Professional Documents
Culture Documents
Abstract ملخص
Résumé
L'approche archéologique fondée par le philosophe français Michel Foucault est
l'une des méthodes philosophiques les plus importantes de l'épistémologie
contemporaine. Foucault, par l'archéologie, a tenté de critiquer les structures
culturelles occidentales dans divers domaines afin de dégager les fondements
épistémologiques qui contribuent à l'établissement du discours dans différents
paradigmes. Où Foucault a cherché à détruire la métaphysique et à déconstruire
ses arguments, en plus d'essayer de réaliser des études scientifiques dans
l'histoire.
جرد شعارات عن عيوبه وسلبياته؛ فوختلف الوعود التي َب َّش َر بها الخطاب الحداثوي ،كانت ُم َّ
َّرنانة وأومام زائفة ،ل تجد لها الذات صدى على أرض الواقع ،مذا ما جعل الحضارة الغربية
وألن الفيلسوف طبيب الحضارة بالتعبير النيتشوي ،كان ُعيش أزمة َق ْيوية ووجودية بامتياز؛ َّ
ِّ
لزاما إيجاد البدائل التي يوكن لها أن ُتخرج الذات من حالة ُّ
الركود التي آلت إليه .كانت مذه هي
املهوة التي حاول الفالسفة املابعد حداثيين تحقيقها على أرض الواقع ،فقد كانت النظرة
ص ُّب في جومر املشهد الفلسفي والثقافي ملختلف املشاريع اإلصالحية ملا أفسدته الحداثة َت ُ
الفلسفيةَّ ،
وبالرغ من االختالف في املنطلقات واملسلوات لكنها تلتقي في غاياتها وأمدافها.
َ
ل يكن "نيتشة" _بوا ق َّدمه من أعوال مختلفة_ مرحلة عابرة في الفكر الفلسفي عووما
ْ َّ َ َّ
حادَ ،س َيلقى في الفكر املعاصر
والغربي على وجه الخصوص ،بل إن ما قدمه من مشروع نقدي ٍّ
ُق ُبوال وإجواعا ُم ْنقطع النظير من ق َبل الكثير من الفالسفة الغربيين ،ومو القائلَّ :
"إن الرجال ِّ
َّ
العظواء يولدون بعد مواته " ،فكان لهذه النبوءة أن تتحقق فعال ،فقد أصبح للنبي زارا أشياع
ُ
ُوم ِّريدين ،وم من ُع ِّرفوا فيوا بعد بالنيتشويين الجدد ،ومن أبرز مؤالء الفيلسوف الفرنس ي
ُ
حطوه مطرقة الجينيالوجيا النيتشوية من مقوالت الحضارة الغربية، "ميشيل فوكو" .فوا ل ت ِّ
َ
سيكون لها نصيب من النقد والتحليل من طرف األركيولوجيا الفوكوية؛ فوا ق َّد َمه "فوكو" من
ضد األنساق الفلسفية الغربية ،إذ عول أعوال منذ بداياته األولى ،ستكون حولة شرسة َّ
املنقب املنتقد ،باحثا عن التوظهرات والتجليات التي َْ "فوكو" على َّ
السفر بين األرشيفات ِّبعي ِّن ِّ
من خاللها يوكن كشف األالعيب السلطوية في املجاالت املختلفة ،بداية بخطاب الجنون
واملؤسسات الطبية ،مرورا باملؤسسة العقابية ،وصوال إلى توليد مفهوم السلطة الحيوية
َّ
وكيف انتقلت السلطة من السيطرة على الروح إلى السيطرة على الجسد؛ مذا ما حلله "ميشال
فوكو" في"الرقابة والعقاب" ،وثالثيته املعنونة بـ" :تاريخ الجنسانية" .مذا على املستوى املعرفي،
َّ
املؤلف الذي َّ َّ
خصه "فوكو" لشرح َّأما على املستوى املنهجي فقد مثل كتاب "أركيولوجيا املعرفة"
منهجيته الحفرية في النقد ،فعلى امتداد صفحات الكتاب،حاول"فوكو" بيان أصالة منهجه
األركيولوجي من خالل مجووع اآلليات اإلجرائية التي اعتودما كترسانة منهجية في مسيرته
النقدية .انطالقا موا سبق يوكننا التساؤل عن الدالالت املفهومية ملنهجية الحفر األركيولوجي
الفوكوية ،فإن كان املنهج األركيولوجي ُيعنى بوصف الخطاب وتحليله ونقده ،فكيف َّ
عرف
َّ
"فوكو" الخطاب من ِّوجهة نظر أركيولوجية؟ وفيوا تتوثل أم الغايات واملقاصد اإلبستيوولوجية
التي سعى "فوكو" إلى تحقيقها من خالل مشروعه الحفري النقدي؟
.1يف مفهوم األركيولوجيا واخلطاب:
