Professional Documents
Culture Documents
كفضاء وكانت نتيجة تبلور مجموعة من املفاهيم تعبر عنه ولم تكن تعبر عن
حقيقته وذلك خدمة ألهداف سياسية واستعمارية غربية غير مكشوفة ،وهنا
يظهر تأثر إدوارد سعيد الكبير بجاك ديريدا فيما يتعلق بفصم العالقة بين الدوال
ومدلوالتها في تصوير الغرب للشرق ،ألن الشرق كعالمة على منطقة جغرافية أو
إنسان شرقي لم يكن مدلوله ما ُيعرف لدى ألاوروبيين عنه بل كان نتيجة
ُ ّ
مخيلتهم ،رأوه كما أرادوا أن يروه وال يمكن لصورته هذه أن تطابق الواقع الفعلي
له .
النقد الثقافي استراتيجية قرائية تهدف إلى تفكيك البنية الفكرية للنصوص
الغربية بهدف الكشف عن ألانساق الثقافية التي تشتغل داخل كيان تلك
النصوص ،وعن طريق هذه العملية يقوم النقد الثقافي بممارسة « القراءة
ً ّ
والتحليل والـنقد على مستويين معا ،وفي آن واحـد ،ينقد الخطاب النقدي
كمؤسسة وكانحيازات ،ويقتحم آلافاق ألاخرى التي لم يكن أحد يراها».3ّ القائم
فهو يعمل على كشف كل أشكال املسكوت عنه في تلك النصوص ويحاول إنطاقه
من أجل إظهار أن رؤية الغربي للشرقي ماهي إال نتيجة لثقافته وللمفهومات التي
تحملها وال يمكنها أن تعبر عن حقيقة الشرقي أو صورته ،ولذلك يعد "الاستشراق"
مؤلفا ذا أهمية بالغة في دراسة الخطابات وإظهار بناها الفكرية الخفية التي
تكرست عبر التاريخ . ّ
ثانيا؛ ألاسس املعرفية التي ساهمت في ظهور النقد الثقافي :
ومن أجل فهم جيد الستراتيجية النقد الثقافي في مقاربة النصوص ألادبية
كان من الالزم علينا أن نحاول فهم أصولها املعرفية ،فهو كشكل من التناول
نتيجة لفكر ما بعد الحداثة وما بعد البنوية وخاصة التفكيكية ،وكذلك الجهود
النقدية لفالسفة مدرسة فرانكفورت وتطبيقات أقطاب الدراسات الثقافية
بإنكلترا ،وتنظيرات النظرية ألادبية املعاصرة وكذلك القراءات الجديدة مع الناقد
الفرنس ي روالن بارث.
13
مخبر الدراسات األدبية والنقدية مجلة " المدوّنة"
د .سليم حيولة المدونة
-ما بعد البنوية ؛ تفكيكية جاك ديريدا ؛كشف البنية الثقافية
الخفية للنص
ّ
التحول عن البنيوية إن مابعد البنوية هي ذلك الفكر الجديد القائم على
التي جعلت العالقة متالزمة بين الدال واملدلول بينما مابعد البنوية قامت على
الفصل بينهما ،فأصبحت الدوال ال مدلوالت لها ،أو مدلوالته مرجأة إلى حين
بتعبير التفكيكين ،وقد ترك هذا الفكر الجديد أثره الواضح «على الدراسات
ّ
إلانسانية وهو أثر تمثل في التوجه إلى إغفال القضايا الجمالية واعتماد مداخل
نقدية ترى في النصوص ألادبية تحديدا نتاجا لصراعات أيديولوجية
وتاريخية» .4وهذا هو ما يحاول النقد الثقافي الكشف عنه وتوضيحه من خالل
تناول النصوص ألادبية ،حيث لم يعد ينظر لألدب كنصوص جمالية بل أصبح
يدرسها من أجل كشف بواطنها وأنساقها الثقافية الخفية؛ السياسية
وإلايديولوجية والفكرية ،والتي هي–في نهاية املطاف -نتيجة من نتائج الثقافة
بمعناها الواسع.
