Professional Documents
Culture Documents
إعداد
ناصر الحاوي
2012
1
أووً :النشأة والتعميم:
- 1النشأة
Cheikh Anta Diopفي 29ديسمبر 1923بقرية " كايتو " ولد " شيخ انتا ديوب "
، Caytouوالتي تقع بمنطقة " ديوربيؿ " Diourbelداخؿ بمدة " بايؿ كايور " Baol-Cayor
بالقرب مف بمدة " بامبي " Bambeyوالتي تبعد 150كيمو متر عف عاصمة السنغاؿ " داكار "
Massamba Sassoum ، Dakarوبعد والدتو بقميؿ توفي والده " ماسمبا ساسوـ ديوب "
Diopليتركو ألمو التي راعتو لتعيش حتى عاـ ، 1984وتزوج " شيخ انتا ديوب " Cheikh
Anta Diopمف إمرأة فرنسية تدعى " ماري لويز مايس " Louise Marie Maesبعد اتماـ
دراساتو العميا في التاريخ والجغرافيا ،ورزؽ منيا ب ػ ػػاربعة مف االبناء ،وتوفي " شيخ انتا ديوب "
Cheikh Anta Diopفي 7فبراير 1986وتـ دفنو حسب رغبتو في قريتو " كايتو "
Caytouليكوف بجوار جده الكبير " ساسوـ ديوب " Sassoum Diopمؤسس القرية.
- 2التعميم :
في عاـ 1927حيث كاف سنة مف اربع لخمس سنوات تـ ارسالة إلى احدى المدارس لتعمـ
l'École القرآف الكريـ ،ثـ التحؽ بإحدى المدارس الفرنسية في " ديوربيؿ االقميمية "
Régionale de Diourbelليحصؿ منيا عمى شيادة االبتدائية في عاـ ، 1937وفي عاـ
Saint-Louisبالعاصمة " داكار " ليحصؿ عمى 1938التحؽ بمدرسة " سانت لويس "
البكالوريوس في عاـ 1945وىي شيادة مقابمة لشيادة الميسانس في الرياضيات والفمسفة في
فرنسا ،وخالؿ دراستو في المدرسة الثانوية كاف يدافع عف المغة األفريقية ،وطالب بصياغة
التاريخ السنغالي بالمغة االفريقية ،وفي الفترة نفسيا ظيرت افكاره األولى التي رسمت الحقا
مشروعو لمنيضة الثقافية واالستقالؿ السياسي الفريقيا السوداء.
وقاـ بعمؿ مبادرة إلنشاء رابطة الطالب االفارقة في باريس ،وكاف أوؿ رئيس ليا " شيخ فاؿ "
، Cheikh Fallو " أمادو محتار " Amadou Mahtar M'Bowالذي اصبح في غضوف
سنوات قميمة ذو شأف في ا لدولة السنغالية ،ومنذ عاـ 1947ظؿ " شيخ انتا ديوب " بجانب
2
- le wolof et le sérère ابحاثو ودراساتو يعمؿ في البحث ودراسة لغة الولوؼ وسيرير
Henri Lhoteمكتشؼ المغات االفريقية السنغالية – وظؿ عمى اتصاؿ مع " ىنري لوت "
الموحات الجدارية المسماه " تاسيمي " Tassiliفي صحراء السنغاؿ.
وفي عاـ 1948أكمؿ دراستو في الفمسفة والتحؽ بكمية العموـ ،وفي نفس العاـ نشرت لو أوؿ
Étude linguistique دراسة في المغة وكانت تحت عنواف " دراسات في لغة الولوؼ "
ouolove – Origine de la langue et de la race valafفي مجمة " اؿحاضر االفريقي
" Présence Africaineالتي أنشأىا المثقؼ البارز " أليوف ديوب " Alioune Diopفي عاـ
1947ومعو نخبة مف المتعمميف السود بفرنسا ،وقد قدمت ىذه المجمة دراسات كثيرة ذات طابع
فكري ،وقاـ شيخ انتا ديوب في نفس العاـ بنشر مقالة بالعدد الخاص لمجمة " المتحؼ الحي "
Le Musée Vivantوكانت تحت عنواف " متى يمكف لممرء أف يتحدث عف نيضة افريقية ؟ "
? Quand pourra-t-on parler d'une renaissance africaineوتناوؿ في جزء منيا
مسألة تطور المغات االفريقية ،واقترح في المقاؿ لممرة االولى لفكرة الدراسات االنسانية لالفريقي
humanités africainesفي الحضارة المصرية القديمة.
وفي عاـ 1949قدـ اطروحة لمحصوؿ عمى درجة الدكتوراه في األداب مف جامعة السوربوف ،
وكانت تحت عنواف " مستقبؿ الثقافة في الفكر االفريقي " L'avenir culturel de la pensée
، africaineوكاف المشرؼ عمى الرسالة البروفسور " جاستوف باشالرد Gaston Bachelard
،ولكف لجنة التحكيـ بالجامعة رفضت إجازتيا لتضمنيا أفكا اًر غير مألوفة ،ومناقضة لألفكار
التي يسعى الغرب لترويجيا .ونشر مضموف األطروحة في كتاب لمجمة "الحاضر األفريقي"
ونشر بعنواف األمـ الزنجية والثقافة ،وتـ ترجمة أجزاء منو إلى العربية بعنواف "األصوؿ الزنجية
لمحضارة المصرية القديمة".
وفي عاـ 1950حصؿ عمى شيادة في اؿفيزياء ،وفي نفس العاـ عقد عدة مؤتمرات بالسنغاؿ
كاف ليا أصداء إعالمية كبيرة ىناؾ ،ومف أبرز المواضيع التي طرحيا " التعميـ بالمغات
االفريقية األـ ،واألسس الثقافية لمحضارة االفريقية الحديثة ".
3
وفي نياية المطاؼ عاد انتا ديوب إلى السنغاؿ عاـ 1960بعد حصولو عمى درجة الدكتوراه ،
وأنشأ معمالً لمعموـ في داكار ،وقاـ بالتدريس في معيد أفريقيا السوداء ،واستطاع أف ينشر
افكاره في المحاضرات والمؤلفات ،وشارؾ في الميرجاف األسود العالمي األوؿ لمفنوف والثقافة
1981وحتى وافتو عاـ ،1966قاـ بالتدريس في جامعة اآلداب والعموـ اإلنسانية منذ عاـ
ديوب ()DACU ،1986وتـ تحويؿ اسـ جامعة داكار إلى جامعة أنتا المنية في عاـ
poiD atnA hkiehC fo ytisrevinUفي 30مارس ، 1987وذلؾ تكريماً ليذا المفكر
العبقري الذي كرس حياتو لمدفاع عف تاريخ وحضارة وكرامة القارة السمراء ،وترؾ لنا تركة مف
الكتابات بالمغة الفرنسية ترجمت إلى اإلنجميزية.
توجهاته :
عمى الرغـ مف أف شيخ أنتاديوب كاف يدرس العموـ المجردة ،لكف رغـ الجيد الذي بذلو في
دراسة ىذا العمـ ،لكف القضية التي كانت تشغؿ فكره ىي قضية الزنوجة nègres et Culture
والتي حاوؿ مف خالليا دراسة النظريات العممية المتعمقة بالماضي االفريقي ،والتي اثبت مف
ىو دفع خالؿ دراساتو أف اليدؼ الغير معمف مف قبؿ المستعمر مبر اًر لسياستو االستعمارية ،
الزنجي إلى االعتقاد – تحت ستار العمـ – بأنو لـ يكف في يوـ مف األياـ مسئوال عف أي شئ
ذي باؿ ،وال حتى عف ما يوجد لديو ،وىكذا يصبح التخمي والعدوؿ عف أي طموح قومي أم ار
يسي ار لدى المتردديف ،ويتـ تعزيز ردود الفعؿ الدافعة إلى الخضوع لدى مف عانو مف قبؿ
االغتراب ،لذا واجو شيخ انتاديوب بافكاره العديد مف المنظريف في خدمة االستعمار والذيف برعوا
جميعا في الترويج ألفكارىـ وتدريسيا عمى نطاؽ واسع.
واستخداـ المستعمر كذلؾ التبعية الثقافية كأداة لمسيطرة قديـ قدـ العالـ ،فقد لجأ إليو كؿ شعب ،
في كؿ مرة غ از فييا أراضي شعب آخر .وأفريقيا واجيت ذلؾ في كؿ البمداف المستعمرة ،ويرى
شيخ انتاديوب أنو كاف مف المتوقع أف يحدث رد فعؿ طبيعي لمدفاع عف النفس مف جانب
الشعوب االفريقية ،في مواجية الطمس الثقافي واإلساءة المتعمدة لمثقافة األفريقية ،ورفض كؿ
النظريات التي تحدثت في ىذا الشأف ووصفيا بالزائفة ،ألنيا ال تسعى لمتوصؿ لمحقيقة .وقاؿ
أف ىذه النظريات لو كانت بالفعؿ تحرص عمى اليوية الثقافية ألفريقيا فمماذا حاولت فرض
4
التربية الزائفة لمتاريخ األفريقي لمشعوب األفريقية عمى األجياؿ المتعاقبة وحالت دوف الوصوؿ
لمحقيقة.
لذا توصؿ إلى أف مف الضروري أف يعكؼ األفارقة عمى دراسة تاريخيـ وحضارتيـ لكي يتعرفوا
عمى أنفسيـ عمى نحو أفضؿ ،ويتوصموا مف خالؿ الدراية الحقيقية بماضييـ إلى جعؿ تمؾ
األسمحة بالية ومثيرة لمسخرية ،وغير فعالة بالتالي .غير أف ىذه الفكرة التي كاف مف المفترض
أف تكوف مسألة دارجة وشائعة ال تزاؿ أبعد مف أف تكوف مسألة مفروغا منيا بالنسبة لكافة
األفارقة.
لذا كاف شيخ انتاديوب قد طرح تصوره لممفكريف الذيف سبقوه وعاصروه ،وقد وضع ىذا التصور
لممفكريف في عدة اتجاىات في ىذا الصدد يمكف التمييز بينيا كالتالي -:
يضـ ىذا الفريؽ كؿ األفارقة الذيف يفكروف عمى النحو التالي :إف التنقيب في أطالؿ الماضي
لمتوصؿ إلى حضارة إفريقية ليس سوى مضيعة لموقت إزاء الطابع الممح لممشاكؿ القائمة ،وىو
موقؼ عفا عميو الزمف .وعمينا أف نقطع صمتنا بكؿ ىذا الماضي المشوش اليمجي والمحاؽ
بالعالـ الحديث الذي تندفع تقنياتو بسرعة االلكترونات .والعالـ في طريقة إلى التوحد ،وعمينا أف
نكوف في طميعة التقدـ .وسيحؿ العمـ في القريب العاجؿ كافة المشاكؿ الكبرى بحيث تصبح تمؾ
المشاغؿ المحمية والثانوية غير ذات موضوع .وال مجاؿ ألف تكوف ىناؾ لغات تعبر عف ثقافة ما
سوى لغات أوربا التي أثبتت أصال قدرتيا عمى ذلؾ ،مما يعني أنيا قادرة عمى نقؿ الفكر العممي
الحديث وأنيا عالمية فعالً.
وكاف لشيخ انتاديوب موقفا مف ىذا التصور ،وىو أف ىذا التيار يعاني مف االنسالخ الثقافي ،
ويدعو إلى االندماج ويعتبره المخرج الوحيد ،وىذا في وجية نظر شيخ انتاديوب قصر نظر
ثقافي ليؤالء وربما يعبر عف عجزىـ عف اقتراح حموؿ ممموسة وصالحة لممشاكؿ التي يتعيف
حميا لكي يكؼ االندماج عف أف يكوف ضرورة ظاىرية ،واعتبرىـ كالنعامة التي تضع رأسيا في
التراب لتتنكر مف موضوعية وطبيعة المشكمة.