أوال :يف الداللة املفهومية لألركيولوجيا:
ألول َم َّرة في ُي َ
عرف املنهج الفوكوي باملنهج األركيولوجي ،وقد استعول "فوكو" مذا املفهوم َّ
كتابه "تاريخ الجنون في العصر الكالسيكي" (،) Classique Histoire de la Folie a L’âge
باإلضافة إلى َّ
أن كتابه "مولد العيادة" ) (Naissance de la Cliniqueكان يحول عنوانا فرعيا
الطب َّية" ،وبعد نشر "فوكو" "الكلوات واألشياء" (Les Mots et les َّ
ومو" أركيولوجيا النظرة ِّ
) Chosesحول مو اآلخر عنوانا فرعيا ،ومو "أركيولوجيا العلوم اإلنسانية" ،وفي سنة 1191م،
وضح فيه بشكل ُم َع َّوق اآلليات التي اعتودما في بلورة املنهج الذي ُ
أصدر "فوكو" كتابه الذي ي ِّ
اعتوده ،ومو الكتاب املعنون بـ"أركيولوجيا املعرفة"( ،)L’archéologie du Savoirمذا ما َي ُد ُّل
اصطالحاُ ،عني ً َّ
الفوكوية ،فاألركيولوجيا حورَّيه مصطلح األركيولوجيا في الفلسفة على مدى ِّم ِّ
قديوا ،باستعوال األدوات والوسائل العل الذي ُيعنى بدراسة الحضارات التي َش َّي َدما اإلنسان ً
َّ َّ
بالنسبة املختلفة ،بهدف الحفر والتنقيب عن اآلثار واملعال التي خلفتها تلك الحضارات؛ َّأما ِّ
َّ
املعرفية فإنه يستخدم مذا املفهوم للونهج الذي وضعه في دراسته وتحليله للبنى لـ"فوكو"َّ ،
رسوية إس َّ الغربية ،حيث ُي ِّق ُّر في أركيولوجيا املعرفةَّ ،أنه أطلق على منهجه "وبكيفية َّربوا
َّ
التي ستعول على وصف املوارسات الخطابية بطريقة مخالفة لباقي املناهج الحفريات"َّ 1،
أن املناهج املعوول بها غير قادرة على وصف الخطاب وتحليله التاريخية؛ ففي نظر "فوكو" َّ
َّ
بالكيفية الالزمة ،وانطالقا من مذاُ ،ي َب ِّرر "فوكو" اعتواده على املنهج األركيولوجي في قوله" :فقد
ُّ َ َ ُ
ألي كان أن يزمو
سبق أن وجدت مناهج كثيرة قادرة على وصف اللغة وتحليلها ،بحيث ال يوكن ٍّ
ُ
ضيف ً
منهجا جديدا إليها" 2،مذا ما يدل على السأم الذي كان عيا َّأنه ُي
بنفسه ُويعجب بهاُ ،م َّد ًّ
ُ ينتاب "فوكو" من املألوف الذي ال ُيبدع وال يأُي بأي جديد ،بحك َّ
أن املناهج املعتودة في ِّ
مج .51عدد ( 5جانفي ) 9152 54 جملة منتدى األستاذ
عبد احلق طاليب ميشيل فوكو وجتاوز املناهج الفلسفيّة التّقليديّة
ً َّ
الن َّ
سقية َّ
الرتيبة ،وانطالقا من مذه الدراسات التاريخية ،ال تخرج عن كونها تائهة بين جدران ِّ
ُ َ ُّ َّ
النقطة بالذات ،يطرح "فوكو" سؤاال ُم ًّ ُّ
قدمه األركيولوجيا
يخص الجديد الذي ست ِّ هوا فيوا
مقارنة باملناهج األخرى؛ حيث يقول" :فواذا بوسع الحفريات أن ُتقدمه َّ
بالنظر إلى ما ل يكن في ِّ
َّ ُ ْ
3
قدمه؟ وما جزاء ُم ِّه َّوة شاقة كهذه؟" ِّوس ِّع املناهج الوصفية األخرى أن ت ِّ
ُي ِّجيب "فوكو" عن مذه اإلشكالية في حوار له مع جريدة " "Le Mondeالفرنسية سنة
للداللة على وصف الوثيقة ،ول يقصد اكتشاف بأنه "استعول لفظ األركيولوجيا َّ 1191مَّ ،
بداية ،أو الكشف عن عظام وهي رمي "؛ 4إذن فالوصف والوثيقة موا أساس األركيولوجيا،
التي ُي َع ِّرفها "فوكو" بقوله" :أمكننا استنادا إلى قانون األلفاظ -والذي ال ُيطابق قانون علواء
أي محاولة للجري اللغة -أن ُنطلق على تلك األبحاث اس حفريات ،ومو لفظ ال َي َّ
تضون َّ
ُ ْ َ ُ َّ َّ
بأي تنقيب أو سبر جيولوجي ،بل َي ُد ُّل على الفكرة واللهث وراء البدايات ،كوا ال يقرن التحليل ِّ
يل في مستوى وجوده ،وفي مستوى صف مدفه استنطاق املَا ِّق َ واملحورية َّ َ
العامة ِّلو ٍّ َّ األساسية
سب إليها ،واملنظومة َّ َ
الخطابية التي َينت ُ
َّ َّ ُ َّ
العامة العبارية التي توارس عليه ،والتشكيلة الوظيفة
َ ُ
الحتفاظه وظهوره ،فالحفريات ت ِّصف الخطابات كووارسات ُم َح َّددة في عنصر نظام االحتفاظ
5
والظهور".
