتافيزي‪CC‬ائيني الطبيع‪CC‬يني املض‪CC‬مرين الراس‪CC‬خني املقنعني مها متناقض‪CC‬ان‪ C،‬ولكي نس‪CC‬رع بتس‪CC‬ميتهما‬
‫تس‪CC‬مية موقوت‪CC‬ة‪ ،‬نب‪CC‬ادر إىل اإلش‪CC‬ارة هلذين املوقفني الفلس‪CC‬فيني ال‪CC‬ذيني يرتبط‪CC‬ان هبدوء يف الفك‪CC‬ر‬
‫العلمي احلديث باملص‪CC C‬طلحني املع‪CC C‬روفني يف الفلس‪CC C‬فة املدرس‪CC C‬ية باس ‪CC‬م املذهب‪ C‬العقلي واملذهب‪C‬‬
‫ال‪CC C‬واقعي»‪ 1‬ف‪CC C‬األوىل‪ ،‬عن‪CC C‬د "باش‪CC C‬الر" حباج‪CC C‬ة إىل ال‪CC C‬دليل العقلي‪ ،‬والثاني ‪C C‬ة‪ C‬حباج‪CC C‬ة إىل االختب ‪CC‬ار‬
‫والتجربة‪ ،‬فال ب‪CC‬د للتج‪CC‬ريب من أن ي‪CC‬ذعن للربه‪CC‬ان أو احلج‪CC‬ة كم‪CC‬ا ال ب‪CC‬د للربه‪CC‬ان أو احلج‪CC‬ة من‬
‫أن يرجع إىل التجريب‪ .‬ويف ذلك إقرار بعالقة جدلية وصلة وثيقة‪ C‬بني العلم والواقع «فلم يبق‬
‫من املمكن أن نتح ‪CC C‬دث عن جتارب ص‪CC C‬امتة بع ‪CC C‬د احلوار ال ‪CC C‬ذي اس ‪CC C‬تمر خالل ع ‪CC C‬دد كب‪CC C‬ري من‬
‫القرون بني العامَل وبني الفكر»‪2‬وقد بني يف كتابه "الروح العلمية اجلدي‪CC‬دة"‪ ،‬أن هن‪CC‬اك قاع‪CC‬دتني‬
‫ميتافيزيقيتني‬
‫س‪CC C‬ائدتني مها العقالني‪CC C‬ة والواقعي‪CC C‬ة‪.‬تش‪CC C‬مل العقالني‪CC C‬ة الفلس‪CC C‬فة والنظري‪CC C‬ة ومي‪CC C‬داهنا التأوي‪CC C‬ل‬
‫يف حني أن الواقعية‪ C‬توفر للعقالنية‪ C‬مادهتا لتتمكن من بناء تأويالهتا‪.‬‬ ‫والعقل‬
‫ونب ‪CC‬ه "باش ‪CC‬الر" إىل أن اإلعالء من أح ‪CC‬د اجلانبني عائ ‪CC‬د بالض ‪CC‬رر على املعرف ‪CC‬ة حتم ‪CC‬ا‪.‬‬
‫ف‪CC‬التوقف عن‪CC‬د املس‪CC‬توى‪ C‬التجري‪CC‬يب وح‪CC‬ده يص‪CC‬يب‪ C‬العلم ب‪CC‬الركود‪ ،‬ألن‪CC‬ه يبقى حباج‪CC‬ة إىل وعي م‪CC‬ا‬
‫يفعل‪CC‬ه‪ .‬ومن ناحي‪CC‬ة أخ‪CC‬رى‪ ،‬ي‪CC‬ؤدي االكتف‪CC‬اء باجلانب العلمي وتقديس‪CC‬ه يف بن‪CC‬اء احلق‪CC‬ائق وعقلن‪CC‬ة‬
‫الظ ‪CC‬واهر اجلدي ‪CC‬دة ي ‪CC‬ؤدي إىل مثالي ‪CC‬ة متعالي ‪CC‬ة ال ج ‪CC‬دوى منه ‪CC‬ا‪« .‬ال مف ‪CC‬ر من اإلش ‪CC‬ارة إىل عج ‪CC‬ز‬
‫املثالي ‪CC‬ة عن إع ‪CC‬ادة تك ‪CC‬وين عقالني ‪C‬ة‪ C‬من الط‪CC‬راز احلديث‪ ،‬عقالني ‪C‬ة‪ C‬فاعل‪CC‬ة قابل ‪CC‬ة لتش‪CC‬كيل مع‪CC‬ارف‬
‫املن‪CC‬اطق‪ C‬اجلدي‪CC‬دة للتجربة»‪ 3‬فاالجتاه املث‪CC‬ايل منفص‪CC‬ل عن الواق‪CC‬ع وعن تتب‪CC‬ع أحباث العلم التجري‪CC‬يب‬
‫باشالر غاستون‪ ،‬الفكر العلمي اجلديد‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪5‬‬ ‫‪1‬‬

‫املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪11‬‬ ‫‪2‬‬

‫العقالنية التطبيقية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪34‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪212‬‬
‫فال بد من اإلقرار بالعالقة الوثيقة بني الط‪CC‬رفني‪ :‬الواق‪CC‬ع‪/‬التجرب‪C‬ة والعلم‪/‬النظرية‪ ،‬والتموق‪CC‬ع على‬
‫حمور العقالني‪C‬ة‪ C‬التطبيقي‪CC‬ة واملادي‪CC‬ة املعلم‪CC‬ة وال ميكن للفك‪CC‬ر العلمي أن يبقى‪ C‬منع‪CC‬زال يف جه‪CC‬ة على‬
‫حس ‪CC‬اب أخ ‪CC‬رى‪ .‬و«ال ميكن تأس ‪CC‬يس العل ‪CC‬وم الطبيعي ‪CC‬ة ب ‪CC‬دون ال ‪CC‬دخول يف احلوار بني العقالين‬
‫‪1‬‬
‫واملخترب»‬
‫وأس‪CC‬هب يف مناقش ‪C‬ة هذه املس‪CC‬ألة يف كت‪CC‬اب "العقالني ‪C‬ة‪ C‬التطبيقي‪CC‬ة" حيث ي ‪C‬بني في‪CC‬ه‬
‫األس‪CC‬س النظري‪CC‬ة للتجرب‪CC‬ة‪ .‬إن الفك‪CC‬ر العلمي تغذي‪CC‬ه حرك‪CC‬ة طرفاه‪CC‬ا م‪CC‬ا ه‪CC‬و قبلي وم‪CC‬ا ه‪CC‬و بع‪CC‬دي‬
‫وال ب ‪CC‬د من موق ‪CC‬ف ابس ‪CC‬تمولوجي يق ‪CC‬ر باالرتب ‪CC‬اط بني النزع ‪CC‬تني العقالني‪C C‬ة‪ C‬والتجريبي‪C C‬ة‪ C‬ارتب ‪CC‬اط‬
‫يكتسي‪ C‬قوة ومتانة كارتباط اللذة واألمل‪ .‬إن النزعة التجريبية يف حاجة إىل أن تتعقل والنزعة‬
‫العقالني‪CC C C‬ة يف حاج‪CC C C‬ة إىل أن تطب‪CC C C‬ق‪ ،‬ويف غي‪CC C C‬اب ق‪CC C C‬وانني اس‪CC C C‬تنتاجية‪ C‬مرتابط‪CC C C‬ة ال ميكن للنزع ‪CC C‬ة‬
‫التجريبية أن تكون موضوعا للتفكري وال مادة للتعليم‪ ،‬ومن دون التطبيق على الواقع املباشر‬
‫ال ميكن للنزع‪CC‬ة العقالني ‪C‬ة‪ C‬أن تت‪CC‬وفر على ق‪CC‬وة اإلقن‪CC‬اع الت‪CC‬ام إن االبس‪CC‬تمولوجي‪ C‬يق‪CC‬ف على‬
‫مفرتق طرق بني الواقعية والعقلية‪ .‬وحينها يستطيع أن يدرك احلركي‪CC‬ة اجلدي‪CC‬دة هلذه الفلس‪CC‬فات‬
‫املتض ‪CC‬ادة‪ C،‬الت ت ‪CC‬ربز حركة مزدوج ‪CC‬ة فيها يب ّس ‪C‬ط العلم الواق ‪CC‬ع ويع ّق‪CC‬د العق ‪CC‬ل‪ .‬وتتقلص املس ‪CC‬افة‬
‫ال‪CC‬يت ت‪CC‬ذهب من الواق‪CC‬ع املف َّس‪C‬ر إىل الفك‪CC‬ر املطبّ‪CC‬ق‪ .‬فالق‪CC‬انون التجري‪CC‬يب ال تتأك‪CC‬د قيمت‪CC‬ه إال عن‪CC‬دما‬
‫يصبح أساساً للتجرب‪CC‬ة‪ .‬إن العلم ال‪C‬ذي ي‪CC‬ذعن إىل ال‪C‬رباهني والتج‪CC‬ارب والقواع‪CC‬د والق‪C‬وانني‪ ،‬ه‪C‬و‬
‫يف حاجة إىل فلسفة ذات قطبني‪ .‬وبعبارة أدق ه‪C‬و يف حاج‪C‬ة إىل منو دي‪C‬اليكتيكي‪ ،‬ألن املفه‪C‬وم‪C‬‬
‫ال يتضح إال بالنظر إليه نظرة متكاملة ومن وجهيت نظر فلسفتني خمتلفتني‪.‬‬
‫لقد استخلص باشالر الدرس االبس‪C‬تمولوجي‪ C‬وأيقن باس‪C‬تحالة التعوي‪C‬ل على اجتاه‬
‫دون آخر‪ .‬ولذلك رفض اعتبار املعرفة أو احلقيق‪CC‬ة كمعطى ج‪C‬اهز أو تط‪CC‬ابق ش‪CC‬كلي بني العق‪CC‬ل‬
‫والطبيع‪C‬ة‪ C‬ب‪CC‬ل اعتربه‪CC‬ا بن‪CC‬اءا ختيلي‪CC‬ا ومس‪CC‬ارا ج‪CC‬دليا بني العق‪CC‬ل والتجرب‪CC‬ة ض‪CC‬من رؤي‪CC‬ة ابس‪CC‬تيموجلية‬
‫منفتحة ومتطورة‪ .‬إن فلسفة العقل العلمي اجلديد يعتربها‪ C‬باشالر فلس‪CC‬فة مفتوح‪CC‬ة‪ ،‬تسعى إىل‬

‫املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪31‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪213‬‬
‫إقام‪CC C C C‬ة ح‪CC C C C‬وار بني العلم والفلس‪CC C C C‬فة‪ ،‬ومتخص‪C C C C‬ت عن ميالد عقالني ‪C C C‬ة‪ C‬مطبق‪CC C C‬ة‪ ،‬تش‪CC C C‬كل رؤي‪CC C C‬ة‬
‫إبس‪CC‬تمولوجية متفتح‪CC‬ة ومتط‪CC‬ورة و« واقعي‪CC‬ة قوامه‪CC‬ا العق‪CC‬ل املتحق‪CC‬ق‪ ،‬العق‪CC‬ل اجملرب »‪1‬حيث يتم‬
‫االنتق ‪CC‬ال من التجرب‪CC‬ة العفوي ‪C‬ة‪ C‬اىل التجرب ‪CC‬ة التقني ‪CC‬ة وتتغ ‪CC‬ري بني‪CC‬ة العق ‪CC‬ل بتب‪CC‬دل مواض ‪CC‬يعه وحقائق‪CC‬ه‬
‫وتربز للعيان عقالنية‪ C‬تطبيقية جدلي‪C‬ة العالق‪CC‬ة بني العق‪C‬ل والتجرب‪C‬ة‪ .‬وباس‪C‬م نظري‪CC‬ات علم الق‪C‬رن‬
‫العش‪CC C‬رين الثورية وال‪CC C‬يت اس‪CC C‬تجاب هلا باش‪CC C‬الر إىل أبع‪CC C‬د احلدود يعلن عن « عقالني‪CC C‬ة تض ‪CC‬اعف‬
‫فرص التفكري –العامل‬
‫الفيزيائي‪ C‬خيرب بطرق جدي‪C‬دة عق‪C‬ل جتري‪C‬يب ق‪C‬ادر على تنظيم ف‪C‬وق عقالين للواق‪C‬ع‪ ،‬العق‪C‬ل يف‬
‫عص‪CC‬رنا انقس‪CC‬م على نفس‪CC‬ه جبدل داخلي »‪ 2‬مبع‪CC‬ىن أن احلقيق‪CC‬ة العلمي‪CC‬ة ليس‪CC‬ت معطى انطولوجيا‬
‫قابال لإلدراك وال جوهرا ثابتا تكتفي‪ C‬الذات بالكشف عنها وإمنا صناعة تقني‪CC‬ة وابتك‪CC‬ار داليل‬
‫وإنشاء ختيلي يقوم على املراجعة املستمرة والتثبت‪ C‬التجرييب‪.‬‬
‫ومن هذا املنطلق تعترب النزعة الواقعية‪ C‬هدفا مش‪C‬روعا للس‪C‬جال الباش‪CC‬الري‪ ،‬فالطبيع‪C‬ة‬
‫المتدنا ب‪CC C‬أي معرف‪CC C‬ة ب‪CC C‬ل تك‪CC C‬ون‪ C‬مبواجهته‪CC C‬ا‪ .‬وب‪CC C‬الرغم من أن إبس‪CC C‬تيمولوجية‪ C‬باش‪CC C‬الر يص‪CC C‬فها‬
‫بالعقالني‪CC‬ة املطبق‪CC‬ة‪ ،‬إال أن‪CC‬ه يغلب العق‪CC‬ل على التجربة‪ .‬حيث يق‪CC‬ر بوج‪CC‬ود ع‪CC‬امل لألفك‪CC‬ار خيتل‪CC‬ف‬
‫عن الع‪CC‬امل امللم‪CC‬وس املادي « ليس الفك‪CC‬ر ال‪CC‬واقعي أب‪CC‬دا ه‪CC‬و ال‪CC‬ذي يث‪CC‬ري من تلق‪CC‬اء نفس‪CC‬ه أزمات‪CC‬ه‬
‫اخلاصة وإمنا ينبجس االن‪CC‬دفاع الث‪CC‬وري من ناحي‪CC‬ة أخ‪CC‬رى‪ .‬أن‪CC‬ه يول‪CC‬د من مملك‪CC‬ة اجملرد‪ .‬ول‪CC‬ذا فإن‪CC‬ه‬
‫يف اجملال الرياض‪CC‬ي توج‪CC‬د ين‪CC‬ابيع الفك‪CC‬ر التجري‪CC‬يب املعاصر»‪ 3‬إن الفك‪CC‬ر العلمي املعاص‪CC‬ر منش‪CC‬غل‬
‫ببناء عامل على صورة العقل بدال من تشكيل العقل على صورة العامل‪.‬‬
‫ولذلك هو ال يكتفي بشرح وتفسري الواقع‪ ،‬ب‪CC‬ل يه‪C‬دف أن يك‪C‬ون‪ C‬أداة للكش‪C‬ف عن‬
‫الواق ‪CC‬ع وإض ‪CC‬فاء الص ‪CC‬بغة املوض ‪CC‬وعية‪ C‬علي ‪CC‬ه‪ ،‬ه ‪CC‬ذه املهم ‪CC‬ة ال تك ‪CC‬ون إال بفض ‪CC‬ل بن ‪CC‬اء عقالين من‬

‫غاستون باشالر‪ ،‬الفكر العلمي اجلديد‪ ،‬مصدر‪ C‬سابق‪ ،‬ص ‪9‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪l engagement rationaliste, op cit, ,p: 8‬‬
‫الفكر العلمي اجلديد‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪55‬‬
‫‪3‬‬

