Professional Documents
Culture Documents
31
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
تمييد:
إن الحديث عن فكرة اإلغتراب لدى ماركس تعود في جذورىا األولى إلى كل من ىيغل وفيورباخ
فيما يعتبران بمثابة المبنة األولى لمعارفو وبما في ذلك ظاىرة اإلغتراب ،ليذا إفن الفمسفة الييغمية
المثالية كان ليا تأثير جد واضح في بدايتو األولى .لكن سرعان ما تغيرت ىذه النظرة وذلك من
خالل حدوث إختالف حول المنيج األساسي لمتفكير حيث كان لكل منىم وجية مختمفة عن اآلخر،
مما أدى بكارل ماركس إلى تغيير تفكيره باتجاه فمسفة فيورباخ حيث أنيا تقوم عمى المادية التي تعتبر
كمبدأ لموجود وليس كمما صرح بو ىيغل في القول أبن الفكرة ىي أساس الوجود .لكن من خالل أنو
عايش كال التيارين بين ما ىو مثالي من جية وما ىو مادي من جية أخرى ،إذ تمكن كارل ماركس
من بمورة فكرة اإلغتراب وفقا لسياقو الخاص من خالل عممية مزاوجة بين فمسفة ىيغل ومادية فيورباخ
،لكن وفق أطر ومعايير جديدة خاصة بتفكيره ىو ال غير .حيث في دراستو ليذه الظاىرة تمكن من
فن بينيا اإلغتراب الديني ،اإلغتراب السياسي وكذا اإلغتراب
إبراز جوانب عديدة لإلغتراب م
اإلقتصادي ،ىذا األخير يعتبر المحرك األول لظيور فكرة اإلغتراب ككل عند ماركس وىذا ما
سنتطرق إليو في ىذا الفصل .من ىنا نطرح السؤال التالي :فيما تكمن طبيعة اإلغتراب عند كارل
ماركس ؟ و ىل يمكن شمول اإلغتراب بعض المجاالت الحياتية ؟
32
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
كان كارل ماركس من المولعين بأفكار ىيغل لكن مع مرور الزمن تغيرت وجية نظره ،إذ أن
األفكاراألولى لو مستسقاة من الفكر الييغمي أفخذ ما يخدمو ،وغير ما يجب تغييره وفقا لممنظور
الخاص بو ،ألنو رأى في فمسفتو وأفكاره عيوبا تمثمت في أن ىيغل إىتم بشكل مفرط بالفكر وأىمل
فين تنبو كارل ماركس إلى الفمسفة المادية التي تخدم اإلنسانية ،فيو يعتبرىا
ا ما ىو أكثر واقعية ،
من أىم عيوب فمسفة ىيغل التي إ بتعدت عن الكيان اإلنساني كثي ار وقد ظير ىذا ‘‘اإلعتراض عمى
منطق الفمسفة الييغمية (الفكر) الذي بدأ يظير جميا في أواخر عام 1843من خالل كتابات
ماركس األولى التي إنتقد من خالليا تناقضات واقع المجتمع البرجوازي ،كما توضحو مقالتو :
حول المسألة الييودية… أين بين ىيغل أن فمسفتو تجعل اإلنسان يعيش إزدواجية في الشخصية
وىي :الفرد األ ناني الذي ينتمي إلى المجتمع البورجوازي (الرأسمالي اإل نسان المادي) و المواطن
المجرد(األخالقي اإلنسان المعنوي – نتاج الوعي . 1‘‘)-ىذا يفسر تمام اإلنفصال الذي بدأ يظير
جراء ىذه اإلزدواجية بين ما ىو مادي وما ىو معنوي ،فاإلنسان ال يمكن تحقيق مزاوجة بينيما حيث
إختمف معو حتى مؤيديو ،حول فكرة أدوات تحرير اإلنسان الذي حسب ىيغل أن تحرير اإلنسان
يرتبط إرتباط وثيق بيذه االزدواجية وىذا ما رفضو مؤيدوه ،حيث إعتبروا أن سبل تحرير اإلنسان
من ىذه االزدواجية التي يعيش في ظميا المجتمع البورجوازي يكفيو فقط القضاء عمى ىاجس الدين
إن كارل ماركس
وطبيعة النظام السياسي السائد بغية التخمص منيا ألنيا تقير اإلنسان ،وليذا ف
واصل نقده الكبير لفمسفة ىيغل التجريدية إلى أن برز بوضوح في مؤلفو مخطوطات 1844
اإلقتصادية والفمسفية ‘‘التي كانت عبارة عن دراسة نقدية لمطريقة التجريدية التي حلل بيا ىيغل
1
:نعيمة وابل ،اإلغتراب ،عند كارل ماركس ،ص . 44
33
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
الواقع اإلجتماعي والسياسي واإلقتصادي للمجتمع البورجوازي ‘‘ ،1إفذا كان ىدف ماركس من ىذا
الدحض ىو الوصول إلى وجية منطقية بعيدة كل البعد عن ما ىو مثالي وغير واقعي واعطاء نظرة
ي في الواقع ،حيث قام بعكس كل ما جاء بو
واقعية مغايرة تمكن اإلنسان من اإلدراك وتكون حقيقة
ىيغل ليذا أطمق عمى ماركس أبنو ىيغميا مقموبا .وىذا التغيير الذي قام بو ماركس بغية تحقيق
اإلنسجام مع الطبيعة ويكون اإلنسان أكثر واقعية وىذا ما صرح بو كارل ماركس في قولو ‘‘:حدثت
القطيعة مع فمسفة ىيغل عن طريق العودة إلى وجية النظر المادية وىذا يعني أن أنصار ىذا
اإلتجاه قد قرروا أن يدركوا العالم الحقيقي – الطبيعة والتاريخ -كما يبدو لكل من ينظر إليو بدون
أوىام مثالية مسبقة وقد عزموا التضحية بكل وىم مثالي ال يتفق مع الوقائع المأخوذة في عالقتيا
الخاصة ‘‘ .2ىذا يثبت عمى أنو تجاوز تمك المثالية ،وىذا النقد لمثالتيو وفمسفتو ال يعني رفضو
التام لفمسفة ىيغل ،فيو يبقى مجرد تصريح عن طريقتي التفكير فمكل منيم منطمق بناء في طبيعة
التفكير ،وذلك من خالل أن لكل واحد وجية نظر تختمف عن غيره من الفالسفة ،دون إنكار فضل
ىيغل الكبير عمى كارل ماركس الذي يعتبر بالنسبة لو أنو المنبع الذي إستقى منو العديد من
المعارف التي تعتبر المبنة األولى لفكره .من ىنا نطرح السؤال التالي :لماذا نقد ماركس النظرية
الييغمية؟ وىذا النقد ىل يعتبر ىو األساس الذي بنى عميو فكرة جديدة حول اإلغتراب؟
من خالل العديد من اإلنتقادات التي وجييا كارل ماركس تجاه مثالية ىيغل التي أعطت لمفكر
الصورة المجردة والتي أدت بطبيعة الحال الى نقد فمسفتو وذلك ما صرح بو كارل ماركس في قولو:
‘‘ الحقيقة ىي اإلنسان ال العقل المجرد ‘‘ .3وذلك ألن ىيغل قام بإعطاء حقائق مجردة ال يمكن
الوصول إ لييا فيذه الحقائق حطت من قيمة اإلنسان حيث أن ماركس قام بقمب جل األفكار التي جاء
بيا ىيغل وذلك من خالل ‘‘ نشأة فكرة المنيج الجدلي في فمسفة ىيغل في سياق حل مشكالت
34