أن األركيولوجيا ال ُسعى للبحث عن البدايات األولى ،فهي ليست َّيتضح من مذاَّ ،
ُسعى األركيولوجيا إلى وصفه وتحليله ودراسته ،إضافة إلى َّأنها تهدف أساسا إلى وضع اليد على
ُ َ
طريقة ُمغايرة في رصد نظ املعرفة ،عن طريق تحليل الخطاب في مستوى ظهوره وأفوله
َّ
الثقافات كوا لو كان سلسلة من ُّ َّ
"ويتوثل ذلك في ُّ
النظ املعرفية تتقاس تصور تاريخ واندثاره،
لفترات تاريخية دائرة الحقيقة"؛ 9وبهذا يكون التاريخ األركيولوجي ،دراسة نقدية ملختلف
اعا :عصر النهضة ،العصر الكالسيكي و العصر الحديث 11،دون أن يكون بين مذه املراحل ت َب ً
ِّ
َ
أ ُّي استورار أو ِّاتصال ،بل فواصل وقطائع ) .(Des Rupturesاستنادا إلى مذا ،سيعول "فوكو"
تتب ًعا
تكونت وظهرت في الحقب الزمانية الكبرى واملختلفةُّ ، على َت َت ُّبع مختلف املعارف التي َّ
الداخلية ملجول الخطابات، الب َنى َّ
تاريخيا وفقا ملنظور تحليلي أركيولوجي ،كاشفا من خالله عن ُ
التاريخي باملفهوم الكالسيكي الذي ُعتوده املناهج األخرى؛ خصوصا بعيدا في ذلك عن السياق َّ
ِّ
أن "فوكو" في معرض تحليالته ،ال يفتأ َيصف تلك املناهج املعتودة في تحليل املنظومات َّ
ألن تاريخ األفكار في جومره "فرع معرفي يتناول التي ُيدونها الخطاب في اتصالها وانفصالهاَّ ،
ِّ ِّ
ُ
البدايات والنهايات ،ويهت ُّ بوصف ألوان اال ِّتصال املبهوة ،وألوان العودة ،وبإعادة إنشاء
َ
ؤرخ األفكار في حالة ت ُّتبع ُ 15 َ َّ َّ ُّ
التطورات الخ ِّطية املتعاقبة للتاريخ"؛ وانطالقا من ذلك ،سيكون م ِّ
وكيفية انتقالها من حقل إلى حقل آخر ،وكيف ترتبط اآلثار َّ دائ لنشأة املفامي املختلفة،
ُّ َّ ُ
املؤسسات االجتواعية؛ كوا يسعى دائوا إلى إعادة إحياء التراث القدي ، املنتجة بوختلف
الصدد يقول األكثر تأثيرا وفاعلية ورواجا في صورته األولى التي نشأ وتبلور فيها ،وفي مذا َّ
والطرق ،كوا يغدو وصفا َّ ُّ ًّ "فوكو"" :يغدو تاريخ األفكار ً
للدوائر معرفيا تتداخل فيه املناهج فرعا
19 ُ ُ
شدد عليها وتربط بينها ،وتدرجها في كل ما ليست هي". املتراكزة التي تحيط باآلثار ،وُ ِّ
َّ ُ َّ َّ
حلل إالإذن فهذا الدوران مو الركيزة التي يستند إليها تاريخ األفكار ،مذا التاريخ الذي ال ي ِّ
ُّ
هوته األساسية الجري وراء بدايات النشوءُ ،بغية الوقوف عند األصل الص َّواءُ ،م َّالوالدة َّ
ََ
وإعادته إلى حاضر ال َي ُو ُّت بصلة إلى لحظة تك ُّونها ،يخضع كل مذا إلى ثالثة أفكار رئيسية،
التقليد الذي تجاوزته ضرورات النشأة واالتصال والك َّلية ،وهي أفكار ُُعتبر من باب َّ َّ
متو ِّثلة في
ِّ ِّ
وبالتالي سيغدو التاريخ ترسبات اإلرث امليتافيزيقيَّ ، البحث التاريخي ،إضافة إلى َّأنها من ُّ
َّ
خصوصيات تاريخ أن الوصف الحفري ،ال ُي ُّ
وت إلى ما ت َّ ذكره من ميتافيزيقيا محضا .في حين َّ
َ َ األفكار بأية صلةَّ ،
ألن الوصف األركيولوجي كوا َّ
حدد له "فوكو" معامله األساسية" ،فيه تخ ٍّل ِّ
َّ
مطلق عن تاريخ األفكار ،ورفض منهجي ملسلواته وطرقه ،ومحاولة إلقامة تاريخ آخر ملا قاله
البشر" 17،عن طريق تناول مختلف القطائع واالنفصاالت اإلبستيوولوجية ،دون االكتراث
للبداية أو النهاية.
هوة األساسية لألركيولوجيا ،ال تتوحور في البحث عن األفكار واملعارف التي من شأنها فاملُ َّ
تتجسد في "تحديد مذه الخطابات من حيث هي َّ أن تظهر أو تختفي في خطاب ما ،بل َّ
إن غايتها
عينة ،فهي تنظر للخطاب على َّأنه وثيقة" 18،فيكون معول َّ
التحليل موارسات تحكوها قواعد ُم َّ
مادة الوصفأن الخطاب ُيعتبر َّ وج ًها إلى مختلف البنى الخطابية ،بوعنى َّ األركيولوجيُ ،م َّ
التوييز بينه وبين الوثيقةَّ ،
ألن األركيولوجي ،لكونه موضوع البحث والدراسة ،شريطة أن يت َّ َّ
ِّ
ُ
األركيولوجيا تلغي دور الوثيقة في عولية البحث التاريخي ،لكونها ليست مبحثا تأويليا يسعى
ص ًبا إن األركيولوجيا ُُ َ
عنى بالخطاب باعتباره ُن ْ إلنتاج خطاب من خطاب آخر ُيعتبر َّأوليا ،بل َّ
تجلياته َّ
وآلياته واستراتيجيته في املوارسة. ًّ
أثريا قائوا بذاته ،له ِّ
التوايز واضح بين األركيولوجيا وتاريخ األفكار ،منأن َّ
إضافة إلى ما سبق ،يرى "فوكو" َّ
خالل استبعاد أن تكون األركيولوجيا ُسعى للبحث عن مظامر َّ
التواصل أو االستورارية بين
الخطابات في الحقب املعرفية املختلفة ،واللهث وراء تحديد لحظة البداية ومجووع َّ
الت ُّ
حوالت
َ
خصوصيتها ،وفي ت ُّتبع تلك
َّ التي اعترت الخطاب ،بل ينحصر دورما في" :تحديد الخطابات في
َّ
الذاتيةَّ ، الخارجية وفي ُ
ألن غايتها تحليل الفوارق ص َّورما َّ الخطابات من خالل مظامرما
واالختالفات بين ص َّيغ الخطاب ووجومه" 11،بعيدا في ذلك عن االمتوام بتاريخ االستور َّ
ارية، ِّ ِّ
ؤس ُ "فوكو" لفكرة أساسية في ُ ُ ََْ
الذي يعتب ُر من قبيل التاريخ األسطوري؛ ومن مذه النقطة ي ِّ
َّ ُ
وصف الخطاب ،وهي القطيعة أو االنفصالية ( ،)La Ruptureالتي ت ِّلغي معها مقولة الذات
كوحور في تحليل األرشيف.