ّ ُ
وأبرز من يعبر عن فكر ما بعد البنوية هو الفيلسوف الفرنس ي جاك ديريدا
ّ
وتخصص في تاريخ الفلسفة ثم انتقل إلى فرنسا الذي ولد في الجزائر سنة 1331
ّ
وواصل نشاطاته الفكرية مؤلفا عددا كبيرا من الكتب أبان فيها عن ذكاء حاد
وقدرة عجيبة على استقراء ،ليس تاريخ الفلسفة الغربية فحسب ،وإنما التراث
الغربي منذ اليونان إلى حدود الفترة التي عاش فيها ،وكان من نتائجها استراتيجية
النصوص مهما كان نوعها.التفكيك التي جاء بها وهي استراتيجية قرائية لكل ُّ
والتفكيك الذي جاء به ليس منهجية قرائية كما أنه ليس نموذجا قرائيا
معبرا عن روح فكر مابعد البنوية في توصل إليها ديريدا ّ
وإنما هي استراتيجية ّ
فصله املدلول عن الدال ففي حين رأت البنوية في الفكر الغربي عموما وفي النقد
ألادبي على الخصوص أن الدال يدل على مدلوله فإن ديريدا يرى أن الدوال ال
مدلوالت لها حيث يخوض «نقده بإنكار قدرتنا على الوصول بالطرق التقليدية
إلى حل ملشكلة إلاحالة Référenceأي قدرة اللفظ على إحالتنا إلى أي ش يء ما
خارجه فهو ينكر أن اللغة "منزل الوجود" .5»House of Beingفالدال في نظر
ديريدا ومن خالل تفكيكيته ال ُيحيل إلى مدلول خارج اللغة أو بعبارة أوضح فإن
مدلوله غير واضح بالرغم من أن النصوص جعلته يبدو كذلك ،وهو إذ يقوم بهذا
العمل فإنه يهدف إلى توضيح أن التراث الغربي كرس مجموعة من املفاهيم
معين ولكنها في الحقيقة ليست أصبحت تبدو داللة على مرجع ما وتحيل إلى معنى ّ
ّ
والشر كذلك ،من مثل الحقيقة وإلانسان وهللا ،وإلانسان ألاوروبي والخير
ّ
وإلايمان والكفر ،وقد استفاد من هذه املقاربة املفكر إدوارد سعيد في تناوله
كل ما كتبه ،ومنه يخلص ملفهوم الشرق في الفكر ألاوروبي ،وهي فكرة أوضحها في ّ
ّ ُ
معين تحيل إلى أن إحالة الدال إلى مدلوله ضائعة ،وبعبارة أخرى ليس هناك معنى
إليه العالمة .
وبناء على هذا قام ديريدا من خالل قراءة التراث الغربي العلمي والفكري
رسخه ذلك التراث من مقوالت هي في الحقيقة ال تعبر وإلابداعي خلص إلى أن ما ّ
ُ
سوى عن وجهة نظر وإحالة ال ت ّتبين حقيقتها وبهذا فـ«التفكيكية تأخذ على
ُ
عاتقها قراءة مزدوجة فهي تصف الطرق التي توضع بواسطتها املقوالت التي
ُ ّ ّ
النص الذي تحلله (هذه التفكيكة) موضع التساؤل، تقوم عليها أفكار
وتستخدم نظام ألافكار التي يسعى النص في نطاقها إلى أن ُينتج مركبات
ّ ّ
فكرية...وهي املركبات التي تضع هي ألاخرى اتساق ذلك النظام موضع
التساؤل» .6فقد قام التراث الغربي ببناء مجموعة من املفاهيم أصبحت مالزمة
تعبر عن عالقة الدال باملدلول وهي عالقة ال يمكن لها أن تنفصم أو له وهي ّ
مكرسا بذلك مجموعة من الرؤى فيما يتعلق بالعالم آلاخر امليتافيزيقي تتالش ى ّ
والتطور وغيرها من املفاهيم ،وأصبحت تلك املقوالت مسلمات وبالذات وآلاخر ّ
تعقل بها الذات الغربية الواقع والتاريخ كما تنظر بها لنفسها ولآلخر .وقد ّ
توصل
ديريدا إلى هذه ألافكار نتيجة قراءته العميقة للتراث الغربي حيث إنه «قارئ
ومفسر .ولقد غدت قراءاته للعديد من النصوص روسو سوسير فرويد، ّ
أفالطون ،جينيه ،هيغل ،مارميه هوسيرل ،ج.ل.أوستن ،كانط -غدت ملن ّ
تهمهم
ُ
مغامرات العقل تحليالت مثالية ،ونماذج تحتذى لنوع جديد من
التفسير...وهذا النمط من القراءة والكتابة يفرض نفسه في مجال النقد ألادبي
جد للتراث الغربي وقد أوصلته قراءاته تلك إلى على نحو خاص» .7فهو قارئ ُم ّ
15
مخبر الدراسات األدبية والنقدية مجلة " المدوّنة"
د .سليم حيولة المدونة
ّ ّ
استقرت في بنيته وأصبحت مسلمات وغدت مفاهيم اكتشاف أهمية املقوالت التي
ال تقبل النقض ،بينما حقيقة ألامر بخالف ذلك ألنها مقوالت قائمة على ارتبا
الدوال بمدلوالتها وإذا قمنا بتفحصها وتفكيكها بالعبارة التي يفضل استعمالها
فإنها تغدو مفرغة من مدلوالتها وإحالتها غير ُمنتهية وهو ما ّ
يسميه بـ"إلارجاء" أي
إرجاء معنى العالمة .