‫‪214‬‬
‫املفاهيم املتكاملة وظيفيا فيما بينها مث يعم‪CC‬ل على تنظيم الواق‪CC‬ع رياض‪CC‬يا حيث يك‪CC‬ون‪ C‬في‪CC‬ه الواق‪CC‬ع‬
‫املباشر جمرد ح‪C‬ال من احلاالت املمكن‪CC‬ة للواق‪C‬ع املباش‪CC‬ر ال‪C‬ذي يعت‪CC‬ربه باش‪CC‬الر‪ ،‬جمرد داف‪C‬ع للتفك‪CC‬ري‬
‫العلمي وال ميكن أن يك‪CC C C‬ون موض ‪CC C‬وعا للمعرف‪CC C C‬ة‪ ،‬ال ب ‪CC C‬د من االنتق‪CC C C‬ال من وص ‪CC C‬ف الواق‪CC C‬ع إىل‬
‫تفسريه‪ .‬وهنا‬
‫يتجلى التض‪CC C C‬امن بني العق‪CC C C‬ل والتجربة إن « املذهب ال‪CC C C‬واقعي واملذهب العقلي يتب ‪CC C‬ادالن‬
‫‪1‬‬
‫إن الواق ‪CC C‬ع‬ ‫النصح بإس‪CC C C‬تمرار وإن م‪CC C C‬ذهبا منهم‪CC C C‬ا ال يس‪CC C C‬تطيع أن يؤل‪CC C C‬ف برهان‪CC C C‬ا علمي‪CC C C‬ا »‬
‫الفيزيائي‪ C‬املعاصر ليس معطى جتري‪C‬يب ندرك‪C‬ه بالتجرب‪CC‬ة املباش‪C‬رة‪ C‬كم‪CC‬ا أعتق‪C‬د التجري‪C‬بيون وال ه‪CC‬و‬
‫ذايت ندرك ‪CC C‬ه وفق‪C C C‬ا ملب ‪CC C‬ادئ قبلي ‪CC C‬ة ج ‪CC C‬اهزة كم ‪CC C‬ا ذهب إلي ‪CC C‬ه املث ‪CC C‬اليون‪ ،C‬ب ‪CC C‬ل ه ‪CC C‬و واق ‪CC C‬ع يتص‪CC C‬ف‬
‫باالصطناع‪.‬‬
‫ويتح‪CC‬ول العلم املعاصر يف منظ‪CC‬ور باش‪CC‬الر إىل عقالني‪CC‬ة مطبق‪CC‬ة وجمرب‪CC‬ة‪ ،‬أو جتريبي‪CC‬ة موض‪CC‬حة‬
‫ومعقلن‪CC‬ة‪ .‬ومل خيف ش‪CC‬غفه بالفيزي‪CC‬اء املعاص‪CC‬رة‪ ،‬فيزي‪CC‬اء النس‪CC‬بية وفيزي‪CC‬اء الك‪CC‬وانتم‪ ،‬فهي عقالني ‪C‬ة‪C‬‬
‫رياض‪CC‬ية‪ُ ،‬من ّقب‪CC‬ة جدالي‪CC‬ة دفاعي‪CC‬ة‪ ،‬تطبيقي‪CC‬ة‪ ،‬ال ت‪CC‬ؤمن بال معق‪CC‬ول الواق‪CC‬ع‪ ،‬ل‪CC‬ذلك يص‪CC‬فها بالفلس‪CC‬فة‬
‫الوحي‪C‬دة املفتوح‪C‬ة اهنا العل‪C‬وم امليكروفيزيائي‪C‬ة‪ C‬ال‪C‬يت يعتربه‪C‬ا ص‪C‬احب فلس‪C‬فة ال‪C‬رفض أص‪C‬يلة بفض‪C‬ل‬
‫القطيعة اليت فصلت بينها وبني الفيزياء الكالسيكية‪ C.‬لذلك عدها علوم العقل العلمي اجلديد‪.‬‬
‫وعندما يتحدث فيلسوف القطيعة عن جتربة قطعة الشمع عند ديكارت فه‪C‬و يهتم‬
‫به كنموذج للعقل العلمي الكالس‪CC‬يكي « لنق‪CC‬ارن‪ ،‬مثال‪ ،‬مالحظ‪CC‬ة قطع‪CC‬ة الش‪CC‬مع عن‪CC‬د ديك‪CC‬ارت‬
‫بتجرب ‪CC C‬ة نقط ‪CC C‬ة الش ‪CC C‬مع يف امليكروفيزي ‪CC C‬اء املعاص ‪CC C‬رة‪ ،‬ول ‪CC C‬نر تن ‪CC C‬وع النت ‪CC C‬ائج يف ميتافيزي ‪CC C‬اء اجلوهر‬
‫املوض‪CC C C‬وعي‪ C‬أو اجلوهر ال‪CC C C‬ذايت على الس‪CC C C‬واء»‪ 2‬بالنس‪CC C C‬بة إىل ديك‪CC C C‬ارت املوض ‪CC C C‬وعات‪ C‬املادي ‪CC C‬ة‬
‫ووجوده‪CC‬ا احلقيقي ال يكمن يف كوهنا أش‪CC‬ياء ذات ل‪CC‬ون أو رائح‪CC‬ة أو ص‪CC‬وت وال‪CC‬يت نعتق‪CC‬د يف‬
‫أنفسنا أننا ندركها يف األشياء بل حقيقتها أهنا أشيا ممتدة فهي ال متلك لونا أو رائحة أو ذوق‪CC‬ا‬

‫املصدر السابق‪ ،‬ص‬


‫‪10‬‬
‫‪1‬‬

‫العقالنية التطبيقية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪164‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪215‬‬
‫أو تركيب‪CC‬ا‪ ،‬ب‪CC‬ل جمرد ش‪CC‬كل وص‪CC‬ورة وامت‪CC‬داد أم‪CC‬ا الص‪CC‬البة والل‪CC‬ون وب‪CC‬اقي الص‪CC‬فات ال‪CC‬يت ننس‪CC‬بها‬
‫لألش ‪CC‬ياء اخلارجي ‪CC‬ة هي جمرد إحساس ‪CC‬ات فين ‪CC‬ا ناش ‪CC‬ئة عن خمتل ‪CC‬ف احلرك ‪CC‬ات والص ‪CC‬ور " طبيع‪C C‬ة‪C‬‬
‫اجلسم ال تكمن يف الوزن‪ .‬والصالبة واللون وغريها‪ ،‬ولكن من امت‪CC‬داد وحس‪CC‬ب‪ ...‬يف ج‪CC‬وهر‬
‫ممت‪CC‬د " إن كيفي‪CC‬ات األش‪CC‬ياء نوع‪CC‬ان حبس‪CC‬ب ديك‪CC‬ارت كيفي‪CC‬ات أولي‪CC‬ة‪ ،‬وتوج‪CC‬د يف األش‪CC‬ياء ذاهتا‬
‫وكيفيات ثانوية‪ C،‬وهي ذاتية ال‬
‫وج‪CC‬ود هلا إال يف أذهانن‪CC‬ا‪ .‬ال‪CC‬وردة مثال‪ ،‬كيفياهتا األولية هي ش‪CC‬كلها وحجمه‪CC‬ا وحركته‪CC‬ا‪،‬‬
‫أم ‪CC‬ا لوهنا ورائحته ‪CC‬ا هي كيفي ‪CC‬ات ثانوي ‪C‬ة‪ C‬وجمرد إحساس ‪CC‬ات يف ال ‪CC‬ذهن ال غ ‪CC‬ري‪ .‬الع ‪CC‬امل احلقيقي‪C‬‬
‫إذن ه‪CC‬و ع‪CC‬امل ممت‪CC‬د يف حرك‪CC‬ة دون ل‪CC‬ون أو ص‪CC‬وت أو رائح‪CC‬ة‪ .‬وه‪CC‬ذا التص‪CC‬ور خيتل‪CC‬ف عن الع‪CC‬امل‬
‫ال ‪CC‬ذي يف ‪CC‬رتض أنن ‪CC‬ا نعيش فيه‪ .‬إن املوق ‪CC‬ف ال ‪CC‬ديكاريت يتأسس على نت ‪CC‬ائج العلم الطبيع ‪CC‬ىي لتل ‪CC‬ك‬
‫الف ‪CC‬رتة وال ‪CC‬يت ك ‪CC‬ان ينظ ‪CC‬ر فيه ‪CC‬ا للع ‪CC‬امل الفيزي ‪CC‬ائي‪ C‬كع ‪CC‬امل مؤل ‪CC‬ف من األجس ‪CC‬ام املمت ‪CC‬دة واجلزئي ‪CC‬ات‬
‫املتحركة‪ .‬وبسبب ذلك « توج‪C‬د يف الفلس‪CC‬فة الكالس‪CC‬يكية دائم‪CC‬ا نظري‪CC‬ة املعرف‪C‬ة‪ ،‬ال‪CC‬يت تتمح‪CC‬ور‬
‫وظيفتها يف سد اهلوة املوجودة بني القطبني » ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫إن الفكر العلمي اجلديد يرفض ثنائية فكر وامتداد«ككائن‪CC‬ات معرف‪C‬ة هنائي‪C‬ا وخ‪C‬ارج‬
‫املعرف‪CC‬ة ال‪CC‬يت حنص‪CC‬ل عليه‪CC‬ا‪ ،‬مها منغلقني ح‪CC‬ول نفس‪CC‬هما‪ ،‬ومتش‪CC‬يئني م‪CC‬رة أخ‪CC‬رى‪ ...‬بينم‪CC‬ا حس‪CC‬ب‬
‫باش‪CC‬الر‪ ،‬تبقى‪ C‬الثنائي ‪C‬ة‪ C‬ص‪CC‬حيحة يف حال‪CC‬ة بقائن‪CC‬ا على التعري‪CC‬ف التقلي‪CC‬دي للمص‪CC‬طلحني لكن إذا‬
‫أع‪CC C‬دنا تعري‪CC C‬ف م ‪CC‬ا يس ‪CC‬مى بالطبيع‪CC C‬ة يف العلم املعاص‪CC C‬ر‪ ،‬س‪CC C‬نعيد تعري‪CC C‬ف م ‪CC‬ا يس ‪CC‬مى باملوض ‪CC‬وع‬
‫وس ‪CC‬تختفي الثنائي ‪CC‬ة‪ ،‬هن ‪CC‬ا أيض ‪CC‬ا بالتأم ‪CC‬ل يف الفك ‪CC‬رة للموض ‪CC‬وع حظوظ ‪CC‬ا أك ‪CC‬ثر يف التعم ‪CC‬ق إن ‪CC‬ه يف‬
‫ت‪CC C‬رييض الطبيع‪CC C‬ة س‪CC C‬يظهر موض‪CC C‬وع العلم جبالء »‪ 2‬إن التجرب‪CC C‬ة الديكارتي‪CC C‬ة ختتزل املعرف‪CC C‬ة يف‬
‫الفهم أو ال‪CC‬ذكاء مبا أن الع‪CC‬امل معطى ذايت انطالق‪CC‬ا من أفك‪CC‬ار قبلي‪CC‬ة‪ .‬فمن فك‪CC‬رة االمت‪CC‬داد يك‪CC‬ون‪C‬‬
‫االتصال باملوضوع وليس العكس‪ ،‬فاملوضوع هنا يؤول إىل مفهوم فحس‪CC‬ب‪ ،‬باالض‪CC‬افة إىل أن‬

‫‪138‬‬ ‫الفكر العلمي اجلديد‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫املصدر السابق‪ ،‬ص ‪139 ،138‬‬


‫‪2‬‬

‫‪216‬‬
‫العالق‪CC‬ة أحادي‪CC‬ة االجتاه منطلقه‪CC‬ا الفك‪CC‬ر ال‪CC‬ذي يؤس‪CC‬س املعرف‪CC‬ة احلق‪CC‬ة دوم‪CC‬ا‪ .‬ويص‪CC‬ف باش‪CC‬الر ه‪CC‬ذه‬
‫التجربة بالغامضة‪ C‬أي ( جترب‪CC‬ة قطع‪C‬ة الش‪C‬مع ) «ه‪CC‬ذه التجرب‪CC‬ة الغامضة ت‪C‬ربهن يف نظ‪C‬ر ديك‪CC‬ارت‬
‫على غم‪CC‬وض الكيفياتاملوض‪CC‬وعية‪ C،‬إهنا مدرس‪CC‬ة شك»‪ 1‬فهي تتح‪CC‬دث عن موض‪CC‬وع بوج‪CC‬ه ع‪CC‬ام‬
‫وه‪CC‬و الع‪CC‬امل أو الطبيع‪CC‬ة‪ ،‬يف حني أن املوض‪CC‬وع العلمي مب‪CC‬ين وليس معطى ل‪CC‬ذلك مييز بني طبيع‪CC‬ة‬
‫كمعطى مباش ‪CC‬رة‪ ،‬وطبيع‪C C‬ة‪ C‬خمربي ‪CC‬ة « لننظ ‪CC‬ر إذن إىل العلم املعاص ‪CC‬ر من حيث مهمت ‪CC‬ه يف إنش ‪CC‬اء‬
‫املوض‪CC‬وعية‪ C‬التدرجيي‪CC‬ة‪ .‬إن الفيزي‪CC‬ائي‪ C‬ال يأخ‪CC‬ذ أب‪CC‬دا الش‪CC‬مع ال‪CC‬ذي ي‪CC‬ؤتى‪ C‬ب‪CC‬ه من اخللي‪CC‬ة‪ ،‬ب‪CC‬ل الش‪CC‬مع‬
‫النقي‪ C‬جهد اإلمكان‪ C‬الشمع احملدد كيميائيا املعزول يف هناية سلس‪C‬لة من الت‪C‬داول املنهجي‪...‬إن‪CC‬ه‬
‫إن صح الق‪C‬ول‪ ،‬ق‪C‬د حتق‪C‬ق يف جترب‪C‬ة ص‪C‬نعية‪ .‬وال يبص‪C‬ر مث‪C‬ل ه‪C‬ذا الش‪C‬مع الن‪C‬ور‪ -‬يف ش‪C‬كله النقي‪C‬‬
‫ال ‪CC‬ذي ليس ه ‪CC‬و بش ‪CC‬كله الط‪CC‬بيعي‪ -‬ل ‪CC‬و ال التجرب‪CC‬ة الص‪CC‬نعية‪ 2» C‬إن التمي ‪CC‬يز بني ه ‪CC‬ذين املس‪CC‬تويني‬
‫يضعنا أمام فكرتني‪:‬‬
‫فك‪CC‬رة س‪CC‬يكولوجية ذاتي‪CC‬ة‪ ،‬وفك‪CC‬رة علمي‪CC‬ة يف حني جند أن الثنائي‪C‬ة‪ C‬الديكارتي‪C‬ة‪ C‬ختل‪CC‬ط بني‬
‫الفكرتني‪ .‬إذ ومع ظهور امليكروفيزياء‪ ،‬تغري مفهوم الواقع «لق‪C‬د اص‪CC‬يب املفه‪C‬وم‪ C‬االنطول‪C‬وجي‬
‫امليت ‪CC‬افيزيقي‪ C‬للواق ‪CC‬ع بض ‪CC‬ربة من الفيزي ‪CC‬اء الكوانطي ‪CC‬ة فه ‪CC‬و مل يع ‪CC‬د فرض ‪CC‬ية ميتافيزيقي‪C C‬ة‪ C‬ب ‪CC‬ل أص ‪CC‬بح‬
‫فرضية منهجية اي وبعبارة أخ‪C‬رى انس‪CC‬لخت الص‪CC‬بغة‪ C‬الواقعي‪C‬ة‪ C‬اجلس‪CC‬مية واجلوهري‪CC‬ة األنطولوجي‪CC‬ة‬
‫عن املوض ‪CC‬وعات‪ C‬يف الفيزي ‪CC‬اء احلديثة»‪ 3‬فه ‪CC‬و مل يعد مفص ‪CC‬وال عن ال ‪CC‬ذات‪ .‬إذ ال نس ‪CC‬تطيع اجلزم‬
‫ب ‪CC‬أن الفوتون ‪CC‬ات واإللكرتون ‪CC‬ات موجية أو جس ‪CC‬مية‪ :‬فكلما ظه ‪CC‬رت مبظهرها اجلس ‪CC‬يمي اختفى‬
‫مظهرها املوجي والعكس‪ C‬صحيح‪ .‬ومن مثة تصدق النظرية اجلسمية واملوجية‪ C‬معا‪.‬‬
‫وهك ‪CC‬ذا أص ‪CC‬بح – يف اعتق ‪CC‬اد باش ‪CC‬الر – االهتم ‪CC‬ام أك ‪CC‬ثر من ذي قبل بالفرض ‪CC‬يات‬
‫وغدت الفيزي‪C‬اء أك‪C‬ثر ف‪C‬أكثر فرض‪C‬ية‪-‬اس‪C‬تنباطية‪ .‬والتجرب‪C‬ة – يف ص‪C‬ورهتا التقليدي‪C‬ة – أص‪C‬بحت‬
‫متج ‪CC‬اوزة « ملا ك ‪CC‬ان غرض ‪CC‬نا أن ن ‪CC‬درس فلس ‪CC‬فة العل ‪CC‬وم الفيزيائي ‪C‬ة‪ C‬بوج ‪CC‬ه خ ‪CC‬اص‪ ،‬فإن ‪CC‬ه علين ‪CC‬ا أن‬
‫العقالنية التطبيقية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪164‬‬ ‫‪1‬‬

‫املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪166‬‬


‫‪2‬‬

‫سامل يفوت‪ ،‬فلسفة العلم املعاصرة ومفهومها‪ C‬للواقع‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪85‬‬
‫‪3‬‬

‫‪217‬‬
‫نس‪CC‬تخلص حتق‪CC‬ق العقلي يف التجرب‪CC‬ة الفيزيائي‪CC‬ة‪ .‬وه‪CC‬ذا التحق‪CC‬ق ال‪CC‬ذي يقاب‪CC‬ل م‪CC‬ذهبا واقعي‪CC‬ا"تقني‪CC‬ا"‪C‬‬
‫إمنا ميث‪CC‬ل يف نظرن‪CC‬ا إح‪CC‬دى الس‪CC‬مات ال‪CC‬يت متيز الفك‪CC‬ر العلمي املعاصر »‪ 1‬ف‪C‬الواقع أص‪CC‬بح مفهوم‪CC‬ا‬
‫عقليا ميكن متثله بصور متعددة‪ ،‬خيتلف يف مفهومه عن الفكر العلمي السابق‪.‬‬
‫إن التصور‪ C‬السريي للمشكلة ميثل جتاوزا للموقف ال‪C‬ديكاريت والباش‪C‬الري مع‪C‬ا‪ .‬إن‬
‫ديك ‪CC C‬ارت وباش ‪CC C‬الر بالنس ‪CC C‬بة إىل س ‪CC C‬ري‪ ،‬بقي ‪CC C‬ا يف ت ‪CC C‬دحرج بني ال ‪CC C‬ذات واملوض ‪CC C‬وع‪ .‬ف‪CC C‬األول –‬
‫ديك‪CC‬ارت‪ -‬رفض ق‪CC‬راءة الع‪CC‬امل األك‪CC‬رب ( ‪ ) le macrocosme‬ملا يعت‪CC‬رب حقيق‪CC‬ة الع‪CC‬امل امتداد يف‬
‫حرك ‪CC‬ة دون ل ‪CC‬ون أو ص ‪CC‬وت أو رائحة باعتباره‪C C‬ا‪ C‬كيفي ‪CC‬ات ثانوي‪C C‬ة‪ C‬وجوده ‪CC‬ا مرتب ‪CC‬ط بأذهانن ‪CC‬ا‪C.‬‬
‫وه‪CC‬ذا ميث‪C‬ل إقص‪CC‬اء للموض‪C‬وع والتجرب‪CC‬ة‪ .‬وتنعكس‪ C‬ال‪C‬ذات على ذاهتا كأس‪CC‬اس للمعرف‪C‬ة‪ .‬ول‪CC‬ذلك‬
‫يص‪CC C‬فها س‪CC C‬ري باحلال‪CC C‬ة الذاتي‪CC C‬ة – الذاتي‪CC C‬ة ‪ ))subjectif-subjectif‬أو اهلندس‪CC C‬ية‪ .‬أم‪CC C‬ا الث ‪CC‬اين –‬
‫باش‪CC‬الر – رك‪CC‬ز اهتمام‪CC‬ه على الظ‪CC‬اهرة االنتش‪CC‬ارية‪ ‬كموض‪CC‬وع امتي‪CC‬ازي يف املعرف‪CC‬ة الفيزيائي‪CC‬ة‪C،‬‬
‫‪ ) subjectif‬ألهنا‬ ‫‪– objectif‬‬ ‫ويس ‪CC C‬ميها س ‪CC C‬ري باحلال ‪CC C‬ة الفيزيائي ‪CC C‬ة‪ C،‬أو ذاتي ‪CC C‬ة – موض ‪CC C‬وعية‪( C‬‬
‫تتلخص يف ح‪CC C‬وار بني العقالين واملادي « إن هن‪CC C‬اك من دون ش‪CC C‬ك بني‪CC C‬ة خفي‪CC C‬ة للمواض‪CC C‬يع‬
‫ولكن ال يتوص‪CC‬ل إليه‪CC‬ا إال ع‪CC‬رب العالق‪CC‬ة‪ ،‬والعالق‪CC‬ة هي بالض‪CC‬بط انتش‪CC‬ار إن الفيزي‪CC‬اء كلي‪CC‬ة تص‪CC‬بح‬
‫فيزي‪CC‬اء املنتش‪CC‬ر علم البص‪CC‬ريات الكهرب‪CC‬اء املغناطيس‪CC‬ية‪ C‬الكهرب‪CC‬اء الالس‪CC‬لكية‪ C‬ال‪CC‬ديناميكا احلراري‪CC‬ة‪،‬‬
‫علم اإلش‪CC‬عاعية‪ C،‬علم األص‪CC‬وات‪ » ...‬فاالنتش‪CC‬ار حيدث بس‪CC‬رعة يف الغ‪CC‬ازات والس‪CC‬وائل بس‪CC‬بب‬
‫‪2‬‬