5
وقدـ تصوره عف فكرة الحداثة في مواجية تصور ىؤالء حيث قاؿ " بأف الحداثة في نظره ليست
مرادفاً لقطع الصمة مع منابع الماضي الحية .وعمى العكس فإف الحداثة تعني إندماج عناصر
جديدة لبموغ نفس مستوى الشعوب األخرى ،ال إلى أجزائو التي ذبمت ولكف عمى الجزء الحي
والقومي مف الماضي الذي تتـ دراستو بما فيو الكفاية لكي يتمكف أي شعب مف التعرؼ عمى
نفسو خاللو .فتجميد الروح القومية لشعب ما في حدود ماضي مغاير لمحقيقة يشكؿ أحد
األساليب الكالسيكية لمسيطرة ،ولكف إذا كاف الغرض الذىاب إلى مدى أبعد ،واذا كاف
المطموب محو شعب ما لمحموؿ محمو في غضوف عدة عقود ،فيجب التوصؿ إلى تفتيت
مجتمعو ،أي دفع النخبة – أو مف تعتبرىـ الجماىير مف أفرادىا – إلى المشاركة بطريقة إجرامية
أو بريئة في تفتيت المجتمع وسحؽ النصيب الحي مف الماضي وترؾ القيـ األساسية التي كانت
بمثابة لحمة المجتمع ( التاريخ ،المغات ....الخ ) نيبا لميالؾ ".
وتابع شيخ انتاديوب كالمو قائال " بما أنني أضع ثقتي في ىؤالء المتحضريف لمغاية الذيف
أصبحت أفكارىـ في مجموعيا مرجعا لي ،فإف كؿ فكرة صائبة تدخؿ في ىذا النطاؽ تكوف
كذلؾ بالنسبة لي أيضاً .ولكنيـ يولوف العناية بكؿ دقة لتاريخيـ ويمجدونو كؿ يوـ بينما يبذلوف
كؿ جيد لتزوير تاريخي بكؿ دأب .فبوسعي إذف أف استنتج مف موقفيـ ىذا أف ىناؾ أىمية ال
تقدر بثمف ألف يعرؼ أي شعب تاريخو الحقيقي ".
وفي النياية رفض انتاديوب ىذا الرأي وعمؽ قائالً " ال غرابة في أال تتكوف أغمبية ىذا الفريؽ مف
العمماء .ويتعيف بالطبع عمى أفريقيا أف تستوعب الفكر العممي الحديث بأسرع ما يمكف ؛ بؿ
يجب أف نتوقع منيا أكثر مف ذلؾ ،فالتغمب في ىذا المجاؿ عمى التأخر الذي تراكـ منذ عدة
قروف يتطمب منيا أف تخوض مسرح التباري الدولي وأف تسيـ في تقدـ العموـ الصحيحة في كافة
الفروع بمشاركة أبنائيا أنفسيـ .بيد أنو يجب أال نكوف واىميف :فيذا التطور لف يتحقؽ بالكامؿ
إال في اليوـ الذي ستصبح فيو إفريقيا مستقة تماماً .فالسماح بتدريب كوادر تقنية بمعدالت فعالة
في بمداننا التابعة سيكوف بمثابة انتحار بالنسبة لمنظاـ االستعماري .وفي ىذا الصدد يتـ تمديد
تنفيذ البرامج لفترة تكفي لكي يكوف قد تـ في الوقت نفسو تغيير الوسط وبالنسبة بيف عدد
المستوطنيف وأىالي البمداف األصمييف بحيث ال تعود افريقيا ممكاً لألفارقة .وفي كؿ مرة يدعونا
فييا المستعمروف إلى التعاوف معيـ مف أجؿ التقدـ المشترؾ لشعبينا ،يكوف قصدىـ الخفي
6
التمكف مف الحموؿ محمنا .ولذا فإف جؿ ما يقدمونو ليس سوى سراب واسع النطاؽ يضمؿ شعبنا
بأسره بتواطؤ البعص معيـ ".
ويتابع شيخ انتاديوب " وىكذا يصبح مف الجمي أف قياـ دوؿ أفريقية مستقمة متحدة في إطار
حكومة مركزية ديمقراطية ،تمتد مف شواطئ البحر ألبيض المتوسط الميبية حتى رأس الرجاء
الصالح ،ومف المحيط األطمسي حتى المحيط اليندي ،ىو وحده الذي سيتيح لألفارقة إمكانية
– بؿ وحبيـ – االزدىار تماماً واثبات قدراتيـ في مختمؼ مجاالت االبداع ،وفرض احتراميـ
والقضاء عمى كافة أشكاؿ الرعاية األبوية وطي صفحة مف صفحات الفمسفة ،واألسياـ في تقدـ
البشرية بإتاحة الفرصة لمتآخي بيف الشعوب الذي سيكوف أيسر خاصة ألنو سيكوف تآخياً بيف
دوؿ مستقمة بنفس الدرجة ال بيف مسيطريف مقيوريف ".
ويتابع " لذا فإف أنصار التقدـ والحداثة بشكؿ مجرد الذيف يتحاشوف إثارة القضية عمى ىذا النحو
واإلشارة إلى أف التقدـ الذي يبدو أنيـ ينشدونو ليس ممكناً في ظؿ النظاـ االستعماري الذي
يعيشوف فيو ،ال يمكنيـ أف يتغاضوا عف أبعاد ىذا الموقؼ الخطير الذي يتخذونو .
أو الذي درس الماركسية بسرعة أو بشكؿ مجرد دوف أف يفكر أبداً في تطبيقيا عمى الحالة
الخاصة التمثمة في الواقع االجتماعي لبمده.
ويقوؿ شيخ انتا ديوب " أف ىذا التيار يصفنا بالرجعية أو البرجوازية أو العنصري أو النازي ،
ويتعيف أف نعيد إلى األذىاف ما ُكتب مؤخ ار حوؿ ضرورة أف يعرؼ أي شعب تاريخو وأف يحافظ
عمى ثقافتو القومية .واذا كانت ىذه الدراسة لـ تتـ بعد فمف الواجب القياـ بيا .وال يعني ذلؾ أف
نختمؽ جممة وتفصيال تاريخا أجمؿ مف تاريخ الشعوب األخرى كي نخدر الشعب معنوياً خالؿ
مرحمة النضاؿ مف أجؿ االستقالؿ الوطني ،ولكف أف ننطمؽ مف تمؾ الفكرة البدييية ،أال وىي
أف لكؿ شعب تاريخا .فمما ال غنى عنو لشعب ما لكي يوجو تطوره ،أف يكوف عمى دراية
بأصولو أياً كانت .ولو تصادؼ أف كاف تاريخنا أجمؿ مما كنا نتوقع ،فمف يكوف ذلؾ سوى
تفاصيؿ مفرحة يجب أال تشعرنا بالحرج ما دمنا نقدـ أدلة موضوعية تساند ذلؾ ،وىو ما لف
نتأخر عف القياـ بو ىنا ".
7
ومع أف األدلة الواىية التي ساقيا منظرو النازية ال تصمد أماـ أبسط التحميالت الموضوعية
لموقائع ،إال أف العديد مف األخصائييف سيتصدوف لموقائع المقدمة بحجج مراوغة لف تفي
بالمتطمبات الفكرية ألي ىاو غير متخصص.
واستشيد شيخ انتا ديوب بكالـ لينيف " غير أنكـ ترتكبوف خطأ إذا استنتجتـ مف ذلؾ أنو بوسع
المرء أف يصبح شيوعيا دوف أف يتمثؿ حصيمة المعارؼ اإلنسانية .فمف الخطأ االعتقاد بأنو
يكفي استيعاب الشعارات الشيوعية واستنتاجات العمـ الشيوعي دوف استيعاب مجموع المعارؼ
التي تشكؿ الشيوعية ذاتيا أحد النتائج ...إف الثقافة البروليتارية ال تنطمؽ بأكمميا مف حيث ال
ندري ،إنيا ليست مف ابتكار رجاؿ يعتبروف أنفسيـ إخصائييف في ىذا المجاؿ ،ىذا عبث
صرؼ ألف الثقافة البروليتارية يجب أف تظير كتطور طبيعي لحصيمة المعارؼ التي توصمت
إلييا البشرية ".
إنيـ أولئؾ الذيف قد يسوءىـ كممة زنجي ،يقوؿ عنيـ شيخ انتاديوب " أنيـ ينغمسوا في
صفصطو اقتصادية – أو باألحرى ليالحظوا – أنو العبث التحدث عف االستقالؿ القومي في ىذا
العصر المتميز باالعتماد المتبادؿ في االقتصاد .ولو ىؤالء مخمصيف صادقيف لبينوا بذلؾ أنيـ
ال يروف بوضوح طبيعة ذلؾ باالعتماد المتبادؿ .لقد انقضى بالطبع عيد االقتصاديات القومية
الصغيرة المنغمقة عمى نفسيا ،ومف المالحظ أيضاً أنو توجد سوؽ دولية تتوفر فييا منتجات مف
كافة القارات بفضؿ اكتساب السرعة التي ضيقت المسافات ،وتمؾ أفكار دارجة تتردد كؿ يوـ ".
وتابع متسائالً " ما ىي المشكمة االقتصادية التي يتعيف أف تعالجيا دولة إفريقية قوية تنبسط
أطرافيا لتشمؿ كؿ القارة تقريباً وتمتد حدودىا مف الشواطئ الميبية لمبحر األبيض المتوسط حتى
رأس الرجاء الصالح ،ومف المحيط األطمسي حتى المحيط اليندي؟ سيتعيف عمييا أف تبيع في
السوؽ الدولية منتجاتيا الفائضة وأف تشتري منيا ما تفتقر إليو إلى حد كبير مع تحاشي الوقوع
تحت ضغط أي غوؿ اقتصادي .ونظ اًر لمدى القوة التي ستكتسبيا ىذه الدولة فإنيا لف تكوف
تابعة اقتصاديا لمدوؿ األخرى بقدر ما لف تكوف تمؾ الدوؿ تابعة ليا .وىذا ىو مفيوـ االعتماد
المتبادؿ الذي يجب أف نتمسؾ بو :أف نتحاشى ،ميما كاف الثمف ،أف نكوف أتباعا آلخريف
8
بقدر ما ال يكونوف تابعيف لنا ،ألف التبعية ستؤدي آلياً إلى عالقات استعمار واستغالؿ مف
جانب واحد .وىكذا تكوف فكرة قياـ اتحاد فيدرالي يضـ كافة الدوؿ السوداء في القارة مسألة
ضرورية لمغاية ".
وتابع " مف السيؿ أف نسترسؿ لكي نثبت أف استقالؿ مستعمرة السنغاؿ الصغيرة ،وكوت ديفوار
،وتوجو وداىومي ...الخ ،لف يكوف إال وىما ألنو سيتعيف عمى ىذه المستعمرات أف تخضع
فو اًر لكافة أشكاؿ الضغوط الخارجية وستدور آلياً ،بفعؿ القوى االقتصادية ،في فمؾ إحدى
الدوؿ الكبرى .والحؿ الفيدرالي يقضى عمى مثؿ ىذا الوضع ".