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
فمسفية معينة ،فقد حوليا ماركس إلى قاعدة وأساس العمم الجديد ىو المادية التاريخية ‘‘ ،1فيو
دليل عمى التجديد وليذا أصبح ىيغميا مقموبا .حيث قام بجعل الفكر المثالي بعيدا عن طريقتي تفكيره
،و أصبح عكسو تماما حيث يقول ماركس ":إن طريقتي الديالكتية ال تختمف عن الطريقة الييغمية
من حيث األساس فحسب بل ىي ضدىا تماما ،فحركة الفكر ،ىذا الفكر الذي شخصو ىيغل و
3 2
" ،فيم ا الواقع إال الشكل الحادثي "في نظره خالق الواقع وصانعو " يطمق عمييا إسم الفكرة ىي"
لمفكرة ،أما في نظري ( كارل ماركس يتحدث عن نفسو ) فعمى العكس ليست حركة الفكر سوى
إنعكاس الحركة الواقعية 4‘‘...معنى ىذا أن كارل ماركس إستطاع من خالل ىذه الرؤية المثالية من
قمب جل الموازين الفكرية وفق سبيل مغاير مختمف تماما اإلختالف عن الفكر الييغمي ،حيث أصبح
الوعي اإلنساني مرتبط بالواقع اإلنساني ،وىذا ما ميز فمسفتو .ولىذا إفن ماركس عندما رفض
التفكير المثالي لييغل لم يكن مجرد رفض فقط ،بل كان لو أىداف ومبادئ وأسس ليذا الرفض
والسبب الرئيسي ليذا ىو عدم تناول الواقع الموضوعي وإىتم فقط بالفكر فميذا إفن كارل ماركس
يؤكد دائما وأبدا عمى أن أساس معرفة الحقيقة مرتبط بالواقع ،وليس بما ىو فكري نظري ،أي ان
ويقينا دون غيره من المبادئ المقومة والموصمة إلى الحقيقة .من
نتياجا ً
المجال العملي ىو األكثر إ ً
خالل العديد من اإلنتقادات التي وجيت إلى الفمسفة الييغمية ،وذلك بالنظر إلى كل شيء بمنظور
نظري مثالي فيو غير مقبول ومرفوض لدى ماركس .والذي يؤكد عمى ضرورة إستخدام المنيج
المرتبط بما ىو واقعي ،وقد تجسد في األفكار التي قمنا بذكرىا سمفا فيي تصرح بشكل مباشر عمى
اإلغتراب وفق مدلول ىيغمي ،حيث سعى كارل ماركس لتصحيح ىذا المدلول وربطو بما ىو واقعي
لتجاوز فكرة اإلغتراب عند ىيغل وذلك من خالل أن الفمسفة توضح ما يمي:
:ىشام غصيب ،فمسفة ماركس ،منشورات الوعي الجديدة ( ،د ،ن) ،ط . 2010 ، 1ص .13 1
:2ستالين ،المادية الديالكتية و المادية التاريخية ،تر :محمد حفمي قدري ،دار دمشق لمطباعة و النشر ( ،د ،ن) ،ط ، 1
. 2008ص . 19
3
:سالمة كيمة ،الماركسية و الفيم المادي ،حول الفيم المادي لممادية ،منشورات الوعي الجديد ( ،د،ن) ،ط. 2009 ، 1
ص. 44
4
:ستالين ،المادية الديالكتية و المادية التاريخية ،ص . 19
35
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
تطمعنا فمسفة ىيغل عموما عمى أفكار ميمة ذات عالقة وثيقة بمفيومو حول اإلغتراب ، - 1
لعل أىميا‘‘ فكرة الجدلية ( )dialectiqueالتي يعود إليو الفضل الفمسفي األول في اكتشافيا ،
ىي أفكار أخرى كالتاريخ و العمل… تشيد بعظمتو كفيمسوف دفع بالفمسفة بخطوات كبيرة إلى
األمام ،فكانت إبداعاتو بمثابة حقل خصب إستفاد منو فالسفة كثيرون ‘‘ 1أمثال :كارل ماركس
.وكذلك تحدث ماركس عن طبيعة الديالكتيك الييغمي الذي كان يعتبر كأساس الذي ىو بمثابة
التعبير الوحيد الذي يعبر بو عن حركة سير العالم من أجل إكتشاف عيوبيا ومما جعمو يغير فكرتو
ىذه من خالل إعادة النظر في ىذا المفيوم غير السميم وذلك عند إكتشاف مطاباتو ،وحاول كارل
ماركس تجاوزىا من خالل نزع الرؤية المثالية التي تنطوي عمييا ،حيث بمور فكرة الجدلية لييغل
وفق منظور مادي ،مختمف تمام اإلختالف عن الجدل الييغمي وىذا ما صرح بو كارل ماركس في
قولو ‘‘:ال يمكن إ ستعمال الطريقة الديالكتيكية بالصورة التي صاغيا ىيغل…...فعند ىيغل يقف
الديالكتيك عمى أرسو ،فيجب إيقافو عمى قدميو ألجل تبيان الجية العقالنية تحت الغالف
الصوفي ‘‘ .2فينا تصريح مباشر إلستخدام كارل ماركس لنقيض الجدل الييغمي ،إذ أصبح يستخدم
في مسار واقعي مادي ،فيذا إعتراف مباشر عمى أن المنطمق الذي سار عميو ماركس يختمف كل
اإلختالف عن ىيغل .ألنو قام بقمب األساس المثالي في التفكير ،متوجيا إتجاه واقعي يقوم عمى
أساس المادة إ ذ لم يعد الفكر ىو الذي يتحكم في سير الجدل وصنعو بل العكس تماما فقد أصبح
الجدلي .ويعرف
ة الواقع المادي ىو الذي يصنع الجدل .ليذا يسمى منيج كارل ماركس بالمادية
عند ىيغل بجدلية الوعي وىذا دليل قاطع لممنيج العكسي لكالىما فكارل ماركس قد غير اإلتجاه في
طبيعة تفكيره نحو موضوعية الواقع المادي.
إ ن الجدل الماركسي يتحدث كذلك عن نقاط أخرى ومجالت أخرى كالتاريخ الذي يعتبر - 2
أيضا كسمة أساسية في فمسفتو باإلضافة إلى المادية التي تعتبر كذلك جوىر الفمسفة الماركسية.
فميذا فان التاريخ بالنسبة إلى ماركس إفن أول من لو ‘‘الفضل الفمسفي في إكتشافو لفكرة التاريخ
1
:نعيمة وابل ،اإلغتراب ،عند كارل ماركس ،ص. 48
2
:فريديريك أنجمز ،لودفيغ فيورباخ و نياية الفمسفة الكالسكية األلمانية ،تر :إلياس شاىين ،دار التقدم (،د ،ط ) ،
. 1987ص. 109، 108
36
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
كفكرة ميمة يعود الى ىيغل ‘‘ 1ولكن الشيء الذي إنتقده وعاب عميو ماركس ىو أن ىيغل جعل من
التاريخ عبارة عن ‘‘داللة تاريخية خاصة بالفكر في تطوره‘‘ ،2معناه أن التاريخ م قترب حسبو
بتطور الفكرة ليس إالّال ،ىذا ىو الشيء الذي عابو ماركس عمى ىيغل .لكن كان البد من النظر إلى
التاريخ وفق منظور عممي مرتبط بطبيعة الكيان الواقعي ،وليس كما قال ىيغل بأنيا مرتبطة بماىو
نظري ،فيي إ ًذا مرتبطة باألحداث اإلنسانية الواقعية ،ال بعالم أفكارىا ليذا إفن كارل ماركس يعتبر
ىيغل قام بإخضاع التاريخ لمفمسفة ولكن األصح في ىذا حسب ماركس أن تخضع الفمسفة لمتاريخ .
