You are on page 1of 7

‫خرافة "اإلحتالل اإلسالمي (لشمال إفريقيا و قضية األمازيغ)‬

‫=========================================‬
‫تنبيه هام إلخوتنا األمازيغ‪ :‬بعض الشهادات التاريخية في هذا البحث يمكن أن تبدو جارحة أو مهينة بعض الشيء‪ ،‬و لكنها‬
‫شهادات حول األمازيغ الوثنيين الذين كانو يعيشون في كنف الرومان‪ ،‬و ليس األمازيغ المسلمين الذين هم إخوتنا و تاج‬
‫رؤوسنا‪ ،‬و ليس أيضا األمازيغ غير المسلمين الذين لم يكونو تابعين للروم و استقبلو الفتح اإلسالمي بدون قتال ألنهم رأوه‬
‫تحريراً لهم من ظلم و جور الروم البيزنطيين‪.‬‬
‫=========================================‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬هل كانت شمال إفريقيا بالدا حرة مستقلة يحكمها األمازيغ أم أنها كانت تحت اإلحتالل ؟ و هل مر يوم عليها قبل‬
‫الفتوحات كانت فيه موحدة تحت راية واحدة أو كيانا مستقالً بذاته ؟‬
‫يقول المؤرخ الفرنسي "غوتييه" عن حالة شمال إفريقيا عبر التاريخ ما نصه‪ (( :‬بقدر ما رجعنا في ماضي (شمال‬
‫إفريقيا)‪ ،‬سنجد و نرى سلسلة متواصلة من الهيمنة األجنبية‪ :‬قام الفرنسيون بخالفة األتراك الذين قاموا بخالفة العرب‬
‫الذين قاموا بخالفة البيزنطيين الذين قاموا بخالفة الوندال الذين قاموا بخالفة الرومان الذين قاموا بخالفة القرطاجيين‬
‫الفينيقيين‪....‬و نالحظ أن الفاتح أيا كان‪ ،‬ال يزال سيد و حاكم دول المغرب حتى يتم طرده أو انتزاع حكمه من فاتح آخر‬
‫جديد خلفا ً له‪....‬طيلة تاريخ هذه األرض لم يتمكن أبداً سكانها‪ P‬المحليون من طرد سيدهم‪]1[ .)) .‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬من كان يحكم شمال إفريقيا عند قدوم السلمين إليها ؟ األمازيغ أم اإلحتالل البيزنطي ؟‬
‫نجد اإلجابة في أحد السجالت التاريخية الالتينية المعنية بالشؤون العربية‪-‬البيزنطية‪ ،‬حيث نقرأ منها نصا ً صريحا ً يقول‪:‬‬
‫(( الوالي الرومي "غريغوري" يتحكم بكل شيء بين طرابلس و طنجة ))‪]2[ .‬‬
‫و ننقل أيضا ً تعليق ابن خلدون على الوضع السياسي في شمال إفريقيا قبل اإلسالم حيث قال‪ (( :‬وكذا األمة الذين كانوا‬
‫بإفريقية غالبين على البربر ونازلين بمدنها وحصونها إنما كانوا من الفرنجة )) [‪]3‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬كيف كانت حال األمازيغ قبل الفتوحات ؟ هل كانوا يعيشون في ازدهار و ثراء أم أنهم كانوا يعيشون في فقر مدقع تحت‬
‫الظلم و القمع البيزنطي؟‬
‫كان الحال سيئا لدرجة أن شمال إفريقيا كادت‪ P‬تفقد مواردها و ثرواتها بسبب البيزنطيين‪ ،‬حيث يخبرنا المؤرخون أنه‪:‬‬
‫((‪...‬تعددت الضرائب و اإلتاوات على اختالفها و كثرت نفقات الدولة‪ ،‬فثقلت المغارم على الرعايا مما حمل المؤرخ‬
‫"بروكوب‪ " Procope-‬على القول بأن الظلم و التعدي الصادرين عن اإلدارة البيزنطية فيما يتعلق بالمسألة المالية كانا‬