وتابع " ويجري التساؤؿ أحيانا حوؿ ما يمكف أف نتصوره كأمـ في أفريقيا .مف السيؿ تطبيؽ
تعريؼ ستاليف لألمة عمى االثيوبييف ،والبامبا ار ،والولوؼ ،الزولو ،اليوروبا ...الخ .وتوجد
في السوداف وكوت ديفوار ،وتوجو ،والسنغاؿ ،وغينيا ،والنيجر ،وكينيا ،وجنوب افريقيا ،
والسوداف المسمى ( األنجمو مصري ) نوبات ألمـ ستتعزز مف خالؿ نضاليا مف أجؿ
االستقالؿ .ومف العبث أف نحاوؿ اليوـ تحديد ما ىي بالضبط حدود ىذه األمـ ،واف كاف مف
الممكف أف نتنبأ مف اآلف لكؿ واحدة مف تمؾ المناطؽ بالمغات التي ستفرض نفسيا – مع احتماؿ
– بينما ال يوجد مجاؿ لمشؾ في وحدة الثقافة والتاريخ والطابع ضئيؿ في الوقوع في الخطأ
النفسي ،واف كاف الوسط الجغرافي يمثؿ قد اًر مف الوحدة .وستحؿ المشكمة كما يتـ ذلؾ اآلف في
اليند ،أي أف الحدود الراىنة التي رسمت مف أجؿ تيسير االستغالؿ االستعماري ،أو حسب
المصادفات ،ليست بالضرورة غير قابمة لمتعديؿ وعمينا أف نييئ أذىاننا لكي تكوف مستعدة
لقبوؿ التغيير في المستقبؿ ".
وتابع " والواقع أف الشكمييف يخشوف بكؿ بساطة أال يكونوا مسايريف لألحداث ،وينـ موقفيـ ىذا
عف نوع مف التعالي الفكري ؛ ولو كاف موقفيـ متسقاً باتجاه مصمحة الشعب لقادىـ إلى التقدمية
،ولكف الوضع أبعد مف أف يكوف كذلؾ ".
وتابع " وتشف األوساط االستعمارية حممة منسقة ضد القومية في البمداف الخاضعة وتسعى مقدماً
إلجياضيا في كؿ مكاف ،ألف الروح القومية ،حتى واف كانت شوفينية لمغاية ،ليا عواقب
9
خطيرة بالنسبة لتمؾ األوساط :فيي تقضى عمى امتيازاتيا وتأتي عمى سيطرتيا كالسيؿ الجارؼ.
لذا فبوسعنا أف نالحظ أف مف يمقوننا أف القومية قد تـ تجاوزىا ىـ :
أ) قوميون برجوازيون من الدولة المستعمرة ناضموا في بالدىـ وحققوا تطمعاتيـ ولكف
القياـ بعمؿ مشابو مف جانبنا يقض مضاجعيـ .وقد يكوف بوسعيـ أف يقولوا لنا أيضاً:
ولكف ماذا سيحؿ بنا لو فعمتـ نفس الشئ؟
فيـ غير قادريف ب) قوميون برجوازيون من الدول المستعمرة يجهمون حقيقة أنفسهم:
عمى التخمي عف فكرة وجوب احتفاظ الوطف الفرنسي بمستعمراتو بطريقة أو أخرى .وىـ
يتساءلوف أيضاً عف مصير فرنسا بدوف ممتمكاتيا :إنيـ يتصوروف أنو يمكف التوصؿ
إلى شكؿ لالتحاد الفرنسي يكوف قاد اًر عمى البقاء ويبحثوف عف صيغة بديمة .ولكي
نظير عمى نحو أفضؿ شذوذ ذلؾ الترابط بيف دوؿ مستعمرة ومستعمراتيا ،فمنتصور
تعميـ ذلؾ في أفريقيا :سيكوف معنى ذلؾ أف تظؿ مفتتة إلى األبد بيف فرنسا ،وانجمت ار ،
والبرتغاؿ ،وأسبانيا ،وجنوب أفريقيا تحت قيادة الدكتاتور ماالف ...الخُ .كتب النجاح
لمتستر عمى ىذا التفتيت إلفريقيا تحت اسـ التقدـ والديمقراطية ،لتحققت تمؾ الديمقراطية
العالمية عمى حساب بالدنا ،بمعنى أف تظؿ مقسمة ومستغمة مف جانب طرؼ واحد ".
وتابع "ىناؾ إذاً واجب عمينا أف نؤديو إزاء أوربا :عمينا أف نساعدىا عمى التحرر مف العادات
القديمة التي اكتسبتيا مف خالؿ ممارستيا لالستعمار ،ودفعيا إلى إدراؾ الوجية الحقيقية
لمصالحيا التي لـ تعد قادرة حتى عمى تحديدىا .فأوربا وحدىا ضعيفة لمغاية وفي حاجة إلى
المساعدة لمتوصؿ إلى ذلؾ .غير أنيا لف تتأخر في اإلقداـ عمى ىذا األمر وعمى أسس
ديمقراطية حقاً في اليوـ الذي ستقتنع فيو بأنيا فقدت إفريقيا نيائياً ؛ وعندئذ سيبدو االتحاد
الفيدرالي األوربي الحؿ الوحيد بالنسبة لكؿ الذيف كانوا يتساءلوف حتى ذلؾ الوقت عف مصير
بالدىـ بدوف مستعمرات ".
رابعاً :قد يكوف ىناؾ فريؽ مكوف مف عناصر تعتقد أف النضاؿ مف أجؿ لقمة الخبز اليومية ىو
وحده الميـ وأف كؿ ما عدا ذلؾ ليس سوى ىموـ مثقفيف ويجب أف نتحاشى االنشغاؿ بقضايا
زائفة .وبوسعنا حينئذ أف نذكر ليـ مثاؿ فييتناـ الذي تعيف عميو أف يحؿ ىذه " القضايا الزائفة "
في األدغاؿ حيث اقتضى األمر تأسيس تعميـ بالمغة الدارجة مف أجؿ تدريب الكوادر .ومف جية
10
أخرى يتضح مف كؿ ماجاء مف قبؿ أف االىتماـ بالقضايا الثقافية ىذه ليست إال مف أجؿ إكساب
ىذا النضاؿ كؿ فاعميتو وتحويمو إلى نضاؿ مف أجؿ االستقالؿ الوطني.
11
(القرف الثالث ؽ.ـ ).بسقوط آخر األسر الفرعونية بغزو الفرس لمصر ،وبالنسبة لمعصور الحديثة
فإنيا بدأت في أفريقيا في وقت مقارب لمعصور األوروبية الحديثة وترتبط بالكشوؼ الجغرافية في
أواخر القرف الخامس عشر.
أثبت أنتاديوب مف خالؿ التقسيـ السابؽ والمقارنة بيف العصور التاريخية لكمتا الحضارتيف ،أف
التاريخ األفريقي ال يقؿ عظمة عف التاريخ األوروبي ويساويو ،ووجد أنو إذا كانت العصور
الوسطى األوروبية قد اتسمت بالجيؿ والتفتيت السياسي وغياب المركزية السياسية باستثناء
امبراطورية "شارماف" في القرف التاسع ،وبتحكـ الكنيسة الكاثوليكية في الحياة العامة ،فإف
الوضع السائد في أفريقيا كاف مختمفاُ ،بؿ أف أفريقيا كانت أكثر ازدىا اًر مقارنة بأوروبا فمف
الناحية السياسية وعمى الرغـ مف خضوع مصر لمفرس ثـ البطالمة ثـ الروماف إال أنو في قمب
القارة نشأت ممالؾ أخرى مثؿ امبراطورية غانا والتي عاشت عشر قروف ( 3ـ .إلى 13ـ ).وكاف
مقرىا في مالي حالياً ،لدرجة أف األوروبيوف كانوا يرسموف في خرائطيـ غرب أفريقيا كعرش مف
الذىب ،وكانت أفريقيا تعرؼ حكماً منظماً كما عرفت صناعة الحديد والبرونز ،وأنو عندما
سقطت غانا ظيرت ممالؾ أخرى مثؿ مممكة مالي وسنغي وغيرىما .كما كانت أفريقيا في
العصور الوسطى متقدمة في مجاالت العموـ عف أوروبا ،حيث انتشرت الجامعات التي كاف مف
أشيرىا جامعة سانكوري في القرف العاشر كاف يدرس بيا نفس العموـ التي تدرس حالياً في األزىر
مثؿ الرياضيات والفمسفة والمنطؽ والفيزياء.
أثبت أنتاديوب كذلؾ مف خالؿ ىذا التقسيـ االستم اررية التاريخية ،وأف التاريخ األفريقي يتسـ
بالتماسؾ والترابط وأنو متوالي العصور ،وفند اإلدعاءات األوروبية بأف التاريخ األفريقي ما ىو إال أحداث
متقطعة ،ال صمة وال رابطة بيف أحداثو كما جاء في كتابات ىيجؿ.
تفسير تأخر الشعوب وتقدمها:
تفسير تاريخي :فكرة الدورة التاريخية فالشعوب تمر بالنشأة ثـ تنمو ثـ تصؿ إلى أوج التقدـ ثـ تنحسر
وتتياوى وتنيار.
تفسير جغرافي :يربط التقدـ والتخمؼ بالمناطؽ الجوية فالمناخ البارد يساعد عمى التفكير بينما الجو
الحار يساعد عمى التخمؼ وعدـ التفكير.
رفض أنتاديوب التفسير الجغرافي لما يتسـ بو مف عنصرية وعدـ موضوعية.
وأنتيى أنتاديوب إلى أنو إذا كانت اليوناف ىي معجزة الحضارة األوروبية ،فإف مصر القديمة ىي أصؿ
الحضارة الزنجية ،وقد ساؽ العديد مف الحجج والبراىيف إلثبات ما تقدـ كما يمي:
12
أووً األدلة التاريخية وشهادات المؤرخين:
هيرودوت :أشار ىيرودوت في كتاباتو أف مصر ىي أرض السود وشعبيا أسود الموف وليس أبيض.
150عاـ وأشار في كتابو "رحالت إلى فولني :وىو رحالة فرنسي زار مصر قبؿ الحممة الفرنسية بػ
مصر وسوريا" إلى أف أسالؼ المصرييف كانوا مف السود ،وعاب عمى األوروبييف قياميـ باستعباد
األفارقة الذيف عمموىـ األبجدية والحروؼ.
ثانياً األدلة الدينية :
أوزوريس آلو الخير كاف أسود وست آلو الشر كاف أبيض ،فمو كاف القدماء المصرييف ينتموف إلى
الجنس األبيض كانوا جعموا آلية الخير لونو أبيض وليس أسود .بؿ يذىب البعض إلى القوؿ بأف الموف
األبيض في التقاليد المصرية القديمة ال يستحؽ الحياه وكاف ينظر إليو كشخص عاجز غير قادر عمى
الحياة.
المصريوف في التوارة ىـ أوالد حاـ وحاـ في المغة العبرية تعني أسود.
ثالثاً أدلة أثرية:
الدراسة العممية لمموميات المصرية تكشؼ عف المالمح الزنجية والطبيعة الزنجية لممصرييف ،وأف مصر
ٍ
بدرجات متفاوتة ودوف بموغ المرحمة التي القديمة وحتى الغزو الفارسي كانت مأىولة بزيجات زنجية
تؤدي إلى عدـ االتساؽ والتواصؿ العرقي.
الرسوـ والجدارايات والتماثيؿ تثبت أف المصرييف كانوا مف الزنوج.
6ؽ.ـ .وتفقد مصر استقالليا كدولة أـ التاريخ الفرعوني ينتيي مع الغزو الفارسي لمصر في القرف
ألفريقيا.
رابعاً األدلة المتصمة بعمم األجناس والدراسات البشرية:
يرى أف الصحراء الكبرى كانت مطيرة وعندما جفت اضطرت الجماعات إلى الرحيؿ إلى حيث المياه إلى
نير النيؿ ومع انحدار النير بدأت تتحرؾ الجماعات وبدأت تبني حضارتيا أي أف الحضارة المصرية
بدأت جنوباً ثـ امتدت شماالً وليس العكس كما يقوؿ الرأي السائد .واستشيد باألىراـ التي وجدت في
السوداف وفسر وجودىا بأنيا كانت محاولة لتقميد مصر.
