You are on page 1of 7

‫المستوى والتخصص‪ :‬السنة الثالثة ليسانس فلسفة‪.

‬‬
‫المقياس‪ :‬فكر عربي معاصر‬
‫االستاذ‪ :‬سليماني أحمد‬
‫المحاضرة ‪01‬‬
‫مدخل إلى الفكر العربي المعاصر‬
‫درج الكثير من المهتمين بتاريخ الفكر العربي المعاصر‪ ،‬على اعتبار الفترة‬
‫الممتدة من منتصف القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن الماضي‪ ،‬فترة لعصر‬
‫النهضة والتنوير العربيين‪ ،‬هذا مع اختالف بسيط في التحديد الزمني لذلك‪.‬‬
‫وال شك أن هذه الفترة التنويرية لم تنشأ من فراغ‪ ،‬بل كانت مسبوقة بفترة‬
‫سميت باليقظة العربية في منتصف القرن التاسع عشر‪ ،‬والتي تجلت بوضوح بعد‬
‫الحملة الفرنسية على مصر سنة ‪1798‬م والتي ‪-‬بصرف النظر عن سلبياتها‬
‫ومساوئها‪ -‬كشفت للمصريين عن وجوه جديدة للثقافة والفكر‪ ،‬األمر الذي استوجب‬
‫القيام بإصالحات عديدة في عهد "محمد علي باشا"‪ ،‬والتي كان من أهمها تلك‬
‫البعثات التعليمية التي أرسلت إلى أوربا ليتم بذلك االطالع المباشر على الثقافة‬
‫األوربية الحديثة‪ 1،‬وليتم نقل الكثير منها إلى اللغة العربية‪.‬‬
‫ومثلما ترجم الفكر اليوناني القديم في العصر العباسي زمن المأمون‪،‬‬
‫سيتأسس بيت للحكمة جديد‪ ،‬تمثل في "دار األلسن" لترجمة الفكر األوربي‬
‫الحديث‪ ،‬وكان المشرف عليها آنذاك إمام النهضة العربية الحديثة وباعثها في‬
‫الشرق "رافع رفاعة الطهطاوي" )‪ .(1873-1801‬وهكذا كان االلتقاء بين الثقافة‬
‫العربية الموروثة والثقافة األوربية الوافدة آنذاك ‪ ،‬فولد بذلك صدمة حضارية‬
‫كبرى‪ ،‬ولعل أحسن من عبر عنها المفكر العربي "زكي نجيب محمود"‪(1993-‬‬
‫)‪ 1905‬بقوله‪ « :‬نقطة البداية كانت هي الشرارة التي انقدحت عند التقاء الثقافة‬
‫‪2‬‬
‫العربية‪ ،‬بعد بيات شتوي دام ثالثمائة عام‪ ،‬بالثقافة األوربية الحديثة»‪.‬‬
‫ومن هنا بدا الشعور بالتأخر الفكري والحضاري واضحا‪ ،‬كما ظهر الوعي‬
‫بضرورة اإلصالح والتغيير ملحا ‪،‬وهذا ما كان محل اتفاق لدى النخب الثقافية‬
‫العربية‪ ،‬إال أن االختالف كان في الطرق والسبل المؤدية إلى تحقيق النهضة‪،‬‬
‫والخروج من كبوة التأخر الحضاري‪ ،‬وهذا ما أدى إلى بروز تيارات واتجاهات‬
‫فكرية وفلسفية ذات مشاريع نهضوية‪.‬‬