‫حرك‪CC‬ة ذراهتا وجزيئاهتا املس‪CC‬تمرة والعش‪CC‬وائية‪ ،‬وه‪CC‬و حيدث بس‪CC‬رعة أك ‪CC‬رب يف الغ‪CC‬ازات عنه ‪CC‬ا يف‬
‫‪C‬ادما من جزيئ‪CC C‬ات الس‪CC C‬وائل‪ ،‬وه‪CC C‬ذه‬
‫الس‪CC C‬وائل‪ .‬إن اجلزيئ‪CC C‬ات الغازي‪CC C‬ة أك‪CC C‬ثر تباع‪Cً C C‬دا وأق‪CC C‬ل تص‪ً C C‬‬
‫التص‪CC C‬ادمات هي ال‪CC C‬يت تعي‪CC C‬ق االنتش‪CC C‬ار بني جزيئ‪CC C‬ات الس‪CC C‬وائل‪ .‬وبالت‪CC C‬ايل تتح‪CC C‬ول أس‪CC C‬ئلة فيزي ‪CC‬اء‬
‫غاستون‪ ،‬باشالر‪ ،‬الفكر العلمي اجلديد‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ص ‪9 ،8‬‬ ‫‪1‬‬

‫االنتشار (‪ )diffusion‬يف الفيزياء والكيمياء هي عملية توزيع جزيئات أو ذرات بشكل متسا ٍو يف فراغ أو يف‬ ‫‪‬‬

‫حيّ‪CC‬ز مت‪CC‬اح ‪ .‬ويتم االنتش‪CC‬ار بانتق‪CC‬ال اجلزيئ‪CC‬ات أو ال‪CC‬ذرات من منطق‪CC‬ة ذات ترك‪CC‬يز ع‪CC‬ايل إىل منطق‪CC‬ة ذات ترك‪CC‬يز أق‪CC‬ل‬
‫ح‪CC‬ىت يتس‪CC‬اوى ترك‪CC‬يز اجلزيئ‪CC‬ات يف املنطق‪CC‬تني‪ .‬وتنش‪CC‬أ ظ‪CC‬اهرة االنتش‪CC‬ار بس‪CC‬بب احلرك‪CC‬ة احلراري‪CC‬ة العش‪CC‬وائية جلزيئ‪CC‬ات‬
‫املادة اليت تصطدم مع بعضها البعض وتتباعد لتشغل مجيع احليز املتاح هلا‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪L interférence, op cit, p:87‬‬
‫‪218‬‬
‫االنتش ‪CC‬ار إىل البحث عن « م ‪CC‬ا ال ‪CC‬ذي ينتش ‪CC‬ر؟ وانطالق ‪CC‬ا مماذا ينتش ‪CC‬ر؟ كي ‪CC‬ف ينتش ‪CC‬ر؟ ويف أي‬
‫شيء ينتشر؟ وإىل أي مدى ينتشر؟ »‪.1‬‬
‫وحبس‪CC‬ب س‪CC‬ري اهتم‪CC‬ام باش‪CC‬الر باالنتش‪CC‬ار جيعل‪CC‬ه يف دائ‪CC‬رة هتمش املوض‪CC‬وع املدروس يف‬
‫ذاته وهو اجلسم الصلب‪ .‬ألنه يدرج‪CC‬ه يف املق‪CC‬ام الث‪CC‬اين‪ .‬إن احلال‪CC‬ة الباش‪CC‬الرية‪ C‬تؤك‪CC‬د على م‪CC‬ا ه‪CC‬و‬
‫ميكروكوزمي‪ C‬وسبق لنا التوضيح‪ ،‬بأن املوضوع‪ C‬العلمي عن‪C‬د باش‪C‬الر ليس معط‪C‬ا من معطي‪C‬ات‬
‫التجرب‪CC‬ة املباش‪CC‬رة‪ C‬حيث ال تكتفي‪ C‬بوص‪CC‬ف م‪CC‬ا ه‪CC‬و ج‪CC‬اهز واالقتص‪CC‬ار يف التفك‪CC‬ري على م‪CC‬ا تقدم‪CC‬ه‬
‫احلواس‪ ،‬ب‪CC C‬ل تتع‪CC C‬داه‪ C‬للتفك‪CC C‬ري يف إمكان‪CC C‬ات أخ ‪CC C‬رى للواق‪CC C‬ع ال واقعية وب‪CC C‬ذلك باش‪CC C‬الر ينتق‪CC C‬د‬
‫ديكارت لكنه ال يق‪C‬دم حال – يف نظ‪C‬ر س‪CC‬ري ‪ -‬ب‪CC‬ل يس‪C‬تبدل جمه‪CC‬وال (تغ‪CC‬ريات الع‪CC‬امل الط‪C‬بيعي‪ C‬يف‬
‫مث ‪CC‬ال الش ‪CC‬معة) مبجه ‪CC‬ول آخ ‪CC‬ر ه ‪CC‬و الال نظ ‪CC‬ام اجلس ‪CC‬يمي(الاليقني امليكروفيزي ‪CC‬ائي) «إن جمه ‪CC‬ول‬
‫النزع‪CC‬ة النس‪CC‬بية‪ C‬إىل احلواس(يع‪CC‬ين الديكارتي‪CC‬ة)ق‪CC‬د ع‪CC‬وض مبجه‪CC‬ول الالنظ‪CC‬ام اجلس‪CC‬يمي‪ ،‬أي ال‪CC‬ذي‬
‫يع‪CC C C‬ين ( عن‪CC C C‬د باش‪CC C C‬الر) » ‪ .‬ومن مث تص‪CC C C‬بح احلال‪CC C C‬ة ذات‪ -‬ذات أو ذات‪ -‬موض‪CC C C‬وع يف هناي‪CC C‬ة‬
‫‪2‬‬

‫املط‪CC‬اف ت‪CC‬ؤول إىل ذات‪ -‬ذات‪ .‬إن املوض‪CC‬وع يف ذات‪CC‬ه مهمش وملغى يف كلت‪CC‬ا احلالتني‪ .‬فكلم‪CC‬ا‬
‫دخلن‪CC‬ا البىن الدقيق‪CC‬ة للج‪CC‬انب الفيزي‪CC‬ائي‪ C‬زاد ت‪CC‬دخل ال‪CC‬ذات يف املوض‪CC‬وع‪ ،‬ومن مث ف‪CC‬إن املع‪CC‬ارف‬
‫ال ‪CC‬يت تس ‪CC‬تنتج مما س ‪CC‬بق إمنا هي معارفن ‪CC‬ا وليس ‪CC‬ت مع ‪CC‬ارف موض ‪CC‬وعية كم ‪CC‬ا تس ‪CC‬عى التعميم ‪CC‬ات‬
‫االختزالية إلثباهتا‪.‬‬
‫إن احلالة السريية أو حالة العقل العلمي اجلديد املتجدد‪ ،‬تطرح نفس‪CC‬ها ب‪C‬ديال حلال‪CC‬ة‬
‫العقل العلمي الباشالري وهذا ما يدفعنا إىل البحث والتنقيب‪ C‬عن عناص‪CC‬ر التجدي‪CC‬د يف الب‪CC‬ديل‬
‫الذي يقدمه ميشال سري‪.‬فما هو جديدها ؟‪.‬‬

‫إهنا متث‪CC‬ل فلس‪CC‬فة عام‪CC‬ة يف الطبيع‪CC‬ة‪ ،‬ت‪CC‬دعو إىل الع‪CC‬ودة إىل األش‪CC‬ياء يف ذاهتا‪ ،‬الع‪CC‬ودة إىل‬

‫يوسف تيبس‪ ،‬التصورات العلمية للعامل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪372‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪op cit, p:74‬‬

‫‪219‬‬
‫ق ‪CC‬راءة الإعالم ال ‪CC‬ذي متدنا ب ‪CC‬ه جترب ‪CC‬ة قطع ‪CC‬ة الش ‪CC‬مع ال ‪CC‬يت أمهله ‪CC‬ا ديك ‪CC‬ارت ورفض ‪CC‬ها باش ‪CC‬الر أي‬
‫«تصور الكون باعتباره نظاما ملعاجلة املعلومات ويف هذا التصور‪ C‬تكون كل املوجودات قادرة‬
‫على التعامل م‪C‬ع البيئ‪C‬ة‪ C‬احمليط‪C‬ة باعتباره‪CC‬ا م‪C‬دخالت معلوماتي‪CC‬ة‪ ،‬ويك‪C‬ون‪ C‬تفاع‪C‬ل ه‪C‬ذه املوج‪C‬ودات‬
‫م‪CC‬ع الطبيع‪CC‬ة مبثاب‪CC‬ة خمرج‪CC‬ات معلوماتي‪CC‬ة‪ .‬والف‪CC‬رق بني مس‪CC‬توى وآخ‪CC‬ر ليس س‪CC‬وى االختالف يف‬
‫مستوى التعقيد الذي تتم به معاجلة املعلومات»‪.1‬‬
‫إن‪CC‬ه موض‪CC‬وع العلم املعاصر‪ ،‬اجلس‪CC‬م الص‪CC‬لب‪ ،‬املتم‪CC‬يز باحلجمي‪CC‬ة واملقاوم‪CC‬ة والص‪CC‬البة‪C.‬‬
‫ف‪CC‬إذا ك‪CC‬ان الس‪CC‬ائل متغ‪CC‬ري الش‪CC‬كل بص‪CC‬فة ال هنائي‪CC‬ة‪ ،‬فاجلس‪CC‬م الص‪CC‬لب تغ‪CC‬ريه حمدود‪ ،‬ويت‪CC‬وفر على‬
‫ذاك‪CC C‬رة ختتزن املعلوم‪CC C‬ات‪ ،‬وبالت‪CC C‬ايل حيم‪CC C‬ل تارخييت‪CC C‬ه‪ ،‬ألن« اجلس‪CC C‬م الص‪CC C‬لب ينكش‪CC C‬ف يف جماهلا‬
‫كموضوع منقوش يتصف خباصية االحتفاظ‪ ،‬إهنا تعري اهتماما للجسم الص‪CC‬لب‪ ،‬وللتواص‪CC‬الت‬
‫ال ‪CC‬يت تتم بني املواض‪CC‬يع‪ 2»C‬واجلس ‪CC‬م الص‪CC‬لب هن ‪CC‬ا جمال ‪CC‬ه ممت‪CC‬د‪ ،‬من األرض إىل اإلنس ‪CC‬ان واحلي ‪CC‬وان‪.‬‬
‫وم ‪CC C‬ا مييز احلال ‪CC C‬ة الس ‪CC C‬ريية ك ‪CC C‬ذلك أهنا نظري ‪CC C‬ة يف اإلعالم‪ C‬تؤك ‪CC C‬د على أمهي ‪CC C‬ة العالق ‪CC C‬ة يف العل‪CC C‬وم‬
‫"التص ‪CC‬ور البن ‪CC‬اء‪ ،‬إنت ‪CC‬اج العالق ‪CC‬ات العالق ‪CC‬ات واالنتق ‪CC‬االت‪ C،‬التواص ‪CC‬ل بص ‪CC‬فة عامة " ففي ه ‪CC‬ذا‬
‫‪3‬‬

‫الفضاء العالئقي‪ C‬توجد اتصاالت‪ C‬وتواصالت تنقل اإلعالم من موضوع إىل آخر وتنقشه على‬
‫األجس ‪CC‬ام الص ‪CC‬لبة لتحتف ‪CC‬ظ ب ‪CC‬ه فهي تص ‪CC‬ور الك ‪CC‬ون باعتب ‪CC‬اره نظام ‪CC‬ا ملعاجلة املعلوم ‪CC‬ات‪ .‬وب ‪CC‬ذلك‬
‫‪objectif‬‬ ‫تنتفي‪ C‬العالقات الس‪C‬ابقة لتفس‪C‬ح اجملال أم‪C‬ام العالق‪C‬ة اجلدي‪C‬دة موض‪C‬وع – موض‪C‬وع (‬
‫‪ )objectif‬وخترج الذات من‬
‫ال ‪CC‬دائرة أو تعل ‪CC‬ق وفق ‪CC‬ا ملب ‪CC‬دأ االيب ‪CC‬وخي ب ‪CC‬املفهوم‪ C‬الس ‪CC‬ريي‪ .‬مث تس ‪CC‬عى ه ‪CC‬ذه العالق ‪CC‬ة لق ‪CC‬راءة‬
‫حديث املواضيع‪ C‬وإعادة تكوين هذا احلديث املوضوعي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫مسري أبوزي‪CC C‬د‪ ،‬من احلتمي‪CC C‬ة إىل الق‪CC C‬درة على االختي‪CC C‬ار‪ ،‬حنو ص‪CC C‬ياغة للنم‪CC C‬وذج الال ميك‪CC C‬انيكي اجلدي‪CC C‬د للطبيع‪CC C‬ة‪،‬‬
‫‪ ،www.arabphilosophers.com‬ص ‪22‬‬
‫يوسف تيبس‪ ،‬التصورات العلمية للعامل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪373‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪Serres, Michel, ECLAIRCISSEMENTS. Entretiens avec Bruno Latour editions‬‬
‫‪francois bourin, paris, 1992, p168‬‬

‫‪220‬‬
‫إن ه‪CC‬ذا الط‪CC‬رح أفرزت‪CC‬ه النظري‪CC‬ة الكاوس‪CC‬ية‪ C‬وث‪CC‬ورة املعلوم‪CC‬ات ال‪CC‬يت طغت على مجي‪CC‬ع‬
‫أوج ‪CC‬ه احلي ‪CC‬اة‪ .‬ح ‪CC‬ىت أن رول ‪CC‬ف الن ‪CC‬داور ‪‬كأح ‪CC‬د الفيزي ‪CC‬ائيني املعاص ‪CC‬رين ذهب من خالل املب ‪CC‬دأ‬
‫الذي وضعه (مبدأ النداور) إىل أن « املعلومات ميكن اعتبارها قيمة فيزيائية ملموسة وليس‪CC‬ت‬
‫جمرد مفهوم وهذه القيمة مثل الطاقة ال تفىن بل تتحول من شكل آلخر»‪ 1‬وأقصى معلومات‬
‫جندها يف « جزيء الدنا‪ ،‬ذلك احللزون املزدوج املعروف‪ ،‬الذي أصبح أيقونة القرن العش‪CC‬رين‬
‫»‪ 2‬إن داخل اخللية يف جزئ ( ‪ ) DNA‬يتخذ اجملمع التخزيين الكيميائي شكل لولب مزدوج‬
‫حيت‪CC C‬وي رم‪CC C‬وزا‪ ،‬هي الش ‪CC‬يفرة الوراثي‪CC C‬ة ال‪CC C‬يت تنق ‪CC‬ل التعليم ‪CC‬ات للج ‪CC‬نني‪ ،‬فهي حتدد جمري حي ‪CC‬اة‬
‫‪‬‬
‫الكائن بأكملها‪ .‬وحسب نظرية املعلومات كل رمز من رموز هذه الش‪CC‬يفرة متاثل (‪ )2‬بت‬
‫وأك ‪CC‬دت التج ‪CC‬ارب ال ‪CC‬يت ق ‪CC‬امت هبا العاملة األمريكي ‪C‬ة‪ C‬بارب ‪CC‬ارا م ‪CC‬اكلينتوك‪ ‬أن طري ‪CC‬ق املعلوم ‪CC‬ات‬
‫ليس أحادي‪C‬ا ال رجع‪C‬ة من‪C‬ه ب‪C‬ل املعلوم‪C‬ات تنتق‪C‬ل من ال‪C‬ربوتني إىل (‪ ) DNA‬ك‪C‬ذلك‪ .‬لقد أص‪C‬بح‬
‫علم األحي‪CC C C‬اء يعتم‪CC C C‬د بش‪CC C C‬كل كب‪CC C C‬ري على املعلوم‪CC C C‬ات‪ ،‬بع‪CC C C‬دما أدرك العلم‪CC C C‬اء الكم الكبري من‬
‫املعلومات اليت تعتمد عليها الكائنات احلية‪ .‬ب‪C‬ل أك‪CC‬ثر من ذل‪CC‬ك إن العملي‪C‬ات البيولوجي‪C‬ة‪ C‬داخ‪C‬ل‬
‫اخلالي ‪CC‬ا احلي ‪CC‬ة هي عملي ‪CC‬ات معاجلة بيان ‪CC‬ات متام ‪C‬اً كتل ‪CC‬ك العملي ‪CC‬ات ال ‪CC‬يت حتص ‪CC‬ل داخ ‪CC‬ل معاجلات‬
‫احلواس‪CC‬يب‪ .C‬واس‪CC‬تمراريتها بش‪CC‬كل ص‪CC‬حيح يعتم‪CC‬د على آلي‪CC‬ة دقيق‪CC‬ة لق‪CC‬راءة البيان‪CC‬ات‪ C‬املش‪CC‬فرة يف‬
‫ص‪CC‬بغيات اخللي‪CC‬ة‪ .‬ف‪C‬إذا ك‪CC‬ان « االنس‪CC‬ان‪ C‬يفخ‪C‬ر بأن‪CC‬ه ابت‪CC‬دع بواس‪CC‬طة التكنولوجي‪C‬ا‪ C‬احلديث‪CC‬ة الش‪CC‬رحية‬
‫الق‪C‬ادرة على خ‪C‬زن كمي‪C‬ات هائل‪C‬ة من املعلوم‪C‬ات‪ ،‬ف‪C‬إن ه‪C‬ذا االجناز ليس يف احلقيق‪C‬ة‪ C‬ش‪C‬يئا ي‪C‬ذكر‬
‫فيزي‪CC‬ائي أملاين األصل (‪ ،)1999-1927‬ي‪CC‬رى أن املعلوم‪CC‬ات ع‪CC‬ادة م‪CC‬ا توج‪CC‬د مش‪CC‬فرة يف وس‪CC‬يط فيزي‪CC‬ائي – ذاك‪CC‬رة‬ ‫‪‬‬