خامساً األدلة المغوية:
اسـ مصر القديمة كاف أرض كيمت Kimtوىي تعني أرض الناس السود وليس األرض كما ترجميا
البعض (التربة السوداء).
تشابو بيف الييروغالفية وبعض المغات األفريقية مثؿ لغة الولوؼ ،وعقد مقارنة لغوية ونحوية بيف
الييروغموفية والولوؼ مف ناحية المفردات ووجد تشابو كبير.
13
المحور الثاني :إثبات تفوق وسمو الحضارة األفريقية
أثبت أنتاديوب تفوؽ وسمو الحضارة األفريقية وفضميا عمى نظيرتيا األوروبية ،مف خالؿ ثالث محاور
كما يمي:
أووً نقض األسطورة الحامية (خمع يافث وتنصيب حام):
يرى انتاديوب أف كممة حاـ جرى توظيفيا عمى نطاؽ واسع ،فحاـ "ممعونا وممطخاً بالسواد
وسمفاً لمزنوج عندما يكوف ذلؾ في خدمة ألغراض الغرب ،ولكنو يصبح أبيض كمما جرى البحث عف
أصؿ الحضارة ،ويرى ديوب أف ىذا االزدواج والتناقض يفسراف ابتكار فكرة الحامييف الشرقييف
والغربييف ،التي تيدؼ إلى حرماف الزنوج مف الكسب الذي ينشئ لمحضارة المصرية والحضارات األفريقية
األخرى.
فكرة المجتمعات األمومية واألبوية لنفض األسطورة الحامية ،حيث توجد فكرة استخدـ أنتاديوب
سائد في أوروبا عف وجود مجتمعات أمومية زراعية في جنوب العالـ ،وىي تشكؿ مرحمة تاريخية
وحضارية سابقة لممجتمعات األبوية الروعية (المجتمعات اليندوأوروبية) المنتشرة في الشماؿ ،وأف ىذه
المجتمعات األبوية ىي في مرحمة حضارية أسمى مف المجتمعات األمومية ،وبالتالي فالشماؿ أسمى
وأكثر تقدماً مف الجنوب.
سمـ أنتاديوب بفكرة المجتمعات األمومية واألبوية لكنو رفض فكرة األسبقية التاريخية ،ويرى أنيما تزامنا
كما أثبت سمو ورقي المجتمعات األمومية عف األبوية مف خالؿ ما يمي:
التنظيم السياسي :المجتمعات األمومية والتي تمثؿ مصر نموذجاً ليا عرفت الدولة المركزية ،عكس
المجتمعات األبوية التي أقصى ما عرفتو ىو دولة المدينة مثؿ أثينا وأسبارطة.
من الناحية الدينية واألخالقية :المجتمعات األمومية مستقرة ألنيا زراعية وبالتالي يسودىا قيـ السالـ
واألمف وبالتالي ال يوجد عقدة الشعور بالذنب وبالتالي الديانات الطبيعية التي سادت ليس فييا جينـ وال
يوجد لدييا عقاب .بينما المجتمعات األبوية مجتمعات غير مستقرة وبالتالي السمب واالعتداء والنيب تعد
أمور طبيعية وىي ال تعرؼ قيـ السالـ واألماف وبالتالي ىناؾ شعور بعقدة الذنب والنتيجة أف الديانات
التي سادت بيا جينـ وعقاب المخطئ .ولعؿ النقد الذي يوجو إلى شيخ أنتاديوب في ىذا الشأف ىو
اعتقاده بأف األدياف ليست سماوية ولكنيا تستمد قيميا مف داخؿ المجتمعات وأنيا نتاج جيد بشري.
دور المرأة :كانت المجتمعات األمومية أكثر تقدماً في تمكيف المرأة بينما المجتمعات األبوية الرعوية
كانت أقؿ تقدماً في ىذا الشأف ،ولعؿ ىذا يفسر مغاالة الغرب في الوقت الحالي في الحديث عف حقوؽ
المرأة.
ثانياً اتجاهات التأثير الحضاري (من الجنوب لمشمال):
14
يرى أنتاديوب أف اليوناف تأثرت بالحضارة المصرية وبالتالي فإف اتجاىات التأثير الحضاري تبدأ وتمتد
مف الجنوب لمشماؿ ،واذا كانت مصر ىي المرجعية الحضارية ألفريقيا واليوناف ىي المرجعية الحضارية
ألوروبا فتكوف أفريقيا ىي صاحبة الفضؿ عمى أوروبا.
استشيد شيخ أنتاديوب في ىذا الشأف "بحوارات أفالطوف" ،ومف بينيا حوار كاىف مصري مع يوناني
يدعى Solonحيث قاؿ لو "أنتـ ال زلتـ أطفاؿ في العقؿ وفكركـ لـ ينضج بعد ،وأف أغمب اليونانييف
تعمموا في مصر ونحف أصحاب الفضؿ ألننا عممناكـ في األوؿ" Solon .ىو الذي نقؿ األلواح االثنى
عشر إلى اليوناف وليذا داللتو.
ثالثاً مواطن الحضارات الكبرى في العالم:
أثار أنتاديوب سؤاؿ ىاـ وىو إذا كاف البيض بناة حضارة فمماذا لـ يبنوىا في بالدىـ؟ وىؿ توجد
أىرامات في شماؿ العالـ؟
فجميع الحضارات الكبرى متواجدة في جنوب العالـ (الفرعونية-العراقية-اليندية) وىذا دليؿ عمى أف
الجنوب ىو ميد الحضارة اإلنسانية.
15
دراسة ألهم األفكار التي طرحها شيخ أنتاديوب في كتابه
قدـ شيخ انتا ديوب لكتابو بقولو " ىذا المؤلؼ ليس اختراعاً حوؿ قضايا معينة :فكؿ مف أراد
استخداـ الماركسية كمرشد لمتحرؾ عمى الساحة األفريقية سيتوصؿ بكؿ تأكيد إلى نفس
االستنتاجات.
ولكف يجب أف أضع النقاط فوؽ الحروؼ :فإني حريص عمى أف أوضح أنني ال أُلمح إطالقاً ال
إلى صدؽ الديف اإلسالمي أو المسيحي .وأعتقد أف أي إفريقي جاد يريد أف يكوف فعاالً بالنسبة
لبمده سيتحاشى المجوء إلى أي انتقادات دينية .فالديف مسألة شخصية فنحف ىنا فقط بصدد
مشاكؿ ممموسة يتعيف حميا حتى يتمكف كؿ مؤمف مف ممارسة طقوس دينو بحرية في ظؿ
ظروؼ مادية أفضؿ .ولذا يكوف مف األمانة أف ُيق أر ىذا الكتاب بنية خفية تريد أف تعثر فيو عمى
أي كممة تسمح بنبذه مع التصايح بأنو دعوة إلى الكفر ".
وقسـ الكتاب إلى سبعة فصوؿ تناوؿ في الفصؿ األوؿ :األصوؿ المصرية مستشيداً بكتابات
الفالسفة القدامى والتوراة وقيمة تمؾ الشيادات ،وفي الفصؿ الثاني :ناقش منشأ خرافة الزنجي ،
وفي الفصؿ الثالث :التزوير الحديث لمتاريخ وطرح عدة تساؤالت وىي ىؿ كانت نشأة الحضارة
المصرية في الدلتا ممكنة؟ وىؿ يمكف أف تكوف الحضارة المصرية مف أصؿ أسيوي؟ أو فينيقياً؟
ومشكمة الجنس المصري كما رآىا وعالجيا األنثروبولوجيوف ،وفي الفصؿ الرابع :ناقش الحجج
المؤيدة لألصؿ الزنجي لمجنس المصري والحضارة المصرية فعرض لمطوطمية ،الختاف ،
الممكية ،مفيوـ نشأة الكوف ،التنظيـ االجتماعي ،النظاـ األموي ،القرابة بيف السوداف المروي
ومصر ،أسبقية السوداف المروي ،وقياـ األسرة السودانية المروية :بعانخي ،وشاباكا وسابتكا ،
وميد الحضارات في قمب البالد الزنجية ،والمغات ،ودراسة مقارنة بيف قواعد النحو المصرية
والولوؼ ،وىؿ يمكف إعادة صياعة قواعد المغة المصرية القديمة عمى أساس لغة الولوؼ؟ ،
ومالحظات حوؿ بعض الكممات المصرية القديمة المتميزة .وفي الفصؿ الخامس :عرض لمحجج
المضادة لفكرة األصؿ الزنجي لمصر ،وطرح أسئمة عدة وىي :ىؿ ىو انتكاس ثقافي؟ وما ىي
المشاكؿ التي يثيرىا الشعر الناعـ والتقاطيع " المنتظمة "؟ ،ىؿ ىو جنس أسود ُم ّسخر؟ ،ىؿ
16
لوف المصرييف األسمر المائؿ لألحمرار؟ ،وتسائؿ عف نقوش نصب فيمو ،وفي الفصؿ
– السادس :إعمار إفريقيا انطالقاً مف وادي النيؿ ،وفي الفصؿ السابع واآلخير :إسياـ إثيوبيا
النوبة ومصر في الحضارة.
تممس ما
وسيحاوؿ الباحث تمخيص ما جاء بالكتاب حسب ماجاء مف طرح لمكاتب ،ومحاولة ُ
كاف يريد أف يثبتو مف خالؿ االفكار التي عرض ليا كاآلتي :
حاوؿ شيخ انتا ديوب أف يطرح بعض الشيادات لػ " ىيرودوت " التي أكد مف خالليا عمى
الطابع الزنجي لممصرييف ،وقاؿ شيخ انتا ديوب " حسب الشيادة شبو االجتماعية لممؤرخيف
القدامى فإف – المصرييف – ينتموف إلى جنس أفريقي ،بمعنى أنيـ زنوج استقروا أوال في أثيوبيا
،عمى شاطئ النيؿ األوسط ،ثـ نزحوا تدريجياً نحو البحر بمتابعة مجرى النير ...ومف جية
أخرى تؤكد التوراة أف مصرايـ ،ابف حاـ وشقيؽ كوش االثيوبي وكنعاف ،جاء مف بالد ما بيف
النيريف واستقر مف أبنائو عمى شاطئ النيؿ ".
وحاوؿ التدليؿ عمى كالمو مف التوراه ،مف أف ذرية حاـ سمؼ الزنوج القدامى تسكف مصر ،
ولكنو تساءؿ ما ىي قيمة تمؾ الشيادات؟
وأجاب أنيا ال يمكف أف تكوف ىي أو غيرىا زائفة ألنيا شيادات شيود عياف .وال يمكف أف يكوف
ىيرودوت مخطئاً عندما ينقؿ لنا عادات ىذا الشعب أو ذاؾ ،وعندما استدالال فطناً إلى حد ما
يفسر لنا ظاىرة كانت غير مفيومة في عيده ،ولكف بوسعنا أف نقر عمى األقؿ بأنو كاف قاد اًر
عمى مالحظة لوف بشرة الناس الذيف عاشوا في بمد ازره فعالً .وفضالً عف ذلؾ لـ يكف ىيرودوت
المؤرخ الذي يصدؽ كؿ ما وصؿ إلي عممو ويسجمو بال تدقيؽ .فيو ذادر عمى التمييز بيف
األمور ،ويحرص دائماً ،عندما يورد رأياً يوافؽ عميو ،عمى أف ينوه بذلؾ.
17
ويجيب شيخ انتا ديوب " لإلجابة عمى ىذا السؤاؿ يتعيف أف نتدارس تكويف الشعب الييودي.
