Professional Documents
Culture Documents
دائرة الثقافة الوطنية ،ناعتاً إياها بالضعف والتخلف. نسعى يف هذه الدراسة إىل اإلجابة عن بعض التساؤالت اليت ظلت
تضغط علينا دوما وأبدا حول مستقبل الثقافات الشعبية العربية يف
-2اجلبهة الثانية :ميثلها الكيان الثقايف الكولونيالي االستعماري، خضم التطورات السريعة والعنيفة ،اليت تفرضها العوملة وفلسفتها
الذي ظل يطارد الثقافة الشعبية ،مسخراً إياها تسخرياً استعمارياً، على الشعوب ،من حيث الطرح الثقايف واالجتماعي والسياسي
بعد أن أدرك الدور الريادي الذي تقوم به يف احلفاظ على أصالة واالقتصادي.
هوية الشعوب وهوية انتمائها احلضاري والتارخيي .فكان سعيه
حثيثاً لدراستها ومعرفة أسرارها ال لشيء إال من أجل السيطرة ولعل أهم هذه التساؤالت:
ً
عليها واستعمارها .فلقد عمل جاهدا على طمسها وتشويهها بعد -ماذا نفعل بثقافتنا الشعبية (بكل مظاهرها املادية واملعنوية)،
أن استثمرها وأفرغها من قيمها ومن حمتواها الفكري واحلضاري أمام هذا الزحف اهلائل من النماذج الثقافية ،اليت اقتحمت الفضاء
األصيل والعريق ،وألصق بها أوصافاً وأمساء سلبية( :الثقافة االجتماعي والثقايف العربي وحاصرته من كل جهة؟
البدائية – الثقافة املتوحشة -الثقافة التقليدية).
إن التفكري يف مستقبل الثقافات الشعبية، -كيف جتابه السلطة العربية الثقافية ،إشكالية
ً
مير يف اعتقادنا حتما عرب مناقشة األسس إن الثقافة الشعبية ،وإشكالية هوية االنتماء الثقايف
الفلسفية هلذه املقاومة بروح علمية ،بعيدة التفكير في مستقبل واحلضاري يف خضم التطورات اجلديدة؟
عن األحكام القطعية ،واألطروحات اإلثنية
واإليديولوجية الظرفية الضيقة -كيف يصون املثقف العربي ثقافته الثقافات الشعبية ،يمر
الشعبية أمام حتديات املستقبل ،وما هي في اعتقادنا حتم ًا عبر مناقشة
اللوازم املعرفية واملنهجية ،اليت صنعها األسس الفلسفية لهذه المقاومة -إن الثقافات الشعبية ببساطتها
وعفويتها .تشكل املعامل األساسية لنفسه وبنفسه ،صيانة لذاته الثقافية
واألصلية للتاريخ الثقايف الشعيب،
األحكام عن بعيدة علمية، بروح واحلضارية؟
القطعية ،واألطروحات اإلثنية وعنواناً لشخصيته احلضارية .ومن ثم فإن
التكفل بها مجعاً وتدويناً وتوثيقاً ودراسة واإليديولوجية الظرفية حاالت رهيبة
ِ عاشت (الثقافات الشعبية)
واستثمارا ،يساعد بدرجة كبرية على فهم ً من االغرتاب الثقايف واالجتماعي واإليديولوجي.