ُّ َّ
بوويزات تجعل منها منهجا مغايرا زيادة على ما سبق ،يرى "فوكو" أن األركيولوجيا تختص ِّ
توثل في إسقاط األثر وعدم اإلعالء من شأنهَّ ، َ َّ
وإنوا البحث لباقي املناهج التاريخية والنقدية ،ت
ً َّ
عن اللحظة التي يظهر فيها ،بعيدا في ذلك عن ربطه بالذات التي أنتجته ،سواء منفردة أو
والنفس ي على حد السواءَّ ،
ألن مجتوعة ،وذلك بعزل األحداث الخطابية عن س َّياقها االجتواعي َّ
ِّ ِّ
َّ
الذات املبدعة ،واعتبارما علة وجود األثر ومبدأ وحدته ،أمر ال ُت ُّ َّ
قر عليه "اإللحاح على دور
النصوص نص كباقي ُّ النظر إليه على َّأنه ٌّ
تنوعه ،يجب َّ أركيولوجيا املعرفة" 21،فالخطاب على ُّ
َّ
األخرى ،دون إضفاء مالة من القداسة عليه ،تجعل من جومر موارساته مغطى ِّب ُح ُج ٍّب ال
َّ يتوكن الباحث األركيولوجي من إدراكها ،فاألركيولوجيا ُت ِّلغي َّ َّ
كل االعتبارات الذاتية
َّ
نسقية واأليديولوجية ،مهوا كان مصدرما ،وبهذا يصل التاريخ إلى تحقيق املوضوعيةُ ،متجاوزا
التحليل امليتافيزيقي.َّ
آخر الخصائص التي ُيفردما "فوكو" لألركيولوجيا ،نفيه أن تكون محاولة "لترديد ما ِّقيل،
ومويته" 21،فالوصف األركيولوجي لي تكرارا لخطابات مامية الخطاب َّ من خالل َّ
التعوق في َّ
َّ َ
قد تبلورت ،وال إعادة صياغتها بلغة مخالفة ،وال يكون ذلك إال بنزع تلك الرابطة الوثيقة بين
َّ
عوا أراد أن يقوله البشر من خالل ما كانوا ُي َف ِّكرون فيه؛
املؤلف وأثره ،بتجامل مدف الكشف َّ
يتحول التحليل إلى دراسة الجانب السيكولوجي أو السوسيولوجي ،ومذا ما ُيبعد ألنه عادة ما َّ َّ
النص عن سياقه الذي ُو ِّض َع فيه ،كون التحليل األركيولوجي ال يسعى للكشف عن البنية َّ
فالتعامل يكون مع الخطاب ُمنعزال ،بوعنى َّ
أن للنص ،من خالل ربطها باملؤلف؛ َّ النفسية َّ
ُ
الخطاب كأرشيف ،مختلف عن باقي العناصر األخرى ،التي من شأنها أن تب ِّعده عن سياقه
الحقيقي ،ويكون ذلك بتحليل منطوقات الخطاب ،و الكشف عن آثارما ومدى ارتباطها بالواقع
الذي ظهرت فيه.
َّ َ من خالل أم الخصائص التي َّ
بأنها ت ُبرز كونهج قائ بذاته، تتويز بها األركيولوجيا ،نالحظ ِّ
ومادة دراستها؛ إضافة إلى َّ
أن تلك املبادئ فهي وصف وتحليل للخطاب الذي ُيعتبر موضوعها َّ
خاصية سنجد َّ
بأن َّ التي ُتويز األركيولوجيا ،نلو فيها انسجاما وتناسقا إلى أبعد الحدودُّ ،
فكل ِّ
َّ ُ َ ُ َّ
لها فاعلية في وصف البنى املعرفية ،وسنجدما حاضرة في نقد مختلف الخطابات التي بنيت
ُ
على أساسها الحضارة الغربية؛ يت ُّ ذلك عن طريق أربع مفامي أساسية ،ي ِّ
حددما "فوكو"
اإلطراد ،مفهوم شرط اإلمكان؛ إذ
السلسلة ،مفهوم ِّ
بالتسلسل اآلُي :مفهوم الحادث ،مفهوم ِّ
َّ حقيقيا َّ
ًّ ُ يرى "فوكو" َّ
منهجيته وتاريخ األفكار للتوايز بين أن مذه املفامي ُ ،عتبر وجها
واالطراد يتعارض مع
السلسلة مع الوحدةِّ ، "فالحادث يتعارض مع الخلق واإلبداع ،وتتعارض ِّ
الطريقة ،وشرط اإلمكان يتعارض مع َّ َّ
الداللة" 22،يقول "فوكو".