فمف ىو الشعب الييودي ،كيؼ نشأ ،وكيؼ أنشأ ذلؾ األدب المتمثؿ في التوراة ،والذي جاء
فيو أف المعنة حمت بذرية حاـ ،سمؼ الزنوج والمصرييف؟ وما ىو األصؿ التاريخي لتمؾ المعنة؟ "
وأخذ شيخ انتا ديوب يستطرد ليبيف كيؼ دخؿ الييود مصر ،وكيؼ انيـ ساىموا في بناء
الحضارة المصرية القديمة مستشيداً مف التوراة بنصوص متجاىالً ما جاء في االنجيؿ والقرآف.
ولكنو أثار قضية تناقضية فيما استشيد بو حيث قاؿ في نياية الفصؿ " وىكذا نجد أف حاـ
يصبح ممعوناً وممطخاً بالسواد وسمفاً لمزنوج عندما يكوف ذلؾ في خدمة الغرض المقصود ،وىذا
ما يحدث كمما جرى الحديث عف العالقات االجتماعية المعاصرة ،ولكف حاـ ىذا يصبح أبيض
كمما جرى البحث عف أصؿ الحضارة ،ألنو متواجد في ىذا البمد الذي كاف أوؿ بمد متحضر في
العالـ ،وليذا تـ ابتكار فكرة الحامييف الشرقييف والغريبيف التي ال تعدو أف تكوف سوى اختراع
ُموات لحرماف الزنوج مف الكسب المعنوي لمحضارة المصرية ولمحضارات اإلفريقية األخرى "
ساؽ شيخ انتا ديوب في ىذا الفصؿ عدة تساؤالت دارت حوؿ طبيعة القارة االفريقية عندما اتى
إلييا الستعمار غازيا في أفواج منذ القرف الخامس الميالدي وحاوؿ االجابة عنيا.
قاؿ شيخ انتا ديوب " فمف المعترؼ بو عموماً أف الجفاؼ الذي أصاب الصحراء قبؿ الميالد بػ
7000سنة تقريباً ،وكانت إفريقيا اإلستوائية ال تزاؿ عمى األرجح منطقة غابات كثيفة لمغاية
بحيث لـ تكف تجتذب البشر .ولذا فإف الزنوج الذيف كانوا آخر مف عاشوا في الصحراء ىجروىا
متجييف نحو أعالي النيؿ ،فيما عدا بضع بقع ربما ظمت تائية في بقية أنحاء القارة ألنيا
اتجيت نحو الجنوب أو صعدت نحو الشماؿ .وربما وجد األولوف في أعالي النيؿ سكاناً زنوجاً
كانوا مقيميف ىناؾ أصالً .وعمى أي حاؿ فقد تولدت أقدـ ظاىرة تحضر عرفيا العالـ مف خالؿ
التأقمـ التدريجي مع ظروؼ الحياة التي فرضتيا الطبيعة عمى مختمؼ السكاف الزنوج .وقد
تطورت ىذه الحضارة التي تسمى مصرية في عيدنا ،تطورت عمى مدى طويؿ في ميدىا األوؿ
ثـ انحدرت ببطء مع امتداد وادي النيؿ لينتشر إشعاعيا حوؿ حوض البحر األبيض المتوسط.
18
واستغرقت دورة الحضارة ىذه ،وىي أطوؿ الدورات التاريخ ،حوالي عشرةآالؼ سنة ،وىي
متوسط بيف التقدير الزمني الطويؿ ".
ويضيؼ شيخ انتاديوب " ويوسع المرء أف يدرؾ ببساطة أف الزنوج انتشروا مف جديد تدريجياً
داخؿ القارة وشكموا فيما بعد مراكز حضارات قارية ،ولما كاف الزنوج قد أصبحوا عمى أثر ذلؾ
منفصميف عف وطنيـ األـ الذي اجتاحو األجانب ،وانغمقوا عمى أنفسيـ في إطار جغرافي يحتاج
إلى جيد أقؿ لمتأقمـ ،وحظوا بظروؼ اقتصادية مواتية ،فقد اتجيوا نحو تطور تنظيميـ
االجتماعي والسياسي والمعنوي ،أكثر مف اتجاىيـ نحو البحث العممي النظري الذي ما كانت
البيئة تبرره ،بؿ وتجعمو مستحيالً .ولما كاف التأقمـ في الشريط الضيؽ لوادي النيؿ الخصب
يتطمب تقنية عممية في الري واقامة السدود ،وحسابات دقيقة لمتنبؤ بفيضانات النيؿ ،
واستخالص العواقب االقتصادية واالجتماعية لذلؾ ،فقد أصبح اختراع عمـ اليندسة ضرورة
مادية لتحديد الممكيات بعد فيضانات النيؿ التي كانت تزيؿ الحدود ،كما تطمبت شرائح األرض
– الزنجي الجديد إلة محراث قاـ المسطحة تحويؿ المعزقة التي تعود إلى العصر الحجري
اإلنساف بجره ثـ أحؿ محمو البيائـ .ويقدر ما كاف كؿ ذلؾ أم اًر ال غنى عنو بالنسبة لمزنجي
المستقر في وادي النيؿ ،بقدر ما كاف ال يمزـ في ظؿ ظروؼ الحياة الجديدة داخؿ القارة ".
وبدأ شيخ انتاديوب يدافع عف الزنجي ،ويسوؽ كيؼ أف الغرب ينظروف إليو نظرة دونية ،
ويستخدمونو في النخاسة ،ويصورنو لألوربي أنو إنساف أدني ،وأنيـ جاءوا إلى أفريقيا كواجب
إنساني بالتذرع بالرسالة الحضارية التي يقع عمى عاتؽ الغرب االضطالع بيا لرفع اإلفريقي إلى
مستوى البشر اآلخريف.
ووصفيا بوصؼ " :وىكذا أصبحت الرأسمالية مطمقة اليديف لممارسة أبشع أشكاؿ االستغالؿ
تحت ستار مبررات أخالقية ".
وتكمـ شيخ انتا ديوب بصيغة النقد الالذع عف المفكريف األفارقة الذيف تأثروا بيذه األراء مثؿ "
ايميو سيزير " في شعره ،و " ليوبولد سيدار سنجور " في شعره أيضاً.
واستشيد أيضاً بكالـ " فولني " خالؿ زياراتو لمصر بيف عامي 1785 ، 1783ـ ،وأكد كالـ
ىيرودوت بؿ وصؼ المصرييف في ىذا التاريخ بانو رأي المصرييف فوجدىـ " وجوىيـ جميعاً
19
منتفخة والعيوف جاحظة واألنوؼ فُطس والشفاه غميظة :إنيـ بعبارة واحدة صورة لمخالسي
الحقيقي " ،ودلؿ عمى كالمو بأف أبو اليوؿ رأسو تحمؿ كؿ سمات الزنجي.
عرض فيو شيخ انتا ديوب لكالـ فولني مف اثبات الطبيعة الزنجية لممصرييف القدماء ،وعرض
أيضاً لزائر آخر لمصر وىو " رينزي " والذي توصؿ لنفس استنتاجات فولني السابقة.
وحاوؿ اثبات أف البشرة المصرية التي وصفيا المؤرخوف بأنيا أحمر داكف بأنيا األقرب إلى الموف
الزنجي ،حيث قاؿ شيخ انتا ديوب " وفيما يتعمؽ بالجنس االحمر-الداكف سنرى أنو بكؿ بساطة
فرع مف الجنس الزنجي كما جرى تصويره في آثار ذلؾ الزمف .فال يوجد في الواقع جنس أحمر-
داكف ألف ىناؾ فقط ثالثة أجناس متميزة عف بعضيا بكؿ وضوح :الجنس األبيض واألسود
واألصفر ،أما الجنس الوسيط المزعوـ فميس إال نتاج التزاوج بيف تمؾ األجناس الثالثة األولى "
ثـ ينتقؿ شيخ أنتاديوب إلى نقطة أخرى يدلؿ بيا عمى كالمو وىو أف الغرب حاوؿ تزوير التاريخ
1822ـ بعد قدوـ الحممة الفرنسية إلى مصر عاـ وذلؾ بعد فؾ رموز الكتابة الفرعونية عاـ
1799ـ ،ويقوؿ شيخ أنتا ديوب " وىكذا تميز عمـ اآلثار المصرية منذ نشأتو بضرورة أف تيدـ
بأي ثمف وأف تُزاؿ تماماً مف كؿ األذىاف ،ذكرى مصر الزنجية .ومنذ ذلؾ الوقت أصبح القاسـ
المشترؾ في أطروحات عمماء المصريات يتمخص في محاولة يائسة إلنكار أطروحة مصر
الزنجية .ويجمع مقدماً كؿ عمماء اآلثار المصرية تقريباً عمى رفض أطروحة مصر الزنجية.
وتتخذ كافة محاوالت ىذا االنكار أشكاؿ عدة ".
والغريب أف شيخ أنتاديوب يسوؽ لنا دليؿ عمى أف الشعب المصري القديـ لـ يكف شعباً زنجياً مف
خالؿ مذكرة موجية مف فيجاؾ شامبميوف إلى محمد عمى باشا ،حاكـ مصر ،سمميا لو في عاـ
1829ونصيا " الرأي القائؿ بأف سكاف مصر القدامى كانوا ينتموف إلى الجنس الزنجي رأي
خاطئ جرى تبنيو لمدى طويؿ باعتباره حقيقة .وكاف المسافروف إلى الشرؽ منذ نيضة اآلداب
غير قادريف عمى إبداء تقييـ صحيح لممعمومات التي كانت اآلثار المصرية توفرىا حوؿ تمؾ
القضية اليامة ،فساىموا بذلؾ في نشر ىذه الفكرة الخاطئة التي عكؼ الجغرافيوف عمى نقميا
حتى وقتنا ىذا .وقد أعمنت حجة كبيرة موافقتيا عمى ذلؾ الرأي فروجت ليذا الخطأ .وترتب ذلؾ
20
عمى ما نشره فولني الشيير حوؿ مختمؼ األجناس البشرية التي الحظيا في مصر ....وأنو
استشيد برأي ىيرودوت بأف بشرة المصرييف سوداء وشعرىـ مجعد .غير أف ىاتيف الخاصيتيف
الجسديتيف ال تكفياف لتحديد سمات الجنس الزنجي ،وبالطبع فإف استنتاج فولني حوؿ أصؿ
سكاف مصر القدامي مقحـ وغير مقبوؿ ".
ويرد شيخ أنتا ديوب عمى كالـ شامبميوف قائال " مف الواضح إذف أف تبيض الجنس المصري ما
كاف يمكف التوصؿ إليو إال مف خالؿ مثؿ تمؾ التعديالت في التعريفات األساسية .وىكذا لـ يعد
يكفي أف يكوف الشخص أسود مف قمة رأسو حتى أخمص قدميو ومجعد الشعر لكي يكوف زنجياً!
فكأننا أصبحنا في عالـ تتغير فيو قوانيف الطبيعة ،وبتنا عمى أي حاؿ بعيديف تماماً عف الفكر
التحميمي الديكارتي .بيد أف ىذه التعريفات والتعديالت لممعطيات األولى أصبحت فيما بعد
األساس الذي سيبني عميو عمـ المصريات .وىكذا ُدمغ عمـ المصريات الذي نشأ عف التعمؽ في
الدراسة العممية ،بعمميات تزوير فجة لمسناىا بأنفسنا .وىذا ىو السبب في تحاشي عمماء
المصريات شيئاً فشيئاً وبكؿ عناية الخوض في أصؿ الجنس المصري .ولذا فإف معالجة فضية
الجنس المصري حالياً اضطرتنا إلى التنقيب الستخراج قديمة لمؤلفيف مشيوريف في زمنيـ ،
ولكنيـ أصبحوا غير معروفيف تقريباً ".