إذ يقول كارل ماركس في ىذا الصدد ...‘‘ :وىكذا إفن كل ما حدث ومازال يحدث ليس (عند ىيغل)
فن فمسفة التاريخ ليست إالّ تاريخ الفمسفة تاريخ فمسفتو ىو .ولم
،إالّ ما يحدث في ذىنو وىكذا إ
يعد ىناك "تاريخ طبقا لمتتابع الزمني" وإنما ىناك تسمسل لألفكار في الفيم ،إنو يعتقد أنو يبني
العالم بحركة الفكر في حين أنو إنما يعيد بناء األفكار التي توجد في أذىان الكل ويصنفيا تحت
إسم المنيج المطلق ‘‘. 3
إن كارل ماركس لم ينقد سوى فكرتي "الجدل" و"التاريخ" بل كذلك نقد أيضا في فمسفة - 3
ىيغل في اإلغتراب فكرة أخرى مغايرة التي تعتبر من أىم األفكار التي ينطوي عمييا اإلغتراب
الييغمي باإلضافة إ لى الفكرتين األخريين وىذه الفكرة متمثمة في فكرة "العمل" إذ أن ىذا اإلنتقاد
تجسد في نقطتين ىما:
أ أ-ن كارل ماركس يعتبر فكرة العمل في فمسفة ىيغل وردت في صورة مجردة وبعيدة كل البعد عما
حسي مادي لنشاط اإلنسان في الواقع وىذا ما صرحو ماركس إن ‘‘ :باختصار إفن
ىو ّال
ىيغل…....يدرك عمل الفكر المجرد ليس إالّ ‘‘ ،4فينا يصرح أبن العمل الوحيد الذي يعرفو ىيغل
ويدركو ىو عمل الفكر ،إن ىذه الرؤية التجريدية لفكرة العمل التي ‘‘ أراد ىيغل من خالليا أن يجعل
37
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
من الذات منشئة الموضع(العالم) وانعكاسا له ‘‘ .1لكن كارل ماركس يرى عكس ذلك تماما حيث
يرى أ نو ال ينبغي اإلنطالق من العمل التجريدي لمفكر اإلنساني بل البد أن تكون وحدة االنطالق من
اإلنسان أ و البشر وذلك من خالل نشاطيم الواقعي مستندا إلى ما ىو واقعي مادي وبيذا الصدد
العمال في المكان والزمان الواقعي ‘‘ .2فينا ربط
يقول‘‘ :إن العمل مرتبط …بالعمل الذي يبذلو ّ
ماركس العمل بالواقع .
إن ىيغل حينما يتحدث عن فكرة العمل فيو ينطمق من نفس إنطالقة اإلقتصاد السياسي ب -
الحديث التي تعبر عن العمل من الناحية اإليجابية البناءة الموصمة الى ما ىو أسمى وتحقيق ما
يخدم الكيان اإلنساني ،ويعتبر كوسيمة أساسية تحقق الذات اإلنسانية وتيدف إلى تكوينيا و إثبات
ماىية اإلنسان من خالل ىذا اإلقتصاد السياسي الحديث ألنو يعتبر أن العمل يعبر عن ذات الفرد
والتي أحيانا يحوليا عندما ال تتوفر الشروط الالزمة إلى نوع من اإلغتراب أو اإلستيالب فال سبيل
من تحقيق وتكوين ماىيتو فيو يقول ‘‘ :إن العمل… أوال يغترب بحياة النوع عن حياة الفرد وثانيا
يجعل حياة الفرد في شكميا المجرد ىدف النوع وبالمثل في شكميا المجرد والمغترب ‘‘ . 3لذا
نستنتج أن العمل حسب المفيوم الذي جاء في فمسفة ىيغل كان في أول األمر فكرة إيجابية بالنسبة
لكارل ماركس ،إذ أنو كان ييدف إلى تحقيق الذاتية اإلنسانية وكذا ماىيتو ،لكن تم رفضيا ألنيا
في بعض األحيان ال يؤدي إلى تحقيق الماىية لإلنسان أو كيانو الذاتي .
مجرد عمل فكري فقط ،ف
لذا فاألفكار التي قام بيا ىيغل والمتمثمة في الجدل ،التاريخ ،العمل ىي المبادئ األساسية التي تقوم
ئيسي لفكرة
عمييا فكرة اإلغتراب عنده ،فاليمكن الحديث عن فكرة دون أخرى ألنيا المحاور الر ة
اإلغتراب لدى ىيغل .
وبما أن كارل ماركس يعتبر من الرافضين لفكرة التجريد الييغمي ولكل ىذه األفكار ،فميذا فيو يرفض
رفضا قاطعا طبيعة األسس التي يقوم عمييا اإلغتراب عند ىيغل ،كما رفض األساس الذي بنيت
1
:نعيمة وابل ،اإلغتراب ،عند كارل ماركس ،ص . 52
2
:كارل ماركس ،مقدمة في اإلقتصاد الماركسي ،تر :مصطفى عمران ،مركز الدراسات اإلشتراكية لمنشر (،د ،ط) ،
. 2016ص. 7
3
:كارل ماركس ،مخطوطات 1844اإلقتصادية و الفمسفية ،ص. 73
38
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
عميو ىذه الفكرة ،ليذا إفنو يعتبر أن اإلغتراب عنده ال صمة لو إبغتراب الفكر عن ذاتو حسب ىيغل
بل ىي الظروف المادية ىي أساس اإلغتراب أي أن اإلغتراب مرتبط بطبيعة عالقة اإلنسان بعالمو
الواقعي أو الخارجي .وىذا دليل قاطع عمى الفمسفة المادية قد إستحوذت عمى تفكير كارل ماركس ،
وبيذا يرى أن المفاىيم الييغمية مثالية ال تصمح عمى أرض الواقع لذلك البد من تصحيحيا واعادة
بناءىا وفق مبادئ جديدة ،وىذا ما دفع بكارل ماركس لمبحث في فمسفة فيورباخ ،فيا ترى ماذا
قدمت ىذه األخيرة لكارل ماركس ؟
1
:إيسيا برلين ،كارل ماركس ،من الفكر السياسي و اإلشتراكي ،تر :عبد الكريم أحمد ،دار القمم ،القاىرة ( ،د ،ط ) ،
(د،ت ) .ص . 108
39
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
أىمية النشاط الثوري" النقدي العممي"‘‘ . 1السؤال المطروح ىنا ما الذي أدى بماركس الى نقد فمسفة
فيورباخ بصفة عامة ،وفكرة اإلغتراب بشكل خاص ؟
1
:كارل ماركس :أطروحات حول فيورباخ ،تر :يسار سينا ( ،د ،م) ( ،د ،ط) ( ،د ،ت) ،ص 2
2
:كارل ماركس ،فريدريك أنجمز ،مختارات فمسفية ج ، 1تر :العممية اإلشتراكية ،دار التقدم ،موسكو . 1975 ،ص
.39
: 3نعيمة وابل :اإلغتراب ،عند كارل ماركس ،ص. 55
: 4كارل ماركس ،فريدريك أنجمز ،اإليديولوجية األلمانية ،ص. 33 ، 23
40
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
فمسفة فيورباخ القت في نياية المطاف إنتقادات من قبل كارل ماركس حول فكرة الغتراب والتي
ف
يمكن تجسيدىا في النقاط التالية :
أ -إن كارل ماركس يعتبر أن فكرة اإلغتراب الديني ىي ظاىرة تجعل من اإلنسان يبتعد عن ذاتو
،و يعيش في عالم متعالي مثالي ىو الدين من خالل اإلعتماد واإلنطالق من عالم أفكاره ومعطياتو
الخيالية ،وليس إعتمادا عمى ما ىو واقعي مادي ممموس .ولىذا فإن كارل ماركس يعتبر أن فكرة
اإلغتراب عند فيورباخ تحمل في ثناياه ا تناقضات يجب اإلطالع عمييا وتوضيحيا لذا يقول كارل
ماركس‘‘ :إن فيورباخ ينطمق م ن واقع أن الدين يبعد اإلنسان عن نفسو ،ويشطر العالم إلى عالم
جر العالم الديني إلى قاعدتو األرضية ،وىو ال
ديني موىوم ،و عالم واقعي ،و عممو ينحصر في ّ
يرى أنو متى إنتيى ىذا العمل ،يبقى الشيء الرئيسي غير منجز والواقع أن القاعدة األرضية
تفصل نفسيا عن نفسيا وتنقل نفسيا إلى السحاب بوصفيا ممكو ات مستقال ال يمكن تفسيره إال
بالنزاعات والتناقضات الداخمية المالزمة ليذه القاعدة األرضية .يجب إذن فيم ىذه األخيرة (
قاعدة أرضية دنيوية ) في تناقضيا ‘‘ .2الذي يمكننا إستنتاجو من ىذا النقد ىو أن كارل ماركس
ىو من بين الذين رفضوا فكرة ربط اإلغتراب بواقع غير واقع العالم المادي المحسوس ،إذ يعتبر
أ نيا فكرة دنيوية وعدم ربطيا بالعالم المحسوس داللة عمى وجود تناقض ما ،وذلك من خالل أن
فيورباخ لم يجعل اإلغتراب الديني مرتبط بالواقع ىذا سبب رفضه من قبل كارل ماركس ،مما أدى
بطبيعة الحال إلى نقد فكرة اإلغتراب الديني عنده( فيورباخ ) ،فيذه أول نقطة ينتقده فييا كارل
ماركس .