‫كمبيوتر مثالً – وأنه ملسح أصغر وحدة ممكنة من املعلومات – بتة واحدة – من الوس‪C‬يط الفيزي‪C‬ائي ال‪C‬ذي حيتويه‪C‬ا‬
‫فإن‪CC‬ه ينتج عن ذل‪CC‬ك كمي‪CC‬ة من الطاق‪CC‬ة احلراري‪CC‬ة ترف‪CC‬ع من قيم‪CC‬ة اإلنرتوبي‪CC‬ة الفيزيائي‪CC‬ة بقيم‪CC‬ة حمددة ثابت‪CC‬ة ق‪CC‬ام باس‪CC‬تنتاجها‬
‫ومسي هذا املبدأ مببدأ النداور‬
‫حنان الشرقي‪ ،‬املعلومات لغة الكون‪ ،‬القافلة‪ ،‬جملة ثقافية إلكرتونية‪/http://qafilah.com ،‬‬
‫‪1‬‬

‫ستيف‪ ،‬جونز‪ ،‬لغة اجلينات‪ ،‬تر‪ :‬أمحد رمو‪ ،‬دار طالس للدراسات والنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬سوريا‪ ،1999 ،‬ص ‪8‬‬ ‫‪2‬‬

‫البت وحدة قياس املعلومة‪ ، C‬وضعها كلود شانون صاحب نظرية املعلومات‪ ،‬وهبا مت تكميم وقياس املعلومات‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ب‪CC‬اربرا مكلينت‪CC‬وك (‪ )1992 C-1902‬عاملة أمريكي‪CC‬ة يف اختص‪CC‬اص الوراثي‪CC‬ات اخللوي‪CC‬ة وال‪CC‬يت حص‪CC‬لت على ج‪CC‬ائزة‬ ‫‪‬‬

‫نوبل يف الطب عام ‪1983‬‬


‫‪221‬‬
‫بالنس ‪CC‬بة ملا ه ‪CC‬و مت ‪CC‬وافر داخ ‪CC‬ل اخللي ‪CC‬ة من اعج ‪CC‬از ختزيين »‪ 1‬إن الكائن ‪CC‬ات احلي ‪CC‬ة ال تس ‪CC‬تطيع أن‬
‫وكمث ‪CC‬ال على نق ‪CC‬ل الإعالم بني املوض ‪CC‬وعات‪ C،‬حينم ‪CC‬ا‬ ‫تس ‪CC‬تمر ل ‪CC‬وال م ‪CC‬ا فيه ‪CC‬ا من معلوم ‪CC‬ات‬
‫تنق‪CC‬ل احلش‪CC‬رات غب‪CC‬ار الطل‪CC‬ع من زه‪CC‬رة إىل أخ‪CC‬رى ف‪CC‬إن م‪CC‬ا تق‪CC‬وم ب‪CC‬ه ه‪CC‬و عملي‪CC‬ة نق‪CC‬ل للمعلوم‪CC‬ات‬
‫الوراثية‪ C‬اليت حيملها الغبار بوصفه وسيلة إخصاب‪.‬‬
‫لق‪CC‬د غ‪CC‬ريت ث‪CC‬ورة البيولوجي‪C‬ا‪ C‬من مس‪C‬لّماتنا املوروث‪CC‬ة ح‪CC‬ول املادة وأص‪CC‬بح معلوم‪CC‬ا أن‬
‫‪‬‬
‫أج‪CC‬زاء اجلس‪CC‬د احلي تتفاع‪CC‬ل بفض‪CC‬ل تب‪CC‬ادل املعلوم‪CC‬ات فيم‪CC‬ا بينه‪CC‬ا‪ .‬ول‪CC‬ذلك ي‪CC‬دعونا ب‪CC‬ول ديف‪CC‬يز‬
‫من خالل كتابه "املعلومات وطبيعة‪ C‬الواقع ‪ :‬من الفيزياء إىل امليتافيزياء " مبعية نيلز جرجيريسن‬
‫إىل قلب املعادل‪CC‬ة م‪CC‬ع العلم املعاصر‪ ،‬والنظ‪CC‬ر إىل املعلوم‪CC‬ات باعتباره‪CC‬ا تش‪CC‬كل العنص‪CC‬ر األساس‪CC‬ي‬
‫يف بن‪CC‬اء الك‪CC‬ون‪ .C‬فهي ال‪CC‬يت تس‪CC‬مح بنش‪CC‬أة‪ C‬ق‪CC‬وانني الفيزي‪CC‬اء واملادة‪ ،‬أي أن املعلوم‪CC‬ات هي املص‪CC‬در‬
‫األويل لبناء العامل‪ .‬فهو يقدم منوذجاً علمياً وفلسفياً جديداً مف‪CC‬اده أن املعلوم‪C‬ات أس‪CC‬اس الك‪CC‬ون‬
‫والوجود‪.‬‬
‫وق‪CC‬د ح‪CC‬وى الكت‪CC‬اب‪ C‬ال‪CC‬ذي أص‪CC‬دره على جمموع‪CC‬ة أحباث لعلم‪CC‬اء خمتلفني لكنهم يتفق‪CC‬ون‬
‫على أولوي ‪CC C‬ة املعلوم ‪CC C‬ات ودوره ‪CC C‬ا يف ص ‪CC C‬ياغة تص ‪CC C‬وراتنا ح ‪CC C‬ول الع ‪CC C‬امل‪ .‬ونفس ال ‪CC C‬دعوة يطلقها‬
‫متخصص اهلندسة الكمي‪C‬ة س‪C‬يث لوي‪C‬د ملا ينظ‪C‬ر إىل ك‪C‬ل نظ‪C‬ام فيزي‪C‬ائي باعتب‪C‬اره عملي‪C‬ة حس‪C‬اب‬
‫للمعلومات‬
‫حتول يف عملية حساب املعلوم‪C‬ات‪ .‬وه‪C‬و يف ذل‪C‬ك‬
‫وأي تغري يف النظام الفيزيائي‪ C‬فهو جمرد ّ‬
‫يتف ‪CC‬ق م ‪CC‬ع مس ‪CC‬لمات ديف ‪CC‬يز‪ .‬ومن هن ‪CC‬ا ميكن تص ‪Cّ C‬ور األنظم ‪CC‬ة الفيزيائي ‪C‬ة‪ C‬كاف ‪CC‬ة على أهنا حس ‪CC‬ابية‬
‫ك‪CC‬الكومبيوتر متام‪C‬اً ‪ .‬وك‪CC‬ل املوج‪CC‬ودات من ال‪CC‬ذرة إىل اجملرة ومن اجلم‪CC‬ادات إىل الكائن‪CC‬ات‪ C‬احلي‪CC‬ة‬
‫حتت‪CC‬وي على معلوم‪CC‬ات‪ ،‬وأي تفاع‪CC‬ل بينه‪CC‬ا ليس س‪CC‬وى عملي‪CC‬ة حتوي‪CC‬ل للمعلوم‪CC‬ات‪ .‬إن الع‪CC‬امل م‪CC‬ع‬

‫انطوان بطرس‪ ،‬الثورات العلمية يف القرن العشرين مرجع سابق‪ ،‬ص ‪130‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ‬ب ‪CC‬ول ديف ‪CC‬يز (‪ C C)1946( ،)Paul Charles William Davies‬فيزي ‪CC‬ائي بريط ‪CC‬اين‪ ،‬جمال اهتمامات ‪CC‬ه البحثية‪:‬‬
‫الفيزياء الكونية والنظرية الكمومية وعلم الفلك البيولوجي‪ ،‬اقرتح رحلة بال عودة إىل املريخ كخيار ممكن احلدوث)‬

‫‪222‬‬
‫حل ‪CC‬ول الق ‪CC‬رن احلادي والعش ‪CC‬رين يتجه « وبض ‪CC‬غط من مراك ‪CC‬ز الثق ‪CC‬ل االقتص ‪CC‬ادي والتط ‪CC‬ورات‬
‫التكنولوجي ‪CC‬ة إىل مرحل ‪CC‬ة حض ‪CC‬ارية جدي ‪CC‬دة تتس ‪CC‬م ب ‪CC‬الرتكيز على املعلوم ‪CC‬ات‪ .‬وس ‪CC‬يكون الط ‪CC‬ابع‬
‫‪1‬‬
‫الغالب القتصاديات الدول قطاع املعلومات من توليد وتوزيع ونقل وتبادل وحفظ»‬
‫كم‪C‬ا ال خيفى أث‪C‬ر نظري‪C‬ة الفوض‪C‬ى يف ه‪C‬ذا التص‪C‬ور‪ .‬فهي هتتم بالع‪C‬امل املنظ‪C‬ور احملي‪C‬ط بن‪C‬ا‬
‫ال بع ‪CC C‬وامل امليكروس ‪CC C‬كويب الكوان ‪CC C‬يت والك ‪CC C‬ربي النس ‪CC C‬باوي‪ ( C‬النس ‪CC C‬بية‪ .) C‬ف ‪CC C‬العلم مبجئ نظري‪CC C‬ة‬
‫‪‬‬
‫الفوض‪C‬ى‪ C‬س‪CC‬لك مس‪CC‬ارا جدي‪CC‬دا جعلت واح‪CC‬دا من كب‪CC‬ار الفيزي‪CC‬ائيني املعاص‪CC‬رين س‪CC‬تيفن هوكينغ‪C‬‬
‫يتساءل عن مستقبل الفيزياء النظرية وكأنه‪ C‬إعالن‪ C‬بعجز فيزيائي غ‪CC‬ري ق‪C‬ادر على تفس‪CC‬ري مس‪CC‬ائل‬
‫الطبيعة‪ C‬مثل املوائع والتنبؤات اجلوية والنظام الشمسي‪.‬‬
‫ل ‪CC C‬ذلك ظه ‪CC C‬رت نظري ‪CC C‬ة الفوضى ( ‪ C C C)chaos‬كث ‪CC C‬ورة علمي ‪CC C‬ة جدي ‪CC C‬دة بع ‪CC C‬د النس‪CC C‬بية‪C‬‬
‫والكوانت ‪CC‬ا‪.‬ولق ‪CC‬د أك‪CC‬دت ه ‪CC‬ذه النظري ‪CC‬ة « أن احلتمي‪CC‬ة امليكانيكي ‪C‬ة‪ C‬ليس ‪CC‬ت فق‪CC‬ط غ ‪CC‬ري س ‪CC‬ارية على‬
‫مس‪CC‬توى اجلس‪CC‬يمات دون الذري‪CC‬ة‪ ،‬واملس‪CC‬توى‪ C‬احلي‪CC‬وي واملس‪CC‬توى‪ C‬اإلنس‪CC‬اين‪ ،‬وإمنا هي أيض‪CC‬ا غ‪CC‬ري‬
‫سارية بالكامل ح‪C‬ىت يف املس‪C‬توى الك‪C‬ربي الفيزي‪C‬ائي الط‪C‬بيعي‪ C‬ال‪C‬ذي ظ‪C‬ل دوم‪C‬ا املث‪C‬ال على حتقي‪C‬ق‬
‫وحس ‪CC‬ب س ‪CC‬تيفن وان ‪CC‬ربغ ‪‬عن ‪CC‬دما نتطل ‪CC‬ع إىل الطبيع ‪CC‬ة يف‬ ‫‪2‬‬
‫احلتمي‪CC‬ة امليكانيكي ‪C‬ة‪ C‬يف الطبيع‪CC‬ة »‬
‫مستويات أك‪CC‬ثر تعقي‪C‬دا‪ C‬ن‪C‬رى ظ‪C‬واهر تنبث‪CC‬ق دون أن يك‪CC‬ون هلا م‪CC‬ا يقابله‪C‬ا يف املس‪CC‬تويات األبس‪CC‬ط‬
‫وأقله ‪CC‬ا مجيع ‪CC‬ا مس ‪CC‬توى اجلس ‪CC‬يمات العنص ‪CC‬رية‪ .‬إن العلم املعاص ‪CC‬ر يتج ‪CC‬اوز النم ‪CC‬اذج اخلطي ‪CC‬ة إىل‬
‫النم ‪CC‬اذج الالخطية‪ .‬والعالق ‪CC‬ة اجلدي ‪CC‬دة ال ‪CC‬ىت فرض ‪CC‬تها تط ‪CC‬ورات العلم املعاص ‪CC‬ر هي موض ‪CC‬وع –‬

‫املرجع السابق‪ ،‬ص ‪282‬‬ ‫‪1‬‬

‫ستيفن هوكينج (‪ .،)1942( C)Stephen Hawking‬من أبرز علماء الفيزي‪C‬اء النظري‪CC‬ة املعاص‪C‬رين‪ ،‬ل‪CC‬ه أحباث‬ ‫‪‬‬

‫نظري‪CC C‬ة يف علم الك‪CC C‬ون‪ ،‬وأحباث يف العالق‪CC C‬ة بني الثق‪CC C‬وب الس‪CC C‬وداء وال‪CC C‬ديناميكا احلراري ‪CC‬ة‪ ،‬باإلض ‪CC‬افة إىل أحباث أخ‪CC C‬رى يف‬
‫التسلسل الزمين‪.‬‬
‫مسري أبوزيد‪ C،‬العلم والنظرة العربية إىل العامَل ‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ ،2009 ، ،1‬ص ‪297‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ‬فيزيائي أمريكي (‪ )1933‬حائز على جائزة نوبل يف الفيزياء مناصفة مع شلدو غالشو والباكستاين عبد السالم ‪.‬‬
‫دراس‪CC C‬اته يف فيزي‪CC C‬اء هتدف إىل البحث عن الق‪CC C‬وانني النهائي‪CC C‬ة للطبيع‪CC C‬ة ألن معظم األحباث احلالي‪CC C‬ة يف فيزي‪CC C‬اء الطاق‪CC C‬ة‬
‫العالية تستوحي مربراهتا من احللم باحلصول على نظرية هنائية هبذا الصدد‪.‬‬
‫‪223‬‬
‫موض ‪CC‬وع‪ ،‬فينحص ‪CC‬ر احلديث بني املواض ‪CC‬يع واألدوات ويص ‪CC‬بح حتلي ‪CC‬ل املوض ‪CC‬وع التق ‪CC‬ين ض ‪CC‬رورة‬
‫ملحة حسب سري‪ .‬وتعم‪C‬ل األدوات التقني‪CC‬ة على نق‪C‬ل اإلعالم‪ C‬من موض‪C‬وع آلخ‪C‬ر‪ .‬وهبذا املع‪C‬ىن‬
‫« يصبح من غري املمكن افرتاض‪ C‬أن لكل حركة جلسم م‪CC‬ا س‪C‬ببا معين‪CC‬ا وإمنا منظوم‪CC‬ة معق‪C‬دة من‬
‫األسباب اليت تتفاعل مع اجلس‪C‬م‪ .‬وه‪CC‬ذا بطبيع‪CC‬ة احلال يتن‪CC‬اقض م‪C‬ع الف‪CC‬روض األساس‪CC‬ية للنم‪C‬وذج‬
‫امليك‪CC‬انيكي‪ C‬ال‪CC‬ذي يف‪CC‬رتض أن هن‪CC‬اك أس‪CC‬بابا حمددة حلرك‪CC‬ة اجلس‪CC‬م‪ ،‬وأن األس‪CC‬باب كله‪CC‬ا خارجي‪CC‬ة‬
‫ليس هلا عالق ‪CC C‬ة بالطبيع ‪CC C‬ة الداخلي ‪CC C‬ة للجس ‪CC C‬م س ‪CC C‬واء ك ‪CC C‬انت معاجلة للمعلوم ‪CC C‬ات أم خالفه »‪.1‬‬
‫فاحلوار يتم بني املواضيع‪.‬‬
‫ويؤكد هذه احلقيقة‪ C‬الفيزيائي سيمون بريكوفيتش‪ C‬بأن « معرفتنا بكمية املعلوم‪C‬ات‬
‫اهلائل‪CC‬ة ال‪CC‬يت حتتاجه‪C‬ا الكائن‪CC‬ات احلي‪CC‬ة الس‪CC‬تمرار احلي‪C‬اة جتربن‪CC‬ا على إع‪CC‬ادة النظ‪CC‬ر يف طبيع‪CC‬ة املش‪CC‬كلة‬
‫‪C‬ؤرق علم‪CC‬اء احلي‪CC‬اة حيث ع‪CC‬ادة م‪CC‬ا يس‪CC‬ألون‪ C‬عن كيفي‪C‬ة‪ C‬نش‪CC‬وء احلي‪CC‬اة‪ ،‬يف حني أن‬
‫الك‪CC‬ربى ال‪CC‬يت ت‪ِّ C‬‬
‫الس‪CC‬ؤال األج‪CC‬در ب ‪C‬أن ينش‪CC‬غلوا ب‪CC‬ه من وجه‪CC‬ة نظ‪CC‬ر ب‪CC‬ريكوفيتش‪ C‬ه‪CC‬و‪ :‬كي‪CC‬ف تس‪CC‬تمر احلي‪CC‬اة؟ ال‪CC‬يت‬
‫اتض‪CC‬ح لن‪CC‬ا خالل العق‪CC‬ود األخ‪CC‬رية من الق‪CC‬رن أن املعض‪CC‬لة يف أساس‪CC‬ها هي مش‪CC‬كلة معاجلة بيان‪CC‬ات‬
‫أكثر منها مشكلة التعرف إىل التفاعالت‪ C‬الفيزيائية والكيميائية داخل اخلاليا احلية‬