ولعل الفائدة الكبرى الستراتيجية التفكيك التي مارسها ديريدا في قراءته
للتراث الغربي تكمن في أنها يمكن الاستفادة منها في تحليل ألادب وكشف بنيته
الفكرية حيث إن ممارسته هذه بلغت «الذروة في ثمانيات القرن املاض ي ،حين تم
تطبيق املقوالت التفكيكية في ألادب على أيدي النقاد ألامريكيين :بول دي مان،
جوفري هارتمان ،هيلس ميلر».8وهكذا استطاعت التفكيكية أن تكون طريقة
لتفكيك بنية النصوص ألادبية ووضع دوالها موضع املساءلة من أجل فهم داللة
ّ
تلك النصوص ومعانيها التي كانت تبدو من املسلمات عبر تاريخ الفكر الغربي،
وهكذا غدت التفكيكية طريقة واستراتيجية لقراءة النصوص قبل ممارسة أية
الدوام أومتغيرة على ّ
ّ منهجية قرائية حداثية ،فهي في مجمل القول «طريقة
ّ ّ ّ
استراتيجية كما يحلو لدريدا أن يدعوها تتوخى النقد والتقويض والهدم وقلب
والتحرك نحو املناطق املسكوت عنها في فضاءات ّ املعادالت والثنائيات
النصوص...التفكيك-بعكس ما يشاع عنه-هو -في جوهره -ممارسة سياسية.
ُ ّ
يتمخض عنها رؤية مختلفة عن الرواية السائدة للخطاب املهيمن حيث يبدو
فيها العالم مختلفا ،كما تبدو أشياء ،باعتبارها نتاجا لتاريخ أوسع وأعمق؛ آثار
اللغة والوعي واملؤسسات الاجتماعية وممارسة ألاقطاب املهيمنة» .3فمن خالل
يطبقها ديريدا مثل النقد والتقويض والهدم وقلب املعادالت آلاليات التي ّ
والثنائيات(الدال /املدلول) والغوص في املناطق املسكوت عنها في الخطابات سواء
ّ الفكرية منها أو العلمية أو ألادبية ُتصبح ّ
مهمة املفكك الكشف عن مقوالت
النصوص التي هي في حقيقتها من إنتاج قوة مهيمنة وسائدة عملت على تكريس
مفاهيم معينة وعملت على توجيه الناس من خاللها وهي في نهاية املطاف ال ّ
تعبر
املؤسسات املهيمنة سواء أكانت اجتماعية أو سياسيةعن الحقيقة وإنما عن رأي ّ
أو اقتصادية أو إيديولوجية أو غيرها ،وهو ما يمكن استثماره في ألادب باعتباره
مؤسساتيا يجب فيه خرق العالقة الوثيقة بين الدال واملدلول ليتم خطابا ّ
اكتشاف بنيته الفكرية الخفية.