و بما أن الدين عند كارل ماركس كذريعة أولى لإلغتراب اإلنساني وذلك من خالل إق ارره ب -
أن الدين ىو الذي يقوم بصنع تخيالت وأفكار لمبشر ،و كذلك وجد أنو يجرد اإلنسان من جل
1
:المصدر نفسو :ص . 753
2
:كارل ماركس ،فريدريك أنجمز ،مختارات فمسفية ج ، 1ص. 38
41
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
التطورات التاريخية وكذا جميع عالقاتو االجتماعية مع غيره من الفئات اإلنسانية فما دام الماىية
الدينية (الجوىر) عنده ( فيورباخ ) هي نفسوا ماىية اإلنسان بعيدا عن الدور العممي لإلنسان وكذا
حركتو و طبيعة عالقتو بواقع المعاش لذا نقده ماركس بقول ىنا ‘‘ :يحل فيورباخ الماىية الدينية
في الماىية اإلنسانية ،لكن ماىية اإل نسان ليست تجريدا الصقا ( متالزما ) بكل فرد عمى حدًّا ،
بل ىي في واقعيا العالقات اإلجتماعية ‘‘ .1فاإلنسان حسب كارل ماركس ال يمكنه إنتاج أفكار
بمعزل عن واقعو المعاش ،فيذه األفكار ىي عبارة عن نتاج شروط إجتماعية معينة ،و لكن ما
صرح بو فيورباخ فيو بعيد عن العالم المادي الممموس .
من خالل ما سبق ذكره فإن كارل ماركس يرى أن فيورباخ قدم إنتقادات الذعة ضد الدين حيث
إعتبر أن الدين ىو محور وأساس إغتراب اإلنسان عن ذاتو ،لذلك إفن ماركس يصرح بأن األصح
أن نكتفي بنقد الدين وإستبدالو بشيء جديد مماثل كاألخالق .
كما أن ماركس يقول بضرورة حذفو نيائيا عن طريق الثورة ‘‘ ،فيو عبارة عن تبرير يحث عمى
2
الدين
الخنوع والركون … ...والبد من حذفو نيائيا من خالل الثورات ‘‘ .و ذلك ألّالنو يعتبر أن ّال
مصدر اإلغتراب لذا يقر بضرورة اإلنقالب ضده و إقامة ثورة باعتبار أنو أساس اإلغتراب ليذا
السماوية ) في العائمة األرضية ،يجب
سر العائمة المقدسة ( ّ
يقول ‘‘:وعميو حين يكتشف ،مثال ّ
ثوريا بشكل عممي ‘‘.3
نظريا وتحويميا ً
ً ه
إنتقاد العائمة األرضية نفس ا
صحيح أن فمسفة فيورباخ كانت ذو إنطالقة مادية لكن في نياية المطاف وصمت إلى فمسفة
مثالية ،مثميا مثل الفمسفة الييغمية بعيدة كل البعد عن طبيعة الواقع المادي الممموس.
لذا إفذا كانت إنطالقة ىيغل من الفكر ولم يتجاوز الفكر و بقيت فمسفتو تتمحور حول الفكر،
كذلك أيضا فيورباخ كانت إنطالقتو نقدية لييغل حيث إنطمقت فمسفتو من اإلنسان كأساس حقيقي
موجود في الواقع ليصل بطبيعة الحال في نياية المطاف الى الفكرة التي وصل الييا ىيغل وىي
1
:كارل ماركس ،فريدريك أنجمز ،اإليديولوجية األلمانية ،ص . 755
2
:سربت نبي ،كارل ماركس ،مسألة الدين ،تق :نصر حامد أبوزيد ( ،د ،ن ) ( ،د ،ط ) ( ،د ،ت ) .ص . 187
3
:نعيمة وابل :اإلغتراب ،عند كارل ماركس ،ص . 58
42
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
"الفكر" .فيو حسب كارل ماركس لم يبتعد كثي ار عن مثالية ىيغل ،وىذا ما أدى ماركس إلى بمورة
فمسفة جديدة مغايرة عن ىاتين الفمسفتين .
ومن خالل النقد الذي توصل إليو كارل ماركس حول فكرة اإلغتراب ،تمكن من البحث فييا في
إتجاه مغاير واعطاء تفسير مناقض لما سبقىا من التفسيرات لظاىرة االغتراب ،بحيث كانت
إنطالقتو من اإلنسان وعالقتو بالطبقة العمالية مبينا في الوقت ذاتو الدور الذي يمعبو الوعي في تحقيق
التطور التاريخي لمبشر من ىنا ،ما ىي طبيعة التفسير الذي جاء بو كارل ماركس ؟ وما الجديد الذي
يميز ظاىرة اإلغتراب عن غيرىا من التصريحات السابقة ؟
إن فكرة اإلغتراب عند كارل ماركس تختمف تمام اإلختالف ضمنيا عن الذي سبقو من الفالسفة
أمثال ىيغل و فيورباخ ,حيث عبر عن مضمون إغترابو في طبيعة العالقة بين عمل اإلنسان و
المؤسسات التي يعمل بيا ,و اإلنتاج الصادر عن نتاج نشاطو الخاص و إبداعو في هذا النتاج ,
لكن ذلك النتاج الخاص بالعامل يصبح في نياية المطاف تواجيو و تعاديو بأشكال و تجميات مغايرة
.ىذا ما ركز عميو كارل ماركس في دراستو حول نتاج العمل و المتمثل في السمع هذه األخيرة
تتحول الى أشياء تواجو العمال كقوى غربية حيث يقول ‘‘ :ال تعبر هذه الحقيقة إال عن الشيء
الذي ينتجو العمل – ناتج العمل -يواجيو كشيء غريب ,كقوة مستقمة عن المنتج‘‘ . 1ليذا ما
ىو البعد الذي إ عتمد عميو كارل ماكس في تفسير طبيعة الصراع بين نشاط اإلنسان وإنتاجو ؟
إن كارل ما ركس يعتمد عمى المنيج التحميمي لتفسير ظاىرة اإلغتراب وإعطائيا بعدا ماديا ذو
أنو يستخدم التفسير المادي أصول تاريخية ,والذي يعرف لدى ماركس بالمادية التاريخية معناه
لطبيعة التاريخ .
43
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
إن البحوث التي قام بيا كارل ماركس عمى تاريخ المجتمعات بمختمف أنواعيا ونظميا اإلجتماعية
داخل األطر اإلجتماعية تمكن من الوصول إلى إستنتاجات مفادىا ,أ ن اإلنسان في جل مراحمو
يتعرض في وجوده إلىما يسمى بالصراع الدائم بين طبقتين إجتماعيتين متعارضتين ‘‘ ,لو ذا يعتبر
الجانب المادي ىو ال ذ ي دوما لعب ويمعب دو ار رئيسا في تحديد شكل العالقة بين ىذا الفرد
ومجتمعو‘‘ ،1فكارل ماركس يعتبر أن جل التطورات التي شيدتيا اإلنسانية جمعاء عمى جميع
المستويات سواء إجتماعية ،سياسية ...وغيرىا من األصعدة إن نتائجيا المترتبة في الواقع ىي
ضرورية من أجل تحقيق التطور داخل المجتمع من قبل قوى إقتصادية لو ذا يقول ‘‘ :إن اإلنتاج
اإلجتماعي ,يدخل األشخاص في عالقات ضرورية ,بعيدة عن إرادتيم .....,إن مجموع عالقات
نية اإلقتصادية لممجتمع ,و تعمو من فوقيا بنية قانونية و سياسية ...لذلك
اإلنتاج هذه تشكل الب
فن وعي الفرد ليس ىو ال ذي يحدد وجوده بل العكس تماما وجوده اإلجتماعي ىو الذي يحدد
إ
وعيو‘‘ 2لذا تعتبر فكرة اإلغتراب عند كارل ماركس أنيا مستوحات من مثالية ىيغل حيث نقميا م ن
ما ىو مثالي إلى ما ىو مادي .إ ْذ لم يعد يعتبر أن الفكرة ىي المصدر الرئيسي لإلغتراب بل ىي
المادة ،كذلك لم تعد مرتبطة بجدلية الوعي بل بالجدلية المادية فطبيعة ىذا الجدل المادي يؤدي إلى
صراع طبقي في المجتمع و ىو المصدر األساسي لذلك ،كذلك يتناول اإلنسان مدى إرتباطو
بالواقع و أنو أساس إغترابو ىو الواقع .عمى عكس فيورباخ الذي تحدث عن اإلنسان بمعزل عن
الواقع .