‫سببين في امتصاص ثروة البالد المغربية و إفقار أهلها‪]4[ )) .‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬هل كان األمازيغ أبداً متوحدين ؟ هل كانوا في يوم ما أمة واحدة أو شعبا ً واحداً أو كان عندهم أي شعور بالقومية أو‬
‫اإلنتماء القومي إلى األمازيغ ؟‬
‫يخبرنا المؤرخ البريطاني المرموق "هيو كينيدي" عن طبيعة انتماءات األمازيغ ما نصه‪:‬‬
‫(( كانت سكنى األمازيغ تمتد من حدود وادي النيل في الشرق و حتى بالد المغرب في الغرب‪.....‬و لم يكونوا بأي شكل‬
‫من األشكال متوحدين سياسيا ً بل كانو ينتمون إلى عدد ضخم جداً من القبائل المختلفة‪]5[ .))...‬‬
‫و قد كانت الحروب و المناحرات الدموية بين األمازيغ شديدة الوطئة‪ ،‬حيث أن البيزنطيين قد زرعوا بذور الفتنة و الشقاق‬
‫في صفوف األمازيغ بعد احتاللهم لشمال إفريقيا‪ ،‬و استمالوا بعض قادة األمازيغ و ألّبوهم ضد األمازيغ اآلخرين و‬
‫اختلقوا الحروب األهلية بغية إضعاف السكان حتى تسهل السيطرة عليهم تطبيقا ً لمبدأ "ف ّرق تسد"‪]6[ .‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬و هل كانوا جميعا ً سكان شمال إفريقيا منذ القدم أم أن بعضهم قد هاجر إليها في وقت متأخر و قبل قدوم الفتوحات‬
‫بقليل ؟‬
‫بعد دراسة اآلثار التي تركتها المستوطنات المتأخرة في غرب ليبيا في أواخر العصر البيزنطي‪ ،‬تبين أن هناك قبائالً من‬
‫األمازيغ لم تأتي إلى شمال إفريقيا إال في منتصف القرن السادس الميالدي (قبل الفتوحات اإلسالمية بقرن واحد فقط)‪،‬‬
‫حيث كانت هناك حركة هجرة منبثقة من مصر و منطقة برقة باتجاه طرابلس و ما حولها‪]7[ .‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬هل كان األمازيغ قبل الفتوحات مسالمين و تاركين للشعوب المجاروة في حالها أم أنهم كانوا هم أيضا غزاة محتلين ؟‬
‫يخبرنا المؤرخ األمريكي "والتر كايغي" بأن قبائل األمازيغ في زمن الفتوحات كانت قبائل غازية للشعوب المجاورة و‬
‫تقوم بتدمير كل ما تجده في طريقها‪ ،‬خصوصا ً تلك المناطق التي تق ّل بها الحامية العسكرية و الحراس‪ ،‬حيث يقول أثناء‬
‫حديثه عن وضع الجيوش اإلسالمية في مصر ما نصه‪:‬‬
‫(( لم يكن هناك الكثير من الجنود المتوفرين ليتمركزوا في غرب مصر و نوميديا و البطريركيات اإلفريقية‪ ،‬و التي كانت‬
‫مكشوفة أمام غزوات األمازيغ ذات اآلثار الكارثية البشعة‪]8[ .)) .‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬هل كان العرب هم الذين أتوا بالعبودية إلى شمال إفريقيا ؟ أم أن األمازيغ هم الذين كانو يستعبدون بعضهم البعض و‬
‫يبيعون بعضهم البعض لألمم األخرى حول العالم ؟‬
‫يجيبنا عن هذا القديس "أغوسطينوس" (مات سنة ‪ 430‬ميالدية) الذي كان هو نفسه أمازيغيا ً و أحد آباء الكنيسة حول‬
‫العالم‪ ،‬حيث يخبر في أحد رسائله إلى القديس "آليبيوس الطاغاسطي" عن مدى ضخامة و فظاعة ممارسات‪ P‬العبودية في‬
‫شمال إفريقيا في ذلك الزمن قائالً‪:‬‬
‫(( إن هناك الكثير من هؤالء في إفريقيا و المعروفين عامة بـ"اإلستعباديين"‪ ،‬و الذين قاموا بتجفيف إفريقيا من البشر و‬