إن التفكيكية كاستراتيجية قرائية تسبق املنهجية التي تستهدف مقاربة
مؤسسة قائمة على ترسيخ النصوص ألادبية من خالل قراءتها لألدب باعتباره ّ
وتكريس مجموعة من املفاهيم القائمة في الفكر بحكم تواصله وسيرورته التاريخية
ُّ
والشعراءّ ، تم تناقلها من قبل ُّ والتي ّ
ولكنها –في حقيقتها -ما هي سوى من الكتاب
عبر عن مؤسساتية ما ،كامنة في الثقافة وال ُت ّعبر عن الحقيقة ،بل ُت ّ إنتاج سلطة ّ
الدراسات النقدية والفلسفية املؤسسة ،وهكذا فإن «إن معاينة ّ وجهة نظر تلك ّ
ّ ُ
ومقوماتها التي تنشر هنا وهناك تكشف عن التأثير الخالق للقراءة التفكيكية
ّ
في مقاربة الخطابات املختلفة ملا تضعه بين أيدي املفكك من مفهومات
ومقوالت مالئمة للقيام بعمليات التقويض والهدم والقبض على ما صمت عنه
ّ
من أفكار املؤلفين والكتاب...ولهذا ال ُيعد التفكيك استراتيجية بمبادئ
حررنا من أوهام يصر على منح التفكيك جانبا إيجابيا ُي ّ ُّ عديمة...بل إن دريدا
ّ
مزعومة وأصل واحد عتيد وحقيقة ندعيها ونتمسك بهاُ ،يوضح التفكيك أن
ُ
الخطابات تصنع عاملا موهوما سرعان ما يتقمص دور قوة متعالية تمارس
كــ"املبدأ مختلفة بأسماء وتقهرنا علينا، الاستبداد
ألاول"أو"الحقيقة"أو"املقدس"» .11فالتفكيكية-كما يراها ديريدا -عملية مهمة
وتتصدر قراءاتنا للتراث من أجل كشف املسكوت عنه ّ تسبق املنهجية القرائية
ّ
وألانساق الخفية التي استقرت في الخطابات ألادبية وغدت في حكم املسلمات
حيث تقوم-كما يرى-بتحريرنا من ألاوهام التي هي نتيجة تكريس الخطاب لها وتنفي
وجود أصل لألشياء كما تهدم كل مفهوم اعتقدنا أنه حقيقة .
ُ ّ
ومن أجل التوضيح أكثر فإن دريدا يرى أن تفكيكيته تركز على البحث في
املؤسساتية والفكرية والذهنية التي ظهرت في الفكر ألاوروبي؛ ألامر الذي البنيات ّ
جعله يرى أنها « ُتهاجم الصرح الداخلي ،سواء الشكلي أو املعنوي للوحدات
ألاساسية للتفكير الفلسفي ،بل ُوتهاجم ظروف املمارسة الخارجية ،أي ألاشكال
التاريخية للنسق التربوي لهذا الصرح والبنيات الاجتماعية الاقتصادية
والسياسية لتلك املؤسسة التربوية» .11فالهدف من التفكيكية إذن هو تهديم
17
مخبر الدراسات األدبية والنقدية مجلة " المدوّنة"
د .سليم حيولة المدونة
تكون بنية الفكر الغربي والتي كانت سببا في فهمه للحقيقة كل املفاهيم التي ّ
وإدراكه وللواقع وكذلك في نظرته لنفسه ولآلخر والتي صارت أنساقا ثقافية
ُ ّ َ
نصوص الثقافة الغربية .والتفكيكية بهذا املعنى «تشكل هجوما كاسحا تتغلغل
ّ
على ألافكار العادية بشأن النسبة إلى مؤلف ،والهوية ،والذات .12»...وهي بهذا
ُ
املعنى تعتبر مدخال مهما لفهم النقد الثقافي.
-ميشال فوكو؛ الخطاب والسلطة
ّ ُيعتبر املفكر الفرنس ي آلاخر ميشال فوكو من بين ّ
أهم من أثروا بما جاء به من
ّ ّ
الجادة مفاهيم في الواقع النقدي املعاصر ،وهو من خالل إنتاجه الكبير ومؤلفاته
يمكن القول إنه قد فتح مجاالت بحثية ال ُيستهان بها في إدراك تاريخ الخطابات
ّ ُ
وأسباب ظهورها واملعاني التي تخفيها ،فهو قد ركز في دراسته «على تاريخ ألانظمة
تكون جوهر الثقافة الاجتماعية والسياسية والخطابات» .13وهي ألانظمة التي ّ
الغربية ،كما يمكن القول بصفة عامة إن أفكاره «هي قبل كل ش يء فلسفة
الذات ،املرتبطة بمجموعة آلاليات السلطوية املختلفة داخل الحضارة
مما ّ
والقوة ّ الغربية» .14فهو يبحث في عالقة الخطابات املختلفة بمراكز السلطة
ُيتيح لنا فهمها وفهم سبب ظهورها .