أسس البناء االجتماعي والثقايف واحلضاري واملعريف
الضيقة كما مرت بلحظات أليمة نتيجة املقاومة العنيفة اليت
واالقتصادي والسياسي العربي .إن التكفل املستقبلي مبوضوع خاضتها ،وال تزال ختوضها على جبهتني خمتلفتني:
الثقافات الشعبية العربية يفرض على الباحثني املهتمني إعادة -1اجلبهة األوىل :ميثلها الكيان الثقايف العربي النخبوي،
النظر يف مفهوم الثقافة الشعبية يف حد ذاتها ومكانتها ضمن املنظومة مبواقفه العدائية والتحقريية للثقافة الشعبية وإقصائه إياها من
الثقافية الوطنية من جهة ،ومن جهة أخرى إعادة النظر يف طبيعة
(*) الجـزائـــر
23
أن هذا االهتمام كانت تنقصه يف كثري من األحيان الروح العلمية
واملنطق العلمي السليم ...وبالتالي مل يصل إىل مستوى تأسيس رؤية
معرفية خاصة باألدب الشعيب وقضاياه اللغوية والنصية .لقد ظل
املهتمون يتحركون يف الدائرة اإلشكالية حول عالقة األدب الشعيب
باألدب الفصيح ،وقراءة األول يف ضوء ما أنتجه الثاني من مفاهيم
وتصورات نقدية :لقد تناولوا بالدراسة «قضية العالقة القائمة بني
والكتابة والتدوين والصيانة والتخزين واإلخراج ...وقد يتساءل
األدب الفصيح واألدب العامي ،يف ضوء تكوين حضارتنا النفسي
املرء حول دوافع وأسباب هذا االهتمام ،وهذا التكفل العلمي والثقايف
والتارخيي ،وبينوا أن هناك تفاعالً حياً وخالقاً قائما بني األدبني
واالجتماعي واالقتصادي والسياسي ملادة الفلكلور:
على مر العصور( ...)15وما ميكن اإلشارة إليه يف احلديث عن
املنظومة الفكرية العربية ،وواقع وآفاق الثقافة الشعبية ،أنها لماذا كل هذا االهتمام؟
ختوفت من استعمال مصطلح الفلكلور كمصطلح علمي ،وذلك راجع لقد أدركت املنظومة الفكرية األوروبية قيمة الفلكلور ومظاهره املادية
بدون أدنى شك إىل ذلك الفهم اخلاطئ واخلطري هلذا املصطلح، واملعنوية والسلوكية ،من حيث الطرح اهلوياتي احلضاري والثقايف،
حيث أفرغوه من معانيه الصحيحة وأكسبوه دالالت غري علمية ومن ثم ،فإن االهتمام باملادة الفلكلورية هو أوالً وقبل كل شيء،
وغري صحيحة ،ليصبح عند املثقف العربي مرادفاً داللياً للفوضى اهتمام بأصالة الشعب وبأصوله احلضارية والثقافية والتارخيية
وللتخلف وللهمجية وللضعف وللسذاجة .وكل قول أو فعل أو سلوك ومباضيه وماضي أجداده العريق والعتيق .ولعل ما زاد يف تفعيل
وصف ونعت بالفلكلور والفلكلورية ،هو يف اعتقادهم ساذج ،همجي الفكر الغربي ملادته الفلكلورية هو ذلك الوعي املعريف العميق يف أن
ال يستحق الدراسة واالهتمام وغري جدير بالعناية ،وال يرقى إىل الفلكلور ،هو املعادل التارخيي واحلضاري والعقائدي واأليديولوجي
املستوى العلمي .ونظراً خلوف املنظومة الفكرية العربية من الوقوع والثقايف واالجتماعي للهوية الشعبية يف أوسع معانيها .وأن احلفاظ
يف الفوضى املفهوماتية أو أن تصنف بعض من دراساتها االجتماعية عليه وصيانته والتكفل به هو يف حقيقة األمر ،حفاظ على اهلوية
واإلنسانية اليت اهتمت باملادة الشعبية يف الدائرة املرفوضة، الشعبية وصيانتها وتكفل بها خوفا عليها من التمزق والتشوه
املمنوعة ،احملرمة أو الساذجة ،ظل الدارسون العرب متمسكني والطمس واالندثار .إن الفلكلور مبظاهره العديدة واملتعددة مرتبط
حمافظني على مصطلح الثقافة الشعبية اليت تقوم أساسا على احملاور ارتباطاً عضوياً باهلوية الشعبية ،واليت هي يف أبسط معانيها« :اسم
التالية: الكيان أو الوجود على حاله ،أي الوجود للشخص أو الشعب أو
-1أشكال التعبير الشعبي (األدب الشعبي) األمة ،كما هي بناء على مقومات أو مواصفات وخصائص معينة،
-2العادات والتقاليد الشعبية. متكن من إدراك صاحب اهلوية بعينه دون اشتباه مع أمثاله من
-3المعتقدات والطقوس الشعبية. األشباه .واملسألة يف هذه القضية تتعلق بنوعية تلك الصفات واملقومات
-4الفنون الشعبية. واخلصائص(.)14
لقد كشفت الدراسات االجتماعية والتارخيية واحلضارية واللغوية
-5الحرف والصناعات التقليدية.