َّ
تتويز إذن األركيولوجيا عن تاريخ األفكار ،سواء على مستوى املوضوع أو الهدف ،أو املبادئ
"إن وصف الخطاب يتعارض التوايز في قولهَّ :والقواعد املُعتودةُ ،ويلخص "فوكو" مذا َّ
ِّ
َّ َّ
ومنهجية تاريخ الفكر[ ]...فاألمر في تاريخ الفكر يتعلق بإعادة إنشاء خطاب جديد[ ]...فهو دوما
وباستورار يسعى إلى البحث عن املعنى الحقيقي وراء املعنى املجازي[َّ ]...أما تحليل الخطاب،
َي َّتضح من خالل مذا التحليل ملختلف أوجه الخالف بين املنهج األركيولوجي وتاريخ األفكار،
خصوصية املنهج الفوكويُّ ،
وتويزه عن باقي املناهج األخرى ،سواء التاريخية أو التأويلية أو
التاريخ ُم َّتخذة
تكونت عبر َّ اللسانية ،التي ُُعنى بدراسة الخطاب ،وتحليل ُ
البنى املعرفية التي َّ ِّ
يشكل ُ َّ
من األرشيف موضوعا لها ،ومادة أولى في دراستها ،مذا األرشيف الذي ينتظ في خطاب ِّ
َّ ُ
ساؤل عن مامية الخطاب من َّ محور َّ
الزاوية األركيولوجية، التحليل األركيولوجي؛ وذلك يدفعنا للت
فوا هي داللة الخطاب عند "ميشيل فوكو"؟
ثالثا :يف داللة اخلطابLe Discours :
أن األركيولوجيا في جومرما منهج ُيوثل الخطاب حقل الحفر األركيولوجي ،ب ُحك َّ
ِّ ِّ
ُّ
لدراسة الخطاب ووصفه ،والوقوف عند ُشكالته ،انقطاعاته وانفصاالته في املراحل الكبرى
َّ
املؤلفات الفوكوية ،سيالحظ -بالتأكيدَّ - ُ التي شهدتها الحضارة الغربية َّ
أن تأمل في
ومرت بها ،فامل ِّ
احتل مركزا أساسيا في مختلف أعواله ،وإن بدرجات متفاوتة؛ فبدءا منَّ مفهوم الخطاب قد
َّ "تاريخ الجنون" ،يعتبر "فوكو" َّ
أن مشكلة الجنون ُينظر إليها مع أدباء النزعة اإلنسانية "ضون
ما ُيحيل عليه الكون الخطابي" 24،واألمر نفسه نلوسه في "مولد العيادة" ،حين َّ
يتحدث "فوكو"
َّ َّ َّ ُّ َّ
أن الظهور املكثف للخطاب وطريقة وصفه، وكيفية تحليله ووصفه .إال الط ِّبي
عن الخطاب ِّ
نجده في كتاب "الكلوات واألشياء" ،من خالل دراسة أم ِّ الخطابات التي بلورتها الحضارة
الغربية ،في الحقب الكبرى املح َّددة تباعا ،من عصر النهضة إلى العصر الكالسيكي ث َّ العصر
أن الخطاب كان امليزة األساسية إلبستيمي العصر الكالسيكي، الحديث .إذ سيالحظ "فوكو"َّ ،
املتوثلة في "إسناد اس إلى األشياء ،فخالل قرنين من الزمان، ُ من خالل َّ
املهوة التي أوكلت إليهِّ ،
األول لألنطولوجيا"؛َّ 25أما في "أركيولوجيا املعرفة" ،الذي ُي ُّ
عد تنظيرا كان الخطاب الغربي املكان َّ
ًّ
منهجيا ملختلف الحقول الخطابية التي َّتوت دراستها وتحليلها (الجنون ،املرض ،اللغة،
ً
"أحيانا يعني فكل مذه املوارسات تنتظ في خطاب ُيعرفه "فوكو" َّ
بأنه: االقتصاد ،البيولوجيا)ُّ ،
ِّ
ُ
تويزة من العبارات ،وأحيانا ثالثة، امليدان العام ملجووع العبارات ،وأحيانا أخرى مجووعة م ِّ
29
تدل داللة وصف على عدد ُم َع َّين من العبارات و ُشير إليها". موارسة لها قواعدماُّ ،
شكل معرفة ُم َّ ُ َُ
عينة حول إذن فالخطاب مو مجووع العبارات في مجال عام أو مت َو ِّيز ،ي ِّ
الفعلية التي يكتسيها ،ويضيف "فوكو" إلى مفهوم َّ حدد معامله ِّوفق املوارسات عينَ ،ت َت َّ
موضوع ُم َّ
بأنه" :مجووعة من العبارات بوصفها تنتمي إلى ذات التشكيلة الخطابية ،فهو لي الخطاب َّ
تكرر إلى ما ال نهاية ،يوكن الوقوف على ظهورما واستعوالها وحدة بالغية أو صورية قابلة ألن َت َّ
خالل التاريخ[ ]...بل مو عبارة عن َع َد ٍّد محصور من العبارات ،التي نستطيع تحديد شروط
27
زمانيا ،له باإلضافة إلى ذلك التاريخ". مثاليا ،وال ًّ
النحو ،لي شكال ًّ وجودما .ومو على مذا َّ
أن الخطاب عند "فوكو" مو بوثابة سلسلة من العبارات املندرجة َي َّتضح من خالل مذاَّ ،
ُ
ضون ُشكيلة خطابية واحدة ،تكون العبارة (املنطوقِّ )Enoncé-و ْح َدت ُه األساسية ،أو بوعنى
َّ آخر؛ إ َّن العبارة هي َّ
النواة األولى التي يتشكل منها الخطاب ،فوجووع عبارات يستلزم وجود
العام للعبارة ،التي البد من اإلملام باملعنى خطاب ،فلتحليله والكشف عن موارساتهَّ ،
ِّ
َّ ُ
"إما ألشير بها إلى عدد من العبارات (كوا لو كان األمر يعني ص ِّر ُح به: استخدمها "فوكو" فيوا ُي َ
فردية) أو ُألميزما عن تلك املجووعات التي ُأسويها الخطابات (مثلوا َّ
يتويز الجزء أفرادا وأحداثا َّ
ِّ ِّ
َ َّ َّ
ستقل لذاته الكل) وتبدو العبارة ألول وملة كعنصر بسيط ،أو جزء ال يتجزأ قابل ألن ي ِّ عن ِّ
حبة تطفو فوق سطح نسيج هي عنصره ُويقي عالقات مع عناصر أخرى مشابهة له[َّ ]...