‫إفراغ مساحات‪ P‬شاسعة من أراضيها من السكان و نقلوهم كالبضاعة للمناطق األخرى عبر البحر‪ ،‬كل هؤالء العبيد كانو‬
‫أحراراً في األصل‪]9[ .)) .‬‬
‫و قد أكدت المؤرخة األمريكية "سينثيا نيلسن" أن أوغسطينوس كان يقصد شمال إفريقيا على وجه التحديد بهذه العبارات و‬
‫ليس إفريقيا بالكامل‪]10[ .‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬ما مدى درجة العبودية التي وصلت إليها بالد شمال إفريقيا قبل اإلسالم ؟ و من كان يستعبد من ؟‬
‫الواقع هو أنه لم يكن يوجد بيت في شمال إفريقيا و ليس فيه عبيد‪ ،‬على األقل عبد ذكر و جارية أنثى‪ ،‬و كانوا يعيشون مع‬
‫باقي األسرة داخل المنزل‪.‬‬
‫و يذكر أيضا ً أن األمازيغ هم الذين كانو يقومون ببيع أبنائهم و بناتهم إلى اآلخرين لتخفيف المصاريف الناتجة عن‬
‫الضرائب الثقيلة‪ ،‬حيث كان اإلبن أو البنت يباعون ليصبحو خدما ً عند اآلخرين حتى يبلغو منتصف العقد الثالث من‬
‫أعمارهم‪]11[ .‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬بعد الفتوحات اإلسالمية‪ ،‬من الذي كان يقوم بالسبي و يستعبد األمازيغ و يبيعهم للعرب ؟ هل كان العرب أنفسهم أم كان‬
‫األمازيغ هم الذين يفعلون هذا ببني جلدتهم ؟‬
‫تتحدث المؤرخة األمريكية "إليزابيث سافاج"‪ P‬عن وضع نظام السبي و الرق بعد الفتوحات اإلسالمية قائلة‪:‬‬
‫(( لقد كان الطلب على العبيد مستمراً حتى بعد انتهاء الفتوحات‪ , P،‬و كان التجار الشمال‪-‬إفريقيون هم الذين يقومون بتلبية‬
‫هذا الطلب بعد ذلك بفترة قصيرة‪]12[ .)) .‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬هل قاوم كل األمازيغ الفتوحات اإلسالمية أم أنهم رحبوا بها ؟‬
‫‪.‬‬
‫يقول المؤرخ األسترالي "مايلز لويس" عن ذلك ما نصه‪ (( :‬إن الموجة األولى من الفتوحات العربية كان ينظر إليها على‬
‫نطاق واسع على أنها قوات تحرير جائت لتطرد البيزنطيين الذين كانوا مكروهين بسبب ضرائبهم الثقيلة و موقفهم‬
‫المتعنت تجاه المذاهب المسيحية المحلية التي كانو يعتبرونها حركات هرطقة ضالة‪]13[ )) .‬‬
‫المفاجأة هي أن أول لقاءات العرب باألمازيغ لم تكن بالقتال أو الحرب‪ ،‬حيث لم يحاول عمرو بن العاص أن يبدأهم‬
‫بالقتال‪ ،‬بل إن قبائل األمازيغ غير الخاضعين للسيطرة البيزنطية في النصف الشرقي من ليبيا (و الذين كانو يكرهون‬
‫البيزنطيين و يحقدون عليهم أشد الحقد بسبب القمع الذي تعرضوا له من قبل قادتها)‪ ،‬قد رحبو بقدوم المسلمين و عقدوا‬
‫معهم معاهدة سالم و صلح‪ ،‬و وافقوا على دفع ضريبة معينة بشكل سنوي أو اإلستعاضة بذلك عن طريق بيع ما لديهم من‬
‫عبيد إلى العرب‪ ،‬حيث كان األمازيغ في ذلك الوقت أكبر تجار العبيد في شمال إفريقيا‪]14[ .‬‬
‫هذا و تتفق كل المصادر التاريخية على أن فتح برقة كان صلحا ً و ليس عنوة‪ ،‬حيث لم نسمع بمصدر تاريخي موثوق يقول‬
‫بأن برقة فتحت بالقتال‪]15[ .‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬هل قام األمازيغ بمساعدة العرب في فتح شمال إفريقيا ؟‬