حتى نتمكن من إدراك الحقيقة األساسية التي تتمحور عمييا مشكمة اإلغتراب وفق ال منطور الجديد
الذي وضعو في الطرح الماركسي ،البد أوال من ضرورة معرفة المبادئ التي جعمت فكرة اإلغتراب
تظير في الحياة اإلجتماعية ،فيما تمكن هذه المبادئ؟.
1
:نعيمة وابل :اإلغتراب ،عند كارل ماركس ،ص . 61 ، 60
1
: Karl Marx Friedrich Engels, Etude Philosophique, paris Edition sociales internationales
, p 33.35.
44
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
لذا ذىب ماركس لمبحث عن األصول األولى لفكرة اإلغتراب داخل الواقع اإلجتماعي من خالل
إ لى ظيور ما يعرف بالممكية الخاصة لوسائل اإلنتاج وىذا سائد في النظام تاريخو .مما أدى
فن كارل ماركس يرى ‘‘أن الممكية الخاصة
الرأسمالي فو و يعتبر السبب الرئيسي لإلغتراب حسبو إ
وباتو -ولو ذا تنتج الممكية الخاصة
ىي نتاج العمل المغترب – العالقة الخارجية لمعامل بالطبيعة ذ
,العمل المغترب ,الحياة المغتربة, بالتحميل عن مفيوم العمل المنسمب أي اإلنسان المنسمب
اإل نسان المغترب‘‘ . 1و قولو يوضح تمام الوضوح أن الممكية الخاصة ىي مصدر و سبب اإلنسان
المغترب و ىي تعتبر الوسيمة األساسية التي جعمت من اإلنسان ينسمب (يغترب) عن ذاتو وعن
عممو .وىذه الممكية الخاصة لوسائل اإلنتاج ىي نتاج رأسمالي تؤدي الى وقوع الكيان اإلنساني
حبيسالىا وتجعل اإلنسان في إغتراب ,وىو ما يشير إليو كارل ماركس في قولو ‘‘:ىذه الممكية
ب ‘‘.2
الخاصة لممادية المحسوسة مباشرة ىي التعبير المادي الحسي عن الحياة اإلنسانية المغتر ة
45
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
إن الحديث عن اإلغتراب عند كارل ماركس تدفعنا دائما لمحديث كذلك عن أنواع اإلغتراب المختمفة،
أبعادىا ,إذ ال يمكن فيم ه ذا حيث تجمت ىذه الظاىرة في شتى مستويات الحياة اإلنسانية بكل
الطرح الماركسي إ ال وفقا ألطره التي تميز بيا في تاريخ اإلنسانية من ذ القدم ,وذلك من خالل بروز
كالدين ,األخالق, المادة في الحياة اإلنسانية ,مما أدى بطبيعة الح ا ل الى ظيور مظاىر عدة
اإلقتصاد و السياسة .ومن خالل فمسفتو المادية التي بدأت البحث و التعمق في الجذور األولى لفكرة
اإلغتراب ,توصل إلى إستنتاج العديد من الدوافع الموصمة لموقوع في اإلغتراب كاإلغتراب الديني ,
و اإلغتراب السياسي ,وصوال إلى اإلغتراب اإلقتصادي .فما ىي أىم المجاالت التي تجسد فييا
ىذا االغتراب ؟
إن فكرة الدين تعتبر عند ماركس من أىم المواضيع في فمسفتو حول ظاىرة اإلغتراب حيث تمثل نقده
فن كارل ماركس إىتم بتقديم نقد لمظاىرة
لإلغتراب الديني كأولى البدايات النقدية بالنسبة لو ،ل ذا إ
الدينية التي تعتبر أساس إغتراب اإلنسان عن ذاتو وذلك من خالل إعطاء إىتمام كبير لمدين ونسيان
اإلىتمام بالذات اإلنسانية وتبجيمو عمى نفسو مما يؤدي إلى إغتراب اإلنسان ليذا يقول ماركس في
ىذا الصدد ‘‘:كمما زاد ما يضعو اإلنسان في اهلل قل ما يحتفظ بو لنفسو ‘‘ .1فينا تصريح مباشر
أن رجال الدين يبسطون عمى السيطرة التامة عمى الحياة اإلنسانية بكافة جوانبيا وذلك من خالل
نفوذىم بذريعة أن الدين قوام اإلنسان ولكن ىدفيم خفي حيث إستخدموا الدين كأداة ميمة لمتأثير عمى
األوساط االجتماعية ،لذا فإن كارل ماركس قدم تفسيرا مغاي ار لتفسير فيورباخ فيما سبق .فكارل
ماركس ‘‘أرادأن ينقل لنا أشكال تطبيقية لظاىرة اإلغتراب الديني وذلك من خالل تجاوز نقد إلى نقد
األرض ومن نقد اإلغتراب الديني إلى نقد اإلغتراب السياسي ،ومن اإلغتراب السياسي إلى اإلغتراب
46
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
اإلقتصادي" .1من خالل ىذا أراد القول أن ظاىرة اإلغتراب الديني مرتبطة بالواقع ،ليس كما صرح
فيورباخ الذي أرجعيا إلى ما ىو نظري مرتبط بأفكار البشر ،ماركس يشيد بكثرة عمى ضرورة النقد
لظاىرة اإلغتراب الديني وفق منظور فمسفي وذلك ألنيا تقوم عمى ما ىو عقمي منطقي ال يشوبو أي
كارل أ نيا تمثل معرفة اإلنسانية لذاتيا والعالم المحيط بيا ليذا يقول نوع من اليوى ،كما
العقل ...و الدين ىو يعد بالسماء أن تدرس ،وتعتمد عمى ماركس‘‘:إن الفمسفة تتحدث بعد
واألرض ,و الفمسفة تعد بالحقيقة ،فالدين يطمب أن يؤمن الناس بإ يمانيم ،لكن الفمسفة ال تطمب
إال أن يؤمنوا بنتائجيا ‘‘ . 2فيو ىنا يقوم بنقد الدين وفق منظور فمسفي فميذا فيو رفض ودحض كل
نظرية ال يشوبيا العقل .فالعقل وحده القادر عمى دحضو و إرجاع اإلنسان إلى عالمو الواقعي ،وذلك
من خالل إدراكو لحقيقة ذاتو وعالمو الذي يعيش في أطره .كذلك فكارل ماركس ح ص الدين بنقد
الذع ،وذلك من خالل أن اإلنسان ‘‘يمجا لمدين ألنو يقدم تعويضا وىميا عن إخفاقو وعزاء معنويا
عن يأسو .. ...فيو يعتبره نعيم روحي وتنييد ة الكائن المقيور ... ...في الحياة العممية ينتظر
اإلرادة اإلليية لتنقذه من بؤسو وشقاءه ‘‘ .3وىذا داللة عمى أن اإلنسان يقوم بالبكاء وذلك من أجل
اليروب من واقعو والخوص في عالم من صنعو وىذا ما يؤكد ماركس في قولو ‘‘:اإلنسان ىو الذي
يصنع الدين ‘‘ 4والسبب الرئيسي الذي أدى بماركس إلى دحض النظرية الدينية ،ىو إحتوائيا عمى
العديد من المتناقضات في جل جوانبو ا وبما فييا الجانب السياسي الذي تختبئ الدولة خمف الدين
رغم أ نيا تمارس العديد من التجاوزات والظمم والقير وىذا كمو متجسد في الكيان اإلجتماعي األلماني
ليذا يقول ‘‘:النظام األلماني متناقض مع كل البديييات ‘‘ . 5إفن طبيعة النظام السائد الذي ينطوي
وبعتبار
وراء الغطاء الديني أد ى إلى وصول الحالة اإلجتماعية لإلنسان إلى وضع جد مزري ،إ
اإلنسان ىو المتضرر من ىذا النظام ا لزائف فيو ال يجد سبيال واحد لمخروج من قوقعتي الظروف
47
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
ىو
التي تواجيو وتجعمو مكبال ال يستطيع فعل أي شيء إزاء ىذه الحالة البائسة إال المجوء إلى الدين ف
أساسي بالنسبة لإلنسان المقيور ليذا يقول ماركس ‘‘ :الدين تنييدة الكائن المقيور ‘‘ .1فيو
بمثابة الممجأ الوحيد لإلنسان رغم إ ستبعاده من قبل الدين ألنو منجيو الوحيد من المعاناة ال تي يقع
إغترابيو فيو يقوم بإنشاء فييا ،و ىذا تعبير مباشر عن الطبيعة التي يعيشيا اإلنسان داخل حالة
،لكي يمج أ إليو وقت ضيقو ،فحينما يصبح اإلنسان مغترب عالم وىمي ال وجود لو في الواقع
عن كيانو وحياتو في جميع مجاالتو ،وىو ال يعي أن الدين الذي يلجأ إ ليو ىو أساس جميع معانتو.
