Professional Documents
Culture Documents
المحاضرة04
من الص عب أن حندد بدق ة الف رتة ال يت تع رف خاله ا املفك رون الع رب على الفلس فة
املاركس ية،غ ري أنن ا ميكن حتدي د ذل ك ،باألص داء ال يت خلفته ا الث ورة الروس ية س نة ،1917وال يت
نقلت الفلسفة املاركسية من افقها النظري إىل املمارسة الواقعية التأسيسية .
وملا كانت املاركسية وقت ذاك ،فلسفة العصر ،فليس غريبا أن يتأثر هبا بعض أعالم الفكر
والثقاف ة يف الع امل الع ريب ،وأن تنج ذب إليه ا ش رائح واس عة من املثقفني والعم ال فيعجب ون بقيمه ا
ومبادئه ا ،والس يما اجلانب االجتم اعي من تل ك الفلس فة ال يت بش رت ب الفردوس األرض ي ،مبج رد
تط بيق النظ ام االش رتاكي ال ذي يزي ل التف اوت الطبقي ،ويقض ي على اس تغالل اإلنس ان ألخي ه
اإلنسان.
أم ا اجلانب النظ ري أو الفلس في للماركس ية ،فق د مت االطالع علي ه من خالل مؤلف ات
"لي نني" ( ،)1924-1870( )Lénineفأص بحت ب ذلك اللينيني ة بوص فها ص يغة خاص ة
للماركسية ،هي الفلسفة اليت مت تبنيها من قبل الكثري من العرب االشرتاكيني منذ أربعينيات القرن
املاضي .فتأسست بذلك األحزاب الشيوعية واالشرتاكية ووصل بعضها إىل السلطة .وهذا طبعا
راج ع إىل ال دعم الس وفيايت هلا ،وليس ألهنا أح زاب مجاهري ة أو ثوري ة أو تقدمي ة ،فكي ف هلذه
اجلماهري اليت تنتشر فيها األمية بكثرة ،واليت تعتمد على اخلطاب الديين التقليدي يف مرجعياهتا ،أن
تفهم االش رتاكية والش يوعية ،ومقوالهتا كاحلتمي ة التارخيي ة والص راع الطبقي والربجوازي ة وه ذا
فضال عن قبوهلا.
1
ه ذا يف اجملال السياس ي ،أم ا إذا أتين ا إىل اجملال الفك ري والفلس في ،فإنن ا س نجد أعالم ا
ب ارزين للماركسية يف نسختها العربية ،ن ذكر منهم على سبيل املثال ال احلصر ،املفكر املاركسي
العريب "حممود أمني العامل"،الذي كان وال يزال يرى أن االشرتاكية "العلمية" « ستعجل بتحقيق
أرقى وأنب ل أش واق اإلنس ان إىل الثقاف ة الش املة ،والرفاهي ة الكامل ة ،واحلري ة احلقيقي ة» .ذل ك أن
طريق احلرية ،ليس يف إتباع األفكار واملبادئ الليربالية ،كالربملانية والتعددية احلزبية ،بل عن طريق
التحالف الثوري لقوى الشعب العامل ،والتنظيم الثوري القائد يف إطار االحتاد االشرتاكي وتنظيمه
الطليعي.
واملنهج املاركس ي بش قيه املادي اجلديل* واملادي الت ارخيي** ،ميتل ك -يف رأي أح د
املاركس يني الع رب« -االحتم االت األك ثر رجاح ة باجتاه اكتش اف احلقيق ة يف وح دهتا اجلدلي ة،
اإلبستيمولوجية ،واإليديولوجية ،ولكن التحقق من ذلك مرهتن بالفعل العلمي وما خيرتقه من أبعاد
ومسات اجتماعية وسياسية وثقافية» .