‫كان هناك الكثير من األمازيغ الذين ساعدوا العرب أثناء تقدمهم ضد قوات الروم البيزنطيين‪ ،‬فمثالً‪ ،‬كانت عندما وصل‬
‫المسلمون إلى تونس لم يقاتلوا األمازيغ بل قاتلوا "سيباستيان" الوالي البيزنطي عليها‪ ،‬أما األمازيغ الذين كانو يسكنونها فقد‬
‫عرض الكثير منهم بالتسليم و الطاعة للمسلمين بدون أي قتال كما حدث في قرطاجنة‪ ،‬أما سوسة فقد قام أهلها من‬
‫األمازيغ بفتح بواباتها أمام المسلمين و تسليمها لهم بدون قتال بعد أن هرب منها الروم‪]16[ .‬‬
‫و حتى في الجزائر‪ ،‬قابل المسلمون بقيادة عقبة بن نافع مقاومة عنيفة من قبل الروم و معهم بعض األمازيغ‪ ،‬بينما في نفس‬
‫الوقت أتت الكثير من القبائل األمازيغية إلى معسكر المسلمين طوعا ً و انضموا إليهم بدون قتال‪ ،‬بل و أصبح الكثير منهم‬
‫يقاتلون في صف المسلمين ضد البيزنطيين ومن حالفهم من األمازيغ‪......‬أما األمازيغ الذين كانو يقاتلون في صف‬
‫البيزنطيين‪ ،‬فحتى بعد هزيمتهم قام عقبة بمسامحتهم على ذلك و لم يعاقبهم‪ ،‬بل قبل منهم اإلستسالم و ضمّهم إليه‪]17[.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا عن األمازيغ الذين قاوموا الفتوحات‪ ،‬هل قاوموها كحركة قومية تحررية أم كانوا فقط جنوداً و عمالء في الجيش‬
‫البيزنطي ؟‬
‫اإلجابة هي‪ :‬ال ألن الحاكم البيزنطي "غريغوري" واألمازيغ الذين يقاتلون معه كانوا يقولون أنهم يقاتلون في سبيل‬
‫اإلمبراطورية البيزنطية و دفاعا ً عن مستعمراتها وليس عن األمازيغ أو بالد األمازيغ‪ ،‬حيث كانوا يرون مهمتهم‪ P‬على أنها‬
‫"إنقاذ لبيزنطة من التهديد العربي كما قام هرقل من قبلهم بإنقاذها من قبضة الفرس"‪]18[ .‬‬
‫و نرى في أكثر من موضع أن المدن التي القى فيها المسلمون مقاومة لم تكن أمازيغية صرفة‪ ،‬بل كانت تحت سيطرة‬
‫الروم البيزنطيين بشكل أو بآخر‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا عن الزعيم األمازيغي "كسيلة" ؟ هل كان يقاتل في سبيل التحرر والقومية األمازيغية أن كان فقط يخوض صراعا ً‬
‫في سبيل الكرسي والسلطة؟‬
‫ال يعرف الكثيرون أن "كسيلة" كان يشهد أن ال إله إال هللا و أن محمداً رسول هللا‪ ،‬وقد شهد له المؤرخون بحسن إسالمه‪،‬‬
‫و أنه كان مجرد مالزم عند عقبة بن نافع‪ ،‬و يحارب في صفوف المسلمين ضد البيزنطيين و من معهم من األمازيغ [‬
‫‪ ،]19‬حيث أنه و قومه قبل اإلسالم كانوا نص ارى و تحت السيطرة البيزنطية‪ ،‬و قاموا باإلنضمام إلى العرب المسلمين‬
‫طوعا ً عند وصولهم إليهم‪]20[ .‬‬
‫و لكن السبب الحقيقي النشقاقه عن عقبة كان سياسيا صرفا ً‪ ،‬حيث يذكر المؤرخون أن عقبة لم يكن يعامله على أنه ملك أو‬
‫زعيم‪ ،‬بل كان يعامله كما يعامل باقي القادة المسلمين‪ ،‬مما خلق في داخل كسيلة شعوراً باإلحتقار ألنه رأى أن هذا‬
‫استخفاف به و بمكانته‪ ،‬فقرر أن ينقلب على عقبة و يستولي هو على البالد بدالً منه‪.....‬و قد صدرت منه الخيانة بسبب‬
‫هذا و أعلم البيزنطيين بتحركاته حتى يضمن انشغال المسلمين بمقاتلتهم بدالً من أن يواجههم لوحده‪]21[ .‬‬