ليذا إعتمد ماركس عمى أساس النقد وذلك ألنيا قضية جد ميمة لمكشف عن الحقيقة وتجاوز كل ما
،وذلك من أجل إحداث تغيير داخل الكيان والنسق اإلجتماعي ىو زائف ال وجود لو في الواقع
وكشف الحجاب عما ىو خفي .
لقد القت الظاىرة السياسية دو ار أساسيا في فكرة كارل ماركس وباألخص في اإلغتراب ،عمى إعتبار
أن الدولة األلمانية إستخدمت نظام سياسي متخفي وراء ال غطاء الديني الذي يعتبر أساس كل
،ليذا إعتمد ماركس أسموب المساويء التي أدت الى تأزم الوضع اإلجتماعي لدى معظم األفراد
البحث في الظاىرة السياسية بغية الكشف عن مصدر وسبب التناقض الذي يقع فيو الفرد نتيجة ىذا
اإلغتراب في المجال النظام السياسي .فما الدافع الرئيسي الذي أدى باإلنسان الى وقوعو في
السياسية ؟
إن السياسة كظاىرة تتجمى في الدولة ،و من خالل بحثو عن طبيعة الظاىرة السياسية وذلك ‘‘ من
خالل تصفح تاريخ البشر السياسي عبر مختمف المراحل اإلجتماعية التي شيدت نشوء الدولة
وتوصل إلى أن ظيور الدولة في أي مجتمع من المجتمعات ،كان دائما وليد وعي معين تخمقو
1
-: Karl Marx , contribution of critique of Hegel’s philosophy of law introduction , in Meow
vol3,trans –jcohen Puthish by progress puthishers and Lawrence and wish art, London
p176 .
48
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
الطبقة السائدة إجتماعيا‘‘ .1وىي تتحكم ماديا ,وتييمن وتسيطر داخل المجتمع ,وىذا ما كان سائدا
.كذلك يعتبر كارل ماركس ,وميز كل فترة زمنية عن سابقيا عبر جميع المحطات التاريخية
اإلغتراب السياسي مرتبط باإليديولوجيا وىي متمثمة في األخالق والنظم اإلجتماعية التي تقوم عمى
تفاوت بين الطبقات اإلجتماعية ,كذلك إفن اإليديولوجيا تعبر ىنا عن العادات والتقاليد المكتسبة عبر
األجيال ،فالطبقة اإلجتماعية المسيطرة ىي التي تسيم في وضع وارساء كل المبادئ واألفكار التي
أداة لمسيطرة ‘‘ فالدولة السياسية عنده ىي مجرد تساعدىم في عالقتيم اإلجتماعية ،فميذا
الطبقية‘‘ .2سيطرة الرأسمالية عمى كل شيء وتسييرىا وفقا لمبادئيا وشروطيا.
إعتبارات مادية بل العكس إ ن وجود الطبقة البورجوازية ال يعني فقط تقسيم المجتمع عمى أساس
تماما ،ليا تأثير عمى جميع الجوانب في الحياة اإلنسانية ،فالطبقة البورجوازية تتحكم في كل شيء
ومستقمة بذاتيا ليذا يقول ماركس‘‘:البورجوازيون يبطمون بالدستور الدولة الطبيعية ويصنعون دولة
سبب اإلغتراب خاصة بيم ‘‘ .3وىذا تصريح عمى مدى سيطرتيا وتحكميا في كل األمور .و
السياسي ىو الدولة وذلك ألنيا تؤدي الى وقوع إنشطار وتقسيم حياة األفراد في واقعىم ،حيث ينقسم
المجتمع المدني والذي يعبر عن طبيعة الفرد البسيط يعيش حياتو وفقا لبساطتيا اإلجتماعية أما القسم
الثاني فيو يمثل اإلنسان السياسي الذي يتميز بقوة فكرية ورجاحة عممية ،ومستوى ثقافي ،ليذا يقع
لماركس شكل من اإلغتراب، في إشكالية بين المجتمع المدني والمجتمع السياسي ،فالدولة بالنسبة
ألنيا تستلب لواقع اإلنسان وذلك من خالل أنو يعيش نوع من المزاوجة من ناحية أنو جزء من ىذه
االزدواجية ليصبح في يد قوى أخرى تسير حياتو كما تشاء ليذا يقول ‘‘:فحيثما بمغت الدولة نموىا
الحقيقي يعيش اإلنسان حياة مزدوجة ليس فقط في الفكر والوعي ،و إنما في الواقع ،في الحياة
,حيث نفسو كائن عام والحياة في ,حياة سماوية وأخرى أرضية ،الحياة في المجتمع السياسي
49
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
المجتمع البورجوازي ،حيث يمارس حياتو الخاصة ،ويعتبر االخرين وسيمة ويحول نفسو إلى وسيمة
ولعبة في أيدي قوى غربية‘‘.1
مدني معناه يعيش في ظل المجتمع السياسي الذي يعيش فيو في كنف الدولة أما كونو عضو في
ظل المجتمع البورجوازي فيو يجد ذاتو تغوص في نوع من اإلغتراب ألنو يجعل الفرد بين المجتمع
المدني الواقعي الذي يعيش فيو والمجتمع السياسي التابع لكيان الدولة من جية أخرى .يعني ان الفرد
أ صبح يعيش في عالم منقسم بين حقيقة وجوده الذي ىو شيء ,وطبيعة العالم الذي ينتمي إليو ىو
كارل ماركس عبارة عن واقعين شيء أخر .فميذا أن المجتمع السياسي والمجتمع المدني حسب
منفصمين تمام اإلنفصال ،فاإلنسان الواقعي عضو في المجتمع المدني واإلنسان السياسي ىو مرتبط
بالدولة وىذا اإلنفصال يجعل من الفرد الواقعي غريبا عن الكائن السياسي ليذا منة خالل ما سبق
فن ماركس يعتبر أن الدولة سبب من األسباب التي توصل إلى ظاىرة اإلغتراب التي يصل
ذكره إ
إلييا الفرد ,وإغترابو مجسد في أنو ككائن إجتماعي يدرك تمام اإلدراك إغترابو عن العالم الذي ينتمي
إليو و ىو الدولة.