وال يفوتنا أن نذكر ،بأن أهم شيء قام به املاركسيون العرب يف جمال الدراسات الفلسفية،
هو قراءهتم للرتاث العريب اإلسالمي قراءة ماركسية ،مثل قراءيت كل من الطيب تيزيين -يف كتابه:
"مش روع رؤي ة جدي دة للفك ر الع ريب الوس يط" -و حس ني م روة -يف كتاب ه" :النزع ات املادي ة يف
الفلسفة العربية اإلسالمية -وغريمها من املاركسيني العرب الذين حاولوا بذلك ،كتابة تاريخ جديد
جلانب من ال رتاث الع ريب اإلس المي ،متث ل يف الت أريخ للفلس فة العربي ة اإلس المية وف ق املنهج املادي
التارخيي ،أو املنهج العلمي كما يزعمون ،وأحيانا يصفونه باملنهج الثوري..
وإذا كان الرتاث العريب اإلسالمي -من حيث هو واقع تارخيي -واحدا فإن القراءات
والتأويالت والتلوينات كانت شىت ،فالرتاث ال ينطق مبفرده،بل تنطق به اإليديولوجيا،وهنا
* -املادية اجلدلية –كما ورد يف موسوعة األكادمييني السوفيات هي " النظرة العلمية الفلسفية للعامل ،وهي جزء مكون
للم ذهب املاركس ي ،وأساسه الفلس في ...واملادية ال ميكن أن تك ون علمية ومتماس كة إال إذا ك انت جدلي ة ،وان اجلدل
بدوره ال ميكن أن يكون علميا على األصالة إال إذا كان ماديا ...واملادية اجلدلية كمركب فلسفي مؤثر يشمل جمموع
الظواهر الطبيعية وظواهر اجملتمع اإلنساين والفكر اإلنساين".انظر م .روزنتال :املوسوعة الفلسفية،ط ،6ترمجة مسري كرم،
دار الطليعة ،بريوت ،1987ص. 433مادة املادية اجلدلية.
** -املادية التارخيية هي " ج زء مك ون للفلس فة املاركس ية اللينيني ة ،وهي العلم ال ذي ي درس الق وانني العامة للتط ور
االجتماعي وأشكال حتققه يف نشاط الناس التارخيي ".م .روزنتال :املوسوعة الفلسفية،ص .431مادة املادية التارخيية
2
تكمن مشكلة املوقف من الرتاث،ذلك أن أي نظرة إليه كانت حتمل مبحتواها نظرة مشتقة من
اعتبارات احلاضر ،فالنظرة إىل املاضي كانت دائما مؤطرة باحلاضر.
هذا و املتتبع ملا نشر من مؤلفات وأحباث يعاجل فيها أصحاهبا مشكلة الرتاث،جيد أهنم خاضوا
يف مسائل عديدة تتعلق هبا،وذلك من حيث ضبط مفهوم الرتاث و حتديد معناه،ومن حيث
الطريقة اليت هبا نقرأ الرتاث،و كذلك صلته باحلاضر أو الواقع املعاصر.
وجدير بالذكر أن الباحثني يف مسألة الرتاث،اختلفت وجهات نظرهم وتعددت،بل اختلفوا
حىت يف حتديد مفهوم الرتاث ذاته،فمفهوم الرتاث عند السلفي ليس هو نفسه عند الليربايل وال
هو عينه عند اليساري،والسلفي غالبا ما تكون نظرته إىل الرتاث نظرة ال تارخيية،فهو يصر
دائما على رؤية احلاضر من خالل املاضي)،وعكس هذه النظرة جندها عند الليربايل الذي ينظر
إىل املاضي من خالل احلاضر حاضر الغرب األورويب وأخريا وليس آخرا،االجتاه اليساري أي
املاركسي ،الذي يرى أصحابه أن مفتاح فهم الرتاث يكمن يف النظرة اجلدلية إىل عالقة
احلاضر باملاضي وإىل العالقة بني املعرفة املعاصرة بالرتاث واملضمون الفكري واالجتماعي الذي
حيتويه.