‫زد على هذا أن هناك من المسلمين ممن لم يقاتل كسيلة و لم يرضى بقتاله ألنه كان في نظرهم مسلما ً و بالتالي ال يجوز‬
‫بدءه بالقتال‪ ،‬و حتى المدن التي بناها المسلمون التي استولى عليها من عقبة و أبي المهاجر كان بها الكثير من العرب و‬
‫المسلمين‪ ،‬و بقو يعيشون فيها حتى بعد أن سيطر عليها كسيلة‪]22[ .‬‬
‫وحتى بعد انتصار كسيلة ومن معه‪ ،‬فقد انقلب هو وأتباعه على بعضهم البعض وتفرقوا إلى أحزاب متصارعة‪ ،‬مما مهد‬
‫لرجوع المسلمين مرة أخرى‪]23[ .‬‬
‫و بهذا نرى أن الحرب التي وقعت بين كسيلة و غيرهم لم تكن حربا ً تحررية أو حركة مقاومة قومية‪ ،‬بل كانت مجرد‬
‫صراع سياسي هدفه الوصول إلى الكرسي‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬ماذا عن الكاهنة "ديهيا" ؟ أليست رمزا للمقاومة األمازيغية ضد اإلحتالل العربي الغاشم؟‬
‫هناك الكثير من األسباب الرئيسية التي تجعلنا ال نميل إلى تصديق هذه الخرافة‪ ،‬حيث أن الحقائق التالية تظهر لنا عكس‬
‫ذلك بالضبط‪:‬‬
‫أوالً ‪ ،‬الكاهنة لم تكن ال قائدة قومية و ال غيره‪ ،‬بل كانت امرأة يهودية من قبيلة أمازيغية تدين بالديانة اليهودية‪]24[ .‬‬
‫ثانيا ً‪ ،‬لم تكن ثورتها حركة مقاومة‪ ،‬بل كانت فقط حركة ثأر قبلي هدفه الثأر لكسيلة الذي قُتل في أحد المعارك ضد‬
‫المسلمين‪ ،‬و قد كان خطابها األساسي مركزاً على الثأر لدم كسيلة و ليس على التحرر المزعوم‪ ]25[ .‬حيث تذكر بعض‬
‫المصادر أن "كسيلة" كان إبن الكاهنة و أن الكاهنة كانت أ ّما ً له‪]26[ .‬‬
‫ثالثاً‪ ،‬لو كانت حركة الكاهنة فعالً حركة تحررية قومية‪ ،‬لما كانت تعمل تحت إمرة اإلحتالل البيزنطي و تمهد له احتالل‬
‫البالد من جديد‪ ،‬حيث أنها حاربت المسلمين أثناء محاربتهم للبيزنطيين‪ ،‬و بعد نجاح تمردها قام البيزنطيون فوراً بالرجوع‬
‫إلى شمال إفريقيا و سيطروا على قرطاجة‪]27[ .‬‬
‫رابعا ً‪ ،‬أن قوات الكاهنة كان في صفوفها الكثير من اليونانيين‪/‬اإلغريق [‪ ،]28‬فإذا كانت حركة تحرر أمازيغية صرفة‪،‬‬
‫فما دخل اإلغريق بها و لماذا كانوا مشاركين فيها ؟‬
‫خامسا ً‪ ،‬حقيقة انضمام اآلالف من األمازيغ إلى صفوف جيوش المسلمين في حربهم ضد الكاهنة‪ ،‬حيث كان هناك الكثير‬
‫من األمازيغ الذين يكرهون الكاهنة و ذهبوا إلى العرب و طلبوا منهم أن يأتوا و يحرروهم من قبضتها و جبروتها‪]29[ .‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬من الذي قام بتدمير مدن و مزارع شمال إفريقيا ؟ هل دمرها العرب أم دمرها األمازيغ بأمر من الكاهنة ؟‬
‫الكاهنة هي التي أصدرت أوامرها إلى األمازيغ بتدمير كل مدن شمال إفريقيا بالكامل حتى ال يستفيد منها المسلمون‪ ،‬و‬
‫كما قال المؤرخون‪ (( :‬قام األمازيغ بتدمير المدن و القرى‪ ،‬أما المعادن الثمينة و كل ما ال يمكن تدميره و له قيمة فإنهم‬
‫حملوه معهم إلى حصونهم في الجبال‪.....‬من طرابلس و حتى طنجة‪ ،‬عانت كل المدن و القرى من آثار هذا التدمير )) [‬
‫‪]30‬‬
