Professional Documents
Culture Documents
مقدمة :
لقد قامت الحضارة العربية اإلسالمية بدورها الطليعي خير قيام في بناء النهضة العلمية
العالمية ،وقد نقل العلماء العرب والمسلمون التراث األغريقي وغيره من ألوان التراث العلمي
الذي تقّد م عليهم في التاريخ ،نقلوه إلى اللغة العربية ،التي كانت لغة علم وثقافة ،وأثر العلماء
العرب والمسلمون في النهضة األوروبية ،وكان طابع الثقافة العربية اإلسالمية غالبًا وواضحًا
ومؤّثرًا في عديد من المجاالت العلمية والفكرية والثقافية ،مثل ابتكار نظام الترقيم والصفر
والنظام العشري ،ونظرية التطور قبل "داروين" بمئات السنين ،والدورة الدموية الصغرى قبل
"هارفي" بأربعة قرون ،والجاذبية والعالقة بين الثقل والسرعة والمسافة قبل نيوتن بقرون
متطاولة ،وقياس سرعة الضوء وتقدير زوايا االنعكاس واالنكسار ،وتقدير محيط األرض،
وتحديد أبعاد األجرام السماوية ،وابتكار اآلالت الفلكية ،واكتشاف أعالي البحار ،ووضع أسس
علم الكيمياء.
ويمكن القول إجماًال إن الحضارة العربية اإلسالمية كانت واسطة العقد بين العلوم والثقافات
القديمة وبين النهضة األوروبية ؛ فالفكر العربي اإلسالمي ،والثقافة العربية اإلسالمية ،سلسلة
مّت صلة الحلقات ،امتّد ت من الحضارات القديمة ،من مصرية ،وآشورية ،وبابلية ،وصينية ،إلى
حضارة األغريق واالسكندرية ،إلى العصر اإلسالمي الذي تأّث ر علماؤه بمن تقّد مهم ،وأّثروا
بدورهم فيمن لحقهم من علماء النهضة األوروبية الذين قرأوا أعمال العلماء العرب في كتبهم
المترجمة إلى اللغة الالتينية واللغات األوروبية.
وفى هذا البحث نلقى الضوء على أثر الحضارة اإلسالمية ودورها فى تطور النهضة األوربية
الحديثة وذلك من خالل مبحثين يتناول المبحث األول عالقة الحضارة اإلسالمية والحضارات
السابقة عليها ونوضح فيه كيف أن الحضارة اإلسالمية لم تتجاهل ما سبقها من حضارات وإنما
استفادت منها ونقلت عنها وترجمت معارفها .
أما المبحث الثانى فنتناول فيه المرحلة الثانية فى نمو الحضارة اإلسالمية و بداية االزدهار
ونوضح نماذج لنبوغ وتفوق العلماء العرب المسلمون فى كافة نواحى المعرفة والفنون
ونخصص لكل نموذج مطلب خاص نستعرض فيه تأثير العلماء العرب على ما تالها من
حضارات .
المبحث األول
لقد حافظت الثقافة العربية اإلسالمية على الثقافة اليونانية من الضياع ،إذ لوال المثقفون
والعلماء العرب ،لما وصلت إلى أيدي الناس مؤلفات يونانية كثيرة مفقودة في أصلها اليوناني
ومحفوظة بالعربية .ولقد ظّل الغرب يشتغل على الثقافة العربية حتى بعد أن تقّلص ظّلها في
األندلس بجيلين أو أكثر حتى وصل إلى العصور الحديثة .وظلت الثقافة العربية اإلسالمية
تستهوي الكثيرين من أبناء العالم الغربي ،إذ لم تتوقف الترجمة عن العربية في عصر النهضة
وما بعد عصر النهضة ،رغم االتصال المباشر بالعالم اليوناني والحضارة اليونانية اعتبارًا من
منتصف القرن الثالث عشر للميالد عندما بدأت الكتب اليونانية ُتنقل رأسًا إلى الالتينية من دون
االستعانة بالترجمات العربية .فالثقافة العربية لها قيمُت ها وشخصيتها ،فقد أنتجت الكثير مما لم
تستطع الثقافة اليونانية إنتاجه في الحقول كاّف ة :إضافات وتعليقات وابتكارات واكتشافات عربية
لم يعرفها اليونان.