28
املكون ،فالعبارة أبسط جزء في الخطاب" .فالعبارة هي الوحدة األساسية في تكوين ِّ
أي ِّ
َُ
خطاب ،إذن فهي بوثابة الجزء من الكل ،فالكل منا ُيو ِّثل الخطاب ،والجزء تو ِّثله العبارة ،التي
ْ ُت ْد َر ُك على السطحَّ ،
ألنها تطفو على مختلف املساحات الخطابية التي أنتجتها البشريةِّ ،وفقا
لضرورات ُم َع َّينة ،ميزتها األساسية االنفصال الحاصل بينها في مستويات تكوينها أو موارساتها؛
أي قطيعة تكون أوال على أن َّفإن كانت العبارة هي الوحدة الجومرية في الخطاب ،فهذا يعني َّ
َّ
أموية لها ،لكونها تظهر فجأة وتختفي بسرعة" ،إال َّأنها مستوى العبارة التي تبدو ال قيوة وال َّ
ً
21
للشك حدث غريب". ِّ بكل تأكيد وبوا ال َي َد ُع مجاال
تظل مع ذلك حدثا [ ]...فالعبارة ِّ
ُّ
أن قيوة العبارة فيوا تحوله من داللة في خطاب ما ،فوستوى وجودما يقترن بوا الصددَّ ، َّ
وثله من دور في سلسلة املنطوقات التي َّ ُ
يتكون منها الخطاب. ت ِّ
أن العبارة بوثابة إشارة أو دليل، يخص اإلشارة وعالقتها بالعبارة ،فيعتبر"فوكو" َّ ُّ َّأما فيوا
عدة إشارات متجاورة- ،ول ال َّربوا؟َّ -كلوا َّ
كنا ألنه "ينبغي القول بأن َّثوة عبارة َّكلوا ُك َّنا أمام َّ َّ
َّ
أمام دليل ،ودليل واحد فقط؛ وبذلك تكون عتبة العبارة هي عتبة وجود األدلة" 31،نفه من
َّ
وبالتالي فالعالقة بين أدلةَّ ، مذاَّ ،أنه ُيوكننا إدراك العبارة ،سواء من دليل واحد أو مجووعة
أن َّ
أموية العبارة تكون في تكوين أبدا ،إضافة إلى َّ
متساوية وال فرق بينهوا ً
َ اإلشارة والعبارة
َّ فكل جولة َّ ُ
أن الجولة ُعتبر الوحدة األولى في الكالمُّ ، الجول ،بحك َّ
البد من أن تتخللها
ُ َّ َّ
سانية التي ُيوكننا أو
الل َّ
العبارة؛ فبالنسبة للتحليل النحويُ ،عتبر العبارة "مجووعة العناصر ِّ
أبدا أن نعثر على العبارة في ِّغيابال ُيوكننا أن َن َت َع َّر َف فيها على صورة جولة" 32،فال يوكن ً
الجول.
أمر َّ
البد من أن العالقة بين العبارة والقضية املنطقيةٌ ، ومن جهة أخرى ،يرى "فوكو" َّ
ألن "املقايي التي خطابية مختلفةَّ ،إال َّأننا ال نلو فيها َّأية َّ
قضيةَّ ، َّ نتويان إلى مجووعاتَت َ
موية قضية ما ،وبتوييز عدد آخر من القضايا داخل وحدة صيغة ما ،وإظهار ُسوح بتحديد َّ
استقاللها أو اكتوالها ،ال تصلح لوصف الوحدة املتويزة للعبارة" 33.فالقضيتان "ل ُي ْ
ص ِّغ ِّ
منطقية ،وفي الوقت َّ التوييز بينهوا من وجهة نظرصغ" ،ال يوكننا َّ ُ ْ ٌ َّ ً ٌ
أحد"" ،صحيح أن أحدا ل ي ِّ
القضية "ملك فرنسا الحالي أصلع"، َّ أن قضيتين مختلفتين ،في حين َّ نفسه ،ال يوكن اعتبارموا َّ
َ بأنها َّإما صادقة أو كاذبةَّ ، يوكن وصفها َّ
بسياق ضوني ُيؤ ِّكدما؛ حيث يوكن ألنها ارتبطت َ
تحدد في منطقياَّ ،إال َّأنها ُُعتبر عبارة؛ فالعالقة بين العبارة والقضية املنطقيةَ ،ت َّ
ًّ اعتبارما كاذبة
ُ َ َ
صاغ في قضية منطقية ،لكن مذا ال يعني َّأنها ُغيب إذا كانت َّ
إمكانية أن ت كون العبارة تحتول
َّ
فإمكانية العثور على العبارة في كنف القضية قائوة ،دون أن يكون مناك تالزم القضية غائبة،
ضروري بين املفهومين.