‫وحتديدها»‪ 2‬فهل مع‪C‬ىن ذل‪C‬ك أن س‪C‬ري يلغي ال‪C‬ذات كقطب مع‪C‬ريف إلغ‪C‬اء تام‪C‬ا؟‪ .‬إن ميش‪C‬ال‬
‫س ‪CC‬ري خيرج ال ‪CC‬ذات من دائ ‪CC‬رة العالق ‪CC‬ة املعرفي ‪CC‬ة وال ت ‪CC‬دخل من جدي ‪CC‬د يف ه ‪CC‬ذه ال ‪CC‬دائرة إال ض‪CC‬من‬
‫الش‪CC C C C C‬بكة‪ C‬التواص‪CC C C C C‬لية‪ ،‬كق‪CC C C C C‬ارئ لإلعالم فهي تتلقى اإلعالم‪ C‬وختزن‪CC C C C C‬ه‪ ،‬إهنا قطب لإلعالم‪ C‬بني‬
‫‪3‬‬
‫املواضيع‪ C‬والذوات « وألنين أوجد كقارئ ومتلق وحمتفظ باإلعالم نفسه أو املماثل له »‬
‫وهك‪CC‬ذا يتض‪CC‬ح لن‪CC‬ا الف‪CC‬رق بني احلال‪CC‬ة الباش‪CC‬الرية‪ C‬ال‪CC‬يت تتأس ‪C‬س‪ C‬على ح‪CC‬وار ج‪CC‬ديل بني‬

‫مسري أبوزيد‪ C،‬من احلتمية‪ C‬إىل القدرة على االختيار‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪21‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫حنان الشرقي‪ ،‬املعلومات لغة الكون‪ ،‬مرجع سابق‪/http://qafilah.com ،‬‬

‫‪3‬‬
‫‪Serres, Michel, ECLAIRCISSEMENTS, op cit, p:98‬‬

‫‪224‬‬
‫العقالين وال ‪CC‬واقعي‪ ،‬وال ‪CC‬يت ال ي ‪CC‬رى فيه ‪CC‬ا س ‪CC‬ري إال ح ‪CC‬وارا ذاتي ‪CC‬ا – ذاتي ‪CC‬ا إلمهاهلا األش ‪CC‬ياء يف ذاهتا‬
‫وع‪CC C C‬دم ق‪CC C C‬راءة اإلعالم املنق‪CC C C‬وش عليه‪CC C C‬ا والرتك‪CC C C‬يز على الواق‪CC C C‬ع كنظ‪CC C C‬ام عالئقي عقالين‪ ،‬حبكم‬
‫ارتباطه‪CC‬ا مبوض‪CC‬وعات امليكروفيزي‪CC‬اء‪ ،‬ويؤك‪CC‬د على حال‪CC‬ة جدي‪CC‬دة تتم‪CC‬اهى م‪CC‬ع تط‪CC‬ورات العل‪CC‬وم‬
‫املعاص‪CC‬رة يف زمن نظري‪CC‬ة اإلعالم‪ C‬ونظري‪CC‬ة الفوض‪CC‬ى‪ .‬ويتح‪CC‬ول ع‪CC‬ائق املعرف‪CC‬ة من ش‪CC‬يطان التحلي‪CC‬ل‬
‫النفسي‪ C‬مع باشالر إىل شيطان التواصل م‪CC‬ع ميش‪CC‬ال س‪CC‬ري‪.‬وننتق‪CC‬ل ك‪CC‬ذلك من اجلدل الباش‪CC‬الري‬
‫الق ‪CC‬ائم على النفي‪ C‬الش ‪CC‬امل ملا قب ‪CC‬ل الت ‪CC‬اريخ‪ ،‬والنفي اجلزئي للت ‪CC‬اريخ ال ‪CC‬رتاجعي‪ C،‬إىل االس ‪CC‬تيعاب‬
‫الش‪CC C‬امل للفك‪CC C‬ر التجري‪CC C‬يب كص‪CC C‬راع ض ‪CC‬د تش‪CC C‬ويش الض‪CC C‬جيج م‪CC C‬ع س‪CC C‬ري ‪ .‬فاملوض‪CC C‬وع الص ‪CC‬لب‬
‫خبصائصه الفيزيائية‪ C‬واملادية واملعلوماتية هو موضوع احلال‪CC‬ة الس‪CC‬ريية وهي ش‪C‬املة ال تقص‪CC‬ي من‬
‫نطاقه‪CC‬ا ش‪CC‬يئا باعتب‪CC‬اره م‪CC‬ا قب‪CC‬ل علمي مثلم‪CC‬ا ه‪CC‬و الش‪CC‬أن م‪CC‬ع باش‪CC‬الر فت‪CC‬اريخ الع‪CC‬امل ب‪CC‬دأ م‪CC‬ع فج‪CC‬ر‬
‫كتاب‪CC‬ة ه‪CC‬ذا الع‪CC‬امل‪ .‬وال‪CC‬ذات قطب ق‪CC‬ارئ لإلعالم يف املعرف‪CC‬ة‪ ،‬تتلقى‪ ،‬ختتزن‪ ،‬ومنب‪CC‬ع للح‪CC‬وار بني‬
‫املوضوعات‪ C‬من جهة والذوات العارفة من جهة أخرى‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫خامت ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‬
‫اخلـ ــامتة‬
‫بع‪CC C‬د التحلي‪CC C‬ل واملقارن ‪C C‬ة‪ C‬وال‪CC C‬يت أردن‪CC C‬ا من خالهلا اس‪CC C‬تجالء مك‪CC C‬امن التق‪CC C‬ارب والتش‪CC C‬ابه ونق ‪CC‬اط‬
‫االختالف والتب‪CC C C‬اين‪ C‬بني خص‪CC C C‬ائص الفك‪CC C C‬ر العلمي اجلدي‪CC C C‬د بني منوذجني ينتمي‪CC C C‬ان يف جغرافي‪CC C‬ا‬
‫الفلس ‪CC‬فة إىل مدرس ‪CC‬ة فلس ‪CC‬فة العل ‪CC‬وم الفرنس ‪CC‬ية املعاص ‪CC‬رة توصلنا إىل جمموع ‪CC‬ة من النت ‪CC‬ائج ال ‪CC‬يت‬
‫نوجزها يف النقاط التالية‪:C‬‬

‫‪ /1‬أف‪CC‬رزت ه‪CC‬ذه املقارن‪CC‬ة اتفاق‪CC‬ا بني النم‪CC‬وذجني على مس‪CC‬توى النظ‪CC‬ر إىل فلس‪CC‬فة العلم املعاص‪CC‬رة‬
‫ورهاناهتا‪ .‬فكل منهما أقر بتأخر الفلسفة عن عصرها وهو عصر تطور علمي ليس إال‪.‬‬
‫لكن أي علم تس ‪CC‬ايره الفلس ‪CC‬فة ؟ وهن ‪CC‬ا جيب أن نرص ‪CC‬د نقط ‪CC‬ة خالف جوهري ‪CC‬ة بينهما‪ .‬إىل‬
‫درجة يعيب‪ C‬فيها الثاين ( سري ) على األول ( باشالر ) ت‪CC‬أخره يف تتبع العلم املعاص‪C‬ر ونظريات‪CC‬ه‬
‫املعاص‪C‬رة‪ -‬املعاص‪C‬رة كم‪C‬ا يفض‪C‬ل أن يس‪C‬ميها‪ ،‬من اإلعالم‪ C‬وص‪C‬وال إىل الفوضى‪ .‬وك‪C‬أن باش‪C‬الر‬
‫وقع فيما كان يعيبه‪ C‬على الفالسفة‪ ،‬إننا نعيش علوم ما بعد النسبية‪ C‬والكوانتا‪C.‬‬
‫مث ما عسى الفلسفة أن تفعل يف العلم؟ باشالر كان ص‪CC‬رحيا‪ ،‬من مهامه‪CC‬ا اس‪CC‬تخالص القيم‬
‫االبستمولوجية‪ C‬للعلم املعاصر‪ .‬واليت تنعكس‪ C‬الحقا يف مقوالت الفلسفة ومنهجها‪.‬‬
‫إذ جيب على الفلس‪CC‬فة أن ت‪CC‬نزل إىل العلم حيث تنتظره‪CC‬ا مه‪CC‬ام جس‪CC‬ام‪ ،‬وعليه‪CC‬ا أن جتدد خطاهبا‬
‫وفقا حلقائقه‪ .‬لكن ميشال سري يؤس‪CC‬س ملقارب‪CC‬ة مغ‪CC‬ايرة تنطل‪C‬ق من تص‪CC‬ور عالق‪CC‬ة حمددة للفلس‪CC‬فة‬
‫ب‪CC‬العلم‪ .‬فالفلس‪CC‬فة ال تفك‪CC‬ر يف العلم وإال أص‪CC‬بح الفالس‪CC‬فة‪ C‬علم‪CC‬اء‪ ،‬فه‪CC‬ذه المه‪CC‬ام خاص‪C‬ة العلم‪CC‬اء‬
‫دون س‪CC‬واهم‪ .‬إن الفلس‪CC‬فة تفك‪CC‬ر م‪CC‬ع العلم‪ ،‬وفيم‪CC‬ا مل يفك‪CC‬ر في‪CC‬ه العلم‪ ،‬أو جتاهل‪CC‬ه العلم أو من‪CC‬ع‬
‫العلم من التفك‪CC C‬ري فيه‪ .‬ع ‪CC‬دا ذل‪CC C‬ك تص ‪CC‬بح الفلس ‪CC‬فة متطفل ‪CC‬ة أو مشوش ‪CC‬ة بالنس ‪CC‬بة‪ C‬إىل العلم‪ .‬إن‬
‫الفلس‪CC‬فة عن‪CC‬دما تس‪CC‬لم قيادهتا للعلم إىل احلد ال‪CC‬ذي وص‪CC‬ل إلي‪CC‬ه باش‪CC‬الر تتع‪CC‬رض خلط‪CC‬ر الخض‪CC‬وع‬
‫والسيطرة له‪ .‬وتزداد ابتعادا عن مشكالهتا املركزية ويضيق افقها البحثي‪ .‬لذلك‬

‫‪226‬‬
‫خالل ‪CC‬ه لل ‪CC‬ذات أن تك ‪CC‬ون خ ‪CC‬ارج نط ‪CC‬اق املعادل ‪CC‬ة‪ .‬وتتأس ‪C‬س‪ C‬عالق ‪CC‬ة جدي ‪CC‬دة يف العلم هي عالق ‪CC‬ة‬
‫موضوع موضوع‪ .‬كحالة جديدة تع‪C‬رب عن العق‪C‬ل العلمي اجلدي‪C‬د املتج‪C‬دد‪ .‬وه‪C‬و توج‪C‬ه تفرض‪C‬ه‬
‫التط‪CC‬ورات العلمي‪CC‬ة املعاص‪CC‬رة وخاص‪CC‬ة ث‪CC‬ورة املعلوم‪CC‬ات ال‪CC‬يت طغت على مجي‪CC‬ع أوج‪CC‬ه احلي‪CC‬اة ال‪CC‬يت‬
‫جتع‪CC‬ل ال‪CC‬ذات موقوف‪CC‬ة لق‪CC‬راءة اإلعالم‪ C‬إهنا ذاك‪CC‬رة تق‪CC‬رأ وختزن تتلقى وترس‪CC‬ل‪ ،‬وهي تنخ‪CC‬رط م‪CC‬رة‬
‫أخ‪CC‬رى ض‪CC‬من نط‪CC‬اق املوس‪CC‬وعة‪ C‬العلمي‪CC‬ة يف تفاع‪CC‬ل ذوايت يعكس البع‪CC‬د اجلم‪CC‬اعي للعلم املعاص‪CC‬ر‪.‬‬
‫فالذات العارفة هي حنن أو الذوات العاملة‪.‬‬
‫‪ /4‬إن التحلي ‪CC‬ل النفس ‪CC‬ي للمعرف ‪CC‬ة املوض ‪CC‬وعية ع ‪CC‬دة مفاهيمي ‪CC‬ة اس ‪CC‬تلها باش ‪CC‬الر من علم النفس‬
‫املعاص‪CC‬ر ونقلها إىل االبس‪CC‬تمولوجيا‪ ،‬على افرتاض أن مثة ج‪CC‬انب ب‪CC‬اطين دين‪CC‬اميكي يف العلم على‬
‫االبس ‪CC C‬تمولوجي‪ C‬أن يكشف عن ‪CC C‬ه ويجلي أث ‪CC C‬ره يف البحث العلمي‪ .‬وب ‪CC C‬ه ميكن من فهم املعرف‪CC C‬ة‬
‫العلمية يف تطورها أو تعثرها وتوقفها‪ .‬لكن ميشال س‪CC‬ري يوس‪CC‬ع نط‪CC‬اق التحلي‪CC‬ل كي ال ينحص‪CC‬ر‬
‫يف أف ‪CC‬ق نفس ‪CC‬ي ض ‪CC‬يق‪ .‬ب ‪CC‬ل ينطل ‪CC‬ق يف أف ‪CC‬ق أرحب وأوس ‪CC‬ع يس ‪CC‬ميه بالتحلي ‪CC‬ل املتع ‪CC‬دد األداء أو‬
‫الشامل وبلغة سري لوغاناليز‪ .‬الذي ال ينفي ماضي العلم وإمنا هو حتليل يستقصي كل أصناف‬
‫املعرف‪CC‬ة ومي‪CC‬ادين الثقاف‪CC‬ة املتنوع‪CC‬ة مبا فيه‪CC‬ا الفن والش‪CC‬عر‪ .‬فنق‪CC‬د العق‪CC‬ل عن‪CC‬د س‪CC‬ري استقص‪CC‬اء‪ C‬ش‪CC‬امل‬
‫للعلوم وتاريخ األديان واألساطري كذلك‪.‬‬
‫‪ /5‬متيز الفكر العلمي عند ميشال سري بالدعوة إىل ضرورة اخ‪C‬رتاق احلدود بني العل‪C‬وم الدقيق‪C‬ة‬
‫والعلوم اإلنسانية‪ C‬وفتح اآلفاق للتفكري الفلسفي ح‪C‬ول آث‪CC‬اره العلم على اإلنس‪CC‬ان والطبيع‪C‬ة‪ . C‬أو‬
‫م‪C‬ا يع‪C‬رف ب‪C‬أخالق البيئ‪C‬ة‪ C‬أو ب‪C‬التفكري اإليكولوجىي‪ .‬مما فتح الب‪C‬اب ل‪C‬ربوز ف‪C‬روع معرفي‪C‬ة جدي‪C‬دة‬
‫تت ‪CC C‬داخل‪ ،‬يف إطاره ‪CC C‬ا العل ‪CC C‬وم اإلنس ‪CC C‬انية‪ C‬واملف ‪CC C‬اهيم االيكولوجي ‪C C‬ة‪ C‬كعلم النفس‪ C‬البي ‪CC C‬ئي والنق ‪CC C‬د‬
‫اإليكولوجي وهي مسألة مل يعىن هبا الفكر العلمي اجلديد مع باشالر‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫ولنا يف األخري أن نتساءل هل نظري‪C‬ة الفوض‪C‬ى واإلعالم‪ C‬حقيق‪C‬ة متث‪C‬ل جتاوزا لث‪C‬ورة الكوانت‪C‬ا‪C‬‬
‫والنسبية ؟ ومن مث سيادة براديغم التواصل وانزياح منوذج القطيعة يف الفكر العلمي اجلديد‬
‫أم أهنما تكرسان لتعددية املعرفة وتنوعها؟‪.‬‬
‫الواق‪CC‬ع العلمي الي‪CC‬زال حيتفي‪ C‬بنظري‪CC‬ات النص‪CC‬ف األول من الق‪CC‬رن العش‪CC‬رين‪ .‬والبح‪CC‬وث املتقدم ‪C‬ة‪C‬‬
‫يف الفيزياء النظرية الراهن‪C‬ة تتج‪C‬ه حنو إجياد نظري‪C‬ة واح‪C‬دة ش‪C‬املة لتفس‪C‬ري الك‪C‬ون‪ C‬جبم‪C‬ع النظري‪C‬تني‬
‫النس‪CC‬بية والكوانت‪CC‬ا‪ .‬إن ه‪CC‬ذه احلق‪CC‬ائق العلمي‪CC‬ة حتكم بنس‪CC‬بية فعلي التواص‪CC‬ل والقطيع‪CC‬ة كخص‪CC‬ائص‬
‫للفكر العلمي اجلديد‪ .‬فالعلوم اليت استلهم منه‪CC‬ا باش‪CC‬الر أساس‪CC‬ه احلج‪CC‬اجي والإقن‪CC‬اعي مل تن‪CC‬دثر‬
‫أو تزول حبكم تقادمها ‪.‬‬

‫إن القطيعة االبستمولوجية‪ C‬اليت نظّ‪C‬ر هلا باش‪C‬الر فع‪C‬ل نس‪CC‬يب حتض‪CC‬ر وتغيب ع‪CC‬رب ت‪CC‬اريخ العلم‪.‬‬
‫كم‪CC‬ا أن التواصل ب‪CC‬املنظور الس‪CC‬ريي فع‪CC‬ل ينتش‪CC‬ر ويتب‪CC‬دد ع‪CC‬رب نفس الت‪CC‬اريخ‪ .‬ورمبا ه‪CC‬ذا م‪CC‬ا دف‪CC‬ع‬
‫بأح ‪CC‬د العلم ‪CC‬اء املعاص ‪CC‬رين (دانكن جي ‪CC‬ه واتس‪ -‬يف كتاب ‪CC‬ه الش ‪CC‬بكات ) إىل الق ‪CC‬ول ب ‪CC‬أن‪ C‬لغ ‪CC‬ات‬
‫‪C‬ريا‪ C‬م‪CC‬ا جند حنن العلم‪CC‬اء ص‪CC‬عوبة كب‪CC‬رية يف فهم بعض‪CC‬نا‪C‬‬
‫متام‪CC‬ا‪ ،‬وكث‪ً C‬‬
‫ف‪CC‬روع املعرف‪CC‬ة املتع‪CC‬ددة خمتلف‪CC‬ة ً‬
‫ض ‪C C‬ا ب ‪CC‬االختالف‪ ،‬ل ‪CC‬ذلك جيب على ك ‪Cٍّ C‬ل من ‪CC‬ا أن يتعلم ليس فق ‪CC‬ط‬
‫البعض‪ C،‬وتتس ‪CC‬م اجتاهاتن ‪CC‬ا أي ً‬
‫أيضا كيف يفكرون‪.‬‬
‫كيف يتحدث اآلخرون‪ ،‬بل ً‬

‫‪229‬‬
‫ملحق مصطلحات‬

‫‪230‬‬
‫ملحق املصطلحات‬

le nouvel esprit scientifique...................................‫اجلديد‬ ‫الفكر العلمي‬


le nouveau nouvel esprit scientifique.................‫املتجدد‬ ‫الفكر العلمي اجلديد‬
épistémologie....................................................................... C‫االبستمولوجيا‬

science .......................................................................‫العلم‬

théorie de la Connaissance .......................................................‫املعرفة‬ ‫نظرية‬


histoire des sciences ..................................................‫العلوم‬ ‫تاريخ‬
classification des ‫وم‬CC C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C ‫العل‬ ‫نيف‬CC C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C ‫تص‬
............................................................sciences

géométrie non euclidienne....................................‫الالأقليدية‬ ‫اهلندسة‬


C‫التبولوجيا‬
............................................................................................. topologie

géométrie fractale ................................................‫هندسة الفراكتال‬


La méthode C........................................‫يومي‬CC C C C C C C C C C C C C C C C C C C C‫املنهج األكس‬
axiomatique
théorie des ‫ات‬CC C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C‫اجملموع‬ ‫نظرية‬
................................................................ensembles

relativité .C...................................................................‫النسبية‬

l'espace..................................................................... C‫املكان‬
le temps .....................................................................‫الزمان‬

quantum ...................................................................‫الكوانتا‬

231
.…………………………………microphysique... C‫امليكروفيزياء‬
la matière ....................................................................‫املادة‬

Le principe d'indétermination .......................................‫مبدأ الالحتدد‬


la théorie du chaos .C.................................................‫الفوضى‬ ‫نظرية‬
................................................‫ة‬CC C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C‫ديناميكا احلراري‬CC C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C‫ال‬
thermodynamique
C‫األنثروبيا‬
................................................................................................ entropie

la théorie de l'information ..............C............................‫نظرية االعالم‬


cybernétique ............................................................‫سيربناطيقا‬

complexité C.................................................................‫التعقيد‬

Bifurcations C.............................................................‫التشعبات‬
L'attracteur ................................................................‫اجلاذب‬
........................................................‫ذايت‬CC C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C ‫التنظيم ال‬
autorégulation
feedback , ..............................................‫رجعي‬CC C C C C C C C C C C C‫ال‬ C‫ول‬CC C C C C C C C C C C C‫املفع‬
rétroaction
la philosophie du non ..................................................‫فلسفة الال‬
psychanalyse de la connaissance ......‫وعية‬CC C C C C C C‫ للمعرفة املوض‬C‫التحليل النفسي‬
objective
loganalyse..........................................................‫الشامل‬ ‫التحليل‬
Le rationalisme appliqué ........................................‫التطبيقية‬ ‫العقالنية‬
Dialictique .................................................. ..…………‫اجلدل‬

232
l'obstacle épistémologique............................................. C‫االبستمولوجي‬ ‫العائق‬
.....................................................................‫رأي‬CC C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C‫ال‬
L'opinion
‫التعميم‬
......................................................................................... generalisation

l'expérience............................................................. ‫األوىل‬ ‫التجربة‬


première
La connaissance générale ............................................‫العامة‬ ‫املعرفة‬
Obstacle .........................................‫اجلوهراين‬ ‫ائق‬CC C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C‫الع‬
substantialiste’L

la rupture épistémologique........................................... C‫االبستمولوجية‬ ‫القطيعة‬


.……………………………………………………la communication ‫التواصل‬

‫الواقعية‬
............................................................................................... Réalisme
.

C‫املثالية‬
............................................................................................... Idéalisme
.

Conscience C.................................................................‫الوعي‬

structuralisme mathématique .....................................‫الرياضية‬ ‫البنيوية‬

…………………………………………………………Le solide‫الصلب‬ ‫اجلسم‬


La ‫الرتمجة‬
……………………………………………………………traduction

iterference…….……………………………………….’L ‫التفاعل‬

233
LE transport ................................................................ ‫النقل‬
‫ترياد‬CC C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C‫االس‬
...................................................................... importation
....................................................................... ‫دير‬CC C C C C C C C C C C C C C C C C C C‫التص‬
exportation
C..............................................................‫وعة‬CC C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C C‫املوس‬
encyclopédie
Réseau de l'information............................................. C‫االعالم‬ ‫شبكة‬
parasite ....................................................................‫الطفيلي‬
réductive .................................................................‫االختزالية‬

‫املصادر واملراجع‬

234
‫قائمة املصادر واملراجع‪.‬‬
‫‪ /1‬املصادر‬
‫أ ‪ /‬بالعربية‬
‫‪ - .1‬باشالر غاستون‪ .‬العقالنية التطبيقية‪ ،‬تر‪ :‬بسام اهلاشم‪.‬املؤسسة اجلامعية‬
‫للدراسات والنشر‪ .‬ط‪ 1‬بريوت ‪1984‬‬
‫‪ .2‬باش‪CC‬الر غاس‪CC‬تون‪ ،‬تك‪CC‬وين العق‪CC‬ل العلمي‪ ،‬ت‪CC‬ر‪ :‬خلي‪CC‬ل أمحد خلي‪CC‬ل‪ ،‬املؤسس‪CC‬ة‬
‫اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع ‪ ،‬ط ‪ ،1‬بريوت ‪ ،‬لبنان ‪1983 ،‬‬
‫‪ .3‬باشالر‪ ،‬غاستون فلسفة الرفض‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪.1985 ،‬‬
‫‪ .4‬باشالر‪ ،‬غاستون‪ ،‬الفكر العلمي اجلديد‪ ،‬تر‪ :‬عادل العوا‪ ،‬منشورات‬

‫‪235‬‬
.1990 ،‫ اجلزائر‬،،1‫االسس ط‬
‫ ديوان املطبوعات‬،‫ خليل أمحد خليل‬:‫ تر‬،‫ جدلية الزمن‬،‫ غاستون‬، ‫ باشالر‬.5
.1983 ،‫ اجلزائر‬،1 ‫ ط‬،‫اجلامعية‬
‫ وزارة الثقافة‬،‫ عبد الرمحان بوعلي‬:‫ تر‬،‫ اإلصبع الصغرية‬،‫ ميشال سار‬.6
.2014 ،‫ قطر‬،‫ط‬.‫ د‬،‫والفنون والرتاث‬

‫ املصادر باللغة األجنبية‬/‫ب‬

Bachlard, Gaston.le nouvel esprit, scientifique, p.u.f, .1


N.S.E,1996
.Bachlard(gaston) la philosophie du non,p.u.f 1,973 p.n .2
Bachelard, Gaston, L’activité rationaliste de la physique
contemporaine, presse universitaire de France, Paris , 1971
Bachelard, Gaston, Essai Sur La Connaissance Approchée .3
librairie j.vrin 4 eme EP 1973
Bachelard, Gaston, L' engagement Rationaliste de la .4
.physique contemporaine .P.U.F.Paris , 1 971
Bachelard Gaston : Le Matérialisme Rationnel p.u.f. Paris .5
.1963
Bachelard, Gaston, Le Pluralisme Cohérant de la chemie .6
moderne p.u.f. Paris , 1971
SERRE,( Michel): Hermes I – La communication. Paris, .7
236
Minuit 1969
SERRES, (Michel) : Hermes II- L’interference. Paris, .8
Minuit 1972
SERRES, (Michel) : Hermes III – La traduction.Paris, .9
Minuit 1974
SERRES, (Michel) : Hermes IV – La distribution. Paris, .10
Minuit,1977
SERRES,( Michel) : Hermes V – Le passage du Nord-.11
Ouest, Paris, Minuit, 1980
.Serre,( Michel) : genese, Paris, B. Grasset, 1982 .12
13. Serres,( Michel) Hominescence. Paris: Éditions Le Pommier,
2001.
14. serres(Michel) La Naissance de la physique dans le texte de

Lucrèce: fleuves et turbulences. Paris: Minuit/Critiques, 1977


15. Serres(michel) Éclaircissements. Paris: edition François Bourin
1992.

:‫ قائمة املراجع‬/2

‫ باللغة العربية‬/‫أ‬
‫ة والرتمجة‬CC ‫ دار املاليني للطباع‬،‫ائلها‬CC ‫تمولوجيا وبعض مس‬CC ‫ االبس‬،‫اد‬CC ‫عييب عم‬CC ‫وزي ش‬CC ‫ ف‬.1
.2010 ،‫ دمشق‬،)‫ط‬.‫(د‬،‫والنشر والتوزيع‬
،‫رة‬C‫فة العلم املعاص‬C‫ات يف فلس‬C‫ايا واجتاه‬C‫ قض‬:‫امل‬C‫ة للع‬C‫ التصورات العلمي‬،‫ تيبس يوسف‬.2
.2014 ،‫لبنان‬-‫ بريوت‬،1‫ ط‬،‫دار الروافد الثقافية‬

237
‫‪ .3‬إوال‪CC C‬د فرانس ‪CC C‬وا وآخ‪CC C‬رون‪ ،‬مس ‪CC C‬ارات فلس ‪CC C‬فية‪ ،‬ت ‪CC C‬ر‪ :‬حمم‪CC C‬د ميالد‪ ،‬دار احلوار للنش‪CC C‬ر‬
‫والتوزيع ط‪ ،1‬دمشق‪.2004 ،‬‬
‫‪ .4‬جالل (مشس ال ‪CC C‬دين) البني ‪CC C‬ة التكويني ‪CC C‬ة لفلس ‪CC C‬فة العل ‪CC C‬وم‪ ،‬م ‪CC C‬دخل لفلس ‪CC C‬فات العل ‪CC C‬وم‪،‬‬
‫مؤسسة الثقافة اجلامعية‪ ،‬ط‪ ،1‬اإلسكندرية‪.2009 ،‬‬
‫‪ .5‬كلي رايت)وليم( ت ‪CC‬اريخ الفلس ‪CC‬فة احلديث ‪CC‬ة‪ ،‬ت ‪CC‬ر‪ :‬حمم ‪CC‬ود س ‪CC‬يد أمحد‪ ،‬التن ‪CC‬وير للطباع ‪CC‬ة‬
‫والنشر والتوزيع ط ‪ 1‬بريوت لبنان‪.2010 ،‬‬
‫‪ .6‬مهيب‪CC‬ل )عمر( إش‪CC‬كالية التواص‪CC‬ل يف الفلس‪CC‬فة الغربي‪CC‬ة املعاص‪CC‬رة‪ ،‬منش‪CC‬ورات االختالف‬
‫ط‪ ،1‬اجلزائر‪.2005 ،‬‬
‫‪ .7‬س‪CC C‬تيس (وول‪CC C‬رت) ‪ ،‬ت‪CC C‬اريخ الفلس‪CC C‬فة اليوناني‪CC C‬ة‪ ،‬ترمجة جماه‪CC C‬د عب‪CC C‬د املنعم جماه‪CC C‬د‪ ،‬دار‬
‫الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬القاهرة‪1984 ،‬‬
‫‪ .8‬ك‪CC C C C‬رم(يوس‪CC C C C‬ف) ت‪CC C C C‬اريخ الفلس‪CC C C C‬فة اليوناني‪CC C C C‬ة‪ ،‬مطبع‪CC C C C‬ة جلن‪CC C C C‬ة الت‪CC C C C‬أليف والرتمجة‬
‫والنشر‪،‬مصر‬
‫‪1936‬‬
‫‪ . 9‬حمم ‪CC‬ود عثم ‪CC‬ان حمم ‪CC‬د )ص ‪CC‬الح( مش ‪CC‬كلة االتص ‪CC‬ال والالتن ‪CC‬اهي بني العلم والفلس ‪CC‬فة‪،‬‬
‫منشأة املعارف ط‪ ،1‬اإلسكندرية ‪. 1998‬‬
‫‪ . 10‬زي‪CC C C C C‬دان حمم ‪CC C C‬ود )فهمي( االس‪CC C C C C‬تقراء واملنهج العلمي‪ ،‬مؤسس‪CC C C C C‬ة ش‪CC C C C C‬باب اجلامعة‬
‫ط‪ ،4‬مصر‪1980 ،‬‬
‫‪ . 11‬بش ‪CC‬ته )عب ‪CC‬د الق ‪CC‬ادر( االبس ‪CC‬تمولوجيا مث ‪CC‬ال فلس ‪CC‬فة الفيزي ‪CC‬اء النيوتوني ‪CC‬ة‪ ،‬دار الطليع ‪CC‬ة‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪.1995 ،‬‬
‫‪ . 12‬دن ‪CC‬دش )ن ‪CC‬زار( م ‪CC‬ا ه ‪CC‬و العلم‪ ،‬رحل ‪CC‬ة التفك ‪CC‬ري العلمي‪ ،‬دار الف ‪CC‬ارايب‪ ،‬ط‪ ،1‬ب ‪CC‬ريوت‪،‬‬
‫لبنان ‪.2009‬‬

‫‪238‬‬
‫‪ .13‬البع‪CC C C‬زايت )بناصر( خص‪CC C C‬وبة املف ‪CC C C‬اهيم يف بن‪CC C C‬اء املعرف ‪CC C C‬ة‪ ،‬دراس‪CC C C‬ات ابس‪CC C C‬تمولوجية‪،‬‬
‫منشورات دار األمان‪ ،‬ط ‪ ،1‬الرباط‪.2007 ،‬‬
‫‪ .14‬ليشته )جون( مخسون مفكرا أساسيا معاص‪CC‬را‪ ،‬من البنيوي‪CC‬ة إىل م‪CC‬ا بع‪CC‬د احلداث‪CC‬ة‪ ،‬ت‪CC‬ر‪:‬‬
‫فاتن البستاين‪ ،‬املنظمة العربية للرتمجة‪ ،‬ط ‪ ،1‬بريوت‪.2008 ،‬‬
‫‪ . 15‬ك ‪CC‬ريييف ‪.‬ف‪ ،‬الكيمي ‪CC‬اء الفيزيائي ‪CC‬ة‪ ،‬الكت ‪CC‬اب األول‪ ،‬ت ‪CC‬ر‪ :‬عيس ‪CC‬ى مس ‪CC‬وح‪ ،‬دار م ‪CC‬ري‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬بدون طبعة‪ ،‬موسكو‪.1979 ،‬‬
‫‪ .16‬غلي ‪CC‬ك )ج ‪CC‬اميس( نظري ‪CC‬ة الفوض ‪CC‬ى‪ ،‬علم الالمتوق ‪CC‬ع‪ ،‬ت ‪CC‬ر‪ :‬أمحد مغ ‪CC‬ريب‪ ،‬دار الس ‪CC‬اقي‬
‫باالشرتاك مع مركز البابطني للرتمجة‪ ،‬ط‪ ،1‬الكويت‪.2008 ،‬‬
‫‪ .17‬زكري‪CC‬ا )ف‪CC‬ؤاد( آف‪CC‬اق الفلس‪CC‬فة‪ ،‬دار الوف‪CC‬اء ل‪CC‬دنيا الطباع‪CC‬ة والنش‪CC‬ر‪ ،‬ط‪ ،1‬االس‪CC‬كندرية‬
‫‪.2007‬‬
‫‪ . 18‬بياجيه (جون) ‪ ،‬البنيوية‪ ،‬تر‪:‬عارف منيمنة وبشري أوبري‪ ،‬منشورات عويدات‪ ،‬ط‬
‫‪4‬‬
‫بريوت لبنان‪.1985،‬‬
‫‪ .19‬ج ‪CC‬ان بياجي ‪CC‬ه‪ ،‬االبس ‪CC‬تمولوجيا التكويني ‪CC‬ة‪ ،‬ت ‪CC‬ر‪ :‬الس ‪CC‬يد نف ‪CC‬ادي‪ ،‬دار التك ‪CC‬وين‪ ،‬ط‪1‬‬
‫دمشق‪.2004 ،‬‬
‫‪ .20‬م ‪CC‬اير )أرنست( ه ‪CC‬ذا ه ‪CC‬و علم البيولوجي ‪CC‬ا‪ ،‬ترمجة‪ ،‬عفيفي حمم ‪CC‬ود عفيفي‪ ،‬المجلس‬
‫الوطين للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪ ،‬العدد‪ ،277،‬الكويت ‪.2002‬‬
‫‪ .21‬م ‪CC‬وي (ب ‪CC‬ول)‪ ،‬املنط ‪CC‬ق وفلس ‪CC‬فة العل ‪CC‬وم‪ ،‬ت ‪CC‬ر‪ :‬ف ‪CC‬ؤاد زكري ‪CC‬ا‪ ،‬دار هنض ‪CC‬ة مص ‪CC‬ر‪ ،‬د‪.‬ط‪،‬‬
‫القاهرة د‪.‬س‪.‬‬
‫‪ .22‬ماش‪CC C‬ريي )بي‪CC C‬ار( ك‪CC C‬ونت الفلس‪CC C‬فة والعل‪CC C‬وم‪ ،‬ت‪CC C‬ر‪ :‬س‪CC C‬امي أدهم‪ ،‬املؤسس‪CC C‬ة اجلامعي‪CC C‬ة‬
‫للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪.1994 ،‬‬
‫‪239‬‬
‫‪ .23‬فهمي زیدان(حمم ‪CC‬ود)‪ ،‬املنط ‪CC‬ق الرم ‪CC‬زي‪ ،‬نش ‪CC‬أته وتط ‪CC‬وره‪ ،‬دار النهض ‪CC‬ة العربیة‪ ،‬ط‪1‬‬
‫بریوت ‪.1979‬‬
‫‪ .24‬كوتنغه ‪CC‬ام )ج ‪CC‬ورج( العقالني‪C C‬ة‪ C‬فلس ‪CC‬فة متج ‪CC‬ددة‪ ،‬ت ‪CC‬ر‪ :‬حمم ‪CC‬د منق ‪CC‬ذ اهلامشي‪ ،‬مرك ‪CC‬ز‬
‫اإلمناء احلضاري ط‪ ،1‬حلب‪.1997 ،‬‬
‫‪ .25‬اجلابري )حمم‪CC‬د عابد( م‪CC‬دخل إىل فلس‪CC‬فة العل‪CC‬وم‪ ،‬العقالني‪CC‬ة املعاص‪CC‬رة وتط‪CC‬ور الفك‪CC‬ر‬
‫العلمي‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ط ‪ ،7‬بريوت‪.2011 ،‬‬
‫‪ . 26‬وقيدي (حممد) ما هي االبستيمولوجيا؟ مكتبة املعارف‪ ،‬ط‪ 2‬الرباط‪.1984 ،‬‬
‫‪ .27‬وقيدي (حممد) فلسفة املعرفة عند غاستون باشالر‪ ،‬مكتبة املعارف للنشر والتوزيع‬
‫ط‪ ،2‬الرباط‪.1984 ،‬‬
‫‪ .28‬وقي‪CC C C‬دي )حممد( العل‪CC C C‬وم اإلنس‪CC C C‬انية واإلي‪CC C C‬ديولوجيا‪ ،‬دار الكتب العلمي‪CC C C‬ة‪ ،‬ط ‪،3‬‬
‫‪. 2011‬‬ ‫بريوت‬
‫‪ .29‬بوشنس‪CC‬كي (جوزي‪CC‬ف) الفلس‪CC‬فة املعاص‪CC‬رة يف أورب‪CC‬ا تر‪:‬ع‪CC‬زت ق‪CC‬رين‪ ،‬اجلهلس الوط‪CC‬ين‬
‫للثقافة والفنون واآلداب عامل املعرفة‪ ،‬الكويت‪.1992 ،‬‬
‫‪ .30‬باليب‪CC‬ار (فرانس‪CC‬وا)‪ ،‬أنش‪CC‬تني غ‪CC‬اليلو وني‪CC‬وتن‪ ،‬ترمجة‪ :‬س‪CC‬امي أدهم‪ ،‬املؤسس‪CC‬ة‪ ،‬اجلامعي‪CC‬ة‬
‫للدراسات‪ ،‬والنشر والتوزيع‪ ،‬ط ‪ 1‬بريوت‪1993،‬‬
‫‪ .31‬غرين )براي‪CC‬ان( الك‪CC‬ون األني‪CC‬ق‪ ،‬األوت‪CC‬ار الفائق‪CC‬ة واألبع‪CC‬اد ال‪C‬دفني والبحث عن النظري‪CC‬ة‬
‫النهائية‪ ،‬تر‪ :‬فتح اهلل الشيخ‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت ‪.2005‬‬
‫‪ .32‬ج‪CC C C C C‬اكوب (فرنس‪CC C C C C‬وا) منط‪CC C C C C‬ق الع‪CC C C C C‬امل احلي‪ ،‬ترمجة علي ح‪CC C C C C‬رب‪ ،‬مرك‪CC C C C C‬ز اإلمناء‬
‫القومي(د‪.‬ط) بريوت‪.1990 ،‬‬
‫‪ .33‬ه‪CC C C C‬نري بوانكاریه ‪ ،‬العلم والفرض‪CC C C C‬یة‪ ،‬ترمجة د‪ .‬محادي بن ج‪CC C C C‬اب اهلل‪ ،‬مرك‪CC C C C‬ز‬
‫دراسات الوحدة العربیة‪ ،‬ط‪ ،1‬بریوت ‪.2002‬‬
‫‪240‬‬
‫‪ .34‬س ‪CC‬اهل (ب ‪CC‬وعزة)‪ ،‬جدلي ‪CC‬ة العلم والعق ‪CC‬ل من منظ ‪CC‬ور إبس ‪CC‬تمولوجي‪ ،‬منش ‪CC‬ورات دار‬
‫التوحيدي‪ ،‬ط‪ ،1‬املغرب‪.2007 ،‬‬
‫‪ .35‬س ‪CC‬اهل (ب ‪CC‬وعزة) علم اهلندس ‪CC‬ة بني العلم ‪CC‬اء والفالس ‪CC‬فة‪ ،‬دار الق ‪CC‬رويني‪ ،‬ط‪ ،1‬ال ‪CC‬دار‬
‫البيضاء‪2002 ،‬‬
‫‪ . 36‬عوض (عادل) منطق النظرية العلمية املعاصرة وعالقتها بالواقع التجرييب دار الوف‪CC‬اء‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬ط ‪ ،1‬االسكندرية‪2006 ،‬‬
‫‪ .37‬املوص ‪CC‬لي (أمحد س ‪CC‬امي) األس ‪CC‬ئلة اخلال ‪CC‬دة‪ ،‬مط ‪CC‬ابع التعليم الع ‪CC‬ايل‪ ،‬دون طبع ‪CC‬ة‪ ،‬بغ ‪CC‬داد‬
‫‪1989‬‬
‫‪ .38‬البع‪CC‬زايت (بناص‪CC‬ر)االس‪CC‬تدالل والبن‪CC‬اء‪ ،‬حبث يف خص‪CC‬ائص العقلي‪CC‬ة العلمية‪ ،‬دار األم‪CC‬ان‬
‫ط‪ ،1‬الرباط‪1999 ،‬‬