إن حركة النقل من الثقافة العربية اإلسالمية التي خرجت بها أوروبا من عصورها المتوسطة
المظلمة إلى عصورها الحديثة المتنورة ،لم تقتصر على "نقل" المعارف القديمة من يونانية
وهندية وبابلية ومصرية ،من كتب باللغة العربية إلى اللغة الالتينية فحسب .إن أوروبا المسيحية
قد "نقلت" أيضًا معارف عربية خالصة ،كما نقلت أنماطًا من الحضارة اإلسالمية ومن اإليمان
اإلسالمي إلى حياتها العامة وحياتها الخاّصة .ولو أن الكنيسة الكاثوليكية لم تضع ثقلها إلى
جانب الِفرنجة في معركة ُتوَر سنة 114هـ (732م) ،لعَّمت الحضارُة اإلسالمية والثقافُة
العربية اإلسالمية في أوروبا منذ ذلك الزمن الباكر ،ولوَّفرت الكنيسة الكاثوليكية على العالم
ِنزاعًا طويًال وشقاء مريرًا.
لقد انتشرت الثقافة العربية اإلسالمية في العالم الغربي ،ونهل علماء أوروبا من المصادر
العربية األصلية ،ووجدوا أنها تراٌث علمٌّي عظيٌم ،فاشتغلوا بدراسته وتحليله .ولقد كان العرب
والمسلمون يمّث لون العلم الحديث بكل معنى الكلمة ،كانوا روادًا في المناهج العلمية الحديثة ،وقد
اكتسب المثقفون والعلماء في أوروبا من الثقافة العربية اإلسالمية ،أكثر من مجرد المعلومات،
إنهم اكتسبوا العقلية العلمية ذاَت ها بكل طابعها التجريبي واالستقرائي ،بحيث وجد األوروبيون في
التراث العربي اإلسالمي وفي الثقافة العربية اإلسالمية ضالتهم المنشودة ،فعكفوا على نشره.
إن االنبهار بحجم تأثير الثقافة العربية اإلسالمية في النهضة األوروبية ،وفي الثقافة والعلوم
األوربَي ْين ،جعل مفكرًة عالمًة ألمانيًة تصدع بهذه الحقيقة بقولها " :إن تلك الحضارة الزاهرة
التي غمرت بأشعتها أوروبا عّد ة قرون ،تجعلنا نعجب أشّد العجب؛ إذ هي لم تكن امتدادًا
حضاريًا لبقايا حضارات غابرة ،أو لهياكل حضارية محلية على قدر من األهمية ،أو أخذًا لنمط
حضاري موجود ،أو تقليدًا ُينسج على منواله المعهود ،كما نعرف في األقطار األخرى مهد
الحضارات في الشرق .إن العرب بثقافتهم هم الذين أبدعوا هذه الروعة الحضارية إبداعًا".
المبحث الثاني
وبينما كانت أوروبا ترتع في غياهب العصور الوسطى ،كانت الحضارة اإلسالمية (التي هي
محضن الثقافة العربية اإلسالمية) في أوج ازدهارها ،لقد أسهم اإلسالم كثيرًا في تقّد م العلم
والطب والفلسفة .وقال ( ويل ديورانت )Will Durantفي كتابه "عصر اإليمان" ( The Age
" : )of Faithإن المسلمين قد ساهموا مساهمة فعالة في كل المجاالت ،وكان ابن سينا من أكبر
العلماء في الطب ،والرازي أعظم األطباء ،والبيروني أعظم الجغرافيين ،وابن الهيثم أكبر علماء
البصريات ،وابن جبير أشهر الكيميائيين" .وكان العرب روادًا في التربية والتعليم .وقال
ديورانت في هذا الشأن أيضًا " :عندما تقّد م (روجر بيكو )Reger Baconبنظريته في أوروبا
بعد 500عام من ابن جبير ،قال إنه َم ديٌن بعلمه إلى المغاربة في إسبانبا الذين أخذوا علمهم من
المسلمين في الشرق .وعندما ظهر النوابغ والعلماء في عصر النهضة األوروبية ،فإن نبوغهم
وتقّد مهم كانا راجعين إلى أنهم وقفوا على أكتاف العمالقة من العالم اإلسالمي".
إن الحضارة االسالمية قامت على الحوار مع الشعوب والحضارات االخرى التي تعامل معها
المسلمون مثل حضارة الهند وحضارة الفرس في الشرق وحضارة اليونان في الغرب ،وقد
كان فضل العلماء العرب عظيما على الحضارة االنسانية ،حيث كانوا لبنة اساسية من لبناتها،
والحضارة اإلسالمية كانت من اهم معابر الحضارة إلى اوربا ،من خالل االندلس ،صقلية ،
وجنوب إيطاليا ،بالد الشام ،والحروب الصليبية .