وألجل هذا جاء فوكو بمفهوم الخطاب ،واستعمله في بحوثه وهو كما يرى
« ُيشير إلى نظام منضبط من ألاقوال التي ال يمكن تحليلها ليس فقط وفقا
لقواعد تكوينه الداخلي ،وإنما أيضا بوصفه مجموعة من املمارسات داخل
وسط اجتماعي .إن الخطاب هو تآلف من املمارسة ،وصيغة أو بنية من
الكالم» .15فالخطاب بالنسبة له عبارة عن مجموعة من املفاهيم تبدو من
ّ
يهتم بها من أجل كشف مختلف التأثيرات التي ُيحدثها في ذهن املسلمات ،و ّ
مؤسسات تضمن سيرورة الخطاب وتأثيراته، إلانسان وباعتبارها مسلمات ُتصدرها ّ
مثل ذلك مؤسسات التعليم والسياسة والدين والقانون وغيرها .
-فالسفة مدرسة فرانكفورت
ُتعتبر مدرسة فرانكوفوت ومن خالل فالسفتها من أهم املدارس في القرن
ّ
العشرين حيث ركزت فيما جاء به وخصوصا في نظريتها الجمالية حول أهمية
الثقافة وخطورتها في العالم املعاصر ،وكيف يمكن بها التأثير على إلانسان من
خالل تحديد أفكاره وبناه الذهنية ،وإن الحديث عن أقطاب املدرسة حديث
ّ
عن«أعمال أولئك الفالسفة والنقاد الثقافيين والعلماء الاجتماعيين».16
فأمثال ماكس هوركهايمر وثيودور أدورنو وفالتر بنيامين وغيرهم ،عملوا على
توضيح املعنى التسلطي للثقافة على تفكير إلانسان وقد ّ
اهتم جل أعضائها « بنقد
الثقافة...بما لها من اهتمام بالجماهير وكيفية الهيمنة عليها» .17فقد كانوا
ُ
واعين بما تمثله الثقافة املنتشرة بين الجمهور في حياة املجتمعات من إحكام
وسيطرةّ ،
وبينوا أن الثقافة تحمل في طياتها عناصر هيمنة على إلانسان ناقدين –
في الوقت نفسه -فكر التنوير الذي أوهم الناس بأمور أصبحت بمرور الوقت سببا
في كبح حريته وتقييده .
-أنطونيو غرامش ي؛السلطة والهيمنة
قدمه املفكر إلايطالي أنطونيوال يجب إغفال الدور الكبير للتحليل الذي ّ
غرامش ي والذي كان ألامين العام للحزب الشيوعي في إيطاليا وهو تحليل ّبين الدور
الهام للثقافة في الواقع الاجتماعي املعاصر حين قام بتحليل أثر الثقافة في
ُ
املجتمعات ألاوروبية املعاصرة ،وقد« نشرت"كراسات السجن" ألنطونيو
غرامش ي ،وألن غرامش ي كان بالنسبة للحزب الشيوعي قائدا سياسيا أكثر منه
ّ
ُمنظرا ،فإن أصالة تحليله الثقافي ظلت مجهولة في ذلك الوقت» .18والتحليل
قدمه يهدف إلى توضيح كيفية ممارسة الهيمنة الثقافية من قبل الطبقات الذي ّ
حق املحكومين عن طريق الثقافة ،كما يهدف إلى تبيين الاستراتيجية الحاكمة في ّ
التي تتبعها الطبقة الحاكمة من أجل جعل املحكومين تابعين لها ،وذلك من خالل
الدائمة على تشكيل املفهوم الذاتي والقيم وألانظمة السياسية «قدرة السلطة ّ
وشخصيات الشعب ككل حتى بعد فترة طويلة من زوال املصدر الخارجي لتلك
السلطة» .13وهكذا يتم التمكين إليديولوجيتها وفرضها على الطبقة املحكومة من
خالل الثقافة .