‫‪.‬‬
‫و لم يقف األمر عند هذا الحد‪ ،‬بل قامت أيضا ً بحرق كل المحاصيل و المزارع و البساتين و حولتها إلى رماد‪ ،‬مما أثار‬
‫حنق و غضب الكثير من األمازيغ الذين كانو يرفضون دعمها أو الوقوف إلى جانبها‪ ،‬و تسببت أفعالها في جعل الكثير من‬
‫األمازيغ (حتى من أتباعها) يهجرونها و يهربون منها و من استبدادها [‪.]31‬‬
‫و األكثر من هذا هو أن الكثير من األمازيغ المنضمين تحت لوائها أدركو فداحة الخطأ الذي ارتكبوه بعدما جربوا قسوتها‬
‫و طغيانها و استبدادها في الحكم‪ ،‬فقام الكثيرون منهم بالهرب منها و اإلنضمام إلى المسلمين ليحاربوا فيما بعد تحت راية‬
‫اإلسالم ضد الكاهنة و أتباعها‪]32[ .‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬حقيقة مثيرة ال يعرفها الكثيرون عن الكاهنة‪ ،‬بينما يحاول اآلخرون جاهدين إخفائها مع أنها مذكورة في كتب المؤرخين‪:‬‬
‫الكاهنة كانت تعرف أنها على خطأ‪ ،‬حيث أنها أرسلت أبنائها إلى معسكر المسلمين‪ ،‬و أمرتهم باعتناق اإلسالم و اإلنضمام‬
‫إلى جيش المسلمين و حتى أن يحاربوا معهم ضدها‪]33[ .‬‬
‫و فعالً ‪ ،‬فقد انضم أبناء الكاهنة إلى جيوش المسلمين و اعتنقو اإلسالم‪ ،‬و لم يكونوا مجرد جنود عاديين في الجيش‬
‫اإلسالمي‪ ،‬بل تم تنصيبهما قائدين على فيالق اآلالف من األمازيغ الذي كانو يقاتلون في صفوف المسلمين‪ ،‬حيث كان‬
‫تحت كل منهما ‪ 12,000‬أمازيغي يحارب في جيش المسلمين ضد الكاهنة و من معها‪]34[ .‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬هل قام المسلمون حقا ً باستعباد أعداد ضخمة من األمازيغ بعد هزيمة الكاهنة كما تورد بعض الروايات ؟‬
‫يرى المؤرخون في العصر الحديث أن هذه األرقام و اإلحصاءات التي تذكرها المصادر القديمة ال تمت للواقع بصلة‪،‬‬
‫حيث يقول المؤرخ البريطاني "هيو كينيدي" عن هذه القضية بالذات‪:‬‬
‫(( في قصة حملة موسى بن نصير على المغرب‪ ،‬فإن عدد األسرى الذين تم سبيهم و إرسالهم إلى المشرق هو الذي يطغى‬
‫على كل الروايات‪...‬لقد تم تضخيم و تهويل هذه األرقام بشكل حماسي مستهتر و غير مسؤول‪ ،‬و أصبح الجهاد اإلسالمي‬
‫يبدو بشكل غير مريح و كأنه مجرد غزوة استعباد هائلة‪]35[ )) .‬‬
‫و بغض النظر عن عددهم الحقيقي‪ ،‬فإنه ال يجب إغفال حقيقة مهمة بخصوص مصيرهم‪ ،‬أال و هي أن هناك الكثير منهم‬
‫ممن تولّو مناصب عليا في الدولة األموية‪ ،‬حيث أصبح البعض منهم والة و حكاماً‪ P‬لواليات األمويين في شمال إفريقيا‪ ،‬و‬
‫أيضا ً كانت لهم اليد العليا و دور استثنائي و رئيسي في فتح إسبانيا‪]36[ .‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬هل قام المسلمون بإجبار األمازيغ على اعتناق اإلسالم بالقوة و اإلكراه ؟ و هل اعتنقوا اإلسالم جميعا ً دفعة واحدة بسبب‬
‫الهزيمة العسكرية أمام المسلمين كما يدعي البعض ؟‬
‫إن من أكبر األدلة على كذب هذا اإلدعاء هو أن الكثير من األمازيغ بقو على الديانة النصرانية و الديانات الوثنية حتى‬