‫‪ - 1‬محمد عاطف العراقي‪ :‬العقل و التنوير في الفكر العربي المعاصر‪،‬دار قباء للنشر‪ ،‬القاهرة‬
‫‪،1998‬ص‪.84‬‬
‫‪ - 2‬زكي نجيب محمود‪ :‬تجديد الفكر العربي ‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬ط‪،7‬القاهرة ‪،1982‬ص ‪.291‬‬
‫وكان رواد التنوير العرب ‪-‬على اختالف اتجاهاتهم ومذاهبهم‪ -‬يشغلهم‬
‫هاجس مشترك‪ ،‬تمثل باألساس في ضرورة النهوض بالواقع العربي المتخلف وفي‬
‫ضرورة تحديث الثقافة العربية‪ ،‬وبعث الروح فيها من جديد بعد بيات شتوي دام‬
‫قرونا عديدة‪ .‬وإزاء هذه األوضاع المتردية للثقافة العربية‪ ،‬كان ال مندوحة من أن‬
‫تُولّى الوجوه شطر الثقافة األوربية‪ ،‬إن طوعا أو كرها‪ ،‬لم يكن هناك خيار آخر‪،‬‬
‫وعبثا يكون‪ ،‬ذلك أن التقدم كان واقعا بالفعل في أوربا‪ ،‬ومن الضروري لكي‬
‫يتحقق التنوير في عالمنا العربي‪،‬أن تكون االستفادة من أوربا‪ ،‬فمن المنطقي أن‬
‫‪3‬‬
‫يلحق المتأخر بالمتقدم‪.‬‬
‫وهذه التيارات الفكرية التي كان يقودها نفر من أعالم الفكر والثقافة ‪،‬‬
‫بمختلف أشكالها األدبية والفنية والعلمية والفلسفية ‪ ،‬برزت واتضحت معالمها في‬
‫ما سمي بالعصر الليبرالي الذي كان سائدا في مصر قبل‪ ،‬حيث اتسمت الحياة‬
‫الفكرية والثقافية بسمات جديدة لم تكن معهودة من قبل‪.‬‬
‫وظهرت بذلك محاوالت عديدة لغرس أفكار جديدة‪ ،‬حاول المثقفون العرب‬
‫أن تنفذ إلى عقول الناس وقلوبهم‪ ،‬ومارس كل واحد من هؤالء التنوير في مجال‬
‫تخصصه‪ ،‬فكان بذلك التنوير العربي شامال لمختلف جوانب الحياة الثقافية‬
‫والفكرية‪ ،‬فكانت هناك محاوالت للتنوير في مجال الدين والسياسة واألدب‪ ،‬من‬
‫ذلك مثال الشيخ محمد عبده (‪)1849-1905‬ودعوته إلى الذهاب مع حكم العقل إلى‬
‫آخر مداه في فهم الدين‪ ،‬ولطفي السيد في فكرته عن الحرية السياسية بمعناها‬
‫الليبرالي‪ ، ‬وطه حسين ‪ 4‬في محاولته نزع قناع القداسة عن وجه الماضي‬
‫‪1‬‬
‫لتخضعه للتحليل العلمي في غير تردد وخوف‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بالعلم الحديث ومناهجه ‪،‬فقد ظهرت محاوالت عديدة‬
‫للتعريف بأحدث النظريات العلمية‪ ،‬والعمل على ترجمتها وشرحها‪ ،‬وكان من‬
‫أبرزها ‪-‬في ذلك العصر‪ -‬نظرية النشوء واالرتقاء‪ ،‬كما تسربت بعض الفلسفات‬