نتيجة لهذا ،أمكننا القول َّ
أن العبارة أو املنطوقُ ،يو ِّثل الوحدة األساسية التي َّ
يتكون منها
وأن بين العبارة والجولة والقضية واإلشارة اللغوية ،اختالفات وتوايزاتَّ ،
البد على الخطابَّ ،
أن الفلسفة البرغسوني والسارتري" ،فبرغسون") (Henri Bergsonبنزعته الروحية ،اعتبر َّ
ُ ُّ
الذات اإلنسانية ،كونها توثل أساس الوجود اإلنساني ،مذا الوجود الساعي دائوا إلى البحث
عن الحرية ،في ِّخض ِّ القلق ومختلف الحاالت النفسية التي ُعيشها الذات الواعية ،ومن منا
َّ
تبين الفرق بين وجودية سارتر والفلسفة العلوية ،التي احتضنت وتبنت مبادئ املنهج التجريبي
فاملعرفة عند سارتر تكون عن طريق املشاركة ،بوعنى تلك التجربة التي ُعيشها الذات ،في حين
37
أن املعرفة التجريبية هي ما يرادف التجربة الحسية.
وعليه كان عول "فوكو" ومهوته األساسية ،هي َّ
النظر بعين الناقد ملثل مذه األطروحات،
سعيا منه لوضع قطيعة إبستيوولوجية مع التراث الفكري الغربي الذي َّ
شيدته الحداثة
الغربية ،على غرار ما فعله "غاستون باشالر" في نظرية الهدم والبناء ،فقد دعا "فوكو" إلى
ُّ َ
الرؤى الذاتية واأليديولوجية ،أو السلطوية ًّأيا كان مصدرما، ضرورة تحرير الخطاب من كل
فوهوة الفيلسوف في نظره الكشف عن الحقيقة بين ثنايا الخطاب ،وإن كانت الحقيقة غير َّ
ُمحددة وغير واضحة املعال " ،فون الفه الذاُي تنبج الحقيقة كاختزال للوشروع الذاُي
ُ
38
للفيلسوف حينها ت ْد َر ُك اللحظة التحريرية للفيلسوف حين يجد نفسه خارج عتبة املوضوعي".
حول عن غير َّ
والت ُّ ل ُعد الحقيقة إذن -مع "فوكو" -ذلك الثابت املستقر ،الذي ال يعرف َّ
الت ُّ
مساره الذي ُوضع فيه ،بل أصبحت معه وغيره من الفالسفة املابعد حداثيين ،قابلة للتأويل
ً
وأبعادا ربوا كانت َّ
خفية فيوا مض ى ،فقد حاول "فوكو" رصد التاريخ والتفكيك ،لتأخذ دالالت
َّ َّ ُ
املرجعية الفكرية الثابتة وثل الحضاري للفكر والثقافة الغر َّبيين ،واضعا قطيعة مع كل ما ي ِّ
ُ فالقراءة الجديدة التي أُى بها "فوكو" ،أو الكتابة التاريخية إن َّ
صح القول ،ت َو ِّثل ثورة منهجية
وُعدد مستويات التحليل ،وإعادة بناء مقولة في كتابة التاريخ ،ثورة قائوة على االنفصالية ُّ
عد بوثابة ثورة منهجية الحدث التاريخي باختالف مجاالته وأبعاده .فاألركيولوجيا الفوكوية ُُ ُّ
ُ ضد املناهج الغربية َّ
املتبعة ،واملعتودة في دراسة التراث باختالف مجاالته وحقبه ،فل تقنع
ُّ
والتجود تلك الدراسات "فوكو" ،من زاوية َّأنها جعلت املعرفة تقبع خلف أسوار الثبات
ُُ
الالمتناهي ،بل سعى إلى فتح الباب نحو أفق فكرية مجهولة النتائج معلومة املبادئ واألس .
بالتحديد الصحيح في جزء منه والخاطئ في لكنه لي كذلك َّ كنوو للفكر لي تحديدا خاطئاَّ ،
مرة أن تجد التعبير عنصحة امليتافيزيقا التي استطاعت مع "ميجل" وألول َّ اآلخرَّ ،إنه صحيح َّ
َّ يتبين َّ
ماميتها املطلقة في املنظومة الفلسفية؛ 42ومن منا َّ
أن "ميجل" مثل نقطة مامة في الفكر
َّ ُ
لكنها ُعتبر مرتكزا أساسيا في قيام فلسفة تخرج عن املعاصر ،وإن كانت بالصورة النقدية،
َّ
النسق امليتافيزيقي ،فقد أكد "فوكو" دائوا على السلطة التي فرضها النسق الهيجلي على
جادة لتحطي األلواح التي تتلخص في محاولة َّ مهوته َّ الفلسفة املعاصرة َّ
برمتها ،حيث اعتبر أن َّ
43 َّ
وضعها النسق الهيجلي.