واألدبية واألنثروبولوجية ،مدى قوة الرتادف الداللي والرمزي الذي
غري أن االهتمامات العربية مبوضوع الثقافة الشعبية يف إطارها
أحدثته املصطلحات :الفلكلور واهلوية ،حيث يشريان وحييالن
اجلزئي أو الشامل ،ظلت حمتشمة وقليلة ،بل وفقرية جدا من
بطريقة أو بأخرى إىل بعضهما البعض .إنطالقاً مما سبق ذكره ،
حيث الطرح املعريف واملنهجي ،مقارنة مع ما يزخر به اجملتمع
اكتسب الفلكلور أهمية كبرية يف الدراسات اإلنسانية واالجتماعية
العربي من مأثورات شعبية أصلية وأصلية .امتازت بعض هذه
اليت تهتم بأصول الشعوب وعاداتها وتقاليدها وتصوراتها الذهنية
الدراسات بالسطحية وكثرة األحكام اليت تفتقد إىل التأسيس
والفكرية ،ودالالت ختيالتها على طقوسها ومعتقداتها.
العلمي والرؤية العلمية ،وذلك لغياب بعض العلوم من املنظومة
قابل االهتمام العلمي واالجتماعي والثقايف األوروبي بالفلكلور
الرتبوية العربية ،اليت قد تؤهل الباحث العربي إىل التعامل مع
عدم اهتمام وعدم اكرتاث املنظومة الفكرية العربية بفلكلورها.
الثقافة الشعبية ومظاهرها تعامالً علمياً موضوعياً .ومن أهم العلوم
حيث إن العرب ،مل يتفطنوا لقيمة الفلكلور يف حياة اإلنسان إال
اليت تفتقد إليها املعارف العربية ،نذكر علوم (األنثروبولوجيا،
مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين ،ظهرت اإلرهاصات
واألثنولوجيا ،واألثنوجغرافيا ،واجلغرافيا البشرية – وعلم
األوىل على يد عدد قليل وحمدود جداً من الباحثني العرب ،بدأوا
السالالت البشرية) .ولقد ظلت كثري من الدراسات العربية ملادة
باالهتمام مبا أمسوه وقتئذ باملأثورات الشعبية وبالرتاث الشعيب،
الثقافة الشعبية دراسات سطحية ،ومل تصل مبوضوعها إىل مستوى
وقد ركزوا هذا االهتمام خاصة على جمال األدب الشعيب ...غري
إدراك «أن فلكلور اجملتمعات أو الثقافة الفلكلورية للمجتمع،
26
مع الشعوب العربية ،األمر الذي ساعدهم على تسجيل العادات ترتبط برباط نفسي ووجداني عند الشعوب ،كما يقوم على سيادة
والتقاليد العربية واملعتقدات والطقوس الشعبية والفنون التقليدية القيم الروحية والوجدانية واألخالقية على اجلوانب املادية يف حياة
سخرت إدارةالعربية وأشكاهلا التعبريية العديدة واملتنوعة .لقد َّ اإلنسان ،والفلكلور بعامة ،ميثل عطاء النفس وعطاء الذات وعطاء
الدول االستعمارية هلذه املهمة ،طاقات بشرية معتربة ،فطافوا يف اخلربة العقلية املرتبطة بالفطرة البشرية وعفويتها»(.)16
املدن والقرى والبوادي ،وحضروا يف احلفالت واملواسم الطقوسية، إن السؤال الذي يظل يضغط علينا هو ما مستقبل الثقافات الشعبية
وشاركوا العرب يف أفراحهم ويف أتراحهم ...غري أن عالقتهم مع العربية؟
مظاهر الثقافة الشعبية العربية ،مل تقف عند حدود التسجيل
والفهم واالستثمار االتصالي التواصلي ،فسرعان ما شرعوا يف تنفيذ -ما ظل يقلقنا كثرياً يف اآلونة األخرية ،هو ذلك الغياب
سياستهم التغريبية التشويهية والتحنيطية ،حيث احنرفوا مبا شبه ال ُكلّي ،لالهتمام مبوضوع الثقافة الشعبية ،وعدم التفكري يف
سجلوه من مظاهر الثقافة الشعبية العربية احنرافاً خاطئاً وخطرياً، مصريها أمام شبح العوملة ...وكأن املثقف العربي تنصل من دوره
فأفرغوها من قيمها األصيلة وعوضوها بقيم غربية من وحي خطتهم الريادي واملسؤول ،ومل يعد يأبه باملسألة الثقافية الوطنية الشاملة