‫‪ .39‬بنعب ‪CC‬د الع ‪CC‬ايل‪،‬عب ‪CC‬د الس ‪CC‬الم‪ ،‬امليتافيزيق ‪CC‬ا والعلم واإلي ‪CC‬ديولوجيا‪ ،‬دار الطليع ‪CC‬ة للطباع ‪CC‬ة‬
‫والنشر‪ ،‬ط‪ ،2‬بريوت‪. 1993 ،‬‬
‫‪ .40‬بنعبد العايل(عبد السالم) املعرفة العلمية‪ ،‬سلسلة دفاتر فلسفية‪ ،‬ط‪ ،2‬املغرب‬
‫‪1996‬‬
‫‪ .41‬كانغيالم (جورج) دراسات يف تاريخ العلوم وفلس‪CC‬فتها ت‪CC‬ر‪ :‬خلي‪CC‬ل أمحد خلي‪CC‬ل‪ ،‬دار‬
‫الفكر للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪ 2‬بريوت‪ ،‬لبنان‪. 1992 ،‬‬
‫‪ .42‬شاملز (آالن ) نظريات العلم‪ ،‬تر‪ :‬احلسني سحبان وف‪CC‬ؤاد الص‪CC‬فا‪ ،‬دار توبق‪CC‬ال للنش‪CC‬ر‬
‫ط‪ ،1‬الدار البيضاء‪ ،‬املغرب‪.1991 ،‬‬
‫‪ .43‬حمم‪CC C C C‬د حمم‪CC C C C‬د قاس‪CC C C C‬م‪ ،‬املدخل إىل فلس‪CC C C C‬فة العل‪CC C C C‬وم‪ .‬دار املعرف‪CC C C C‬ة اجلامعي‪CC C C C‬ة‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫االسكندرية‬
‫‪241‬‬
‫‪.2003‬‬
‫‪ .44‬ميىن طري ‪CC‬ف اخلويل ‪ ،‬فلس ‪CC‬فة العلم يف الق ‪CC‬رن العش ‪CC‬رين‪ :‬األص ‪CC‬ول‪ ،‬احلص ‪CC‬اد‪ ،‬اآلف ‪CC‬اق‬
‫املس‪CC C‬تقبلية‪ .‬المجلس الوط‪CC C‬ين للثقاف‪CC C‬ة والفن‪CC C‬ون واآلداب ع‪CC C‬امل املعرف‪CC C‬ة ‪ ،264‬الك‪CC C‬ويت‪،‬‬
‫‪. 2000‬‬
‫‪ .45‬ش ‪CC‬عبان حس ‪CC‬ن ( الس ‪CC‬يد) برنش‪CC C‬فيك وباش‪CC C‬الر بني الفلس ‪CC‬فة والعلم‪ ،‬دراس‪CC C‬ة نقدي‪CC C‬ة‬
‫مقارنة دار التنوير للطباعة والنشر‪ .‬ط‪ 1‬بريوت‪ -‬لبنان ‪. 1993‬‬
‫‪ .46‬ديدييه (جيل) باشالر والثقافة العلمية‪ ،‬تر‪ :‬حممد عرب صاصيال‪ ،‬املؤسسة اجلامعي‪CC‬ة‬
‫للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،1‬بريوت‪1996 ،‬‬
‫‪ .47‬ك‪CC C‬ركي(علي حس‪CC C‬ني) االبس‪CC C‬تمولوجيا يف مي‪CC C‬دان املعرف‪CC C‬ة‪ ،‬ش‪CC C‬بكة املع‪CC C‬ارف‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫بريوت ‪.2010‬‬
‫‪ .48‬بدوي(عب‪C‬دالرمحان) م‪CC‬دخل جدي‪C‬د إىل الفلس‪CC‬فة‪ ،‬وكال‪C‬ة املطبوع‪CC‬ات‪ ،‬ط‪ ،1‬الك‪CC‬ويت‬
‫‪.1975‬‬

‫‪ .49‬فرينش‪ ،‬س‪C‬تيفن‪ ،‬العلم مف‪C‬اهيم فلس‪C‬فية أساس‪C‬ية‪ ،‬ترمجة‪ :‬ص‪C‬احل عب‪C‬د اهلل العب‪C‬د الك‪C‬رمي‬
‫جامعة امللك سعود‪( ،‬د‪.‬ط)‪ ،‬الرياض‪.2012 ،‬‬
‫‪ .50‬ي‪CC C‬و‪.‬ف‪.‬ي‪CC C‬اكوفيتش‪ ،‬أعظم ث‪CC C‬ورة علمي‪CC C‬ة يف الق‪CC C‬رن احلادي والعش‪CC C‬رين‪ ،‬ت‪CC C‬ر‪ :‬س‪CC C‬عيد‬
‫الباكري دار عال الدين للنشر والتوزيع والرتمجة‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪.2012 ،‬‬
‫‪ .51‬بوخليط سعيد‪ ،‬غاستون باش‪CC‬الر‪ ،‬حنو نظري‪CC‬ة يف األدب‪ ،‬دار الف‪CC‬ارايب‪ ،‬ط‪ 1‬ب‪CC‬ريوت‬
‫لبنان ‪.2011‬‬
‫‪ .52‬روي أوليف‪CC‬يي‪ ،‬العق‪CC‬ل العلمي اجلدي‪CC‬د‪ ،‬ت‪CC‬ر‪ :‬ق‪CC‬وعيش مجال ال‪CC‬دين‪ ،‬منش‪CC‬ورات اجمللس‬
‫األعلى للغة العربية‪( ،‬د‪.‬ط) اجلزائر‪.2013 ،‬‬
‫‪242‬‬
‫‪ .53‬بن ميس عب ‪CC‬د الس ‪CC‬الم‪ ،‬قض ‪CC‬ايا يف اإلبس ‪CC‬تمولوجيا واملنط ‪CC‬ق‪ ،‬ش ‪CC‬ركة النش ‪CC‬ر والتوزي ‪CC‬ع‬
‫املدارس‪ ،‬ط‪ ،1‬الدار البيضاء‪.2000 ،‬‬
‫‪ .54‬موسى كرمي‪ ،‬فلس‪CC‬فة العلم من العقالني‪CC‬ة إىل الالعقالني‪CC‬ة‪ ،‬دار الف‪CC‬ارايب‪ ،‬ط‪ 1‬ب‪CC‬ريوت‬
‫لبنان‪.2012 ،‬‬
‫‪ .55‬إدغ‪CC‬ار م‪CC‬وران وآخ‪C‬رون‪ ،‬إش‪CC‬كاليات الفك‪CC‬ر املعاص‪CC‬ر‪ ،‬منش‪CC‬ورات ال‪CC‬زمن‪ ،‬ط‪ C،1‬ال‪CC‬دار‬
‫البيضاء املغرب‪.2009 ،‬‬
‫‪ .56‬فليف‪CC‬ل اجلابري (ص‪CC‬الح) فلس‪CC‬فة العق‪CC‬ل‪ ،‬التكام‪CC‬ل العلمي وامليت‪CC‬افيزيقي‪ ،‬دار الف‪CC‬ارايب‬
‫ط‪ ،1‬بريوت‪ -‬لبنان‪.2012 ،‬‬
‫‪ .57‬وقي‪CC‬دي (حمم‪CC‬د) اإلبس‪CC‬تمولوجيا التكويني‪CC‬ة عن‪CC‬د ج‪CC‬ان بياجي‪CC‬ه‪ ،‬افريقي‪CC‬ا الش‪CC‬رق‪(،‬د‪.‬ط)‬
‫املغرب‪2007 ،‬‬
‫‪ .58‬يف ‪CC‬وت (س ‪CC‬امل) فلس ‪CC‬فة العلم املعاص ‪CC‬رة ومفهومه ‪CC‬ا للواق ‪CC‬ع‪ ،‬دار الطليع ‪CC‬ة‪ ،‬ط‪ 1‬لبن ‪CC‬ان‬
‫‪.1986‬‬

‫‪ .59‬هشام(حممد) تكوين مفهوم املمارسة االبستمولوجية عند باش‪CC‬الر‪ ،‬إفريقي‪CC‬ا الش‪CC‬رق‪،‬‬


‫(د‪.‬ط) املغرب‪. 2006 ،‬‬
‫‪ .60‬حسني (علي) فلسفة العلم املعاصرة ومفهومها لالحتم‪CC‬ال‪ ،‬ال‪C‬دار املص‪CC‬رية الس‪C‬عودية‬
‫للطباعة والنشر‪(،‬د‪.‬ط) ‪ ،‬القاهرة‪. 2005 ،‬‬
‫‪ .61‬إم برينس‪CC‬يبيه (ل‪CC‬ورنس) الث‪CC‬ورة العلمي‪CC‬ة مقدم‪CC‬ة قص‪CC‬رية ج‪CC‬دا‪ ،‬ت‪CC‬ر‪:‬حمم‪CC‬د عب‪CC‬د ال‪CC‬رمحن‬
‫إمساعيل مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة‪،‬ط‪ ،1‬مصر‪. 2014 ،‬‬
‫‪ .62‬كريستيانس ‪CC‬ن(جي ‪CC‬ل) اس ‪CC‬حاق ني ‪CC‬وتن والث ‪CC‬ورة العلمي ‪CC‬ة‪ ،‬ت ‪CC‬ر‪ :‬م ‪CC‬روان الب ‪CC‬واب‪ ،‬مكتب ‪CC‬ة‬
‫العبيكان‪ ،‬ط ‪ 1‬الرياض‪.2005 ،‬‬
‫‪243‬‬
‫‪ .63‬اجروس وجورج ستانسيو(روبرت) العلم يف منظروه اجلدي‪CC‬د‪ ،‬ت‪CC‬ر‪ :‬كم‪CC‬ال خاليلى‪،‬‬
‫عامل املعرفة ‪. 1989‬‬
‫‪ .64‬فري ‪CC‬د آالن وول ‪CC‬ف‪ ،‬م ‪CC‬ع القف ‪CC‬زة الكمومي ‪CC‬ة‪ ،‬ت ‪CC‬ر‪ :‬أدهم الس ‪CC‬مان‪ ،‬طالس للدراس ‪CC‬ات‬
‫والرتمجة والنشر‪ ،‬ط‪ ،2‬دمشق‪.2002 ،‬‬
‫‪ .65‬دوكني(م ‪CC‬وريس) املادة وض ‪CC‬د املادة‪ ،‬ت ‪CC‬ر‪ :‬رمس ‪CC‬يس ش ‪CC‬حاتة‪ ،‬دار املع ‪CC‬ارف‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫مصر ‪.1998‬‬
‫‪ .66‬جي ‪CC‬نز(جيمس) الفيزي ‪CC‬اء والفلس ‪CC‬فة‪ ،‬ت ‪CC‬ر‪ :‬جعف ‪CC‬ر رجب‪ ،‬دار املع ‪CC‬ارف‪(،‬د‪.‬ط)‪ ،‬مص ‪CC‬ر‬
‫‪.1981‬‬
‫‪ .67‬يب‪.‬ثي‪ ،‬ماس‪CC‬يوز‪ ،‬مقدم‪CC‬ة يف ميكانيك‪CC‬ا الكم‪ ،‬ت‪CC‬ر‪ :‬أس‪CC‬امة زي‪CC‬د إب‪CC‬راهيم ن‪CC‬اجي‪ ،‬ال‪CC‬دار‬
‫الدولية للنشر والتوزيع‪(،‬د‪.‬ط)‪ ،‬مصر‪( ،‬د‪.‬س)‪.‬‬
‫ط‪1‬‬ ‫‪ .68‬طري ‪CC‬ف اخلويل (ميىن) العلم االغ‪CC‬رتاب واحلري ‪CC‬ة‪ ،‬اهليئ ‪CC‬ة املص‪CC‬رية العام ‪CC‬ة للكت‪CC‬اب‪،‬‬
‫مصر‪1987،‬‬