ويستطرد شيخ انتا ديوب ويطرح سؤاالً " ىؿ كانت نشأة الحضارة المصرية في الدلتا ممكنة ؟ "
ويجيب شيخ أنتاديوب عمى السؤاؿ بعد عرض أراء مختمفة تؤيد وتنفي نشأة الحضارة المصرية
بالدلتا بقولو " لـ تدخؿ الدلتا في التاريخ المصري إال في العصر المتأخر .ولـ تكف مصر أبداً
دولة بحرية قوية ،وربما يرجع ذلؾ إلى نشأة حضارتيا داخؿ القارة ،عمى عكس الشعوب
األخرى المطمة عمى البحر األبيض المتوسط " ،ويدلؿ عمى ذلؾ فيقوؿ " فمف المعترؼ بو
عالمياً أف الدلتا كانت بؤرة النتشار الطاعوف في الشرؽ األوسط ".
ثـ يطرح تساؤالً آخر " ىؿ يمكف أف تكوف الحضارة المصرية مف أصؿ أسيوي؟ "
ويجيب عمى ىذا التساؤؿ بعد طرح تصور عمماء األنثروبولوجيا فيقوؿ " فمكي تكوف الحضارة
المصرية مف أصؿ أسيوي أو أي أصؿ خارجي آخر ،البد مف إثبات أف ميدا سابقاً لمحضارة
21
األولي والضروري لـ يتوفر
ّ تواجد خارج مصر .وال حاجة بنا إلى أف نؤكد عمى أف ىذا الشرط
أبداً ".
الفصل الرابع
تناوؿ شيخ انتاديوب في ىذا الفصؿ " الطوطمية "( )1والتي تنتشر في إفريقيا بيف الزنوج عمى
وجو الخصوص وقاؿ " ال يمكف إنكار أف فرعوف يشترؾ في جوىر حيواني ( الصقر ) بنفس
الطريقة الموجودة لدينا اليوـ في أفريقيا.
ثـ تكمـ أف الختاف كاف يمارسو المصريوف منذ عصور ما قبؿ التاريخ ،وىـ الذيف نقموا ىذه
الممارسة إلى العالـ السامي بصفة عامة ( الييود والعرب ) ،وباألخص إلى مف كاف ىيرودوت
يسمييـ السورييف.
وتكمـ عمى الممكية أنيا " مف السمات األساسية البارزة أيضاً ،مفيوـ الممكية المشترؾ بصفة
عامة بيف مصر وبقية افريقيا السوداء ،مثؿ القتؿ الطقوسي لمممؾ ".
وتكمـ أيضاً عف مفيوـ نشأة الكوف فقاؿ " تتقارب مفاىيـ نشأة الكوف الزنجية واإلفريقية والمصرية
حتى أنيا تكمؿ بعضيا في حاالت كثيرة ،فالثقافة المصرية والثقافة الزنجية واضح بكؿ تأكيد
وبشكؿ قاطع ،وىذا التماثؿ األساسي في الفكر والثقافة والجنس ىو الذي يسمح لكؿ الزنوج بأف
يربطوا اليوـ ثقافتيـ بمصر القديمة وبأف يقيموا ثقافة حديثة عمى ىذا االساس .إنو اتصاؿ
ديناميكي وحديث مع التاريخ المصري القديـ ،يتيح اإلمكانية لمزنوج الكتشاؼ بقدر متزايد كؿ
يوـ ،القرابة الحميمة بيف كافة السود في القارة وبيف وادي النيؿ األـ .وسيتوصؿ الزنجي عف
طريؽ ذلؾ االتصاؿ الديناميكي الى االقتناع تماماً بأف ىذه المعابد ،واألعمدة الرائعة ،
واألىرامات ،والتماثيؿ ،والنقوش عمى الجدراف ،والرياضيات ،وذلؾ الطب ،وكؿ تمؾ العموـ ،
1
الطوطمٌة هً دٌانة مركبة من األفكار والرموز والطقوس تعتمد على العالقة بٌن جماعة إنسانٌة وموضوع طبٌعً ٌسمى الطوطم،
والطوطم ٌمكن أن ٌكون طائر أو حٌوان أو نبات أو ظاهرة طبٌعٌة أو مظهر طبٌعً مع اعتقاد الجماعة باالرتباط به روحٌا وكلمة
طوطم مشتقة من لغة االبجوا األمرٌكٌة االصلٌة .
22
مف صنع أسالفو وأف مف حقو ومف واجبو أف يتعرؼ عمى نفسو تماماً ومف خالؿ كؿ تمؾ
اإلبداعات ".
وفيما تكمـ عف القرابة بيف السوداف المروي ومصر يقوؿ " يتبيف أف النوبة ليا قرابة وثيقة بكؿ مف
مصر وبقية إفريقيا السوداء ،وأنيا كانت عمى ما يبدو نقطة إنطالؽ لكؿ الحضارتيف ،ولذا ال
يدىشنا أف نجد اليوـ العديد مف السمات الحضارية المشتركة بيف النوبة ،التي استمرت مممكتيا
حتى االحتالؿ اإلنجميزي ،وبقية افريقيا السوداء .وعمى أثر انتياء التاريخ المصري -النوبة
القديـ ،ارتفع شأف إمبراطورية غانا كالشعمة بيف منحنى نير النيجر ونير السنغاؿ ،وفي فترة
تقع بشكؿ غير محقؽ في القرف الثالث بعد الميالد ،ومف ىذه الزاية يتضح أف التاريخ األفريقي
ظؿ متواصالً ،فقد أعقبت األسر الحاكمة النوبية أسر مصرية ،وظمت النوبة مركز الثقافة
والحضارة الوحيد حتى القرف السادس تقريباً ،ثـ تسممت غانا المشعؿ مف القرف السادس ".
وفيما يخص المغة يقوؿ شيخ انتاديوب " بقدر ما توجد صعوبة في إثبات عالقة القرابة بيف المغة
المصرية القديمة والمغات اليندو-أوربية والسامية ،بقدر ما يسيؿ إثبات رابطة الوحدة الوثيقة بيف
المغة المصرية القديمة والمغات الزنجية " ،وعقد مقارنة بيف المغة المصرية القديمة والولوؼ عمى
وجو الخصوص ،وقاؿ انيا ستكوف أكثر مدعاة لالقتناع ألنيا مف الوضوح بحيث يصعب
التمسؾ بوجود أساسيف لغوييف مختمفيف.
الفصل الخامس
حاوؿ شيخ انتاديوب إعادة الكالـ عف دحض األراء الرافضة لفكرة األصوؿ الزنجية لمحضارة
المصرية ،وتساءؿ " ىؿ ىو انتكاس ثقافي؟ إذا كاف الزنوج ىـ الذيف أقاموا الحضارة المصرية ،
فكيؼ يمكف تفسير انتكاستيـ الراىنة؟.
وأجاب " لقد نمت الدوؿ مبك اًر حوؿ الوادي األـ ،دوف أف نتمكف حتى اآلف مف تحديد تاريخ
ظيورىا بدقة ،فقد تغمغؿ الزنوج ببطء في قمب القارة ،عبر الزمف ،عف طريؽ حركات ىجرة
متتالية ،وانتشروا في كافة االتجاىات ،وىـ يبعدوف األقزاـ مف طريقيـ ،وقد أسسوا دوال نمت
وأقامت عالقات مع الوادي األـ إلى أف قضى األجانب عمى تمؾ الدوؿ ،فيناؾ مف الجنوب إلى
23
الشماؿ :النوبة ومصر ؛ ومف الشماؿ إلى الجنوب :النوبة وزيمبابوي ؛ ومف الشرؽ إلى الغرب:
النوبة ،وغانا ،وايمو-إيفو ؛ ومف الشرؽ الجنوبي الغربي :النوبة ،وتشاد ،والكونغو ،ومف
الغرب إلى الشرؽ :النوبة واثيوبيا ".
وجاء رده أيضاً عمى المشاكؿ التي تثار حوؿ الشعر الناعـ والتقاطيع المنتظمة " يتعيف أف نقوؿ
ىنا إف كال مف الشعر الناعـ والتقاطيع المنتظمة ليس حك اًر عمى الجنس األبيض ،فيناؾ
جنساف أسوداف متميزاف في الوقت الراىف :أحداىما بشرتو سوداء ،وشعر أكرت ،والثاني بشرتو
سوداء ىو أيضاً ،بؿ وحالكة السوداء بشكؿ استثنائي في الكثير مف األحواؿ ،وشعر ناعـ ،
وأنفو معقوؽ ،وشفاىو رقيقة ،وزاوية أوداجو حادة ،ولدينا نموذج أصمي ليذا الجنس في اليند ،
متمثؿ في الدرافيدييف ،كما أننا نعرؼ أيضاً أف بعض النوبييف ينتموف إلى نفس ىذا الجنس كما
أشار إلى ذلؾ الجغرافي العربي المعروؼ اإلدريسي ونقمو لنا ".
الفصل السادس
يعرض شيخ انتاديوب في ىذا الفصؿ لألساطير التي تحكي عف إعمار افريقيا انطالقاً مف وادي
النيؿ قائالً " وعالوة عمى األساطير الراىنة لمشعوب األفريقية التي تذكر كميا تقريباً حوض النيؿ
والعنصر القزـ الذي كاف يسكف أعماؽ البالد قبؿ تشتت الزنوج " ولكف الذي أصاب شيخ
أنتاديوب بالدىشة أف الحديث كاف في كتابات القدامى كييرودوت وغيره تتحدث عف أقزاـ فعمؽ
قائالً " وبناءاً عمى ذلؾ يكوف األقزاـ أوؿ مف سكف داخؿ القارة ،عمى األقؿ لحقبة معينة ،
وكانوا يعمرونيا وحدىـ في غياب الزنوج الطواؿ القامة ".
وظؿ شيخ أنتا ديوب يتحاكى باألساطير القديمة التي تناولت إعمار القارة ويحاوؿ أف يدلؿ بيا
عمى أف األفارقة جاءوا مف منطقة وادي النيؿ إنطالقاً إلعمار أفريقيا.
الفصل السابع
24
يقوؿ شيخ انتاديوب في مقدمة الفصؿ " وفقاً لمشيادة اإلجتماعية لكافة القدامى ،أوجد األثيوبيوف
أوالً ثـ المصريوف مف بعدىـ كؿ عناصر الحضارة ،وارتقوا بيا إلى حد مدىش ،بينما كانت
الشعوب األخرى ،وباألخص الشعوب األسيوية األوربية ،ال تزاؿ مستغرقة في البربرية ".
ويضيؼ " ولسنا في حاجة لمتأكيد عمى فضؿ الحضارة المصرية عمى بقية العالـ ،وباألخص
العالـ اإلغريقي ،وقد اقتبس اإلغريؽ اختراعات المصرييف وطوروىا إلى حد ما في بعض
األحواؿ ،مع تجريدىا في الوقت نفسو مف درعيا الديني ( المثالي ) نظ اًر لميوليـ المادية ،
ويبدو أف قسوة الحياة في السيوؿ األسيوية األوربيية قد قامت مف ناحية بدورىا في تنمية الغرائز
المادية عند الشعوب التي كانت تعيش فييا ،وصاغت مف ناحية أخرى قيماً معنوية مناقضة
لمقيـ األخالقية المصرية الناتجة عف الحياة الجماعية المستقرة ،السيمة نسبياً ،واليادئة منذ أف
نظمتيا بعض القواعد االجتماعية ".