ونيتهم يف تشويه املسرية الثقافية واحلضارية للشعب العربي .من (الثقافة الرمسية ،والثقافة الشعبية) .ومل يعد يأبه أيضا مبا تنسجه
أجل قطع عالقته جبذوره احلضارية والتارخيية ،فأبدعوا قيماً حوله العوملة الثقافية من خيوط عنكبوتية خطرية ،واليت تسعى
ونسبوها إىل العقلية العربية ،اليت وصفوها بالتحجر والتخلف جاهدة من أجل شل حركته الثقافية ،وقطع جذور وأصول انتماءاته
والفوضى ،وعدم قدرتها على اإلبداع وعلى مسايرة متطلبات العصر. الثقافية واحلضارية والتارخيية .يشغل احلديث عن التخوف من
لقد اجتهت املنظومة الفكرية االستعمارية بالثقافة الشعبية اجتاهاً شبح العوملة فضاء فكرياً واسعاً عند الشعوب ،حيث تعمل جاهدة
خاطئاً وخطرياً ،حيث أفقدتها ماهيتها ودورها الريادي يف احلفاظ وبكل طاقاتها البشرية واملؤسساتية على صيانة ذاتها وانتماءاتها
على أصالة انتماء الشعب العربي .ومهما يكن من أمر نشري إىل أن الثقافية واحلضارية ،وذلك من خالل التفعيل احلقيقي واألصيل
املثقف العربي البورجوازي مل يتحرر من هذه الرؤية االستعمارية ملظاهر ثقافتها الشعبية ،كمادة أساسية وحية تطعم وتغذي بها
يف تعامله مع مظاهر الثقافة الشعبية ،حيث ظل هو اآلخر ينعتها ذاتها ،وكسالح قوي حتارب به من حياول االعتداء على هويتها أو
بالسذاجة والتخلف واهلمجية والفوضى واملتوحشة .لقد صنع املثقف تشويهها أو تدمريها .لقد أحدثت العوملة يف نفسية املثقف العضوي
العربي جداراً معرفياً وثقافياً وايديولوجياً بني ثقافته أي ثقافة (مبفهوم غرامشي) خوفاً ورعباً كبريين ،فهو خياف وخيشى من
النخبة ،وثقافة املؤسسات وثقافة الشعب أو الثقافة الشعبية ،واليت أن تسقطه وترمي به يف العدمية والغربة والضياع والالنتماء الثقايف
مل يقف عند حدود وصفها بالتخلف والضعف ،بل وصل به احلد إىل واهلويّاتي ،فهو خيشى وخياف من أن تضيع منه خصوصياته ُ
إقصائها من دائرة الثقافة الوطنية ووضعها يف الطرف املناقض للثقافة الثقافية ،اليت قد ال تستطيع املقاومة والصمود ،أمام النموذج
النخبوية وللثقافة الوطنية .غري أن الواقع الثقايف واالجتماعي الثقايف الذي تسعى العوملة إىل فرضه .ومن ثم فإن الذين يتحدثون
والتارخيي واإليديولوجي للبنية احلضارية والتارخيية والثقافية عن خماطر العوملة الثقافية املتمثلة يف اخرتاق اخلصوصية الثقافية
العربية ،تبني أن الثقافة الشعبية ليست نفياً للثقافة الوطنية، هلذه اجملتمعات ،لديهم من األسباب املوضوعية ما جيعل قلقهم
ولكنها تصحيح هلا .وهذا التصحيح يكتسب معناه من التصحيح وختوفهم منطقياً .فهذه الثقافات رغم ما متلكه من مقومات ذاتية
السياسي ،فإذا كنا نطالب بالدميقراطية ،على الصعيد السياسي، للبقاء واالستمرار ،كانت وال تزال -قبيل بزوغ مشس العوملة
فليس مقبوالً أن نسكت عنها يف امليدان الثقايف ،وإذا كنا نطالب – ختوض معركتها مع التحديات والتغريات ،اليت شهدتها
بإمساع صوت الشعب يف اجملالس النيابية وأجهزة اإلعالم ،فليس جمتمعاتها يف النصف األخري من القرن املنصرم ،واليت أحدثت
منطقياً أن نسكت عن املطالبة بإفساح اجملال لثقافة هذا الشعب واقعاً اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً ونفسياً وبيئياً جديداً ،قلل من
لسماع صوتها من هذه األجهزة .إن العالقة بني الثقافة الوطنية حيوية هذه الثقافات ،وجفف كثرياً من مصادرها ومنابعها"(. )17