‫نهاية العصور الوسطى‪ ،‬حيث يخبرنا المؤرخ البريطاني "توماس آرنولد" ‪....(( :‬إن اعتناق األمازيغ الإلسالم كان بال‬
‫شك عملية استغرقت قرونا ً عديدة‪ ،‬و حتى في يومنا الحاضر فإنهم ال يزالون يحتفظون بالكثير من عاداتهم البدائية التي‬
‫تتعارض مع الشريعة اإلسالمية‪]37[ )) .‬‬
‫و يكفينا أن نعرف أن أمازيغ المناطق الداخلية (الجنوب الغربي للجزائر و بالد المغرب) التي لم تصلها الفتوحات كانو‬
‫على دين اإلسالم حتى قبل أن يطأ أراضيهم جندي عربي واحد‪ ،‬حيث أن القوات العربية لم تتجاوز حدود المناطق التي‬
‫كان يسيطر عليها الروم البيزنطيون في الشمال و لم تتوغل فيها إلى الداخل‪ ،‬و مع هذا فقد كان األمازيغ في تلك األراضي‬
‫معتنقين لمبادئ الدين اإلسالمي و إن كانت الممارسات‪ P‬الدينية اإلسالمية غير منتشرة فيما بينهم‪ ،‬حيث أنه لم يكن هناك‬
‫مسلمون عرب في مناطقهم ليفقهوهم بالدين‪]38[ .‬‬
‫و حتى نأتي بحقيقة الحال بشكل عام و مختصر‪ ،‬فإننا نقتبس من "تاريخ إفريقيا الشمالية" التابع للموسوعة البريطانية‪:‬‬
‫(( إن أسلمة األمازيغ كانت نتيجة للفتح العربي‪ ،‬و لكن مع هذا لم يتم إجبارهم على اعتناق اإلسالم بالقوة و اإلكراه‪ ،‬و ال‬
‫حتى إخضاعهم لنشاطات دعويّة ممنهجة من قبل فاتحيهم‪]39[ .)) .‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ -‬هل تسببت الفتوحات اإلسالمية بتدمير شمال إفريقيا ؟ هل كان قدوم المسلمين وباالً على المدن و الحضارة في تلك‬
‫البالد ؟‬
‫هذه النظرة التقليدية التي يعتقد بها الكثير من الناس ليس لديها أي أساس أثري أو تاريخي‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬فإن العلماء‬
‫اكتشفو ما يضاد هذه النظرية بالضبط‪ ،‬حيث تخبرنا البروفيسورة األمريكية "كوريساندي فينويك" عن جهود بعض العلماء‬
‫و الباحثين األثريين في تحطيم هذه النظرة قائلة‪:‬‬
‫(( بتأكيدهم على استمرارية الحياة الحضرية و مستويات التجارة و ازدهار الريف حتى القرن الرابع عشر‪ ،‬فإنهم يؤكدون‬
‫بأن الدمار الكارثي الذي تسبب به الفتح العربي في القرن السابع ليس إال مجرد خرافة‪]40[ .)) .‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
:‫المصادر و المراجع‬
=============
.
.
E.F.Gautier, Le Passe de l'Afrique du Nord, p.24 - ]1[
.
The Byzantine-Arab Chronicle of 741, Passage No.24 - ]2[
.
- ‫ ديوان المبتدأ و الخبر في تاريخ العرب و البربر و من عاصرهم من ذوي الشأن األكبر (دار الفكر‬،‫ ابن خلدون‬- ] 3[
140‫ صـ‬،‫ الجزء السادس‬،)2000
.
150‫ صـ‬،)‫ إفريقيا الشمالية في العصر القديم (دار الكتب العربية‬،‫ محمد محيي الدين المشرفي‬- ] 4[
.
Hugh Kennedy, The Great Arab Conquests: How the Spread of Islam Changed the World - ]5[
We Live In, p. 205
.
156-153‫ صـ‬،‫ المصدر السابق‬،‫ المشرفي‬- ]6[

Isabella Sjostrom, Tripolitania in Transition: Late Roman to Islamic Settlement: With a - ]7[
catalogue of sites (Aldershot, 1993), p.26
.