‫‪ - 3‬محمد عاطف العراقي‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.233‬‬


‫‪ ‬أنظر مقاالته التي نشرت في كتابه ‪:‬مبادئ في السياسة واألدب واالجتماع‪ ،‬دار الهالل‬
‫‪،‬القاهرة‪ 1963‬الفصل الخامس ص ‪.132‬‬
‫‪  ‬يقول طه حسين في كتابه " في الشعر الجاهلي" ‪ " :‬لنجتهد في أن ندرس األدب العربي غير‬
‫حافلين بتمجيد العرب أو الغض منهم‪ ،‬وال مكترثين بنصر اإلسالم أو النعي عليه‪ ،‬وال معنيين‬
‫بالمالئمة بينه وبين نتائج البحث العلمي واألدبي‪ ،‬وال وجلين حين ينتهي بنا هذا البحث إلى ما تأباه‬
‫القومية أو تنفر منه األهواء السياسة أو تكرهه العاطفة الدينية"‪ .‬في الشعر الجاهلي‪ ،‬دار المعارف‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪،1‬سوسة تونس د‪/‬ت ص ‪.26‬‬
‫‪ -1‬زكي نجيب محمود ‪ :‬قيم من التراث ‪ ،‬دار الشروق‪ ،‬القاهرة ‪،2000‬ص ‪.198‬‬
‫‪‬‬
‫وفلسفة األنوار‬ ‫األوربية الحديثة إلى الثقافة العربية‪ ،‬كالفلسفة الديكارتية‪،‬‬
‫األوربية‪،‬وغيرهما‪.‬‬
‫وبهذا يستبين لنا‪ ،‬أن المناخ الليبرالي كان مسرحا لبروز الكثير من التيارات‬
‫التنويرية في الثقافة العربية‪ ،‬ويخبرنا بدوي نفسه‪ ،‬أن التيار الليبرالي كان قويا في‬
‫فترة مابين الحربين العالميتين‪ ، 5‬كما يذهب حسن حنفي إلى أن « الليبرالية هي‬
‫أطول األنظمة التي مارسناها في حياتنا‪ ،‬خاصة في مصر إبان فجر النهضة‬
‫العربية الحديثة‪ (...)،‬حتى أن الليبرالية أصبحت هي الطابع العام لفكرنا الحديث‬
‫‪6‬‬
‫كله‪».‬‬
‫وهكذا تم القضاء على المنجزات التنويرية‪ ،‬حتى أصبحنا ‪-‬على حد قول أحد‬
‫المهتمين بالفكر العربي المعاصر‪ « :-‬ال نجد على المستوى الفكري من عظماء‬
‫الرجال من يكاد يقترب من المفكرين الشوامخ‪ ،‬والذين يعدون نتاجا للزمن الذي‬
‫‪7‬‬
‫سبق ‪.»1952‬‬
‫ولعل من بين أسباب انتكاسة التنوير في العالم العربي‪ ،‬ما ذهب إليه محمد‬
‫عابد الجابري )‪ ، (2010-1936‬من أنه كان محصورا فقط في مصر والشام‬
‫وحدهما‪، ،‬حيث مثلته في مصر نخبة ضيقة‪ ،‬هي النخبة العصرية والتي ال مجال‬
‫لمقارنتها مع النخبة التقليدية ‪،‬واألغلبية العظمى من الجماهير التي كانت ومازالت‬
‫مرتبطة بها‪ ،‬أي با لوهابية والسنوسية والمهدية وغيرها‪ .‬هذا فضال على أن التنوير‬
‫العربي لم يكن نابعا من الواقع العربي‪ ،‬بل كان مظهرا من مظاهر حملة نابليون‬
‫‪8‬‬
‫على مصر والشام وامتداداتها‪.‬‬
‫كما يرى أيضا المفكر محمود أمين العالم أن« ما حدث من تغيير وتطوير‬
‫وتنوير حياتي أو ثقافي‪ ،‬كان وال يزال نخبويا علويا برانيا)‪ ،(...‬لم يمس جذور‬
‫‪9‬‬
‫األبنية العميقة األساسية لمجتمعاتنا العربية»‪.‬‬

‫‪- ‬وهذا من حيث توظيف المنهج الديكارتي في الدراسات األدبية وخاصة عند طه حسين القائل‪ " :‬أريد أن أصطنع‬
‫في األدب هذا المنهج الفلسفي الذي استحدثه ديكارت للبحث عن حقائق األشياء ‪ ...‬والناس جميعا يعلمون أن هذا المنهج‬
‫الذي سخط عليه أنصار القديم في الدين والفلسفة يوم ظهر‪ ،‬قد كان من أخصب المناهج وأقومها وأحسنها أثرا‪ ".‬أنظر‬
‫كتابه‪ :‬في الشعر الجاهلي‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪- 5‬بدوي‪ :‬سيرة حياتي ج‪ ،1‬ص ‪. 223‬‬
‫‪ - 6‬حسن حنفي‪ :‬حوار المشرق والمغرب ‪-‬باالشتراك مع محمد عابد الجابري‪ ، -‬المؤسسة العربية‬
‫للدراسات والنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت ‪ ،1990‬ص ‪ 57‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ - 7‬محمد عاطف العراقي ‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫‪ - 8‬محمد عابد الجابري‪:‬حوار المشرق والمغرب‪- ،‬باالشتراك مع حسن حنفي‪ ، -‬ص ‪ 114‬وما يليها‪.‬‬
‫‪ - 9‬محمود أمين العالم‪ :‬الفكر العربي بين الخصوصية والكونية‪ ،‬دار المستقبل العربي‪ ،‬ط‪،2‬القاهرة‬
‫‪،1998‬ص ‪.19‬‬
‫أهم االتجاهات الفكرية والفلسفية‪:‬‬
‫عرف الفكر العربي في بدايات القرن الماضي تيارات فكرية و اتجاهات‬
‫فلسفية عديدة ومتنوعة‪ ،‬وما كان لهذه التيارات و االتجاهات أن تتشكل و تتبلور‬
‫لوال الظروف التي كانت سائدة آنذاك ‪ ،‬ويبدو أن أهم عوامل تجليها يعود إلى الجو‬
‫الليبرالي الذي كان سائدا‪ ،‬األمر الذي يسر عملية التفاعل بين الثقافة العربية‬
‫والثقافة األوربية‪ ،‬فما من مذهب فلسفي غربي‪ ،‬إال وقد وجد له نصيرا من أعالم‬
‫الفكر العربي الحديث والمعاصر‪.‬‬
‫ومهما قيل من أن « الحضور الفلسفي في مجال النظر العربي ال يتجاوز‬
‫نقل وترجمة بعض التيارات الفلسفية الغربية»‪ ، 10‬أو أنه كان يتسم « بسمات غلب‬
‫عليها طابع رجع الصدى‪ ،‬أكثر من المشاركة الندية في االبتكار والمساهمة في‬
‫إغنـاء تاريخ الفلسفة» ‪ ،11‬فنحن بالرغم من ذلك كله‪ ،‬ال نعبأ بأن تكون أغلب تلك‬
‫االتجاهات الفلسفية العربية مجرد أصداء للفكر الغربي‪ ،‬وال نرى في ذلك ضيرا‬
‫أو عيبا ‪ ،‬ذلك أنه من المستحيل أن يكون للفلسفة حضور في تلك التيارات‪ ،‬دونما‬
‫ترجمة أو نقل عن الفلسفة الغربية‪ ،‬وهذا أسوة واقتداء‪ ،‬بفالسفة اإلسالم القدامى‪،‬‬
‫الذين نقلوا عن اليونان أو الفكر الغربي آنذاك‪ ،‬واألهم من ذلك كله‪ ،‬هو التأكيد على‬
‫بعث الفكر الفلسفي في الثقافة العربية واستئنافه‪ ،‬بعد غياب طويل‪.‬‬
‫ولما كانت هناك اتجاهات فكرية وفلسفية متعددة‪ ،‬يصعب استقصاؤها‬
‫جميعا‪ ،‬فحسبنا اإلشارة إلى أبرزها وأكثرها انتشارا في الفكر العربي المعاصر‪،‬‬
‫والفكرية‪ .‬كالتيار الديني بمختلف أطيافه‪ ،‬والتيار الماركسي ‪ ،‬واالتجاه والوضعي‬
‫المنطقي‪ ،‬واالتجاه الوجودي واالتجاه البنيوي‪.‬‬

‫‪ - 10‬كمال عبد اللطيف‪ :‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.8‬‬


‫‪ - 11‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪12‬‬
‫اعمال موجهة‬
‫نص‪:‬‬ ‫تحليل‬
‫محمد عابد الجابري‪ ،‬إشكاليات الفكر العربي المعاصر‪،‬ص‪15،16‬‬
‫أسئلة‪:‬‬

‫اشرح معاني المصطلحات التالية‪:‬‬


‫األصالة والمعاصرة‪-‬التراث‪ -‬السلفية‪ -‬الليبرالية‪-‬القومية‪.‬‬
‫فيما تتمثل إشكالية االصالة والمعاصرة؟‬
‫ماهي اتجاهات الفكر العربي المعاصر من خالل النص؟ وابحث عن أهم ممثليها ؟‬

You might also like