: 4كارل ماركس ،حول المسألة الييودية ،تر :اإلشتراكية العممية ( ،د ،ن) ( ،د ،ت) ،ص.10
:المصدر نفسو ،ص.15 2
50
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
إن كارل ماركس وجو إنتقادا الذعا لمظاىرة اإلقتصادية ،يختمف كميا عن إنتقاداتو السابقة لمدين
والسياسة .حيث كانت ليا مكانة ىامة في كتاباتو الفمسفية ،وىذا ما ميزىا عن غيرىا من الفمسفات
حول اإلغتراب إذ أ نيا لم تتوقف عن النقد الديني والسياسي بل إجتازت كالىما لمتطرق لمحديث إلى
مستوى آخر ،يعتبر كشيء ميم في الحياة اإلنسانية ،فيي تعتبر الركيزة األولى التي تنبثق منيا
أنواع االغتراب الموجودة داخل مجتمعنا أال وىو اإلغتراب اإلقتصادي ،فيذه األخيرة لم تكن مجرد
ظاىرة لمحياة اإلنسانية ،بل العكس كانت بالنسبة لكارل ماركس بمثابة المبنة األولى لكل ظاىرة
اغتراب .ليذا عمد ماركس الى انتياج خطوات معينة لنقد ىذه الظاىرة ومن بينيا نقد العمل المغترب
‘‘ وىكذا تنتج الممكية الذي سببتو بالدرجة األولى الممكية الخاصة ما صرحو ماركس في قولو:
الخاصة بالتحميل عن مفيوم العمل المنسمب ،النسان المنسمب ،العمل المغترب ،الحياة المغتربة،
فن فكرة إغتراب
االنسان المغترب ‘‘ ، 1فالممكية الخاصة ىي مصدر وسبب العمل المنسمب .لذا إ
العمل بالنسبة لماركس ىي عبارة عن تعارض بين العامل ونشاطو ،وذلك من خالل القوانين التي
توضع من قبل العممية اإلنتاجية في المجتمع الرأسمالي التي تجعل من العامل خاضع لشروطيا
‘‘وما يميز ىذه العالقة من حيث كونيا عالقة تناقضوصراع بيمن االثنين العمل ونشاطو ىو
تخارج 2المنتوج الشخصي لمعامل وتموضعو 3في الحياة العامة كشيء خارجي ‘‘ .4ثم تصبح األشياء
التي ينتجيا العامل شيء غريب عنو وىذا ما يعبره ماركس في قولو ‘‘ :ال تعبر ىذه الحقيقة إال
عن أن الشيء الذي ينتجو العمل -ناتج العمل -يواجو كشيء غريب ،كقوة مستقمة عن المنتج ،
إنو تموضع العمل ،فتحقق العمل ىو فناتج العمل ىو عمل تجمد في موضوع أصبح ماديا.
:2تخارج :ىو مصطمح يعود إلى ىيغل يقصد بو إنفصال الذات عن الموضوع ،أما ماركس فيو إنفصال المنتوج عن العامل.
:تموضع :تأكيد اإلنسان لذاتو في موضوع خارجي منفصل عن ذاتو. 3
51
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
فن ماركس من أجل تبيان طبيعة التعارض القائم بين العمل ونشاطو ليذا قام
تموضعو‘‘ .1ولذا إ
بتصنيف فكرة االغتراب إلى ثالثة أنواع ىي كاالتي:
يعتبر نوع من إغتراب العمل ،فيو يمثل أساس اإلغتراب اإلقتصادي الذي يصبح فييا الع امل
مرىون بما ينتجو وىذا ما يصرحو في قولو ‘‘ :وكل النتائج يحويىا التعريف القائل أن العامل يرتبط
بنتائج عممو ،كما يرتبط بموضوع غريب ، 2‘‘ ..معناه أن كل ما أنفق العامل من جيده زادت قوة
العالم الغريب الذي يصنعو أمام نفسو وقل الشيء الذي يمتمكو لنفسو ،فيذا النوع من اإلغتراب ىو
مرتبط كميا بصيرورة عممية اإلنتاج داخل المجتمع الرأسمالي .حيث أصبح المنتوج النابع من قبل
اليد العاممة مجرد سمعة يتحكم بيا صاحب العمل الذي يصبو بكل تميف إلى تحقيق ربح سريع من
مبادلتيا ،وذلك من خالل المراسيم التي سنيا لتحقيق فائدة في التعامل التجاري مبنية عمى أساس
،وىذا يؤكد ان الرأسمالي ىو المستفيد مبدأ التبادل ،وذلك من خالل تقديم السمع مقابل المال
بدرجة كبيرة من ىذه العممية والعامل ىو الخاسر من ىذا التبادل و ذلك ألن منتوجو الذي أنتجو لم
تعد تتحكم فيو العديد من القوانين التي تفرض عمييم تحقيق أرباح لصاحب الممكية .وىو غير معني
بيذا الربح والفوائد التي يحققيا ليذا يقول كارل ماركس ‘‘ :إ ن العامل يزداد فق ار كمما زادت الثروة
التي ينتجيا ،وكمما زاد إنتاجو قوة ودرجة ،والعامل يصبح سمعة أكثر رخصا كمما زاد عدد السمع
التي يخمفيا ،فمع القيمة المتزايدة لعالم األشياء ينطمق في تناسب عكسي انخفاض من قيمة عالم
البشر‘‘ . 3من ىنا يصبح العمل مجرد أداة لتحقيق الربح والفوائد لصاحب المال.
52
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
ىنا يتحدث ماركس كذلك عن ظاىرة إغتراب العمل فيي ىنا تتجاوز فكرة إغتراب العامل عن إنتاجو
وصوال إ لى طبيعة العالقة الكامنة بين العامل وفعل اإلنتاج وىذا ما يعبره كارل ماركس في قولو ‘‘ :
حتى األن كنا ندرس اإلغتراب و إنسالب العامل في أحد جوانبو فقط أي عالقة العامل بمنتجات
فحسب في نتيجة اإلنتاج بل في فعل اإلنتاج – داخل النشاط عممو ،لكن اإلغتراب ال يبدو
اإلنتاجي ذاتو – ‘‘ ، 1فينا يصبح العامل عاج از في ظل التنظيم اإلقتصادي فيو يصبح مقيد من
قبل الظروف والدوافع الخارجية ،أوال من ناحية صاحب الممكية الذي يستغمو ،ومن جية أخرى األلة
مع التطور تأخذ مكانو في التصنيع فيصبح غريبا كل البعد ،فيصبح يتمقى أوامره كذلك من األداة
المنتجة التي تصبح بطبيعة الحال تتحكم في طريقة وعممية اإلنتاج .وىذا ما يجعل العامل خاضع
ويفقد صفة إختيارية ،ويصبح عامل مجبر يسعى لمتغيير عن حاجيات خارجية والسعي إلرضائيا ،
وبيذا يصبح العمل عمال غريبا عن ذاتو وذلك من خالل فقدانو لمجانب اإلختياري وذلك ألنو عمل
فن العامل ىنا ال يشعر بنفسو أنو يتصرف
،إ إجباري فيو مجرد وسيمة إلشباع حاجات خارجية
فن عممو ليس إختياريا ....و إ نما
بحرية وىذا ما عبر عنو كارل ماركس بقولو ‘‘ :ومن ىنا إ
إشباعا لمحاجة وانما ىو مجرد وسيمة إلشباع حاجات عمل اجباري ،وىكذا فيو ليس
خارجية....إن الطابع الخارجي لمعمل بالنسبة لمعامل في الحقيقة أنو ليس لو ،وإنما ىو لألخر،
أنو ال ينتمي لو‘‘ .2
ىنا نجد كارل ماركس يصرح بتفوق الطبيعة اإلنسانية ،وذلك إلعتبار أن اإلنسان كائن يختمف تمام
اإلختالف عن الحيوان ،وذلك من خالل أنو يتميز عن غيره بالدوافع اإلنسانية مبنية عمى الرقي
بعيدا عن الدوافع الغريزية الحيوانية فيو يتفوق عن العالم الحيواني ،ولكن عندما يصبح طبيعة العمل
يستمب من اإلنسان جل معانيو وطبيعتو اإلنسانية
الذي يمارسو مغترب أي يتحول إلى عمل منسمب ف
المتميزة ،ويفقد الميزة التي يختص بيا ككائن متفوق ،ىنا يصبح ا إلنسان مستمب من كل معانيو
53
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
وقيمو ،إ ذ يقول كارل ماركس ‘‘:صحيح أن األكل و الشرب والتكاثر...ىي كذلك وظائف إنسانية
إنساني أخر ويحوليا إلى أىداف حقة ،ولكنيا في التجريد الذي يفصميا عن مجال كل نشاط
وحيدة ونيائية تكون حيوانية ‘‘ . 1إفن العمل المنسمب يقوم بسمب ميزة الحياة النوعية التي يتميز بيا
إغتراب ذاتي ألصيمة ،وىذا ما يعتبر بمثابة اإلنسان عن غيره فتحولو عن الطبيعة اإلنسانية ا
لإلنسان لذا فالعمل ‘‘ ىو أوال يغترب بحياة النوع عن حياة الفرد وثانيا يجعل حياة الفرد في شكميا
2
إفن كارل ماركس سعى من ‘‘ المجرد ليدف حياة النوع وبالمثل في شكميا المجرد والمغترب
خالل ىذه الفمسفة إلى كشف الحجاب عن ما ىو سمبي مخفى عن طبيعة العمل ،التي أدت الى
بنو ىناك أسباب أخرى خفية التي مكنت من جعل العالقات اإلنتاجية
حدوث اإلغتراب ،فيو يعتبر أ
داخل المجتمع الرأسمالي يتحول إلى عمل مغترب .أفدى بو الى العديد من الدراسات بغية الوصول
" رأس مال " الذي يعتبر بمثابة وىذا ما جسده في مؤلفو األخير بعنوان إلى عمل اإلغتراب ،
اإلجابة التي يبحث عنيا .فمؤلفو ىذا أزال فيه الشوائب العالقة ،وذلك من خالل كشف الستار عن
المبدأ األساسي الذي سيطر عمى المبادالت والعالقات اإلنتاجية داخل المجتمع الرأسمالي الذي جعل
من العمل ظاىرة مغتربة يعود بطبيعة الحال إلى ما يسمى بمبدأ فائض القيمة ()la plus-value
‘‘حيث أصبح ذو نظرة ضيقة الى العمل المنتج ،فاإلنتاج الرأسمالي ليس إنتاج السمع فقط ،فيو
إ نتاج فائض القيمة والعامل ال ينتج لذاتو بل ينتج لمرأسمال‘‘.