المطلب األول
وفي النصف الثاني من القرن الرابع الهجري كانت قرطبة اعظم المدن الثقافية في اوربا ،فقد
حوت خزانة الخليفة ما يزيد على االربعمائة ألف كتاب .وأقبل األسبان على اللغة العربية
والترجمة منها إلى الالتينية ،وكانت االندلس المركز الرئيسي لحركة الترجمة .أما صقلية فقد
حكمها المسلمون من القرن الثالث إلى القرن الخامس الهجري ،فانتشرت فيها مظاهر الحضارة
االسالمية من مساجد وقصور وحمامات ومستشفيات واسواق وقالع ،ودخلت فيها صناعات
منها صناعة الورق والحرير والسفن والفسيفساء ذات الرخام الملون ،إضافة إلى استخراج
المعادن .واستمرت العالقات الثقافية بين المسلمين واهل صقلية بعد ذلك ،فنجد -مثال -الملك
روجر االول احتضن الثقافة العربية وكتبت مراسيمه بالعربية إلى جانب الالتينية ،وصك على
احد وجهي النقود كتابات بالعربية ،وعلى الوجه اآلخر كتابات التينية ويونانية.
وهكذا سارت صقلية في أيامه مملكة نصف اسالمية في دينها ونظامها االداري والعسكري،
وقد سار خلفاء روجر على طريقته .فقد استعان روجر الثاني بالعلماء المسلمين ،ومنهم العالم
الجغرافي محمد اإلدريسي الذي رسم له خريطة للعالم المعروف في عصره على دائرة فضية
مسطحة طولها ثالثة أمتار وعرضها متر ونصف المتر ،كما ألف له كتاب نزهة المشتاق في
اختراق اآلفاق الذي يصف هذه الخريطة ..وعن طريق الحروب الصليبية التقى الغربيون
بالمسلمين ،فنقلوا عنهم نباتات عرفوها ألول مرة وسموها بأسمائها العربية مثل السكر واالرز
والقطن والسمسم ،وتعلموا بعض الصناعات العربية مثل صناعة الورق والصابون والخزف
والزجاج واألصباغ والحلي والعقاقير وهكذا كانت الحروب الصليبية ميدانا للكسب الحضاري،
ففيه بدأت محاوالت الغرب المنظمة لالقتباس من حضارة العرب ،وكانت كفة العرب في هذه
العالقات هي الراجحة ،فقد كانوا يملكون من مقومات الحضارة المادية والعقلية ما يستطيعوا ان
يقدموا منه الوربا ،على حين لم تكن اوربا حتى القرن السادس عشر تملك من المقومات التي
تمكنها من ان تضيفه لتراث العرب لهذا اخذ االوربيون من العرب اكثر مما اعطوا ،فاقتبسوا
الكثير من علوم العرب وفلسفتهم وعمارتهم وفنونهم العسكرية وصناعتهم وتجارتهم وحياتهم
االجتماعية ،وتاثرت لغاتهم وآدابهم ومجتمعاتهم إلى حد كبير باللغة العربية واآلداب العربية
والحياة ،يضاف إلى ذلك العرب كانوا يملكون مفاتيح التجارة التي يحتاجها االوربيون مثل
التوابل والعقاقير وغيرها من منتجات الشرق المعروفة .هناك الكثير من الشواهد التي تدل على
تأثر اوربا بالتراث العربي في مجاالت متعددة ،ففي االدب تأثرت اوربا بشعر المفاجأة والشعر
العربي والحكم واألمثال والقصص اإلسالمي ،وطبعت قصص (ألف ليلة وليلة) طبعات كثيرة
باالنجليزية والفرنسية.
المطلب الثانى
وفي الفلسفة تأثرت أوربا بابن سينا والفارابي وابن رشد ،واالخير خاصة نقلت كتبه إلى
الالتينية .وفي مجال الجغرافيا استفاد االوربيون من كتاب احسن التقاسيم في معرفة االقاليم"
لشمس الدين المقدسي ،و"معجم البلدان" لياقوت الحموي ،و مروح الذهب للمسعودي ،أما اهم
جغرافيي المسلمين وأكثرهم اثرا فكان الشريف عبد هللا اإلدريسي صاحب الدور األكبر في
تجديد هذا العلم والعناية به ،لدرجة ان لقبه البعض بأنه كان استاذ الجغرافيا الذي علم اوربا هذا
العلم وليس بطليموس.
المطلب الثالث
وفي مجال الفنون والعمارة تأخذ رسامو أوروبا فكرة تزيين االسقف بالصور الملونة ،إلى
درجة انهم نقلوا كتابات عربية زينوا بها االسقف ،رغم انها ذات طابع اسالمي ،ويشير المؤلف
إلى انه فرضت العمارة االسالمية على عناصر العمارة المسيحية العديد من الظواهر مثل
النوافذ المزدوجة ،والعقود المنسوخة ،والعقود الثالثية الفتحات ،ومثل الشرفات والكوابيل
واألبراج ،ومثل القباب المضلعة ،ومثل الزخارف والمنحوتات الغائرة المتعددة االلوان ،وغير
ذلك من االشكال والعناصر ،وكانت الفكرة الزخرفية هي وحدها التي اوحت للفنان االوربي منذ
القرن الرابع الهجري فكرة االقتباس من حروف العربية وتسجيلها بالحفر على تيجان االعمدة.