أما املناهج األخرى اليت تناولت قضية الرتاث العريب اإلسالمي ،والسيما اجلانب الفلسفي
منه ،فهي حسب املاركسيني العرب ليست علمية مادامت مباينة للمنهج املادي التارخيي ،ذلك
أهنا من اهج س لفية حتم ل مسات الفك ر الغي يب والفك ر املث ايل ،كم ا أهنا تعكس املنطل ق الفك ري
ألص حاهبا واملتمث ل يف اإليديولوجي ة الربجوازية .واملن اهج الس لفية هتتم ب إبراز الس مات اخلاص ة
باجلانب الغييب املثالب من صورة الرتاث.فنظرهتا أحادية اجلانب .أما املنهج املادي التارخيي فنظرته
مشولية ال ترى يف الرتاث جانبا دون أخر بل تنظر إليه بكل جوانبه.
ويعد املفكر املاركسي اللبناين حسين مروة ()-1987-1910أحد الذين وظفوا املنهج املادي
التارخيي يف دراسة الفلسفة العربية اإلسالمية،حيث سعى إىل قراءة الرتاث وفهمه وإعادة تقومي
النظرة إليه ،فتاريخ الفكر العريب اإلسالمي ظل تارخيا ذاتيا سكونيا أي ال تارخيي ،حبيث متت
3
دراس ته دون ربط ه جبذوره االجتماعي ة وبتارخيه احلقيقي املوض وعي ،كم ا مت إغف ال الب ىن
االجتماعية واالقتصادية والسياسية اليت أفرزت هذا الرتاث .وهلذا يعترب مروة ان املنهج املادي
الت ارخيي ه و وح ده" الق ادر على كش ف تل ك العالق ة بني الفك ر اإلس المي وتارخيه احلقيقي".
ومن اخلط أ الف احش " ان نبحث عن منو الفك ر يف الفك ر نفس ه مبع زل عن االمكان ات ال يت
خلقتها له اجلوانب االجتماعية واالقتصادية والسياسية."...
كما أن موضوع عصرنة الرتاث وحتديثه لدى بعض الدارسني ،كانت تقوم على إسقاط املاضي
على احلاضر والتماثل التام بينهما .وهنا ينتقد مروة قراءة "زكي جنيب حممود" للرتاث ويصفها
بأهنا ق راءة س لفية ذات نظ رة ميتافيزقي ة جام دة لل رتاث .فق د ذهب "زكي جنيب حمم ود" إىل
ضرورة "أن نأخذ عن األقدمني وجهات النظر بعد جتريدها من مشكالهتم اخلاصة"،وهذا ما ال
يوافق ه في ه حس ني م روة حيث ي رى أن املس الة ليس ت هي مس الة األخ ذ أو ع دم األخ ذ من
األقدمني ،بل هي مسالة الوصول إىل حتديد املشكل الذي ينظر فيه الفكر احلاضر إىل عالقته
بالفكر املاضي .وهنا يشري مروة إىل فكرة أساسية يف منهجه،وهي ارتباط االيدولوجيا بالنظرة
إىل الرتاث ،فكل معرفة للرتاث يكمن وراءها موقف ايديولوجي طبقي .إذن هناك ارتباط وثيق
بني املنهج وااليديولوجيا.
إن احللول الربجوازية لقضية الرتاث ال تكشف عن ختبط الربجوازية إيديولوجيا فحسب ،بل
تكشف أيضا عن عدم القدرة على التصاحل مع روح العلم املعاصر .وتعتمد النظرة اجلدلية إىل
عالق ة املاض ي باحلاض ر على موض وعتني :األوىل اعتب ار معرفتن ا ب الرتاث نت اج علم
وإيديولوجية.والثانية كون هذه املعرفة رغم أهنا تنطلق من احلاضر علميا وايديولوجيا فهي ال
تستوعب ال رتاث إال يف ض وء تارخييت ه أي يف ض وء حركت ه ض من ال زمن الت ارخيي ال ذي ينتمي
إليه أي من وجه عالقته بالبنية االجتماعية السابقة اليت أنتجته وبالظروف التارخيية اليت أفرزته.