Walter E. Kaegi, Byzantium and the Early Islamic Conquests, p.42 - ]8[
.
William Harmless, Augustine in His Own Words, p.102 - ]9[
.
Cynthia R. Nielsen, Divjak Letter 10* and St. Augustine as Socio-Political Activist (Part - ]10[
II)l
http://percaritatem.com/tag/divjak-letter-10
.
Joseph T. Kelley, Saint Agustine of Hippo: Selections from Confessions and Other - ]11[
Essential Writings - Annotated and Explained, p.178
.
Elizabeth Savage, Berbers and Blacks: Ibadi Slave Traffic in Eighth-Century North - ]12[
Africa, (The Journal of African History, Vol.33, No.3 (1992), p.353
.
Miles Lewis, Ifriqaya: Notes for a Tour of Northern Africa in September-October 2011, - ]13[
p.32
.
Robert G. Hoyland, In God's Path. The Arab Conquests and the Creation of an Islamic - ]14[
Empire, p.79
.
29 ‫ صـ‬،‫ تاريخ شمال إفريقيا من الفتح اإلسالمي إلى نهاية الدولة األغلبية‬،‫ عبد العزيز الثعالبي‬- ] 15[
.
39-38‫ صـ‬،‫ المصدر السابق‬،‫ الثعالبي‬- ]16[
.
52-51‫ صـ‬،‫ المصدر السابق‬،‫ الثعالبي‬- ]17[
.
Hoyland, Ibid, p.80 - ]18[

207‫ صـ‬،‫ الجزء الثالث‬،)1997 - ‫ الكامل في التاريخ (دار الكتاب العربي‬،‫ ابن األثير‬- ] 19[
Hsain Ilahiane, Historical dictionary of the Berbers (Imazighen), p.83 - ]20[
.
209-208‫ صـ‬،‫ المصدر السابق‬،‫ ابن األثير‬- ]21[
.
56 ‫ صـ‬،‫ المصدر السابق‬،‫ الثعالبي‬- ]22[
.
Kevin Shillington (ed.), Encyclopedia of African History, vol. 2, p.889 - ]23[
.
Shlomo Sand, The Invention of the Jewish People (2009), pp.199-206 - ]24[
.
61‫ صـ‬،‫ المصدر السابق‬،‫ الثعالبي‬- ]25[
.
Hoyland, Ibid, p.143 - ]26[
.
Alan G. Jamieson, Faith and Sword: A Short History of Christian-Muslim Conflict, - ]27[
pp.22-23
.
Andrew Sharf, Byzantine Jewry: From Justinian to the Fourth Crusade (1971), p.54 - ]28[
.
Kennedy, Ibid, p.221 - ]29[
.
Kahar Wahab Sarumi, Islam in North Africa and Spain, p.16 - ]30[
.
Abdelmajid Hannoum, Historiography, Mythology and Memory in Modern North - ]31[
Africa: The Story of the Kahina, Studia Islamica, No. 85 (1997), p.88
.
Andre N. Chouraqui, Between East and West: A History of the Jews of North Africa - ]32[
(Translated by Michael M. Bernet, 2001) ,pp.35-36
.
Thomas J. Arnold, The Preaching of Islam: A History of the Propagation of the Muslim - ]33[
Faith (1913), p.314
.
Chouraqui, Ibid, p.37 - ]34[
.
Kennedy, Ibid, pp.222-223 - ]35[
.
Daniel Pipes, Slave Soldiers and Islam: The Genesis of a Military System, pp.125-126 - ]36[
.
Arnold, Ibid, p.313 - ]37[
.
Michael Brett, The Islamisation of Egypt and North Africa (A Lecture Delievered 12 - ]38[
January 2005 at the Levtzion Center for Islamic Studies ), p.17
.
Amy Mckenna, The History of Northern Africa (The Britannica Guide to Africa), p.38 - ]39[
.
Corisande Fenwick, "From Africa to Ifriqiya: Settlement and Society in Early Medieval - ]40[
North Africa (650-800)", Al-Masaq: Journal of the Medieval Mediterranean (2013), Vol.25,
No.1, p.10, Footnote.5

You might also like