19
مخبر الدراسات األدبية والنقدية مجلة " المدوّنة"
د .سليم حيولة المدونة
-النظرية ألادبية املعاصرة
لقد كانت جهودات جاك ديريدا وميشال فوكو وأنطونيو غرامش ي وأفكار
ّ
فالسفة مدرسة فرانكفورت قد وفرت املقوالت الهامة وطرق التحليل الثقافي ،وقد
ساهم أقطاب النظرية ألادبية املعاصرة في التنظير لكل ذلك ،حيث إن إلاحاطة
بمقوالتها املعاصرة هو اطالع على مجمل القضايا التي صارت من ّ
أهم اهتمامات
وحتى باإلنسان نفسه، إلانسان املعاصر في عالقته بالواقع وبالتاريخ وبالدين ّ
ولذلك فقد اهتمت النظرية ألادبية لدى تيري إيغلتون وفريديريك جيمسون
بـ«ضرورة تطوير شكل من البحث ينظر في أنظمة الدواليل واملمارسات الدالة
املتنوعة في مجتمعنا» .21فقد عملت من خالل جهود عدد كبير من املنظرين
النقديين على تغيير طبيعة التناول لألدب أصبح معه املجال مفتوحا للنقد الثقافي
الذي غدا « مفهوما ال يستقيم بدون فهم ملعنى (النظرية) التي أخذت مجموعة
من املسارات والسياقات» .21وهو ما ُيعبر عن التطورات التي لحقت النظرية
ّ
وتحولها عن النقد الجمالي إلى النقد الثقافي الشامل . ألادبية املعاصرة
-روالن بارث
ُيعتبر روالن بارث من بين أبرز الذين أثروا في مسيرة الفكر ألاوروبي املعاصر،
ّ
وذلك من خالل ألاعمال التي قام بها واملؤلفات الكثيرة التي كتبها ،وكذلك إلى
املجاالت الجديدة التي كانت محورا لدراساته املتع ّددة ،حيث قام بتوجيه ألانظار
اختص بالبحث في ألادب وتحليلّ لقضايا لم ّ
يتم الاهتمام بها من قبل ،وقد
النصوص محاوال اكتشاف قواعدها وقوانينها وشرو وجودها حيث إن«قراءته
الذكي املمتع حول ماهية ألادب ،حولّ معناها اكتساب قدرة أعظم على التفكير
كل من ممارسة الكتابة ووظيفتها .فقد جدد النقد ألادبي في فرنسا ،فصار
نشاطا فكريا أكثر تنوعا وفائدة مما كان عليه» .22فبارث وجه ألانظار نحو
التحليل الثقافي الذي لم يعد ينظر للجوانب الجمالية في ألادب وفي كل ما ُينتجه
هم الناقد هو الغوص عميقا في إلانسان من فنون وتعابير فحسب ،بل أصبح ّ
خبايا النصوص وكشف منطقها الفكري الذي ُي ّعبر عن مقوالت الثقافة في تقديم
املعنى للقارئ .
الهوامش
-1شربل داغر ،عن البينوية :نقدا لها في الاحتياج إليها ،مجموعة من املؤلفين ،آفاق
النظرية ألادبية املعاصرة ،بينوية أم بينوياتا املؤسسة العربية الدراسات والنشر ،بيروت
الـطبعة ألاولى ،2117 ،ص 38 /37
-2عبد هللا محمد الغذامي ،النقد الثقافي؛ قراءة في ألانساق الثقافية العربية،
املركز الثقافي العربي ،بيروت ،2111 ،ص 35 /34
- -3عبد هللا محمد الغذامي ،النقد الثقافي ،ص42 /41
-4أندرو باوي ،املناظرة الفرنسية ألاملانية؛ النظرية النقدية ،التأويلية والتفكيكية،
ترجمة إسماعيل عبد الغني أحمد ،في موسوعة كمبريدرج في النقد ألادبي؛ العشرون
املداخل التاريخية والفلسفية والنفسية ،العدد 313تحرير :ك .نلوولف ،ك .نوريس،ج.