وينقؿ شيخ أنتا ديوب كالـ العالـ ( اميمينو ) ليؤيد وجية نظره " ورأيت بوضوح أف أشير
المذاىب في اليوناف ،وباألخص مذىبي أفالطوف وأرسطو ،كاف ميدىما في مصر ،وتبيف لي
أيضاً كيؼ أف عبقرية األغريؽ الجميمة أكسبت األفكار المصرية رونقاً ال مثيؿ لو خاصة عند
أفالطوف ؛ ولكنني أعتقد أف ما أحببناه لدى اإلغريؽ ما كاف يجب أف نزدريو أو نستخؼ بو
ببساطة لدى المصرييف ،فعندما يتعاوف معا مؤلفاف في أيامنا ىذه فإف أمجاد عمميما المشترؾ
تعود إلييما ،بال تفرقة ،وأنا ال أرى لماذا تستأثر اليوناف القديمة وحدىا باألفكار التي اقتبستيا
مف مصر".
بؿ ذىب شيخ أنتاديوب إلى أبعد مف ذلؾ فقاؿ " إف فف العمارة اإلغريقي تعود أصولو إلى مصر
الدوري ،واألثار
،فنحف نشاىد منذ األسرة الثانية عشرة أعمدة كانت النماذج األولى لمطراز ُ
اإلغريقية والرومانية ليست سوى تصميمات مصغرة بالمقارنة مع اآلثار المصرية :ومف المعروؼ
أف كاتدرائية نوترداـ في باريس يمكف أف تدخؿ بأبراجيا وبكؿ يسر ،في قاعة األعمدة بمعبد
الكرنؾ ،ومف باب أولى البارثينوف اإلغريقي ".
ويختـ شيخ أنتا ديوب ىذا الفصؿ األخير بقولو " وعميو ،يجب أف يكوف الزنجي قاد ار عمى
استعادة قدرتو عمى مواصمة ماضيو التاريخي القومي ،وأف يستخمص منو الزخـ المعنوي لكي
25
يسترد مكانتو في العالـ الحديث دوف السقوط في تطرفات نازية عكسية ،ذلؾ ألف الحضارة التي
ينتسب إلييا كاف مف الممكف أف يخمقيا أي جنس آخر ،لو أنو تواجد في ميد موات وفريد إلى
ىذا الحد ".
أرىؽ شيخ أنتا ديوب نفسو في إثبات زنجية المصرييف وطرح لرأي التوراة التي تقوؿ أف
االسـ العبري مصرايـ ִמצ ְַרי ִם المذكور في التوراة (العيد القديـ) عمى أنو ابف حاـ بف نوح و
ىو الجد الذي ينحدر منو الشعب المصري حسب عمـ الميثولوجيا التوراتية (سفر التكويف
أصحاح ،]1[6 ،10و عرفيا العرب باسـ "مصر " ،في الوقت الذي أىمؿ نظريات أخرى
كتاب لمؤلؼ مصري قدمو أستاذ بكمية اآلثار بجامعة القاىرة جاءت في
ىذا الكتاب عنوانو األصمي «جغرافية التوراة في جزيرة الفراعنة» لمباحث في عمـ
اآلثار /أحمد عيد ،قدـ لو األستاذ الدكتور /أحمد الصاوي عالـ اآلثار المصري
1996ـ عف واألستاذ بكمية اآلثار جامعة القاىرة ،طبع ألوؿ مرة في فبراير عاـ
مركز المحروسة لمبحوث والتدريب والنشر بالقاىرة ..والكتاب دراسة بحثية موثقة
وأف العمماء العرب بحثوا أيضاً وتوصموا لحقائؽ أف الفراعنة عرب حقيقة سجميا الطبرى و
رددىا المسعودى .فعند الطبرى (ولد لساـ عابر و عميـ و أشوذ و أرفخشد و الوذ و إرـ و
كاف مقامو بمكة و مف ولد أرفشخد األنبياء و خيار الناس و العرب كميا و
الفراعنة بمصر) ( ،وولد لالوذ بف ساـ طسـ و جديس و كاف منزليما باليمامة وولد
لالوذ أيضاً عمميؽ بف الوذ و كاف منزلو الحرـ و أكناؼ مكة و لحؽ بعض ولده
بالشاـ ،فمنيـ كانت العماليؽ و مف العماليؽ الفراعنة بمصر) ،فالفراعنة مف
26
العماليؽ مف نسؿ أرفشخد و الوذ و كاف مقاميـ الحرـ و أكناؼ مكة و اليمامة و
لسانيـ الذى جبموا عميو لساف عربى .وعند المسعودى (أف ىؤالء العمالقة بعض
فراعنة مصر(.
أصميـ مف وادي النيؿ والدلتا وأسالؼ المصرييف منذ وىناؾ الرأي الغالب الذي يقوؿ أف
العصر الحجري عاشوا في أبيدوس ومنؼ وتـ إكتشاؼ آثارىـ مما يدؿ عمى أف حضارة
. 7000سنة كما يتصور البعض مصر عمرىا أكثر بكثير مف
أما النوبة فكاف المصريوف في معارؾ معيا دائما..وأيضا القبائؿ الميبية واآلسيوية ودائما كاف
. المموؾ المصريوف يصوروف حمالتيـ التأديبية ضد ىذه األقواـ عمى جدراف معابدىـ
وىذه األراء التي ذكرتيا ال اتبناىا ،ولكف اعتبر أف عمييا استدالؿ أقوى مف االساطير التي
استخدميا شيخ انتاديوب في داللة زنجية مصر الفرعونية ،والذي حاوؿ أف يرفض كؿ
محاولة الثبات أف المصرييف كانوا موجوديف بالوادي وانما في رأيو جاءوا مف الجنوب مف
غابات أفريقيا وبنوا الحضارة المصرية ،ثـ عادوا مرة أخرى إلى اكتشاؼ االدغاؿ واألحراش
ويعيشوا فييا مرة أخرى ،ليبنوا حضارات جديدة ،ونسي أف الفراعنة سجموا غزوات ورحالت
تجارية وتبادؿ تجاري مع ممالؾ افريقية وحضارات افريقية في الجنوب ،ولعؿ فكرة تزوير
التاريخ التي تسيطر عمى عقمية وتفكير شيخ انتاديوب مف قبؿ الغرب ،ىي التي جعمتو
يرفض أي رأي غربي يأتي في مصاؼ تفرد الحضارة المصرية دوف الزنجية ،ونسي أنو
حتى لو كاف المصريوف ليسوا زنوجاً فبمجرد اعتراؼ الغرب أف أصؿ الحضارة في العالـ ىي
الحضارة الفرعونية ىو اعتراؼ لمقارة األفريقية باالسبقية في ىذا الشأف ألف مصر جزء مف
أفريقيا ،وليس بالضرورة أف تكوف زنجية ،ولكف ( الزنوجة ) كانت ىي الفكرة المسيطرة
عمى عقمية وتفكير شيخ أنتا ديوب وىو ما يحاوؿ لصؽ الحضارة بو ،ليثبت لمغرب أف
الزنوجة ليست وصمة عار ،وانما ىي ميد الحضارة في العالـ ،وأف الزنجي ىو أنساف
متحضر لو تاريخ حضاري مشرؼ يستطيع أف يفتخر بو ،ويتميز بو عمى الجنس األبيض.
-تكمـ شيخ أنتاديوب أف الغرب حاولوا ومعيـ عمماء المصريات تغيير الحقيقة وطمسيا
بأف الفراعنة كانوا زنوجاً ،لكنو لـ يكمؼ نفسو جيداً بدالً مف أف يأتي ببعض اآلثار
البسيطة التي قد تتشابو في بعض الصفات والسمات مع االشكاؿ الزنجية ،أف ينظر
27
بشكؿ أوسع لمموميات المحنطة والموجودة بأعداد كبيرة ،إف مف أكثر العوائؽ الواضحة
ىو وجود المومياء ،إذ انو مف الصعب اف تشكؾ في صحة جنس الجثة المحفوظة
بشكؿ جيد حتى اف رموش العيف يمكف عدىا .كما اف الفحص البصري والقياس
االنثروبومتري (قياس الجسـ البشري) وتحميؿ الحمض النووي DNAال يدع مجاال لمشؾ
باف المصرييف القدماء كانوا قوقازييف متوسطييف (مف سكاف البحر األبيض المتوسط)
.ومازالت مالمح رمسيس الثاني ،الفرعوف الذي مثؿ غالبية المصرييف المعاصريف
اضطيد اطفاؿ الييود ،موجودة في الشعر المتباعد المسترسؿ الذي يميز البيض .ولربما
كاف ىذا الفرعوف أحمر الشعر.
وال تشكؿ الجثث المحنطة دائما أفضؿ مصدر لممعمومات بالنسبة إلى اجناس شعوب العيد
القديـ (القسـ األوؿ مف الكتاب المقدس) .لقد عمؿ الفنانوف القدماء آالؼ االشياء المنحوتة
بنقش ضئيؿ البروز والموحات الجصية الجدارية والزخارؼ التي تترؾ سجال مرئيا دقيقا عف
األجناس التي اختمطوا معيا.
وقد انتقى الفنانوف المصريوف القدماء موضوعاتيـ مف الحياة وانتبيوا بعناية الى الفروؽ
العرقية في كؿ مف لوف البشرة ومالمح الوجو .أما االستثناء الوحيد فيو رسـ العينيف إذ
استمر المصريوف ألسباب غير معروفة في رسميا باألسموب نفسو بغض النظر عف جنس
الشخص .وتوجد الكثير مف الرسومات التي تبيف الفروؽ العرقية الواضحة في الفف .لقد كاف
المصريوف القدماء دقيقيف بالنسبة إلى تصوير الجنس حتى اف أعماليـ تبدو أحيانا أكثر قربا
إلى عمـ التصنيؼ منيا الى الفف.
إف أقدـ محاولة باقية لعمؿ ما يمكف اف يسمى بالجدوؿ االثنوغرافي (الخاص باالعراؽ
البشرية) يميز المصرييف وجيرانيـ عف طريؽ تصوير الزنجي االسود البشرة والسوري
الزيتوني الموف ،والمصري األحمر البشرة ،والميبي االبيض البشرة (قبؿ اختالطيـ بالقبائؿ
)استاذ علم اآلثار المصرٌة والتارٌخ الشرقً بجامعة شٌكاغو جٌمس هنري برستد فً كتاباته بعنوان العربية)
«تارٌخ مصر من أقدم العصور الى الفتح الفارسً» الطبعة الثانٌة(1990 ،
28
وىنا أيضاً يجب تقديـ شيادة لعالـ االثار المصري الذي نشرىا في جريدة الشرؽ األوسط في 6
أغسطس 2009ويقوؿ ( بمجرد عرض آثار الفرعوف الذىبي «توت عنخ آموف» في الواليات
المتحدة األمريكية منذ أكثر مف ثالثيف عاما مضت ،ومشاىدة األمريكييف مف أصحاب البشرة
السمراء ألحد تماثيؿ الممؾ «توت» ممونا بالموف األسود ،اعتقدوا أف الحضارة المصرية ليا
أصوؿ زنجية أفريقية ،وأف المصرييف القدماء كانوا مف أصحاب البشرة السمراء.
وبدأت تظير في األسواؽ الكتب والمؤلفات ،بؿ وأفالـ ىوليوود التي تصور الفراعنة عمى أنيـ
سود البشرة ..وقد نجح الشيخ أنتاديوب مف السنغاؿ في وضع مؤلؼ ضمنو ما قاؿ إنيا براىيف
عممية تثبت أف صناع الحضارة الفرعونية مف الجنس األسود .وبدأ األمريكيوف السود يطوفوف
الشوارع حامميف الفتات تقوؿ إف أصؿ الحضارة الفرعونية أسود .