والثقافة الشعبية إذن ،تتحدد من خالل مصري الدميوقراطية (.)18 ولعل ما أدى باملثقف العربي إىل أن يتحرك بعيداً ومنفصال عن الكيان
الثقايف الشعيب العربي هي تلك الرؤية االيديومعرفية التحقريية
إن الثقافة الشعبية ،مؤهلة ملواجهة مستقبل ثقايف وسياسي واملدمرة ،اليت ورثتها عن املنظومة االستعمارية ،اليت كانت دائما
وإيديولوجي صعب وعنيف ،فهي مرشحة خلوض مقاومة على تسعى إىل طمس وتشويه الكيان الثقايف العربي األصيل .لقد اهتمت
ثالث جبهات: املنظومة الكولونيالية مبكراً مبظاهر الثقافة الشعبية العربية حيث
.1جبهة املاضي ،وما ألصقه االستعمار بها من نعوت وأوصاف سخرت لذلك أمواالً كبرية ووسائل ضخمة ،كما أوفدت إىل امليدان
خاطئة وخطرية. العربي عساكرها وإدارييها ورجال الدين ،فنزلوا امليدان واختلطوا
27
بنفسه جوانب غري معروفة من شخصيته وكيانه ،ويعرب بنفسه عن .2جبهة احلاضر العربي ،وما مييز املثقف العربي من مواقف
كوامن ذاته ،وحيكي من داخل مروياته ومأثوراته ،حقائق قد يغفل عدائية واحتقارية ملظاهرها املادية واملعنوية والسلوكية وإقصائه
التاريخ عن ذكرها .فالفن الشعيب هو الصورة التكاملية لشخصية إياها من الثقافة الوطنية الشاملة.
الشعب ،اليت تنعكس يف إبداعه الفين ،ويظهر ذلك ضمن أشكال .3جبهة املستقبل ،وما تريد العوملة فرضه من مناذج ثقافية على
ممارسته ملأثوراته ،وفيما يقيمه من احتفاالت يف األعياد واملناسبات الشعوب ،على حساب ثقافتها الشعبية .وقد تشكل هذه اجلبهة
العائلية ...ويف طقوس العمل وممارسة مشقة العمل ...ويف السفر... أخطر اجلبهات ،ألن العوملة اليت تعترب وسائل االتصال أحد أذرعها
أو زيارة األماكن املقدسة ويف استقبال أيام السنة ...وارتباط ذلك اهلامة ،أحكمت سيطرتها على كل شيء حبيث ال يستطيع األفراد،
بعقيدته وإميانه الديين ...يف صراعه من أجل حتقيق حياة أفضل، أو اجملتمعات الصغرية ،أو الدول االحتفاظ خبصوصياتها معها ،إال
ويف كل نشاط حي ميارسه اإلنسان" .غري أن دور املثقف العربي يف أن اهليمنة احملمومة ،جعلت األفراد واجلماعات والدول يشعرون
تفعيل موضوع الثقافة الشعبية غري كاف ،فال بد من تدخل املؤسسات بالقلق .فالعوملة االقتصادية هلا أثرها على الدول النامية وشعوبها يف
الرمسية ومشاركتها للمثقف وذلك بالتأطري االداري واملالي والعلمي املستوى االقتصادي واالجتماعي والثقايف ،ففي امليدان الثقايف جند أن
والثقايف والرتبوي .وقد يتجلى دور املؤسسات يف احملطات التالية. الثقافات احمللية هلذه الشعوب ،مهددة بأن يصيبها ضرر كبري من
.1تشجيع االهتمام باملادة الشعبية مجعاً وتدويناً وصيانة وإخراجاً العوملة ،لعدم توافر اإلمكانات ،حلماية هذه الثقافات من الفيضان،
يف كتب وجمالت والتعريف بها على نطاق واسع. الذي يتلقاه الفرد من خالل هذه الوسائط لنقل املعلومات وقنوات
.2تسخري الوسائل السمعية البصرية الضرورية ،مثل :التسجيل االتصال الفضائية(.)19
والتصوير. قد ال يتحقق هذا األمر إذا كانت هذه الشعوب ،وهذه اجملتمعات
.3إنشاء املخابر العلمية واملراكز البحثية اليت تتكفل باملادة الشعبية متتلك القدرة املادية واملعنوية لصيانة ذاتها وكيانها الثقايف اخلاص.
فالعوملة ال تكتسح وال تغزو إال الثقافات واجملتمعات والشعوب اليت
افتقدت معاملها التارخيية واحلضارية ،وختلت عن ثقافتها احمللية
األصلية واألصيلة ،وتهاونت يف محاية وصيانة هويتها احلضارية.