أوزبورن ،مراجعة وإشراف رضوى عاشور ،املشرف العام جابر عصفور ،املشروع القومي
للترجمة ،شارك في الترجمة؛ إسماعيل عبد الغني ومنى عبد الوهاب وهاني حلمي ودعاء
إمبابي ومحمد هشام ،املجلس ألاعلى للثقافة ،الطبعة ألاولى ،2115 ،ص 132 / 131
-5محمد عناني ،املصطلحات ألادبية الحديثة ،دراسة ومعجم إنجليزي عربي ،مكتبة
لبنان ناشرون ،والشركة املصرية العاملية للنشر لونجمان ،الطبعة ألاولى ،1336 ،ص 133
-6جوناثان كلر ،جاك دريدا ،في؛ جون ستروك ،البنيوية وما بعدها؛ من ليفي
شتراوس إلى دريدا ،مقدمة ،ترجمة محمد عصفور ،عالم املعرفة ،رقم ،216فبراير ،1336
ص 133
-7جوناثان كلر ،جاك دريدا ،في؛ جون ستروك ،البنيوية وما بعدها؛ من ليفي
شتراوس إلى دريدا ،ص 181
-8وائل بركات وغسان السيد ونجاح هارون ،اتجاهات نقدية حديثة ومعاصرة،
منشورات جامعة دمشق ،كلية آلاداب والعلوم إلانسانية ،2114 ،ص 376
-9وائل بركات وغسان السيد ونجاح هارون ،اتجاهات نقدية حديثة ومعاصرة،
387 /386
-11وائل بركات وغسان السيد ونجاح هارون ،اتجاهات نقدية حديثة ومعاصرة ،ص
333
-11جاك ديريدا ،نقال عن؛ عبد الوهاب املسيري ،الحداثة وما بعد الحداثة ،دار
الفكر ،سورية دمشق الطبعة ألاولى ،2113 ،ص 111
ّ
-12جون ستروك ،البنيوية وما بعدها؛ من ليفي شتراوس إلى دريدا ،مقدمة ،ترجمة
محمد عصفور ،عالم املعرفة ،رقم ،216فبراير ، 1336ص 19
-13ديفيد كارتر ،النظرية ألادبية ،ترجمة باسل املساملة ،دار التلوين للتأليف
والترجمة والنشر ،دمشق الطبعة ألاولى ، 2111 ،ص 114
-14فتحي التريكي ،الحداثة وما بعد الحداثة ،ص 317
21
مخبر الدراسات األدبية والنقدية مجلة " المدوّنة"
د .سليم حيولة المدونة
-15برندا مارشال ،تعليم ما بعد الحداثة ؛املتخيل والنظرية ،ترجمة وتقديم السيد
إمام ،املشروع القومي للترجمة ،مصر املركز القومي للترجمة ،الطبعة ألاولى ، 2111ص
131
-16أندرو إدجار وبيتر سيدجويك ،موسوعة النظرية الثقافية ،املفاهيم واملصطلحات
ألاساسية ترجمة هناء الجوهري مراجعة وتقديم وتعليق محمد الجوهري ،املركز القومي
للترجمة الطبعة ألاولى ، 2113 ،ص 472
-11ميجان الرويلي وسعد البازعي ،دليل الناقد ألادبي؛ إضاءة ألكثر من خمسين تيارا
ومصطلحا نقديا معاصرا ،املركز الثقافي العربي ،الطبعة الثانية ،2111 ،ص 211/133
-11ريناته هولب ،الحياة الثقافية إلايطالية بعد الحرب العاملية الثانية؛ من املاركسية
إلى الدراسات الثقافية ،في موسوعة كمبردج ،ص 213 / 218
-19دوغالس روبنسون ،الترجمة وإلامبراطورية ،دوغالس روبنسون ،الترجمة
وإلامبراطورية؛ نظريات الترجمة ما بعد الكولونيالية ،ترجمة ثائر علي ديب الطبعة الثانية،
دار الفرقد ،دمشق ، 2113 ،ص 45
-21تيري إيغلتون ،نظرية ألادب "مدخل" ،ترجمة ثائر ديب دار املدى .دمشق الطـبعة
ألاولى ،2116 ،ص 328
-21محسن جاسم املوسوي ،النظرية والنقد الثقافي؛ الكتابة العربية في عالم متغير
واقعها سياقاتها وبناها الشعورية ،املؤسسة العربية للدراسات والنشر ،بيروت ،الطبعة ُ
ألاولى ، 2115 ،ص 21
-22جون ستروك ،روالن بارث ،في جون ستروك ،البنيوية وما بعدها ،ص 65