،1988ألقيت محاضرة وعندما رافقت معرض الممؾ «رمسيس الثاني» بمدينة داالس عاـ
ناقشت فييا اآلراء التي تتعمؽ بأصؿ المصرييف ،منيا ما يقوؿ إف أصميـ «سامي» ،وآخر يقوؿ
إنو «حامي» ،ورأى ثالث يقوؿ بأنيا أصوؿ سامية حامية ،بمعنى وجود ىجرات جاءت مف
الشرؽ وسكنت الدلتا ،وأخرى مف الجنوب وسكنت الصعيد ،وأصحاب ىذا الرأي يشيروف إلى
اختالؼ لوف البشرة بيف أىؿ الدلتا وأىؿ الصعيد في مصر.
وكاف بالطبع ضمف الحاضريف بمتحؼ داالس العديد مف األمريكاف أصحاب البشرة السمراء،
وفي نياية المحاضرة أعمنت أف موضوع أصؿ الحضارة المصرية يجب أف ينظر إليو نظرة
عممية؛ ألف المصري القديـ قد صور عمى جدراف المقابر مناظر ألسرى الجنوب وبعثات تجارية
قادمة مف قمب أفريقيا ،وصورىـ بالمالمح الزنجية المميزة مف أنؼ وشفاه وجبية ،وىذه الصفات
غير موجودة في تماثيؿ المصرييف القدماء ،أو في المناظر المصورة عمى جدراف المقابر
والمعابد.
وقمت ليـ« :إنني أعتقد أف أصؿ المصرييف ..مصري ،وأف ىناؾ جبانة عثر عمييا فمندرز بترى
ػ العالـ اإلنجميزي ػ في صعيد مصر يعتقد أف ىؤالء ىـ الذيف بنوا ىذه الحضارة العظيمة التي
ليس ليا مثيؿ .وال يعيب الحضارة المصرية إف كاف ليا جذور أفريقية ،كما ال يزيدىا عظمة أف
يكوف ليا أصوؿ سامية ،فاألصؿ في الحضارة ىو المنتج اإلنساني والفكر الخالؽ الذي صنع
ىذه الحضارة التي أضاءت لمبشرية طريقا لممعرفة .أما أف يكوف صاحب ىذا الفكر أسود أو
أبيض ،فأنا ال أعتقد أف ذلؾ يغير مف الموضوع شيئا ،وانما نتناوؿ أصؿ المصري القديـ مف
منطمؽ عممي بحت بعيدا عف األىواء.
29
وبعد المحاضرة بدأت المسيرات الغاضبة في داالس تندد بآرائي ،وأرسموا برقيات ىجاء إلى
المكتب الثقافي المصري ،وكاف يرأسو في ذلؾ الوقت الدكتور عبد المطيؼ أبو العال ،بؿ وبدأت
أتمقى رسائؿ وضعوىا أسفؿ باب مكتبي داخؿ المعرض ،ومنيا رسالة تقوؿ« :ليس معنى أف
ىناؾ فتاة بيضاء تحضر لؾ القيوة ..أف تعتقد أنؾ أبيض ..أنت أسود!»
كاف موضوع أصؿ الحضارة المصرية موضع نقاش ىيئة اليونسكو ،وأعمف العمماء المشاركوف:
«أف أصؿ الحضارة الفرعونية يحتاج إلى دراسات عممية ،وال يمكف أف نرجع أصؿ الحضارة إلى
الجنس الزنجي لمجرد وجود تمثاؿ لمممؾ «توت عنخ آموف »مموف بالموف األسود ..».
وقبؿ موعد محاضرة أخرى لي في فيالدلفيا ػ ثاني مدينة أمريكية بيا أعمى نسبة مف السود ػ كنت
ضيفا عمى أحد البرامج التميفزيونية وناقشت الموضوع نفسو وفوجئت بعدىا بالعديد مف األمريكييف
يحتموف نصؼ الشارع الذي توجد بو قاعة المحاضرات التي سألقى بيا المحاضرة ،وىـ يحمموف
الفتات تقوؿ« :زاىي حواس كاذب ..أصؿ الفراعنة زنجي !»
وتأخر موعد المحاضرة ألكثر مف ساعة ،ولـ ييدأوا إال بعد أف قمت ليـ« :إف مصر تقع في
أفريقيا ..وأف أصمكـ مف أفريقيا..».
وىذه الشيادة تؤكد أف كثير مف األفارقة بؿ جميـ يعتقد فيما قاؿ بو شيخ أنتاديوب مف األصوؿ
الزنجية لمحضارة المصرية القديمة ،ويبرز أيضاً دحض ىذه الحجة مف قبؿ عالـ آثار كبير مثؿ
زاىي حواس بكؿ بساطة لحججيـ بأنيا ليست ذات قيمة أماـ الحقائؽ الموجودة في الواقع.
-وفيما يخص لغة المصرييف القدماء فيناؾ اثباتات كثيرة تؤكد تفرد ىذه المغة عف المغات
األخرى ،وىنا الجأ إلى دراسة أجراىا ا لدكتور اسامة السعداوي ( في كتاب لغة آدـ
الطريؽ الذي يقود الى كيفية اثبات ىذه الحقيقة ا صدرتو دار جروس برس – في لبناف
عاـ ) 1995حيث يتوصؿ الدكتور اسامة في نظريتو الى االثبات اف المغة المصرية
القديمة تعرضت الى التحوير بواسطة العمماء أمثاؿ شامبميوف ،و اف ىؤالء العمماء لـ
يستطيعوا نطقيا بشكؿ صحيح ،و يتوصؿ الدكتور اسامة الى اف المصرييف القدماء
كانوا موحديد يعبدوف اهلل الواحد االحد ،لكنو عندما يصؿ الى نقطة التماثؿ بيف
المصرية القديمة و المغة العربية االـ ،لغة آدـ و لغة كؿ الناس ،يقرر اف المغة العربية
ىي مرحمة متقدمة مف تطور المغة المصرية القديمة و يحاوؿ اثبات نظرتو ىذه باف يورد
30
مجموعة مف الكممات المصرية الشعبية التي يمفظيا شعب مصر اليوـ ليثبت انيا
االساس الذي بنيت عميو المغة العربية ،فيؿ ىذا فعال ىو الواقع ،أـ اف العكس ىو
الصحيح ؟.
يقوؿ (( المغػة المصرية لـ تتغير شفييا حػرفػا واحػدا منذ عصور ما قبػؿ األسرات وحتى يومنا ىذا
((بمعنى أننا نتحدث تماما كما كاف أجدادنا المصريوف القدماء يتحدثوف.
31
قد -غد -رد -در -أر -مف -نـ -جف -ىؿ -بؿ -بص -صب -صر -لص -
صد -شب -شف -نص -تـ -ضـ -شـ -شؽ -شؾ -شؿ -ضف -أـ -أؿ -أل
-أش -أو -ء ؼ -نج -خر -غر -رغ -رخ -رش -نش -مص -سـ -حـ -
مح -دـ زـ -مز -حؿ -خؿ -غؿ -دؿ -سد -دس -حد -زد -كس -سب -بس
-لـ -بـ -كـ -كش -تؿ -مؿ -كؿ -زؿ -وؿ -لو -بو -نو -سو -وف -ور
-وش -نؼ -تؼ -فف -ىو -ىـ -ىس ىب -ىف -ىر -ىش -حض -ضح -
دش -مش -خط -غط -عط -بط -طز -حظ -حز -بز -شز -جز -زؾ -نز
-لف -لب -سر -تب -بت -ود -ست -تص -رج -جر -زب -رص -رض -
جب -بج -قف -قر -فػع -إلخ.
مف ىنا اذا ابتعدنا عف التعصب االعمى لممنطقة التي ولدنا بيا و تعمقنا في دراسة موضوع
المغة بشكؿ عاـ و ادخمنا في حساباتنا تقاطع العوامؿ التاريخية جميعيا في تكوف الحضارات ،و
اسقطنا مف حساباتنا اشكاؿ الرسوـ التي كتبت بيا المغة تبيف لنا
اوال :اف الفاظ المغة المصرية القديمة ال تبعد عف الفاظ المغة العربية ،مما يعني انيما تنتمياف
الى لغة واحدة اصال ،فيبقى السؤاؿ اي مف المغتيف اتى مف قبؿ.
ثانيا :وحيث اف االصؿ ىو الكامؿ و الناقص ىو الفرع ،فاف المغة المصرية القديمة ىي احدى
ليجات العربية التي يغمب عمييا طابع ليجة القطع.
خاتمة :
سيطر عمى عمى شيخ أنتاديوب كغيره مف األفارقة الناطقيف بالفرنسية فكرة الزنوجة ،وىو تيار
ذات مضاميف ثقافية ضد سياسة االستيعاب التي اتبعتيا فرنسا في إفريقيا ،وىو ما سيطر عمى
أفكار شيخ انتاديوب في محاولة إعادة االعتبار لمتاريخ األفريقي والثقافة األفريقية والشخصية
األفريقية عموماً ،بعدما لحقيا مف تشويو عمى يد الكتابات األوربية والمؤرخيف ،وفي سبيؿ ذلؾ
حاوؿ اثبات أف التاريخ األفريقي والثقافة االفريقية ال تقؿ عف نظيرتيا في أوربا ،بؿ ذىب إلى ما
ىو ابعد مف ذلؾ وىو سيادة التاريخ األفريقي والثقافة االفريقية لمتاريخ األوربي والثقافة األوربية .
32
ولذلؾ لجأ شيخ أنتا ديوب في دراساتو إلى المرجعية التاريخية ،ومحاولة نسب الحضارة الزنجية
إلى أعظـ الحضارات في العالـ ،والتي نشأت في أفريقيا ،وىي الحضارة الفرعونية ( المصرية
القديمة ) ،وىذا يعطي مدد معنوي ودافع معنوي لالنتاج واإلنجاز باعتبار أف الحضارة القديمة
ىي إنجاز ،لكف خالفة التوفيؽ في أنو في سبيؿ ذلؾ لـ يراعي أساليب البحث العممي الصحيحة
في اثبات وجية نظره ،ولكنو استخدـ ضعيؼ األسانيد ورجحيا عمى صحيحيا ،فخرج البحث
بعوار شديد ،لكف ال يمكف طمس ما جاء البحث بو مف جيد ال يختمؼ عميو اثناف مف حيث أف
المفكر أعمؿ عقمو واستخدـ أدواتو وقراءاتو ليقوـ بعمؿ بحثي قدـ مف خاللو أفكار أثرت الفكر
األفريقيى ،واكسبت المكتبة األفريقية كتاباً يعتبر فريد مف نوعو حيث يجمع شتات عدة أفكار لـ
تجتمع في بحث آخر يماثمو مف حيث التنوع والتفرد.
33
المصادر التي استعان بها الباحث
- 1شيخ أنتاديوب ،حميـ طوسوف "مترجـ" ،األصوؿ الزنجية لمحضارة المصرية ( القاىرة:
دار العالـ الثالث ،الطبعة األولى .) 1995 ،
- 2أحمد عيد ،جغرافية التوراة في جزيرة الفراعنة ( القاىرة :مركز المحروسة لمبحوث
والتدريب والنشر ،فبراير .) 1996
- 3جيمس ىنري برستد ،د .حسف كماؿ "مترجـ" ،تاريخ مصر مف أقدـ العصور إلى الفتح
الفارسي ( القاىرة :مكتبة مدبولي ،الطبعة الثانية . (1990 ،
- 4د اسامة السعداوي ،ؿغة آدـ الطريؽ الذي يقود الى كيفية اثبات ىذه الحقيقة ( بيروت:
دار جروس برس ،عاـ .) 1995
- 5جريدة الشرؽ األوسط في 6أغسطس .2009
http://www.cheikhantadiop.net/cheikh_anta_diop_biograph.htm- 6
34