‫‪ .69‬وداد احلاج حسن‪ ،‬رودولف كارناب هناية الوضعية املنطقية‪ ،‬املرك‪CC‬ز الثق‪CC‬ايف الع‪CC‬ريب‬
‫ط‪ ،1‬الدار البيضاء‪. 2001 ،‬‬
‫‪ . 70‬جون جريبني‪ ،‬البساطة العميقة‪ ،‬تر‪ :‬صبحي رجب عطا اهلل‪ ،‬اهليأة املص‪CC‬رية العام‪CC‬ة‬
‫للكتاب‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مصر‪.2013 ،‬‬
‫‪ .71‬ه ‪CC C‬ايزينبريغ (ف ‪CC C‬رينر)‪ ،‬الفيزي ‪CC C‬اء والفلس ‪CC C‬فة‪ ،‬ت ‪CC C‬ر‪ :‬ص ‪CC C‬الح ح ‪CC C‬امت‪ ،‬دار احلوار للنش ‪CC C‬ر‬
‫والتوزيع ط‪ ،1‬سوريا ‪.2011‬‬
‫‪ .72‬دي‪CC‬راك (ب‪CC‬ول)‪ ،‬مب‪CC‬ادئ ميكانيك‪CC‬ا الكم‪ ،‬ت‪CC‬ر‪ :‬حمم‪CC‬د أمحد العق‪CC‬ر وعب‪CC‬د الش‪CC‬ايف فهمي‬
‫عبادة‪ ،‬كلمات عربية للرتمجة والنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬االمارات العربية املتحدة‪.2010 ،‬‬
‫‪244‬‬
‫‪ .73‬لويد متز وجيفرس‪C‬ون هني ويغ‪C‬ر‪ ،‬قص‪C‬ة الفيزي‪C‬اء‪ ،‬ت‪C‬ر‪ :‬ط‪C‬اهر ترب‪C‬دار ووائ‪C‬ل األتاس‪C‬ي‪،‬‬
‫دار طالس للدراسات والرتمجة والنشر‪ ،‬ط‪ ،2‬دمشق‪.1999 ،‬‬
‫‪ .74‬فري ‪CC‬ديك ب ‪CC‬وش‪ ،‬ودايفي ‪CC‬د ج ‪CC‬ريد‪ ،‬أساس ‪CC‬يات الفيزي ‪CC‬اء‪ ،‬ج‪ ،5‬الفيزي ‪CC‬اء احلديث ‪CC‬ة‪ ،‬ت ‪CC‬ر‪:‬‬
‫س‪CC‬عيد اجلزي‪CC‬ري وحمم‪CC‬د أمني س‪CC‬ليمان‪ ،‬ال‪CC‬دار الدولي‪CC‬ة لالس‪CC‬تثمارات الثقافي‪CC‬ة‪ ،‬ط‪ ،1‬مص‪CC‬ر‪،‬‬
‫د‪.‬س‪.‬‬
‫‪ .75‬س ‪CC‬وكولوف وآخ ‪CC‬رون‪ ،‬امليكانيك ‪CC‬ا الكوانتي ‪CC‬ة‪ ،‬ت ‪CC‬ر‪ :‬حس ‪CC‬ن س ‪CC‬لمان‪ ،‬دار م ‪CC‬ري‪ ،‬د‪.‬ط‬
‫موسكو‪ ،‬د‪.‬س‪.‬‬
‫‪ .76‬روجر برونز وآخرون‪ ،‬فيزياء العقل البش‪CC‬ري والع‪CC‬امل من منظ‪CC‬ورين‪ ،‬ت‪CC‬ر‪ :‬عن‪CC‬ان علي‬
‫الشهاوي كلمات عربية للرتمجة والنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬اإلمارات العربية املتحدة ‪.2009‬‬
‫‪ .77‬س‪CC‬تيوارت (اي‪CC‬ان)‪ ،‬من يلعب ال‪CC‬نرد ‪ :‬الرياض‪CC‬يات اجلدي‪CC‬دة للظ‪CC‬واهر العش‪CC‬وائية‪ ،‬ت‪CC‬ر‪:‬‬
‫بسام امحد املغريب‪ ،‬دار طالس للنشر سوريا‪.194 ،‬‬
‫‪( .78‬خشبة سامي) ‪ ،‬مصطلحات الفكر احلديث‪ ،‬ج‪ 2‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‬

‫القاهرة ‪.2006‬‬
‫‪ .79‬غلي‪CC‬ك (جيمس)‪ :‬اهليولي‪CC‬ة تص‪CC‬نع علم‪CC‬ا جدي‪CC‬دا‪ ،‬ترمجة علي يوس‪CC‬ف علي‪ ،‬املش‪CC‬روع‬
‫القومي للرتمجة‪ ،‬اجمللس األعلى للثقافة‪.2000 ،‬‬
‫‪ .80‬بيرين‪CC‬ار‪ ،‬م‪CC‬ييج‪ ،‬الفك‪CC‬ر االتص‪CC‬ايل من التأس‪CC‬يس إىل منعط‪CC‬ف األلفي‪CC‬ة الثالث‪CC‬ة‪ ،‬ت‪CC‬ر‪ :‬أمحد‬
‫القصوار دار توبقال للنشر‪ ،‬ط‪ ،1.‬املغرب‪.2011 ،‬‬
‫‪ .81‬مصطفى الف‪CC‬ويل(حمم‪CC‬د)‪ ،‬الس‪CC‬يربنطيقا(لن‪C‬وربرت في‪CC‬نر)‪ ،‬اهليئ‪C‬ة املص‪C‬رية العام‪CC‬ة للكت‪CC‬اب‬
‫دط‪ ،‬القاهرة‪.1994 ،‬‬
‫‪245‬‬
‫‪ .82‬مظف ‪CC C‬ر ش ‪CC C‬عبان‪ ،‬ومسري ش ‪CC C‬عبان‪ ،‬الس ‪CC C‬يربنتيك‪ ،‬فك ‪CC C‬ر مب ‪CC C‬دع جيس ‪CC C‬د وح ‪CC C‬دة الطبيعة‬
‫منشورات وزارة الثقافة‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬دمشق‪.1991 ،‬‬
‫‪ .83‬ط‪CC‬ه عب‪CC‬د الرمحان‪ ،‬اللس‪CC‬ان وامليزان‪ ،‬أو التك‪CC‬وثر العقلي‪ ،‬املرك‪CC‬ز االثق‪CC‬ايف الع‪CC‬ريب‪ ،‬ط‪1‬‬
‫الدار البيضاء‪.1998 ،‬‬
‫‪ .84‬ملحم (جه‪CC‬اد) الفيزي‪CC‬اء وقض‪CC‬ايا العص‪CC‬ر‪ ،‬دار احلوار للنش‪CC‬ر والتوزي‪CC‬ع‪ ،‬ط‪ ،1‬س‪CC‬وريا‬
‫‪.2012‬‬
‫‪ .85‬حمم‪CC C‬د عب‪CC C‬د املعطي حمم‪CC C‬د (م‪CC C‬ىن) يف الفلس‪CC C‬فة واحلاس‪CC C‬وب" دراس‪CC C‬ة يف نت‪CC C‬ائج علم‬
‫السيربنطيقا" دار كلمة للنشر والتوزيع احلضري للطباعة‪ ،‬ط‪ ،1‬مصر ‪.2012‬‬
‫‪ .86‬مصطفى ناصف‪" :‬نظرية التأويل"‪ ،‬النادي األديب الثقايف‪ ،‬ط ‪ ،1‬جدة‪.2000 ،‬‬
‫‪ .87‬نص‪CC‬ر حام‪CC‬د أب‪CC‬و زي‪CC‬د "إش‪CC‬كاليات الق‪CC‬راءة وآلي‪CC‬ات التأوي‪CC‬ل"‪ ،‬املرك‪CC‬ز الثق‪CC‬ايف الع‪CC‬ريب‪،‬‬
‫د‪.‬ط‪ ،‬الدار البيضاء‪2001 ،‬‬
‫‪ .88‬جعفر(عبد الوهاب) خطاب الفلسفة املعاصرة‪ ،‬أداؤه وإش‪CC‬كالياته‪ ،‬دار الوف‪CC‬اء ل‪CC‬دنيا‬
‫الطباعة والنشر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬مصر‪.2003 ،‬‬

‫‪ .89‬املس ‪CC‬ريي (عب ‪CC‬د الوه ‪CC‬اب) الفلس ‪CC‬فة املادي ‪CC‬ة وتفكي ‪CC‬ك اإلنس ‪CC‬ان‪ ،‬دار الفك ‪CC‬ر املعاص ‪CC‬ر‬
‫للطباعة والنشر والتوزيع ‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪.2002 ،‬‬
‫‪ .90‬ض‪CC‬يف (ش‪CC‬وقى) ‪ :‬البحث االدىب طبيعت‪CC‬ه‪-‬مناهج‪CC‬ه‪-‬أص‪CC‬وله‪-‬مص‪CC‬ادره‪ ،‬دار املع‪CC‬ارف‬
‫ط‪ ،7‬القاهرة ‪. 1992‬‬
‫‪ .91‬زميرمان (مايكل) الفلسفة البيئي‪C‬ة من حق‪C‬وق احلي‪C‬وان إىل اإليكولوجي‪C‬ا اجلذري‪CC‬ة‪ ،‬ت‪C‬ر‪:‬‬
‫معني ش‪CC‬فيق رومي‪CC‬ة‪ ،‬المجلس الوط‪CC‬ين للثقاف‪CC‬ة والفن‪CC‬ون واآلداب‪ ،‬سلس‪CC‬لة ع‪CC‬امل املعرف‪CC‬ة ج‪1‬‬
‫الكويت‪.2006 ،‬‬
‫‪246‬‬
،‫ر‬CC ‫ مص‬،‫ دط‬،‫ر‬CC ‫ة مص‬CC ‫ مكتب‬،‫رة‬CC ‫فة املعاص‬CC ‫ات يف الفلس‬CC ‫ دراس‬،)‫راهيم‬CC ‫ا (اب‬CC ‫ زكري‬.92
.1967
1958 ،‫ مصر‬،3 ‫ ط‬،‫ مكتبة النهضة املصرية‬،‫ الطويل (توفيق) أسس الفلسفة‬.93
‫ر ط‬CC‫ة والنش‬CC‫ دار الطليعة للطباع‬،‫ العقالنية املعاصرة بني النقد واحلقيقة‬،‫ سامل يافوت‬.94
.1989 ‫ بريوت‬،2
،‫ة‬CC‫دة العربي‬CC‫ات الوح‬CC‫ز دراس‬CC‫ مرك‬، ‫امَل‬CC‫ة إىل الع‬CC‫رة العربي‬CC‫د ( مسري) العلم والنظ‬CC‫ أبوزي‬.95
.2009 ،‫ بريوت‬1‫ط‬

‫ باللغة األجنبية‬/‫ب‬

Dominique lecourt, Bachelard ou le jour et la nuit, Grasset, .1


.1974
Jean-Jacques Wunenburger, Ionel Buse, Bachelard: art, .2
.littérature, science, Editions Universitaires de Lyon III,2012

Jean gayon et Jean-Jacques Wunenburger, bachelard dans le .3


monde( science hisoire et société), presses universitaires de
.France, 2000
parrochia, Daniel, Les Grandes révolutions scientifiques du .4

247
.XXe siècle, Paris, PUF, 1997
Parrochia Daniel, Philosophie des réseaux, presses .5
universitaire de France, 1993
parrohia,Daniel, la forme des crises, logique et .6
.épistémologie, édition champ vallon, 2008
Bernadette bensaude-vincent, les vertiges de la .7
technoscince, éditions la découverte, paris, 2009
Ben ahmed mohamed, nouveaux paradigms en science et en .8
.technologie, centre de publication universitaire,Tunis, 2008
Vincent Lemieux, Les nouvelles technologies et le .9
paradigme de la communication, en collaboration avec la
Bibliothèque Paul-Émile-Boulet de l'Université du Québec à
.Chicoutimi, 1985
Cécil guitart, tutoyer le savoire, Une économie solidaire de .10
la société de l'information et de la connaissance, édition la pensée
.sauvage, 2007
Fréderic worms, jean-jacques wunenburger, Bachelard et .11
Bergson continuité et discontinuité, presses Universitaires de
.France, 2006
Auguste Nsonsissa, recherches philosophiques sur les .12
.théories des formes complexes, L’Harmattan, 2015
Marie-Madeleine Varet-pietri, l ingénierie de la .13
connaissance, la nouvel épistémologie appliquée, presses
.Univrsitaires franc-comtoises,paris, 2000
Pierre Riffard, les méthodes des grands philosophes, .14
.chemins de pensée, les éditions ovadia, 2013
.Vincent Bontems, Bachelard, les belles lettres, 2010 .15

Joao Caraca, science et communication, presses .16


.Universitaire de France, 1999
.morain Edgar, mes philosophes, édition germina, 2011 .17
Couturat Louis, La logique de Leibniz : d'après des .18

248
documents inédits, Source gallica.bnf.fr / Bibliothèque nationale
.de France
Pierssens, Michel. «Michel Serres et le mystère des .19
origines.» Savoirs à l'oeuvre: Essais d'épistémocritique. Lille:
.Presses Universitaires de Lille, 1990. 153-163
Michel Mansuy: Gaston Bachelard et les éléments, Librairie José .20
.corti, Paris, 1967
François Dagognet, philosophie du transfert, presses de .21
.l'imprimerie chirat édition michalon, france, 2006

‫ املعاجم واملوسوعات‬/3

‫ لسان العرب‬،‫ بن منظور‬.1


1994 ، ‫ الشركة العاملية للكتباب يروت‬.‫ املعجم الفلسفي‬:‫ مجيل صليبا‬.2
2 ‫ ط‬،‫ اجمللد األول‬،‫ تعريب أمحد خليل‬،‫ موسوعة الالند الفلسفية‬،‫ أندريه الالند‬.3
.‫منشورات عويدات بريوت‬
‫ املؤسسة العربية‬،2 ‫ ج‬،1‫ موسوعة الفلسفة و الفالسفة ج‬، ‫ عبد الرمحن بدوي‬.4
.1984 ،‫ بريوت‬،‫للدراسات والنشر‬

.‫ اجملالت والدوريات‬/4

‫ فصلية تصدر عن دار أمل للنشر والتوزيع‬،‫ مبدأ‬:‫ جملة البحوث والدراسات األدبية‬. 1
.2012 ‫ ربيع‬،‫ العدد األول‬،‫تونس‬

249
‫‪ .2‬جملة عامل الفكر‪ ،‬العدد ‪ 4‬اجمللد ‪ ،30‬وزارة اإلعالم الكويت‪.2000 ،‬‬
‫‪ .3‬جملة الثقافة املغربية العدد ‪ ،06‬دار املناهل للطباعة والنشر‪،‬املغرب‪.1992 ،‬‬
‫‪ .4‬جملة جامعة دمشق‪ ،‬اجمللد ‪ ،22‬العدد (‪ ،)4+3‬دمشق‪.2006 ،‬‬

‫‪ /5‬الرسائل اجلامعية‬

‫أ‪ /‬باللغة العربية‪:‬‬


‫علي بوقلي ‪CC‬ع‪ ،‬العقالني ‪CC‬ة املعاص ‪CC‬رة عن ‪CC‬د روب ‪CC‬ري بالنش ‪CC‬ي ( وتطبيقه ‪CC‬ا على املنط ‪CC‬ق )‬ ‫‪.1‬‬

‫أطروح‪CC C‬ة مقدم‪CC C‬ة لني‪CC C‬ل دكت‪CC C‬وراه الدول‪CC C‬ة يف الفلس‪CC C‬فة‪ ،‬كلي‪CC C‬ة العل‪CC C‬وم االجتماعي‪CC C‬ة‬
‫واالنسانية‪ ،‬جامعة منتوري قسنطينة‪.2005/2006 ،‬‬

‫ب‪ /‬باللغة األجنبية‬

‫‪2.‬‬ ‫‪Pierre-Marc Gendron, LE VOYAGE EXTRAORDINAIRE. LA‬‬


‫‪METHODE ET LE DISCOURS DE MICHEL SERRES, Mémoire‬‬
‫‪présenté à la Faculté des études supérieures de l'Université Laval,‬‬
‫‪QUÉBEC‬‬

‫‪250‬‬
‫ المواقع اإللكترونية‬/6
http://www.ahewar.org -1
http://www.revue-projet.com/articles/2003-2-interview -2
http://qafilah.com -3
www.anfasse.org -4
www.maaber.org -5
/http://www.hekmah.org -6

‫فهرس املوضوعات‬

251
252
‫فهرس املوضوعات‬

‫املقدمة‪.......................................................‬ص‪ C‬أ‪-‬ز‬

‫الفصل األول‬
‫‪.................‬ص‪71-8‬‬ ‫الفكر العلمي اجلديد ونظريات العلم املعاصر‬
‫الفراكتال‪.............‬ص‪10C‬‬ ‫املبحث األول‪ :‬اهلندسات الالأقليدية وهندسة‬
‫الالاقليدية‪...................................‬ص‪10C‬‬ ‫اهلندسات‪C‬‬ ‫‪-1‬‬

‫الفراكتالية‪.....................................‬ص‪22‬‬ ‫اهلندسة‬ ‫‪-2‬‬

‫االعالم‪...........‬ص‪30‬‬ ‫املبحث الثاين‪ :‬النسبية والكوانتا‪..‬الفوضى ونظرية‬


‫النسبية‪..........................................‬ص‪30C‬‬ ‫نظرية‬ ‫‪-1‬‬

‫الكم‪........................................‬ص‪38‬‬ ‫ميكانيكا‬ ‫‪-2‬‬

‫الفوضى(الكايوس)‪...............................‬ص‪54‬‬ ‫نظرية‬ ‫‪-3‬‬

‫املعلومات‪.......................................‬ص‪62C‬‬ ‫نظرية‬ ‫‪-4‬‬

‫الفصل الثانـ ـ ـ ـ ــي‬


‫اجلديد‪.................‬ص‪131-75C‬‬ ‫ابستمولوجيا القطيعة يف الفكر العلمي‬
‫املبحث األول‪ :‬املشروع الباشالري‪...‬مهامه وأهدافه‪.................‬ص‪C‬‬

‫‪266‬‬
‫منوذج الشبكة وأنسيكلوبيديا املعرفة‪.....................‬ص‪C‬‬ ‫‪-3‬‬
‫‪177‬‬

‫الفصل الراب ـ ــع‬


‫اجلديد‪.............‬ص‪238-186C‬‬ ‫جدل القطيعة والتواصل يف الفكر العلمي‬
‫املبحث األول‪ :‬تاريخ العلم بني القطيعة والتواصل‪...................‬ص‬
‫‪188‬‬

‫بني العقالنية االقليمية والتواصل بني اجلهويات العلمية‪.....‬ص‬ ‫‪-1‬‬


‫‪190‬‬

‫التحليل النفسي للمعرفة املوضوعية والتحليل الشامل‪.......‬ص‬ ‫‪-2‬‬


‫‪210‬‬

‫واملوضوع‪..........‬ص‪214C‬‬ ‫املبحث الثان ــي‪ :‬العقالنية العلمية وجدل الذات‬


‫مشكلة املعرفة بني الذات واملوضوع‪......................‬ص‪C‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪210‬‬

‫االعالمية‪...................‬ص‪223C‬‬ ‫العقالنية التطبيقية والعقالنية‬ ‫‪-2‬‬

‫اخلامتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــة‪......................................................‬ص‪239C‬‬

‫املصطلحات‪.............................................‬ص‪244C‬‬ ‫ملحق‬
‫قائمـ ــة املصادر واملراجع‪..........................................‬ص‪C‬‬
‫‪248‬‬

‫‪268‬‬
‫فهرس املوضوعات‪..............................................‬ص‪C‬‬
‫‪265‬‬

‫‪269‬‬

You might also like