الــــهـــــوامش
فإذا كانت العوملة كطرح اقتصادي واجتماعي وثقايف تسعى جاهدة
.1د .سامية حسن الساعاتي ،الثقافة والشخصية ،حبث يف علم االجتماع الثقايف ،دار
النهضة العربية ،بريوت ،1983 ،ص .35
من أجل إخضاع كل اجملتمعات ،وكل الثقافات ،وكل الشعوب إىل
.2م .ن :ص35 ، منطق واحد وموحد ،فإن هذا ال يعين الذوبان واالستسالم لعادات
.3م .ن :ص.36 ،
.4م .ن :ص.50 ،
الغري وتقليده ،وإمنا ضرورة العودة للثقافة الشعبية ،وهي الوحيدة
.5م .ن :ص.51 ، القادرة على مواجهة العوملة .فبفضلها يتحصن املرء ،ويأخذ جرعات
.6م .ن :ص.35 ، املواجهة النافعة اليت ال تعزله وال تذيبه ،والثقافة الشعبية هي
.7م .ن :ص.28 ،
.8م .ن :ص.27 ، حجر عثرة يف وجه دعاة العوملة ،ألنها تعطي لكل جمتمع عناصر
.9حممد بزيكا" ،مفهوم الثقافة الشعبية بني املثقف العضوي والتقليدي" ،جملة آفاق، التمييز واالستقاللية من ناحية ،ومن ناحية أخرى تقوي الوحدة
الصادرة عن احتاد كتاب املغرب ،السلسلة اجلديدة ،ع ،9يناير ،1982 ،ص .13
.10هيام امللقي ،ثقافتنا يف مواجهة االنفتاح احلضاري ،دار الشواف للنشر والتوزيع، الوطنية وذلك لتنوعها(.)20
الرياض ،1995 ،ص .261 بعدما وقفنا على مفهوم الثقافة الشعبية ووظيفتها التارخيية
.11عبد اللطيف الربغوثي" :بني الرتاث الرمسي والرتاث الشعيب ،جملة صامد
االقتصادي ،العددان ،67-68السنة ،9آيار ،حزيران ،متوز ،آب ،1997 ،ص
واحلضارية وواقعها االجتماعي والثقايف ،حناول احلديث عن أهم
.24 امليكانيزمات واإلجراءات املنهجية واملعرفية الضرورية من أجل
.12هيام امللقي :م .س ،ص .260
.13هيام امللقي :م .س ،ص .25
تفعيلها وصيانتها ومحايتها من االندثار والزوال .ولعل أهم حمطة
.14م .س ،ص 25 ميكن االنطالق منها ،هي التفكري يف مستقبل الثقافة الشعبية،
.15د .أمحد بن نعمان :اهلوية الوطنية – احلقائق واملغالطات ،شركة دار األمة للطباعة ويف قدرة املنظومة الفكرية العربية على التكفل مبوضوع الثقافة
والرتمجة والنشر والتوزيع ،اجلزائر ،1996 ،ص .21
.16كلمة التحرير ،جملة املأثورات الشعبية ،الصادرة عن مركز الرتاث الشعيب جمللس الشعبية تكفالً علمياً سليماً وأميناً ،تبقى دون أدنى شك تلك احملطة
التعاون اخلليجي ،السنة ،16العدد ،63قطر يوليو .2001 املرتبطة مبوقف املثقف العربي وبرؤيته هلا .فهو مطالب بتغيري
.17حممد بزيكا ،م .س ،ص .15
.18كلمة التحرير ،جملة املأثورات الشعبية ،السنة 14العددان 55-56قطر يوليو- ذلك املوقف ،وتلك الرؤية ،واالهتمام بها كجزء ثابت ال يتجزأ
أكتوبر .1999 من حضارة وثقافة وتاريخ شعبه العريق والعتيق .فهو مطالب أيضا
.19صاحل جديد ،األشكال التعبريية الشعبية وحتديات العوملة ،جملة اجمللس األعلى
للغة العربية ،اجلزائر ،2002ص .75
بدراستها دراسة علمية ،ملعرفة األصول التارخيية لشعبه ،وكذا
.20صفوت كمال ،مدخل لدراسة الفلكلور الكوييت ،ط 2الكويت ،1973 ،ص 76 أمناط تفكريه ورؤيته للحياة ولألشياء« :ألن الشعب دائما يقدم
28