4
وهبذا ي رى حس ني م روة أن الوض ع الت ارخيي املعني ه و املرج ع يف حتدي د األش كال ال يت
اختذهتا النزعات املادية يف الرتاث العريب اإلسالمي .وحياول مروة أن يقدم مناذج من الرتاث لتأييد
موقف ه ،ف ريى مثال ان التي ار الس لفي والتي ار احلنبلي والتي ار األش عري هي تي ارات رجعي ة ،أم ا
االجتاه التقدمي فهو ما جسدته أفكار املعتزلة .اما الغزايل فهو حسب رأيه يكون قد سلط سيف
االره اب الفك ري ال ديين على الفلس فة والفالس فة .ه ذا نفس ه م ا ذهب الي ه املفك ر املاركس ي
الس وري "طيب تزي ين" حينم ا يتح دث عن اجتاه مث ايل غي يب رجعي ميثل ه األش اعرة والفقه اء
والغزايل،واجتاه مادي عقالين تقدمي ميثله املعتزلة وابن رشد.
هك ذا اعت رب املاركس يون الع رب أهنم وح دهم دون غ ريهم أص حاب علم ومنهج علمي،
وهن ا يظه ر الط ابع الوث وقي واإلطالقي يف دع واهم ،ه ذا فض ال عن اس تعارهتم ملق والت ومن اهج
جاهزة راحوا يطبقوهنا على تاريخ الفكر العريب اإلسالمي ،للبحث فيه عن النزعات املادية ،أي
عم ا يؤي د ن زعتهم املادي ة ،وهن ا يظه ر بوض وح اجلانب اإلي ديولوجي غ ري العلمي يف دراس اهتم
وكتاباهتم.
ك ان من األج در باملاركس يني الع رب ،املس امهة يف تط وير الفلس فة املاركس ية وجتدي دها،
ع وض استنس اخها وبالت ايل جتمي دها يف ق والب وأص ول كأهنا أص ول ال دين والعقائ د .ويفي دنا يف
ه ذا الس ياق املفك ر والناق د الع ريب "علي ح رب" ،ال ذي ذهب إىل أن املاركس ية العربي ة ،تق دم «
مث اال على كيفي ة التع اطي م ع احلاض ر احلداثي بطريق ة تراثي ة أص ولية غ ري منتج ة» ،ذل ك أن
املاركس يني الع رب « ،مل يفلح وا يف جتدي د املاركس ية ،أع ين إهنم مل يفلح وا يف ق راءة نص وص
ماركس قراءة خصبة غنية جتدد املعرفة هبذه النصوص(…) وإمنا اقتصروا على العرض والشروح
ذات الطابع التعليمي اإليديولوجي» .
وينتقد املفكر املغريب حممد عابد اجلابري القراءة املاركسية للرتاث ويرى أهنا قليلة اإلنتاج
ضعيفة املردودية ،وذلك -حسب رأيه -ألن املاركسيني العرب مل يتبنوا املاركسية كمنج للتطبيق
بل كمنهج مطبق ،وهكذا أصروا على أن يكون الرتاث انعكاسا للصراع الطبقي من جهة،وميدانا
للصراع بني املادية واملثالية من جهة أخرى...وهكذا تنتهي القراءة املاركسية للرتاث إىل "سلفية
5
ماركس ية" .أي إىل حماول ة لتط بيق طريق ة تط بيق "الس لف املاركس ي" للمنهج اجلديل وك أن اهلدف
هو الربهنة على صحة املنهج املطبق ال تطبيق املنهج.
المراجع:
6
أعمال موجهة
قراءة نص وتحليله:
7
8
طيب تيزني :على طريق الوضوح المنهجي
9