وقد برع الفنانون العرب في صناعة االواني الخزفية المنقوش عليها زخارف بالخط الكوفي،
ويوجد بعضها في المتاحف االوربية .وللعرب فضل على الرياضيات ،فقد اخترع الخوارزمي
علم الجبر ،وقد دخلت هذه الكلمة إلى اللغات االوربية بنطقها العربي ،وباالضافة إلى
الخوارزمي يوجد آخرون مثل ابي الوفا البوزجاني ونصير الدين الطوسي و ثابت بن قرة
والخازن البصري وابن الهيثم والبيروني والبتاني.
وللعرب فضل كبير على علم الفلك ،حيث تعمقوا في دراسته وخلصوه من التنجيم
والخزعبالت ،وقد تقدم العرب بعلم الفلك عن طريق إنشاء المراصيد وابتكار األجهزة واآلالت
واألدوات ورسم الجداول الفلكية .اما علم الكيمياء فقد اعطاه العلماء العرب صورة العلم الحقيقي
بعد أن ادخلوا التجربة الموضوعية في دراسته.
المطلب الرابع
وقد استفاد االوربيون كثيرا من بحوث العرب في الكيمياء .وبمعنى آخر فإن الكيمياء في
صورتها العلمية انجاز حققه المسلمون .إذ انهم ادخلوا المالحظات الدقيقة والتجارب العلمية
وعنوا برصد نتائجها ،وحللوا كثيرا من المواد تحليال كيميائيا ،وفرقوا بين االحماض
والقلويات ،واكتشفوا العالقة بينهما ،ودرسوا ووصفوا مئات العقاقير ،ومن اهم اكتشافاتهم انهم
كانوا اول من طبق الكيمياء على الطب .وهناك جهود اخرى افاد بها المسلمون اوربا في
الطبيعة (الفيزياء) والطب والصيدلة والموسيقى والتاريخ .وآخر فصول الكتاب يخلص إلى ان
حوار الحضارات حقيقة حتمية ،وفي الخاتمة يقدم المؤلف حقيقة مؤكدة هي ان االسالم جوهره
التسامح ،ويقر بتعددية الثقافات واالعراق ،وان ايحاء البعض بان االسالم وريث الخطر
الشيوعي ايحاء باطل روجه اعداء اإلسالم لإلساءة إليه.
الخاتمـــة
كان للحضارة اإلسالمية أثر كبير في الحضارات األخرى في ميدان الفلسفة والعلوم ،وخاصة
الحضارة الغربية ،فقد انتقلت الفلسفة وكثير من العلوم كالطب والفلك إلى الغرب عن طريق
الحضارة اإلسالمية ،وترجم الغرب كتًبا كثيرة للعرب والمسلمين ،بل كانت الجامعات األوربية
تدرس كتب ابن سينا وغيره طيلة ستة قرون ،في وقت كانت أوربا تعيش حالة من الظالم
والجهل والخرافات واألوهام ،ففتحت أوربا عينها للعلم عن طريق الحضارة اإلسالمية ،وبذلك
شهد كثير منهم من الُكَّت اب األوربيين .
إن األمر الذي يكاد يجمع عليه الباحثون عدا بعض المستشرقين والمفكرين األوربيين
المتعصبين هو أن أوربا أفادت من عالقاتها باإلسالم وأهله في مواطن اللقاء كلها ،وإن النهضة
األوربية لم تحدث في القرن السادس عشر كما هو شائع ،بل بدأت قبل هذا منذ القرن العاشر
بفعل الشروع بحركة الترجمة والنقل عن العربية عبر األندلس وصقلية
المـراجــع
أوال :الكتب
-1دور الحضارة العربية اإلسالمية في النهضة االوروبية كنموذج لحوار الحضارات ،د.
عبد المنعم الجميعي ،منشور بوزارة الثقافة المصرية ،العالقات الثقافية الخارجية
- 2الحضارة االسالمية في اوروبا الموحدة ،د .محمد نعمة ،مدير مجلة "مدارات غربية" ،
باريس
- 3الحضارة اإلسالمية لها دور بارز في تقدم الحضارات االوروبية ،د .ناصر الجاسم من
الرياض .
الفـهـــــرس
مقدمة ................................................................
الخاتمة ...............................................................
المراجع ...............................................................
1