3
فن البنية اإلقتصادية وكذا اإلجتماعية مقسمة إلى طبقتين األولى :الطبقة المالكة لوسائل اإلنتاج
لذا إ
، العامل التي ال تممك شيء ،فاألولى ىي المسيطرة والمييمنة ماديا
ة ،والثانية :تمثل طبقة
إلى تحقيق األموال والثانية تمثل العاممين وىم بطبيعة الحال خاضعون لمرأسماليين الذين يسعون
فن مالكي وسائل اإلنتاج
العمل الذي يقوم بو العمال .إ الطائمة وبموغ الثراء الفاحش من خالل
أنيا تسعى من ينتيجون العديد من األساليب اإلستغاللية ضد الطبقة العاممة (البروليتارية) وذلك
3
:المصدر نفسو ص 72
: 1المصدر نفسو ص 73
2
:كارل ماركس ،أرس مال ج ، 3تر :راشد البراوي ،دار النيضة المصرية ،القاىرة ( ،د.ط) . 1947 ،ص . 3، 2
54
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
خالل ىذه األساليب الى تحقيق أكبر قدر من األرباح المادية ،وذلك من خالل إستالب الرأسماليين
لقوة العمال وذلك من أجل تحقيق فائض القيمة ‘‘ ،وفائض القيمة معناه أن يطيل يوم العمل إلى
،وبعد ذلك ما بعد الحد الالزم لمعامل كي ينتج خاللو مقدار معادال لما يممك من قوة العامل
1
يستولي صاحب الرأس مال عمى فائض القيمة ،فيو األساس العام الذي يقوم عميو الرأسمال ‘‘
.ىذا كمو معناه إطالة يوم العمل الى ما بعد وقت العمل ،فيو ال يكافئ عمى تمك القيمة اإلنتاجية ،
إلى فائض القيمة ويتحصل عمى حد أقل ،والمالك ىو الذي يستولي عمى كل شيء باإلضافة
اإلنتاجية فيي غايتو التي يسعى إلييا .لذا إفن العامل يقوم بدورين في النظام الرأسمالي ،دور األول
ىو اإلنتاج في الوقت المحدد لمعمل ،والدور الثاني ىو إنتاج فائض القيمة اإلنتاجية في الوقت
اإلضافي بعد العمل .لذا فالعامل يتعرض لإلستغالل من قبل صاحب العمل من أجل فائض القيمة
التي يحققو ا العامل لو ،فيو ينتيج العديد من األساليب لتحقيق مآربو و غايتو .مقابل تحقيق
غايات غيره يتقاضى أج ار زىيدا ال يضاىي قيمة الجيد الذي يبذلو .ومن ىنا فالرأسمالي يكون قد
حقق إستفادة في العمل .فيو يحقق القيمة اإلنتاجية من جية وفائض قيمة اإلنتاج من جية أخرى.
كذلك يستفيد من األجر الذي يدفعو للعمال لكي يجدد طاقتو ،و إلعادة بيع حيويتو لمرأسمالي ليذا
فيو يحول جانب من رأسمالو الى قوة عمل تخدمو ،ليذا يقول ماركس في ىذا الصدد ‘‘:فيو يزيد
من حجمو الكمي فيو ال يستفيد مما يأخذه العامل بل فيما يدفعو داخل نطاق عميمة اإلنتاج عمى
ىيئة قوة العمل وىي التي يستيمكيا الرأسمالي في ىذه العممية ،وعن طريق الوظيفة التي تضطمع
بيا (ىي العمل) تستيمك قوة العمل أدوات اإلنتاج وفي الوقت ذاتو الن قود التي دفعت لشراء قوة
العمل تتحول إلى ضروريات الحياة التي يستيمكيا العامل المنتج ال العمل المنتج ، 2‘‘....فالعامل
ىو مجرد أداة تسيم في تحقيق الثراء وتوسيع الرأسمال وزيادة قيمة اإلنتاج فاألسموب المنتيج من قبل
الرأسمالي ىو إجحاف في حق الطبقة العاممة مما أدى إلى بروز إختالل واضح بين مالك وسائل
اإلنتاج المعروف بالرأسمالي و أ داة اإلنتاج المتمثمة في العامل وطبيعة ىذا اإلختال ل الذي تمثل في
: 5كارل ماركس ،أرس مال ج ، 2تر :راشد البراوي ،مكتبة النيضة المصرية ،القاىرة ( ،د.ط) . 1947 ،ص. 2
: 1المصدر نفسو ،ص.80، 79
55
الفصل الثاني ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاإلغتراب وفق المنظور الماركسي
و كذا فائض القيمة إستحواذه عمى جل القيم اإلنتاجية أن الرأسمالي يزداد ثراء وذلك من خالل
المنتجة مع األيام يزداد فوق الغني غنى ،والعامل ع كس الرأسمالي فيو يزداد فق ار ألنو مستمب من
حقوقو من قبل المجتمع الرأسمالي إذ يقول ‘‘ :كمما زادت إنتاجية العمل و عظم ضغط العمال...
أي بيع ما لدى العمال من قوة العمل لزيادة ثروة األخرين ( الرأسماليين ) أ و تنمية التوسع الذاتي
لمرأسمالي ويمكن التعبير بطريقة عكسية عمى أن العمال يزدادون فق ار ‘‘ . 1ليذا إفن كارل ماركس
يعتبر أن أساس إستيالب العمال ىو فائض القيمة اإلنتاجية التي يسعى من خالل ىا الرأسمالي إلى
فن كارل ماركس يعتبر أن فائض
تحقيق ثراء فاحش ،فينا يصبح العامل غريبا عن إنتاجو فميذا إ
قيمة اإلنتاج ىي جوىر اإلغتراب اإلقتصادي .
من أىم النتائج المتوصل إلييا من خالل إنتقاد كارل ماركس لإلغتراب اإلقتصادي ىي متمثمة
كاألتي:
– 1إن معنى العمل حسب كارل ماركس تقود عمى أسس مادية و المتمثمة في الع الم اإلنساني
الواقعي .
بنتقاده لمظاىرة اإلقتصادية داللة عمى فمسفتو المادية المختمفة عن غيرىا من
-2إن كارل ماركس إ
الفمسفات خاصة فمسفة ىيغل ال مثالية ،فيذه األخيرة تنطمق من الفكر المجرد امل بالنسبة لفمسفة
ماركس فيي العكس تماما.
كارل ماركس تعود إلى فائض القيمة اإلنتاجية في اإلغتراب -3إن أساس اإلغتراب في فمسفة
اإلقتصادي أي.
-4كارل ماركس تجاوز مادية فيورباخ ،فالظروف المادية لإلنسان ىي السبب الرئيسي لإلغتراب.
56