تقدم يتساءل "فوكو"" :مل مازال بإمكاننا أن نتفلسف في مجال ما باالستغناء وبناء على ما َّ
ً
عن ميجل؟ مل يجوز أن توجد فلسفة غير ميجلية؟ وما مو ميجلي في فكرنا ،مل ُي ُّ
عد
بالضرورة غير فلسفي؟ وكل ما مو مناقض للفلسفة ،مل ُي ُّ
عد بالضرورة غير ميجلي" 44.فقراءة
أن الفلسفة التي فرضها "فوكو" لـهيجل كانت منطلقا حاسوا في مشروعه النقدي بحك َّ
نصبت نفسها كراع للفكر الفلسفي ،أو كإطار عام البراديغ الهيجلي في مختلف مستوياتهاَّ ،
َ ُ
عتبرة أ َّي محاولة للخروج عن مذا اإلطار مآلها السقوط والفشل ،أو
ألي محاولة للتفلسف؛ م ِّ
ِّ
َّ
الخروج عن الفلسفة ،لكن "فوكو" رأى أن مذا األنووذج امليتافيزيقي قد استنفذ كل مقوالته،
ومن الضرورة البحث عن ُس ُبل أخرى إلنتاج الحقيقة الفلسفية ،وإن كانت مذه األخيرة غير
الض ِّيقة ملفهوم الحقيقة في مختلفمحددة؛ فقد حاول "فوكو" أن يتجاوز تلك النظرة ََّّ
َُ
مستوياتها ،فلي من الجدوى البحث عن الحقيقة في إطار محدود ،بل األجدر أن نؤ ِّرخ لتلك
الحقائق ،ونقوم بقراءة نقدية للتاريخ في كل حقبه الزمنية ،من خالل األثر املتواجد داخل
الخطابات املتعددة.
َّتتضح إذا وجهة نظر "فوكو" من املناهج املعتودة من طرف الفالسفة في معالجته ملختلف
َّ
املشكالت الفلسفية ،إذ عاب عليها الثبات واالستقرار عند نقطة واحدة وخصوصا مع تضييق
ثاوي ًة بين ثنايا ُ
الحطام امليتافيزيقي ظلت َ َّ
العام للقراءات التاريخية ،تلك القراءات التي
اإلطار ِّ
َّ
الدور املنوط باملثقف ،ل يعد يتوحور أن َّ الذي تجاوزته مقوالت الخطاب املعاصر ،إضافة إلى َّ
حول النقد وصياغة الحلول للوشكالت املختلفة ،سواء على املستوى السياس ي أو االجتواعي
الناقد .ومذا بحسب "فوكو"محل املتلقي ال َّ أو الثقافي األنثربولوجي ،في حين َّ
أن الذات تبقى َّ
ِّ
نتيجة لغياب الح ِّ النقدي ،وبهذه الصورة يكون العول الفلسفي قد ابتعد ِّكلية عن جومره،
ََ َّ
َّ
لتتحول اإلجابة إلى سؤال ألننا "في الفلسفة ال ننتهي ،فق َد ُرما أن تظل ُسأل باستورار ُلتجيب،
َ َ
جديد ،وهي ك ُروح ُساؤلية نقدية ،ترفض أن ت َت َج َّود في املعنى الواحد ،أو الحقيقة الواحدة،
وثنية الفكرِّ ،حفاظا على ِّإبداعية العقل ،وضوانا فتراما باستورار ُتحارب الحقائقَ ،ت َن ُّكرا ِّل َّ
جددما ،فتاريخ الفلسفة تاريخ قطيعات وثورات إبستيوية َت َت َّ
حدد بوقتضياتها اريتها َوت ُّ
الستور َّ
أن العق الذي أصاب املناهج التقليدية ،جعل من الح الحقائق َوت َت َع َّدد األنساق" 45.في حين َّ
فتربعت امليتافيزيقا على عرش الفلسفة، النقدي الصارم يكون غائبا عن املشهد الفلسفيَّ ،
وترتب عن مذا الواقع الفكريفكان نتيجة ذلك ،اُساع الهوة بين اإلنسان وكينونته األصيلةَّ ،
ِّ
َّ َّ َّ َّ
تصو ٌر للذات قائ على مختلف أشكال التطويع والتقييد والتدجين ،بحك أن الخطاب املتأزمُّ ،
ِّ
السلطوي املعرفي ،قد عول دور الوصاية املطلقة على الذات .ومن مذا املنطلق اتجهت
األبحاث الفوكوية صوب تحرير الفكر من القيود التي فرضتها النسقية ،وضاعت في خ َ
ض ِّوها ِّ
أنطولوجيا الذات الغربية ،وتناثر وجودما بين الشبكة السلطوية ومؤسساتها املختلفة؛ فكانت
األركيولوجيا الفوكوية بآلياتها الحفرية بوثابة كشف للووارسات السلطوية في املجاالت
املتعددة ،وزعزعة لليقين الذي رسوت معامله مقوالت الخطاب الحداثوي،فاستطاعت بذلك
ِّ
التنقيب في مختلف اآلليات السلطوية التي عولت على تطويع الذوات عبر تنظيراتها وموارساتها
على حد سواء ،والكشف عن مدى التواشج الحاصل بين ثنائية املعرفي /السلطوي ،وكيف َّ
أن ٍّ
كال املقولتين ُعوالن لتحقيق مدف واحد ومو التدجين والتطويع.
اهلوامش واإلحاالت: